المجلد الأول
مقدمات
...
تمهيد:
أولا- تعريف موجز بابن هشام الأنصاري:
المولد والنشأة: ولد العلامة الشيخ، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري بالقاهرة في ذي القعدة، سنة ثمان وسبعمائة من الهجرة1، الموافق سنة / 1309/ من الميلاد. ومن ثم ترعرع فيها، وشب محبا للعلم والعلماء، فأخذ عن الكثيرين منهم، ولازم بعضا من الأدباء والفضلاء.
شيوخه: ذكر صاحب الدرر الكامنة2 أن ابن هشام لزم عددا من فحول عصره، وتلقى العلم على أيدي علماء زمانه، وتتلمذ لهم، ومنهم ابن السراج3، وأبو حيان4، والتاج التبريزي5، والتاج الفاكهاني6، والشهاب بن المرحل7، وابن جماعة8، وغيرهم.
__________
1 بغية الوعاة، للسيوطي. تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم "ط: 2. بيروت: دار الفكر، "1399-1979 م"، 2: 68.
2 الدرر الكامنة، لابن حجر "حيدر آباد، 1348 هـ"، 2: 308-310.
3 ابن السراج: محمد بن أحمد، أبو عبد الله السراج الدمشقي، مقرئ نحوي، ولد سنة 668هـ، ومات سنة 743هـ. بغية الوعاة: 1/ 20.
4 أبو حيان: محمد بن يوسف، أثير الدين الغرناطي، نحوي عصره، ولغويه، ومحدثه، وأديبه، له البحر المحيط في التفسير، والمدبح في التصريف وغيرهما. مات سنة 745هـ. بغية الوعاة: 280-283".
5 التبريزي: علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي، عالم ورع وأحد الأئمة الجامعين لأصناف العلوم. مات سنة 746هـ. المصدر نفسه: 2/ 171.
6 التاج الفاكهاني: عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندراني، له شرح العمدة، والإشارة في النحو وغيرهما. مات سنة 731هـ. المصدر نفسه 2: 221، والدرر الكامنة: 3/ 178.
7 الشهاب بن المرحل: عبد اللطيف بن عبد العزيز، ولم يذكر له صاحب البغية ترجمة وافية. البغية 2/ 541.
8 ذكر صاحب البغية، في ترجمتة لابن هشام، أنه "حدث عن ابن جماعة بالشاطبية"، والذين سموا بهذا الاسم كُثر، ولعل المقصود بالذكر هنا بدر الدين محمد المتوفى سنة 733هـ، والذي كان يشغل منصب قاضي قضاة دمشق، ثم مصر في أيامه.(1/3)
تلاميذه:
لم تذكر كتب التراجم تلاميذ ابن هشام، ولعل أكثرهم كان من غير المشهورين، واكتفى صاحب البغية بالقول: "وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم"1.
منزلته العلمية:
أتقن ابن هشام العربية، حتى فاق أقرانه وشيوخه ومعاصريه، وكان لكتابيه: "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب"، و"أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك". صدى في النفوس، ونال بهما منزلة لدى العلماء والأدباء "فاشتهر في حياته، وأقبل الناس عليه"3 غير أن شهرته لم تكن محصورة في مصر وحدها، بل تعدتها إلى المشرق والمغرب، حيث ذكر صاحب الدرر الكامنة نقلا عن ابن خلدون قوله: "ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية، يقال له: ابن هشام، أنحى من سيبويه"3.
ذكاؤه وفطنته:
كان ابن هشام، يتمتع بذكاء خارق، وذاكرة قوية، حيث استطاع أن يجمع عدة علوم، وأن يبرز فيها، وهو "المتفرد بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البارع، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التصرف في الكلام، والملكة التي كان يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد مسهبا وموجوزا"4، وما يدلنا على مدى فطنته، وقوة حافظته حتى أواخر حياته، أنه حفظ مختصر الخرقي في دون أربعة أشهر قبل موته بخمس سنين"5.
تدينه ومذهبه:
ابن هشام عالم ورِع، لم يتهم باعتقاده، ولا بتدينه، ولا بسلوكه، وهو شافعي المذهب، وتحنبل في أواخر حياته6، وهذا يدل على أنه كان متعمقا في كلا المذهبين.
__________
1 بغية الوعاة: 2/ 68.
2 المصدر نفسه.
3 المصدر نفسه، ص: 69. والدرر الكامنة: 2/ 308-310.
4 البغية: 2/ 69.
5 المصدر نفسه.
6 المصدر نفسه، ص: 68.(1/4)
صفته وأخلاقه: كان ابن هشام يمتاز "بالتواضع والبر والشفقة ودماثة الخلق رقة القلب"1 فضلًا عن دينه، وعفته، وحسن سيرته، واستقامته، وكان إلى ذلك صبورا في طلب العلم مداوِما عليه حتى آخر حياته-كما أشرنا- ومن شعره في الصبر:
ومن يصطبرْ للعلم يظفرْ بنيلِهِ ... ومن يخطبِ الحسناءَ يصبرْ على البذلِ
ومن لا يذل النفس في طلب العُلا ... يسيرًا يَعِشْ دهرًا طويلًا أَخَا ذُل2
آثاره:
لابن هشام مصنفات كثيرة، منها:
1- الإعراب عن قواعد الإعراب.
2- الألغاز.
3- أوضح المسالك إلى ألفية بن مالك.
4- التذكرة.
5- التحصيل والتفصيل لكتاب "التذييل والتكميل"
6- الجامع الصغير.
7- الجامع الكبير.
8- رسالة في انتصاب "لُغَةً" وفَضْلًا"، وإعراب "خِلافًا" و"أيضًا" و"هَلُم جرا".
9- رسالة في استعمال المنادى في تسع آيات من القرآن.
10- رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة.
11- الروضة الأدبية في شواهد علم العربية.
12- شذور الذهب.
13- شرح البردة.
14- شرح شذور الذهب.
15- شرح الشواهد الصغرى.
16- شرح الشواهد الكبرى.
17- شرح القصيدة اللغوية في المسائل النحوية.
18- شرح قطر الندى وبل الصدى.
19- شرح اللحمة لأبي حيان.
20- عمدة الطالب في تحقيق صرف ابن الحاجب. 21- فوح الشذا في مسألة كذا.
22- قطر الندى وبل الصدى.
23- القواعد الصغرى.
24- القواعد الكبرى.
25- مختصر الانتصاف من الكشاف.
26- المسائل السفرية في النحو.
27- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب.
28- موقد الأذهان وموقظ الوسنان.
وفاته:
توفي ابن هشام -رحمه الله تعالى- ليلة الجمعة في الخامس من ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة من الهجرة، الموافق سنة 1360 من الميلاد3، ورثاه ابن نباتة بقوله:
سقى ابن هشام في الثرى نوء رحمة ... يجر على مثواه ذيل غمام
سأروي له من سيرة المدح مسندًا ... فما زِلْتُ أروي سيرة ابن هشام4
__________
1 بغية الوعاة: 2/ 69
2 بغية الوعاة: 2/ 69.
3 المصدر نفسه.
4 المصدر نفسه، ص70.(1/5)
ثانيا- منهج ابن هشام النحوي:
يعد ابن هشام الأنصاري شيخا من شيوخ النحاة المجتهدين، الذين لم يكتفِ بالحفظ والفهم، والتقليد، وإنما فهموا، وقارنوا، واستنبطوا، ووفقوا واصطفوا، ورجحوا، وقبلوا، ورفضوا، وهذا شأن العلماء المجتهدين والمجددين في القديم والحديث.
وابن هشام نحوي بارع في عرض مادته، كما هو بارع في تحليله ونقده، فضلًا عن براعته في تصيد أمثلته، والاستدلال بها عما يجول في خلده. وكان ابن هشام حرا في تفكيره، موضوعيا في أخذه ورده؛ فهو لم يتعصبْ لمذهب من المذاهب النحوية، أو لمدرسة بعينها، وإن كان ميالا إلى مدرسة البصرة، مبجلا علماءها وأحيانا كان يقول: "والذي عليه أصحابنا" ويعني بهم البصريين. غير أن هذا الميل لم يكن لهوىً في نفسه؛ وإنما لكونه رجح آراءهم في مواطن كثيرة، ورد عليهم في مواطن أقل، وأخذ بالرأي الأقوى كائنًا من كان صاحبه، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا نستطيع الإحاطة بها في هذه العجالة، وإنما سنقتصر على نماذج قليلة من أخذه ورده.
أولا: رجح مذهب جمهور البصريين في أن المحذوف في مثل: "تأمروني" نون الرفع، لا نون الوقاية1، كما حذا حذوهم في عد "زيد" في مثل "إن زيد قائم" فاعلا لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده، لا مبتدأ -خلافا للأخفش الأوسط- ولا فاعلا مقدما للفعل، خلافا للكوفيين2. والأمثلة على موافقته لمذهبهم كثيرة لا تحصى.
وقد اختار مذهب سيبويه في أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وأن الخبر مرفوع
__________
1 انظر مغني اللبيب، لابن هشام الأنصاري: 380.
2 التصريح على التوضيح: 1/ 270-271.(1/6)
المبتدأ1. وأن المضاف إليه مجرور بالمضاف، لا بالإضافة، ولا باللام المحذوفة.
ثانياً: رجح ما ذهب إليه الكوفيون في قولهم: الفعل ماضٍ، ومضارع فقط، وأن الأمر فرع من المضارع المصحوب بلام الطلب، في مثل: "لِتَقُمْ"، فحذفت لام الطلب؛ لِلتخفيف، في مثل: "قمْ واقعُدْ" وتبعها حرف المضارعة3.
- ورجح ما ذهب إليه الكوفيون في مسألة جملة "البسملة"، حيث عدها البصريون اسمية، على تقدير "ابتدائي باسم الله"، وعدها الكوفيون. "فعلية"، على تقدير: "أبدأ باسم الله"، فوافق الكوفيين، وقدر: "باسم الله أقرأ".
- كما وافق الكوفيين، في نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، وفي مجيء الباء" بمعنى: "من"، التي تفيد التبعيض4، مثل: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 5، وفي مجيء "من" مفيدة ابتداء الغاية الزمانية6، وفي نيابة "أل" عن الضمير7، وفي مجيء "لا" عاطفة8، كما وافقهم في مسائلَ كثيرةٍ، لا داعيَ لذكرها.
ثالثاً: ختار كثيرا من آراء البغداديين، واستشهد بها في مواطن كثيرة؛ منها:
- جواز نداء ما فيه "أل" في سعة الكلام، لا في ضرورة الشعر فقط9.
- جواز إعمال اسم المصدر، إن لم يكن علمًا، ولم يكن ميميا، خلافا للبصريين1.
__________
1 التصريح على التوضيح: 1/ 158.
2 التصريح على التوضيح: 2/ 24.
3 انظر المغني: 250.
4 انظر المغني: 142-143.
5 سورة المائدة، الآية: 6.
6 انظر المغني: 419-420.
7 انظر المغني: 77-78.
8 انظر المغني: 101.
9 أوضح المسالك: 3/ 85-86، وشرح التصريح: 2/ 173.
10 أوضح المسالك: 2/ 242-243، وشذور الذهب: 412.(1/7)
- جواز مجيء "ليس" حرفا عاطفا، كما في قول الشاعر:
إنما يجزي الفتى ليس الجمل1
ووافق ابن جني في أن الجملة قد تبدل من المفرد، كقول الشاعر:
إلى الله أشكو بالمدينة حاجةً ... وبالشام أُخرى كيف يلتقيانِ؟
على تقدير: "إلى الله أشكو حاجتين تعذر التقائهما".
رابعاً: اختار بعض ما ذهب إليه الأندلسيون، وخاصة ابن مالك وابن عصفور؛ فأما ابن مالك، فقد كان كثير الموافقة له في آرائه، وقلما خالفه فيها، ومعلوم أنه شرح له "الألفية" التي نحن في صدد الحديث عن شرحه لها، كما شرح له "التسهيل"، ومن الأمور التي وافقه فيها على سبيل المثال: أن "إلى"1 قد تأتي بمعنى "في"2، كما في قوله تعالى: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} 3. وأن "حتى" إذا عطفت على مجرور، أعيد الخافض فرقا بينها وبين "حتى" الجارة، مثل: "مررت بالقوم حتى بزيد"4.
وأما موافقته لابن عصفور فيمكن التمثيل عليها، بموافقته له بأن "لن" قد تأتي للدعاء، كما أنت "لا" لذلك، والحجة في قول الأعشى:
لن تزالوا كذلكم ثم لا زلـ ... ت لكم خالدًا خلود الجبالِ5
خامساً: وافق الزمخشري، ورد عليه في مواطن كثيرة:
فأما موافقته فتتجلى في استحسانه رأيه في أن أما" في مثل: "أما زيد فمنطلق" تفيد التوكيد. قال: "قل ذكره، ولم أر من أحكم شرحه غير الزمخشري، فإنه قال: فائدة "أما" في الكلام: أن تعطيه فضل توكيد، تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد.
__________
1 أوضح المسالك: 3/ 38.
2 المغني: 104-105.
3 سورة النساء الآية 87.
4 المغني: 172.
5 المغني: 517. ورواية البيت في ديوان الأعشى: "لا زلت لهم".(1/8)
ذلكن وأنه لا محالة ذاهب، وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمة، قلت: أما زيد فذاهب1.
وأما ردوده عليه فكثيرة، ونختار واحدًا منها على سبيل التمثيل، وهو رده عليه في أن "لن" تقتضي تأبيد النفي وتوكيده. فقال رادا: "وكلاهما دعوى بلا دليل، ولو كانت للتأبيد، لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} 2، ولكان ذكر الأبد في قوله جل ثناؤه: {وَلن تَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} 3 تكرارا، والأصل: "عدمه"4.
سادساً: تعقب ابن هشام ابن الحاجب وكثيرًا ما أثبت عليه السهو، والوهم، والتعسف، ونقض آراءه، ومن أمثلة ذلك ما ذهب إليه ابن الحاجب، في قول ذي الرمة:
حراجيج ما تنفك إلا مناخة ... على الخسف أو نرمي بها بلدًا قفرا5.
من أن "ما تنفك": ناقصة، وأن الخبر "على الخسف"، وأن "مناخة": حال، وأن "إلا" زائدة، فقال ابن هشام: فاسد لبقاء الإشكال؛ إذ لا يقال: جاء زيد إلا راكبا.
سابعاً: ولم يكن ابن هشام في تتبعه لآراء النحاة السابقين جامعا لها، ومستوعبا لها وحسب، وإنما كان يناقشها، ويبين الصحيح منها من الفاسد -كما أسلفنا- وكان يكثر من الاستنباطات، ويعرض إلى جانبها الآراء المبتكرة غير المسبوقة، وهي أكثر من أن تُحصى، ومنها على سبيل المثال ذهابه إلى أن "عشر"
__________
1 المغني: 59.
2 سورة مريم، الآية: 26.
3 سورة البقرة، الآية: 95.
4 المغني: 374.
5 المغني: 102، والحرجوج: الناقة السمينة الطويلة، والخسف: الذل، والمراد بالخسف هنا: مبيتها من غير علف. انظر القاموس المحيط: 1/ 189، 3/ 137"،وانظر الوسيط في تاريخ النحو، د. عبد الكريم محمد الأسعد "ط: 1. الرياض: دار الشواف، 1413هـ-1992م"، ص 213.(1/9)
في قولنا: "اثني عشر"، حلت محل النون، في "اثنين"، وهي بذلك ليست مضافة إلى ما قبلها، ولا محل لها من الإعراب1.
ومما سبق يتأكد لنا أن ابن هشام، كان يوازن بين آراء البصريين، والكوفيين، والبغداديين، وسواهم من النجاة "ويختار لنسفه ما يتمشى مع مقاييسه مظهرا قدرة فائقة في التوجيه والتعليل والتخريج، وكثيرا ما يشتق لنفسه رأيا جديدا، لم يُسبَق إليه، وخاصة في توجيهاته الإعرابية، وهو في أغلب اختياراته، يقف مع البصريين، وكان يجل سيبويه إجلالا بعيدا، كما كان يجل جمهور البصريين، ويدافع عن آرائهم"2.
وأما طريقة ابن هشام في عرض موضوعاته، فكان يعرض الفكرة ثم يسوق الأدلة والشواهد من القرآن الكريم، والحديث الشريف، والشعر القديم، وأحيانا من الحكم والأقوال المأثورة، ومن منثور الكلام القديم أحيانا أخرى، وربما ذكر أبياتا لشعراء لا يُحتَج بشعرهم؛ على سبيل التمثيل لا الاستشهاد بها؛ أو ليبين لحن أصحابها.
وأما تعاطيه مع الشواهد، فينم عن ثقافة واسعة، وقدرة عجيبة على الاستنباط والتحليل، وكان يقدم الشواهد القرآنية على غيرها؛ لأنها كلام فصل لا مجال للشك فيها، وله ثلاثة اتجاهات في اعتماده الآيات القرآنية في كتبه، هي2:
أولاً: آيات استشهد بها على تثبيت قاعدة متفقٍ عليها.
ثانياً: آيات اتخذ منها المؤلف أدلة على قاعدة ارتآها وأراد أن يدعمها بدليل قرآني.
ثالثاً: آيات أوضح ابن هشام ما دار حولها من نقاش وجدل.
وأما بالنسبة إلى القراءات القرآنية، فقد "حاول دائما، إزاء القراءات التي في
__________
1 انظر همع الهوامع: 1/ 14، والوسيط في تاريخ النحو: 214.
2 الوسيط في تاريخ النحو، الدكتور عبد الكريم الأسعد: 211.
3 أثر القرآن والقراءات في النحو العربي، الدكتور محمد سمير نجيب اللبدي: 148.(1/10)
ظاهرها خروج عن القواعد العربية توجيهها وتخريجها على وجه ترتضيه اللغة، ويقبله النحو، ولا يتجرأ عليها، فيصفها بالشذوذ، كما كان يفعل بعض النحاة"1.
وربما "بنى ابن هشام بعض القواعد النحوية مستندا إلى القراءات، وقد صرح بذلك قائلا: إن القراءة سنة متبعة، وليس كل ما تجوزه العربية، تجوز القراءة به"2.
وأما بالنسبة إلى الحديث الشريف، فقد استشهد به ابن هشام، واستدل به خلافا للكثيرين من النحاة الذين لا يجيزون الاستدلال بالحديث الشريف3 حيث استشهد في كتابه "المغني" باثنين وستين حديثا سبعا وسبعين مرة، واستشهد في أوضح المسالك بستة وثلاثين حديثا، واستشهد في شرحه لكتاب "اللمحة البدرية في علم اللغة العربية" لأبي حيان، بستة وعشرين حديثا، سبعا وعشرين مرة، واستشهد في كتابه "شرح شذور الذهب" بستة وعشرين حديثا سبعا وعشرين مرة أيضا4.
ومن الأحاديث التي استشهد بها على سبيل المثال.
"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".
__________
1 المدرسة النحوية في مصر والشام في القرنين السابع والثامن من الهجرة، الدكتور عبد العال سالم: 419-421".
2 ابن هشام الأنصاري - حياته ومنهجه النحوي، الدكتور عصام نور الدين "ط: 1. بيروت الشركة العالمية للكتاب، 1989"، ص: 67-68. وانظر شذور الذهب: 304.
3 ممن رفضوا الاحتجاج بالحديث الشريف: أبو حيان في شرح التسهيل، ونسب عدم الاحتجاج به إلى أبي عمرو بن العلاء، ويحيى بن عمر، والخليل، وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي والفراء، وعلي بن المبارك الأحمر، وهشام الضرير من أئمة الكوفيين.
أما المجوزون فمنهم: ابن مالك، ورضي الدين الأستراباذي، وابن خروف، وابن هشام، والبدر الدماميني، وناظر الجيش محب الدين بن يوسف الحلبي، والخطيب البغدادي. انظر في أصول النحو، سعيد الأفغاني "ط: 3. بيروت: دار الفكر، 1383هـ-1964"، ص: 50 وأصول التفكير النحوي، الدكتور علي أبو المكارم "بيروت دار الثقافة، 1973م"، ص: 661- 662 وابن هشام الأنصاري- حياته ومنهجه النحوي: 71-73.
4 المرجع نفسه: 75.(1/11)
فقد استشهد بهذا الحديث على أن "نعم، وبئس، وعسى، وليس" أفعال فقال: فأما "نعم وبئس"، فذهب الفراء وجماعة من الكوفيين إلى أنهما اسمان واستدلوا على ذلك، بدخول حرف الجر عليهما، في قول بعضهم وقد بشر ببنت: "والله ما هي بنعم الولد"؛ وأما "ليس" فذهب الفارسي في الحلبيات: "إلى أنها حرف نفي بمنزلة "ما" النافية، وتبعه على ذلك أبو بكر بن شقير، وأما "عسى"، فذهب الكوفيون: إلى أنها حرف تَرَجٍ بمنزلة "لعل" وتبعهم على ذلك ابن السراج. ثم قال: والصحيح: أن الأربعة أفعال، بدليل اتصال تاء التأنيث الساكنة بهن، كقوله -عليه الصلاة والسلام-: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل"، والمعنى: من توضأ يوم الجمعة، فبالرخصة أخذ، ونعمت الرخصة الوضوء"1.
وأما الشواهد الشعرية، فقد غصت بها مؤلفات ابن هشام، وقلما نجد مؤلفه فيه من الشواهد ما يدانيه، ففي "شرح قطر الندى وبل الصدى" بلغ مجموع الشواهد الشعرية خمسين شاهدا ومائة شاهد، وفي "شرح اللمحة البدرية" واحدا وتسعين شاهدا ومائة شاهد، وفي "شرح شذور الذهب" تسعة وثلاثين شاهدا ومائتي شاهد، وفي "أوضح المسالك" ثلاثة وثمانية شاهدا وخمسمائة شاهد، وهو في شواهده الشعرية، لا يبني على النادر منها قاعدة؛ لأن النادر عند ابن هشام: أقل من القليل، كما صرح بقوله: "اعلم أنهم يستعملون "غالبا" و"كثيرا" و"نادرا" و"قليلا" و"مطردا"، فالمطرد: لا يتخلف، والغالب: أكثر الأشياء، ولكنه يتخلف، والكثير دونه، والقليل دون الكثير، والنادر أقل من القليل"2.
وقد خالف ابنُ هشام الكوفيين في قضية الاستشهاد بما لم يعرف قائله، "لأن الجهل بالناقل، يوجب الجهل بالعدالة"، وقد أورد في شرحه للألفية الشعر الذي استدل به الكوفيون على جواز مد المقصور للضرورة، وهو:
قد علمت أخت بني السعلاء ... وعلمت ذاك مع الجزاء
__________
1 شرح قطر الندى وبل الصدى: 35-37، وشرح شذور الذهب: 21-22.
2 المزهر، للسيوطي: 1/ 234، وابن هشام الأنصاري - حياته ومنهجه النحوي، ص81.(1/12)
أنْ نعم مأكول على الخواء ... يا لك من تمر ومن شيشاء
ينشب في المسعل واللهاء
ثم قال: "الجواب عندنا أنه لا يعلم قائله، فلا حجة فيه"1.
غير أنه لم ينكر الأبيات المجهولة كلها، ولا يمنع من الاستشهاد بها "إذا وفرت فيها صفات حددها لنفسه، وهي: فصاحة القول وصفاؤه، وسلامته من الفساد، فلا يحتج بمن لابس الضعف لغته، وخالطت العجمة كلامه، وتسربت الركاكة إلى لفظه"2.
وكذلك خالف ابن هشام البصريين في تأويل الشواهد؛ والتأويل كان الوسيلة التي لجأ إليها النحاة؛ لِلتوفيق بين القواعد وبين النصوص المخالفة لها، المنسوبة -في الوقت نفسه- إلى عصر الاستشهاد. أما ما لا ينتسب إلى عصر الاستشهاد، من هذه النصوص، فقد كان الرفض هو السمة البارزة التي توضح موقف النحاة منه. وكان التعبير عن هذا الموقف-في أكثر الأحيان- يتخذ اصطلاح الشذوذ"3.
وأما استشهاده بالنثر، فواضح في كتابه، حيث ساق بعضا من الأمثال والأقوال المشهورة، وإن كانت نسبتها أقل بالقياس مع الشواهد القرآنية، وشواهد الحديث، والشواهد الشعرية، حيث ذكر في "شرح شذور الذهب" ستة أمثال، وفي شرح "اللمحة البدرية"، ذكر ستة عشر قولا ومثلا، وفي أوضح المسالك، ذكر ثمانية وخمسين قولا ومثلا، وذكر في "مغني اللبيب" تسعة وأربعين قولا ومثلا، ومن الأمثلة التي استشهد بها على سبيل المثال: "تسمعَ بالمعيدي خير من أن تراه". وقولهم: "مره يحفرَها"، وقولهم: "خذِ اللص قبل يأخذَك"، فقد حذفت "أن" الناصبة في هذه الشواهد، فنصبوا "تسمع" ويأخذك"، و"يحفرها"، وهو شاذ، يُحفظ ولا يقاس عليه4.
__________
1 المزهر: 1/ 142.
2 علوم الحديث ومصطلحاته- عرض ودراسة- صبحي الصالح، ص 333.
3 أصول التفكير النحوي، الدكتور علي أبو المكارم، ص 261-262.
4 مغني اللبيب لابن هشام، ص839. وانظر ابن هشام الأنصاري- حياته ومنهجه النحوي، ص: 87-88.(1/13)
وأسلوب ابن هشام واضح، لا تعقيد فيه، وهو يميل إلى البساطة والبعد عن التقعير والتعقيد، همه أن يوصل الفكرة إلى المتعلم من أقصر الطرق؛ ولهذا اتسم أسلوبه بشيء من الركاكة اللغوية، حتى خاله بعضهم يلحن في اللغة، وما ذلك إلا لكونه كان يترخص -أحيانا- في الاستعمالات اللغوية، فيدع الراجح، ويأخذ بالمرجوح، غير أنه كان سهل العبارة، دقيقا في تخير ألفاظه، واضحا في دلالاته.
وأما ظاهرة الاستطراد فهي السمة الغالبة في مؤلفاته؛ حيث لم يستطع -على الرغم من منهجيته، وطريقته المبتكرة في ترتيب موضوعاته- من التحرر منها، فتراه وهو يعالج مسألة من المسائل، يستطرد في شرح كلمة عارضة في سياق شاهد من الشواهد، وكأنه يعقد مبحثا جديدا لمناقشتها، ثم يعود إلى موضوعه الأول، ولعل ابن هشام قصد الاستطراد؛ ليوضح أفكاره، ويزيدها جلاء؛ لتكون أرسخ في الأذهان، وربما أراد -من خلالها- إقحام أكبر قدر ممكن من المعلومات في مخيلة قارئي كتبه، فضلا عن المعلومات الرئيسية التي يريد إفهامها.
ومهما يكن من أمر، فإن ابن هشام الأنصاري علم من أعلام النحاة المجتهدين والمجددين الذي يعود الفضل إليهم في تهذيب النحو العربي، وإخرجه بشكله المتكامل الواضح بعيدا عن الغموض والتعقيد.
وفي الختام، نتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذا الكتاب كما نفع بأصله، والحمد لله أولا وآخرا.(1/14)
ثالثاً: عملنا في الكتاب:
أ- في المتن:
باب معلوما للدارسين والمحققين على السواء أن المحافظة على نص المتن مسألة لا يجوز الحديث فيها، حيث لا يسمح بتغيير حرف واحد في متن الكتاب المحقق، إذا جاءت لغته سليمة، وعباراته صحيحة، وإذا ما اقتضت الضرورة أي تغيير يذكر في الأصل؛ لِأمر ما، فلا بد من الإشارة إلى هذا التغيير في الحاشية؛ وانطلاقا من هذه الحقيقة المسلم بها، وتمشيا مع المنهجية العلمية، فقد حرصنا على متن الكتاب -كما هو- من دون أي زيادة أو نقصان.
غير أننا أثبتنا في المتن أمورا، لا تتنافى مع المنهجية العلمية، وأصول قواعد التحقيق، وهي:
أولاً: ضبطنا علامات الترقيم، ووضعناها في الأماكن المناسبة بين الكلمات، والجمل، والعبارات المختلفة؛ لأنها تساعد الطالب في قراءة النص قراءة صحيحة، تمكنه من فهم المراد.
ثانياً: وضعنا عناوين فرعية لمباحث الكتاب، فضلا عن عناوين الأبواب، والفصول، والمباحث التي جاءت في الأصل؛ لِيتمكن الطالب من العودة إلى المطلوب بيسر وسهولة وقد وضعنا هذه العناوين بين معقوفين.
ثالثاً: أثبتنا اسم البحر الشعري -فوق الشاهد، إلى جهة اليسار- بين خطين مائلين، على النحو التالي:
" ... وقد تبدل الجملة من المفرد، كقوله: [الطويل]
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان؟(1/15)
ب- في الحاشية:
أولا: الآيات القرآنية:
أ- عزونا الآيات القرآنية.
ب- بينا أوجه القراءات في الآية الواحدة، إذا كان لها وجهان أو أكثر، ومن ثم ذكرنا توجيه القراءات، على الشكل التالي: "..... يجوز في الاسم الذي يتلو الوصف العامل أن ينصب به، وأن يخفض بإضافته، وقد قرئ: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه} ، و: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّه} 2، بالوجهين..... ". 65 سورة الطلاق، الآية: 3.
أوجه القراءات:
قرأ عاصم وحفص والمفضل وأبان وجبلة وجماعة عن أبي عمرو: "بالغ أمره". برفع بالغ من دون تنوين. وقرأ العامة بتنوين "بالغ"، ونصب "أمره".
توجيه القراءات:
قراءة عاصم وحفص ومن معهما على إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله "أمره". وأما قراءة العامة، فعلى إعمال اسم الفاعل عمل فعله؛ لأنه بمعنى الاستقبال، فنصب "أمره" ولم يضف إليه. انظر البحر المحيط: "8/ 273، والقرطبي: 18/ 161، ومشكل إعراب القرآن: 2/ 384.
ج- بينا موطن الشاهد ووجه الاستشهاد في الآية الكريمة، ومن ثم ذكرنا الحكم كما في تعليقنا على الآية السابقة: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّه} ، 39 سورة الزمر، الآية: 38.
__________
1 65 سورة الطلاق، الآية: 3.
2 39 سورة الزمر، الآية: 38.(1/16)
موطن الشاهد: {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} .
وجه الاستشهاد: إضافة اسم الفاعل "كاشفات" إلى ضره".
ثانياً: الأحاديث الشريفة:
خرجنا الأحاديث الواردة في المتن بعد إتمامها، ومن ثم ذكرنا اختلاف رواياتها وبيَّنَّا موطن الشاهد فيها، ووجه الاستشهاد، إذا لم يبين المؤلف في المتن المراد من الاستشهاد بها.
ثالثاً: الشواهد الشعرية:
سبقت الإشارة في أثناء حديثنا عن عملنا في المتن، أننا أثبتنا اسم البحر الشعري، للشاهد فوق البيت. وأما في الحاشية، فتجلى عملنا في الآتي:
أ- ذكرنا اسم صاحب البيت، إن صحَّت نسبته إلى شاعر بعينه، وتيقنَّا من صحة هذه النسبة. وإذا نسب إلى غير واحد، ذكرنا المنسوب إليهما، أو إليهم ورجحنا نسبته إلى واحد منهم إن توفَّرت القرائن، وإلا اكتفينا بذكر المنسوب إليهم فقط.
ب- ترجمنا لصاحب الشاهد ترجمة موجزة. وإن لم نعثر على ترجمة لذلك القائل، اكتفينا بما ذكره أصحاب المتون، وعقبنا بالقول: "لم نعثر له على ترجمة وافية".
ج- ذكرنا المصادر والمراجع التي يوجد فيها الشاهد، وركزنا على ذكر كتب النحو المعتمدة. وإذا أتى الشاهد مرقما في مصدر من المصادر، أثبتنا رقمه في ذلك المصدر أولا، ثم ذكرنا الصفحة، وإذا كان المصدر أو المرجع جزأين أو أكثر، ذكرنا رقم الشاهد أولا، ثم رقم الجزء أو المجلد ثانيا، ثم رقم الصفحة ثالثا.
وأما إذا ورد غير مرقم، فإننا نثبت اسم الكتاب أولا، ثم الصفحة ثانيا، وإن كان المصدر جزأين أو أكثر نذكر رقم الجزء أو المجلد أولا، ثم الصفحة ثانيا، وهكذا، كما في تخريج الشاهد التالي:
سبقوا هويَّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكل جنب مصرع(1/17)
تخريج الشاهد:
البيت من عينيَّة أبي ذؤيب الهذلي المشهورة، وهو من شواهد: الأشموني "674/ 2/ 331"، والعيني: 3/ 493، والمحتسب: 1/ 76، وأمالي ابن الشجري: 1/ 281" وشرح المفصل: 3/ 33، والمقرب: 46، وهمع الهوامع: 2/ 53، والدرر اللوامع: 2/ 68، والمفضليات: 421، وديوان الهذليين: 1/ 2، والتصريح على التوضيح: 2/ 61.
د- شرحنا المفردات الغريبة في الشاهد، والتي يعثر فهمها على الطالب.
هـ- شرحنا الشاهد الشعري شرحا موجزا، يفي بالغرض.
وأعربنا الشاهد إعرابا مفصلا، وموجزا في الوقت نفسه؛ لأن الدارس في هذا الكتاب، يملك القدرة التي تمكنه من فهم المراد، ولا سيما بعد أن يكون ألَمَّ بمبادئ النحو، وقواعد الإعراب.
ز- بيَّنَّا موطن الشاهد في البيت، ومن ثم وجه الاستشهاد، أو وجه الدلالة في البيت أو العلة التي لأجلها ساق المؤلف هذا البيت، على النحو التالي:
أودي بني وأعقبوني حسرة ... عند الرقاد وعبرة لا تقلعُ
الإعراب:
أودي: فعل ماضي مبني على الفتح المقدَّر على الألف.
بني: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو المنقلبة ياء، المدغمة في ياء المتكلم، نيابة عن الضمة؛ لأن جمع مذكر سالم، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة.
وأعقبوني: الواو عاطفة، أعقبوني: فعل ماضي مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: في محل رفع فاعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعول به أول.
حسرة: مفعول به ثانٍ.(1/18)
"عند": مضاف إليه مجرور.
وعبرة: الواو حرف عطف، عبرة: اسم معطوف على حسرة منصوب مثله.
لا تقلع: لا نافية، تقلع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا، تقديره: هي، يعود إلى عبرة، وجملة "لا تقلع": في محل نصب صفة لـ "عبرة".
موطن الشاهد: "بني".
وجه الاستشهاد: قلب واو الجمع ياء عند إضافة الاسم إلى ياء المتكلم، وإدغامهما، وحكم هذا الإدغام الجواز.
وتجدر الإشارة -هنا- إلى أننا في إعراب المفردات، راعينا مسألة: "الخيارات الإعرابية"، فإذا كان للفظة بحسب موقعها في الجملة وجهان من الإعراب، ذكرنا الوجهين غالبا، وإن كان لأحد الوجهين مرجح، ذكرنا في نهاية الإعراب: "وهو الأرجح"، وإذا لم يكن مرجح لأحدهما، اعتمدنا الإعراب الأيسر، والأسهل، وقلنا في نهاية الإعراب: "وهو الأفضل". وأما بالنسبة إلى شبه الجملة -الظرف والجار والمجرور- فقد أعربناه من دون تفصيل لا فائدة فيه، حيث حصرنا الظرف، والجار والمجرور بين تنصيصين، وذكرنا متعلقه مباشرة، كما في الجملة التالية:
يغدو الفلاح النشيط إلى أرضه قبيل طلوع الشمس.
فأعربنا شبه الجملة على النحو التالي:
"إلى أرضه" متعلق بـ "يغدو"، وأرض: مضاف، والهاء: مضاف إليه.
"قبيل": متعلق بـ "يغدو" أيضا، وهو مضاف.
طلوع: مضاف إليه مجرور، وهكذا.
كما تجدر الإشارة إلى أننا لم نذكر الإعراب المفصل للأفعال المعلومة، والمعروفة لدى المبتدئين، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك. وفي إعرابنا للحروف، اكتفينا بالقول: "حرف عطف، حرف استئناف، حرف مشبه بالفعل، حرف نداء، حرف استثناء ... إلخ"، ولم نقل: لا محل له من الإعراب؛ لأن الحروف -بشكل(1/19)
عام- لا محل لها من الإعراب دائما. وبالنسبة إلى: "الفاء والباء"، وهما حرفان يجوز فيهما أن يكون للعطف، أو للاستئناف، في الموطن الواحد، فذكرنا في الإعراب ما رأيناه مناسبا للسياق، ويقتضيه المعنى، وقلنا: ويعربه بعضهم: حرف عطف، أو استئناف -الوجه الآخر- والمراد: في الشاهد نفسه، حتى لا يحار الطالب في أمره.
وأما الأحرف المصدرية وما تنسبك معه، فقد حصرنا الحرف المصدري بين تنصيصين، وقلنا: و"أن وما بعدها"، أو والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل كذا، كما في المثال التالي:
يذهب الطلاب إلى المدرسة ليتعلموا، حتى يفيدوا وطنهم في المستقبل.
فقلنا في الإعراب.
والمصدر المؤؤل من "أن المضمرة بعد لام التعليل-وما بعدها": في جر جر باللام، والتقدير: للتعلم، و"للتعلم": متعلق بفعل "يذهب".
وفي قولنا: "حتى يفيدوا وطنهم".
والمصدر المؤول من "أن المضمرة -بعد حتى- وما بعدها": في محل جر بـ "حتى"، والتقدير: لإفادة وطنهم، و"الجار والمجرور": متعلق بفعل "يذهب" أيضان وهكذا.
رابعا: الأمثال والكلمات المشهورة:
خرجنا الأمثال والحكم الواردة في المتن، وذكرنا المصادر والمراجع التي اعتمدناها، ومن ثم ذكرنا موطن الشاهد ووجه الاستشهاد بالحكمة أو بالمثل، إن لم يكن المؤلف، قد بين المراد من الاستشهاد بهما، في المتن.
خامساً: تراجم الأعلام:
زيادة في الفائدة، فقد ترجمنا للنحاة واللغويين والقراء والمفسرين والأدباء، والعلماء الواردة أسماؤهم في المتن، حيث بلغ مجموع من ترجم لهم ما يزيد على(1/20)
أربعين ترجمة ومائتي ترجمة. وقد أثبتنا المصادر والمراجع المعتمدة بعد كل ترجمة. وأما الأسماء التي لم نستطع الحصول على ترجمة لها، فاكتفينا بالاسم الوارد في المتن، وعقبنا بالقول: "ولم نعثر له على ترجمة وافية".
سادساً: تعليقنا على المتن:
معلوم أن هذا الكتاب شرح لألفية ابن مالك، وقد أراد المؤلف منه أن يوضح معاني الألفية، وهو لم يؤلفه للمبتدئين، كما فعل في "شرح قطر الندى وبل الصدى". و"شرح شذور الذهب"، وإنما ألفه لمن صار لديهم قدرة على فهم المراد، ويستطيعيون القياس والاستنباط، ولهذا كثرت رموز هذا الكتاب، وغمض الكثير من عباراته مما اضطر الشيخ خالد الأزهري لأن يصنف حاشية عليه، أسماها: "التصريح على التوضيح"، وقد علق الشيخ يس العلمي الحمصي على هذه الحاشية تعليقات مفيدة، طبعت مع الحاشية والشرح. ولما قام المرحوم الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد بتحقيق "أوضح المسالك" وضع له تعليقات على غاية من الأهمية، غير أنه لم ينسب تلك التعليقات إلى أصحابها، وأكثرها نقل حرفيا من الكتب المشهورة كـ "همع الهوامع"، و"حاشية الصبان"، و"المغني" وغيرها......، فضلا عن التصريح، وحاشية الشيخ يس.
وكذلك، قام الشيخ محمد عبد العزيز النجار بوضع تعليقات، لا تقل أهمية، من تعليقات المرحوم محمد محيي الدين عبد الحميد، وجعل هذه التعليقات على مستويين، الأول للمبتدئين، والثاني للجامعيين، وطلاب المعاهد العليا، وسماه: "ضياء السالك"، غير أنه -هو الآخر- لم يذكر المصادر والمراجع التي اقتبس منها، هي نفسها التي اعتمدها الشيخ عبد الحميد كما يظهر لمتتبع طرق الكتابين.
ولما كان هذا الكتاب مرجعا مهما للأساتذة والباحثين ولا غنىً عنه بحال بالنسبة إلى الطلاب المتخصصين، ووفاءً بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا، بإعادة النظر في كتب ابن هشام المحققة، وإخراجها إخراجًا عصريا، وشرحها شرحا واضحا، وفق أصول المنهجية العلمية؛ لِيستفيد منها الكبار والصغار معا، فقد قمنا(1/21)
بشرح ما غمض من مسائل الكتاب، وأوضحنا ما يعسر فهمه على الطلاب، من العبارات، والألفاظ، والتراكيب، والمصطلحات، والأفكار، واعتمدنا التصريح على التوضيح مرجعا أساسًا في عملنا، ولم نهمل تعليقات الشيخين، محمد محيي الدين عبد الحميد، والشيخ محمد عبد العزيز النجار، وكثيرا ما نقلنا عنهما، ونسبنا القول إليهما، أو إلى المصادر التي استقيا منها، إن كان النقل حرفيا من دون أي إضافة تذكر. وتوخيا للأمانة العلمية، فقد آثرنا ذكر المراجع والمصادر المعتمدة؛ ليطمئن الطالب والباحث إلى صحة ما أتينا به من المعاني والأفكار.
ولما كان طلاب الجامعات، وطلاب الدراسات العليا، يجدون صعوبة ومشقة، في العودة إلى المصادر والمراجع النحوية؛ لكثرتها من جهة، ولتعدد طبعاتها من جهة أخرى، فقد أحلنا الباحثين، ومن يودُّون التعمق في البحث والتحليل، إلى المصادر التي تشبع نهمهم، بعد تعليقنا على كل فكرة، أو مبحث بحاجة إلى مزيد الشرح والإيضاح؛ وذلك تمكينا للطالب والباحث من الوصول إلى مبتغاه من دون عناء.
التوجيهات والتعقيبات:
لما كان هذا الكتاب مختصرا -كما سماه صاحبه- فقد تجاوز كثيرا من الأمور التي ينبغي للطالب أن يطلع عليها، حيث أغفل كثيرا من التعريفات الضرورية في مستهل الفصول والأبواب، فكان يشرع في الحديث عن الأحكام، والشروط من دون تمهيد يذكر، أو تعريف يحدد المراد بالمصطلح النحوي، وأحيانا أخرى كان يتجاوز أمورا ضرورية وجوهرية لا غنى للطالب عنها، وما ذلك -بحسب اعتقاده؛ إلا لكون الدارس أو الطالب الذي يتناول هذا الكتاب، قد ألمَّ بالمبادئ والأوليات في كتبه التي صنفها للمبتدئين، كقطر الندى وبلِّ الصدى، وشذور الذهب وأمثالهما.
فإتمامًا للفائدة، ومراعاة لمستوى طلابنا في هذه الأيام، فقد أضفنا كثيرا من الفوائد، والتوجيهات، والتنبيهات، والتعقيبات، فضلا عن التعريفات، كلما وجدنا الضرورة تقتضي ذلك، فرب فائدة تساق في موقعها المناسب، تكون أكثر فائدة من(1/22)
المبحث بكامله-أحيانا- ورُبَّ توجيه يثير انتباه الطالب، يكون له أثر محمود في تركيز اهتمام الباحث. وأما حرصنا على التعريفات والتعقيبات، فلكى تكون موضوعات الكتاب متكاملة قدر الإمكان.
ج- من الناحية الفنية:
أ- المصادر والمراجع:
آثرنا ذكر المصادر والمراجع لـ "الشروح، والتعليقات، والتخريجات، والترجمات، والفوائد، والتوجيهات، والتعقيبات بعد الانتهاء من ذكرها مباشرة، لكيلا نجعل لها حواشي في أسفل الصفحات؛ لأن عملنا كله، يعد حاشية على الكتاب من جهة، ولكيلا يمل القارئ ويتشتت انتباهه من جهة أخرى.
ب- المسارد الفنية:
صنعنا للكتاب اثني عشر مسردا فضلا عن مسرد الموضوعات، كل منها مختص بجانب محدد؛ لتمكن الباحث من العودة إلى ما هو بحاجة إليه بسرعة وسهولة، وهذه المسارد هي:
أولاً: مسرد الآيات القرآنية.
ثانياً: مسرد الأحاديث الشريفة.
ثالثاً: مسرد الأمثال والأقوال المشهورة.
رابعاً: مسرد الشواهد النثرية.
خامساً: مسرد الشواهد الشعرية.
سادساً: مسرد الأعلام.
سابعاً: مسرد الشعراء.
ثامناً: مسرد القبائل والجماعات.
تاسعاً: مسرد الأماكن والبلدان.
عاشراً: مسرد المصادر والمراجع
حادي عشر: مسرد محتويات الكتاب.
ثاني عشر: مسرد المسارد.
وختامًا، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يفيد بهذا الكتاب، وأن يمنَّ علينا بدوام الصحة والعافية؛ لِنتمكن من إعادة تحقيق مؤلفات ابن هشام كلها، وفق النهج الذي بدأنا والحمد لله أولا وآخرا.(1/23)
مقدمة أوضح المسالك:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
يعد كتاب "الخلاصة الألفية" في النحو والصرف، لابن مالك الأندلسي1، من أهم المنظومات النحوية واللغوية، لما حظيت به من عناية العلماء والأدباء الذين انْبَرَوْا للتعليق عليها، بالشروح والحواشي.
ولعل من أهم هذه الشروح: شرح ابن عقيل2، وشرح ابن هشام الأنصاري، وشرح الأشموني، وسنتحدث بإيجاز عن كل من هذه الشروح الثلاثة.
أما الأول: فهو من أهم الشروح على كثرتها؛ لِما فيه من الوضوح والسهولة
__________
1 ابن مالك: هو محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، جمال الدين، أبو عبد الله الجياني، ولد بجيان سنة 60هـ، وقيل سنة 601هـ، ولما ترعرع تعلم العربية وسمع من الشلوبيين في الأندلس، وأخذ عن ابن الحاجب بمصر سنة 630هـ، ورحل إلى دمشق، وأقام فيها حتى أواخر حياته. من آثاره: الكافية الشافية في ثلاثة آلاف بيت، ومنظومته الألفية -الخلاصة- ملخص عنها. والوافية، وهو شرح للكافية الشافية. والفوائد وغيرها، وقد بلغت مصنفاته الثلاثين، أو أكثر مات سنة 672هـ بدمشق. انظر البغية: 1/ 130، وابن العماد: 5/ 339.
2 ابن عقيل: أبو محمد، بهاء الدين، عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عقيل، ولد بمصر سنة 694هـ، وقيل: 698، وقيل: 700هـ. برع في النحو، حتى عُدَّ نحويَّ الديار المصرية في زمانه. أخذ عن القزويني، ولازم أبا حيان اثنتي عشرة سنة. قال فيه أبو حيان: "ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل" مات بالقاهرة سنة 769هـ.
انظر الدور الكامنة: 2/ 372، وابن العماد: 6/ 214، والبغية: 2/ 47.(1/24)
مع شيء من الإيجاز. وقد علق على هذا الشرح حواشٍ عدة، أشهرها: حاشية الجلال السيوطي "911هـ"، وحاشية أحمد السجاعي "1197هـ" وأشهرها وأوسعها: حاشية محمد الخضري الدمياطي "1227هـ".
وأما الشرح الثالث: فهو شرح الأشموني1، وهو "يعد أغزر شروح الألفية مادة على كثرة الشروح2، واختلاف مشارب أصحابها، بل ويعد من أكثر كتب النحو جميعا واستيفاء، لمذاهب النحاة، وتعليلاتهم وشواهدهم مع البسط والتفصيل3، على الرغم مما قيل فيه، ووجه إليه من النقد الذي لا يخلو منه كتاب يضاهيه. وقد علق على هذا الشرح حواشٍ كثيرة، أهمها: حاشية الصبان4 "1206هـ".
وأما الشرح الثاني: فهو شرح ابن هشام الأنصاري، وهو موضوع بحثنا، وندع الحديث عنه للعلامة خالد الأزهري5، حيث قال في مقدمة حاشيته على التوضيح واصفا هذا الكتاب: " ... وهو في غاية حسن الموقع عند جميع الإخوان
__________
1 أبو الحسن، نور الدين، علي بن محمد بن عيسى بن يوسف المعروف بالأشموني، من أشمون، ولكنه وُلِد بقناطر السباع -وهما بلدان من بلاد مصر- سنة 838هـ، وتوطَّن القاهرة، ونشأ متزهدا متقشفا. قال عنه السخاوي: "راجٍ أمره، ورجح على السيوطي -أي في العلم- مع اشتراكهما في الحمق. غير أن ذلك -أي: السيوطي- أرجح -أي: في الحمق- توفي بالقاهرة سنة 929هـ. انظر الضوء اللامع: 6/ 5، وشذرات الذهب: 8/ 164، والوسيط في تاريخ النحو العربي، ص235.
2 من هذه الشروح: شرح ابن الناظم، وشرح المرادي، وشرح الشاطبي وغيرها.
3 الوسيط في تاريخ النحو العربي: 235-237.
4 وهناك شروح منها: حاشية المدابغي، وحاشية الأساقطي، وحاشية الحنفي وغيرها.
5 الأزهري: زين الدين، خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن أحمد الجرجي الأزهري، ويعرف بالوقَّاد. ولد بجرجة في صعيد مصر، وتحول إلى القاهرة -وهو طفل- مع أبويه. برع في العربية. من مؤلفاته: التصريح بمضمون التوضيح، والمقدمة الأزهرية في علم العربية، وشرح الأجرومية، وشرح على كتاب "الإعراب عن قواعد الإعراب" لابن هشام. وغيرها، مات قرب القاهرة سنة 905هـ. انظر الوضوء اللامع: 3/ 171، وابن العماد: "8/ 26.(1/25)
لم يؤتَ بمثاله، ولم يُنسَجْ على منواله، ولم يوضع في ترتيب الأقسام مثله، ولم يبرز للوجود في هذا النحو شكله"1.
وأما الغاية التي هدف إليها ابن هشام في شرحه المسمى: "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" فقد أوجزها في مقدمة كتابه، ويمكن إيجازها بالآتي:
- أن يساعد المتعلمين في فهم كتاب "الخلاصة الألفية".
- أن يأتي بمثل ما أتى به ابن مالك في "الخلاصة" ويستدرك ما فاته.
- أن يبين ويشرح مفرداته، ويفصل تراكيبه ويوضحها.
- أن يرتب المعلومات، وينسقها وفق الطريقة التي أرادها، واتبعها في مؤلفاته الأخرى، في ضم القواعد المتصلة بعضها ببعض، ولو خالف المؤلف في تفصيله وترتيبه.
- ألا يترك مسألة فيه من دون أن يأتي لها بشاهد أو بمثال يوضحها.
غير أن هذا الإيضاح الذي قصد إليه ابن هشام، يصفه بعد أن تحدث عن "كتاب الخلاصة الألفية" قائلا: "غير أنه -أي: الخلاصة- لإفراد الإيجاز، قد كاد يعد من جملة الألغاز -وأردف واصفا عمله- وقد أسعفت طالبه بمختصر يدانيه"2، ولهذا كانت طريقته شبيهة بطريقة شرح قطر الندى وبلِّ الصدى، وإن كانت عبارته هناك -أي: في شرح قطر الندى- أكثر بسطا منها، في أوضح المسالك؛ لأن الأول صنف للمبتدئين، وأما الثاني فيأتي في الدرجة الرابعة في الترتيب الهرمي بعد "الإعراب عن قواعد الإعراب" و: "شرح قطر الندى وبلِّ الصدى" وشرح شذور الذهب".
ولما وجد العلماء صعوبة في عبارة الكتاب، مع إيجاز يكاد يكون رمزا في كثير
__________
1 التصريح على التوضيح، خالد الأزهري "بيروت: دار الفكر، لا. ت" ص: 3.
2 مقدمة الكتاب.(1/26)
من الأحيان، عمدوا إلى شرحه، والتعليق عليه. ولعل أشهر من حشى عليه، الشيخ خالد الأزهري1، وسمى حاشيته "التصريح بمضمون التوضيح".
ويصف الشيخ خالد عمله بعد أن وصف الكتاب بأنه لم يُنسَجْ على منواله: وهو يحتاج إلى شرح يسفر عن وجوه مخدّراته النقاب، ويبرز من خفي مكنوناته ما وراء الحجاب"2. هذا وقد علق على هذه الحاشية الشيخ ياسين العليمي الحمصي3 تعليقات طبعت مع الحاشية والشرح معا.
وأما من علقوا على كتاب "أوضح المسالك" فكثر، منهم: العيني المتوفى سنة 819هـ، والإمام السيوطي المتوفى سنة 911هـ، وابن جماعة المتوفى سنة 919هـ. ومهما يكن من أمر، فإن "أوضح المسالك" يعد من أشهر كتب النحو بشكل عام، ومن أشهر كتب ابن هشام بشكل خاص. وقد عكف عليه الدارسون قديما وحديثا؛ لِما فيه من السهولة في العبارة، والترتيب في الأفكار، وإن كان فيه كثير من الاستطراد.
وقد عني به المرحوم الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد فحققه، وأخرجه مع تعليقات في غاية الأهمية، وإن كان تعليقاته- هو الآخر، لا تخلو من الاستطراد. ثم شرحه الشيخ محمد عبد العزيز النجار شرحين؛ أحدهما: للمبتدئين.
والثاني: لطلاب المعاهد والجامعيين، وسماه: "ضياء السالك إلى أوضح المسالك"، وهو أقل استطرادا في تعليقاته، وأكثر تفصيلا، ووقوفًا على الجزئيات، وأكثر تحليلا للتراكيب والعبارات. وقد استفدنا -في عملنا- من الكتابين. وكثيرا ما عزونا اقتباساتهما وتعليقاتهما إلى أهلها.
__________
1 مرت ترجمته.
2 التصريح بمضمون التوضيح، ص3.
3 هو ياسين بن زين الدين بن أبي بكر بن عليم الحمصي المشهور بالعليمي، شيخ عصره في العربية. ولد بحمص، ورحل مع أبيه إلى مصر ومات فيها سنة 1061هـ، من آثاره: تعليق على حاشية التصريح للشيخ خالد، وحاشية على شرح قطر الندى لابن هشام، وحاشية على شرح الفاكهي على متن القطر وغيرها. انظر خلاصة الأثر 4/ 491، والوسيط في تاريخ النحو: 239.(1/27)
وأما اعتمادنا الأول -في عملنا- فكان على "شرح التصريح"، وحاشية ياسين الحمصي عليه، وعلى حاشية الصبان، واقتبسنا كثيرا من الفوائد والتوجيهات من شرح الأشموني، وعلى شرح ابن عقيل، وعلى الدرر اللوامع، للشنقيطي، وعلى المغني لابن هشام وعلى كتب أخرى ذكرت في حواشي الكتاب.
وقد سِرْنَا -في أثنا عملنا- وفق الخطة التي رسمناها لتحقيق مؤلفات ابن هشام وغيرها، وقد أوضحناها في التمهيد.
وقد سمينا عملنا هذا "مصباح السالك إلى أوضح المسالك" متضرعين إلى الله تعالى أن يسلكنا سبيل العلماء العاملين المخلصين. وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يبعد عنا الجهل، والفسوق والعصيان، وأن يجنبنا الهوى، والزيغ، والبهتان. وأن يكرمنا بالتقوى، ويجملنا بالعافية ما أحيانَا. وأن يبارك لنا فيما آتانا. وأن يمدنا بالصبر والثبات؛ لِنتم الطريق الذي بدأنا. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن بهداهم اقتدى، والحمد لله أولا وآخرا.
بركات يوسف هبود.
بيروت في 22/ صفر/ 1414هـ. الموافق لـ 9/ آب/ 1993م.(1/28)
مقدمة المؤلف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين1، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وقائد الغر2 المحجلين3، وعلى آله4 وصحبه أجمعين، صلاة وسلامًا5 دائمين بدوام السموات والأرضين6.
__________
1 الأرجح: أنه اسم جمع، أعرب إعراب الجمع، وليس جمعا لـ "عالم" بفتح اللام، كما قال بعضهم؛ لأنه يستلزم أن يكون المفرد أعم من الجميع؛ لأن العالم: اسم لكل ما سوى الله تعالى، و"العالمين": خاص بالعقلاء. ضياء السالك: "1/ 29.
2 جمع "أغر" من الغرة، وهي بياض في الجبهة، ورجل أغر: شريف كريم الأفعال واضحها.
3 جمع "محجل"، وفي هذا إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أمتي الغرُّ المحجَّلون".
4 هو اسم جمع، لا واحد له من لفظه، واختلف في ألفه، أمنقلبة عن هاء أو عن واو؟ فقال سيبويه: إنها منقلبة عن هاء، وأصله عنده: أَهْل. وقال الكسائي: إنها منقلبة عن واو، وأصله عنده أول، من آل إليه في الدين يؤول، ويظهر أثر القولين في التصغير. فمن قال: أصله أهل، قال في تصغيره: أهيل. ومن قال: أصله أول، قال في تصغيره: أويل، وكلاهما مسموع، غير أن الأول أشهر وأكثر، ثم اختلف في معناه، فقال الشافعي رضي الله عنه: أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب ابنَيْ عبد مناف؛ لأنهم أهلوه، أو آل أمر دينهم إليه، وقيل غير ذلك. التصريح: 1/ 11-12.
5 صلاةً وسلامًا": اسما مصدر منصوبان على المفعولية المطلقة، يفيدان تقوية عاملهما، وتقدير معناه.
6 بفتح الراء، ولا يجوز تسكينها إلا في الشعر، كقول أحدهم:
لقد ضجت الأرضون إذ قام من بني ... هداد خطيب فوق أعواد منبرِ
وجمعت "أرض" جمع مذكر سالما شذوذا. التصريح: 1/ 12.(1/29)
أما1 بعد حمد الله مستحق الحمد وملهمه2، ومنشئ الخلق ومعدمه، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأكرمه، المنعوت بأحسن الخلق3 وأعظمه4، محمد5، نبيه، وخليله وصفيه، وعلى آله وأصحابه، وأحزابه وأحبابه، فإن كتاب الخلاصة الألفية، في علم العربية6، نظم الإمام العلامة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن مالك الطائي7، رحمه الله، كتاب صغر
__________
1 "بفتح الهمزة، وتشديد الميم"، قال الدماميني: حرف غير معنى الشرط، صرح به جماعة من النحويين، لا حرف شرط. المصدر نفسه.
2 الإلهام: ما يُلقَى في الروع، بضم الراء، وهو القلب.
3 بضم الخاء مع ضم اللام وتسكينها"، والضم أشهر. والخلق والخلق -بفتح الخاء في الأول وضمها في الثاني- في الأصل واحد كالشرب، والشراب، لكن خص المفتوح بالهيئات، والأشكال، والصور المدركة بالبصر، وخص الثاني، بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة. والمراد هنا السجية والطبيعة. المصدر نفسه: 1/ 13.
4 معطوف على أحسن، وهو مقتبس من قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} .
5 بدل من "أشرف" ويجوز كونه عطف بيان عليه؛ فإن إضافة اسم التفضيل إلى المعرفة معنوية، لا أنها لفظية. وقد ذهب هذا المذهب -إلى أنها لفظية- أبو البقاء العكبري، ومن قبله ابن السراج والفارسي، والكوفيون، وتبعهم جماعة من المتأخرين. المصدر نفسه.
6 المراد هنا: النحو الصرف؛ لأن علم العربية -كما يقول الزمخشري- يطلق على اثني عشر علما، ويحد على هذا بأنه قواعد تعرف بها أحوال الكلمات، عند الإفراد والتركيب.
7 هو إمام النحاة، محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني -نسبة إلى مولده- الشافعي، ولد سنة 600هـ، عالم بالنحو والقراءات، أخذ عن أَجِلَّة علماء عصره، مثل: ثابت بن حيان، وأبي علي الشلوبين، وابن يعيش الحلبي، له تصانيف كثيرة تقارب الثلاثين، منها: التسهيل، والعمدة، والخلاصة الألفية ... وغيرها. مات سنة 672هـ.
البلغة: 229، وبغية الوعاة: 1/ 130، وطبقات القراء: 2/ 180، والوافي بالوفيات: 3/ 359.(1/30)
حجمًا، وغزر علمًا، غير1 أنه لإفراط الإيجاز2، قد كان يعد من جملة الألغاز.
وقد أسعفت3 طالبيه، بمختصر يُدانيه4، وتوضيح يسايره ويباريه5، أحل به ألفاظه وأوضح معانيه، وأحلل به تراكيبه، وأنقح مبانيه6، وأعذب به موارده، وأعقل به شوارده7، ولا أخلي منه مسألة شاهد أو تمثيل، وربما أشير فيه إلى خلاف أو نقد أو تعليل، ولم آل جهدًا8 في توضيحه وتهذيبه، وربما خالفته في تفصيله وترتيبه وسميته:
"أوضح المسالك، إلى ألفية ابن مالك".
وبالله أعتصم9، وأسأله العصمة مما يصم10، لا رب غيره، وما مأمول إلا خيره، عليه توكلت، وإليه أنيب.
__________
1 بالنصب على الاستثناء المنقطع المخرج عما دخل في حكم دلالة المفهوم، واختلف في نصبها في الاستثناء، فقال ابن عصفور: عن تمام الكلام، وقال الفارسي: على الحالية، وقال ابن الباذش: على التشبيه بظرف المكان، ويجوز أن تكون فتحة غير -هنا- بنائيَّة؛ لأن "غير" إذا أضيفت لمبني، جاز بناؤها على الفتح، كقوله:
لم يمنع الشرب فيها غير إن نطقت ... حمامة في غضون ذات أو قال
انظر التصريح: 1/ 15، ومغني اللبيب: 211.
2 الإفراط: مجاوزة الحد في الأمر، والإيجاز: الاختصار.
3 ساعدت وعاونت، وأسعفه بحاجة: قضاها له.
4 يقاربه.
5 يسابقه، ويفعل مثل فعله.
6 أهذِّب أصول موضعاته، ومبنى الكتاب: ما تبنى عليه مسائله.
7 أعقِل: أمنع. والشوارد: النوافر، واحدها شاردة أو شارد، والمراد: أجمع مسائله المبعثرة.
8 أدَّخِرْ وسعًا، والألوّ: التقصير.
9 أَمتَنِع.
10 يعيب.(1/31)
باب شرح الكلام:
هذا باب شرح الكلام، وشرح ما يتألف الكلام منه:
[بيان معنى الكلام وأقل ما يتألف منه] .
الكلام -في اصطلاح النحويين1- عبارة عمل اجتمع فيه أمران: اللفظ، والإفادة.
والمراد باللفظ الصوت المشتمل على بعض الحروف، تحقيقا أو تقديرا2.
والمراد بالمفيد: ما دل على معنى يحسن السكوت عليه3.
وأقل ما يتألف الكلام من اسمين: كـ "زيد قائم"4 ومن فعل اسم، كـ "قام زيد" ومنه5 "استقم"؛ فإنه من فعل الأمر المنطوق به، ومن ضمير المخاطب المقدَّر
__________
1 أما عند اللغويين، فالقول، ما كان مكتفيًا بنفسه في أداء المقصود منه، كالخط والإشارة والرمز، يقول ابن عقيل: هو في اللغة: اسم لكل ما يُتلفَّظ به، مفيدا كان أو غير مفيد، وعند المتكلمين: هو المعنى القائم بالنفس.
ابن عقيل: 1/ 15، والتصريح على التوضيح: 1/ 18 و19.
2 تحقيقًا: كمحمد وعلي، وتقديرا: كالضمائر المستترة، في نحو: اقرأ، تعلم، نشكر؛ فإنها ليست بحروف ولا أصوات، والتعبير عنها بالضمائر المنفصلة تقريبا للفهم.
3 أي من المتكلم بحيث يقنع السامع، ولا ينتظر مزيدا من المخاطب، وهذا يستلزم أن يكون الكلام مركبا مقصودا، وعلى ذلك، فلا حاجة لهذين القيدين، كما قال. التصريح: 1/ 20، 21.
4 هذان اسمان حكما؛ لأن الوصف مع مرفوعه المستتر في حكم الاسم المفرد، ومثال الاسمين حقيقة: الدب حيوان.
5 أي: ومما يتألَّف من فعل واسم، وهو بهذا يشير إلى أنه لا فرق بين أن يكون الجزآن مذكورين، أو أحدهما ولا بين الخبر والإنشاء، هذا ويسمى الكلام جملة.(1/33)
بأنت6.
[معنى الكلام] :
والكلم: اسم جنس جمعي، واحده كلمة2، وهي: الاسم، والفعل،
__________
1 وقول النحويين: "أقلّ ما يتألف منه الكلام اسمان، أو فعل واسم" مرادهم أن هاتين الصورتين أقلّ الصور التي يتألف منها الكلام المفيد أجزاء، وليس معناه أن الكلام، لا يتألف إلا من اسمين أو فعل واسم، فقد تتبع النحاة كلام العرب، فوجدوه يرد على ست صور إجمالا -وهي إحدى عشرة صورة تفصيلا؛ وذلك لأنه؛ إما أن يتألف من اسمين، وإما من فعل واسم، وإما من جملتين وإما من فعل واسمين، وإما من فعل وثلاثة أسماء، وإما من فعل وأربعة أسماء، فهذه ست صور على وجه الإجمال.
وأما على وجه التفصيل: فالمؤلف من اسمين له أربع صور؛ لأن الاسمين إما مبتدأ وخبر، نحو: "زيد قائم" وإما مبتدأ وفاعل، سدَّ مسدَّ الخبر، نحو: "أقائم الزيدان، وإما مبتدأ ونائب فاعل، سد مسد الخبر، نحو: "أمضروب زيد" وإما اسم فعل وفاعله نحو "هيهات العقيق". والمؤلف من فعل اسم، له صورتان؛ لأنه إما من فعل وفاعل نحو "قام زيد" وإما من فعل ونائب فعل نحو "قطع الغصن".
والمؤلف من جملتين، له صورتان؛ لأن الجملتين: إما جملتا القسم وجوابه، نحو: "أقسم بالله لأكرمنك" وإما جملتا الشرط وجوابه نحو" إن تجتهد تنجح".
والمؤلف من فعل واسمين، له صورة واحدة، وهي "كان" أو إحدى أخواتها مع اسمها وخبرها، نحو قولك: "كان الجو حارا" و"أصبح الجو باردا".
والمؤلف من فعل وثلاثة أسماء، له صورة واحدة أيضا، وهي "ظن" أو إحدى أخواتها مع فاعلها ومفعوليها، نحو "ظننت الوقت متسعا".
والمؤلف من فعل وأربعة أسماء، له صورة واحدة أيضا، وهي: "أعلم" أو إحدى أخواتها مع فاعلها ومفعولاتها، نحو "أعلمت زيدا عمرا مخلصا".
انظر قطر الندى بتحقيقنا.
2 اختلفوا في لفظ "كلم" فقيل: وهو جمع مفرده كلمة، وقيل: وهو اسم جمع؛ لأنه ليس على زنة من أوزان الجموع المحصورة المشهورة، والصحيح أنه اسم جنس جمعي، واسم الجنس على نوعين: الأول اسم جنس إفرادي، وهو "ما دل على القليل والكثير من جنس واحد بلفظ واحد" وذلك كماء وتراب وزيت وخلٍّ، ومنه المصدر: كضَرْب وشُرْب وقيام وجلوس، والثاني اسم جنس جمعي، وهو: ما يفرق بينه وبين واحده بالتاء غالبا، وذلك بأنه يكون الواحد بالتاء، واللفظ الدال على الجمع بغير تاء، وذلك مثل: كلم وكلمة، وبقر وبقرة، وشجر وشجرة ... ، وقولنا: "غالبا" للإشارة إلى شيئين، أولهما: أنه قد يفرق بين الواحد واللفظ الدال على الجمع بالياء المشددة، نحو: روم ورومي، وزنج وزنجي..... وثانيهما: أنه قد يكون اللفظ الدال على الجمع مقترنا بالتاء، والمفرد خاليا منها، عكس الغالب، نحو: كم، وكمأة، وذلك النوع في العربية قليل جدا.
شرح التصريح: 1/ 24، وابن عقيل: 1/ 15.(1/34)
والحرف1، ومعنى كونه اسم جنس جمعي أنه يدل على جماعة، وإذا زيد على لفظه تاء التأنيث فقيل "كلمة" نقص معناه، وصار دالًّا على الواحد، ونظيره لبن ولبنة، ونبق ونبقة.
[النسبة بين الكلم والكلام] :
وقد تبين، بما ذكرناه في تفسير الكلام، من أن شرطه الإفادة، وأنه من كلمتين، وبما هو مشهور من أن أقل الجمع ثلاثة، أن بين الكلام والكلم عموما وخصوصا من وجه2، فالكلم أعم من جهة المعنى؛ لانطلاقه على المفيد وغيره3، وأخص من جهة اللفظ؛ لِكونه لا ينطلق على المركب من كلمتين، فنحو:
__________
1 ونقل عن الفراء أن "كلا" ليست واحدا، من هذه الثلاثة، بل هي بين الأسماء والأفعال. وقال الفخر الرازي: لا يصح أن تكون الكلمة جنسا لهذه الأنواع الثلاثة؛ لأنها لو كانت جنسا لها، لكان امتياز كل واحد من هذه الثلاثة، بفصل وجودي مع أن الحرف يمتاز عن الاسم والفعل بقيد عدمي، وهو كون مفهومه غير مستقل بالمفهومية، والاسم -أيضا- يمتاز عن الفعل بقيد عدمي، وهو كونه غير دالٍّ على زمانه المعين.
شرح التصريح: 1/ 25.
2 ضابط العموم والخصوص الوجهي: أن يجتمع اللفظان في الصدق على شيء، كاجتماع الكلام والكلم -هنا- في الصدق على "زيد قام أبوه" لأنه مفيد، وقد تركب في أربع كلمات. وينفرد كل منهما بالصدق على شيء، كانفراد الكلام بالصدق على "قام زياد"؛ لأنه مفيد وليس مركبا من ثلاثة ألفاظ، وانفراد "الكلم" بالصدق على "إن قام زيد"؛ لأنه مركب من ثلاثة ألفاظ وليس مفيدا.
التصريح: 26-27.
3 المفيد نحو: الله واحد لا شريك له، وغير المفيد نحو: إن يجتهد الطالب.(1/35)
"زيد قام أبوه" كلام؛ لوجود الفائدة، وكَلِم؛ لوجود الثلاثة بل الأربعة، و"قام زيد" كلام لا كَلِم، وإن قام زيد" بالعكس.
[معنى القول] :
والقول عبارة عن: اللفظ الدالِّ على معنى1، فهو أعمُّ من الكلام، والكلم، والكلمة، عموما مطلقا2، لا عموما من وجه.
وتطلق الكلمة لغة3 ويراد بها الكلام4، نحو: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} 5، وذلك كثير لا قليل.
__________
1 سواء صح السكوت عليه أم لا.
2 ضابط هذه النسبة بين الأشياء، الاجتماع في الصدق على شيء وانفراد الأعم، وهو القول: فهو ينفرد في نحو: ظلمة الليل- غلاف المصحف؛ لأن هذه الأمثلة، ليست كلاما، ولا كَلِمًا، ولا كلمة كما سلف، ولهذا قال الناظم "والقول عم"؛ لأنه ينطبق عليها جميعا.
التصريح: 1/ 28.
3 قيد بذلك؛ لأنها في الاصطلاح: هي اللفظة الواحدة التي تتركب من بعض الحروف الهجائية وتدل على معنى مفرد: أي جزئي.
4 أي على سبيل المجاز من باب تسمية الشيء باسم جزئه، وكذلك يطلق القول ويراد به الرأي والاعتقاد، نحو: قال أبو حنيفة كذا- أي رأى واعتقد.
التصريح 1/ 28.
5 23 سورة المؤمنون، الآيةان: 99، 100.
موطن الشاهد: "كلمة".
وجه الاستشهاد: مجيء "كلمة" في الآية الكريمة دالة على معناها اللغوي؛ لأنه أريد بها الكلام الذي قاله القائل: {رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} ، وعندما تطلق "الكلمة لغة ويراد بها الكلام، فذاك مجاز من تسمية الشيء، باسم جزئه.
ومثل قولهم: كلمة الشهادة، يريدون: لا إله إله الله محمد رسول الله.
ومثل هذا قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: "أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... ".
وتقول: حفظت كلمة زهير: تريد قصيدة له بطولها
انظر التصريح: 1/ 28و 29.(1/36)
[علامات الاسم] :
يتميز الاسم1 عن الفعل والحرف بخمس علامات2:
إحداها: الجر، وليس المراد به حرف الجر؛ لأنه قد يدخل في اللفظ3 على ما ليس باسم، نحو: "عجبت من أن قمت"4 بل المراد به الكسرة التي يحدثها عامل الجر، سواء كان العامل حرفا، أم إضافة، أم تبعية5، وقد اجتمعت في البسملة6.
الثانية: التنوين، وهو نون ساكنة تلحق الآخر7 لفظا لا خطا لغير توكيد، فخرج بقيد السكون النون في "ضيفن" للطفيلي8، و"رعشن" للمرتعش، وبقيد الآخِرِ النون في "انكسر" و"منكسِر" وبقولي "لفظًا لا خطًّا" النون اللاحقة لآخر.
__________
1 الاسم: كلمة دالة تدل بذاتها -أي: من غير احتياج إلى كلمة أخرى- على شيء ولا تقترن بزمن، وهذا الشيء قد يكون محسوسا: كمحمد، أو يدرك بالعقل مثل: علم، شجاعة.
2 إذا وجدت واحدة منها في الكلمة كانت دليلا على أنها اسم.
3 قيد بذلك؛ لأن ما بعد "من" في المثال اسم بالتأويل، أي من قيامك.
4 ومن ذلك، عند جمهرة النحاة، قول بعضهم-وقد بشر بأنثى: "والله ما هي بنعم الولد"، وقول آخر- وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء: نعم السير على بئس العير.
5 الصحيح أن الجار في الإضافة هو المضاف لا الإضافة، وفي التبعية عامل المتبوع من حرف أو مضاف -في غير البدل- لا التبعية.
6 فـ "اسم" مجرور بالحرف، ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة، "الرحمن الرحيم" مجروران بالتبعية للموصوف.
7 المراد بالآخر الذي لحقه التنوين، ما كان آخرا حقيقة، كالدال من "زيد" والراء من "عمرو" أو كان آخرا حكما كالدال من "يد" و"غد" والميم من "دم"، فإن لام هذه الكلمات قد حذفت اعتباطا، أي لغير علة، وبقيت عين هذه الكلمات أواخر لها حكما.
التصريح: 1/ 31.
8 هو الذي يجيء مع الضيف في مأدبة أو وليمة متطفلا من غير دعوة.(1/37)
القوافي1، وستأتي، وبقولي "لغير توكيد" نون نحو {لَنَسْفَعًا} 2 و"لتضربن يا قوم" و"لتضربن يا هند".
وأنواع التنوين أربعة:
أحدها: تنوين التمكين3، كزيد ورجل، وفائدته الدلالة على خفة الاسم وتمكنه في باب الاسمية؛ لِكونه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيُمنَع من الصرف.
الثاني: تنوين التنكير، وهو: اللاحق لبعض المبنيات للدلالة على التنكير، تقول: "سيبويه" إذا أدرت شخصا معينا اسمه ذلك، و"إيه" إذا استزدت مخاطبك من حديث معين، فإذا أردت شخصا ما اسمه سيبويه أو استزادة من حديث ما نونتهما4.
__________
1 جمع قافية، وهي آخر كلمة في البيت من الشعر، أو هي الحرف الذي تبنى عليه القصيدة، وقيل: هي من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل الساكن.
انظر كتاب: مفتاح العلوم، للسكاكي "ط. المكتبة العلمية الجديدة": 270.
2 96 سورة العلق، الآية: 15.
موطن الشاهد: {لَنَسْفَعًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء التنوين غير مفيد التوكيد؛ ورسمت بالألف لوقوعها بعد فتحة.
وجاءت النون مرسومة في الخط ألفا؛ لوقوعها بعد الفتحة، بخلاف الواقعة بعد الضمة والكسرة فإنها تصور نونا.
3 ويسمى أيضا: تنوين الصرف، وتنوين الأمكنية، وهو الذي يلحق أغلب الأسماء المعربة المتصرفة، معرفة كانت أم نكرة، كما مثل المصنف؛ لأن الأصل في الأسماء أن تكون معربة منونة، وهذا النوع أقوى أنواع التنوين في الدلالة على الاسمية، وهو المقصود عند الإطلاق.
التصريح: 1/ 32- حاشية الصبان: 1/ 34.
4 ومن المبنيات: ما لا يدخله التنوين كـ "حيث وكم" وهذا التنوين مقيس في الأسماء المبنية المختومة بكلمة "ويه" مثل: خالويه، ونفطويه، ومقصور على السماع في أغلب أسماء الأفعال والأصوات كـ "صه وإيه". و"غاق" لحكاية صوت الغراب، فإن لم تنونها، كانت معرفة ودلت على معنى مخصوص، وإذا نونتها، كانت نكرة مبهمة، ودلت على معنى مبهم. ومثله قوله ذي الزمة:
وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم ... وما بال تكليم الديار البلاقع(1/38)
الثالث: تنوين المقابلة، وهو: اللاحق لنحو "مسلمات"1 جعلوه في مقابلة النون في نحو مسلمين2.
الرابع: تنوين التعويض3، وهو: اللاحق لنحو غواشٍ4، وجوارٍ عوضا عن الياء، ولإذ في نحو: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون} 5 عوضا عن الجملة التي تضاف "إذ" إليها6.
__________
1 أي: من جمع المؤنث السالم والملحق به.
2 المقصود: جمع المذكر السالم والملحق به، وإيضاح ذلك -كما يقول النحاة- إن التنوين في المفرد قد اختفى، وحل محله النون في آخر جمع المذكر؛ لِلدلالة على تمام الاسم، ولما كان جمع المؤنث جمع سلامة، كجمع المذكر، جعل التنوين فيه في مقابلة النون في جمع المذكر؛ لأنه أيضا علامة على تمام الاسم. والذي يدل على أنه لتمام الاسم ليس غير، أنه ليس بتمكين.
التصريح: 1/ 33. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 34-36.
3 ويسمى أيضا تنوين العوض.
4 المراد بنحو "غواشٍ" كل اسم ممنوع من الصرف، وهو معتل الآخر، سواء أكان منعه من الصرف لكونه على صيغة منتهى الجموع، نحو: "غواشٍ، وجوارٍ، ودواع ... " أم كان منعه من الصرف للعلمية، ووزن الفعل، نحو "أعيم، وبعيل". أصلهما: تصغير أعمى ويعلى، ثم سُمي بهما، فصارا علمين موازنين، لنحو: أبيطر ويبيطر: مضارعي بيطر، أي لكونهما على وزن الفعل فضلا عن كونهما للوصف. وتنوين "غواشٍ وجوارٍ ودواعٍ" عوض عن الياء المحذوفة.
التصريح، 1/ 34.
5 "30" سورة الروم، الآية: 4. موطن الشاهد: {يَوْمَئِذٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء التنوين على "إذ" عوضا عن الجملة المحذوفة التي من حق "إذ" أن تضاف إليها، ولذا سُمي تنوين العوض، والأصل: والله أعلم -ويوم إذ غلبت الروم يفرح المؤمنون، فحذفت الجملة: {غُلِبَتِ الْرُوْمُ} وجيء بالتنوين عوضا عنها إيجازا، أو تحسينا م. ن.
6 أكثر النحاة يذكرون "إذ" لفظا واحدا في هذا الموضع، ويذكرون أن التنوين اللاحق لهذا اللفظ عوض عن الجملة التي من حق "إذ" أن تضاف إليها، والتقدير في الآية الكريمة: ويوم يغلب الرومُ فارسَ يفرح المؤمنون، فحذفت الجملة الأولى؛ وهي "يغلب الروم فارس" وعوض عنها التنوين، وبقيت "إذ" مبنية؛ لِشبهها بالحرف في الوضع على حرفين أو في الافتقار افتقارا متأصلا إلى جملة تضاف إليها.
ويذكر بعض النحاة في هذا الموضع "إذا" أيضا فقد تحذف الجملة التي من حقها أن تضاف إليها ويعوَّض عنها التنوين، نحو قوله تعالى: {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} وقوله جل شأنه: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاة} وقوله سبحانه: {إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاق} ، ولهذا نظائر كثيرة، وليست هذه إذا الناصبة للمضارع، بل هي الظرفية الشرطية.
التصريح: 1/ 34و 35. أوضح المسالك "تحقيق محيي الدين عبد الحميد": 1/ 15، حا: 3.(1/39)
وهذه الأنواع الأربعة مختصة بالاسم.
وزاد جماعة تنوين الترنم، وهو: اللاحق للقوافي المطلقة، أي: التي آخرها حرف مد، كقوله1: [الوافر]
1- أقلِّي اللوم عاذل والعتابن ... وقولي إن أصبت لقد أصابن2
__________
1 هو: جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي، من بني كليب بن يربوع، يكني أبا حزرة، أحد ثلاثة يعدون أشعر شعراء عصرهم مع الفرزدق والأخطل، وهم المقدمون على سواهم، وجرير أكثرهم فنون شعر، وأسهلهم ألفاظا، وأقلّهم تكلفا وأرقّهم نسيبا، وكان دينا عفيفا، وهو أشبه الشعراء بالأعشى، مات باليمامة سنة 111هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 464-470، وتجريد الأغاني: 3/ 915-929.
2 تخريج الشاهد: الشاهد مطلع قصيدة لجرير في هجاء عبيد بن الحصين "الراعي النميري" لتفضيله الفرزدق عليه، ومنها البيت المشهور:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا.
والبيت من شواهد التصريح: 1/ 36، والأشموني "4/ 1/ 12"، وابن عقيل "1/ 1/ 18" واللمع: 2/ 506، وكتاب سيبويه: 2/ 298، والمقتضب: 1/ 240، وشرح المفصّل لابن يعيش الحلبي: 9/ 29، 33، والخزانة: 1/ 34، ومغني اللبيب "639/ 447"، وشرح شواهد المغني للسيوطي: 258، وحاشية الدمنهوري على متن الكافي: 88، وديوانه: 64.
المفردات الغريبة: أقلّي: من الإقلال، والمراد هنا الترك؛ لأن العرب قد تعبر عن العدم بالقلة، فتقول: قلّ أن يفعل فلان ذلك، وتريد أنه لا يفعله أصلا. العذل: اللوم. عاذل: اسم فاعل مؤنث بتاء محذوفة للترخيم، وأصله عاذلة. =(1/40)
الأصل "العتابا" و"أصابا" فجيء بالتنوين بدلا من الألف، لترك الترنم1.
__________
= ويروي بضم التاء في "أصبت" على أنها ضمير المتكلم، ويروى بكسر التاء على أنها ضمير المخاطبة المؤنثة.
المعنى: يطلب الشاعر إلى عاذلته أن تقلّل من لومه ومعاتبته، وأن تعترف له بالفضل إذا ما أصاب في القول أو الفعل.
الإعراب: أقلّي: فعل أمر مبني على حذف النون، والياء: فاعل. اللوم. مفعول به. عاذل: منادىً بحرف نداء محذوف، مبني على ضم الحرف المحذوف للترخيم، على لغة من ينتظر، أو على الفتح الظاهر على اللام على لغة من لا ينتظر، وعلى كلٍّ فهو في محل نصب على النداء. والعتابن: الواو عاطفة، العتابن: معطوف على اللوم منصوب مثله، والنون: عوض عن ألف الإطلاق. وقولي: الواو عاطفة. قولي: فعل أمر مبني على حذف النون، والياء: فاعل. إن: شرطية جازمة. أصبت: فعل ماضٍ وفاعله في محل جزم فعل الشرط؟ وجواب الشرط محذوف؛ لِدلالة ما قبله عليه. لقد: اللام موطئة للقسم المحذوف، قد حرف تحقيق. أصابن: فعل ماض والفاعل: هو: والنون: للترنم بدل ألف الإطلاق، أو عوض عن ألف الإطلاق، وجملة "أصابن": جواب القسم، لا محل لها، و"جملة القسم وجوابه": في محل نصب مقول القول. موطن الشاهد: "العتابن، أصابن".
وجه الاستشهاد: دخول تنوين الترنم على "العتاب" وهو اسم معرف بـ "أل"، وعلى "أصاب" وهو فعل ماضٍ، ودخول هذا التنوين على الاسم والفعل دلالة على أنه غير مختصٍّ بالاسم، وبالتالي، فلا يكون دليلا على اسمية ما يدخل عليه كتنوين التنكير؛ لأن دخوله على الاسم المعرف بـ "أل" لم يؤثر فيه شيئا؛ لأن "أل" عرفت الاسم والتنوين المختص بالاسم ينافي التعريف؛ لأنه يدل على عدم اختصاصه بفرد معين من أفراد جنسه، ولما دخل التنوين على المعرف بـ "أل" تبين أن تنوين الترنم لا يختص بالاسم، ودليل ذلك دخوله على الفعل "أصاب".
1 على ما صرح به سيبويه وغيره من المحققين من أن الترنم -وهو التغني- إنما يحصل بأحرف الإطلاق لقبولها لمد الصوت بها، فإذا أنشدوا، ولم يترنموا، جاءوا بالنون في مكانها في لغة تميم، أكثرهم أو جميعهم، وكثير من قيس، وأما الحجازيون فلا؛ لأنهم يدعون القوافي على حالها في الترنم فعبر أولا بتنوين الترنم موافقة لابن مالك في "شرح العمدة" نظرا إلى توجيه ابن يعيش ومن وافقه. وثانيا بترك الترنم موافقة للتسهيل؛ نظرا إلى ما صرح به سيبويه وأصحابه، وقد يبدل التنوين من حرف الإطلاق في غير القوافي كقراءة بعضهم: "وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرٍ"، بالتنوين.
التصريح: 1/ 36 ومعنى اللبيب: 252، 447، والجني الداني: 145، 146.(1/41)
وزاد بعضهم1 التنوين الغالي، وهو: اللاحق للقوافي المقيدة2 زيادة على الوزن، ومن ثم سمي غاليا3، كقوله4: [الكامل]
2- قالت بنات العم يا سلمى وإنن ... كان فقيرا معدما قالت وإنن5
/ الكامل/
__________
1 هم: الأخفش والعروضيون، هذا وزاد بعضهم أنواعا أخرى للتنوين، كتنوين الضرورة، والتنوين الشاذ، وتنوين الحكاية.
انظر: مغني اللبيب "ط. دار الفكر": 448، والتصريح: 1/ 37.
2 أي التي يكون حرف رويها ساكنا ليس حرف مد، والأعاريض المصرعة.
3 سَمَّى الأخفش الحركة التي قبل لحاقه غلوا، وزعم ابن الحاجب أنه إنما سمي غاليا؛ لقلته، ونفاه السيرافي والزجاج وزعما أن الشاعر، زاد "أن" في آخر البيت إيذانا بتمامه فضعف صوته بالهمزة، واختاره ابن مالك، وقال ابن يعيش: فائدته الترنم أيضا.
التصريح: 1/ 36. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 33.
4 القائل: هو رؤبة بن العجاج، أبو الجحاف بن عبد الله بن رؤبة، من تميم، أحد رجاز الإسلام وفصحائهم المقدمين، نزل البصرة، وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، قال عنه يونس النحوي: ما كان معد بن عدنان أفصح منه، أخذ عنه أهل اللغة، وكانوا يقتدون به ويحتجون بشعره، قال الخليل يوم وفاته: "دَفَنَّا الشعر واللغة والفصاحة"، مات في خلافة المنصور سنة: 145هـ.
الشعر والشعراء: 2/ 594، وتجريد الأغاني: 5/ 2145، واللآليء: 56، والخزانة: 1/ 38.
5 تخريج الشاهد: ينشد النحاة الشاهد، وينشدون قبله:
قالت سليمي ليت لي بعلا يَمُنّ ... بغسل جلدي وينسيني الحزن
والبيت الشاهد: استشهد به في التصريح: 1/ 37، الأشموني "8/ 1/ 12" مغني اللبيب، "1109/ 852"ن وشرح شواهد المغني للسيوطي: 316، شرح شواهد الألفية للعيني: 1/ 140، 4/ 336 المقرب لابن عصفور: 60، خزانة الأدب: 3/ 63، همع الهوامع: 2/ 62، الدرر اللوامع للشنقيطي: 2/ 78، وملحقات ديوان رؤبة بن العجاج: 186.
المفردات الغريبة: سليمي: تصغير سلمى، وهو اسم امرأة. بعلا: زوجا. معدما: اسم الفاعل من مصدر "أعدم الرجل" إذا كان فقيرا لا مال له.
المعني: قالت بنات عم تلك المتمنية: يا سلمى، أترضين بهذا البعل، وإن كان فقيرا معدما؟! قالت: رضيت به وإن كان فقيرا معدما.
الإعراب: قالت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. بنات: فاعل مرفوع. العم: مضاف =(1/42)
والحق1 أنهما نونان زيدتا في الوقف، كما زيدت نون "ضيفن" في الوصل والوقف، وليسا من أنواع التنوين في شيء؛ لثبوتهما مع "أل"، وفي الفعل، وفي الحرف، وفي الخط والوقف، ولحذفهما في الوصل2، وعلى هذا فلا يردان على من أطلق أن الاسم يعرف بالتنوين، إلا من جهة أن يسميهما تنوينين، أما باعتبار ما في نفس الأمر فلا.
الثالثة: النداء، وليس المراد به دخول حرف النداء؛ لأن "يا" تدخل في اللفظ
__________
= إليه. وإنن: الواو عاطفة على محذوف. إن: حرف شرط جازم، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، والنون الزائدة حرف لا محل له من الإعراب.
كان: فعل ماضٍ ناقص في محل جزم فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر جوازا، تقديره: هو، يعود إلى البعل.
فقيرا: خبر "كان" منصوب.
معدما: صفة لـ "فقيرا"، وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة سياق الكلام عليه، و"جملة الشرط وجوابه": معطوفة بالواو على محذوف، يدل عليه سياق الكلام كذلك.
قالت: فعل ماضٍ، والفاعل: هي، والتاء: للتأنيث. وإنن: الواو عاطفة على محذوف، إن: شرطية جازمة، وفعل الشرط وجوابه محذوفان؛ لِدلالة الكلام السابق عليهما، والتقدير: قالت: إن كان غنيا موسرا أرضى به، وإن كان فقيرا معدما أرضى به.
موطن الشاهد: "إنن، إنن".
وجه الاستشهاد: لحق التنوين العروض والقافية المقيدة، زيادة على الوزن، ودخل التنوين على "إن" وهي حرف من دون خلاف، ولحوق التنوين بهذا الحرف في العروض والقافية، دليل على أن التنوين الغالي لا يختص بالاسم، ونظير هذا البيت قول رؤبة بن العجاج.
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ... مشتبه الأعلام لماع الخفقن.
حيث ألحق الشاعر التنوين بالعروض والقافية "المخترق، والخفق"، وكلاهما اسم محلىً بـ "أل"، وفي دخول التنوين الغالي على الاسم المحلى بـ "أل" دليل على أن التنوين الغالي ليس خاصا بالاسم، كما بينا سابقا.
1 كما قاله ابن مالك في التحفة وتبعه ابنه في "نكت الحاجبية".
2 وليس كذلك شيء من أقسام التنوين، وهناك مواضع يحذف فيها التنوين وجوبا، فيها: وجود "أل" في صدر الكلمة المنونة، فتقول في جاء رجل: جاء الرجل بغير تنوين وإضافة الكلمة المنونة، تقول: جاء رجل القوم، والوقف على الكلمة المنونة في حالتي الرفع والجر ... إلخ.(1/43)
على ما ليس باسم، نحو: {يَا لَيْتَ قَوْمِي} 1 "أَلَا يَا اسْجُدُوا"2 في قراءة الكسائي3، بل المراد كون الكلمة مناداة، نحو: "يا أيها الرجل، ويا فُلُ، ويا مكرمان"4.
__________
1 36 سورة يس، الآية: 26.
موطن الشاهد: {يَا لَيْتَ قَوْمِي} .
وجه الاستشهاد: دخول "يا" على "ليت" وهي حرف، وليست اسما، وفي هذا دلالة على مباشرة حرف النداء للحرف، حين يحذف المنادى، وقيل: إن "يا" في هذه الحال حرف تنبيه لا حرف نداء.
2 27 سورة النمل، الآية: 25.
أوجه القراءات:
قرأ الكسائي، وأبو جعفر، ورويس عن يعقوب بتخفيف "ألَا" وقرأ باقي العشرة بتشديدها انظر: النشر: 2/ 323، والتيسير: 167، والإتحاف: 336.
توجيه القراء ات: على قراءة الكسائي ومن معه بتخفيف "ألَا" فيكون المعنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، و"ألا" على هذه القراءة للتنبيه، و"يا" للنداء، وحذف المنادى لدلالة حرف النداء عليه، و"اسجدوا" فعل أمر بني على حذف النون، والدليل على صحة هذا التخريج، أن الكسائي كان يقف على "ألا يا" ثم يبتدئ بـ "اسجدوا" إيضاح الوقف والابتداء: 169. وأما على قراءة تشديد اللام في "ألا" فعلى أنهما كلمتان، أن المصدرية، ولا النافية، ويكون بعدها "يسجدوا" فعل مضارع منصوب بـ "أن" المصدرية، والمصدر المنسبك من "أن وما بعدها" في محل نصب بدلا من "أعمالهم" على تقدير "لا" غير زائدة، أو في موضع جر على البدل من "السبل" على تقدير "لا زائدة" وكتابتها في المصحف: {أَلَّا يَسْجُدُوا} تؤيد هذه القراءة. انظر: البيان: 2/ 221، والعكبري: 2/ 93، وتفسير القرطبي: 13/ 185، وزاد المسير: 6/ 166، ومشكل إعراب القرآن: 2/ 147.
3 الكسائي: هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله الكسائي، إمام الكوفيين في النحو واللغة، وأحد القراء السبعة المشهورين ولقب بالكسائي؛ لأنه كان يصنعها، وهو كوفي أتى بغداد وأخذ عن القراء، وعن الخليل، له مجالس مع يونس بن حبيب، والفراء، وأبي يوسف، صاحب أبي حنيفة، له مؤلفات كثيرة منها: معاني القرآن، ومختصر في النحو، والقراءات النوادر، والمصادر. مات سنة 198 بالري، ودفنه هارون الرشيد. البلغة: 156، وإنباه الرواة: 2/ 256، وبغية الوعاة: 2/ 162، والأعلام: 5/ 93.
4 خص المؤلف هذه الأسماء بالذكر، مع هذه العلامة؛ لأنها ملازمة للنداء، ومعنى هذا أنها لا تقبل من العلامات التي ذكرها إلا النداء، ومعنى "يا فُلُ" يا رجل أو يا امرأة، ونظيرهن "يا مَلْأَمَان" ويا "خباث" وبابه، وسيأتي في باب النداء.
التصريح: 1/ 38.(1/44)
الرابعة: أل غير الموصولة1، كالفرس والغلام، فأما الموصولة فقد تدخل على المضارع، كقوله2: [البسيط]
3- ما أنت بالحكم التُرْضَى حُكُومتُهُ3.
__________
1 وغير الاستفهامية أيضا، فإنها تدخل على الماضي، نحو: ألفعلت؟ بمعنى هل فعلت؟
2 القائل هو: الفرزدق، أبو فراس، همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، شاعر إسلامي من الطبقة الأولى، ولقب بالفرزدق؛ لِقصره وغلظه، ولشعره عند علماء اللغة منزلة كبيرة، فقالوا: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث اللغة، والفرزدق أشبه بزهير من شعراء الجاهلية، مات سنة 110هـ، وقد ناهز المائة، له ديوان شعر مطبوع.
الشعر والشعراء: 1/ 471، الأغاني: 9/ 324، الوفيات: 6/ 86، الخزانة: 1/ 105، المرزباني: 481.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
وهو في هجاء رجل من بني عذرة، وكان قد دخل على عبد الملك بن مروان يمدحه، وعند عبد الملك جرير والأخطل والفرزدق، وهو لا يعرفهم، فعرف عبد الملك الأعرابي بهم. فقال على الفور:
فحيا الإله أبا حزرة ... وأرغم أنفك يا أخطلُ
وجد الفرزدق أتعِسْ به ... ودقَّ خياشيمَه الجندلُ
فقال له الفرزدق:
يا أرغم الله أنفا أنت حامله ... يا ذا الخنى ومقال الزور والخطلِ
وبعده البيت المستشهد بصدره.
وقد استشهد بالبيت في: التصريح: 1/ 38، وابن عقيل "30/ 1/ 157، والأشموني "97/ 1/ 71" وخزانة الأدب: "1/ 14 عرضًا، والمقرب لابن عصفور: 7، والإنصاف لابن الأنباري: 521 وشرح العيني: 1/ 111، 445، وحاشية يس بن زين الدين العليمي: 2/ 229، وليس في ديوان الفرزدق.
المفردات الغريبة: الحكم: الذي يحكمه الخصمان؛ لِيفصل بينهما. الأصيل: الحسيب. الجدل: شدة الخصومة. التُرْضَى: الذي تُرضَى. =(1/45)
الخامسة: الإسناد إليه1، وهو: أن تنسب إليه ما تحصل به الفائدة؛ وذلك
__________
= مفردات الأبيات الأخرى: "أبا حزرة": كنية جرير بن عطية. الجندل: الحجر: يا أرغم الله أنفا". أصل "أرغمه": عفره بالرغام، أي: التراب، وفي ذلك كناية عن الإهانة والإذلال. الخنى: الفحش. الخطل: المنطق الفاسد المضطرب.
معنى الشاهد: يستخف الفرزدق بذلك الأعرابي الذي مدح جريرا وفضله عليه قائلا: لست بالرجل الرشيد الذي يُحكَّم في الخصومات، ويرضى بحكمه، أو يُؤبَه لكلامه، أو يعتدُّ به في المجالس، فضلا عن أنك لست شريف النسب، ولا صاحب الرأي النافذ، ولا صاحب المنطق السديد الذي يزين صاحبه، ويؤهله للحكم في معضلات الأمور.
موطن الشاهد: "التُّرضَى".
وجه الاستشهاد: دخول "أل" الموصولة على الفعل المضارع "تُرضَى"، ودخولها على الفعل في هذا البيت دليل، على أنها ليست علامة على اسمية ما تدخل عليه، فهي تدخل على الأسماء، في نحو: الصائم، والقائم، والمقتول، وتدخل على الأفعال، كما في الشاهد السابق، وكما في قول ذي الخرق الطهوي:
يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا ... إلى ربنا صوت الحمار اليجدع
فالمعني مأخوذ من الآية الكريمة: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير} واليجدع، أي: الذي يجدع. والأمثلة على ذلك كثيرة.
واختلف النحاة في حكم "أل الموصولة" الداخلة على الفعل المضارع كما يلي:
أ- ذهب ابن مالك وجمهور الكوفيين، إلى أنه جائز في الاختيار -على الرغم من قلته- واحتجوا بما ورد من الشواهد عن العرب الذين يُحتَجُّ بشعرهم.
ب- وذهب البصريون إلى أن دخول "أل" على الفعل المضارع، لا يجوز إلا في ضرورة الشعر.
ج- وذهب الشيخ عبد القاهر الجرجاني إلى أنه من أقبح ضرورات الشعر، يذهب إلى أن دخول "أل" الموصولة على المضارع جائز في السعة، لم يجعلها من علامات الاسم، ومن ذهب إلى أنها لا تدخل على المضارع إلا ضرورة، جعل "أل" بجميع أنواعها من علامات الاسم.
انظر شرح الأشموني "تحقيق محيي الدين عبد الحميد": 1/ 169، والتصريح على التوضيح: 1/ 38.
1 أي: الإخبار عنه بشيء، وجعله متحدثا عنه؛ لأنه لا يتحدث إلا عن الاسم. وبهذه العلامة دل على اسمية الضمائر ونحوها.(1/46)
كما في "قمت" و"أنا"1 في قولك "أنا مؤمن".
[علامات الفعل] :
ينجلي الفعل بأربع علامات:
إحداها: تاء الفاعل2، متكلما كان كـ "قمت" أو مخاطبا نحو "تباركت".
الثانية: تاء التأنيث الساكنة3، كـ "قامت، وقعدت"، فأما المتحركة فتختص بالاسم كقائمة4.
__________
1 كرر المثال؛ لِبيان أنه لا فرق بين تأخر المسند إليه وتقدمه، ولا بين أن يكون فعلا أو وصفا، وقد أشار ابن مالك إلى العلامات المتقدمة بقوله:
بالجر، والتنوين، والندا، وأل ... ومسند، للاسم تميز حصل
أي: حصل للاسم تميز عن الفعل والحرف، وما ذكره المصنف أشهر العلامات.
وهناك علامات أخرى للاسم، منها: أن يكون مصغرا؛ لأن التصغير من خواص الأسماء، أو أن يكون لفظه موافقا لوزن اسم آخر، لا خلاف في اسمتيه، كنزال: بمعنى انزل؛ فإنه موافق لوزن "حذام" اسم امرأة. وبهذه العلامة دل على اسمية نزال، أو يكون معناه كذلك مثل: قط، وعوض، فإنهما يدلان على الزمان؛ الأول: الزمان الماضي، والثاني: المستقبل.
التصريح: 1/ 39. الأشموني وحاشية الصبان: 1/ 46-47.
2 أي تاء الضمير الذي يقع فاعلا في المعنى للفعل قبله.
3 أي: في الأصل، فلا يضر تحركها لعارض، نحو قوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين} و: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيز} .
4 التاء المتحركة؛ إما أن تكون حركتها حركة إعراب كقائمة، وهذه تختص بالاسم كما قال، وإما أن تكون حركتها حركة بناء، وهذه تدخل على الحرف في "لات" و"ربت" و"ثمة" وتكون في الاسم أيضا، نحو: "لا قوة" من شواهد دخول تاء التأنيث على "رب" قوله:
ماويَّ يا رُبَّتَمَا غَارَةٍ ... شعواءَ مثل اللَّذعَةِ بالميسمِ
وقول الآخر في دخولها على "ثم":
ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثُمَّتَ قُلت لا يعنيني
وأما دخولها على "لا" فأشهر من أن يستدل له، مثال ذلك قوله تعالى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاص} ، وقول الشاعر:
ندم البغاة ولات ساعة مندم ... والبغي مرتع مبتغيه وخيمُ(1/47)
وبهاتين العلامتين رد على من زعم حرفية ليس وعسى1، وبالعلامة الثانية على من زعم اسمية نعم وبئس2.
الثالثة: ياء المخاطبة: كقومي، وبهذه رُدَّ على من قال إن هات وتعالَ اسما فعلين3.
__________
1 ذهب الفارسي وتبعه أبو بكر بن شقير إلى أن "ليس" حرف؛ لِكونها دالة على النفي مثل "ما" وذهب الكوفيون إلى أن "عسى" حرف؛ لِكونها دالة على النفي مثل "فعل"، والصحيح أنهما فعلان، بدليل قبولهما تاء التأنيث في نحو ليست هند مفلحة، وعست هند أن تزورنا. وتاء الفاعل في نحو: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء} ونحو: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُم} .
ومما يدل على فعليتهما أيضا، أنه يجوز في خبر ليس تقديمه على اسمها إجماعا، وعليها على الراجح، و"ما" لا يجوز معها إلا مجيء خبرها متأخرا عنها وعن اسمها التصريح: 1/ 40، 41، ومغني اللبيب: 201، 286، والجنى الداني في حروف المعاني: 46, 493".
2 الزاعم: هو الفراء من الكوفيين، وحجته: دخول حرف الجر عليهما في بعض التراكيب. ومن ذلك قول بعض العرب، وقد بشر بمولود أنثى: "والله ما هي بنعم الولد" وقول الآخر -وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير: "نعم السير على بئس العير"؛ هذا وقد تأولهما المانعون على حذف الموصوف وصفته ودخول حرف الجر على معمول الصفة. والأصل: ما هي بولد مقول فيه: نعم الولد"، ونعم السير على عير مقول فيه: بئس العير"، فحرف الجر في الحقيقة إنما دخل على الاسم. وإنما لم يقل وبالعلامتين كالتي قبلها؛ لأن تاء الفاعل لا تدخل على "نعم" و"بئس" بخلاف "ليس" و"عسى" فإنهما يقبلان العلامتين كما مر. التصريح: 1/ 41.
3 القائل هو الزمخشري وحجته استعمالهما بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع، وإبراز الضمير معهما؛ لِشدة شبههما بالفعل، والصحيح أن "هات" بكسر التاء فعل أمر بمعنى ناول وتعال -بفتح اللام- أمر بمعنى أقبل؛ لِقبولهما ياء المخاطبة، وهما مبنيان على حذف حرف العلة. التصريح: 1/ 41.(1/48)
الرابعة: نون التوكيد شديدة أو خفيفة: نحو: {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونًا} 1، وأما قوله: [مشطور الرجز] .
4- أقائلنَّ أحضروا الشهودا4
فضرورة
__________
1 12 سورة يوسف، الآية: 32.
موطن الشاهد: {لَيُسْجَنَنَّ} ، و: {لِيَكُونًا} .
وجه الاستشهاد: اقتران فعل "يسجن" بنون التوكيد الثقيلة، واقتران "يكون" بنون التوكيد الخفيفة، وفي اقتران نون التوكيد بهاتين الكلمتين، دليل على فعليتهما؛ لأن من علامات الفعل اقترانه بإحدى نوني التوكيد، الثقيلة أو الخفيفة كما في المتن.
2 القائل هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: وقبل الشاهد قوله:
أريت إن جاءت به أملودا ... مرجلا ويلبس البرودا
ولا ترى مالا له معدودا ... أقائلن أحضروا الشهودا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 42، والأشموني "13/ 1/ 16"، والمحتسب: "1/ 193" والخصائص لابن جني: 1/ 136، وخزانة الأدب: 4/ 574 عرضا، والعيني: 3/ 648 وحاشية يس: 1/ 42، وشرح السكري: 1/ 651 ونسبه لرجل من الهذليين ومغني اللبيب "633/ 443"، وشرح السيوطي: 257، وملحقات ديوان رؤبة: 173.
المفردات الغريبة: أملودا "بضم الهمزة وسكون الميم": هو الغصن الناعم. مرجلا: أصل الكلام، مرجلا شعره، فحذف المضاف -وهو الشعر- وأقام المضاف إليه -وهو الضمير المجرور محلا بالإضافة- مقامه، فارتفع واستتر. البرود: جمع برد -بضم وسكون الراء- وهو ضرب معروف من الثياب.
المعنى: أرأيت إن جاءت هذه المرأة بشاب مرجل الشعر، حسن الملمس كأنه الغصن الناعم ليتزوجها أفأنت موافق على ذلك آمر بإحضار الشهود؛ لِيحضروا عقد زواجها؟ والاستفهام -هنا- إنكاري، كما ترى.
موطن الشاهد: "أقائلن".
وجه الاستشهاد: دخول نون التوكيد على اسم الفاعل ضرورة؛ لأن نون التوكيد لا تدخل إلا على فعل المضارع، وفعل الأمر، وأما سبب دخول نون التوكيد على اسم الفاعل "قائلن" ضرورة؛ لِمشابهة اسم الفاعل المقرون بهمزة الاستفهام للفعل، المضارع.
غير أن بعضهم يروي البيت "أقائلون" بالواو والنون، ولا شذوذ ولا ضرورة حينئذ. وفي التصريح تأويلات أخرى يمكن الرجوع إليها. التصريح: 1/ 42.(1/49)
[علامة الحرف] :
ويعرف الحرف1 بأنه: لا يحسن فيه شيء من العلامات، التسع، كـ "هل"، و"في"، و"لم".
وقد أشير بهذه المثل إلى أنواع الحروف2، فإن منها ما لا يختصُّ بالأسماء.
__________
1 الحرف: كلمة لا تدل على معنى في نفسها، وتدل على معنى في غيرها إذا ضم إليها، ولا تدل على زمن ما.
2 الأحرف ثلاثة أقسام، منها ما هو مختص بالاسم، ومنها ما هو مختص بالفعل، ومنها ما هو مشترك بينهما.
فما اختص بالاسم، فهو يعمل فيه الجر؛ لأن الجر من خصائص الأسماء.
وما اختص بالفعل، فهو يعمل فيه الجزم؛ لأن الجزم من خصائص الأفعال.
وما كان مشتركا، فلا يعمر شيئا على الأصل.
غير أنه جاءت أحرف في العربية مختصة بالاسم وعملت غير الجر، ووردت أحرف مختصة بالفعل، وعملت غير الجزم، ووردت أحرف مشتركة بين الفريقين، وعملت كما نجد أحرفا مختصة بالفعل قد أهملت، وأحرفا مختصة بالاسم وقد أهملت أيضا.
وهذه الأنواع الخمسة التي جاءت على خلاف الأصل لا بد لمجيئها من علة، كما يلي:
أ- من الحروف المختصة بالاسم، وتعمل غير الجر: "إنَّ" وأخواتها، وعلة عملها النصب والرفع في المبتدأ والخبر؛ لأنها أشبهت الأفعال في اللفظ والمعنى، في اللفظ لمجيئها على ثلاثة أحرف أو أكثر، وفي المعنى؛ لأن كل حرف منها يدل على معنى معين، فـ "إنَّ" تدل على معنى أؤكد، و"كأنَّ" على معنى أشبه و"ليت" على معنى التمني، و"لعل" على معنى الترجي.
ب- ومن الحروف المختصة بالفعل، ما عملت النصب، ولم تعمل الجزم، والعلة في ذلك، أن "لن" الناصبة، أشبهت "لا" النافية للجنس في معناها، فعملت عملها فيما اختصت به، وحمل بقية الأحرف الناصبة للفعل المضارع عليها.
ج- ومن الأحرف المشتركة "ما"، و"لا" النافيتان الرافعتان للاسم والناصبتان للخبر، والعلة في عملهما ذلك؛ لِمشابهتهما لـ "ليس" من حيث المعنى، فعملها عملها.
د- والحروف المختصة بالأفعال وقد أهملت: "قد"، و"السين"، و"سوف" فهي لا تدخل إلا على الأفعال، ومع ذلك، فهي لا تعمل شيئا، وعلة إهمالها، أن كل حرف منها، نزل منزلة الجزء من الفعل، وجزء الشيء، لا يعمل فيه.
هـ- ومن الحروف المختصة بالاسم وقد أهملت: حرف التعريف "أل" عند عامة العرب، و"أم" في لغة "حمير"، وعلة إهماله أنه نزل منزلة الجزء من الاسم بدليل أن العامل يتجاوزه. انظر حاشية الشيخ يس على شرح التصريح: 1/ 43-44.(1/50)
ولا بالأفعال فلا يعمل شيئا كـ "هل"1، تقول: "هل زيد أخوك؟ و"هل يقوم؟ " ومنها ما يختص بالأسماء فيعمل فيها كفى، نحو: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ} 2، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم} 3، ومنها ما يختص بالأفعال فيعمل فيها كـ "لم"، نحو: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد} 4.
[أنواع الفعل] :
والفعل جنس تحته ثلاثة أنواع6:
__________
1 الأصل في "هل" الاختصاص بالفعل؛ لأنها بمعنى "قد" وهذه مختصة بالفعل، فلما جاءت بمعنى الهمزة فقدت الاختصاص، فإذا جاء الفعل في تركيبها، حنت إليه، وجذبته نحوها، واختصت به، ولو تقديرا؛ ولهذا وجب نصب الاسم بعدها في باب الاشتغال.
مغني اللبيب: 460-461.
2 51 سورة الذارايات، الآية: 20.
موطن الشاهد: {فِي الْأَرْضِ} .
وجه الاستشهاد: دخول الحرف "في" وهو مختص بالأسماء على "الأرض" فأعمل فيه الجر على الأصل.
3 51 سورة الذاريات، الآية: 22.
موطن الشاهد: {فِي السَّمَاءِ} .
وجه الاستشهاد: دخول الحر في "في" على "السماء" فأعمل فيه الجر، كما في الآيات السابقة.
4 112 سورة الصمد، الآية: 3.
موطن الشاهد: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} .
وجه الاستشهاد: دخول "لم" وهو حرف مختص بالأفعال على الفعلين المضارعين "يلد، يولد" وأعمل فيهما الجزم، على الأصل.
5 الفعل: هو ما يدل على معنى، أي حدث وزمن يقترن به، والمراد بالجنس: معناه اللغوي: الأعم من النوع.
6 عند البصريين، ونوعان عند الكوفيين، والأخفش، بإسقاط الأمر على أن أصله مضارع.
التصريح: 1/ 44.(1/51)
أحدها: المضارع1، وعلامته أن يصلح لأن يلي "لم"2 نحو "لم يقم، ولم يشم"، والأفصح فيه فتح الشين لا ضمها، والأفصح في الماضي شممت، بكسر الميم، لا فتحها، وإنما سمي مضارعا لمشابهته للاسم، ولهذا3 أعرب واستحق التقديم في الذكر على أخويه.
ومتى دلت كلمة على معنى المضارع ولم تقبل "لم" فهي اسم4، كأوه وأفّ بمعنى أتوجع وأتضجر.
الثاني: الماضي5: ويتميز بقبول تاء الفاعل كتبارك وعسى وليس، أو تاء
__________
1 هو: كلمة تدل على معنى -أي حدث- وزمن يصلح للحال والاستقبال. ويتعين للحال إذا اقترن بكلمة تفيد ذلك، ككلمة: الآن، الساعة.
كما يتعين للاستقبال إذا اقترن بالسين، أو سوف -أو بظرف من ظروف المستقبل، مثل: إذا نحو: أزورك إذا تسافر- أو دل على وعد أو وعيد، نحو: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاء} أو اقترن بأداة توكيد، كنون، أو لام القسم، أو أداة رجاء مثل: لعل، أو أداة شرط وجزاء، وقد ينصرف زمنه للماضي إذا سبقته "لم" أو "لما" الجازمتان.
2 اقتصر الناظم على هذه العلامة؛ لأنها أنفع علامات المضارع.
3 لهذا، أي لمضارعته -مشابهته- للاسم، والمراد بالاسم الذي أشبهه المضارع اسم الفاعل، ولمشابهته للاسم اختص بأمرين: الإعراب، والتقدم على الماضي والأمر في الذكر؛ لأن الاسم أسمى الأنواع وأشرفها، ولما أشبه الفعل المضارع، نال منه شرف التقدم، وشبه الفعل المضارع للاسم حاصل في اللفظ والمعنى، فشبهه في اللفظ حيث يجري معه في الحركات والسكنات، وعدد الحروف، وفي تعيين الحروف الأصلية والحروف الزائدة.
وشبهه إياه في المعني، فلأن كل واحد منهما صالح للحال، وللاستقبال، والقرينة اللفظية تخصصه بأحدهما، التصريح: 1/ 44.
4 هناك كلمات تدل على معاني الأفعال المضارعة، ولا تقبل "لم" وليست مع ذلك أسماء أفعال، بل هي حروف، نحو: حرف النداء، فإنه يدل على معنى "أدعو"، وحرف الاستثناء، فهو يدل على معنى "أستثني" وسوى ذلك، والسبب في ذلك أن هذه الكلمات دلت بصيغتها لا بهيئتها على معنى المضارع.
5 هو كلمة تدل على معنى -أي حدث- وزمن فات قبل النطق بها، ويتعين معناه للحال إذا قصد به الإنشاء مثل اشتريت وبعت ... إلخ، كما يتعين للاستقبال إذا أفاد طلبا ودعاء مثل: أعانك الله ورفع منزلتك. أو سبق بنفي بـ "لا" أو "إن" المسبوقتين بقسم، نحو: والله لا أكرمت الجبان، لئن ثابرت لتظفرن بما ترجو.(1/52)
باب المعرب والمبني:
هذا باب شرح المعرب والمبني:
أولا: [المعرب والمبني من الأسماء] :
الاسم ضربان: معرب، وهو الأصل، ويسمَّى متمكنا، ومبني، وهو القرع، ويسمَّى غير متمكن1.
وإنما يبني الاسم إذا أشبه الحرف2، وأنواع الشبه ثلاثة:
أحدها: الشبه الوضعي؛ وضابطه أن يكون الاسم على حرف أو حرفين3، فالأول: كتاء "قمت" فإنها شبيهة بنحو باء الجر ولامه وواو العطف وفائه، والثاني: كـ "نا" من "قمنا فإنها شبيهة بنحو قد وبل.
__________
1 ما قيده المؤلف بعبارته، هو الصحيح الذي عليه جمهرة النحاة من الكوفيين والبصريين وذهب بعض النحاة إلى أن المضاف إلى ياء المتكلم، نحو أبي وأخي وغلامي قسم ثالث لا معرب ولا مبني؛ أما أنه ليس معربا؛ فلأنه ملازم لحركة واحدة، وهي الكسرة؛ وأما أنه ليس مبنيا؛ فلأنه، لم يشبه الحرف، وهذا كلام غير مستقيم، بل هو من نوع المعرب، والحركات مقدرة على ما قبل الياء، مثل تقديرها على آخر الاسم المقصور، وعلى آخر الاسم المنقوص، والمانع من ظهورها وجود الحركة المناسبة لياء المتكلم وهي الكسرة.
التصريح: 1/ 47، وابن عقيل: 1/ 28، 29.
2 أي مشابهة قوية لا يعارضها شيء من خصائص الأسماء: كالتثنية والإضافة.
ومعلوم أن الحروف كلها مبنية؛ لأن الحرف لا يؤدي معنى بنفسه، فلا ينسب إليه ولا يقع فاعلا ولا مفعولا حتى يحتاج إلى إعراب.
3 سواء أكان ثاني الحرفين حرف لين أم لم يكن على الراجح، فما كان ثانيه حرف لين من الحروف مثل "ما" و"لا" ومن الأسماء المشبهة لها مثل: نا، وما كان ثانيه غير حرف لين من الحروف، مثل: "هل" و"بل" و"قد" ومن الأسماء المشبهة لها: "كم" و"من" وادعى الشاطبي أن أصل وضع الحرف أن يكون على حرف واحد، أو حرفين: ثانيهما حرف لين، وهو خلاف ما يراه المحققون.
التصريح: 1/ 47، وابن عقيل: "1/ 31".(1/54)
وإنما أعرب نحو "أب، وأخ"؛ لضعف الشبه بكونه عارضا، فإنه أصلهما أبَوٌ وأخَوٌ، بدليل أبَوَانِ وأخَوَانِ.
والثاني: الشبه المعنوي1: وضابطه أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف، سواء وضع لذلك المعنى حرف، أم لا.
فالأول: كـ "متى"، فإنها تستعمل شرطا، نحو: "متى تقم أقم" وهي حينئذ شبيهة في المعنى بإن الشرطية، وتستعمل أيضا استفهاما نحو: {مَتَى نَصْرُ الْلَّهِ} 2 وهي حينئذ شبيهة في المعنى بهمزة الاستفهام.
وإنما أعربت أي الشرطية في نحو: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْت} 3 والاستفهامية في نحو: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ} 4؛ لِضعف الشبه بما عارضه من ملازمتهما للإضافة التي هي من خصائص الأسماء5.
__________
1 أي: أن يتضمن الاسم بعد وضعه في جملةٍ معنىً جزئيًّا زيادة على معناه المستقل الذي يؤديه في حال انفراده، وكان الحرف أولى بتأدية هذا المعنى الجزئي، فيكون الاسم قد خلف الحرف في ذلك. التصريح: 1/ 48.
2 سورة البقرة، الآية: 214.
موطن الشاهد: {مَتَى نَصْرُ الْلَّهِ} ؟
وجه الاستشهاد: مجيء "متى" في الآية الكريمة اسم استفهام وهي شبيهة في معناها بهمزة الاستفهام.
3 سورة القصص، الآية: 28.
موطن الشاهد: {أَيَّمَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أي" في الآية الكريمة اسم شرط جازم معربا في محل نصب مفعولا به بفعل "قضيت"، وقدمت "أي" لأن لها الصدارة: وما: صلة، والأجلين، مضاف إليهما. وجملة فلا عدوان على ... " جواب أي.
4 سورة الأنعام، الآية: 81.
موطن الشاهد: "أي".
وجه الاستشهاد: مجيء "أي" اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، و"الفريقين". مضاف إليه. وأحق خبر "أي" مرفوع" وأعربت أي الشرطية والاستفهامية؛ لِضعف الشبه فيهما بما عارض من ملازمتهما للإضافة التي هي من خصائص الأسماء.
5 فإن قلت: فلماذا بنيت "لدن" مع أنها ملازمة للإضافة مثل أي؟ فالجواب عن ذلك: أن نذكرك أولا بأن للعرب في "لَدُن" لغتين: إحداهما الإعراب وهي لغة قيس، وعلى هذا يسقط هذا السؤال ويصبح كلام النحاة مستقيما وهو أن الإضافة التي هي من خصائص الأسماء، إذا لازمت كلمة، وكان في هذه الكلمة شبه للحرف عارض لزوم الإضافة شبه الحرف، فبقيت على ما هو الأصل في الاسم، وهو الإعراب.
واللغة الثانية في "لَدُن" البناء، وهي لغة عامة العربة، ويعتذر عن هذه اللغة بأن هؤلاء قد وجدوا في "لدن" شبها للحرف من جهة اللفظ؛ لأنهم قد قالوا فيها "لد" على حرفين، كما وجدوا فيها شبها معنويا؛ لأنها موضوعة لمعنى نسبي هو أول الغاية في الزمان أو المكان، ووجدوا فيها شبها استعماليا، وهو لزوم استعمالها في وجه واحد، وامتناع الإخبار بها أو عنها، بخلاف "عند" التي بمعناها؛ فإنها تجيء فضل، وتجيء عمدة، فلما وجدوها قوية الشبه بالحرف من عدة أوجه جنحوا إلى اعتبار هذا الشبه، ولم يبالوا بالإضافة.
حاشية يس على التصريح: 1/ 49، ومغني اللبيب: 207، 208.(1/55)
والثاني نحو: "هنا" فإنها متضمنة لمعنى الإشارة، وهذا المعنى لم تضع العرب1 له حرفا، ولكنه من المعاني التي من حقها أن تؤدى بالحروف؛ لأنه كالخطاب والتنبيه، فهنا مستحقة للبناء؛ لِتضمنها لمعنى الحرف الذي كان يستحق الوضع.
وإنما أعرب "هذان، وهاتان"، مع تضمنهما لمعنى الإشارة؛ لِضعف الشبه بما عارضه من مجيئهما على صورة المثنى، والتثنية من خصائص الأسماء2.
__________
1 قيل وضعت له لام العهد؛ لأنها للإشارة إلى معهود بين المتكلم، والمخاطب، وهي حرف غايته أنها للإشارة الذهنية، ولا فرق بينها وبين الخارجية.
ابن عقيل: 1/ 32، وحاشية يس على التصريح: 1/ 49.
2 للنحاة في "هذان وهاتان" رفعا، و"هذين وهاتين" نصبا وجرا مذهبان هما:
أ- أن هذه الألفاظ مثنيات حقيقة، وأنها معربات بالألف رفعا، وبالياء نصبا وجرا.
ب- أن هذه الألفاظ، ليست مثنيات حقيقية، وأنها مبنية، ووجه هذا المذهب، أنها فارقت المثنيات الحقيقية من وجهين.
الأول: لو كانت مثنيات حقيقة، لقيل في حالة الرفع هذيان وهاتيان، كما يقال: فتيان، ولقيل في حالتي النصب والجر: هذيين وهاتيين، كما يقال: فتيين.
الثاني: من شرط التثنية الحقيقية قبول التنكير؛ لأننا لا نثني زيدًا العلم، حتى نعتقد تنكيره، ثم إذا أردنا تعريفه بعد التثنية، أدخلنا عليه "أل" فنقول: الزيدان والزيدين، ومعلوم أن أسماء الإشارة لا تقبل التنكير بحال.
نخلص من هذا إلى أن هذه الألفاظ ليست مثنيات حقيقية -لما ذكر- ولذا، لا يجوز القول: إنه عارض شبه الحرف شيء من خصائص الأسماء، والصحيح: أن العرب، وضعوا للمشار إليه في حالة الرفع -إذا كان مثنى- "هذان" و"هاتان" وفي حالتي الجر والنصب و"هاتين، وهذين"، فهي ألفاظ موضوعة على صورة المثنى في بادئ الأمر، وكلام المؤلف ملفق من المذهبين، فهو يوافق المذهب الأول القائل بإعراب هذه الألفاظ، ثم يوافق المذهب الثاني القائل ببنائها.
وانظر التصريح: 1/ 49-50.(1/56)
الثالث: الشبه الاستعمالي1 وضابطه: أن يلزم الاسم طريقة من طرائق الحروف كأن ينوب عن الفعل2 ولا يدخل عليه عامل فيؤثر فيه، وكأن يفتقر افتقارا متأصلا إلى جملة3.
فالأول: كـ "هيهات، وصه، وأوَّه" فإنها نائبة عن "بعد واسكت وأتوجع"، ولا يصح أن يدخل عليها شيء من العوامل فتتأثر به4، فأشبهت "ليت ولعل" مثلا، ألا ترى أنهما نائبان عن "أتمنى وأترجَّى" ولا يدخل عليهما عامل، واحتُرِزَ بانتفاء التأثر من المصدر النائب عن فعله نحو "ضربا" في قولك: "ضربا زيدا" فإنه نائب عن "اضرب" وهو مع هذا معرب؛ وذلك5 لأنه تدخل عليه العوامل، فتؤثر فيه، تقول: "أعجبني ضرب زيد، وكرهت ضرب عمرو، وعجبت من ضربه".
__________
1 هو: أن يكون الاسم عاملا في غيره، ولا يدخل عليه عامل يؤثر فيه، كالحرف.
2 أي: في معناه وفي عمله.
3 ينزل منزلة الجملة شيئان، الأول: الوصف الصريح مع "أل" الموصولة، نحو: "الضارب والمضروب" والثاني: النوين المعوض به عن الجملة في "إذا" -كما رأينا سابقا في قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون} ، وفي "إذا" في نحو قوله تعالى: {وَإِذَاً لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} .
4 هذا، بناء على الصحيح من أن أسماء الأفعال، لا محل لها من الإعراب خلافا للمازني ومن تبعه في جعلها مبتدأ أغنى فاعلها عن الخبر، أو مفعولا مطلقا لمحذوف وجوبأ، ضياء المسالك: 1/ 42.
5 إنما تدخل عليه العوامل فتؤثر فيه إذا ناب عن أن المصدرية والفعل، والأمثلة: أعجبني ضرب زيد، وكرهت ضرب عمرو، وعجبت من ضربه، مما ناب فيه المصدر عن أن والفعل، وليس من المصدر الذي ناب عن فعل الأمر. انظر شرح التصريح: 1/ 51.(1/57)
والثاني1: كـ "إذ" و"إذا" و"حيث" والموصولات2، ألا ترى أنك تقول: "جئتك إذ ... "، فلا يتم معنى "إذ" حتى تقول: "جاء زيد" ونحوه، وكذلك الباقي، واحترز بذكر الأصالة من نحو: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم} 1، فيوم: مضاف إلى الجملة،
__________
1 الذي يفتقر افتقارا متأصلا إلى جملة أو شبهها.
2 فإنها مفتقرة دائما إلى جملة تكمل معناها، وأما إضافة "حيث" إلى مفرد في قول الفرزدق:
ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم ... ببيض النواصي حيث ليِّ العمائمِ
فذلك نادر، ومعلوم أن النادر كالشاذ يُحفَظ ولا يُقاس عليه.
وذكر الشيخ يس في حاشيته على شرح التصريح: "فإن قلت: إنَّ إذ وإذا ملازمان للإضافة، وقد علمنا أن الإضافة مما يختصُّ بالأسماء، فلماذا لم يعربا، كما أعربت أيّ الشرطية والاستفهامية لملازمتهما للإضافة؟
فالجواب عن ذلك: "قلت: إضافتهما كلا إضافة؛ لأنهما مضافان إلى الجمل، والإضافة إلى الجمل في تقدير الانفصال، فكأنهما غير مضافين".حاشية يس على شرح التصدير: 1/ 52".
3 5 سورة المائدة: الآية: 119.
أوجه القراءات: قرأ الجمهور بالرفع في "يوم" وقرأ نافع وابن محيصن "يَوْمَ" بالنصب، النَّشر: 2/ 247.
توجيه القراءات: على قراءة الرفع فـ "يوم" خبر لـ "هذا": إشارة إلى ما تقدم من القصص، وهو قوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّه} فأخبر الله عما لم يقع بلفظ الماضي؛ لِصحة كونه وحدوثه. وجاز أن يقع "يوم" خبرا عن "هذا" لأنه إشارة إلى حدث، وظروف الزمان تكون خبرا عن الحدث.
ويجوز على قول الكوفيين أن يكون "يوم" مبنيا على الفتح؛ لِإضافته إلى الفعل، فإذا كان كذلك احتمل موضعه النصب والرفع على ما تقدم من التفسير. وإنما يقع البناء في الظرف إذا أضيف إلى الفعل عند البصريين، إذا كان الفعل مبنيا، فأما إذا كان معربا فلا يبنى الظرف إذا أضيف عندهم.
معاني القرآن: 1/ 326-327، والبيان 1/ 311، وتفسير القرطبي: 6/ 379، ومشكل إعراب القرآن: 1/ 255.
موطن الشاهد: {هَذَا يَوْمُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "يوم" مضافا بدليل حذف تنوينه إلى الجملة بعده، وهي: {يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} والمضاف مفتقر إلى ذكر المضاف إليه كما هو معلوم في إفادة معناه، غير أن هذا الافتقار عارض التراكيب في بعض التراكيب، ويزول في بعضها الآخر، في نحو: صمت يوما، إذا أخبرت عن الترك، ولا يحتاج في تمام معنى "يوم" إلى شيء آخر.(1/58)
والمضاف مفتقر إلى المضاف إليه، ولكن هذا الافتقار عارض في بعض التراكيب، ألا ترى أنك تقول: "صمت يوما، وسرت يوما" فلا يحتاج إلى شيء واحترز بذكر الجملة من نحو: "سبحان"، و"عند" فإنهما مفتقران في الأصالة لكن إلى مفرد، تقول: "سبحان الله"1 و"جلست عند زيد".
وإنما أعرب اللذان، واللتان، وأي الموصولة" في نحو: "اضرب أيهم أساء"؛ لِضعف الشبه بما عارضه من المجيء على صورة التثنية، ومن لزوم الإضافة2.
وما سلم من مشابهة الحرف فمعرب، وهو نوعان: ما يظهر إعرابه، كأرض، تقول: "هذه أرض، ورأيت أرضا، ومررت بأرض" وما لا يظهر إعرابه كالفتى،
__________
1 ما ذكره المؤلف من أن "سبحان" ملازم للإضافة إلى مفرد: هو المشهور عند أهل اللغة والنحو، وذهب جماعة إلى أن "سبحان" يستعمل غير مضاف، واستشهدوا على استعماله غير مضاف بقول الأعشى:
قد قلت لما جاءني فخره ... سبحان مِنْ علقمةَ الفاخرِ
وهو شاذ عند الأولين.
التصريح: 1/ 52. حاشية الصبان: 1/ 54.
2 كلام المؤلف راجع إلى ما ذكره من إعراب "اللذين" و"اللتين"، وقوله بعده: "من لزوم الإضافة" راجع إلى "أي" وحاصل ذلك، أنه وجد في "أي" الموصولة الشبه الافتقاري؛ لأنها مفتقرة افتقارا متأصلا إلى جملة تكون صلة لها، وهذا الشبه، يقتضي البناء؛ لأنها لما كانت ملازمة للإضافة إلى مفرد، وكانت الإضافة من خصائص الأسماء فقد عارض هذا الشبه ما يقتضي الإعراب، فلذلك أعربت التصريح: 1/ 53. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 55.(1/59)
تقول: "جاء الفتى، ورأيت الفتى، ومررت بالفتى"، ونظير الفتى سما، كهدى، وهي لغة في الاسم، بدليل قول بعضهم: "ما سماك1؟ " حكاه صاحب الإفصاح2، وأما قوله3: [مشطور الرجز]
5- والله أسماك سَمًا مباركا
فلا دليل عليه فيه؛ لأنه منصوب منون، فيُحتمل أن الأصل سم، ثم دخل عليه الناصب ففتح كما تقول في يد: "رأيت يدا".
__________
1 أي: ما اسمك؟ ووجه الدلالة: أنه أثبت الألف مع الإضافة، وذلك يدل على أنه مقصور.
2 الإفصاح: شرح لكتاب "الإيضاح" لأبي على الفارسي، وصاحبه هو: محمد بن يحيى المعروف بابن هشام الخضراوي، المتوفى سنة: 646هـ.
3 هو: ابن خالد القناني -يفتح القاف والنون المخففة- نسبة إلى جبل قنان، وهو جبل لبني أسد فيه ماء يسمى العسيلة، ولم أعثر للشاعر على ترجمة وافية.
4 تخريج الشاهد: بعد الشاهد قوله:
آثرك الله به إيثاركا.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 54، والإنصاف لابن الأنباري: 1/ 15، وشرح العيني: 1/ 45.
المفردات الغريبة: أسماك: ألهم آلك أن يسموك. سما: اسما. آثرك: ميزك واختصك. إيثاركا: مصدر آثر.
المعنى: ألهم الله تعالى أهلك أن يسموك اسما مباركا ميمونا؛ لأن الله تعالى اختصك بهذا الإسم وميزك به عن الناس، كما تؤثر أنت بخيرك ومعروفك. ولعل المراد: إن الاسم دالٌّ على المسمى. فكان الاسم خيرا طيبا؛ لأن صاحبه متَّصف بالبذل والمعروف والكرم.
الإعراب: والله: مبتدأ. أسماك: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، والكاف: مفعول به أول والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. سما: مفعول ثانٍ لأسماك، منصوب وعلامه نصبه الفتحة الظاهرة. مباركا: صفة: "به": متعلق بـ آثرك". إيثارك: مفعول آثرك، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله، أي إيثارك إياه، ويمكن أن يكون مضافا إلى فاعله، والمفعول محذوف، والتقدير: إيثارك الناس بالخير.
موطن الشاهد: سما".
وجه الاستشهاد: مجيء "سما" على هذا اللفظ، وهو لغة في "الاسم" غير أن مجيئه لا يصلح أن يكون دليلا على أنه مقصور مثل "هدى" وقد أوضح المؤلف ذلك في المتن.(1/60)
ثانيا: [المبني والمعرَب من الأفعال] :
والفعل ضربان: مبني، وهو الأصل1، ومعرب، وهو بخلافه. فالمبني نوعان:
أحدهما: الماضي2، وبناؤه على الفتح كضرب، وأما "ضربت" ونحوه، فالسكون عارض أوجبه كراهتهم توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة3 الواحدة وكذلك ضمه "ضربوا" عارضة لمناسبة الواو4.
والثاني: الأمر، وبناؤه على ما يجزم به مضارعه5، فنحو: "اضرب" مبني
__________
1 المراد بالأصل هنا؛ الغالب، أو ما ينبغي أن يكون الشيء عليه، وما جاء على ما هو الأصل فيه فإنه لا يُسأل عن علته، ولهذا لا يُسأل عن علة بناء الفعل الماضي، وفعل الأمر، وكل شيء جاء على خلاف ما هو الأصل فيه، لزم أن يسأل عن علة خروجه عن الأصل، ولهذا يسأل عن علة إعراب الفعل المضارع، وهي مشابهته للاسم الذي الأصل فيه الإعراب، وإنما كان الأصل في الفعل البناء؛ لِكونه لا تعرض له معانٍ مختلفة تفتقر في التمييز بينها إلى الإعراب، وإنما كان الأصل في الاسم الإعراب؛ لِكونه يعرض له أن تطرأ عليه معانٍ مختلفة تفتقر إليه كالفاعلية والمفعولية والإضافة.
التصريح: 1/ 54.
2 الأصل في المبني أن يكون بناؤه على السكون؛ لخفته، وإنما بني الماضي على حركة لكونه أشبه المضارع المعرب في وقوع كل منهما صفة، وصلة، وحالا، وخبرا، وإنما كان بناؤه على الفتح؛ لِكون الفتح أخف الحركات مع كون الفعل ثقيلا بسبب دلالته على شيئين، هما الحدث والزمان، فلو أنه بني على الضم، لاجتمع فيه ثقيلان، فطلبوا في نطقهم التخفف من أحد الثقيلين، فجاءوا به مفتوحا.
التصريح: 1/ 54. ابن عقيل "تحقيق البقاعي" 1/ 38".
3 نزلت تاء الفاعل في الفعل منزلة الجزء؛ لِشدة اتصالها به، فصارت المتحركات أحرف الفعل الثلاثة وتاء الفاعل.
التصريح: 1/ 55.
4 أي: لمناسبتها الواو؛ لأنه قوله: "عارضته لمناسبة الواو" من إضافة المصدر إلى مفعوله، وحذف فاعله. التصريح: 1/ 55.
5 هذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن فعل الأمر معرب مجزوم بلام محذوفة فأصل قم واقعد لتقم ولتقعد، فحذفت لام الأمر، ثم حذف حرف المضارعة.
التصريح: 1/ 55، ومغني اللبيب: 300.(1/61)
على السكون، ونحو "اضربا" مبني على حذف النون، ونحو: "اغْزُ" مبني على حذف آخر الفعل.
والمعرب: المضارع نحو: "يقومُ" لكن بشرط سلامته من نون الإناث ونون التوكيد1 المباشرة، فإنه مع نون الإناث مبني على السكون، نحو: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} 2، ومع نون التوكيد المباشرة مبني على الفتح، نحو: {لَيُنْبَذَنَّ} 3 وأما غير المباشرة فإنه معرب معها تقديرا، نحو: {لَتُبْلَوُنَّ} 4، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} ، {وَلَا
__________
1 علة بناء المضارع مع نون النسوة مشابهته للفعل الماضي، فنحو "يرضعن" أشبه "أرضعن" وذهب السهيلي إلى أن المضارع مع نون النسوة معرَب على ما استقر له من الإعراب. وعلة بناء المضارع مع نون التوكيد المباشرة؛ لِتركبه معها كتركب خمسة عشر، وعلة إعرابه مع غير المباشرة أن الفاعل فاصل بين الفعل والنون، وهم لا يركبون ثلاثة أشياء.
التصريح: 1/ 56، والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 60-61.
2 2 سورة البقرة، الآية: 228.
موطن الشاهد: {يَتَرَبَّصْنَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يتربص" مبنيا على السكون؛ لِاتصاله بنون الإناث، والنون في محل رفع فاعل.
3 104 سورة الهمزة، الآية:
موطن الشاهد: {لَيُنْبَذَنَّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ينبذ" مبنيا على الفتح؛ لِاتصاله بنون التوكيد الثقيلة المباشرة له، ونون التوكيد "الخفيفة والثقيلة" حرف لا محل له من الإعراب.
3 3 سورة آل عمران، الآية: 186.
موطن الشاهد: {لَتُبْلَوُنَّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء نون التوكيد غير مباشرة لفعل "تبلو" فأعرب الفعل معها تقديرا، والفعل هنا مبني للمجهول، وأصله: لتبلوون بواوين، الأولى لام الفعل، والثانية: واو الجماعة، فإما أن تقول: استثقلت الضمة على لام الفعل فحذفت لاستثقالها، أو تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وعلى التقديرين التقى ساكنان، فحذف أول الساكنين.
5 "19" سورة مريم، الآية: 26.
موطن الشاهد: {إِمَّا تَرَيِنَّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ترى" مجزوما بـ "إن" الشرطية، وهو مؤكَّد بنون التوكيد الثقيلة، وعلامة جزمه حذف النون؛ التي هي علامة الرفع؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والياء: فاعل، وحركت بالكسرة؛ لأن الكسرة تجانسها؛ لِلتخلص من التقاء الساكنين بعد تعذر حذف أحدهما، الياء ونون التوكيد.(1/62)
تَتَّبِعَانِّ} 1.
والحروف كلها مبنية.
[أنواع البناء] :
وأنواع البناء أربعة:
أحدها: السكون، وهو الأصل ويسمَّى أيضا وقفا، ولخفته دخل في الكلم الثلاث، نحو: هل، وقم، وكم.
والثاني: الفتح، وهو أقرب الحركات إلى السكون، فلذا دخل أيضا في الكلم الثلاث، نحو: سوف وقام، وأين.
والنوعان الآخران هما: الكسر والضم، ولثقلهما وثقل الفعل لم يدخلا فيه، ودخلا في الحرف والاسم، نحو لام الجر و"أمس" ونحو "منذ" في لغة من جرها أو رفع؛ فإن الجارة حرف والرافعة اسم2.
__________
1 "10" يونس، الآية: 89.
موطن الشاهد: {لَا تَتَّبِعَانِّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "تتبعان" فعلا مضارعا مجزوما بلا الناهية، فحذفت نون الرفع، فصار لا تتبعا، ثم أكد بالثقيلة، فالتقى ساكنان، الأنف ونون التوكيد المدغمة، ولم يجز حذف أحدهما، فحركت النون بالكسر تشبيها بنون التثنية الواقعة بعد الألف.
2 إنما كان الأصل في البناء السكون؛ لِخفته واستصحابا للأصل وهو عدم الحركة. فلا يبنى عليها إلا لسبب كالتقاء الساكنين في نحو "أمس"، وكون الكلمة على حرف واحد كـ "تاء قمت"، وكونها عرضة للابتداء بها كـ "لام" الابتداء، وكونها أصلًا في التمكن كأول، وكشبهها بالمعرب كضرب.
التصريح: 1/ 58. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 63.(1/63)
[تعريف الإعراب وأنواعه] :
الإعراب1 أثر ظاهر أو مقدَّر يجلبه العامل في آخر الكلمة، وأنواعه أربعة: رفع ونصب في اسم وفعل، نحو: "زيد يقوم، وإن زيدًا لن يقوم" وجر في اسم نحو "لزيدٍ" وجزم في فعل نحو:"لم يقمْ" ولهذه الأنواع الأربعة علامات أصول، وهي: الضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة: للجر، وحذف الحركة: للجزم، وعلامات فروعٌ2 عن هذه العلامات، وهي واقعة في سبعة أبواب:
__________
1 الإعراب في اللغة له معانٍ كثيرة، منها: البيان، والإجادة، والحسن، والتغيير، وإزالة الفساد عن الشيء، والتكلم باللغة العربية، واصطلاحا: بناء على القول بأنه معنوي؛ هو تغير أواخر الكلم بسبب اختلاف العوامل الداخلة عليها، وبناء على أنه لفظي ما ذكره المؤلف بقوله: أثر ظاهر أو مقدَّر.... إلخ.
التصريح: 1/ 59، 60.
2 عدتها عشر علامات: ينوب في بعضها حركة فرعية عن حركة أصلية، وفي بعضها حرف عن حركة أصلية، وفي ثالث حذف حرف عن سكون.
وتنحصر هذه الفروع النائبة فيما يأتي:
ينوب عن الضمة ثلاثة: الواو، والألف، والنون.
وينوب عن الفتحة أربعة: الكسرة، والألف، والياء، وحذف النون.
وعن الكسرة اثنان الفتحة، والياء.
وعن السكون واحدة، وهي الحذف، ويشمل حذف حرف العلة في آخر المضارع المعتل، وحذف النون في الأفعال الخمسة المجزومة.
التصريح 1/ 16.(1/64)
[الباب الأول: الأسماء الستة وشروط إعرابها] :
الباب الأول: باب الأسماء الستة1:
فإنها ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتخفض بالياء، وهي "ذو" بمعنى صاحب، والفم إذا فارقته الميم، والأب، والأخ، والحم، والهن، ويشترط في غير "ذو" أن تكون مضافة لا مفردة، فإن أُفرِدتْ أُعرِبتْ.
__________
1 يسميها بعض النحاة: الأسماء الستة المعتلة الآخر؛ لأن آخرها واو محذوفة تخفيفًا فيما عدا "ذو".(1/64)
بالحركات، نحو: {وَلَهُ أَخٌ} ، و {إِنَّ لَهُ أَبًا} 2، و {بَنَاتُ الْأَخِ} 3، فأما قوله: [مشطور الرجز]
6- خالط من سلمى خياشيم وفا5
__________
1 "4" سورة النساء، الآية: 12.
موطن الشاهد: "أخ".
وجه الاستشهاد: مجيء "أخ" مرفوعا وعلامة رفعه الضمة، وهو من الأسماء الستة؛ لأنه جاء مفردا غير مضاف.
2 "12" سورة يوسف، الآية: 87.
موطن الشاهد: "أبا".
وجه الاستشهاد: مجيء "أبا" منصوبا وعلامة نصبه الفتحة؛ لأنه اسم "إن"، ولم ينصب بالألف -على الرغم من كونه من الأسماء الستة- لأنه أتى مفردا غير مضاف.
3 "4" سورة النساء، الآية: 23.
موطن الشاهد: "الأخ".
وجه الاستشهاد: مجيء "الأخ"، مجرورا، وعلامة جره الكسرة؛ مع أنه من الأسماء الستة؛ لأنه جاء مفردا غير مضاف.
4 القائل هو العجاج: أبو الشعثاء: عبد الله بن رؤبة من بني مالك بن تميم، شاعر مخضرم، أسلم وحسن إسلامه، لقي أبا هريرة وسمع منه، وهو أحد رجاز العرب المشهورين مع ابنه رؤبة سُمِّيَ بالعجاج لقوله:
حتى يعجَّ عندها من عجعجا
أدرك عهد الوليد بن عبد الملك ومات سنة 90هـ.
الشعر والشعراء: 2/ 591، والجمحي: 2/ 753.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز، وصدره:
حتى تناهى في صهاريج الصفا
يذكر بعد البيت الشاهد قوله:
صهباء خرطوما عقارا قرقفا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 62، وهمع الهوامع: 1/ 40، والدرر اللوامع: 1/ 14، والمقتضب: 1/ 240، والمخصص لابن سيده: 1/ 136، 14/ 96، 15/ 78، وشرح المفصل لابن يعيش: 6/ 89، والخزانة: 2/ 6، والعيني: 1/ 152، وحاشية يس: 1/ 125 وأراجيز البكري: 50، وملحقات ديوان العجاج: 83.
المفردات الغريبة: خالط: امتزج. خياشيم: جمع خيشوم، وهو الأنف أو أقصاه. فا: المراد فاها. صهباء: الخمر. خرطوما: هي الخمر أو عصيرها. عقارا: هي الخمر =(1/65)
فَشَاذٌّ، أو الإضافة مَنْوِيَّة، أي: خياشيمها وفاها، واشترط في الإضافة أن تكون لغير الياء، فإن كان للياء أعربت بالحركات المقدَّرة، نحو: {وَأَخِيْ هَارُونُ} 11، {إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي} 2، و"ذو"3 ملازمة للإضافة لغير الياء4، فلا حاجة إلى اشتراط الإضافة فيها.
__________
= أيضا، سميت بذلك؛ لأنها تعقر شاربها. قرقفا: هي الخمر أيضا، وأراد بهذه الألفاظ ما تحمله من الأوصاف، ولم يرد بها مجرد الاسمية.
المعنى: يصف تلك الخمرة الموصوفة بتلك الأوصاف كأنَّها امتزجت بريح خياشيم سلمى وريق فمها، حتى وصلت إلى تلك الجودة وعذوبة النكهة.
الإعراب: خالط: فعل ماضٍ، والفاعل يعود على الماء الممزوج بالخمر في الأبيات السابقة. خياشيم: مفعول به لـ "خالط". فا: اسم معطوف على خياشيم.
موطن الشاهد: "وفا".
وجه الاستشهاد: مجيء "فا" معطوفا على خياشيم، وهو منصوب بالألف نيابة عن الفتحة، مع أنه غير مضاف في اللفظ إلى شيء، ومعلوم أن الأسماء الستة لا تُعرب بالحروف إلا إذا أضيفت، وقد بيَّن المؤلف في المتن أن هذا النصب بالألف إما أن يكون شاذا، أو أنه مضاف إلى ضمير محذوف عائد إلى المحبوبة كما بيَّن.
1 "28" سورة القصص، الآية: 34.
موطن الشاهد: {أَخِيْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أخ" اسما مرفوعا وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وقد أعرب الاسم -هنا- بالحركة المقدَّرة؛ لأنه أضيف إلى ياء المتكلم كما جاء في المتن.
2 "5" سورة المائدة، الآية: 25.
موطن الشاهد: {وَأَخِيْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أخ" معربا بالحركة المقدرة على ما قبل الياء، كما في الآية السابقة؛ لِإضافته إلى ياء المتكلم.
3 قال الدنوشري: وزنها فَعَل بالتحريك عند سيبويه، ولامها ياء، وبالسكون عند الخليل، ولامها واو. حاشية يس على التصريح: 1/ 63.
4 اعلم أولا أنهم أرادوا أن يصِفوا بأسماء الأجناس -أي أرادوا أن يجعلوا أسماء الأجناس صفات- فلم يتيسر لهم ذلك؛ لأن النعت لِا يكون مشتقا أو مُؤَوَّلا بالمشتق، فاتخذوا كلمة "ذو" وصلة وذريعة إلى الوصف باسم الجنس، والتزموا إضافتها إلى اسم جنس غير وصف؛ لأنه لو كان اسم الجنس وصفا لما احتيج في الوصف به إلى وصْلة، ومن هنا تعلم أن "ذو" لا تضاف إلى الأعلام، ولا إلى الضمائر، ولا إلى الصفات، ولا إلى الجمل، وقد وردت إضافتها إلى العلم قليلا في نحو "أنا الله ذو بكة"، أي: "أنا صاحبها، وبكة لغة في مكة"، وورد إضافتها إلى الضمير شذوذا في قول الشاعر:
إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه
ووردت إضافتها إلى جملة شذوذا أيضا، في نحو قولهم "اذهب بذي تسلم".
شرح التصريح: 1/ 63، ابن عقيل "تحقيق: البقاعي": 1/ 48.(1/66)
وإذا كانت "ذو" موصولة لزمتها الواو1، وقد تعرب بالحروف2 كقوله3: [الطويل]
7- فحسبي من ذي عندَهم ما كفانيا4
__________
1 أي غالبا في أحوالها المختلفة، وتكون مبنية على السكون في محل رفع أو نصب أو جر.
2 وذلك مثل إعراب "ذي" بمعنى صاحب.
3 هو منظور بن سحيم بن نضلة الأسدي الفقعسي: شاعر جاهلي مقلٌّ، أدرك الإسلام، وكان يسكن بالكوفة، ويعد من شعراء الحماسة.
المرزباني: 374-375، والإصابة: 3/ 503.
4 تخريج الشاهد: هذا بيت من كلمة للشاعر منها:
ولست بهاجٍ في القرى أهل منزل ... على زادهم أَبكي وأُبكي البواكيا
فإما كرام موسرون لقيتهم ... فحسبي من ذي عندَهم ما كفانيا
وإما كرام معسرون عذرتهم ... وإما لئام فادخرت حيائيا
وعرضي أُبقِي ما ادخرت ذخيرة ... وبطني أطويه كطي ردائيا
والبيت الشاهد: من شواهد التصريح: 1/ 63، وابن عقيل "4/ 1/ 45" والأشموني "100/ 1/ 72"، والمغني "758/ 535"، وشرح المفصل: 3/ 138، والمقرب لابن عصفور: 3، وشرح العيني: 1/ 127، 436، وشرح السيوطي: 281، وهمع الهوامع: 1/ 84، والدرر اللوامع: 1/ 59، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1158.
المفردات الغريبة: كرام: جمع كريم، وأراد به الشريف النسب. موسِرُون: ذوو غنىً وميسرة، ولديهم ما يقدمون للضيوف. معسِرُون: ذَوُو ضيق وعسرة، لا يجدون ما يقدمونه لضيوفهم مع كريم نفوسهم وطيب محتدهم.
المعنى: هؤلاء الناس الذين حللت في ديارهم، وأَمِنت بجوارهم، إما أن يكونوا كراما أثرياء، وما يعطوني إياه يكفيني وحسبي ذلك ولا أريد زيادة عليه. =(1/67)
وإذا لم تفارق الميم الفم أعرب بالحركات1.
فصل: والأفصح في الهن النقص، أي: حذف اللام، فيعرب بالحركات2 ومنه الحديث: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعِضُّوه بهن أبيه ولا تكنوا"3 ويجوز
__________
= الإعراب: إما: حرف شرط وتفصيل. كرام: إما فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إما قابلني كرام، ويمكن أن يكون -في هذه الحال- خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: فالناس إما كرام، دليل ذلك في البيت التالي: وإما لئام، والأول أفضل؛ لأنه جارٍ على القياس. موسرون: صفة لكرام: لقيتهم: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة لا محل لها من الإعراب؛ لأنها مفسرة. فحسبي: الفاء واقعة في جواب الشرط، حسب: اسم بمعنى كافٍ خبر مقدم، والياء: مضاف إليه. من حرف جر. ذي: اسم موصول بمعنى الذي مجرور بمن، والجار والمجرور متعلقان بحسب. "عندهم" متعلق بمحذوف الصلة، وهم: مضاف إليه. ما: اسم موصول بمعنى الذي مبتدأ مرفوع مؤخر. كفانيا: فعل ماضٍ وفاعله هو، والنون للوقاية، والياء: مفعول به، وجملة "كفانيا": لا محل لها؛ لأنها صلة للموصول.
موطن الشاهد: "ذي".
وجه الاستشهاد: مجيء "ذي" اسما موصولا بمعنى "الذي"، معربا مجرورا بالياء في لغة طيء، مثل "ذي" بمعنى صاحب، وروي البيت على: "من ذو" على أنها مبنية على سكون الواو بمعنى الذي؛ لأنها في محل جر بمن، ومعلوم أن "ذو" الذي بمعنى الذي تكون في الرفع والنصب والجر على لفظ واحد، وكذا بالنسبة إلى المذكر والمؤنث.
1 تستعمل كلمة "فم" بالميم مضافة، نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"، ونحو قول الراجز:
يصبح ظمآن وفي البحر فمه.
وتستعمل مقطوعة عن الإضافة كقولهم: "هند أطيب الناس فَمَا" وقد استعمله الشاعر مقصورا مثل الفتى والعصا في قوله:
يا حبذا وجه سليمي والفَمَا ... والجيد والنحر وثدي قد نما
ووجه الدلالة، أنه لو كان صحيح الآخر، لكان بضم الميم.
التصريح: 1/ 64. والأشموني مع حاشية الصبان: "1/ 73".
2 أي الظاهرة على النون، فتقول هذا هنك، ورأيت هنك ونظرت إلى هنك.
3 حديث نبوي شريف أخرجه في مصابيح السنة "1/ 108" عن أبي بن كعب رضي الله عنه بهذا اللفظ في باب الحسان. وأخرجه أحمد "5/ 136" عن أبي بألفاظ مختلفة وهو في شرح التسهيل وتعزي "بوزن تجلي": أي انتسب وانتمى، وهو الذي يقول "يا لفلان" ليخرج الناس "1/ 47" معه إلى القتال في الباطل. أعضوه -بهمزة قطع وكسر العين وتشديد الضاد: أي قولوا له: "اعضض على هنِ أبيك" ومعنى لا تكنوا: قولوه بلفظه الصريح استهزاء به، واحتقارا لما دعاكم إليه.
موطن الشاهد: "الهن".
وجه الاستشهاد: استعمال "الهن" منقوصا معربا بالحركات الظاهرة، بعد أن حذفت لامه، أي واوه، وهذا الوجه الأفصح لاستعمال هذا الاسم.(1/68)
النقص في الأب والأخ والحم، ومنه قوله: [الرجز]
8- بأبه اقتدى عدي في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم2
__________
1 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: يمدح الشاعر في هذا البيت عدي بن حاتم الطائي، وقبل الشاهد قوله:
أنت الحليم والأمير المنتقم ... تصدع بالحق وتنفي من ظلم
والشاهد من شواهد: ابن عقيل "5/ 1/ 50" والأشموني "15/ 1/ 29"، والتصريح: 1/ 64، وشرح العيني: 1/ 129، وملحقات ديوان رؤبة: 182، وأمثال الميداني: 2/ 333.
المفردات الغريبة: عدي: أراد عدي بن حاتم الطائي المشهور بالكرم والجود. اقتدى: جعله قدوة وأسوة. فما ظلم: أراد ما ظلم أباه ولا أمه، فجاء على مثال أبيه.
المعنى: يصف الشاعر عدي بن حاتم، بأنه اقتدى بأبيه، وسلك طريقه في الجود والكرم، فدل بذلك على أنه ابنه حقيقة، ومن شابه أباه في صفاته وأفعاله، لم يظلمه بتضييع صفاته وحقوقه عليه أو يكون المراد: ما ظلم أمه باتهامها فيه؛ لأنه جاء على مثال أبيه.
موطن الشاهد: "بأبه".
وجه التشبه: استعمال "أب" منقوصا مجرورا، وعلامة جره الكسرة الظاهرة في الأول، ومنصوبا وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في "أبه" الثاني مع أنهما مضافان إلى ضمير الغائب، وهذه اللغة من لغات العرب في الأسماء الستة، يعربونها بالحركات وإن كان مضافة إلى غير ياء المتكلم، وتسمى هذه اللغة لغة النقص، وهي لغة تميم. وأما إعراب تلك الأسماء بالحروف "الواو، الألف، الياء" فعلى لغة الإتمام، وفي هذه الأسماء لغة ثالثة في الشاهد التالي، وتسمى لغة القصر.(1/69)
وقول بعضهم1 في التثنية: "أبان" و"أخان". وقصرهن أولى من نقصهن كقوله2: [الرجز]
9- إن أباها وأبا أباها3
__________
1 قياسا على لغة النقص، حيث إن "أبان، وأخان" مثنى "أب وأخ" من دون النظر إلى اللام المحذوفة، كما قيل في تثنية: "يد.... ودم": يدان، ودمان.
وعلى هذا، فيقال في جمعه جمع المذكر السالم -مع أنه ليس وصفا ولا علما- أبون، وأبين، ومنه قول زياد بن واصل السلمي:
فلما تبين أصواتنا ... بكين وفديننا بالأبين
وذكر صاحب "التصريح" عن أبي العباس، أحمد بن يحيى ثعلب: "العرب تقول: هذا أبوك، وتقول: هذا أباك، وتقول: هذا أبك، فمن قال: هذا أبك، قال في التثنية: هذان أبان". انظر شرح التصريح: 1/ 65.
2 ينسب هذا الشاهد إلى أبي النجم، الفضل بن قدامة بن عبيد العجلي، أحد بني بكر بن وائل وهو مبرز في الرجز، ومجيد في القصيد، يفضلونه على العجاج في النعت. منزله بسواد الكوفة، وكان له اتصال بهشام بن عبد الملك، وضعه ابن سلام في الطبقة التاسعة في الإسلاميين.
الشعر والشعراء: 2/ 603 والجمحي: 149، والمرزباني: 310، والآلي: 327. والأغاني: 9/ 73.
3 تخريج الشاهد: اختلف في نسبة الشاهد، فقد نسبه بعض النحاة إلى رؤبة بن العجاج، وزعم العيني أن أبا زيد رواه بسند عن أبي الغول منسوبا إلى بعض أهل اليمن من غير تعيين، وفي نوادر أبي زيد "ص58" أبيات على قافية هذا الشاهد ترتفع روايته لها إلى أبي الغول الطهوي، ولكن الشاهد ليس منها. ويروي النحاة قبل الشاهد:
واهًا لريا ثم واها واها ... هي المنى لو أننا نلناها
يا ليت عيناها لنا وفاها ... بثمن نرضي به أباها
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغ في المجد غايتاها
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 65، وابن عقيل "6/ 1/ 51"، والأشموني "16/ 1/ 29" وهمع الهوامع: "1/ 39، والدرر اللوامع: 1/ 12، والعيني: 1/ 133. 3/ 346، والإنصاف: 1/ 18، ومغني اللبيب: "52/ 58"، "196/ 166"، "395/ 286"، وشرح المفصل: "1/ 51"، 3/ 129"، والمقرب: 81، وخزانة الأدب: 3/ 337، وشرح السيوطي: 199.(1/70)
وقول بعضهم: "مُكْرَهٌ أخاك لا بطل"1.
__________
= المفردات الغريبة: المجد: العز والشرف. وأراد بالغايتين: المبتدأ والمنتهى تغليبا، أو غاية المجد في النسب، وغايته في الحسب.
المعنى: يصف الشاعر والد محبوبته وجدَّها، بأنهما بلغا الغاية والمنتهى في الشرف، والمجد والسؤدد.
الإعراب: أباها: اسم "إن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدَّرة على الألف للتعذر، و"أبا" مضاف و"ها" مضاف إليه. وأبا: الواو عاطفة. "أبا": معطوف على "أباها" منصوب كذلك. أباها: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدَّرة على الألف. غايتاها: مفعول به لفعل بلغ منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدَّرة على الألف للتعذر، وهذا على لغة من يلزم المثنى الألف، و"ها": مضاف إليه، وهو ضمير عائد إلى المجد، وأُنِّث باعتبار الصفة أو الرتبة، والمراد بالغايتين: المبدأ والنهاية، أو غاية المجد في النسب، وغايته في الحسب كما أشرنا وقيل: الألف بعد التاء للإشباع لا للتثنية. ضياء السالك: 1/ 55.
موطن الشاهد: "أباها".
وجه الاستشهاد: مجيء "أباها" على لغة القصر في الأسماء الستة، وهذا ظاهر في "أباها" الثالثة؛ لأنه في موضوع جر بإضافة "أبا" الثانية إليه، وأما "أباها" الأولى والثانية فنستدل على مجيئهما على لغة القصر بالقرينة. ويمكن أن نعدهما على لغة الإتمام؛ لأنهما منصوبان، فيكون نصبهما بالألف، وأما على لغة القصر فعلامة نصبهما الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وإذا عددنا الثالثة مسوقة على لغة القصر، والأولى والثانية مسوقتين على لغة الإتمام، يكون ذلك من باب التلفيق، وهذا لا يكون في اللغات على الأغلب.
1 هذا مثل مشهور من أمثال العرب، ذكره الميداني مرتين، إحداهما في حرف الميم: 2/ 318 برقم "117"، والثانية في حرف الثاء أثناء شرح قولهم في المثل: شكل أرأمها ولدا: 1/ 152 برقم "771". ويضرب للرجل، يحمله غيره على ما ليس من شأنه.
وقصة هذا المثل: أن رجلا يدعى أبا حنش، قال له خاله -وقد بلغه أن ناسا من أشجع في غار يشربون وهم قاتلون إخوته: "هل لك في غارٍ فيه ظباء لعلنا نصيب منها؟ وانطلق به حتى أقامه على فم الغار، ثم دفعه في الغار، فقال: ضربا أبا حنش، فقال بعضهم: إن أبا حنش لبطل، فقال أبو حنش: مكرهٌ أخاك لا بطل.
وقيل: إن أول من قاله عمرو بن العاص لما عزم عليه معاوية ليخرجن إلى مبارزة علي رضي الله عنهما-فلما التقيا، قال عمرو: مكره أخاك لا بطل، فأعرض علي عنه.
موطن الشاهد: أخاك".
وجه الاستشهاد: مجيء "أخاك" بالألف، وهو في موضع رفع، فدل ذلك على مجيئه على لغة القصر، حيث يعرب بالحركات المقدرة على الألف.(1/71)
وقولهم للمرأة "حماة"1.
__________
1 ومن ذلك قول الراجز.
إن الحماة أولعت بالكنة ... وأولعت كنتها بالهنه
ووجه الاستدلال: أنهم إذا قالوا للأنثى: "حماة" فإنهم يقولون للمذكر حما - بألف مقصورة؛ لأن صيغة المؤنث هي صيغة المذكر، بزيادة تاء التأنيث، فلما اتصلت التاء، نقل الإعراب من الألف إليها وظهر؛ لأنها حرف صحيح، والمذكر على أصله، فيقدر الإعراب فيه، ونظير ذلك فتى وفتاه وحاصل ما ذكره المؤلف من اللغات في الأسماء الستة أن هذه الأسماء على ثلاثة أضرب: ضرب فيه لغة واحدة وهو "ذو بمعنى صاحب، و"الفم" إذا فارقته الميم.
وضرب فيه لغتان النقص والإتمام، وهو "الهن".
وضرب فيه ثلاث لغات: الإتمام والقصر، والنقص، وهو ثلاثة ألفاظ، الأب.
والأخر، والحم.
التصريح: 1/ 65، ابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 46. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 71-72.(1/72)
[الباب الثاني: إعراب المثني وما ألحق به] .
الباب الثاني: المثنى: وهو: ما وضع لاثنين وأغنى عن المتعاطفين1.
__________
1 يعرفونه بأنه اسم، يدل على اثنين، متفقين في الحركات، والحروف، والمعنى، بسبب زيادة في آخره، تغني عن العاطف والمعطوف، وهذه الزيادة هي: الألف والنون المكسورة رفعا، أو الياء المفتوحة والنون المكسورة نصبا وجرا، ويشترط في كل ما يثنى ثمانية شروط:
أحدها: الإفراد، فلا يثنى المثنى، ولا المجموع على حده ولا الجمع الذي لا نظير له في الآحاد.
الثاني: الإعراب: فلا يثنى المبني وأما نحو ذان وتان واللذان واللتان، فصيغ موضوعة للمثنى وليست مثناة حقيقة على الأصح، عند جمهور البصريين.
الثالث: عدم التركيب، فلا يثنى المركب تركيب إسنادٍ اتفاقا، ولا مزج على الأصح، وأما المركب تركيب إضافة مع الأعلام فيستغنى بتثنية المضاف عن تثنية المضاف إليه. الرابع: التنكير، فلا يثنى العلم باقيا على علميته بل ينكر ثم يثنى.
الخامس: اتفاق اللفظ، وأما نحو: الأبوان للأب والأم، فمن باب التغليب.
السادس: اتفاق المعنى، لا يُثَنَّى المشترك ولا الحقيقة والمجاز، وأما قولهم: القلم أحد اللسانين فشاذٌّ.
السابع: أن لا يستغنى عنه بتثنية غيره.
الثامن: أن يكون له ثانٍ في الوجود.
التصريح: 1/ 67. حاشية الصبان على شرح الأشموني: 1/ 75-76.(1/72)
كالزيدان والهندان، فإنه يرفع بالألف، ويجر وينصب بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها1.
وحملوا عليه أربعة ألفاظ: "اثنين" و"اثنتين" مطلقا، و"كلا", "كلتا" مضافين لمضمر، فإن أضيفا إلى ظاهر لزمتهما الألف.
__________
1 هذا الإعراب هو أشهر الأقوال وأقواها ويحسن الاقتصار عليه، ومن العرب من يلزم المثنى وملحقاته الآتية -غير كلا وكلتا- الألف في جميع الأحوال، ويعرب بحركات مقدرة عليها إعراب المقصور، وهذه لغة كنانة وبني الحارث وبنى العنبر وبنى هجيم.... وغيرهم وعليه خرج قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَان} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة". ومنه قول الشاعر:
تزوَّد منَّا بين أذناه طعنة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
التصريح: 1/ 68. الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 79.(1/73)
[الباب الثالث: إعراب جمع المذكر السالم وما ألحق به] :
الباب الثالث: باب جمع المذكر السالم1، كالزيدون والمسلمون؛ فإنه يرفع بالواو، ويجر وينصب بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها.
ويشترط في كل ما يجمع هذا الجمع ثلاثة شروط2:
أحدها: الخلو من تاء التأنيث، فلا يُجمع نحو "طلحة" و"علامة"3. الثاني.
__________
1 هو ما يدل على أكثر من اثنين، بزيادة واو ونون في حالة الرفع، وياء ونون في حالتي النصب والجر، ويشترط فيه ما اشترط في المثنى؛ من الإعراب والإفراد والتنكير ... إلخ.
2 الذي يجمع هذا الجمع نوعان: العلم والصفة، ولذلك مثل بمثالين، ولكلٍّ شروط؛ وهذه الشروط علاوة على الشروط الثمانية السابقة.
3 لئلا يجتمع علامتا "التأنيث والتذكير" والعبرة في التأنيث، ليست بلفظة، ولكن بمعناه، فإذا جاءت كلمة "سعاد" أو "هند" علما مذكرا واشتهر بذلك، فإنها، تجمع جمع مذكر سالما.(1/73)
أن يكون لذكر، فلا يجمع نحو "زينب" و"حائض". الثالث: أن يكون لعاقل، فلا يجمع نحو "واشق" علما لكلب، و"سابق" صفة لفرس.
ثم يشترط أن يكون إما علما1 غير مركب تركيبا إسناديا ولا مزجيا، فلا يجمع نحو "برق نحره" و"معد يكرب" وإما صفة تقبل التاء أو تدل على التفضيل نحو "قائم" و"مذنب" و"أفضل" فلا يجمع نحو "جريح" و"صبور" و"سكران" و"أحمر".
[ما ألحق بجمع المذكر السالم] :
وحملوا على هذا الجمع أربعة أنواع2:
أحدها: أسماء جموع، وهي: أولو، وعالمون، وعشرون، وبابُهُ.
والثاني: جموع تكسير، وهي: بنون، وحرون، وأرضون، وسنون، وبابُهُ، فإن هذا الجمع مطَّرد في كل ثلاثي حذفت لامُهُ وعوض عنها هاء التأنيث ولم يكسر، نحو: عِضَة3 وعِضِين، وعِزَة4 وعِزِين، وثُبَة وثُبِين، قال الله تعالى: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي
__________
1 يشترط في العلم خاصة أن يكون غير مركب تركيبا إسناديا "كجاد الحق"، وبرق نحره" لأن المحكي لا يغير، أو مزجيا على الأصح "كبختنصر" تشبيها له بالمحكي، وكذلك يشترط في الصفة خاصة أحد أمرين، قبولها التاء المقصود بها معنى التأنيث، فلا يجمع نحو علامة ونسابة؛ لأن التاء فيهما؛ لِتأكيد المبالغة، لا لقصد معنى التأنيث. التصريح: 1/ 71.
2 هذه الأنواع تعرب بإعراب، وليست جمعا حقيقيا؛ لأنها فقدت بعض شروط الجمع، وأكثرها سماعي لا يُقاس عليه.
3 أصل عضة: عضه بالهاء من العضه وهو الكذب والبهتان، وفي الحديث: "لا يعضَهْ بعضكم بعضا" وقيل أصله: عضو من قولهم عضيته، إذا فرقته، ومنه قول رؤبة:
وليس دين الله بالمعضي
أي: المفرق، فعلى الأول لامها هاء، ويدل له تصغيرها على عضيهة وعلى الثاني واو ويدل له جمعها على عضوات، فكل من التصغير والجمع يردان الشيء إلى أصله. التصريح: 1/ 73و 74.
4 العزة: بكسر العين وفتح الزاي، أصلها: عَزَيَ، فلامها ياء وهي الفرقة من الناس، والعزين: الفرق المختلفة؛ لأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى.(1/74)
الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِين} 1، {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِين} 2، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِين} ،3 ولا يجوز ذلك في نحو تمرة لعدم الحذف، ولا في نحو "عدة" و"زنة" لأن المحذوف الفاء، ولا في نحو "يد" و"دم"4، وشذ أبون وأخون، ولا في اسم وأخت وبنت لأن العوض غير التاء، وشذ بنون، ولا في نحو شاة وشفة لأنهما كسِّرا على شياه وشفاه.
والثالث: جموع تصحيح لم تستوفِ الشروط: كأهلون ووابلون؛ لأن أهلا ووابلا ليسا علمين ولا صفتين؛ ولأن وابلا لغير عاقل.
والرابع: ما سمي به من هذا الجمع وما ألحق به5: كعليون وزيدون مسمى
__________
1 "23" سورة المؤمنون، الآية: 112.
موطن الشاهد: {سِنِينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "سنين" ملحقا بجمع المذكر السالم؛ لأنه من جموع التكسير من الثلاثي المحذوفة لامه والمعوض عنها هاء التأنيث؛ لأن المفرد منه سنة، وأصلها سنو أو سنه أي. لامها واو أو هاء؛ لِقولهم: سنوات وسنهات.
2 "15" سورة الحجر، الآية: 91.
موطن الشاهد: {عِضِينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "عضين" اسما ملحقا بجمع المذكر السالم؛ لأنه من الثلاثي المحذوفة لامه، والمعوض عنها هاء التأنيث، و"عضين" جمع عضة، والتي أصلها: عضه بالهاء، من العضه، وهو الكذب والبهتان.
3 "70" سورة المعارج، الآية: 37.
موطن الشاهد: {عِزِينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "عزين" اسما ملحقا بجمع المذكر السالم؛ لِما ذكر في الآية السابقة، و"عزين" جمع "عِزَة" وأصلها: عَزَيَ فلامها ياء، وهي الفرقة من الناس، والعزين: الفرق المختلفة؛ لأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى كما أشرنا.
4 لعدم التعويض، من لامها المحذوفة، وأصلها يدي ودمي.
5 ومثله إذا سمي شخص، أو مكان باسم مشتمل على علامة التثنية، مثل: حسنين وزيدين، فإن هذا الاسم ليس مثنى حقيقة؛ لأن مدلوله فرد واحد، وقد ألحقه العرب بالمثنى، فأعربوه في أشهر لغاتهم كإعراب المثنى: بالألف رفعا، وبالياء نصبا وجرا، ومن العرب من يلزمه الألف في الاحوال كلها، ويعربه بالحركات الظاهرة على النون كإعراب ما لا ينصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، وإذا اقترنت به "أل" جروه بالكسرة، كما في قول ابن أحمر:
ألا يا ديار الحي بالسَّبُعانِ ... أمل عليها بالبلى المَلَوَانِ
والسَّبُعان: اسم موضع، نقل من تثنية سبع.
التصريح: 1: 68و 69.(1/75)
به، ويجوز في هذا النوع أن يجري مجرى "غسلين" في لزوم الياء الإعراب بالحركات على النون منونة1، ودون هذا أن يجري مجري عربون في لزوم الواو والإعراب بالحركات على النون منونة، كقوله2: [الخفيف]
10- واعترتني الهموم بالماطرونِ3
__________
1 هنا: إذا لم يوجد ما يمنع التنوين، ككونه أعجميا، مثل "قنسرين" اسم بلد بالشام، أو وجود "أل" في أوله، أو الإضافة في آخره، وإلا فإنه يعرب على النون من غير التنوين.
التصريح: 1/ 75، وضياء السالك: 1/ 64.
2 القائل: هو: أبو دهبل الجمحي، وهب بن زمعة بن أسيد أحد بني جمح، شاعر محسن جميل الخلقة، عفيف النفس، قال شعره في آخر خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومدح معاوية، وكان أكثر شعره في عبد الله بن عبد الرحمن الأزرق والي اليمن.
الشعر والشعراء: 2/ 614، والاشتقاق: 81، والمؤتلف: 117، والأغاني: 6/ 149.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
طال ليلي وبتُّ كالمجنونِ
ونسب الجوهري البيت إلى عبد الرحمن بن حسان، ويظن أن البيت من قصيدة لأبي دهبل، ومنها:
طال ليلي وبتُّ كالمحزونِ ... ومللت الثواء في جيرونِ
وأطلت المقام بالشام حتى ... ظن أهلي مرجَّمات الظنونِ
فبكت خشية التفرق جُملٌ ... كبكاء القرين إثرَ القرينِ
والشاهد: من شواهد التصريح: 1/ 76.
المفردات الغريبة: اعترتني: غشيتني ونزلت بي. الهموم: الأحزان، الماطرون: وهو في الأصل جمع ماطر على غير قياس، ثم سُمي به موضع بالشام.
المعنى: طال ليل الشاعر المهموم؛ لِبعده عن أحبابه، وتذكره لهم في ذلك المكان الذي حلت الأحزان والهموم عليه فيه. الإعراب: طال: فعل ماضٍ، ليلى: فاعل ومضاف إليه، وبت: الواو حرف عطف. بات: فعل ماضٍ تام -وهو الأفضل- وتاء المتكلم فاعله. "كالمجنون": متعلق بمحذوف حالٍ من ياء المتكلم، ويجوز عدُّ "بات" فعلا ناقصا و"الجار والمجرور": متعلقا بخبره المحذوف. واعترتني: الواو حرف عطف، اعترى: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث، والنون للوقاية، وياء المتكلم، مفعول به مبني على السكون في محل نصب مفعول به. الهموم: فاعل مرفوع. "بالماطرون": متعلق بـ "اعترى".
موطن الشاهد: "الماطرون".
وجه الاستشهاد: مجيء "الماطرون" جمع مذكر سالم مسمى به، فلزمته الواو، غير أنه أعرب بالكسرة الظاهرة على النون كالاسم المفرد، ولم ينون لوجود "أل" فيه، وحكم هذا الجمع كالاسم الذي آخره واو ونون، نحو: زيتون وعربون، فعلامة رفعه الضمة على آخره، وعلامة نصبه الفتحة، وعلامة جره الكسرة.(1/76)
دون هذه أن تلزمه الواو وفتح النون1،وبعضهم يجري بنين وباب سنين مجري غسلين، قال: [الوافر]
11 وكان لنا أبو حسن عليٌّ ... أبا برٍّ، ونحن له بنينُ3
__________
1 من العرب من يلزم هذا النوع الواو ويلزمه مع ذلك فتح النون في مختلف الأحول، ذكر ذلك السيرافي، وزعم أن ذلك صحيح من كلام العرب، وجعل النحاة هذه اللغة نظير اللغة التي تُلزِم المثنى الألف وكسر النون في الأحوال كلها، وعلى ذلك يكون رفع جمع المذكر السالم ونصبه وجره بضمة أو فتحة أو كسرة مقدرة على الواو، منع من ظهورها الثقل في الرفع والجر، معاملة المنصوب معاملة المرفوع والمجرور في حالة النصب، وقد اعتُرِض على ذلك باعتراضين، أحدهما: أنه يلزم على ذلك تقدير الإعراب في وسط الكلمة، وثانيهما: أن يكون في الأسماء ما آخره واو -قبلها ضمة- تقدر عليها حركات الإعراب، ولا نظير لذلك في العربية.
التصريح: 1/ 76، وضياء السالك: 65.
3 القائل هو سعيد بن قيس: أحد بني زيد بن قريب من همدان، فارس من الدهاة الأجواد، ومن سلالة ملوك همدان، كان خاصا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقاتل معه يوم صفين، وكان إليه أمر همدان بالعراق، وإليه نسبة السعيديين باليمن، مات سنة 50هـ.
الأعلام: 3/ 100، الإكليل: 10/ 46-50.(1/77)
........................................................................
__________
= تخريج الشاهد: نسب بعض النحاة البيت إلى أحد أبناء علي بن أبي طالب، ولم يعينوه، والأرجح ما ذكرناه فالشاهد ضمن أبيات، يقولها سعيد لمعاوية بن أبي سفيان، وقبله قوله:
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... ورجم الغيب يكشفه اليقينُ
بأنا لا نزال لكم عدوا ... طوال الدهر ما سمع الحنينُ
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 77، وخزانة الأدب: 3/ 418، وشرح العيني: 1/ 156.
المفردات الغريبة: أبو حسن: كنية سيدنا علي، كني بابنه الحسن من السيدة فاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام. برا: محسنا عطوفا.
المعنى: يبين الشاعر ولاءهم لعلي -كرم الله وجهه- وأنهم ما زالوا على العهد بعد وفاته، ويندد بمعاوية حيث يقول: كان علي -كرم الله وجهه- برا بهم محسنا إليهم، وأنه كان يعاملهم معاملة الآباء الرحماء، فقابلوا ذلك بالطاعة والعرفان؛ لأنهم لا يزالوان على العهد.
الإعراب:
كان: فعل ماضٍ ناقص. "لنا" متعلق بمحذوف حال من قوله: "أبًا برًا"؛ لأنه متقدم عليه، ويمكن أن يتعلق بـ "كان". أبو: اسم كان مرفوع بالواو؛ لأنه من الأسماء الستة. حسن: مضاف إليه. علي: بدل أو عطف بيان من "أبو حسن". أبًا: خبر كان منصوب. برًا: صفة لقوله: أبًا. ونحن: الواو حالية، نحن: ضمير منفصل مبتدأ. "له" متعلق بمحذوف حال، من قوله: "بنين" الآتي. بنين: خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه -هنا- الضمة الظاهرة، وجملة المبتدأ، والخبر في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "بنين".
وجه الاستشهاد: مجيء "بنين" بالياء، على الرغم من كونها في محل رفع؛ لأنها خبر، وجعل علامة الإعراب الضمة الظاهرة على لغة بعض العرب، وإن لم تكن علما، كما يقال في "غسلين"، و"يقطين" ونحوهما من الأسماء المفردة التي آخرها نون قبلها باء.
وحكى الفراء هذه اللغة عن بني عامر وبني تميم، إلا أن بني عامر ينونون الحركات الثلاث فيقولون: هؤلاء بنين بررة، وما رأيت بنينا بررة، ولقد أعجبت ببنين بررة، وذكر أن بني تميم، لا ينونون، وذكر في شرح التسهيل: أن الظاهر من كلام ابن مالك، أن بني تميم يجرون هذا النوع بالكسرة الظاهرة من غير تنوين، والذي يفهم من كلام الفراء السابق، أنهم يجرونه بالفتحة نيابة عن الكسرة، ويعاملونه معاملة الإسم الذي لا ينصرف.
التصريح: 1/ 77.(1/78)
وقال1: [الطويل]
12- دعاني من نجد فإن سِنِينَهُ2
__________
1 القائل هو: الصمة بن عبد الله بن الطفيل بن مرة بن هبيرة القشيري، من هوازن، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، وجده ابن هبيرة، له صحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم - مات الصمة عندما كان مع المسلمين في غزو الديلم بطبرستان.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
لعبن بنا شيبا وشيبنا مردا
وهو من كلمة للصمة، وكان قد خطب ابنة عمه، فاشتط عليه عمه في المهر، وبخل عليه أبوه، فخرج مغاضبا لأبيه وعمه، وارتحل إلى طبرستان فأقام بها حياته، فهو تارة يحن إلى نجد؛ لأن بها أحباءه، وتارة يذم نجدا، لما لاقى فيها من عمه وبخل أبيه، وأول هذه القصيدة، قوله:
خليلي إن قابلتما الهضب أو بدا ... لكم سند الوركاء أن تبكيا جهدا
سلا عبد لَعلَى حيث أوفى عشية ... خُزَازى ومَدَّ الطرف هل أُنسِيَ النجدا
فما عن قلىً للنجد أصبحت ههنا ... إلى جبل الأوشال مستخبيا بَردا
والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 77، وابن عقيل "7/ 1/ 65"، والأشموني "26/ 1/ 37"، وأمالي ابن الشجري: "2/ 53"، وشرح المفصل: "5/ 11"، وشرح العيني: "1/ 169"، واللسان مادة "سنه".
المفردات الغريبة: دعاني: أمر للاثنين من ودع يدع ودعا، أي: ترك: سنين: جمع سنة، ولعل المراد بها هنا الجدب وانقطاع المطر: الشيب: جمع أشيب. مردا: جمع أمرد، وهو من لم ينبت الشعر بوجهه.
المعنى: يتحدث الشاعر عن أعوام الجدب والقحط التي مرت عليه وعلى قومه في نجد، وما لقوه من الجهد والإرهاق، ويطلب إلى صاحبيه أن يتركا ذكرى نجد، قائلا: دعاني من نجد وذكراها؛ فإن سني القحط فيه قد لعبت بشيبنا، وشيبت شبابنا الذين لم ينبت شعر ذقونهم بعد.
الإعراب: دعاني: فعل أمر مبني على حذف النون، والألف فاعل، والنون للوقاية، والياء: معفول به. اسم "إن" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والهاء: في محل جر بالإضافة. لعبن: فعل وفاعل، والجملة في محل رفع خبر "إن" شيبا: حال من "نا" في "بنا" مردًا. حال من "نا" في "شيبننا".
موطن الشاهد: "سنينه".
وجه الاستشهاد: انتصاب "سنينه"؛ لأنه اسم "إن" وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على النون؛ لأن النون عُدت كأنها من أصل الكلمة، نحو: غسلين، ولهذا لم تحذف للإضافة. وجاء في الحديث الشريف: "اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسف"، في رواية تنوين "سنينا"، ومعلوم أن مجيء النون في "سنين" من غير تنوين لإضافتها إلى الهاء.
انظر حاشية الصبان على الأشموني: 1/ 87.(1/79)
وبعضهم يطرد هذه اللغة في جمع المذكر السالم وكل ما حمل عليه1، ويخرج عليها قوله2: [الخفيف]
13- لا يزالون ضاربين القباب3
__________
1 والصحيح عدم الاطراد، والاقتصار فيه على السماع.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
رب حي عرندس ذي طلالٍ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 77، والأشموني "27/ 1/ 37"، وهمع الهوامع: 1/ 47، والدرر اللوامع: 1/ 20 وشرح العيني: 1/ 176 ومغني اللبيب "1097/ 843".
المفردات الغريبة: عرندس: قوي، ذو منعة وعزة، طلال: حسن وجمال هيئة، وهو اسم جنس جمعي لطلالة. القباب: الخيام، جمع قبة، وهي البيت من الأديم، وهذا كناية عن إقامتهم وثباتهم في بلادهم ويروى:
لا يزالون ضاربين الرقاب
وهو كناية عن الشجاعة.
المعنى: إن كثيرا من الأقوياء، والوجهاء ذوي النفوذ والمنعة، لا يزالون مقيمين في مواطنهم الأولى، ويسكنون الخيام التي ألفوها واعتادوا السكنى فيها، ولم تُغْرِهم الحضارة ودعة العيش، أو تدفع بهم إلى ترك مساكنهم الأولى.
الإعراب: رُبَّ: حرف جر شبيه بالزائد، حي: اسم مجرور لفظا، مرفوع محلا على أنه مبتدأ مرفوع، أو نقول: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد. عرندس: صفة لـ "حي" مجرور مثله على اللفظ. ذي: صفة ثانية مجرورة بالياء بدل الكسرة؛ لأن "ذي" من الأسماء الستة. طلال: مضاف إليه: لا يزالون: "لا" نافية، يزالون: فعل مضارع =(1/80)
وقوله1: [الوافر]
__________
= ناقص، مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو: في محل رفع اسم "يزال". ضاربين.
خبر منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على النون. القباب: مضاف إليه: وجملة: "لا يزالون ضاربين القباب": في محل رفع خبر المبتدأ المجرور لفظا "حي".
موطن الشاهد: "ضاربين".
وجه الاستشهاد: مجيء "ضاربين" منصوبا؛ لأنه خبر "لا يزالون" وقد أعرب بالحركة، وهي الفتحة الظاهرة على النون، والذي يدل على ذلك، عدم حذف النون للإضافة، أو عدم نصب القباب على أنه مفعول به لـ "ضاربين".
وانظر حاشية الصبان: 1/ 78.
فائدة: للعرب خمس لغات في جمع المذكر السالم وما لحق به، هي:
أ- أن يكون إعرابه بالواو في حالة الرفع، وبالياء المكسور ما قبلها في حالتي النصب والجر، وزيادة نون مفتوحة بعد الواو أو الياء عوضا عن التنوين في الاسم المفرد، وهذه هي اللغة الشائعة على ألسنة العرب، وأقواها.
ب- أن يؤتى به بالواو في الأحوال الثلاثة، الرفع والنصب والجر، وإلحاق النون المفتوحة من غير تنوين، ويكون إعرابه بحركات مقدرة على الواو.
ج- أن يؤتى به بالواو في الأحوال كلها، ويجعل إعرابه بحركات ظاهرة على النون مع التنوين، فتضم النون في حال الرفع، وتكسر في حال الجر، وتفتح في حال النصب.
د أن يؤتى به بالواو في الأحوال جميعها، وبعدها نون غير منونة، فيكون إعرابه بحركات ظاهرة على النون غير المنونة.
هـ- أن يؤتى به بالياء في الأحوال كلها، وتحرك النون منونة بحركات الإعراب، وكأنه اسم مفرد مختوم بياء ونون.
أوضح المسالك "تحقيق: عبد الحميد": 1/ 60-61.
1 هو: سحيم بن وثيل الرياحي: شاعر مخضرم معروف، عَده الجمحي في الطبقة الثالثة من الإسلاميين، وقال: "هو شاعر خنذيذ، وسحيم شاعر شريف مشهور الذكر في الجاهلية والإسلام جيد الموضع في قوله، عاش في الجاهلية أربعين سنة وفي الإسلام ستين، وهو صاحب البيت المشهور:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضعِ العمامةَ تعرفوني
مات سنة 60هـ.
الشعر والشعراء: 2/ 643، والاشتقاق: 138، والجمحي: 1/ 129، والإصابة: 1/ 164، والخزانة: 1/ 123.(1/81)
14- وقد جاوزت حد الأربعينِ1
[حركة نون المثنى وما ألحق به] :
نون المثنى وما حمل2 عليه مكسورة، وفتحها بعد الياء لغة، كقوله3: [الطويل] :
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وماذا تبتغي الشعراء مني
وهو من شواهد التصريح: 1/ 77، 79، وابن عقيل "9/ 1/ 68"، والأشموني "28/ 1/ 38" وهمع الهوامع: 1/ 49، والدرر اللوامع: 1/ 22، والمقتضب: 3/ 332، 4/ 77، وشرح المفصل: 5/ 11، 13، وخزانة الأدب: 3/ 414، وشرح العيني: 1/ 191، والجمحي: 1/ 59، والأصمعيات: 19.
المفردات الغريبة: تبتغي الشعراء، ويروى في مكانه "يدَّري الشعراء" بتشديد الدال، وهو مضارع ادَّراه، ومعناه: ختله وخدعه.
المعنى: يتسائل الشاعر متعجبا: ما الذي يريده الشعراء مني حال كوني تجاوزت سن الأربعين، فجربت الأمور وخبرت الدهر، فلم أعد أُخدع، ولا يستطيع أحد أن ينال مني؟!
الإعراب: ماذا: اسم استفهام في محل نصب مفعول به لـ "تبتغي"، أو ما: اسم استفهام مبتدأ، و"إذا": اسم موصول خبر، وعلى هذا فجملة "تبتغي": صلة للموصول، لا محل لها. الشعراء: فاعل تبتغي. حد: مفعول به. الأربعين: مضاف إليه مجرور وعلامة جره -هنا- الكسرة الظاهرة على النون.
موطن الشاهد: "الأربعين".
وجه الاستشهاد: مجيء "الأربعين" وهو من ألفاظ العقود معربا مجرورا وعلامة جره الكسرة الظاهرة على النون، مع لزوم الياء فيه، وقيل إنه معرب بالحروف، وهو مجرور بالياء -هنا- نيابة عن الكسرة؛ لأنها ملحق بجمع المذكر السالم -على أصله- وكسر النون فيه لغة.
2 يدخل في ذلك: ما سُمي به، وما ثُنِي على سبيل التغليب، واثنان واثنتان وغيرهما ... إلخ.
3 القائل هو: حميد بن ثور الهلالي، أبو المثنَّى، أحد بني عامر بن صعصعة، شاعر مخضرم مجيد فصيح، قال عنه صاحب الإصابة: "كان أحد الشعراء الفصحاء، وكان كل من هاجاه غلبه، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، ومات في خلافة عثمان رضي الله عنه =(1/82)
15- على أحوذيين استقلت عشية1
__________
الشعر والشعراء: 1/ 390، والاستيعاب: 141، وأسد الغابة: "2/ 53، والإصابة: 2/ 39.
تخريج الشاهد: هذا صدر بيت للشاعر يصف فيه القطاة، وعجزه قوله:
فما هي إلا لمحة وتغيب.
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 78، وابن عقيل "1/ 1/ 69"، والأشموني: "3/ 1/ 39" وهمع الهوامع: "1/ 49، والدرر اللوامع: 1/ 21، وشرح المفصل: 4/ 131، والمقرب: 159، وشرح العيني: 1/ 177، وديوان حميد بن ثور: 55.
المفردات الغريبة: الأحوذيان: مثنى أحوذي، وأصله: الخفيف في المشي، والمراد هنا جناحا القطاة. استقلت: ارتفعت في الجو. عشية: ما بين الزوال إلى الغروب، لمحة: نظرة سريعة.
المعنى: يصف الشاعر سرعة القطاة وخفتها، فهي قد ارتفعت في الجو بوساطة جناحين خفيفين سريعين في الحركة وقت العشية، فما يكاد الناظر إليها يشاهدها لحظة، حتى تغيب عنه.
الإعراب: "على أحوذيين": متعلق به "استقلت". "عشية": ظرف زمان، متعلق بـ "استقلَّت". فما: الفاء عاطفة. ما: نافية: هي: مبتدأ. إلا: أداة حصر, لمحة: خبر هي" وتغيب: الواو حرف عطف، تغيب: فعل مضارع والفاعل: هي، والجملة من الفعل والفاعل معطوفة على الجملة الاسمية على مذهب من يجوزون عطف الجمل الفعلية على الاسمية.
فائدة: للنحاة في عطف الجمل الفعلية على الاسمية ثلاثة آراء:
الأول: لا يجوز مطلقا.
الثاني: يجوز العطف مطلقا.
الثالث: يجوز شرط أن يكون العاطف هو الواو.
شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 1/ 90.
موطن الشاهد: "على أحوذيين".
وجه الاستشهاد: مجيء "أحوذيين" على هذه الرواية مفتوح النون، ولا يمكن بحال يجعل إعرابها بحركة ظاهرة على النون؛ لأنها جاءت في محل جر، والنون مفتوحة، كما هو معلوم، ولذا فيتعين إعرابها بالياء نيابة عن الكسرة.
أما بالنسبة إلى فتح النون، فبعضهم يرى أنها ضرورة، وهذا بعيد؛ لأنه يجوز أن يكسر النون ولا يختل الوزن أو القافية، وبعضهم يرى أنها لغة من لغات العرب، وقد نقلها الفراء عن بني أسد، وهذا الرأي أولى من الأول، وبه أخذ العيني في شرح للشواهد.
شرح الشواهد بذيل حاشية الصبان: 1/ 90.(1/83)
وقيل: لا يختص بالياء1، كقوله2: [مشطور الرجز] .
16- أعرف منها الجيد والعينانا3
__________
1 بل يكون مع الألف أيضا، وذلك في لغة من يُلزِم المثنى الألف في كل حال.
2 قيل هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
3 تخرجه الشاهد: أنشده أبو زيد في نوادره "من 15" ضمن أبيات. عن المفضَّل الضبي ونسبها إلى رجل من بني ضبة. وقبله:
إن لسعدى عندنا ديوانا ... يخزي فلانا وابنه فلانا
كانت عجوزا عمرت زمانا ... وهي ترى سيِّئَها إحسانا
أعرف منها الأنف والعينانا ... ومنخران أشبها ظبيانا
شرح الشاهد: 1/ 90.
والشاهد من شواهد: ابن عقيل "11/ 1/ 71"، والتصريح: 1/ 87، والأشموني "31/ 1/ 39"، وهمع الهوامع: 1/ 49، والدرر اللوامع: 1/ 21، وشرح المفصل: 3/ 129/ 4/ 67, 143، والمقرب: 80، والخزانة: 3/ 336، وشرح العيني: 1/ 184، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 15 وملحقات ديوان رؤبة: 197.
المفردات الغريبة: "أعرف منها الجيد"، ويروى في مكانه: "أعرف منها الأنف"، الجيد: العنق، وجمعه أجياد، ظبيان "بفتح الظاء": اسم رجل.
المعنى: يبين الشاعر، أنه يعرف من تلك الفتاة جيدها، وعينيها، ومنخرين لها، يشبهان منخري رجل اسمه ظبيان.
الإعراب: أعرف: فعل مضارع،, والفاعل أنا. "منها": متعلق بأعرف. الجيد: مفعول به. والعينانا معطوف على الجيد منصوب مثله، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. ومنخران: معطوف على الجيد، منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، كما في "العينانا".
أشبها: فعل ماضٍ وفاعل. ظبيانا: مفعول به منصوب والألف للإطلاق.
موطن الشاهد: "العينانا".
وجه الاستشهاد: فتح نون المثنى بعد الألف، كما فتحت بعد الياء، وفي البيت شاهد آخر على مجيء المثنى بالألف في حالة النصب، كما تقدم، وهذه لغة جماعة من العرب، منهم: كنانة وبنو الحارث بن كعب، وبنو العنبر، وبنو الهجيم، وبطون من ربيعة، وورد عليها قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة"، وبهذه اللغة، قرأ نافع، وابن عامر والكوفيون إلا حفصا: "إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ".
شرح الشواهد: 1/ 91.(1/84)
[حركة نون جمع المذكر السالم] :
وقيل: البيت مصنوع1، ونون الجمع مفتوحة، وكسرها جائز في الشعر بعد الياء، كقوله2: [الوافر]
17- وأنكرنا زعانف آخرين3
__________
1 أي غير عربي، فلا يصح شاهدًا.
2 القائل: هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
عرفنا جعفرا وبني أبيه
وهو أحد أبيات أربعة لجرير، يخاطب بها فضالة العرني، وقبله قوله:
عرين من عرينة ليس منا ... برئت إلى عرينة من عرين
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 79، وابن عقيل "8 1/ 67" والأشموني "29/ 1/ 39" وهمع الهوامع: 1/ 49، والدرر اللوامع: 1/ 21، والخزانة: 3/ 290، وشرح العيني: 1/ 177 وابن سلام: 59، وديوان جرير: 577.
المفردات الغريبة: جعفر، هو جعفر بن ثعلبة؛ أخو عرين بن ثعلبة بن يربوع، وعرين أحد آباء فضالة. زعائف: جمع زعنفة: وهو طرف الأديم أو هدب الثوب، ويقال للئام الناس وأراذلهم.
المعنى: يمدح الشاعر رجلا -اسمه جعفر- وإخوته، فيقول: عرفنا جعفرا وإخوته؛ لأنهم مشهورون بكريم نسبهم ورفعة منزلتهم، على حين أنكرنا غيرهم؛ لِكونهم أدعياء، وليس لهم أصل معروف يفخرون به، ولا مكانة مرموقة في المجتمع الذي يعيشون فيه.
الإعراب: عرفنا: فعل ماضٍ وفاعل. جعفرا: مفعول به. وبني: معطوف على جعفر منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. أبيه: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، والهاء: مضاف إليه. وأنكرنا: الواو عاطفة، أنكرنا: فعل ماضٍ وفاعل. زعانف: مفعول به منصوب. آخرين: صفة لـ "زعانف"، منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.
موطن الشاهد: "آخرين".
وجه الاستشهاد: مجيء "آخرين" معربا بالياء إعراب جمع المذكر السالم، غير أنه كسرت نونه -كما هو واضح- وهو مفتوحة في لغة العرب، وابن مالك يرى في كسر نون جمع المذكر السالم، وما يلحق به أنها لغة من لغات العرب، وبعضهم يرى أن كسرها؛ لضرورة الشعر، فهو جائز في الشعر فحسب، غير أن الأول هو الراجح.(1/85)
وقوله:
وقد جاوزتُ حدَّ الأربعين1
__________
1 من تخريج الشاهد والتعليق عليه، وأعيد هنا للاستشهاد على كسر النون في جمع المذكر وما ألحق به للضرورة، أو على لغة كما بينا.
موطن الشاهد: "الأربعين".
وجه الاستشهاد: مجيء "الأربعين" ملحقا بجمع المذكر السالم، مكسور النون على لغة كما في المثال السابق.(1/86)
[الباب الرابع: إعراب الجمع بالألف والتاء الزائدتين] :
الباب الرابع: الجمع بألف وتاء مزيدتين، كهندات ومسلمات1؛ فإن نصب بالكسرة2 نحو: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ} 3، وربما نصب بالفتحة إن كان محذوف
__________
1 يجمع بالألف والتاء المزيدتين ستة أنواع: كل اسم مؤنث بالمعنى فقط، نحو: هند، وكل اسم مؤنث بالتاء دون المعنى، نحو: طلحة، إلا ثلاث كلمات: شفة وأمة وشامة، وكل اسم مؤنث بالتاء والمعنى جميعا، نحو: مسلمة، وكل اسم مؤنث بألف التأنيث المقصورة، نحو حبلى، وكل اسم مؤنث بألف التأنيث الممدودة، نحو: عذراء، وكل اسم لغير عاقل، نحو: إصطبل، ولا يمنع من تسميته سالما تغير بناء مفرده في حال الجمع كسجدات، وزفرات -بفتح ثانيهما- في جمع سجدة وزفرة بسكون ثانيهما، ونحو ظلمات -بضم الثاني في جمع ظلمة بسكون الثاني...... الخ نحو صحراوات، بقلب همزة مفرديهما واوا.
التصريح: 1/ 79. حاشية الصبان: 1/ 92.
2 ذهب الأخفش إلى أنه مبني على الكسر في محل نصب، ولا وجه لهذا الكلام
3 "29" سورة العنكبوت، الآية 44.
موطن الشاهد: {السَّمَوَات} .
وجه الاستشهاد: مجيء "السموات" جمعا مزيدا بالألف والتاء "جمع المؤنث السالم"، وجاء منصوبا؛ لِوقوعه مفعولا به، لـ "خلق" وعلامة نصبه الكسرة بدون الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، وعلامة نصب جمع المؤنث الكسرة، كما هو معلوم(1/86)
اللام كسمعت1 لغاتهم؛ فإن كانت التاء أصلية كأبيات وأموات أو الألف أصلية كقضاةٍ وغزاةٍ نصب بالفتحة.
[ما حمل على الجمع بالألف والتاء] :
وحمل على هذا الجمع شيئان: "أولات"2 نحو: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْل} 3، وما سُمِّي به من ذلك4، نحو: "رأيت عرفات" و"سكنت أذرعات"، وهي قرية بالشام، فبعضهم يعربه على ما كان عليه قبل التسمية5، وبعضهم يترك
__________
1 إذا كان المفرد معتل اللام، فإما أن ترد له هذه اللام في جمعه بالألف والتاء، نحو سنة وسنوات وسنهات، وأخت، وأخوات، وإما ألا تردد، نحو: لغة ولغات وبنت وبنات، فإن كانت اللام المحذوفة من المفرد، قد ردت إليه في الجمع المذكور، أعرب بالكسرة نيابة عن الفتحة في جميع لغات العرب، ولم يختلفِ النحاة في ذلك، وإن كانت اللام المحذوفة من المفرد لم ترد إليه في جمعه، فقد حكى أحمد بن يحيى "ثعلب": أن من العرب من ينصبه بالفتحة الظاهرة، نحو: "سمعت لغاتهم" ونحو: "رأيت بناتك"، ووافقه على ذلك الكسائي وابن سيده، ورووا على هذه اللغة قول أبي ذؤيب الهذلي:
فلما جلاها بالأيام تحيزت ... ثُباتًا عليها ذُلها واكتئابها
التصريح: 1/ 80، الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 92-93.
2 هي اسم جمع بمعنى "ذوات" لا واحد لها من لفظها، ومفردها من معناها "ذات" بمعنى صاحبة.
3 "65" سورة الطلاق، الآية: 6.
موطن الشاهد: {أُولَاتِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أولات" خبر "كان" منصوبا بالكسرة؛ لأنه اسم جمع بمعنى ذوات لا واحد له من لفظه، وواحده في المعنى ذات، بمعنى صاحبة، وهو محمول على جمع المؤنث، فيعرب إعرابه.
4 أي الثاني مما حمل على هذا الجمع: ما سمي به منه ومما ألحق به، وصار علما لمذكر أو لمؤنث.
5 أي بالضمة رفعا، وبالكسرة نصبا وجرا؛ إعراب جمع المؤنث السالم، ولا يحذف التنوين في الحالات جميعها؛ لأنه تنوين المقابلة؛ لا تنوين الصرف التصريح: 1/ 83.(1/87)
تنوين ذلك، وبعضهم يعربه إعراب ما لا ينصرف، ورووا بالأوجه الثلاثة قوله1: [الطويل]
18- تنوَّرتها من أذرعات وأهلها ... بيثربَ أدنى دارها نظرٌ عالي6
__________
1 القائل هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، من أهل نجد، من الطبقة الأولى، وأحد أصحاب المعلقات، أشعر الناس وأوصفهم، سبق الشعراء إلى الوصف الكثير، يسمى بالملك الضليل وبذي القروح، غيَّر مقتلُ أبيه حياتَه من المجون واللهو إلى طلب الثأر، فسار في الأرض حتى أتى قيصر طالبا المعونة، فقتله بحُلَّة مسومة، قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "هو قائد الشعراء إلى النار".
الشعراء والشعراء: 1/ 105-136.
2 تخريج الشاهد: الشاهد من قصيدة مشهورة، لامرئ القيس ومطلعها قوله:
ألا عم صباحا أيها الطَلَل البالِي ... وهل يَعِمَنْ مَن كان في العُصُر الخالِي
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 83، وابن عقيل "12/ 1/ 76"، والأشموني "33/ 1/ 41" وهمع الهوامع: 1/ 22، والدرر: 1/ 5، وكتاب سيبويه: 2/ 18، والمقتضب للمبرد: 3/ 333و 4/ 38 وشرح المفصل: 1/ 47و 9/ 34، وخزانة الأدب: 1/ 26، وشرح العيني: 1/ 196، وديوان الشاعر: 31.
المفردات الغريبة: تنوَّرْتها: نظرت إلى نارها بقلبي لشدة تعلقي بها. أذرعات: بلد بالشام. يثرب: اسم المدينة المنورة قبل أن يهاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم.
المعنى: نظرت إلى نار المحبوبة التي يشبها أهلها؛ للقِرى، وليهتدي الضيفان بها إليهم، وأنا بأذرعات، وهي بيثرب، مع أن أقرب مكان من دارها، يحتاج الناظر منه -إذا ما أراد رؤية دارها- إلى نظر عالٍ بعيد فكيف وبيننا هذه المسافات البعيدة؟ ومن هنا نرى أن الشاعر لم ير النار حقيقة، وإنما بالغ هذه المبالغة من شدة شوقه وهيامه بمن أحب، والمحب يرى ويحس بوجدانه وخياله أكثر من حواسه.
الإعراب: تنوَّرْتها: فعل ماضٍ، وفاعل، ومفعول به، "من أذرعات": متعلق بمحذوف حال من التاء في تنورتها. وأهلها: الواو حالية، أهل: مبتدأ، و"ها" مضاف إليه. "يثرب" متعلق بمحذوف خبر، ويثرب: ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. أدنى: مبتدأ. دارها: مضاف إليه و"ها" مضاف إليه. نظر: خبر مرفوع. عالي: صفة لـ "نظر".
موطن الشاهد: "أذرعات".
وجه الاستشهاد: مجيء "أذرعات" على ثلاث روايات في البيت:
الأولى: "أذرعات" مكسورة النون المنونة، وهذه أرجح الروايات، وعلى هذا الوجه =(1/88)
.........................................................................
__________
= اعتبر الاسم قبل التسمية به، فهو جمع مؤنث سالم، وهو يُجر بالكسرة الظاهرة، ويُنوَّن تنوين المقابلة، لا تنوين التنكير.
الثانية: "أذرعات" مكسورة النون من غير تنوين، وهذا على رأي بعض النحاة، وهذا الوجه جوَّزه المبرد والزجاج مراعاة للحالتين الأصلية، وهي كونه جمع مؤنث، والحالية، وهو كونه علما لمؤنث، فأعطوه حكما من أحكام الجمع؟ وهو جره بالكسرة، وحكما من أحكام العلم، فمنعوا تنوينه، كما يمنع تنوين العلم المفرد.
الثالثة: "أذرعات" مفتوحة التاء غير منونة، وهذا رأي جوَّزه بعض النحاة، منهم سيبويه وابن جني، مراعاة لحاله الطارئة، حيث إنه علم مؤنث، ومعلوم أن العلم المؤنث يجر بالفتحة ويمتنع تنوينه؛ لأنه ممنوع من الصرف.
ابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 63، وانظر شرح التصريح: 1/ 82-83، والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 94.(1/89)
[الباب الخامس: إعراب الاسم الذي لا ينصرف] :
الباب الخامس: ما لا ينصرف1، وهو ما فيه علتان2 من تسع3 كأحسن4، أو واحدة منها تقوم مقامهما كمساجد5 وصحراء6، فإن جره بالفتحة نحو:
__________
1 أي: الاسم الذي لا ينوَّن، ولا يجر بالكسرة، وإنما علامة رفعه الضمة. وعلامة جره ونصبه الفتحة، ومن دون تنوين في الحالات الثلاث.
2 في قول النحاة: كل من العلمية والتأنيث -مثلا- "علة" واشتراطهم وجود علتين مبنيّ على التساهل والمجاز؛ لأن كل واحد بين الاثنين الذين يجتمعان في الاسم فيقتضيان منعه من الصرف جزء علة، وليس علة كاملة، وباجتماع الاثنين، يحصل الحكم والدليل على ذلك أن العلمية وحدها لا تقتضي منع الصرف، فمحمد وعلي مصروفان مع أنهما علمان، وزيادة الألف والنون وحدها لا تمنع من الصرف، فصنوان، وقنوان، وسلطان ورمان مصروفة مع زيادة الألف والنون، وبهذا يتقرر أن العلة التامة هي وجود علتين أو وجود واحدة تقوم مقام اثنتين مع ملاحظة شروط كل واحدة منهما. حاشية الشيخ يس على شرح التصريح: 1/ 84.
3 أي: العلل التي تسبب منع اسم من التنوين، وسيأتي الحديث عنها، وقد جمعها ابن النحاس في قوله:
اجمع وزن، عادلا، أنِّثْ، بمعرفةٍ ... ركِّب، وزِدْ، عجمةً، فالوصفُ قد كملا
4 العلتان في "أحسن" هما: الصفة ووزن الفعل.
5 العلة في "مساجد" هي: صيغة منتهى الجموع.
6 العلة في "صحراء" هي: ألف التأنيث الساكنة.(1/89)
{فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} 1، إلا أن أضيف نحو: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم} 2، أو دخلته "أل" معرِّفة نحو: {فِي الْمَسَاجِدِ} 3، أو موصولة نحو: {كَالْأَعْمَى وَالْأَصَم} 4، أو زائدة كقوله5: [الطويل]
19- رأيت الوليد بن اليزيد مُباركا4
__________
1 "4" سورة النساء، الآية: 86.
موطن الشاهد: {بِأَحْسَنَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أحسن" اسما ممنوعا من الصرف؛ لِلوصف، ووزن الفعل، مجرورا وعلامة جره الفتحة بدل الكسرة؛ لِكونه ممنوعا من الصرف.
2 "95" سورة التين، الآية: 4.
موطن الشاهد: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أحسن" مجرورا بالباء، وعلامة جره الكسرة؛ لأنه أضيف إلى تقويم، ومتى أضيف الممنوع من الصرف صرف.
3 2 سورة البقرة، الآية: 87.
موطن الشاهد: {فِي الْمَسَاجِدِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "المساجد" مجرورا بـ "في" وعلامة جره الكسرة؛ لأنه عرف بـ "أل"، ومعلوم أنه متى عرف الممنوع من الصرف، أو أضيف صرف.
4 "11" سورة هود، الآية: 4.
موطن الشاهد: {كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ} .
وجه الاستشهاد: استشهد بهذه الآية على صرف الممنوع من الصرف، إذا كان صفة مشبهة ودخلته "أل" الموصولة، غير أن ابن هشام في المغني ذكر: أن "أل" الداخلة على الصفة المشبهة، كالأعمى والأصم، واليقظان حرف تعريف لا موصولة، وتابعه صاحب شرح التصريح. انظر شرح التصريح: 1/ 84-85".
5 القائل: هو الرماح بن أبرد بن ثوبان، أحد بني غطفان، يعرف بنسبته إلى أمه ميادة، فيقال: ابن ميادة، وهو شاعر مخضرم عاش في الدولتين الأموية والعباسية، مدح خلفاء بني أمية، وبني العباس، له شعر جيد في الغزل والهجاء، مات في خلافة المنصور، له ديوان شعر مطبوع.
تجريد الأغاني: 1/ 256-257.
6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت للشاعر، وعجزه قوله:
شديدا بأعباء الخلافة كاهِلُهْ
وهو من قصيدة يمدح فيها أبا العباس الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقبل الشاهد قوله: =(1/90)
.........................................................................
__________
=
هممت بقول صادق أن أقولَهُ ... وإني على رغم العداة لقائِلُهْ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 85، والأشموني "35/ 1/ 42"، والإنصاف لابن الأنباري: 1/ 317، وشرح المفصل: 1/ 44، والخزانة: 1/ 327، 3/ 252، وشرح العيني: 1/ 218، 509، ومغني اللبيب: "73/ 75"، وشرح شواهد المغني للسيوطي: 60، وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 12.
المفردات الغريبة: أعباء: جمع عبء "بكسر العين المهملة وسكون الباء" وهو ما يثقل حمله، والمراد بأعباء الخلافة: مصاعبها وأمورها الشاقة. كاهله، الكاهل: اسم لما بين الكتفين ويعبر بشدة الكاهل عن القوة. وقد روي: بأحناء الخلافة، وهو جمع حِنْو -بكسر الحاء المهملة وسكون النون- وأحناء الأمور: جوانبها ونواحيها. والأصل فيه "حنو العين" لطرفها. ويقال: أحناء الأمور؛ لما تشابه منها وأشكل المخرج منه.
المعنى: يمدح الشاعر الوليد بن يزيد، ويصفه بأنه مبارك ومحظوظ، وهو في الوقت نفسه قوي قادر على تحمل تبعات المسئولية، ويحسن التخلص مما يعرض له من مشاكلها.
الإعراب: رأيت: فعل ماضٍ وفاعل. الوليد: مفعول به. ابن: صفة للوليد. اليزيد: مضاف إليه، مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. مباركا: حال من الوليد، على اعتبار "رأيت" بصرية أو مفعولا ثانيا، إذا عددنا "رأيت" علمية قلبية. شديدا: اسم معطوف على "مبارك" بحرف عطف محذوف. "بأعباء: متعلق بـ "شديدا" الخلافة: مضاف إليه. كاهله: فاعل لـ "شديد" مرفوع؛ لأن "شديد" صفة مشبهة تعمل عمل الفعل وكاهل: مضاف، والهاء: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "اليزيد".
وجه الاستشهاد: دخول "أل" على "يزيد" وهو اسم علم على وزن الفعل وقع في محل جر بإضافة "ابن" إليه، غير أن الشاعر جره بالكسرة الظاهرة مع وجود العلتين اللتين تقتضيان منعه من الصرف؛ العلمية ووزن الفعل، وفي هذا دلالة على أن الاسم الممنوع من الصرف، إذا دخلت عليه الألف واللام كان جرُّه بالكسرة الظاهرة، ولا فرق بين أن تكون "أل" معرفة، أو موصولة، أو زائدة؛ لأن "أل" بمختلف أنواعها من خواصِّ الأسماء، وهو إنما منع الصرف؛ لِشبهه بالفعل، فإذا وجد معه ما هو من خصائص الأسماء كـ "أل" أو الإضافة، فقد بعد شبهه بالفعل، الذي اقتضى منع صرفه فعاد اسما خالصا من شائبة الشبه بالفعل، فأخذ حكم الأسماء المتأصلة في الاسمية، هذا وفي شرح قطر الندى تفسير وتأويل آخر في البيت الشاهد يفضل الرجوع إليه. انظر شرح قطر الندى.
وشرح التصريح: 1/ 85.(1/91)
[الباب السادس: إعراب الأفعال الخمسة] :
الباب السادس: الأمثلة الخمسة1، وهي: كل فعل مضارع اتصل به ألف اثنين نحو تفعلان ويفعلان، أو واو جمع نحو تفعلون ويفعلون، أو ياء مخاطبة نحو تفعلين، فإن رفعها بثبوت النون، وجزمها ونصبها بحذفها نحو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} 2، وأما: {إِلَّا أَنْ يَعْفُون} 3، فالواو لام الكلمة4، والنون ضمير النسوة،
__________
1 سميت بذلك؛ لأنها ليست ألفاظ أفعال معلومة، وإنما يكنى بها عن كل فعل مضارع اتصل به ألف الاثنين، أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، وقالوا: الأسماء الستة؛ لأنها ألفاظ معلومة وهي الأب والأخ ... إلخ، وسميت خمسة على إدراج المخاطبتين تحت المخاطبين فالمضارع المسند إلى ألف الاثنين يتنوع إلى نوعين: الأول أن يكون الاثنان مذكرين نحو: "أنتما تكتبان يا زيدان" ونحو "الزيدان يكتبان"، والثاني، أن يكون الاثنان مؤنثين نحو: "أنتما يا هندان تكتبان" ونحو "الهندان تكتبان"، أو واو جمع بالتاء للمخاطبين، نحو: أنتم تفعلون، وبالياء للغائبين نحو: هم يفعلون، أو ياء مخاطبة، نحو: أنت تفعلين، فالأمثلة ستة على التفصيل، وخمسة على الإجمال؛ لِلذي يجعل الاثنين نوعا واحدا.
شرح التصريح: 1/ 85، 86 حاشية الصبان، 1/ 98، ابن عقيل: 1/ 66.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 24.
موطن الشاهد: {لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تفعلوا" الأول مجزوما بـ "لم" وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، ومجيء فعل "تفعلوا" الثاني منصوبا بـ "لن" وعلامة نصبه حذف النون أيضا.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 237.
4 أي لام الفعل؛ لأن أصله: عفا يعفو، فإذا قلنا: النساء يعفون، فـ "يعفون" مضارع مبني على سكون الواو؛ لِاتصاله بنون النسوة، والنون: في محل رفع فاعل: وفي حالتي الجزم والنصب، نقول: النساء لم يعفون، ولن يعفون، ويكون الفعل مبنيا على السكون في محل جزم، أو نصب؛ لِاتصاله بنون النسوة.
وأما في قولنا: الرجال يعفون، فالواو ضمير الجمع، وهي الفاعل، أما لام الفعل فمحذوفة، وأصله: يعفوون، فاستثقلت الضمة على الواو الأولى التي هي لام الفعل، فحذفت الضمة، فالتقى ساكنان، فحذفت الأولى منهما؛ لأنها حرف علة، ولم تحذف الثانية؛ لأنها ضمير الفاعل، فصار يعفون على وزن "يفعون" فإذا دخل ناصب أو =(1/92)
والفعل مبني مثل: {يَتَرَبَّصْنَ} 1، ووزنه يفعلن، بخلاف قولك: "الرجال يعفون"، فالواو ضمير المذكرين، والنون علامة رفع فتحذف نحو: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 2 ووزنه تفعوا، وأصله تعفووا.
__________
= جازم، تحذف النون، فنقول: الرجال لن ولم يعفوا، وخلاصة الفرق بين "النساء يعفون، والرجال يعفون" مع اتحاد الصورة اللفظية ما يلي:
1- لام الفعل غير محذوفة في النساء يعفون، ومحذوفة في الثانية؛ لِعلة تصريفية، وهي التقاء الساكنين.
2- نون جمع الإناث في محل رفع فاعل أو نائب فاعل، وهي لا تحذف لناصب أو جازم، وهي علامة رفع في الثانية؛ ولذا تحذف.
3- الواو جزء من الكلمة، وهي لامها في العبارة الأولى، ووزنه: "يفعلن"، وأما في الثانية، فالواو ضمير جمع الذكور، وليست جزءا من الكلمة، ووزنه "يعفون".
انظر شرح التصريح: 1/ 86، وضياء السالك: 1/ 76-77" وحاشية الصبان: 1/ 98-99.
1 "2" سورة البقرة، الآية: 228.
موطن الشاهد: {يَتَرَبَّصْنَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يتربص" مبنيا على السكون؛ لِاتصاله بنون النسوة، في محل رفع؛ لِتجرده عن الناصب والجازم، والنون في محل رفع فاعل.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 237.
موطن الشاهد: {أَنْ تَعْفُوا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تعفوا" منصوبا بـ "أن" وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو: فاعل، والألف للتفريق.(1/93)
[الباب السابع: إعراب الفعل المضارع المعتل الآخر] :
الباب السابع: الفعل المضارع المعتل الآخر، وهو: ما آخره ألف كيخشى1، أو ياء كيرمي، أو واو كيدعو، فإن جزمهن بحذف الآخر، فأما قوله2: [الوافر]
__________
1 اعتبار آخره آلفا أو ياء، في النطق أما كتابة الألف ياء في يخشى؛ فلكونها رابعة.
2 القائل: هو قيس بن زهير بن جذيمة العبسي، أبو هند، أمير عبس وداهيتها، كان يلقب بقيس الرأي؛ لِجودة رأيه، ويضرب المثل بدهائه وشجاعته، وله شعر وكلام مأثور. الأعلام: 5/ 6، والخزانة: 3/ 536، وسمط اللآلي: 582، والأغاني: 9/ 198.(1/93)
20- ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبونُ بني زياد1
فضرورة
__________
1 تخريج الشاهد: البيت أول مقطوعة للشاعر، يقولها في الربيع بن زياد العبسي وذلك أن قيسا كان عنده درع، فساومه فيها الربيعي، ثم اهتبل فرصة، وأخذ الدرع ثم انطلق يعدو به فرسه فتعرض قيس لأم الربيع، وأراد أن يأسرها، ثم عدل عن ذلك، واستاق نَعَم بني زياد، فقدم مكة، فباعها من عبد الله بن جدعان التيمي معاوضة بأدراع وأسياف، وبعد الشاهد قوله:
ومحبسها على القرشي تشرى ... بأدراع وأسياف حدادِ
كما لاقيت من حمل بن در ... وإخوته على ذات الإصادِ
همُ فخروا عليَّ بغير فخر ... وردوا دون غايته جوادي
وكنت إذا منيت بخصم سوء ... دلفت له بداهية نآدِ
والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 87، والأشموني في "43/ 1/ 46"، وهمع الهوامع: 1/ 52، الدرر اللوامع: 1/ 28، وسيبويه: 1/ 215/ 59، ونوادر أبي زيد: 203، وجمل الزجاجي: 373، والخصائص لابن جني: 1/ 333، 337، المحتسب: 1/ 67، 196، 215، والمنصف: 2/ 81، 114 وأمالي ابن الشجري: 1/ 84، 215 والإنصاف: 30 والمقرب: 4، 43، والخزانة: 3/ 534 وشرح المفصل: 8/ 24. 10/ 104، وشرح العيني: 1/ 230، ومغني اللبيب "163/ 146، 715/ 506" وشرح شواهد المغني للسيوطي: "113، 173".
المفردات الغريبة: الأنباء: جمع نبأ، وهو الخبر، وقيل: الخبر أعم منه؛ لأن النبأ خاص بما كان ذا شأن من الأخبار. تنمي: تزيد وتكثر. لبون -بفتح اللام، وضم الباء مخففة: وهي الإبل ذات اللبن. بنو زياد: هم: الربيع، وعمارة، وقيس، وأنس، بنو زياد بن سفيان بن عبد الله العبسي، وأمهم فاطمة بنت الخرشب الأنمارية.
المعنى: ألم يبلغك -والأخبار سرعان ما تنشر وتشيع بين الناس- ما حدث لنياق بني زياد، حيث أخذتها رغما عنهم، وهم الأبطاء الذين يخافهم الناس ويرهبونهم؟!
الإعراب: يأتيك: فعل مضارع مجزوم بـ "لم" وعلامة جزمه حذف الضمة المقدرة -هنا- أو بحذف حرف العلة، والياء المذكورة للإشباع. بما: الباء زائدة، وما اسم موصول في محل رفع فاعل لـ "يأتيك" وجملة "الأنباء تنمي" الاسمية معترضة بين الفعل، وفاعله، لا محل لها.
موطن الشاهد: "يأتيك" وجه الاستشهاد: مجيء "يأتي" مجزوما بـ "لم" غير أن ياءه ثبتت، ولم تحذف لدخول الجازم عليه، واكتفى
بحذف الحركة المقدرة التي كان عليها الفعل قبل دخول الجازم عليه، واكتفى بحذف الحركة المقدرة التي كان عليها الفعل قبل دخول الجازم، وقيل: إن الياء المذكورة، ليست لام الفعل، التي تحذف للجازم، فتلك حذفت؛ لِدخول الجازم على الفعل، وأما الياء المذكورة، فأتت من إشباع كسرة التاء؛ لِضرورة الشعر، وهذا الوجه هو الصواب.(1/94)
وأما قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِر} 1، في قراءة قُنبُل3 فقيل "من" موصولة3 وتسكين "يصبر" إما لتولي حركات الباء والراء والفاء والهمزة، أو على أنه وصل بنية الوقف4، وإما على العطف على المعنى؛ لأن من الموصولة بمعنى.
__________
1 "12" سورة يوسف، الآية: 90.
أوجه القراءات: روى قنبل عن ابن كثير، أنه قرأ "يتقي" بياء وقرأ الباقون {يَتَّقِ} من غير ياء.
توجيه القراءات: قراءة الجزم واضحة، وأما قراءة قنبل عن ابن كثير، فتوجيهها: أن "من" بمعنى الذي، ورفع يتقي؛ لأنه صلة لـ "من" وعطف "يصبر" على معنى الكلام؛ لأن "من" وإن كانت بمعنى الذي، ففيها معنى الشرط، وقيل غير ذلك. الإتحاف: 267، وتفسير القرطبي: 9/ 256 والمشكل: 1/ 435.
موطن الشاهد: "من يتقي".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يتقي" على قراءة قنبل بالياء؛ وذلك لِكون "من" بمعنى الذي ويتقي مرفوع، ويمكن أن تكون "من" للشرط، والضمة المقدرة على الياء في "يتقي" حذفت للجزم، وبقيت الياء، وهذا الوجه ضعيف.
انظر البيان: 2/ 45.
2 قنبل: هو أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن المخزومي، كان إمامًا في القراءات وضابطا متقنا، انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز، ورحل الناس إليه من سائر الأقطار، وهو من أصحاب ابن كثير "القارئ"، وقد أخذ عنه، مات بمكة سنة 291هـ.
وَفَيات الأعيان: 3/ 42، وسير أعلام النبلاء: 14/ 84، وطبقات القراء لابن الجزري: 2/ 165.
3 أي: ليست شرطية جازمة، ويتقي مرفوع لا مجزوم.
4 أي أن قنبلا وصل بنية الوقف، كقراءة الحسن البصري: "ولا تمنن تستكثرْ" بتسكين تستكثر مع أنه مرفوع بإجماع السبعة، وكقراءة نافع: "محيايْ ومماتيْ" بسكون ياء محياي وصلا.
انظر: مشكل إعراب القرآن: 3/ 434، والتصريح: 1/ 88.(1/95)
الشرطية لعمومها وإبهامها1.
تنبيه: إذا كان حرف العلة بدلا من همزة كيقرأ ويقرئ ويوضؤُ، فإن كان الإبدال بعد دخول الجازم فهو إبدال قياسي2، ويمتنع حينئذ الحذف لاستيفاء الجازم مقتضاه، وإن كان قبله فهو إبدال شاذ3، ويجوز مع الجازم الإثبات والحذف، بناء على الاعتداد بالعارض وعدمه وهو الأكثر.
[ما تقدر فيه الحركات من الأسماء والأفعال] :
وتقدر الحركات الثلاث في الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة نحو: الفتى والمصطفى، ويسمى معتلا مقصورا.
والضمة والكسرة في الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة مكسورة ما قبلها نحو: المرتقى والقاضي، ويسمى منقوصا.
وخرج يذكر الاسم نحو: يخشى، ويرمى، وبذكر اللزوم نحو: "رأيت أخاك" و"مررت بأخيك"، وباشتراط، نحو: ظبي وكرسي.
وتقدر الضمة والفتحة في الفعل المعتل بالألف نحو: "هو يخشاها" و"لن يخشاها".
__________
1 وأيضا، فمدخولها مستقبل، وتدخل الفاء في خبرها، كما تدخل في جواب الشرطية؛ ولهذا صح العطف بالجزم على الصلة، كما يعطف على الشرط، وقيل: إن "من" شرطية والياء في "يتقي" للإشباع، ولام الفعل، حذفت للجازم، وهنالك لغة تجيز إبقاء حرف العلة في آخر المضارع المجزوم، ويكون الجزم بالسكون المقدر على حرف العلة أصليا في مكانه، لا بدلا من همزة.
التصريح: 1/ 88، وضياء السالك: 1/ 78.
2 لأنك حينئذ تقلب الهمزة الساكنة حرف علة من جنس حركة ما قبلها، ونظيره "فأر، ورأل" فإن العرب تسهلهما، فتقول: فار، ورال.
3 لأن الهمزة المتحركة، المتحرك ما قبلها لا تبدل.(1/96)
والضمة فقط في الفعل المعتل بالواو أو الياء1، نحو: "هو يدعو" و"هو يرمي".
وتظهر الفتحة في الواو والياء، نحو: "إن القاضي لن يرمي ولن يغزو"2.
__________
1 قد أظهر بعض الشعراء الضمة على الواو في الفعل المعتل، كما أظهروها عليهما في الاسم.
2 قد ورد في الشعر العربي الذي يحتج به حذف الفتحة من الفعل المعتل بالياء اضطرارا، نحو قول حندج المري:
ما أقدر الله أن يدني على شحط ... من داره الحزن ممن داره صوفل
وكقول عامر بن الطفيل:
فما سودتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
ففي البيت الأول، أتى فعل "يدني" منصوبا بـ "أن" غير أن الشاعر سكن الياء، ولم يظهر الفتحة عليها، وفي البيت الثاني: جاء فعل "أسمو" منصوبا بـ "أن"، غير أن الشاعر، لم يظهر الفتحة على الواو.
- وكذلك حذفوا فتحة الاسم المعتل بالياء اضطرارا، كقول الشاعر:
لا تفسد القوس أعط القوس باريها
وكذا في قول الراجز:
كأن أيديهن بالقاع القرق ... أيدي جوار يتعاطين الورق
ففي: "أعط القوس باريها" جاء "باريها" مفعولا به، ومن حقه أن تظهر الفتحة على يائه غير، أن الشاعر اضطر لإقامة الوزن، فحذف الفتحة.
وفي "كأن أيديهن" جاء "أيديهن" اسم "كأن" ومن حقه، أن ينصب، وأن تظهر الفتحة على يائه؛ لِخفتها، لكن الشاعر، لما اضطر لإقامة الوزن، سكن الياء.
الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 100-101.(1/97)
[النكرة والمعرفة] :
هذا باب النكرة والمعرفة:
[نوعا النكرة] :
الاسم نكرة، وهي الأصل1، وهي عبارة عن نوعين:
أحدهما: ما يقبل "أل" المؤثرة للتعريف2، كرجل، وفرس، ودار، وكتاب.
والثاني: ما يقع موقع ما يقبل "أل" المؤثرة للتعريف، نحو: "ذي، ومن، وما". في قولك: "مررت برجل ذي مال، وبمن معجِب لك، وبما معجِب لك" فإنها واقعة موقع "صاحب، وإنسان، وشيء"3 وكذلك نحو: صه، منونا، فإنه واقع موقع قولك: "سكوتا"4.
__________
1 لأنها، لا تحتاج في دلالتها على المعنى الذي وضعت له إلى قرينة، بخلاف المعرفة، وما يحتاج إلى شيء فرع عما لا يحتاج.
التصريح: 1/ 91.
2 احترز بذلك من نحو: الحسن والعباس، فإن "أل" لا تؤثِّر فيهما التعريف؛ لأنهما معرفتان بالعلمية قبل دخول "أل".
3 صاحب" راجع لذي، وهو يقبل "أل" المؤثِّرة للتعريف؛ لأنه صار بالاستعمال صفة مشبهة فأشبه الأسماء الجامدة بخلاف "صاحب" اسم فاعل بمعنى مصاحب، فإن "أل" الداخلة عليه موصولة، لا تؤثر فيه تعريفا و"إنسان" راجع إلى "من" النكرة الموصوفة للعاقل، وهو يقبل "أل" فتقول: الإنسان، و"شيء" راجع إلى "ما" التي لغير العاقل، وهو يقبل "أل" تقول: الشيء. ومثلهما "ما" و"من" الموصوفتان الشرطيتان والاستفهاميتان، وكذلك "أين" و"كيف".
التصريح: 1/ 92.
4 أي: وسكوتا يقبل "أل" لأنه مصدر، تقول: السكوت، ومذهب الجمهور أن أسماء الأفعال واقعة موقع الأفعال.(1/98)
[نوعا المعرفة] :
ومعرفة، وهي الفرع، وهي عبارة عن نوعين:
أحدهما: ما لا يقبل "أل" ألبتة1 ولا يقع موقع ما يقبلها، نحو: زيد، وعمرو ...
والثاني: ما يقبل "أل" ولكنها غير مؤثرة للتعريف، نحو: حارث، وعباس، وضحاك" فإن "أل" الداخلة عليها لِلَمْحِ الأصل بها.
[أقسام المعرفة] :
وأقسام المعارف سبعة: المضمر كأنا وهم، والعلم كزيد وهند، والإشارة كذا وذي، والموصول2 كالذي والتي، وذو الأداة3 كالغلام والمرأة، والمضاف لواحد منها كابني وغلامي، والمنادي نحو: "يا رجل" لمعين.
[المضمر والضمير] :
فصل في المضمر:
المضمر والضمير، اسمان لما وضع لمتكلم كأنا، أو لمخاطب كأنت، أو لغائب كهو، أو لمخاطب تارة ولغائب أخرى، وهو الألف والواو والنون، كقوما وقاما، وقوموا وقاموا، وقمن.
[الضمير قسمان: بارز ومستتر] :
وينقسم إلى: بارز، وهو ما له صورة في اللفظ كتاء "قمت"، وإلى: مستتر، وهو بخلافه كالمقدر في "قم".
__________
1 أي: قطعا. قال سيبويه: ولا يستعمل "البتة" إلا بالألف واللام، وأجاز الفراء تنكيره، فيقال: لا أفعله البتة وبتة؛ لكل أمر لا رجعة فيه، وهو منصوب على المصدر المؤكد وهمزته للقطع سماعا، والتاء فيه للوحدة.
2 قيل: إن تعريف الموصول بالعهد الذي في الصلة، وقيل بأل، ملفوظة في نحو: الذي والتي، أو غير ملفوظة بل يكون الموصول معنى ما فيه "أل" كـ "من" و"ما".
3 أي: الذي تدخل عليه أداة التعريف، وهي "أل" المعرفة، سواء كان مذكرا أو مؤنثا.(1/99)
[الضمير البارز قسمان] :
وينقسم البارز: إلى متصل وهو: ما لا يفتتح به النطق ولا يقع بعد "إلا" كياء "ابني" وكاف "أكرمك" وهاء "سلنية" ويائه، وأما قوله1: [البسيط]
21- وما علينا إذا ما كنت جارتنا ... أن لا يجاورنا إلاك دَيَّار2
فضرورة.
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت لا يعرف له سوابق أو لواحق، ويروى شطره الأول: "وما نبالي إذا ما.....". والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 98، وابن عقيل "14/ 1/ 90"، والأشموني "45/ 1/ 48" وهمع الهوامع: 1/ 57، والدرر اللوامع: 1/ 32، والخصائص: 1/ 307، 2/ 159 وشرح المفصل: 3/ 101، 103، والخزانة. 2/ 405، وشرح العيني: 1/ 253.
المفردات الغريبة: وما علينا: يروى مكانه: وما نبالي: المبالاة بمعنى الاكتراث بالأمر، والاهتمام له والعناية به، دَيَّار: معناه أحد، ولا يستعمل إلا في النفي العام، قال تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} أي: أستأصلهم جميعا.
المعنى: يخاطب الشاعر إحدى جاراته قائلا: ما دمت لنا جارة، فلا يهمنا، ولا يعنينا إذا لم يجاورنا أحد غيرك.
الإعراب: ما: نافية، لا عمل لها. نبالي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء، والفاعل: نحن. والمفعول محذوف، والتقدير: لا نبالي شيئا، ويمكن أن تكون "ما" اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، والجملة بعدها خبر، والتقدير: أي شيء نباليه؟. إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط، وما: زائدة. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء اسمها. جارتنا: خبر كان، ومضاف إليه. ألا: أن مصدرية، و"لا" نافية يجاورنا. مضارع منصوب بـ "أن" و"نا" مفعول به مقدم، إلاك: "إلا" أداة استثناء من "ديار" الواقع فاعلا مؤخرا، والكاف في محل نصب على الاستثناء؛ لِتقدمه على المستثنى منه.
موطن الشاهد: "إلاك".
وجه الاستشهاد: وقع الضمير المتصل بعد "إلا"؛ لِضرورة الشعر، وهو غير سائغ في الاستعمال؛ لأن القياس، أن يؤتى بعد "إلا" بالضمير المنفصل، وقد كان على الشاعر أن يقول: "ألا يجاورنا إلا إياك ديار".
وعلى رواية "سواك"، أو "حاشاك" فلا ضرورة، في البيت الشاهد، على تلك الرواية، لكون الضمير متصلا بعامله المؤثر فيه، حيث إن "سوى"، وحاشا" عاملان، و"إلا" ليست عاملة، وإنما تدل على العاملة أو تقوّي العامل المقدر.
انظر شرح التصريح: 1/ 98.(1/100)
وإلى منفصل، وهو: ما يبتدأ به ويقع بعد "إلا" نحو: "أنا" تقول: "أنا مؤمن" و"ما قام إلا أنا".
[أقسام الضمير المتصل بحسب مواقع الإعراب] :
وينقسم المتصل، بحسب مواقع الإعراب، إلى ثلاثة أقسام:
1- ما يختص بمحل الرفع، وهو خمسة: التاء كقمت، والألف كقاما، والواو كقامو، والنون كقمن، وياء المخاطبة كقومي.
2- وما هو مشترك بين محل النصب والجر فقط، وهو ثلاثة: ياء المتكلم نحو: {رَبِّيْ أَكْرَمَنِ} 1، وكاف المخاطب نحو: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّك} 2، وهاء الغائب نحو: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُه} 3.
3 وما هو مشترك بين الثلاثة، وهو "نا" خاصة نحو: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا} 4.
__________
1 "89" سورة الفجر، الآية: 15.
موطن الشاهد: الشاهد: "ربي أكرمني".
وجه الاستشهاد: مجيء ضمير المتكلم "الياء" مع المنادي في محل جر بالإضافة؛ لأنه اتصل بالاسم، وفي "أكرمني" جاء في محل نصب مفعولا به؛ لأنه اتصل بالفعل، ومن هنا ندرك أنه مشترك بين محل النصب والجر.
2 "93" سورة الضحى، الآية: 3.
موطن الشاهد: {وَدَّعَكَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "كاف" المخاطب في محل نصب مفعول به؛ لِاتصالها بالفعل، وهي من الضمائر المشتركة.
3 "18" سورة الكهف، الآية: 37.
موطن الشاهد: "له، صاحبه، يحاوره".
وجه الاستشهاد: مجيء "هاء" الغائب في محل جر بحرف الجر في الأول، وفي محل جر بالإضافة في الثاني، وفي محل نصب مفعول به في فعل "يحاوره".
4 "3" سورة آل عمران، الآية: 193. موطن الشاهد: {رَبَّنَا} ، {إِنَّنَا} ، {سَمِعْنَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء ضمير "نا" في محل جر بالإضافة مع المنادى؛ لِاتصالها بالاسم، وفي محل نصب اسم "إن" في "إننا"، وفي محل رفع فاعل في "سمعنا"، وهنا لا بد من الانتباه إلى أمر هام، وهو أن "نا" عندما تتصل بالفعل، فإذا بني الفعل معها على السكون، كما في "سمعنا"، وهنا لا بد من الانتباه إلى أمر هام، وهو أن "نا" عندما تتصل بالفعل، فإذا بني الفعل معها على السكون، كما في "سمعنا" تكون "نا" في محل رفع فاعل، وإذا بني الفعل معها على الفتح، كما في "سلبنا، وسرقنا" تكون في محل نصب مفعول به.(1/101)
وقال بعضهم1: لا يختص ذلك بكلمة "نا" بل الياء، وكلمة "هم" كذلك؛ لأنك تقول: "قومي" و"أكرمني" و"غلامي" و"هم فعلوا" و"إنهم" و"لهم مال" وهذا غير سديد؛ لأن ياء المخاطبة غير ياء المتكلم، والمنفصل غير المتصل.
وألفاظ الضمائر كلها مبنية2، ويختص الاستتار بضمير الرفع3.
__________
1 قائل ذلك: أبو حيان؛ وقد نظر إلى الضمير من غير اعتبار لمعناه، ولا لكونه متصلا أو منفصلا ورد المؤلف بأنه لا بد من النظر إلى معنى الضمير وإلى نوعه، فإن اتحد اللفظ والمعنى والنوع، كان ضميرا واحدا، وإن اتحد اللفظ واختلف المعنى كياء المتكلم وياء المخاطبة، أو اتحد اللفظ، واختلف النوع، ككلمة "هم" فإنها، في قولك "لهم" وقولك "إنهم" ضمير متصل، وفي قولك "هم يفعلون" ضمير منفصل. فهما متغايران، بخلاف "نا" فإن لفظها واحد، ومعناها واحد أيضا، ونوعها واحد وهو المتصل، وهي مع هذا من الاتفاق واقعة في مواقع الإعراب الثلاثة الرفع والنصب والجر.
التصريح. 1/ 99.
2 اتفق النحاة على أن الضمائر كلها مبنية، واختلف في سبب بنائها، فقيل شبه الحرف في المعنى؛ لأن كل مضمر مضمَّن معنى التكلم أو الخطاب أو الغيبة، وهي من معاني الحروف، وقيل شبه الحرف في الوضع؛ لأن أكثر المضمرت على حرف واحد أو حرفين، وحمل الأقل على الأكثر وقيل شبه الحرف في الافتقار؛ لأن المضمر لا تتم دلالته على مسماه إلا بضميمة مشاهدة أو غيرها، وقيل شبه الحرف في الجمود، وقيل اختلاف صيغه لاختلاف معانيه، وقيل غير ذلك، ولا يختص الإبراز بضمير بعينه، بل يكون في ضمير الرفع والنصب والجر.
التصريح 1/ 100، والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 110.
3 فإن قلت: فإني أجد ضمير النصب مقدرا في نحو: "إني أكرم الذي تكرم" أي الذي تكرمه، وفي ضمير الجر نحو قوله تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُون} أي: منه، فكيف تقولون: إن الاستتار لا يكون إلا لضمير الرفع؟. فالجواب: أن ما ذكرت من باب الحذف، أي أن الضمير كان مذكورا في الكلام، ثم حذف، ولا كذلك المستتر، فقد التبس عليك الحذف بالاستتار. أوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 87، حا: 2.(1/102)
[الضمير المستتر قسمان] :
وينقسم المستتر إلى مستتر وجوبا، وهو: ما لا يخلفه ظاهر ولا ضمير منفصل، وهو: المرفوع بأمر الواحد، كـ "قم" أو بمضارع مبدوء بتاء خطاب الواحد، كـ "تقوم" أو بمضارع مبدوء بالهمزة، كـ "أقوم" أو بالنون، كـ "نقوم" أو بفعل استثناء، كـ "خلا، وعدا، ولا يكون" في نحو قولك: "قاموا ما خلا زيدا، وما عدا عمرا، ولا يكون زيدا" أو بأفعل في التعجب أو بأفعل التفضيل1، كـ "ما أحسن الزيدين"، و: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثَاً} 2، أو باسم فعل غير ماضٍ، كـ "أوه، ونزال"3.
وإلى مستتر جوازا، وهو: ما يخلفه ذلك، وهو المرفوع بفعل الغائب أو الغائبة، أو الصفات المحضة4، أو اسم الفعل الماضي نحو: "زيد قام، وهند
__________
1 أي في غير مسألة "الكحل" المشهورة، فإنه يرفع فيها الظاهر باطراد، وكذلك يرفع الضمير البارز على لغة، في نحو: مررت برجل أفضل منه أنت، إذا لم يعرب "أنت": مبتدأً.
2 "19" سورة مريم، الآية: 74.
موطن الشاهد: {أَحْسَنُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء: "أحسن" اسم تفضيل، وفيه ضمير مستتر وجوبا مرفوع على الفاعلية، وأثاثا: تمييز منصوب.
3 بقي مما استتر وجوبا؛ الضمير المرفوع بالمصدر النائب عن فعله، نحو قوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وأيضا الضمير المستتر في "نعم وبئس" المفسر بنكرة نحو: "نعم قوما معشره" وقوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} فقد نصوا على أن هذا الضمير لا يجوز إظهاره.
التصريح: 1/ 101، وحاشية الصبان: 1/ 112.
4 أي: الخالصة من شائبة الاسمية، كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة. وقد مثل لذلك المصنف، وبقيت أمثلة المبالغة، نحو: محمد ضراب أو مضراب ... إلخ؛ أما الصفات غير المحضة وهي التي غلبت عليها الاسمية فلا تحتمل ضميرا، مثل: الأبطح، والأجرع، والأبيض، والأرحب.(1/103)
قامت، وزيد قائم، أو مضروب، أو حسن، وهيهات"، ألا ترى أنه يجوز "زيد قام أبوه" أو "ما قام إلا هو" وكذا الباقي.
تنبيه: هذا التقسيم تقسيم ابن مالك1 وابن يعيش2 وغيرهما، وفيه نظر3 إذ الاستتار في نحو: "زيد قام" واجب؛ فإنه لايقال: "قام هو" على الفاعلية، وأما "زيد قام أبوه" أو "ما قام إلا هو" فتركيب آخر، والتحقيق أن يقال: ينقسم العامل إلى ما لا يرفع إلا الضمير المستتر كأقوم، وإلى ما يرفعه وغيره كقام.
[انقسام الضمير المنفصل بحسب مواقع الإعراب إلى قسمين] :
وينقسم المنفصل، بحسب مواقع الإعراب، إلى قسمين:
1 ما يختص بمحل الرفع، وهو: "أنا، وأنت، وهو" وفروعهن، ففرع أنا نحن1، وفرع أنتَ: أنتِ، وأنتما، وأنتم، وأنت، وفرع هو: هي، وهما، وهم وهن.
2 وما يختص بمحل النصب، وهو: "إيا" مردفا بما يدل على المعنى المراد
__________
1 مرت ترجمته.
2 ابن يعيش: أبو البقاء، يعيش بن علي بن يعيش الحلبي النحوي، ولد بحلب سنة 553 هـ، وأخذ عن علمائها، ورحل إلى بغداد، ودمشق إلى أن صار من كبار أئمة العربية. ولا سيما النحو والصرف، وقد غالب فضلاء حلب وتصدر للإقراء بها زمانا، له كتاب شرح المفصل، وشرح تصريف ابن جني، مات بحلب سنة 643هـ.
البلغة: 289، بغية الوعاة: 2/ 351، وفيات الأعيان: 2/ 450، ومعجم المؤلفين: 13/ 256، والأعلام: 9/ 272.
3 ذلك أن المؤلف فهم من قول ابن مالك وابن يعيش في تعريف الضمير المستتر: "المستتر جوازا: هو ما يخلفه الظاهر أو الضمير المنفصل" أن أحدهما يخلفه في تأدية معناه، وليس هذا بمرادهما، بل مرادهما يخلف المستتر جوازا في رفع العامل إياه، وإن لم يكن المعنى واحدا وبهذا، ينحل اعتراضه ويصير موافقا لما ذكر هو أنه التحقيق.
التصريح: 1/ 102 الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 113.
4 إنما كان نحن فرعا لـ "أنا" لأن "أنا" دالٌّ على الواحد المتكلم، و"نحن" دال على المتكلم المتعدد أو المنزل منزلته. ولا شك أن التعدد فرع عن الواحد.(1/104)
نحو: "إياي" للمتكلم، و"إياك" للمخاطب، و"إياه" للغائب، وفروعها: "إيانا، وإياك، وإياكما، وإياكم، وإياكن، وإياها، وإياهما، وإياهم، وإياهن.
تنبيه: المختار أن الضمير نفس "إيَّا" وأن اللواحق لها حروف تكلم، وخطاب، وغيبة2.
فصل:
القاعدة أنه متى تأتي اتصال الضمير لم يعدل إلى انفصاله2، فنحو: "قمت" و"أكرمتك" لا يقال فيهما: "قام أنا" ولا "أكرمت إياك"، فأما قوله3: [البسيط]
22- إلا يزيدهم حبا إليَّ همُ4
__________
1 ما ذكر مذهب سيبويه، وذهب الخليل إلى أن اللواحق ضمائر، و"إيا" ضمير مضاف إليها، واختار هذا ابن مالك، وهو رأي ضعيف؛ لأنه لم تعهد إضافة الضمائر، وأما قولهم: "إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب" فشاد، وذهب بعض البصريين وجمع من الكوفيين، إلى أن اللواحق، هي الضمائر، وكلمة "إيا" عماد، أي: زيادة تعتمد عليها اللواحق؛ لِيتميز المنفصل من المتصل، ويرى الزجاج أن "إيا" اسم ظاهر مضاف إلى ما بعده، وما بعده، هو الضمير.
وأما "أنا وأنت"، وفروعه من ضمائر الرفع، فقيل: إن الضمير، هو الهمزة والنون، أما الألف فزائدة، والتاء حرف خطاب، واللواحق الأخر؛ لِبيان المراد، من إفراد وتثنية وجمع، وقيل -وهو الصواب- إن الضمير مجموع "أنا، وأنت" وكذا في "هو" وفروعه فالمجموع هو الضمير. انظر شرح التصريح: 1/ 103-104. حاشية الصبان: 1/ 115.
إنما استعمل العرب الضمائر لقصد الاختصار، والضمير المتصل أشد اختصارا من الضمير المنفصل، وبالتالي كان أبلغ في بلوغ القصد؛ لِهذا لم يعدلوا عن استعمال المتصل إلا عند الضرورة.
التصريح: 1/ 104.
3 القائل: هو زياد بن منقذ العدوي التميمي المعروف بالمرار الحنظلي العدوي، أحد شعراء الدولة الأموية، عاصر "جريرا" وهاجاه، فرد عليه جرير.
الشعر والشعراء: 2/ 697، واللآلي: 832، والخزانة: 2/ 391، والمؤتلف: 176.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وما أصاحب من قوم فأذكرهم
وهو من قصيدة لزياد، يقولها في تذكر أهله والحنين إلى وطنه، وكان قد نزل =(1/105)
وقوله1: [البسيط] .
23- إياهم الأرض في دهر الدهارير2
فضرورة
__________
= بصنعاء، وكانت منازل أهله بنجد، وأول هذه الكلمة، فيما رواه أبو تمام في الحماسة:
لا حبذا أنت يا صنعاء من بلدٍ ... ولا شعوب هوى مني ولا نُقُمُ
وحبذا حين تمسي الريح باردة ... وادي أُشَيٍّ وفتيان به هُضُمُ
والبيت الشاهد، من شواهد: التصريح: 1/ 104، والأشموني "46/ 1/ 51"، والمغني "256/ 195" وشرح شواهد المغني للسيوطي" 147، وشرح المفصل: 7/ 26، والخزانة: 2/ 393،وشرح العيني: 1/ 256، والشعر والشعراء: 2/ 697.
المعني: يبين الشاعر أنه ما اتصل بقوم، صحبهم وذكر قومه أمامه أمامهم، إلا زادوه حبا وثقة بقومه لما يسبغونه عليهم من المدح والثناء.
الإعراب: ما: نافية، من قوم: من زائدة، قوم، اسم مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه مفعول به لـ "أصاحب". فأذكرهم الفاء سببية، أذكر: مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة وجوبا بعد فاء السببية الواقعة جوابا للنفي، ويجوز الرفع عطفا على أصاحب، والفاعل: أنا، و"هم" في محصل نصب مفعولا به. إلا أداة استثناء ملغاة، أو أداة حصر. يزيدهم: فعل مضارع مرفوع، و"هم" في محل نصب مفعولا به أول منصوبا. حبا: مفعول به ثانٍ منصوب. "إلى" متعلق بـ "يزيد". "هم" الثانية: في محل رفع فاعل لـ "يزيد".
موطن الشاهد: "هم" في آخر البيت.
وجه الاستشهاد: مجيء هذا الضمير منفصلا للضرورة، والقياس أن يؤتى به متصلا بالفعل، فالأصل فيه: يزيدونهم.
1 هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.
2 تخرج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت
وهو من قصيدة للفرزدق، يمدح فيها يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقبله قوله:
يا خير حي وَقَتْ نعل له قدما ... وميت بعد رسل الله مقبور
وهو من شواهد همع الهوامع: 1/ 62، والدرر اللوامع: 1/ 38، والخصائص: 1/ 307 و2/ 195، وأمالي ابن الشجري: 1/ 40، والإنصاف: 698، والخزانة: 2/ 409، وشرح شواهد الألفية للعيني: 1/ 274، وديوان الفرزدق: 266.
المفردات الغريبة: الباعث: الذي يبعث الأموات ويحييهم، الوارث: الذي ترجع إليه =(1/106)
ومثال1 ما لم يتأتَّ فيه الاتصال أن يتقدم الضمير على عامله، نحو: {إِيَّاكَ
__________
= الأملاك بعد الفناء، وهما اسمان لله تعالى: ضمن: اشتملت عليهم. الدهارير: جمع لا واحد له من لفظه، وهو الشدائد.
المعنى: يقسم الشاعر بباعث الأموات، ووارثهم بعد موتهم، وقد اشتملت عليهم الأرض، وضمتهم في أزمان الشدائد والمحن؛ والمقسم عليهم في البيت الذي يليه.
الإعراب: "بالباعث": متعلق بـ "حلفت" في البيت السابق. الوارث: صفة للباعث، الأموات: مضاف إليه مجرور، أو منصوب على أنه مفعول به، تنازعه الوصفان قبله: "الباعث والوارث"، فأعمل فيه الثاني، ولم يعمل الأول في ضميره، بل حذفه؛ لِكونه فضلة. قد: حرف تحقيق. ضمنت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث. إياهم: ضمير منفصل في محل نصب مفعول به لـ "ضمن". الأرض: فاعل مرفوع. "في دهر": متعلق بـ "ضمن". الدهارير: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "ضمنت إياهم".
وجه الاستشهاد: مجيء الضمير منفصلا؛ لِاضطرار الشاعر إلى إقامة الوزن، ولم يأتِ به متصلا، على ما يقتضيه القياس؛ إذ لو أتى به متصلا على ما يقتضيه القياس، لقال: "ضمنتهم الأرض"، وحكم هذا الإتيان به منفصلا مع التمكن من الإتيان به منفصلا، لا يجوز إلا في ضرورة الشعر.
1 تتميما للبحث نقول: بقي اثنا عشر موضعا، لا يتأتى فيهما المجيء بالضمير المتصل، ويتعين في كل واحد منهما الإتيان بالضمير منفصلا:
الأول: أن يكون الضمير فاعلا لمصدر، أضيف إلى مفعوله، نحو قوال الشاعر:
بنصركم نحن كنتم ظافرين، وقد ... أغرى العدى بكمُ استسلامكم فشلا
وعلى هذا تقول: عجبت من ضرب زيد أنت، فتكون إضافة ضرب لزيد من إضافة المصدر لمفعوله.
الثاني: أن يكون الضمير مفعولا لمصدر أضيف إلى فاعله الظاهر، نحو قولك: عجبت من ضرب زيد إياك، فإن كان فاعل المصدر ضميرا أيضا، كانت من المسألة الأولى، التي يجوز فيه أمران.
الثالث: أن يكون الضمير مرفوعا بصفة جارية على غير من هي له، مطلقا عند البصريين، ومع خوف اللبس عند الكوفيين، على ما تعرفه مفصلا في باب المبتدأ والخبر إن شاء الله، نحو زيد وعمر ضاربه هو.
الرابع: أن يكون عامل الضمير محذوفا، نحو قول لبيد بين ربيعة العمري:
فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب ... لعلك تهديك القرون الأوائل
الخامس: أن يكون عامل الضمير حرفا من حروف النفي، نحو قوله تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِم} وقوله جل جلاله: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا} . =(1/107)
نَعْبُدُ} 1، أو يلي "إلا"، نحو: {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه} 2، ومنه قوله3:
24-................... وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي4
__________
= السادس: أن يقع الضمير بعد واو المعية، نحو قول الشاعر:
فآليت لا أنفك أحذو قصيرة ... تكون وإياها بها مثلا بعدي
السابع: أن يكون الضمير تابعا لمعمول آخر لعامله، كالضمير المعطوف في قول الله تعالى: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُم} .
الثامن: أن يقع الضمير بعد "إما" نحو قولك: "يتولى الأمر إما أنا وإما أنت".
التاسع: أن يكون عامل الضمير معنويا، وهو الابتداء أي أن يكون الضمير مبتدأ نحو: "أنا مؤمن".
العاشر: أن يقع الضمير بعد اللام الفارقة، الداخلة في خبر إن المخففة، كقول الشاعر:
إن وجدت الصديق حقا لإياك ... فمرني فلن أزال مُطيعا.
الحادي عشر: أن يكون الضمير منادىً به، نحو: "يا أنت"، ونحو: "يا إياك"، ومنه قول الشاعر:
يا أبجر بن أبجر يا أنتا ... أنت الذي طلقت عام جُعْتَا
الثاني عشر: أن يكون الضمير ثاني متحدي الرتبة، معمولين لعامل واحد، وليس مرفوعًا، نحو: "ظننتني إياي" و"ظننتك إياك".
التصريح: 1/ 105و 106. حاشية الصبان: 1/ 115.
1 "1" سورة الفاتحة: الآية: 4.
موطن الشاهد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} .
وجه الاستشهاد: أتى بالضمير منفصلا في الآية الكريمة؛ لِتقدم الضمير على عامله "نعبد" وحكم مجيئه منفصلا في هذه الحالة الوجوب.
2 "12" سورة يوسف، الآية: 40.
موطن الشاهد: {تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الضمير "إياه" منفصلا، على الرغم من تأخره عن عامله؛ لأنه وَلِيَ "إلا" لفظا"، ومى وَلِيَ الضمير "إلا" لا يتأتى المجيء به متصلا، كما هو معلوم.
3 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذه قطعة من بيت وتمامه:
أنا الذائد الحامي الذمار، وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
=(1/108)
لأن المعنى ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا.
__________
= وهو من قصيدة للفرزدق، يعارض فيها جريرا، ويفخر عليه، وبعد الشاهد قوله:
فمهما أَعِشْ لا يضمنوني ولا أضع ... لهم حسبا ما حركت قدمي نعلي
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 106، والأشموني "48/ 1/ 52" وهمع الهوامع: 1/ 62 والدرر اللوامع: 1/ 39، والمحتسب: 2/ 195، ودلائل الإعجاز للجرجاني: 214، 223، وشرح المفصل: 2/ 95، 8/ 56، والعيني: 1/ 277، ومعاهد التنصيص: 1/ 89، ومغنى اللبيب: "574/ 407"، وشرح شواهد المغني للسيوطي: 245، وديوان الفرزدق: 712.
المفردات الغريبة: الذائد: اسم فاعل من ذاد الشيء، يذوده، إذا دفعه، وتقول: فلان يذود عن قومه، إذا كان يدفع عنهم كل ما ينزل بهم. الذمار، كل ما لزم الإنسان أن يحافظ عليه، ويحميه. أحساب: جمع حسب، ما يعد من مفاخر الآباء، وقيل: المال، والأول أفضل وأشهر. لا يضمنوني: لا يرتكب جريمة، ولا يجني جناية تجعل قومه يكلفونه، أو يغرمون عنه. لا أضع: لا أضيع، وهو مجزوم؛ لأنه معطوف على جواب الشرط، وحذفت الياء؛ لِالتقاء الساكنين. "ما حركت قدمي نعلي": "ما" هنا مصدرية ظرفية، والمعنى: مدة تحريك قدمي نعلي، وقصد بذلك، مدة بقائه في الحياة؛ لأنه ما دام حيا، فلا بد أن يحرك قدمه، فتتحرك نعله لحركتها.
معنى الشاهد: يفخر الشاعر بأنه هو، المدافع عن قومه، والحامي لكل ما تجب حمايته لهم من مال وأعراض وغيرها، ولا يدافع عن أحسابهم ومفاخرهم إلا هو أو من ماثله في الشجاعة والغيرة وصفات الكمال.
الإعراب: أنا: مبتدأ. الذائد: خبر مرفوع. الحامي: صفة للذائد، أو خبر ثانٍ.
الذمار: مضاف إليه، أو مفعول به لاسم الفاعل "الحامي". إنما كافة ومكفوفة، تفيد القصر، لا محل لها، يدافع. فعل مضارع مرفوع. "عن أحسابهم": متعلق به "يدافع" و"هم" مضاف إليه. أنا: ضمير منفصل، في محل رفع فاعل يدافع. أو: حرف عطف. مثلي: "مثل" معطوف على الضمير المنفصل، والياء: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "إنما يدافع عن أحسابهم أنا".
وجه الاستشهاد: مجيء "أنا" ضميرا منفصلا بعد "إلا" في المعنى والتأويل؛ لأنه لا يتأتى الضمير المنفصل في هذه الحالة، وكان الضمير هنا واقعا بعد "إلا" في المعنى والتأويل لأن معنى قوله:
وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي، هو عينه معنى قوله: لا يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي.(1/109)
[ما يستثنى من هذا القاعدة] :
ويستثنى من هذه القاعدة مسألتان:
إحداهما: أن يكون عامل الضمير عاملا في ضمير آخر أعرف منه1 مقدم عليه وليس مرفوعا2، فيجوز حينئذ في الضمير الثاني الوجهان، ثم إن كان العامل فعلا غير ناسخ، فالوصل أرجح كالهاء من "سلنيه" قال الله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} 3، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} 4، {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} 5، ومن الفصل: "إن الله ملككم إياهم" 6، وإن كان اسما فالفصل أرجح، نحو: "عجبت من حبي إياه" ومن الوصل
__________
1 تبين لنا فيما مضى، أن ضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وهذا أعرف من ضمير الغيبة.
2 أي ليس الضمير المقدم مرفوعا، وهذا يستلزم أن يكون العامل من الأفعال التي تنصب مفعولين.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 137.
موطن الشاهد: {فَسَيَكْفِيْكَهُمُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يكفي" غير ناسخ، واتصل به ضميران، الكاف، وهُم، ولما كان الضمير الأول أعرف من الثاني، ومتقدما عليه، أتى بالضمير الثاني موصولا، وحكم هذا الوصل الجواز مع الترجيح.
4 "11" سورة هود، الآية: 28.
موطن الشاهد: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ها" الضمير الثاني بعد الكاف، ولذا جاء موصولا؛ لأن عامله عامل في ضمير أعرف منه، وهو الكاف، وحكم هذا الوصل الترجيح، والواو في "أنلزمكموها" للإشباع، لا محل لها.
5 "47" سورة محمد الآية: 37.
موطن الشاهد: {يَسْأَلْكُمُوهَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء ضمير "ها" موصولا، كما في الآية السابقة، وحكم وصله الجواز مع الترجيح.
6 حديث نبوي شريف وتمامه: "ولو شاء الله لملكهم إياكم". والمراد الأرقاء.
موطن الشاهد: "ملككم إياهم ".
وجه الاستشهاد: مجيء ضمير "إياهم" مفصولا؛ لأنه لو وصل، لقال: ملَّكَكُمُوهُم، ولكنه فر من الثقل الحاصل من اجتماع الواو مع ثلاث ضمات، وحكم هذا الفصل الجواز.(1/110)
قوله1: [المتقارب] .
25- لقد كان حبِّيك حقا يقينا2.
__________
1 هذا البيت ذكره أبو تمام في ديوان الحماسة من شعر اختاره ولم ينسبه إلى قائل معين.
تخريج الشاهد:
هذا عجز بيت، وصدره قوله:
لئن كان حبك لي كاذبا
وقيل الشاهد قوله:
لئن كنت أوطأتني عشوة ... لقد كنت أصفيتك الود حينا
وما كنت إلا كذي نهزة ... تَبَدَّلَ غثًّا وأعطى سمينا.
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 107، والأشموني "49/ 1/ 52"، وشرح العيني: 1/ 283.
المعني: يخطاب الشاعر حبيبته قائلا: والله إن كنت كاذبة في حبك لي، فإن محبتي لك صادقة لا شك فيها.
الإعراب: لئن: اللام موطئة للقسم، إن: شرطية جازمة. كان: فعل الشرط. حبك: اسم كان وهو مضاف إلى الكاف، من إضافة المصدر إلى فاعله، كاذبا: خبر كان لقد: اللام واقعة في جواب القسم. حبيك: اسم كان مرفوع، وعلامة رفعه الضمة على ما قبل الياء، والياء: مضاف إليه، وهي فاعل المصدر، والكاف: مفعول به للمصدر. حقا: خبر كان. يقينا: صفة، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه.
موطن الشاهد: "حبيك".
وجه الاستشهاد: مجيء الضمير الثاني "الكاف" متصلا، وذاك شائع مرجوح، ولو أتى به منفصلا، لقال: حبي إياك، وهو الأرجح؛ لأن العامل فيه المصدر وليس الفعل.
فائدة: في قول المؤلف: "وإن كان اسما فالفصل أرجح"؛ لأن الاسم إنما يعمل لمشابهته الفعل، فهو أقل اتصالا بالمفعول من الفعل.
والمراد بالاسم هنا المصدر كما في الشاهد السابق، واسم الفاعل، كما في قول الشاعر:
لا تَرْجُ أو تَخْشَ غير الله إن أذى ... واقيكه الله لا ينفكُّ مأمونا
فـ "واقيكه": اسم فاعل وصل الضميرين، الأول منهما كاف الخطاب، والثاني هاء الغائب العائدة إلى أذى.
ويشترط أن يكون أول الضميرين مجرورا، كما مثل في الشاهد، سواء كان فاعلا كالمثال المذكور، أو مفعولا، نحو: الدرهم إعطاؤك إياه تفضل عليك.
ونظير البيت الشاهد قول قيس بن الملوّح:
تضعَّفَني حبِّيكِ حتى كأنني ... من الأهل والمال التلاد خليعُ
وانظر شرح التصريح: 1/ 107، وحاشية الصبان: 1/ 117-118.(1/111)
وإن كان فعلا ناسخا نحو: "خلتنيه"، فالأرجح عند الجمهور الفصل1 كقوله2: [البسيط]
26- أخي حسبتك إياه3
__________
1 لأن الضمير خبر في الأصل، وحق الخبر الانفصال.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: الشاهد بتمامه:
أخي حسبتك إياه، وقد ملئت ... أرجاء صدرك بالأضغان والإحنِ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 107، والأشموني "54/ 1/ 53"، وشرح شواهد العيني: 1/ 276.
المفردات الغريبة: حسبتك إياه: ظننت أنك أخي. أرجاء: نواحٍ، جمع رجا، كعصا، وهو الناحية. الأضغان: الأحقاد، جمع ضغن، وهو الحقد. الإحن: جمع إحنة، وهي الحقد أيضا. فالعطف للتفسير والترادف.
المعنى: يصور الشاعر خيبة أمله بمن اتخذه أخا، وهو يظن بأنه سيشد من أزره، ويدفع عنه عوادي الدهر، ولكنه تكشف عن صدر ملؤه الأحقاد والضغائن عليه.
الإعراب: أخي: مبتدأ، ومضاف إليه. حسبتك: فعل مضارع وفاعل مفعول أول. إياه: مفعول ثانٍ، والجملة خبر المبتدأ، ويمكن أن يكون "أخي" منادى بحرف نداء محذوف، أو مفعولا محذوف يفسره المذكور بعده "حسبتك"، ويكون من باب الاشتغال، كما سيأتي. وقد: الواو حالية، قد: حرف تحقيق. ملئت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: للتأنيث. أرجاء: نائب فاعل مرفوع. صدرك: مضاف إليه، وجملة "ملئت أضغان صدرك" في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "حسبتك إياه".
وجه الاستشهاد: مجيء الضمير "إياه" منفصلا، وهو مفعول به ثانٍ لفعل ناسخ، وهو "حسب"، وحكم هذا الفصل الرجحان عند الجمهور، ويجوز الوصل: حسبتكه، غير أنه مرجوح كما بينا سابقا.(1/112)
وعند الناظم1، والرماني2، وابن الطراوة3 الوصل، كقوله4:
27- بُلِّغْتُ صنع امرئ بر إخالكه5.
__________
1 أي: ناظم الألفية: محمد بن مالك، وقد مرت ترجمته.
2 الرماني: هو أبو الحسن علي بن عيسى، ولد سنة 326هـ، أخذ عن ابن السراج والزجاج وابن دريد إلى أن صار إماما في العربية، ولا سيما النحو، حتى قيل: لم يُرَ مثله علما بالنحو، وكان يمزج النحو بالمنطق، حتى قال عنه الفارسيّ: "إن كان النحو ما يقوله الرماني، فليس معنا منه شيء، وإن كان النحو ما نقوله، فليس معه منه شيء"، له كتب قيمة، منها: شرح كتاب سيبويه، وكتاب الحدود، وكتاب معاني الحروف، مات سنة: 384هـ. البلغة: 159، وإنباه الرواة: 2/ 294، وبغية الوعاة: 2/ 170، ووفيات الأعيان: 1/ 331.
3 ابن الطراوة: أبو الحسن، سليمان بن محمد بن عبد الله السبائي النحوي، من أهل مالقة "مدينة بالأندلس" إمام عالم، وأديب ماهر، أخذ عن أبي الحجاج الأعلم كتاب سيبويه، وروى عنه القاضي عياض، له مصنفات قيمة، منها: الإفصاح على الإيضاح، وترشيح المقدمات على كتاب سيبويه، مات بمالقة سنة: 528هـ. البلغة: 91، بغية الوعاة: 1/ 62، معجم المؤلفين: 4/ 274، الأعلام: 3/ 196.
4 لم ينسب إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إذ لم تزل لاكتساب الحمد مبتدرا
والبيت من شواهد التصريح: 1/ 108، والأشموني "52/ 1/ 53"، وشرح شواهد العيني: 1/ 287.
المفردات الغريبة: بر "بفتح الباء، وتشديد الراء": الصادق، وبر فلان في يمينه، إذا صدق. إخالكه: أظنكه. مبتدرا: مسرعا، من ابتداء فلان الأمر: إذا أسرع إليه.
المعنى: يخاطب الشاعر أحدهم: بأني لما أعلمت بما صنعه امرؤ محسن صادق، من الكرم والبر، ظننتك إياه، لما أعلمه من أنك السباق المسارع إلى عمل الخير، المبادر لاكتساب الحمد والثناء.
الإعراب: بلغت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل، وفي الأصل، هو مفعوله الأول. صنع: مفعول به ثانٍ. امرئ: مضاف إليه. بر: صفة لـ "امرئ". إخالكه: فعل مضارع، والفاعل: أنا، والكاف: مفعول به أول، والهاء: مفعول ثانٍ. إذا حرف تعليل، لا محل له من الإعراب، ويمكن أن يكون ظرفا متعلقا، بـ "إخال" الوجه الأول هنا أفضل. لاكتساب: متعلق بقوله: "مبتدرا" الواقع خبرا "نزل".
موطن الشاهد: "إخالكه".
وجه الاستشهاد: مجيء الضمير الثاني "الهاء" متصلا، وهو مفعول ثانٍ لفعل "إخال" لناسخ، وحكم هذا الوصل الجواز مع الترجيح عند من ذكرهم المؤلف واختاره ابن مالك، ويجوز الفصل، فتقول: إخالك إياه.
فائدة: الأصل في الضمير الاتصال، والأصل في الخبر الانفصال، وكل من هذين الأصلين مؤيد بالسماع، فلما دخل الفعل الناسخ "إخال" على المبتدأ والخبر، كان للنحاة مذهبان: منهم من رجح اعتبار الأصل الأول، فقضى أن اتصال الضمير في هذه الحالة أرجح، ومنهم من رجح اعتبار الأصل الثاني، فقضى بأن انفصال الضمير في هذه الحالة أرجح، وكلاهما جائز باتفاق.(1/113)
الثانية: أن يكون منصوبا بكان أو إحدى أخواتها، نحو: "الصديق كنته" أو "كانه زيد" وفي الأرجح من الوجهين الخلاف المذكور، ومن ورود الوصل الحديث: "إن يكنه فلن تسلط عليه" 1، ومن ورود الفصل قوله2: [الطويل]
28- لئن كان إياه لقد حال بعدنا3.
__________
1 هذه قطعة من حديث شريف وتتمته: "وإلا يكنه فلا خير لك في قتله". الحديث موجَّه إلى عمر بن الخطاب، حين أراد أن يقتل ابن صياد لما ظهر له أن يشبه المسيح الدجال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد حدث أصحابه عن المسيح الدجال.
وقد روى الحديثَ البخاريُّ في باب: كيف يُعرَض الإسلام على الصبي من كتاب الجهاد في صحيحه عن ابن عمر، البخاري 2/ 82، 4/ 56، 8/ 34، 107، لكن روايته في الموضعين الأخيرين مغايرة لما عندنا، ورواه مسلم في باب: ذكر ابن الصياد من كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيحه. مسلم: 4/ 2930، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده برقم: 626 بلفظ: "إن يكن هو...." والحديث في شرح التسهيل: 1/ 171.
2 القائل: هو عمر بن أبي ربيعة، أبو الخطاب القرشي المخزومي، شاعر الغزل المشهور. وُلِد ليلة مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، كان فاسقا يتعرض للنساء الحواجِّ، فسيره عمر بن عبد العزيز إلى الدهلك، ومات بينما كان في سفينة حرقًا سنة 93 هـ.
الشعر والشعراء: 2/ 553، الأغاني: 1/ 28، الخزانة: 1/ 238، ابن خلكان: 1/ 447.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
عن العهد، والإنسان قد يتغير(1/114)
ولو كان الضمير السابق في المسألة الأولى مرفوعا وجب الوصل، نحو: ضربته" ولو كان غير أعرف وجب الفصل، نحو "أعطاه إياك" أو "إياك" أو "أعطاك إياي"1، ومن وجب الفصل إذا اتحدت الرتبة، نحو: "ملكتني إياي" و"ملكت
__________
= وهو من قصيدة لعمر بن أبي ربيعة، وأولها قوله:
أمن آل نعم أنت غادٍ فمبكر ... غداة غد أم رائح فمهجر
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 108، والأشموني "53/ 1/ 54"، وشرح المفصل: 3/ 107. والمقرب: 16، والخزانة: 2/ 42، وشرح العيني: 1/ 314، وديوان عمر بن أبي ربيعة: 86.
المفردات الغريبة: حال: تغير، وتحولت حالته. عن العهد: عما عهدناه فيه من الشباب والنضرة.
المعنى: يتحدث الشاعر بلسان حال حبيبته التي عجبت؛ لِتغير هيئته وحالته، حيث تقول: إن كان حقا الذي نراه عمر، فقد تحولت حاله عما كنا نعهده فيه من القوة والشباب والحسن، ثم يسليها قائلا: غير أن الإنسان يغيره مرور الزمان، وتقلبات الدهر، وتتالي الأيام.
الإعراب: لئن: اللام موطئة للقسم، إن شرطية، كان: فعل ماضٍ ناقص، وهو فعل الشرط، واسمه "هو" يعود على عمر المعبر عنه بـ "المغيري" في الأبيات السابقة. إياه: خبر كان لقد: اللام واقعة في جواب القسم، قد: حرف تحقيق. حال: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. "بعدنا". متعلق بـ "حال" و"نا"، مضاف إليه. وجملة "حال بعدنا" جواب القسم، لا محل لها، وجملة جواب الشرط محذوفة؛ لِدلالة جواب القسم عليها. "عن العهد": متعلق بـ "حال". والإنسان: الواو حالية، الإنسان: مبتدأ. قد: حرف تقليل. يتغير: فعل مضارع، والفاعل: هو، وجملة "يتغير": في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة "الإنسان قد يتغير": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "كان إياه".
وجه الاستشهاد: مجيء الضمير "إياه" خبرا لـ "كان" الناقصة الناسخة للمبتدأ والخبر، وقد أتى به منفصلا، ومجيئه على هذا الوجه جائز باتفاق من غير ضرورة ولا شذوذ، ولو وصل، لقال: "كانه"، وهو وجه جائز باتفاق أيضا، غير أن ابن مالك يختار الاتصال، وغيره يختار الانفصال.
1 نسب إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه- أنه قال: "أراهمني الباطل شيطانا" بوصل الضميرين، وأولهما ليس أعرف من الثاني؛ لأن الأول ضمير غيبة. والثاني ضمير متكلم، ومعنى العبارة: أن الباطل أراهم إياي شيطانا: أي جعلهم يرونني شيطانا، وحكم هذا الاتصال نادر، والأصل: أراهم الباطل إياي شيطانا، وأجاز المبرد وكثير من القدماء تقدم غير الأخص مع الاتصال، نحو: أعطيتهموك، ولكن الانفصال عندهم راجح. اشطر شرح التصريح: 1/ 108-109.(1/115)
إياك" و"ملكته إياه"، وقد يباح الوصل إن كان الاتحاد في الغيبة، واختلفت لفظ الضميرين، كقوله1: [الطويل]
29- أنالَهُماهُ قَفْوُ أكرمِ والد2
__________
1 لم ينسب إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
لوجهك في الإحسان بسط وبهجة
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 109، والأشموني "55/ 1/ 54"، وهمع الهوامع: 1/ 63، والدرر اللوامع: 1/ 41، وشرح شواهد العيني: 1/ 342.
المفردات الغريبة: بسط: بشاشة وطلاقة. بهجة: حسن، وسرور. أنالهماه: المراد: عوَّد وجهك البسط والبهجة. قفو: اتباع، أصله كان من مكانه في جهة قفاه، ثم قيل لمن يتبع واحدا ويسير على إثره.
المعنى: يمدح الشاعر أحدهم: بأن البشاشة والطلاقة والحسن تملأ وجهه عند الإحسان والعطاء، وليس هذا بغريب؛ لأن هذه الصفات ورثها عن أبيه واكتسبها باقتدائه به؛ إذ هو المعروف بأنه أكرم والد.
الإعراب: "لوجهك": متعلق بخبر مقدم. بسط: مبتدأ مؤخر "في الإحسان": متعلق بـ "بسط" وبهجة: الواو عاطفة. بهجة: معطوف على بسط. "أنا لهماه": "أنال" فعل ماضٍ مبني على الفتح، و"هما" في محل نصب مفعول به أول لـ "أنال"، والهاء "الضمير العائد إلى الوجه": في محل نصب مفعولا به ثانيا، ويمكن أن يكون المفعول الأول، وضمير الغائب العائد إلى المثنى المفعول الثاني. قفو: فاعل: "أنال" مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف: أكرم: مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى مفعوله، وأكرم: مضاف. والد: مضاف.
موطن الشاهد: "أنالهماه".
وجه الاستشهاد: مجيء الضمير الثاني "هاء" الغائب المفرد متصلا، غير أن الأكثر في مثل هذه الحال الانفصال "أنا لهما إياه" غير أن الوجهين جائزان باتفاق، وإنما خص جواز الاتصال والانفصال عند اتحاد الرتبة بضميري الغيبة؛ لِصحة اختلاف لفظهما، واختلاف مدلولهما، فنزل ذلك منزلة اختلاف الضميرين.(1/116)
[لزوم نون الوقاية قبل ياء المتكلم] :
مضى أن ياء المتكلم من الضمائر المشتركة بين محلَيْ النصب والخفض.
فإن نصبها فعل أو اسم فعل أو "ليت" وجب قبلها نون الوقاية1، فأما الفعل فنحو: "دعاني"2 و"يكرمني" و"أعطني" وتقول: "قام القوم ما خلاني" و"ما عداني" و"حاشاني" إن قدرتهن أفعالا، قال3: [الطويل]
30- تُمَلُّ الندامى ما عداني؛ فإنني4
__________
1 هي نون مكسورة، سميت بذلك؛ لأنها في الغالب تقي الفعل، وتصونه من وجود كسرة في آخره عند إسناده إلى ياء المتكلم، وتمنع اللبس في مثل: أكرمني، في الأمر، فلولاها لالتبست ياء المتكلم بياء المخاطبة، وأمر المذكر، بأمر المؤنثة، كما تقي غير الفعل من تغيير آخر يلحق به، وتسمى كذلك "ياء النفس" وقد تحذف ياء المتكلم وتبقى النون المكسورة للدلالة عليها، نحو قوله تعالى: {أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُون} أي: فبم تبشرونني؟.
انظر: الجنى الداني: 150-151، ومغني اللبيب: 450-451، وحاشية يس على التصريح: 1/ 109-110.
2 من ذلك قول الشاعر:
دعاني أخي والخيل بيني وبينه ... فلما دعاني لم يجدني بقُعدُدِ
الشاهد: دعاني، في المرتين، فإنه فعل ماضٍ عمل في ياء المتكلم، وقد أتى قبل ياء المتكلم بنون الوقاية، وفي قوله: لم يجدني، فإنه فعل مضارع عمل في ياء المتكلم أيضا، وقد أتى بنون الوقاية قبلها ومن:
خليلي من عليا هلال بن عامر ... بعفراء عوجا اليوم وانتظرانِ
أصله: انتظراني، فحذف الياء اجتزاء بكسرة نون الوقاية دالة عليها. أوضح المسالك: 1/ 106-107.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
بكل الذي يهوى نديمي مولَعُ
وهو من شواهد التصريح: 1/ 110، 1/ 364، وشذور الذهب "123/ 342"، وهمع الهوامع: "1/ 332"، والدرر اللوامع: "1/ 197".(1/117)
وتقول: "ما أفقرني إلى عفو الله"، و"ما أحسنني إنِ اتقيتُ الله"، وقال بعضهم: "عليه رجلا ليسَنِي"1 أي: لِيلزمْ رجلا غيري، وأما تجويز الكوفي "ما أحسنني" فمبني على قوله إن "أحسن" ونحوه اسم، وأما قوله2: [مشطور الرجز] :
31- إذ ذهب القوم الكرام ليسي
فضرورة
__________
= المفردات الغريبة: تمل: من الملل: وهو السأم. الندامى: جمع ندمان: وهو نديم الرجل في الشرب. مولع "بفتح اللام" بمعنى مغرى، وهو من أفعال ملازمة للبناء للمجهول.
المعنى: يتباهى الشاعر بأن الناس يملون نداماهم وسمارهم؛ إلا هو؛ فلا يُمَلُّ ولا يستغنى عنه؛ لأن همه وأدبه أن يقضي كل ما يحبه منه نديمه.
الإعراب: تمل: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. الندامى: نائب فاعل. ما عداني: ما: مصدرية، عدا: فعل ماضٍ، وفاعله مستتر فيه وجوبا، ويعود على البعض المفهوم من الكل السابق، والنون للوقاية، والياء: مفعول به، و"ما" وما دخلت عليه: في تأويل مصدر مجرور بإضافة ظرف مقدر، والتقدير: تمل الندامى وقت مجاوزتهم إياي. فإنني: الفاء تعليلية إن حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب اسم "إن" "بكل" متعلق بقوله: "مولع" الآتي، وكل: مضاف، الذي: مضاف إليه. يهوى: فعل مضارع. نديمي: فاعل ومضاف إليه، والجملة صلة للموصول، لا محل لها، والعائد من جملة الصلة إلى الاسم الموصول ضمير منصوب المحل بفعل "يهواى" محذوف، والتقدير: بكل الذي يهواه نديمي. مولع: خبر "إن" مرفوع.
موطن الشاهد: "ما عداني".
وجه الاستشهاد: دخول نون الوقاية على "عدا" الماضي، وهو هنا فعل، بدليل تقدم ما المصدرية عليه، ونون الوقاية دخلت لِاتصال الفعل بياء المتكلم.
1 قول حكاه سيبويه، عن بعض العرب، وقد بلغه أن رجلا يهدده.
2 نسب أبن منظور في اللسان هذا البيت إلى رؤية بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: قيل الشاهد قوله:
عددت قومي كعديد الطيس
ويروى: عهدي بقومي كعديد الطيس.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 110، وابن عقيل: "17/ 1/ 109"،والأشموني "57/ 1/ 55، وهمع الهوامع: 1/ 64، والدرر اللوامع: 1/ 41، والجنى الداني: 150، وشرح المفصل: 3/ 108 والخزانة: 2/ 425، 454، 4/ 56، واللسان مادة =(1/118)
وأما نحو: {تَأْمُرُونِّيْ} فالصحيح أن المحذوف نون الرفع.
__________
= "طيس"، ومغني اللبيب "310/ 227" "644/ 450"، وشرح السيوطي: 167، وملحقات ديوان رؤبة: 175.
المفردات الغريبة: عديد: عدد، يقال: هم عديد الثرى؛ أي عدد التراب. الطيس: الكثير من الرمل، ونحوه، وقد يسمى طيسلا. ليسى: المراد غيري.
المعنى: يتأسف الراجز على حال قومه؛ فعديدهم إذا عدهم وأحصاهم كعدد الرمال والحصى ولكن لا خير فيهم، فقد ذهب القوم الكرام منهم سواه.
الإعراب: قومي: مفعول به لـ "عددت" "كعديد": متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف، أي: عددت قومي عدا كعديد. إذ: ظرفية متعلقة بـ "عددت"، أو حرف دال على المفاجأة. ليسي: فعل ماضٍ ناقص، واسمها: ضمير يعود على البعض المفهوم مما قبله، وياء المتكلم خبره.
موطن الشاهد: "ليسي".
وجه الاستشهاد: حذف نون الوقاية التي تلحق الفعل عند اتصاله بياء المتكلم، وحكم هذا الحذف أنها شاذٌّ، وسهله كون "ليس" فعلا جامدا غير متصرف، فهو شبيه بالاسم، وفي "ليسي" شذوذ آخر، وهو مجيء خبر "ليس" ضمير متصلا، ومعلوم أن الأصل في الخبر الانفصال، كما علمنا سابقا.
1 "39" سورة الزمر، الآية: 64.
موطن الشاهد: {تَأْمُرُونِي} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تأمروني" محذوف نون الرفع، على ما يرى سيبويه، وابن مالك، ومثلها قوله تعالى: {تُحَاجُّونِّي} قرأ نافع "تأمروني" بالتخفيف، أراد "تأمرونني" فحذف إحدى النونين للتخفيف، وينبغي أن تكون النون الثانية محذوفة؛ لأن التكرير بها وقع، ولا تحذف الأولى التي هي علامة الرفع، وقد حذفوا هذه النون، قال حميد الأرقط:
قدني من نصر الخبيبين قدي
فحذف وأثبت، وقال قوم: بل حذفوا نون الإعراب كما تحذف الضمة في مثل "يأمركم" وقرأ ابن عامر "تأمرونني" بنونين على الأصل "فلم يُدغِم النونين" وحجته إجماع الجميع على إظهار النون في قوله تعالى: {وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} فرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه، وقرأ الباقون: "تأمروني" بالتشديد، والأصل "تأمرونني" النون الأولى علامة الرفع والثانية مع الياء في موضع النصب، ثم أدغموا الأولى في الثانية. وأما النحاة: فقد اختلفوا في المحذوف من النونين، فرجح المؤلف أن المحذوفة هي نون الرفع وذلك لأمرين، الأول: أن نون الرفع قد عهد حذفها اطرادا في النصب والجزم، ونادرا في غيرهما. الثاني: أن نون الوقاية مأتيٌّ بها لفرض، فلا تحذف وهذا مذهب سيبويه وابن مالك. وذهب الأخفش والمبرد والفارسي وابن جني إلى أن المحذوف نون الوقاية، محتجين بأن التكرار، إنما حصل بنون الوقاية؛ لأن نون الرفع سابقة عليها، والتكرار، هو الذي دعا إلى التخفيف، فكانت نون الوقاية أولى بالحذف عند قصد التخفيف، فضلا عن أن نون الرفع علامة للإعراب، فهي أولى بالمحافظ عليها.
انظر: حجة القراءات لأبي زرعة: 624-625، إعراب القرآن، للنحاس: 2/ 228، التصريح: 1/ 111.(1/119)
وأما اسم الفعل فنحو: "دراكني" و"تراكني" و"عَلَيْكَنِي" بمعنى "أدركني" وبمعنى "اتركني" وبمعنى "الزمني".
وأما ليت1 فنحو: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} 2، وأما قوله3: [الوافر]
32- فيا ليتي إذا ما كان ذاكم4
__________
1 إنما وجبت معها النون -على الراجح- لقوة شبهها بالفعل في المعنى والعمل.
2 "89" سورة الفجر الآية: 24.
موطن الشاهد: "ليتني".
وجه الاستشهاد: مجيء نون الوقاية مع "ليت" المتصلة بياء المتكلم، وحكم اتصال نون الوقاية بـ "ليت" الوجوب؛ لِقوة شبهها بالفعل؛ لِكونها تغير معنى الابتداء ولا تعلق ما بعدها بما قبلها.
3 القائل: هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وابن عم خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، كان أحد المعتزلين عبادة الأوثان في الجاهلية، وكان يقرأ الكتب فتنصر وكتب الكتاب بالعبرانية من الإنجيل، وقصته مشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما أتت به السيدة خديجة إليه، فبشره بالخير، وتمنى لو أنه كان جزعا يوم يخرجه قومه. تجريد الأغاني: 1/ 366-367.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ولجت وكنت أولهم ولوجا.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 111،وشرح العيني: 1/ 365، وسيرة ابن هشام: 122.
المفردات الغريبة: يا ليتي: أراد يا هؤلاء ليتني، فحذف المنادى. ولجت: يريد بهذا دخوله في الإسلام ونصرة الرسول عليه الصلاة والسلام.
المعنى: يتمنى الشاعر، إذا حدث ذلك الأمر، أن يكون حيًّا وقتئذٍ، فيدخل في هذا الدين، ويكون من السابقين في الدخول فيه والمصدقين به.
الإعراب: فيا: الفاء عاطفة، يا: حرف نداء، والمنادى محذوف، والتقدير: يا هؤلاء، أو يا قومي، أو حرف يفيد التنبيه. ليت: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمها. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط. ما: زائدة. ذا: فاعل كان التامة. "ولحت": خبر ليت، أو جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر "ليت" ولوجا: تمييز منصوب.
موطن الشاهد: "ليتي".
وجه الاستشهاد: مجيء "ليت" محذوفة منها نون الوقاية عند اتصالها بياء المتكلم، وحكم هذا الحذف شاذ؛ لِضرورة الوزن، والأصل في هذه الحال الاقتران، كما رأينا في المتن.(1/120)
فضرورة عند سيبويه1، وقال الفراء2: يجوز "ليتني" و"ليتي".
وإن نصبها "لعل" فالحذف نحو: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} 3 أكثر من الإثبات4، كقوله5: [الطويل]
__________
1 هو: أبو بشر: عمرو بن عثمان بن قنبر مولى بني الحارث بن كعب وسيبويه أي رائحة التفاح بالفارسية، إمام البصريين، وإمام عصره بالعربية، أخذ النحو عن الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب والأخفش "أبو الخطاب" وعيسى بن عمرو، وأخذ الفقه والحديث على حماد بن سلمة الذي كان السبب في إقباله على النحو، وسيبويه: صاحب الكتاب المشهور الذي يعد مرجع العلماء إلى اليوم. مات سنة 180هـ.
البلغة: 173، بغية الوعاة: 2/ 229، إنباه الرواة: 2/ 346، الأعلام: 5/ 252 وغيرها كثير.
2 هو: أبو زكريا، يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، إمام مشهور، أخذ عن الكسائي، وهو من جلة أصحابه وأبرع الكوفيين، له مصنفات كبيرة ومشهورة في اللغة والنحو، ومعاني القرآن، توفى سنة 207هـ في طريق مكة، وله 67سنة.
البلغة: 280، بغية الوعاة 2/ 333، وفيات الأعيان: 2/ 201، أخبار النحويين البصريين: 51.
3 40 سورة غافر، الآية: 36.
موطن الشاهد: "لعلي".
وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" متصلة بياء المتكلم الواقعة اسما لها، في محل نصب، مع حذف نون الوقاية، وحكم هذا الحذف أنه أكثر من الإثبات.
4 وذلك؛ لأن "لعل" شبيهة بالحرف، بل إنها تستعمل أحيانا جارة.
5 هو: حاتم الطائي: أبو عدي بن عبد الله بن سعد بن الحشرج، من طيئ، مضرب المثل في الجود والكرم، وصاحب شعر جيد، كان حيث ما نزل عرف، وكان ظفيرا، إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا أسر أطلق.(1/121)
33- أريني جوادا مات هُزْلًا لعلني1
__________
1 الشعر والشعراء: 1/ 241، الأغاني: 16/ 92، اللآلي: 606، الخزانة: 1/ 491، شعراء الجاهلية: 98.
تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
أرى ما ترين أو بخيلا مُخلَّدا
وقد نسب هذا البيت أبو تمام في ديوان الحماسة إلى حطائط ابن أخي الأسود بن يعفر النهشلي، ونسبه آخرون إلى حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي. والبيت من شواهد التصريح: 1/ 111، وشرح المفصل: 8/ 78، وخزانة الأدب: 1/ 195 عرضا، وشرح العيني: 3/ 369، وديوان حاتم الطائي: 109.
المفردات الغريبة: جوادا: الرجل الكريم الذي يجود بأمواله. هزلا: "بضم فسكون": هزالا وضعفا. بخيلا: ضنينا بماله لا ينفقه. مخلدا: دائم الحياة باقيا.
المعنى: يطلب الشاعر إلى عاذلته أن تريد رجلا كريما مات من الضعف والهزال بسبب ضيق ذات يده من الكرم، أو بخيلا خلَّده ماله الذي يضن به عن الإنفاق، لعله يرى ما تراه من الإمساك والتقتير، وعدم البذل والجود.
الإعراب: ذريني: فعل أمر مبني على حذف النون، وياء المخاطبة في محل رفع فاعل، والنون: لِلوقاية، والياء الثانية في محل نصب مفعول به أول. جوادا: مفعول به ثانٍ منصوب. مات: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، والجملة في محل نصب صفة لـ "جواد"، وهو الأجود. هزلا: مفعول لأجله. لعلني: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب اسم "لعل". أري: فعل مضارع، والفاعل: أنا ما: اسم موصول، في محل نصب مفعولٍ به، والجملة: في محل رفع خبر "لعل". ترين: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والياء: في محل رفع فاعل الجملة، والجملة: صلة الموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، والتقدير: ما ترينه. أو: حرف عطف. بخيلا: معطوف على "جوادا". مخلدا صفة لـ "بخيلا".
موطن الشاهد: "لعلني".
وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" متصلة بـ "ياء المتكلم" مع اقترانها بنون الوقاية، وحكم هذا الاقتران القلة؛ لأن الأشهر حذف نون الوقاية مع "لعل"، والقرآن الكريم نطق بالحذف وحده، كما في الآيات التالية: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} ، وقوله تعالى: {لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُون} ، وقوله جل شأنه: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَس} . وكذا في الشعر، فالأشهر حذف النون، كقول العباس بن الأحنف:
أسرب القطا هل من بعير جناحه ... لعلي إلى من قد هويت أطير
وقول الفرزدق:
وإنِّي لراجٍ نظرة قِبَل التي ... لعلي وإن شطت نواها أزورها
ونخلص من هذا، إلى أن ثبوت نون الوقاية مع "لعل" ليس شذوذا، ولا ضرورة، كما قال ابن الناظم حيث وردت منه جملة صالحة من الشواهد، ومنها:
فقلت: أعيراني القدوم لعلني ... أخط بها قبرا لأبيض ماجدِ(1/122)
وهو أكثر من "ليتي"، وغلط ابن الناظم1 فجعل "ليتي" نادرا، و"لعلني" ضرورة.
وإن نصبها بقيةُ أخوات ليت ولعل، وهي: إن، وأن، ولكن، وكأن، فالوجهان كقوله2: [الطويل]
34- وإني على ليلي لزارٍ، وإنني3
__________
حاشية الصبان: 1/ 123-124، وشرح التصريح: 1/ 111، وابن عقيل: 1/ 91.
1 أي ابن ناظم الألفية، وهو: الإمام بدر الدين محمد بن محمد بن مالك الطائي الدمشقي، نحوي ابن نحوي وإمام ذكي حاد الخاطر، برع في علوم البلاغة والعروض، له مصنفات كثيرة منها.
شرح ألفية والده "كافيته ولاميته"، وشرح التسهيل ولم يتمه، والمصباح في المعاني والبيان، وشرح غريب تصريف ابن الحاجب. تولى منصب أبيه في دمشق بعد وفاته، ومات سنة 686هـ. بغية الوعاة: 1/ 204.
2 القائل هو: قيس بن الملوّح، وقيل: ابن معاذ، أحد بني جعدة "أو بني عقيل" ابن كعب بن ربيعة والملقب بمحنون ليلى، وهذا اللقب؛ لِذهاب عقله بشدة عشقه، أما الأصمعي، فينفي عنه الجنون، ويقول: إنما فيه لوثة: أي ضعف واسترخاء وحمق، وقيل في قيس: أشعر الناس. الشعر والشعراء: 2/ 563، الخزانة: 2/ 169، الأغاني: 1/ 161، المرزباني: 476.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
على ذاك فيما بيننا مستديمها
وهو من شواهد التصريح: 1/ 112.
المفردات الغريبة: زارٍ: اسم فاعل منقوص، فعله زرِيَ عليه يزري من باب ضرب زريا وزراية، ومعناه: عتب عليه يعتب. مستديمها: مستبق مودتها، طالب دوام حبها. =(1/123)
وإن خفضها حرف: فإن كان "من" أو "عن" وجبت النون1، إلا في الضرورة كقوله2: [الرمل]
35- أيها السائل عنهم وعَنِي
لست من قيسٍ ولا قيسٌ مِنِي3
__________
= المعنى: يعتب الشاعر على ليلى؛ لِهجرها وصدودها عنه، وعلى الرغم من ذلك، فهو مستبقٍ مودتها، طالب دوام حبها؛ لأن في ذلك سعادته، فلعها ترضيه وتبادله الحب والمودة.
الإعراب إني: حرف مشبه بالفعل، واسمه. "على ليلى": متعلق بـ "زارٍ" الآتي. "لزار": اللام للابتداء. زار: خبر "إن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها الثقل. وإنني: الواو عاطفة. إنني: حرف مشبه، والنون: للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب اسمها. "على ذاك": متعلق بـ "مستديم" الآتي، والكاف: للخطاب "فيما" متعلق بـ "مستديمها". "بيننا": متعلق بمحذوف صلة الموصول، و"نا" مضاف إليه. مستديمها: خبر "إن" و"ها" مضاف إليه.
موطن الشاهد: "إني، إنني".
وجه الاستشهاد: حذف نون الوقاية مع "إن" الأولى عند اتصالها بياء المتكلم، وإثباتها مع "إن" الثانية، وحذفها جائزان باتفاق في سعة الكلام، فلا شذوذ ولا علة في الإثبات أو الحذف، وكذا في "أن" و"لكن" و"كأن"، كما ذكر المؤلف.
انظر حاشية الصبان: 1/ 124.
1 قيل: إن سبب ذلك المحافظة على بقاء السكون في الحرف؛ لأنه الأصل في البناء.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: نسب ابن الناظم البيت إلى بعض النحاة، ذهابا منه أنه مصنوع، وقال ابن هشام في شأنه: "وفي النفس من هذا البيت شيء؛ لأنا لا نعرف له قائلا ولا نظيرا".
والبيت من شواهد التصريح: 1/ 112، وابن عقيل "20/ 1/ 114"، والأشموني "61/ 1/ 56" وهمع الهوامع: 1/ 64، والدرر اللوامع: 1/ 43، والجنى الداني: 151.
المفردات الغريبة: قيس: هو ابن عيلان واسم عيلان: الناس بن مضر بن نزال بن معد، أخو إلياس بن مضر. وقد يراد بقيس القبيلة فيمنع من الصرف للعلمية والتأنيث.
المعنى: يتنصل الشاعر من قبيلة قيس، ويخاطب السائل عن هؤلاء القوم، وعنه أن لا صلة تربطه بهم ولا علاقة؛ وذلك لِعدم انسجامه معهم.(1/124)
وإن كان غيرهما امتنعت، نحو "لي" و"بي" و"في" و"خلاي" و"عداي" و"حاشاي"1 قال2: [الكامل]
36- في فتية جعلوا الصليب إلههم ... حاشاي إني مسلم معذور3
__________
= الإعراب: أيها: منادى بحرف نداء محذوف مبني على الضم في محل نصب على النداء، و"ها" للتنبيه. السائل: صفة لـ "أي" باعتبار اللفظ. "عنهم": متعلق بـ "السائل" و"عني": الواو عاطفة، وعني: معطوف على "عنهم" السابق. لست: فعل ماض ناقص واسمه. "من قيس" متعلق بخبر ليس". ولا: الواو عاطفة. لا: زائدة؛ لِتأكيد النفي. قيس: مبتدأ مرفوع. "مني": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وجملة "المبتدأ وخبره" معطوفة على جملة ليس واسمها وخبرها.
موطن الشاهد: "عني، مني".
وجه الاستشهاد: مجيء "عني ومني" بالتخفيف، حيث حذفت نون الوقاية منهما، عند إضافتهما إلى ياء المتكلم للضرورة النادرة عند سيبويه، والواجب في اختيار الكلام أن يقال: مني، عني بتشديد النون في الحرفين؛ لِتكون نون الوقاية حفظا للسكون فيما يبنونن إلى هذا، أشار ابن مالك بقوله:
و"ليتني" فشا، و"ليتي" ندرا ... ومع "لعل اعكس، وكن مخيرا
في الباقيات، واضطرارا خففا ... "مني، وعني" بعض من قد سلفا.
أي: بعض المتقدمين يحذف "نون الوقاية" من "منى وعني" تخفيفا للضرورة، كما أشرنا.
1 قيل: إن السبب في امتناع النون في "لي" و"بي" أنهما مبنيان على الكسر، وفي "في" سكونها أصلي، ولا يزول عند اتصالها بياء المتكلم، بل تدغم الياءان، وأما "خلا" و"عدا" و"حاشا" فإن الألف، لا تقبل الحركة، وقد سبق أنها إذا قدرت أفعالا لحقتها النون؛ لِيجري الفعل مجرى واحدا.
التصريح: 1/ 112.
2 القائل: هو المغيرة بن عبد الله الأسدي، الملقب بالأقيشر؛ لأنه كان أحمر الوجه أقشر يكنى أبا معرض، وُلِد في الجاهلية، ونشأ في أول الإسلام، وكان خليعا ماجنا فاسقا مدمنا على الخمر، قبيح المنظر، مات سنة 80هـ.
الشعر والشعراء: 2/ 559، الأغاني: 10/ 80، الخزانة: 2/ 279، الإصابة: 6/ 180.
3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 112، وهمع الهوامع: 1/ 232، والدرر اللوامع: 1/ 197 وشرح الشواهد العيني: 1/ 377.(1/125)
وإن خفضها مضاف: فإن كان "لدن" أو "قط" أو "قد" فالغالب الإثبات.
ويجوز الحذف فيه قليلا، ولا يختص بالضرورة، خلافا لسيبويه، وغلط ابن الناظم، فجعل الحذف في "قد، وقط" أعرف من الإثبات، ومثالهما: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} 1، قرئ مشددا ومخففا، وفي حديث النار2: "قَطْنِي قَطْنِي" و "قَطِي
__________
= المفردات الغريبة: معذور: مقطوع العذرة -وهي قلفة الذكر يقطعها الخاتن، ويقال له مختون من الختان.
المعنى: يتبرأ الشاعر من القوم الذين يعبدون الصلبان، ويتخذونها آلهة لهم، وينزه نفسه عن ذلك، وإنما هو مسلم مختون كالمسلمين؛ ذلك لأن النصارى لا يختنون.
الإعراب: "في فتية": متعلق بما قبله. جعلوا: فعل ماضٍ وفاعل. الصليب: مفعول أول و"الجملة" في محل جر صفة لـ "فتية" إلههم: مفعول ثان لـ "جعل"، و"هم" مضاف إليه. حاشاي: حرف استثناء وجر، والياء: في محل جر به. إني: حرف مشبه بالفعل والياء: اسمه "مسلم" خبر "إن" مرفوع: معذور: صفة لـ: صلة لـ "مسلم"، أو خبر ثان لـ "إن".
موطن الشاهد: "حاشاي".
وجه الاستشهاد: حذف نون الوقاية عند اتصال حاشا بـ "ياء المتكلم" لأن "حاشا" حرف آخره ألف، لا تقبل الحركة، وبالتالي، فلا يخشى كسر آخره؛ لِاتصاله بالياء، ومثل هذا الكلام يجوز في "خلا، وعدا" إذا كان حرفين، وأما إذا كان فعلين، فتقترن بهما نون الوقاية، كما تقترن ببقية الأفعال، حيث لا فرق بين فعل وآخر.
1 "18" سورة الكهف، الآية: 76.
أوجه القراءات:
قرأ نافع وأبو بكر: "من لدنِي عُذرا" بإشمام الدال، وتخفيف النون، وقرأ الباقون {مِنْ لَدُنِّي} بضم الدال وتشديد النون.
توجيه القراءات: الأصل "لدنْ" بإسكان النون، فإذا أضفت إلى نفسك، زدت نونا؛ لِيسلم سكون النون الأولى، فتقول: "لدنْ زيد"، فلما تضيف إلى نفسك تقول: "لدنِّي" فتدغم النون في النون كما تقول في "عني" ومن خفف النون كره اجتماع النونين، فحذف واحدة، وهي الثانية؛ لأنها زائدة، كما حذفت في قوله تعالى: {تَأْمُرُوْنِّيْ} .
حجة القراءات 1/ 424-425، وإتحاف فضلاء البشر: 293، والبحر المحيط: 6/ 151، والتيسير، للداني: 145، والحجة: 228، والنشر: 2/ 313.
2 هذه قطعة من حديث شريف، عن أبي هريرة وعن أنس رضي الله عنهما أخرجهما البخاري: 6/ 115 وروايته: "...... يلقى في النار، وتقول: هل من مزيد، حتى يضع قدمه فتقول: قط قط".(1/126)
قطي" وقال1: [مشطور الرجز]
37- قدني من نصر الخبيبين قدي2.
__________
= وأخرج حديث أنس البخاري: 8/ 114، 9/ 94، وأخرج مسلم حديث أبي هريرة: 4/ ح 2846 وحديث أنس: 4/ ح 2848، وبين الألفاظ اختلاف، وهذا لفظ أنس في إحدى رواياته: "ولا تزال جهنم يلقي فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط بعزتك وكرمك".
وفي فتح الباري: 8/ 595: "ووقع في بعض النسخ عن أبي ذر. قطي قطي بالإشباع وقطني بزيادة نون مشبعة" والمراد بوضع قدمه فيها: التجلي عليها بقهره وكبريائه.
1 القائل: هو حميد بن مالك بن ربعي، من تميم، وقيل: من ربيعة، سمي بالأرقط لآثار كانت بوجهه "الرقط: النقط السود، والأرقط: النمر" وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية عاصر الحجاج.
خزانة الأدب: 5/ 395، وسمط اللآلي: 649، ومعجم الأدباء: 11/ 14.
2 تخريج الشاهد: وبعد الشاهد قوله:
ليس الإمام بالشحيح الملحد
والبيت من أرجوزة يقولها حميد في شأن عبد الله بن الزبير المتغلب على الدولة المروانية والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 112، وابن عقيل "21/ 1/ 115"، والأشموني "62/ 1/ 57 وهمع الهوامع: 1/ 64، والدر اللوامع: 1/ 42، والكتاب لسيبويه: 1/ 387، وسمط اللآلي: 649، والإنصاف: 1/ 131، واللسان "لحد".
المفردات الغريبة: قدني: اسم بمعنى حسبي، أو اسم فعل بمعنى يكفيني الخبيبين: المراد بهما: عبد الله بن الزبير، الذي يكنى أبا خبيب باسم ابنه خبيب، وأخوه مصعب بن الزبير على سبيل التغليب. الشحيح: البخيل. الملحد: الذي يستحل حرمات الله.
المعنى: يخاطب الشاعر عبد الملك بن مروان، ويعرض بعبد الله بن الزبير وأخيه مصعب قائلا: دعني من نصر ابن الزبير وأخيه اللذين بلغا من البخل الغاية، فإمامنا عبد الملك كريم معطاء ليس بشحيح ولا ملحد.
الإعراب: قدني: "قد" اسم بمعنى "حسب" مبتدأ مبني على السكون، في محل رفع، والنون: للوقاية وقد: مضاف وياء المتكلم: مضاف إليه. "من نصر": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. الخبيبين: مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى مفعوله. قدي: توكيد لـ "قدي" الأول. ليس: فعل ماض ناقص. الإمام: اسم ليس مرفع.(1/127)
وإن كان غيرهن امتنعت، نحو: "أبى" و"أخي".
__________
= "بالشحيح": الباء حرف جر زائد، الشحيح: اسم مجرور لفظا، منصوب محلا، على أنه خبر "ليس". "الملحد": صفة لـ "الشحيح" باعتبار اللفظ.
موطن الشاهد: "قدني، قدي".
وجه الاستشهاد: إثبات "نون التوكيد" في الأولى، وحذفها في الثانية على قلة، والوجهان جائزان عن ابن مالك قياسا، ويرى سيبويه لزوم النون مع "قد" و"قط"؛ لأنهما اسمان بمعنى "حسب" وسقوطها ضرورة، ويرى الكوفيون: أنهما إذا كانتا بمعنى "حسب" لم تقترن بهما النون، وإن اعتبرنا اسم فعل، وجبت النون، وفي حكم "لدن، وقد، وقط" بالنسبة للاقتران وعدمه، يقول ابن مالك:
"وفي "لدُنِّي "قلَّ" وفي ... "قدني وقطني" الحذف أيضا قد يفي"
والمعني: قل حذف النون من "لدنِّي"، فيقال: لدني: بالتخفيف، وكذلك يقل الحذف في "قد" و"قط" والكثير إثبات النون، فيقال: قدني، وقطني. راجع التصريح: 1/ 112-113، وابن عقيل: 1/ 94.
فائدة: إذا اجتمعت نون الوقاية مع نون الرفع -وذلك في الأفعال الخمسة، نحو: أنتم تعرفونني، أنتما تساعدانني، أنت تشاركينني- جاز بقاء التنوين على حالهما، وجاز إدغامهما، تقول: تعرفني تساعدني، وتحذف واو الجماعة وياء المخاطبة؛ لِالتقاء الساكنين، ويجوز حذف إحدى النونين تخفيفا، تقول: تعرفوني تساعداني تشاركيني والمختار أن المحذوف هو نون الوقاية إذا كان المضارع مرفوعا، فيقال في إعرابه: مرفوع بثبوت النون، ونون الأفعال الخمسة، إذا كان منصوبا أو مجزوما، فيقال في إعرابه: منصوب أو مجزوم، بحذف النون، والنون الموجودة للوقاية. الأشموني: 1/ 57.
تنبيه: هذا، ولم يتكلم المصنف ولا الشارح عن الاسم المعرب، إذا أضيف إلى ياء المتكلم. واعلم أن الأصل في الاسم المعرب ألا تتصل به نون الوقاية، نحو ضاربي ومكرمي، وقد ألحقت نون الوقاية باسم الفاعل المضاف إلى ياء المتكلم في قوله صلى الله عليه وسلم: "فهل أنتم صادقوني؟ " وفي قول الشاعر:
وليس الموافيني ليرفد خائبا ... فإن له أضعاف ما كان أملا
ومنه قول الآخر:
ألا فتى من بني ذبيان يحملني ... وليس حاملني إلا ابن حمال
كما لحقت أفعل التفضيل في قوله صلى الله عليه وسلم: "غير الدجال أخوفني عليكم" لمشابهة أفعل التفضيل لفعل التعجب.
ابن عقيل: 1/ 117، والأشموني: 1/ 57.(1/128)
[باب العَلَم] :
هذا باب العَلَم1:
[العَلَم نوعان: جنسي وشخصي] .
وهو نوعان: جنسي وسيأتي، وشخصي، وهو: اسم يعين مسماه تعيينا مطلقا2، فخرج بذكر التعيين النكرات3، وبذكر الإطلاق ما عدا العلم من المعارف، تعيينها لمسمياتها تعيين مقيد، ألا ترى أن ذا الألف واللام مثلا إنما تعين مسماه ما دامت فيه" "أل" فإذا فارقته فارقه التعيين، ونحو: "هذا" إنما يعين مسماه ما دام حاضرًا، وكذا الباقي.
[اسم العلم ومسماه] :
ومسماه نوعان: أولو العلم من المذكرين كجعفر4، والمؤنثات
__________
1 لفظ: "العَلَم" في اللغة مشترك لفظي بين عدة معانٍ، منها الجبل، قال الله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلام} أي كالجبال، وقالت الخنساء ترثي أخاها صخرا:
وإن صخرا لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
ومنها الراية التي تجعل شعارا للدولة والجند، ومنها العلامة، ولعل المعنى الاصطلاحي مأخوذ من الأخير.
2 أي: غير مقيد بقرينة تكلم، أو إشارة حسية أو معنوية، أو زيادة لفظية كالصلة، أو غير ذلك من القرائن التى توضح مدلوله، وتحدد المراد منه، بل بمجرد الوضع والغلبة.
3 لأن النكرات تدل على شيء غير معين. كما أسلفنا في أول مبحث النكرة والمعرفة.
فائدة: الموصول يعين مسماه بالصلة، والضمير: يعين مسماه بالتكلم أو الخطاب، أو الغيبة، والمضاف: يعين مسماه بالمضاف إليه.
4 أصل الجعفر: النهر عامة أو الصغير فوق الجدول أو الملآن، ثم سُمِّي به رجل معين.(1/129)
كخرنِق1، وما يؤلف2: كالقبائل كقَرَن3، والبلاد كعَدَن، والخيل كلاحق4 والإبل كشذقم5، والبقر كعراء6، والغنم كهيلة7، والكلاب نحو واشق.
[اسم العلم مرتجل ومنقول] :
وينقسم إلى مرتجل8، وهو: ما استعمل من أول الأمر علما، كأدد9 لرجل، وسعاد لامرأة، ومنقول وهو الغالب، وهو: ما استعمل قبل العلمية لغيرها، ونقله إما من اسم إما لحدث كزيد وفضل، أو لعين كأسد وثور، وإما من وصف إما لفاعل كحارث وحسن، أو لمفعول كمنصور ومحمد، وإما من فعل إما ماضٍ كشمر10، أو مضارع كيشكر11، وإما من جملة إما فعلية كشاب قرناها12، أو اسمية كزيد منطلق، وليس بمسموع" ولكنهم قاسوه، وعن سيبويه.
__________
1 ولد الأرنب للذكر والأنثى، أو الفتي من الأرانب، ثم سميت به امرأة شاعرة هي أخت طرفه لأمه.
2 أي النوع الثاني من قسمي العلم: الأشياء الألفية من غير أولى العلم التي يكون للواحد منها علم خاص به.
3 اسم قبيلة من مراد؛ ينسب إليها: أويس القَرَني رضي الله عنه.
4 علم فرس؛ كان لمعاوية بن أبي سفيان.
5 اسم فحل من الإبل؛ كان للنعمان بن المنذر.
6 عرار كقطام؛ اسم بقرة كانت في وسط من بني إسرائيل.
7 علم لعنز؛ كانت لإحدى نساء العرب، ومن هذا النوع كل ما يتصل بحياة الناس وأعمالهم، وله اسم خاص به كأسماء المصانع والطائرات والكتب ... إلخ.
8 من الارتجال: وهو الابتكار والبدء بالشيء من غير سابقة، وهذا التقسيم للعلم من حيث وضعه وأصالته في العملية، أو عدم أصالته.
9 هو أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير، أبو قبيلة باليمن.
10 علم لفرس، أو لرجل.
11 وقد يكون العلم منقولا عن فعل الأمر، فقد سمى العرب صحراء معينة "اصمت" وفيها يقول الراعي النميري:
أشلى سلوقية باتت وبات لها ... بوحش "اصمِتَ" في أصلابها أوَدُ
12 علم على امرأة، ومثله: "فتح الله" عَلَم على رجل.(1/130)
"الأعلام كلها منقولة، وعن الزجاج1: "كلها مرتجلة"2.
[اسم العلم مفرد ومركب] :
وينقسم أيضا إلى مفرد، كزيد وهند، وإلى مركب، وهو ثلاثة أنواع:
1- مركب إسنادي3، كـ "برق نحره" و"شاب قرناها" وهذا حكمه الحكاية، قال4: [مشطور الرجز]
38- نبئت أخوالي بني يزيد5
__________
1 الزجاج: أبو إسحاق، إبراهيم بن السري بن سهل، واشتهر بالزجاج؛ لِعمله في خراطة الزجاج. صاحب علم ودين، لزم المبرد، وأخذ عنه وعن ثعلب، له تصانيف كثيرة منها: مختصر في النحو، وشرح أبيات سيبويه، والنوادر، والاشتقاق، وكتاب ما ينصرف وما لا ينصرف ... وغيرها. مات ببغداد سنة 311هـ، له ثمانون سنة.
البلغة: 5، أخبار النحويين البصريين: 108، بغية الوعاة: 1/ 411، معجم المؤلفين: 1/ 33، الأعلام: 1/ 33.
2 لأن المرتجل عنده هو: ما لم يتحقق عند وضعه قصد نقله من معنى سابق، وهذا القصد غير متحقق، وموافقة بعض الأعلام وصفا أو غيره مجرد اتفاق غير مقصود.
3 هو كل تركيب، أسندت وانضمت فيه كلمة إلى أخرى، على وجه يفيد حصول شيء أو عدم حصوله، ولا يكون ذلك إلا بجملة فعلية، أو اسمية.
التصريح: 1/ 116.
القائل: هو رؤبة بن العجاج وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: وبعد الشاهد قوله:
ظلما علينا لهُمُ فديدُ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 117، والأشموني "73/ 1/ 60"، ومجالس ثعلب: 212 وشرح المفصل: 1/ 28، والعيني: 1/ 388و 4/ 370، وخزانة الأدب: 1/ 130 واللسان "فدد"، ومغني اللبيب "1061/ 817"، وملحقات ديوان رؤبة.
المفردات الغريبة: نبئت: أخبرت وأعلمت. فديد: صياح وجلبة.
المعنى: يقول الشاعر: أخبرت أن أخوالي بني يزيد، يرفعون أصواتهم في جلبة وصياح؛ لظلمنا، والنيل منا بغير حق.
الإعراب: نبئت فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعل، والتاء: هي المفعول =(1/131)
ومركب مزجي، وهو: كل كلمتين نزلت ثانيتهما منزلة تاء التأنيث مما قبلها، فحكم الأول أن يفتح آخره، كـ "بعلبك" و"حضرموت" إلا إن كان ياء فيسكن، كـ "معد يكرب" و"قالي قلا"1 وحكم الثاني أن يعرب بالضمة والفتحة، إلا إن كان كلمة "ويه" فيبنى على الكسر، كـ "سيبويه" و"عمرويه".
__________
= الأول أصلا تحولت إلى نائب فاعل لبناء الفعل للمجهول. أخوالي: مفعول ثانٍ منصوب، والياء: مضاف إليه. بني: بدل من أخوالي، أو عطف بيان عليه، يزيد مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة المقدرة على آخره، منع من ظهورها حركة الحكاية. ظلما: مفعول لأجله، والعامل فيه محذوف، والتقدير: "يصيحون لأجل الظلم". "علينا" متعلق بذلك المحذوف. "لهم" متعلق بخبر محذوف مقدم. فديد: مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول به ثالثا.
موطن الشاهد: "يزيد".
وجه الاستشهاد: مجيء "يزيد" مسمى به، مرفوعا على الحكاية؛ لأن القوافي كلها مرفوعة، وهو منقول من جملة، وفيه ضمير هو الفاعل، وإنما قدر من نقله من الفعل والفاعل، لا من الفعل وحده؛ لأننا لو قدرناه من الفعل وحده، لأعرب إعراب ما لا ينصرف للعلمية، ووزن الفعل، ولجُرَّ بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه مضاف إليه، ومن عادة العرب إذا نقلوا من الفعل وفاعله، أن يبقوا الفعل على لفظه الذي كان عليه قبل النقل، فإن كان ماضيا، ظل مبنيا على الفتح، وإن كان مضارعا ظل مرفوعا كما في الشاهد. انظر شرح التصريح: 1/ 117 وما بعدها.
فائدة: تسمي العرب الأشخاص بالجمل الفعلية كثيرا، كتسميتهم "تأبط شرا" و"برق نحره" و"شاب قرناها" و"يتلمظان"، و"جد ثدياها"، و"بني يشتهي" وسوى ذلك.
قال الشاعر:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بني شاب قرناها تصر وتحلب
وقال آخر:
إذا ما قيل: أي الناس شر؟ ... فشرهم بنو يتلمظانِ
ومن ذلك أيضا:
أعير بني يَدِبُّ إذا تعشى ... وعير بني يهرُّ على العشاء
ولم تسم العرب بالجملة الاسمية، غير أن النحاة قاسوا الاسمية على الفعلية؛ لِاشتراكهما جميعا في الجملة، فأطلقوا القول إطلاقا بأن العلم إذا كان منقولا عن جملة حكى على ما كان قبل النقل. انظر حاشية الصبان: 1/ 131.
1 اسم بلد بالشام.(1/132)
3- ومركب إضافي1، وهو الغالب، وهو: كل اسمين نزل ثانيهما منزلة التنوين مما قبله، كـ "عبد الله" و"أبي قحافة" وحكمه أن يجري الأول بحسب العوامل الثلاثة رفعا ونصبا وجرا، ويجر الثاني بالإضافة.
[انقسام اسم العلم إلى اسم وكنية ولقب] :
وينقسم أيضا إلى اسم، وكنية، ولقب2:
فالكنية: كل مركب إضافي في صدره أب أو أم، كأبي بكر، وأم كلثوم.
واللقب: كل ما أشعر برفعة المسمى أو ضعته، كزين العابدين وأنف الناقة3.
والاسم ما عداهما، وهو الغالب، كزيد وعمرو.
[تأخر اللقب عن الاسم] :
ويؤخر اللقب عن الاسم، كـ "زيد زين العابدين" وربما يقدم كقوله4: [الوافر]
__________
1 سمّي بذلك؛ لأن الأكثر فيه أن يكون بالكنى وهي مضافة.
2 ظاهر كلام المؤلف أن هذه الأقسام، بهذه المعاني التي ذكرها متباينة، والحقيقة غير ذلك؛ فمثلا: محمد ومحمود ومرتضى ... تدل على المدح مع أنها أسماء، وأبو الخير، وأم بركة ... تدل على المدح مع أنها كنى حسب تعريفه، والأحسن من هذا، أن نقول: ما سمَّى الوالدان ولدهما به أول الأمر، فهو اسم، سواء أكان دالا على مدح، أو ذم أو كان مصدرا بأب أو بأم أو لا، فقد يسمِّي الوالدان ولدهما ساعة يولد بأبي اليسر، فهو اسم وإن صدر بأب، ومثله زين العابدين، فهو اسم، وإن أشعر بمدح، ثم ما يطلق بعد ذلك على صاحب الاسم، إن صدر بأب، أو أم، فهو كنية، وإلا فهو لقب، ولا بد في هذه الحال من أن يشعر بمدح أو بذم.
أوضح المسالك: 1/ 26، حا: 1.
3 هو لقب جعفر بن قريع: وهو أبو بطن من سعد بن زيد بن مناة.
4 القائل هو: أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم، أخو الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنهما، شاعر خزرجي أنصاري، له صحبة، شهد بدرا، والمشاهد كلها، وقد كان منه أول ظهار في الإسلام.(1/133)
39- أنا ابن مُزَيْقِيَا عمرٍو، وجدِّي1
[لا ترتيب بين الكنية وغيرها] :
ولا ترتيب بين الكنية وغيرها، قال2: [مشطور الرجز] .
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
أبوهُ منذرٌ ماءُ السماءِ
وهو من شواهد التصريح 1/ 121، والأشموني "66/ 1/ 58"، والعيني: 1/ 391 خزانة الأدب 1/ 229 عرضًا.
المفردات الغريبة: مزيقيا: لقب عمرو بن مالك، أحد ملوك اليمن، ومن أجداد أوس، وجد الأنصار قيل لقب بذلك؛ لأنه كان يلبس كل يوم حلتين، فإذا أمسى مزقهما كراهية أن يلبسهما ثانية وأن يلبسهما غيره. منذر ماء السماء: هو منذر بن امرئ القيس بن النعمان مالك الحيرة، أحد أجداد أوس لأمه، ولقب بماء السماء؛ لحسنه، أو هو لقب لأمه فاشتهر به.
شرح التصريح: 1/ 121، وحاشية الصبان: 1/ 128.
المعنى: يفخر الشاعر بأنه كريم الطرفين، نسيب الجهتين، لأبيه، وأمه.
فائدة: ذكر أهل النقل أن أم المنذر، كان يقال لها: ماء السماء؛ لِحسنها، واشتهر المنذر بأمه، فقيل له: المنذر ابن ماء السماء، واسم أمه: مارية بنت عوف بن جشم. شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 1/ 128.
الإعراب: أنا: مبتدأ. ابن: خبر. مزيقيا: مضاف إليه. عمرو: بدل منه، أو عطف بيان. وجدي: الواو: عاطفة، جدي: مبتدأ أول ومضاف إليه. أبوه: مبتدأ ثان أو مضاف إليه منذر: خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني والخبر" في محل رفع خبر المبتدأ الأول "جدي" ماء: بدل أو عطف بيان على منذر" السماء: مضاف إليه، ويمكن أن نعرب: "أبوه" بدلا من المبتدأ الذي هو قوله "جدي"، الضمير مضاف إليه، ولا يعود الضمير على الجد وإنما على مزيقيا، وهذا أفضل من الأول، ويكون المعنى: إن أبي، هو عمرو الملقب بمزيقيا، وإن جدي -أبا عمرو هذا- هو عامر بن ماء السماء.
موطن الشاهد: "مزيقيا عمرو".
وجه الاستشهاد: تقدم اللقب "مزيقيا" على الاسم، وحكم تقدم اللقب" على الاسم جائز، غير أنه خلاف القياس المطرد.
2 هو عبد الله بن كيبسة: نسبة إلى أمه وقيل اسمه عمرو، وهو أحد المخضرمين الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يروه، له قصة مع أبي موسى الأشعري، في فتح تستر. خزانة الأدب: 5/ 156-157.(1/134)
40- أقسم بالله أبو حفص عمر1
وقال حسان2: [الطويل]
__________
1 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور وبعده قوله:
ما مسها من نقب ولا دبر ... فاغفر له اللهم إن كان فجر
وهو لهذا الأعرابي الذي وفد على سيدنا عمر بن الخطاب ومعه ناقة عجفاء دبراء نقباء، وطلب منه أن يحمله على ناقة تبلغه أهله، فرده وقال له: ما أرى بناقتك من نقب ولا دبر.
فمضى إلى ناقته، وهو يقول هذه الأبيات، فناداه سيدنا عمر، وأعطاه ما طلب.
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 121، وابن عقيل "292/ 3/ 219"، والأشموني "68/ 1/ 59" وشرح المفصل: 3/ 71، وخزانة الأدب: 2/ 151، 162، 283، وشرح العيني: 1/ 392و 4/ 115 ومعاهد التنصيص: 1/ 94، وشذور الذهب "229/ 564، 435"، والمخصص لابن سيده: 1/ 113.
المفردات الغريبة: أبو حفص: كنية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، والحفص: الأسد، وكني بذلك؛ لشجاعته وجرأته، وقيل: بحفصة أم المؤمنين وزوج الرسول صلى الله عليه وسلم. نقب -بفتح النون والقاف: هو رقة أخفاف البعير. دبر -بفتح الدال والباء: هو الجرح الذي يكون في ظهر البعير.
المعنى: يبين هذا الأعرابي أن سيدنا عمر، حلف بالله، أن ناقته لم يصبها حقي، ولا حدثت بها قروح في ظهرها، ثم يطلب إلى الله له المغفرة والعفو، إن كان قد حنث في يمينه؛ لأنه على ثقة، من أن ناقته دبراء نقباء.
الإعراب: أقسم: فعل ماضٍ. "بالله" متعلق بـ "أقسم". أبو: فاعل أقسم مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة. حفص: مضاف إليه. عمر: بدل، أو عطف بيان من "أبي حفص" مرفوع، وسكن؛ لِضرورة الوقف.
موطن الشاهد: "أبو حفص عمر".
وجه الاستشهاد: تقدم الكنية "أبو حفص" على "عمر" وحكم تقدم الكنية على الاسم، جائز باتفاق، كما يجوز تقدم الاسم عليها، وتقدم الكنية على اللقب أولى، فتقول: هذا أبو حفص الفاروق، هذا الفاروق أبو حفص باتفاق.
2 هو حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري، أبو الوليد، شاعر فحل جاهلي إسلامي، عاش في الجاهلية 60 عاما وفي الإسلام مثلها، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وشاعره، سقط شعره في الإسلام بعد أن كان فحلا من فحول الجاهلية؛ وذلك لأن الشعر نكد بابه الشر. مات في خلافة معاوية بعد أن عمى في آخر حياته. وذلك سنة 54هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 305-308، الخزانة: 1/ 108، الأغاني: 4/ 2، اللآلي: 171، الجمحي: 1/ 52.(1/135)
41- وما اهتز عرش الله من أجل هالكٍ ... سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو1
[تأخر اللقب عن الكنية] :
وفي نسخة من الخلاصة2 ما يقتضي أن اللقب يجب تأخيره عن الكنية، كـ "أبى عبد الله أنف الناقة" وليس كذلك.
__________
1 تخريج الشاهد: قال صاحب الاستيعاب؛ أبو عمر يوسف بن عبد البر، في ترجمة الصحابي سعد بن معاذ: هذا بيت لرجل من الأنصار، غير معين "ويظهر لي أن الكلام في نسبة البيت كان: قال الأنصاري، فزاد المتأخرون اسم حسان لاشتهاره بهذه النسبة" أوضح المسالك: 1/ 129.
والبيت في رثاء سعد بن معاذ الأنصاري سيد الأوس رضي الله عنه.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 121، والأشموني "69/ 1/ 59"، والعيني: 1/ 393 وليس في ديوان حسان بن ثابت الأنصاري.
المفردات الغريبة: اهتز: تحرك، عرش الله: هذه الكلمة مأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ" وهو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس سيد الخزرج، وكان قد أصيب يوم الخندق بسهم في أكحله، فكان سببا في وفاته، رحمه الله.
المعنى: لقد بلغ سعد من السمو والدرجة الرفيعة، أن عرش الرحمن اهتز لموته؛ وهذا لم نسمعه لهالكٍ غيره.
الإعراب: ما: نافية. اهتز: فعل ماضٍ. عرش: فاعل الله: مضاف إليه. "من أجل": متعلق بـ "اهتز" هالك: مضاف إليه. سمعنا: فعل وفاعل. "به" متعلق بـ "سمع": و"الجملة" في محل جر صفة، لهالك إلا: أداة حصر. "لسعد": متعلق بـ "اهتز" أبي: بدل أو أو عطف بيان لـ "سعد" عمرو: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "لسعد أبي عمرو".
وجه الاستشهاد: تقدم الاسم "سعد" على الكنية "أبي عمرو"، وحكم هذا التقدم جائز باتفاق، كما أسلفنا.
2 فقد روت هذه النسخة بيت ابن مالك، كما قدمناه "وأخِّرَنْ ذا إن سواه صحبا" والمراد بـ "ذا" اللقب، والضمير في سواه، يعود إلى اللقب أيضا، ويراد بما سواه: الاسم والكنية، وهذا ما يعترض عليه المصنف. أما النسخة الأخرى، ففيها "وأخران ذا إن سواها صحبا"، وهذا يتماشى مع رأي المصنف، وهو المشهور الذي عليه الجمهور. التصريح: 1/ 121-122.(1/136)
ثم إن كان اللقب وما قبله مضافين، كـ "عبد الله زين العابدين" أو كان الأول مفردا والثاني مضافا، كـ "زيد زين العابدين" أو كانا بالعكس، كـ "عبد الله كرز". أتبعت الثاني للأول: إما بَدَلا، أو عطف بيان، أو قطعته عن التبعية: إما برفعه خبرا لمبتدأ محذوف، أو بنصبه مفعولا لفعل محذوف، وإن كانا مفردين، كـ "سعيد كرز" جاز ذلك ووجه آخر، وهو إضافة الأول إلى الثاني1، وجمهور البصريين يوجب هذا الوجه، ويرده النظر، وقولهم: "هذا بَحْيَى عينان"2.
[العَلَم الجنسي اسم يعين مسماه بغير قيد] :
والعلم الجنسي اسم يعين مسماه بغير قيد تعيين ذي الأداة الجنسية أو الحضورية، تقول: "أسامة أجرأ من ثعالة"، فيكون بمنزلة قولك: "الأسد أجرأ من
__________
1 تجويز الإضافة مع انتفاء المانع، هو قول الكوفيين والزجاج، وهو الصحيح بشرط ألا يوجد ما يمنعها، كأن يكون الاسم مقرونا بأل، نحو: "الحارث قفة" و"الفضل كنزة" أو أن يكون اللقب مقرونا بأل، نحو: "هارون الرشيد" و"محمد الأمين" والثاني: أن الإتْباع أقيس، والإضافة أكثر في الاستعمال. التصريح: 1/ 22-123.
2 قيل: هذا الرجل اسمه يحيى ولقبه عينان؛ لِضخامة عينيه، وعلى هذا، فـ "يحيى": خبر المبتدأ: هذا؟ و"عينان": بدل، ولو أضيف، لقيل: "عينيه"، والبصريون يجيبون عن هذا: بأنه أي عينان على لغة من يُلزمون المثنى الألف.
وقد رد المصنف هذا الوجه مع إجازته، وقد اختاره الناظم، حيث قال مبينا الإعراب في المركب الإضافي:
وإن يكونا مفردين فأضف ... حتما، وإلا أتبع الذي ردف
ومعنى هذا، أن اللقب وما قبله، إذا كانا مفردين، وجب إعرابهما إعراب المتضايفين، فيكون الأول منهما معربا بحسب العوامل، والثاني مضافا إليه، وأما إن كانا غير مفردين، أي: إن جاءا مركبين تركيب إضافة، أو كان الأول مركبا، والثاني مفردا، أو العكس، فيعرب الأول بحسب حاجة العامل، ويعرب الثاني الذي ردفه جاء بعده تابعا له في حركة إعرابه، فيكون بدلا، أو عطف بيان.... كما في المتن. انظر شرح التصريح: 1/ 123، وحاشية الصبان: 1/ 130.(1/137)
الثعلب" و"أل" في هذين للجنس، وتقول: "هذا أسامة مقبلا"، فيكون بمنزلة قولك: "هذا الأسد مقبلا" و"أل" في هذا لتعريف الحضور، وهذا العلم يشبه علم الشخص من جهة الأحكام اللفظية، فإنه يمتنع من "أل" ومن الإضافة، ومن الصرف إن كان ذا سبب آخر، كالتأنيث في: "أسامة" و"ثعالة"، وكوزن الفعل في: "بنات أوبر" و"ابن آوى" ويبتدأ به، ويأتي الحال منه، كما تقدم في المثالين1، ويشبه النكرة من جهة المعنى؛ لأنه شائع في أمته لا يختص به واحد دون آخر.
[مسمى علم الجنس ثلاثة أنواع] :
ومسمى علم الجنس ثلاثة أنواع:
أحدها: وهو الغالب: أعيان لا تؤلف، كالسباع والحشرات كأسامة، وثعالة، وأبي جعدة للذئب، وأم عريط للعقرب.
والثاني: أعيان تؤلف، كهيان بن بيان للمجهول العين والنسب، وأبي المضاء للفرس، وأبي الدغفاء للأحمق.
والثالث: أعيان تؤلف، كهيان بن بيان للمجهول العين والنسب، وأبي المضاء للفرس، وأبي الدغفاء للأحمق.
والثالث: أمور معنوية، كسبحان للتسبيح، وكيسان للغدر2، ويسار للميسرة3، وفجار للفجرة، وبرة للمبرة4.
__________
1 المثالان المتقدمان، أحدهما: "أسامة أجرأ من ثعالة" وقد وقع فيه علم الجنس مبتدأ والثاني: "هذا أسامة مقبلا" وقد جاء فيه الحال من علم الجنس.
2 ومن ذلك قول ضمرة بن ضمرة:
إذا ما دعوا كيسان كانت كهولُهم ... إلى الغدر أسعى من شبابهم المُرْدِ
3 ومن ذلك قول الشاعر:
فقلت امكثي حتى يسار لعلنا ... نحج معا، قالت: وعاما وقابله
4 قد ورد برة وفجار معا في قول النابغة الذبياني:
إنا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملت بُرةَ واحتملت فَجَارِ
انظر حاشية الصبان: 1/ 137.(1/138)
[باب اسم الإشارة] :
هذا باب أسماء الإشارة:
[ألفاظ الإشارة] :
والمشار إليه إما واحد، أو اثنان، أو جماعة، وكل واحد منها إما مذكر وإما مؤنث، فللمفرد المذكر "ذا"1، وللمفرد المؤنث عشرة، وهي: ذي، وتي، وذه، وته، وذه، وته، وذه، وته وذات، وتا، وللمثنى ذان، وتان رفعا، وذين وتين جرا ونصبا، ونحو: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَان} 2، مؤول3، ولجمعهما: "أولاء" ممدودا
__________
1 ويضاف: إلى "ذا" "ذاء" بهمزة مكسورة بعد الألف "وذانه" بهاء مكسورة بعد الهمزة المكسورة و"ذاؤه" بهاء مضمومة بعد همزة مضمومة، قال الراجز:
هذاؤه الدفتر خير دفتر ... في كف قرم ماجد مصور
يروي بكسر الهاء وضمها، وفي كتاب أبي الحسن الهيثم، إنما حركت الهاء فيهما للضرورة، والأصل فيهما ذاء وألفه أصلية عند البصريين لا زائدة، خلافا للكوفيين، وهو ثلاثي الأصل، حذفت لامه على الأصح، لا عينه، وعينه مفتوحة لا ساكنة على الأصح، و"آلك" بهمزة ممدودة بعدها لام ثم كاف.
شرح التصريح: 1/ 126، وحاشية الصبان: 1/ 138.
2 "20" سورة، طه، الآية: 63.
موطن الشاهد: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "هذان" على هيئة الرفع، والظاهر يقتضي أن تكون "هذين" غير أن للنحاة آراء في هذه المسألة، كما أوضحنا في التأويل التالي.
3 وتأويله إما على حذف اسم إن ضمير شأن على حد إن يك زيد مأخوذ واللام داخلة على مبتدأ محذوف، والأصل: إنه هذان لهما ساحران، أو على أن، "إن" بمعنى: نعم، وهي لا تعمل شيئا؛ لأنها حرف تصديق، فلا اسم لها ولا خيرا، أو على أنه جاء على لغة خثعم، فإنهم لا يقلبون ألف المثنى ياء في حالتي النصب والجر وعلى أن الألف الموجودة ألف المفرد، وألف التثنية، حذفت؛ لِاجتماع الألفين، وألف المفرد، لا تقلب ياء، أو على أنه جيء به على أول أحواله، وهو الرفع، كما في "اثنان" قبل التركيب، أو على أن "إن" نافية بمعنى ما واللام بمعنى إلا الإيجابية كما يقول به الكوفيون، أو على أنه مبني؛ لِدلالته على معنى الإشارة، واختاره ابن الحاجب.
شرح التصريح: 1/ 127.(1/139)
عند الحجازيين ومقصورا عند تميم1 ويقل مجيئه لغير العقلاء كقوله: [الكامل]
42- والعيش بعد أولئك الأيام2
__________
1 وقيس، وربيعة، وأسد، ذكر ذلك الفراء في لغات القرآن، ولم يخصه بتميم.
2 القائل هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.
تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى
وهو من قصيدة مطلعها:
سرت الهموم فبتن غير نيامِ ... وأخو الهموم يروم كل مرامِ
والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 128، وابن عقيل: "23/ 1/ 132" والأشموني: "77/ 1/ 63"، والمقتضب للمبرد: 1/ 185، وشرح المفصل: 3/ 126، 333، 4/ 36، وخزانة الأدب: 2/ 467، والعيني: 1/ 408، وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 167، وديوان جرير برواية الأقوام.
المفردات الغريبة: المنازل: جمع منزل أول منزلة وهي مكان النزول. اللوى مكان في بني سليم، كان معدا للحكومة، وكانت فيه موقعة، كان الظفر فيها لبني ثعلبة، على بني يربوع.
المعنى: يطلب الشاعر إلى مخاطبه، أن يذم جميع الأماكن بعد مفارقة هذا المكان، وأن يذم كذلك الحياة بعد تلك الأيام الماضية، التي قضاها في ذلك الموضع.
الإعراب: ذم: فعل أمر، ويجوز تحريكه بالحركات الثلاث، فإن حُرك بالفتح، فطلبا للتخفيف، وإن حرك بالضم، فلاتِّباع آخره لأوله، وإن حرك بالكسر، فعلى ما هو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين. والفاعل: أنت، المنازل: مفعول به. اللوى: مضاف إليه. والعيش: الواو عاطفة. العيش: اسم معطوف على المنازل منصوب مثله. "بعد" متعلق بـ "ذم"، أو بمحذوف حال من "المنازل" أولئك: مضاف إليه، مبني على الكسر، في محل جر؛ لأن اسم إشارة، والكاف للخطاب، الأيام: بدل أو عطف بيان، أو صفة لاسم الإشارة، والمشهور أن الاسم المعرف بعد الإشارة، يعرب بدلا من اسم الإشارة، وهو الأفضل.
موطن الشاهد: "أولئك الأيام".(1/140)
[الإشارة إلى البعيد] :
وإذا كان المشار إليه بعيدا لحقته كاف حرفية تتصرف تصرف الكاف الاسمية غالبا، ومن غير الغالب: {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُم} 1، ولك أن تزيد قبلها لاما2،
__________
= وجه الاستشهاد: أشير إلى الأيام بـ "أولئك" على هذه الرواية والأيام: جمع لغير العقلاء، فدل ذلك، على أنه، يجوز الإشارة بـ "أولئك" لغير العقلاء، وحكم ذلك قليل ونادر، غير أنه جاء في التنزيل: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} . وأما بالنسبة إلى الشاهد، ففيه رواية أخرى، ذكرها ابن هشام، وهي:
"والعيش بعد أولئك الأقوام" وحينئذ، فلا شاهد في البيت، وزعم ابن عطية أن هذه الرواية هي الصواب، وأن الطبري غلط إذ أنشده الأيام وأن الزجاج اتبعه في هذا الغلط".
ورواية "النقائض" لمحمد بن حبيب "الأقوام"، وهذا، ما يؤيد كلام ابن عطية.
انظر حاشية الصبان على الأشموني: 1/ 139، وشرح التصريح: 1/ 128.
1 58 سورة المجادلة، الآية: 12.
موطن الشاهد: {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ} .
وجه الاستشهاد: التحاق "الكاف" في "ذا" لكون المشار إليه بعيدا؛ لأن أسماء الإشارة، لا تضاف، وهذه الكاف، تتصرف تصرف الكاف الاسمية؛ لِيتبين بها أحوال المخاطب من الإفراد، والتثنية، والجمع، والتذكير، والتأنيث، كما يتبين بها، لو كانت اسما، فتفتح للمخاطب، وتكسر للمخاطبة انظر شرح التصريح: 1/ 128.
2 قالوا في المفرد المذكر: "ذلك" وشاهده، قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيه} وفي المفردة المؤنثة: تلك، وشاهده قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم} ، وقالوا: "تالك" بزيادة لام وكاف اسم الإشارة الموضوع لكل منهما، وشاهده قول القطامي:
تعلم أن بعد الغي رشدا ... وأن لتالك الغمر انقشاعا
وأصل لام البعد هذه أن تكون ساكنة، فلما قالوا: "ذلك" التقى ساكنان، الألف اسم الإشارة واللام، فكسروا اللام للتخلص من التقاء الساكنين، وكانت الحركة هي الكسرة؛ لأنها الأصل في التخلص من التقاء الساكنين ولما قالوا "تيلك" اجتمع الساكنان" فحذفوا الياء؛ للتخلص منهما، ولأن الكسرة التي قبلها تدل عليها شرح التصريح: 1/ 128.(1/141)
إلا في التثنية مطلقا، وفي الجمع في لغة من مده1، وفيما سبقته "ها" وبنو تميم لا يأتون باللام مطلقا2.
[الإشارة إلى المكان] :
ويشار إلى المكان القريب3 بهنا أو هاهنا، نحو: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} 4، وللبعيد بهناك أو ههناك أو هنالك أو هنا أو هنا أو هنت أو ثم، نحو: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِين} 5.
__________
1 وهم الحجازيون، وفي لغة بعض من قصره، وهم التميميّون.
2 لا في مفرد، ولا في مثنى، ولا في جمع، حكاه الفراء عنهم، وتقيد الجمع بلغة من مده احترازا من لغة من يقصره غير التميميين، كقيس وربيعة، وأسعد، وأسد، فإنهم يأتون باللام، قال شاعرهم:
أولالك قومي لم يكونوا أُشابة ... وهل يعظ الضليل إلا أولالكا
والأشابة بضم الهمزة: الأخلاط من الناس، يريد أن قومه من أب واحد.
شرح التصريح: 1/ 129، وانظر حاشية الصبان: 1/ 140-142.
3 هذا يعني أن هذه الألفاظ لا يشار بها إلا إلى المكان، في حين أن الألفاظ السابقة، يشار بها إلى المكان، وإلى غير المكان، تقول: هذا المكان طيب الهواء، وهذه الأمكنة فسيحة الأرجاء.
4 "5" سورة المائدة، الآية: 24.
موطن الشاهد: "ههنا".
وجه الاستشهاد: مجيء اسم الإشارة "هنا" دالا على المكان القريب، و"الهاء" للتنبيه.
5 "26" سورة الشعراء، الآية: 64.
موطن الشاهد: "ثم".
وجه الاستشهاد: مجيء "ثم" اسم إشارة دالا على البعيد.(1/142)
[باب الموصول] :
هذا باب الموصول:
الموصول ضربان:
وهو ضربان: حرفي، واسمي:
فالحرفي: كل حرف أُوِّل مع صلته بمصدر، وهو ستة: أن، وأن، وما، وكي، ولو، والذي1، نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} 2، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُم} 3، {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب} 4، {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} 5، {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ
__________
1 هذا رأي، ليونس بن حبيب، كما ذكره الفارسي في الشيرازيات والصحيح: أن "الذي" موصول اسمي؛ لِدخول "أل" عليه. شرح التصريح: 1/ 130.
2 "29" سورة العنكبوت، الآية: 51.
موطن الشاهد: {أَنَّا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" حرفا مصدريا، وهو مشبه بالفعل، و"نا" اسمه، وجملة "أنزلنا" خبره، و"هو وما دخل عليه": مؤول بمصدر في محل رفع فاعل لـ "يكفي"؛ لأن الحرف المصدري يؤول مع صلته بمصدر.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 184.
موطن الشاهد: {أَنْ تَصُومُوا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" حرفا مصدريا ناصبا للفعل المضارع، وأن وما دخل عليه، يؤول بمصدر مرفوع، والتقدير: وصيامكم خير لكم.
4 "38" سورة ص، الآية: 26.
موطن الشاهد: {بِمَا نَسُوْا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" حرفا مصدريا، وهو يؤول مع صلته بمصدر مجرور، والتقدير بنسيانكم يوم الحساب.
5 "33" سورة الأحزاب، الآية: 37.
موطن الشاهد: {لِكَيْلَا يَكُونَ} .(1/143)
لَوْ يُعَمَّر} 1، {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 2.
[الموصول الاسمى ضربان] :
والاسمى3 ضربان: نص، ومشترك4.
فالنص ثمانية: منها للمفرد المذكر "الذي" للعالم وغيره، نحوه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ
__________
1 "2" سورة البقرة، الآية: 96.
موطن الشاهد: {كَالَّذِي خَاضُوا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الذي" موصولا حرفيا على ما حكاه الفارسي عن يونس بن حبيب، وهو على هذا يؤوَّل مع ما بعده بمصدر مجرور بـ "الكاف، والتقدير: كالخوص، ودليل يونس ومن معه على هذا، هو كون "الذي" مفردا، وما بعده جمعا، فلو كان موصولا اسميا، لقيل، كالذي خاض، أو لقيل: كالذين خاضوا.
وأجيب عن ذلك، بأن "الذي" اسم موصول صفة لموصوف محذوف، والتقدير: خضتم خوضا كالخوص الذي خاضوا، وحذف العائد، الضمير المنصوب بـ "خاضوا"؛ لأن التقدير: خاضوه، أو أن "الذي" اسم موصول للجمع، وأصله "الذين" لحذفت النون، كما حذفت في قول الأشهب بن رميلة:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
فأراد الذين حانت، فحذف النون.
أو أن "الذي" مشترك بين المفرد والجمع على قول الأخفش.
انظر شرح التصريح: 1/ 130-131.
3 الموصول الاسمى: هو الاسم المبهم، الذي يحتاج في توضيحه، وتعين المراد منه إلى شيء يتصل به، يسمى الصلة وهي مشتملة على ضمير أو شبهة يربطها به، يسمى العائد
4 النص: هو ما كان نصا في الدلالة على بعض الأنواع، ومقصورا عليها، لا يتعداها. والمشترك: هو الذي، لا يقتصر على بعض الأنواع، بل يصلح لها جميعا.(1/144)
الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَه} 1، {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} 2، وللمفرد المؤنث: "التي" للعاقلة وغيرها، نحو: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} 3، {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} 6، ولتثنيتهما: "اللذان" و"اللتان" رفعا، و"اللذين" و"اللتين" جرا ونصبا، وكان القياس في تثنيتهما وتثنية: "ذا" و"تا" أن يقال: اللذيان واللتيان وذيان وتيان، كما يقال القاضيان، بإثبات الياء، وفتيان، بقلب الألف ياء، ولكنهم فرقوا بين تثنية المبني والمعرب، فحذفوا الآخر، كما فرقوا في التصغير، إذ قالوا: اللذيان واللتيا وذيا وتيا، فأبقوا الأول على فتحه، وزادوا ألفا في الآخر عوضا عن ضمة التصغير، وتميم وقيس تشدد النون فيهما تعويضا من المحذوف أو تأكيدا للفرق، ولا يختص ذلك بحالة الرفع خلافا للبصريين؛ لأنه قد قريء في السبع: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْن} 5،
__________
1 "39" سورة الزمر، الآية: 74.
موطن الشاهد: {الَّذِيْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الذي" اسما موصولا دالا على العاقل.
2 "21" سورة الأنبياء، الآية: 103.
موطن الشاهد: {يَوْمُكُمُ الَّذِيْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الذي" اسما موصولا دالا على غير العاقل، وحكم مجيئه دالا على غير العاقل الجواز بكثرة.
3 "58" سورة المجادلة، الآية: 1.
موطن الشاهد: {الَّتِي تُجَادِلُكَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "التي" اسما موصولا، دالا على المفرد المؤنث العاقل، وحكم مجيئه دالا على المفرد المؤنث العاقل الجواز بكثرة.
4 "2" سورة البقرة، الآية: 142.
موطن الشاهد: {قِبْلَتَهُمُ الَّتِيْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "التي" اسما موصولا، دالا على المفرد المؤنث غير العاقل الجواز بكثرة.
5 "41" سورة فصلت، الآية: 29.
موطن الشاهد: {أَرِنَا اللَّذَيْنِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللذين" مشددة النون -على لغة تميم وقيس- تعويضا من المحذوف عنهما، وهو الياء، في الذي والتي والألف في ذواتا، أو تأكيدا للفرق بين تثنية المبني والمعرب.
انظر شرح التصريح: 1/ 132.(1/145)
"إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِّ"1، بالتشديد، كما قرئ: {وَاللَّذَانِّ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} 2. {فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ} 3، وبلحرث بن كعب وبعض ربيعة يحذفون نون اللذان واللتان، قال4: [الكامل]
43- أبني كليب إن عمي اللذا5
__________
1 "28" سورة القصص، الآية: 27.
موطن الشاهد: {ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "هاتين" اسما موصولا على لغة تميم وقيس، كما في الآية السابقة، وفي مجيء التشديد في حالة النصب مع "اللذين وهاتين" دليل على صحة مذهب الكوفيين، الذين جوزوا التشديد، في الحالات كلها، خلافا للبصريين، كما في المتن.
2 "4" سورة النساء، الآية: 16.
موطن الشاهد: {وَاللَّذَانِّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللذان" اسما موصولا مشددا في حالة الرفع، وهذا جائز باتفاق.
3 "28" سورة القصص، الآية: 32.
موطن الشاهد: {فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ذانك" اسم إشارة مشددا على تلك القراءة يرجع مجيء "اللذان" مشددا؛ لأن تجويز أحدهما، ومنع الآخر تحكم. انظر شرح التصريح: 1/ 132.
4 الأخطل التغلبي: وهو أبو مالك، غياث بن غوث التغلبي، والأخطل لقبه، ويعني السفيه، وهو نصراني، ومن المتقدمين في الشعر مع جرير والفرزدق، وأشبههم بالنابغة، وأنعتهم للحمر والخمر، قدمه الكثير على صاحبيه، وكان بينه وبينهما مفاخرة وهجاء، مات سنة 90هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 483، وتجريد الأغاني: 3/ 378- 389.
5 تخريج الشاهد: البيت من كلمة للأخطل، يهجو فيها جريرا، وهذا صدر بيت وعجزه قوله:
قتلا الملوك وفككا الأغلالا
هذا، وقد نسب بعضهم هذا البيت إلى الفرزدق، والصواب ما ذكرنا.
والبيت من شواهد التصريح: 1/ 132، وكتاب سيبويه: 1/ 95، والمقتضب: 4/ 146 والمحتسب: 1/ 185، والمصنف لابن جني: 1/ 67، وأمالي ابن الشجري: =(1/146)
وقال1: [مشطور الرجز] .
44- هما اللتا لو ولدت تميم2
__________
= 2/ 306، وشرح المفصل: 3/ 154، 155 والعيني: 1/ 324، والخزانة: 2/ 499، 3/ 473.
المفردات الغريبة: بني كليب: يراد بهم قوم جرير، وكليب أبو القبيلة، وهو كليب بن يربوع. عمي: مثنى، والمراد بهما: أبو حنش بن النعمان، قاتل شرحبيل بن الحارث بن عمرو، المعروف بآكل المرار "والمرار" شجر مر إذا أكلته الإبل قلصت عنه مشافرها"، وعمرو بن كلثوم التغلبي، قاتل عمرو بن هند. الأغلال: جمع غل وهو حديدة، تجعل في عنق الأسير.
المعنى: يفخر الشاعر على جرير بقومه، ويقول: إن قومه ذوو بأس وشجاعة وإن عميه قتلا ملكين عظيمين، وخلصا الأسرى من أغلالهم.
الإعراب: أبني: الهمزة حرف نداء. بني: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. كليب: مضاف إليه. إن: حرف مشبه بالفعل. عمي: اسم إن منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، وياء المتكلم المدغمة فيها، في محل جر بالإضافة. اللذان خبر "إن" مبني على الألف في محل رفع. قتلا: فعل ماضٍٍ، والألف: فاعل. الملوك: مفعول به. وجملة "قتلا الملوك": صلة الموصول، لا محل لها. وفكَّكا. الواو عاطفة. فككا: فعل ماضٍٍ، والألف: في محل رفع فاعل. الأغلالا: مفعول به، والألف: للإطلاق، والجملة معطوفة على جملة؛ لا محل لها.
موطن الشاهد: "اللذا".
وجه الاستشهاد: حذف نون المثنى المرفوع؛ لأن "اللذا" وقع في محل رفع خبر. وبنو بلحارث بن كعب جميعا، وبعض بني ربيعة، أجازوا حذف نون "اللذان" ونون "اللتان" لأن الموصول، لما طال بالصلة والعائد، أرادوا تقصيره، لكون الصلة والموصول كالشيء الواحد. انظر شرح التصريح: 1/ 132.
فائدة: جاء عن بعض العرب حذف نون "اللذين" في لغة من جاء بالياء، كما مر في قول أحدهم:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
وفي لغة من جاء به بالواو، كقول أحدهم:
نحن الَّذُو بعكاظ طيروا شررا ... من روس قومك ضربا بالمصاقيل
وانظر الدرر اللوامع: 1/ 24.
1 القائل: هو الأخطل التغلبي، وقد مرت ترجمته في الشاهد السابق.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور، وبعده قوله: لقيل فخر لهم صميم =(1/147)
ولا يجوز ذلك في ذان وتان للإلباس.
وتلخص أن في نون الموصول ثلاث لغات1، وفي نون الإشارة لغتان2.
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 1/ 132، وهمع الهوامع: 1/ 49، والدرر اللوامع 1/ 23، وأمالي ابن الشجري: 2/ 308، وخزانة الأدب: 2/ 503، والعيني 1/ 455، وليس في ديوان الأخطل.
المفردات الغريبة: تميم: قبيلة أبوها تميم بن مر. فخر: شرف ومنزلة عظيمة. صميم: خالص لا شائبة فيه.
المعنى: يمدح الشاعر امرأتين، بأنه لو ولدتهما تميم، لكان لتميم بهذه الولادة وهذا النسب؛ الفخر الذي لا يشوبه شيء.
الإعراب: هما: مبتدأ. اللتا: خبر مبني على الألف. لو: حرف شرط غير جازم، لو: حرف امتناع لامتناع. ولدت: فعل ماضٍٍ، والتاء: للتأنيث. تميم: فاعل مرفوع. لقيل: اللام واقعة في جواب الشرط، قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول. فخر: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هذا فخر. "لهم": متعلق بـ "فخر"، أبو بحذوف صفة له.
صحيح: صفة لـ "فخر"، ويجوز أن نعرب: "فخر" مبتدأ، "ولهم" متعلق بمحذوف خبر؛ لأن "فخر" وإن كان نكرة، فقد وصف بصحيح، فأفاده الوصف التخصيص، ولكونه أتى في معنى الفعل، نحو: "سلام على آل ياسين"، وعلى كل فالجملة الاسمية، في محل رفع نائب فاعل لـ "قيل" على رأي من يجيزون وقوع الجملة في محل رفع فاعل أو نائب فاعل والأفضل، أن نقدر له مصدرا مشتقا من الفعل، فنقول: لقيل القول، وجملة الشرط وجوابه، صلة للموصول، لا محل لها.
موطن الشاهد: "اللتا".
وجه الاستشهاد: حذف النون من "اللتان" الواقعة في محل رفع خبر المبتدأ، وحكم هذا الحذف جائز في لغة بلحارث بن كعب جميعا، وبعض بني ربيعة، والمعروف عنهم، أنهم يحذفون "النون" من المثنى المرفوع، ولم يحفظ عنهم حذف النون من المثنى المنصوب والمخفوض، والذي جعلهم يجيزون حذف نون المثنى في الرفع، من دون النصب والجر، هو امتناع التباس المثنى بالمفرد في حالة الرفع، كما في المثال السابق، وأما في حالتي النصب والجر، فيمكن أن يقع الالتباس بين المفرد والمثنى، وإن قال قائل: فالعائد "الضمير الذي يربط الصلة بموصولها"، يجب أن يطابق الموصول في الإفراد والتثنية والجمع، فهذا صحيح، غير أن العائد يكون محذوفا لفظا في كثير من الأحيان، ولهذا، امتنع الحذف في حالتي النصب والجر.
1 الإثبات من دون تشديد وهو الأكثر، وبالتشديد، وهو كثير، وبالحذف وهو لغة لبعض العرب، وهذا خاص بـ "اللذان واللتان".
2 هما الإثبات من دون تشديد وهو الكثير، وبالتشديد على القلة.(1/148)
ولجمع المذر كثيرا ولغيره قليلا "الألى" مقصوران وقد يمد، و"الذين" بالياء مطلقا، وقد يقال بالواو رفعا، وهو لغة هذيل أو عقيل، قال1: [مشطور الرجز]
45- نحن الَّذُون صبحوا الصباحا
__________
1 اختلف النحاة في نسبة هذا البيت إلى قائله اختلافا كثيرا، فقد نسبه أبو زيد في "نوادره: 47" إلى رجل جاهلي من بني عقيل، سماه أبا حرب الأعلم، ونسبه الصاغاني في "العباب" إلى ليلى الأخيلية، ونسبه جماعة إلى رؤبة بن العجاج، وهو غير موجود في ديوانه.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، وبعده قوله:
يوم النخيل غارة ملحاحا
وروى أبو زيد بعده:
نحن قتلنا الملك الجحجاحا ... ولم ندع لسارح مراحا
إلا ديارا أو دما مفاحا ... نحن بنو خويلد صراحا
لا كذب اليوم ولا مزاحا
والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 133، وابن عقيل: "27/ 1/ 144"، والأشموني. "87/ 1/ 68"، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 47، والخزانة: 2/ 506 عرضا، والعيني: 1/ 426 وهمع الهوامع: 1/ 61، 1/ 83، والدرر اللوامع: 1/ 36، 1/ 56، ومغني اللبيب: "759/ 535" وشرح السيوطي: 281.
المفردات الغريبة: صبحوا الصباحا: باغتوا العدو في الصباح. النخيل: موضع بالشام. غارة: اسم مصدر من أغار على العدو. ملحاحا: شديدة متتابعة من ألح السحاب دام مطره وسحاب ملحاح: دائم.
المعنى: يفخر الشاعر بقومه الذين باغتوا أعداءهم، وأغاروا عليهم يوم النخيل، غارات متتابعة.
الإعراب: نحن: مبتدأ. الذون: اسم موصول في محل رفع خبر. صبحوا: فعل ماضٍ، وفاعل، و"الجملة": صلة، لا محل لها. "الصباحا" متعلق بـ "صبحوا" "يوم" متعلق بـ "صبحوا" النخيل: مضاف إليه. غارة: مفعول لأجله، أو حال بتأويل المشتق، أي: مغيرين. ملحاحا: صفة لـ "غارة".
موطن الشاهد: "الذون".
وجه الاستشهاد: مجيء "الذون" بالواو في حالة الرفع، كما لو كان جمع مذكر سالما، وبعض العلماء، قد توهم من مجيء "الذون" في حالة الرفع، و"الذين" في =(1/149)
ولجميع المؤنث: "اللاتي" و"اللائي"، وقد تحذف ياؤهما، وقد يتقارض1 الألى واللائي، قال2: [الطويل]
46- محا حبها حب الألى كن قبلها3
__________
= حالتي النصب، والجر، بأن هذه الكلمة معربة، وأنها جمع مذكر سالم حقيقة، والصواب أنها مبنية، جيء بها على صورة المعرب، فهي مبنية على الواو الياء ومجيء "الذين" على "الذون" لغة هذيل، أو عقيل، وأو للشك. انظر شرح التصريح: 1/ 132- 133.
فائدة: عد المؤلف "اللذان، واللذين، واللتان، واللتين، والذين، والذون" مبنيات وكان قرر في باب المعرب والمبني أن "اللذان واللتان" معربان؛ لأن التثنية التي هي من خصائص الأسماء عارضت شبههما بالحرف، والأرجح: أنها مبنيات.
الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 146- 147.
1 أي: يقع كل منهما مكان الآخر، ويستعمل استعماله.
2 القائل: هو قيس بن الملوح العامري، مجنون ليلى، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد:
هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وحلت مكانا لم يكن حل من قبل
وأورد صاحب تزيين الأسواق: 1/ 65 بيتين قبله، وهما:
أظن هواها تاركي بمضلة ... من الأرض لا مال لديَّ ولا أهلُ
ولا أحد أفضي إليه وصيَّتي ... ولا صاحب إلا المطية والرحلُ
والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 133، والأشموني: "86/ 1/ 68"، والعيني: 1/ 430، والأغاني: 1/ 177، وديوان قيس بن الملوح: 216.
المفردات الغريبة: محا: أزال. الألى كن قبلها: النساء اللاتي أحبهن قبل ليلى.
المعنى: يصف الشاعر حبه لليلى بأنه قد ملك قلبه، وأزال عنه حب كل امرأة قبلها، وحل حبها من القلب مكانا خاليا، لم يحله أحد من قبل.
الإعراب: محا: فعل ماضٍ. حبها: فاعل، ومضاف إليه. حب: مفعول به: الألى: مضاف إليه. كنَّ: فعل ماضٍ ناقص، ونون النسوة اسمه. "قبلها" متعلق بمحذوف خبر "كان"، و"ها": مضاف إليه، وجملة "كان واسمها وخبرها": صلة للموصول، لا محل لها. وحلت: الواو عاطفة، حل: فعل ماض، والتاء: علامة التأنيث، والفاعل: هي. مكانا: معفول به لـ "حل". لم: نافية جازمة: يكن: فعل مضارع ناقص، واسمه: هو. حُل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر.(1/150)
أي حب اللاتي وقال1: [الوافر]
47- فما آباؤنا بِأَمَنَّ منه ... علينا اللاء قد مهدوا الحجورا2
أي الذين.
__________
= جوازا، تقديره: هو، وجملة "الفعل ونائبه": في محل نصب خبر يكن، وجملة "يكن واسمه وخبره": في محل نصب صفة لـ "مكان". من: حرف جر، قبل: ظرف زمان مبني على الضم، في محل جر بـ "من" و"من قبل": متعلق بـ "حل".
موطن الشاهد: "الأُلَى كُنَّ قبلها".
وجه الاستشهاد: استعمال "الألى" لجماعة الإناث بدلا من "اللاتي"، بدليل عود الضمير من "كن" عليه بصيغة المؤنث، والمعنى أيضا يؤكد ذلك؛ لأنه يريد أن حب هذه المرأة، قد أزال حب النساء الألى كن قبلها، ومعلوم أن الأصل في "الألى" أن يستعمل في جمع الذكور، نحو: قول الشاعر:
رأيت بني عمي الأُلَى يخذلونني ... على حدثان الدهر إذ يتقلب
بقي أن نعلم أن "الألى" اسم جمع لا جمع، فإطلاق الجمع عليه مجاز، وأن "الذين" خاص بالعقلاء، و"الذي" عام في العاقل وغيره، فهما كالعالم والعالمين. انظر حاشية الصبان: 1/ 150.
1 القائل: رجل من بني سليم لم يعينه العلماء.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 133، وابن عقيل: "28/ 1/ 145"، والأشموني: "88/ 1/ 69" وأمالي ابن الشجري: 2/ 308، والعيني: 1/ 429، وهمع الهوامع: 1/ 83، والدرر اللوامع: 1/ 57.
المفردات الغريبة: أََمَنَّ: أفعل تفضيل أي أكثر منه وإنعاما. مهدوا: بسطوا وهيؤوا ومنه المهد وهو الفراش المهيأ للصبي وتمهيد الأمور: تسويتها الحجور: جمع حجر، وهو ما بين يدي المرء من ثوبه وحضنه.
المعنى: يقول الشاعر: ليس آباؤنا الذين قاموا بتربيتنا ورعايتنا وإصلاح أمرنا، وبسطو حجورهم فراشا لنا كالمهد، بأكثر إنعاما وتفضلا علينا من هذا الممدوح.
الإعراب: ما: نافية بمعنى "ليس". آباؤنا: اسم "ما" ومضاف إليه. "بأمن": الباء زائدة، أمنَّ: خبر "ما". "منه" و"علينا": متعلقان بـ "أمن". اللاء: اسم موصول، صفة لـ "آباء". قد: حرف تحقيق: مهدوا: فعل ماضٍ، وفاعل، والجملة: صلة الموصول، لا محل لها الحجورا: مفعول به لـ "مهدوا"، والألف: للإطلاق.
موطن الشاهد: "اللاء".
وجه الاستشهاد: إطلاق "اللاء" على جماعة الذكور موضع الذين، والأكثر كونها لجماعة الإناث، نحو قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْن} ، وكذا فيها شاهد على حذف الياء أيضا؛ لأن الأصل "اللائي"، وقد قرئ بهما جميعا. انظر حاشية الصبان: 1/ 15.(1/151)
[الموصول المشترك] :
والمشترك ستة: مَن، وما، وأي، وأل، وذو، وذا.
فأما "مَن" فإنها تكون للعالم، نحو: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَاب} 1.
[من لغير العاقل] ولغيره في ثلاث مسائل:
إحداها: أن ينزل منزلته2 نحو: {مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَه} 3 وقوله:4: [الطويل]
48- أسرب القطا هل من يعير جناحه5
__________
1 "3" سورة الرعد، الآية: 43.
موطن الشاهد: {مَنْ عِنْدَهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مَن" اسما موصولا دالا على العالم العاقل، واستعمالها بهذا المعنى كثير شائع، وهو جائز باتفاق.
2 أي أن ينسب إلى المسمى شيء من شأنه ألا يكون إلا من العقلاء، فيشبه بهم، وينزل منزلتهم في استعمال "من" سواء كان هذا التنزيل من المتكلم أو من غيره.
3 "46" سورة الأحقاف، الآية: 5.
موطن الشاهد: {مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "من" لغير العاقل، على سبيل التطفّل؛ وذلك لأنه أنزل ما وقعت عليه منزلة العاقل؛ لأن الذي يدعونه من دون الله، لا يعقل شيئا، ولكن لما اتخذه المشتركون إلها لهم، فقد أنزل منزلة العاقل.
4 القائل: هو العباس بن الأحنف، أبو الفضل بن الأسود الحنفي، شاعر غزل، لم يخرج إلى غيره من أغراض الشعر، وكان يشبه عمر بن أبي ربيعة، أصله من اليمامة، ونشأ ببغداد ومات بالبصرة، والعباس شاعر مولد، لا يحتج بشعره، وإنما أتى بهما للتمثيل.
الشعر والشعراء: 2/ 827، الأغاني: 8/ 14، اللآلي: 313، ابن خلكان: 1/ 307.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه مع بيت سابق عليه هكذا:
بكيت على سرب القطا إذ مررن بي ... فقلت ومثلي بالبكاء جديرُ
أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلي إلى من قد هويت أطيرُ
وينسب البيت الشاهد إلى المجنون، وهو في ديوانه وديوان العباس أيضا وذلك من خلط الرواة وقد استشهد به في: التصريح: 1/ 133، 1/ 134، وابن عقيل =(1/152)
وقوله1: [الطويل]
49- ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي2
__________
= "29/ 1/ 148"، والأشموني: "89/ 1/ 69" والعيني: 1/ 431، وهمع الهوامع: 1/ 91 والدرر اللوامع: 1/ 69، وديوان العباس. 143.
المفردات الغريبة: سرب: هو القطيع من الظباء والقطا ونحوهما. القطا: جمع قطاة، وهي طائر معروف. هويت أحببت.
المعنى: ينادي الشاعر جماعة القطا، ويقول: هل من يعيرني جناحه، لعلي أطير إلى من هويت وأحببت؟
الإعراب: أَسِرْبَ: الهمزة حرف نداء، سرب: منادى مضاف منصوب. القطا: مضاف إليه، هل: حرف استفهام، من: مبتدأ يعير: فعل مضارع، والفاعل: هو، والجملة صلة للموصول، لا محل لها، والخبر محذوف، والتقدير: هل من يعير جناحه موجود؟ جناحه: مفعول به، ومضاف إليه. لعلي: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمها "إلى من" متعلق بـ "أطير" الآتي قد: حرف تحقيق. هويت: فعل ماضٍ، وفاعل. والجملة لا محل لها؛ لأنها صلة الموصول، والعائد إلى الاسم الموصول محذوف، والتقدير: هويته. أطير: فعل مضارع، وفاعله مستتر وجوبا، تقديره: أنا، والجملة في محل رفع خبر "لعل".
موطن الشاهد: "من يعير".
وجه الاستشهاد: استعمال "من" في غير العاقل، وهو "القطا" وإنما جاز ذلك؛ لأنه نزل القطا منزلة العاقل، فناداها، وطلب منها الجناح، ومعلوم أنه لا يتصور النداء والإقبال، إلا من العاقل الذي يفهم الطلب.
1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا الشاهد هو مطلع قصيدة طويلة للشاعر.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 133، والأشموني: "90/ 1/ 69"، وسيبويه: 2/ 227 وأمالي ابن الشجري: 1/ 274، وشرح المفصل: 7/ 153، والعيني: 1/ 433، وهمع الهوامع: 2/ 83، والدرر اللوامع: 2/ 17، ومغني اللبيب "306/ 225" وشرح السيوطي: 166.
المفردات الغريبة: عم صباحا: إحدى تحيات العرب الجاهليين في الصباح، وفي المساء: عم مساء، وعم ظلاما. وعم: فعل أمر أصله أنعم، حذفت الهمزة والنون تخفيفا. الطلل: كل ما بقي شاخصا من آثار الديار. الخالي: السالف.
المعنى يحيى الشاعر أطلالا فيقول: أنعم الله صباحك أيها الأثر الذي أشرف على =(1/153)
فدعاء الأصنام ونداء القطا والطلل سوَّغ ذلك.
الثانية: أن يجتمع مع العاقل فيما وقعت عليه "من"1 نحو: {كَمَنْ لا يَخْلُقُ} 2 لشموله الآدميين والملائكة والأصنام، ونحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} 3، ونحو: {مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْن} ، فإنه
__________
= الزوال والفناء، وبقي من آثار الأحبة، ثم ثاب إلى رشده، وأنكر أن يجيبه أحد؛ لهلاك من كان بهذه الديار، فقال: وهل ينعمن بشيء من هلك في الزمان الماضي؟!
الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. عم: فعل أمر، والفاعل: أنت: "صباحا": متعلق بـ "عم" أيها: منادى بحرف نداء محذوف، مبني على الضم، في محل نصب، و"ها" حرف تنبيه، لا محل له. الطلل: صفة لـ "أي" على اعتبار اللفظ. وهل: هل حرف استفهام. يعمن: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. من: اسم موصول، فاعل لـ "يعم". كان: فعل ماضٍ ناقص، واسمه: هو "في العصر": متعلق بـ "خبر كان المحذوف". الخالي: صفة لـ "العصر"، وجملة "كان في العصر الخالي": صلة للموصول، لا محل لها.
موطن الشاهد: "يعمن من".
وجه الاستشهاد: استعمال "من" الموصولة للمفرد غير العاقل، وهو الطلل البالي، والذي جوز ذلك الاستعمال مناداة الطلل، وتنزيله منزلة من يجيب الداعي؛ لأنه لا ينادى إلا العاقل، كما هو معلوم.
1 أي: أن يكون مضمون الكلام، متجها إلى شيء يشمل العاقل، وغيره، ولكنك تراعي العاقل فتغلبه على غيره.
2 "16" سورة النحل، الآية: 17.
موطن الشاهد: {كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "من" على من لا يعقل، والذي سوَّغ ذلك اجتماع العاقل مع غير العاقل فيما دخلت عليه "من" الموصولة؛ لأن من لا يعقل عامٌّ يشمل الآدميين والملائكة والأصنام، فالجميع لا يخلقون شيئا.
3 "22" سورة الحج، الآية: 18.
موطن الشاهد: {مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنِ فِي الْأَرْضِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "من" على من لا يعقل، والذي سوغ ذلك اجتماع العاقل مع غير العاقل فيما دخلت عليه من؛ لأن من في السموات يشمل الملائكة والشمس والقمر والنجوم وغيرها، ومن في الأرض يشمل الآدميين، والجبال والشجر وسوى ذلك.(1/154)
يشمل الآدمي والطائر.
الثالثة: أن يقترن به في عموم فصل بمن، نحو: {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِه} 1 و: {مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَع} 1 لاقترانهما بالعاقل في عموم {كُلِّ دَابَّة} 1
[ما لما لا يعقل] :
وأما "ما" فإنها لما لا يعقل وحده، نحو: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَد} 2، وله مع العاقل، نحو: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} 3، ولأنواع من يقعل، نحو: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم} 4، وللمبهم5 أمره كقولك؛ وقد رأيت شبحا: "انظر إلى ما ظهر"
__________
1 "24" سورة النور، الآية: 45.
موطن الشاهد: {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} ، {مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} وجه الاستشهاد: وقوع من على غير العاقل، والذي جوز ذلك اقتران غير العاقل به أي بالعاقل، في عموم فصل بـ "من" الموصولة؛ لاقترانهما بالعاقل في عموم "كل دابة" التي تشمل العاقل وغيره. وانظر شرح التصريح: 1/ 134.
2 "16" سورة النحل، الآية: 96.
موطن الشاهد: {مَا عِنْدَكُمْ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "ما" اسما موصولا دالا على ما لا يعقل، وهو الأصل في استعماله.
3 "59" سورة الحشر، الآية: 1.
موطن الشاهد: {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} .
وجه الاستشهاد: استعمال "ما" في العاقل، وجواز استعمال "ما" في العاقل عن طريق الاستعارة، أو المجاز المرسل، وإلى الثاني أشار المؤلف بقوله: "إذا اختلط به". أي: بأن غلب غير العاقل على العاقل.
4 "4" سورة النساء، الآية: 3.
موطن الشاهد: {مَا طَابَ} .
وجه الاستشهاد: استعمال "ما" اسما موصولا في أفراد العاقل وصفاته؛ لأن المراد ما طاب لكم من النساء، الصفات غير المفهومة من الصلة كالبكارة والثيوبة وسوى ذلك، وفي هذه المسألة نظر، ويجب العودة إلى شرح التصريح: 1/ 134-135، وحاشية الصبان: 1/ 153-154.
5 أي: الذي لا يدرى أهو إنسان أم غير إنسان، وكذلك، إذا علمت إنسانيته، ولكنك لا تدري أمؤنث هو أم مذكر؟ نحو قوله تعالى على لسان امرأة عمران: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} .(1/155)
والأربعة الباقية للعاقل وغيره، فأما "أي" فخالف في موصوليتها ثعلب1. ويرده قوله2: [المتقارب]
50- فسلِّمْ عَلَى أيُّهُمْ أفضلُ3
__________
1 هو أبو العباس: أحمد بن يحيى الشيباني، إمام الكوفيين، والبصريين، في النحو والفقه في زمانه، وعالم بالقرآن والقراءات، ولد سنة 200هـ، ولازم ابن الأعرابي وحفظ على الفراء والكسائي، وأخذ عنه الأخفش الأصغر، ونفطويه، وابن الأنباري: له مصنفات قيمة منها: المصون في النحو، اختلاف النحويين، والفصيح، وغريب القرآن..... مات سنة 291هـ ببغداد. البلغة: 34، إنباه الرواة: 1/ 138، بغية الوعاة: 1/ 396، طبقات القراء: 1/ 148، الأعلام: 1/ 252.
2 هو: غسان بن وعلة، أحد الشعراء المخضرمين من بني مرة بن عباد.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
إذا ما لقيت بني مالك
والشاهد: أنشده أبو عمرو الشيباني في كتاب الحروف وابن الأنباري في الإنصاف: 2/ 715، وقال "حكى أبو عمرو الشيباني عن غسان، وهو أحد من تؤخذ عنهم اللغة من العرب". وأنشد البيت.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 135، وابن عقيل: "33/ 1/ 162، والأشموني: "110/ 1/ 77"، وشرح المفصل: 3/ 147، 4 / 12، 7/ 88، والخزانة: 2/ 522. وحاشية يس على التصريح: 1/ 136، ومغني اللبيب: "124/ 108"، "757/ 535 "953/ 717"، وشرح السيوطي: 83/ 281.
المعنى واضح، لا لبس فيه ولا غموض.
الإعراب: إذا: ظرف تضمن معنى الشرط مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. ما: زائدة: لقيت فعل ماضٍ، وفاعل، و"الجملة" في محل جر بالإضافة. بني: مفعول به لفعل "لقي"، وحذفت النون للإضافة. مالك: مضاف إليه فسلم: الفاء رابطة لجواب الشرط. سلم: فعل أمر، والفاعل: أنت. على: حرف جر. أيهم: يروى بضم أي وبجره؛ فعلى رواية الضم، فهو مبني، وعلى الجر، فهو معرب مجرور بالكسرة الظاهرة، و"هم"، مضاف إليه. أفضل: خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: سلم على الذي هو أفضل، والجملة الاسمية: صلة للموصولة لا محل لها.
موطن الشاهد: "أيهم أفضل".
وجه الاستشهاد: مجيء "أي" مبنية على الضم في الرواية المشهورة؛ لأنها مضافة، حذف صدر صلتها، وفي هذا دلالة على أنها موصولة؛ لأن غير الموصولة، لا تبنى ولا تصلح هنا والمحذوف هو المبتدأ المقدر، وهذا مذهب سيبويه وجماعة من البصريين في هذه الكلمة؛ أنها تأتي موصولة، وتكون مبنية باجتماع أمرين؛ أحدهما: أن تكون مضافة لفظا، والثاني: أن يكون صدر صلتها محذوفا، وذهب الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب -وهما شيخان من شيوخ سيبويه- إلى أن "أي" لا تأتي موصولة، وإنما هي شرطية أو استفهامية، وذهب بعض الكوفيين إلى أنها تأتي موصولة على قلة؛ غير أنها معربة في مختلف الأحوال، أضيفت أو لم تضف، وسواء أحذف صدرها أم ذكر. وانظر: شرح التصريح: 1/ 135-136، وحاشية الصبان: 1/ 166-167.(1/156)
ولا تضاف لنكرة خلافا لابن عصفور1، ولا يعمل فيها إلا مستقبل متقدم2 نحو: {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} 3، خلافا للبصريين، وسئل الكسائي4: لم
__________
1 ابن عصفور: أبو الحسن عليُّ بن مؤمن بن عصفور، النحوي الحضرمي الإشبيلي، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس، أخذ عن الدباح وعن الشلوبين، أعد نفسه للنحو، ولم ينبغْ في غيره وكان أصبر الناس على المطالعة، له مصنفات قيمة، منها: الممتع في التصريف، وكان أبو حيان لا يفارقه، وله شروح على الجمل، والمقرب، وشرح الجزولية، مات سنة 669هـ. البلغة: 169، بغية الوعاة: 2/ 210، شذرات الذهب: 5/ 330، فوات الوَفَيات: 2/ 93، الأعلام: 5/ 179. وأما السبب في أنها لا تضاف إلى نكرة؛ لأن الموصول مراد تعيينه، وإضافته إلى النكرة تقتضي إبهامه، وفي ذلك تدافع ظاهر، غير أن بعضهم -سوى ابن عصفور- يرى جواز إضافتها للنكرة غير أن إضافتها للمعرفة أقوى.
انظر حاشية الصبان: 1/ 167، وشرح التصريح: 1/ 135.
2 وشرط الاستقبال؛ لأن "أي" موضوعة للدلالة على الإبهام، وذلك يناسبه المضارع المستقبل الزمان، الذي لا يدرى ما فيه. وأما الماضي والحال فمعلومان؛ وأما شرط تقديم العامل؛ فللفرق بينها وبين "أي" الشرطية، والاستفهامية؛ لأنه لا يعمل فيهما إلا متأخر لصدارتهما.
انظر شرح التصريح: 1/ 135- 136.
3 "19" سورة مريم، الآية: 69.
موطن الشاهد: {أَيُّهُمْ أَشَدّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أي" موصولة مبنية، وتقدم عليها عامل مستقبل "لننزعن"، وحكم تقدم العامل المستقبل شرط عند الكوفيين، خلافا للبصريين، انظر شرح التصريح: 1/ 135.
4 مرت ترجمته.(1/157)
لا يجوز: "أعجبني أيهم قام"؟ فقال: أي كذا خُلقَت1، وقد تؤنث وتثنى وتجمع، وهي معربة، فقيل مطلقا، وقال سيبويه: تبنى على الضم إذا أضيفت لفظا وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا، نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدّ} 2 وقوله:
على أيِّهمْ أفضلُ1
وقد تعرب حينئذ كما رويت الآية بالنصب والبيت بالجر.
[أل] :
وأما "أل"2، فنحو: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} 4، ونحو: {وَالسَّقْفِ
__________
1 معلوم أن الكسائي كوفي، والكوفيون، يقولون بلزوم استقبال عامل "أي"، فلما سئل في حلقة يونس بن حبيب عن السبب في عدم جواز: "أعجبني أيهم قام"، لم يجد وجهًا للمنع. فقال: "أي كذا خلقت"، أي: هكذا وضعت قال ابن السراج موجها قول الكسائي بالمنع ما معناه: إن أيا وضعت على العموم والإبهام، فإذا قلت: يعجبني أيهم يقوم، قلت: يعجبني الشخص الذي يقع منه القيام كائنا من كان، ولو قلت: أعجبني أيهم قام، لم يقع إلا على الشخص الَّذي قام فأخرجهما ذلك عما وضعت له من العموم: انظر شرح التصريح: 1/ 136.
2 مر تخريج البيت والتعليق عليه.
3 وتكون للعاقل، وغيره، مفردا وغير مفرد، ويراعى في الضمير العائد إليها المعنى فقط، خوفا من اللبس، وهي لا تكون موصولة إلا إذا دخلت على اسم الفاعل واسم المفعول "أي الصفة الصريحة"، وإعرابها يظهر على الصفة الصريحة المتصلة بها، وأما الداخلة على الصفة المشبهة ففيها خلاف، والأغلب: أنها حرف تعريف. حاشية الصبان: 1/ 164.
4 "57" سورة الحديد، الآية: 18.
موطن الشاهد: {الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أل" موصولا اسميا، لدخولها على اسم الفاعل، وهو صفة صريحة، كما بينا.(1/158)
الْمَرْفُوعِ، وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} 1، وليست موصولا حرفيا خلافا للمازني2 ومن وافقه، ولا حرف تعريف خلافا لأبي الحسن3.
[ذو الطائية] :
وأما "ذو" فخاصة بطيئ، والمشهور بناؤها، وقد تعرب، كقوله:
فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا4
__________
1 52 سورة الطور، الآية: 5.
موطن الشاهد: {الْمَسْجُورْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أل" موصولا اسميا؛ لدخولها على اسم المفعول، وهو صفة صريحة.
2 هو: أبو عثمان، بكر بن محمد بن بقية المازني، من بني مازن بن شيبان، كان إماما في العربية ثقة واسع الرواية، لا يناظره أحد إلا قطعه؛ لقدرته على الكلام، وهو بصري أخذ عن أبي عبيدة والأصمعي، وأبي زيد، وروى عن المبرد، قيل فيه: لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان، له تفسير كتاب سيبويه، وعلل النحو، والتصريف. مات سنة 249هـ بالبصرة.
البلغة: 41، بغية الوعاة: 1/ 463، إنباه الرواة: 1/ 246، الأعلام: 2/ 44، معجم المؤلفين: 3/ 71.
3 حجة أبي الحسن أن العامل يتخطَّاها، نحو: جاء الكتاب، كما يتخطاها مع الجامد، نحو: جاء الرجل، وهي مع الجامد معرفة اتفاقا، فتكون كذلك مع المشتق، ورُدَّ بأن سبب ذلك أنها على صورة الحرف.
التصريح: 1/ 137.
وأبو الحسن: هو سعيد بن مسعدة المعروف بالأخفش البصري، وهو الأخفش الأوسط، أحد أئمة النحاة البصريين، قرأ النحو على سيبويه، وكان أكبر منه، وصحب الخليل، ولم يأخذ منه، وقرأ كتابه سيبويه على الكسائي، وكان أعلم الناس بالكلام، وأحذقهم بالجدل، له مصنفات عديدة، منها: المقاييس في النحو، والأوسط، والاشتقاق. مات سنة: 215هـ. البلغة: 86، إنباه الرواة: 2/ 36، بغية الوعاة: 1/ 59، مراتب النحويين: 109، الأعلام: 3/ 154.
4 مر هذا الشاهد والتعليق عليه.
موطن الشاهد: "من ذي".
وجه الاستشهاد: مجيء "ذي" -على هذه الرواية- يدل على أن "ذو" الموصولة، قد تكون معرفة إعراب "ذي"، التي بمعنى "صاحب"، أي: التي من الأسماء الستة، والذي رواه "بالياء" أبو الفتح بن جني، في كتابه "المحتسب"، وهو مشكل؛ لأن سبب البناء قائم، ولم يعارضه معارض مما يختص بالاسم، حتى يراعي المعارض فتعرب.
انظر شرح التصريح: 1/ 137.(1/159)
فيمن رواه بالياء، والمشهور أيضا إفرادها وتذكيرها، كقوله1: [الوافر]
51- وبئري ذو حفرت وذو طويت2
__________
1 القائل هو: سنان بن الفحل الطائي: شاعر إسلامي من شعراء الدولة المروانية.
خزان الأدب: 6/ 40.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من كلمة أوردها أبو تمام: حبيب بن أوس الطائي في حماسته. "وكان بنو جرم من طيئ، وبنو هرم بن العشراء من فزارة قد لَجَّ بهم الخصام في شأن ماء من مياههم، فترافعوا إلى عبد الرحمن بن الضحاك والي المدينة، وكان صهرا للفزاريين، فخشي الطائيون أن يميل في حكومته إلى أصهاره، فبرك سنان بن الفحل أمامه وأنشد بين يديه الكلمة التي منها الشاهد المذكور.
انظر: شرح الحماسة للمرزوقي: 590.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 137، والأشموني: "101/ 1/ 72"، وهمع الهوامع: 1/ 84 والدرر اللوامع: 1/ 95، وأمالي ابن الشجري: 2/ 306، والإنصاف: 1/ 384، وشرح المفصل: 3/ 147، 8/ 45، والخزانة: 2/ 511، واللسان "ذا"، وقطر الندى: "31/ 102.
المفردات الغريبة: ذو حفرت: يريد التي حفرتها، ذو طويت، أي التي طويتها، وطي البئر: بناؤها بالحجارة.
المعنى: يقول الشاعر: إن هذا الماء من عهد أبي وجدي، وأنا الذي حرفت هذه البئر وبنيتها بالحجارة.
الإعراب: الفاء: للتعليل. إن حرف مشبه بالفعل. الماء: اسمه. ماء: خبر. أبي: مضاف إليه، والياء: مضاف إليه. وجدي: الواو عاطفة، جدي: معطوف على أبي، والياء: مضاف إليه. وبئري: الواو استئنافية، بئري: مبتدأ، ومضاف إليه. ذو: خبر المبتدأ. حفرت: فعل ماضٍ وفاعل، والجملة صلة للموصول، لا محل لها. وذو: الواو عاطفة، ذو: معطوف على "ذو" السابقة" طويت فعل وفاعل، والجملة: صلة للموصول، لا محل لها، وحذف العائد على الموصولين، من جملتي الصلة، والأصل: وبئري ذو حفرتها وذو طويتها، ويجوز إعراب الواو في "وبئري" عاطفة =(1/160)
وقد تؤنث وتثنى وتجمع1، حكاه ابن السراج، ونازع في ثبوت ذلك ابن مالك، وكلهم حكى "ذات" للمفردة، و"ذوات" لجمعها، مضمومتين، كقوله:
__________
= جملة، على جملة، أو عاطفة "بئري" على اسم "إن" و"ذو حفرت" على خبر إن، فيكون من باب العطف على معمولي عامل واحد، وهو مما لا خلاف فيه.
موطن الشاهد: "ذو حفرت وذو طويت".
وجه الاستشهاد: استعمال "ذو" في الجملتين اسما موصولا لمؤنث، بمعنى "التي"؛ لأنها واقعة على البئر، وهي مؤنثة، على الرغم من أن لفظها مفرد مذكر، ومعلوم أن البئر غير عاقلة، فيكون استعمل "ذو" للدلالة على المفرد المؤنث غير العاقل.
ومن استعمال "ذو" في المفرد المذكر العاقل، قول الطائي:
فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا ... هلمَّ فإن المشرفيَّ الفرائض
أي: قولا لهذا المرء الذي جاء ساعيا. ومن استعمال "ذو" في المفرد المذكر غير العاقل، قوله أيضا:
أظنك دون المال ذو جئت طالبا ... ستلقاك بيض للنفوس قوابض
والمراد: دون المال الذي جئت. أوضح المسالك "تحقيق عبد الحميد": 1/ 154، حا: 1.
1 عند بعض بني طيئ، فتقول في المذكر: "ذو قام"، وفي المؤنث "ذات قامت"، وفي مثنى المذكر "ذوا قاما" وفي مثنى المؤنث "ذواتا قامتا"، وفي جمع المذكر "ذو قاموا" وفي جمع المؤنث "ذوات قمن"، وفي الأصول، لابن السراج، أن ذلك عن جميع طيئ، وتبعه ابن عصفور في المقرب.
التصريح: 1/ 137، 138، وابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 122.
2 ابن السراج: هو أبو بكر محمد بن السري البغدادي النحوي، صاحب الكتب الممتعة في النحو، كان أحدث أصحاب المبرد سنا مع ذكاء وفطنة، قرأ كتاب سيبويه على المبرد، وقيل: ما زال النحو مجنونا، حتى عقله ابن السراج بأصوله، أخذ عنه أبو القاسم الزجاجي، والسيرافي، والفارسي، والرماني، له مصنفات هامة، فيها: شرح كتاب سيبويه، ومختصر في النحو، واحتجاج القراءة، والجمل وغيرها، مات شابا سنة 316 هـ.
البلغة: 222، إنباه الرواة: 3/ 145، وبغية الوعاة: 1/ 109، ومعجم المؤلفين: 10/ 19، والأعلام: 7/ 6.(1/161)
"بالفضل ذو فضلكم الله بِهْ، والكرامة ذات أكرمكم الله بَهْ"1، وقوله2: [مشطور الرجز]
52- ذواتُ ينهضن بغير سائق3
__________
1 قائل هذه العبارة، رجل من طيئ، كما قال الفراء في لغات القرآن: "سمعنا أعرابيا من طيئ يسأل ويقول: بالفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله بَهْ" فبنى ذات على الضم، ونقل حركة الهاء الأخيرة إلى ما قبلها، وحذف الألف، فسكنت الهاء، وبالفضل متعلق بمحذوف، أي أسألكم بالفضل، أو نحوه، والكرامة بالخفض معطوفة على الفضل، وكأنه يشير إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْق} .
التصريح: 1/ 138، والكواكب الدرية: 1/ 137.
2 هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: أنشد الفراء هذا البيت، ولم ينسبه إلى قائل معين، وحكاه في اللسان غير منسوب، وقبل الشاهد قوله:
جمعتها من أنيق موارق
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 156، والأشموني: "102/ 1/ 73"، والمقرب: 6، وملحقات ديوان رؤبة: 180.
المفردات الغريبة: جمعتها: الضمير للنوق المختارة في الأبيات قبله. أينق: جمع ناقة وأصله أنؤق، قدمت الواو على النون؛ لتسلم من الضمة، ثم قلبت ياء للتخفيف، فوزنه "أعفل". موارق: سريعات في السير، جمع مارقة، من مرق السهم من الرمية، إذا نفذ سريعا.
المعنى: يقصد الراجز: أنه اختار هذه النوق، وجمعها من نياق سريعة. ينهضن ويسرعن في السير بغير سائق، ينبهها، ويستحثها على السير، كالسهام التي تمرق من الرمايا.
الإعراب: جمعتها: فعل وفاعل ومفعول به. "من أينق" متعلق بـ "جَمَع"، موارق: صفة لـ "أنيق" ذوات: صفة ثانية لـ "أينق" وهذا على مذهب الكوفيين، الذين يجوزون تخالف النعت والمنعوت في التعريف والتنكير إذا كانت الصفة للمدح أو الذم، وعلى مذهب البصريين، الذين لا يجوزون اختلاف الصفة والموصوف فيهما، فإما أن يكون "ذوات" بدلا من أينق"، أو خبرا مبتدأ محذوف. ينهضن: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: فاعل، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها. "بغير" متعلق بـ "ينهض". سائق: مضاف إليه.(1/162)
وحكى إعرابهما إعراب ذات وذوات بمعنى صاحبة وصاحبات1.
[ذا وشرط موصوليتها] :
وأما "ذا" فشرط موصولياتها ثلاثة أمور:
أحدها: أن لا تكون للإشارة، نحو: "من ذا الذاهب"؟ و"ماذا التَّواني"؟ 2.
والثاني: ألا تكون ملغاة، وذلك بتقديرها مركبة مع "ما" في نحو: "ماذا صنعت"3، كما قدرها كذلك من "قال عمَّاذا تسأل" فأثبت الألف.
__________
موطن الشاهد: "ذواتُ".
وجه الاستشهاد: مجيء "ذوات" اسما موصولا بمعنى اللواتي، مبنية على الضم، وصلته جملة "ينهض بغير سائق"، وأنكر بعض النحاة أن تكون "ذوات" بمعنى "اللواتي"، وعدوها بمعنى "صاحبات" وأضيفت إلى الفعل، بتأويله بالمصدر، وكأنه قال: ذوات نهوض بغير سائق، كما قالوا: "اذهب بذي تسلم" وهم يريدون: اذهب بذي سلامة، وعلى هذا، فـ "ذوات" على رواية الرفع خبر لمبتدأ محذوف، أي: هن ذوات نهوض، أي: صاحبات سبق. وانظر حاشية الصبان: 1/ 158- 159، وشرح التصريح: 1/ 138.
1 حكى أبو حيان في الارتشاف إعراب "ذات" بالضمة، في حالة الرفع وبالفتحة في حالة النصب، والكسرة في الجر، مع التنوين في الأحوال الثلاثة: إذ لا إضافة، وأما "ذوات" فحكى إعرابها بالحركات أبو جعفر النحاسي الحلبي، وعليه ترفع بالضمة وتجر بالكسرة وتنصب بالكسرة نيابة عن الفتحة كجمع المؤنث، وتنون في الأحوال الثلاثة أيضا.
التصريح: 1/ 138.
2 إنما كانت "ذا" في هذين المثالين موصولة؛ لأن ما بعدها، فيهما اسم مفرد، والاسم المفرد لا يصلح أن يكون صلة لغير "أل" ومتى لم تصلح؛ لأن تكون موصولة، كانت اسم إشارة إذا هي لا تكون إلا على أحد هذين الوجهين، فإذا انتفى أحدهما، ثبت الآخر.
التصريح: 1/ 138.
3 حيث جعلت "ماذا" كلمة واحدة، وأعربت اسم استفهام، في محل نصب مفعول مقدم لفعل صنعت- أي: أيّ شيء صنعت؟ وحينئذ يجوز تقدم العامل عليها، ولا تلزم الصدارة، فقد ورد أن عمرو بن العاص قال للنبي صلى الله عليه وسلم عند إسلامه: أريد أن أشترط. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تشترط ماذا؟ ". ومثل المصنف بـ "ما" وترك التمثيل بـ "من"؛ لأن بعض النحويين كـ "ثعلب" يمنع أن تكون "من" و"ذا" مركبتين، والصحيح الجواز، كما يشير الناظم.
انظر شرح التصريح: 1/ 139 والأشموني مع الصبان: 1/ 159.(1/163)
لتوسطها1، ويجوز الإلغاء عند الكوفيين وابن مالك على وجه آخر، وهو تقديرها زائدة2.
والثالث: أن يتقدمها استفهام بما باتفاق، أو بمن على الأصح، كقول لبيد3: [الطويل]
__________
1 أي: لأنها بعد التركيب مع "ذا" أصبحت متوسطة في اسم الاستفهام، ولو جعلها اسمين، لحذفت الألف من "ما"؛ لتطرفها، على قاعدة "ما" الاستفهامية، إذا دخل عليها حرف الجر، كما يقول ابن مالك في موضعه:
و"ما" في الاستفهام إن جرت حذفْ ... ألفُها، وأَوْلِهَا "الها" إن تقفْ
انظر ضياء السالك: 1/ 150.
2 أي: بين "ما" ومدخولها، ففي قولك: ماذا صنعت؟، كأنك قلت: ما صنعت؟، والبصريون يمنعون ذلك، والكوفيون يجيزونه. ولم يذكر المؤلف تركب "ذا" مع "من" ولم يصرح بأن "ذا" تزاد مع "من" والذي وجدناه أن أبا البقاء، وأحمد بن يحيى ثعلب"، لا يجيزان تركب "ذا"مع "من"، ونقل عنهما، أن التركيب خاص بـ "ذا" مع "ما" وعللا ذلك بأن "ما" أكثر إبهاما من "من"، ولذا فيحسن بها أن تجعل مع غيرها كالاسم الواحد؛ ليكون ذلك أظهر لمعناها، وانظر تفصيل ذلك في شرح التصريح: 1/ 139، والأشموني مع الصبان: 1/ 160.
3 لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، أبو عقيل، أحد شعراء الجاهلية وفرسانهم، أمره الحارث الغساني على مئة فارس، جاءوا المنذر بن ماء السماء، فقتلوه، ولم ينجُ منهم إلا هو، أدرك الإسلام وأسلم، ولم يقل شعرا أبدا بعد إسلامه إلا بيتا واحدا، وهو:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى كساني من الإسلام سربالا
عاش طويلا ومات في خلافة معاوية وذلك عن عُمْرٍ بلغ 157 سنة كما قيل. الشعر والشعراء: 1/ 274، طبقات ابن سعد: 6/ 20، أسد الغابة: 4/ 260، الإصابة 6/ 4.(1/164)
ألا تسألان المرء ماذا يحاول1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل؟
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 139، والأشموني: "103/ 1/ 73"، وكتاب سيبويه: 1/ 405 ومعاني الفراء: 1/ 139، والجمل للزجاجي: 331، وأمالي ابن الشجري: 2/ 171، 305 وشرح المفصل: 3/ 149، 4/ 23، والعيني: 1/ 7، 440، والمخصص لابن سيده: 4/ 103 وخزانة الأدب: 1/ 339، 2/ 556، واللسان "ذو، ذوات، حول"، ومغني اللبيب: "557/ 395" وشرح السيوطي لأبيات المغني: 55.
المفردات الغريبة: يحاول: تعنى -هنا- يريد ويطلب من المحاولة، وهي استعمال الحيلة والحذق، وإعمال الفكر للوصول إلى المقصود. نحب: يطلق النحب على المدة والوقت، والنذر، والأقرب: أن المراد هنا هو النذر.
المعنى: على عادة القدماء، يطلب الشاعر من صاحبيه أن يسألا هذا الحريص على الدنيا: والذي يبغيه من تهالكه عليها، ومحاولته الوصول إلى أقصى غاياته بشتى الوسائل؟ أهو نذر قطعه على نفسه، فهو يدأب لإنفاذه، ويسعى جهده لقضائه؟ أم هو ضلال وباطل من أمره؟.
الأعراب: ألا: للتنبيه. ما: اسم استفهام، مبتدأ. ذا: اسم موصول، خبر، وجملة "يحاول": صلة، والعائد إلى الاسم الموصول محذوف، والتقدير: ما الذي يحاوله وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب مفعول ثانيا لـ "تسألان"، و"المرء": المفعول الأول. أنحب: الهمزة حرف استفهام. نحب: خبر لمبتدأ محذوف، أو بدل من "ما" الواقعة مبتدأ. أم: حرف عطف، ضلال: معطوف على نحب، وباطل: معطوف على ضلال.
موطن الشاهد: "ماذا".
وجه الاستشهاد: استعمال: "ذا" موصولا بمعنى الذي، ودليل ذلك إتيانه بعده بجملة الصلة، وتقدمه "ما" الاستفهامية، ولا يجوز جعل "ذا" ملغاة مركبة مع "ما" مفعولا مقدما لـ "يحاول"؛ لأنه جاء بالبدل مرفوعا، فدل ذلك، على أن المبدل منه كذلك. ويضعف جعل "ماذا" مبتدأ، وجملة يحاول خبرا لعدم وجود رابط بين جملة الخبر والمبتدأ، وحذف الرابط في مثل هذا قليل، ومنعه سيبويه، وجوز الدماميني ذلك؛ لجواز مثل هذا في الشعر، أو "ماذا" مفعول لـ "يحاول" و"نحب" خبر مبتدأ محذوف. انظر في هذه المسألة، حاشية الصبان: 1/ 159-160.(1/165)
وقوله1: [المتقارب]
54- فمن ذا يعزي الحزينا2
والكوفي لا يشترط ما ولا من، واحتج بقوله3: [الطويل]
__________
1 هو أمية بن أبي عائذ الهذلي، أحد بني عمرو بن الحارث من هذيل، شاعر أدرك الجاهلية وعاش في الإسلام، كان من مُدَّاح بن أمية، وله قصائد في عبد الملك بن مروان، ثم رحل إلى مصر، فأكرمه عبد العزيز بن مروان.
الشعر والشعراء: 2/ 267، الخزانة: 1/ 417، الأغاني: 20/ 115.
2 تخريج البيت: تمام البيت:
إلا إن قلبي لدى الطاعنين ... حزين فمن ذا يعزي الحزينا؟
وهو مطلع قصيدة عدتها 51 بيتا، في مدح عبد العزيز بن مروان، وهي موجودة في شرح أشعار الهذليين، صنعة أبي سعيد السكري.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 139، وشرح ديوان الهذليين للسكري: 515، وديوان أمية بن أبي عائذ: 63.
المفردات الغريبة: الظاعنين: جمع ظاعن، وهو اسم فاعل من ظعن، أي سار، ضد أقام وقصد أحبابه الذين فارقوه. حزين: وصف من الحزن، وهو انقباض النفس وانصرافها عما يسر. يعزي: يسلي ويبعث الصبر إلى نفسه.
المعنى: يصف الشاعر نفسه، وما فعل به فراق الأحبة، حين غادروه، كئيبا متألما بلا قلب، ثم يسأل عمن يعزيه ويسري عنه، ويبعث الصبر إلى نفسه، علها تخف آلامه وتذهب أحزانه.
الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. حزين: خبر "إن" فمن: من اسم استفهام مبتدأ. ذا: اسم موصول بمعنى الذي، خبر المبتدأ. يعزي: فعل مضارع، والفاعل هو. الحزينا: مفعول به، والألف للإطلاق، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها.
موطن الشاهد: "من ذا".
وجه الاستشهاد: مجيء "ذا" اسما موصولا، مع تقدم "من" الاستفهامية، ورأي مذاهب النحويين في ذلك، والدلالة على موصوليتها، مجيئه بجملة الصلة بعدها وهي قوله: "يعزي الحزين".
3 هو: يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري، حليف لقريش، وكان عبدا للضحاك بن عبد عوف الهلالي، وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية توفي سنة 69هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 360،والجمحي: 1/ 143، والأغاني: 17/ 51، والخزانة: 2/ 210.(1/166)
55- أمنت وهذا تحملين طليق1
__________
1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة ليزيد، قالها بعدما أطلقه معاوية بن أبي سفيان من سجن واليه على سجستان وتمام الشاهد مع بيتين بعده هكذا:
عَدَسْ؛ ما لعباد عليك إمارة ... أمنت وهذا تحملين طليقُ
طليق الذي نجَّى من الحبس بعدما ... تلاحم في درب عليك مضيقُ
ذَرِي أو تناسَيْ ما لقيت؛ فإنه ... لكل أناس خبطةٌ وخريقُ
والشاهد من شواهد التصريح: 1/ 139، وهمع الهوامع: 1/ 84، والدرر اللوامع: 1/ 59 والشعر والشعراء: 2/ 717، وشرح المفصل، 2/ 16، 4/ 23، 79، والخزانة: 2/ 514، 3/ 89 والعيني: 1/ 442، 3/ 316، 4/ 314 واللسان "عدس" ومغني اللبيب: "834/ 602" وشرح السيوطي: 291، والأغاني: 18/ 296، وقطر الندى: "33/ 143" وشذور الذهب "69/ 198" والأشموني: "104/ 1/ 74".
المفردات الغريبة: عَدَسْ: اسم صوت لزجر البغل، واسم للبغل أيضا. عباد: هو ابن زياد بن أبي سفيان والي سجستان. إمارة: حكم وتسلط. طليق: اسم مفعول ومعناه: السراح من السجن، لا سلطان لأحد عليه.
المعنى: يخاطب الشاعر بغلته أن تقف، ولا تخاف؛ فهي الآن في آمان، وليس لعباد عليها من سلطان ولا حكم، والذي تحملينه قد خرج من سجنه؛ فهو حر طليق.
الإعراب: عدس: اسم صوت مبني على السكون، لا محل له. ما: نافية مهملة. لعباد: متعلق بمحذوف خبر مقدم. إمارة: مبتدأ مؤخر. وهذا: الواو حالية، و"ها": حرف للتنبيه، وذا: اسم موصول، مبتدأ. تحملين: فعل وفاعل، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، والتقدير: تحملينه. طليق: خبر لمبتدأ مرفوع.
موطن الشاهد: "ذا"
وجه الاستشهاد: استعمال "ذا" اسما موصولا، من دون أن يتقدم عليه استفهام بـ "ما" أو "من" على رأي الكوفيين، ولم يمنعهم اتصال حرف التنبيه به من موصوليته؛ لأنهم يرون أن جميع ما يكون اسم إشارة، قد يكون اسم موصول، وهم في قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُم} ؛ يقدِّرون: ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم، وفي قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يقدرون: ها أنتم الذين جادلتم عنهم، والبصريون، يردون ذلك، ويقولون: إن "هؤلاء" منادى بحذف حرف النداء.
وانظر شرح التصريح: 1/ 139-140.(1/167)
أي: والذي تحملينه طليق، وعندنا أن "هذا طليق" جملة اسمية1 و"تحملين" حال، أي: وهذا طليق محمولا.
[افتقار الموصولات إلى صلة] :
وتفتقر كل الموصولات إلى صلة2 متأخرة عنها3 مشتملة على ضمير مطابق لها4 يسمى العائد5.
[شروط الصلة] :
والصلة: إما جملة، وشرطها: أن تكون خبرية، معهودة، إلا في مقام التهويل والتفخيم، فيحسن إبهامها، فالمعهودة كـ "جاء الذي قام أبوه"، والمبهمة نحو: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} 6، ولا يجوز أن تكون إنشائية كـ "بعتكه" ولا طلبية
__________
1 أي: هذا اسم إشارة على أصله، وليس اسما موصولا؛ لأن "ها" للتنبيه، ولا تدخل على الموصولات.
2 تفتقر إلى صلة؛ لأنها مبهمة المعنى، غامضة المدلول، لا تدل على شيء معين، فلا بد لها من شيء يعرفها، ويزيل إبهامها وغموضها. شرح التصريح: 1/ 140.
2 متأخرة عنها؛ لأنها مكملة للموصول، فهي منه بمثابة جزئه المتأخر؛ ولهذا لا يجوز تقديمها، ولا تقديم شيء منها عليه. المصدر نفسه.
4 مطابق لها؛ ليربطها بالموصول، وهذا المطابقة تكون في اللفظ والمعنى إذا كان الموصول مختصا؛ حيث يطابق في الإفراد والتأنيث وفروعهما، فإذا كان الموصول عاما؛ أي مشتركا نحو: "من" و"ما" وأخواتهما، فيجوز مراعاة اللفظ، وهو الأكثر؛ إذ أمن اللبس، وفي غير "أل" وإلا وجب مراعاة المعنى، وهذا في الموصولات الإسمية؛ أما الموصولات الحرفية فصلتها لا تحتاج إلى رابط كما تبين لنا. "المصدر نفسه".
5 سمي العائد بذلك؛ لعوده على الموصول، وقد يغني عن الضمير في الربط -لسبب بلاغي، أو نحوه- اسم ظاهر بمعنى الموصول، كما في قولهم في خطاب الله تعالى: "أنت الذي في رحمة الله أطمع"، أي: في رحمته. وقد تستغني جملة الصلة عن الرابط إذا عطفت عليها جملة مشتملة عليه شرط أن يكون العطف بالفاء أو الواو، ثم. "المصدر نفسه".
6 "20" سورة طه، الآية: 78.
موطن الشاهد: {مَا غَشِيَهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" اسما موصولا، وجملة "غشيهم"، صلة للموصول، وهي مبهمة، وليست معهودة، وجاءت مبهمة؛ لأنها في مقام التهويل؛ لأن المقصود: الذي غشيهم أمر عظيم، والمرجع في معرفة ذلك الاسم الموصول، فإن أريد به معهود فصِلَتُه معهودة، نحو: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} ، وإن أريد به الجنس فصلته كذلك، نحو: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} ، وإن أريد به التعظيم، أبهمت صلته، نحو: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} .
انظر شرح التصريح: 1/ 141.(1/168)
كـ "اضربه" و"لا تضربه"1، وإما شبهها، وهي ثلاثة: الظرف المكاني، والجار والمجرور، التامان، نحو: الذي عندك" و"الذي في الدار" وتعلقهما باستقر محذوفا، والصفة الصريحة، أي الخالصة للوصفية، وتختص بالألف واللام، كـ "ضارب" و"مضروب" و"حسن" بخلاف ما غلبت عليها الاسمية، كأبطح وأجرع وصاحب وراكب2، وقد توصل بمضارع، كقوله:
__________
1 فلا تقل: جاء الذي أضربه، أو لا تضربه؛ لأن كلا من الإنشاء والطلب، لا خارجي له؛ فضلا عن أن يكون معهودا، فلا يصلح لبيان الموصول، ومن ثم امتنع الوصل بالتعجبية. وإن كانت خبرية، فلا يقال: جاء الذي ما أحسنه!، لما في التعجب من الإبهام المنافي للبيان فتكون مستثناة من الخبرية كما أن جملة القسم مستثناة من الإنشائية فيجوز الوصل بها نحو: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَن} وقيل: لا استثناء فيهما، أما التعجبية، فلأنها إنشائية؛ نظرا إلى حالة الاستعمال، وأما القسمية؛ فلأن الوصل إنما هو بجملة الجواب، وهو خبري، وجملة القسم إنما جيء بها؛ لمجرد التأكيد، ولا يجوز الوصل بجملة مستدعية كلاما قبلها، فلا يقال: جاء الذي لكنه قائم أو حتى أبوه قائم؛ لأن فيه استعمال لكن من غير تقدم مستدرك، واستعمال حتى من غير تقدم مغيًّا، وأجاز الكسائي الوصل بالأمر، والنهي، والمازني بالدعاء بما لفظه الخبر، نحو: جاء الذي يغفر الله له، وصاحب الإفصاح "بنعم وبئس"، وهشام "بليت ولعل وعسى" هذا حكم الجملة، وصفوة القول: امتنع وقوع الإنشائية والطلبية صلة؛ لأن مضمونهما لا يعلم إلا بعد ذكرهما، فلا تكونان معهودتين للمخاطب.
الأشموني: 1/ 163- 164، التصريح: 1/ 141، ابن عقيل تحقيق البقاعي": 1/ 125.
2 أما "أبطح": فهو مذكر بطحاء، وهو في الأصل: وصف لكل مكان مستوٍ، ثم غلب عليه الاسمية، فصار مختصا بالأرض المستوية ذات الرمل، التي لا تنبت شيئا، وأما "صاحب" فإنه في الأصل: وصف للفاعل، ثم غلب على صاحب الملك، وأما "راكب" فإنه في الأصل: وصف للفاعل، ثم غلب على صاحب الملك، وأما "راكب" فإنه في الأصل وصف لفاعل، ثم غلب على صاحب الملك، وأما "راكب" فإنه في الأصل: وصف للفاعل، ثم غلب على راكب الإبل، دون غيره، وعلى رأس الجبل، قال الشاطبي، والدليل، على أن هذه الأسماء، انسلخ منها معنى الوصفية، أنها لا تجري صفات على موصوف، ولا تعمل على الصفات، ولا تتحمل ضميرا، فلا توصل بها "أل"؛ لعدم شبهها بالفعل.
التصريح: 1/ 142.(1/169)
ما أنت بالحكم الترضى حكومته1
ولا يختص ذلك عند ابن مالك بالضرورة.
__________
1 تقدم تخريج وشرح هذا البيت والتعليق عليه.
موطن الشاهد: "الترضى".
وجه الاستشهاد: دخول "أل" الموصولة على الفعل المضارع، ودخولها على المضارع، قليل؛ لأن صلة "أل" لا تكون إلا صفة صريحة، أي: اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو صيغة مبالغة.
فوائد:
- ينبغي أن تقع الصلة بعد الموصول مباشرة، وألا يفصل بينهما أجنبي ليس من جملة الصلة نفسها، ويجوز الفصل بالنداء، إذا تقدم ضمير المخاطب، نحو: أنت الذي -يا أحمد- تستحق المكافأة، ويجوز الفصل بالقسم، نحو: ظفر الذي -والله- يتقي مولاه.
- ويجوز الفصل بالجملة المعترضة، نحو: والدي الذي -حفظه الله- يرعى شؤوني.
حاشية الصبان: 1/ 160. ضياء السالك: 1/ 155.
- يجوز حذف الصلة إن دلت عليها قرينة لفظية، كأن تقول: من رأيته في الحديقة؟ فتجيب: محمد؛ أو قرينة معنوية، يدل عليها المقام كالفخر والتهويل والتعظيم، نحو:
نحن الألى؛ فاجمع جمو ... عك ثم وجِّهْهُمْ إِلينا
أي: نحن الأُلى عرفوا بالشجاعة، كما يُفهم مما بعده.
- لا يجوز حذف الموصول الحرفي؛ لضعف الحرف عن أن يؤثر، وهو محذوف، وأما الموصول الاسمي، فإن الكوفيين، ومعهم الأخفش، يجيزون حذفه مطلقا، ومن العلماء من يجيز حذفه بشرط أن يكون معطوفا على موصول آخر، نحو قوله تعالى: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُم} أي بالذي أنزل إلينا والذي أنزل إليكم؛ لأن المنزل إلى الفريقين، ليس واحدا، ومن ذلك قول حسان بن ثابت:
أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء؟
أفمن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يمدحه وينصره سواء؟ لأن الذي يهجوه وينصره ليس واحدا.
انظر همع الهوامع: 1/ 89، وحاشية الصبان: 1/ 161-162.(1/170)
[حذف العائد من الصلة وأحواله] :
ويجوز حذف العائد المرفوع إذا كان مبتدأ مخبرا عنه بمفرد، فلا يحذف في نحو: "جاء اللذان قاما" أو "ضربا"؛ لأنه غير مبتدأ، ولا في نحو: "جاء الذي هو يقوم" أو "هو في الدار" لأن الخبر غير مفرد، فإذا حذف الضمير لم يدل دليل على حذفه؛ إذ الباقي بعد الحذف صالح لأن يكون صلة كاملة، بخلاف الخبر المفرد، نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدّ} 1 ونحو: {وَهُوَ الَّذَِّي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} 2، أي: هو إله في السماء، أي: معبود فيها، ولا يكثر الحذف في صلة غير "أي" إلا إن طالت"3 الصلة، وشذَّت قراءة بعضهم4: "تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ"5،
__________
1 "19" سورة مريم، الآية: 69.
موطن الشاهد: {أَيَّهُمْ أَشَدّ} .
وجه الإستشهاد: مجيء "أشد" خبرا مفردا محذوف، تقديره: هو؛ لأن تقدير الكلام: أيهم هو أشد، وذلك المبتدأ المحذوف هو العائد.
2 "43" سورة الزخرف، الآية: 84.
موطن الشاهد: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إله" خبرا لـ "مبتدأ" محذوف، تقديره: هو إله، وذلك المبتدأ هو العائد، وأتى خبره مفردا، كما ذكرنا.
3 معلوم أن "أي الموصولة ملازمة للإضافة، إما لفظا، نحو "أيهم أشد"، وإما تقديرا، نحو: "أي أشد، ولما كان "لا بد لها من المضاف إليه في اللفظ أو التقدير، جعلوا ذلك بمنزلة طول الصلة، فلم يشترطوا شيئا في جواز حذف العائد المرفوع من صلتها، واشترطوا ذلك في صلة غير "أي"؛ لأن غيرها من الموصولات لا يلزم الإضافة، بل يقبلها.
ويستثنى من اشتراط طول الصلة صلة "ما" في قولهم: "لا سيما زيد" إذا رفعت زيدًا، فإن رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، وجملة المبتدأ والخبر، لا محل لها من الإعراب؛ لأنها صلة "ما"، والتقدير: "ولا سي الذي هو زيد، فحذف المبتدأ، وهو العائد، وليست الصلة طويلة، والحذف في هذا الموضع مقيس، وليس شاذًّا.
شرح التصريح: 1/ 143-144، وابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 129، والأشموني مع الصبان: 1/ 166.
4 هو يحيى بن يعمر بن أبي إسحاق.
5 "6" سورة الأنعام، الآية: 154.(1/171)
وقوله1:
56- من يُعنَ بالحمد لم ينطق بما سَفَهٌ2
__________
أوجه القراءات: قرأ برفع "أحسن" يحيى بن يعمر وابن أبي إسحق، وهي قراءة محكية عن الحسن والأعمش انظر تفسير القرطبي: 7/ 137، والبحر المحيط: 4/ 255، والإتحاف: 220.
موطن الشاهد: "أحسن".
وجه الاستشهاد: مجيء "أحسن" على هذه القراءة خبرًا لمبتدأ محذوف، وهذا المبتدأ المحذوف، هو العائد إلى "الذي" و"الجملة": صلة للاسم الموصول.
وأما من فتح "أحسن" على اعتبار كونه فعلا ماضيا، صلة لـ "الذي"، وفيه ضمير يعود على الذي. انظر مشكلة إعراب القرآن: 1/ 299.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ولا يحد عن سبيل المجد والكرم
وهو من شواهد التصريح: 1/ 144، والأشموني: "113/ 1/ 78"، والعيني: 1/ 446، وهمع الهوامع: 1/ 90، والدرر اللوامع: 1/ 69 وفيه برواية: "الحلم" بدل "المجد".
المفردات الغريبة: يعن -بالبناء للمجهول؛ لزوما على المشهور:
يعتني ويهتم. الحمد: الثناء. سَفَهٌ: السفة رقة العقل وضعفه، والمراد: لازمه وهو قول السوء والفحش. لا يحد: لا يمل ولا ينحرف.
المعنى: يبين الشاعر: أن من همه أن يكون محمود السيرة يحمده الناس ويثنون عليه لا ينطق بالسوء من القول، ولا ينحرف عن الطريق؛ طريق الحلم والكرم وفضائل الأخلاق ومكارمها.
الإعراب: من" اسم شرط، مبتدأ. يعن: مضارع مبني للمجهول، وهو فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف الألف، ونائب الفعل: هو "بالحمد" متعلق بـ "يعن". لم: حرف جازم. ينطق: مضارع مجزوم والفاعل: هو، و"الجملة" في محل جزم جواب الشرط. بما": متعلق بـ "ينطق". سفه "بالرفع": خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو سفه، و"الجملة": صلة، لا محل لها. ولا: الواو عاطفة لا: حرف زائد لتأكيد النفي. يحد: مضارع معطوف على "ينطق". "عن سبيل": متعلق بـ "يحد". المجد: مضاف إليه. والكرم: الواو عاطفة، الكرم: اسم معطوف على المجد.
موطن الشاهد: "بما سفه".
وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى الاسم الموصول من جملة الصلة، وهو مرفوع، ولم تطل الصلة، وحكم حذف العائد في هذه الحال الشذوذ عند البصريين، والجواز من دون شذوذ عند الكوفيين.(1/172)
والكوفيون يقيسون على ذلك1.
ويجوز حذف المنصوب إن كان متصلا، وناصبه فعل أو وصف غير صلة الألف واللام2، ونحو: {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُون} 3، وقوله4: [البسيط]
57- ما الله موليك فضلٌ فاحمدنه به5.
__________
1 خلاصة ما تقدم: أن الكوفيين، يجيزون حذف العائد المرفوع بالابتداء مطلقا، طالت الصلة أم قصرت، سواء كان الموصول "أيا" أم غيرها ويوافقهم البصريون في "أي" أما غيرها فيشترطون طول الصلة، فالخلاف بينهما فيما إذا لم تطل الصلة، وكان الموصول غير "أي" وحجة الكوفيين السماع، وعند البصريين شاذ شرح التصريح: 144.
2 لا يجوز حذف منصوب صلة الألف واللام، إذا عاد إليها؛ لأنه دليل على اسميتها الخفية، فلو حذف ضاع هذا الفرض، أما إذا عاد على غيرها فيجوز حذفه، نحو: جاء الذي أنا المكرم.
3 "64" سورة التغابن، الآية: 4.
موطن الشاهد: {مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} .
وجه الاستشهاد: حذف العائد المنصوب المتصل؛ لأن الأصل: يعلم ما يسرونه وما يعلنونه، وحكم حذف العائد في هذه الحال الجواز؛ لأن ناصبه فعل.
4 لم ينسب إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد:
هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فما لدي غيره نفع ولا ضرر.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 145، وابن عقيل "34/ 1/ 169"، وهمع الهوامع: 1/ 89.
المفردات الغريبة: موليك: مانحك ومعطيك، وهو اسم فاعل من أولى يولى أي أعطى. فضل: منة وعطاء تفضلا منه.
المعنى: يخاطب الشاعر الإنسان العاقل، بأن ما وهبه الله لك من النعم هو تفضل منه وإحسان، وليس جزاءًا لعمل عملته، أو حقا لك عليه سبحانه، فاحمد الله واشكره على ذلك، فهو وحده النافع الضار، ومن بيده مقاليد الأمور، ولا يملك غيره من الأمر شيئا. =(1/173)
بخلاف "جاء الذي إياه أكرمت" و"جاء الذي إنه فاضل" أو "كأنه أسد" أو "أنا الضاربة"1، وشذ قوله2: [البسيط]
58- ما المستفِزُّ الهوى محمودُ عاقِبَةٍ3
__________
= الإعراب: ما: اسم موصول، مبتدأ. الله: "لفظ الجلالة" مبتدأ ثانٍ. موليك: خبر المبتدأ الثاني، مضاف إلى "الكاف" من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله الأول، وجملة: "الله موليك": صلة للموصول، لا محل لها، والعائد إلى "ما" محذوف، التقدير: ما الله موليكه"، وهذا المحذوف، هو المفعول الثاني لاسم الفاعل "موليك" فضل: خبر "ما" فاحمدنه: الفاء واقعة في جواب شرط مقدر أي: إذا كان كذلك فاحمدنه، احمدنه: فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والهاء: مفعول به. فما: الفاء تعليلية. ما نافية مهملة. لدى: متعلق بخبر مقدم. غيره: مضاف إليه، والهاء: مضاف إليه ثانٍ. نفع: مبتدأ مؤخر، ويجوز أن تكون "ما" عاملة عمل "ليس" و"لدى" خبرها مقدم، و"نفع" اسمها مؤخر.
موطن الشاهد: "ما الله موليك".
وجه الاستشهاد: حذف الضمير العائد إلى الاسم الموصول، من جملة الصلة؛ لأن التقدير "موليكه" وهذا العائد منصوب بوصف، وهو مولٍ، ويمكن هنا أن يكون التقدير موليك إياه، وهذا التقدير أرجح؛ لأن الانفصال في ثاني الضميرين المعمولين "اسم" أرجح من الاتصال، كما مر سابقا، ولكن قدر متصلا تمشيا مع قول المصنف، وتقييد المصنف بالمتصل، احترازا من المنفصل، يقصد به الحصر ليس غير.
1 في المثال الأول: لم يجز حذف العائد فيه؛ لأن هذا العائد ضمير منفصل لغرض الحصر، ففات فيه شرط اتصال الضمير، أما المثال الثاني: فلم يجز حذف العائد؛ لأن العامل في العائد هو "إن" ففات فيه شرط كون العامل فيه فعلا، أو وصفا، وأما المثل الثالث: فلم يجز حذف العائد فيه المثال السبب في المثال الثاني، وإنما جاء بمثالين للعائد المعمول لحرف؛ لأن الحرف العامل، إما أن يغير معنى الجملة مثل كأن، وإما ألا يغيرها مثل إن، وأما المثال الرابع: فلم يجز حذف العائد فيه؛ لكون العامل فيه وصفا واقعا صلة "أل".
التصريح: 1/ 146.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ولو أتيح له صفو بلا كدر.
وهو من شواهد التصريح: "1/ 146، 2/ 267، والأشموني: "115/ 1/ 79"، والعيني: =(1/174)
وحذف منصوب الفعل كثير، ومنصوب الوصف قليل1
__________
= 1/ 447، 4/ 479، وهمع الهوامع: 1، 89، والدرر اللوامع: 1/ 68.
المفردات الغريبة: المستفزّ: اسم فاعل من استفزه: أزعجه واستخفه. الهوى: ميل النفس إلى ما تشتهي. أتيح: هيئ وقدر.
المعنى: يرى الشاعر أن الإنسان الذي يستخفه الهوى وتزعجه صبوة النفس ويتبع شهوات نفسه، وينقاد لها، ليس محمود العواقب.
الإعراب: "ما" نافية مهملة. "المستفز: مبتدأ. الهوى: فاعل المستفز، ومفعوله محذوف عائد إلى "أل" أي: المستفزه. محمود: خبر المبتدأ، ويمكن أن تكون "ما" عاملة عمل "ليس" والمستفز: اسمها، ومحمود: خبرها. ولا: الواو عاطفة على محذوف. لو شرط غير جازم أتيح: فعل ماضٍ مبني للمجهول، "له: "متعلق بـ "أتيح". صفو: نائب فاعل. بلا: الباء حرف جر. لا: اسم بمعنى "غير" ظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية، وهو مضاف، كدر مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية و"بلا كدر": متعلق بمحذوف صفة لـ "صفو".
موطن الشاهد: "ما المستفز".
وجه الاستشهاد: حذف العائد من صلة "أل"، وهو منصوب بالوصف "المستفز"، وحكم هذا الحذف أنه شاذّ، ويرى بعضهم أنه قليل، وليس شاذا، والأصل في العبارة: ما المستفزه الهوى محمود العاقبة.
1 كان حذف منصوب الفعل كثيرا؛ لأن الأصل في العمل للفعل، فكثر تصرفهم في معموله بالحذف تارة، وبالتقديم تارة وبالفصل بين الفعل ومعموله تارة أخرى وكان حذف منصوب الوصف قليلا جدا، بل قال الفارسي: لا يكاد يسمع من العرب، وقال ابن السراج أجازوه على قبح، وقال المبرد: رديء جدا؛ لأن الوصف فرع في العمل ومن شأن الفرع أن يكون ضعيفا، فلا يتصرف في معموله، ومن التصرف في المعمول الحذف، غير أن ابن مالك في نظمه، يقول:
والحذف عندهم كثير منجلي ... في عائد متصل إن انتصب
بفعل او وصف......
فسوَّى بين منصوب الفعل والوصف في كثرة الحذف، والأفضل ما ذهب إليه المتقدمون.(1/175)
ويجوز حذف المجرور بالإضافة إن كان المضاف وصفا غير ماضٍ1، نحو: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} 2، بخلاف: "جاء الذي قام أبوه" و"أنا أمس ضاربه"3.
والمجرور بالحرف4 إن كان الموصول أو الموصوف بالموصول مجرورا بمثل ذلك الحرف معنى ومتعلقا، نحو: {وَيَشْرَبُ مِمَّاْ تَشْرَبُوْنَ} 5، أي: منه،
__________
وانظر شرح التصريح: 1/ 146، وحاشية الصبان: 1/ 170-171
1 بأن يكون اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، أو اسم مفعول كذلك، بشرط أن يكون فعله متعديا لاثنين؛ ليكون أحدهما: نائب فاعل، والثاني: هو المضاف إليه لفظه. شرح التصريح: 1/ 147.
2 "20" سورة طه، الآية: 72.
موطن الشاهد: {مَا أَنْتَ قَاضٍ} .
وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى "ما" الموصول الاسمى؛ لأن الأصل: فاقض الذي أنت قاضيه، والعامل في العائد اسم فاعل بمعنى الحال، أو الاستقبال هنا، ومعلوم أن اسم الفاعل المضاف إلى العائد ناصب له تقديرا. ويجوز أن تكون "ما" موصولا حرفيا، يسبك بما بعده بمصدر، التقدير: فاقض قضاءك.
3 لأن المضاف في الأول، ليس بوصف، وفي الثاني وصف ماضٍ، وهو لا يعمل.
4 إن كان العائد مجرورا بحرف فلا يحذف؛ إلا إن دخل على الموصول حرف مثله، لفظا ومعنى، واتَّفق العامل فيهما مادة، نحو: مررت بالذي مررت به، أو أنت مار به، فيجوز حذف الهاء، فتقول: "مررت بالذي مررت"، نحو قوله تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُون} أي: منه، وتقول: مررت بالذي أنت مارٌّ، أي: به.
فإن اختلف الحرفان، لم يجز الحذف، نحو: مررت بالذي غضبت عليه، فلا يجوز حذف "عليه" وكذلك، مررت بالذي مررت به على زيد، فلا يجوز حذف "به" منه؛ لاختلاف معنى الحرفين؛ لأن الباء الداخلة على الموصول للإلصاق، والداخلة على الضمير للسببية، وكذا إن اختلف العاملان، لم يجز الحذف أيضا، نحو: "مررت بالذي فرحت به" فلا يجوز حذف "به".
انظر شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 1/ 139-140.
5 "23" سورة المؤمنون، الآية: 33.
موطن الشاهد: {مِمَّا تَشْرَبُونَ} .
وجه الاستشهاد: حذف الهاء من "تشربون" لأن الأصل: تشربون منه، والذي جوز حذف العائد هنا دخول الجار نفسه على "ما" الموصولة، مع اتحاد العامل مادة، وهو: "تشرب".(1/176)
قوله1: [البسيط]
59- لا تركنن إلى الأمر الذي ركنت ... أبناء يعصر حين اضطرها القدر2
وشذ قوله3: [الوافر]
__________
1 هو: كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، شاعر فحل مجيد، أسلم، بعد أخيه بجير، وكان قد نهى أخاه عن الإسلام، وهجا المسلمين، فتوعده الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جاءه مسلما وأنشده قصيدته المشهورة، التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
فعفا عنه، وكساه بردته، فسميت هذه القصيدة بالبردة.
الشعر والشعراء: 1/ 154، الأغاني: 15/ 142، الإصابة: 1/ 143، أسد الغابة: 1/ 164.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 147، والأشموني: "119/ 1/ 81" والعيني: 1/ 1449.
المفردات الغريبة: لا تركنن: لا تميلن، من ركن إليه: مال وسكن. الأمر: المراد به هنا: الفرار من القتال. يعصر: أبو قبيلة من باهلة.
المعنى: يحرض الشاعر على الثبات في القتال قائلا: لا تجنح إلى الهزيمة، والفرار من القتال، وعدم الصمود أمام الأعداء، كما فعلت أبناء يعصر حين اضطرت إلى ذلك.
الإعراب: لا: ناهية. تركنن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، في محل جزم بـ "لا" والفاعل: أنت. "إلى الأمر": متعلقان بـ "ترك". الذي: صفة لـ "الأمر" ركنت: فعل ماضٍ والتاء: للتأنيث. أبناء: فاعل مرفوع. يعصر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ للعلمية ووزن الفعل، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها. "حين": متعلق بـ ... ركنت" اضطرها: فعل ماضٍ، و"ها" مفعول به. القدر: فاعل، و"الجملة" في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "تركنن إلى الأمر الذي ركنت أبناء يعصر".
وجه الاستشهاد: حذف العائد من جملة الصلة إلى الموصول، والسبب الذي جوز حذفه، مجيء ذلك العائد مجرورا بحرف جر مماثل للحرف الذي جر الموصوف بالموصول في اللفظ، والمعنى، ومجيء، متعلق الحرفين متحدا في اللفظ، والمعنى أيضا؛ لأن المادة واحدة، وإن اختلفت الصيغتان.
3 هو حاتم الطائي، وقد مرت ترجمته.(1/177)
60- وأي الدهر ذو لم يحسدوني1
أي: فيه، وقوله2: [الطويل]
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ومن حسد يجور علي قومي
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 147، والأشموني: "121/ 1/ 81"، والعيني: 1/ 451 وليس في ديوان حاتم الطائي.
المفردات الغريبة: من حسد: من: للتعليل، والحسد: تمني زوال نعمة الغير. يجور علي قومي: يظلمونني.
المعنى: يقول الشاعر: أن قومي يظلمونني، ويجاوزون حد الاعتدال معي، حسدا منهم علي وبغضا. وحسدهم هذا دائم متواصل، فأي وقت من الأوقات لم يحسدوني فيه؟!
الإعراب: "مِن حسد: متعلق بـ "يجور". يجور: فعل مضارع مرفوع. "علي: متعلق بـ "يجوز". قومي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: مضاف إليه وأي: الواو استئنافية، أي: اسم استفهام، مبتدأ، وهو مضاف. الدهر: مضاف إليه. ذو: اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر المبتدأ "أي". لم حرف نفي وجزم وقلب. يحسدوني: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون، والواو: فاعل، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها، والعائد إلى الموصول، من هذه الجملة محذوف، كما سنرى.
موطن الشاهد: "ذو لم يحسدوني".
وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى الموصول من جملة الصلة، فجملة الصلة: "لم يحسدوني" والاسم الموصول: "ذو" الذي بمعنى "الذي"، والعائد المحذوف: ضمير مجرور بحرف جر محذوف، وتقدير الكلام: لم يحسدوني فيه. وأما حكم هذا الحذف، فشاذ عند جمهور العلماء، والذي سهل الحذف، كون الموصوف بالموصول اسما مرادا به زمان، والضمير العائد إليه مجرورا بـ "في" التي بها ينصرف الذهن إلى المحذوف، ولذا قال بعضهم: إن الحذف في مثل هذا قياسي.
انظر شرح التصريح: 1/ 147.
2 ينسب هذا الشاهد إلى رجل من همدان، ولم يعين اسمه أحد من النحاة.(1/178)
61- وهوَّ على من صبه الله علقم1
أي: عليه، فحذف العائد المجرور مع انتفاء خفض الموصول في الأول، ومع اختلاف المتعلق في الثاني وهما: "صب" و"علقم"2.
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
وإن لساني شهدة يُشتفَى بها
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 148، والأشموني: "122/ 1/ 81، والعيني: 1/ 451 وشرح المفصل: 3/ 96، وخزانة الأدب: 2/ 400،ومغني اللبيب: "797/ 567" وشرح السيوطي: 285.
المفردات الغريبة: شهدة "بضم الشين وسكون الهاء" أصله العسل، ما دام في شمعه. علقم: هو الحنظل، وهو شجر له ثمر مر كريه الطعم.
المعنى: يدَّعي الشاعر أن لسانه مثل الشهد والعسل، فيه شفاء للناس الذين أحبهم وأثنى عليهم، وهو مثل الحنظل في المرارة، على من سلطه الله عليه.
الإعراب: هو: "بالتشديد على لغة همدان" مبتدأ. علقم: خبر "على من": متعلق بـ "علقم"؛ لأنه بمعنى. مر"، وجملة "صبه الله". صلة للموصول؛ لأن "من" اسم موصول بمعنى الذي، والعائد إلى الاسم الموصول محذوف مجرور بـ "على" و"الجار والمجرور": متعلق بـ "صب".
موطن الشاهد: "على من صبه الله".
وجه الاستشهاد: حذف العائد إلى "من" وهو مجرور، بحرف جر محذوف، مع اختلاف المتعلقين، "صب" و"علقم"، وحكم هذا الحذف شاذ، وتقدير الكلام: "وهو علقم على من صبه الله عليه".
2 ويمتنع حذف العائد المجرور في مواضع أخرى منها:
1- إذاكان العائد المجرور محصورا، نحو مررت بالذي ما مررت إلا به، أو إنما مررت به.
2- إذا كان نائبا عن الفاعل، نحو: مررت بالذي مُرَّ به.
3- إذا كان لا يتعين للربط نحو: مررت بالذي مررت به في داره.
4- إذا كان حذفه ملبسا نحو: رغبت فيما رغبت فيه؛ لأنه لا يعلم أن الأصل فيه أو عنه، وقيل يجوز؛ لأن الحذف يدل على اتفاق الحرفين، ولو كانا متباينين لم يجز الحذف؛ لأنه مشروط فيه اتفاق الحرفين وهذا أوفق.
التصريح: 1/ 148.(1/179)
[باب المعرفة بالأداة] :
[أداة التعريف وبيان أنواعها] :
وهي: "أل" لا اللام وحدها، وِفاقا للخليل1 وسيبويه، وليست الهمزة زائدة، خلافا لسيبويه2.
وهي: إما جنسية3، فإن لم تخلفها "كل" فهي لبيان الحقيقة4، نحو:
__________
1 الخليل: هو أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم البصري الفراهيدي الأزدي النحوي اللغوي الزاهد، صاحب علم العروض وضبط اللغة، لم يكن بعد الصحابة أذكى ولا أجمع لعلم العربية منه، كان يحج عاما ويغزو عاما، عفيف النفس لا يقبل عطايا الملوك، ولا يحب مصاحبتهم، له مؤلفات كثيرة منها: كتاب العين في اللغة، وكتاب الجمل، والشواهد والعروض، مات سنة 175هـ. وقد نيف على السبعين.
البلغة: 79، إنباه الرواة: 1/ 341، بغية الوعاة: 1/ 557، طبقات القراء: 1/ 275، والأعلام 1/ 363.
2 للعلماء في تعيين المعرف أربعة مذاهب، الأول: أن المعرف هو "أل" برمتها، والألف أصلية، لا زائدة، والثاني: أن المعرف هو "أل" برمتها، والألف زائدة، والثالث: أن المعرف هو اللام وحدها، الرابع: أن المعرف، هو الألف وحدها واللام زائدة فرقا بين همزة الاستفهام والهمزة المعرفة، والأول هو مذهب الخليل بن أحمد، والثاني: هو مذهب سيبويه، والثالث: هو مذهب كثير من النحاة، والرابع: هو مذهب المبرد ولكل واحد من هذه الأقوال حجته.
انظر التصريح: 1/ 148-149، وتعليق الفرائد على تسهيل الفوائد: 2/ 351-355.
3 هي الداخلة على نكرة، تفيد معنى الجنس المحض.
4 أي الحقيقة الذهنية التي تتكون في العقل -من غير نظر إلى ما تنطبق عليه من أفراد، والفرق بين المعرف بأل هذه، وبين النكرة أن هذا المعرف يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهن، أما النكرة فتدل عليها بدون قيد" شرح التصريح: 1/ 149.(1/180)
{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَي} 1، وإن خلفتها "كل" فهي لشمول أفراد الجنس، نحو: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} 2، وإن خلفتها مجازا فلشمول خصائص الجنس مبالغة، نحو: "أنت الرجل علما".
وإما عهدية3، والعهد إما ذكرى نحو: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} 4، أو علمى نحو: {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} 5. {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} 6، أو حضوري نحو: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 7
__________
1 "21" سورة الأنبياء، الآية: 30.
موطن الشاهد: {مِنَ الْمَاءِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة لبيان الحقيقة والماهية من حيث هي، والتقدير: جعلنا من حقيقة الماء المعروف وقيل "المنى" التصريح: 1/ 149.
2 "4" سورة النساء، الآية: 28.
موطن الشاهد: {الْإِنْسَانُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة لشمول أفراد الجنس؛ لأننا نستطيع أن نقول: خُلِق كل إنسان ضعيفا.
3 أي: للعهد، وهي التي تدخل على النكرة، فتفيدها نوعا من التعريف، يجعل مدلولها معينا بعد أن كان مبهما؛ لما يأتي من أسباب.
4 "73" سورة المزمل، الآية: 16.
موطن الشاهد: {الرَّسُوْلَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة العهد الذكرى؛ لأن الرسول الثاني، هو الرسول الأول المذكور سابقا.
5 "20" سورة طه، الآية: 12.
موطن الشاهد: {الْوَادِي الْمُقَدَّسِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة العهد العلمي؛ لأن المعلوم لدينا أن الوادي المقصود، هو الكائن تحت الشجرة.
6 "9" سورة التوبة، الآية: 40.
موطن الشاهد: {الْغَّارِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة العهد العلمي؛ لأن الغار المقصود معروف لدينا.
7 "5" سورة المائدة، الآية: 3.
موطن الشاهد: {الْيَوْمَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أل" مفيدة العهد الحضوري؛ لأن مصحوبها حاضر، أي اليوم الحاضر، وهو يوم عرفة.(1/181)
[مجيء "أل" زائدة] :
وقد ترد "أل" زائدة، أي غيرمعرفة، وهي إما لازمة كالتي في علم قارنت وضعه كالسموأل واليسع واللات والعزى، أو في إشارة وهو "الآن" وفاقا للزجاج والناظم، أو في موصول وهو "الذي" و"التي" وفروعهما؛ لأنه لا يجتمع تعريفان، وهذه معارف بالعلمية والإشارة، والصلة، وإما عارضة: إما خاصة بالضرورة، كقوله1: [الكامل]
62- ولقد نهيتك عن بنات الأوبر2.
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد:
هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ولقد جنيتك أكمؤًا وعساقلا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 151، وابن عقيل: "36/ 1/ 181"، والأشموني: "127/ 1/ 85" ومجالس ثعلب: 624، والمقتضب: 4م 48، والخصائص: 3/ 58، والمنصف: 3/ 134 والمحتسب: 2/ 224، والإنصاف: 1/ 319، 2/ 726، وشرح المفصل: 5/ 271، والعيني: 498 ومغني اللبيب: "75/ 75"، "204/ 291"، وشرح السيوطي: 61.
المفردات الغريبة: جنيتك: جنيت لك، حذف الجار توسعا، فاتصل الضمير. أكمؤا: جمع "كمء" ويجمع على كمأة، وهو نبات في البادية معروف، له ثمر كالقلقاس، يقال له: شحم الأرض. عساقلا. جمع عسقول، وهو الكبير الأبيض من الكمأة: صغير رديء الطعم، له زغب، لونه كالتراب. المعنى: يقول الشاعر: لقد جنيت لك النوع الجيد من الكمأة، ونهيتك عن جني الرديء الخبيث منه.
الإعراب: ولقد: الواو للقسم، واللام: للتأكيد، واقعة في جواب القسم، قد: حرف تحقيق. نهيتك: فعل وفاعل ومفعول به. "عن بنات الأوبر" متعلق بـ "نهيتك". الأوبر: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "بنات الأوبر".
وجه الاستشهاد: زيادة "أل" في العلم اضطرارا؛ لأن بنات أوبر علم على نوع من الكمأة رديء، ومعلوم أن العلم لا تدخله "أل"؛ لأنه لا تجتمع معرفتان، العَلَمية و"أل"، ومثل هذا قول الشاعر:
يا ليت أم العمرو كانت صاحبي ... مكان من أشتى على الركائب.(1/182)
وقوله1: [الطويل] .
63- صددت وطبت النفس يا قيسُ عن عمرو2
__________
1 هو رشيد بن شهاب اليشكري، يخاطب قيس بن مسعود اليشكري، ولم أعثر له على ترجمة وافية
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 151، 1/ 394، وابن عقيل: "37/ 1/ 182"، والأشموني: "128/ 1/ 85" والعيني: 1/ 502، 3/ 225"، وهمع الهوامع: 1/ 80، 1/ 252، والدرر اللوامع: 1/ 53، 1/ 209، والمفضليات، للمفضل الضبي: 310.
المفردات الغريبة: وجوهنا: ذواتنا، أو عظمائنا وزعمائنا. صددت: أعرضت وابتعدت. طبت النفس: طابت نفسك ورضيت.
المعنى: يخاطب الشاعر قيسا ويندد به، فيقول: لما رأيتنا ورأيت أكابرنا وعظماءنا، رضيت نفسك، وامتنعت عن الأخذ بثأر صديقك عمرو الذي قتلناه. وكان قوم الشاعر قد قتلوا عمرا؛ وهو صديق لقيس.
الإعراب: رأيتك: فعل وفاعل ومفعول به. لما: ظرفية حينية متعلقة بـ "رأى" أن زائدة. عرفت: فعل وفاعل، وجوهنا: مفعول به، ومضاف إليه. صددت: فعل وفاعل، وهو جواب "لما" وطبت: فعل وفاعل، و"الجملة" معطوفة على جملة "صددت"، النفس: تمييز منصوب، ويمكن أن تكون مفعولا به لـ "صددت" والتمييز محذوف، والتقدير: صددت النفس وطبت نفسا. يا قيس: حرف نداء، ومنادى مبني على الضم في محل نصب، و"جملة النداء": اعتراضية، لا محل لها. "عن عمرو": متعلق بـ "صددت"؟ أو متعلق بـ "طبت" على أنه مضمن معنى تسليت.
موطن الشاهد: "طبت النفس".
وجه الاستشهاد: دخول "أل" على التمييز الذي يجب تنكيره، وحكم دخول "أل" على التمييز أنه ضرورة عند جمهور البصريين؛ وأما الكوفيون، فإنهم لا يوجبون تنكير التمييز، بل يجوز أن يكون معرفة، وعلى مذهبهم فـ "أل" معرفة، وليست زائدة. وبعض النحويين أعرب النفس مفعولا به. ولا شاهد حينئذ في البيت ...
فائدة: تزاد "أن" بعد لما إذا أعقبت بفعل ماضٍ كما في قول الشاعر:
"رأيتك لما أن عرفت وجوهنا".(1/183)
لأن "بنات أوبر" علم، و"النفس" تمييز، فلا يقبلان التعريف، ويلتحق بذلك ما زيد شذوذا نحو: ادخلوا الأول فالأول"1.
وإما مجوَّزة لِلمْح الأصل2، وذلك أن العلم المنقول مما يقبل "أل" قد يلمح أصله فتدخل عليه أل، وأكثر وقوع ذلك في المنقول عن صفة كحارث وقاسم وحسن وحسين وعباس وضحاك، وقد يقع في3 المنقول عن مصدر كفضل، أو اسم عين كنعمان4، فإن في الأصل اسم للدم، والباب كله
__________
1 السابق منهما حال، واللاحق معطوف، و"أل" زائدة؛ لأن الحال واجبة التنكير، والأصل: ادخلوا أول فأول، وفائدة العطف بالفاء الدلالة على الترتيب التعقيبي، والمعنى: دخلوا مترتبين الأسبق فالأسبق، وأصل أول على الأصح: أو أل على وزن: "أفعل" قلبت الهمزة الثانية واوا، ثم أدغمت الواو في الواو؛ لاجتماع المثلين، وله استعمالان، أحدهما: أن يكون اسما بمعنى قبل، فحينئذ يكون منصرفا منونا، ومنه قولهم: أولا وآخرا، والثاني: أن يكون صفة، فيكون أفعل تفضيل ومعناه: الأسبق، فيكون غير منصرف، لوزن الفعل والوصف.
شرح التصريح: 1/ 152.
2 لمح الأصل: أن ينظر ويلمح أصله المنقول عنه، قبل أن يكون علما، لتكون هنالك صلة معنوية بين المعنى القديم والجديد، فإن كان يقبل "أل" بأن لم يكن فعلا- دخلت "أل" عليه.
2 صرح ابن مالك أن المنقول عن اسم "عين" في درجة متأخرة عن المنقول عن "المصدر" وهما جميعا يقعان مرتبين، بعد درجة المنقول عن الصفة، قال في شرح التسهيل: "وأكثر وقوعها على منقول من صفة، ويليه دخولها على منقول من مصدر، ويليه دخولها على منقول من اسم "عين"، ولكن المؤلف جمع بين المنقول عن مصدر والمنقول عن اسم عين، وجعلهما في درجة واحدة.
شرح التصريح: 1/ 152.
4 يمثل العلماء تارة بالنعمان، للعلم الذي قارنت "أل" وضعه، فتكون لازمة، وتارة يمثلون به للعلم الذي زيدت فيه "أل" للمح الأصل، فتكون غير لازمة؛ وذلك لأن العرب سموا "النعمان" مصاحبا "لأل"، وسموا "نعمان" غير مقترن بأل، فتمثيل كل جماعة باعتبار، ومن تسميتهم بالمجرد قوله:
أيا جبلي نعمان بالله خليا ... نسيم الصبا يخلص إليَّ هبوبها
وقول الآخر:
زيادتنا نعمان لا تحسبنها ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو
شرح التصريح: 1/ 152، وابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 147- 148، وحاشية الصبان: 1/ 183.(1/184)
سماعي1، فلا يجوز في نحو محمد وصالح ومعروف، ولم تقع في نحو: "يزيد" و"يشكر"؛ لأن أصله الفعل وهو لا يقبل أل، وأما قوله:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا2. ... فضرورة سهَّلها تقدم ذكر الوليد.
فصل:
من المعروف بالإضافة أو الأداة ما غلب على بعض من يستحقه حتى التحق بالأعلام، فالأول كابن عباس، وابن عمر بن الخطاب، وابن عمرو بن العاص، وابن مسعود، غلبت على العبادلة3 دون من عداهم من إخوتهم، والثاني كالنجم للثريا، والعقبة والبيت والمدينة والأعشى، و"أل" هذه زائدة لازمة، إلا في نداء أو إضافة فيجب حذفها، نحو: "يا أعشى باهلة"، و"أعشى تغلب"، وقد يحذف في غير ذلك، سمع: هذا عَيُّوق طالعا، و"هذا يوم اثنين مباركا فيه"4.
__________
1 يرى بعض المحدثين أن من الخير أن يقاس على ذلك؛ لأن الغرض الذي من أجله زيدت اللام مستجد في كل العصور، فلا يصح قصره على ما سمع قديما.
2 تقدم تخريج الشاهد والتعليق عليه.
3 قيل: الصواب ذكر ابن الزبير، مكان ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود، مات قبل إطلاق اسم العبادلة، وهذه الكلمة منحوتة من "عبد الله" مثل بسملة، وحمدلة......... إلخ.
وقصد المؤلف: أن لفظ "ابن عمر" غلب على عبد الله بن عمر من دون إخوته، وابن مسعود غلب على عبد الله بن مسعود، من بين إخواته، وآية ذلك: أن كلامه في المعرف بالإضافة، فأما لفظ العبادلة، فقد جمع به "عبد الله" بطريق النحت.
4 حكاه سيبويه، ومجيء الحال منه في الفصيح، يوضح فساد قول المبرد في جعله "أل" في الاثنين وسائر الأيام للتعريف، فإذا زالت، صارت نكرات، والصحيح عند الجمهور: أن أسماء الأيام أعلام توهمت فيها الصفة، فدخلت عليها "أل" كالحارث، ثم غلبت، فصارت كالدبران.
شرح التصريح: 1/ 154.(1/185)
[باب المبتدأ والخبر] :
هذا باب المبتدأ والخبر:
[تعريف المبتدأ وهو نوعان] :
المبتدأ: اسم أو بمنزلته، مجرد عن العوامل اللفظية أو بمنزلته، مخبر عنه، أو وصف رافع لمكتفىً به.
فالاسم، نحو: "الله ربنا" و"محمد نبينا" والذي بمنزلته، نحو: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُم} ، و: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم} 2، و"تسمع بالمعيديِّ خير من أن تراه3.
__________
1 "2" سورة البقرة، الآية: 184.
موطن الشاهد: {أَنْ تَصُومُوا} .
وجه الاستشهاد: مجيء المبتدأ مصدرا مؤولا من "أن وما دخلت عليه" والتقدير: وصومكم خير لكم، وهذا جائز باتفاق؛ لأنه بمنزلة الاسم الصريح.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 6.
موطن الشاهد: {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء المبتدأ مصدرا متصدرا من الفعل، والتقدير: إنذارك وعدمه سواء عليهم، "وسواء": خبر مقدم، وإنذارك: مبتدأ مؤخرا، وعدمه: معطوف عليه.
3 هذا مثل قاله العرب: يضرب لمن يكون خبره والحديث عنه أفضل من مرآه ومنظره، وأول من قاله، هو: المنذر بن ماء السماء، وانظر قصته في مجمع الأمثال للميداني: 1/ 129 برقم: 655.
وقد أورد الجاحظ في البيان والتبيين: 1/ 177، 237، والخزانة: 1/ 151، 2/ 442، 3/ 614، 4/ 408، 499، وأورده ابن برهان في باب "إن".
ولهذا المثل ثلاث روايات، هي:
أ- "لأن تسمع بالمعيديّ خير......" فاللام للابتداء، وأن المصدرية، ولا إشكال في هذه الرواية: لأن المصدر المنسبك من "أن وما بعدها" في تأويل المبتدأ، والحرف موجود في الكلام.(1/186)
والمجرد كما مثلنا، والذي بمنزلة المجرد، نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّه} 1، و"بحسبك درهم" لأن وجود الزائد كلا وجود، ومنه عند سيبويه: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} 2، وعند بعضهم: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم" 3.
__________
ب- "تسمعَ بالمعيديّ خير..........." بنصب المضارع بـ "أن" محذوفة، وفي هذه الرواية شذوذ؛ لأن الحرف المصدري ضعيف؛ ومع هذا فقد بقي عمله بعد حذفه.
جـ- "تسمعُ بالمعيدي خير من أن تراه" برفع المضارع "تسمع" بعد حذف "أن"، وهذه الرواية جاءت على الأصل، حيث حذف الحرف الناصب، وزال عمله، وهنا اختلف العلماء في توجيه هذه الرواية، فذهب بعضهم إلى أن الحرف المصدري مقدَّر؛ ليسبك بالفعل، ويؤول بمصدر يقع مبتدأ؛ لأن المبتدأ لا يكون إلا اسما، وذهب آخرون إلى أن الفعل، إذا أريد به مجرد الحدث صح أن يسند إليه، ويضاف إليه، ولا حاجة عند هؤلاء إلى تقدير الحرف المصدري، ويكون من باب استعمال اللفظ في جزء معناه؛ لأن الفعل يدل على الحدث الذي هو مدلول المصدر وعلى الزمان، وقد جرد هنا من الدلالة على الزمان، واقتصر فيه على الجزء الأول الذي هو الحدث.
1 "35" سورة فاطر، الآية: 3.
موطن الشاهد: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" حرف جر زائد، أي: اسم استفهام مبتدأ، و"كم" مضاف إليه. المفتون: خبر، وهذا -على رأي سيبويه وأما الأخفش، فيرى أن: "بأيكم": خبر مقدم، والباء بمعنى "في" وليست زائدة، والمفتون: "بمعنى الفتنة" مبتدأ مؤخر، وهو مصدر جاء على وزن اسم المفعول، ومنع ذلك سيبويه؛ لأن صيغة "مفعول" لم تثبت عنده بمعنى المصدر، ولأن سياق الآية يقتضي أن الاستفهام عن تعيين الشخص الذي وقعت عليه الفتنة من المخاطبين؛ لا عن مكان المفتون.
انظر شرح التصريح: 1/ 156.
3 هذه قطعة من حديث نبوي روي في صحيح مسلم، من حديث ابن مسعود، وهو =(1/187)
والوصف نحو: "أقائم هذان"، وخرج نحو: "نزال"، فإنه لا مخبر عنه ولا وصف، ونحو: "أقائم أبواه زيد"، فإن المرفوع بالوصف غير مكتفىً به، فزيد: مبتدأ، والوصف خبر.
[يشترط في المبتدأ الوصف تقدم نفي أو استفهام] :
ولا بد لوصف المذكور من تقدم نفي أو استفهام1، نحو2: [الطويل]
__________
= بتمامه: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فأنه له وجاء"، البخاري: 4/ 119، 9/ 112، ومسلم: 2/ 1018-1019.
لغة الحديث: الباءة: النكاح، وقيل القدرة على تبعات الزواج. وجاء: مصدر وجأ يجأ، والوجاء: رض عروق البيضتين، حتى تنفضخ، أي: تنفتح وتنعصر، من غير إنزال، فيكون شبيها بالخصاء؛ لكونه يكسر الشهوة.
الإعراب: فعليه: الفاء واقعة في جواب الشرط. "عليه" خبر مقدم. بالصوم: الباء زائدة، الصوم: مبتدأ مؤخر، والتقدير: الصوم واجب عليه، وهذا قول ابن عصفور، وقيل: "عليه": اسم فعل أمر بمعنى "ليلزم" وفاعله مستتر فيه وجوبا. بالصوم: الباء زائدة، الصوم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول اسم الفعل، غير أن هذا الوجه ضعيف لأمرين، الأول: من جهة الصناعة؛ لأن فعل الأمر، يكون عادة للمخاطب، لا للغائب. الثاني: لأن زيادة الباء مع المفعول غير ثابتة، في غير هذا الموضع، حتى يحمل عليها.
وانظر شرح التصريح: 1/ 156.
1 مذهب البصريين إلا الأخفش أن الوصف، لا يكون مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام، كما في المبتدأ، وذهب الأخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط ذلك فأجازوا: "قائم" الزيدان، فقائم: مبتدأ، والزيدان: فاعل سد مسد الخبر، والشرط المذكور لاكتفاء الوصف بالفاعل عن الخبر على الأرجح، لا شرط العمل، ومعلوم أن النفي يشمل النفي بالحرف، أو بالاسم، أو بالفعل. وكذا الاستفهام، يشمل الاستفهام بالحرف، أو بالاسم.
انظر شرح التصريح: 1/ 157، وابن عقيل: 1/ 192، وابن عقيل "ط. دار الفكر": 1/ 154، ومغني اللبيب "ط. دار الفكر" 723.
2 لم ينسب هذا البيت إلى قائل معين.(1/188)
64- خليليَّ ما وافٍ بعهدِّيَ أنتما1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إذا لم تكونا لي على من أقاطعُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 157، والأشموني: "136/ 1/ 189"، ومغني اللبيب "958/ 723" وشذور الذهب "84/ 237"، وقطر الندى "38/ 159"، وشرح شواهد المغني: 303 والعيني: 1/ 516، وهمع الهوامع: 1/ 94، والدرر اللوامع: 1/ 71".
المفردات الغريبة: واف: اسم فاعل، من وفى بالعهد، أنجزه ولم يخلفه. عهدي. هو ما بين الرَّجُلَيْن من صداقة وأخوة. أقاطع: أخاصم وأهجر.
المعنى: يخاطب الشاعر صديقيه: إنكما إذا لم تكونا لي على من أعاديه، وإذا لم تقاطعا من أقاطع من الناس؛ من أجلي؛ فإنكما لم تفيا بما بيننا من عهد الصداقة والوداد.
الإعراب: خليلي: منادى مضاف بحرف نداء محذوف، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، والياء الثانية: مضاف إليه. ما: نافية. واف: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين. "بعهدي": متعلق بـ "واف" ومضاف إليه. أنتما: فاعل "واف" سد مسد الخبر: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان. لم: جازمة نافية. تكونا: فعل مضارع ناقص مجزوم بـ "لم" والألف: اسمه. "لي": متعلق بـ "تكونا". "على من": متعلق بمحذوف خبر "تكونا" الناقص. أقاطع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا، و"الجملة": صلة الموصول "من" لا محل لها، والعائد إلى الاسم الموصول ضمير نصب محذوف، والتقدير على من أقاطعه، وجملة: "لم تكونا لي على من أقاطع": في محل جر بالإضافة بعد إذا، وجواب إذا محذوف، لدلالة الكلام السابق عليه، وتقدير الكلام، إذا لم تكونا لي على من أقاطع فما واف بعهدي أنتما.
موطن الشاهد: "ما واف..... أنتما".
وجه الاستشهاد: مجيء "أنتما" فاعلا سادا مسد الخبر بعد المبتدأ الوصف "واف" المسبوق بالنفي، فهو اسم فاعل من فعل "وفى". وفي البيت شاهد آخر على أن الضمير البارز الواقع فاعلا بعد الوصف، يسد مسد الخبر كالاسم الصريح تماما، خلافا لبعض النحويين الذين لا يجوزون وقوع الضمير سادا مسدا الخبر، ومن هؤلاء الزمخشري، وابن الحاجب، حيث شرط أن يكون المرفوع اسما ظاهرا.
انظر شرح التصريح: 1/ 157.(1/189)
ونحو1: [البسيط]
65- أقاطنٌ قوم سلمى أم نَوَوْا ظَعَنَا2
__________
1 لم ينسب إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد:
هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إن يظعنوا فعجيب عيش من قطنا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 157، والأشموني: "134/ 1/ 89" والعيني: 1/ 512، وشذور الذهب: "85/ 238"، وقطر الندى: "39/ 160".
المفردات الغريبة: قاطن: "اسم فاعل من قطن بالمكان" إذا أقام فيه، ظعنا "بفتح العين": الاسم من ظعن، ومعناه: ارتحل، والظعن "بسكون العين": هو مصدر الفعل، ويقال: الساكن والمتحرك كلاهما مصدر، ويجوز أن يكون أصله السكون، وفتحت العين؛ لأنها حرف حلق، كما في البحر والشعر.
المعنى: يتساءل الشاعر: أمقيم وباقٍ قوم سلمى في مكانهم الذي أعهده؟ أم عزموا السفر والرحيل؟ ثم قال: إن يسافروا ويتركوا ديارهم ومنازلهم، فستكون حياة من يبقى ويتخلف عنهم عجيبة غريبة.
الإعراب: أقاطن: الهمزة حرف استفهام، قاطن: مبتدأ مرفوع. قوم: فاعل سد مسد الخبر. سلمى: مضاف إليه. أم: حرف عطف. نووا: فعل ماضٍ وفاعل. ظعنا: مفعول به لـ "نوى" إن: حرف شرط جازم. يظعنوا: فعل مضارع مجزوم، وهو فعل الشرط، والواو: فاعل: فعجيب: الفاء رابطة لجواب الشرط. عجيب: خبر مقدم. عيش: مبتدأ مؤخر. من: اسم موصول، مضاف إليه. قطنا: فعل ماضٍ، والألف: للإطلاق، والفاعل هو. و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها، وجملة "المبتدأ والخبر" في محل جزم جواب الشرط.
موطن الشاهد: "أقاطن قوم".
وجه الاستشهاد: مجيء اسم الفاعل "قاطن" مبتدأ؛ لاعتماده على الاستفهام بالهمزة، فاستغنى بمرفوعه "قوم" عن الخبر، وهذا جائز بالإجماع.
فائدة: لا يجوز إعراب "قاطن" خبرا مقدما، و"قوم" مبتدأ مؤخرا؛ لأن لفظة "قوم" تدل على معنى الجمع، بسبب كونه اسم جمع، و"قاطن"، مفرد، ولا يجوز أن يأتي المفرد خبرا عن الجمع، ولا عما يدل عليه.(1/190)
خلافا للأخفش والكوفيين1، ولا حجة لهم في نحو:1 [الطويل]
66- خبيرٌ بنو لهب فلا تك ملغيا3
__________
1 ذهب الكوفيون، والأخفش، وابن مالك في الألفية إلى أنه يجوز أن يرفع الوصف فاعلا أو نائب فاعل مكتفىً به، وإن لم يعتمد هذا الوصف على نفي أو استفهام، وعبارة الناظم:
..................... وقدْ ... يجوز نحو: فائز أولو الرَّشَدْ
لكن المؤلف، لم يشر إلى ذلك، وقد أشرنا إلى هذا سابقا.
التصريح: 1/ 157.
2 ينسب هذا البيت إلى رجل من طيئ، ولم يعينه أحد من النحاة.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
مقالة لِهبيٍّ إذا الطير مرَّتِ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 157، وابن عقيل: "41/ 1/ 195"، والأشموني: "139/ 1/ 90.
المفردات الغريبة: خبير: من الخبرة. وهي العلم بالشيء. بنو لهب: جماعة من بني نصر من الأزد، يقال: إنهم أزجر قوم، وأعيفهم وأعرفهم، بما تدور عليه حركات الطير. ملغيا: من الإلغاء، يقال: ألغيت كلامه إذا عددته ساقطا.
المعنى: إن بني لهب يعلمون زجر الطير، ويعرفون مهابطه، وما تدل عليه أصواته وحركاته حين يمر، فإذا أخبرك لهبي بشيء من ذلك فصدقه، ولا تلغِ قوله.
الإعراب: خبير: مبتدأ، وقد سوغ الابتداء به، وهو نكرة، أنه عامل فيما بعده. بنو: فاعل "خبير" سد مسد الخبر، وبنو ملحق بجمع المذكر السالم. لهب: مضاف إليه. فلا: الفاء عاطفة، لا: ناهية. تكُ: مضارع ناقص مجزوم بـ "لا" وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفا، واسمه: أنت. ملغيا: خبر "تك" منصوب، وفيه فاعل مستتر فيه؛ لأنه اسم فاعل. مقالة: مفعول به لـ "ملغيا" لهبي: مضاف إليه. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط. الطير: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده. والجملة من "الفعل المحذوف والفاعل": في محل جر بالإضافة، وهي جملة الشرط، وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة السياق عليه، والتقدير، إذا مرَّتِ الطير فلا تك ملغيا. مرت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي، والجملة مفسرة، لا محل لها.
موطن الشاهد: "خبير بنو لهب".
وجه الاستشهاد: استدل الكوفيون والأخفش بهذا الشاهد على مجيء "خبير" مبتدأ، لكونه وصفا عاملا فيما بعده، من دون أن يعتمد على نفي أو استفهام؛ لأنهم لا يشترطون ذلك، وعليه فـ "بنو" فاعل سدَّ مسدَّ الخبر، غير أن البصريين عدا =(1/191)
خلافا للناظم وابنه، لجواز كون الوصف خبرا مقدما، وإنما صح الإخبار به عن الجمع لأنه على فعيل، فهو على حد: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} 1.
وإذا لم يطابق الوصف ما بعده تعيَّنت ابتدائيته، نحو: "أقائم أخواك"، وإن طابقه في غير الإفراد تعينت خبريته، نحو: "أقائمان أخواك"، و"أقائمون إخوتك"، وأن طابقه في الإفراد احتملهما، نحو: "أقائم أخوك"2.
__________
= الأخفش يرون أن "خبير": خبر مقدم، و"بنو": مبتدأ مؤخر، وهذا الراجح لدى جمهور العلماء، ورد البصريون على من قال: إنه يشترط أن يتطابق المبتدأ والخبر في الإفراد والتثنية والجمع، وهنا لا تطابق بين "خبير" و"بنو" فالجواب: أن "خبير" جاءت على زنة المصدر، والمصدر: يخبر به عن الواحد، والمثنى، والجمع بلفظ واحد، وقد وردت صيغة "فعيل" مخبرا بها عن الجماعة، كما في قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} وقول الشاعر:
هن صديق للذي لم يشب
وفي هذا، إبطال لحجة الكوفيين والأخفش، انظر تفصيل هذه المسألة في شرح التصريح: 1/ 158، وحاشية الصبان: 1/ 192.
1 "66" سورة التحريم، الآية: 4.
موطن الشاهدَّ: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ظهير" خبرا لـ "الملائكة" وجاز الإخبار بـ "ظهير" لأنه على وزن فعيل" الذي على زنة المصدر، وكما يجوز الإخبار بالمصدر، يجوز الإخبار بما يوازنه.
2 يتضح مما سبق أن للوصف مع مرفوعه ثلاثة أحوال هي:
أ- أن يتعين كون الوصف خبرا مقدما والمرفوع بعده مبتدأ مؤخرا؛ وذلك إذا كان الوصف والمرفوع، إما مثنيين، نحو: "أقائمان أخواك"؟، وإما مجموعين، نحو: "أقائمون إخوانك"، والسبب في عدم مجيء الوصف مبتدأ في هذه الحال، والمرفوع فاعلا له أغنى عن الخبر؛ لأن العامل في الفاعل لا تتصل به علامة تثنية ولا جمع على الفصيح من لغات العرب.
ب- أن يتعين كون الوصف مبتدأ، والمرفوع فاعلا، وذلك إذا كان الوصف مفردا، والمرفوع مثنى، أو جمعا، نحو: أقادم صديقاك؟ و: أذاهب أعمامك؟ والسبب في عدم جعل الوصف خبرا في هذه الحال، أنه لا يجوز الإخبار بالمفرد عن المثني والجمع.
ج- جواز الأمرين، وذلك إذا كان الوصف مفردا، والمرفوع مفردا أيضا، فيجوز اعتبار الوصف مبتدأ، ومرفوعه سد مسد الخبر، أو يكون خبرا مقدما، والمرفوع مبتدأ مؤخرا. راجع التصريح. 1/ 158، وابن عقيل: 1/ 157- 158.(1/192)
وارتفاع المبتدأ بالابتداء، وهو التجرد للإسناد، وارتفاع الخبر بالمبتدأ، لا بالابتداء، ولا بهما، وعن الكوفيين أنهما ترافعا1.
[تعريف الخبر وأنواعه] :
والخبر الجزء الذي حصلت به الفائدة مع مبتدأ غير الوصف المذكور، فخرج فاعل الفعل، فإنه ليس مع المبتدأ، وفاعل الوصف2.
وهو: إما مفرد3، وإما جملة. والمفرد: إما جامد4 فلا يتحمل ضمير
__________
1 مذهب سيبويه، وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأن الخبر مرفوع بالابتداء، فالعامل في المبتدأ معنوي وهو كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة، وما أشبهها واحترز بغير الزائدة، من مثل: "بحسبك درهم" فـ "حسبك": مبتدأ، وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة، ولم يتجرد عن الزائدة؛ لأن "الباء" الداخلة عليه زائدة، واحترز "بشبهها" من مثل: "رب رجل قائم"، لأن رب حرف جر شبيه بالزائد، فـ "رجل: مبتدأ"، وقائم: خبره"، ويدل على ذلك رفع المعطوف عليه، نحو: "رب رجل قائم وامرأة".
- والعامل في الخبر لفظي، وهو المبتدأ. وهذا مذهب سيبويه رحمه الله.
- وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء، فالعامل فيهما معنوي.
- وقيل: المبتدأ مرفوع بالابتداء، والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدأ.
- وقيل: ترافعا، ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ، وأن المبتدأ رفع الخبر.
وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه، وهو الأول، وهذا الخلاف مما لا طائل فيه. انظر ابن عقيل: 1/ 159. وشرح التصريح: 1/ 158- 159.
2 أي: فلا يسمى خبرا وإن حصلت به فائدة مع المبتدأ؛ لأن هذا المبتدأ هو الوصف المذكور، وإنما يسمى فاعلا سد مسد الخبر.
3 المراد بالمفرد: ما ليس جملة ولا شبه جملة، فيشمل المثنى والجمع، والمركب بأنواعه المعروفة.
4 أي: غير مشتق، وهو ما لم يُصَغْ من مصدر للدلالة على متصف به، ولا يشعر بمعنى الفعل الموافق له في مادته، فيشمل أسماء الزمان، والمكان، والآلة.(1/193)
المبتدأ، نحو: "هذا زيد"، إلا إن أُوِّل بالمشتق، نحو: "زيد أسد"، إذا أريد به شجاع2، وإما مشتق فيتحمل ضميره، نحو: "زيد قائم"، إلا أن رفع الظاهر، نحو: "زيد قائم أبواه"3، ويبرز الضمير المتحمل إذا جرى الوصف على غير من هو له، سواء ألبس، نحو: غلام زيد ضاربه هو"4 إذا كانت الهاء للغلام5، أم لم يلبس، نحو: "غلام هند ضاربته هي"6، والكوفي إنما يلتزم الإبراز عند الإلباس، تمسكا بنحو قوله7: [البسيط]
__________
1 ولا يرفع كذلك ضميرا بارزا، ولا اسما ظاهرا بعده.
2 أو: قَلْب السفَّاح حَجَر، أي: قاسٍ، لا رحمة فيه، وهكذا.
3 أو رفع كذلك ضميرا بارزا، نحو: الخير أنت مقدم عليه. وفي الخبر المفرد، يقول ابن مالك:
والمفرد الجامد فارغ، وإن ... يشتق فهو ذو ضمير مستكن
أي: الخبر المفرد نوعان، جامد ومشتق، فالجامد: فارغ من الضمير، ومشتق: فيه ضمير مستكن، أي: مستتر.
4 أي: إذا كان الوصف الواقع خبرا صفة لغير مبتدئه.
5 ضاربه: وصف في المعنى لـ "زيد"؛ لأنه هو الضارب للغلام، وقد جرى على الغلام؛ لأنه خبر عنه، فلو لم يبرز الضمير المستتر في "ضاربه" لتوهم أن الغلام، هو الضارب لـ "زيد"، فينقلب المعنى، وفي هذه الحالة، يتعين أن يكون الضمير البارز فاعلا أو نائب فاعل بحسب نوع الوصف؛ لأن جريانه على غير صاحبه، يمنع استتاره، فترجع إليه حالته الأولى، ولا يعرب توكيدا للضمير المستتر. شرح التصريح: 1/ 161- 162.
6 جرى الوصف "ضاربته" على غير ما هو له، وهو الغلام، ولكن تاء التأنيث، تدل على أن الوصف في المعنى لـ "هند" وفي هذا، يقول الناظم:
وأبرِزَنْه مطلقا حيث تلا ... ما ليس معناه له محصلا
أي: أبرز الضمير الرابط مطلقا سواء أمن اللبس أم لم يؤمن إذا وقع الخبر بعد مبتدأ، لا يكون معنى هذا الخبر محصلا أي حاويا لمعناه، وذلك إذا كان الخبر جاريا على غير ما هو له، ويستوي في توقع الإلباس عند عدم القرينة: الوصف والفعل ماضيا أو مضارعا، نحو: محمد علي أكرمه، أو يكرمه، ففي كل من الفعلين ضمير مستتر، وآخر بارز، يصح عودهما إلى الاسمين، ومن القرائن هنا حروف المضارعة، وضمائر الرفع البارزة راجع شرح التصريح: 1/ 162، وابن عقيل، 1/ 164.
77 لم يعرف قائله.(1/194)
67- قومي ذرا المجد بانوها.......... 1
والجملة إما نفس المبتدأ في المعنى، فلا تحتاج إلى رابط، نحو: {هُوَ اللَّهُ أَحَد} 2 إذا قُدِّر "هو" ضمير شأن، ونحو: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ
__________
1 تخريج الشاهد: تمام البيت هو:
قومي ذرا المجد بانوها، وقد علمت ... بكنه ذلك عدنان وقحطان
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 162، وابن عقيل: "42/ 1/ 208" والأشموني: "143/ 1/ 93"، والعيني: 1/ 157.
المفردات الغريبة: ذرا: جمع ذروة، وذروة الشيء: أعلاه. المجد: الكرم. بانوها: اسم فاعل من البناء، وبانون أصله بانيون أعلَّ إعلال قاضيون. كنه: حقيقة ونهاية الشيء، عدنان: أبو معد. قحطان: أبو اليمن.
المعنى: يفخر الشاعر بأن قومه هم الذين أسسوا أعالى المجد والشرف، وقد علمت بحقيقة ذلك قبيلتا عدنان وقحطان، ويريد العرب جميعا.
الإعراب: قومي: مبتدأ أول، ومضاف إليه. ذرا: مبتدأ ثانٍ، وهو مضاف. المجد: مضاف إليه بانوها: خبر المبتدأ الثاني، و"ها" مضاف إليه، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول. قد: حرف تحقيق. علمت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث "بكنه": متعلق بـ "علمت"، وكنه مضاف. ذلك: مضاف إليه واللام للبعد، والكاف للخطاب. عدنان: فاعل علمت. وقحطان: معطوف عليه مرفوع مثله.
موطن الشاهد: "قومي ذرا المجد بانوها".
وجه الاستشهاد: وقوع "بانوها" خبرا لـ "ذرا"، وهو في المعنى عائد إلى "قومي"؛ لأنهم هم البانون، ولم يبرز الضمير؛ لأمن اللبس؛ لأن "الذرا" مبنية لا بانية، ولو أبرزه، لقال: بانيها هم، حيث إن الوصف كالفعل يفرد إذا أسند إلى المثنى والجمع، ويجوز على غير الفصحى: بانوها هم، والكوفيون يجيزون عدم إبراز الضمير عند أمن اللبس فقط، كما في هذا المثال، وأما البصريون، فيوجبون إبراز الضمير في كل حال، ويعدون هذا الشاهد غير موافق لقياس، فهو شاذٌّ، ومعلوم أن الشاذَّ، يحفظ، ولا يقاس عليه، وقد أعرب بعضهم "ذرا المجد" منصوبا بوصف محذوف، يفسره الوصف المذكور، والتقدير: بانوا ذرا المجد بانوها.
انظر شرح التصريح: 1/ 162.
2 "112" سورة الإخلاص، الآية: 1.
موطن الشاهد: "هو الله أحد".
وجه الاستشهاد: مجيء "الله أحد" خبرا لـ "هو" وهي عينه في المعنى؛ لأنها مفسرة له، والمفسر عن المفسر، أي الشأن الله أحد، ولما كانت الجملة نفس المبتدأ في المعنى، فلا تحتاج إلى رابط، وهذا، على اعتبار "هو" ضمير الشأن، وأما إذا قدر ضمير المسؤول عنه، فخبره مفرد وهو "الله" وأحد خبر ثان، أو بدل.(1/195)
كَفَرُوا} 1، ومنه "نطقي: الله حسبي" لأن المراد بالنطق المنطوق به.
وإما غيره فلا بد من احتوائها على معنى المبتدأ الذي هي مسوقة له2، وذلك بأن تشمل على اسم بمعناه، وهو إما ضميره مذكورا نحو: "زيد قائم أبوه"، أو مقدرا نحو: "السمن منوان بدرهم"، أي: منه، وقراءة ابن عامر3: "وَكُلٌّ وَعَدَ اللَّهُ
__________
1 "21" سورة الأنبياء، الآية: 97.
موطن الشاهد: {هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
وجه الاستشهاد: "هي" ضمير قصة "الشَّأْن" مبتدأ. وشاخصة: خبر مقدم، وأبصار الذين كفروا: مبتدأ مؤخر، وجملة "أبصار الذين كفروا شاخصة" في محل رفع خبر "هي" ومعلوم أنها عين "هي" في المعنى، والتقدير: فإذا القصة أبصار الذين كفروا شاخصة، ولذا فهي لا تحتاج إلى رابط.
2 يشترط في الجملة الواقعة خبرا ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون مشتملة على رابط، يربطها بالمبتدأ، وقد فصل المؤلف الكلام فيه.
الثاني: ألا تكون الجملة ندائية، فلا يجوز أن تقول: محمد يا أعدلَ الناس، على أن تكون جملة "يا أعدل الناس": خبرا عن محمد.
الثالث: ألا تكون مصدَّرة بأحد الحروف: "لكن، وبل، وحتى".
وقد أجمع النحاة على ضرورة استكمال جملة الخبر لهذه الشروط الثلاثة، وزاد ثعلب شرطا رابعا، وهو ألا تكون جملة الخبر قسمية، وزاد ابن الأنباري، ألا تكون إنشائية، والصحيح عند الجمهور صحة وقوع القسمية خبرا عن المبتدأ، كأن تقول: زيد والله إن قصدته ليعطينك، كما أن الصحيح عند الجمهور جواز وقع الإنشائية خبرا للمبتدأ كأن تقول: زيد اضربه. وذهب ابن السراج إلى أنه إن وقع خبر المبتدأ جملة طلبية، فهو على تقدير "قول" فالتقدير عنده في المثال الذي ذكرناه: زيد مقول فيه: اضربه، تشبيها للخبر، بالنعت، وهو غير لازم عند الجمهور في الخبر، وإن لزم في النعت، وفرقوا بين الخبر والنعت بأن النعت يقصد منه التمييز، فيجب أن يكون معلوما قبل الكلام، والخبر يقصد منه الحكم، فلا يلزم أن يكون معلوما قبل الكلام. أوضح المسالك: 1/ 197 حا: 3.
3 ابن عامر: هو أبو عمران، عبد الله بن عامر الدمشقي، أمام أهل الشام في القراءة، وأسن القراء السبعة، قرأ على جماعة من الصحابة، وقيل: إنه قرأ على عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولد سنة 21هـ، وتوفى بدمشق سنة 118هـ.
طبقات القراء لابن الجوزي: 1/ 423، والعبر: 1/ 149.(1/196)
الْحُسْنَى"1، أي: وعده، أو إشارة إليه نحو: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْر} 2، إذا قدر "ذلك" مبتدأ ثانيا، لا تابعا للِبَاس.
قال الأخفش: أو غيرهما3، نحو: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِين} 4، أو على اسم بلفظه ومعناه، نحو: {الْحَاقَّةُ،
__________
1 "57" سورة الحديد، الآية: 10.
قرأ ابن عمر "كل" بالرفع، وقرأ الباقون "كلا" بالنصب. تفسير القرطبي: 17/ 241، والبحر المحيط: 8/ 219.
موطن الشاهد: "وكُلٌ وَعَد اللهُ الحُسنَى".
وجه الاستشهاد: مجيء "كل" مبتدأ على قراءة ابن عامر وجملة "وعد الله الحسنى": في محل رفع الخبر، والرابط بينهما الضمير المقدر المنصوب بـ "وعد" على أنه مفعول الأول، أي: وعده الله، وأما على قراءة النصب فلا شاهد فيها.
2 "7" سورة الأعراف، الآية: 26.
قرأ نافع وأبو جعفر وابن عامر والكسائي "ولباس" بالنصب عطفا على "لباس" المنصوب بـ "أنزلنا" وقرأ الباقون "ولباس" بالرفع على الابتداء والقطع مما قبله، وذلك: صفة أو بدل منه، أو عطف بيان عليه، و"خبره" خبره، النشر: 259، والاتحاف: 223، والمشكل: 1/ 309-310.
موطن الشاهد: {لِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ذلك" مبتدأ ثانيا، و"خير" خبره، والجملة خبر المبتدأ "لباس" الرابط بينهما الإشارة إلى المبتدأ بـ "ذلك".
3 أي: غير الضمير والإشارة، كإعادة المبتدأ بمعناه، كما في الآية التالية.
4 "7" سورة الأعراف، الآية: 170.
موطن الشاهد: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِين} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الذين" مبتدأ، وجملة "يمسكون بالكتاب": صلة، وأقاموا الصلاة، معطوفة على الصلة، والخبر: جملة "إنا لا نضيع أجر المصلحين"، ومعلوم أن "المصلحين" في المعنى، هم الذين يمسكون بالكتاب، ويقيمون الصلاة فأعاد المبتدأ بمعناه، وهذا هو الرابط المشار إليه، وقيل: إن الرابط محذوف، والتقدير: إنا لا نضيع أجر المصلحين منهم، وحذف الرابط المجرور جائز باتفاق، أو الرابط العموم؛ لأن المصلحين أعم من الذين يمسكون بالكتاب، وقيل: إن الذين يمسكون في موضع جر بالعطف على "للذين يتقون". انظر شرح التصريح: 1/ 165.(1/197)
مَا الْحَاقَّةُ} 1، أو على اسم أعم منه، نحو: "زيد نعم الرجل"2 وقوله3: [الطويل]
68- فأما الصبر عنها فلا صبرا4.
__________
1 "69" سورة الحاقة، الآية: 1-2.
موطن الشاهد: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الحاقة" مبتدأ، و"ما" مبتدأ ثانيا، والحاقة "الثانية" خبرا لـ "ما"، الجملة" في محل رفع خبر "الحاقة" الأولى، والرابط بينهما إعادة المبتدأ بلفظه ومعناه.
2 ففي الرجل عموم يشمل زيدا وغيره.
3 القائل هو: ابن ميادة، واسمه الرماح بن أبرد، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذه قطعة من بيت، وهو بكماله:
ألا ليت شعري هل إلى أم جحدر ... سبيل؟ فأما الصبر عنها فلا صبرا
وهو من شواهد، التصريح: 1/ 165، وهمع الهوامع: 1/ 98، والدرر اللوامع: 1/ 74 والكتاب لسيبويه: 1/ 193، وأمالي ابن الشجري: 1/ 186، 2/ 349، والعيني: 1/ 523 ومغني اللبيب "884/ 650" وشرح شواهد المغني: 296، والأغاني: 2/ 89، وزهر الآداب: 717.
المفردات الغريبة: ليت شعري: الشعر مصدر شعر بمعنى علم وفطن، والشعر: العلم، والمعنى، ليتني أشعر، أي: أعلم أم جحدر: كنية محبوبته.
المعنى: يتمنى الشاعر أن يجد جوابا لسؤاله، أهناك سبيل لوصول إلى أم جحدر ولقائها؟؛ لأن شوقه إليها شديد، ولا يستطيع الصبر على فراقها، والبعد عنها.
الإعراب: شعري: اسم "ليت" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء، وهو مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه، وخبر ليت محذوف، والتقدير: ليت شعري حاصل. "إلى أم": متعلق بمحذوف خبر مقدم. سبيل: مبتدأ مؤخر. فأما: حرف شرط وتفصيل. الصبر: مبتدأ. "عنها" متعلق بـ "الصبر". فلا الفاء واقعة في جواب "أما"، لا "نافية للجنس. صبرا: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب، وخبر "لا" محذوف، والتقدير: لا صبر لي. وجملة "لا صبر لي": في محل رفع خبر المبتدأ "الصبر".
موطن الشاهد: "أما الصبر فلا صبر".
وجه الاستشهاد: مجيء "لا صبرا" خبرا لـ "الصبر" الواقع بعد "أما"، والرابط بينهما العموم؛ لأن النكرة الواقعة بعد النفي، تفيد العموم، فبقوله: "لا صبرا" نفي الصبر بمختلف أنواعه، ومنه الصبر" الواقع مبتدأ.
وفي البيت شاهد آخر على مجيء الفاء الزائدة في خبر المبتدأ الواقع بعد "أما"، وحكم اقتران الفاء بالخبر في هذه الحالة الوجوب.(1/198)
[وقوع الخبر شبه جملة] :
ويقع الخبر ظرفا1، نحو: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُم} 2، ومجرورا نحو: {الْحَمْدُ لِلَّه} 3، والصحيح أن الخبر في الحقيقة متعلقهما المحذوف4، وأن
__________
1 معلوم أن الظرف والجار والمجرور لا بد لهما من متعلق، وهذا المتعلق؛ إما أن يكون عاما، وإما أن يكون خاصا.
فإذا كان المتعلق خاصا، فإما أن تدل عليه قرينة، وأما لا، فإن دلت عليه قرينة، نحو: متى يسافر أخوك؟ فتقول: محمد غدا، وأحمد بعد غد، فسامع الكلام، يفهم أن المراد: محمد مسافر غدا، وأحمد مسافر بعد غد، وفي هذه الحال، يجوز حذف المتعلق، وأما إن لم تدل عليه قرينة، لم يجز حذفه، نحو: خالد مسافر اليوم.
وأما إن كان المتعلق عاما، سمِّي الظرف مستقرا، ووجب حذف هذا المتعلق، وسمِّي كل من الظرف، والجار والمجرور خبرا؟ ومن هذا ندرك أن "الظرف" و"الجار والمجرور". لا يقال: إنهما خبر، إلا أن يكون متعلقهما عاما، وأن هذا المتعلق العام واجب الحذف.
2 "8" سورة الأنفال، الآية: 42.
موطن الشاهد: {الرَّكْبُ أَسْفَلَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الركب" مبتدأ، و"أسفل" واقعا موقع الخبر؛ لأنه متعلق بالخبر المحذوف، والتقدير: والركب كائن أسفل، أو مستقر أسفل منكم.
3 سورة الفاتحة، الآية: 1.
موطن الشاهد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الجار والمجرور" متعلقا بالخبر المحذوف، والتقدير: الحمد كائن لله.
فائدة: يشترط في الظرف والجار والمجرور أن يكونا تَامَّيْن، يحصل بالإخبار بهما فائدة بمجرد ذكرهما، فلا يصح: العلم مكانا، ومحمد بك، لعدم الفائدة.
4 قيل في هذه المسألة: إن الخبر هو نفس الظرف والجار والمجرور وحدهما؛ لأنهما يتضمنان معنى صادقا على المبتدأ وقيل: إن الخبر، هو مجموع الظرف أو الجار والمجرور مع متعلقهما والمتعلق جزء من الخبر، واختار هذا الرأي المحقق الرضي، وقيل: إن الخبر هو المتعلق المحذوف، وهو ما ارتضاه المؤلف هنا، وذكر أنه صحيح.
التصريح: 1/ 166.(1/199)
تقديره كائن أو مستقر، لا كان أو استقرَّ، وأن الضمير الذي كان فيه انتقل إلى الظرف والمجرور كقوله1:
69- فإن فؤادي عندك الدهرَ أجمعُ2
__________
1 القائل هو: جميل بن عبد الله بن معمر العذري: المعروف بجميل بثينة، يكنى أبا عمرو، أحد عشاق العرب المشهورين، وأكثر أشعاره في بثينة والغزل، وله شعر في الهجاء مع ابن قطبة ابن عم بثينة، مات سنة 108هـ.
تجريد الأغاني: 3/ 930، المؤتلف: 72، الشعر والشعراء: 1/ 434 ابن خلكان: 1/ 143.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فإن يك جثماني بأرض سواكم
والبيت من قصيدة لجميل، مطلعها:
أهاجك أمْ لا بالمداخل مربع ... ودار بأجراع الغديرين بلقع
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 166، والأشموني: "144/ 1/ 93، وهمع الهوامع: 1/ 99، والدرر اللوامع: 1/ 75، وأمالي ابن الشجري: 1/ 5، 330، وأمالي القالي: 1/ 217، وسمط اللآلي: 505، والعيني: 1/ 525، وخزانة الأدب: 1/ 190 ومغني اللبيب: "812/ 579"، وشواهد السيوطي: 286، وديوان جميل: 118، وديوان كثير: 1/ 33.
المفردات الغريبة: جثماني: قال ابن منظور: "الجثمان بمنزلة "الجسمان" جامع لكل شيء، يريد به جسمه وألواحه، ويقال: ما أحسن جثمان الرجل وجسمانه، تريد ما أحسن جسده، بأرض سواكم: "يروى بالإضافة، وبتنوين أرض، في بعض الروايات": بأرض بعيدة.
المعنى: يقول الشاعر لمحبوبته: إن كانت أجسامنا متباعدة وكنت مقيما في أرض غير أرضكم، فإن قلبي مقيم عندك لا يفارق أرضك ما بقي الدهر، ولا يغادرك، يعني أنه مقيم على حبها، ولا ينصرف عنها إذا ما ابتعد عنها.
الإعراب: فإن: الفاء عاطفة. إن: شرطية جازمة. يك: فعل مضارع ناقص مجزوم؛ لأنه فعل الشرط، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة. جثماني: اسم "يك" ومضاف إليه. "بأرض": متعلق بالخبر المحذوف، والتقدير: فإن يك جثماني كائنا بأرض(1/200)
ويخبر بالزمان عن أسماء المعاني1، نحو: "الصوم اليوم"، و"السفر غدا" لا عن أسماء الذوات، نحو: "زيد اليوم"، فإن حصلت فائدة جاز: كأن يكون المبتدأ عاما والزمان خاصا2، نحو: "نحن في شهر كذا"، وأما نحو: "الورد في أيار"3، و"اليوم خمر" و"الليلة الهلال"، فالأصل: خروج الورد، وشرب خمر، ورؤية الهلال.
__________
= سواكم: مضاف إليه؛ لأن "أرض" غير منونة، وأما إذا نونت فـ "سواكم" صفة. فإن: حرف مشبه بالفعل. فؤادي: اسم "إن" ومضاف إليه "عند": متعلق بمحذوف الخبر، والكاف: مضاف إليه: الدهر: متعلق بالخبر المحذوف. أجمع: توكيد للضمير المستكن في الظرف.
موطن الشاهد: "أجمع".
وجه الاستشهاد: مجيء "أجمع" توكيدا مرفوعا للضمير المنتقل إلى الظرف، وهو "عندك"؛ لأنه، لا يصح أن يكون توكيدا لـ "فؤادي" ولا لـ "عند" ولا "للدهر"؛ لأن هذه الألفاظ منصوبة، و"أجمع" مرفوعة، والمرفوع، لا يكون توكيدا للمنصوب، وفي الوقت نفسه، فلا يجوز أن يكون توكيدا لمحذوف؛ لأن التوكيد، ينافي الحذف، فلم يبق إلا أن يكون توكيدا للضمير المستكن في الظرف الواقع متعلقه خبرا؛ لأن هذا الضمير مرفوع على الفاعلية.
وانظر تفصيل هذه المسألة في شرح التصريح: 1/ 166.
1 يخبر بالزمان عن أسماء المعاني؛ لأن اسم المعنى عبارة عن حركات وأفعال، وهي غير مستمرة الوجود، بل قد تحدث، وقد لا تحدث، وهي تحدث في زمان دون زمان؛ ومن أجل هذا كان الإخبار عن وجودها في زمان ما مفيدا، كقولنا: السفر غدا، ولهذا أجازوا الإخبار بالزمان عن اسم المعنى، من غير قيد؛ لأن الفائدة حاصلة دائما، وأما الإخبار بالزمان عن الذات، فاشترطوا فيه حصول الفائدة؛ وذلك لأنه لا فائدة في الإخبار بالزمان عن أسماء الذوات غالبا؛ لأن نسبتها إلى الأزمان كلها واحدة، بخلاف الأحداث التي لا بد لها من زمن.
وأما المكان، فيخبر به مطلقا عن أسماء الذوات والمعاني متى حصلت الفائدة.
2 يكون التخصص بصفة، كقولنا: نحن في يوم حار، أو بإضافة، نحو: نحن في شهر الصوم، أو بعلمية، نحو: نحن في رمضان.
وتحصيل الفائدة: إذا كان المبتدأ "الذات" صالحا، لتقدير مضاف، هو اسم معنى، نحو قول امرئ القيس: اليوم خمر، أي: شرب خمر.
3 اسم شهر رومي، من أشهر فصل الربيع، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.(1/201)
[لا يبدأ بالنكرة إلا إذا أفادت] :
ولا يبتدأ بنكرة1، إلا إن حصلت فائدة؛ كأن يخبر عنها بمختصٍّ مقدم ظرف أو مجرور نحو: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} 2، و {عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} 3 ولا يجوز "رجل في الدار" ولا "عند رجل مال" أو تتلو نفيا، نحو: "ما رجل قائم" أو استفهاما نحو: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} 4، أو تكون موصوفة سواء ذكرا نحو: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ} 5، أو حذف الصفة، نحو: "السمن منوان بدرهم"، ونحو: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ
__________
1 لأن المبتدأ محكوم عليه، والمحكوم عليه لا بد أن يكون معلوما، ولو إلى حد ما، وإلا كان الحكم عليه لغوًا، لا فائدة فيه، وإنما يكون، إذا كان للمبتدأ خبر، فإن كان وصفا له فاعل، أو نائب فاعل، يغني عن الخبر، كان نكرة، ولا يحتاج إلى مسوغ؛ لأن المبتدأ في هذه الحالة، يكون محكوما به، بمنزلة الفعل والفعل في مرتبة التنكير كما يقال.
التصريح: 1/ 168.
2 "50" سورة ق، الآية: 35.
موطن الشاهد: {لَدَيْنَا مَزِيدٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مزيد" مبتدأ وهو نكرة والذي جوز مجيئه مبتدأ الإخبار عنه بالظرف "لدينا" المتقدم عليه.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 7.
موطن الشاهد: {عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "غشاوة" مبتدأ مؤخرا، وهو نكرة، والذي جوز الابتداء بالنكرة الإخبار عنها بالجار والمجرور والمتقدم عليها.
4 "27" سورة النمل: الآية: 60-64.
موطن الشاهد: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إله" مبتدأ، وهو نكرة، والذي جوز وقوع النكرة مبتدأ سبقها بهمزة الاستفهام.
5 "2" سورة البقرة، الآية: 221.
موطن الشاهد: {لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "عبد" مبتدأ، وهو نكرة: والذي جوز وقوع النكرة مبتدأ وصفها بوصف مخصص، وهو "مؤمن"؛ لأن "مؤمن": صفة لـ "عبد" مرفوعة مثله.(1/202)
أَنْفُسُهُم} ، أي منوان منه، وطائفة من غيركم، أو الموصوف2، كالحديث: "سوداء ولود خير من حسناء عقيم"3، أي: امرأة سوداء، أو عاملة عمل الفعل، كالحديث: "أمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة" 4 ومن العاملة المضافة كالحديث: "خمس صلوات كتبهن الله" 5.
__________
1 "3" سورة آل عمران، الآية: 154.
موطن الشاهد: {طَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "طائفة" مبتدأ، وهي نكرة، والذي سوَّغ الابتداء بها، كونها موصوفة بصفة محذوفة؛ لأن التقدير، وطائفة من غيركم، كما في المتن.
2 أي: أو حذف الموصوف وحده، وبقيت الصفة، فهذا عطف على قوله السابق: "سواء ذكرا"، أي: الموصوف والصفة معا، وقوله: "أو حذفت الصفة"، فالأقسام ثلاثة: ذكرهما معا، وحذف الموصوف وحده، وحذف الصفة وحدها.
3 الحديث: صيغة الحديث في المصادر التي رجعنا إليها: "سوداء ولود خير من حسناء لا تلد". اتحاف السادة المتقين للزبيدي: 5/ 297-598، وكنز العمال: 7/ 4442، والأسرار المرفوعة للقاري: 218.
موطن الشاهد: "سوداء.....".
وجه الاستشهاد: مجيء "سوداء" مبتدأ، وهى نكرة، والذي سوَّغ الابتداء بها كونها صفة لموصوف محذوف.
4 الحديث رواه مسلم. ونصه: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة؛ فكل تسبيحية صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، ويجزي عن ذلك كله ركعتان يركعهما في الضحى".
صحيح مسلم: 1/ 499.
موطن الشاهد: "أمر بمعروف، ... نهي عن منكر".
وجه الاستشهاد: مجيء كل من "أمر" و"نهى" مبتدأ، وهو نكرة، والذي سوغ الابتداء بهما كونهما عاملين في محل المجرور بعدهما؛ لأنهما مصدران، والمصدر يعمل عمل فعله.
5 الحديث: للحديث روايات متعددة، ومعناها واحد. صحيح البخاري: 1/ 106، وصحيح مسلم: 1/ 41، وسنن أبي داود: 2/ 130، وسنن النسائي: 1/ 230، وسنن ابن ماجة: 1/ 448.
موطن الشاهد: "خمس صلوت".
وجه الاستشهاد: مجيء "خمس" مبتدأ، وهو نكرة، والذي سوغ الابتداء بالنكرة كونها عاملة في المضاف إليه.(1/203)
ويقاس على هذه المواضع ما أشبهها نحو: "قصَدَك غلامُه رجلٌ" و"كم رجلا في الدار"، وقوله1: [البسيط]
70- لولا اصطبار لأودَى كلُّ ذي مِقَةٍ2
وقولك: "رجيل في الدار" لشبه3 الجملة بالظرف والمجرور، واسم الاستفهام بالاسم المقرون بحرفه، وتالي "لولا" بتالي النفي، والمصغر بالموصوف4.
__________
1 لم ينسب إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
كما استقلت مطاياهن للظعَنِ
وهو من شواهد التصريح: 1/ 170، وابن عقيل: "47/ 1/ 224"، والأشموني: "50/ 1/ 98"، والعيني: 1/ 352.
المفردات الغريبة: أودى: ماضٍ لازم بمعنى هلك. مقة: محبة، وفعله: ومق يمق بالكسر فيهما، والياء فيه عوض عن فاء الكلمة، وهي الواو. استقلت: نهضت وهمت للسفر. مطاياهن: جمع مطية، والمراد بها هنا الإبل، وسميت بذلك؛ لأنه يركب مطاها أي ظهرها. الظعن: الارتحال.
المعنى: يقول الشاعر: لولا التجلد والصبر، وحمل النفس على عدم الجزع لهلك كل محب عند تهيؤ أحبابه للسفر والرحيل، ومفارقتهم له.
الإعراب: لولا: حرف امتناع لوجود، أو حرف شرط غير جازم. اصطبار: مبتدأ مرفوع، وخبره محذوف وجوبا، والتقدير: لولا اصطبار موجود لأودى: اللام واقعة في جواب "لولا" أودى: فعل ماضٍ. كل: فاعل "أودى". ذي: مضاف إليه. مقة. مضاف إليه. "كما": متعلق بـ "أودى". استقلت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. مطاياهن: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف، و"هن" في محل جر بالإضافة. "للظعن": متعلق بـ "استقلت".
موطن الشاهد: "اصطبار".
وجه الاستشهاد: وقوع "اصطبار" مبتدأ، وهو نكرة، والذي سوغ وقوعه مبتدأ، وقوعه بعد "لولا" وهي تشبه "ما" النافية في الجملة؛ لأنها تقتضي انتفاء جوابها لانتفاء شرطها.
3 مواضع النكرة المفيدة كثيرة جدا. وقد أوصلها بعض النحاة إلى أربعين موضعا، والأصل الذي تقوم عليه الإفادة، وهذا الأصل هو المرجع الوحيد في صحة الابتداء بالنكرة.
4 أي: ألحق المصغر بالمصوف في الحكم، وجواز الابتداء به إذا كان نكرة، ووجه الشبه هو اشتراكهما في المعنى؛ لأن التصغير وصف في المعنى، ومن قال: "رجيل عندنا" كأنه قال: رجل صغير عندنا، ولما جاز الابتداء بالنكرة الموصوفة، جاز قياسا عليها الابتداء بالاسم المصغر النكرة.
وانظر بقية شروط الابتداء بالنكرة في شرح ابن عقيل: 1/ 170- 178. والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 204 وما بعدها.(1/204)
[حالات الخبر] :
وللخبر ثلاث حالات:
[يجب تأخر الخبر في أربع مسائل] :
إحداها: التأخر، وهو الأصل كـ "زيد قائم" ويجب في أربع مسائل1:
إحداها: أن يخاف التباسه بالمبتدأ، وذلك إذا كانا معرفتين، أو متساويين ولا قرينة، نحو: "زيد أخوك" و"أفضل منك أفضل مني" بخلاف "رجل صالح حاضر". و"أبو يوسف أبو حنيفة"، وقوله: [الطويل]
71- بنونا بنو أبنائنا..........3
__________
1 ومن المسائل الأخرى التي يجب فيها تأخير الخبر:
1- أن يكون المبتدأ هو "مذ" أو "منذ"، نحو: ما رأيته "مذ يومان" إذا جعلت "مذ" اسما مبتدأ، وإعراب مذ خبرا مقدما -كما ذهب إليه الزجاج- غير مستقيم.
2- أن يكون المبتدأ ضمير متكلم، أو مخاطب، مخبرا عنه بالذي وفروعه، نحو: أنا الذي عرفوني، ونحو: أنت الذي تدعى ما لا تحسنه، خلافا للكسائي، في هذه المسألة.
3- أن يكون الخبر طلبا، نحو: زيد اضربه، وزيد لا تهنه.
4- أن يكون المبتدأ دعاء، نحو قولك: سلام عليكم وويل لكم.
5- أن يكون الخبر متعددا، وهو في قوة الخبر الواحد، نحو: الرمان حلو حامض.
6- أن يقع بين المبتدأ والخبر ضمير الفصل، نحو: زيد هو المنطلق.
7- أن يكون الخبر مقترنا بالباء الزائدة، نحو قولك: ما زيد بقائم.
- حاشية يس على التصريح: 1/ 171، والنحو الوافي 1/ 492-500، والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 211-212.
2 هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: البيت بتمامه:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد
=(1/205)
أي: بنو أبنائنا مثل بنينا.
الثانية: أن يخاف التباس المبتدأ بالفاعل1، نحو: "زيد قام" بخلاف "زيد قائم" أو "قام أبوه" و"أخواك قاما"2.
__________
= وهو: من شواهد التصريح: 1/ 173، وابن عقيل "51/ 1/ 233"، والأشموني: "153/ 1/ 99"، ومغني اللبيب: "818/ 589"، وهمع الهوامع: "1/ 102" والدر اللوامع: "1/ 76"، ودلائل الإعجاز للجرجاني: 240، والإنصاف: 1/ 66، وشرح المفصل: 1/ 99، 9/ 132، وخزانة الأدب: 1/ 213، وديوان الفرزدق: 217.
المعنى: إن أولاد أبنائنا، ينتسبون إلينا؛ لأنهم كأولادنا، أما أولاد بناتنا، فينتسبوا إلى آبائهم الأجانب عنا.
الإعراب: بنونا: خبر مقدم، ومضاف إليه. بنو: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف. أبنائنا: مضاف إليه، و"نا": مضاف إليه ثانٍ. وبناتنا: مبتدأ أول، مضاف إليه. بنوهن مبتدأ ثانٍ، ومضاف إليه. أبناء: خبر للمبتدأ الثاني، الرجال: مضاف إليه. الأباعد صفة لـ "الرجال"، وجملة "بنوهن أبناء الرجال": خبر للمبتدأ الأول "بناتنا".
موطن الشاهد: بنونا بنو أبنائنا.
وجه الاستشهاد: تقديم الخبر "بنونا" على المبتدأ، وهو "بنو أبنائنا" مع تساويهما فـ التعريف؛ لأن كلا منهما مضاف إلى ياء المتكلم، وسوغ ذلك القرينة المعنوية التي تعين المبتدأ، وهي التشبيه الذي يقضي بأن بني الأبناء مشبهون بالأبناء، وقيل: هل من التشبيه المقلوب للمبالغة، ولا شاهد فيه، وإلى هذا، أشار الناظم:
"فامنعه حين يستوي الجزآن ... عرفا ونكرا عادمي بيان
أي: امنع التقديم، إذا استوى المبتدأ والخبر في التعريف والتنكير، وعُدِما القرينة والبيان الذي يوضح المبتدأ منهما من الخبر.
انظر شرح التصريح: 1/ 172، وابن عقيل: 1/ 182-183.
1 وذلك إذا كان الخبر جملة "فعلية"، فاعلها ضمير مستتر، يعود على المبتدأ، نحو: زيد يقوم؛ ففي "يقوم" ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ يعود على زيد؛ ولهذا يجب تقديم المبتدأ في هذه الحال، ولأننا لو قدمنا الفعل؛ لانقلبت الجملة من اسمية إلى فعلية، كما هو معلوم، والفرق واضح بين الجملتين، فالجملة الاسمية، تدل على ثبوت المسند إلى المسند إليه، ودوامه، والجملة الفعلية، تدل على تجدده، وحدوثه.
2 فالخبر في المثال الأول وصف، والفعل في المثال الثاني، رفع اسما ظاهرا، وفي المثال الثالث رفع ضميرا؛ فلهذا أمن اللبس، ولهذا فلا يجب تأخير الخبر فيهما.(1/206)
الثالثة: أن يقترن بإلا معنى، نحو: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِير} 1، أو لطفا نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} 2، فأما قوله3: [الطويل]
72-...........وهل إلَّا عليك المعوَّلُ4
فضرورة.
__________
1 "11" سورة هود، الآية: 12.
موطن الشاهد: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} .
وجه الاستشهاد: وجوب تقديم المبتدأ، وتأخير الخبر؛ لأن الخبر محصور بـ "إلا" معنى، والتقدير: ما أنت إلا نذير.
2 "3" سورة آل عمران، الآية: 144.
موطن الشاهد: {مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الخبر "رسول" مؤخرا عن المبتدأ، وحكم هذا التأخير الوجوب؛ لأن الخبر، اقترن بـ "إلا" لفظا.
3 القائل: هو الكميت بن زيد الأسدي، أبو المستهل، شاعر متقدم، من شعراء بني أمية، عالم بلغات العرب وأخبارها، متعصب لمصر، ومعروف بالتشيع، يتكلف في شعره، ويسرق من غيره، عرف بقصائده الهاشميات، لقي الفرزدق، وعرض عليه شعره. ولد سنة 60 هـ مات سنة 126هـ.
تجريد الأغاني: 4/ 1793، والشعر والشعراء: 2/ 581، والجمحي: 1/ 45، والأغاني: 15/ 108.
4 تخريج الشاهد: البيت بتمامه:
فيا رب، هل إلا بك النصر يرتجى ... عليهم؟ وهل إلا عليك المعول؟
والبيت من قصيدة من "هاشمياته"، يمدح فيها بني هاشم، وأولها قوله:
ألا هل عمٍ في رأيه متأمِّلُ؟ ... وهل مدبرٌ بعد الإساءة مقبِلُ؟
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 173، وابن عقيل: "52/ 1/ 235"، والأشموني: "154/ 1/ 99"، وهمع الهوامع: 1/ 102، والدرر اللوامع: 1/ 76، والعيني: 1/ 354" وليس في ديوان الكميت.
المفردات الغريبة: يرتجى: يؤمَّل، ويطلب. المعول: مصدر بمعنى التعويل والالتجاء.
المعنى: هل يطلب النصر على الأعداء، ويرتجي إلا منك وبعونك؟ وهل هنالك من سند يلجأ إليه الإنسان، ويعول عليه إلا أنت؟ والاستفهام إنكاري.
الإعراب: هل: حرف استفهام، يفيد الإنكار، في هذا الشاهد. إلا أداة حصر. =(1/207)
الرابعة: أن يكون المبتدأ مستحقا للتصدير، إما بنفسه1، نحو: "ما أحسن زيدا" و"من في الدار" و"من يقم أقم معه" و"كم عبيد لزيد" أو بغيره، أما متقدما عليه، نحو: "لزيد قائم"، وأما قوله: [مشطور الرجز]
73- أم الحليس لعجوز شهربة3
__________
= بك: متعلق بـ "يرتجى". النصر: مبتدأ. يرتجى: مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل. "هو" يعود على النصر، وجملة "يرتجى": في محل رفع خبر. وهل: حرف استفهام، يفيد معنى النفي. إلا: أداة حصر، لا محل لها. "عليك": متعلق بمحذوف خبر مقدم. المعول: مبتدأ مؤخر.
موطن الشاهد: "بك النصر، عليك المعوَّل".
وجه الاستشهاد: تقديم الخبر المحصور بـ "إلا" في الموضع الثاني: "عليك المعول" شذوذا، وكذا في الموضع الأول: "بك النصر" إذا أعربنا "بك" خبرا مقدما، والنصر: مبتدأ مؤخرا، وأما على ما أعربناه، فلا شاهد فيه، وكان الأفصح أن يقول: "وهل النصر يرتجى إلا بك، وهل المعول إلا عليك.
فائدة: أسقط المؤلف صدر البيت: "فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى"، لاحتمال إعراب "النصر" مبتدأ، وخبره: جملة "يرتجى" كما أعربنا، على هذا، فلا شاهد فيه، ولم يذكره المؤلف.
فائدة: بعض البلاغيين، يرون أنه إذا كانت أداة الحصر "إنما" لم يصح تقديم الخبر إذا كان مقصورا عليه. وأما إن كانت أداة القصر "إلا" وقدم الخبر، وقدمت معه "إلا" كما في الشاهد، صح هذا التقديم؛ لكون المعنى المقصود لا يضيع؛ لأن تقدم "إلا" يبين المراد.
1 الأسماء المستحقة للتصدير بنفسها أربعة، كما ذكر المؤلف ومثل لها.
ما التعجبية، وقد مثل لها المؤلف بالمثال الأول، وأسماء الاستفهام وقد مثل لها بالمثال الثاني، وأسماء الشرط، وقد مثل لها بالمثال الثالث، وكم الخبرية، وقد مثل لها بالمثال الرابع. والأسماء المستحقة للتصدير بغيرها أربعة أيضا، وهي:
كل اسم أضيف إلى اسم استفهام، أو اسم شرط، أو أضيف إلى كم الخبرية، وكل اسم اقترن بلام الابتداء، وقد مثل المؤلف لذلك كله.
2 هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: بعد الشاهد قوله:
ترضى من اللحم بعظم الرقبة
وقد اختلف في نسبة هذا الشاهد، فقد نسبه الصاغاني إلى عنترة بن عروس، أحد =(1/208)
فالتقدير: لهي عجوز، أو اللام زائدة لا لام الابتداء، أو متأخرا عنه نحو: غلام مَنْ في الدار" و"غلام مَنْ يقم أقم معه" و"مالُ كَمْ رجل عندك" أو مشبها به، نحو: "الذي يأتيني فله درهم"، فإن المبتدأ هنا مشبه باسم الشرط، لعمومه، واستقبال الفعل الذي بعده، وكونه سببا، ولهذا دخلت الفاء في الخبر كما تدخل في الجواب.
[وجوب تقدم الخبر في أربع مسائل] :
الحالة الثانية: التقدم، ويجب في أربع1 مسائل:
__________
= موالي بني ثقيف، ورواه الجوهري في الصحاح، وابن منظور في اللسان، ولم ينسباه. وهو من شواهد التصريح: 1/ 174، وابن عقيل: "101/ 1/ 366"، والأشموني: "266/ 1/ 141" وهمع الهوامع: 1/ 140، والدرر اللوامع: 1/ 117، واللسان "شهرب"، والمغني: "413/ 304"، "419/ 307" ملحقات ديوان رؤبة.
المفردات الغريبة: أم الحليس: كنية الأتان، وهي أنثى الحمار. والحليس: تصغير حلس، وهو كساء رقيق يكون تحت البرذعة، وكنيت به هذه المرأة تشبيها لها بالأتان. شهربه: كبيرة طاعنة في السن. من اللحم: بدل اللحم، فـ "من" بمعنى البدل.
المعنى: يصف الراجز هذه المرأة بأنها عجوز كبيرة، لا تستطيع أكل اللحم وهضمه، فترضى بدله بلحم الرقبة، لسهولة مضغه، فالمضاف هنا محذوف.
الإعراب: أُمّ: مبتدأ. الحليس: مضاف إليه، لَعجوز: اللام للابتداء، تفيد التوكيد، عجوز: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: لهي عجوز: والجملة الاسمية من "المبتدأ المحذوف وخبره": في محل رفع خبر المبتدأ "أم الحليس". شهربه: صفة لـ "عجوز". وجملة "ترضى": في محل رفع صفة ثانية، وبعضهم يعرب "لعجوز": خبر المبتدأ، وفي هذه الحالة، ذهب النحاة إلى أن "اللام" المقترنة بـ "لعجوز" ليست لام الابتداء، ولكنها "زائدة" في خبر المبتدأ"، والأرجح ما ذهبنا إليه في الوجه الأول.
موطن الشاهد: "لعجوز".
وجه الاستشهاد: استشهد المؤلف بهذا البيت، لدلالة ظاهره على تأخير الخبر المقترن بـ "لام الابتداء" غير أن ما ذهبنا إليه في الإعراب، من اعتبار "عجوز" خبرا لمبتدأ محذوف، تقديره لهي عجوز، وانتقلت اللام إلى الخبر، بعد حذف المبتدأ، يجعل البيت يخلو من الشاهد.
1 هناك مسائل أخرى، يجب تقديم الخبر على المبتدأ فيها، وهي: =(1/209)
إحداها: أن يوقع تأخيره في لبس ظاهر: نحو "في الدار رجل" و"عندك مال" و"قصدك غلامه رجل" و"عندي أنك فاضل"، فإن تأخير الخبر في هذا المثال يوقع في إلباس "أن" المفتوحة بالمكسورة، و"أن" المؤكدة بالتي بمعنى لعل، ولهذا يجوز تأخيره بعد "أما"، كقوله1: [البسيط]
74-....... وأمَّا أنني جزع ... يوم النوى؛ فلوجدٍ كاد يبريني2
__________
= أ- أن يقترن المبتدأ بفاء الجزاء، بعد "أما"، نحو: أما في الصف فخالد، وأما في المسجد فسعيد.
ب- أن يقع الخبر اسم إشارة إلى المكان، نحو: هنا زاهر، وهناك محمد، وثمة خليل.
ج- في نحو قولهم: "في كل وادٍ أثر من ثعلبة"؛ وذلك لأن الأمثال لا تغير.
د- أن تقترن بالخبر لام الابتداء خلاف الأصل فيها؛ لأن الأصل فيها اتصالها بالمبتدأ، نحو: "لقائم زيدا"، ففي هذه الحالة، لا يجوز تأخير الخبر المقترن بها، ولهذا عددنا اللام الداخلة على الخبر في قول الشعر: "أمّ الحليس لعجوز" زائدة، وأنها ليست لام الابتداء، وإن عددنها "لام الابتداء"، كما ذهبنا إليه في الإعراب، فإن "عجوز" ليست خبر "أم الحليس" بل خبر مبتدأ محذوف، والتقدير، لهي أم الحليس، وقلنا: إنْ عددنا "عجوز" خبرا عما قبلها، واعتبرنا "اللام" للابتداء، فذاك شاذٌّ، والشاذُّ يُحفظ، ولا يقاس عليه.
هـ- أن يكون الخبر "مذ، أو منذ" في نحو قولك: ما لقيته "مذ يومان أو منذ يومان" وذلك على وفق ما ذهب إليه الزجاج من أنهما خبران مقدمان وجوبا، والجمهور اعتبروا أن "مذ ومند" مبتدأين واجبي التقديم.
وكثيرا من العلماء، يرون أن مذ ومنذ" حرفان بمعنى "من" ولكنهما يجران الأزمنة، ويكونان اسمين، إذا ارتفع ما بعدهما، وهنا الخلاف، فذهب الجمهور إلى أنهما مبتدآن واجبا التقديم ورأى الزجاج أنهما خبران وما بعدهما مبتدآن واجبا التأخير، والصواب: ما ذهب إليه الجمهور، ويستحسن العودة إلى كتاب النحو الوافي، ففيه المزيد من المسائل والإيضاحات. النحو الوافي، عباس حسن: 1/ 105- 506.
1 لم ينسب إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه هكذا:
عندي اصطبار، وأما أنني جزع ... يوم النوى فلوجدٍ كاد يبريني.
وهو من شواهد التصريح: 1/ 175، والأشموني: "157/ 1/ 101"، وهمع الهوامع: =(1/210)
لأن "إن المسكورة و"أن" التي بمعنى لعل لا يدخلان هنا، وتأخيره في الأمثلة الأُوَل يوقع في إلباس الخبر بالصفة، وإنما لم يجب تقديم الخبر في نحو: {وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ} 1؛ لأن النكرة قد وصفت بمسمى، فكان الظاهر في الظرف أنه خبر لا صفة.
__________
= 1/ 103 والدرر اللوامع: 1/ 77، والعيني: 1/ 536، وحاشية يس على التصريح: 2/ 259.
المفردات الغريبة: اصطبار: تصبُّر وتجلُّد. جزِع: شديد الخوف فاقد الصبر، وهو صفة مشبهة من جزع يجزع من باب علم. النوى: البعد والفرق. الوجد: شدة الحب. يبريني: ينحلني، من بَرَيت القلم إذا نحته.
المعنى: يقول الشاعر: إن في طبعي التجلد والتحمل لكل ما ينزل بي من مكروه، وأما جزعي يوم فراق الأحباب، فلشدة شوق كاد ينحلني ويقضي علي.
الإعراب: "عندي": متعلق بخبر مقدم محذوف، ومضاف إليه. اصطبار: مبتدأ مؤخرا. وأما: حرف شرط وتفصيل. أنني: حرف مشبه بالفعل، والنون للوقاية، والياء: اسمه، جزع: خبر "أن" والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل رفع مبتدأ. "يوم": متعلق بـ "جزع". النوى: مضاف إليه. فلوجد: الفاء واقعة في جواب "أما" "لوجد": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، المؤول من "أن وما دخلت عليه" كاد: فعل ماضٍ، من أفعال المقاربة، يعمل عمل "كان" الناقصة، واسمه: هو: يعود على "وجد"، يبريني: فعل مضارع، والفاعل: هو، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، وجملة "يبريني" في محل نصب خبر "كاد"، وجملة "كاد واسمها وخبرها": في محل جر صفة لـ "وجْد".
موطن الشاهد: "أما أنني جزع؛ فلوجد".
وجه الاستشهاد: وقوع المصدر المؤول من "أن وما بعدها" مبتدأ متقدما على خبره الواقع جار ومجرورا "لوجد"، والذي جوز تقدم المبتدأ، وهو مصدر مؤول، أمن اللبس بين "أن المفتوحة الهمزة، وإن المكسورة الهمزة لفظا، ولأمن اللبس بين "أن المفتوحة" الهمزة المؤكدة والتي بمعنى "لعل" معنى.
فائدة: لا يقع بعد "أما" التي للشرط والتفصيل "إن" المكسورة، ولا "أن" المفتوحة، التي بمعنى "لعل"، وإنما يقع بعدها "أن" المؤكدة المفتوحة الهمزة وحسب؛ لأنها تؤول مع ما تدخل عليها بمفرد، ولا يفصل بين "أما" وبين الفاء الواقعة في جوابها إلا بمفرد. وانظر في هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 174-175.
1 "6" سورة الأنعام، الآية: 1.
موطن الشاهد: {أَجَلٌ مُسَمَّىً عِنْدَهُ} .
وجه الاستشهاد: وقوع المبتدأ متقدما، وهو نكرة؛ لأنه وصف "مسمى" فضعف طلب النكرة للظرف، وكان الظاهر في "عنده" أنه خبر لـ "أجل" لا صفة ثانية.(1/211)
الثانية: أن يقترن المبتدأ بإلا لفظا، نحو: ما لنا إلا اتباع أحمدا1 أو معنى، نحو: "إنما عندك زيد".
الثالثة: أن يكون لازم الصدرية، نحو: "أين زيد"؟ أو مضافا إلى ملازمها، نحو: "صبيحة أي يوم سفرك".
الرابعة: أن يعود ضمير متصل بالمبتدأ على بعض الخبر، كقوله تعالى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} 2، وقول الشاعر3: [الطويل]
75-....... ولكِنْ مِلءُ عينٍ حبيبُها5
__________
1 هذا مثال من ألفية ابن مالك وتمامه:
وخبر المحصور قدم أبدا ... كما لنا إلا اتباع أحمدا
2 "47" سورة محمد، الآية: 24.
موطن الشاهد: {عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء الخبر "على قلوب" متقدما على المبتدأ "أقفال" المتأخر، وحكم تقدم الخبر هنا الوجوب، لئلا يعود الضمير "ها" المتصل بالمبتدأ على "على قلوب" المتأخرة في الرتبة؛ لأنها بعض متعلق الخبر؛ لأن الخبر المتقدم هو الاستقرار، والجار والمجرور متعلق به، ومتعلق الخبر، رتبته التأخير، فيعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.
3 هو نصيب بن رباح الأكبر، أبو محجن، قيل هو من قضاعة، وكان مولى لعبد العزيز بن مروان، وهو شاعر فحل، فصيح، مقدم في النسيب، والمديح، ولم يكن له حظ في الهجاء، وكان عفيفا، لم يشبب، أو ينسب بامرأة قط إلا امرأته.
تجريد الأغاني: 1/ 108، الشعر والشعراء: 1/ 410، الجمحي: 1/ 125.
4 تخريج الشاهد: والبيت بتمامه:
أهابك إجلالا، وما بك قدرة ... عليَّ، ولكن ملء عين حبيبها
وقد نسبه ابن نباتة المصري في كتابه "سرح العيون" إلى مجنون ليلى في أبيات، أولها قوله:
دعا المحرمون الله يستغفرونه ... بمكة يوما أن تُمَحَّى ذنوبُهَا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 176، وابن عقيل: "54/ 1/ 241"، والأشموني =(1/212)
[الحالة الثالثة: جواز التقديم والتأخير] :
الحالة الثالثة: جواز التقديم والتأخير، وذلك فيما فقد فيه موجبهما، كقولك: "زيد قائم" فيترجح تأخيره على الأصل، ويجوز تقديمه لعدم المانع.
[حالات حذف المبتدأ والخبر] :
وما علم من مبتدأ أو خبر جاز حذفه، وقد يجب1.
__________
= "156/ 1/ 101" والعيني: 1/ 537، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1363، وديوان نصيب: 68.
المفردات الغريبة: أهابك: من الهيبة، وهي المخافة، إجلالا: إعظاما لقدرك.
المعنى: إني لأهابك وأخافك، إعظاما لقدرك، لا خوفا من بطشك، فليس لك سلطان عليَّ، ولكن العين تمتلئ بمن تحبه، فتحصل المهابة والخوف في قلب صاحبها من ذلك المرئي.
الإعراب: أهابك: فعل مضارع، وفاعل، ومفعول به. إجلالا: مفعول لأجله، وما: الواو حالية، ما: نافية. "بك" خبر مقدم. قدرة: مبتدأ مؤخر. ولكن: حرف استدراك. ملء: خبر مقدم: عين مضاف إليه. حبيبها: مبتدأ مؤخر، و"ها" مضاف إليه.
موطن الشاهد: "ملء عين حبيبها".
وجه الاستشهاد: تقدم الخبر "ملء عين" على المبتدأ، وهو "حبيبها"، لاتصال المبتدأ بضمير يعود على ملابس الخبر، وهو المضاف إليه، فلو قدم المبتدأ، لزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة؛ لأن رتبة الخبر التأخير، وذلك غير جائز. وإلى هذا، أشار الناظم بقوله:
كذا إذا عاد عليه مضمرُ ... مما به عنه مبينا يخبرُ
أي: كذلك يجب تقديم الخبر، إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ الذي يخبر عنه بخبر يبين ويفسر الضمير العائد إليه، وفي عبارة الناظم مضاف محذوف، أي: عاد على ملابسه.
ويرى ابن جني في المثال السابق رأيا لا غبار عليه، وهو أن "ملء عين": مبتدأ و"حبيبها": خبره، وليس في البيت تقديم ولا تأخير؛ لأن كلا منهما صالح للابتداء به، والأصل: عدم التقديم والتأخير، فيجعل أولهما مبتدأ، والثاني خبرا.
1 وقد يمتنع حذف المبتدأ أو الخبر، وذلك فيما إذا وقعت الجملة خبرا عن ضمير لشأن، فإنه يجب ذكر الجزأين.
وكثر حذف المبتدأ في ثلاثة مواضع:
الأول: في جواب الاستفهام، نحو قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} وقوله جلت عظمته: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِك} ، أي هي النار: نار حامية، وهي النار.
الثاني: بعد فاء الجواب، نحو قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} أي: فعمله لنفسه، وإساءته عليها.
الثالث: بعد القول، نحو قوله تعالى: {قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِين} . حاشية يس على التصريح: 1/ 176.(1/213)
[حذف المبتدأ جوازا] :
فأما حذف المبتدأ جوازا فنحو: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} 1، ويقال: كيف زيد؟ فتقول: دنف، التقدير: فعمله لنفسه، وإساءته عليه، وهو دنف.
[حذف المبتدأ وجوبا] :
وأما حذفه وجوبا فإذا أخبر عنه بنعت مقطوع لمجرد مدح، نحو: "الحمد لله الحميد" أو ذم نحو: "أعوذ بالله من إبليس عدو المؤمنين" أو ترحم نحو: "مررت بعبدك المسكين" أو بمصدر جيء به بدلا من اللفظ بفعله، نحو: "سمع وطاعة" وقوله2: [الطويل]
76- فقالت: حنان، ما أتى بك ههنا؟ 3
__________
1 "41" سورة فصلت، الآية: 46، 45 سورة الجاثية، الآية: 15.
موطن الشاهد: {فَلِنَفْسِهِ} ، {فَعَلَيْهَا} .
وجه الاستشهاد: حذف المبتدأ جوازا في الموضعين؛ لأن التقدير: فعمله لنفسه، وإساءته عليها، وحكم حذف المبتدأ في هذه الحالة الجواز للعلم به، وطريقة العلم به أن "عمله وإساءته" مصدران مأخوذان من فعلهما السابق، ودخول الفاء على ما لا يصلح أن يكون مبتدأ قرينة دالة على حذفه.
شرح التصريح: 1/ 176.
2 هو منذر بن درهم الكلبي، ولم أعثر له على ترجمة وافية.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
أذو نسب أم أنت بالحي عارف؟
=(1/214)
التقدير: أمري حنان وأمري سمع وطاعة.
__________
= لم ينسب النحاة هذا الشاهد إلى أحد، وفي مادة "روضة المثري" من كتاب معجم البلدان، لياقوت قطعة نسبها إلى منذر بن درهم الكلبي، وأسند روايتها إلى أبي الندي، وفيها هذا البيت، وقبله قوله:
وأحدث عهدي من أميمة نظرة ... على جانب العلياء إذ أنا واقف
تقول: حنان، ما أتى بك ههنا ... أذو نسب أم أنت بالحي عارف
فقلت: أنا ذو حاجة ومسلم ... فضم علينا المأزق المتضايف
والبيت الشاهد، من شواهد: التصريح: 1/ 177، والأشموني: "162/ 1/ 106، والكتاب لسيبويه: 1/ 161، 175، والمقتضب: 3/ 225، وخزانة الأدب: 1/ 77، والعيني: 1/ 359، وهمع الهوامع: 1/ 189، والدرر اللوامع: 1/ 163. وأمالي الزجاجي 131، وفيه برواية: "أذو زوجة أم ... ".
المفردات الغريبة: حنان: عطف ورحمة وشفقة. نسب: قرابة.
المعنى: أي شيء حملك هذه المشاق، وأتى بك إلى هنا؟ فإني أشفق عليك، وأخاف أن يراك قومي فيؤذوك. ثم أوحت إليه بحجة يحتج بها إذا رآه أحد، فقالت: ألك قرابة هنا؟ أم بينك وبين أحد في الحي معرفة وصحبة؟
الإعراب: فقالت: الفاء عاطفة، قالت: فعل ماضٍ، والفاعل: هي، والتاء: للتأنيث. حنان: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: أمري حنان. ما: اسم استفهام، مبتدأ. أتى: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. "بك" متعلق بـ "أتى". ههنا: "ها": للتنبيه، "هنا": ظرف مكان متعلق بـ "أتى" وجملة "أتى وفاعله": في محل رفع خبر "ما" أذو: الهمزة حرف استفهام، ذو: خبر مبتدأ محذوف، يدل عليه السياق، والتقدير: أأنت ذو نسب؛ نسب: مضاف إليه أم: عاطفة أنت: مبتدأ. "بالحي" متعلق بـ "عارف" الآتي. عارف: خبر "أنت" مرفوع، والجملة الاسمية "أنت عارف": معطوفة على الجملة الاسمية السابقة.
موطن الشاهد: حنان".
وجه الاستشهاد: مجيء "حنان" خبرا لمبتدأ محذوف، وحكم حذف المبتدأ هنا الوجوب، وأصل المصدر "حنان" أن يقع منصوبا بفعل محذوف وجوبا؛ لكونه من المصادر التي جيء بها بدلا من اللفظ بأفعالها، ولكنهم ربما قصدوا للدلالة على الثبوت والدوام، فرفعوا هذه المصادر أحيانا، وجعلوها أخبارا عن مبتدآت محذوفة وجوبا، وإنما جعلوا المبتدآت محذوفة وجوبا؛ حملا لحالة الرفع على حالة النصب أي: كما أنها في حالة النصب منصوبة بعامل محذوف وجوبا، كذلك تكون في حالة الرفع مرفوعة بعامل محذوف وجوبا. انظر شرح التصريح: 1/ 177.
فائدة: وجوب حذف المبتدأ في المثال السابق مشروط بقصد قيام المصدر مقام فعله، بقصد الدلالة على الثبوت والدوام، وإن لم يقصد ذلك، نحو: صبر جميل، وعيد سعيد، ونحوهما، جاز أن يكون المحذوف هو المبتدأ، أي: صبري صبر جميل، أو الخبر، أي: صبر جميل خير من غيره. انظر ضياء السالك: 1/ 199.(1/215)
أو بمخصوص بمعنى نعم أو بئس مؤخر عنها، نحو: "نعم الرجل زيد" و"بئس الرجل عمرو" إذا قدِّرا خبرين، فإن كان مقدما نحو: "زيد نعم الرجل" فمبتدأ لا غير، ومن ذلك قولهم1 "من أنت زيد؟ " أي: مذكورك زيد، وهذا أولى من تقدير سيبويه: كلامك زيد.
وقولهم: "في ذمتي لأفعلن" أي: في ذمتي ميثاق أو عهد2.
__________
1 هذا أسلوب مسموع عن العرب، يقال، حين يتحدث شخص حقير بالسوء عن شخص عظيم، وقد ورد بغير مبتدأ، فوجب أن يحافظ عليه كما هو بغير زيادة؛ لأنه بمنزلة المثل، ويقدر له مبتدأ مناسب، نحو: مذمومك، أو مذكورك زيد، والأوَّل أفضل.
2 هناك مواطن أخرى يحذف فيها المبتدأ وجوبا، منها:
أ- بعد "لا سيما" إذا رفع الاسم الواقع بعده، نحو: "لا سيما زيد"، فالتقدير: لا سي الذي هو زيد، ففيه حذف المبتدأ وجوبا؛ لأنه لم يجر الاستعمال بذكره، وفيه حذف صدر صلة الموصول التي لم تطل مع كون الموصول غير "أي". انظر شرح التصريح:
1/ 177.
فائدة: الاسم الواقع بعد "لا سيما" إما أن يكون معرفة، وإما أن يكون نكرة. فإن كان الاسم بعدها نكرة، جاز فيه ثلاثة أوجه، الجر، والرفع، والنصب. فالجر يأتي على أحد وجهين، أولهما: أن "لا" نافية للجنس، و"سي" اسمها منصوب و"ما" زائدة، ويوم: مضاف إليه، وخبر "لا" محذوف، والتقدير: ولا مثل يوم بدارة جلجل موجود. ثانيها: أن تكون "سي" مضافا، و"ما" نكرة غيرة موصوفة مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر بالإضافة، ويوم: بدل من "ما".
والرفع: على أحد وجهين، أحدهما: أن تكون "لا" نافية للجنس، و"سي": اسمها، و"ما" نكرة موصوفة، في محل جر بإضافة "سي" إليها، ويوم: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو يوم، والجملة من "المبتدأ والخبر": لا محل لها؛ لأنها صلة الموصول، وخبر "لا" محذوف، وهذا الوجه، هو المراد بالتمثيل على حذف المبتدأ بعد "لا سيما".(1/216)
[حذف الخبر جوازا] :
وأما حذف الخبر جوازًا فنحو: "خرجت؛ فإذا الأسد" أي: حاضر، ونحو: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} 1، أي: كذلك، ويقال: من عندك؟ فتقول: زيد، أي: عندي.
[حذف الخبر وجوبا في مسائل أربع] :
وأما حذفه وجوبا ففي مسائل:
إحداها: أن يكون كونا مطلقا2 والمبتدأ بعد لولا"3، نحو: "لولا زيد لأكرمتك" أي: لولا زيد موجود، فلو كان كونا مقيدا، وجب ذكره إن فقد دليله، كقولك "لولا زيد سالَمَنَا ما سلِمَ" وفي الحديث: "لولا قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم" 4، وجاز الوجهان إن وجد الدليل، نحو: "لولا أنصار
__________
= وأما النصب، فعلى أحد وجهين، أحدهما: أن "ما" نكرة غير موصوفة، في محل جر بإضافة "سي" إليها، و"يوما": مفعول به لفعل محذوف، التقدير: ولا مثل لشيء أعني يوما بدارة جلجل. وثانيهما: أن تكون ما نكرة غير موصوفة أيضا، في محل جر بالإضافة. و"يوما" تمييز منصوب. وأما إذا كان الاسم الواقع بعد لا سيما معرفة، فيجوز فيه الجر والرفع بإجماع، واختلفوا في جواز النصب، فمن عده بإضمار فعل، أجازه، كما أجازه في النكرة، ومن جعل النصب على التمييز، قال: إن التمييز لا يكون إلا نكرة منع النصب في المعرفة، ومن جوز أن يكون التمييز معرفة -على مذهب جماعة من الكوفيين- جوز نصب المعرفة بعد "لا سيما".
راجع النحو الوافي: 1/ 513-518.
1 "13" سورة الرعد، الآية: 35.
موطن الشاهد: {وَظِلُّهُا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ظلها" مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: أكلها دائم: وظلها كذلك؛ أي دائم، وحكم حذف الخبر في هذه الحالة الجواز، لدلالة ما قبله عليه.
1 أي: عاما يدل على مجرد الوجود، من غير زيادة ما.
2 المقصود بـ "لولا" الامتناعية، التي هي حرف امتناع لوجود، ومثلها: "لوما" التي تفيد الامتناع أيضا، وأما "لولا" التخضيضية، فلا يليها المبتدأ.
3 هذا حديث شريف يخاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- السيدة عائشة- رضي الله عنها- والحديث، رواه البخاري في كتاب العلم: "لولا قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة"، وله في كتاب الحج، وكتاب التمنى روايات أخرى. البخاري: 6/ 407، و8/ 170، ومسلم: 2/ 269، والترمذي: 3/ 614،والنسائي: 5/ 214.
موطن الشاهد: "قومك حديثو".
وجه الاستشهاد: مجيء: "قومك" مبتدأ بعد "لولا" ومجيء الخبر..... كونا مقيدا بالحداثة، وحكم ذكر الخبر في هذه الحالة الوجوب.(1/217)
زيدة حموه ما سلم"، ومنه قول أبي العلاء المعري1: [الوافر]
77- فلولا الغمد يمسكه لسالا2
__________
1 هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي، ولد سنة 363هـ، نادرة الزمان، وأوحد الدهر حفظا وذكاء وصفاء نفس، وهو شاعر من شعراء العصر الثاني، من عصور الدولة العباسية، ولغوي، له تصانيف منها: رسالة الملائكة، ورسالة الغفران، وسقط الزند، ولزوم ما لا يلزم، وغيرها مات وله 86 سنة، وذلك سنة 449هـ.
سير أعلام النبلاء: 8/ 23، إنباه الرواة: 1/ 46، الوافي بالوفيات: 7/ 49، البداية والنهاية: 12/ 72.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
يذيب الرعب منه كل عضب
وهو من شواهد التصريح: 1/ 179، والمقرب لابن عصفور: 13، وشروح سقط الزند: 104 ومغني اللبيب "493/ 360"، "942/ 702"، والأشموني: "158/ 1/ 102" وابن عقيل: "57/ 1/ 251" وشذور الذهب: "12/ 59".
المفردات الغريبة: يذيب: من الإذابة، وهي إسالة الحديد، ونحوه من الجامدات. الرعب: الفزع والخوف، عضب: هو السيف القاطع. الغمد: قراب السيف وجفنه.
المعنى: يقول المعري: إن كل سيف قاطع يذوب في غمده فزعا وخوفا من هذا السيف، ولولا أن الغمد يمسكه ويمنعه من السيلان، لسال وجرى على الأرض من شدة الخوف.
الإعراب: يذيب: فعل مضارع. الرعب: فاعل مرفوع. كل: معفول به. عضب: مضاف إليه. لولا: حرف امتناع لوجود. الغمد: مبتدأ مرفوع. يمسكه "فعل مضارع، والفعل: هو، والهاء: مفعول به و"الجملة": في محل رفع خبر المبتدأ لسالا: اللام واقعة في جواب "لولا". سال: فعل ماضٍ، والألف: للإطلاق، والفاعل: هو: موطن التمثيل: "لولا الغمد يمسكه"
وجه التمثيل: ذكر الخبر "يمسكه" بعد "لولا" لأنه كون خاص مقيد بالإمساك، وقد دل عليه دليل؛ لأن من شأن غمد السيف إمساكه، والمؤلف يرى: أن خبر المبتدأ =(1/218)
وقال الجمهور: لا يذكر الخبر بعد "لولا"، وأوجبوا جعل الكون الخاص مبتدأ، فيقال: لولا مسالمة زيد إيانا، أي: موجودة، ولحنوا المعري، وقالوا: الحديث مروي بالمعنى1.
الثانية: أن يكون المبتدأ صريحا في القسم2، نحو: "لعمرك لأفعلن" و"ايمن
__________
= الواقع بعد "لولا" يجوز ذكره، كما يجوز حذفه، إذا كان كونا خاصا، وقد دل عليه دليل.
ويرى الجمهور: أن الحذف واجب، وأن خبر المبتدأ الواقع بعد "لولا" لا يكون إلا كونا عاما، وحينئذ، لا يقال: إما أن يدل عليه دليل أو لا، وهم يعدون بيت المعري لحنا، لذكره الخبر بعد لولا فيه.
وخلاصة القول: يذهب الجمهور إلى أن الخبر بعد لولا لا يكون كونا خاصا، بل يجب كونه كونا عاما، ويجب مع ذلك حذفه، فإن جاء الخبر كونا خاصا في كلام ما؛ فهو لحن أو مؤول.
ويرى غيرهم: يجوز أن يكون الخبر بعد لولا كونا خاصا، ولكن الأكثر أن يكون كونا عاما، فإن كان عاما وجب حذفه، كما يقول الجمهور، وإن كان كونا خاصا، فإن لم يدل عليه دليل، وجب ذكره، وإن دل عليه دليل، جاز ذكره وحذفه.
ومن أمثلة مجيء الخبر كونا خاصا مذكورا بعد "لولا" قول الشاعر:
لولا زهير جفاني كنت منتصرا ... ولم أكن جانحا للسلم إن جنحوا
وقول الآخر:
لولا ابن أوس نأى ما ضِيم صاحبه ... يوما، ولا نابه وهنٌ ولا حَذَرُ
وانظر شرح التصريح: 1/ 179.
1 ذكر ابن أبي الربيع في رواية الحديث على الوجه الذي يذكره النحاة في هذه المسألة: "لم أر هذه الرواية بهذا اللفظ من طريق صحيح، والروايات المشهورة في ذلك: "لولا حدثان قومك"، و: "لولا حداثة قومك"، "لولا أن قومك حديثة عهد بجاهلية". ا. هـ.
وكل هذه الروايات يجري على مذهب الجمهور، فقد جعل الكون الخاص مبتدأ وحذف خبره، وهو كون عام، أي لولا حدثان بكفر موجود.
التصريح: 1/ 179.
2 بمعنى أنه لا يستعمل إلا في القسم ويفهم منه القسم قبل ذكر المقسم عليه، وبالمقابل ما يكثر استعماله في غير القسم حتى لا يفهم منه القسم إلا بعد ذكر المقسم عليه، نحو: "عهد الله" قد كثر استعماله في غير القسم كقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُم} ثم إنه يفهم منه القسم إذا قلت: "وعهد الله لأفعلن كذا"؛ لأنك في هذا المثال قد ذكرت المقسم عليه.
التصريح: 1/ 179، 180.(1/219)
الله لأفعلن" أي: لعمرك قسمي، وايمن الله يميني، فإن قلت: "عهد الله لأفعلن" جاز إثبات الخبر؛ لعدم الصراحة في القسم، وزعم ابن عصفور أنه يجوز في نحو: "لعمرك لأفعلن" أن يقدر لقسمي عمرك، فيكون من حذف المبتدأ1.
الثالثة: أن يكون المبتدأ معطوفا عليه اسم بواو هي نص في المعية، نحو: "كل رجل وضيعته" و"كل صانع وما صنع" ولو قلت: "زيد وعمرو" وأردت الإخبار باقترانهما جاز حذفه وذكره، قال2: [الطويل]
78- وكل امرئ والموت يلتقيانِ3
__________
1 قول ابن عصفور ضعيف؛ لأن صراحة القسم تحتم أن يكون المحذوف الخبر، وهو "قسمي" ويرجح ذلك، وجود لام الابتداء في أول الاسم، فوجودها يدل على أن مدخولها هو المبتدأ لا الخبر. انظر شرح التصريح: 1/ 180، وابن عقيل: 1/ 198.
2 القائل هو: الفرزدق، همام بن غالب وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى
ويروى قبله:
لشتان ما أنوى وينوي بنو أبي ... جميعا، فما هذان مستويانِ
والشاهد من شواهد التصريح: 1/ 180، والأشموني: "59/ 1/ 103"، والعيني: 1/ 543، وليس في ديوان الفرزدق.
المفردات الغريبة: يشعب: يفرق، ويسمى الموت: شعوب؛ لأنه يفرق بين الناس.
المعنى: تمنى خصومي لي الموت الذي يفرق بين المرء وإخوانه، وما دروا أن هذا أمرا لا مفر منه، وأن كل إنسان مصيره إلى الموت.
الإعراب: تمنوا: فعل ماضٍ، والواو: فاعل. "لي": "تمنوا". الموت: مفعول به. الذي: اسم موصول له في محل نصب صفة لـ "الموت". يشعب: فعل مضارع، والفاعل: هو. الفتى: مفعول به و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها. وكل: الواو استئنافية. كل: مبتدأ. امرئ: مضاف إليه. والموت: الواو عاطفة، الموت: اسم معطوف على المبتدأ. يلتقيان: فعل مضارع، والألف: فاعل، و"الجملة: في محل رفع خبر المبتدأ وما عطف عليه.(1/220)
وزعم الكوفيون والأخفش1 أن نحو: "كل رجل وضيعته"2 مستغنٍ عن تقدير الخبر؛ لأن معناه مع ضيعته.
الرابعة: أن يكون المبتدأ إمَّا مصدرا عاملا في اسم مفسر لضمير ذي حال لا يصح كونها خبرًا عن المبتدأ المذكور، نحو: "ضربي زيدًا قائمًا"3 أو مضافا.
__________
موطن الشاهد: "كل امرئ والموت يلتقيان".
وجه الاستشهاد: ذكر الخبر "يلتقيان" بعد الواو؛ لكونها للعطف، وليست نصا في المصاحبة والمعية؛ لأننا لو قلنا: كل امرئ مع الموت، لكان كلامنا غير صحيح، ولو كانت الواو نصا في معنى المصاحبة والاقتران، لكان حذف الخبر واجبا، كما في قولنا: كل ثوب وقيمته، وكل امرئ ونيته.
وانظر شرح التصريح: 1/ 180، وابن عقيل: 1/ 198.
فائدة: الواو التي هي نص في معنى المصاحبة والاقتران، يكون ما بعدها مما لا يفارق ما قبلها، ففي قولك: كل امرئ ونيته،، فالنية لا تفارق صاحبها، فهي ملازمة له.
وهذا بخلاف قولك: "كل امرئ والموت يلتقيان"؛ لأن الموت ليس ملازما للمرء، وإنما يلقاه مرة واحدة، والواو التي هي نص في معنى المصاحبة والاقتران، هي التي متى ذكرت فهم المخاطب معنى الاقتران من غير حاجة إلى النص على الاقتران، وذلك يكون ما قبل الواو وما بعدها لا ينفك أحدهما في الوجود عن صاحبه.
1 مرت ترجمته.
2 المراد بالمعية هنا مشاركة ما بعد الواو لما قبلها، بحيث يجتمعان فيه، ولا يفترقان وعلامة الواو التي تفيد الأمرين معا: العطف والمعية، وتكون نصا في المعية، إن صح حذفها، ووضعت كلمة "مع" مكانها، ولا يتغير المعنى، بل يتضح، وهي غير التي ينصب بعدها الاسم على أنه مفعول معه.
الأشموني مع الصبان: 1/ 217.
3 فـ "ضربي": مبتدأ أو مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، زيدا: مفعول به للمصدر. قائما: حال من ضمير محذوف، يفسره زيد، والخبر: محذوف وجوبا، ولا يصح أن تكون الحال المذكورة خبرا عن "ضربي" لأن الخبر وصف للمبتدأ في المعنى، والضرب لا يوصف بالقيام.
ويرى سيبويه وجمهور البصريين، وابن مالك، وابن هشام، أن الخبر محذوف، وأن الحال سدت مسد الخبر وأغنت عنه، وذهب قوم إلى أن الحال، هي الخبر نفسه، فأعطوا الحال حكم الظرف كاملا لما رأوا من أوجه الشبه بينهما، وفاتهم أن من شرط المسألة ألا يكون الحال صالحا؛ لأن يقع خبرا عن المبتدأ، وذهب آخرون إلى أن هذا الحال، أغنت عن الخبر، فلا تقدير، كما يغني الفاعل، أو نائب الفاعل عن خبر المبتدأ، إذا كان وصفا، وهذا وما قبله مذهبان ضعيفان، والصواب ما ذهب إليه سيبويه والجمهور.
انظر شرح التصريح: 180-181، والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 217- وابن عقيل "تحقيق البقاعي": 1/ 198.(1/221)
للمصدر المذكور، نحو: "أكثر شربي السويق ملتويا" أو إلى مؤول بالمصدر المذكور، نحو "أخطب ما يكون الأمير قائما".
وخبر ذلك مقدر بإذ كان، أو إذا كان، عند البصريين، وبمصدر مضاف إلى صاحب الحال عند الأخفش، واختاره الناظم، فيقدر في "ضربي زيدا قائما" ضربه قائما، ولا يجوز ضربي زيدا شديدا؛ لصلاحية الحال للخبرية، فالرفع واجب، وشذ قولهم: "حكمك مسمطا"1، أي: حكمك لك مثبتا"2.
__________
1 هذا مثل من أمثال العرب، قيل لرجل حكموه عليهم، وأجازوا حكمه. وهو من أمثال الميداني "ط. الخيرية": 1/ 143، و"تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد: 1/ 212، وفي رواية الميداني: حكمك مسمط "بالرفع"، وهذه الرواية لا شذوذ فيها؛ لأنها جارية على القياس. ورواه أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال "1/ 251" بهامش مجتمع الأمثال للميداني. وفي هذه الرواية: جاء "حكمك" بالنصب بفعل محذوف، ونصب "مسمطا" على الحال، ولا شاهد فيها.
موطن الشاهد: "حكمك مسمطا".
وجه الاستشهاد: مجيء "حكمك" مبتدأ ومضافا إليه، والخبر محذوفا وجوبا، أي: لك مسمطا، أي نافذا، لا يرد، وكان القياس رفعه لصلاحيته للخبرية، ولكن نصب على الحالية والخبر محذوف كما أسلفنا وحكم نصبه على الحال الشذوذ.
فائدة: لعل رواية المثل برفع "حكمك ونصب مسمطا"، وهي الرواية الثالثة للمثل، وهي من تركيب النحاة.
2 أي: نافذا، وشذوذه من وجهين: أحدهما: النصب مع صلاحية الحال للخبرية، والثاني: أن الحال ليست من ضمير المصدر، وإنما صاحب الحال ضمير المصدر المستتر في الخبر، ولا يصح أن يكون الحال من الكاف المضاف إليها في حكمك؛ لأن الذوات لا توصف بالنفوذ، وأشذ منه قراءة عليّ كرم الله وجهه: "ونَحْنُ عُصْبَةً" بالنصب مع انتفاء المصدرية بالكلية، فعصبة: حال من ضمير الخبر، والتقدير: ونحن نجتمع عصبة.(1/222)
[تعدد الخبر للمبتدأ الواحد] :
والأصح1 جواز تعدد الخبر، نحو: "زيد شاعر كاتب، والمانع يدَّعي تقدير "هو" للثني، أو أنه جامع للصفتين، لا الإخبار بكل منهما.
وليس من تعدد الخبر ما ذكره ابن الناظم من قوله2: [المتقارب]
__________
التصريح: 1/ 181- 182. وحاشية الصبان: 1/ 220.
1 وذلك؛ لأن الخبر حكم على المبتدأ، وقد يحكم على الشيء الواحد بأكثر من حكم، وأما حكم التعدد، فهو:
أ- إذا كان المبتدأ واحدا، وتعدد الخبر لفظا ومعنى، بأن كان كل واحد مخالفا للآخر، في لفظه ومعناه، ويصح الاقتصار، عليه في الخبرية، جاز عطف الثاني، وما بعده على الأول بواو العطف أو بغيرها، نحو: المعري شاعر وحكيم ولغوي، ويسمى كل واحد معطوفا، وإن كان خبرا في المعنى، كما يجوز حذف الواو، ويسمى كل واحد خبرا.
ب- إذا تعدد الخبر في اللفظ فقط، بأن كانت الألفاظ المتعددة مشتركة في تأدية المعنى الواحد المقصود والمراد، ولا يصح الإخبار بالبعض عن المبتدأ، نحو: هذا الرجل طويل قصير، تريد أنه متوسط، فلا يجوز العطف في هذه الحالة؛ لأن الخبرين في معنى خبر واحد من جهة المعنى، والعطف يقتضي المغايرة في الغالب؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه، ويعرب كل منهما خبرا، ولا يصح أن يفصل بينهما بأجنبي، ولا أن يتأخر المبتدأ، أو يتوسط.
وإذا كان المبتدأ متعددا حقيقة، بأنه كان مثنى أو مجموعا، وتعدد الخبر لفظا ومعنى، نحو: المحمدان: مهندس وطبيب، وجب عطف الخبر الثاني، وما بعده على الأول بوساطة حرف العطف، ويسمى كل واحد معطوفا، وإن كان خبرا في المعنى، وكما يكون التعدد في الخبر المفرد، يكون في الجملة، وزعم بعض النحويين أن الخبر لا يتعدد إلا إذا كان من جنس واحد، إفرادا، أو جملة. انظر شرح التصريح: 1/ 182-183 والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 221-222.
2 وهو طرفة بن العبد بن سفيان بن ضبيعة بن ثعلبة، ويقال: إن اسمه عمرو وسمِّي طرفة ببيت قاله، وهو أحدث الشعراء سنا، وأقلهم عمرا، وأجودهم طويلة؛ كان في حسبٍ من قومه، جريئا على هجائهم وهجاء غيرهم، وكان ينادم عمرو بن هند، فقال فيه شعرا وتغزل بأخته، فبعث معه كتابا إلى عامله في البحرين، فقتله، وهو ابن عشرين عاما، وهو صاحب معلقة مشهورة.(1/223)
79- يداك يد خيرها يرتجى ... وأخرى لأعدائها غائظة1
__________
الشعر والشعراء: 1/ 185، والخزانة: 1/ 412، ومعاهد التنصيص: 164.
1 تخريج الشاهد: الشاهد كما ذكر العيني في شرح الشواهد "أنشده الخليل..... وما قيل: إنه لطرفة لم يثبت" وهو من شواهد: التصريح: 1/ 182، والأشموني: "166/ 1/ 106"، والعيني: 1/ 572، وليس في ديوان طرفة.
المفردات الغريبة: يداك: مثنى يد.
المعنى: يمدح الشاعر رجلا بالكرم والجود، ذاكرا أن إحدى يديه يرتجى منها الخير والبر، ويصفه بالشجاعة، فيذكر أن يده الأخرى غيظ للأعداء؛ لأنها قوية عليهم.
الإعراب: يداك: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، والكاف: مضاف إليه. يد: خبر المبتدأ مرفوع. خيرها "خير" مبتدأ، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه. يُرتجى: فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل هو، و"الجملة": في محل رفع خبر المبتدأ "خيرها"، و"الجملة الاسمية": "خيرها يرتجى" في محل رفع صفة لـ "يد". وأخرى: الواو عاطفة، أخرى: معطوف على "يد" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. "لأعدائها" متعلق بـ "غائظة" الآتي، و"ها": مضاف إليه. غائظة: صفة لـ "أخرى".
موطن الشاهد: "يداك يد خيرها يُرتجى".
وجه الاستشهاد: أنشد ابن الناظم البيت للدلالة على تعدد الخبر لمبتدأ واحد؛ لأنه يعتقد أن "يداك" الواقع مبتدأ، هو واحد في اللفظ، وإن كان في المعنى متعددا، وعلى أن المعطوف والمعطوف عليه اثنان وأراد المؤلف أن يبين خطأه في ذلك، ووجه تخطئته: أن اختلاف العلماء في جواز تعدد الخبر إنما وقع فيما كان المبتدأ فيه واحدا في اللفظ والمعنى معا، وكان الخبر متعددا في اللفظ والمعنى أيضا، بحيث يصلح كل واحد من الخبرين؛ لأن يكون خبرا عن ذلك المبتدأ، ويصح حمله وحده عليه، ويفيد معه فائدة يحسن السكوت عليها، فأما إذا كان الخبر متعددا في اللفظ فقط، كما في قولهم: "الرمان حلو حامض"، أو عطف ثانيهما على أولهما، نحو: "إبراهيم كاتب وشاعر" فإنه لا يكون من موضع الخلاف بين العلماء، وأخيرا: بقي أن نعلم أن التعدد في الشاهد، من باب التعدد المطلق.
ومثل هذا الشاهد: قول الأحوص:
ثنتان لا أصبو لوصلهما ... عرس الخليل وجارة الجنب
وقول الآخر:
كفاك كف ما تليق درهما ... جودا، وأخرى تعطِ بالسيف الدما
انظر شرح التصريح: 1/ 182- 183، وأوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 229-230.(1/224)
لأن "يداك" في قوة مبتدأين لكل منهما خبر، ومن نحو قولهم: "الرمان حلو حامض"؛ لأنهما بمعنى خبر واحد، أي: مُزٌّ، ولهذا يمتنع العطف على الأصح، وأن يتوسط المبتدأ بينهما1، ومن نحو: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ} 2؛ لأن الثاني تابع له3.
__________
1 وأن يتقدما على المبتدأ على الأصح فيهما عند الأكثرين فلا يقال: حلو الرمان حامض ولا حلو حامض الرمان، وليس الثاني بدلا؛ لأنه ليس المراد أحدهما، بل كلاهما، ولا صفة؛ لامتناع وصف الشيء بمناقضه، ونقل عن الأخفش جواز كونه وصفا للأول، على معنى حلو فيه حموضة، والصفة توصف إذا نزلت منزلة الجامد، نحو: مررت بالضارب العاقل، ورد بأن الصفة كالفعل، وهو لا يوصف، ولو صح هذا أي الرد لم يصح التصغير، وهو جائز بلا خلاف، ولا خبر مبتدأ محذوف؛ لأن المراد أنه جمع الطعمين، وهل في كل منهما ضمير، أو لا ضمير فيهما، أو في الثاني فقط أقوال: اختار أبو حيان أولها، وصاحب البديع ثانيها، والفارسي ثالثها، وتظهر ثمرة الخلاف في تحملهما، أو تحمل أحدهما، في نحو: هذا البستان حلو حامض رمانه، فإن قلنا لا يتحمل الأول ضمير تعين رفع رمانه بالثاني، وإن قلنا إنه يتحمل، فيجوز أن يكون من باب التنازع في السَّبَبِيّ المرفوع على القول به.
التصريح: 1/ 183.
2 "6" سورة الأنعام، الآية: 39.
موطن الشاهد: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ} .
وجه الاستشهاد: توهم ابن الناظم في الآية دليلا على تعدد الخبر "لأن الثاني تابع بالعطف بالواو على ما قبله، والأصل: والذين كذبوا بآياتنا بعضهم صم، وبعضهم بكم، فحذف المبتدآن وبقي خبراهما، فعطف أحدهما على الآخر.
3 بينا أن كونه تابعا، لا ينافي أنه خبر في المعنى؛ لأن المعطوف على الخبر خبر. هذا؛ وقد أجاز بعض النحاة تعدد المبتدأ قياسا على تعدد الخبر، فيقال: محمد، عليّ، زينب غاضبة عليه بسببه "بتعدد المبتدآت بدون ضمائر، وجعل الروابط بعد خبر الأول"، فترتب الضمائر ترتيبا عكسيا، ويكون الضمير في "عليه" راجع إلى الثاني، وهو "على"، وفي "بسببه" راجع إلى الأول، وهو "محمد".
ويقال: محمد عمه خاله خادمه مسافر "بتعدد المبتدآت وخلو الأول من الضمير وإضافة ما بعده، كلٌّ إلى ضمير ما قبله،، والمعنى: خادم خال عم محمد مسافر وفي هذا تعسف واضح.
ومن الخير والصواب عدم استعمال مثل هذه التراكيب.
حاشية الصبان على شرح الأشموني: 1/ 223-224.(1/225)
باب نواسخ الابتداء: كان وأخواتها:
هذا باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر1:
فترفع المبتدأ تشبيها بالفاعل، ويسمى اسْمَها، وتنصب خبره تشبيها بالمفعول، ويسمى خبرها2، وهي ثلاثة أقسام:
__________
1 يشترط في الاسم الذي يراد إدخال "كان" عليه خمسة شروط، وهي:
الأول: ألا يكون مما يلزم الصدارة، كأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، وكم الخبرية، والمبتدأ المقرون بلام الابتداء، ما عدا ضمير الشأن، فيجوز دخولها عليها، وإن كان مما يلزم الصدارة، كقول الشاعر:
إذا مت كان الناس صنفان: شامت ... وآخر مثنٍ بالذي كنت أصنع
فذهب بعضهم إلى أن اسم كان ضمير شأن محذوف، والناس: مبتدأ، وصنفان: خبر المبتدأ، والجملة من "المبتدأ وخبره": في محل نصب خبر كان، وذهب الكسائي في هذا البيت، إلى أن "كان" ملغاة لا عمل لها وتبعه على هذا التخريج ابن الطراوة.
الثاني: ألا يكون ذلك الاسم في حال ابتدائيته واجب الحذف، كالضمير المخبر عنه بنعت مقطوع عن منعوته لمجرد المدح.
الثالث: ألا يكون ملازما لعدم التصرف، أي أن يكون ملازما للوقوع في موقع واحد من مواقع الإعراب، نحو: "طوبى"، فهذا ملازم لأن يقع مبتدأ، في نحو: "طوبى للمؤمنين" ونحو: "سبحان الله" فهذا ملازم للوقوع مصدرا.
الرابع: ألا يكون مما يلزم الابتداء بنفسه. في الأساليب التي التزمت صفة واحدة، لا يجوز تغييرها، حتى صارت كالأمثال، نحو: أقل رجل يفعل ذلك إلا زيدا، وهذا الشرط مكمل لما قبله، وإن ذكره العلماء مستقلا.
الخامس: ألا يكون مما يلزم الابتداء بوساطة، وذلك، كالاسم الواقع بعد لولا، وإذا الفجائية، فهما لا يدخلان إلا على المبتدأ كما هو معلوم.
انظر شرح التصريح: 1/ 183- 184.
2 يشترط في خبرها أن يكون متأخرا عنها، وألا يقع طلبا، ولا إنشاء، حتى عند الذين يجوزون وقوع الجملة الطلبية خبر عن المبتدأ، من غير تقدير، فلا يصحُّ: كان الفقير عاونه، ولا: كان خالد يحفظه الله، ولا جملة ماضية، ما عدا "كان"، فهي تمتاز عن أخواتها، بجوز صحة الإخبار عنها بالجملة الماضوية.
فائدة: ما ذكره المؤلف، من أن هذه الأفعال الناقصة، ترفع وتنصب، هو مذهب جمهور البصريين، وأما الكوفيون، فذهبوا إلى أنها، لم تعمل في الاسم، وإنما هو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها عليه، واتفق الجميع على كونها ناصبة للخبر، لا أنهم اختلفوا في نصبه، فقال الكوفيون: نصبته على الحال؛ تشبيهًا بالفعل القاصر، نحو: "ذهب زيد مسرعا"، وقال الفرَّاء: نصبته على أنه شبيه بالحال، وقال البصريون: إنا رأينا هذا الخبر يجيء ضميرا، ويجيء معرفة، ويجيء جامدا، ورأيناه لا يُستغنى عنه، فلا يمكن أن يعد حالا، ولا مشبها بالحال؛ لأن الأصل في الحال أن يكون نكرة، وأن يكون مستغنى عنه، والصواب ما ذهب إليه البصريون. انظر شرح التصريح: 1/ 184، وحاشية الصبان: 1/ 226.(1/226)
[أقسام كان وأخواتها من حيث العمل] :
أحدها: ما يعمل هذا العمل مطلقا، وهو ثمانية: كان، وهي أم الباب، أمسى، وأصبح، وأضحى، وظل، وبات، وصار، وليس1، نحو: {وَكَانَ رَبُّكَ
__________
1 ذهب الجمهور إلى أن "ليس" فعل، وذهب بعض النحاة إلى أنها حرف، وأول من ذهب إلى أن "ليس" حرف، هو ابن السراج وتابعه على ذلك أبو علي الفارسي -في أحد قوليه- في الحلبيات، وأبو بكر بن شقير -في أحد قوليه- وجماعة، واستدلوا على ذلك بدليلين:
الدليل الأول: أنَّ "ليس" أشبه الحرف من وجهين:
الوجه الأول: أنه يدل على معنى يدل عليه الحرف؛ وذلك لأنه يدل على النفي الذي تدل عليه "ما" وغيرها من حروف النفي.
الوجه الثاني: أنه جامد لا يتصرف، كما أن الحرف جامد لا يتصرف.
الدليل الثاني: أنه خالف سنن الأفعال العامة، وبيان ذلك أن الأفعال بوجه عام مشتقة من المصدر؛ للدلالة على الحدث دائما والزمان بحسب الصيغ المختلفة، وهذه الكلمة لا تدل على الحدث أصلا، وما فيها من الدلالة على الزمان مخالف لما في عامة الأفعال؛ فإن عامة الأفعال الماضية، تدل على الزمان الذي انقضى، وهذه الكلمة تدل على نفي الحدث الذي دل عليه خبرها في الزمان الحاضر إلى أن تقوم قرينة تصرفه إلى الماضي، أو المستقبل، فإذا قلت: "ليس الله مثله" فليس أداة نفي، واسمها ضمير شأن محذوف، وجملة "الفعل الماضي وفاعله" في محل نصب خبرها. =(1/227)
قَدِيرًا} 1.
الثاني: ما يعمله بشرط أن يتقدمه نفي أو نهي أو دعاء، وهو أربعة2: زال ماضي يزال، وبرح، وفتئ، وانفكَّ، مثالها بعد النفي: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} 3، {لَنْ
__________
= وفي هذا المثال قرينة وهي كون الخبر ماضيا على أن المراد نفي الخلق في الماضي، وقوله تعالى: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُم} ، يشتمل على قرينة تدل على أن المراد نفي صرفه عنهم فيما يستقبل من الزمان، ومن أجل ذلك كله، قالوا: هي حرف.
ويرد ذلك عليهم قبولُها علامات الفعل، ألا ترى أن تاء التأنيث الساكنة تدخل عليها، فتقول: ليست هذه مفلحة، وأن تاء الفاعل تدخل عليها، فتقول: لستُ، ولستَ ولستما، ولستم ولستنَّ.
وأما عدم دلالتها على الحدث، كسائر الأفعال، فإنه منازع فيه؛ لأن المحقق الرضي ذهب إلى أن "ليس" دالة على حدث وهو الانتفاء، ولئن سلمنا أنها لا تدل على حدث كما هو الراجح بل الصحيح عند الجمهور، فإنا نقول: إن عدم دلالتها على حدث، ليس هو بأصل الوضع، ولكنه طارئ عليها، وعارض لها بسبب دلالتها على النفي، والمعتبر إنما هو الدلالة بحسب الوضع، وأصل اللغة، وهي من هذه الجهة دالة عليه فلا يضرها أن يطرأ عليها ذلك الطارئ فيمنعها.
المغنى: 387، وابن عقيل: 1/ 262، وابن عقيل "ط. دار الفكر": 1/ 205.
1 "25" سورة الفرقان، الآية: 54.
موطن الشاهد: {كَانَ} .
وجه الاستشهاد: دخول "كان" على الجملة الاسمية، ورفعها الاسم، ونصبها للخبر، من دون أي شرط يذكر، ومعلوم أن "كان" أم الباب.
2 إنما اشترط في هذه الأربعة ذلك؛ لأن معناها النفي واستمرار ملازمة الخبر للمخبر عنه على حسب ما يقتضيه المقام، فإذا دخل عليها النفي، انتقلبت إثباتا. والنهي والدعاء يتضمنان في المعنى نفيا.
ويشترط ألا يكون خبرها جملة فعلية ماضوية، فلا يقال: ما زال المسافر غاب. الخ وألا يقع بعد إلا، فلا يصح: ما فتئ السائح إلا بعيدا.
التصريح: 1/ 184.
3 "11" سورة هود، الآية: 118.
موطن الشاهد: {لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "يزال" فعلا مضارعا ناقصا، والواو: في محل رافع اسمه، و"مختلفين": خبره منصوب، وعلامة نصبه الياء، وقد أعمل "يزال"؛ لتقدم النفي بـ "لا" عليه.(1/228)
نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِين} 1 ومنه: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} 2 وقوله: [الطويل] 3
80- فقلت يمين الله أبرح قاعدا4
__________
1 "20" سورة طه، الآية: 91.
موطن الشاهد: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "نبرح" فعلا مضارعا ناقصا، واسمه "نحن" و"عاكفين": خبره، وإنما أعمل عمل كان؛ لتقدم النفي بـ "لن" عليه.
2 "12" سورة يوسف، الآية: 85.
موطن الشاهد: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "تفتأ" مضارعا ناقصا، لتقدم النفي المصدر عليه؛ لأن تقدير الكلام: تالله لا تفتأ تذكر يوسف، واسم تفتأ "أنت"، وجملة "تذكر": في محل نصب خبر "تفتأ" والتقدير: ذاكرا.
3 هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 185، والأشموني: "170/ 1/ 110"، وكتاب سيبويه: 2/ 147 والمقتضب: 2/ 326، والجمل للزجاجي: 85، والخصائص: 2/ 284، والعيني: 2/ 13، وأمالي ابن الشجري: 1/ 369، وشرح المفصل: 7/ 110، وشرح السيوطي: 118 وديوان امرئ القيس: 32.
المفردات الغريبة: الأوصال: المفاصل جمع وصل، وهو العضو يفصل من الآخر.
المعنى: أقسم بالله لأبقين معك هنا، ولا أفارق رحابك خوفا من أحد، ولو قطعوا رأسي ومزقوني إربا إربا.
الإعراب: قلت: فعل ماضٍ وفاعل. يمين: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف وخبره محذوف، والتقدير: يمين الله قسمي. الله: "لفظ الجلالة": مضاف إليه. أبرح: فعل مضارع ناقص، واسمه: أنا. قاعدا: خبره منصوب. لو شرطية غير جازمة. قطعوا: فعل ماضٍ وفاعل، وهو فعل الشرط غير الجازم، وجواب "لولا" محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه.
موطن الشاهد: "أبرح قاعدا".
وجه الاستشهاد: إعمال "أبرح" عمل كان؛ لأنه تقدم عليه النفي تقديرا، وإن لم يظهر لفظا؛ لأن المعنى: لا أبرح قاعدا.(1/229)
إذ الأصل لا تفتأ ولا أبرح، ومثالها بعد النهي، قوله1: [الخفيف]
81- صاح شمر ولا نزل ذاكر الموت2.
__________
= ونظير البيت الشاهد، قول النابغة:
فقالت: يمين الله أفعل إنني ... رأيتك مسحورا يمينك فاجره
والمراد: يمين الله قسمي لا أفعل....
فائدة أولى: يكثر حذف "لا" النافية من دون أخواتها، بعد القسم، إن كان الفعل المنفي مضارعا، كما في قوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُف} ، وكما في بيت امرئ القيس السابق.
وإن لم يتقدم القسم، كان الحذف شاذا، وذلك في نحو قول خداش بن زهير:
وأبرح ما أدام الله قومي ... بحمد الله منتطقا مجيدا.
فالمراد: "لا أبرح ما أدام الله قومي"، فحذف "النفي" من دون أن يتقدم عليه القسم.
فائدة ثانية: قد يقع النفي قبل الأفعال المذكورة بغير "لا" كأن يكون اسما دالا على النفي، نحو قول الشاعر:
غير منفكٍّ أسير هوى ... كل وَانٍ ليس يعتبر
أو يكون بالفعل الدال على النفي، نحو قول الآخر:
ليس ينفك ذا غنى واعتزاز ... كل ذي عفَّةٍ مقلٌّ قنوعُ
أو يكون بالفعل المستعمل في النفي، وإن لم يكن موضوعا له، كما في قول الشاعر:
قلما يبرح اللبيب إلى ما ... يورث الحمد داعيا أو مجيبا.
فإن "قلما" في هذا الموضع وشبهه دالة على النفي؛ لا التقليل.
وانظر شرح التصريح: 1/ 185، وابن عقيل "دار الفكر": 1/ 205.
وحاشية الصبان: 1/ 227-228.
1 لم ينسب هذا البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه:
صاح شَمِّرْ، ولا تزال ذاكر المو ... ت؛ فنسيانه ضلال مبين
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 185، وابن عقيل: "61/ 1/ 265"، والأشموني: "172/ 1/ 110" والعيني: 2/ 14، وهمع: 1/ 110، والدرر اللوامع: 1/ 81، وقطر الندى: "40/ 168".
المعنى: اجتهدْ يا صاحبي، واعمل بكل ما أوتيت من قوة، وتذكر أن الموت لا بد منه، فاستعد لما بعده، وكن دائم التذكر له؛ فإن نسيانه يوقعك في الإثم والضلال.
الإعراب: صاح: منادى بحرف نداء محذوف، مرخم ترخيما غير قياسي، من "صاحب" شمر: فعل أمر، وفاعله مستتر وجوبا "أنت". لا: ناهية. تزل: فعل مضارع ناقص، مجزوم بـ "لا" واسمه ضمير مستتر وجوبا "أنت". ذاكر: خبر "تزل" منصوب، وهو مضاف. الموت: مضاف إليه فنسيانه: الفاء: تعليلية، نسيان: مبتدأ مرفوع، و"الهاء" مضاف إليه. ضلال: خبر المبتدأ مرفوع. مبين: صفة لـ "ضلال".
موطن الشاهد: "لا تزل ذاكرَ".
وجه الاستشهاد: إعمال "تزل" عمل "كان"؛ لأنها سبقت بحرف النهي "لا" وهو شبيه بالنفي، فالناهي عن فعل شيء من الأشياء، إنما يقصد عدم حصول الفعل، ومعلوم أن عدم حصوله، هو معنى النفي.(1/230)
ومثالها بعد الدعاء، قوله1: [الطويل]
82- ولا زال منهلا بجرعائك القطر2
__________
1 هو ذو الرمة: غيلان بن عقبة بن بهيش، من بني صعب، يكنى أبا الحارث، ويعرف بذي الرمة، لقوله:
أشعث باقٍ رُمَّة التقليدِ
وهو أحد شعراء الطبقة الثانية، قال عنه ابن سلام: "أحسن أهل الجاهلية تشبيها امرؤ القيس، وأحسن أهل الإسلام ذو الرمة". مات سنة 117هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 542، الجمحي: 2/ 549، الخزانة: 1/ 50، الأغاني: 16/ 106.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يقوله في صاحبته مية، وصدره قوله:
ألا يا اسلمى يا دار ميّ على البلى
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 185، وابن عقيل: "62/ 1/ 266"، والأشموني: "11/ 1/ 14" وأمالي ابن الشجري: 2/ 151، والعيني: 2/ 6، وهمع الهوامع: 1/ 111، 2/ 4، 2/ 70، والدرر اللوامع: 1/ 81، 2/ 23، 2/ 86، ومغني اللبيب: "440/ 320"، وشرح السيوطي: 210 وقطر الندى: "41/ 169".
المفردات الغريبة: اسلمى: دعاء بالسلامة من الآفات والعيوب. البلى، من بلي الثوب يبلى، أي: خلق ورَثَّ. منهلًّا: منسكبا منصبًّا. جرعائك: الجرعاء: رملة مستوية، لا تنبت شيئا. القطر: المطر.
المعنى: يدعو الشاعر لدار حبيبته، فيقول: حفظك الله وسلمك يا دار ميّ على ما فيك من قدم من الفناء والزوال، ولا زال المطر ينزل بساحتك، حتى يبقى رحابك عامرا، يذكرنا بالأحبة الذين سكنوك.
الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. يا: حرف نداء، والمنادى محذوف، والتقدير: يا دار مية، أو حرف تنبيه مؤكد لـ "ألا" والأول أرجح، اسلمى: فعل أمر مبني على حذف النون، والياء، فاعل. يا: حرف نداء. دار: منادى مضاف منصوب. مي: =(1/231)
وقيدت زال بماضي يزال احترازا من زال ماضي يزيل، فإنه فعل تام متعدٍّ إلى مفعول، ومعناه مَازَ1، تقول: "زِلْ ضأنك عن معزك" ومصدره الزيل، ومن ماضي يزول؛ فإنه فعل تام قاصر، ومعناه الانتقال، ومنه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا} 2، ومصدره الزوال.
الثالث: ما يعمل بشرط تقدم "ما" المصدرية الظرفية، وهو دام3، نحو: {مَا
__________
= مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. ولا: الواو عاطفة، لا: حرف دعاء لا محل له من الإعراب، زال: فعل ماضٍ ناقص. منهلا: خبر "زال" مقدم منصوب. "بجرعائك": متعلق بـ "منهلا" والكاف: مضاف إليه. القطر: اسم "زال" مؤخر مرفوع.
موطن الشاهد: "لا زال".
وجه الاستشهاد: مجيء "زال" ناقصة عاملة عمل "كان" في رفع الاسم، ونصب الخبر؛ لتقدم "لا" الدعائية عليها، وسبق لنا أن علمنا أن الدعاء شبيه بالنفي؛ لأن دعاءك بحصول الشيء دليل على كونه غير حاصل في وقت الدعاء.
وفي البيت شاهد آخر على اتصال النداء بالفعل المضارع لفظا، وللنحاة في هذا مذهبان:
الأول أن "يا" حرف نداء، والمنادى محذوف قيل فعل الأمر، والتقدير: يا هذه، أو يا دار مية.....
الثاني: أن "يا" حرف تنبيه، وليست حرف نداء.
والأرجح في هذه الحال الأول؛ لأن "يا" سبقت بـ "ألا" التي تفيد الاستفتاح والتنبيه، ومن القواعد المقررة، أن لا يتوالى حرفان بمعنى واحد، لغير توكيد، فعلى الرأي الثاني، تكون "يا" حرف تنبيه يفيد التوكيد؛ ليجري الإعراب وفق القواعد المقررة.
1 أي: ميز وفصل.
2 "35" سورة فاطر، الآية: 41.
موطن الشاهد: {تَزُولََا} ، {زَالَتَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء كل من "تزولا" و"زالتا" فعلا تاما غير ناقص؛ لأنه بمعنى الانتقال، فـ "أن تزولا": أن تنقلا، و"زلتا": انتقلنا، والمصدر فيهما: الزوال.
3 قد وردت "دام" غير مسبوقة بما وبعدها اسمان أولهما مرفوع وثانيهما منصوب، في قول الشاعر:
دمت الحميد، فما تنفك منتصرا ... على العدى في سبيل المجد والكرم
وهذا البيت مشكل؛ لأنك، لو قدرت "دام" تامة غير محتاجة إلى تقدم "ما" عليها، =(1/232)
دُمْتُ حَيًّا} ، أي: مدة دوامي حيا، وسميت "ما" هذه مصدرية لأنها تقدر بالمصدر، وهو الدوام؛ وسميت ظرفية لنيابتها عن الظرف، وهو المدة.
[كان وأخواتها ثلاثة أقسام بالنسبة إلى التصرف] :
وهذه الأفعال في التصرف ثلاثة أقسام:
1- ما لا يتصرف بحال، وهو ليس باتفاق، ودام عند الفراء وكثير من المتأخرين.
__________
= وجعلت ضمير المخاطب فاعلا و"الحميد" حالا ورد عليك بأن "الحميد" معرفة بالألف واللام، والحال: لا يكون إلا نكرة في المذهب البصري المنصور، وإن جعلت "دام" ناقصة ورد عليك بأنها "الحميد" معرفة بالألف واللام، والحال: لا يكون إلا نكرة في المذهب البصري المنصور، وإن جعلت "دام" ناقصة ورد عليك بأنه لم تتقدمها "ما" وهو شرط في عملها في الاسم والخبر، وإذا كان لا مناص من ارتكاب أحد الأمرين، فإننا نختار أن تكون "دام" في هذا البيت تامة، وندعي أن "أل في قوله "الحميد" ليست معرفة وإنما هي زائدة.
حاشية يس على التصريح: 1/ 186، وحاشية الصبان: 1/ 228-229.
1 "9" سورة مريم، الآية: 31.
موطن الشاهد: {مَا دُمْتُ حَيًّا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "دمت" فعلا ناقصا يعمل عمل "كان" لتقدم "ما" المصدرية الظرفية عليه، فالتقدير: مدة دوامي حيا، كما في المتن، وفي الإعراب، نقول: "ما" مصدرية ظرفية. دمت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. حيا: خبره منصوب.
فائدة: إذا سبقت: "دام" بـ "ما" مصدرية غير ظرفية، لم تعمل "دام" بعدها عمل "كان" وإن ولي مرفوعها منصوب، فهو منصوب على الحال، نحو: يعجبني ما دمت صحيحا، فـ "دام" فعل تام"، والتقدير: يعجبني دوامك صحيحا، و"صحيحا" منصوب على الحال، وكذلك إذا لم تذكر "ما" أصلا، فأحرى بـ "دام" ألا تعمل، كما في: دام زيد صحيحا، فـ "دام" فعل ماضٍ تام بمعنى "بقي"، وزيد فاعله، وصحيحا حال منصوب من زيد، ولا يلزم من وجود ما المصدرية الظرفية العمل المذكور، إذ لا يلزم من وجود الشرط المشروط، ولا توجد الظرفية من دون المصدرية. انظر صرح التصريح: 1/ 186.(1/233)
2- وما يتصرف تصرفا ناقصا، وهو "زال" وأخواتها، فإنها لا يستعمل منها أمر ولا مصدر، و"دام" عند الأقدمين، فإنهم أثبتوا لها مضارعا1.
3- وما يتصرف تصرفا تاما، وهو الباقي.
وللتصاريف في هذين القسمين ما للماضي من العلم، فالمضارع نحو: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} 2، والأمر نحو: {كُونُوا حِجَارَة} 3، والمصدر، كقوله4: [الطويل]
83- وكونك إياه عليك يسير5
__________
1 رجح العلامة الصبان في حاشيته على شرح الأشموني، أن دام الناقصة لها مصدر، ودليله أنها تستعمل البتة لما المصدرية الظرفية، وأن العلماء جروا على تقدير ما دام في نحو قوله تعالى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} بقوله: مدة دوامي حيا، ولو أننا التزمنا أن هذا مصدر لدام التامة أو أن العلماء اخترعوا في هذا التقرير مصدرا، لم يرد عن العرب، لكُنَّا بذلك جائرين، مسيئين الظنَّ بمن قام على العربية وحفظها غاية الإساءة، فلزم أن يكون هذا المصدر مصدر الناقصة فتتم الدعوى.
حاشية الصبان على الأشموني: 1/ 228-229.
2 "19" سورة مريم، الآية: 20.
موطن الشاهد: {لَمْ أَكُ بَغِيًّا} .
وجه الاستشهاد: إعمال "أك" المضارع عمل "كان" الناقصة، وهو مجزوم بـ "لم" وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفًا، واسمه "أنا"، و"بغيا" خبر منصوب.
3 "17" سورة الإسراء، الآية: 50.
موطن الشاهد: {كُونُوا حِجَارَةً} .
وجه الاستشهاد: إعمال "كونوا" فعل الأمر عمل "كان" الناقصة، وإعرابه: كونوا: فعل أمر ناقص مبني على حذف النون؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: اسمه، و"حجارة": خبره منصوب.
4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد:
هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى
وهو من شواهد التصريح: 1/ 187، وابن عقيل: "64/ 1/ 270، والأشموني =(1/234)
واسم الفاعل، كقوله1: [الطويل]
84- وما كل من يبدي البشاشة كائنا ... أخاك.......................2
__________
= "181/ 1/ 112" وهمع الهوامع: 1/ 114، والدرر اللوامع: 1/ 83، والعيني: 2/ 15.
المفردات الغريبة: بذل: عطاء. ساد: من السيادة، وهي الرفعة وعظم الشأن.
المعنى: إن الإنسان يسود في قومه ويرتفع ذكره بينهم بالجود وبالمال، والحلم في الخلق، وسعيك في الاتصاف بهاتين الخلتين، أمر هين عليك، إذا أردت أن يتكون مثل هذا الإنسان في المنزلة وعلو الشأن.
الإعراب: وكونك: الواو عاطفة. كونك: مبتدأ، وهو مصدر "كان" الناقصة، وهو مضاف إليه اسمه. "الكاف" مبني في محل جر بالإضافة، وفي محل رفع اسم "كان"، فلها محلان من الإعراب. إياه: خبر "كونك" في محل نصب من جهة النقصان.
"عليك": متعلق بـ "يسير". يسير: خبر "كونك" الواقع مبتدأ، من حيث ابتدائيته.
موطن الشاهد: "كونك إياه".
وجه الاستشهاد: إجراء مصدر "كان" الناقصة مجراها في رفع الاسم، ونصب الخبر، وقد بينا في الإعراب كيفية إعرابه مع خبره من جهة نقصانه، ومع خبره من جهة ابتدائيته.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه هو:
وما كل من يبدي البشاشة كائنا ... أخاك، إذا لم تلفه لك منجدا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 187، وابن عقيل "63/ 1/ 269، والأشموني: "182/ 1/ 112" وهمع الهوامع: 1/ 114، والدرر اللوامع: 1/ 84، والعيني: 2/ 17.
المفردات الغريبة: يبدي: يظهر. البشاشة: طلاقة الوجه. تلفه: تجده. منجدا: مساعدا.
المعنى: ليس كل من يظهر لك البشر وطلاقة الوجه، أخا مخلصا لك، ما لم تجده معينا في الشدائد، مساعدا في الملمات.
الإعراب: ما: نافية حجازية، تعمل عمل ليس. كل: اسم "ما" مرفوع. من: اسم موصول في محل جر بالإضافة. يبدي فعل مضارع، والفاعل: هو. البشاشة: مفعول به، وجملة "يبدي البشاشة" صلة للموصول، لا محل لها. "كائنا": خبر "ما" منصوب، و"كائنا" اسم فاعل من كان الناقصة، واسمه: ضمير مستتر جوازا، تقديره: هو، يعود إلى "من". أخاك: خبر "كائنا" منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، والكاف في محل جر بالإضافة. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط. تلفه: فعل مضارع مجزوم بـ "لم" وعلامة جزمه حذف حرف العلة، و"الهاء" مفعول أول. منجدا: مفعول ثانٍ منصوب، ويرى العيني: أن "منجدا" حال؛ لأن ظن وأخواتها على زعمه تنصب مفعولا واحدا، هذا مذهب ضعيف.
موطن الشاهد: "كائنا أخاك".
وجه الاستشهاد: إعمال اسم الفعل "كائنا" عمل كان الناقصة، فرفع اسما، ونصب خبرا، كما بينا في الإعراب.(1/235)
وقوله1: [الطويل]
85- قضى الله يا أسماء أن لست زائلا ... أحبك............2
__________
1 هو: الحسين بن مطير بن مكمل، مولى بني أسد بن خزيمة، وأحد مخضرمي الدولتين، مدح بني أمية وبني العباس، وكان شاعرا راجزا، مقدما في الشعر والرجز، وكان كلامه يشبه كلام أهل البادية. خزانة الأدب للبغدادي: 5/ 475-482.
2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه هو:
قضى الله يا أسماء أن لست زائلا ... أحبك حتى يُغمضَ الجفنَ مغمِضُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 187، والأشموني: "183/ 1/ 112"، وهمع الهوامع: 1/ 114، والدرر اللوامع: 1/ 84، ومجالس ثعلب: 265، وزهر الآدب للحصري: 98، والعيني: 2/ 18.
المفردات الغريبة: قضى الله: حكم وقدر. أسماء: اسم محبوبته. يغمض العين: يطبق جفونها، وهو كناية عن الموت.
المعنى: قدر الله يا أسماء أن أتعلق بك، وأحبك -على الرغم من حدودك وهجرك لي- حتى أفارق هذه الحياة.
الإعراب: قضى الله: فعل وفاعل. يا أسماء: حرف نداء، ومنادى مفرد علم مبني على الضم في محل نصب. أن: مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف. لست: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. زائلا: خبره منصوب، و"زائلا": اسم فاعل من "زال" الناقصة، واسمه: ضمير مستتر فيه وجوب. أحبك: فعل مضارع، والفاعل: أنا، و"الكاف": مفعول به. وجملة "أحبك": في محل نصب خبر "زائلا"، وجملة ليس واسمها وخبرها": في محل رفع خبر "أن" المخففة من الثقيلة. حتى: حرف غاية وجر. يغمض: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة بعد حتى. الجفن: مفعول به منصوب مقدم على الفاعل. مغمض: فاعل مرفوع مؤخر، والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل جر بـ "حتى"، والجار والمجرور متعلق بـ "أحبك".(1/236)
[توسط أخبار كان وأخواتها] :
وتوسط أخبارهن جائز1، خلافا لابن درستويه2 في ليس، ولابن
__________
1 لخبر كان وأخواتها ستة أحوال.
الأول: وجوب التأخير، وذلك في مسألتين؛ إحداهما: أن يكون إعراب الاسم والخبر جميعا غير ظاهر، نحو: كان صديقي عدوي، وثانيهما: أن يكون الخبر محصورا، نحو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَة} ، والمكاء: التصفير، التصدية: التصفيق.
الثاني: وجوب التوسط بين العامل واسمه، وذلك في نحو قولك: يعجبني أن يكون في الدار صاحبها، فلا يجوز في هذا المثال تأخير الخبر عن الاسم؛ لئلا يلزم منه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، كما لا يجوز أن يتقدم الخبر على أن المصدرية؛ لئلا يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول، فلم يبقَ إلا توسط هذا الخبر على ما ذكرنا.
الثالث: وجوب التقدم على الفعل، واسمه جميعا، وذلك فيما إذا كان الخبر مما له الصدارة كاسم الاستفهام، نحو: "أين كان زيد"؟
الرابع: امتناع التأخر عن الاسم، مع جواز التوسط بين الفعل واسمه، أو التقدم عليهما، وذلك فيما إذا كان الاسم متصلا بضمير يعود على بعض الخبر، ولم يكن ثمة مانع من التقدم على الفعل نحو: "كان في الدار صاحبها، وكان غلام هند بعلها". يجوز أن تقول ذلك، ويجوز أن تقول: "في الدار كان صاحبها، وغلام هند كان بعلها بنصب غلام ولا يجوز في المثالين التأخير عن الاسم.
الخامس: امتناع التقدم على الفعل واسمه جميعا، مع جواز توسطه بينهما، أو تأخره عنهما جميعا، نحو: "هل كان زيد صديقك"؟ ففي هذا المثال، يجوز هذا، ويجوز "هل كان صديقك زيد" ولا يجوز تقديم الخبر على هل؛ لأن "هل" لها صدر الكلام، ولا توسيطه بين هل والفعل؛ لأن الفصل بينهما غير جائز.
السادس: جواز الأمور الثلاثة: نحو "كان محمد صديقك" ويجوز فيه ذلك، كما يجوز أن تقول: صديقك كان محمد، وأن تقول: كان صديقك محمد، بنصب الصديق. ابن عقيل "دار الفكر": 1/ 221- 213، وحاشية الصبان على الأشموني: 1/ 232، وابن عقيل "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 272.
2 ابن درستويه: هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي المشهور بعلمه وتصانيفه، ولد بفارس سنة 258هـ، وصحب المبرد، وقرأ عليه "الكتاب" وبرع فيه. لقي ابن قتيبة، وأخذ عن الدارقطني، وغيره، له تصانيف قيمة، منها: شرح الفصيح، والإرشاد في النحو، والمقصور والممدود، وأخبار النحاة، توفي سنة: 347هـ. البلغة: 107، إنباه الرواة: 2/ 113، بغية الوعاة: 2/ 36، الفهرست: 63، الإعلام: 4/ 204 وغيرها.(1/237)
معط1 في دام، قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين} 2، وقرأ حمزة3 حفص4: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُم} 5 بنصب البر
__________
1 ابن معط: أبو الحسن، زين الدين يحيى بن معط المغربي الحنفي، إمام مبرز في العربية، وشاعر محسن، قرأ على الجزولي، وأخذ عنه الكثير، وكان مدرسا في دمشق ومصر، وكان يحفظ الكثير المفيد، له تصانيف كثيرة، منها: الألفية في النحو، وشرح الجمل في النحو، وشرح أبيات سيبويه "نظم"، كما نظم كتاب الجمهرة، لابن دريد في اللغة، ونظم كتاب الصحاح للجوهري، ونظم كتابا في العروض، وقصيدة في القراءات..... توفي سنة 628هـ. سير أعلام النبلاء: 22/ 324، وفيات الأعيان: 6/ 197، البداية والنهاية: 13/ 129 بغية الوعاة: 2/ 344.
2 "30" سورة الروم، الأية: 47.
موطن الشاهد: {كَانَ حَقًّا عَلَينَا نَصْرُ} .
وجه الاستشهاد: تقدم خبر كان على اسمها، وحكم هذا التقدم الجواز؟ والإعراب واضح.
3 حمزة: هو أبو عمارة، حمزة بن حبيب الكوفي الزيات، أحد أصحاب القراءات السبع، وإمام القراء بالكوفة بعد عاصم، كان ثقة عارفا بالعربية، حافظا للحديث، ورعا زاهدا، وكان يعمل بالتجارة وخاصة تجارة الزيت حتى لُقِّبَ بها، ولد سنة 80هـ. وتوفي سنة 156هـ.
طبقات القراء للذهبي: 1/ 261، ابن خلكان: 2/ 216
4 حفص: هو أبو عمرو، حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي، من أصحاب عاصم، معروفا بضبط الحروف، وقد أقرأ الناس مدة طويلة، ولد سنة 90هـ، ومات سنة 180هـ. معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 140، والجرح والتعديل: 3/ 173، وشذرات الذهب: 1/ 293.
5 "2" سورة البقرة، الآية: 177.
أوجه القراءات: قرأ حمزة وحفص {الْبِرَّ} بالنصب، وقرأها الباقون بالرفع.
توجيه القراءات: على قراءة النصب، يكون "البر" يكون "البر" خبر ليس، ويكون المصدر المؤول من "أن وما بعدها": اسم "ليس"، والتقدير: ليس توليتكم وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب البر كله، ومن رفع "البر" فعلى اعتبارها "اسما" لـ "ليس"، والمصدر المؤول في محل نصب الخبر، والتقدير: ليس البر توليتكم وجوهكم؟ وحجة قراءة الرفع، قراءة أبي بأن تولوا، فأدخل الباء على الخبر، ومعلوم أن الباء، لا تدخل في اسم "ليس" وإنما تدخل في خبرها. انظر: حجة القراءات: 123، والإتحاف: 153، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 230، والبحر المحيط: 2/ 2، والكشف للقيسي، 1/ 256، ومجمع البيان: 1/ 109.(1/238)
وقال الشاعر1: [البسيط]
86- لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذاته......................2
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه:
لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذاته بادِّكَار الموت والهرم
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 187، وهمع الهوامع: 1/ 117، والدرر اللوامع: 1/ 87، والعيني: 2/ 20، وقطر الندى: "43/ 172".
المفردات الغريبة: منغصة: اسم مفعول من التنغيص"، وهو التكدير. بادِّكار: بتذكر، وأصله: اذتكار، قلبت تاء الافتعال دالا، ثم قلبت الذال دالا، وأدغمتا. الهرم: الكبر والضعف.
المعنى: لا لذة ولا راحة في هذه الحياة ما دامت لذاتها ونعيمها ومسراتها- تتكدر بتذكر الإنسان للموت، وبالضعف بالكبر، فكلما كبر الإنسان ازداد ضعفه، وقلَّ طموحه.
الإعراب: لا: نافية للجنس. طيب: اسم "لا". "للعيش": متعلق بمحذوف خبر "لا"، ويجوز أن يكون متعلقا بـ "طيب" وخبر "لا" محذوف. ما: مصدرية ظرفية، دامت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث. منغصة: خبر "دامت" مقدم على الاسم. لذاته: اسم "دام" مؤخر، وهو مضاف، و"الهاء" في محل جر بالإضافة. "بادِّكار": متعلق بـ "منغصة". الموت: مضاف إليه. والهرم: الواو عاطفة، الهرم: اسم معطوف على الموت.
موطن الشاهد: "ما دامت منغصة لذاته".
وجه الاستشهاد: تقدم خبر "دام" على اسمها، وعلى هذا الوجه الذي أراده المؤلف وقع الفصل بين العامل وهو "منغصة" ومتعلقه "بادكار" بأجنبي عنهما، وهو لذاته ولذا، فقد أعرب بعضهم البيت كالآتي: لذاته: نائب فاعل لـ منغصة" لأن اسم مفعول، واسم "دام" مستتر فيها، ومنغصة خبرها، وعلى هذا الوجه يخلو البيت من الشاهد، وبالتالي، فليس فيه رد على ابن معط ومن يرى رأيه. وأولى من الشاهد المذكور، للرد على ابن معط قول الشاعر:
ما دام حافظ سري من وثقت به ... فهو الذي لست عنه راغبا أبدا
فقدم الخبر "حافظ سري" على اسم "ما دام"، وهو قوله: "من وثقت به".
التصريح: 1/ 188.(1/239)
إلا أن يمنع مانع، نحو: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً} 1.
[تقدير أخبار كان وأخواتها] :
وتقديم أخبارهن جائز، بدليل: {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُون} 2، {وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُون} 3، إلا خبر دام اتفاقا4، وليس عند جمهور
__________
1 "8" سورة الأنفال، الآية: 35.
موطن الشاهد: {مَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً} .
وجه الاستشهاد: امتناع تقدم الخبر "مكاء" على الاسم "صلاتهم"؛ لانحصار الخبر بـ "إلا" وحكم تأخر الخبر عن الاسم في هذه الحالة الوجوب لوجود المانع.
2 "34" سورة سبأ، الآية: 40.
موطن الشاهد: {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "هؤلاء" و"إياكم" معمولين لخبر "كان" وقد تقدما عليها، وتقديم المعمول يؤذن بجواز تقديم العامل عند كثير من النحاة، كابن مالك، وسبقه ابن جني، والفارسي وغيرهما من البصريين. انظر شرح التصريح: 1/ 188.
3 "7" سورة الأعراف، الآية: 177.
موطن الشاهد: {أَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} .
وجه الاستشهاد: تقدم "أنفسهم" وهو معمول "يظلمون"، وفي هذا دليل على تقدم معمول الخبر على كان وأخواتها، ومتى تقدم معمول الخبر، جاز تقدم الخبر، كما بيَّنَّا في الآية السابقة.
4 فلا يجوز تقديمه عليها، وعلى "ما" لأن معمول الصلة الحرف المصدري، لا يتقدم عليه، ويجوز أن يتقدم الخبر على "دام" وحدها، فيتوسط بينها وبين "ما"، تقول: "سأبقى في البيت ما مستمرة دامت الغارة"، والأرجح عدم توسطه. انظر شرح التصريح: 1/ 188.(1/240)
البصريين1، قاسوها على عسى2، واحتج المجيز3 بنحو قوله تعالى: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُم} 4، وأجيب بأن المعمول ظرف فيتسع فيه، وإذا نفي الفعل بما جاز توسط الخبر بين النافي والمنفيّ5 مطلقا، نحو: "ما قائما كان زيد" ويمتنع التقديم على "ما" عند البصريين والفراء، وأجازه بقية الكوفيين، وخص ابن كيسان6
__________
1 وحجتهم: عدم الورود عن العرب، أو ضعفها بعدم التصرف، وقد اختار هذا ابن مالك.
2 فإن خبرها لا يتقدم عليها اتفاقا، وهي مثلها في الجمود.
3 من قدماء البصريين، والفراء، وابن برهان، والزمخشري، والشلوبين، وابن عصفور من المتأخرين.
4 "11" سورة هود، الآية: 8.
موطن الشاهد: {يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "يوم يأتيهم" معمولا لـ "مصروفا" وقد تقدم على "ليس" واسم "ليس": ضمير مستتر فيها، يعود على العذاب، ومصروفا: خبر "ليس"، وتقديم المعمول، لا يصح إلا حيث يصح تقديم عامله، فلولا أن الخبر "مصروفا" يجوز تقديمه على "ليس" لما جاز تقديم معموله عليها، وأجيب عن هذا بالمنع، كما أسلفنا، وأما على تقدير تسليمه بالتقدم في هذه الآية، فيجاب: بأن المعمول ظرف، فيتسع فيه ما لا يتسع في غيره، أو بأن "يوم" معمول لمحذوف، تقديره: "يعرفون يوم يأتيهم" و"ليس مصروفا": جملة حالية مؤكدة، أو مستأنفة، أو بأن "يوم" في محل رفع الابتداء، وبني على الفتح لإضافته إلى جملة "يأتيهم"، وليس مصروفا: خبره، والأفضل ما ذهب إليه المؤلف.
شرح التصريح: 1/ 188- 189 وشرح الأشموني مع الصبان: 1/ 234.
5 ويشمل: ما يكون النفي شرطا لعمله كـ "زال"، وما لا يكون النفي شرطا لعمله مثل "كان".
6 ويتبع ابن كيسان في في رأيه النحاس. وابن كيسان: هو أبو الحسن، محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان النحوي، جامع المذهبين، البصري والكوفي في النحو؛ لأنه أخذ عن المبرد، وثعلب، ولكنه كان إلى المذهب البصري أميل، ولم يكن مجلس أكثر فائدة، وأجمع لأصناف العلوم والتحف من مجلسه، كما قال أبو حيان التوحيدي، له تصانيف هامة، منها: المهذب في النحو، وعلل النحو -ما اختلف فيه البصريون الكوفيون، غلط أدب الكاتب...... إلخ. توفي سنة 320هـ.
بغية الوعاة: 1/ 18، طبقات النحويين البصريين، 170، الأعلام: 5/ 308.(1/241)
المنع بغير زال وأخواتها؛ لأن نفيها إيجاب، وعمم الفراء المنع1 في حروف النفي2، ويرده قوله: [الطويل]
87- على السن خيرا لا يزال يزيد4
__________
1 أصل هذا الخلاف مبني على خلاف آخر، وهو هل تستوجب "ما" أن تكون في صدر الكلام؟، ذهب جمهور البصريين إلى أنها لا تستوجب التصدير، وعلى هذا أجازوا أن يتقدم خبر الناسخ المنفي بها عليها مطلقا، ووافقهم ابن كيسان والنحاس على جواز تقديم خبر الناسخ عليها، إذا كان من النواسخ التي يشترط فيها النفي؛ لأن نفيها حينئذ إيجاب، فكأنه لم يكن، بخلاف النوع الثاني.
حاشية يس على التصريح: 1/ 189، وابن عقيل "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 276.
2 ذهب الفراء إلى أن "ما" و"لا" و"إن" و"لن" النافيات، لها حكم واحد، وهو أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر ولا معموله على حرف النفي، وخص المحققون هذا الحكم بحرف واحد من حروف النفي وهو "ما"، وذهب المحقق الرضي إلى أن "إن" النافية لها حكم "ما".
شرح التصريح: 1/ 189.
3 القائل: هو المعلوط القريعي ابن بدل "أو بذل" والقريعي نسبة إلى قريع بن عوف بن كعب أحد تميم، والمعلوط شاعر إسلامي.
سمط اللآلي: 1/ 434.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره، قوله:
ورجِّ الفتى للخير ما إن رأيته
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 189، والأشموني: "186/ 1/ 114"، والكتاب لسيبويه: 2/ 306 والخصائص: 1/ 110، وسمط اللآلي: 434، وشرح المفصل: 8/ 130، والمقرب لابن عصفور: 17، ومغني اللبيب: ذكره عدة مرات منها: "26/ 38" "51/ 57"، وشرح السيوطي: 32، 244.
المفردات الغريبة: رجِّ: أمر من الترجية بمعنى الرجاء، وهو الأمل وتوقع الخير.
الفتى: الشاب. على السن: أي على زيادة العمر.
المعنى: انتظر الخير والنبل، وتوقعه من الشاب، إذا رأيته كلما زادت سنه وتقدم في العمر، يزداد خيرا، ويتلمس المزيد من الخلال الحميدة.
الإعراب: رجِّ: فعل أمر مبني على حذف الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا، تقديره أنت. الفتى: مفعول به لـ "رجّ". "للخير": متعلق =(1/242)
إيلاء هذه الأفعال معمول خبرها:
ويجوز باتفاق أن يلي هذه الأفعال معمول خبرها إن كان ظرفا أو مجرورا، نحو: "كان عندك، أو في المسجد، زيد معتكفا"1، فإن لم يكن أحدهما جمهور البصريين يمنعون مطلقا، والكوفيون يجيزون مطلقا2، وفصل ابن السراج
__________
= بـ "رجِّ" ما: مصدرية ظرفية "إن" حرف زائد بعد ما الظرفية المصدرية، لشبهها لفظا بـ "ما" النافية. رأيته: فعل ماضٍ، والتاء: فاعله، والهاء: مفعول به. "على السن": متعلق بـ "يزيد" الآتي. خيرا: مفعول به مقدم لـ "يزيد" الآتي. لا: حرف نفي. يزال: فعل مضارع ناقص مرفوع، واسمه: هو. يزيد: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو، والجملة في محل نصب خبر يزال.
موطن الشاهد: "خيرا لا يزال يزيد".
وجه الاستشهاد: تقدم معمول خبر "لا يزال" خيرا على "لا يزال" نفسها، وتقدم المعمول، يتبعه تقدم العامل؛ لأن الأصل في المعمول أن يقع بعد عامله، وفي هذا البيت رد على الفراء، ومن ذهب مذهبه، ممن يرون أن خبر الناسخ المنفي بحرف، من حروف النفي، لا يجوز أن يتقدم على ذلك الفعل. انظر شرح التصريح: 1/ 189. ومن أمثلة تقدم خبر الناسخ عليه، إن سبق بحرف نفي، قول الشاعر:
مه عاذلي فهائما لن أبرحا ... بمثل أو أحسن من شمس الضحى
نرى بأن الشاعر في هذا البيت، قدم خبر الفعل الناسخ المنفي بـ "لن" على الفعل، حيث قدم "هائما" الخبر على العامل "لن أبرح".
1 من ذلك قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد} ، فإن "له" جار ومجرور متعلق بقوله: {كُفُوًا} إذ معناه: مكافئ، وقد ولي "يكن"، وهذا النص يرد على جمهور البصريين الذي يمنعون مطلقا، ويؤيد ابن السراج، والفارسي، وابن عصفور، الذين يجيزون إذا تقدم الخبر مع المعمول فولي "كان"، وكما ترى أن {كُفُوًا} الذي هو خبر يكن قد تقدم على الاسم الذي هو أحد مع أن "له" الذي هو معمول الخبر قد ولي يكن. التصريح: 1/ 189-190. شرح الأشموني مع الصبان: 1/ 237.
2 يمنع البصريون مطلقا؛ لما في ذلك من الفصل بينها وبين اسمها بـ "أجنبي" منها، وأما الكوفيون، فيجيزون مطلقا؛ لأن معمول معمولها في معنى معمولها.(1/243)
والفارسي1 وابن عصفور2 فأجازوه إن تقدم الخبر معه3، نحو: كان طعامك آكلا زيد" ومنعوه إن تقدم وحده، نحو: "كان طعامك زيد آكلا"، واحتج الكوفيون بنحو قوله4: [الطويل]
88- بما كان إياهم عطية عودا5
__________
1 الفارسي: هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، إمام النحو المشهور، وأحد علماء العربية، أخذ عن الزجاج وابن السراج، وأخذ عنه ابن جني وغيره، قيل: إنه كان أعلم من المبرد، له مصنفات كثيرة منها: الإيضاح في النحو، والتكملة في التصريف، وكتاب الحجة في التعليل لقراءات القرآن، وتعليقان على كتاب سيبويه، والمسائل، "الحلبية، البغدادية، البصرية، الشيرازية........." وكتاب الأغفال........ إلخ توفي ببغداد، سنة 377هـ. البلغة: 53ن إنباه الرواة: 1/ 273، بغية الوعاة: 1/ 496، طبقات القراء: 1/ 206.
2 تقدمت ترجمته وترجمة ابن السراج.
3 لأن المعمول مكمل للخبر، فهو كالجزء منه.
4 هو الفرزدق همام بن غالب، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
قنافذ هدَّاجون حول بيوتهم
وهو من كلمة للفرزدق يهجو فيها جريرا وعبد القيس، وهي من النقائض بينهما وأولها قوله:
رأى عبد قيس خفقة شوَّرت بها ... يدا قابس ألوى بها ثم أخمدا
والشاهد: من شواهد: التصريح: 1/ 190، وابن عقيل "67/ 1/ 281" والأشموني: "190/ 1/ 116"، وهمع الهوامع: 1/ 118، والدرر اللوامع: 1/ 87، والمقتضب: 4/ 101، وخزانة الأدب: 4/ 57، والعيني: 2/ 34 ومغني اللبيب: "1030/ 795"، وديوان الفرزدق: 214.
المفردات الغريبة: قنافذ: جمع قنفذ، وهو حيوان شائك معروف، يضرب به المثل في السري، فيقال: هو أسرى من قنفذ، ذلك؛ لأنه ينام نهارا، ويصحو ليلا، ليبحث عما يقتات به، وهو بالذال والدال. هداجون: جمع هداج، وهو صيغة مبالغة من الهدج أو الهدجان، وهو مشية الشيخ الضعيف، أو مشية فيها ارتعاش. عطية: أبو جرير.
المعنى: هؤلاء الناس أي رهط جرير في الخسة والفجور كالقنافذ، يمشون ليلا حول البيوت؛ للدعارة والسرقة، مشية الشيخ الهرم؛ لئلا يشعر بهم أحد. وقد ورثوا هذه الصفة الذميمة عن عطية أبي جريرة، الذي عودهم ذلك. =(1/244)
.........................................................................
__________
= الإعراب: قنافذ: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هم قنافذ: هداجون: صفة لـ "قنافذ" "حول": متعلق بـ "هداجون". بيوت: مضاف إليه، و"هم" مضاف إليه ثانٍ. "بما" الباء حرف جر، و"ما" اسم موصول في محل جر بحرف الجر، أو "ما" موصول حرفي. كان: فعل ماضٍ ناقص. إياهم: مفعول أول لـ "عودا" تقدم على الفعل "عود"، والمفعول الثاني محذوف، وهو عائد الصلة. عطية. اسم "كان" مرفوع. عودا: فعل ماضٍ مبني على الفتح لا محل له، والألف: للإطلاق، والفاعل هو، والجملة من الفعل والفاعل، في محل نصب خبر "كان".
موطن الشاهد: "بما كان إياهم عطية عودا".
وجه الاستشهاد: تقديم معمول خبر "كان" وهو "إياهم" على اسمها، وهو "عطية" علما أنه ليس بظرف أو جار ومجرور، وتقدمه هذا على رأي الكوفيين، وأما البصريون الذين لا يجيزون ذلك فأولوا البيت عدة تأويلات:
أحدها: أن اسم كان ضمير الشأن، وعطية: مبتدأ وجملة "عودا": خبره، وجملة "عطية عودا" في محل نصب خبر كان، فلم يتقدم في هذه الحال معمول الخبر على اسم كان.
الثاني: أن "ما" اسم موصول مجرور محلًا بـ "ما". و"كان" زائدة، وجملة "المبتدأ والخبر": صلة للموصول، لا محل لها.
الثالث: أن اسم "كان" ضمير مستتر يعود على "ما" الموصولة، وجملة "المبتدأ والخبر" في محل نصب خبر "كان"، وجملة "كان وما دخلت عليه": صلة للموصول، لا محل لها، والعائد على هذا التوجيه، والذي قبله محذوف، والتقدير: بما كان عطية عوَّدَهُمُوه. ورأى بعضهم أن هذا البيت من الضرورات التي تباح للشاعر، ولا يجوز لأحد من المتكلمين أن يقيس عليها، ومثل هذه الضرورة متعينة في قول الشاعر:
باتت فؤادي ذات الخال سالبة ... فالعيش إن حُمَّ لي عيش من العجب
فـ "ذات الخال" اسم "بات"، سالبة. خبره، وفيه ضمير مستتر، هو فاعله، يعود على ذات الخال، وفؤادي: مفعول به مقدم على عامله، وهو قوله: سالبة، وهنا لا يجوز دعوى زيادة "بات" ولا إضمار اسمها مرادا به الشأن؛ لظهور نصب الخبر "سالبة"؛ لأن ضمير الشأن لا يخبر عنه بمفرد. ولا يتعين دعوى الضرورة، لجواز أن يكون فؤادي منادى، سقط منه حرف النداء، ومعمول الخبر محذوف، أي: سالبة ذلك.
وانظر في تفصيل هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 190-191. والأشموني مع شرح الصبان: 1/ 237-238.(1/245)
وخرج على زيادة كان أو إضمار الاسم: مرادا به الشأن، أو راجعا إلى ما وعليه؛ فعطية مبتدأ، وقيل: ضرورة، وهذا متعين في قوله1: [البسيط]
89- باتت فؤادي ذات الخال سالبة2
لظهور نصب الخبر.
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فالعيش إن حم لي عيش من العجب
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 19، والأشموني: "191/ 1/ 116"، والعيني: 2/ 28.
المفردات الغريبة: الخال: شامة سوداء في الجسم تكون غالبا في الخد، والجمع خيلان، سالبة: اسم فاعل من سلب الشيء: أخذه خلسة. حم: قدر.
المعنى: يقول الشاعر: إن صاحبة الخال باتت طول الليل مستولية على قلبي وحواسي، بجمالها وحسنها، فعيشي إن قدر لي أن أعيش بعد ذلك عجيب غريب.
الإعراب: باتت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء للتأنيث. فؤادي: مفعول به لـ "سالبة" الآتي، ومضاف إليه. ذات: اسم "بات" مرفوع، وهو مضاف، الخال: مضاف إليه. سالبة: خبر بات. منصوب. فالعيش: الفاء تفريعية، العيش: مبتدأ مرفوع. إن: شرطية جازمة. حم: فعل ماضٍ مبني للمجهول، وهو فعل الشرط. "لي": متعلق بـ "حم". عيش: نائب فاعل "حم" "من العجب": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون نائب فاعل "حم" ضميرا مستترا فيه جوازا، تقديره: هو، يعود إلى العيش، ويكون قوله "عيش" خبرًا للمبتدأ. "من العجب": متعلق بمحذوف صفة لـ "العيش"، وجملة جواب الشرط محذوفة، يدل عليها سياق الكلام، وجملة الشرط وجوابه، لا محل لها من الإعراب؛ لكونها معترضة بين المبتدأ والخبر.
موطن الشاهد: "باتت فؤادي ذات الخال سالبة".
وجه الاستشهاد: تقدم معمول خبر "بات" فؤادي على الخبر "سالبة" بعد الفعل الناسخ "بات" لأن "فؤادي" مفعول به لـ "سالبة" كما بينا في الإعراب، وبهذا البيت ونحوه، استدل الكوفيون، على جواز وقوع معمول خبر الفعل الناسخ بعده -أي: بعد الفعل الناسخ، وقبل الخبر- وقد خرجه المؤلف على أنه ضرورة. ومعلوم أنه لا يجوز زيادة "بات" في البيت، ولا جعل اسمها ضمير الشأن؛ لأنه لا يخبر عنه بمفرد، وهناك تخريج آخر يفسد استدلال الكوفيين، وهو اعتبار "فؤادي" منادى بحرف نداء محذوف، لا مفعول لـ "سالبة"، واعتبار مفعول الخبر "سالبة" محذوفا أيضا، أي: سالبة إياك، وفي هذا التخريج تكلف ظاهر، والصواب ما ذهبنا إليه في الإعراب الأول.(1/246)
[استعمال كان وأخواتها تامة] :
قد تستعمل هذه الأفعال تامة1، أي مستغنية بمرفوعها2، نحو: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَة} 3، أي: وإن حصل ذو عسرة، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُون} 4، أي: حين تدخلون في المساء وحين تدخلون في الصباح، {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} 5، أي: ما بقيت،.......
__________
1 فائدة: اختلف في كان وكائنا في: "لأضربنه كائنا ما كان" فقال الفارسي: هما تامان في الموضعين و"ما" مصدرية، وهما وما بعدهما: فاعل كائنا أي كونه، وقيل: هما ناقصان في الموضعين، وفي "كائنا" ضمير هو اسمه وخبره "ما" وهي موصولة، وصلتها: "كان واسمها وخبرها ضمير مستتر فيها"، وخبرها محذوف تقديره "إياه" واسم كائن المستتر فيه وخبر كان عائدان على الشخص المضروب، وتقدير الكلام حينئذ لأضربنه كائنا الذي كان إياه، وكائنا: حال من مفعول لأضربنه، وينظر معنى الكلام حينئذ وفيه إطلاق "ما" على العاقل، وهو جائز وجوز بعضهم أن تكون "ما" نكرة موصوفة. انظر حاشية يس على التصريح: 1/ 190.
2 هذا ما ارتضاه ابن مالك مخالفا بذلك سيبويه وجمهور النحاة، حيث عد التام من الأفعال ما اكتفى بمرفوعه، في إتمام المعنى الأساسي للجملة، بينما يرى سيبويه وكثير من البصريين: أن معنى كونها تامة: دلالتها على الحدث المقيد والزمان معا.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 280.
موطن الشاهد: {كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "كان" تامة؛ لأنها بمعنى "حصل"، والتقدير: وإن حصل ذو عسرة، فـ "كان": فعل ماضٍ تام، وذو: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو، وعسرة: مضاف إليه.
4 "30" سورة الروم، الآية: 17.
موطن الشاهد: {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء كل من "تمسون، تصبحون فعلا تاما؛ لأن المقصود: حين تدخلون في المساء، وحين تدخلون في الصباح.
5 "11" سورة هود، الآية: 107.
موطن الشاهد: {مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ} وجه الاستشهاد: مجيء "دام" فعلا تاما؛ لأنه بمعنى بقي، والتقدير: خالدين فيها ما بقيت السموات والأرض.(1/247)
.......... وقوله1: [المتقارب]
90- وباب وباتت له ليلة2
وقالوا: "بات بالقوم"، أي: نزل بهم، و"ظل اليوم"، أي: دام ظله، و"أضحينا"، أي: دخلنا في الضحى.
إلا ثلاثة أفعال فإنها ألزمت النقص، وهي: فتئ، وزال، وليس.
[اختصاص كان بجواز زيادتها بشرطين] :
تختص "كان" بأمور، منها: جواز زيادتها3 بشرطين:
__________
وجه الاستشهاد: مجيء "دام" فعلا تاما؛ لأنه بمعنى بقي، والتقدير: خالدين فيها ما بقيت السموات والأرض.
1 القائل هو: امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته، وقيل: هو امرؤ القيس بن عانس.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر ثاني بيتين من كلمة لامرئ القيس، وهو بكامله مع المطلع:
تطاول ليلك بالإثمدِ ... وبات الخلي ولم ترقدِ
وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرقدِ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 191، والأشموني: "188/ 1/ 115"، والعيني 2/ 20 وقطر الندى: "46/ 180".
المفردات الغريبة: العائر: القذى في العين أو بئر في الجفن الأسفل تدمع له العين.
الأرمد: المصاب بالرمد.
المعنى: يصف الشاعر هذا الشخص الذي قضى ليلة سيئة طويلة، كَلَيْلَة المريض بعينه، المصاب بالرمد، لا يذوق النوم إلا غرارا، بسبب ما يعتريه من الألم.
الإعراب: بات: فعل ماضٍ تام، والفاعل: هو، وأراد نفسه. باتت: فعل ماضٍ تام، والتاء: للتأنيث. "له" متعلق بـ "بات". ليلة: فاعل "باتت". "كليلة": متعلق بمحذوف صفة لـ "ليلة". ذي: مضاف إليه، وهو مضاف. العائر: مضاف إليه. الأرمد: صفة لـ "ذي العائر".
موطن الشاهد: "بات، باتت".
وجه الاستشهاد: استعمال فعل "بات" في الموضعين تاما؛ لأنه بمعنى الدخول في المبيت، وحكم مجيء فعل "بات" تاما جائز باتفاق.
3 معنى زيادتها: أنها لا تعمل شيئا، فلا تحتاج إلى فاعل أو مفعول، أو اسخ وخبر، ونحوهما، ولا تقع معمولة لغيرهما، وقيل: معناه استغناء الكلام عنها، فلا ينقص معناه بحذفها، وتكون لمجرد التقوية والتوكيد، مع دلالتها على الزمان الماضي على الراجح، ولا سيما إذا توسطت بين "ما" التعجبية وفعل التعجب؛ لأن فعل التعجب، لا يكون إلا بصيغة الماضي، وإن كان لا أثر للزمن فيه؛ لأنه لمجرد الإنشاء، الأشموني وحاشية الصبان: 1/ 239.(1/248)
أحدهما: كونها بلفظ الماضي1، وشذ قول أم عقيل2: [مشطور الرجز]
91- أنت تكون ماجد نبيل3
__________
1 وذلك، لخفته، ولتعين الزمان فيه، وقد أشبه الحروف الزائدة ببنائه.
2 أم عقيل: هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وإخوته، أسلمت بعد وفاة زوجها أبي طالب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها، ويقيل في بيتها، هاجرت إلى المدينة وماتت هناك، وكفنها النبي صلى الله عليه عليه وسلم بقميصه واضطجع في قبرها، وقال: لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرَّ بي منها، وذلك سنة 5هـ. الأعلام 5/ 130، الاستيعاب بهامش الإصابة: 4/ 381، الإصابة رقم: 831 قسم النساء.
3 تخريج الشاهد: تقول أم عقيل هذا الرجز، وهي ترقص ابنها عقيلا، ومع الشاهد، قولها:
إن عقيلا كاسْمِهِ عقيلُ ... وبِيَبِي الملفف اِلمحمولُ
أنت تكون السيد النبيلُ ... إذا تهب شمأل بَلِيلُ
يعطي رجال الحي أو ينيلُ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 191، وابن عقيل "71/ 1/ 292"، والأشموني: "200/ 1/ 118"، وهمع الهوامع: 1/ 120، والدرر اللوامع: 1/ 189، والعيني: 2/ 39.
المفردات الغريبة: ماجد: كريم، نبيل: فاضل شريف. تهب: مضارع هبت الريح هبوبا وهبيبا، إذا هاجت شمأل: هي الريح، تهب من ناحية القطب، بليل: رطبة ندية.
المعنى: أنت يا عقيل كريم جواد، ذكي الفؤاد، إذا هبت ريح الشمال وكثر الضيفان، والتقييد بذلك على عادة العرب، وإلا فهي ترديد أنه موصوف بذلك دائما.
الإعراب أنت: مبتدأ. تكون: زائدة. ماجد: خبر المبتدأ. نبيل: صفة لـ "ماجد". إذا. ظرف لما يستقبل من الزمان. تهب: فعل مضارع مرفوع. شمأل: فاعل مرفوع بليل: صفة لـ "شمأل"، وجملة "تهب شمأل بليل": في محل جر بالإضافة بعد إذا =(1/249)
والثاني: كونها بين شيئين متلازمين ليسا جارا ومجرورا، نحو1: "ما كان أحسن زيدا"، وقول بعضهم: "لم يوجد كان مثلهم" وشذَّ قوله2: [الوافر] .
__________
= وجملة جواب الشرط محذوفة؛ لدلالة الكلام عليها، والتقدير: إذا تهب شمأل بليل فأنت ماجد نبيل.
موطن الشاهد: "أنت تكون ماجد".
وجه الاستشهاد: زيادة "تكون" بين المبتدأ والخبر، وهي بلفظ المضارع، وزيادتها في هذه الحالة قليلة؛ لأن الثابت زيادتها وهي بلفظ الماضي، واعتبار زيادتها هنا شاذة قول ابن الناظم، وتبعه ابن هشام، ومن جاء بعدهما من شراح الألفية، وهما تابعان في ذلك لابن السيد، وأبي البقاء، وقال بعضهم: إن "تكون" عاملة، واسمها ضمير مستتر وجوبا، تقديره: أنت، وخبرها محذوف، والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر. ومما جاء بزيادة "تكون" بلفظ المضارع، قول حسان بن ثابت:
كأنْهُ سبيئةٌ من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماءُ
فعلى رواية رفع "مزاجها عسل وماء" على أنها جملة من مبتدأ وخبر في محل رفع صفة لـ "سبيئة" فذهب بعضهم إلى زيادة "يكون" على هذه الرواية، وذهب بعضهم إلى أن يكون" عاملة، واسمها ضمير شأن محذوف، ومزاجها عسل وماء، من المبتدأ والخبر، في محل نصب خبرها.
1 ليس المراد بزيادتها أنها لا تدل على معنى البتة، بل إنها لم يؤتَ بها للإسناد، وإلا فهي دالة على المضي، ولذلك كثرت زيادتها بين ما التعجبية، وفعل التعجب، لكونه سلب الدلالة على المضي، قال الدنوشري: قال بعضهم: زيدت "كان" قبل فعل التعجب، لتدل على أن المعنى المتعجب منه، كان فيما مضى، وهو عوض عما منع منه فعل التعجب من التصرف، وإنما اختصت كان بهذا دون سائر الأفعال الماضية؛ لأنها أم الأفعال، فلا تنفكّ عن معناها غالبا. ومن أمثلة زيادة "كان" بين ما التعجبية، وفعل التعجب، قول الشاعر:
لله در أنوشروان من رجل ... ما كان أعرفه بالدون والسفل
ونحو قول شاعر الحماسة:
أبا خالد ما كان أدهى مصيبة ... أصابت معدا يوم أصبحت ثاويا
ونحو قول عروة بن أبي أذينة:
ما كان أحسن فيك العيش مؤتنفا ... غضا، وأطيب في آصالك الأصلا
انظر شرح التصري؛ 1/ 191-192. والأشموني مع الصبان: 239-241، وابن عقيل "دار الفكر": 1/ 223-226.
2 لم ينسب إلى قائل معين.(1/250)
92- على كان المسومة العراب1
وليس من زيادتها قوله2: [الوافر]
93- وجيرانٍ لنا كانوا كرامِ3
لرفعها الضمير، خلافا لسيبويه
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
سراة بني أبي بكر تسامى
ويروى:
جياد بني أبي بكر تسامى
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 192، وابن عقيل: "70/ 1/ 291"، والأشموني: "199/ 1/ 118" وهمع الهوامع: 1/ 120، والدرر اللوامع: 1/ 89، وشرح المفصل: 7/ 98، 100، والخزانة:4/ 33 والعيني: 2/ 41، وحاشية يس على التصريح: 1/ 191.
المفردات الغريبة: سراة جمع سري، وهو السيد الشريف. تسامى: من السمو وهو العلو والرفعة، وأصله تتسامى. المسومة: الخيل التي جعلت لها سومة، أي علامة، لتعرف حين تترك في المرعى، فيعرفها أصحابها. العراب: العربية، وهي خلاف البراذين والبخاتي.
المعنى: سادات قبيلة بني بكر، وعظماؤها، تتسابق وتختال على تلك الخيول العربية، التي جعلت لها علامة تميزها عن غيرها من الخيول.
الإعراب: سراة: مبتدأ. بنى: مضاف إليه، وهو مضاف. أبي: مضاف إليه، وهو مضاف. بكر: مضاف إليه. تسامى: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هي، وجملة "تتسامى": في محل رفع خبر المبتدأ. على حرف جر. كان: زائدة. المسومة: اسم مجرور بـ "على". العراب: صفة لـ "المسومة".
موطن الشاهد: "على كان المسومة".
وجه الاستشهاد: زيادة "كان" بين الجار والمجرور، وحكم زيادتها بينها شاذ؛ لأن الجار والمجرور كالشيء الواحد.
2 القائل هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
فكيف إذا مررت بدار قوم؟
وهو من قصيدة، يمدح فيها الشاعر هشام بن عبد الملك، وقيل سليمان بن =(1/251)
.........................................................................
__________
= عبد الملك، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 192، وابن عقيل "69/ 1/ 89"، والأشموني: "196/ 1/ 117" والكتاب لسيبويه: 1/ 192، والجمل للزجاجي: 62، والخزانة: 4/ 37، والعيني: 2/ 4 ومغني اللبيب "526/ 377" وشرح شواهد المغني للسيوطي: 236، وديوان الفرزدق: 835.
المعنى: كيف يكون حالك وشعورك، إذا مررت بديار قومنا وجيراننا المعروفين بالجود والكرم والسخاء؟
الإعراب: كيف: اسم استفهام، أشرب معنى التعجب، في محل نصب على الحال من فاعل فعل محذوف، والتقدير: كيف أكون، أو نحو ذلك، أو "كيف" اسم استفهام أشرب معنى التعجب في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: كيف حالتك، وهذا الوجه أفضل من الأول. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان. متضمن معنى الشرط، في محل نصب على الظرفية الزمانية. مررت: فعل ماضٍ وفاعل و"الجملة": في محر جر بالإضافة. "بدار": متعلق بـ "مررت". قوم: مضاف إليه. وجيران: الواو عاطفة، جيران: اسم معطوف على "دار". لنا": متعلق بمحذوف خبر "كان" المتقدم عليها. كانوا: فعل ماضٍ ناقص، والواو: اسمها- على رأي المؤلف والجملة: صفة لـ "جيران". وكرام: صفة ثانية.
موطن الشاهد: "وجيران لنا كانوا كرام".
وجه الاستشهاد: استشهد بعضهم بهذا البيت على زيادة "كان" بين الصفة والموصوف، أي: بين "كرام" و"جيران"، وممن ذهب هذا المذهب سيبويه، ورد المؤلف عليه أن من شرط زيادة "كان" أن تزاد وحدها وليس مع اسمها، وأنكر زيادتها في هذا البيت، وسبق المؤلف إلى إنكار زيادتها في هذا البيت المبرد، وكثير من النحويين، حيث اعتبر المبرد أن "كان" الزائدة، تكون مجردة، لا اسم ولا خبر، وخرج هذا البيت على أن قوله: "لنا" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر "كان" المتقدم عليها، كما بينا في الإعراب، وأن "الواو" المتصلة بها اسمها، وعلى هذا يكون الشاعر فصل بين الصفة والموصوف بجملة كاملة "كان واسمها وخبرها"، وعلى هذا تكون هذه الجملة في محل جر صفة أولى لـ "جيران" وتكون "كرام" صفة ثانية، والوصف بالمفرد بعد الوصف بالجملة، لا ضعف فيه؛ لأنه جاء في التنزيل: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَك} . وأما توجيه مذهب سيبويه: فإن اتصالها باسمها، لا يمنع زيادتها؛ لأنهم يلغون "ظننت" الناسخة متأخرة ومتوسطة في نحو: "زيد قائم ظننت"، و"زيد ظننت قائم" ولم يمنع إسنادها إلى اسمها من إلغائها، وهو يرى: أن اللجوء إلى تقديم خبر "كان" عليها عدول عما هو الأصل إلى شيء غيره.
انظر شرح التصريح: 1/ 192. وحاشية الصبان: 1/ 240.(1/252)
[اختصاص كان بجواز حذفها على أربعة أضرب] :
ومنها: أنها تحذف، ويقع ذلك على أربعة أوجه:
أحدها، وهو الأكثر: أن تحذف مع اسمها ويبقى الخبر، وكثر ذلك بعد "إن" و"لو" الشرطيتين"1.
مثال "إن" قولك: "سر مسرعا إن راكبا وإن ماشيا، وقوله2: [الكامل]
94- إن ظالما أبدا وإن مظلوما3
__________
1 علة الكثرة بعد "إن" و"لو" أنهما من الأدوات التي تطلب فعلين، فبالحذف يخف طول الكلام، وخصتا بذلك من بين أدوات الشرط؛ لأن "إن" أُمُّ أدوات الشرط الجازمة، و"لو" أُمُّ الأدوات غير الجازمة، والنحاة يتوسعون في الأمهات.
التصريح: 1/ 193، وحاشية الصبان: 1/ 242.
2 القائل هو: النابغة الذبياني، أبو أمامة أو ثمامة، زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني، شاعر جاهلي، من الطبقة الأولى من أهل الحجاز، والحكم على الشعراء في سوق عكاظ، وهو أشعر شعراء عصره؛ لحسن ديباجته، ورونق كلامه، وقلة سقطه وحشوه.
الشعر والشعراء: 1/ 157، والأغاني: 11/ 3.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، وصدره قوله:
حدبت عليَّ بطون ضبة كلها
ورواية العجز الصحيحة لبيت النابغة هي:
إن ظالما فيهم وإن مظلوما
والبيت: رابع خمسة أبيات للنابغة الذبياني، يرد فيها على يزيد بن أبي حارثة بن سنان، وكان يزيد يعير النابغة. وهو من شواهد: سيبويه: 1/ 262، والأشموني: "204/ 1/ 119"، وديوان النابغة: 70. ومثل الشاهد، قول ليلى الأخيلية:
لا تقربن الدهر آل مطرف ... إن ظالما أبدا وإن مظلوما
وبهذه الرواية، جاء الاستشهاد في أغلب كتب النحو، وهو من شواهد: ابن عقيل: "70/ 1/ 294" وهمع الهوامع: 1/ 121، والدرر اللوامع 1/ 90، وقطر الندى: "48/ 186" والتصريح على التوضيح: 1/ 193.
المفردات الغريبة: حدبت: من حدب عليه بكسر الدال، إذا عطف ورق. ضبة: بفتح الضاد وتشديد الباء هو ضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار، ويروى "ضنة" بكسر الضاد وتشديد النون، وهو ضنة بن عبد بن كثير بن عذرة.(1/253)
وقولهم: "الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر"1، أي: إن كان عملهم خيرا فجزاؤهم خير، ويجوز "إن خيرا فخيرا" بتقدير: إن كان في عملهم خير فيجزون خيرا، ويجوز نصبهما2 ورفعهما3، والأول أرجحها، والثاني أضعفها، والأخيران متوسطان.
__________
= المعنى: يقول النابغة، أن بطون بني ضبة كلها يعطفون عليَّ، وينصرونني على من أعاديه، ويأخذون بيدي، ويعينونني ظالما كنت أو مظلوما، وهو يريد القول: لا تطمع في النيل مني؛ لأن قومي لا يسلمونني.
الإعراب: حديث: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. بطون: فاعل مرفوع. ضبة: مضاف إليه ممنوع من الصرف. كلها: توكيد لـ "بطون"، و"ها" مضاف إليه. إن: شرطية جازمة. ظالما: خبر لـ "كان" المحذوفة فعل الشرط. وإن: "الواو عاطفة"، إن: شرطية جازمة. مظلوما: خبر لـ "كان" المحذوفة مع اسمها أيضا، وجواب الشرط في الموضعين محذوف؛ لدلالة سيق الكلام عليه، والتقدير: إن كنت ظالما فقد حدبوا علي، وإن كنت مظلوما فقد حدبوا علي، أو نحو ذلك.
موطن الشاهد: "إن ظالما، إن مظلوما".
وجه الاستشهاد: حذف "كان" مع اسمها في الموضعين مع بقاء خبرها، وحكم حذفها مع اسمها، مع بقاء خبرها جائز باتفاق، وبكثرة بعد "إن" و"لو" الشرطيتين، كما أوضح المؤلف في المتن.
ومثل هذا الشاهد، قول ليلى الأخيلية:
لا تقربن الدهر آل مطرف ... إن ظالما أبدا وإن مظلوما.
والتقدير: لا تقربن هؤلاء القوم إن كنت ظالما وإن كنت مظلوما؛ لأنك إن كنت ظالما، فلن تستطيع النيل منهم، وإن كنت مظلوما، فلن تقوى على الانتصاف منهم.
1 ومثل هذا حديث صحيح رواه البخاري في كتاب التمني، باب ما يكره من التمني قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت؛ إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب" قال ابن مالك في تخريجه: "أصله إما يكون محسنا، وإما يكون مسيئا فحذف يكون مع اسمها مرتين وأبقى الخبر، وأما المذكور في المتن فالأغلب أنه ليس حديثا وإن صح معناه.
2 ويكون التقدير: إن كان عملهم خيرا فيجزون خيرا.
انظر حاشية الصبان: 1/ 242، والأسرار المرفوعة: 368.
3 والتقدير: إن كان في عملهم خير فجزاؤهم خير.(1/254)
ومثال لو، [الحديث] : "التمس ولو خاتما من حديد" 1، وقوله2: [البسيط]
95- لا يأمن الدهرَ ذو بغي ولو مَلَكَا3
__________
1 هذه قطعة من حديث نبوي، رواه البخاري في صحيحه في كتاب النكاح، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، وقصته أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: يا رسول الله، زوجنيها، فقال: "ما عندك؟ " فقال: ما عندي شيء، قال: "اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد"، فقال: ولكن هذا إزاري، ولها نصفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها شيء منه، وإن لبسته لم يكن عليك شيء منه"، فجلس الرجل حتى إذا أتم مجلسه، قام فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه، فقال له: "ماذا معك من القرآن"؟، فقال معى سورة كذا وسورة كذا...... فقال صلى الله عليه وسلم: "ملكتكها بما معك من القرآن".
البخاري: 9/ 78، 131، 175، 198، وصحيح مسلم: 2/ 1041.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
جنوده ضاق عنها السهل والجبل
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 193، والأشموني: "205/ 1/ 119" وهمع الهوامع: 1/ 121، والدرر اللوامع: 1/ 91، الخزانة: 1/ 124 عرضا، والعيني: 2/ 150، ومغني اللبيب: "474/ 354" شرح شواهد المغني: 225، وقطر الندى "49/ 187".
المفردات الغريبة: بغي: ظلم ومجاوزة للحد، "والبغي على ضربين، أحدهما محمود، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان، والثاني: مذموم، وهو تجاوز الحق إلى الباطل"، والمقصود هنا المعنى الأول.
المعنى: لا يأمن صروف الدهر وتقلباته صاحب ظلم، ولو كان ملكا جنوده كثيرون، وأعوانه فوق الحصر والعد، فكل باغ مصروع، والظلم مرتعه وخيم.
الإعراب: لا: ناهية جازمة. يأمن: فعل مضارع مجزوم، وحرك بالكسر؛ لالتقاء الساكنين. الدهر: مفعول به. ذو: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة. بغي: مضاف إليه. ولو: الواو عاطفة على محذوف. لو: حرف شرط غير جازم. ملكا: خبر لـ "كان" المحذوفة مع اسمها، والتقدير: ولو كان الباغي ملكا. جنوده: مبتدأ، ومضاف إليه. ضاق: فعل ماضٍ. "عنها": متعلق بـ "ضاق". السهل: فاعل مرفوع. والجبل: الواو عاطفة، الجبل: اسم معطوف على السهل، وجملة "ضاق عنها السهل والجبل": في محل رفع خبر المبتدأ "جنوده" وجملة "جنوده ضاق.......": في محل نصب صفة لـ "ملكا".
موطن الشاهد: "ولو ملكا".
وجه الاستشهاد: حذف كان مع اسمها مع بقاء خبرها بعد "لو" الشرطية، وحكم هذا الحذف الجواز باتفاق.(1/255)
وتقول: "ألا طعام ولو تمرا"، وجوَّز سيبويه الرفع بتقدير: ولو يكون عندنا تمر1، وقل الحذف المذكور بدون إن ولو، كقوله2: [مشطور الرجز]
96- من لَدُ شولا فإلى إتلائِها3
__________
1 فيكون قد حذف "يكون" وخبرها وأبقى اسمها.
2 لم ينسب إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا الكلام يجري بين العرب مجرى المثل، وهو من شواهد سيبويه الخمسين التي لا يعرف لها قائل، سيبويه: 1/ 134، والتصريح: 1/ 194، وهمع الهوامع: 1/ 122، والدرر اللوامع: 1/ 91، وأمالي ابن الشجري: 1/ 222، وشرح المفصل: 4/ 101، 8/ 35، وخزانة الأدب: 2/ 48، والعيني: 2/ 51، ومغني اللبيب "781/ 551"، وشرح السيوطي: 283.
المفردات الغريبة: لد: لغة في "لدن" بمعنى "عند". شولا" قيل هو مصدر بمعنى اسم الفاعل، من شالت الناقة بذنبها رفعته عند اللقاح، وقيل: هو اسم جمع لشائلة على غير قياس. والشائلة: الناقة التي خف لبنها وارتفع ضرعها، ومضى عليها من ولادتها سبعة أشهر أو ثمانية. إتلائها: مصدر أتلت الناقة إذا تلاها ولدها أي تبعها.
المعنى: علمت كذا وكذا من وقت أن كانت النياق شوائل إلى أن تبعها أولادها.
الإعراب: من: حرف جر. "لد": ظرف زمان مبني على الضم في محل جر. و"من لد": متعلق بمحذوف، والتقدير: "ربيتها من لد"، أو "علمت من لد" أو نحو ذلك. شولا: خبر لـ "كان المحذوفة" مع اسمها. فإلى: الفاء عاطفة. "إلى اتلائها": متعلق بما تعلق به "من لد"، و"ها" مضاف إليه.
موطن الشاهد: "من لد شولا".
وجه الاستشهاد: حذف "كان" واسمها، مع بقاء خبرها، وهو "شولا" بعد "لد"، وحكم هذا الحذف القلة، وعده ابن عقيل شاذا، وذهب بعضهم إلى أن "شولا" مفعول مطلق لفعل محذوف، وليس خبرا لـ "كان"، والتقدير: من لد شالت الناقة شولا، ولا شاهد في البيت على هذا التخريج، وزعم بعضهم أن "شولا" منصوب على التمييز، أو التشبيه بالمفعول به، كما ينصب لفظ "غدوة" بعد "لدن" ولكن خص بعضهم هذا الحكم بغدوة، ولا شاهد فيه حينئذ، والصواب: ما ذهب إليه سيبويه ومن وافقه من تقدير: "من لد أن كانت شولا". انظر شرح التصريح: 1/ 194. وشرح الأشموني "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": "206/ 1/ 386".(1/256)
قدره سيبويه: من لد أن كانت شولا1.
الثاني: أن تحذف مع خبرها ويبقى الاسم، وهو ضعيف، ولهذا ضعف "ولو تمر، وإن خير" في الوجهين.
الثالث: أن تحذف وحدها، وكثر ذلك بعد "أن" المصدرية في مثل: "أما أنت منطلقا انطلقت"، أصله: انطلقت لأن كنت منطلقا، ثم قدمت اللام وما بعدها على انطلقت للاختصاص، ثم حذفت اللام للاختصار، ثم حذفت "كان" لذلك فانفصل الضمير، ثم زيدت "ما" للتعويض ثم أدغمت النوت في الميم للتقارب، وعليه قوله2: [البسيط]
97- أبا خراشة أما أنت ذا نفر3
أي: لأن كنت ذا نفر فَخَرْتَ، ثم حذف متعلق الجار.
__________
1 قدر سيبويه "أن" بعد "لد"؛ لأنه لا يرى إضافتها إلى الجمل.
2 هو العباس بن مرداس، فارس مشهور من فرسان الجاهلية، كانت له أيام مع خفاف بن ندبة السلمى، أسلم قبل فتح مكة، وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح مع قومه بني سليم، وهو أحد المؤلفة قلوبهم، وله ولد يسمى جاهمة، من رواة الحديث. الشعر والشعراء: 1/ 300، والأغاني: 13/ 62، والخزانة: 1/ 17، اللآلي: 32.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فإن قومي لم تأكلهم الضُبُعُ
والشاعر يخاطب خفاف بن ندبة، أبا خراشة، وخفاف هذا شاعر مشهور، وفارس من فرسان قيس، وهو ابن عم صخر ومعاوية، وأختهما الخنساء الشاعرة المشهورة. وهو من شواهد: التصريح 1/ 195، والأشموني: "207/ 1/ 1191"، وابن عقيل: "74/ 1/ 297" وشذور الذهب: "86/ 247" وقطر الندى: "47/ 185": وحاشية يس على التصريح: 1/ 194، والكتاب لسيبويه: 1/ 148، والخصائص: 2/ 381 والمنصف: 3/ 116، وأمالي ابن الشجري: 1/ 34، 353، 2/ 350، والإنصاف: 71 وشرح المفصل: 2/ 99، 8/ 132، والمقرب: 56، والعيني: 2/ 55، وهمع الهوامع: 1م 123، والدرر اللوامع: 1/ 92 ومغني اللبيب، ذكره عدة مرات منها: "44/ 54" "86/ 84"، السيوطي: 43، 65. =(1/257)
وقلَّ بدونها، كقوله1: [الكامل]
98- أزمان قومي والجماعة كالذي2
__________
= المفردات الغريبة: أبو خراشة: كنية شاعر صحابي، اسمه: خفاف بن ندبة، أحد فرسان قيس، وندبة: اسم أمه. نفر: أي جماعة يعتز بهم، والنفر: الرجال من ثلاثة إلى تسعة. الضبع: أصله الحيوان المعروف، والمراد هنا: السنوات المجدبة.
المعنى: لا تفخر علي أبا خراشة بكثرة قومك الذين تعتز بهم وبشجاعتهم؛ لأنني أفاخر بقومي أصحاب القوة والمنعة، الذين لم تأكلهم السنوات المجدبة، ولم تؤثر فيهم الأرزاء والأزمات.
الإعراب: أبا: منادى مضاف بحرف نداء محذوف، منصوب وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة. خراشة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. أما: مركبة من "أن المصدرية" المدغمة في "ما" الزائدة النائبة عن "كان" المحذوفة: أنت: اسم كان المحذوفة. ذا نفر: خبر "كان" المحذوفة، ومضاف إليه، والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر بلام تعليل محذوفة، والتقدير: لكونك ذا نفر. فإن: الفاء تعليلية، أو زائدة. إن: حرف مشبه بالفعل. قومي: اسمه، ومضاف إليه. لم: نافية جازمة. تأكلهم: فعل مضارع مجزوم، و"هم" مفعول به، الضبع: فاعل وجملة "لم تأكلهم الضبع": في محل رفع خبر "إن".
موطن الشاهد: "أما أنت ذا نفر".
وجه الاستشهاد: حذف "كان" الناقصة وحدها، والتعويض عنها بـ "ما" الزائدة، المدغمة في نون "أن" المصدرية، وبقاء اسمها، وهو الضمير المنفصل "أنت"، وكذا خبرها: "ذا نفر"، والبصريون يقدرون: "فخرت علي لأن كنت ذا نفر"، فحذفت لام التعليل ومتعلقها، فصار الكلام: أن كنت ذا نفر، ثم حذفت "كان" لكثرة الاستعمال ابتغاء التخفيف، فانفصل الضمير، الذي كان متصلا بها؛ لأنه لم يبين في الكلام عامل يتصل به، ثم عوض عن "كان" بـ "ما" الزائدة، فالتقى حرفان متقاربان، نون "أن" المصدرية، وميم "ما" الزائدة، فأدغما فصار الكلام: أما أنت ذا نفر. شرح التصريح: 1/ 195.
1 القائل: هو عبيد بن حصين الراعي، المعروف براعي الإبل، أبو جندل من بني نمير، وكان يقال لأبيه في الجاهلية معاوية الرئيس، وكان سيدا، وإنما قيل له الراعي؛ لأنه كان يكثر من وصف راعي الإبل في شعره، وقد عاصر الشاعر جريرا والفرزدق، وكان أميل إلى الفرزدق فهجاه جرير، مات سنة: 90هـ. الشعر والشعراء: 1/ 415، الأغاني: 20/ 168، المؤتلف: 122، الخزانة: 1/ 502.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
لَزِمَ الرحالة أن تميلَ ممِيلا(1/258)
قال سيبويه: أراد أزمان كان قومي.
__________
= وهو من قصيدة طويلة، يخاطب فيها الشاعر الخليفة عبد الملك بن مروان الأموي، ويذكر فيها التزام قومه الطاعة، وعدم اشتراكهم في مقتل عثمان، ولا فيما تلاه من الفتن، ويخص خروج عبد الله بن الزبير على بني أمية، وقبل الشاهد قوله:
إني حلفت على يمين برة ... لا أكذب اليوم الخليفة قيلا
ما زرت آل أبي خبيب وافدا ... يوما أريد لبيعتي تبديلا
من نعمة الرحمن، لا من حيلتي ... إني أعد له على فضولا
وقد ذكر صاحب جمهرة أشعار العرب كامل القصيدة.
جمهرة أشعار العرب "ط. بولاق": 172. والبيت الشاهد، من شواهد: التصريح: 1/ 195، وهمع الهوامع: 1/ 122 والدرر اللوامع: 1/ 92 وسيبويه: 1/ 54، والمقرب: 64، والعيني: 2/ 95، 3/ 99، والخزانة: 1/ 502، وجمهرة القرشي: 172، وديوانه: 146.
المفردات الغريبة: أزمان: جمع زمن وزمان، وما اسمان لقليل الوقت وكثيره.
الرحالة: سرج من جلد ليس فيه خشب يتخذ للركض الشديد، والجمع: رحائل.
مميلا: مصدر ميمي -بمعنى الميلان- أي الانحراف.
المعنى: يصف الشاعر ما كان من استقامة الأحوال، واجتماع الكلمة، قبل عثمان رضي الله عنه وبعده، فشبه حال قومه في تماسكهم وارتباطهم بالجماعة، وعدم تنافرهم، والتزامهم الطاعة بحالة راكب لزم الرحل، خوفا من أن يميل ميلا، أي ينحرف انحرافا.
الإعراب: أزمان: مفعول فيه لفعل سابق. قومي: فاعل، أو اسم لـ "المحذوفة"، و"الياء": في محل جر بالإضافة. والجماعة: الواو واو المعية، الجماعة: مفعول معه منصوب، وعامله "كان" "كالذي": متعلق بخبر "كان" إن عدت ناقصة، وبمحذوف حال، إن عدت تامة. لزم: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. الرحالة: مفعول به لـ "لزم". أن: حرف مصدري ونصب. تميل: فعل مضارع منصوب بـ "أن" والفاعل: هو. مميلا: مفعول مطلق، والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": مجرور بـ "لام" تعليل محذوفة، والجار والمجرور متعلقان بـ "لزم"، أو أن المصدر المؤول منصوب على أنه مفعول لأجله.
موطن الشاهد: "أزمان قومي".
وجه الاستشهاد: حذف "كان" وحدها من دون أن يتقدم عليها "أن" المصدرية، ولم يعوض عنها بـ "ما"، وفيه شاهد آخر، وهو: نصب الاسم الواقع بعد واو المعية، من =(1/259)
الرابع: أن تحذف مع معموليها، وذلك بعد "إن" في قولهم: "افعل هذا إما لا"، أي: إن كنت لا تفعل غيره، فما عوض، ولا النافية للخبر.
[اختصاص كان بجواز حذف نون مضارعها] :
ومنها: أن لام مضارعها يجوز حذفها، وذلك بشرط كونه مجزوما بالسكون، غير متصل بضمير نصب، ولا بساكن، نحو: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} 1،
__________
= غير أن يتقدم عليه لفظا فعل يعمل فيه، ولهذا قدر سيبويه "كان"؛ لأنها تقع في مثل ذلك الموضع كثيرا، وقدر سيبويه البيت كالتالي: "أزمان كان قومي والجماعة".
انظر شرح التصريح: 1/ 195.
فائدة: لم يجعل النحاة "قومي" مبتدأ؛ لأنه يبقى المفعول معه منصوبا بلا عامل من فعل أو شبهة، لا لفظا ولا تقديرا، وهذا غير جائز عندهم، ولأنه يلزم إضافة ظرف الزمان إلى الجملة الاسمية، وهو لا يذاف إلا إلى الجملة الفعلية، أو إلى مصدر يقوم مقامها، نحو: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم} ، ونحو: "هذا يوم ظهور النوايا"، وإذا وقع الكلام ظاهره إضافة اسم الزمان إلى غير الجملة الفعلية، أو المصدر، وجب تأويله، نحو: "يوم بدر"، فهو يؤول بمصدر، يضاف اسم الزمان إليه، فالتقدير: يوم حرب بدر. انظر أوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 267-268.
1 "19" سورة مريم، الآية: 20.
موطن الشاهد: {لَمْ أَكُ بَغِيَّا} .
وجه الاستشهاد: حذف نون "أك"؛ لأن الفعل أتى بصيغة المضارع، وهو مجزوم بـ "لم" وغير متصل بضمير نصب، ولا بساكن، وحكم حذف النون في هذه الحال جائز باتفاق. ومثل الآية الكريمة في حذف النون من المضارع المستوفي للشروط، ما أنشده الأصمعي:
فإن يك هذا عهد ريا وأهلها ... فهذا الذي كنا ظننا وظنَّتِ
وقول ضابئ بن الحارث البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب
وقول الشنفرى وفيه ثلاثة شواهد:
فلم يك إلا نبأة ثم هومت ... فقلنا: قطاة ريع أم ريع أجدل
فإن يك من جن لأبرح طارقا ... وإن يك إنسا ما كها الإنس يفعل
أي: ما يفعل الإنس مثلها.(1/260)
بخلاف: {مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} 1، {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} 2؛ لأنتفاء الجزم، {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} 3؛ لأن جزمه بحذف النون، ونحو: "إن يكنه فلن تسلط عليه" 4؛ لاتصاله بالضمير، ونحو: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُم} 5؛ لاتصاله بالساكن، وخالف في هذا يونس6، فأجاز الحذف، تمسكا بنحو قوله7: [الطويل]
99- فإن لم تك المرأة أبدت وسامة8
__________
1 "6" سورة الأنعام، الآية: 135.
موطن الشاهد: {مَنْ تَكُونُ} .
وجه الاستشهاد: عدم جواز حذف نون "تكون"؛ لأنه لم يتقدم عليه الجازم.
2 "10" سورة يونس، الآية: 78.
موطن الشاهد: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} .
وجه الاستشهاد: عدم جواز حذف نون "تكون"؛ لأنه لم يتقدم عليه الجازم.
3 "12" سورة يوسف، الآية: 9.
موطن الشاهد: {وَتَكُونُوا} .
وجه الاستشهاد: عدم جواز حذف نون "تكون"؛ لأن جزمه هنا بحذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة.
4 هذا جزء من حديث نبوي شريف، مر تخريجه وشرح والتعليق عليه.
5 "4" سورة النساء، الآية: 137.
موطن الشاهد: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ} .
وجه الاستشهاد: عدم جواز حذف نون "يكن"؛ لاتصال الفعل بالساكن بعده، وهو لام التعريف، فالنون مكسورة؛ لأجله، وهي متعاصية عن الحذف لقوتها بالحركة خلافا لـ "يونس بن حبيب".
6 يونس بن حبيب: أبو عبد الرحمن الضبي المصري، أخذ عن أبي العلاء، وحماد بن سلمة، إمام في النحو واللغة، وله فيه قياس ومذاهب تروى عنه، أخذ عنه الكسائي والفراء، وروى عنه سيبويه كثيرا، كانت له حلقة بالبصرة يؤمها أهل العلم وطلاب العربية، له من التصانيف: معاني القرآن، واللغات، والنوادر، والأمثال. مات في خلافة هارون الرشيد سنة 182هـ. وقد قارب التسعين. ولم يتزوج. البلغة: 295، بغية الوعاة: 2/ 365، وفيات الأعيان: 2/ 551، طبقات القراء: 2/ 247.
7 القائل: هو الخنجر بن صخر الأسدي، ولم أعثر له على ترجمة وافية.
8 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم(1/261)
وحمله الجماعة على الضرورة كقوله1: [الطويل]
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 1/ 196، والأشموني: "209/ 1/ 120"، وهمع الهوامع: "1/ 122" والدرر اللوامع: "1/ 93"، والمقتضب: 3/ 167، والإنصاف: 1/ 422، والعيني: 2/ 63.
المفردات الغريبة: المرآة: معروفة، وسميت بذلك؛ لأنها آلة الرؤية. أبدت: أظهرت. وسامة: حسنا وجمالا وبهاء منظر. ضيغم: أسد.
المعنى: نظر الشاعر في المرآة، فلم يرقه منظره، فقال مسلياً نفسه: إن لم تظهر المرآة جمالا وحسن منظر فقد أظهرت وجه أسد في الإقدام والشجاعة.
الإعراب: إن: شرطية جازمة. لم: نافية جازمة. تك: فعل مضارع ناقص، مجزوم بـ "لم" وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفا. المرآة: اسم "تكن". أبدت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي، وجملة "أبدت": في محل نصب خبر "تك"، وجملة "تكن واسمها وخبرها": في محل جزم فعل الشرط. فقد: الفاء رابطة لجواب الشرط. قد: حرف تحقيق. أبدت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. المرآة: فاعل مرفوع. جبهة: مفعول به. ضيغم: مضاف إليه. وجملة "أبدت المرآة جبهة....": في محل جزم جواب الشرط.
موطن الشاهد: "لم تك المرآة".
وجه الاستشهاد: حذف نون "تكن" المجزوم بسكون النون، على الرغم من أنه وليها ساكن، وحذف "النون" في هذه الحالة ضرورة عند الجمهور جائزة عند يونس بن حبيب شيخ سيبويه، حيث يعد الحذف في هذا الموضع جائزا في سعة الكلام، وأنه غير مختص بضرورة الشعر، واستشهد بالآية الكريمة: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب} على قراءة "لم يك" بحذف النون، واستشهد بقول الشاعر:
لم يك الحق سوى أن هاجه ... رسم دار قد تعفى بالسرر
قول الآخر:
إذا لم تك الحاجات من همة الفتى ... فليس بمغنٍ عنك عقد الرتائم
فائدة: إذا استوفى الحذف شروطه كلها، فهو جائز باتفاق، كما أسلفنا، ومثاله قول مضرس بن ربعي، أو محمد بن عبد الله الأزدي، أو غيرهما:
فإن تك تعفو يعف عنك، وإن تكن ... تقارع بالأخرى تصبك القوارع
فحذف نون الأولى، وأثبت نون الثانية.
1 القائل هو: النجاشي الحارثي، واسمه: قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب، كان فاسقا رقيق الإسلام شاربا للخمر هجاء، أصاب بلسانه كثيرا من الناس، فشكوه إلى أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، وإلى على بن أبي طالب، رضي الله عنهما، فسجنه. الشعر والشعراء: 1/ 329، الإصابة: 6/ 263، الخزانة: 4/ 368، اللآلي: 890.(1/262)
100- ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فلست بآتيه ولا أستطيعه
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 196، والأشموني: "257/ 1/ 136"، والكتاب لسيبويه: 1/ 9 والخصائص: 1/ 31، والمنصف: 2/ 229، وأمالي ابن الشجري: 1/ 315، والإنصاف: 2/ 684 وشرح المفصل: 9/ 142، والخزانة: 4/ 367، والمغني: "539/ 384"، والسيوطي: 239. والبيت من عدة أبيات في وصف "ذئب" رواها ابن الشجري في حماسته، والأبيات هي:
وماء كلون الغسل قد عاد آجنا ... قليل به الأصوات في بلد محل
وجدت عليه الذئب بعوي كأنه ... خليع خلا من كل ماء ومن أهل
فقلت له: يا ذئب، هل لك في فتى ... يواسي بلا منٍّ عليك ولا بخل؟
فقال: هداك الله للرشد! إنما ... دعوت لما لم يأته سبُعٌ مثلي
فلست بآتيه ولا أستطيعه ... ولاكِ اسقني إن كان ماؤك ذا فضلِ
فقلت: عليك الحوض، إني تركته ... وفي صفوه فضل القلوص من السجل
المعنى: يقال: إنه عرض للشاعر ذئب في سفره، فدعاه إلى طعامه ومؤاخاته، غير ممتنٍّ عليه بذلك، فقال له الذئب: لقد دعوتني إلى شيء لم تفعله السباع قبلي، ولست بآتٍ طعامك، ولا أستطيع إتيانه، ولكن إن كان فيما معك من الماء زيادة فاسقني منه.
الإعراب: لست: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. "بآتيه" الباء حرف جر زائد. آتي: خبر ليس، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة، لتأكيد النفي. أستطيعه: فعل مضارع مرفوع والفاعل: أنا، و"الهاء": مفعول به. ولاك: الواو استئنافية. لاك: حرف استدارك. اسقني: فعل أمر مبني على حذف الياء، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، إن: شرطية جازمة. كان: فعل ماضٍ ناقص، ماؤك: اسم "كان" والكاف: مضاف إليه. ذا: خبر "كان" منصوب بالألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. فضل: مضاف إليه، وجملة "كان ماؤك ذا فضل": في محل جزم فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف، لدلالة السياق عليه.
موطن الشاهد: "ولاك اسقني".(1/263)
[الحروف المشبهة بـ "ليس"] :
في ما ولا ولات وإن المعملات عمل ليس تشبيها بها1.
__________
وجه الاستشهاد: حذف نون "لكن" التي لو ذكرت، لكانت متحركة بالكسر؛ لالتقاء الساكنين: سكون نونها، وسكون السين في "اسقني"، وحذفها هنا نظير حذف النون من "يكن" إذا وليها ساكن، ورأينا أن الجمهور يعدون حذفها ضرورة؛ لأنها متحصنة بحركة الكسر العارضة عن الحذف، ولأن "النون" حذفت وهي ساكنة؛ لضعف الحرف الساكن، مع ضعفها نفسها وشبهها بأحرف اللين التي تحذف في الجزم، وأما يونس فلم يعتدَّ بهذا التحرك العارض؛ بسبب التقاء الساكنين، ويزعم بأن الحركة التي يقوى بها الحرف، ويتحصن بها من الحذف الحركة الأصلية.
فائدتان: "أ": إذا دخلت أداة النفي على فعل من النواسخ المتقدمة غير زال وأخواتها فالمنفي هو الخبر، فإذا قلت: ما كان العدو خائفا وقع النفي على الخوف، فإذا أريد نفي الاسم، وإيجاب الخبر لغرض بلاغي، كالحصر مثلا، أتى بكلمة "إلا" فتقول: ما كان العدو إلا خائفا.
ب: إذا كان خبر الناسخ منفيا، جاز دخول حرف الجر الزائد عليه، تقول: ما كان محمد بِمُتَّهم، فمُتَّهم خبر كان مجرور لفظا بالباء الزائدة، وفي محل نصب؛ لأنه خبر، وهذا عام في جميع أخبار النواسخ المنفية. إلا زال وأخواتها؛ لأن أخبارها موجبة. ضياء السالك: 1/ 235.
1 من حق الحرف المشترك بين الأسماء والأفعال أن يكون مهملا، كما بينا سابقا، ولكن شبهة هذين الحرفين بـ "ليس" جعل العرب يعملونهما عمل "ليس" التي ترفع الاسم وتنصب الخبر. "وما" أشبهت ليس في ثلاثة أمور:
أحدها: أنها تدل على النفي، كما أن ليس تدل على النفي، وليس الأمر قاصرا على هذه الدلالة، بل هو أقوى من مجرد الدلالة على النفي، فإن "ما" تدل على النفي في الحال كما أن "ليس" تدل على النفي في الحال.
الثاني: أنَّا وجدنا "ما" تدخل على المبتدأ والخبر كما أن ليس تدخل عليهما.
الثالث: أنَّا وجدنا الخبر الواقع بعد "ما" يقترن به الباء الزائدة، كما في قوله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُون} ، وكما قال الشاعر:
لعمرك ما معنٌ بتاركِ حقِّهِ
كما أن خبر المبتدأ الواقع بعد ليس، يقترن بهذه الباء كما في قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه} ، فلما أشبهت "ما" ليس هذه الشبه القوي، عملت عملها، فرفعت الاسم ونصب الخبر، وإعمال "ما" عمل "ليس" ليس قياسا، وإنما هو استقراء لكلام العرب، وذلك أن القياس في اللغة يمتنع في مدلولات الألفاظ ومعانيها، ومعنى هذا أن نجدهم سموا شيئا ما باسم "ما" لعلة تقتضي هذه التسمية، فنجد هذه العلة موجودة في شيء آخر، فنسميه بهذا الاسم، فأما في الأحكام الإعرابية فلا.
الأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 247.(1/264)
[ما الحجازية وشروط إعمالها] :
أما "ما"، فأعملها الحجازيون، وبلغتهم جاء التنزيل، قال الله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} 1، {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِم} 2، ولإعمالهم إياها أربعة3 شروط4:
__________
1 "12" سورة يوسف، الآية: 31.
موطن الشاهد: {مَا هَذَا بَشَرًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" عاملة عمل "ليس" فرفعت الإسم ونصبت الخبر، وإعمال "ما" على لغة أهل الحجاز، وأما "ما" على لغة تميم، فهي نافية غير عاملة، يليها المبتدأ والخبر.
2 "58" سورة المجادلة، الآية: 2.
موطن الاستشهاد: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" حجازية عاملة عمل ليس، وهن: اسم "ما" مبني على الفتح في محل رفع اسم "ما" أمهاتهم: خبر "ما" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. و"هم" مضاف إليه.
3 زاد ابن عقيل شرطين، فجعلها ستة شروط، فقال:
الخامس: ألا تتكرر "ما" فإن تكررت، بطل عملها، نحو: "ما ما زيد قائم" فالأولى: نافية، والثانية نفت النفي، فبقي إثباتا، فلا يجوز نصب "قائم" وأجازه بعضهم.
السادس: ألا يبدل من خبرها موجب، فإن أبدل بطل عملها، نحو: "ما زيد بشيء إلا شيء لا يعبأ به" فـ "بشيء" في موضع رفع خبر عن المبتدأ الذي هو "زيد" ولا يجوز أن يكون في موضع نصب خبرا عن "ما" وأجازه قوم، وكلام سيبويه في هذه المسألة محتمل للقولين المذكورين أعني القول باشتراط أن يبدل من خبرها موجب، والقول بعدم اشتراط ذلك.
انظر ابن عقيل "ط. دار الفكر": 1/ 237، 238 وحاشية الصبان: 1/ 247.
4 اختلف النحاة في هذا الموضوع، فقال البصريون: عملت في الاسم الرفع، وعملت في الخبر النصب، وقال الكوفيون: عملت في الاسم الرفع؛ فأما الخبر فهو منصوب على نزع حرف الجر، والصحيح ما ذهب إليه البصريون.
التصريح 1/ 196.(1/265)
أحدها: أن لا يقترن اسمها بإن الزائدة1، كقوله2: [البسيط]
101- بني غدانة ما إن أنتم ذهب3
__________
1 فإن اقترن الاسم بها بطل عملها؛ لأنها عملت بالحمل على ليس، و"ليس" لا يقترن اسمها بإن، وقيد بالزائدة؛ لأنها إذا جاءت نافية لتأكيد النفي لم يبطل علمها، بشرط أن يكون في الكلام ما يدل على ذلك.
التصريح: 1/ 196.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ولا صريف، ولكن أنتم الخَزَفُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 197، والأشموني: "211/ 1/ 121"، وهمع الهوامع: 1/ 123 والدرر اللوامع: 1/ 94، وخزانة الأدب: 2/ 124، والعيني: 2/ 91 برواية "خزف" قطر الندى: "50/ 189" ومغني اللبيب: "24/ 38، وشذور الذهب: "90/ 194".
المفردات الغريبة: غدانة "بضم الغين وفتح الدال مخففة": حي من يربوع. صريف: الفضة. الخزف: ما عمل من الطين وشوى بالنار، فصار فخارا.
المعنى: يهجو بني غدانة، ويقول: لستم يا بني غدانة من كرام الناس، ولا من أوساطهم، ولكنكم من الطبقة الدنيا، ومن الأسقاط، فلم هذا التفاخر والتعاظم؟، وجعل الذهب مثلا للأشراف، والفضة مثلا لمن دونهم، وأراد بالخزف حثالة الناس.
الإعراب: بني: منادى مضاف منصوب، بحرف نداء محذوف. غدانة: مضاف إليه ممنوع من الصرف. ما: نافية مهملة. إن: زائدة: أنتم: مبتدأ. ذهب: خبر. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي، صريف: معطوف على "ذهب". ولكن: الواو عاطفة، لكن: حرف استدراك: أنتم: مبتدأ. الخزف: خبر المبتدأ.
موطن الشاهد: "ما إن أنتم ذهب".
وجه الاستشهاد: إهمال "ما" لوقوع "إن" الزائدة بعدها على رواية الرفع في "ذهب"؟ وروي البيت بنصب "ذهبا"؟ وهي رواية يعقوب بن السكيت، حيث خرجها على أن "إن" الواقعة بعد "ما" زائدة، كما قال الجمهور، واستدل بهذه الرواية على أنه لا يبطل عمل "ما" بزيادة "إن" بعدها، غير أن الجمهور لم يسلموا بما ذهب إليه يعقوب، وقالوا: إن سلمنا برواية النصب، فلا تكون "إن" الواقعة بعدها زائدة، ولكنها نافية مؤكدة لنفي "ما" فالنفي الذي عملت "ما" لدلالتها عليه باق، وهذا بخلاف ما لو جعلت "إن" نافية لنفي "ما" لأن الكلام، يكون عندئذ مثبتا موجبا؛ لأن =(1/266)
وأما رواية يعقوب1 "ذهبا" بالنصب فتخرج على أن إن نافية مؤكدة لـ "ما"، لا زائدة.
الثاني: أن لا ينتقض نفي خبرها بإلا2، فلذلك وجب الرفع في: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} 3 و: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} 4،.........
__________
1 يعقوب: هو أبو يوسف، يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت النحوي "السكيت لقب أبيه" أخذ النحو عن البصريين، والكوفيين، كالفراء، وأبي عمرو الشيباني، وابن الأعرابي، وروى عن الأصمعى، وأبي عبيدة، كان من أعلم الناس بالقرآن واللغة والشعر، ثقة عالما بالنحو. قيل: لم يأت بعده مثله، له تصانيف كثيرة في النحو، ومعاني القرآن وتفسير دواوين العرب، وهو صاحب كتاب: إصلاح المنطق، مات سنة 243هـ. البلغة: 288، بغية الوعاة: 2/ 349، الفهرست: 72، معجم الأدباء: 20/ 5، الأعلام: 9/ 255.
2 فإذا انتقض خبر "ما" بإلا وجب رفع الخبر مطلقا عند جمهور البصريين، ويجوز نصب الخبر حينئذ مطلقا عند يونس بن حبيب، وذهب الفراء إلى أنه يجوز نصب الخبر حينئذ بشرط كون الخبر وصفا، نحو "ما زيد إلا قائما"، وذهب جمهور الكوفيين إلى أنه يجوز نصب الخبر حينئذ لكن بشرط أن يكون مشبها به، نحو: "ما زيد إلا أسدا" وكلام المؤلف صريح، في أنه لو كان انتقاض ففي الخبر بغير إلا، لم يبطل عمل "ما" فلو قلت: "ما زيد غير شجاع" أو قلت: "ما زيد سوى بطل"، بقي العمل، فنصبت "غير" في المثال الأول لفظا، ونصبت "سوى" في المثال الثاني تقديرا.
شرح التصريح: 1/ 197.
3 "54" سورة القمر، الآية: 50.
موطن الشاهد: {مَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" مهملة؛ لانتقاض خبرها بـ "إلا"، فـ "أمرنا": مبتدأ مضاف إليه، إلا: أداة حصر، واحدة: خبر مرفوع، وحكم الإهمال في هذه الحالة الوجوب.
4"3" سورة آل عمران، الآية: 144.
موطن الشاهد: {مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" مهملة، كما في الآية السابقة؛ لانتقاض خبرها بـ "إلا"، فـ "محمد": مبتدأ. إلا: أداة حصر. رسول: خبر مرفوع؟ وحكم الإهمال الوجوب.(1/267)
فأما قوله1: [الطويل]
102- وما الدهر إلا مَنْجَنونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلا معذبا2
__________
1 لم ينسب إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 197، والأشموني: "212/ 1/ 121"، وهمع الهوامع: 1/ 123 والدرر اللوامع: 1/ 94، والمقرب: 18، ومغني اللبيب: "116/ 102" وشرح السيوطي: 79.
المفردات الغريبة: الدهر: الزمان والأبد، والمراد هنا الفلك الدائر. منجنونا: هي الدولاب التي يستقى عليها والأكثر فيها التأنيث.
المعنى: إن الزمان ليس له صاحب، ولا يدوم على حالة واحدة، فهو يخفض اليوم من رفعه بالأمس، كالدولاب يرتفع وينخفض، وصاحب الحاجات يعاني في قضائها العذاب، ويتحمل المشاق والمصاعب.
الإعراب: ما: نافية مهملة. الدهر: مبتدأ مرفوع. إلا أداة حصر. منجنونا: مفعول مطلق لفعل محذوف، أو مفعول به لفعل محذوف، أي: يشبه منجنونا، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وهذا الوجه الذي أراده المؤلف. وما: الواو عاطفة. ما: نافية مهملة. صاحب: مبتدأ. الحاجات: مضاف إليه. إلا: أداة حصر. معذبا: مفعول مطلق لفعل محذوف، أو مفعول به لفعل محذوف، والجملة من "الفعل المحذوف وما بعده": في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية "ما صاحب الحاجات ... ".
معطوفة على الجملة الأولى.
موطن الشاهد: "ما الدهر إلا منجنونا، ما صاحب الحاجات إلا معذبا".
وجه الاستشهاد: استشهد بظاهر البيت يونس بن حبيب، والشلوبين وغيرهما، فجعلوا "ما" في الموضعين عاملة عمل "ليس" على الرغم من انتقاض خبرها بـ "إلا"؛ لأنهم يزعمون أن انتقاض نفي الخبر بـ "إلا" لا يمنع إعمال "ما".
ورأينا في الإعراب ما ذهب إليه الجمهور من عد "منجنونا" و"معذبا" إما مفعولا مطلقا، لفعل محذوف، أو مفعولا به، لفعل محذوف، والتقدير: وما الدهر إلا يدور دوران منجنون، وما صاحب الحاجات إلا يعذب معذبا، و"معذب" على هذا مصدر ميمي بمعنى التعذيب، والتقدير الثاني: وما الدهر إلا يشبه منجنونا، وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبا وذهب بعض النحاة إلى أن هذا البيت شاذ، والشاذ، يحفظ، ولا يقاس عليه، والصواب: ما ذهب إليه الجمهور، وتابعهم عليه المؤلف، كما هو واضح.
الدرر اللوامع: 1/ 94 وشرح التصريح: 1/ 197.(1/268)
فمن باب "ما زيد إلا سيرا"1، أي: إلا يسير سيرا، والتقدير: إلا يدور دوران منجنون، وإلا يعذب معذبا، أي: تعذيبا2.
ولأجل هذا الشرط أيضا وجب الرفع بعد "بل" و"لكن" في نحو: "ما زيد قائما بل قاعد" أو "لكن قاعد" على أنه خبر لمبتدأ محذوف، ولم يجز نصبه بالعطف لأنه موجب3.
الثالث: أن لا يتقدم الخبر4، كقولهم: "ما مسيء من أعتب"، وقوله5: [الطويل]
__________
1 أي: إن كلا من "منجنونا" و"معذبا" مفعول مطلق عامله محذوف، وعامله واقع خبرا عن اسم ذات مبتدأ، كما أشرنا في أحد وجهي الإعراب.
2 قدر لفظ "دوران" قبل منجنون؛ لأن الذي ينصب على أنه مفعول مطلق، يجب أن يكون مصدرا، أو اسم مصدر، أو آلة للفعل، أو عددا كما سنرى في حينه و"منجنونا" ليس واحدا منها؛ لأنه اسم ذات للدولاب، وقدر "معذبا": تعذيبا؛ لأن "معذبا": اسم مفعول، وهو لا يقع مفعولا. انظر شرح التصريح: 1/ 197.
3 أي: مثبت، وقد ذكرنا من قبل، أن بعضهم ألحق "بل" و"لكن" بـ "إلا" كقول الناظم.
"ورفع معطوف بـ "لكن" أو بـ "بل"
من بعد منصوب بما الزم حيث حل
أي: إذا وقع بعد خبر "ما" عاطف، فلا يخلو: إما أن يكون مقتضيا للإيجاب، أو لا. فإن كان مقتضيا للإيجاب تعين رفع الاسم الواقع بعده، نحو: بل ولكن، كما في المتن، ووجب الرفع في هذه الحالة؛ لأن "ما" لا تعمل في الموجب.
وإن كان الحرف العاطف غير مقتض للإيجاب، كالواو ونحوها، جاز النصب والرفع، والمختار النصب، نحو: ما زيد قائما ولا قاعدا، ويجوز الرفع، فنقول: ولا قاعد، ويكون خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: ولا هو قاعد.
ويفهم من تخصيص المؤلف وجوب الرفع بما إذا وقع الاسم بعد "بل ولكن" أنه لا يجب الرفع بعد غيرهما.
انظر ابن عقيل "ط دار الفكر": 1/ 238- 239.
4 على الاسم، خلافا للفراء، وإن كان ظرفا أو جارا ومجرورا، على الأصح؛ خلافا لابن عصفور، فإن تقدم بطل العمل، وقد حكى الجرمي "ما مسيئا من أعتب"، على الإعمال، وقال: إنه لغة لقوم من العرب.
التصريح: 1/ 198.
5 لم ينسب إلى قائل معين.(1/269)
103- وما خُذُلٌ قومي فأخضع للعدى1
فأما قوله2: [البسيط]
104- إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر3
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ولكن إذا أدعوهم فهُمُ هُمُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 198، والأشموني: "213/ 1/ 122".
المفردات الغريبة: خذل: جمع خاذل، اسم فاعل من خذلك، إذا ترك نصرتك ومعونتك. أخضع: أذل وأستكين. فهم هم: أي أنهم هم المعروفون بالشهامة والشجاعة.
المعنى: ما عودني قومي أن يخذلوني، ويقعدوا عن نصرتي ومعاونتي: والوقوف بجانبي، حتى أخضع وأستكين للأعداء، ولكن إذا دعوتهم هبوا لنصري، ووجدت منهم ما أعرفه فيهم، من كمال الرجولة والمعاونة الصادقة.
الإعراب: ما: نافية مهملة. خذل: خبر مقدم مرفوع. قومي: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف. والياء: مضاف إليه. فأخضع: الفاء فاء السببية، أخضع: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة بعد الفاء، وفاعله: أنا. "للعدى": متعلق بـ "أخضع". ولكن: الواو عاطفة، لكن حرف استدراك. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان. أدعوهم: فعل مضارع، والفاعل: أنا، و"هم": في محل نصب مفعول، وجملة "أدعوهم": في محل جر بالإضافة. فهم: الفاء واقعة في جواب الشرط. هم: مبتدأ. هم: الثانية: خبر، وجملة "هم هم": جواب شرط غير جازم، لا محل لها.
موطن الشاهد: "ما خذل قومي".
وجه الاستشهاد: إبطال عمل "ما" لتقدم الخبر على المبتدأ، وفي هذا دليل على أن من شرط إعمال "ما" ليس أن يتقدم اسمها على خبرها، وفي هذا خلاف، بين جمهور النحاة وغيرهم، وإبطال عملها، لتقدم الخبر على المبتدأ رأي الجمهور.
2 القائل هو: الفرزدق، همام بن غالب، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم
وهو من كلام الشاعر، في مدح أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، خامس الخلفاء الراشدين، وأعدل بني أمية. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 198، والأشموني: "179/ 1/ 111"، وهمع الهوامع: 1/ 219، 1/ 122، 1/ 249، والدرر اللوامع:(1/270)
.........................................................................
__________
1/ 95، 1/ 188، 1/ 208، وكتاب سيبويه: 1/ 29 والمقتضب: 1/ 191، ومجالس ثعلب: 113، والمقرب: 18، والخزانة: 2/ 130، ومغني اللبيب عدة مرات منها: "127/ 114"، والسيوطي: 84، 265، وديوان الفرزدق: 223.
المفردات الغريبة: أصبحوا: معناها هنا صاروا. أعاد: رد نعمتهم: المراد البسط في السلطان. قريش: قبيلة، منها الرسول صلى الله عليه وسلم وبنو أمية، قوم عمر بن عبد العزيز.
المعنى: أصبحت بنو أمية -وهم من قريش- وقد رد الله عليهم نعمة الخلافة وبسطة الملك وعزه؛ بتولي عمر بن عبد العزيز زمام الأمور، فهم قريش المقدمون على سائر قبائل العرب، والذين لا يماثلهم أحد من البشر؛ لأن منهم خير الخلق.
الإعراب: أصبحوا: فعل ماضٍ ناقص، والواو: اسمه: حرف تحقيق أعاد: فعل ماضٍ، الله "لفظ الجلالة": فاعل مرفوع. نعمتهم: مفعول به لـ "أعاد"، وهو مضاف. و"هم" مضاف إليه إذ: تعليلية، وفيها إعرابان: إما حرف مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، وإما: ظرف مبني على السكون في محل نصب، والأول أفضل في هذا الشاهد. هم: مبتدأ. قريش: خبر. وإذا: الواو عاطفة، إذ: تعليلية، كالأولى. ما: نافية عاملة عمل ليس. مثلهم: خبر "ما" تقدم على اسمها، وهو مضاف، و"هم" مضاف إليه. بشر: اسم "ما" تأخر عن الخبر.
موطن الشاهد: "ما مثلهم بشر".
وجه الاستشهاد: إعمال "ما" عمل "ليس" مع تقدم خبرها على اسمها، وحكم هذا الإعمال الشذوذ عند سيبويه، وقال في بيت الفرزدق: لا يكاد يعرف، وقيل في تخريج هذا البيت: أراد الفرزدق وهو تميمي أن يتكلم بـ "ما" على لغة الحجازيين، لكنه لم يعرف شرطها عندهم فغلط، وفي هذا الكلام نظر؛ لأن العربي لا يطاوعه لسانه أن ينطق بغير لغته، كما قال سيبويه. وقيل في تخريجه أيضا: بشر: خبر، ومثلهم: مبتدأ، ولكنه بني على الفتح؛ لإبهامه مع إضافته للمبني، وهو الضمير، والمبهم المضاف إلى مبني، ويجوز بناؤه وإعرابه، وقيل: "مثلهم" حال؛ لأن إضافة "مثل" لا تفيد التعريف، وهو في الأصل صفة لـ "بشر"، وصفة النكرة إذا تقدمت عليها، انتصبت على الحال. وبشر: مبتدأ، والخبر: محذوف مقدم على المبتدأ لئلا يلزم تقديم الحال على عاملها الظرف، وهو ممتنع أو نادر، أي: "ما في الوجود بشر مثلهم" أي: مماثلا لهم، قاله المبرد. ورد بأن حذف عامل الحال، إذا كان معنويا ممتنع.
وقيل: "مثلهم" ظرف زمان، تقديره: وإذ هم في زمان ما في مثل حالهم بشر.
وقيل: ظرف مكان، والتقدير: وإذ ما مكانهم بشر، أي: في مثل حالهم.
شرح التصريح: 1/ 198.(1/271)
فقال سيبويه: شاذ، وقيل: غلط وإن الفرزدق لم يعرف شرطها عند الحجازيين1، وقيل: "مثلهم" مبتدأ؛ ولكنه بني لإبهامه مع إضافته للمبني، ونظيره: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون} 2، {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُم} 3، فيمن فتحهما، وقيل: "مثلهم" حال، والخبر محذوف، أي: ما في الوجود بشر مثلهم.
الرابع: أن لا يتقدم معمول خبرها على اسمها، كقوله4: [الطويل]
105- وما كل من وافى منىً أنا عارف5
__________
1 في هذا الكلام نظر؛ لأن العربي لا يطاوعه لسانه على النطق بغير لغته، كما أوضحنا في وجه الاستشهاد.
2 "51" سورة الذاريات، الآية: 23.
موطن الاستشهاد: {إِنَّهُ لَحَقٌ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مثل" مبنية على الفتح؛ لأنها مبهمة، ومضافة إلى مبني بعدها هو "ما" علمًا أنها تستحق الرفع على التبعية لـ "حق"، وحكم بناء "مثل" في هذه الحال الجواز.
3 "6" سورة الأنعام: 94.
موطن الشاهد: {تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "بَيْنَ" مبنيا على الفتح؛ لإضافته إلى "مبني"، هو "كم"، و"بين": مبهم، فيجوز في هذه الحال بناؤه وإعرابه، وهو فاعل تقطع، فإما أن نقول: "بين" فاعل مبني على الفتح في محل رفع، أو نقول: "بينكم" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة و"كم": مضاف إليه.
4 القائل: هو مزاحم بن الحارث العقيلي، وقيل مزاحم بن عمرو بن مرة بن الحارث، شاعر إسلامي، من بني عقيل بن ربيعة، وبدوي فصيح، كان في زمن جرير والفرزدق، روي أن الفرزدق دخل على عبد الملك بن مروان، أو أحد بنيه، فسأله: أتعرف أحدا أشعر منك؟ فقال: لا، إلا غلاما من بني عقيل؛ فإنه ينعت الفلوات، فيجيد، ثم دخل جرير فسأله، فأجابه كذلك، ثم دخل ذو الرمة، فأجاب مثلها. الأغاني: 19/ 27، 34.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وقالوا: تعرَّفْها المنازلَ من مِنىً
وهو من شواهد: الأشموني: "215/ 1/ 122"، والتصريح: 1/ 198، والكتاب لسيبويه: 1/ 36، 37 والخصائص: 2/ 453، 476، والعيني: 2/ 98، ومغني اللبيب: "1180/ 910" والسيوطي: 328 وشذور الذهب: "91/ 258".(1/272)
إلا إن كان المعمول ظرفا أو مجرورا فيجوز، كقوله1: [الطويل]
106- فما كل حين من توالي مواليا2.
__________
المفردات الغريبة: تعرفها: تطلَّبْ معرفتها واسأل الناس عنها. المنازل: جمع منزل، وهو المكان الذي ينزل فيه الناس عن رواحلهم؛ ليستريحوا من عناء السفر. منى: مكان قريب من مكة، فيه منسك من مناسك الحج. وفيه تنحر الهدايا.
المعنى: افتقد مزاحم محبوبتة في الحج، فسأل عنها، فقالوا له: سل عنها في منزال الحج من منى، فقال: ذلك غير مجدٍ؛ لأني لا أعرف جمع من وفد إلى منى حتى أسأله عنها.
الإعراب: قالوا: فعل ماضٍ، وفاعل: نعرفها: فعل أمر، والفاعل: أنت، و"ها": مفعول به. المنازل: منصوب على نزع الخافض، وأعربه بعضهم مفعولا فيه، والأول أفضل. و"من منى" متعلق بمحذوف حال من "المنازل" "ما" نافية، كل "على رواية النصب" مفعول به لـ "عارف" الآتي، وهو مضاف. من: اسم موصول، مضاف إليه. وافى: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. منى: مفعول به لـ "وافى"، وجملة "وافى منى": صلة للموصول، لا محل لها. أنا: مبتدأ. عارف: خبر المبتدأ، وعلى رواية "كل" بالرفع، فتكون "ما" عاملة عمل ليس، و"كل": اسمها، وجملة "أنا عارف": في محل نصب خبر "ما"، ويجوز أن تكون كل: مبتدأ وجملة "أنا عارف": خبرا، وعلى رواية الرفع "لا بد من تقدير رابط أو عائد بين المبتدأ، أو اسم "ما" وبين الخبر، وهذا العائد محذوف، والتقدير: ما كل من وافى منى أنا عارفه.
موطن الشاهد: "ما كل من وافى منى أنا عارف".
وجه الاستشهاد: إهمال "ما"، لتقدم معمول الخبر، وهو "كل" على المبتدأ، وهذا المعمول، ليس ظرفا ولا جارا ومجرورا، وأما على رواية الرفع في "كل" فتكون "ما" مهملة أيضا، أو عاملة كما بينا في الإعراب والعائد محذوف، والتقدير: أنا عارفه.
1 لم ينسب إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
بأهبة حزم لُذْ، وإن كنت آمنا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 199، والأشموني: "214/ 1/ 122" والعيني: 2/ 101.
المفردات الغريبة: أهبة: هي التهيؤ للشيء، والاستعداد له. حزم: هو التدبر والفحص عن الأمور. لذ: التجئ. توالي: تصافي وتعاون.
المعنى: عليك بالحزم وتمسك به دائما، وإن كنت واثقا من نفسك وممن تواليهم، آمنا كيد غيرك، فليس كل من تواليه مأمون الجانب في كل وقت.(1/273)
[إعمال لا عمل ليس وشروطه] :
وأما "لا" فإعمالها عمل ليس قليل1، ويشترط له الشروط السابقة، ما عدا الشرط الأول2، وأن يكون المعمولان نكرتين3، والغالب أن يكون خبرها محذوفا، حتى قيل بلزوم ذلك، كقوله4: [مجزوء الكامل]
107- فأنا ابن قيس لا براح5
__________
الإعراب: "بأهبة": متعلق بـ "لذ" حزم مضاف إليه. لذ: فعل أمر، والفاعل: أنت. وإن: الواو: عاطفة على محذوف، إن: شرطية جازمة. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه آمنا: خبر "كنت" منصوب، وجملة "كنت وخبرها": فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه. فما: الفاء تعليلية، ما: نافية عاملة عمل ليس. كل: مفعول فيه منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ "موالٍ" الآتي، وهو مضاف. حين: مضاف إليه. من: اسم موصول، في محل رفع اسم "ما". توالي: فعل مضارع، والفاعل، أنت، و"الجملة" صلة الموصول، والعائد محذوف، والتقدير: فما كل حين من تواليه. مواليا: خبر "ما" النافية العاملة منصوب.
موطن الشاهد: "ما كل حين من توالي مواليا".
وجه الاستشهاد: إعمال "ما" مع تقدم معمول الخبر، وهو "كل حين"، والذي سوغ ذلك كون المعمول ظرفا، ومعلوم أن الظروف، والجار والمجرور يتسع فيها.
بقي من شروط عمل "ما" ألا تتكرر، لا بقصد تأكيد النفي، بل لنفي ما قبلها، نحو: ما ما العربي مقيم على الضيم؛ لأن نفي النفي إثبات، فتصبح "ما" بعيدة عن النفي، فإن قصد بالتكرار تأكيد النفي في الأولى لا إزالته صح الإعمال، وقد أشرنا إلى ذلك سابقا.
1 إعمال "لا" عمل ليس قليل جدا عند الحجازيين، وإليه ذهب سيبويه، وطائفة من البصريين.
2 المقصود بالشرط الأول: ألا يقترن الاسم بـ "إن" الزائدة لأنها لا تقع بعد "لا".
3 فإن كان أحدهما معرفة أو كلاهما، فلا تعمل إلا نادرا، ويجوز أن يكون خبرها جملة فعلية، أو شبه جملة؛ لأنهما في حكم النكرة.
4 هو سعد بن مالك جد طرفة بن العبد، وهو أحد بني بكر بن وائل، وأحد سادات بكر وفرسانها في الجاهلية، كان شاعرا مجيدا.
خزانة الأدب: 1/ 474.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
من صد عن نيرانها(1/274)
والصحيح جواز ذكره، كقوله1: [الطويل]
108 تعزَّ فلا شيء على الأرض باقيا ... ولا وَزَرٌ مما قضى الله واقِيَا2
وإنما لم يشترط الشرط الأول لأن "إن" لا تزاد بعد "لا" أصلا.
__________
= والبيت من كلمة لسعد بن مالك، يعرض فيها بالحارث بن عباد، فارس النعامة حين اعتزل الحرب التي نشبت بين بكر وتغلب ابني وائل، وهي الحرب المشهورة بحرب البسوس، وقبل البيت قوله:
يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا
والبيت الشاهد، من شواهد: التصريح: 1/ 199، والأشموني: "225/ 1/ 125"، وهمع الهوامع: 1/ 125 والدرر اللوامع: 1/ 97، وسيبويه: 1/ 28، 354، 357، والمقتضب: 4/ 360، والإنصاف: 367 وشرح المفصل: 1/ 108، وجمل الزجاجي: 242، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 506، ومغني اللبيب: "433/ 315" "1067/ 825"، وشرح السيوطي: 208.
المفردات الغريبة: صد: أعرض. نيرانها: الضمير يعود على الحرب، وأراد من نكل عنها ولم يقتحم لظاها. ابن قيس نسب نفسه إلى جده الأعلى. لا براح: لا زوال ولا فرار.
المعنى: من امتنع عن اقتحام الحرب وتحمل ويلاتها، فأنا لا أمتنع؛ لأني ابن قيس المعروف بالشجاعة والنجدة والإقدام. لا براح لي، ولا نكوص عن خوضها.
الإعراب من: اسم شرط جازم، في محل رفع مبتدأ. صد: فعل ماضٍ في محل جزم فعل الشرط. "عن نيرانها": متعلق بـ "صد"، و"ها": مضاف إليه. فأنا: الفاء رابطة لجواب الشرط، أنا: مبتدأ، ابن: خبر، وهو مضاف. قيس: مضاف إليه. لا: نافية تعمل عمل ليس. براح: اسم "لا" مرفوع، والخبر محذوف، والتقدير: لا براح لي.
موطن الشاهد: "لا براح".
وجه الاستشهاد: إعمال "لا" عمل "ليس" فرفع بها الاسم "براح"، وحذف خبرها، وأما حكم حذف خبرها، فجائز باتفاق على الأغلب، كما في المتن.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 199، وهمع الهوامع: 1/ 125، والدرر اللوامع: 1/ 97، وابن عقيل "78/ 313"، والأشموني: "223/ 1/ 124"، وخزانة الأدب: 1/ 530 عرضا، والعيني: 2/ 102 ومغني اللبيب: "434/ 315" "438/ 516"، وقطر الندى: "51/ 190"، والشذور: "92/ 260، 262".
المفردات الغريبة: تعز: من العزاء، وهو التصبّر والتسلي على المصائب. وزر: ملجأ. واقيا: اسم فاعل من الوقاية، وهي الرعاية والحفظ.(1/275)
[إعمال لات عمل ليس وشروطه] :
وأما "لات" فإن أصلها "لا" ثم زيدت التاء1، وعملها واجب، وله شرطان2: كون معموليها اسمي زمان، وحذف أحدهما، والغالب كونه المرفوع، نحو: {وَلاتَ حِينَ مَنَاص} 3، أي: ليس الحين حين فرار، ومن القليل قراءة بعضهم
__________
المعنى: تسلَّ وتصبَّرْ على ما يصيبك من الكوارث والمصائب، فكل شيء إلى زوال. ولا يبقى على وجه الأرض شيء، وليس هنالك ملجأ يقي الإنسان، ويحفظه مما قضاه الله وقدره.
الإعراب: تعزَّ: فعل أمر، مبني على حذف حرف العلة، والفاعل أنت. فلا: الفاء تعليلية، لا: نافية، تعمل عمل "ليس" شيء: اسمها مرفوع. "على الأرض". متعلق بـ "باقيا" الآتي، أو بمحذوف صفة لـ "شيء" باقيا: خبر "لا" منصوب. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية عاملة عمل ليس. وزر: اسم "لا" مرفوع. "مما": متعلق بـ "واقيا" الآتي. قضى الله: فعل ماضٍ، وفاعل، و"الجملة": صلة للموصول، لا محل لها. واقيا: خبر "لا" منصوب.
موطن الشاهد: "لا شيء..... باقيا، لا وزر......... واقيا".
وجه الاستشهاد: إعمال "لا" في الموضعين عمل "ليس" ومجيء اسمها وخبرها نكرتين، ومجيئهما مذكورين معا، وفي ذلك دلالة على جواز ذكر خبر "لا" العاملة عمل ليس خلافا للزجاج الذي يرى أن خبر "لا" لا يكون مذكورا أبدا.
فائدة: ذهب الأخفش إلى أن "لا" ليس لها عمل أصلا، لا في الاسم، ولا في الخبر، وأن ما بعدها "مبتدأ وخبر" والبيت الشاهد يبطل ما ذهب إليه.
1 زيادة التاء في "لات" أحسن منها في "ثمت" وفي "ربت"؛ لأن "لا" بمعنى "ليس" ومحمولة عليها، وليس تلحقها تاء التأنيث، فتقول: ليست هند مفلحة، ومما يؤيد هذا أن تاء التأنيث تلحق "لا" التي تعمل عمل "ليس" ولا تلحق "لا" التي تعمل عمل "إن"، ويقال: زيدت التاء للمبالغة.
التصريح: 1/ 200.
2 أي: مع الشروط الخاصة بعمل "ما" ما عدا وقوع "إن" الزائدة؛ لأنها لا تقع بعد "لات".
3 "38" سورة ص، الآية: 3.
أوجه القراءات: قرأ عيسى بن عمر "حين" بالرفع، وقرأ "ولاتِ" بكسر التاء، وقرأ برفع "ولاتُ" و"حينُ" أبو السمال، وقرأ عيسى وأبو السمال: "ولا تحينُ مناص". وقرأ الجمهور {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} مختصر في شواذ القرآن، لابن خالويه: 129. والبحر المحيط: 7/ 384، والمشكل: 2/ 247.
موطن الشاهد: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "لات" عاملة عمل "ليس" مع حذف اسمها، والتقدير: ولات الحين حين مناص، وحكم حذف أحد معموليها واجب، والمعنى: وليس الوقت وقت مهرب.(1/276)
برفع الحين، وأما قوله1: [الكامل]
109- يبغي جوارك حين لات مجير2
__________
1 هو: عبد الله بن أيوب التميمي، يكني أبا محمد، مولى بني تميم، ثم مولى بنى سليم، أحد شعراء الدولة العباسية، وكان أحد الشعراء المجُاَّن، الوصافين للخمر، مدح خلفاء بني العباس ومنهم المأمون والأمين وله معهم قصص ومواقف.
الأغاني: 22/ 7677، تجريد الأغاني: 8/ 206، تاريخ بغداد: 9/ 411.
2 تخريج الشاهد:
هذا عجز بيت، وصدره قوله:
لهفي عليك للهفة من خائف
وهو من كلمة، اختارها أبو تمام في ديوان الحماسة، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 200، ونسبه صاحب التصريح إلى شمردل الليثي، والأشموني: "230/ 1/ 126"، وخزانة الأدب: 2/ 146 عرضا والعيني: 2/ 103، 178 عرضا: ونسبة إلى شمردل الليثي في رثاء منصور بن زياد.
وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 950، ومغني اللبيب "1065/ 825"، وشرح السيوطي: 313.
المفردات الغريبة: لهفي: أسفي؛ من اللهف، وهو الحزن والأسى على فائت. للهفة. أي لأجل لهفة أي استغاثة مجير: ناصر يمنع الأذى ويدفعه
المعنى: لي عليك حسرة شديدة وحزن عميق، من أجل رجل نابه ريب الزمان، وعضه الدهر، وطلب الغوث، فلم يجدك، وقد كنت نصيرا لمن لا ملجأ له ولا نصير.
الإعراب: لهفي: مبتدأ أو مضاف إليه. "عليك": متعلق بـ "لهفي". "للهفة": متعلق بخبر محذوف. "من خائف" متعلق بـ "لهفة"، أو بمحذوف صفة لـ "لهفة"، يبغي: فعل مضارع، والفاعل: هو. جوارك: مفعول به، ومضاف إليه، وجملة "يبغي جوارك": في محل جر صفة لـ "خائف". "حين" متعلق بـ "يبغي". لات: حرف نفي، مهمل، لا محل له من الإعراب. مجير: فاعل لفعل محذوف، والتقدير: ولات =(1/277)
فارتفاع "مجير" على الابتداء، أو على الفاعلية، والتقدير: حين لات له مجير، أو يحصل له مجير، و"لات" مهملة، لعدم دخولها على الزمان، ومثله قوله1: [الخفيف]
110- لات هَنَّا ذكرى جُبَيرةَ2
إذ المبتدأ "ذكرى" وليس بزمان.
__________
= حين لا يحصل مجير، أو: مجير: مبتدأ مرفوع، وخبره محذوف، والتقدير: حين لات مجير له.
موطن الشاهد: "لات مجير".
وجه الاستشهاد: إهمال "لات"؛ لعدم دخولها على الزمان؛ لأن "لات" لا تعمل في غير الحين، أي: الزمن: ولا بد من حذف أحد معموليها، والغالب حذف اسمها، وحذف خبرها وبقاء اسمها قليل، وإلى هذا أشار الناظم.
"وما لـ "لات" في سوى حين عمل
وحذف ذي الرفع فشا والعكس قل".
فائدة: عمل "لات" عمل "ليس" بالشروط المذكورة، هو ما ذهب إليه سيبويه والجمهور، ونقل منع عمل "لات" عن الأخفش، وعليه: فالمرفوع الذي يليها. مبتدأ حذف خبره، والمنصوب الذي يليها مفعول بفعل محذوف، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه والجمهور.
انظر حاشية الصبان: 1/ 255. وابن عقيل "ط. دار الفكر": 1/ 250.
1 القائل هو: الأعشى الأكبر، أبو بصير، ميمون بن قيس بن جندل من سعد بن ضبيعة بن قيس، شاعر جاهلي فحل، ومن الطبقة الأولى، ويعرف بصناجة العرب، قيل: وفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليسلم، فصده أبو سفيان، وأعطاه عطاء عظيما، وفي طريقه من مكة، سقط عن ظهر راحلته ومات، وذلك سنة 7هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 257، الأغاني: 8/ 74، المرزباني: 104، الخزانة: 1/ 83، شعراء الجاهلية: 357.
2 تخريج الشاهد: تمام الشاهد:
لات هَنَّا ذكرى جبيرة أم من ... جاء منها بطائف الأهوالِ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 200، وهمع الهوامع: 1/ 126، والدرر اللوامع: 1/ 99، والمقرب: 19. والعيني: 2/ 106، والمحتسب: 2/ 39، والخصائص: 2/ 274، وديوان الأعشى: 13.
المفردات الغريبة: هنا: اسم إشارة للمكان، واستعير هنا للزمان ذكرى: تذكر.
جبيرة: اسم امرأة، وهي بنت عمرو بن حزم، وقيل: هي امرأة الأعشى. بطائف،(1/278)
[إعمال إن عمل ليس على النادر] :
وأما "إن" فإعمالها نادر1، وهو لغة أهل العالية2، كقول بعضهم: "إن أحدٌ
__________
= الطائف: الذي يطرق ليلا، وأراد هنا خيالها الذي يطرقه عند النوم. الأهوال: جمع هول، وهو الخوف.
المعنى: ليس هذا الوقت وقت تذكر جبيرة، أو تذكر ذلك الطائف الذي أزعجك، لما رأيته من عضبها.
الإعراب: لات: حرف نفي مهمل، لا عمل له، لعدم دخوله على زمان. هنا: "ظرف مكان" متعلق بمحذوف خبر مقدم. ذكرى: مبتدأ مؤخر. جبيرة. مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى مفعوله، ويجوز أن نعلق "هنا" بذكرى، ويكون الخبر محذوفا، والتقدير: ليت ذكرى جبيرة مقبولة، والأول أفضل. أو: حرف عطف. من: اسم موصول معطوف على جبيرة. جاء: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. "منها": متعلق بـ "جاء". "بطائف": متعلق بـ "جاء". الأهوال: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "لات هنا ذكرى جبيرة".
وجه الاستشهاد: إهمال "لات" لأنها دخلت على غير زمان، كما أشار المصنف؛ لأن "هنا" إسم إشارة إلى المكان البعيد، ومعلوم أن "لات" النافية العاملة عمل "ليس" لا تعمل إلا في أسماء الزمان، ولهذا، فإن محاولة إعمالها في "هنا" وهي على أصلها غير جائزة لأنها لا تعمل في المصدر أو اسم المكان، ولهذا أهملت سواء أتعلقت "هنا" بـ "ذكرى" أو بمحذوف الخبر المقدم؛ لأن "ذكرى" على الوجهين مبتدأ مرفوع كما أعربنا.
- غير أن سيبويه والرضي وغيرهما من النحاة، ذهبوا إلى أن "هنا" التي تقع بعد "لات" في مثل هذا البيت ظرف زمان متعلق بخبرها المحذوف، وقد أضيف إلى ذكرى جبيرة، واسم "لات" محذوف، والتقدير: ليس الوقت وقت ذكرة جبيرة.
1 ذهب الكسائي، وأكثر الكوفيين، وأبو على الفارسي، وأبو الفتح بن جني، إلى جواز إعمال "إن" عمل ليس. وذهب الفراء، وأكثر أهل البصرة، إلى عدم جواز إعمالها، واختلف نقل العلماء عن سيبويه والمبرد، فنقل السهيلي الجواز عن سيبويه والمنع عن المبرد، ونقل النحاس العكس، فنسب الجواز إلى المبرد والمنع إلى سيبويه، ونقل ابن مالك الجواز عنهما، ثم قال ابن مالك: إن إعمال "إن" النافية عمل ليس مع جوازه نادر، وتبعه على هذا ابن هشام، وقال غير ابن مالك: إن عمل "إن" النافية عمل ليس أكثر من عمل لا.
التصريح: 1/ 201، وانظر حاشية الصبان: 1/ 255.
2 تطلق على ما فوق أرض نجد إلى تهامة وإلى ما وراء مكة وما والاها.(1/279)
خيرا من أحد إلا بالعافية" وكقراءة سعيد1: "إِنِ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادًا أَمْثَالُكُمْ"2، وقول الشاعر3: [المنسرح]
111- إن هو مستوليًا على أحد4
__________
1 هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الولاء، الكوفي، يكنى أبا عبد الله، ولد سنة 45هـ. وهو تابعي جليل، قرأ على عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وقرأ عليه أبو عمرو بن العلاء، خرج على بني أمية مع عبد الرحمن بن محمد الأشعث، فقتله الحجاج سنة 95هـ.
سير أعلام النبلاء: 4/ 321، طبقات ابن سعد: 6/ 256، وفيات الأعيان: 2/ 371.
2 "7" سورة الأعراف، الآية: 194.
أوجه القراءات: قرأ سعيد بن جبير بتخفيف "إن" ونصب "عبادا" و"أمثالكم". وقرأ الجمهور بتشديد "إن" ورفع "عباد" و"أمثالكم".
توجه القراءات: قراءة الجمهور واضحة، وأما قراءة سعيد بن جبير، فإن "إن" عاملة عمل "ليس" على لغة أهل العالية والذين: اسمها، وعبادا: خبرها. انظر: المحتسب: 1/ 270، والبحر المحيط: 4/ 444.
موطن الشاهد: "إن الذين..... عبادا أمثالكم".
وجه الاستشهاد: إعمال "إن" عمل "ليس"، وحكم إعمالها جائز عند الكوفيين -ما عدا الفراء- وأجازه المبرد وابن السراج والفارسي من البصريين، وتبعهم ابن مالك في ألفيته. وانظر في إعراب الآية: البيان: 1/ 381، والعكبري: 1/ 167.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه يروى على صور مختلفة، إحداها:
إلا على أضعف المجانين
الثانية:
إلى على حزبه الملاعين
الثالثة:
إلا على حزبه المناحيس
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 201، والأشموني: "226/ 1/ 126"، وابن عقيل: "81/ 1/ 317" والمقرب: 19، والعيني: 2/ 113، وخزانة الأدب: 2/ 143، وهمع الهوامع: 1/ 125، والدرر اللوامع: 1/ 96، وشذور الذهب: "136/ 363".
المفردات الغريبة: مستوليا: اسم فاعل من استولى على الشيء: أي تولاه وملك زمام التصرف فيه. المجانين: جمع مجنون، وهو الذي ذهب عقله.(1/280)
[زيادة الباء في أخبار الحروف العاملة عمل ليس] :
وتزاد الباء بكثرة في خبر ليس"1/ "وما"2، نحو: {أَلَيْسَ الْلهُ بِكَاْفً عَبْدَهُ} 3، ...
__________
المعنى:
ليس لهذا الرجل سلطان وولاية على أحد من الناس، إلا على أشد المجانين ضعفا.
الإعراب: إن: نافية عاملة عمل "ليس". هو: اسمها مبني على الفتح في محل رفع. مستوليا: خبر منصوب، "على أحد": متعلق بـ "مستوليا". إلا أداة حصر، أو أداة استثناء مرفوع. "على أضعف": جار ومجرور بدل بعض من كل من "على أحد"، أو نقول: "جار ومجرور" واقع موقع المستثنى من الجار والمجرور السابق. المجانين: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "إن هو مستوليا".
وجه الاستشهاد: إعمال "إن" عمل "ليس" على مذهب الكوفيين، ومن وافقهم من البصريين، وفي البيت شاهد آخر على أن "إن" النافية" مثل "ما" في كونها، لا تختص بالنكرات، كما تختص بها "لا" حيث جاء اسم "إن ضميرا بارزا، كما هو واضح، كما يستفاد من الشاهد أن انتقاض النفي بـ "إلا" بعد الخبر، لا يقدح في العمل، ولا يبطله.
1 بشرط ألا تكون أداة استثناء، وألا ينتقض النفي بإلا، ويكون الخبر مجرورا لفظا، منصوبا تقديرا، وقد تزاد الباء في الاسم، إذا تأخر إلى موضع الخبر، كقراءة بعضهم: "لَيْسَ الْبِرََّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُم" بنصب "البر"، وقول الشاعر:
أليس عجيبا بأن الفتى ... يصاب ببعض الذي في يديه
وهذا من الغريب، كما قال في المغني، ونظير ذلك، زيادتها في خبر المبتدأ المنفي بما، ولو كان قد تقدم على المبتدأ، ومنه قول الشاعر:
لَوَ انَّك يا حسين خلقت حرا ... وما بالحر أنت ولا العتيقِ
التصريح: 1/ 201، ومغني اللبيب: 149.
2 تزاد الباء في خبر "ليس" و"ما" عند البصريين؛ لرفع توهم الإثبات، فإن السامع قد لا يسمع أول الكلام، وعند الكوفيين؛ لتأكيد النفي، وهذا يكون خطابا لمن ينكر عدم قيام زيد، فيقول: إن زيدا لقائم، مثلا، فهذا يجاب بليس زيد بقائم.
التصريح: 1/ 201.
3 "39" سورة الزمر، الآية: 36.
موطن الشاهد: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" زائدة في خبر "ليس"، وحكم مجيء هذه "الباء" جائز =(1/281)
{وَمَا اللَّهُ بِغَافِل} 1، وبقلة في خبر "لا"2 وكل ناسخ منفي، كقوله3: [الطويل]
112- وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... بمغنٍ فتيلا عن سواد بن قاربِ4
__________
= باتفاق وبكثرة، فهي تفيد تأكيد النفي، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} 88 سورة الغاشية، الآية: 32 وقوله جلت قدرته: {وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد} 3 سورة آل عمران، الآية: 182. وقوله سبحانه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِين} 6 سورة الأنعام، الآية: 53. وقد ورد مثل ذلك في الشعر العربي، فمنه قول عمرو بن قميئة:
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى ... فما بال من يرمَى وليس برامِ
وقول الفرزدق:
وليس كليبي إذا جن ليله ... إذا لم يجد ريح الأتان بنائم
1 "2" سورة البقرة، الآية: 74.
موطن الشاهد: {مَا اللَّهُ بِغَافِلٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" عاملة عمل ليس، ودخول "الباء" الزائدة على خبرها، كما في الآية السابقة، ونقول في الإعراب: الباء حرف جر زائد، و"غافل": اسم مجرور لفظا منصوب محلا، على أنه خبر "ما"، وأمثلة إعمال "ما" عمل ليس مع دخول الباء الزائدة على خبرها كثيرة، فمن الشعر العربي المحتج به قول الفرزدق:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدلِ
وقول عبيد بن الأبرص:
ما الطرف مني إلى ما لست أملكه ... مما بدا لي بباغي اللحظ طماح
وقول المتنبي:
وما أنا بالباغي على الحب رشوة ... ضعيفٌ هوىً يبغي عليه ثواب
انظر أوضح المسالك "تحقيق عبد الحميد": 1/ 293.
2 سواء كانت عاملة عمل "ليس" أو عمل "إن".
3 القائل: هو سواد بن قارب الأزدي، وقيل: الأسدي الدوسي، أو السدوسي: صحابي وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان كاهنا في الجاهلية، وقصة إسلامه أوردها البخاري في تاريخه، وله أخبار أخرى مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الإصابة: 2/ 95.
4 تخريج الشاهد: هذا البيت من كلمة يخاطب بها الشاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله، قوله: =(1/282)
وقوله1: [الطويل]
__________
=
فأشهد أن الله لا شيء غيره ... وأنك مأمون على كل غائبِ
وأنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى الله يابن الأكرمين الأطايبِ
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسَل ... وإن كان فيما جئت شيب الذوائبِ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 201، والأشموني: "216/ 1/ 23"، وابن عقيل "76/ 1/ 310" وهمع الهوامع: 1/ 127، 1/ 218 والدرر اللوامع: 1/ 101، 1/ 188، والعيني: 2/ 44، 3/ 417 ومغني اللبيب: "772" 548" "988/ 759". والسيوطي: 282.
المفردات الغريبة: لا ذو شفاعة: لا صاحب شفاعة. قتيلا: هو الخيط الدقيق الذي يكون في شق النواة.
المعنى: كن شفيعي -يا رسول الله- في اليوم الذي لا ينفعني فيه صاحب شفاعة نفعا ما، وذلك يوم القيامة.
الإعراب: كن: فعل أمر ناقص، خرج إلى معنى التوسل، والاستعطاف، واسمه: ضمير مستتر وجوبا، تقديره: أنت. "لي": متعلق بقوله: "شفيعا" الآتي: شفيعا: خبر "كن" يوم متعلق بـ "شفيعا". لا: نافية تعمل عمل "ليس" ذو اسمها مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة. شفاعة: مضاف إليه. بمغنٍ: الباء حرف جر زائد، مغن: خبر "لا" منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الياء المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، منع منها حركة حرف الجر الزائد. وفاعل "معين" ضمير مستتر يعود على "ذو" لأن "مغنٍ" اسم فاعل يأخذ فاعلا وينصب مفعولا. فتيلا مفعول به، أو نائب مفعول مطلق. "عن سواد" متعلق بـ "مغن". ابن: صفة لـ "سواد". قارب مضاف إليه.
موطن الشاهد: "بمغن".
وجه الاستشهاد: دخول الباء الزائدة على خبر "لا" النافية العاملة عمل "ليس"، وحكم دخولها على خبر "لا": الجواز مع القلة.
فائدة: ذهب بعضهم إلى أن الباء الزائدة، كما تدخل في خبر "لا" العاملة عمل "ليس" فهي تدخل شذوذا في خبر "لا" العاملة عمل "إن" كما في قولهم: "لا خير بخير بعده النار"، وهذا شرط أن لا تجعل الباء بمعنى "في" وإلا؛ أي: إذا جعلت بمعنى "في" كانت أصلية وشبه الجملة متعلق بالخبر المحذوف، ولا زيادة ولا شذوذ.
1 القائل: هو الشنفرى الأزي: وأكثر الرواة على أن اسمه هو لقبه، وقيل اسمه: عمرو بن مالك الأزدي من قحطان، شاعر جاهلي، يماني، من فحول الطبقة الثانية، والشنفرى أحد فتاك العرب وعدائيهم ولصوصهم، وأحد الخلعاء الذين تبرأت منهم عشائرهم، وهو صاحب اللامية المشهورة. وقد قتله بنو سلامان. خزانة الأدب: 3/ 343، الأعلام: 5/ 85، الأغاني: 21/ 134، سمط اللآلي: 2413.(1/283)
113- وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم........................1
__________
1 تخريج الشاهد: البيت بتمامه هو:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم، إذ أجشع القوم أعجلُ
والبيت من لاميته المشهورة، والتي مطلعها:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأمْيَلُ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 202، وابن عقيل "77/ 1/ 310"، والأشموني: "217/ 1/ 123" وهمع الهوامع: 1/ 127، والدرر اللوامع: 1/ 101، والعيني: 2/ 117، 4/ 51، ولامية العرب، ومغني اللبيب: "961/ 728"، وشرح السيوطي: 303، وقطر الندى: "76/ 253".
المفردات الغريبة: بأعجلهم: أي: يعجلهم، فهو صفة مشبهة لا أفعل تفضيل. أجشع، الجشع، شدة الحرص على الطعام.
المعنى: إذا تقدم القوم للطعام أو لاقتسام الغنائم، لم أتعجل ذلك، ولا أسبق غيري؛ لأن المتعجل شديد الحرص على ما يقدم عليه، ولست بحريص على السبق في هذا الميدان.
الإعراب: إن شرطية جازمة. مدت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، وهو فعل الشرط، مبني على الفتح، في محل جزم، والتاء: للتأنيث، وحركت لالتقاء الساكنين، الأيدي: نائب فاعل. إلى الزاد" متعلق بـ "مدت" السابق. لم أكن: حرف جزم. أكن: فعل مضارع ناقص مجزوم، واسمه: أنا. بأعجلهم: الباء زائدة، أعجلهم: خبر "أكن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وهو مضاف. و"هم" مضاف إليه. وجملة "لم أكن......." في محل جزم جواب الشرط. إذ: تعليلية، وهي: إما أنها حرف، لا محل لها، وإما أنها ظرف، فهي متعلقة بقوله: "أعجل" أجشع: مبتدأ، وهو مضاف، القوم: مضاف إليه. أعجل: خبر المبتدأ.
موطن الشاهد: "بأعجلهم".
وجه الاستشهاد: إدخال الباء الزائدة في خبر مضارع "كان" المنفي بـ "لم" وحكم إدخال الباء في الخبر هنا جائز مع القلة.
وفي البيت دليل آخر على أن "أعجلهم" وإن كانت على صيغة أفعل التفعيل، لكن المراد منها معنى الصفة الخالية من التفضيل، وسيأتي الكلام مفصلا عليها في حينه.
فائدة: لا تزاد الباء في خبر "لا تكون" الاستثنائية.(1/284)
وقوله1: [الطويل]
114- فلما دعاني لم يجدني بقعدَدِ2
__________
1 القائل هو: دريد بن الصمة القشيري، "الصمة": هو معاوية الأصغر، من غزية بن جشم بن هوازن. ودريد، شاعر وفارس شجاع، وصاحب رأي في الجاهلية، ذكر أنه غزا مائة غزاة ما أخفق في واحدة منها، أدرك الإسلام، ولم يسلم، وخرج معه قومه مظاهرا المشركين في يوم حنين، فقتل، وهو يومئذ شيخ فان، بلغ من العمر عتيا.
الشعر والشعراء: 2/ 749، تجريد الأغاني: 3/ 112، المعمرين: 21، الخزانة: 4/ 442، الأغاني: 9/ 2.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
دعاني أخي والخيل بيني وبينه
وهو من كلمة جيدة، يرثي أخاه أبا فرعان، عبد الله بن الصمة.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 202، والأشموني: "218/ 1/ 123"، وهمع الهوامع: 1/ 127، والدرر اللوامع: 1/ 101، والعيني: 2/ 121، وليس في الأصمعيات ولا في الحماسة.
المفردات الغريبة: دعاني: أراد استصرَخَنِي، وطلب أن أغيثه. "والخيل بيني وبينه": أي حالت الموقعة واصطفاف الفرسان بيننا. القعدد: الرجل الجبان اللئيم الدنيء القاعد عن الحرب والمكارم.
المعنى: استصرخني أخي، وطلب معونتي في الحرب، وقد حالت خيل الأعداء بفرسانها بيننا، فأجبته، ولم أجبن، ولم أتوانَ.
الإعراب: دعاني: فعل ماضٍ، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. أخي: فاعل، ومضاف إليه. والخيل: الواو حالية، الخيل: مبتدأ. "بيني" متعلق بمحذوف خبر، والياء: مضاف إليه. وبينه: الواو عاطفة. "بين" معطوف على "بين" الأولى، وجملة "الخيل بيني وبينه": في محل نصب على الحال. "لما" بمعنى "حين" في محل نصب بـ "يجدني" الآتي. دعاني: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، يعود على أخي، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، و"الجملة": في محل جر بالإضافة، بعد "لما". لم: جازمة نافية، يجدني: فعل مضارع مجزوم بـ "لم" والفاعل: هو: يعود إلى "أخى"، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به أول. بقعدد: الباء زائدة، قعدد: مفعول به ثان لـ "يجد" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل، بحركة حرف الجر الزائد.
موطن الشاهد: "بقعدد".(1/285)
وينذر في غير ذلك كخبر "إن" و"لكن" و"ليت" في قوله1: [الطويل]
115- فإنك مما أحدثَتْ بالمجرَِّب
__________
وجه الاستشهاد: زيادة "الباء" في المفعول الثاني لـ "يجد" المنفي بـ "لم"، ومعلوم أن "يجد" من أخوات "يظن"، التي ماضيها "ظن"، أي: هو من النواسخ، والنواسخ تدخل على المبتدأ أو الخبر، كما هو معلوم، فـ "قعدد" أصلها: خبر، فالزيادة داخلة على ما أصله خبر في الشاهد.
1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها
وهو من قصيدة طويلة للشاعر، مطلعها قوله:
خليلي مرا بي على أم جندب ... لنقضي حاجات الفؤاد المعذب
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 202، والأشموني: "220/ 1/ 123" والعيني: 2/ 126، وهمع الهوامع: 1/ 127، والدرر اللوامع: 1/ 101، وديوان امرئ القيس: 42.
المفردات الغريبة: تنأ: تبعد. عنها: أي أم جندب، التي ذكرها في مستهل القصيدة المجرب: اسم فاعل من التجربة، وهي الاختبار، والابتلاء بوساطة التكرر، ورواية فتح الراء المشددة على أنه مصدر ميمي أو اسم مكان. حقبة: مدة. والجمع: حقب والحقب: السنون.
المعنى: إذا ابتعدت مدة عن أم جندب لا تراها فيها وغابت هي عنك، فلا تظن ذلك منها هجرا، أو قطعية، وإنما هي تريد أن تعرف مبلغ حبك لها وصدقك معها، وتلك عادتها، وقد جربت ذلك من قبل.
الإعراب: إن شرطية جازمة. تنأ: فعل الشرط مجزوم، والفاعل: أنت. "عنها": متعلق بـ "تنأ". "حقبة": متعلق بـ "تنأ". لا: نافية. تلاقها: فعل مضارع مجزوم؛ لأنه بدل من "تنأ"، والفاعل: أنت، و"ها" مفعول به. فإنك: الفاء رابطة لجواب الشرط. إن: حرف مشبه بالفعل، والكاف: اسمها. "مما" حرف جر، و"ما" مصدرية، أو اسم موصول بمعنى الذي، وعليه فـ "مما": جار ومجرور، و"الجملة" بعده: لا محل لها، وعلى الأول: فـ "ما وما دخلت عليه": في تأويل مصدر، مجرور بـ "من"، و"الجار والمجرور": متعلق بـ "مجرب" الآتي، وعلى كلا التأويلين: فـ "من" بمعنى التعليل. بالمجرب: الباء حرف جر زائد، والمجرب: خبر "إن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وجملة "إنك مما أحدثت بالمجرب": في محل جزم جواب الشرط.(1/286)
وقوله1: [الطويل]
116- ولكنَّ أجرًا لو فعلتِ بهيِّنِ2
__________
موطن الشاهد: "بالمجرب".
وجه الاستشهاد: زيادة "الباء" في خبر "إن" وهو المجرب، وهذا نادر في اللغة، وزيادة "الباء" على جعل المجرب اسم فاعل، والمعنى كما أسلفنا فإنك الذي جرب ما أحدثته أم جندب.
هذا؛ وذهب بعض العلماء إلى جعل "المجرب" بفتح الراء المشددة اسم مكان من التجربة، وعلى هذا التخريج، تكون "الباء" حرف جر أصلي، ويكون الجار والمجرور: متعلقا بالخبر المحذوف، والتقدير: فإنك كائن بمكان التجربة.
وذهب آخرون: إلى أن "المجرب" اسم فاعل كما هي غير أن "الباء" حرف جر أصلي، وليست زائدة؛ لأنها تفيد هنا التشبيه، و"الجار المجرور": متعلق بالخبر المحذوف، كما في التخريج السابق، والتقدير: فإنك كائن مثل الشخص المجرب لها ولأفعالها.
1 لم ينسب إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وهل يُنكَر المعروفُ في الناس والأجرُ؟
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 202، وهمع الهوامع: 1/ 127، والدرر اللوامع: 1/ 101، وشرح المفصل: 8/ 139، والخزانة: 4/ 160، والعيني: 2/ 134، واللسان "كفى".
المفردات الغريبة: هين "بفتح الهاء وتشديد الياء" سهل خفيف، وأصله "هيون" مثل: سيد وميت: المعروف: الخير والعمل الطيب.
المعنى:
إن عمل المعروف والجزاء عليه هين وسهل لمن أراده، والناس لا ينكرون على صانع المعروف عمله والجزاء عليه، ولن يضيع أجره عند الله.
الإعراب: لكن: حرف استدراك ونصب، أو حرف مشبه بالفعل أجرا: اسمه. لو: حرف شرط غير جازم. فعلت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعله، وجملة "فعلت" شرط "لو" وجوابها محذوف، والتقدير: لو فعلت لنلت جزاء فعلك. بهين: الباء زائدة. هين: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه خبر "لكن" هل: حرف استفهام. ينكر: فعل مضارع مبني للمجهول. المعروف: نائب فاعل "في الناس": معلق بـ "ينكر". والأجر: الواو عاطفة، والأجر: اسم معطوف على المعروف.
موطن الشاهد: "لكن أجرا ... بهين".
وجه الاستشهاد: زيادة "الباء" في خبر "لكن" المشددة النون، وحكم زيادة "الباء" في هذا الموضع أنه نادر.(1/287)
وقوله1: [الطويل]
117- ألا ليت ذا العيش اللذيذ بدائم2
__________
1 القائل: هو الفرزدق: وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
يقول إذا اقلولى عليها وأقردتْ
البيت من كلمة للفرزدق، يهجو فيها جرير بن عطية، وقومه بني كليب، ويعيرهم بأنهم يأتون الأتن، وقبل الشاهد، قوله:
وليس كليبي إذا جن ليله ... إذ لم يجد ريح الأتان بنائمِ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 202، والأشموني: "219/ 1/ 123"، وهمع الهوامع: 1/ 127، والدرر اللوامع: 1/ 101، والمنصف: 3/ 37، وأمالي ابن الشجري: 1/ 267، والعيني: 2/ 135، 149 واللسان "قرد، قلا"، والمغني "652/ 459" وفيه برواية: ألا أهل أخو عيش لذيد بدائم.
وشرح السيوطي: 262، وديوان الفرزدق: 863.
المفردات الغريبة: جن ليله: ستره وأظلم عليه. الأتان: أنثى الحمار، وجمعها أتن، مثل سحاب وسحب. اقلولى: فسره العيني: ارتفع، صاحب اللسان: انكمش. أقردت: ذلت وخضعت.
المعنى: يقول الكلبي: إذا قضى مأربه من الأتان، وسكنت له: أتمنى دوام هذا العيش اللذيذ.
الإعراب: يقول: فعل مضارع، والفاعل: هو، يعود إلى "كليبي" في البيت السابق عليه. إذا ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه، في محل نصب على الظرفية الزمانية. اقلولي: فعل ماضٍ، والفاعل هو. "عليها": متعلق بـ "اقلولى" و"ها" ضمير عائد إلى "الأتان" في محل جر بالإضافة وجملة "اقلولى عليها": في محل جر بالإضافة بعد "إذا" وأقردت" الواو عاطفة، أقردت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي، يعود إلى الأتان، وجملة "أقردت": في محل جر؛ لأنها معطوفة على جملة في محل جر بالإضافة. ألا: حرف استفتاح وتنبيه. ليت حرف مشبه بالفعل. ذا: اسم إشارة، اسم "ليت". العيش: بدل من اسم الإشارة. اللذيذ: صفة لـ "العيش". بدائم: الباء حرف جر زائد، دائم: خبر "ليت" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وجملة "ليت وما دخلت عليه": في محل نصب مقول القول.
موطن الشاهد: "ليت ذا العيش بدائم".
وجه الاستشهاد: زيادة "الباء" في خبر "ليت"، وحكم زيادتها هنا أنها نادرة، ولا يكاد ينسج على منوالها.(1/288)
وإنما دخلت في خبر "أن" في: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ} 1، لما كان: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ} في معنى "أو ليس الله".
__________
1 "46" سورة الأحقاف، الآية: 33.
موطن الشاهد: {أَنَّ اللَّهَ....... بِقَادِرٍ} .
وجه الاستشهاد: زيادة الباء في خبر "أنَّ" في الآية الكريمة ليس على الندرة؛ لأن القرآن الكريم منزه عن وقوع الندرة فيه، وإنما زيدت لأن المعنى: "أو ليس الله الذي خلق السموات" ومعلوم أن زيادة الباء في خبر "ليس" كثيرة.
فائدتان: "أ": قد يجر المعطوف على الخبر الصالح للباء مع سقوطها. تقول: ليس المجاهد بمتأخر، وقاعد عن الفتك بالأعداء، ويسمى هذا عند النحويين بالعطف على التوهم، أي أن المتكلم توهم وجود الباء الزائدة، فعطف بالجر. ويندر هذا في غير خبر "ليس" و"ما"، وينبغي أن يقتصر ذلك على السماع. ويجوز كذلك النصب عطفا على محل المعطوف عليه.
"ب": خير ما قيل في إعراب "حنت نوار ولات هنَّا حنت": أن "لات" حرف نفي مهمل، و"هنا" اسم إشارة للمكان منصوب على الظرفية خبر مقدم "حنت" فعل ماضٍ والتاء للتأنيث، والفاعل: هي، وقبلها "أن" مقدرة، والمصدر المؤول من أن المقدرة والجملة: في محل رفع مبتدأ مؤخر. حاشية الصبان. 1/ 256، 257، وانظر ضياء السالك: 1/ 251.(1/289)
[باب أفعال المقاربة] :
هذا باب أفعال المقاربة:
[أفعال هذا الباب ثلاثة أنواع] :
وهذا من باب تسمية الكل باسم الجزء1، كتسميتهم الكلام كلمة.
وحقيقة الأمر أن أفعال الباب ثلاثة أنواع: ما وضع للدلالة على قرب الخبر، وهو ثلاثة: كاد، وأوشك، وكرب، وما وضع للدلالة على رجائه، وهو ثلاثة: عسى2، واخلولق، وحرى، وما وضع للدلالة على الشروع فيه، وهو كثير، ومنه: أنشأ، وطفق، وجعل، وعلق، وأخذ.
__________
1 الأولى أن يقول: من باب التغليب؛ لأن تسمية الكل باسم الجزء إنما تكون بإطلاق اسم الجزء على ما تركب منه، ومن غيره، كتسمية المركب كلمة، أما تسمية الأشياء المجتمعة من غير تركيب باسم بعض فيسمى تغليبا كما هنا.
حاشية يس على التصريح: 1/ 203.
2 في "عسى" ثلاثة أقوال للنحاة.
الأول: أنها فعل في كل حال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أم ضمير النصب أم لم يتصل بها واحد منهما، وهو قول نحاة البصرة، ورجحه المتأخرون.
الثاني: أنها حرف في جميع الأحوال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أم لم يتصل بها، وهو قول جمهرة الكوفيين، وثعلب، وابن السراج.
والثالث: أنها حرف إذا اتصل بها ضمير نصب، كما في قول صخر بن العود الحضرمي.
ومنه قول الراجز:
تقول بنتي: قد أنى أناكا ... يا أبتا علك أو عساكا
ومنه قول عمران بن حطان الخارجي:
ولي نفس تنازعني إذا ما ... أقول بها: لعلي أو عساني
فهي في مثل هذه الشواهد حرف، وفعل فيما عدا ذلك، وهو قوله سيبويه شيخ النحاة. مغني اللبيب: 201.(1/290)
[شرط عمل هذه الأفعال] :
ويعملْنَ عمل "كان"، إلا أن خبرهن يجب كونه جملة1، وشذ مجيئه مفردا بعد "كاد" وعسى، كقوله2: [الطويل]
118- فأُبْتُ إلى فهم وما كدت آئبا3
__________
1 إنما وجب ذلك؛ لأن الحكم يتوجه إلى مضمون الجملة.
2 القائل: هو تأبط شرا، واسمه: ثابت بن جابر بن سفيان، وقيل ثابت بن عمسل، كان شاعرا بئيسا، يغزو على رجليه وحده.
الشعر والشعراء: 1/ 312، الأغاني: 18/ 209، الخزانة: 1/ 66، الاشتقاق: 162.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
والبيت من كلمة، اختارها أبو تمام في حماسته، وأولها قوله:
إذا المرء لم يحتَلْ وقد جدَّ جدُّه ... أضاع وقاسى أمره وهو مدبر
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 203، وابن عقيل "58/ 1/ 325"، والأشموني: "231/ 1/ 128" وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 107، والإنصاف: 544، وشرح المفصل: 7/ 13، 119 والعيني: 2/ 165، والخزانة: 3/ 54، 4/ 90، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 83.
المفردات الغريبة: أبت: رجعت. فهم: اسم قبيلته، وأبوها فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان، تصفر، تخلو، والمراد هنا تتأسف وتتحزن على إفلاتي منها بعد أن ظنوا أنهم قد قدروا عليَّ، وكان ذلك بعد أن أفلت من بني لحيان، وقد أحكموا خطة؛ ليوقعوا به عندما كان يشتار عسلا من فوق جبل.
المعنى: رجعت إلى قبيلتي "فهم" وما كدت أعود إليها بعد مفارقتي لها، وكثير من القبائل مثلها تركتها وهي تتحسر وتتأسف على تركي لها.
الإعراب: فأبت: الفاء عاطفة، أبت: فعل وفاعل. "إلى فهم": متعلق بـ "أبت". وما: الواو حالية "ما" نافية. كدت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه آئبا: خبر كاد، و"الجملة" في محل نصب على الحال وكم: خبرية، تفيد التكثير، في محل رفع مبتدأ. مثلها: مضاف إليه وهو تمييز كم" و"ها": مضاف إليه ثانٍ. فارقتها: فعل وفاعل ومفعول به، و"الجملة": في محل رفع خبر "كم". وهي: الواو
حالية، والضمير بعدها مبتدأ تصفر: فعل مضارع، والفاعل: هي و"الجملة" في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة "المبتدأ وخبره"، في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "وما كان آئبا".
وجه الاستشهاد: عمل "كاد" عمل "كان" ومجيء خبرها اسما مفردا، وحكم مجيء خبر كاد اسما مفردا شاذ، لا يقاس عليه؛ لأن الأصل في خبرها أن يكون جملة فعلية، فعلها مضارع، وبعض النحاة أنكروا رواية البيت على الوجه السابق، وزعموا أن الرواية الصحيحة "وما كنت آئبا".(1/291)
وقولهم: "عسى الغوير أبؤسا"1.
وأما: {فَطَفِقَ مَسْحًا} 2، فالخبر محذوف، أي: يمسح مسحا.
__________
1 هذا مثل قالته العرب، وذكره الميداني في مجمع الأمثال: "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 2/ 17.
وأصله: أن قوما كانوا في غار، فانهار عليهم، فماتوا جميعا، ثم تمثلت به الزباء ملكة الجزيرة، حين رجع إليها قصير ومعه الرجال والغوير: تصغير الغار، وهو اسم ماء لبني كليب. الأبؤس: جمع بؤس أو بأس، ومعناه: العذاب والشدة. والمعنى: لعل الشر يأتيكم من قبل الغوير، فصار مثلا يضرب للرجل يتوقع الشر من جهة بعينها. شرح التصريح: 1/ 204.
موطن الشاهد: "عسى الغوير أبؤسا".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "عسى" مفردا، وحكم هذا أنه شاذ، ولا يقاس عليه، كما في الشاهد السابق، وهذا تخريج سيبويه وأبي علي الفارسي، وذهب ابن الأعرابي، إلى أن "أبؤسا" منصوب بفعل محذوف، والتقدير: عسى الغوير يصير أبؤسا، وقدره الكوفيون: عسى الغوير أن يكون أبؤسا، وذهب آخرون إلى أن "أبؤسا": مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: يأتي بأبؤس، وكان الصواب أن يقدر على هذا الوجه يأتي أبؤسا؛ لأن "أتى" يتعدى بنفسه؛ وأما ابن هشام فيرى أنه مفعول مطلق لعامله المحذوف، والتقدير: عسى الغوير يبأس أبؤسا. انظر شرح التصريح: 1/ 203-204.
2 "38" سورة ص، الآية: 33.
موطن الشاهد: {طَفِقَ مَسْحًا} .
وجه الاستشهاد: حذف عامل المفعول المطلق، وهو "يمسح" الواقع خبر لـ "طفق"، والذي جوز حذف العامل دلالة المصدر عليه، فأقيم مقامه، واسم "طفق" يعود إلى سليمان عليه السلام، وفي هذه الآية رد على ابن مالك، حيث قال: "وحذف عامل المؤكد امتنع". شرح التصريح: 1/ 204.(1/292)
وشرط الجملة: أن تكون فعلية، وشذ مجيء بعد "جعل" في قوله1: [الوافر]
119- وقد جعلت قلوص بني سهيل ... من الأكوار مرتعها قريب2
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 204، والأشموني: "233/ 1/ 128"، وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 108، والخزانة: 4/ 92، والعيني: 2/ 170، والمغني: "423/ 310" والسيوطي: 206.
المفردات الغريبة: قلوص: بفتح القاف: الشابة من النوق. بني سهيل: ويروى مكانه ابني سهيل، الأكوار: جمع كور وهو الرحل بأدواته، وقد يكون "الكور" بفتح الكاف: الجماعة من الإبل: مرتعها: المكان الذي ترعى فيه.
المعنى: أخذت هذه النوق الفتية ترعى بالقرب من رحالها أو من جماعة الإبل التي تجاورها، وذلك لما بها من الإعياء والتعب، فلم تستطع البعد عن الرحال.
الإعراب: جعلت: فعل ماضٍٍ من أفعال الشروع، يعمل عمل "كان"، والتاء: للتأنيث. قلوص: اسم جعل مرفوع. بني: مضاف إليه. سهيل: مضاف إليه ثانٍ. "من الأكوار": متعلق بـ "قريب" مرتعها: مبتدأ، و"ها": مضاف إليه. قريب: خبر مرفوع، وجملة "مرتعها قريب": في محل نصب على الحال.
وذهب آخرون إلى أن "جعل" بمعنى "صار"، وليست من أفعال الشروع، وعليه، فـ "قلوص": اسم جعل، وجملة مرتعها قريب: خبر، ولا شاهد في البيت على هذين التخريجين.
وانظر شرح التصريح: 1/ 204، وحاشية الصبان: 1/ 259-260.(1/293)
وشرط الفعل ثلاثة أمور:
أحدها: أن يكون رافعا لضمير الاسم1، فأما قوله2: [البسيط]
120- وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ... ثوبي........................ 3
__________
1 أي: الاسم الذي لهذه الأفعال نحو: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ، وذلك؛ لأن أفعال هذا الباب إنما جاءت؛ لتدل على أن مرفوعها هو الذي قد تلبس بالفعل، أو شرع فيه لا غيره، فلا بد في الفعل من ضمير يعود على المرفوع؛ ليتحقق ذلك.
التصريح: 1/ 204.
2 القائل هو: عمرو بن أحمر الباهلي، شارع مجيد من مخضرمي الجاهلية والإسلام، يُعرَف بكثرة غريبه في الشعر، وبصحة كلامه؛ وذلك لأنه كان في أفصح بقعة من الأرض أهلا، وهذا الموضع هو "يذبل" جبل مشهور لباهلة، وكان عمرو أعور العين؛ وذلك لسهم أصابه في عينه، عمَّر تسعين سنة وسقي بطنه فمات.
الشعر والشعراء: 1/ 356، والجمحي: 2/ 580، المؤتلف: 37، الخزانة: 3/ 38، اللآلي: 307.
3 تخريج الشاهد: البيت بتمامه هو:
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ... ثوبي، فأنهض نهض الشارب السكر
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 204 برواية "الثمل"، والأشموني: "245/ 1/ 130" وهمع الهوامع: 1/ 128، 1/ 131، والدرر اللوامع: 1/ 102، 1/ 109، والخزانة: 4/ 93، "الثمل" والمقرب: 18، والعيني: 2/ 173، والمغني: "984/ 754" برواية "ثمل" والسيوطي: 308 وشذور الذهب: "87/ 252، 359".
وقد ذكر الرواة بيتا مثله من كلام أبي حية النميري، وهو:
وقد جعلت إذا ما قمت يوقعني ... ظهري، فقمت قيام الشارب السكر
ويروى أيضا:
وقد جعلت إذا ما نمت أوجعني ... ظهري وقمت قيام الشارف الظهر
حاشية الصبان: 1/ 263.
المفردات الغريبة: يثقلني: يجهدني ويتعبني، أنهض: أقوم، ومصدره النهض. السكر: صفة مشبهة بمعنى الثمل وهو الذي أخذ منه الشراب، وأضعف قواه.
المعنى: جعلت إذا قمت يجهدني ويتعبني ثوبي الذي ألبسه؛ لِما بي من ضعف، فأقوم بمشقة، كما يقوم السكران الذي أخذ منه من الشراب وأضعف قواه.
الإعراب: جعلت: فعل ماضٍٍ من أفعال الشروع، يعمل عمل "كان" والتاء: اسمه. إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط. ما زائدة. قمت: فعل ماضٍٍ وفاعل: يثقلني: فعل مضارع، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. ثوبي: فاعل يثقل، وهو مضاف، =(1/294)
وقوله1: [الطويل]
121- وأسقيه حتى كاد مما أبثّه ... تكلمني أحجاره وملاعبُهْ2
__________
= والياء: مضاف إليه، وهذا الإعراب على الوجه الذي استشهد المؤلف بالبيت لإبرازه. فأنهض: الفاء عاطفة، أنهض: فعل مضارع، وفاعله مستتر وجوبا، تقديره: أنا: نهض: مفعول مطلق مبين لـ "النوع". ونهض: مضاف، والشارب: مضاف إليه. السكر: صفة لـ "الشارب" مجرورة.
موطن الشاهد: "جعلت يثقلني ثوبي".
وجه الاستشهاد: وقوع خبر "جعل" فعل مضارعا "يثقلني" وقد رفع اسما ظاهرا، هو "ثوبي" مضاف إلى ضمير عائد إلى اسم جعل كما يدل ظاهر البيت وذلك غير جائز عند النحويين؛ لأنهم يشترطون في أفعال الشروع أن تكون أخبارهم مضارعة رافعة لضمير مستتر يعود إلى الاسم، فكان عليه أن يقول: "جعلت أثقل".
وذهب العلامة العيني إلى أن "جعلت" فعل واسمه، و"يثقلني": خبره وقوله: "ثوبي" بدل من اسم جعلت، بدل اشتمال، وليس فاعل يثقلني.
انظر شرح الشواهد للعيني بذيل حاشية الصبان: 1/ 263-264.
1 القائل هو: ذو الرمة، غيلان بن عقبة، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة طويلة للشاعر، مطلعها:
وقفت على ربع لمية ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 204، والأشموني: "244/ 1/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 131، والدرر اللوامع: 1/ 108، وكتاب سيبويه: 2/ 235، وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 41، والعيني: 2/ 176، وديوان ذي الرمة: 38.
المفردات الغريبة: أبثه: أظهر له بثي، والبث: شدة الحزن. ملاعبه: جمع ملعب، وهو مكان اللعب، والضمير عائد على ربع مية.
المعنى: وقفت أسقي ربع مية بدموعي؛ أو أدعو له بالسقيا وأظهر ما عندي من أسى وألم وحزن، حتى كادت أحجاره وأماكن اللعب فيه تجيبني إشفاقا علي ورحمة بي.
الإعراب: أسقيه: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا، و"الهاء" مفعول به. حتى: حرف غاية وجر. كاد: فعل ناقص، واسمه يعود إلى الأحجار والملاعب. "مما": متعلق بـ "تكلمني:" أبثه: فعل مضارع، والفاعل: أنا و"الهاء": مفعول به، وجملة "أبثه": صلة للموصول "ما" لا محل لها. تكلمني: فعل مضارع مرفوع، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، والفاعل: هو، يعود إلى "أحجاره" الواقع بدلا من الضمير المستتر في "كاد" العائد إلى الربع؟ والأصل: كاد هو أحجاره وملاعبه تكلمني.
موطن الشاهد: "كاد تكلمني أحجاره".
وجه الاستشهاد: وقوع خبر كاد فعلا مضارعا رافعا الاسم الظاهر المضاف إلى ضمير الاسم، وهو كالشاهد السابق، ولذا أعربناه الإعراب الذي يتفق والقاعدة.(1/295)
فثوبي وأحجاره بدلان من اسمي جعل وكاد، ويجوز في "عسى" خاصة أن ترفع السببيَّ1، كقوله2: [الطويل]
122- وماذا عسى الحجاج يبلغُ جُهْدَُهُ3
__________
1 المراد بالسببي: الاسم الظاهر المضاف إلى ضمير يعود على الاسم المرفوع بعسى، وانظر إلى قوله "جهده" في رواية الرفع، تجده اسما مرفوعا بعسى ظاهرا مضافا إلى ضمير يعود إلى الحجاج، وهو المرفوع بعسى.
2 القائل هو البرج التميمي. ولم أعثر له على ترجمة وافية.
3 تخريج الشاهد: البيت كما نسبه ياقوت للبرج التميمي، وكان الحجاج بن يوسف الثقفي قد ألزمه البعث إلى المهلب بن أبي صفرة لقتال الأزارقة، فهرب منه إلى الشام. وقد نسبه العيني، والشيخ خالد الأزهري إلى الفرزدق. انظر شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 1/ 264 وشرح التصريح: 1/ 205، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 205، والأشموني: "246/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 131 والدرر اللوامع: 1/ 108، والعيني: 2/ 180، وليس في ديوان الفرزدق، والشاهد صدر البيت، وعجزه:
إذا نحن جاوزنا حفير زياد
المفردات الغريبة: جهده، الجهد: الطاقة والوسع. حفير زياد: هو موضع على خمس ليالٍ من البصرة. وزياد هو ابن أبي سفيان أخو معاوية، وكان واليا على العراق.
المعنى: ما الذي يرجو الحجاج أن يناله منا إذا نحن جاوزنا هذا الموضع، وأصبحنا في أمن من اللحاق بنا؟ والاستفهام إنكاري أي: إنه لا يرجى له شيء مما يريد.
الإعراب: ماذا: اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، أو ما: في محل رفع مبتدأ، و"ذا" اسم موصول: خبر، وعلى هذا، فجملة "عسى": صلة للموصول، لا محل لها؛ لأن المعنى: ما الذي يقال فيه عسى؟، ومعلوم أن الإنشاء لا يقع صلة. عسى: فعل ماضٍ ناقص. الحجاج: اسمه. يبلغ فعل مضارع وفاعل. جهده: مفعول به، والهاء: مضاف إليه على رواية النصب. أما على رواية الرفع فجهده فاعل يبلغ مرفوع بالضمة الظاهرة، والهاء: مضاف إليهظ وجملة "يبلغ جهده": في محل نصب خبر "عسى".
موطن الشاهد: "عسى الحجاج يبلغ جهده".
وجه الاستشهاد: رفع المضارع الواقع خبرا لـ عسى وهو "يبلغ" اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير عائد إلى اسم عسى، وهو "جهده"، وهذا سائغ في "عسى" من دون أخواتها على رأي الجمهور، وبعضهم يرى أن "جهده" بالنصب مفعول "يبلغ" والفاعل يعود إلى الحجاج، فلا شاهد إذًا، على رواية النصب.
وفي البيت شاهد آخر على مجيء خبر ليس فعلا مضارعا غير مقترن بـ "أن" المصدرية.(1/296)
يروى بنصب "جهده" ورفعه.
الثاني: أن يكون مضارعا1، وشذ في "جعل" قول ابن عباس2 رضي الله عنهما: "فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا"3.
الثالث: أن يكون مقرونا بأن إن كان الفعل حرى أو اخلولق، نحو: "حرى زيد أن يأتي" و"اخلولقت السماء أن تمطر"4، وأن يكون مجردا منها إن كان الفعل دالا
__________
1 أي: في اللفظ والإعراب، ولكن معناه ماضٍٍ قريب من الحال في الزمن، مثل "كا" وأخواتها.
2 ابن عباس: هو أبو العباس، عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، حبر الأمة وترجمان القرآن، وفقيه عصره، ولد سنة 3 ق. هـ، لازم النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه الأحاديث، شهد مع علي بن أبي طالب "الجمل" "وصفين"، وله في الصحيحين 1660 حديثا، ينسب إليه كتاب في تفسير القرآن، جمعه بعض أهل العلم، مات سنة 68هـ.
سير أعلام النبلاء: 3/ 331، وفيات الأعيان: 3/ 62، البداية والنهاية: 8/ 295، الإصابة: 2/ 330.
3 قال ابن عباس ذلك مبنيا حال الناس عندما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة. وأما الإعراب، فـ "جعل": فعل ناقص. الرجل: اسمه. إذا: ظرفية زمانية. لم: جازمة. نافية. يستطع: مضارع مجزوم، والفاعل هو، أن: حرف مصدري ونصب، يخرج: فعل مضارع منصوب، والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل نصب مفعول به، والتقدير: لم يستطع الخروج. أرسل: فعل ماضٍٍ، والفاعل: هو رسولا: مفعول به، وجملة "أرسل رسولا": في محل نصب خبر "جعل".
موطن الشاهد: "جعل الرجل........... أرسل رسولا".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "جعل" فعلية، فعلها ماضٍ، وحكم مجيئه ماضيا شاذ ولا يقاس عليه.
4 المقصود بـ "أن" المقترن بها -هنا- أن المصدرية الناصبة وجوبا، وذلك للإشعار بأن الفعل السابق عليها، يفيد الرجاء في المستقبل، وأما خبر الفعل الناسخ السابق لها، فيكون مصدرا منسبكا من "أن وما دخلت عليه"، وفي هذه الحال، يحصل إشكال، وهو الإخبار بالمعنى عن الجثة، وهذا غير جائز، وللتخلص من هذا الإشكال؛ فإما أن يظل الأمر على ظاهره، ويقصد به المبالغة، وإما أن يقدر مضاف قبل أو بعد الناسخ، ففي نحو: عسى زيد أن يذهب، يكون التقدير: عسى زيد صاحب قيام، وهذا أفضل، وقيل: يغتفر في هذا الباب الإخبار بالمعنى عن الجثة.
وانظر شرح التصريح: 1/ 206.(1/297)
على الشروع1، نحو: {وَطَفِقَا يَخْصِفَان} 2، والغالب في خبر "عسى" و"أوشك" الاقتران بها، نحو: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} 3، وقوله:4 [الطويل]
123- ولو سُئِل الناسُ الترابَ لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا5
__________
1 لأن الشروع في الفعل والأخذ فيه ينافيان الاستقبال الذي تفيده "أن".
2 "7" سورة الأعراف، الآية: 22، و"20" سورة طه، الآية: 121.
موطن الشاهد: {طَفِقَا يَخْصِفَانِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "طفق" دالا على الشروع، ومجيء خبره "يخصفان" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن"، وحكم تجرُّد الخبر من "أن" مع أفعال الشروعِ الوجوبُ، ومعنى "يخصفان" في الآية الكريمة: يلصقان.
3 "17" سورة الإسراء، الآية: 8.
موطن الشاهد: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء خبر عسى جملة فعلية، فعلها مضارع مقترن بـ "أن"، وحكم اقتران "أن" بالفعل المضارع الواقع جوابا لـ "عسى" الجواز مع التغليب.
4 لم ينسب إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد: يروى قبل البيت الشاهد قوله:
أبا مالك، لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك فضل الله، والله واسعُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 206، والأشموني: "238/ 1/ 129" وابن عقيل: "89/ 1/ 332"، وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 105، ومجالس ثعلب: 433، وأمالي الزجاجي: 197 والعيني: 2/ 182، واللسان: "وشك" وشذور الذهب: "127/ 353".
المفردات الغريبة: لأوشكوا: لَقَربوا. يملوا: يسأموا ويضجروا.
المعنى: لو سئل الناس إعطاء التراب وهو شيء تافهٌ لا قيمة له لكرهوا الطلب، وكادوا يمنعونه، إذا قيل لهم: هاتوا؛ وذلك لما طبعوا عليه من الحرص، أو لكراهة الطلب.
الإعراب: لو: شرطية غير جازمة. سئل: فعل ماضٍٍ مبني للمجهول. الناس: نائب فاعل. التراب: مفعول به ثانٍ منصوب، والمفعول الأول انقلب نائب فاعل؛ لِبناء =(1/298)
والتجرد قليل، كقوله1: [الوافر]
124- عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرجٌ قريبُ2
__________
= الفعل للمجهول. لأوشكوا: اللام واقعة في جواب "لو"، أوشكوا: فعل ماضٍ ناقص، والواو: اسمه. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول، وهو فعل الشرط لـ "إذا"، ونائب الفاعل محذوف، والتقدير: قيل لهم، أو قيل القول. هاتوا: فعل أمر، والواو: فاعل، وجملة "هاتوا": مقول القول في محل نصب. أن: حرف مصدري ونصب. يملوا: فعل مضارع منصوب، وعلامة نصبه حذف النون، والواو: فاعل، و"المصدر المؤول": في محل نصب خبر "أوشك". ويمنعوا: معطوف على "يملوا".
موطن الشاهد: "أوشكوا..... أن يملوا".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "أوشك" فعلا مضارعا مقترنا بـ "أن" وحكم اقتران جواب "أوشك" بـ "أن" الجواز مع التغليب. وفي البيت شاهد آخر، على مجيء "أوشك" بصيغة الماضي، وفي هذا رد على من لا يجوز وقوعها إلا بصيغة المضارع.
1 القائل هو: هدبة بن خشرم العذري، شاعر إسلامي من أهل بادية الحجاز، توفي سنة 50هـ. الشعر والشعراء: 2/ 691، الاشتقاق: 320، الأغاني: 21/ 169، الخزانة: 4/ 81.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة، قالها وهو في الحبس، وقد روى أكثر هذه القصيدة أبو علي القالي في أماليه، وروى أبو السعادات بن الشجري في حماسته أكثر مما رواه القالي، وأول هذه القصيدة:
طربت وأنت أحيانا طروبُ ... وكيف وقد تعلَّاك المشيبُ؟
يجدَّ النأي ذكرك في فؤادي ... إذا ذهلت على النأي القلوبُ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 206، وابن عقيل: "86/ 1/ 327"، والأشموني: "234/ 1/ 129" وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 106، والكتاب لسيبويه: 1/ 478، والمقتضب: 3/ 70 والجمل للزجاجي: 209، والمرزباني: 483، وشرح المفصل: 7/ 117، 121، والمقرب: 17 والخزانة: 4/ 81، والعيني: 2/ 184، والمغني: "270/ 203" "983/ 754" وشرح السيوطي لأبيات المغني: 152.
المفردات الغريبة: الكرب: الهمّ والغمّ. أمسيت: يروى بفتح التاء وضمّها، والمراد صرت. فرج: أي كشف للكرب والغم.
المعنى: عسى هذا الخطب الذي ألم بي أن يكشفه الله تعالى عن قريب.
الإعراب: عسى: فعل ماضٍٍ ناقص. الكرب: اسم عسى. الذي: صفة لـ "الكرب".
أمسيت: فعل ماضٍٍ ناقص، والتاء: اسمه. "فيه" متعلق بالخبر المحذوف، =(1/299)
وقوله1: [المنسرح]
125- يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها2
__________
= وجملة "أمسيت فيه": صلة للموصول، لا محل لها. يكون: فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه يعود إلى الكرب. "وراءه" متعلق بخبر مقدم محذوف، وهو مضاف، و"الهاء": مضاف إليه. فرج: مبتدأ مؤخر مرفوع. قريب: صفة لـ "فرج"، وجملة "وراءه فرج": في محل نصب خبر "يكون"، وجملة "يكون وراءه فرج قريب": في محل نصب خبر "عسى".
موطن الشاهد: "يكون وراءه......".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "عسى" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرَّد من "أن"، وحكم مجيئه مجردا منها الجواز مع القلة.
فائدة: في الشاهد السابق، لا يجوز أن نعرب "فرج" "يكون" و"وراءه" متعلق بخبر محذوف تقدم عليه؛ لأن ذلك، يقتضي أن يرفع المضارع الواقع خبرا لـ عسى" اسما ظاهرا، وهو ممتنع بالإجماع. انظر شرح التصريح: 1/ 206.
1 القائل هو: أمية بن أبي الصلت، واسم أبيه عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي رغب في جاهليته عن عبادة الأوثان، ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث بعث، كان شعره بأحاديث أهل الكتاب، قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حين أنشد شعره: "آمن لسانه وكفر قلبه" مات سنة: 5هـ. الشعر والشعراء: 1/ 459، الأغاني: 3/ 179، الخزانة: 1/ 118، شعراء الجاهلية: 219-237.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "90/ 1/ 333"، والأشموني: "239/ 1/ 129" وهمع الهوامع: 1/ 129، 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 103، 1/ 106، والكتاب لسيبويه: 1/ 479 والكامل للمبرد: 43، وشرح المفصل: 7/ 126، والمقرب: 17، والعيني: 2/ 187 وحاشية الدمنهوري: 87، 91، 96، وشذور الذهب: "129/ 355"، وديوان أمية: 42.
المفردات الغريبة: منيته، المنية: الموت. غراته، جمع غرة، بكسر الغين: وهي الغفلة. يوافقها: يصيبها، ويقع عليها.
المعنى: إن من فر وهرب من الموت جبنا وخوفا في حرب أو نحوها يقرب أن يدركه الموت، وينزل به في بعض غفلاته.
الإعراب: يوشك: فعل مضارع ناقص. مَن: اسم موصول، في محل رفع اسم "يوشك". فر: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. وجملة "فر": صلة للموصول، لا محل لها. "من منيته": متعلق بـ "فر"، والهاء: مضاف إليه "في بعض": متعلق بـ "يوافقها". غراته: مضاف إليه، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. يوافقها: فعل مضارع، والفاعل: هو، و"ها" مفعول به، وجملة "يوافقها": في محل نصب خبر "يوشك".
موطن الشاهد: "يوشك من....... يوافقها".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "يوشك" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن"، وحكم تجرده منها الجواز مع القلة.(1/300)
وكاد وكرب بالعكس1، فمن الغالب قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُون} 2، وقول الشاعر3: [الخفيف]
126- كرب القلب من جواه يذوب4
__________
1 أي: يغلب في خبرهما التجرد من "أن"؛ وذلك لأنهما يدلان على شدة مقاربة الفعل، فأشبها أفعال الشروع واقترانهما بأن في النادر بالنظر لأصلهما.
التصريح: 1/ 207.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 71.
موطن الشاهد: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "كاد" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن" وحكم مجيئه مجردا منها الجواز مع التغليب.
3 الشاعر: هو الكلحبة اليربوعي، ويقال له: العريني، واسمه هبيرة بن عبد مناف بن عرين من بني تميم وساداتها، ويعرف بفارس العرادة. الخزانة. 1/ 392، الاشتقاق: 226.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
حين قال الوشاة: هند غضوب.
ينسب البيت أيضا إلى رجل من طيء، وهو من شواهد، التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "91/ 1/ 335"، والأشموني: "242/ 1/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 105، والعيني: 2/ 189، وشذور الذهب: "130/ 356".
المفردات الغريبة: جواه: الجوى، شدة الوجد. الوشاة، جمع واشع، من وشى به إذا نم عليه. ويروى: حين قال العذول: وهو اللائم في المحبة. غضوب: فعول بمعنى فاعل، وهي صفة من الغضب.
المعنى: قرب قلبي من شدة وجده وحزنه وحرقته يسيل، حين قال الساعون المفسدون بين الأحبة. هند غاضبة عليك.
الإعراب: كرب: فعل ماضٍ ناقص. القلب: اسمه. "من جواره" متعلق بـ "يذوب" الآتي، أو بقوله "كرب" والهاء: مضاف إليه. يذوب فعل مضارع، والفاعل: هو، وجملة "يذوب": في محل نصب خبر كرب. "حين": متعلق بـ "يذوب". قال: فعل =(1/301)
ومن القليل، قوله1: [الخفيف]
127- كادت النفس أن تفيض عليه2
__________
= ماضٍٍ. الوشاة: فاعل. هند: مبتدأ. غضوب: خبره، وجملة "هند غضوب": في محل نصب مقول القول، وجملة "الفعل وفاعله ومفعوله" في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "كرب القلب...... يذوب".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "كرب" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن"، وحكم مجيئه مجردا منها الجواز مع التغليب.
1 القائل: هو محمد بن مناذر، أبو ذريح، وقيل أبو جعفر، أحد شعراء البصرة، كان مولى لنبي يربوع، أدرك المهدي العباسي ومدحه، وكان كثير المعرفة يجالس سفيان بن عيينة أحد الفقهاء المشهورين فيسأله سفيان عن غريب الحديث ومعانيه. مات في أيام المأمون. الشعر والشعراء: 2/ 869-871، الأغاني: 17/ 9-30، معجم الأدباء: 19/ 55.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إذ غدا حشو ريطةٍ وبرودِ
البيت من قصيدة لابن مناذر، يرثي فيها رجلا اسمه عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي، وكان ابن مناذر يحبه، ويشغف به، وكان الآخر يحب ابن مناذر، ويعينه على دنياه.
وأول هذه القصيدة قوله:
ما لحي مؤمل من خلودِ ... كل حي لاقى الحمام فَمُودِ
وقبل الشاهد قوله:
إن عبد المجيد يوم توفي ... هَدَّ رُكنًا ما كان بالمهدودِ
ليت شعري وهل درى حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجودِ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "88/ 1/ 330"، والأشموني: "235/ 1/ 129"، والشذور: "131/ 357"، والمغني: "1123/ 868"، وشرح السيوطي: 321.
المفردات الغريبة: تفيض: من فاضت نفس فلان، وهي لغة تميم، ويروى مكانه "تفيظ" على لغة قيس وكل الرواة يجيزون أن تقول: فاظت نفسه، إلا الأصمعي، فأبى أن تقول إلا: فاظ فلان، أو تقول: فاضت نفس فلان، ريطة "بفتح الراء": الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، وأراد بها الأكفان التي يلف بها الميت.
المعنى: قاربت النفس أن تخرج من جسدها، حزنا على هذا الميت، حين صار مدرجا في أكفانه.(1/302)
وقوله1: [الطويل]
128- وقد كربت أعناقها أن تقطعا2
ولم يذكر سيبويه في خبر كرب إلا التجرد من أن.
__________
الإعراب: كادت النفس: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث. النفس: اسم "كاد" مرفوع. أن: حرف مصدري ونصب. تفيض: فعل مضارع منصوب لـ "أن" والفاعل: هي، وجملة "تفيض": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها، والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل نصب نصب خبر "كاد". "عليه" متعلق بـ "تفيض". إذ: ظرف للزمان الماضي، متعلق بـ "تفيض". غدا: فعل ماضٍٍ بمعنى صار، واسمه، ضمير مستتر جوازا، تقديره: هو، يعود إلى المرثي. حشو: خبر "غدا" منصوب، وهو مضاف. ريطة: مضاف إليه. وبرود: معطوف على ريطة مجرور مثله.
موطن الشاهد: "أن تفيض".
وجه الاستشهاد: اقتران خبر "كاد" بـ "أن" وحكم اقتران خبرها بها الجواز مع القلة كما في المتن.
1 القائل: هو أبو هشام بن زيد الأسلمي. ولم أعثر له على ترجمة وافية.
2 هذا عجز بيت، وصدره قوله:
سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما
وهو من كلمة للشاعر يهجو فيها إبراهيم بن اسماعيل بن المغيرة والي المدينة من قبل هشام بن عبد الملك بن مروان، وكان قد مدحه من قبل، فلم ترقه مدحته فلم يعطه، وأمر به فضرب بالسياط، وأول هذه الكلمة:
مدحت عروقا للندى مصت الثرى ... حديثا، فلم تهمم بأن تترعرعا
نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى ... وحلَّبت الأيامَ والدهر أضرُعا
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "92/ 1/ 335"، والأشموني: "241/ 1/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 30، والدرر اللوامع: 1/ 105، والمقرب: 17 وشذور الذهب: "132/ 358".
المفردات الغريبة: الأحلام: العقول، جمع حلم. سجلا: دلوا عظيمة. الظمأ: العطش. الأعناق: جمع عنق وهو الرقبة.
المعنى: إن هذه العروق التي مدحتها فردتني، إنما هي عروق ظلت في الضر والبؤس، حتى أنقذها ذوو أرحامها بعد أن أوشكت أن تموت؟ ويقصد بذوي الأرحام بني مروان ويريد الشاعر أن يقول: إن الذين مدحتهم حديثو عهد بالنعمة واليسار، ومثل هؤلاء لا يرتجى خيرهم.(1/303)
[أفعال المقاربة ملازمة لصيغة الماضي إلا أربعة] :
وهذه الأفعال ملازمة لصيغة الماضي، إلا أربعة استعمل لها مضارع، وهي "كاد" نحو: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} 1، وأوشك، كقوله:
يوشك من فر من منيته2
وهو أكثر استعمالا من ماضيها، و"طفق"، حكى الأخفش: طفق يطفق كضرب يضرب، وطفق يطفق كعلم يعلم، و"جعل"، حكى الكسائي: "إن البعير ليهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مجه".
[استعمال اسم فاعل ثلاثة منها] :
واستعمل اسم فاعل لثلاثة، وهي: "كاد" قاله الناظم، وأنشد عليه3: [الطويل]
__________
= الإعراب: سقاها: فعل ماضٍ، ومفعول به أول. ذوو: فاعل مرفوع. الأحلام: مضاف إليه. سجلا: مفعول به ثانٍ منصوب. "على الظما": متعلق بـ "سقاها". وقد: الواو حالية. قد: حرف تحقيق. كربت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث. أعناقها: اسم كَرُبَ، و"ها" مضاف إليه. أن: حرف مصدري ونصب. تقطعا: فعل مضارع، حذفت إحدى تاءيه تخفيفا، منصوب وعلامة نصبه حذف النون، والألف للإطلاق، والفاعل: ني، والمصدر المؤول في محل نصب خبر "كرب"، الجملة من "كرب واسمها وخبرها": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "أن تقطعا".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "كرب" مضارعا مقترنا بـ "أن" وحكم هذا الاقتران جائز مع القلة، وفي الشاهد رد على سيبويه الذي لم يحك فيه غير التجرد، فالبيت حجة عليه، ومثل هذا الشاهد، قول العجاج:
لقد برئت أو كربت أن تبورا ... لما رأيت بيهسا مثبورا
فاقترن جواب كرب بـ "أن" وهو قليل نادر، كما أسلفنا.
1 "24" سورة النور، الآية: 35.
موطن الشاهد: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} .
وجه الاستشهاد: استعمال مضارع "كاد" الناقصة، واستعمال مضارعها جائز شائع في لغة العرب، وزيت: اسمها، وجملة "يضيء": في محل نصب خبرها.
2 مر تخريج هذا الشاهد، والتعليق عليه.
3 هذا البيت لكثير بن عبد الرحمن المعروف بكثير عِزَّة، يكنى أبا صخر، ويعرف بابن أبي جمعة، وهو جده لأمه، وكثير شاعر فحل من شعراء الطبقة الأولى، وأحد شعراء الغزل في عصره، عرف بحبه لعزة وتغزله بها، على الرغم من قبحها، وكان أحمق، غاليا في التشيع، ورافضيا، اتصل بعبد الملك بن مروان، فأكرمه. مات سنة 150هـ. الشعر والشعراء: 1/ 503، تجريد الأغاني: 3/ 1008، الجمحي: 1/ 121، الخزانة: 2/ 376. اللآلي: 61.(1/304)
129-............ وإنني ... يقينا لرهن بالذي أنا كائد1.
__________
1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة طويلة في رثاء عبد العزيز بن مروان أبي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل. وتمام البيت قوله:
أموت أسى يوم الرجام، وإنني ... يقينا لرهن بالذي أنا كائد
وقبل البيت الشاهد قوله:
وكدت وقد سالت من العين عبرة ... سها عاند منها وأسبل عاند
قذيت بها والعين سهو دموعها ... وعوارها في باطن الجفن زائد
فإن تركت للكحل لم يترك البكى ... وتشري إذا ما حثحثتها المزاود
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 208، وابن عقيل: "94/ 1/ 339"، والأشموني: "249/ 1/ 131، وهمع الهوامع: 1/ 129، والدرر اللوامع: 1/ 104، والعيني: 2/ 98، وديوان كثير: 2/ 114.
المفردات الغريبة: الأسى: الحزن وشدة اللوعة. الرجام: اسم موضع حدثت فيه موقعة. اليقين: العلم والجزم. رهن مرهون
المعنى: كدت أموت من الحزن واللوعة في هذا اليوم الذي غاب فيه عبد العزيز، وإنني لمرهون ومحبوس، بالذي لا بد عما قريب سيكون، فالموت أمر لا مفر منه.
الإعراب: أموت: فعل مضارع وفاعل. أسى مفعول له، ويجوز أن يكون حالا بتقدير: آسيا، أي: حزينا، وبعضهم أعربه: تمييزا، والأول أفضل. "يوم": متعلق بـ "أموت". الرجام: مضاف إليه. وإنني: الواو حالية، إن: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب اسمها. يقينا: مفعول مطلق لفعل محذوف، لرهن: اللام لام المزحلقة، رهن: خير "إن" مرفوع. "بالذي" متعلق بـ "رهن" أنا مبتدأ. كائد: خبر، وجملة "أنا كائد": صلة للموصول، لا محل لها، واسم كائد: ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا، وخبره محذوف، والتقدير: ألقاه، والهاء المحذوفة في محل نصب مفعول به، وهذه الهاء هي العائد إلى الاسم الموصول.
موطن الشاهد: "أنا كائد".
وجه الاستشهاد: استعمال "كائد" اسم الفاعل من "كاد" على هذه الرواية غير أن المؤلف صوب رواية "كابد" بالباء، من المكابدة، وعلى تلك الرواية فلا شاهد فيه، وقد اعتمد تلك الرواية ابن السكيت في شرح ديوان كثير عزة.
انظر شرح التصريح: 1/ 208.(1/305)
و"كرب" قال جماعة، وأنشدوا عليه1: [الكامل]
130- أبُنِيَّ إن أباك كارب يومه2
__________
1 هذا البيت لعبد قيس بن خفاف البرجمي، أحد بني عمرو بن حنظلة، شاعر تميمي جاهلي وفحل مجيد، وهو من شعراء المفضليات، والبرجمي، أي: من البراجم، وهو بطون من أولاد حنظلة بن مالك بن تميم.
الأعلام: 4/ 49، سمط اللآلي: 937.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فإذا دعيت إلى المكارم فاعجلِ
وبعده قوله:
أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح ... طبن بريب الدهر غير مغفل
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 208، والأشموني: "250/ 1/ 131"، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 114، والعيني: 2/ 202، والمفضليات، للمفضل الضبي: 384، والأصمعيات: 229.
المفردات الغريبة: كارب يومه: قريب يوم وفاته. المكارم: جمع مكرمة، وهي الخصلة من خصال البر.
المعنى: يوصي الشاعر ابنه، فيقول: اعلم يا بني أن أباك قريب يوم وفاته وانتهاء حياة الدنيا، فإذا دعيت إلى فعل المكرمات وعمل البر فأسرع إلى ذلك، ولا تتأخر.
الإعراب: أبني: "الهمزة" حرف نداء، بني: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء، والياء: مضاف إليه. إن: حرف مشبه بالفعل. أباك: اسم إن منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، والكاف: مضاف إليه. كارب: خبر "إن" مرفوع. يومه: مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى ظرفه، واسم "كارب": ضمير مستتر، تقديره: هو. والخبر محذوف، والتقدير: كارب هو في يومه يموت.
موطن الشاهد: "كارب يومه".
وجه الاستشهاد: استعمال اسم فاعل "كرب" الناقصة على زعم جماعة من النحاة. كما أعربنا الشاهد، والتقدير: كارب هو في يومه يموت، فالخبر محذوف، غير أن الجوهري وبعض النحاة وتبعهم المؤلف، يذهبون إلى أن "كارب" في البيت اسم =(1/306)
و "أوشك"، كقوله1: [الوافر]
131- فإنك موشكٌ أن لا تراها2
__________
= فاعل لـ "كرب" التامة، لا الناقصة، وهو لا يحتاج إلى اسم وخبر، وإنما هو محتاج إلى فاعل وحسب، وعلى هذا فهو مضاف إلى فاعله، في قوله: "كارب يومه". وانظر شرح التصريح: 1/ 208.
فائدة: بني: تصغير "ابن" مضاف إلى ياء المتكلم، وقد دخلت عليه همزة النداء، وأصله قبل الإضافة "بنيو" فاجتمع الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فانقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، ثم أضيفت إلى المتكلم، فاجتمع ثلاث ياءات، فحذفت الثانية منهن، التي هي لام الكلمة، ولم تحذف الأولى؛ لأنها ياء التصغير، وقد أتى بها لغرض خاص، ولم تحذف الثالثة، التي هي ياء المتكلم؛ لأنها كلمة برأسها.
انظر أوضح المسالك "تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد": 1/ 320.
1 القائل: هو كثير بن عبد الرحمن، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه، قوله:
وتعدو دون غاضرةَ العوادي
وهو من قصيدة لكثير، يشبب فيها بغاضرة، جارية أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر بن عبد العزيز.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 208، والأشموني: "248/ 1/ 131"، وهمع الهوامع: 1/ 129، والدرر اللوامع: 1/ 104، والعيني: 2/ 205، وليس في ديوان كثير.
المفردات الغريبة: العوادي: عوائق الدهر وغوائله التي تعدو على الإنسان، واحدها: عادية.
المعنى: إن القريب إلى الفعل والغالب أنك لا ترى غاضرة، وأن تحول دون رؤيتها موانع وعوائق، لا تستطيع التغلب عليها.
الإعراب: إنك: حرف مشبه، واسمه. موشك: خبر: "إن" مرفوع، وهو اسم فاعل من أوشك، واسمه: أنت. ألا: أن مصدري ونصب، ولا: نافية. تراها: فعل مضارع منصوب بـ "أن" والفاعل: أنت، و"ها" مفعول به، وجملة "تراها": صلة للموصول الحرفي، والمصدر المؤول، في محل نصب خبر "موشك" على الوجه المراد من الاستشهاد بالبيت، تعدو: فعل مضارع مرفوع "دون": متعلق بـ "تعدو". غاضرة مضاف إليه. العوادي: فاعل مرفوع.
موطن الشاهد: "موشك".
وجه الاستشهاد: استعمال اسم الفاعل "موشك" من أوشك الناقصة، وإعماله عمل فعله، فرفع الاسم، وهو الضمير المستتر فيه، ونصب الخبر، وهو المصدر المؤول من "أن وما بعدها" وما يدل على عمله عمل فعله اقتران خبره بـ "أن" المصدرية كذلك.(1/307)
والصواب أن الذي في البيت الأول كابد، بالباء الموحدة، من المكابدة والعمل، وهو اسم غير1 جارٍ على الفعل، وبهذا جزم يعقوب2 في شرح ديوان كثير.
وأن كاربا في البيت الثاني اسم فاعل كرب التامة3 في نحو قولهم: "كرب الشتاء" إذا قرب، وبهذا جزم الجوهري4.
[استعمال مصدر طفق وكاد] :
واستعمل مصدر لاثنين، وهما: "طفق، وكاد" حكى الأخفش: طفوقا عمن قال: طفق بالفتح، وطفقا عمن قال: طفق بالكسر، وقالوا: كاد كودا ومكادا ومكادة.
[اختصاص عسى واخلولق وأوشك باستغنائها عن الخبر] :
وتختص "عسى" و"اخلولق" و"أوشك" بجواز إسنادهن إلى "أن يفعل"
__________
1 فعل المكابدة هو "كابد" مثل: قاتل وشارك، واسم فاعل هذا الفعل هو "مكابد" هل: مقاتل؛ لِهذا كان "كابد" غير جار على قياس الفعل المستعمل.
2 هو أبو يوسف، يعقوب بن السكيت، وقد مرت ترجمته، وقد ورد في بعض النسخ "ابن يعقوب" وليس بشيء.
3 وعليه، فلا يحتاج إلى اسم وخبر، وإنما يحتاج إلى فاعل، وحسب.
4 الجوهري: هو الإمام اللغوي، أبو نصر الفارابي: إسماعيل بن حماد الجوهري، صاحب كتاب الصحاح في اللغة، كان من أعاجيب الزمان ذكاءً وفطنةً وعلمًا، طاف البلاد، ودخل العراق، وقرأ على أبي علي الفارسي والسيرافي، له فضلا عن الصحاح المشهور كتاب في العروض، ومقدمة في النحو: مات سنة 393هـ. البلغة: 36، بغية الوعاة، 1/ 446ن إنباه الرواة: 1/ 491، معجم المؤلفين: 2/ 267.(1/308)
مستغنى به عن الخبر1، نحو: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} 2، وينبني على هذا فرعان.
أحدهما: أنه إذا تقدم على إحداهن اسم هو المسند إليه في المعنى وتأخر عنها "أن" والفعل نحو: "زيد عسى أن يقوم"، جاز تقديرها خالية من ضمير ذلك الاسم، فتكون مسندة إلى "أن" والفعل مستغنى بهما عن الخبر، وجاز تقديرها مسندة إلى الضمير، وتكون "أن" والفعل في موضع نصب على الخبر.
ويظهر أثر التقديرين في التأنيث والتثنية والجمع، فتقول على تقدير الإضمار "هند عست أن تفلح" و"الزيدان عسيا أن يقوما" و"الزيدون عسوا أن يقوموا" و"الهندات عسين أن يقمن"، وتقول على تقدير الخلو من الضمير "عسى" في الجميع، وهو الأفصح، قال الله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُن} 3.
الثاني: أنه إذا ولي إحداهن "أن" والفعل وتأخر عنهما اسم هو المسند إليه في المعنى، نحو: "عسى أن يقوم زيد"، جاز في ذلك الفعل أن يقدر خاليا من الضمير، فيكون مسندا إلى ذلك الاسم، وعسى مسندة إلى أن والفعل مستغنىً بهما عن الخبر،
__________
1 أي: تكون تامة، لا تحتاج إلى خبر، والمصدر المؤول من "أن والفعل" بعدها: فاعل لها، ويشترط في هذه الحال أن يكون مرفوع المضارع ضميرا يعود إلى اسم سابق، ويرى الناظم "ابن مالك" وبعض النحاة: أنها في هذه الحالة ناقصة، والمصدر المؤول من "أن والفعل" سد مسد المعمولين.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 216.
موطن الشاهد: {عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا} .
وجه الاستشهاد: مجيء عسى "تامة" والمصدر المؤول من "أن وما بعدها" في محل رفع فاعل لـ "عسى".
3 "49" سورة الحجرات، الآية: 11.
موطن الشاهد: {عَسَى أَنْ يَكُونُوا} ، {عَسَى أَنْ يَكُنَّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "عسى" تامة، و"أن وما بعدها" في محل رفع فاعل في الموضعين، وهذا الوجه الأفضل.(1/309)
وأن يقدر1 متحملا لضمير ذلك الاسم، فيكون الاسم مرفوعا بعسى، وتكون "أن" والفعل في موضع نصب على الخبرية، ومنع الشلوبين2 هذا الوجه؛ لضعف هذه الأفعال عن توسُّط الخبر، وأجازه المبرد3 والسيرافي4 والفارسي5.
ويظهر أثر الاحتمالين أيضا في التأنيث والتثنية والجمع، فتقول على وجه الإضمار: "عسى أن يقوما أخواك" و"عسى أن يقوموا إخوتك" و"عسى أن يقمن نسوتك" و"عسى أن تطلع الشمس" بالتأنيث لا غير6 وعلى الوجه الآخر توحِّدُ
__________
1 أي الفعل المنصوب بأن المصدرية.
2 الشلوبين: هو أبو علي: عمر بن محمد الأشبيلي الأزدي، المعروف بالشلوبين، أي: الأبيض الأشقر بلغة الأندلس، إمام عصره في العربية، وآخر أئمة هذا النوع بالمشرق والمغرب، أخذ عن ابن ملكون، وغيره، وأقرأ نحو ستين سنة، فاشتهر وعلا صيته، له تعليق على كتاب سيبويه، وكتاب آخر في النحو، سماه التوطئة. توفي سنة: 645هـ. البلغة: 172، إنباه الرواة، 2/ 332، بغية الوعاة: 2/ 224، وفيات الأعيان: 1/ 382، الأعلام: 5/ 224.
3 المبرد: هو أبو العباس، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي البصري، إمام العربية ببغداد، أخذ عن المازني والجرمي، وقرأ عليهما كتاب سيبويه، وروى عنه نفطويه، والصولي، وغيرهما، كان فصيحا بليغا، وصاحب نوادر، سماه المازني بالمبرد: أي المثبت للحق، له مؤلفات كثيرة، منها: الكامل في الأدب، والمقتضب في النحو، وشرح شواهد الكتاب وغيره. مات بالكوفة سنة 286هـ.
البلغة: 250، إنباه الرواة: 3/ 241، بغية الوعاة: 1/ 269، الفهرست: 95، الأعلام: 8/ 15.
4 السيرافي: أبو سعيد: الحسن بن عبد الله بن المرزبان القاضي: وكان اسم أبيه: بهزاد، فسماه ابنه عبد الله، والسيرافي نسبة إلى سيراف، "مدينة بفارس" وهو إمام في النحو والفقه واللغة والشعر، وكثير من العلوم، أخذ عن ابن السراج، وعن أبي بكر بن مجاهد، وابن دريد. له: شرح كتاب سيبويه، وهو شرح حسده عليه أبو علي الفارسي، وله كتب أخرى، مات سنة 368هـ.
البلغة: 61، إنباه الرواة: 1/ 313، بغية الوعاة: 1/ 507، طبقات ابن قاضي شهبة: 256، الأعلام: 2/ 210.
5 هو أبو علي الفارسي، وقد مرت ترجمته.
6 لأن: "تطلع" حينئذ مسند إلى ضمير مستتر يعود إلى الشمس، والشمس مجازي التأنيث؛ وكل فعل أسند إلى ضمير عائد إلى اسم مجازي التأنيث، وجب تأنيثه.(1/310)
"يقوم" وتؤنث "تطلع" أو تذكره1
[جواز كسر سين عسى] :
يجوز كسر سين "عسى" خلافا لأبي عبيدة2، وليس ذلك مطلقا خلافا للفارسي، بل يتقيد بأن تسند إلى التاء أو النون أو نا، نحو: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِب} 3، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُم} 4، قرأهما....................................
__________
1 إنما وجب أن توحّد "يقوم" لأنه أسند إلى الاسم الظاهر التالي له، وكل فعل أسند إلى اسم ظاهر، وجب في اللغة الفصحى ألا تلحقه علامة تثنية، ولا علامة جمع، وإنما جاز في "تطلع" التذكير والتأنيث؛ لأنه حينئذ مسند إلى اسم ظاهر مجازي التأنيث، وكل فعل أسند إلى الاسم الظاهر المجازي التأنيث، جاز إلحاق تاء التأنيث به، وعدم إلحاقها.
التصريح: 1/ 210.
2 أبو عبيدة: هو معمر بن المثنى، لغوي بصري، ومولى لبني تيم "تيم قريش رهط أبي بكر الصديق" أخذ عن يونس بن حبيب، وأبي عمرو بن العلاء، وأخذ عنه أبو حاتم والمازني، وهو أول من صنف في غريب الحديث، قيل: إنه أعلم من الأصمعي، وأبي زيد بأنساب العرب وأيامهم، له تصانيف تقارب المائتين؛ منها: النقائض بين جرير والفرزدق، وأيام العرب، والمجاز في غريب القرآن، والأمثال في غريب الحديث، وغيرها. توفي سنة 213هـ، وقد قارب المائة.
البلغة: 261، إنباه الرواة: 3/ 276، بغية الوعاة: 2/ 294، وفيات الأعيان: 2/ 105.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 246.
أوجه القراءات: قرأ نافع "عَسِيتم" بكسر السين، وقرأ الباقون بفتحها.
توجيه القراءات: عسيت وعسيت: لغتان، وقد منع الكسر أبو عبيدة، والصواب جوازه وإن كان الفتح أشهر؛ لِجريانه على القياس، وانظر في هذه المسألة.
حجة القراءات: 140، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 277، والبحر المحيط: 2/ 255، وتفسير القرطبي: 3/ 244، ومجمع البيان للطبرسي: 2/ 249، وتفسير الرازي: 2/ 292، والكشف للقيسي: 1/ 33، وشرح التصريح: 1/ 210.
4 47 سورة محمد "ص"، الآية: 22.
أوجه القراءات: قرأ نافع "عَسِيتم" بالكسر، وقرأ الباقون بالفتح.
توجه القراءات: جواز فتح وكسر سين "عسى" كما في الآية السابقة؛ لأن الفتح والكسر لغتان فيها، وإن كان الأشهر فيها الفتح، ومعلوم أن القراءة ينبغي أن توافق لغة من لغات العرب، حتى تصح بها القراءة، ولهذا قرأ نافع بكسر السين في عسِيتم؛ لِموافقتها إحدى لغات العرب.
انظر مراجعة توجيه قراءات الآية السابقة.(1/311)
نافع1 بالكسر، وغيره، وهو المختار.
__________
1 نافع: هو أبو الحسن، نافع بن عبد الرحمن المدني، أحد أصحاب القراءات السبع، أصله من أصبهان، كان إمام الناس بالقراءة في المدينة وانتهت إليه رياسة الإقراء بها، قيل: إنه قرأ على سبعين من التابعين، وأجمع عليه الناس بعدهم. مات سنة 169هـ. وفيات الأعيان: 5/ 368، المعارف: 582 غاية النهاية: 2/ 330، طبقات القراء: 2/ 330، الشذرات: 1/ 270.
فائدة: "أ": يجوز حذف خبر هذه الأفعال إن علم، وهو كثير في خبر "كاد" قليل في خبر "كان"، نحو: من تأنى أصاب أو كاد، ومن عجل أخطأ أو كاد.
"ب": يتعين في مثل: عسى أن يكرم محمد الضيف، أن تكون "عسى" تامة، و"محمد" فاعلا لها، ولا يجوز أن يعرب "محمد" مبتدأ مؤخرا، ولا اسما لعسى على أنها ناقصة، و"أن يكرم" خبرها مقدما؛ لِئلا يلزم الفصل بين أجزاء صلة "أن" بأجنبي؛ وهو "محمد"، ومثل هذا يقال في إعرابه كلمة "ربك" في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} ، و"مقاما" ظرف. حاشية الصبان: 1/ 266.
"ج": اختلف فيما يتصل بعسى من الضمائر: الكاف والهاء والياء، فذهب سيبويه، إلى أنها في محل نصب اسم لعسى، وهي حينئذ حرف ترجٍّ، مثل "لعل"، وما بعدها خبر لها، وفي هذه الحالة لا تقع بعدها "ما" الزائدة. وذهب المبرد والفارسي إلى أن "عسى" على ما هي عليه من رفع الاسم ونصب الخبر، وهذه الضمائر أخبارها مقدمة في محل نصب، وما بعدها الاسم، وقد عكس الإسناد، ويلزم على هذا: جعل خبر "عسى" اسما صريحا. وهذا نادر كما تقدم، وذهب الأخفش إلى أن "عسى" على ما كانت عليه أيضا، وهذه الضمائر أسماؤها، وقد ناب ضمير النصب عن ضمير الرفع ونيابة بعض الضمائر عن بعض جائزة، واختار الناظم قول الأخفش حاشية الصبان: 1/ 267.(1/312)
[باب الأحرف المشبهة بالفعل] :
هذا باب الأحرف الثمانية الداخلة على المبتدأ والخبر1:
[عملها وعددها:]
فتنصب المبتدأ ويسمى اسمها، وترفع خبره ويسمى خبرها2.
__________
1 عد المؤلف "عسى" إذا جاءت تفيد الرجاء بمعنى "لعل" حرفا مشبها بالفعل، كما سيأتي.
فائدة: سميت هذه الأحرف أحرفا مشبهة بالفعل؛ لِكونها تشبه الفعل في اللفظ، والمعنى جميعا ويكن حصر أوجه الشبه في خمسة أمور، هي:
أ- أنها كلها على ثلاثة أحرف أو أكثر، فـ "إن وإن وليت" على ثلاثة أحرف، و"لعل، وكأن" على أربعة أحرف، و"لكن" على خمسة أحرف.
ب- أنها تختص بالأسماء كما أن الفعل يختص بالأسماء.
ج- أنها كلها مبنية على الفتح، كما أن الفعل الماضي مبني على الفتح.
د- أنها تلحقها نون الوقاية عند اتصالها بياء المتكلم، كما تلزم هذه النون الفعل عند اتصاله بها.
هـ- أنها تدل على معنى الفعل، فـ "إن"، و"أن" تفيدان معنى "أكدت"، و"كأن" تدل على معنى "شبهت"، و"ليت" تدل على معنى "تمنيت"، ولعل" تدل على معنى "رجوت" فلما كانت الأحرف المشبهة تتضمن تلك المعاني، عملت عمل الأفعال، أوضح المسالك: 1/ 125.
2 أي: عملها عكس عمل "كان" وأخواتها، وهذا أحد أوجه الفروق بينهما. وثاني تلك الفروق أن "الأحرف المشبهة" أحرف، وتلك "كان وأخواتها" أفعال وحروف. وثالثها: أن هذه الحروف، يجب أن تكون في صدر الجملة ما عدا "أن" المفتوحة- كما سيأتي، بخلاف كان وأخواتها. ضياء السالك: 1/ 273.
فائدة1: ذهب بعضهم إلى أن الأحرف المشبهة بالفعل تنصب المبتدأ والخبر معا، واستدلوا بقول عمر بن أبي ربيعة، وليس في ديوانه:(1/313)
فالأول والثاني: "إن" و"أن": وهما لتوكيد النسبة، ونفي الشك عنها، والإنكار لها.
والثالث: "لكن": وهو للاستدراك1 والتوكيد، فالأول نحو: "زيد شجاع
__________
إذا اسود جنح الليل فلتأتِ ولتكنْ ... خطاك خفافا إن حراسنا أسد
بنصب "حراسنا وأسد" معا.
غير أن الجمهور يمنعون ذلك، ويؤولون هذا الشاهد، وما شابهه بأن الجزء الثاني حال والخبر محذوف، والتقدير: إن حراسنا تلقاهم أسدا، ونحو ذلك.
انظر حاشية الصبان: 1/ 269، ومغني اللبيب: 55.
فائدة2: لا تدخل الأحرف المشبهة على جملة يجب فيها حذف المبتدأ، ولا تدخل على مبتدأ، لا يخرج عن الابتدائية، نحو "ما" التعجبية، ولا تدخل على مبتدأ يجب له التصدير أي الوقوع في صدر الجملة كاسم الاستفهام، ويستثنى في هذه الحال، ضمير الشأن، فهو مما يجب تصديره وقد دخلت عليه "أن" في قول الأخطل.
إن من يدخل الكنيسة يوما ... يلق فيها جآذرا وظباء
فـ "إن" حرف مشبه بالفعل، واسمه ضمير الشأن المحذوف. و"من" اسم شرط في محل رفع مبتدأ. وجملة "الشرط والجواب" أو إحداهما: في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة "المبتدأ والخبر": في محل رفع خبر "إن"، ومعلوم أنه لا يجوز إعراب "من" في محل نصب اسم "إن" لكون "من" اسم شرط يجب له التصدير. وانظر حاشية الصبان: 1/ 269.
فائدة3: لا تدخل هذه الأحرف على جملة يكون الخبر فيها طلبيا أو إنشائيا، وخرجوا قوله تعالى: {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون} وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه} ، وقول الشاعر:
إن الذين قتلهم أمس سيدهم ... لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
بأنها على تقدير قول محذوف، يقع خبرا لـ "إن" وتقع هذه الجمل الإنشائية معمولة له، فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول، والتقدير: إن الذين قتلتم سيدهم أمس مقول في شأنهم لا تحسبوا، أو إن الذين قتلتم سيدهم قد استعدوا لكم وأخذوا الأهبة لقتالكم فلا تحسبوا، وهكذا. واستثنى "أن" المفتوحة الهمزة، فيجوز وقوع خبرها جملة إنشائية، كما في قوله تعالى: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُم} . وقوله جل شأنه: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} على قراءة تخفيف النون بعدها جملة. وانظر حاشية الصبان: 1/ 269.
1 الاستدراك. هو تعقيب الكلام بنفي يتوهم ثبوته أو إثبات ما يتوهم نفيه، وهذا يستلزم أن يسبقها كلام له صلة بمعموليها، وأن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها في المعنى ومغايرا له، وتقع بعد النفي والإثبات، واستعمال "لكن" في الاستدراك، هو الغالب فيها، وقد تستعمل لتأكيد النسبة وتقويتها في ذهن السامع، إيجابية كانت أو سلبية.
التصريح: 1/ 211.(1/314)
لكنه بخيل" والثاني نحو: "لو جاءني أكرمته؛ لِكنه لم يجيء"1.
والرابع: "كأن": وهو للتشبيه المؤكد2؛ لأنه مركب من الكاف وأن.
والخامس: "ليت": هو للتمنى، وهو: طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر3، نحو: "ليت الشباب عائد"، وقول منقطع الرجاء: "ليت لي مالا فأحج منه".
والسادس: "لعل": وهو للتوقع، وعبر عنه قوم بالترجي في المحبوب نحو: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} 4 أو الإشفاق في المكروه نحو: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ
__________
1 ومن ذلك قول الحماسي:
فلو طار ذو حافر قبلها ... لطارت، ولكنه لم يَطِرْ
2 ولا تخرج عنه عند البصريين، وزعم الكوفيون أن "كأن" كما تأتي للتشبيه تأتي للتحقيق. وجعلوا منه قول الشاعر:
فأصبح بطنُ مكَّةَ مُقْشَعِرًّا ... كأن الأرض ليس بها هشامُ
وزعم ابن السيد أنها تأتي للظن، إذا كان خبرها فعلا أو طرفا أو صفة من صفات أسمائها، وزعم أبو الحسين الأنصاري أنها تأتي للتقريب، وزعم أبو علي الفارسي أنها قد تأتي للنفي.
التصريح: 1/ 212. ومغني اللبيب: 252.
3 الفرق بينهما: أن ما لا طمع فيه مستحيل، كرجوع الشباب للطاعن في السن، وما فيه عسر يكون ممكنا في مجرى العادة ولكنه نادر الوقوع، ومن ذلك تفهم أن "ليت" لا تدخل على جملة يكون مضمونها واجب الوقوع، فلا تقول: ليت غدا يجيء. شرح التصريح: 1/ 212-213.
4 "65" سورة الطلاق، الآية: 1.
موطن الشاهد: {لَعَلَّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" حرفا مشبها بالفعل بمعنى التوقع والترجي، ولفظ الجلالة في محل نصب اسمه، وجملة "يحدث بعد ذلك أمرا": في محل رفع الخبر.
وأتت "لعل" معنى الترجي؛ لأن توقع المحبوب يسمى ترجِّيًا.(1/315)
نَفْسَكَ} 1، قال الأخفش: وللتعليل، نحو: "أفرغ عملك لعلنا نتغدى"، ومنه: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} 2، قال الكوفيون: وللاستفهام، نحو: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} 3، وعقيل تجيز جر اسمها وكسر لامها الأخيرة4.
والسابع: "عسى" في لغيَّة: وهي بمعنى لعل5، وشرط اسمه أن يكون ضميرا، كقوله6: [الطويل]
132- فقلت: عَسَاها نار كأس وعلَّها7
__________
1 "18" سورة الكهف، الآية: 6.
موطن الشاهد: {لَعَلَّكَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" بمعنى الإشفاق في الشيء المكروه؛ لأن المعنى: لعلك قاتل نفسك، أي: أشفِقْ على نفسك من أن تقتلها حسرةً على ما فاتك من إسلام قومك. أتت لعل بمعنى الإشفاق؛ لأن توقع المكروه يسمى إشفاقا. شرح التصريح: 1/ 213.
2 "20" سورة طه، الآية: 24.
موطن الشاهد: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "لعل" مفيدة التعليل -على مذهب الأخفش والكسائي- ومعنى لعله يتذكر، أي: ليتذكرن ومن لم يثبت هذا، حمله على الرجاء، ويصرفه للمخاطبين المغني: 379، وشرح التصريح: 1/ 213.
3 "80" سورة عبس، الآية: 3.
موطن الشاهد: {لَعَلَّهُ يَزَّكَى} .
وجه الاستشهاد:
مجيء "لعل" مفيدة الاستفهام على مذهب الكوفيين.
4 مع حذف لأمها الأولى وإثباتها، وحينئذ، لا تعمل عمل "إن" على الصحيح، بل تنزل منزلة حرف الجر الزائد، في عدم تعلقها بشيء. ومجرورها في موضع رفع بالابتداء، وما بعده خبر، وعليه قول شاعرهم:
لعل أبي المغوار منك قريب
فأبى المغوار: مبتدأ ومضاف إليه، و"قريب" خبر. شرح التصريح: 1/ 213.
5 في الترجي والإشفاق، فحملت في العمل عليها كما حملت لعل على عسى في إدخال أن في خبرها كما في الحديث "لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض".
6 القائل هو: صخر بن العود الحضرمي، ولم أعثر له على ترجمة وافية.
7 تخريج الشاهد:
هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
تشكي فآتي نحوها فأعودها
=(1/316)
وقوله1: [الوافر]
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 1/ 213، وهمع الهوامع: 1/ 132 وفيه: لعلها بدل وعليها. والدرر اللوامع: 1/ 110، والعيني: 2/ 227، والمغني: "274/ 204". والسيوطي: 153.
المفردات الغريبة: تشكى: أصله تتشكى بتاءين فحذف إحدى التاءين، أي: يصيبها المرض فتشكو الأمة، أعودها: العيادة: زيارة المريص خاصة. "كأس" اسم محبوبته.
المعنى: أرجو أن تكون هذه النار التي أبصرها نار محبوبتي "كأس"، كما أتمنى أن تمرض وتشكو آلام المرض، فأذهب لزيارتها ورؤيتها، وهي أمنية سخيفة، تدل على الأنانية.
الإعراب: قلت: فعل ماضٍ وفاعل. عساها: "بمعنى لعل" حرف ترجٍّ ونصب، و"ها" في محل نصب اسمه. خبر "عسى" مرفوع. كأس: مضاف إليه. وعليها: الواو حرف عطف، على: حرف مشبه بالفعل، و"ها": اسمه. تشكى: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هي، وجملة تشكى: في محل رفع خبر "لعل". فآتي: الفاء عاطفة، آتي: فعل مضارع، والفاعل: أنا: "نحوها": متعلق بـ "آتي"، و"ها": مضاف إليه. فأعودها: الفاء حرف عطف، أعود: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. و"ها": مفعول به.
موطن الشاهد: "عساها نار كأس".
وجه الاستشهاد: مجيء "عسى" بمعنى "لعل" واتصل بها ضمير "ها" النائبة، فنصب محلا بها، ورفع ما بعده على الخبرية، وفي هذا دليل على عملها عمل "إن"، وهذا مذهب سيبويه الذي أرى أن "عسى" قد تجيء حرفا دالا على الترجِّي، فتعمل عمل "إن" والشاهد السابق يؤيد ما ذهب إليه. غير أن المبرد والفارسي خالفا سيبويه في هذه المسألة، وزعما أن "عسى" لا تكون إلا فعلا عاملا عمل "كان" وزعما أن الضمير المتصل بـ "عسى" خبر لها، تقدم على اسمه، وأن الاسم المرفوع بعده اسم "عسى" تأخر عن الخبر، وهذا الزعم فاسد؛ لأنه يلزم جعل خبر "عسى" مفردا، وهو نادر، أو ضرورة. انظر شرح التصريح: 1/ 214.
1 القائل: هو عمران بن حطان بن ظبيان السدوسي الوائلي الخارجي، أبو سماك، أحد أصحاب العلم والحديث، أدرك جماعة من الصحابة وروى عنهم، وروى أصحاب الحديث عنه، كان يحرض الناس، فطلبه الحجاج، فهرب إلى عمان، مات سنة 84هـ.
خزانة الأدب: 5/ 350، الإصابة: ترجمة 6877، ميزان الاعتدال: 2/ 276، المؤتلف: 91.(1/317)
133- أقول لها لعلي أو عساني1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ولي نفس تنازعني إذا ما
ويروى البيت برواية أخرى هكذا:
ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني لعلي أو عساني
وهذه رواية سيبويه: 1/ 388 ورواية الأعلم.
ويُزعَم أن عمران كان سنيا، فتزوج امرأة من الخوارج، فقيل له فيها، فقال: أردها عن مذهبها، فغلبت عليه، وأضلته عن مذهب السنة.
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 213، والمقتضب: 3/ 72، والخصائص: 3/ 25، وشرح المفصل، 3/ 105، 118، 222، 7/ 123، والمقرب: 18، والعيني: 2/ 229، والخزانة: 2/ 435.
المفردات الغريبة: تنازعني: تزين لي حب الدنيا والخوف من الموت في القتال. لعلي: أراد لعلى أتورط في الملاذ المردية، أو لعلى أنال الشهادة في الحرب فأكون من الفائزين.
المعنى: إن نفسي لا تطاوعني إذا أردت مغاضبة زوجي ومخاصمتها، وأقول لها: لعلي أنال ما أريد وأبغي.
الإعراب: "لي": متعلق بمحذوف خبر مقدم. نفس: مبتدأ مؤخر. تنازعني: فعل مضارع، والفاعل: هي، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. "إذا": متعلق بـ "تنازع" في محل نصب على الظرفية الزمانية. ما: زائدة: أقول: فعل مضارع، والفاعل: أنا "لها": متعلق بـ "أقول" لعلى: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمه، وخبره محذوف، والتقدير: لعلي أنال منها ما أريد، أو نحو ذلك. والجملة في محل نصب مقول القول. أو: حرف عطف. عساني: "عسى حرف مشبه بالفعل بمعنى "لعل"، والنون للوقاية، والياء: اسمه، وخبره محذوف، والتقدير كالأول، غير أنه ينبغي أن يقترن بـ "أن" أي عساني أن أنال منها وجملة "عساني مع الخبر المحذوف": في محل نصب، معطوفة على جملة "لعلي" السابقة.
موطن الشاهد: "عساني".
وجه الاستشهاد: استعمال "عسى" حرفا بمعنى "لعل" ومجيء اسمه ضميرا، وهو لا يأتي إلا ضميرا عندما يستعمل عسى استعمال "لعل" أي حرفا يفيد الترجي.
وفي هذا الشاهد ما يرجح مذهب سيبويه، حيث أتى الشاعر بنون الوقاية قبل ياء المتكلم، كما في إنَّني، وليتني وكأنَّني"، ولو كان هذا الضمير خبرا، كما زعم المبرد والفارسي، وكانت "عسى" فعلا، لكان الشاعر قد اقتصر على الفعل ومنصوبه من دون مرفوعه، وهذا لا نظير له في الاستعمال العربي.(1/318)
وهو حينئذ حرف وفاقا للسيرافي، ونقله عن سيبويه؛ خلافا للجمهور في إطلاق القول بفعليته1، ولابن السراج في إطلاق القول بحرفيته.
والثامن: "لا" النافية للجنس: وستأتي.
[لا يتقدم خبرها عليها] :
ولا يتقدم خبرهن مطلقا2، ولا يتوسط إلا إن كان الحرف غير "عسى" و"لا" والخبر ظرفا أو مجرورا، نحو: {إِنَّ لَدَيْنَا
__________
1 أي: سواء أكان الفعل بمعنى "لعل" أم لا.
ويتبين مما تقدم: أن في "عسى" أقوالا ثلاثة: فعلا مطلقا، وحرفا مطلقا، وتفصيله: أنه إن عملت عمل "لعل" كانت حرفا، وإلا فهي فعل. وهذا كله في "عسى" الجامدة، وأما "عسى" المتصرفة ففعل باتفاق، ومعناها اشتد، كقول الشاعر:
لولا الحياء وأن رأسي قد عسى ... فيه المشيب لزرت أم القاسم
التصريح: 1/ 214.
2 أي: لا يتقدم خبر هذه الأحرف الثمانية عليها مطلقا، ولو كان ظرفا أو جارا ومجرورا؛ وذلك لعدم تصرفها، وهي ملازمة للصدارة، وحملت "أن" المفتوحة على المكسورة. انظر شرح التصريح: 1/ 214.
3 لأن شرط عملها اتصال اسميهما بهما، فلو قدم خبر إحداهما على الاسم؛ لِفصل بينها وبين الاسم، ففات شرط إعمالها.
وهذا بخلاف "عسى" العاملة عمل كان التي تقدم ذكرها، فإن هذه يجوز أن يتوسط اسمها بينها وبين خبرها، وبذلك يجوز في الاسم المرفوع بعدها والمسبوق بأن المصدرية والفعل المضارع وجهان فقولك: "عسى أن يلقاك الخير":
1- يكون الاسم المرفوع المتأخر اسم عسى وتكون "أن" المصدرية والمضارع في تأويل مصدر خبر عسى، ويكون فاعل المضارع ضميرا مستترا يعود على الاسم المرفوع المتأخر؛ لأنه متقدم في الرتبة.
2- يكون اسم "عسى" ضميرا مستترا، والاسم المرفوع المتأخر مرفوعا على أنه فاعل الفعل المضارع، ففي الوجه الأول قد توسط خبر "عسى" بينها وبين اسمها.
وبخلاف "لا" النافية المهملة، فإنه يجوز بعدها تقدم الخبر على مبتدئه، وفي هذه الحال، يجب تكرار "لا" نحو قوله تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُون} =(1/319)
أَنْكَالَاً} 1، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} 2
[يتعين كسر همزة "إن" في عشرة مواضع] :
تتعين "إن" المكسورة حيث لا يجوز أن يسد المصدر مسدها ومسد معموليها، و"أن" المفتوحة حيث يجب ذلك3، ويجوزان إن صح الاعتباران4.
__________
= ونحو قولك: لا في الدار محمد ولا في السوق، وأما "لا" العاملة عمل ليس، فلا يجوز توسط خبرها مثل "لا" العاملة عمل "إن".
شرح التصريح: 1/ 214.
فائدة: يجب أن يتوسط خبر "إن" أو إحدى أخواتها، إن كان ظرفا أو جارا ومجرورا في الحالتين التاليتين:
أ- أن يقترن الاسم بضمير يعود على بعض الخبر، نحو قولك: "إن في الدار مالكها"؛ لِئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وذلك غير جائز.
ب- أن يقترن الاسم بلام الابتداء، نحو قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} وقوله جل شأنه: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} .
ويجب تأخر الخبر وإن كان جارا ومجرورا، إذا اقترنت بهذا الخبر لام الابتداء، نحو قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} . انظر شرح التصريح: 1/ 214، وأوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد: 1/ 333.
1 "73" سورة المزمل، الآية: 12.
موطن الشاهد: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} .
وجه الاستشهاد: توسط خبر "إن" بينها وبين اسمها؛ لأن "لدينا" ظرف، ويجوز أن يتوسط بين إن واسمها بالظرف والجار والمجرور توسعا في الكلام، كما علمنا، وحكم التوسط هنا الجواز
2 "79" سورة النازعات، الآية: 26.
موطن الشاهد: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} .
وجه الاستشهاد: توسط الجار والمجرور بين "إن" واسمها، وحكم التوسط في الآية الكريمة الوجوبُ؛ لِاقتران الاسم بلام الابتداء.
3 بأن تقع "أن" مع معموليها في جملة تحتاج إلى اسم مرفوع أو منصوب أو مجرور، ولا سبيل إلى ذلك، إلا عن طريق مصدر منسبك من أن مع معموليها، وإلى هذا، يشير الناظم بقوله:
وهمز "إن" افتح لسد مصدرِ ... مسدها، وفي سوى ذاك اكسرِ
أي: افتح همزة "إن" لسد المصدر مسدها مع معمولها، واكسرها فيما عدا ذلك.
شرح التصريح: 1/ 214.
4 معلوم أن "أن" المفتوحة الهمزة، تؤول مع ما بعدها بمصدر، وهذا المصدر اسم مفرد، فهو محتاج إلى ما يتم به كلام مفيد، وأما "إن" المكسورة الهمزة، فهي مع معموليها جملة تؤدي كلاما تاما مفيدا، ولهذا وجب أن يسبق أن المفتوحة ما يطلبها.
فائدة: كل موضع يحتاج فيه ما قبل "أن" إلى مفرد، ولا يجوز في صناعة الإعراب أن يكون جملة، فإن همزة "أن" تكون مفتوحة، وكل موضع يحتاج فيه ما قبل "إن" إلى جملة، ولا يجوز في صناعة الإعراب أن يكون مفردا، تكون همزة "إن" مكسورة، وكل موضع يجوز فيه الوجهان، يصح فيه فتح إن وكسرها.(1/320)
فالأول في عشرة، وهي:
1 أن تقع في الابتداء نحو {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} ، ومنه {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 3.
2 أو تالية لحيث نحو: "جلست حيث إن زيدا جالس".
3 أو لإذ، كـ "جئتك إذْ إنَّ زيدا أمير"3.
__________
1 "97" سورة القدر، الآية: 1.
موطن الشاهد: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مكسورة الهمزة؛ لِوقوعها في أول الكلام حقيقة، وحكم كسر همزتها في هذه الحالة الوجوبُ.
2 "10" سورة يونس، الآية: 62.
موطن الشاهد: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "إن" مكسورة الهمزة؛ لأنها وقعت في أول الكلام حكميا؛ لأنها سبقت بحرف "ألا" وهو لا يغير الابتداء؛ لأنه حرف استفتاح، وحكم كسر همزة "إن" في هذه الحال الوجوب؛ لِيكون الكلام مفيدا، إذ لو فتحنا الهمزة هنا لتأولت مع ما بعدها بمفرد يقع مبتدأ، لا خبر له.
3 الابتداء: إما أن يكون حقيقيا، بأن تقع "إن" في أول الكلام لا يسبقها شيء كالآية الأولى. وإما أن يكون حكميا، وذلك إذا وقعت في أول الجملة، وسبقها حرف لا يغير الابتداء مثل "ألا" الاستفتاحية، كالآية الثانية، و"أما"، وبعد "كلا" التي تفيد الاستفتاح -على قول- في نحو: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى} ، وبعد "حتى" الابتدائية. حاشية يس على التصريح: 1/ 215.
4 إنما كسرت "إن" بعد "حيث" و"إذ"؛ لأنهما لا يضافان إلا إلى الجمل، وفتح "إن" يؤدي إلى إضافتهما إلى مفرد. والصحيح جواز الفتح عقبهما؛ لأن "حيث" قد تضاف إلى المفرد. وعند إضافتها إلى الجملة يقدر تمامها من خبر أو فعل. وهذا إذا كانت "إن" واقعة عقب "حيث" فإن لم تقع عقبها، نحو: جلست حيث اعتقاد محمد أنه مكان خال- وجب فتحها كما مر.
شرح التصريح: 1/ 215، وحاشية الصبان: 1/ 274.(1/321)
4- أو لموصول1، نحو: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوء} 2، بخلاف الواقعة في حشو الصلة، نحو: "جاء الذي عندي أنه فاضل"3، وقولهم: "لا أفعله ما أن حراء مكانه"4 إذا التقدير ما ثبت ذلك، فليست في التقدير تالية للموصول.
5 أو جوابا لقسم نحو: {حَم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاه} 5.
__________
1 أي: أو تقع تالية لموصول، بأن تكون في بدء جملة الصلة؛ لأن صلة غير "أل" لا تكون إلا جملة.
شرح التصريح: 1/ 215، وحاشية الصبان: 1/ 274.
2 "28" سورة القصص، الآية: 76.
موطن الشاهد: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مكسورة الهمزة؛ لأنها تلت "ما" الموصولة، وحكم كسر همزة "إن" في هذه الحالة الوجوب، و"ما": اسم موصول، وجملة: "إن مفاتحه....." صلة، ومعنى "تنوء": تثقل.
3 في هذا المثال ليس "إن" ومعموليها صلة، بل هي مع معموليها مبتدأ مخبر عنه بالظرف المتقدم، وجملة المبتدأ والخبر، هي جملة الصلة، فهذا المثال بالنظر إلى "أن" من المواضع التي تقع فيها "أن" مع معموليها في موضع المبتدأ، والمبتدأ لا يكون إلا مفردا.
4 معنى هذا القول: لا أفعله ما ثبت كون حراء في مكانه، فـ "ما" موصول حرفي "أن": حرف مشبه. حراء: اسمه. مكانه: ظرف في محل رفع خبر "أن"، و"أن وما بعدها": في تأويل مصدر واقع فاعلا بفعل محذوف والجملة الفعلية صلة لـ "ما"، ونظير هذا قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} ، والتقدير: لو ثبت صبرهم، وإنما وجب تقدير الفعل في هذين الموضعين؛ لأن الموصول الحرفي "ما"، لا تكون صلته إلا فعلية، ولأن "لو" الشرطية خاصة بالفعل على الراجح عند النحاة.
انظر حاشية الصبان: 1/ 273.
5 "44" سورة الدخان، الآية: 1-3.
موطن الشاهد: {حَم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاه} .(1/322)
6 أو محكية بالقول نحو: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّه} 1.
7 أو حالا2 نحو: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون} 3.
8 أو صفة نحو: "مررت برجل إنه فاضل".
9 أو بعد عامل علق باللام نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 5.
__________
وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مكسورة الهمزة؛ لِوقوعها جوابا للقسم، وحكم كسر همزتها في هذه الحالة الوجوب.
1 "19" سورة مريم، الآية: 30.
موطن الشاهد: {قَالَ إِنِّيْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مكسورة الهمزة؛ لِوقوعها محكية بالقول، وحكم مجيئها مكسورة في هذه الحال الوجوب.
2 سواء قرنت بالواو، كما مثل المصنف، أم لم تقترن، نحو قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام} . ويجب أن تكون في بدء الحال وإلا فتحت، نحو: خطب محمد وعندي أنه أجاد، وقد يتساءل متسائل: لم كسرت همزة "إن" الواقعة موقع الحال، ومعلوم أن الأصل في الحال أن يكون مفردا، وعليه فينبغي أن تكون "إن" مفتوحة؟ فالجواب: أن المصدر المنسبك من "أن ومعموليها" هو مصدر خبرها المشتق مضافا إلى اسمها، وعلى هذا، لا يكون هذا المصدر إلا معرفة بالإضافة إلى المعرفة، ومن المقرر أن الحال لا يكون إلا نكرة، فلهذا، عدل إلى جعل الحال جملة في هذا الموضع، والحال، والحال كما يكون مفردا، يكون جملة. التصريح: 1/ 215- 216 وحاشية الصبان: 1/ 235 وابن عقيل: 1/ 274.
3 "8" سورة الأنفال، الآية: 5
موطن الشاهد: {وَإِنَّ فَرِيقًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مكسورة الهمزة؛ لأنها وقعت حالا مقرونة بالواو وجملة "إن فريقا..... لكارهون": في محل نصب على الحال، والواو السابقة لها واو الحال كما هو معلوم؟ وحكم كسر الهمزة هنا الوجوب.
4 "63" سورة المنافقون، الآية: 1.
موطن الشاهد: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} .(1/323)
10 أو خبرا عن اسم ذات1 نحو: "زيد إنه فاضل" ومنه: {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُم} 2.
[يتعين فتح همزة "أن" في تسعة مواضع] :
والثاني في تسعة، وهي:
1- أن تقع فاعلة، نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} 3.
2- أو مفعولة غير محكية، نحو: {وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم} 4.
__________
وجه الاستشهاد: مجيء "إن" في الموضعين مكسورة الهمزة؛ لأن الفعل القلبي "يعلم" علق عن العمل وكذا يشهد الذي بمعنى "يعلم"، فكلاهما علق عن العمل باللام الابتدائية؛ لأنها لو فتحت سلط العامل عليها، ولام الابتداء لها صدر الكلام، وما له صدر الكلام يمنع ما قبله من أن يعمل فيما بعده، وهذه اللام وإن كانت متأخرة في اللفظ فرتبتها التقديم على "إن"، وإنما تأخرت؛ لِئلا يدخل حرف توكيد على مثله. شرح التصريح: 1/ 216.
1 إنما وجب هنا الكسر مع أن الخبر كما يكون جملة يكون مفردا؛ لأن المصدر، لا يقع خبرا عن اسم الذات إلا بتأويل من أحد ثلاثة تأويلات سبق ذكرها ولما كان ما لا يحوج إلى التأويل أولى، التزموا في هذا الموضع جعل الخبر جملة.
2 "22" سورة الحج، الآية: 27.
موطن الشاهد: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ....... إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إن" الثانية ومعموليها في محل رفع خبر {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} ، وما عطف عليه، وهي أسماء ذوات، ولما جاءت "إن" الثانية ومعمولاها خبرا لاسم الذات، وجب كسر همزتها.
3 "29" سورة العنكبوت، الآية: 51.
موطن الشاهد: {يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مفتوحة الهمزة؛ لأنها تؤول مع ما بعدها بمصدر، يقع في محل رفع فاعل؛ لِفعل "يكف" المجزوم بـ "لم"، والتقدير: أو لم يكفهم إنزالنا؟ وحكم الفتح هنا الوجوب.
4 "6" سورة الأنعام، الآية: 81.
موطن الشاهد: {لَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة؛ لأنها مؤولة مع معموليها بمصدر، يقع في محل نصب مفعول به غير محكي، وحكم فتح همزتها هنا الوجوب، والتقدير: ألا تخافون إشراككم؟.(1/324)
3- أو نائبة عن الفاعل، نحو: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ} 1.
4- أو مبتدأ، نحو: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ} 2، {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} 3.
5- أو خبرا عن اسم معنى غير قولٍ ولا صادقٍ عليه خبرها، نحو: "اعتقادي أنه فاضل"، بخلاف: "قولي إنه فاضل"، و"اعتقاد زيد إنه حق".
6- أو مجرورة بالحرف، نحو: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَق} 4.
__________
1 "72" سورة الجن، الآية: 1
موطن الشاهد: {أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة؛ لأنها مؤولة مع ما بعدها بمصدر واقع في محل رفع نائب فاعل؛ لِفعل "أوحي" المبني للمجهول، والتقدير: أوحي إلى استماع نفر.....، وحكم الفتح هنا الوجوب.
2 "41" سورة فصلت، الآية: 39.
موطن الشاهد: {مِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة، تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل رفع مبتدأ، والتقدير: ومن أياته رؤيتك الأرض، على مذهب الخليل، وعند سيبويه: فاعل بالجار والمجرور قبله. شرح التصريح/ 216.
3 "37" سورة الصافات، الآية: 144.
موطن الشاهد: {فَلَولَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة بعد "لولا" لأنها تؤول مع ما دخلت عليه بمصدر، يقع في محل رفع مبتدأ محتاج إلى الخبر المحذوف، والتقدير: "لولا كونه من المسبحين موجودة"، وهذا على رأي سيبويه.
4 "22" سورة الحج، الآية: 62.
وقيل: لا يحتاج إلى الخبر؛ لِاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه، وذهب المبرد والزجاج الكوفيون إلى أنها فاعل بفعل محذوف. شرح التصريح: 1/ 217.
موطن الشاهد: {بِأَنَّ اللَّهَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مفتوحة الهمزة؛ لِكونها مؤولة وما دخلت عليه بمصدر مجرور بحرف الجر، ومعلوم أن المجرور بالحرف، لا يكون إلا مفردا، ولذا، وجب فتحها؛ لِتؤول وما بعدها بالمفرد.(1/325)
7- أو مجرورة بالإضافة نحو: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} 1,
8- أو معطوفة على شيء من ذلك، نحو: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُم وَأَنِّي فَضَّلْتُكُم} 2.
9- أو مبدلة من شيء من ذلك، نحو: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُم} 3.
[جواز فتح همزة إن وكسرها في تسعة مواضع] :
والثالث في تسعة:
1- أحدها: أن تقع بعد فاء الجزاء، نحو: {مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 4 فالكسر على معنى فهو غفور رحيم،
__________
1 "51" سورة الذاريات، الآية: 23.
موطن الشاهد: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مفتوحة الهمزة؛ لأنها مؤولة وما دخلت عليه بمصدر واقع في محل جر بالإضافة إلى مثل و"ما" صلة، والتقدير: مثل نطقكم؛ لأن المجرور بالمضاف حقه الإفراد، إذا لم يكن المضاف ظرفا يقتضي الجملة، فإن كان كذلك كسرت، كما تقدم في "حيث وإذ".
2 "2" سورة البقرة، الآية: 47.
موطن الشاهد: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ..... وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة؛ لأنها مؤولة مع معموليها بمصدر معطوف على "نعمتي" والتقدير: اذكروا نعمتى ... وتفضيلي، وحكم الفتح هنا الوجوب.
3 "8" سورة الأنفال، الآية: 7.
موطن الشاهد: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أن" مفتوحة الهمزة لأنها مؤولة مع معموليها بمصدر واقع بدل اشتمال، من "إحدى" والتقدير: إحدى الطائفتين كونها لكم.
4 "6" سورة الأنعام، الآية: 54.
أوجه القراءات: قرأ عاصم وابن عامر "فأنه" بفتح الهمزة، وكذا في "أنه" الأولى {أَنَّهُ =(1/326)
والفتح على معنى: فالغفران والرحمة: أي حاصلان، أو فالحاصل الغفران والرحمة1.
كما قال الله تعالى: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ} 2، أي فهو يؤوس.
2- الثاني: أن تقعد بعد "إذا" الفجائية3، كقوله 4: [الطويل]
__________
= مَنْ عَمِلَ ... } وقرأ نافع: "أنَّه من عمل" بفتح الهمزة، و"إنه غفور رحيم" بكسر الهمزة في الثانية. وقرأ الباقون: "إنه من عمل.... فإنه...." بكسر الهمزة في الموضعين.
توجيه القراءات: من فتح الهمزة في الموضعين، فقد جعل "أن" وما دخلت عليه بدلا من الرحمة، ويمكن أن تكون "أن" الثانية توكيدا للأولى، وقيل غير ذلك، ومن كسر الثانية، جعل "إن" وما دخلت عليه جواب الشرط، وقال الزجاج: من فتح الأولى وكسر الثانية، فالمعنى راجع إلى المصدر، وكأنك لم تذكر "إن" الثانية، وعلى هذا، فالمعنى: كتب ربكم على نفسه الرحمة، أنه غفور رحيم، ومن كسر في الموضعين، فعلى مذهب الحكاية، فكأنه، لما قال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىْ نَفْسِهِ الْرَحْمِةَ} . قال: إن من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم.
انظر حجة القراءات: 252-253، وإتحاف فضلاء البشر: 208، وإعراب القرآن، للنحاس: 1/ 550، والبحر المحيط: 4/ 141، والنشر لابن الجزري: 2/ 258، وتفسير القرطبي: 6/ 436.
موطن الشاهد: {.... فإنَّهُ غَفُوْرٌ رَحِيْم}
وجه الاستشهاد: قرئت الآية بفتح همزة "أن وكسرها؟ والوجهان جائزان.
1 أي: على اعتبار "إن" مع معموليها جملة مستقلة بعد فاء الجزاء في محل جزم جواب الشرط، وهذا أفضل لعدم احتياجه إلى تقدير شيء.
2 "41" سورة فصلت، الآية: 49.
موطن الشاهد: {إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الجملة الاسمية بعد فاء الجزاء محذوفة المبتدأ؛ لأن التقدير: إن مسه الشر فهو يؤوس، كما في المتن، وحذف المبتدأ في هذه الحال أولى من حذف الخبر شرح التصريح: 1/ 218.
3 أي الدالة على المفاجأة وهي المباغتة؛ لأن ما بعدها يحدث بعد وجود ما قبلها بغتة وفجأة.
4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.(1/327)
134- إذا أنه عبد القفا واللهازم1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره، قوله:
وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا
وهو من شواهد التصريح: 1/ 218، وابن عقيل: "97/ 1/ 356"، والأشموني: "262/ 1/ 138" وهمع الهوامع: 1/ 138، والدرر اللوامع: 1/ 115، وأمالي ابن الشجري: 1/ 164، وشذور الذهب: "98/ 275".
المفردات الغريبة: العبد: خلاف الحر، والمراد هنا لازم العبودية من الذل والخسة، القفا: مؤخر العنق، وجمعه على التذكير أقفية، وعلى التأنيث أقفاء، وقد جمع على قفي، اللهازم: جمع لهزمة وهي عظم ناتيء في اللحى تحت الأذن.
المعنى: كنت أظن زيدا سيدا محترما كقول الناس فيه، فتبين أنه عبد ذليل حقير، يصفع على قفاه، ويلكز على لهازمه كالبعيد.
الإعراب: كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه، أُرَى: "بزنة المبني للمجهول" بمعنى "أظن" فعل مضارع مرفع، والفاعل: أنا. زيدا مفعول به أول. كما الكاف جارة "ما" مصدرية. قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والمصدر المؤول من "ما وما بعدها" في محل جر بالكاف، والتقدير: "كقول الناس، والجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة، لمصدر محذوف واقع مفعولا مطلقا، والتقدير: كنت أظن ظنا موافقا قول الناس. سيدا: مفعول به ثانٍ لـ "أرى" وجملة أرى ومفعوليها": في محل نصب خبر "كان" إذا فجائية أنه: حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. عبد: خبره، وهو مضاف القفا: مضاف إليه. واللهازم: معطوف على "القفا" مجرور مثله.
موطن الشاهد: "إذا أنه".
وجه الاستشهاد: جواز فتح وكسر همزة "إن" بعد إذا الفجائية، فالفتح على تقديرها مع معموليها بالمفرد، والكسر على تقديرها جملة، وهي في ابتدائها. وقيل: إن "إذا" ظرف مكان أو زمان في محل رفع خبر مقدم، و"أن" ومعمولاها في تأويل مصدر واقع في محل رفع مبتدأ مؤخر، والتقدير: ففي الحضرة، أو في الوقت الحاضر عبوديته، وقال الأعلم: "الشاهد فيه أي في البيت السابق جواز فتح "إن" وكسرها، فالكسر على نية وقوع المبتدأ والخبر بعد "إذا"، والتقدير: إذا هو عبد القفا، والفتح على تقدير المصدر مبتدأ والإخبار عنه بـ "إذا"، والتقدير: فإذا العبودية، وإن شئت قدرت الخبر محذوفا، على تقدير: فإذا العبودية شأنه".
انظر حاشية الصبان: 1/ 276، وشرح التصريح: 1/ 218".(1/328)
فالكسر على معنى فإذا هو عبد القفا، والفتح على معنى العبودية، أي: حاصلة، كما تقول: خرجت فإذا العبودية، أي: حاصلة، كما تقول: خرجت فإذا الأسد.
الثالث: أن تقع في موضع التعليل، نحو: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} 1، قرأ نافع والكسائي2 بالفتح على تقدير لام العلة، والباقون بالكسر على أنه تعليل3 مستأنف، ومثله {صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} 4، ومثله: "لبيك، إن الحمد والنعمة لك"5.
__________
1 "52" سورة الطور، الآية: 28.
أوجه القراءات: قرأ نافع والكسائي "أنه" بفتح الهمزة، وقرأ الباقون "إنه" بكسر الهمزة.
توجيه القراءات: من قرأ بالفتح، فالمعني: ندعوه لأنه هو البر الرحيم، أي لرحمته، يجيب من دعاة، قال أبو عبيدة: "من نصب، أراد: ندعوه بأنه، أو لأنه هو البر"، فيصير المعنى: إنه يدعى من أجل هذا, ومن قرأ بالكسر، فعلى قطع الكلام مما قبله، واختار أبو عبيدة الكسر، وقال: إن ربنا كذلك على كل حال حجة القراءات: 683- 684، والإتحاف: 401 وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 254، والبحر المحيط: 8/ 150.
2 مرت ترجمته وترجمة نافع.
3 المراد أنك إذا فتحت همزة أن الواقعة في موقع العلة، كان المصدر المنسبك منها ومن معموليها مجرورا بحرف جر محذوف دال على التعليل، وأنت تعلم أن المجرور بحرف الجر، لا يكون إلا مفردا لكونه برا رحيما، وإذاكسرت الهمزة، كانت جملة جيء بها لتعليل ما قبلها، وأنت تعلم أن التعليل يكون بالمصدر كما في المفعول لأجله، ويكون كذلك بالجمل، فلا عجب أن يجوز الوجهان.
التصريح: 1/ 218. وحاشية الصبان: 1/ 277.
4 "9" سورة التوبة، الآية: 103.
موطن الشاهد: {صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إن مكسورة الهمزة، على أن الكلام تعليل مستأنف، والتعليل يكون بالمصدر، كما في المفعول لأجله، ويكون بالجمل؛ ولذا جاز الوجهان، كما في الآية السابقة.
5 يروى بكسر "إن" وفتحها، فالفتح على تقدير لام العلة، والكسر على أنه مستأنف، قيل: وهو أرجح؛ لأن الكلام يصير حينئذ جملتين لا جملة واحدة، وتكثير الجمل في مقام التعظيم مطلوب. وقد علل النووي "رض" وكثير من الحنفية كون الكسر أجود، بأن من كسر "إن" قال: الحمد والنعمة لك على كل حال، ومن فتحها، قال لبيك بهذا السبب.
التصريح: 1/ 218، 219.(1/329)
4- الرابع: أن تقع بعد فعل قسم ولا لام بعدها، كقوله: [الرجز] 1
135- أو تحلفي بربك العليِّ ... أنى أبو ذَيَّالِكَ الصَّبِيِّ7
__________
1 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز، وقبله قوله:
لتقعدنَّ مقعد القصيِّ ... منِّىَ ذِي القاذورة المقْلِيِّ
وهو من شواهد التصريح: 1/ 219، وابن عقيل: "98/ 1/ 358"، والأشموني: "263/ 1/ 138" والعيني: 2/ 232، 4 / 535، وديوان رؤبة: 188.
وقال ابن بري في شأنهما: "هما لأعرابي، قدم من سفر فوجد امرأته قد وضعت ولدا فأنكره".
المفردات الغريبة: القصي: البعيد النائي. القاذورة: القذر والوسخ، ويطلق على الفاحشة، والمراد بذي القاذورة: الذي لا يصاحب لسوء خلقه. المقلي: المبغض المكروه، من قلاة يقليه أبغضه ذيالك تصغير ذلك على غير قياس؛ لأن المبني لا يصغر.
المعنى: يقسم الراجز على زوجه قائلا: والله لتجلسن أيتها المرأة بعيدة مني في المكان الذي يجلس فيه الشخص المطرود المبغض الذي يتحاشاه الناس لقذره ودنيء أخلاقه، إلى أن تحلفي بربك المنزه عن كل نقص أني أبو هذا المولود؛ لأنه شك في أن يكون ابنه.
الإعراب: لتقعدن: اللام واقعة في جواب قسم مقدر. تقعدن: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المحذوفة لتوالي الأمثال، وياء المخاطبة المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل رفع فاعل، والنون: للتوكيد، وأصله: تقعدينن، فحذفت نون الرفع لاجتماع ثلاث نونات، فالتقى ساكنان، فحذفت ياء المخاطبة للتخلص من التقاء الساكنين، وحكمها كالثابتة؛ لِدلالة الكسرة عليها. مقعد: مفعول مطلق، وأعربه بعضهم مفعولا فيه، والأول أفضل؛ لأنه يفيد التوكيد، وهو مضاف. القصي: مضاف إليه. "مبني" متعلق بـ "تقعدن"، أو بـ "القصي"، أو بمحذوف حال، والأول أفضل. ذي: صفة لـ "القصي" وهو مضاف. القاذورة: مضاف إليه. المقلي: صفة ثانية لـ "القصي". أو حرف عطف. تحلفي: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة بعد "أو" وعلامة نصبه حذف النون، والياء: فاعل. "بربك"، متعلق بـ "تحلفي" والكاف: مضاف إليه. العلي: صفة لـ "رب" أني: حرف مشبه، والياء: اسمه، أبو: خبر =(1/330)
فالكسر على الجواب، والبصريون يوجبونه، والفتح بتقدير على1، ولو أضمر الفعل أو ذكرت اللام تعين الكسر إجماعا، نحو: "والله إن زيدا قائم" و"حلفت إن زيدا لقائم"2.
5- الخامس: أن تقع خبرا عن قول3 ومخبرا عنها بقول والقائل واحد، نحو: "قولي إني أحمد الله"4، ولو انتفى القول فتحت، نحو: "علمى أنى أحمد الله"،
__________
= مرفوع، وهو مضاف. "ذيالك": ذيا مضاف إليه، واللام للبعد، والكاف للخطاب الصبي: بدل من اسم الإشارة مجرور مثله.
موطن الشاهد: "أني".
وجه الاستشهاد: رويت "أن" بكسر الهمزة وفتحها، والوجهان جائزان، فمن كسرها عد "إن" وما دخلت عليه جملة جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، ومن فتح همزتها، جعلها مع معموليها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف متعلق بـ "تحلفي"، وقد سدت مسد الجواب، والتقدير: أو تحلفي على أبوتي لهذا الصبي، ولا يجوز أن تكون جوابا للقسم؛ لأن جواب القسم، لا يكون إلا جملة.
انظر شرح التصريح: 1/ 219.
1 اعلم أن كسر همزة "إن" يكون على اعتبار، والفتح يكون على اعتبار آخر، وليس من الممكن أن يكون الفتح والكسر على اعتبار واحد، وكل موضع، جاز فيه اعتباران، أحدهما يقتضي وقوع المصدر، والآخر يقتضي وقوع الجملة، ففي هذا الموضع، يجوز الفتح والكسر، وكل موضع لا يجوز فيه إلا اعتبار واحد، فإن كان هذا الاعتبار يقتضي وقوع المصدر، لم يجز إلا الفتح، وإن كان هذا الاعتبار يقتضي وقوع الجملة، لم يجز إلا الكسر.
2 أي: فعل القسم، ولم يظهر، سواء ذكرت اللام، نحو: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} ، أم لم تذكر، نحو: {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} .
وهنا، يتعين كسر همزة "إن" وأما إذا ذكر فعل القسم، ولم تقترن اللام بخبر "إن" كما في بيت الشاهد، فيجوز في هذه الحالة الوجهان، كسر همزة "إن" وفتحها، وأما إن حذف فعل القسم، ولو تقترن اللام بخبر "إن"، نحو: والله إنك عالم، ففي هذه الحالة خلاف، فالكوفيون، يجوزون الوجهين، والبصريون، لا يجوزون الفتح، ويوجبون الكسر، والصواب: ما ذهب إليه البصريون، قال السيوطي: "وما نقل عن الكوفيين من جواز الفتح فيها غلط؛ لأنه لم يسمع". همع الهوامع: 1/ 138.
3 أي ما هو في معنى القول مثل: كلام وحديث ونطق...... إلخ.
4 و"قولي" مساوٍ في مدلوله لخبر أن، وهو "أحمد الله" وخبر إن مساويه كذلك في المدلول، والقائل واحد، وهو المتكلم، فالفتح: على جعل المصدر المؤول من "أن ومعموليها" خبر المبتدأ، أي: قولي حمدا لله، ويكون القول باقيا على مصدريته، والكسر: على جعل "إن ومعموليها" جملة محكية في محل رفع خبر المبتدأ، ويكون القول بمعنى المقول أي مقولي هذا اللفظ، ولا تحتاج إلى رابط؛ لأنها نفس المبتدأ في المعنى: انظر حاشية الصبان: 1/ 277، وابن عقيل: "دار الفكر": 1/ 280.(1/331)
ولو انتفى القول الثاني أو اختلف القائل كسرت، نحو: "قولي إني مؤمن" و"قولي إن زيدا يحمد الله".
6- السادس: أن تقع بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه، نحو: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} 1، قرأ نافع وأبو بكر2 بالكسر: إما على الاستئناف، أو بالعطف على جملة إن الأولى، والباقون بالفتح بالعطف على {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ} .
7- السابع: أن تقع بعد حتى، ويختص الكسر بالابتدائية، نحو: "مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه"، والفتح بالجارة والعاطفة، نحو: "عرفت أمورك حتى أنك فاضل".
8- الثامن: أن تقع بعد "أما" نحو: "أما إنك فاضل"، فالكسر على أنها حرف استفتاح بمنزلة ألا، والفتح على أنها بمعنى أحقا.
__________
1 "20" سورة طه، الآيتان: 118-119.
أوجه القراءات: قرأ بكسر "وإنك لا تظمأ ... " نافع وأبو بكر بن عاصم، وقرأ الباقون بفتح: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ} .
توجيه القراءات: قراءة الكسر على الاستئناف، أو بالعطف على جملة "إن" الأولى، وقراءة الفتح بالعطف على "ألا"، والتقدير: إن لك عدم الجوع وعدم العطش. التسيير: 153، والنشر: 2/ 209، والبيان: 2/ 154، والعكبري: 2/ 70، والقرطبي: 11/ 254.
2 أبو بكر: هو شعبة بن عياش بن سالم الأسدي، الكوفي، ولد سنة 95هـ، قرأ على عاصم وعلى ابن السائب، وقرأ عليه الكسائي وغيره، وكان إماما كبيرا من أئمة اللغة، قيل: إنه ختم القرآن ثماني عشرة ألف ختمة. مات سنة 193هـ. في الشهر الذي مات فيه هارون الرشيد. معرفة القراء للذهبي: 1/ 134، طبقات ابن سعد: 6/ 269، غاية النهاية: 1/ 325، طبقات الحفاظ: 113.(1/332)
9- التاسع: أن تقع بعد "لا جرم" والغالب الفتح، نحو: {لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} 1، فالفتح عند سيبويه على أن "جرم" فعل ماضٍ، و"أن" وصلتها فاعل: أي: وجب أن الله يعلم، و"لا" صلة، وعند الفراء على أن "لا جرم" بمنزلة لا رجل، ومعناهما لا بد، ومن بعدهما مقدرة، والكسر على ما حكاه الفراء من أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول: "لا جرم لآتينك"2.
[دخول لام الابتداء بعد إن المكسورة على أربعة أشياء] :
وتدخل لام الابتداء3 بعد "إن" المسكورة على أربعة أشياء:
أحدها: الخبر، وذلك بثلاثة شروط4: كونه مؤخرا ومثبتا، وغير ماضٍ،
__________
1 "16" سورة النحل، الآية: 23.
موطن الشاهد: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" بعد "لا جرم" يُجوِّز فيها الوجهين، فالفتح على تقدير "جرم" فعل ماضٍ كما في المتن والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": فاعل، و"لا" صلة زائدة، ورده الفراء، بأن "لا" لا تزاد في أول الكلام، والكسر على ما حكاه الفراء من أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول: لا جرم لقد أحسنت، ولا جرم إنك ذاهب. شرح التصريح: 1/ 221.
2 الدليل على أنها منزلة منزلة اليمين وجود اللام في المثال، ويقال في إعرابها: لا: نافية للجنس. جرم: اسمها ومعناها القسم، وجملة لآتينك: جواب القسم وقد أغنت عن الخبر.
3 سميت كذلك؛ لأنها تدخل على المبتدأ كثيرا، وتدخل على غيره كخبر "إن" المكسورة. وهذه اللام مفتوحة، وفائدتها: توكيد مضمون الجملة المثبتة، وإزالة الشك عن معناها أو إنكارها، وتسمى "اللام المزحلقة" أو "اللام المزحلفة"، فبنو تميم يقولون زحلوقة بالقاف، وأهل العالية، يقولون: زحلوفة بالفاء، ويقول النحاة في سبب تسميتها بذلك: إن مكانها الأصلي للصدارة في الجملة الاسمية، لكن لما كانت للتوكيد و"إن" تفيد التوكيد كرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد، فقدمت "إن" لأنها عاملة، وزحلقت اللام إلى الخبر.
التصريح: 1/ 222- 223، وحاشية الصبان: 1/ 279.
4 يزاد على هذه الشروط: ألا يكون الخبر جملة شرطية، فلا يقال: إن محمدا لئن تكون يجلك؛ لأن هذه اللام، لا تدخل على أداة الشرط، ولا على فعله أو جوابه وما اجتمعت فيه الشروط قد يكون مفردا، أو مضارعا، أو ظرفا، أو جارا ومجرورا، أو جملة اسمية.
التصريح: 1/ 223. حاشية الصبان: 1/ 279.(1/333)
نحو: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} 1، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَم} 2، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق} 3، {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيت} 4، بخلاف، {إِنَّ لَدَيْنَا.......
__________
1 "14" سورة إبراهيم، الآية: 39.
موطن الشاهد: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعٌ} .
وجه الاستشهاد: دخول اللام المزحلقة على خبر "إن" المكسورة سميع؛ لِتوفر الشروط، وهي: تأخره، وكونه مثبتا، وغير ماضٍ، وحكم دخولها في هذه الحال الجواز.
2 "27" سورة النمل، الآية: 74.
موطن الشاهد: {إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ} .
وجه الاستشهاد: دخول اللام المزحلقة على الجملة الواقعة خبرا لـ "إن" المكسورة؛ لِتوفر الشروط، وهي: تأخُّر الخبر، وكونه مثبتا، وغير ماضٍ، وحكم دخولها في هذه الحال الجواز.
3 "68" سورة القلم: الآية: 4.
وجه الاستشهاد: دخول "اللام المزحلقة على الجار والمجرور شريطة ألا يقدر متعلقه عند البصريين لأنه إن قدر استقر، لم تدخل عليه اللام؛ لأنها لا تدخل على معمول الفعل الماضي، خلافا للأخفش، وحكم الدخول الجواز، كما في الآيتين السابقتين.
4 "15" سورة الحجر، الآية: 23.
موطن الشاهد: {إِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} .
وجه الاستشهاد: دخول "اللام المزحلقة" على الخبر الواقع جملة اسمية؛ لأن "نحن" في الآية الكريمة في محل مبتدأ، وليس ضمير فصل خلافا للجرجاني وحكم دخول "اللام" على الجملة الاسمية الجواز مع العلة.
فائدة: تدخل اللام المزحلقة على خمسة أنواع هي:
أولا: أن يكون الخبر اسما مفردا مؤخرا، نحو: إن المؤمن لكثير الحياء.
ثانيا: أن يكون الخبر جملة فعلية فعلها مضارع، نحو: إن المؤمن ليكثر من الدعاء.
ثالثا: أن يكون الخبر جارا ومجرورا، نحو: إن التقي لعلى سواء السبيل.
رابعا: أن يكون الخبر ظرفا، نحو: إن الكتاب لفوق الطاولة، ومعلوم أنه في هذه =(1/334)
أَنْكَالًا} 1، ونحو: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} 2، وشذ قوله3: [الوافر]
136- وأعلَمُ إنَّ تسليما وتركا ... لَلَا مُتَشابهان ولا سواء4
__________
= الحالة والتي قبلها، لا يجوز أن نقدر المتعلق "استقر" لأنه فعل ماضٍ، ومعمول الفعل الماضي لا يجوز دخول اللام عليه كما أسلفنا.
خامسا: أن يكون الخبر جملة اسمية، نحو: إنا لنحن المسلمينخير أمة، ويجوز في هذه الحالة إدخال اللام على مبتدأ الجملة الاسمية "نحن" أو على الخبر "خير"، فتصبح: إنا نحن المسلمين لخير أمة، وقد أنكر الرضي دخول اللام على الخبر، وأجازه ابن مالك وأما سبب دخول اللام على الخبر المفرد؛ لأنه أشبه المبتدأ، ودخولها على الفعل المضارع؛ لأنه أشبه الاسم، ودخولها على الظرف والجار والمجرور؛ لأنهما في حكم الاسم، ولذا أوجبوا جعلهما الخبر، أو يعلقا باسم، ودخولها على الجملة الاسمية؛ لأنها مبتدأ وخبر.
انظر شرح التصريح: 1/ 222.
1 "73" سورة المزمل، الآية: 12.
موطن الشاهد: {إِنَّ لَدَينَا أَنْكَالًا} .
وجه الاستشهاد: تقدم الخبر على اسم "إن" فامتنع دخول اللام المزحلقة على الخبر.
2 "10" سورة يونس، الآية: 44.
موطن الشاهد: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "إن" مضارعا منفيا، ولذا فلا يجوز اقترانه باللام المزحلقة؛ لانتفاء شرط "الإثبات".
3 القائل هو: أبو حزام، غالب بن الحارث العكلي، ولم أعثر له على ترجمة وافية.
4 البيت من شواهد: التصريح: 1/ 222، وابن عقيل: "102/ 1/ 368"، والأشموني: "270/ 1/ 141"، وهمع الهوامع: 1/ 140ن والدرر اللوامع: 1/ 116، وخزانة الأدب: 4/ 331، والعيني: 2/ 244.
المفردات الغريبة: تسليما: أي على الناس أو للأمور تركا: كذلك. متشابهان: متقاربان. سواء: متساويان.
المعنى: أعلم وأعتقد أن التسليم على الناس وتركه، أو تسليم الأمور لذويها وتركه ليسا متساويين، ولا قريبيين من السواء. وكان ينبغي أن يقول: للا سواء ولا لضرورة الشعر.
الإعراب: أعلم: فعل مضارع، والفاعل: أنا. إن: حرف مشبه بالفعل. تسليما: اسمه. وتركا: معطوف على "تسليما". "للا متشابهان": اللام لام المزحلقة، أو زائدة =(1/335)
وبخلاف، نحو: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى} 1، وأجاز الأخفش والفراء، وتبعهما ابن مالك، "إن زيدا لنعم الرجل"، و"لعسى أن يقوم" لأن الفعل الجامد كالاسم2، وأجاز الجمهور "إن زيدا لقد قام" لشبه الماضي المقرون بقد بالمضارع لقرب زمانه من الحال، وليس جواز ذلك مخصوصا بتقدير اللام للقسم لا للابتداء، خلافا3 لصاحب الترشيح4، وأما نحو: "إن زيدا لقام"، ففي
__________
و"لا نافية" متشابهان: خبر "إن" مرفوع. ولا الواو عاطفة، لا: نافية. سواء: معطوف على خبر "إن".
موطن الشاهد: "للا متشابهان".
وجه الاستشهاد: دخول اللام المزحلقة في خبر "إن" المنفي "لا متشابهان"، وحكم دخول اللام في هذه الحالة شاذ، وذهب ابن عصفور والفراء من قبله إلى أن الهمزة مفتوحة، واللام زائدة، وليست للابتداء.
فائدة: إذا عُدَّت "إن" مكسورة الهمزة على رأي ابن هشام وما عليه أكثر النحويين في الشاهد السابق، كان في البيت شذوذ واحد، وهو دخول اللام على خبر "إن" المنفي، وأما على رأي ابن عصفور، فإن عدت اللام مزحلقة، كان في البيت شذوذان: أحدهما: دخول اللام على خبر "أن" المفتوحة، وثانيهما: دخولها على الخبر المنفي، وتخلُّصا من هذا الشذوذ أو ذاك ذهب بعضهم إلى عدِّ اللام في هذا الشاهد زائدة، كما زيدت في مواضع كثيرة. وانظر حاشية الصبان: 1/ 281، وشرح التصريح: 1/ 222.
1 "3" سورة آل عمران، الآية: 33.
موطن الشاهد: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى} .
وجه الاستشهاد: جاء خبر "إن" فعلا ماضٍيا، فامتنع دخول اللام المزحلقة عليه؛ لأنها لا تقترن بالخبر الدالِّ على الماضي.
2 المراد بـ "نعم"، كل فعل لا دلالة له على حدث، ولا زمان معين تقتضيه الصيغة، والمراد بـ "عسى": كل فعل دل على زمان، ولكنه نقل إلى الإنشاء، وقد وافق الشاطبي على دخول اللام على "نعم" و"بئس"، ولم يوافق على دخولها على عسى. شرح التصريح: 1/ 222، وحاشية الصبان: 1/ 281.
3 حيث ذهب إلى منع دخول لام الابتداء على الماضي المقترن بقد، وإذا ورد دخولها عليه قدرت لام جواب لقسم محذوف، والتقدير في المثال: إن زيدا والله لقد قام.
4 وصاحب الترشيح: هو أبو بكر خطاب بن يوسف الماوردي "المروزي" القرطبي البطليوسي، أحد كبار النحاة ومحققيهم، والمتقدمين في علوم اللسان عامة، تصدر لإقراء العربية طويلا، وصنف فيها، واختصر "الزاهر" لابن الأنباري، بالإضافة لكتابه المشهور: الترشيح، له نظم فيما يذكَّر ويؤنَّث، وينقل عنه أبو حيان، وابن هاشم كثيرا توفي سنة 450هـ.
البلغة: 77، بغية الوعاة: 1/ 553، معجم المؤلفين: 4/ 103.(1/336)
الغرة1 أن البصري والكوفي على منعها إن قدرت للابتداء2، والذي نحفظه أن الأخفش وهشامًا3 أجازاها على إضمار قد.
الثاني: معمول الخبر، وذلك بثلاثة شروط أيضا4: تقدمه على الخبر، وكونه غير حال5، وكون الخبر صالحا للام، نحو: "إن زيدا لعمرا ضارب"، بخلاف:
__________
1 الغرة: هو كتاب شرح اللمع لابن جني، ومؤلفه: سعيد بن المبارك، المعروف بابن الدهان، وهو أحد أفاضل النحاة، أخذ عن الرماني، وأخذ عنه التبريزي، وروى عنه السمعاني، له مؤلفات كثيرة منها: شرح الإيضاح، وشرح اللمع، وكتاب الدروس وكتاب الرياضة وغيرها.
البلغة: 85، بغية الوعاة: 1/ 587، الأعلام: 3/ 153، وفيات الأعيان: 1/ 209.
2 لأن الفعل ماضٍ غير جامد، وغير مقرون بقد، فيمتنع دخول لام الابتداء عليه، فإن قدرت اللام للقسم جاز، ويكون التقدير: إن زيدا والله لقام.
3 هو أبو عبد الله، هشام بن معاوية الضرير، النحوي الكوفي، أحد أصحاب الكسائي، له مصنفات منها: مختصر النحو، وحدود الحروف، والقياس، والعوامل، والأفعال واختلاف معانيها، مات سنة 209هـ.
البلغة: 279، إنباه الرواة: 3/ 364، بغية الوعاة: 2/ 328، ومعجم الأدباء: 19/ 292.
4 يزاد عليها: ألا يكون الخبر مشتملا عليها، فلا يجوز: إن محمدا المذلة ليأبى على الصحيح.
5 أي: وغير تمييز أيضا، فلا يصح أن تقول: إن محمدا لعرقا يتصبب.
إذا كان الخبر صالحا لدخول اللام عليه، وله معمول مستوفٍ الشرط، جاز دخول اللام على معمول الخبر، كما مثل المصنف، وجاز دخولها على الخبر، في نحو: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} ، وقد تدخل عليهما معا، حكى الكسائي والفراء من كلام العرب: "إني لبحمد الله لصالح" وذلك قليل، وأجازه المبرد، ومنعه الزجاج، وهو الصحيح، كما امتنع دخولها على الخبر، إذا دخلت على الاسم المتأخر أو على ضمير الفصل.
التصريح: 1/ 223، حاشية الصبان: 1/ 282.(1/337)
"إن زيدا جالس في الدار" و"إن زيدا راكبا منطلق" و"إن زيدا عمرا ضرب" خلافا للأخفش في هذه.
الثالث: الاسم، بشرط واحد، وهو أن يتأخر عن الخبر، نحو: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَة} 1، أو عن معموله: نحو: "أن في الدار لزيدا جالس".
الرابع: الفصل2، وذلك بلا شرط، نحو: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَق} 3، إذا لم يعرب "هو مبتدأ".
[دخول ما الزائدة على هذه الأحرف] :
وتتصل "ما" الزائدة بهذه الأحرف إلا "عسى" و"لا"، فتكفها عن العمل، وتهيئها للدخول على الجمل، نحو: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ
__________
1 "79" النازعات، الآية: 26.
موطن الشاهد: "إن في ذلك لعبرة".
وجه الاستشهاد: دخول "لام الابتداء" على اسم "إن" لتأخره عن الخبر، وحكم دخول "اللام" في هذه الحالة الجواز؛ لِتوفر الشرط.
2 وهو المسمى عند الكوفيين عمادا؛ لأنه يعتمد عليه في تأدية المعنى، وضمير فصل عند البصريين؛ لأنه يفصل به بين الخبر والنعت، وإنما دخله اللام؛ لأنه مقوٍّ للخبر؛ لرفعه توهم السامع كون الخبر تابعا له، فنزل منزلة الجزء الأول من الخبر، وقال ابن عصفور: لأنه اسم أن في المعنى، وقال ابن عقيل: وشرط ضمير الفصل أن يتوسط بين المبتدأ والخبر أو ما أصله المبتدأ والخبر.
شرح التصريح: 1/ 224، وابن عقيل: "دار الفكر": 288. والأشموني مع حاشية الصبان: 1/ 282-283.
3 "3" سورة آل عمران، الآية: 62.
موطن الشاهد: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ} .
وجه الاستشهاد: دخول اللام على ضمير الفصل "هو"، شرط ألا يعرب مبتدأ وما بعده خبره، والجملة خبر إن؛ لأنه في تلك الحال، لا يكون ضمير فصل؛ لأن ضمير الفصل لا محل له من الإعراب.(1/338)
وَاحِدٌ} 1، و {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} 2، بخلاف قوله3: [الطويل]
137- ولكنما يُقضَى فسوف يكون4
__________
1 "21" سورة الأنبياء، الآية: 108.
موطن الشاهد: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا} .
وجه الاستشهاد: دخول "ما" الزائدة على "إن" المكسورة الهمزة "الحرف المشبه بالفعل" فكفتها عن العمل وأدخلت على الجملة الفعلية، ودخول "ما" الزائدة على "أنماط المفتوحة الهمزة ومدخولها جملة اسمية، ولكن بطل عملها.
2 "8" سورة الأنفال، الآية: 6.
موطن الشاهد: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ} .
وجه الاستشهاد: دخول "ما" الزائدة على "كأن" وكفها عن العمل، ودخولها على الجملة الفعلية، كما في الآية السابقة.
3 القائل: هو الأفوه الأزدي أو الأودي. ولم أعثر له على ترجمة وافية.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فوالله ما فارقتكم قاليا لكم
وهذا البيت أنشده أبو علي القالي في أماليه ضمن ثلاثة أبيات رواها عن ابن دريد، عن أبي حاتم، ولم يسمَّ قائلها، أمالي القالي: 1/ 99، وأنشده ياقوت في معجم البلدان: 4/ 77، رابع أربعة أبيات، ونسبها إلى أبي المطواع ابن حمدان، يقولها في دمشق. والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 225، والعيني: 2/ 315، وقطر الندى "54/ 196".
المفردات الغريبة: قاليا: اسم فاعل، فعله قلاه ويقلوه قلى، ومعناه: كرهه وأبغضه، وهو حال من التاء في فارقت.
المعنى: يقسم الشاعر قائلا: إني ما فارقتكم عن بغض وكراهية لكم، أو ملال لعشرتكم وصحبتكم، ولكنه قدر الله وقضاؤه، وما تجري به المقادير، ولا مفر من وقوعه، ولا يمكن التحرز منه.
الإعراب: "والله". متعلق بفعل قسم محذوف. ما: نافية. فارقتكم: فعل ماضٍ وفاعل ومفعول به، و"الجملة": جواب للقسم، لا محل لها. قاليا: حال منصوب. "لكم": متعلق بـ "قاليا". ولكنما: الواو عاطفة، لكن: حرف مشبه بالفعل، و"ما": اسم موصول في محل نصب اسم "لكن" يُقضَى فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل: هو، وجملة "يقضى" صلة للموصول، لا محل لها. فسوف: الفاء زائدة في خبر "لكن" سوف: حرف تنفيس، أو للتسويف، وهو الأفضل. يكون: فعل مضارع تام؛ لأنه بمعنى يوجد، والفاعل: هو. وجملة "يكون": في محل رفع خبر "لكن". موطن الشاهد: "ولكنما".
وجه الاستشهاد: إعمال "لكن" مع اتصالها بـ "ما"؛ لأن "ما" هذه موصولة لا زائدة، بدليل عود الضمير في "يقضى" عليها.
وفي البيت شاهد آخر في "فسوف يكون"، حيث زيدت الفاء في خبر "لكن" كما بينا في الإعراب وجمهور النحاة يجيزون زيادة الفاء في خبر المبتدأ، وفي خبر "إن" المكسورة، وفي خبر "أن" المفتوحة، وفي خبر "لكن" ويستدلون على الأخير، بهذا البيت، وما شابهه، ومنع الأخفش اقتران خبر "لكن" بالفاء الزائدة، والشاهد السابق حجة عليه.(1/339)
إلا "ليت" فتبقى على اختصاصها1، ويجوز إعمالها وإهمالها2، وقد رُوي بهما قوله3: [البسيط]
138- قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا4
__________
= تام؛ لأنه بمعنى يوجد، والفاعل: هو. وجملة "يكون": في محل رفع خبر "لكن". موطن الشاهد: "ولكنما".
وجه الاستشهاد: إعمال "لكن" مع اتصالها بـ "ما"؛ لأن "ما" هذه موصولة لا زائدة، بدليل عود الضمير في "يقضى" عليها.
وفي البيت شاهد آخر في "فسوف يكون"، حيث زيدت الفاء في خبر "لكن" كما بينا في الإعراب وجمهور النحاة يجيزون زيادة الفاء في خبر المبتدأ، وفي خبر "إن" المكسورة، وفي خبر "أن" المفتوحة، وفي خبر "لكن" ويستدلون على الأخير، بهذا البيت، وما شابهه، ومنع الأخفش اقتران خبر "لكن" بالفاء الزائدة، والشاهد السابق حجة عليه.
1 خالف في هذا الحكم ابن أبي الربيع وطاهر القزويني، فإنهما أجازا في "ليت" إذا اقترنت بها "ما" أن تدخل على الجملة الفعلية نحو "ليتما قام زيد" التصريح: 1/ 225.
2 ذهب سيبويه إلى أنه لا يجوز في هذه الحالة إلا الإعمال.
3 القائل: هو النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إلى حمامتنا أو نصفه فقد
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 225، والأشموني: "271/ 1/ 143"، وهمع الهوامع: 1/ 143 الدرر اللوامع: 1/ 121، وكتاب سيبويه: 1/ 272، والخصائص: 2/ 460، وأمالي ابن الشجري: 2/ 142، 241، الإنصاف: 479، شرح المفصل: 8/ 54، 58، والمقرب: 20 الخزانة: 4/ 67، والعيني: 2/ 254، قطر الندى: "56/ 198" الشذور: "138/ 365" المغني: "524/ 376" "573/ 406" "98/ 89"، والسيوطي: 72، 236، ديوانه: 24.
المفردات الغريبة: قالت: الضمير عائد إلى زرقاء اليمامة، وهي مضرب المثل بحدة النظر. قد: اسم بمعنى "كاف".
المعنى: قالت زرقاء اليمامة وقد مر سرب من الحمام قريبا منها: ليت هذا الحمام مضموما إلى حمامتنا، ونصف هذا العدد السرب فيكمل لنا مائة. ولفظ مقولها: ليت الحمام ليه. إلى حمامتيه. أو نصفه قديه. تم الحمام ميه. قيل: ثم وقع =(1/340)
وندر الإعمال في إنما، وهل يمتنع قياس ذلك في البواقي مطلقا؟ أو يسوغ مطلقا؟ أو في لعل فقط؟ أو فيها وفي كأن؟ أقوال1.
__________
= في شبكة صائد، فعد، فإذا هو "66" فإذا أضيف نصفه إلى حمامتها، كان مائة، كما قالت.
الإعراب: قالت: فعل ماضٍ، والفاعل: هي، والتاء للتأنيث. ألا: حرف استفتاح وتنبيه. ليتما: ليت حرف مشبه بالفعل إذا كانت معملة و"ما" زائدة، أو: كافة ومكفوفة، لا عمل لها. هذا: اسم الإشارة إما أن يكون اسم "ليت" على إعمالها وإما أن يكون مبتدأ، إذا كانت "ما" كافة الحمام: بدل من اسم الإشارة، وهو الأفضل، فإذا كانت "ما" كافة واسم الإشارة مبتدأ، كان "الحمام" مرفوعا، وإذا عدت "ما" زائدة" فاسم الإشارة اسم "ليت" ويكون الحمام منصوبا، وكلا الوجهين جائز، "لنا" متعلق بخبر "ليت" المحذوف، أو بخبر المبتدأ، حسب التقدير، "إلى حمامتنا": متعلق بمحذوف حال من اسم "ليت"، و"نا" مضاف إليه. أو: حرف عطف بمعنى الواو، نصفه: معطوف على اسم الإشارة، فيجوز فيه الرفع والنصب؛ لِما أسلفنا، فقد: الفاء فاء الفصيحة، قد: اسم بمعنى "كاف". خبر لمبتدأ محذوف، و"المبتدأ المحذوف وخبره": في محل جزم جواب شرط محذوف، والتقدير: إن يحصل ذلك فهو كاف.
موطن الشاهد: "ليتما هذا الحمام لنا".
وجه الاستشهاد: روي هذا الشاهد برفع الحمام على إهمال "ليت"، وبنصبه على إعمالها، وفي هذا الشاهد دليل على أن "ما" غير الموصولة، إذا ما اتصلت بـ "ليت" لا يلزم أن تكفها عن العمل، بل يجوز الإعمال والإهمال، وإن كان الإعمال أرجح، حتى أوجبه سيبويه لأنه يرى "ما" المتصلة بـ "ليت" موصولة وليست كافة.
1 يذهب سيبويه والأخفش "إلى أنه، لا يجز الإعمال في أن المفتوحة الهمزة، ولا في كأن ولعل ولكن إذا اتصلت بإحداهن "ما" الكافة، فالإعمال عند سيبويه واجب في ليت، ونادر في "إن" وممتنع في البواقي. وحجته في ذلك كله الوقوف عند ما سمع من العرب، وذهب الزجاج، وابن السراج، والزمخشري، وابن مالك إلى أن الإعمال جائز في كل هذه الأحرف مع اتصالهن بما الكافة، قياسا لما لم يسمع عن العرب على ما سمع، وذهب الفراء إلى أن الإعمال جائز في "لعل" إذا اتصلت بما الكافة؛ لأنها أقرب هذه الأحرف شبهًا بليت، حتى إن بعض النحاة، يزعم أن "لعل"، قد تتضمن معنى "ليت" فتأخذ حكمها، وحمل على هذا الوجه، قوله تعالى: {فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} ، فزعم أن نصب المضارع المقترن بالفاء بسبب تضمن "لعل" معنى ليت؛ لأن قبل ذلك {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} وذهب ابن أبي الربيع إلى أن الإعمال جائز مع "لعل" و"كأن"؛ لِقرب كل منهما من "ليت" فهذه هي الأقوال التي يشير المؤلف إليها.
شرح التصريح: 1/ 225 وابن عقيل: "دار الفكر": 1/ 289، وحاشية الصبان: 1/ 284.(1/341)
[العطف على أسماء هذه الأحرف بالنصب قبل مجيء الخبر وبعده] :
يعطف على أسماء هذه الحروف بالنصب: قبل مجيء الخبر، وبعده، كقوله: [الرجز]
139- إن الربيع الجود والخريفا ... يدا أبي العباس والصُّيُوفا2
__________
1 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز، أو بيتان من مشطوره في مدح أبي العباس السفاح، أول خلفاء بني العباس، وهو من شواهد التصريح: 1/ 226، وهمع الهوامع: 2/ 144، والدرر اللوامع: 2/ 200، والعيني: 2/ 261، والمقتضب: 4/ 111، والكتاب لسيبويه: 1/ 285، وملحقات ديوان رؤبة: 179.
المفردات الغريبة: الجود: المطر الغزير. الصيوف: جمع صيف، وهو أحد فصول السنة الأربعة، ويريد بالربيع والخريف والصيوف أمطارها.
المعنى: يقصد الراجز: أن مطر الربيع الغزير، وأمطال الخريف والصيف -تشبه يدي أبي العباس في كثرة الخير والنفع للعباد- وحق التشبيه أن يشبه الراجز يدي أبي العباس بالأمطار، في هذه الفصول ولكنه عكس التشبيه للمبالغة.
الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. الربيع: اسم "إن" منصوب. الجود: صفة لـ "الربيع". والخريفا: معطوف بالواو على الربيع. يدا: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، وهو مضاف. أبي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. العباس: مضاف إليه. والصيوفا: معطوف على الربيع، والألف للإطلاق.
موطن الشاهد: "والخريفا..... والصيوفا".
وجه الاستشهاد: عطف الشاعر "الخريف" على اسم "إن" بالنصب قبل أن يجيء بالخبر الذي هو "يدا" وعطف الصيوف" على اسم "إن" بالنصب بعد أن جاء بخبر "إن"، وفي هذا دلالة على جواز العطف على اسم "إن" قبل المجيء بالخبر وبعده.(1/342)
[يعطف بالرفع بشرطين] :
ويعطف بالرفع بشرطين1: استكمال الخبر2، وكون العامل "أن" أو "إن" أو "لكن"، نحو: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه} 3، وقوله4: [الطويل]
140- فإنَّ لنا الأمُّ النجيبةُ والأبُ5
__________
1 قال الرضي: والوصف وعطف البيان والتوكيد كالمنسوق "عطف النسق" عند الجرمي والزجاج والفراء في جواز الحمل على المحل، ولم يذكر غيرهم في ذلك منعا ولا إجازة، والأصل: الجواز؛ إذ لا فارق. ولم يذكروا البدل والقياس، كونه كسائر التوابع في جواز الرفع، نحو: إن الزيدين أستحسنهما شمائلهما بالرفع، وقال الرضي عن "التسهيل" لابن مالك: وجه المنع عند الجمهور في النعت أن الغرض منه بيان المنعوت؛ لِيصح الإخبار عنه، فحقه أن يكون قبل الخبر، فإن جاء بعده فعلى نية التقديم والتأخير، والحمل على الموضع، لا يكون إلا بعد تمام الكلام.
وخلاصة القول: إن هؤلاء النحاة، قد أجازوا الإتباع على المحل في النعت، وعطف البيان، والتوكيد قياسا على ما سمع من العرب في عطف النسق.
انظر حاشية الشيخ يس على شرح التصريح: 1/ 226.
2 لأنه يلزم على العطف قبل الاستكمال، العطف قبل تمام المعطوف عليه، أو تقديم المعطوف، كما سيأتي.
3 "9" سورة التوبة، الآية: 3.
موطن الشاهد: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيٌء.... وَرَسُولُهُ} .
وجه الاستشهاد: عطف "رسوله" بالرفع على محل اسم الجلالة المنصوب بـ "أن" بعد استكمال الخبر، وهو "بريء" وحكم هذا العطف الجواز.
4 لم ينسب إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فمن يك لم ينجب أبوه وأمه
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 227، والأشموني: "273/ 1/ 143"، وهمع الهوامع: 2/ 44 والدرر اللوامع: 2/ 199، والعيني: 2/ 265.
المفردات الغريبة: النجيبة: أراد التي تلد الأولاد النجباء، قال ابن منظور: "أنجبت المرأة فهي منجبة ومنجاب: ولدت النجباء، ونسوة مناجيب، وكذلك الرجل، يقال: أنجب الرجل، ويقال: أنجب الرجل والمرأة، إذا ولدا ولدا نجيبا، أي كريما.
المعنى: يقول الشاعر: إن من لم ينجب أبوه وأمه أولادا نجباء فإن لنا أما وأبا قد أنجبا، يريد أنه وإخوته نجباء كرام، أبناء رجل منجب وأم كذلك.(1/343)
وقوله1: [الطويل]
141- ولكنَّ عمي الطيب الأصل والخال2
__________
= الإعراب: من: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. يك: فعل مضارع ناقص، مجزوم وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفا، واسمه. هو: "يك" فعل الشرط. لم: جازمة نافية. ينجب: فعل مضارع مجزوم. أبوه: فاعل مرفوع، والهاء: مضاف إليه. وجملة "لم ينجب": في محل نصب خبر "يك" فإن: الفاء رابطة لجواب الشرط، إن: حرف مشبه بالفعل. "لنا" متعلق بخبر متقدم محذوف. الأم: اسم "إن" منصوب. النجيبة: صفة لـ "الأم" والأب: الواو حرف عطف، الأب: معطوف على محل اسم "إن" أو على الضمير المستتر في الجار والمجرور الواقع خبر لـ "إن"، أو هو مبتدأ محذوف الخبر، والجملة معطوفة على جملة "إن واسمها وخبرها"، والتقدير على هذا: ولنا الأب النجيب، وجملة "إن واسمها وخبرها" في محل جزم جواب الشرط.
موطن الشاهد: "والأب".
وجه الاستشهاد: عطف "الأب" بالرفع على محل اسم "إن" بعد إتيانه بالخبر "لنا"، وهذا المراد من الاستشهاد به عند الناظم، والمؤلف على الظاهر من باب عطف المفرد على المفرد، وبيَّنَّا أوجه الإعراب المختلفة؛ لِبيان آراء النحاة في هذه المسألة.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وما قصرت بي في التسامي خؤولة
وأنشدوا قبله:
وما زلت سباقا إلى كل غاية ... بها يُبتغى في الناس مجد وإجلال
والشاهد من شواهد، التصريح: 1/ 227، والأشموني: "276/ 1/ 144"، والعيني: 2/ 316 وهمع الهوامع: 2/ 144، والدرر اللوامع: 2/ 202.
المفردات الغريبة: التسامي: التعاظم والتعالي، وأراد بها العراقة في النسب، ويروى مكانه المعالي. خؤول: إما من المصدر كالعمومة، أو جمع خال كالعمومة جمع عم.
المعنى: يفتخر الشاعر بحسبه ونسبه قائلا: لم يقعد بي عن التعاظم والتباهي بالحسب وعراقة النسب أخوالي ولا أعمامي؛ فإن كلا منهما كريم الأصل، عريق النسب، فأنا مع علو همتي كريم العنصر من ناحية الأخوال والأعمام.
الإعراب: ما: نافية. قصرت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. "بي" و"في التسامي": متعلقان بـ "قصر". خؤولة: فاعل مرفوع. لكن" حرف استدراك ونصب "حرف مشبه بالفعل". عمي: اسم "لكن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء، والياء: مضاف إليه. الطيب: خبر "لكن" مرفوع، وهو مضاف. الأصل: =(1/344)
والمحققون على أن رفع ذلك ونحوه على أنه مبتدأ حذف خبره، أو بالعطف على ضمير الخبر، وذلك إذا كان بينهما فاصل، لا بالعطف، على محل الاسم مثل: "ما جاءني من رجل ولا امرأة"، بالرفع؛ لأن الرفع في مسألتنا الابتداء وقد زال بدخول الناسخ1.
ولم يشترط الكسائي والفراء الشرط الأول2 تمسكا، بنحو: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} 3، وبقراءة بعضهم: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى
__________
= مضاف إليه. والخال: الواو عاطفة. الخال: معطوف على محل اسم "لكن" "عطف مفرد على مفرد"، أو الخال: مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: والخال الطيب الأصل، والجملة معطوفة على جملة "لكن" عمي الطيب" والأول: هو المراد من الاستشهاد.
موطن الشاهد: "والخال".
وجه الاستشهاد: عطف "الخال" مرفوعا على محل اسم "لكن" بعد أن جاء بالخبر "الطيب الأصل" وهذا العطف على المحل من باب عطف المفرد على المفرد، وهو ما ذهب إليه ابن مالك، وسار عليه ابن هشام كما أوضحنا في المثال السابق، غير أن الجمهور يرون أن "الخال" مبتدأ محذوف الخبر، والجملة من "المبتدأ والخبر المحذوف": معطوفة على جملة "لكن عمي الطيب الأصل، أو معطوف على اسم مرفوع مثله، وهو الضمير المستكن في الخبر المتقدم، وعليه، يكون العطف من باب عطف المفرد على المفرد. وانظر تفصيل هذه المسألة في شرح التصريح: 1/ 227- 228.
1 ذلك؛ لأن العامل اللفظي، يبطل عمل العامل المعنوي، أما الرافع لمحل "رجل" في المثال، فهو الفعل "جاءني"، ولا يمنعه عن العمل الزائد؛ لأنه كالعدم. انظر شرح التصريح: 1/ 227.
2 أي: وهو استكمال الخبر، فأجازوا الرفع قبل الاستكمال وبعده كما في المغني وغيره.
3 "5" سورة المائدة، الآية: 69.
موطن الشاهد: {إِنَّ الَّذِينَ...... وَالصَّائِبُونَ} .
وجه الاستشهاد: عطف "الصائبون" على محل اسم إن "الذين" قبل استكمال الخبر، وهو من آمن بالله واليوم الآخر، فحكم هذا العطف الجواز.(1/345)
النَّبِيِّ"1، وبقوله2: [الطويل]
142- فإني وقيار بها لغريب3
__________
1 "33" سورة الأحزاب، الآية: 56.
أوجه القراءات: قرأ ابن عباس وأبو عمرو "وملائكته" بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب.
توجيه قراءة الرفع: على قراءة الرفع يكون "ملائكته" معطوفا على محل اسم "إن" وهو "لفظ الجلالة" كما في الآية السابقة وانظر البحر المحيط: 7/ 248، وتفسير القرطبي: 14/ 232، والكشاف: 3/ 272.
2 القائل: هو ضابيء بن الحارث البرجمي، أحد بني غالب بن حنظلة، سجنه سيدنا عثمنا بن عفان -رضي الله عنه-؛ لأنه رمى بني جرول بن نهشل، وبقي إلى أن مات في سجنه. الشعر والشعراء: 1/ 350، الإصابة: 3/ 276، والخزانة: 4/ 80، الاشتقاق: 134.
3 تخريج الشااهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فمن يك أمسك بالمدينة رحله
والبيت أول أربعة أبيات قالها الشاعر وهو في سجنه سيدنا عثمان رضي الله عنه، والأبيات رواها أبو العباس المبرد في كامله.
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 228، والأشموني: "274/ 1/ 144"، وسيبويه: 1/ 38، وهمع الهوامع: 2/ 144، والدرر اللوامع: 2/ 200، ومجالس ثعلب: 316، 598، والإنصاف: 1/ 94، وشرح المفصل: 8/ 68، والخزانة: 4/ 323، ومعاهد التنصيص: 1/ 65، ومغني اللبيب "854/ 618" "1051/ 811"، وشرح السيوطي: 293.
المفردات الغريبة: رحله، الرحل: المقصود به في البيت: مسكن الرجل وما يستصحبه من الأثاث، وروى مكانه رهطه، ورهط الرجل أهله وقبيلته. قيار: "بفتح القاف وتشديد الياء المثناة" ذكر العيني أنه اسم رجل، وقال أبو زيد في نوادره: إنه اسمه جمله، وقال الخيل: إنه اسم فرس له.
المعنى: يتحسر الشاعر في حبسه قائلا: من يك منزله وأثاثه بالمدينة، فليمس بها، أما أنا فلا؛ لأني وجملي أو فرسي غريب بها، فسنرحل عنها.
الإعراب: من: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. يكُ: فعل مضارع ناقص مجزوم؛ لِكونه فعل الشرط، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفا، واسمه: هو. أمسى: فعل ماضٍ ناقص. "بالمدينة": متعلق بخبر "أمسى" المحذوف، والمتقدم على الاسم. رحله: اسم أمسى "مؤخر مرفوع" والهاء: في محل جر بالإضافة، =(1/346)
وقوله1: [الوافر]
143- وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة2...................
__________
= وجملة "أمسى واسمها وخبرها": في محل نصب خبر "يك". فإني: الفاء رابطة لجواب الشرط. إن: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمه. وقيار: الواو حرف عطف. قيار: اسم معطوف على محل اسم "إن"، أو قيار: مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير. وقيار مثلي، كما في الأمثلة السابقة، والوجه الأول أفضل في هذا الشاهد. لغريب: اللام لام المزحلقة. غريب: خبر "إن" مرفوع.
موطن الشاهد: "فإني وقيار لغريب".
وجه الاستشهاد: عطف "قيار" على محل اسم "إن" قبل استكمال الخبر "غريب"، وهذا على مذهب الكسائي والفراء، اللذين أجازا العطف بالرفع على محل اسم "إن" قبل استكمال الخبر، كما في المتن، وأخذ بهذا الرأي أكثر فيما بعد.
غير أن بعض النحويين، يرون أن "قيار" مبتدأ محذوف الخبر؛ لِدلالة خبر "إن" عليه، أو "غريب" خبره، وخبر "إن" محذوف، ويراعى في كل كلام ما يناسبه، وفي مثل هذا الشاهد، فالمذكور خبر "إن"؛ لِاقتران الخبر باللام، وخبر المبتدأ لا يقترن بها إلا شذوذا، والحمل على الشاذ، إذا أمكن غيره، لا يجوز، والذهاب إلى أن اللام زائدة، لا لام الابتداء لا داعي له، وما ذهب إليه ابن مالك، وابن هشام أفضل؛ لأنه يريحنا من التأويلات، والتجوزات التي لا فائدة فيها.
1 القائل هو: بشر بن أبي خازم، ويكنى أبا نوفل، وهو أحد بني أسد بن خزيمة، أحد فحول الشعراء، وشجعان الفرسان، هجا أوس بن حارثة الطائي بخمس قصائد وحدث أن أسره "بنو نبهان"، ففكَّ أوس أسره، وأنعم عليه، فمدحه بخمس قصائد، مات مقتولا في إحدى غزواته، وذلك سنة 92 ق. هـ. له ديوان شعر مطبوع. الشعر والشعراء: 1/ 270، والخزانة: 2/ 261، ومختارات ابن الشجري: 2/ 19
2 تخريج الشاهد: البيت بتمامه:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 228، والكتاب لسيبويه: 1/ 290، والعيني: 4/ 315 ودلائل الإعجاز للجرجاني: 24، والإنصاف: 190، وشرح المفصل: 7/ 69، والخزانة: 4/ 315 وديوان بشر بن أبي خازم: 165.
المفردات الغريبة: بغاة: جمع باغ، وهو اسم الفاعل من البغي، وهو مجاوزة الحد، وتقول: بغى فلان على فلان، إذا ظلمه، واعتدى عليه. شقاق: مصدر شاقه إذا خالفه وعاداه أشد العداوة.(1/347)
ولكن اشترط الفراء1، إذا لم يتقدم الخبر، خفاء إعراب الاسم2 كما في بعض هذه الأدلة3.
وخرجها المانعون على التقديم والتأخير4، أي والصائبون كذلك، أو على الحذف من الأول5 كقوله6: [الطويل]
__________
المعنى: يعظ الشاعر قومه قائلا: إن لم يرأب الصدع بيننا، ويحل الوئام محل الخصام فاعلموا أننا شركاء في الظلم، ما دمنا في نزاع، وخصام وعداء.
الإعراب: إلا: إن الشرطية الجازمة، ولا: النافية، وفعل الشرط محذوف، والتقدير: إلا تفعلوا، ونحوه. فاعلموا: الفاء رابطة لجواب الشرط. اعلموا: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، و"الجملة": في محل جزم جواب الشرط. أنا: حرف مشبه بالفعل، و"نا": اسمه. وأنتم: الواو عاطفة، أنتم: ضمير منفصل في محل رفع عطفا على محل اسم "أن"، أو: أنتم: في محل رفع مبتدأ، وخبره محذوف، وأنتم مثلنا، ونحو ذلك. بغاة: خبر "أن". ما: مصدرية ظرفية. بقينا: فعل ماضٍ وفاعل، والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالإضافة، والتقدير: مدة بقائنا "في شقاق": متعلق بمحذوف خبر ثانٍ لـ "أن".
موطن الشاهد: "أنا وأنتم بغاة".
وجه الاستشهاد: عطف "أنتم" على محل اسم "أن" قبل استكمال الخبر "بغاة" وهذا المراد من الاستشهاد بالبيت، وبينا أن العطف على محل اسم إن وأن وأخواتهما قبل استكمال الخبر جائز على مذهب الكسائي وتلميذه الفراء ومن وافقهما، ويرى الجمهور أن العطف من باب عطف جملة على جملة كما في الأمثلة السابقة.
1 مرت ترجمته.
2 بأن يكون مبنيا، أو مقصورا، أو مضافا إلى ياء، ومثل ذلك، ما إذا كان خفي إعراب المعطوف، دون المعطوف عليه، نحو: إن محمدا وموسى فدائيان، والعلة في ذلك الاحتراز من تنافر اللفظ.
3 أي المتقدمة، وهي: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا.....} إلخ والبيتان.
4 أي: تقديم المعطوف وتأخير الخبر، فيكون "من آمن" خبر "إن" وخبر "الصائبون": محذوف، أي: كذلك، ويقال في الإعراب:
"من": اسم شرط مبتدأ "آمن" فعل الشرط، والخبر فلا خوف.... إلخ. و"الجملة": خبر إن.
5 أي حذف الخبر، من الأول؛ لِدلالة الثاني عليه، فيكون "من آمن" خبرا عن "الصابئون" وخبر "إن" محذوف؛ لِدلالة خبر "الصائبون" عليه.
6 لم ينسب البيت إلى قائل معين.(1/348)
144-......... فإني وأنتما ... وإن لم تبوحا بالهوى؛ دنفانِ1
ويتعين التوجيه الأول في قوله:
فإني وقيار بها لغريب2
__________
1 تخريج الشاهد: البيت بتمامه:
خليلي، هل طب؟ فإني وأنتما ... وإن لم تبوحا بالهوى دنفان.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 229، والأشموني: "275/ 1/ 144"، والعيني: 2/ 274 ومغني اللبيب: "853/ 617" "1050/ 810"، وشرح السيوطي: 293.
المفردات الغريبة: طب: هو علاج الجسم والنفس. تبوحا بالهوى: تعلناه وتظهراه، والهوى: العشق. دنفان: مثنى دنف "بفتح الدال وكسر النون" صفة مشبهة من الدنف "بفتح الدال والنون" وهو المرض الملازم المخامر، وقيل: المرض ما كان.
المعنى: يا صاحبي، هل من علاج يرجى للشفاء مما نحن فيه؟ فإني مريض، وأنتما كذلك، وإن لم تظهرا ما هو دفين في جوانحكما من هوى وألم ممضض.
الإعراب: خليلي: منادى مضاف. بحرف نداء محذوف، منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، والياء المدغمة بها في محل جر بالإضافة، هل: حرف استفهام. طب: مبتدأ مرفوع، وخبره محذوف، والتقدير: هل طب موجود، أو لنا، ونحو ذلك. فإني: الفاء تعليلية، إني: حرف مشبه واسمه، والخبر محذوف؛ لِدلالة خبر المبتدأ "أنتما" عليه. وأنتما: مبتدأ. وإن لم تبوحا: شرط وفعله، والجواب محذوف، يدل عليه ما قبله دنفان: خبر أنتما".
موطن الشاهد: "فإني وأنتما دنفان".
وجه الاستشهاد: تعين كون "أنتما" مبتدأ، و"دنفان" خبره، وخبر "إن" محذوف؛ لِدلالة خبر المبتدأ عليه؛ وذلك لأن "دنفان" مثنى واسم "إن" مفرد، ولا يجوز أن يقع المثنى خبرا عن المفرد، وكذلك لا يجوز أن يكون خبرا عن اسمها وما بعده؛ لأن الجميع جمع، ولا يجوز الإخبار عنه بالمثنى، فلا يبقى إلا الوجه الذي ذهبنا إليه في الإعراب، ويكون من باب عطف الجمل لا المفردات.
2 مر تخريج هذا الشاهد، والتعليق عليه.
يريد المؤلف القول: إن "لغريب" يتعين فيها أن تكون خبر "إن"؛ وذلك لِاقتران هذا الخبر باللام المزحلقة "لام الابتداء" كما أسلفنا وهي تدخل على خبر "إن" لا على خبر المبتدأ. وأما "قيار" فمبتدأ محذوف الخبر؛ لِدلالة خبر "إن" عليه، والتقدير: وقيار غريب، وهذا على مذهب الجمهور، وبينا أنه يجوز أن يكون معطوفا على محل اسم "إن"، وهو الأفضل.(1/349)
ولا يتأتى فيه الثاني لأجل اللام، إلا إن قُدِّرَتْ زائدة مثلها في قوله:
أم الحليس لعجوز شهربة1
والثاني في قوله تعالى: "وَمَلائِكَتُهُ"2 ولا يتأتى فيه الأول لأجل الواو في {يُصَلُّونَ} 2 إلا إن قدرت للتعظيم مثلها في: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} 3.
ولم يشترط الفراء الشرط الثاني4 تمسكا بنحو قوله5: [الرجز]
145- يا ليتني وأنت يا لميس ... في بلدة ليس بها أنيس6
__________
1 مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه، ومراد المؤلف من ذكر البيت؛ لِيدل على اللام الزائدة في قوله: "لعجوز"، حيث خرجت على أنها زائدة، وليست لام الابتداء؛ لأن لام الابتداء لا تدخل على خبر المبتدأ، وإنما تدخل على المبتدأ نفسه، أو على خبر "إن" المتأخر، وهذا ليشير إلى أن اللام في قوله "لغريب" لام الابتداء، وعليه فـ "غريب" خبر "إن" وأما إذا عددنا اللام زائدة، كما في هذا البيت، في "لعجوز"، جاز أن يكون قوله: "لغريب" خبر المبتدأ؛ لكون اللام الزائدة تدخل عليه، وما ذهبنا إليه في حينه أولى.
2 "33" سورة الأحزاب، الآية: 56.
موطن الشاهد: "وملائكتُهُ".
وجه الاستشهاد: يتعين هنا التوجيه الثاني، وهو الحذف من الأول، ولا يتعين التقديم والتأخير؛ لِأجل الواو في "يصلون" لأنها للجماعة المشتركة، والله واحد لا شريك له، إلا إن قدرت الواو للتعظيم للواحد، فيتأتى الوجه الأول أيضا، ويصير التقدير: إن الله يصلي، وملائكته يصلون.
3 "23" سورة المؤمنون، الآية: 99.
موطن الشاهد: {ارْجِعُونِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع الواو في "ارجعون" للتعظيم؛ لأن المخاطب واحد جل جلاله، ومثلها في ذلك، قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
4 وهو كون العامل: إن أول أن أو لكن، يعني أنه لم يجعل جواز العطف بالرفع مخصوصا بالعطف على اسم واحد من هذه الثلاثة، بل أجاز ذلك في أسماء غيرهنَّ كـ "ليت".
شرح التصريح: 1/ 230، والأشموني مع الصبان: 1/ 286- 287.
5 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
6 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز، أو بيتان من مشطوره، وبعد الشاهد قوله:
إلا اليعافير وإلا العيس(1/350)
وخرج على أن الأصل "وأنت معي" والجملة حالية، والخبر قوله "في بلدة"1.
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 1/ 230، وهمع الهوامع: 1/ 225، 2/ 114، والدرر اللوامع: 1/ 192، 2/ 202، وكتاب سيبويه: 1/ 133، 365، ومعاني الفراء: 1/ 479، والمقتضب: 2/ 319، 347، 4/ 414، والإنصاف: 271، شرح المفصل: 2/ 80، 117، 7/ 21، 8/ 52. والخزانة: 4/ 197، والعيني: 3/ 107، وديوان رؤبة: 53.
وقد وقع في ديوان جران العود "ط. دار الكتب": 52 رجز، صورته هكذا:
قد ندع المنزل يا لميس ... يعتسُّ فيه السبع الجروس
الذئب أو ذو لبد هموس ... وبلدة ليس بها أنيس
إلا اليعافير وإلا العيس ... وبقر ملمع كنوس
كأنما هن الجواري الميس
المفردات الغريبة: لميس: اسم امرأة. أنيس: مؤنس، والمراد: أي إنسان.
المعنى: أتمنى أن أكون أنا وأنت يا لميس في بلد ليس فيه أحد غيرنا.
الإعراب: يا: حرف نداء، والمنادى محذوف. ليتني: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: اسمه. وأنت: الواو عاطفة. أنت: معطوف على محل اسم "ليت"، أو على الضمير المستتر في الخبر. "في بلدة": متعلق بخبر ليت المحذوف، وجملة "ليس بها أنيس": صفة لـ بلدة.
موطن الشاهد: "ليتني وأنت".
وجه الاستشهاد: عطف "أنت" وهو ضمير رفع على محل اسم "ليت" قبل استكمال الخبر، في هذا، دلالة على جواز العطف على محل اسم "ليت" كذلك، وبين المؤلف تخريج الجمهور في المتن.
1 صاحب الحال هو الضمير المستكنُّ في الجار والمجرور الذي في قوله: "في بلدة"، والعامل في الحال، هو نفس الجار والمجرور، وهو العامل في صاحب الحال.
وهذا التخريج الذي ذكره المؤلف هو تخريج ابن مالك، وهو على ندور أو قلة، فإن أكثر النحويين، على امتناع تقديم الحال المنتصبة بالظرف، وهو ممن نص على ذلك، فقال في باب الحال".... وندر نحو سعيدٌ مستقرًّا في هجر" وشرحه الموضح بقوله: يجوز بقلة توسط الحال بين المخبر عنه والمخبر به، والنادر والقليل، لا يقاس عليهما، وأبعد منه قول بعضهم: إن الأصل أنا وأنت. فأنا مبتدأ، وأنت معطوف عليه، وخبر المبتدأ وما عطف عليه قوله في بلد فحذف أنا. شرح التصريح: 1/ 230.(1/351)
[تخفيف "إن" المكسورة فيكثر إهمالها] :
تخفف "إن" المكسورة لثقلها، فيكثر إهمالها؛ لزوال اختصاصها نحو: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} 1، ويجوز إعمالها استصحابا للأصل، نحو: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُم} 2، وتلزم لام الابتداء بعد المهملة3 فارقة بين الإثبات والنفي4، وقد تغني عنها قرينة لفظية، نحو: "إن زيد لن يقوم"، أو معنوية، كقوله5: [الطويل]
__________
1 "36" سورة يس، الآية: 32.
موطن الشاهد: {إِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مخففة من الثقيلة مهملة على قراءة تخفيف ميم "لما" فـ "إن" مهملة كل: مبتدأ. لما: اللام لام الابتداء، و"ماء" زائدة. جميع: خبر "لدينا": متعلق بـ "محضرون" الواقع صفة لـ "جميع" على المعنى، وأما قراءة تشديد الميم في "لما" فتكون "إن" نافية و"لما" بمعنى "إلا" ولا شاهد فيها.
2 "11" سورة هود، الآية: 111.
موطن الشاهد: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُم} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إن" مخففة من الثقيلة عاملة على قراءة نافع وابن كثير بتخفيف إن" وكُلًّا: اسمها. ولما: اللام لام الابتداء. "ما" زائدة للفصل بين اللامين، أو موصولة في محل رفع خبر "إن" "ليوفينهم": جواب قسم محذوف، لا محل لها، وجملة القسم المحذوف وجوابه: صلة لـ "ما". وقيل غير ذلك.
3 اختلف النحاة في هذه اللام، فذهب سيبويه، والأخفشان، وأكثر البغداديين إلى أنها لام الابتداء، وذهب أبو علي الفارسي، وابن جني، وابن أبي العافية، وابن أبي الربيع إلى أنها لام أخرى، اجتلبت للفرق بين النفي والإثبات، واستدلوا على ذلك بأنها لو كانت لام الابتداء لبقي لها اختصاصها، فلم تدخل إلا على ما أصله مبتدأ أو خبر، لكنها تدخل على المفعول به.
شرح التصريح: 1/ 232، والأشموني مع الصبان: 1/ 288-289، وابن عقيل: "ط. دار الفكر": 1/ 292-293.
4 أي: لتدل على أنها ليست النافية، ولذا تُسمَّى اللام الفارقة؛ لأنها تفرق بين المخففة والنافية، وقد تلحق هذه اللام "إن" العاملة إذا حصل لبس، بأن كان إعراب الاسم خفيفا، نحو: إن هذا أو يحيى لقائم. الأشموني مع الصبان: 1/ 289، وشرح التصريح: 1/ 231.
5 القائل: هو الطرماح، واسمه الحكم بن حكيم بن نفر من طيئ، يكنى: أبا نفر، كان شاعرا مجيدا، ملك عنان الخطابة والرواية والفصاحة والشجاعة والشرف في النسب، وفد جده قيس بن جحدر على النبي صلى الله عليه وسلم مع من وفد من طييء الشعر والشعراء: 2/ 585، الأغاني: 10/ 148، المؤتلف: 148، الاشتقاق: 234.(1/352)
146- وإنْ مالكٌ كانت كرامَ المعادنِ1
وإن ولي "إن" المكسورة المخففة فعل كثر كونه مضارعا ناسخا2، نحو
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
أنا ابن أباة الضيم من آل مالك
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 231، وابن عقيل: "103/ 1/ 379"، والأشموني: "278/ 1/ 145" والعيني: 2/ 276، وقطر الندى "64/ 220"، وديوان الطرماح: 173.
المفردات الغريبة: أباة: جمع آبٍ كالقضاة جمع قاضٍ من أبى إذا امتنع. الضيم: الظلم. مالك: اسم أبي القبيلة، ومالك الثاني هو القبيلة، ولهذا قال: كانت كرام المعادن. كرام المعادن: طيبة الأصول.
المعنى: يفتخر الشاعر قائلا: أنا ابن الذين يأبون الظلم والمذلة من آل مالك، وقد كانت قبيلتي كريمة الأصول والأنساب، شريفة المحتد والمنبت.
الإعراب: أنا مبتدأ. ابن: خبر. أباة: مضاف إليه، الضيم: مضاف إليه ثان. وإن: الواو عاطفة. إن مخففة من الثقيلة مهملة مالك: مبتدأ كانت كرام فعل ماضٍ ناقص، واسمه: هي، وكرام: خبره، وجملة "كانت كرام": خبر المبتدأ، المعادن: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "إن مالك كانت".
وجه الاستشهاد: ترك لام الابتداء التي تجتلب في خبر المبتدأ الواقع بعد "إن" المخففة المهملة؛ لِلتفريق بينها وبين "إن" النافية، واستغني عن اللام في الشاهد؛ لِوجود قرينة معنوية، تدل على أن "إن" غير نافية؛ وذلك لأن المقام للمدح والافتخار، كما يدل عليه صدر البيت، لا للنفي، وإلى هذا أشار ابن مالك بقوله:
وخففت "إنَّ" فقَلَّ العملُ ... وتلزم اللام إذا ما تهملُ
وربما استغنى عنها إن بدا ... ما ناطق أراده معتمدا
وانظر شرح التصريح: 1/ 231.
2 أي: من نواسخ المبتدأ، وهي: كان وكاد وظن وأخواتها، ويشترط في هذا الفعل الناسخ ألا يكون نافيا مثل "ليس" ولا منفيا، مثل: "ما كان" وما زال وأخواتها، وأن يكون غير داخل في صلة مثل: "ما دام"، وتدخل اللام في خبر الناسخ الحالي، أو في خبره بحسب الأصل، وقد مثل لذلك المصنف، فإن كان غير ناسخ وهذا قليل دخلت على معموله، فاعلا كان أو مفعولا، ظاهرا أو ضميرا منفصلا، وقد مثل المصنف للفاعل بقسميه، وللمفعول الظاهر، نحو: إن قتلت لمسلما، وللمفعول المضمر، نحو قولك: وإن أهنت لإياه، فإن اجتمع الفاعل والمفعول دخلت على السابق منهما، بشرط ألا يكون ضميرا متصلا فإن كان ضميرا متصلا، لم تدخل عليه اللام، ودخلت على المتأخر، نحو: إن أكرمت لمصلحا كبيرا، وإن مدحت لإياه.
التصريح: 1/ 231، وحاشية الصبان: 1/ 289، وابن عقيل: "ط. دار الفكر": 1/ 294.(1/353)
{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} 1، {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} 2، وأكثر منه كونه ماضٍيا ناسخا، نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةٌ} 3، {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} 4، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} 5، وندر كونه ماضٍيا غير ناسخ،
__________
1 "68" سورة القلم، الآية: 51.
موطن الشاهد: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع فعل "يكاد" المضارع الناسخ بعد "إن" المخففة المهملة، ودخلت اللام على الجزء الثاني من معمولي "يكاد"، ودخول المضارع الناسخ بعد "إن" المخففة المهملة جائز بكثرة.
2 "26" سورة الشعراء، الآية: 186.
موطن الشاهد: {إِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} .
وجه الاستشهاد: "وقوع المضارع الناسخ "نظنك" بعد "إن المخففة المهملة، ودخول اللام على خبر الفعل الناسخ "الجار والمجرور".
3 "2" سورة البقرة، الآية: 143.
موطن الشاهد: {إِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةٌ} .
وجه الاستشهاد: وقوع فعل "كان" وهو ماضٍ ناسخ بعد "إن" المخففة، ودخول اللام على الجزء الثاني من معمولي كان "على خبره"، وحكم دخول الماضي الناسخ بعد إن المخففة المهملة أكثر من دخول المضارع الناسخ، كما في المتن.
4 "37" سورة الصافات، الآية: 56.
موطن الشاهد: {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع فعل "كاد" الماضي الناسخ بعد "إن" المخففة المهملة، ودخول اللام على خبره، وهو جملة "تردين".
5 "7" سورة الأعراف، الآية: 102.
موطن الشاهد: {إِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع الفعل الناسخ بعد "إن" المخففة المهملة، وهو فعل "وجد" الماضي، ودخول اللام على المفعول الثاني "فاسقين".(1/354)
كقوله1: [الكامل]
147- شَلَّتْ يمينُك إن قتلتَ لَمُسلِمًا2
__________
1 هي: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية، وهي بنت عم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، شاعرة صحابية من المهاجرات تزوجها الزبير بن العوام.
الأعلام: 3/ 242، الخزانة: 10/ 378، الإصابة: ت: 695 قسم النساء.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قولها:
حلت عليك عقوبة المتعمد
وفيه ترثي الشاعرة زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه، وتدعو على عمرو بن جرموز قاتله قبل يوم الجمل، وكان قد رآه نائما تحت شجرة، قد علق سيفه، فاستله، وقطع رأسه وقيل الشاهد قولها:
يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشا رعد الجنان ولا اليدِ
وهو من شواهد التصريح: 1/ 231، وابن عقيل: "104/ 1/ 382"، والأشموني: "279/ 1/ 145"، وهمع الهوامع: 1/ 142، والدرر اللوامع: 1/ 119، والمحتسب: 2/ 255، وشرح المفصل: 8/ 71، 72، 76، والمقرب: 20، والإنصاف: 64، والعيني: 2/ 478، وخزانة الأدب: 4/ 348، ومغني اللبيب: "21/ 37" وشرح السيوطي: 26.
المفردات الغريبة: شلت: "بفتح الشين" إخبار ومعناه الدعاء، وشلت على ما لم يسم فاعله لغة رديئة. حلت عليك: نزلت بك، ويروي مكانه: وجبت عليك.
المعنى: تدعو عاتكة على ابن جرموز لفعلته الشنعاء، فتقول: أشلَّ الله يدك أيها القاتل؛ لأنك قتلت مسلما بغير حق، ووجبت عليك عقوبة القتل المذكورة في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} .
الإعراب: شلت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. يمينك: فاعل مرفوع، والكاف: مضاف إليه. إن: مخففة من الثقيلة مهملة. فعل ماضٍ "غير ناسخ" والتاء: فاعله. لمسلما: اللام لام الابتداء، ومسلما: مفعول به منصوب.
موطن الشاهد: "إن قتلت لمسلما".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل غير ناسخ بعد "إن" المخففة من الثقيلة المهملة، وحكم مجيء الفعل غير الناسخ بعد المهملة نادر، ولا يقاس عليه، خلافا للأخفش الذي لا يرى بأسا بدخول الفعل غير الناسخ بعدها. انظر شرح التصريح: 1/ 231.
فائدة: يعلل النحويون سبب مجيء الفعل الناسخ بعد "إن" المخففة بأن "إن" كانت مختصة بالدخول على المبتدأ والخبر، فلما ضعفت بالتخفيف، وزال اختصاصها؛ عوضوها بفعل ناسخ يختص بالمبتدأ والخبر، ولهذا كثر مجيء الأفعال الناسخة المضارعة والماضية بعدها كما رأينا.(1/355)
ولا يقاس عليه: "إن قام لأنا، وإن قعد لزيد"، خلافا للأخفش والكوفيين1، وأندر منه كونه لا ماضيا ولا ناسخا كقوله: "إن يزينك لنفسك، وإن يسيئك لهيه"2.
[تخفف "أن" المفتوحة ويبقى عملها:]
وتخفف "أن"المفتوحة فيبقى العمل، ولكن يجب في اسمها كونه مضمرا محذوفا3،
__________
1 المشهور عن الكوفيين، أنهم لا يجيزون تخفيف "إن" المكسورة، ويؤولون ما ورد منها على أن "إن" نافية بمنزلة "ما" واللام إيجابية بمنزلة "إلا" فمعنى: "إن قام لأنا": ما قام إلا أنا.
انظر شرح التصريح: 1/ 232، وحاشية الصبان: 1/ 290، ومغني اللبيب: 305-306.
2 هذا مثال للفاعل بقسميه، فإن "نفس" اسم ظاهر فاعل "يزينك"، و"هيه" ضمير بارز فاعل "يشين" والهاء للسكت، ومعنى المثل: إن نفسك، هي التي تزينك، وهي التي تشينك، ومجيء المضارع غير الناسخ "بعد" المخففة شاذ، ولا يقاس عليه بإجماع النحاة.
فائدة: لـ "اللام" بعد إن المخففة ثلاث حالات:
الأولى: وجوب ذكرها عند انعدام القرينة، نحو: "إن محمد لمسافر" في حالة الإهمال، وكون اسمها وخبرها مفردين.
الثانية: وجوب تركها في حال وجود المانع، نحو: "إن محمد لن يسافر" في حالة الإهمال؛ لِتقدم "لن" على الفعل.
الثالثة: جواز الأمرين، عند وجود قرينة، تدل على نوع "إن" أهي مخففة أم نافية، نحو: إن المؤمنين لفائزون، ويجوز: إن المؤمنين فائزون.
انظر شرح التصريح: 1/ 232.
3 الذي اشترط في أن المخففة، أن يكون اسمها ضمير شأن محذوفا -من النحاة- وهو ابن الحاجب، فأما الناظم، والجمهور، فلم يشترطوا فيه ذلك؛ لأنهم رأوا أن ضمير الشأن خارج عن القياس، فلا يحمل الكلام عليه، والغالب أن يكون للشأن؛ ومن أجل ذلك قدر سيبويه في قوله تعالى: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} أنك يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
التصريح: 1/ 232، وحاشية الصبان: 1/ 290.(1/356)
فأما قوله1:
148- بِأَنْكَ ربيع وغيث مريع ... وأَنْكَ هناك تكون الثمالا2
فضرورة.
__________
1 هي جنوب بنت العجلان بن عامر الهذلية، شاعرة جاهلية، وهي أخت عمرو بن العجلان بن عامر بن برد بن منبه، أحد بني كاهل والمسمى ذا الكلب.
الخزانة: 1/ 390.
2 تخريج الشاهد: البيت في رثاء أخيها عمرو الملقب "ذا الكلب"، وقد جاءت روايته في شعر الهذليين، هكذا:
بأنَّك كنت الربيع المريع ... وكنت لمن يعتفيك الثمالا
ويروى قبله قولها:
لقد علم الضيف والمرملون ... إذا اغبر أفق وهبت شمالا
والبيت الشاهد من شواهد التصريح: 1/ 232، والأشموني: "281/ 1/ 146" وشرح المفصل: 8/ 75، والخزانة: 4/ 352، وحماسة ابن الشجري: 73، والإنصاف: 27 وزهر الآداب، للحصري: 795، ومغني اللبيب "38/ 47"، والسيوطي: 79. وقطر الندى: "58/ 207".
المفردات الغريبة: غيث: أصل الغيث المطر، ولكنها أرادت به هنا الكلأ. مريع: "بفتح الميم وكسر الراء" يقال: أرض مريعة، أي: مخصبة كثيرة النبات، الثمال: الذخر والملجأ.
المعنى: لقد علم الضيف، وكل من لا زاد معه -إذا أظلم الجو، وهبت ريح الشمال الباردة التي تقضي على الزرع- بأنك كثير النفع، متصل العطاء، وأنك الملجأ والغوث لكل وافد عليك.
الإعراب: بأنك: الباء حرف جر، أن: مخففة من الثقيلة، والكاف: اسمها. ربيع: خبرها. وغيث: معطوف على ربيع. مريع: صفة لـ "غيث"، والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر بالباء، و"الجار والمجرور": متعلق بفعل "علم" في البيت السابق، والتقدير: علم الضيف بكونك ربيعا. وأنك: الواو عاطفة. أن: حرف مشبه بالفعل، والكاف: اسمه: "هناك" متعلق بـ "تكون"، أو بالثمال الآتي.
والكاف: حرف خطاب. تكون: فعل مضارع ناقص، واسمه: أنت. الثمالا: خبر تكون منصوب، والألف: للإطلاق، وجملة "تكون مع اسمها وخبرها": في محل رفع خبر "أن" المخففة.
موطن الشاهد: "بأنك ربيع، وأنك تكون".
وجه الاستشهاد: مجيء اسم "أن" المؤكدة المخففة من الثقيلة في الموضعين ضمير مخاطب، ومذكور في الكلام، والغالب أن يكون ضمير شأن، وأن يكون محذوفا، والشاهد -عند الجمهور- شاذ أو ضرورة، وعلمنا أن ابن مالك جوز أن يكون اسمها ضمير شأن، أو ضميرا غير ضمير الشأن، لكنه أوجب حذفه بكل حال، وعنده، يكون الشذوذ من وجه واحد، وهو ذكر الاسم، وفي قوله: "بأنك ربيع" يوجد شذوذ آخر عند سيبويه وابن الحاجب، وهو مجيء خبر "أن" المخففة مفردا، ومذهبهما أن يكون جملة.
وانظر شرح التصريح: 1/ 232.(1/357)
ويجب في خبرها أن يكون جملة1، ثم إن كانت اسمية أو فعلية فِعْلُها جامد أو دعاء لم تحتج لفاصل، نحو: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 2، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} 3، {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} 4، ويجب
__________
1 هذا إذا كان الاسم محذوفا، فإن ذكر كون الخبر جملة، وكونه مفردا، وقد اجتمعا في البيت السابق:
بأنك ربيع......
2 "10" سورة يونس، الآية: 10.
موطن الشاهد: {أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الجملة بعد "أن" المخففة على من غير فاصل وهذا على اعتبار "أن" مخففة لا تفسيرية، واسم "أن" ضمير الشأن المحذوف، والتقدير: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
3 "53" سورة النجم، الآية: 39.
موطن الشاهد: {أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الجملة بعد "أن" المخففة جملة فعلية، فعلها جامد، ولم يفصل بينها وبين "أن" فاصل، واسم "أن" ضمير الشأن المحذوف، والتقدير: أنه ليس للإنسان....
4 "24" سورة النور، الآية: 9.
أوجه القراءات: قرأ حفص: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ} بالنصب على تأويل، وتشهد الخامسة، وقرأ الباقون "والخامسةُ" بالرفع على الابتداء، وقرأ نافع "أن لعنة" بتخفيف نون "أن" ورفع "لعنة" على الابتداء، وقرأ نافع "أن غضب" بتخفيف النون، وكسر الضاد وفتح الباء، والله على هذا فاعل غضب. وقرأ الباقون: أن لعنة الله عليها، وأن غضب الله عليها.
توجيه القراءات: على قراءة أن غضب الله عليها بتخفيف النون، قال سيبويه: "ها هنا هاء مضمرة"، وأن "خفيفة من الثقيلة"، والمعنى: لأنه غضب الله عليها. حجة القراءات: 495-496، والبحر المحيط: 6/ 434، والكشاف: 2/ 52.(1/358)
الفصل في غيرهن1 بقد، نحو: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} 2، أو تنفيس نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُون} 3، أو نفي بلا، أو لن، أو لم، نحو: {وَحَسِبُوْا أَنْ لَاْ تَكُوْنَ
__________
1 إن الداعي إلى التزام الفصل بين أن المفتوحة المخففة من الثقيلة وبين خبرها إذا لم يكن جملة اسمية، أو فعلية، فعلها جامد أو دعاء، بواحد من الفواصل التي ذكرها أمران: أولهما: أن يكون ذلك الفصل عوضا مما فقدته، وذلك؛ لأنهم خففوها وحذفوا اسمها، وثانيهما: مخافة الالتباس بأن المصدرية، وذلك، كما التزموا اللام مع المكسورة دفعا لـ "الالتباس بأن النافية"، ولما كانت أن المصدرية لا تدخل على الجملة الاسمية، ولا على الفعل الجامد، ولا على فعل الدعاء، لم يجيئوا بفاصل، من هذه الأنواع الثلاثة: لأنهم بمأمن من الالتباس الذي يحذرونه، وكان علم المخاطب بأن هذا المكان، مما لا تأتي فيه أن المصدرية كافيا عندهم، فلم يحتاجوا معه إلى دليل آخر.
شرح التصريح، وحاشية يس: 1/ 232-233 حاشية الصبان: 1/ 291- 292، وابن عقيل: "ط. دار الفكر" "1/ 297.
2 "5" سورة المائدة، الآية: 113.
موطن الشاهد: {أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وقد فصل بينها وبين الجملة الواقعة خبرا لها بـ "قد"، وقد فصل بـ "قد" لأنها تقرب الماضي من الحاضر.
3 "73" سورة المزمل، الآية: 20.
موطن الشاهد: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وفصل بينها وبين الجملة الواقعة خبرا لها بالسين "حرف التنفيس"، والفصل بـ "السين"؛ لِئلا تلتبس "أن" المخففة بأن المصدرية.
وشاهد "سوف" قول الشاعر:
واعلم؛ فعلم المرء ينفعه ... أن سوف يأتي كل ما قدرا
وقول قيس بن رفاعة:
فإن عصيتم مقالي اليوم فاعترفوا ... أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار(1/359)
فِتْنَةً} 1، {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} 2، {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} 3، أو لو، نحو: {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ} 4، ويندر تركه، كقوله5: [الخفيف]
149- علموا أن يؤملون فجادوا6
__________
1 5 سورة المائدة، الآية: 71.
موطن الشاهد: "أن لا تكون".
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وقد فصل بينها وبين خبرها الواقع جملة بـ "لا" النافية، وهذا على قراءة من ضم نون تكون.
2 "90" سورة البلة، الآية: 5.
موطن الشاهد: {أَنْ لَنْ يَقْدِرَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وقد فصل بينها وبين الجملة الواقعة خبرا لها بـ "لن" الناصبة.
3 "90" سورة البلد، الآية: 7.
موطن الشاهد: {أَنْ لَمْ يَرَهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وقد فصل بينهما وبين الجملة الواقعة خبرا لها بـ "لم" النافية الجازمة.
4 "7" سورة الأعراف، الآية: 100.
موطن الشاهد: {أَنْ لَوْ نَشَاءُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف، وقد فصل بينها وبين الجملة الواقعة خبرا لها بـ "لو".
5 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
قبل أن يُسْألوا بأعظم سُؤلِ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 233، وابن عقيل: "107/ 1/ 388"، والأشموني: "284/ 1/ 147"، وهمع الهوامع: 1/ 143، والدرر اللوامع: 1/ 120، والعيني: 2/ 294، وقطر الندى: "57/ 206".
المفردات الغريبة: يؤملون: يرجون ويسألون. سؤل: مسئول ومطلوب.
المعنى: علم هؤلاء الأجواد أن الناس يرجون معروفهم وبرهم، فجاودا من العطاء، قبل أن يحوجوهم إلى السؤال والطلب بأعظم مسئول ومرجوٍّ.
الإعراب: علموا: فعل ماضٍ وفاعل. أن: مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن =(1/360)
ولم يذكر "لو" في الفوصل إلا قليل من النحويين، وقول ابن الناظم: "إن الفصل بها قليل" وَهْمٌ منه على أبيه1.
__________
= المحذوف. يؤملون: فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع، والواو: نائب فاعل، وجملة، "يؤملون": في محل رفع خبر "أن" المخففة. فجادوا: الفاء عاطفة. جادوا: فعل ماضٍ وفاعل. "قبل": متعلق بـ "جاد". أن: حرف مصدري ونصب. يسألوا: فعل مضارع مبني للمجهول، منصوب، وعلامة نصبه حذف النون، والواو: نائب فاعل، والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر بالإضافة. "بأعظم": متعلق بـ "جاد". سؤل: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "أن يؤملون".
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" المخففة من الثقيلة عاملة، واسمها ضمير الشأن المحذوف، وخبرها: جملة "يؤملون"، ولم يفصل بينها وبين الجملة الفعلية ذات الفعل المتصرف، وغير المفيد الدعاء، بفاصل، وحكم عدم الفصل بينها وبينه بفاصل نادر عند الجمهور.
1 أي: غلط، فإن نص عبارة الناظم: "وأكثر النحويين لم يذكروا الفصل بين "أن" المخففة وبين الفعل "بـ "لو"، وهذا لا ينافي ورودها كثيرا في الفصيح، وإلى هذا يشير الناظم:
فالأحسن الفصل بقد، أو نفيٍ اوْ ... تنفيسٍ اوْ لو؛ وقليل ذكر لو
ففهم ابنه "وقليل ذكر لو" أن مجيئها في الكلام العربي فاصلا قليل، وهذا الفهم، ليس مستقيما؛ لأنها وردت في القرآن الكريم، كما في الآية المستشهد بها، وكما في قوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} ، ولكن القليل هو ذكر النحاة لهذا الحرف في الفواصل، وهذا التعليق للمؤلف على ابن الناظم، غير أن عبارة ابن الناظم، ليس فيها ما ظن ابن هشام، بل هي واضحة الدلالة على ما يقصد والده، فهي "وأكثر النحويين لم يذكروا الفصل بين أن المخففة وبين الفعل بـ "لو" وإلى ذلك أشار بقوله: "وقليل ذكر لو". شرح التصريح: 1/ 234.
وخلاصة ما تقدم: أن الفعل غير الجامد، وغير الدعاء بعد "أن" المخففة المفتوحة الهمزة إما مثبت وإما منفي. وهو إما أن يكون ماضيا أو مضارعا، فالماضي المثبت يفصل بـ "قد"، نحو: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} ، والمضارع المثبت، يفصل بالسين، أو سوف، كما في المتن، والماضي المنفي يفصل بـ "لا" نحو: عملت أن لا حضر زيد ولا اعتذر، والمضارع المنفي، يفصل بـ "لا" أو "لن" أو "لم" كما في المتن، وأما "لو" فتأتي فاصلا مع الماضي والمضارع. انظر شرح التصريح: 1/ 233.(1/361)
[تخفف "كأن" ويبقى عملها] :
وتخفف "كأن" فيبقى أيضا إعمالها، لكن يجوز ثبوت اسمها1 وإفراد خبرها، كقوله2: [مشطور الرجز]
150- كأنْ وريديه رشاءٌ خُلُبْ3
وقوله4: [الطويل]
151- كأنْ ظبية تعطو إلى وارق السَّلَمْ5
__________
1 ويجوز حذفه، والغالب أن يكون ضمير الشأن، وقد يكون لغيره وإذا كان اسمه ضمير الشأن، وجب أن يكون خبرها جملة؛ لأن ضمير الشأن، لا بد له من جملة بعده تفسره.
2 هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 234، سيبويه: 1/ 480، والمقتضب: 1/ 50، وشرح المفصل: 8/ 72، 83، والمقرب: 20، والخزانة: 4/ 356، والعيني: 2/ 299، واللسان "خلب" وملحقات ديوان رؤبة: 169.
المفردات الغريبة: وريديه: عرقان في الرقبة. رشاء: بكسر الراء والمد، وهو مفرد، لا مثنى، وصحح الصاغاني أنه مثنى والرشاء: الحبل. خلب: بضم الخاء: الليف، وقيل: هو البئر العميق القعر.
المعنى: كأن عرقي هذا الرجل المعروفين بالوريدين حبل من الليف في الغلظ وخشونة الملمس.
الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل مخفف من "كأن" المثقلة. وريديه: اسم "كأن" منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، والهاء: مضاف إليه: رشاء: خبر كأن مرفوع. خلب: صفة لـ "رشاء" مرفوعة وعلامة رفعها الضمة المقدرة، منع من ظهورها سكون الوقف.
موطن الشاهد: "كأن وريديه رشاء".
وجه الاستشهاد: مجيء "كأن" مخففة من الثقيلة، ومجيء اسمها مذكورا، وكذا خبرها الذي جاء مفردا غير جملة، وحكم ظهور اسمها، ومجيء خبرها مفردا الجواز من غير ضرورة ولا شذوذ.
4 القائل هو: علباء بن أرقم اليشكري، أحد بني بكر بن وائل، شاعر جاهلي كان معاصرا للنعمان بن المنذر.
الخزانة: 4/ 364، ومعجم الشعراء: 304.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله: =(1/362)
يروى بالرفع على حذف الاسم، أي: كأنها، وبالنصب على حذف الخبر، أي: كأن مكانها، وبالجر على أن الأصل كظبية، وزيد "أن" بينهما.
__________
=
ويوما توافينا بوجه مقسم
وفيه يذكر الشاعر امرأته، ويمدحها، وهو من شواهد.
التصريح: 1/ 234، والأشموني: "287/ 1/ 147"، وهمع الهوامع: 1/ 143، والدرر اللوامع: 1/ 120، والكتاب لسيبويه: 1/ 281، 481، وبالمنصف: 3/ 128، وأمالي ابن الشجري: 2/ 3، والإنصاف: 1/ 202، وشرح المفصل: 8/ 72، 83 والمقرب: 20/ 116، والخزانة: 4/ 364، 489 واللسان "قسم" وشذور الذهب: "140/ 271"، والمغني: "41/ 51" والسيوطي: 41، وقطر الندى: "59/ 208".
وقد نسب السيرافي البيت إلى أرقم بن علباء، كما نسبه النحاس إلى باعث بن صريم اليشكري.
المفردات الغريبة: توافينا: تأتينا وتزورنا. وجه مقسم: جميل حسن. تعطو: تتناول أو تمد عنقها وتميله، وارق السلم: أي شجر السلم المورق، من إضافة الصفة إلى الموصوف، والسلم: شجرة العضاه له شوك، ويروي مكانه: ناضر السلم.
المعنى: يقول الشاعر: إن هذه المحبوبة تزورنا في بعض الأوقات، بوجه نضر جميل، وكأنها في حسن قوامها، وخفة حركتها ظبية، تتناول الورق من شجر السلم.
الإعراب: "يوما" متعلق بـ "توافينا". توافينا: فعل مضارع، والفاعل: هي، والياء، مفعول به "بوجه": متعلق بـ "توافي". مقسم: صفة لـ "وجه" مجرورة. كأن: مخففة من الثقيلة. ظبية: "يروى بالرفع والنصب والجر": فعلى الرفع على أنه خبر "كأن" واسمها محذوف، والتقدير: كأنها ظبية، وعلى رواية النصب، فعلى أن ظبية اسم "كأن" والخبر محذوف، والتقدير: كأن ظبية مكانها، أو نحو ذلك، وعلى رواية الجر، فعلى أن الكاف من "كأن": حرف جر، و"أن": حرف زائد، وظبية مجرور بالكاف، والوجه الأول أفضل. تعطو: فعل مضارع مرفوع، والفاعل هي، و"الجملة" في محل رفع أو نصب أو جر صفة لـ "ظبية". "إلى وارق": متعلق بـ "تعطو".
السلم: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "كأن ظبية".
وجه الاستشهاد: حذف اسم "كأن" على رواية رفع ظبية من غير أن يكون ضمير شأن وإفراد خبرها على هذه الرواية، وأما على رواية نصب "ظبية" ففيه دليل على جواز ذكر اسم "كأن" المخففة في الكلام، والوجهان جائزان كما أسلفنا.(1/363)
وإذا حذف الاسم وكان الخبر جملة اسمية لم يحتج لفاصل، كقوله1: [الهزج]
152- كأن ثدياه حقان2
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، ويروى صدره هكذا:
ووجه مشرق اللون
ويروى أيضا:
وصدر مشرق النحر
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 234، وابن عقيل: "108/ 1/ 391" والأشموني: "286/ 1/ 147" وهمع الهوامع: 1/ 143، والدرر اللوامع: 1/ 120، وكتاب سيبويه: 1/ 281، 283، والمحتسب: 1/ 9، والمنصف: 3/ 128، وأمالي ابن الشجري: 1/ 237، 2/ 3، 243، والإنصاف: 197، وشرح المفصل: 8/ 72، والخزانة: 4/ 358، والعيني: 2/ 305، والشذور: "141/ 372" والقطر: "60/ 209".
المفردات الغريبة: مشرق: مضيء. النحر: موضع القلادة من العنق. حقان: تثنية حق، وهو الوعاء المعروف.
المعنى: هذه الفتاة لها صدر، أعلاه ناصع البياض كأن الثديين فيه حقان في الاستدارة والصغر. والعرب كثيرا ما تشبه الثدي بحق العاج.
الإعراب: وصدر: الواو واو رب المحذوفة. صدر: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. مشرق: صفة لـ "صدر". النحر: مضاف إليه. كأن: مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف. ثدياه: مبتدأ، والهاء: مضاف إليه. حقان: خبر، وجملة "ثدياه حقان": في محل رفع خبر "كأن" المخففة، وجملة "كأن ثدياه حقان": في محل رفع خبر المبتدأ وعلى رواية كأن ثدييه حقان: فـ "ثدييه": اسم "كأن" منصوب، وحقان: خبر وعلى رواية وصدر، فالواو استئنافية، أو عاطفة، و"صدر" مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: ولها صدر.
موطن الشاهد: "كأن ثدياه حقان".
وجه الاستشهاد: حذف اسم "كأن" المخففة من الثقيلة، ومجيء خبرها جملة اسمية، ولم يفصل بينها وبين كأن فاصل، وهذا جائز على التغليب؛ لأنها لا تحتاج إلى فاصل، كما أسلفنا.(1/364)
وإن كانت الجملة فعلية1 فصلت بلم أو قد، نحو: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} 2، ونحو قوله3: [الخفيف]
153- لا يهولَنَّكَ اصطلاء لظى الحر ... ب فمحذورها كأنْ قد أَلَمَّا4
__________
1 أي: فعلها غير جامد، وغير دعائي؛ قياسا على "أن".
2 "10" سورة يونس، الآية: 34.
موطن الشاهد: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "كأن" مخففة من الثقيلة، ومجيء خبرها جملة فعلية، فعلها مضارع ففصل بينهما بـ "لم".
3 لم ينسب إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد:
البيت من شواهد: التصريح: 1/ 235، والأشموني: "288/ 1/ 148" والشذور "142/ 286"، والعيني: 2/ 306.
المفردات الغريبة: يهولنك، الهول: الفزع، يقال: هاله الأمر يهوله إذا أفزعه. اصطلاء: من اصطليت بالنار وتصلَّيت بها. لظى الحرب: نارها، وأراد شدائدها ومكروهاتها. محذورها: ما يحذر من أمرها. ألما: من الإلمام، وهو النزول، يقال: ألم به أمر: إذا نزل به.
المعنى: لا يزعجنك اقتحام الحروب وويلاتها، فإن الذي تخشاه منها وتحذره وهو الموت لا بد منه، وكأنه نزل بك، فلا فائدة من التحرز عنه.
الإعراب: لا يهولنك: لا ناهية، يهولنك: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لِاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بـ "لا" الناهية، ونون التوكيد؛ لِا محل لها من الإعراب، والكاف: مفعول به. اصطلاء: فاعل مرفوع. لظى: مضاف إليه. الحرب: مضاف إليه ثانٍ. فمحذورها: الفاء تعليلية، محذور، مبتدأ، و"ها": مضاف إليه. كأن: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير غيبة -يعود إلى المحذور- محذوف، والتقدير: كأنه قد: حرف تحقيق. ألما: فعل ماضٍ، والفاعل هو، يعود إلى اسم كأن المحذوف، والألف: للإطلاق، وجملة "ألما" في محل رفع خبر "كأن" المخففة، وجملة "كأن وخبرها": في محل رفع خبر المبتدأ "محذور"، وجملة "المبتدأ وخبره": تعليلية، لا محل لها.
موطن الشاهد: "كأن قد ألما".
وجه الاستشهاد: مجيء "كأن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الغيبة المحذوف، ومجيء خبرها جملة فعلية، فعلها ماضٍ، ولذا، فصل بينهما بـ "قد" على القياس.(1/365)
[تخفف لكن فتهمل وجوبا] :
مسألة:
وتخفف "لكن" فتهمل وجوبا1، نحو: {وَلَكِنِ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} 2 وعن يونس والأخفش جواز الإعمال3.
__________
1 لزوال اختصاصها بالجملة الاسمية، فتدخل عليها وعلى الفعلية، وعلى المفرد، ومعناها باقٍ، وهو الاستدراك، وأما "لعل" فلا يجوز تخفيف لامها مطلقا. حاشية الصبان: 1/ 294، والتصريح: 1/ 235.
2 "8" سورة الأنفال، الآية: 17.
موطن الشاهد: {وَلَكِنِ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "لكن" مخففة من الثقيلة مهملة؛ لِزوال اختصاصها بالجملة الاسمية لمباينة لفظها لفظ الفعل "لم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وحكم إلغائها الوجوب عند الجمهور، وجاء عن يونس والأخفش جواز الإعمال قياسا على "أن" المخففة، ولم يسمع عن العرب، والفرق بينها وبين "أن" زوال الاختصاص. شرح التصريح: 1/ 235.
3 أي قياسا على "أن" المخففة العاملة، ومذهبهما في هذه المسألة فاسد لا يؤخذ به لما أوضحناه.(1/366)
فهرس الكتاب أوضح المسالك الجزء الأول:
الموضوع الصفحة
تمهيد................................................................. 3
مقدمة أوضح المسالك........................................... 24
مقدمة المؤلف......................................................29
باب شرح الكلام.................................................. 33
أنواع الفعل......................................................... 51
باب المعرب والمبني............................................ 54
أنواع البناء......................................................... 63
تعريف الإعراب وأنواعه........................................... 64
الباب الأول: الأسماء الستة وشروط إعرابها............... 72
الباب الثالث: إعراب جمع المذكر السالم وما ألحق به.. 73
ما ألحق يجمع المذكر السالم................................ 74
الباب الرابع: إعراب الجمع بالألف
والتاء الزائدتين..................................................... 86
الباب الخامس: إعراب الاسم الذي لا ينصرف.............. 89
الباب السادس: إعراب الأفعال الخمسة...................... 92
الباب السابع: إعراب الفعل المضارع المعتل الآخر...........93
باب النكرة والمعرفة................................................. 98
باب العلم.............................................................. 129
باب اسم الإشارة................................................... 139
باب الموصول..........................................................143
باب المعرفة بالأداة.................................................. 180
باب المبتدأ والخبر................................................... 186
باب نواسخ الابتداء: كان وأخواتها............ .................... 226
باب أفعال المقاربة.................................................. 290
باب الأحرف المشبهة بالفعل..................................... 313(1/367)
المجلد الثاني
باب لا العاملة عمل إن
...
بسم الله الرحمن الرحيم
[باب لا العاملة عمل إن] :
هذا باب "لا" العاملة عمل إن1:
[شروط إعمالها] :
وشرطها: أن تكون نافية، وأن يكون المنفي الجنس، وأن يكون نفيه نصا2، وأن لا يدخل عليها جار، وأن يكون اسمها نكرة3، متصلا بها، وأن يكون خبرها أيضا نكرة، نحو: "لا غلام سفر حاضر".
__________
1 وتسمى: "لا" النافية للجنس؛ أي لكل فرد من أفراد الجنس، وتسمى كذلك "لا" التبرئة؛ لأنها تدل على تبرئة جنس اسمها كله من معنى غيرها. شرح التصريح: 1/ 235.
2 أي: يقصد بها التنصيص على استغراق النفي للجنس كله، لا لنفي الوحدة؛ وإلا أعملت عمل "ليس". حاشية الصبان: 2/ 2.
3 لأنه على تقدير "من" الاستغراقية؛ وهي مختصة بالدخول على النكرات.
فائدة: أعملت "لا" النافية للجنس عمل "إن" لأنها تشبهها في أربعة أمور، هي:
أ- كلتاهما تختص بالدخول على الجمل الاسمية.
ب- كلتاهما تفيد التأكيد؛ فـ "إن" لتأكيد الإثبات، و"لا" لتأكيد النفي.
ج- كلتاهما تقع في صدر الكلام، ولا تقع حشوا.
د- "لا" نقيضة "إن" والشيء يحمل على نقيضه، كما يحمل على مماثله. شرح التصريح: 1/ 235,
فائدة: اسم "لا" يتعين أن يكون مذكورا خلاف اسم "إن"؛ واسم "إن" يكون معرفة ويكون نكرة، واسم "لا" لا يكون إلا نكرة؛ وخبر "لا" لا يجوز أن يتقدم على الاسم بخلاف خبر "إن"؛ واسم "لا" لا ينون بخلاف اسم "إن"؛ و"لا" لا تعمل إلا بشرط، و"إن" تعمل بلا شروط. وانظر شرح التصريح: 1/ 235-236.(2/3)
فإن كانت غير نافية لم تعمل، وشذ إعمال الزائدة في قوله1: [البسيط]
154- لو لم تكن غَطَفَان لا ذنوب لها ... إذًا للام ذوو أحسابها عُمَرَا2
ولو كانت لنفي الوحدة عملت عمل ليس3، نحو: "لا رجل قائما، بل رجلان" وكذا إن أريد بها نفي الجنس لا على سبيل التنصيص4، وإن دخل عليها
__________
1 القائل: هو الفرزدق: همام بن غالب، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة للفرزدق يهجو فيها عمر بن هبيرة الفزاري.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 237، والأشموني: "290/ 1/ 149"، وهمع الهوامع: 1/ 147، والدرر اللوامع: 1/ 127، والخصائص: 2/ 87، وخزانة الأدب: 2/ 78، وديوان الفرزدق: 283.
المفردات الغريبة: غطفان. اسم قبيلة. لام "اللوم": العذل والتعنيف. أحسابها: جمع حسب، وهو ما يعده الإنسان من مفاخر أصوله.
المعنى: لو لم يكن لغطفان ذنوب وأعمال مخزية؛ للاموا عمر الفزاري على تعرضه لنا، ولكنهم يعلمون أنهم مذنبون، ولذلك امتنع لومهم.
الإعراب: لو: حرف شرط غير جازم. لم: نافية جازمة. تكن: فعل الشرط غير الجازم مجزوم بـ "لم". غطفان: اسم "تكن" الناقص. لا: زائدة. ذنوب: اسم "لا. "لها": متعلق بمحذوف خبر "لا". وجملة "لا ذنوب لها": في محل نصب خبر "تكن". إذا: حرف جواب واقع في جواب "لو". للام: اللام واقعة في جواب الشرط غير الجازم، تفيد التوكيد. لام: فعل ماضٍ. ذوو: فاعل لام مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. أحسابها: مضاف إليه، و"ها": مضاف إليه ثانٍ. عمرا: مفعول به، والألف: للإطلاق.
موطن الشاهد: "لا ذنوب لها".
وجه الاستشهاد: وقوع "لا" زائدة في البيت، وإعمالها عمل "إن"؛ ومعلوم أن "لا" الزائدة، تأتي في الكلام لمجرد تأكيد نفيه وتقويته؛ فحُكْمُ عملها عمل "إن" في البيت شاذ، ولا يقاس عليه؛ وأما وجوه زيادتها في الشاهد؛ فإن المقصود ثبوت الذنوب لـ "غطفان"؛ وهذا مستفاد من نفي النفي المعلوم من "لو"؛ التي تدل على امتناع شرطها، ومن "لم" التي أعقبتها؛ ونفي النفي إثبات؛ ولهذا فـ "لا" لم تفد شيئا؛ ولذا، حكم بزيادتها. وانظر شرح التصريح: "1/ 237، وحاشية الصبان: 4/ 2.
3 أو أهملت وتكررت؛ واختيار الإهمال أو الإعمال -عمل ليس- خاضع لما يقتضيه المعنى المراد.
4 بل في الظاهر فقط؛ لعموم النكرة في سياق النفي؛ ومثال ذلك، أن "لا" إذا كان اسمها مفردا؛ نحو: لا رجل في الدار؛ فإن أريد نفي الخبر عن فرد واحد، وعن الجنس في الظاهر؛ كانت "لا" عاملة عمل "ليس"؛ ويصح -على هذا- أن يقال بعدها: بل رجلان؛ وإن أريد نفي الجنس حقيقة، وتأكيد النص عليه؛ كانت عاملة عمل "إن" -وعلى هذا- فلا يصح أن يقال بعد شيء؛ وإذا كان الاسم بعدها مثنى أو مجموعا؛ فلا يختلف المراد من النفي؛ فيحتمل نفي الخبر عن المثنى والجمع فقط، أو نفيه عن كل فرد من أفراد الجنس؛ والفرق بينهما يكون على حسب المراد؛ وأما الفرق الصحيح الواضح بين المراد من النفي في قسمي "لا" فيظهر إذا كان الاسم مفردا. شرح التصريح: 1/ 237.(2/4)
الخافض خفض النكرة1، نحو: "جئت بلا زادٍ"، و: "غضبت من لا شيءٍ" وشذ: "جئت بلا شيءَ"2 بالفتح، وإن كان الاسم معرفة أو منفصلا منها أهملت3، ووجب -عند غير المبرد وابن كيسان- تكرارها4، نحو: "لا زيد في الدار ولا
__________
1 لأن "لا" لا تتوسط بين عامل ومعموله، وتكون حينئذ ملغاة بين الجار والمجرور؛ علما أن حرف الجر يتخطَّاها، ويعمل فيما بعدها؛ مع دلالتها على النفي، ولا تعد زائدة؛ فيفسد المعنى. وذهب بعضهم -في هذه الحال- إلى أن "لا" اسم بمعنى "غير" مجرورة بحرف الجر، وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف، وما بعدها مجرور بإضافتها إليه. شرح التصريح: 1/ 237.
2 أي: على إعمال "لا" مع التركيب؛ فالباء جارة و"لا شيء": في محل جر بالباء؛ وقد أجريا مجرى الاسم الواحد؛ لأن الجار دخل بعد التركيب، مثل "خمسة عشر" وشيء: اسم لا؛ ولا خبر لها؛ لأنها أصبحت فضلة؛ حكم إعمالها -في هذه الحال- شاذ كما أوضح المؤلف؛ وأما الذي ذهب لإعمالها فهو ابن جني نقلا عن أبي علي الفارسي. شرح التصريح: 1/ 237، وحاشية الصبان: 2/ 4.
3 أي: يجب الترتيب بين معموليها؛ فلا يجوز أن يتقدم خبرها ولا معموله على الاسم؛ ولو كان ظرفا، أو جارا ومجرورا؛ لأن ذلك سيؤدي إلى الفصل بينها وبين اسمها.
4 أي: عند الجمهور، يجب تكرارها في المعرفة جبرا لما فاتها من نفي الجنس؛ وأما في الانفصال فتنبيهًا على كونها لنفي الجنس في النكرات؛ وأجاز المبرد وابن كيسان عدم التكرار في الموضعين.
حاشية الصبان: 4/ 2.
فائدة: ورد اسم "لا" معرفة، وهي مع ذلك عاملة، ولم تكرر في قولهم: "قضية ولا أبا حسن لها". وفي قول الشاعر:
أرى الحاجات عند أبي خبيب ... نكدن ولا أمية في البلاد
وللعلماء في تأويل ذلك مذهبان: الأول: تقدير اسم "لا" نكرة لها تتعرف بالإضافة؛ نحو: "مثل" وأن هذه النكرة كانت مضافة إلى العلم، ثم حذفت وأقيم المضاف إليه مقامها؛ والتقدير: ولا مثل أبي الحسن لها؛ ولا مثل أمية في البلاد. الثاني: أن يقدر العلم قائما مقام وصف اشتهر به؛ فيقدر في "لا أبا حسن": لا فيصل لها، وفي "لا أمية" لا كريم في البلاد. انظر حاشية الصبان: 2/ 4-5.(2/5)
عمرو" ونحو: {لا فِيهَا غَوْلٌ} 1، وإنما لم تكرر في قولهم: "لا نَوْلُكَ أن تفعل"2، وقوله3: [البسيط]
155- أشاء ما شئت، حتى لا أزال لما ... لا أنت شائية من شأننا شاني4
__________
1 "37" سورة الصافات، الآية: 47.
موطن الشاهد: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "لا" مهملة في الآية الكريمة؛ لانفصال اسمها عنها بالجار والمجرور، وتكررت بقوله تعالى: {وَلَاْ هُمْ عَنْهَاْ يَنْزِفُوْنَ} ؛ وحكم إهمالها وتكرارها واجب عند الجمهور؛ ومعنى "الغول": كل ما يغتال العقول ويفسدها.
2 النول: مصدر بمعنى التناول؛ وقد وقع في المثل بمعنى المفعول؛ وفسره العلماء بـ "لا ينبغي لك أن تفعل كذا؛ لأنه إذا لم تتناوله قدرته لم ينبغ له؛ والأفضل في إعراب "لا نولك أن تفعل" لا: نافية مهملة. نولك: مبتدأ ومصاف إليه. والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل رفع خبر المبتدأ؛ وبعضهم يعربه فاعلا لـ "نولك" سد مسد الخبر؛ لأن "نولك" بمعنى اسم المفعول.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: البيت أنشده الفراء وابن كيسان، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 237، والأشموني: "293/ 1/ 149"، وهمع الهوامع: 1/ 148، والدرر اللوامع: 1/ 129.
المفردات الغريبة: شاني: اسم فاعل من شنأ الشيء، إذا أبغضه وكرهه، وأصله شانئ بالهمزة، فخفف بقلبها ياء.
المعنى: يخاطب محبوبته قائلا: أحب كل ما تحبينه من الأشياء، حتى لا أزال مبغضا لكل شيء لا تحبينه، ولا تريدينه من أمورنا.
الإعراب أشاء: فعل مضارع، والفاعل: أنا. ما: اسم موصول، مفعول به. شئت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "شئت": لا محل لها؛ لأنها صلة للموصول؛ والعائد محذوف؛ والتقدير: أشاء الذي شئته. حتى: ابتدائية؛ وهو الأفضل. لا: نافية. أزال: فعل مضارع ناقص، واسمه: أنا؛ وأزال مرفوع؛ لأن حتى ابتدائية. "لما": جار =(2/6)
للضرورة في هذا، ولتأول: "لا نولك" بلا ينبغي لك1.
[إذا جاء اسمها مفردا بني على الفتح أو نائبه] :
فصل: وإذا كان اسمها مفردا، أي: غير مضاف، ولا شبيه به، بني على الفتح2 إن كان مفردا أو جمع تكسير، نحو: "لا رجل، ولا رجال" وعليه أو على
__________
= ومجرور متعلق بـ "شاني" في آخر البيت. لا: نافية. أنت: مبتدأ. شائية: خبر؛ وجملة "المبتدأ والخبر": صلة لـ "ما" لا محل لها؛ والعائد محذوف والتقدير: للذي أنت شائيته. شاني: خبر "أزال" منصوب، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. انظر حاشية الصبان: 2/ 5.
موطن الشاهد: "لا أنت شائية".
وجه الاستشهاد: دخول "لا" النافية على معرفة "الضمير المنفصل" ولم تكرر مع إهمالها؛ وتمسك المبرد وابن كيسان بهذا الشاهد؛ فلم يوجبا تكرارها إذا اقترنت بالمعرفة؛ أو فصل بينها وبين اسمها -كما أسلفنا- والجمهور يعدون مثل هذا البيت ضرورة من ضرورات الشعر.
1 لأن "لا" دخلت على الفعل تأويلا؛ وهي إذا دخلت على الفعل غير الماضي؛ الذي ليس دعائيا؛ لا يجب تكرارها؛ لأنه في معنى النكرة.
شرح التصريح: 1/ 238.
2 ويكون في محل نصب دائما؛ وقيل في سبب بنائه على الفتح تركيبه معها؛ حتى صارا كالكلمة الواحدة؛ فأشبها الأعداد المركبة؛ نحو: خمسة عشر وغيرها؛ هذا وقد وقع اسم "لا" المفرد منصوبا في أسلوب عربي فصيح، وهو قولهم: "لا أبا لك"؛ ومنهم قول زهير بن أبي سلمى في معلقته:
سئمت تكاليف الحياة ومن يَعِشْ ... ثمانين حولا -لا أبا لك- يسأم
وهو تركيب يراد به المدح أحيانا، والذم أحيانا أخرى، وقد أوله النحاة على وجهين:
الأول: أن "أبا" اسم "لا" مبني على فتح مقدر على الألف، على لغة من يلزم الأسماء الستة الألف، و"لك": متعلق بالخبر المحذوف.
الثاني: أن "أبا" اسم "لا" منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، والكاف مضاف إليه؛ واللام: زائدة بين المضاف والمضاف إليه. والخبر محذوف؛ والتقدير: لا أباك موجود؛ والإضافة -هنا- غير محضة؛ فلا تفيد تعريفا؛ نحو: "غير، ومثل"؛ والوجه الأول أفضل وأقرب إلى الصواب.(2/7)
الكسر إن كان جمعا بألف وتاء1، كقوله2: [البسيط]
156- إن الشباب الذي مجد عواقبه ... فيه نلذُّ ولا لذات للشيب3
__________
1 بلا تنوين، نيابة عن الفتحة؛ أو بالتنوين على رأي بعضهم.
2 القائل هو: سلامة بن جندل بن عبد عمرو، من بني كعب بن سعد التميمي، يكنى أبا مالك، شاعر جاهلي من الفرسان، ومن أهل الحجاز، في شعره جودة، يعد من طبقة المتلمس؛ وهو من وُصَّاف الخيل؛ له: ديوان شعر صغير رواه الأصمعي، وأكثر المؤرخين على أنه جاهلي قديم، مع أنهم يذكرونه معاصرا لعمر بن كلثوم، ويقولون: إنه مات سنة 23 ق. هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 272. الخزانة: 2/ 85، سمط اللآلي: 49 و454، شعراء الجاهلية: 486، الأعلام: 3/ 106.
3 تخريج الشاهد: البيت من كلمة مستجادة؛ أولها قوله:
أودى الشباب حميدا ذو التعاجيب ... أودى؛ وذلك شأو غير مطلوب
ولى حثيثا، وذاك الشيب يتبعه ... لو كان يدركه ركض اليعاقيب
ويروى صدر البيت الشاهد هكذا:
أودى الشباب الذي مجد ...
والشاهد من شواهد التصريح: 1/ 238، والأشموني: "296/ 1/ 151"، وابن عقيل: "109/ 2/ 9" وهمع الهوامع: 1/ 238، وفيه برواية: أودى الشباب ... ، وكذلك الدرر اللوامع 1/ 126؛ والشذور: "11/ 125" والخزانة: 2/ 85، وشرح شواهد الألفية للعيني: 2/ 326، والمفضليات، للمفضل الضبي: 120.
المفردات الغريبة: مجد عواقبه: نهايته شرف وعزه. الشيب: جمع أشيب وهو الذي أبيض شعره.
الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. الشباب اسمه. الذي: صفة لـ "الشباب". مجد: خبر مقدم مرفوع. عواقبه: مبتدأ مؤخر، والهاء: مضاف إليه؛ وهو الأفضل؛ لأنه يجوز الإخبار بالمفرد عن الجميع؛ إذا كان مصدرا؛ لأن المصدر لا يثنى ولا يجمع؛ وجملة "مجد عواقبه": صلة للموصول، لا محل لها. "فيه": متعلق بـ "نلذ" الآتي. نلذ: فعل مضارع، والفاعل: نحن. ولا: نافية للجنس، لذات: اسم لا، مبني على الكسر، أو الفتح في محل نصب. "للشيب": متعلق بمحذوف خبر "لا".
موطن الشاهد: "لا لذات".
وجه الاستشهاد: مجيء اسم "لا" النافية للجنس، وهو "لذات" جمع مؤنث سالما، وورد البيت ببناء "لذات" على الكسرة نيابة عن الفتحة، كما ينصب بها؛ لو كان معربا. وورد في رواية أخرى ببنائه على الفتح؛ وفي هذا دليل على جواز الوجهين في مثل هذا الشاهد.(2/8)
روي بهما، وفي الخصائص1 أنه لا يجيز فتحه بصري إلا أبا عثمان2، وعلى الياء إن كان مثنى أو مجموعا على حده3، كقوله4: [الطويل]
157- تَعَزَّ فلا إلفين بالعيش مُتِّعَا5
__________
1 الخصائص: كتاب لأبي الفتح عثمان ابن جني، وهو كتاب مشهور، ومطبوع.
2 هو أبو عثمان المازني، وقد مرت ترجمته.
3 أي: على حد المثنى وطريقته في الإعراب بالحروف؛ وهو جمع المذكر السالم؛ ولم تعارض التثنية والجمع سبب البناء -هنا- لأن هذا السبب وارد على التثنية والجمع وللوارد قوة؛ فهما يبنيان على ما ينصبان به.
انظر شرح التصريح: 1/ 239.
وحاشية الصبان: 2/ 7.
4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ولكن لوُرَّاد المنون تتابُعُ
والبيت من شواهد التصريح: 1/ 239، والأشموني: "295/ 1/ 150"، وهمع الهوامع: 1/ 146 والدرر واللوامع: 1/ 126، والعيني: 2/ 333، وشذور الذهب: "28/ 123".
المفردات الغريبة: تعز: تصبر وتكلَّف السلوان والتأسي بمن سبقك. إلفين: تثنية إلف؛ وهو الصديق الذي يألفك وتألفه؛ ومثله الأليف. ورَّاد: جمع وارد. المنون: الموت. تتابع: توارد، يرد بعضهم في إثر بعض.
المعنى: تسل أيها الإنسان، واعتبر بمن سبقوك، وتأسَّ بمن رحلوا عن هذه الحياة قبلك؛ فليس هناك صديقان تمتعا بدوام العيش وصفائه؛ فالكل سائر إلى الموت، يتبع بعضهم بعضا.
الإعراب: تعز: فعل أمر، والفاعل: أنت. فلا: الفاء تعليلية، لا: نافية للجنس. إلفين: اسم "لا" مبني على الياء؛ لأنه مثنى في محل نصب "بالعيش": متعلق بـ "متعا" الواقع خبرا لـ "لا"؛ ومتعا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والألف نائب فاعل ولكن: الواو عاطفة، لكن: حرف استدراك. "الوراد": متعلق بخبر مقدم محذوف، ووراد: مضاف. المنون: مضاف إليه. تتابع: مبتدأ مؤخر مرفوع.
موطن الشاهد: "لا إلفين".
وجه الاستشهاد: مجيء اسم "لا" النافية للجنس مثنى؛ فبني على الياء التي ينصب بها حين يكون اسما معربا.(2/9)
وقوله1: [الخفيف]
158- يحشر الناس لا بنين ولا آ ... باء إلا وقد عنتهم شئون2
[علة بناء اسمها المفرد على الفتح] :
قيل: وعلة البناء تضمن3 معنى "من" بدليل ظهورها في قوله4: [الطويل]
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 239، والأشموني: "295/ 1/ 150"، وهمع الهوامع: 1/ 146، والدرر اللوامع: 1/ 126، والعيني: 2/ 334، وشذور الذهب: "29/ 124".
المفردات الغريبة: عنتهم: أهمتهم، يقال: عناه الأمر يعنيه؛ إذا استحق عنايته واهتمامه. شئون: خطوب وشواغل؛ جمع شأن.
المعنى: عندما يحشر الناس يوم القيامة، لا يهتم أحد بأحد من الناس؛ لأن كل واحد منهم منشغل بنفسه لهول الموقف، ومصداق هذا قوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} .
الإعراب: يحشر: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. الناس: نائب فاعل مرفوع. لا: نافية للجنس بنين: اسم "لا" على الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية للجنس. آباء: اسم لا مبني على الفتح في محل نصب؛ وخبر "لا" في الموضعين محذوف؛ والتقدير: لا بنين موجودون. إلا: أداة حصر. وقد: الواو حالية. قد: حرف تحقيق. عنتهم: فعل ماضٍٍ، والتاء: للتأنيث، و"هم" مفعول به. شئون: فاعل مرفوع. وجملة "قد عنتهم شئون": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "لا بنين".
وجه الاستشهاد: مجيء اسم لا النافية للجنس "بنين" جمع مذكر سالما؛ فبني على الياء؛ التي هي علامة نصبه في حال إعرابه.
3 ذكرنا سابقا العلة التي من أجلها بني اسم "لا" ونضيف زيادة في الفائدة؛ أن سيبويه، وجمهور النحاة يرون علة بنائه بتركبه مع لا تركب خمسة عشر -كما أسلفنا- ويؤيد رأيهم هذا زوال بناء هذا الاسم متى فصل بينه وبين "لا" فاصل، ولو كان تقدم الخبر على هذا الاسم، كما في قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} ؛ وذهب ابن عصفور إلى أن علة البناء تضمن معنى "من" الاستغراقية، واعترض عليه ابن الضائع بأن الذي تضمن معنى "من" هو "لا" نفسها، لا الاسم بعدها.
انظر شرح التصريح: 1/ 240.
4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.(2/10)
159- وقال: ألا لا من سبيل إلى هند1
وقيل: تركيب الاسم مع الحرف كخمسة عشر2.
وأما المضاف وشبهه فمعربان، والمراد بشبهه: ما اتصل به شيء من تمام معناه3. نحو: "لا قبيحا فعله محمود، ولا طالعا جبلا....
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فقام يذود الناس عنها بسيفه
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 239، والأشموني: "289/ 1/ 148"، وهمع الهوامع: 1/ 146 والدرر اللوامع: 1/ 125، والعيني: 2/ 332.
المفردات الغريبة: يذود: يمنع ويدفع. سبيل: طريق. هند: اسم محبوبته.
المعنى: أخذ يدفع الناس، ويمنعهم عنها بسيفه، ويقول: ألا إنه لا طريق للوصول إلى هند، فإني سأذود عنها وأدافع بحد الحسام.
الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. لا: نافية للجنس. من: زائدة للاستغراق. سبيل: اسم "لا" مبني على فتح مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. "إلى هند": متعلق بالخبر المحذوف.
موطن الشاهد: "ألا لا من سبيل".
وجه الاستشهاد: ظهور "من" الاستغراقية بعد "لا" النافية للجنس؛ وفي هذا دليل على أنها، إذا لم تذكر مع الاسم؛ فهو متضمن معناها؛ ولهذا اختار ابن عصفور أن سبب بناء اسمها على الفتح كونه متضمنا معنى "من" الاستغراقية؛ وعلل ذلك بأن تركيب الاسم مع الحرف قليل؛ وأما البناء لتضمن معنى الحرف فكثير؛ وأما اعتراض ابن الضائع عليه، بأن المتضمن لمعنى "من" إنما هو "لا" نفسها لا الاسم بعدها؛ رده الدنوشري بقوله: "هذا الاعتراض ساقط؛ لأن الاستغراق الذي هو معنى "من" معناه الشمول، ولا شك في أن ذلك مدلول للنكرة؛ لأنها في سياق النفي للعموم. شرح التصريح: 1/ 239-240.
2 هذا قول سيبويه وجماعة، وحجتهم أنه إذا فصل بين "لا" واسمها أعرب؛ نحو: لا فيها رجل ولا امرأة ... شرح التصريح: 1/ 240.
3 أول أمثلة المؤلف يدل على أن ما اتصل باسم "لا" قد يكون مرفوعا به، والمثال الثاني يدل على أنه قد يكون منصوبا به، والمثال الثالث يدل على أنه قد يكون مجرورا بحرف جر يتعلق به، وقد بقي رابع؛ وهو أن يكون معطوفا عليه نحو: لا ثلاثة وثلاثين.
شرح التصريح: 1/ 240.(2/11)
حاضر1، ولا خيرًا من زيد عندنا".
[لك في "لا حول ولا قوة إلا بالله" خمسة أوجه] :
فصل: ولك في نحو: "لا حول ولا قوة إلا بالله" خمسة أوجه:
أحدها: فتحتهما، وهو الأصل، نحو: "لا بَيْعَ فِيهِ وَلا خُلَّةَ"2 في قراءة ابن كثير3، وأبي عمرو4.
__________
1 جبلا: مفعول طالعا؛ لأنه اسم فاعل، ونصب الشبيه بالمضاف وتنوينه؛ هو مذهب البصريين؛ وأجاز البغداديون؛ لا طالع جبلا بلا تنوين، أجروه في ذلك مجرى المضاف، كما أجري مجراه في الإعراب، وعليه يتخرج الحديث: "لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت".
مغني اللبيب: 515.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 254.
أوجه القراءات: قرأ ابن كثير وأبو عمرو "لا بيعَ فيه ولا خلةَ" بالفتح من دون تنوين؛ وقرأ الباقون بالرفع.
توجيه القراءات: في قراءة ابن كثير وأبي عمرو فـ "بيع" ولا "خلة" اسمان لـ "لا" العاملة عمل "إن" مبنيان في محل نصب؛ وأما على قراءة الرفع؛ فإما أن "لا" عاملة عمل ليس، وإما مهملة وهما مرفوعان بالابتداء.
موطن الشاهد: "لا بيع فيها ولا خلة".
وجه الاستشهاد: مجيء "لا" في الموضعين عاملة عمل "إن" و"بيع" اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب؛ وخلة: اسم "لا" الثانية مبني على الفتح في محل نصب كذلك.
ومثل هذه الآية في فتح الاسمين قول الشاعر "وهو الشاهد السابق":
يحشر الناس لا بنين ولا آ ... باء إلا وقد عنتهم شئون
3 هو: أبو معبد، عبد الله بن كثير بن عمرو المكي الداري، ولد سنة 45هـ، وهو أحد أصحاب القراءات السبع، كان إمام القراء بمكة غير منازع، وكان عالما بالعربية فصيحا بليغا مفوها؛ لقي من الصحابة عبد الله بن الزبير، وأبا أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- ولم يزل الإمام المجمع عليه في القراءة بمكة، حتى توفي سنة 120هـ.
غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري: 1/ 443. وفيات الأعيان: 3/ 41.
4 هو أبو عمرو، زبان بن العلاء بن عمار المازني البصري، أحد أصحاب القراءات السبع، كان أعلم الناس بالقراءة والعربية، مع الصدق والأمانة والدين؛ أخذ عن نافع مولى ابن عمر، وأخذ عنه اليزيدي النحوي وغيره. مات سنة 154؛ وله 86 سنة.
بغية الوعاة: 2/ 231، طبقات القراء: 1/ 288، وفيات الأعيان: 1/ 386 الفهرست: 28، الأعلام: 3/ 72.(2/12)
الثاني: رفعهما، إما بالابتداء، أو على إعمال "لا" عمل ليس1 كالآية في قراءة الباقين، وقوله2: [البسيط]
160- لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جَمَلُ3
__________
1 ويقدر لهما خبر واحد، إن جعلت "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفي، وما بعدها معطوف على "لا" الأولى مع اسمها، باعتبار الأصل، على الخلاف في ذلك. وإن أهملت الأولى، وأعملت الثانية أو بالعكس؛ وجب تقدير خبرين لكل خبر؛ أما إذا جعلتا عاملتين عمل ليس؛ فيجوز تقدير خبرين، أو خبر واحد.
2 القائل هو: عبيد بن حصين النميري، المعروف بالراعي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وما هجرتك حتى قلت معلنة
وهو من شواهد التصريح: 1/ 241 والأشموني: "300/ 152"، والكتاب لسيبويه: 1/ 354، وشرح المفصل: 2/ 111، 113 والعيني: 2/ 336، ومجمع الأمثال للميداني "بولاق": 2/ 144.
وعجز البيت:
لا ناقة لي في هذا ولا جمل
مثل من أمثال العرب يقوله من يتبرأ من الأمر، ويباعد نفسه منه، وأول من قاله الحارث بن عباد فارس النعامة حين قتل جساس بن مرة كليب بن ربيعة، وهاجت الحرب بين بكر وتغلب، وكان الحارث بن عباد قد اعتزلها.
وقيل: إن أول من قال ذلك الصدوف بنت حليس العذرية. وانظر أمثال الميداني "تحقيق محيي الدين عبد الحميد": 1/ 220.
المفردات الغريبة: وما هجرتك: يروى مكانه وما صرمتك: وهما يدلان على الهجر، وقطع حبال المودة.
المعنى: ما تركتك، وقطعت حبال المودة والصلة بيننا؛ حتى تبرأت مني، وقلت صراحة: لا شيء لي في هذا الأمر.
الإعراب: ما: نافية. هجرتك: فعل ماضٍ، وفاعل، ومفعول به، حتى: حرف غاية بمعنى "إلى". قلت: فعل وفاعل. معلنة: حال منصوب. لا: نافية مهملة؛ أو عاملة عمل ليس. ناقة: مبتدأ على الوجه الأول، واسم "لا" على الوجه الثاني؛ والأول =(2/13)
الثالث: فتح الأول ورفع الثاني1، كقوله2: [الكامل]
161- لا أم لي إن كان ذاك ولا أب3
__________
= أفضل. "لي في هذا": متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ؛ أو "لا"، وإعراب "ولا جمل" مثله؛ وخبره محذوف؛ أي: ولا جمل لي، ويجوز أن تكون "لا" الثانية زائدة، و"جمل" معطوفة على ناقة.
موطن الشاهد: "لا ناقة ... ولا جمل".
وجه الاستشهاد: تكرار "لا" وورود الاسمين مرفوعين؛ فارتفاع الأول على أحد وجهين، كما أوضحنا في الإعراب؛ الأول: أن تكون "لا" مهملة والاسم بعدها مبتدأ؛ أو تكون عاملة عمل "ليس" والاسم بعدها اسمها مرفوع.
وارتفاع "جمل" على أحد ثلاثة أوجه:
أولها: أن تكون "لا" الثانية زائدة، والاسم بعدها معطوف على الاسم الذي بعد "لا" الأولى.
ثانيها: أن تكون "لا" الثانية نافية مهملة و"جمل" مبتدأ محذوف الخبر؛ وهذه الجملة من المبتدأ والخبر معطوفة على جملة المبتدأ والخبر الأولى.
ثالثها: أن تكون "لا" الثانية نفاية عاملة عمل "ليس" و"جمل" اسمها، وخبرها محذوف؛ والجملة معطوفة على الجملة السابقة.
1 إما بالابتداء، و"لا" ملغاة، أو على أن "لا" عاملة عمل ليس، ويكون في الحالتين من عطف الجمل أو بالعطف على محل اسم "لا" باعتبار الأصل، و"لا" زائدة لتوكيد النفي.
2 ينسب هذا البيت إلى رجل من مذحج ولم يسمه أحد من النحاة.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
هذا لعمركم الصغار بعينه
وقوله قبل هذا البيت:
وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
وهذا القول في أهله الذين يفضلون أخاه عليه.
وقد نسبه أبو رياش لهمام بن مرة؛ أخي جساس بن مرة، قاتل كليب، وقال ابن الأعرابي: هو لرجل من بني عبد مناة، وقال الحاتمي: هو لابن أحمر، وقال الأصفهاني: هو لضميرة بن ضمرة، وقال بعضهم: إنه من الشعر القديم جدا.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 241، وابن عقيل: "111/ 2/ 13"، والأشموني: "298/ 1/ 151" وفيه برواية:
هذا وجدكم الصغار ...
والكتاب لسيبويه: 1/ 352، =(2/14)
وقوله1: [الطويل]
162- وأنتم ذنابي لا يدين ولا صدر2
__________
= والمقتضب: 4/ 371، والجمل للزجاجي: 343، وشرح المفصل: 2/ 110، وهمع الهوامع: 2/ 144 والدرر اللوامع: 2/ 198، ومغني اللبيب: "1014"/ 773" وشرح السيوطي: 311 وشذور الذهب: "31/ 127".
المفردات الغريبة: لعمركم: وحياتكم، والعمر الحياة، وجدكم: الجد الحظ والبخت، وهو أيضا: أبو الأب. الصَّغار: الذال والمهانة. الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط.
المعنى: أقسم بحياتكم أن إيثار أخي جندب علي في المكارم، ودفعي إلى المكاره؛ هو عين الذل والمهانة؛ فإن كان ذلك هو تقديركم لي؛ فلا أم لي ولا أب؛ يريد أنه وضيع ساقط النسب.
الإعراب: هذا: الهاء للتنبيه، وذا: اسم إشارة، مبتدأ. لعمركم: اللام للابتداء، عمر: مبتدأ، و"كم" مضاف إليه؛ والخبر محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمركم قسمي. الصغار: خبر المبتدأ "ذا"؛ وجملة القسم معترضة بين المبتدأ وخبره، لا محل لها. بعينه: الباء زائدة، عينه: مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه توكيد لـ "الصغار"؛ وهو الأفضل. لا: نافية للجنس. أم: اسمها مبني على الفتح في محل نصب. "لي": متعلق بالخبر. إن: شرطية. كان: فعل ماضٍ تام، وهو فعل الشرط؛ وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله. ذاك: فاعل "كان" والكاف: للخطاب؛ وجملة "إن كان ذاك": اعتراضية، لا محل لها. ولا أب: الواو عاطفة، لا زائدة لتأكيد النفي. أب: معطوف على محل لا واسمها؛ فإنها في موضع رفع بالابتداء.
موطن الشاهد: "ولا أب".
وجه الاستشهاد: تكررت "لا" وعطف بالواو على ما قبلها، وارتفع الاسم بعدها؛ وارتفاعه على واحد من ثلاثة أوجه؛ هي:
أ- أن تكون "لا" زائدة لتأكيد النفي -كما أعربنا- وارتفع "أب" بالعطف على محل "لا مع اسمها"؛ على مذهب سيبويه.
ب- أن تكون "لا" الثانية عاملة عمل "ليس" و"أب": اسمها؛ وخبرها محذوف.
ج- أن تكون "لا" زائدة غير عاملة؛ و"أب": مبتدأ محذوف الخبر.
انظر حاشية الصبان: 2/ 10.
1 القائل: هو جرير بن عطية، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
بأي بلاء يا نمير بن عامر
=(2/15)
الرابع: عكس الثالث1، كقوله2: [الوافر]
163- فلا لغو ولا تأثيم فيها3
__________
= وهو من قصيدة لجرير يهجو فيها قبيلة من قيس؛ أبوها نمير بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن، وهو من شواهد التصريح: 1/ 241.
المفردات الغريبة: بلاء: "البلاء": الاختبار والتجربة، والمقصود هنا العمل الذي يكون سببا للفخر. ذنابى "بضم الذال المعجمة": أتباع وذيول. لا يدين ولا صدر: أي لستم قادة ولا رؤساء متبوعين.
المعنى: بأي عمل أو فعل بدر منكم تفخرون؟ فأنتم لا تملكون أدنى أثر في المحامد، وأنتم أتباع وذيول لغيركم، ولستم قادة، ولا رؤساء متبوعين.
الإعراب: "بأي": متعلق بفعل محذوف؛ والتقدير. بأي بلاء تفخرون؟. بلاء: مضاف إليه. يا نمير: حرف نداء، ومنادى مبني على الضم في محل نصب. ابن: صفة لـ "نمير" وهو مضاف. عامر: مضاف إليه. وأنتم: الواو حالية، أنتم: مبتدأ. ذنابى: خبر. لا: نافية للجنس. يدين: اسم "لا" مبني على الياء؛ لأنه مثنى؛ والخبر محذوف؛ والتقدير: ولا يدين لكم. ولا صدر: "بالرفع" معطوف على الأوجه الثلاثة المذكورة في الشاهد السابق.
موطن الشاهد: "لا يدين ولا صدر".
وجه الاستشهاد: ورود "لا" مكررة، وورود الاسم بعد الأولى مبنيا على الياء، وبعد لثانية مرفوعا؛ فلا الأولى عملت عمل "إن" كما بينا في الإعراب. وارتفاع الاسم بعد "لا" الثانية؛ على أحد ثلاثة أوجه، هي:
أ- أن تكون "لا" الثانية زائدة، و"صدر" معطوف على محل "لا مع اسمها"؛ لأن محلهما الرفع بالابتداء على رأي سيبويه.
ب- أن تكون "لا" نافية مهملة، فيكون "صدر": مبتدأ بعدها.
1 وهو رفع الأول وفتح الثاني، أما رفع الأول، فعلى الابتداء، و"لا" ملغاة، أو على إعمال "لا" عمل ليس، وفتح الثاني على إعمال "لا" الثانية عمل "إن" ويقدر لكل خبر.
2 القائل هو: أمية بن أبي الصلت، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت لأمية بن أبي الصلت في وصف الجنة، وأكثر النحاة يروون عجزه:
وما فاهوا به أبدا مقيم
=(2/16)
الخامس: فتح الأول ونصب الثاني1، كقوله2: [السريع]
164- لا نسب اليوم ولا خلة3
__________
= وفيه تلفيق من بيتين يفصل بينهما خمسة أبيات، وثانيهما يروى قبل أولهما، وهما:
ولا لغو ولا تأثيم فيها ... ولا حَيْنٌ ولا فيها مليمُ
وفيها لحم ساهرة وبحر ... وما فاهوا به أبدًا مقيمُ
ويروى عجز الشاهد:
ولا غول ولا فيها مليمُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 241، وابن عقيل: "112/ 2/ 15"، والأشموني: "301/ 1/ 152" وهمع الهوامع: 2/ 154، والدرر اللوامع: 2/ 199 والخزانة: 2/ 283 عرضا، والعيني: 2/ 346، واللسان: "سهر"، والشذور: "33/ 128"، وديوان أمية بن أبي الصلت: 54.
المفردات الغريبة: اللغو: القول الباطل، وما لا يعتد به من الكلام. تأثيم: مصدر أثمته؛ نسبته إلى الإثم، وهو الذنب. فاهوا: تلفظوا وتكلموا.
المعنى: ليس في الجنة قول باطل، وكلام لغو لا فائدة منه؛ ولا يفعل أهلها ذنوبا يحاسبون عليها؛ وما تلفظوا به من طلب أي شيء -فهو حاصل ودائم أبدا.
الإعراب: لا: مهملة أو عاملة عمل ليس. لغو: مبتدأ؛ أو اسم "لا" على الوجه الثاني؛ وعلى كلا الوجهين فالخبر محذوف؛ لدلالة خبر "لا" الثانية عليه. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية للجنس، تعمل عمل "إن". تأثيم: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب. "فيها": متعلق بخبرها المحذوف. وما: اسم موصول، مبتدأ. فاهوا: فعل ماضٍ، وفاعل؛ وجملة "فاهوا": صلة للموصول، لا محل لها. "أبدا"؛ ظرف زمان. متعلق بـ "مقيم". مقيم: خبر المبتدأ "ما".
موطن الشاهد: "لا لغو ولا تأثيم".
وجه الاستشهاد: إلغاء "لا" الأولى؛ أو إعمالها عمل "ليس" وارتفاع الاسم بعدها، كما بينا في الإعراب؛ وإعمال "لا" الثانية عمل "إن".
1 فيكون معربا منونا بالعطف على محل اسم "لا" الأولى، وتكون "لا" الثانية زائدة.
2 القائل هو أنس بن العباس بن مرداس.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه كما يرويه بعض النحاة:
اتسع الخرق على الرافع
والذين يروون عجز البيت على ما ذكرناه، يروون بعده:
كالثوب إذ أنهج فيه البلى ... أعيا على ذي الحيلة الصانع
=(2/17)
.........................................................................
__________
= وروى أبو علي القالي صدر هذا البيت، مع عجز آخر؛ وهو:
اتسع الخرق على الراتِقِ
ورَوَى قبله:
لا صلح بيني -فاعلموه- ولا ... بينكم، ما حملت عاتقي
سيفي، وما كنا بنجد، وما ... قرقر قُمْرُ الواد بالشاهقِ
وقد قيل: إن هذا الشاهد هو لأبي عامر جد العباس؛ وقيل إن كل رواية هي لشاعر.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 241، وابن عقيل: "110/ 2/ 12"، والأشموني: "299/ 1/ 151" والكتاب لسيبويه: 1/ 349، وشرح المفصل: 2/ 101/ 113، 9/ 138، والعيني: 2/ 351، 4/ 567 وهمع الهوامع: 2/ 144، 211، والدرر اللوامع: 2/ 198، 238، ومغني اللبيب: "411/ 298" "1020/ 783"، والسيوطي: 312، وسمط اللآلي: 3/ 37، واللسان "قمر".
المفردات الغريبة: خلة: صداقة. الخرق: الفتق. الراقع والراتق: الذي يصلح موضع الفساد من الثوب.
المعنى: لا قرابة، ولا صلة نسب، ولا مودة، ولا صداقة تنفع اليوم؛ فقد بلغ الخلاف مبلغًا لا يرجى معه إصلاح.
الإعراب: لا. نافية للجنس. نسب: اسمها مبني على الفتح في محل نصب.
"اليوم": متعلق بخبر "لا" المحذوف. ولا: الواو عاطفة، "لا" زائدة لتأكيد النفي.
خلة: "بالنصب والتنوين" معطوف على محل اسم "لا" الأولى "عطف مفرد على مفرد" اتسع: فعل ماضٍ. الخرق. فاعل. "على الراقع": متعلق بـ "اتسع".
موطن الشاهد: "ولا خلة".
وجه الاستشهاد: انتصاب "خلة" على تقدير "لا" زائدة لتأكيد النفي، والواو عاطفة عطفت "خلة" على محل اسم "لا" الأولى "نسب" على رأي الجمهور؛ ويكون العطف على هذا الوجه من باب عطف المفرد على المفرد.
وذهب يونس بن حبيب إلى أن "لا" الثانية في البيت عاملة عمل "إن" وأن "خلة": اسمها مبني على الفتح، ونون للضرورة؛ وخبر "لا" الثانية محذوف يفهم من خبر "لا" الأولى؛ والتقدير: "ولا خلة اليوم"؛ وتكون الواو -على رأيه- قد عطفت جملة على جملة؛ والأول أرجح؛ لأنه لا يستتبع الضرورة.
وزعم الزمخشري أن "خلة": مفعول به منصوب بفعل محذوف؛ والتقدير: لا نسب اليوم ولا تذكر خلة؛ وفي هذا من التكلف الذي لا يخفى على أحد.(2/18)
وهو أضعفها1 حتى خصه يونس وجماعة بالضرورة كتنوين المنادى، وهو عند غيرهم على تقدير "لا" زائدة مؤكدة، وأن الاسم منتصب بالعطف.
[العطف على اسم لا من غير أن تكرَّر] :
فإن عطفت ولم تكرر "لا" وجب فتح الأول، وجاز في الثاني النصب والرفع2، كقوله3: [الطويل]
165- فلا أبَ وابنًا مثل مروان وابنه4
__________
1 لأن نصب الاسم مع وجود "لا" ضعيف، والقياس فتحة بلا تنوين.
شرح التصريح: 1/ 242.
1 أي مطلقا، سواء أكان مفردا أم غير مفرد، وكذلك الاسم المعطوف عليه، ويكون النصب بالعطف على محل اسم "لا" الأولى، والرفع على محلها باعتبار أصلها قبل دخول "لا"، وقد علمت أن أصلها مبتدأ مرفوع، أو على "لا" مع اسمها، وهما بمنزلة المبتدأ.
3 القائل: هو رجل من بني عبدة مناة.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزَّرا
وفيه يمدح الشاعر مروان بن الحكم وابنه عبد الملك بن مروان.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 243، والأشموني: "302/ 1/ 153"، والكتاب لسيبويه: 1/ 349، والمقتضب: 4/ 372، وشرح المفصل: 2/ 101، 110، والخزانة: 2/ 102 والعيني: 2/ 355، وهمع الهوامع: 2/ 143، والدرر اللوامع: 2/ 197، وقطر الندى: "66/ 224".
المفردات الغريبة: المجد: العز والشرف. ارتدى: لبس الرداء؛ وهو اسم لما يستر النصف الأعلى من الإنسان. تأزرا: لبس الإزار؛ وهو اسم لما يستر النصف الأسفل منه، وقد كنى بذلك عن ثبوت هذه الصفة "العز والشرف" لهما؛ لأنه جعلهما كاللابسين لها، المرتدين بها، وهو نظير قولهم: المجد بين برديه، والوقار في ثوبه، والحلم تحت عمامته، والكمال في قبة ضربت عليه ... إلخ.
المعنى: يمدح الشاعر مروان وابنه عبد الملك.
الإعراب: لا: نافية للجنس. أب: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب. وابنا: الواو عاطفة. ابنا: اسم معطوف على محل اسم "لا". مثل: "بالنصب" صفة لاسم لا =(2/19)
ويجوز "وابن" بالرفع، وأما حكاية الأخفش "لا رجلَ وامرأةَ" بالفتح، فشاذة1.
[وصف اسم لا] :
فصل: وإذا وصفت النكرة المبنية بمفرد متصل جاز فتحه2 على أنه ركب معها قبل مجيء "لا" مثل "خمسة عشر"، ونصبه مراعاة لمحل النكرة3، ورفعه مراعاة لمحلها مع لا، نحو: "لا رجل ظريف فيها"4 ومنه: "ألا ماءَ ماءً باردا عندنا"
__________
= وما عطف عليه؛ وعلى هذا الوجه، يكون خبر "لا" محذوفا؛ والتقدير: لا أب وابنا مماثلين لمروان موجودان؛ وبـ "الرفع": فهو خبر "لا"؛ أو صفة على محل لا واسمها؛ والأول أفضل. مروان: مضاف إليه. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط. هو: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: إذا ارتدى ... وجملة الفعل المحذوف وفاعله في محل جر بالإضافة. "بالمجد": متعلق بالفعل المحذوف. ارتدى: فعل ماضٍ، والفاعل هو؛ وجملة "ارتدى": تفسيرية، لا محل لها. وتأزرا: الواو عاطفة، تأزرا: فعل ماضٍ، والفاعل: هو: والألف: للإطلاق. وجملة "تأزرا": معطوفة على جملة "ارتدى"، لا محل لها.
موطن الشاهد: "لا أب وابنا".
وجه الاستشهاد: عطف ابنا على اسم "لا" النافية للجنس، من دون أن يكرر "لا"؛ وجاء بالمعطوف منصوبا؛ وذلك لأنه عطفه على محل اسم "لا" النافية للجنس؛ ويجوز وجه آخر في هذا الشاهد؛ وهو رفع "ابنا" عطفا على محل "لا مع اسمها" على مذهب سيبويه؛ لأن "لا" و"اسمها" معا في محل رفع على الابتداء.
1 لأنه لا يصح البناء بالتركيب؛ لوجود الفصل بحرف العطف. وخرجه بعضهم على أن الأصل: ولا امرأة، فحذفت "لا" وأبقي البناء على نيتها؛ فالشذوذ من هذه الناحية. هذا، وإذا كان المعطوف معرفة، لم يجز فيها إلا الرفع على أنه مبتدأ.
شرح التصريح: 1/ 243.
2 أي بناؤه على الفتح، إن كان مفردا، أو على ما ينوب عنها، كالياء في المثنى والمجموع.
3 وقيل إتباعا للحركة البنائية؛ لأنها هنا شبيهة بحركة الإعراب، بل أصلها الإعراب.
4 هذا من أمثلة الخليل، بفتح ظريف، ونصبه منونا، ورفعه. ويقال في المثنى: لا رجلين ظريفين بالبناء والنصب، وظريفان. وفي الجمع: لا رجال ظريفين بالبناء والنصب أيضا، وظريفون.(2/20)
لأنه يوصف بالاسم إذا وصف، والقول بأنه توكيد خطأ1.
فإن فقد الإفراد نحو: "لا رجل قبيحا فعله عندنا" أو "لا غلام سفر ظريفًا عندنا" أو الاتصال نحو: "لا رجل في الدار ظريف" أو "لا ماءَ عندنا ماءً باردًا" امتنع الفتح، وجاز الرفع والنصب، كما في المعطوف بدون تكرار "لا"، وكما في البدل الصالح لعمل "لا" فالعطف نحو: "لا رجل وامرأة فيها"، والبدل نحو: "لا أحد رجل وامرأة فيها"، فإن لم يصلح له فالرفع نحو: "لا أحد زيد وعمر فيها" وكذا في المعطوف الذي لا يصلح لعمل "لا" نحو: "لا امرأة فيها ولا زيد".
[دخول همزة الاستفهام على "لا" لا يغير حكمها] :
وإذا دخلت همزة الاستفهام على "لا" لم يتغير الحكم.
ثم تارة يكون الحرفان باقيين على معنييهما، كقوله2: [البسيط]
166- ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد3
__________
1 لأنه مقيد بالوصف، فليس مرادفا في اللفظ "لما" الأولى المطلقة؛ وأجازه بعضهم على اعتبار أن الوصف طرأ بعد التوكيد. كما جوزوا إعرابه بدلا؛ ومنعه بعضهم؛ لأنه يلزم عليه تقديم البدل على النعت، وهو ممنوع.
شرح التصريح: 1/ 243، 244.
2 القائل هو: مجنون بني عامر؛ قيس بن الملوح، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إذًا ألاقي الذي لاقاه أمثالي
ويروى صدر البيت:
ألا اصطبار لليلى ...
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 244، وابن عقيل: "114/ 2/ 22"، والأشموني: "305/ 1/ 153" وهمع الهوامع: 1/ 147"، والدرر اللوامع: 2/ 182، ومغني اللبيب: "9/ 21" "110/ 97"، والسيوطي: 15، 77، وديوان قيس: 228.
المفردات الغريبة: اصطبار: تصبر وتجلد واحتمال. جلد: صلابة وثبات. لاقاه أمثالي: كناية عن الموت.
المعنى: أيذهب الصبر، وينتقي عن سلمى وتجزع؟ أم تتجلد، وتثبت إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت؟. =(2/21)
وهو قليل، حتى توهم الشلوبين1 أنه غير واقع.
وتارة يراد بهما التوبيخ، كقوله2: [البسيط]
167- ألا ارعواء لمن ولَّت شبيته3
وهو الغالب.
__________
= الإعراب: ألا: الهمزة حرف استفهام. لا: نافية للجنس. اصطبار: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب. "لسلمى": متعلق بمحذوف خبر "لا". أم: حرف عطف. "لها": متعلق بمحذوف خبر مقدم. جلد: مبتدأ مؤخر؛ وجملة "لها جلد": معطوفة على الجملة الأولى، لا محل لها. إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط. ألاقي: فعل مضارع والفاعل: أنا. وجملة "ألاقي": في محل جر بالإضافة. الذي: مفعول به. لاقاه: فعل ماضٍ، والهاء: مفعول به. أمثالي: فاعل مرفوع، والياء: مضاف إليه؛ وجملة "لاقاه": صلة للموصول، لا محل لها.
موطن الشاهد: "ألا اصطبار".
وجه الاستشهاد: دخول همزة الاستفهام على "لا" النافية للجنس، لم يمنعها من العمل؛ وظل الاستفهام على معناه، و"لا" على معناها؛ والمراد بهما: الاستفهام عن النفي؛ وفي هذا البيت رد على الشلوبين في دعواه أن الاستفهام عن النفي شيء غير واقع.
انظر حاشية الصبان: 1/ 15.
1 مرت ترجمته.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وآذنت بمشيب بعده هرمُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 245، وابن عقيل: "113/ 2/ 21"، والأشموني: "305/ 1/ 153" والهمع: 1/ 147، والدرر اللوامع: 1/ 128، ومغني اللبيب: "108/ 96"، والسيوطي: 86 وشرح شواهد الألفية للعيني: 2/ 360.
المفردات الغريبة: ارعواء: انتهاء وانكفاف عن القبيح. ولت: أدبرت وذهبت. شبيبته: شبابه. آذنت: أعلمت. مشيب: شيخوخة. هرم: كبر وضعف.
المعنى: ألا ينزجر وينأى عن الأمور القبيحة من ذهب شبابه، وولى صباه، وأنذره المشيب بالكبر، والضعف، وذهاب القوة؟!
الإعراب: ألا: الهمزة حرف استفهام. لا: نافية للجنس؛ ومعنى الحرفين هنا =(2/22)
وتارة يراد التمني، كقوله1: [الطويل]
168- ألا عُمْرَ ولَّى مستطاعٌ رجوعُهُ2
__________
= التوبيخ والإنكار. ارعواء: اسم "لا" مبني على الفتح، في محل نصب. "لمن": متعلق بمحذوف خبر "لا"؛ أولا بـ "ارعواء"، والخبر محذوف. ولت شبيبته: فعل ماضٍ، وفاعل، ومضاف إليه، والتاء: للتأنيث؛ وجملة "ولت شبيته": صلة للموصول "من" لا محل لها. وآذنت: الواو عاطفة وجملة "آذنت": معطوفة على جملة "ولت": لا محل لها؛ وهو الأفضل. "بمشيب": متعلق بـ "آذنت". "بعده": متعلق بمحذوف خبر مقدم ومضاف إليه. هرم: مبتدأ مؤخر؛ والجملة في محل جر صفة لـ "مشيب".
موطن الشاهد: "ألا ارعواء".
وجه الاستشهاد: دخول همزة الاستفهام على "لا" النافية للجنس مع بقاء عملها، قبل دخول الهمزة عليها، مع أن الشاعر قصد بالحرفين جميعا التوبيخ والإنكار؛ غير أن العلامة الدماميني لم يرتضِ أن يكون الحرفان "الهمزة ولا" دالين معا على الإنكار التوبيخي، وذكر أن المفيد للإنكار التوبيخي هو الهمزة وحدها؛ و"لا" بعد الهمزة دالة على النفي؛ فيكون كل حرف منهما دالا على ما اختص به، أي أن معنى: "ألا ارعواء": التوبيخ على عدم الارعواء والإنكار على من لم يرعوِ وينكف عن الميل إلى دواعي الصبا.
وانظر شرح التصريح: 1/ 245.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فيرأبَ ما أَثْأَتْ يد الغفلات
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 245، وابن عقيل: "115/ 2/ 23"، والأشموني: "306/ 1/ 153" والعيني: 2/ 316، ومغني اللبيب: "109/ 97" "709/ 499"، والسيوطي: 76/ 280".
المفردات الغريبة: ولى: ذهب وأدبر. فيرأب: فيصلح ويجبرز أثأت: أفسدت.
المعنى: يتمنى الشاعر أن يعود عمره الذي مضى وذهب؛ ليصلح ما أفسده، وما عمله من سوء في عهد الغفلة والجهل والصبوة.
الإعراب: ألا: "مركبة" تفيد التمني. عمر: اسمها مبني على الفتح في محل نصب؛ وهو بمنزلة المفعول، لأن "ألا" بمعنى أتمنى؛ ولا خبر لها؛ وقيل: الهمزة للاستفهام، و"لا" نافية للجنس، وأريد بهما التمني. وجملة "ولى": في محل نصب صفة لـ "عمر". مستطاع: خبر مقدم. رجوعه: مبتدأ مؤخر، ومضاف إليه؛ ويجوز أن =(2/23)
وهو كثير، وعند سيبويه والخليل أن "ألا" هذه بمنزلة أتمنى فلا خبر لها، وبمزلة: "ليت" فلا يجوز مراعاة محلها مع اسمها، ولا إلغاؤها إذا تكررت، وخالفهما المازني والمبرد1، ولا دليل لهما في البيتن إذ لا يتعين كون: "مستطاع" خبرا، أو صفة، و: "رجوعه" فاعلا، بل يجوز كون "مستطاع" خبرا مقدما، و: "رجوعه" مبتدأ مؤخرا، والجملة صفة ثانية.
__________
= نعرب "مستطاع": خبر "ألا" مرفوع. رجوعه: نائب فاعل ومضاف إليه؛ لأن "مستطاع" اسم مفعول؛ وعلى الوجه الأول، فجملة "مستطاع رجوعه": في محل نصب صفة ثانية لـ "عمر". فيرأب: الفاء سببية، يرأب: فعل مضارع منصوب بـ "أن" مضمرة وجوبا بعد فاء السببية، وفاعله: هو، يعود إلى "عمر". ما: اسم موصول، مفعول به لـ "يرأب". أثأت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث. يد: فاعل مرفوع، وهو مضاف. الغفلات: مضاف إليه؛ وجملة "أثأث يد الغفلات": صلة للموصول، لا محل لها؛ والعائد محذوف؛ والتقدير: أثأته.
موطن الشاهد: "ألا عمر".
وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مركبة لمجرد التمني؛ والذي يؤكد كونها للتمني، انتصاب الفعل المضارع بـ "أن" مضمرة بعد فاء السببية في جواب التمني، واستعمال: "ألا" بهذا المعنى كثير شائع في لغة العرب.
فائدة: استدل المازني والمبرد بهذا البيت على أن "ألا" الدالة على التمني، يجوز ذكر خبرها ويجوز مراعاة محلها مع اسمها؛ فيطعف بالرفع بعدها، كما يصح ذلك مع "لا" التي لم تقترن بها الهمزة الدالة على التمني، وخالفا في ذلك سيبويه والخليل بن أحمد؛ ووجه استدلالهما بهذا البيت، أنهما أجازا إعراب "مستطاع" خبرا: لـ "ألا" كما بينا: أو أن يكون صفة لـ "عمر" باعتبار محله مع لا؛ لأن سيبويه يجعل محل "ألا مع اسمها" مرفوعا بالابتداء؛ فإن جعل "مستطاع" خبرا لـ "ألا" كان ذلك دليلا على جواز ذكر خبر "ألا"؛ وهذا خلاف ما ذهب إليه سيبويه والخليل؛ وإن أعرب "مستطاع" صفة لـ "عمر" كان الشاعر قد راعى محل "ألا مع اسمها" وهذا خلاف مذهب سيبويه في هذا البيت؛ غير أن المذكور، لا يكون ردا على سيبويه إلا إذا لم يكن له وجه آخر من وجوه الإعراب؛ ولكن رأينا له وجها آخر عرضناه في إعراب مفردات البيت، وعليه فلا يصلح البيت شاهدا لما ذهبا إليه، لأن الدليل، متى تطرق إليه الاحتمال لم يصلح للاستدلال. انظر شرح التصريح: 1/ 245.
1 فجعلاهما كالمجردة من همزة الاستفهام، واستدلا بالبيت السابق، فجعلا "مستطاع": إما خبرا للا أو صفة لاسمها، مراعاة لمحلها قبل دخول "لا" والخبر محذوف، أي راجع، و"رجوعه" نائب فاعل مستطاع.(2/24)
[ترد "ألا" للتنبيه وتدخل على الجملتين] :
وترد "ألا" للتنبيه1 فتدخل على الجملتين نحو: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} 2 {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} 3 وعرضية وتحضيضية فتختصان بالفعلية نحو: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} 4 {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُم} 5.
[إذا جهل الخبر وجب ذكره] :
مسألة: وإذا جهل الخبر وجب ذكره، نحو: "لا أحدَ أغيرُ من الله عز
__________
1 هي "ألا" الاستفتاحية، وهي كلمة واحدة لا عمل لها، وتدل على توجيه الذهن وتنبيهه إلى شيء هام يجيء بعدها، مؤكد الوقوع عند المتكلم، وكثيرا ما تقع بعدها "إن" المكسورة.
2 "10" سورة يونس، الآية: 62.
موطن الشاهد: {أَلَا إِنَّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة التنبيه، وقد دخلت على الجملة الاسمية، وحكم دخولها على الجملة الاسمية الجواز.
3 "11" سورة هود، الآية: 8.
موطن الشاهد: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة التنبيه، وقد دخلت على الجملة الفعلية؛ وحكم دخولها عليها الجواز.
4 "24" سورة النور، الآية: 22.
موطن الشاهد: {أَلَا تُحِبُّونَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة العرض؛ لأن العرض: طلب الشيء برفق ولين؛ ومدلول الآية يؤكد ذلك.
5 "9" سورة التوبة، الآية: 13.
موطن الشاهد: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة التحضيض؛ لأن التحضيض طلب الشيء بشدة وإزعاج؛ ومعنى الآية يوحي بذلك.(2/25)
وجل" 1 وإذا علم فحذفه كثير، نحو: {فَلا فَوْتَ} 2 {قَالُوا لا ضَيْرَ} 3 ويلتزمه التميميون والطائيون4.
__________
1 هذا جزء من حديث نبوي ونصه: "أنا أغار، والله يغار، ولا أحد أغير من الله، ولذا حرم الفواحش"، والغيرة: الحمية والأنفة وانفعال النفس من فعل القبيح، يقال رجل غيور، وامرأة غيور، وهذا مستحيل على الله، فالمراد لازم الغيرة، وهو البعد عن الموبقات، وزجر مرتكبها.
تخريج الحديث: جاء الحديث بلفظ: "لا أحد أغير من الله، فلذلك حرم الفواحش". في مسند الإمام أحمد "المطبعة الميمنية": 1/ 381، والدررالمنثور للسيوطي "ط. دار الفكر": 2/ 248 و381 وفتح الباري لابن حجر "ط. دار الفكر": 8/ 302.
وجاء بلفظ: "لا أحد أغير من الله، ولذلك حرم الفواحش" في صحيح البخاري "ط. دار الفكر": 6/ 72، 6/ 74، وصحيح مسلم باب التوبة "مط. عيسى الحلبي" برقم 33، 34 وفتح الباري: 8/ 296.
موطن الشاهد: "لا أحد أغير".
وجه الاستشهاد: ذكر خبر "لا" النافية؛ أو خبر المبتدأ؛ وهو "أغير" وسبب ذكره جهلنا به؛ وحكم ذكر الخبر في هذه الحال الوجوب.
2 "34" سورة سبأ، الآية: 51.
موطن الشاهد: {لَا فَوْتَ} .
وجه الاستشهاد: حذف خبر "لا" لمعرفته من السياق؛ لأن التقدير: "لا فوت لهم"؛ وحكم حذفه الجواز عند الحجازيين، والوجوب عند التميميين والطائيين، كما نقل ابن مالك، ونقل ابن خروف عن تميم أنهم لا يظهرون الخبر المرفوع، ويظهرون المجرور والظرف. انظر شرح التصريح: 1/ 246.
3 "26" سورة الشعراء، الآية: 50.
موطن الشاهد: {لَا ضَيْرَ} .
وجه الاستشهاد: حذف خبر "لا" للعلم به من سياق الآية؛ لأن التقدير: لا ضير علينا؛ وحكمه واضح في الآية السابقة.
4 الضمير في "يلتزمه" يحتمل أن يعود على حذف خبر "لا" سواء علم أو لم يعلم؛ ويحتمل عوده على الخبر بقيد كونه معلوما بقرينة ما؛ ويكون المراد أن الحجازيين يجيزون ذكر الخبر المعلوم وحذفه. أما التميميون والطائيون فلا يجيزون ذكره. ولعل هذا هو الصواب؛ لأن الجميع متفقون على أن الخبر غير المعلوم يجب ذكره.
هذا، وقد قال أبو حيان: إن أكثر ما يحذف الحجازيون خبر لا إذا كان مع "إلا" نحو "لا إله إلا الله" اهـ. وقد اختلف النحاة في إعراب هذه الجملة، ونحن نعربها لك =(2/26)
........................................................................
__________
= إعرابا قريبا. فلا: نافية للجنس تعمل عمل إن. إله: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب، وخبر لا محذوف؛ والتقدير: لا إله لنا، أو لا إله موجود، وإلا: أداة استثناء، ولفظ الجلالة بدل من الضمير المستكن في خبر "لا" وللزمخشري في إعراب هذه الجملة كلام طويل دارت حوله مناقشات كثيرة.
شرح التصريح: 1/ 346، والمفصل للزمخشري "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 89. وابن عقيل: 2/ 25-26.(2/27)
[باب ظن وأخواتها] :
هذا باب الأفعال الداخلة بعد استيفاء فاعلها على المبتدأ والخير، فتنصبهما مفعولين1:
[أفعال القلوب] :
أفعال هذا الباب نوعان: أحدهما أفعال القلوب، وإنما قيل لها ذلك لأن معانيها قائمة بالقلب، وليس كل قلبي ينصب المفعولين، بل القلبي ثلاثة أقسام:
[الأفعال القلبية ثلاثة أقسام] :
ما لا يتعدى بنفسه، نحو فكر وتفكر، وما يتعدى لواحد نحو عرف وفهم، وما يتعدى لاثنين وهو المراد، وينقسم أربعة أقسام:
__________
1 ذهب الجمهور إلى أن أصل مفعولي ظن وأخواتها مبتدأ وخبر، وذهب السهيلي وحده إلى أن المفعولين هما كمفعولي أعطى ليس أصلهما مبتدأ وخبرا، واستدل بظننت زيادا عمرا، وهذا قول لا ينكر. وقولك "زيد عمرو" على أنهما مبتدأ وخبر، لا يصح إلا على معنى التشبيه، وأنت لم ترد ذلك مع ظننت، وأجيب بالمنع، وأن المراد ظننت زيدا عمرا فتبين خلافه.
وذهب الفراء إلى أن المنصوب الأول: مفعول، والمنصوب الثاني منصوب على التشبيه بالحال، واستدل لذلك بأن الثاني يجيء جملة، نحو: ظننت زيدا يؤدي واجبه، ويجيء ظرفا؛ نحو: ظننت زيدا عندك، ويجيء جارا ومجرورا، نحو: ظننت زيدا على خلق حسن؛ وقد عهدنا الحال يجيء على هذه الوجوه، والذي يقطع بالرد عليه أن المنصوب الثاني يجيء معرفة نحو: ظننت زيدا أخاك، ويجيء ضميرا: نحو: زيد ظننتكه، ويجيء جامدا؛ نحو: ظننت زيدا أسدا، ولا يقتصر في شيء من ذلك على السماع، ثم هو في جميع أحواله مما لا يستغني الكلام عنه؛ لأنه لا يتم معنى الكلام بدونه، والحال لا يكون كذلك.
شرح التصريح: 1/ 246-247.(2/28)
[ما يتعدى لاثنين أربعة أقسام] :
أحدها: ما يفيد في الخبر يقينا، وهو أربعة: وجد، وألفى، وتعلَّمْ، بمعنى اعلَمْ، ودرى، قال الله تعالى: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا} 1 {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} 2، وقال الشاعر3: [الطويل]
169- تعلَّمْ شفاء النفس قهر عدوها4
__________
1 "73" سورة المزمل، الآية: 20.
موطن الشاهد: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "تجد" فعلا قلبيا ناصبا لمفعولين هما: "الهاء، وخيرا"؛ ويفيد العلم واليقين؛ لأن من وجد الشيء على حقيقته، فقد علمه.
2 "37" سورة الصافات، الآية: 69.
موطن الشاهد: {أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ألفى" قلبيا مفيدا اليقين وناصبا لمفعولين اثنين؛ هما: "آباءهم، وضالين".
3 هو زياد بن سيار بن عمرو بن جابر:
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فبالغ بلطف في التحيل والمكر
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 247، وابن عقيل: "120/ 2/ 32"، والأشموني: "325/ 1/ 158"، وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 123، ومغني اللبيب: "1017/ 775"، وشرح السيوطي: 312، وشرح العيني: 2/ 374، وشذور الذهب: "183/ 477".
المفردات الغريبة: تعلم: فعل أمر مبني على السكون؛ وهو ملازم لهذه الصيغة؛ ومعناه: اعلمْ وتَيَقَّنْ. شفاء النفس: قضاء مطالبها ومآربها. بلطف: برفق ولين. التحيل: أخذ الأشياء بالحيلة والدهاء.
معنى الشاهد: اعلم أن ما يشفي نفوس الرجال قهرهم لأعدائهم، وتغلبهم عليهم؛ فعليك أن تبالغ في الاحتيال، وتحين الفرص؛ لكي تنال من عدوك ما تريد.
الإعراب: تعلم: "قلبي بمعنى اعلم" فعل أمر، والفاعل: أنت. شفاء: مفعول به أول، وهو مضاف. النفس: مضاف إليه ثان. فبالغ: الفاء عاطفة. بالغ: فعل أمر، الفاعل: أنت. "بلطف": متعلق بـ "بالغ". "في التحيل": متعلق بـ "لطف". والمكر: معطوف على التحيل مجرور مثله. =(2/29)
والأكثر وقوع هذا على "أن" وصلتها1، كقوله2: [الطويل]
170- فقلت تعلم أن للصيد غرة3.
__________
= موطن الشاهد: "تعلم شفاء النفس قهر عدوها".
وجه الاستشهاد: مجيء "تعلم" فعلا قلبيا بمعنى "اعلم" مفيدا اليقين؛ وقد نُصِبَ به مفعولان اثنان؛ أصلهما مبتدأ أو خبر؛ ومثل هذا الشاهد قول الحارث بن ظالم المري:
تعلم -أبيت اللعن- أني فاتك ... من اليوم أو من بعده بابن جعفر
فقد سدت أن ومعمولاها مسد مفعولي "تعلم"؛ ومعلوم أن هذا الفعل، يندر أن ينصب مفعولين ظاهرين، وإنما تسد "أن" المؤكدة ومعمولاها مسد المفعولين لهذا الفعل، كما في الشاهد التالي.
1 وحينئذ تسد "أن" ومعمولها مسد المفعولين، ومعروف أن الصلة تشتمل على مسند ومسند إليه.
2 هو: زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، شاعر حكريم من أهل نجد وأحد أصحاب المعلقات السبع، والمعروف بحولياته، وهو راوية أوس بن حجر، قيل إنه أشعر الشعراء في الجاهلية لأنه لا يعاظل بين القول ولا يتبع حوشي الكلام، شهد له بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرير. ولم يتصل الشعر في ولد أحد من فحول الشعر ما اتصل في ولده، ولم يدرك الإسلام ومات سنة 13 ق. هـ. الشعر والشعراء: 1/ 137، الأغاني: 9/ 139، الاشتقاق: 111، الخزانة: 1/ 375، الجمحي: 1/ 63.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
وإلا تضيعها فإنك قاتله
وهو من قصيدة لزهير ومطلعها قوله:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعري أفراس الصبا ورواحله
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 2147، والأشموني: "326/ 1/ 158"، والعيني: 2/ 374 وديوان زهير بن أبي سلمى: 134.
المفردات الغريبة: تعلم: اعلم. غرة: غفلة. تضيعها: الضمير عائد على الفرصة التي تتيحها الغفلة.
المعنى: اعلم، وتيقن أن للصيد أوقاتا، يهأ فيها ويستريح، وتعتريه غفلة وسكون؛ فإذا انتهزت هذه الفرصة، وصوبت إليه سهامك، فإنك قاتله لا محالة.
الإعراب: تعلم: "بمعنى: اعلم" فعل أمر مبني على السكون، والفاعل: أنت: أن: حرف مشبه بالفعل "للصيد"؛ متعلق بخبر مقدم لـ "أن". غرة: اسم "أن" مؤخر منصوب؛ و"أن ومعمولاها": سدت مسدَّ مفعولي "تعلم". إلا: إن شرطية، لا: نافية، تضيعها: فعل الشرط مجزوم، والفاعل: أنت، و"ها" مفعول به. فإنك: الفاء واقعة في جواب الشرط، إنك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: اسمه، قاتله: خبر "إن" والهاء: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "تعلم أن للصيد غرة".
وجه الاستشهاد: استعمال "تعلم" بمعنى اعلم، وقد تعدى هذا الفعل إلى مفعوليه بوساطة "أن" المفتوحة المؤكدة وصلتها؛ وهذا الغالب في استعمال هذا الفعل.(2/30)
وقوله1: [الطويل]
171- دريت الوفي العهد يا عُرْوَ فاغتبط2
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فإن اغتباطا بالوفاء حميد
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 247، وابن عقيل: "119/ 2/ 31"، والأشموني: "323/ 1/ 157" وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 132، وقطر الندى: "68/ 228" والعيني: 2/ 373 وشذور الذهب: "181/ 475".
المفردات الغريبة: دريت: ماضٍ مبني للمجهول، من درى بمعنى علم. فاغتبط. أمر من الغبطة، وهي تمني مثل ما للغير، من غير تمني زواله عنه، والمراد: ازدد فيما أنت عليه من الصفات الحميدة ليغبط الناس؛ أو الدعاء له بأن يدوم على ما هو عليه؛ ليغبطه الناس.
المعنى: تيقن الناس وعلموا علما لا شك فيه، أنك -يا عروة- تفي بالعهد، ولا تنقضه؛ فلتغتبط على هذه الخصلة الحميدة؛ لأن الاغتباط بها أمر محمود، ومشكور عند الله وعند الناس.
الإعراب: دريت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول قبل بناء الفعل للمجهول. الوفي: مفعول به ثان منصوب، والوفي: صفة مشبهة. العهد: فاعل للصفة المشبهة؛ أو مضاف إليه، من إضافة الصفة إلى فاعلها؛ أو منصوب على التشبيه بالمفعول به؛ والوجه الثاني: أفضل. يا عرو: "يا" حرف نداء. عرو: منادى مرخم بحذف التاء، مبني على ضم الحرف المذكور، أو المحذوف؛ على لغة من ينتظر، ومن لا ينتظر. فاغتبط: الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، والتقدير: إذا كنت كذلك فاغتبط. فإن الفاء تعليلية، إن: حرف مشبه بالفعل. اغتباطا: اسم "إن" "بالوفاء": متعلق بـ "اغتباطا". حميد: خبر "إن" مرفوع.
موطن الشاهد: "دريت الوفي العهد".
وجه الاستشهاد: جاء فعل "درى" قلبيا يفيد اليقين، ونصب مفعولين اثنين؛ الأول: التاء المتحولة نائب قاعل؛ لبناء الفعل المجهول، والثاني: الوفي؛ ونصب فعل درى لمفعولين قليل، والأكثر فيه أن يتعدى إلى واحد بالباء، نحو: دريت بكذا.(2/31)
والأكثر في هذا أن يتعدى بالباء، فإذا دخلت عليه الهمزة تعدى لآخر بنفسه1 نحو: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} 2.
والثاني: ما يفيد في الخبر رجحانا3، وهو خمسة: جعل، وحجا، وعدَّ، وهب، وزعم، نحو: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} 4، وقوله5: [البسيط]
172- قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة6
__________
1 أي: إن دخلت عليه همزة التعدية؛ تعدى بها إلى واحد، وتعدى إلى الثاني بالباء، كما في الآية الكريمة التالية.
2 "10" سورة يونس، الآية: 16.
موطن الشاهد: {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} .
وجه الاستشهاد: دخول همزة التعدية على فعل "درى" فتعدى بوساطة هذه التعدية إلى المفعول الأول؛ وهو "كم" بنفسه، وإلى المفعول الثاني بحرف الجر، كما أسلفنا.
3 الرجحان: ما ينشأ من تغلب أحد الدليلين المتعارضين في أمر من الأمور على الآخر؛ بحيث يصير أقرب إلى اليقين من الشك.
4 "43" سورة الزخرف، الآية: 19.
موط الشاهد: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ.... إِنَاثًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "فعل" مفيدا، رجحان الخبر؛ فنصب مفعولين اثنين؛ الأول: الملائكة؛ والثاني: إناثا.
5 القائل: هو تميم بن أبي مقبل، وقيل اسمه تميم بن أُبَي بن مقبل، أحد بني العجلان، شاعر مجيد في الوصف والرثاء، منقح للكلام وصاف للقدح حتى قيل: قدح ابن مقبل، أدرك الإسلام وأسلم، وكان جافيا في الدين، يبكي أهل جاهليته. وبلغ مائة وعشرين سنة. الشعر والشعراء: 1/ 455، الجمحي: 1/ 150، الإصابة: 1/ 195، الأغاني: 3/ 179، اللآلي: 362.
6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
حتى ألمت بنا يوما ملمات
=(2/32)
.........................................................................
__________
= وقد نصب صاحب المحكم البيت إلى أبي شنبل الأعرابي، ونسبه ثعلب في أماليه إلى أعرابي يقال له: القنان، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، وابن عقيل: "125/ 2/ 38" والأشموني: "322/ 1/ 157" وهمع الهوامع: 1/ 148، والدرر اللوامع: 1/ 130، والعيني: 2/ 376 وشذور الذهب: "178/ 472" وليس في ديوان تميم بن أبي مقبل.
المفردات الغريبة: أحجو: أظن. ألمت: نزلت. ملمات: جمع ملمة وهي النازلة من نوازل الدهر.
المعنى: قد كنت أظن وأعتقد أن أبا عمرو أخا مخلصا، يوثق به، ويعتمد عليه في الملمات والشدائد؛ حتى نزلت بنا يوما حوادث مؤملة؛ فتبين لي غير ما كنت أظن فيه.
الإعراب: أحجو: فعل مضارع، والفاعل: أنا. أبا: مفعول به أول، وهو مضاف. عمرو: مضاف إليه. أخا: مفعول به ثانٍ، وهو مضاف. ثقة: مضاف إليه؛ ويجوز أن تكون "أخا" بالتنوين مفعولا ثانيا وثقه بالتنوين والنصب صفة لها. حتى: حرف غاية وجر: ألمت: فعل ماضٍ، والتاء، للتأنيث. ملمات: فاعل مرفوع.
موط الشاهد: "أحجو أبا عمرو أخا".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "أحجو" بمعنى أظن؛ فنصب به مفعولين؛ أحدهما: أبا عمرو، وثانيهما: أخا ثقة؛ وفعل حجا لا يتعدى إلى مفعولين إلا إذا كان قلبيا مفيدا الرجحان والظن.
فائدة 1: ذكر العيني أنه لم ينقل أحد من النحاة أن "حجا يحجو" ينصب مفعولين غير ابن مالك رحمه الله تعالى.
فائدة 2: يأتي فعل حجا بمعانٍ عدة؛ منها: الغلبة في المحاجاة؛ وذلك إذا ألقيت على مخاطبك كلمة يخالف لفظها معناها، وتسمى هذه الكلمة أحجية؛ ويأتي فعل "حجا" بمعنى "قصد"؛ نحو قول الأخطل:
حجونا بني النعمان إذ عصَّ ملكهم ... وقبل بني النعمان حاربنا عمرو
فحجونا بمعنى قصدنا. وعص ملكهم: قوي واشتد.
ويأتي بمعنى أقام؛ نحو: "حجا محمد بمكة"؛ أي: أقام بها.
ويأتي بمعنى "رد" نحو: حجوت السائل؛ أي رددته.
ويأتي بمعنى "ساق" نحو: حجوت الإبل، أي سقتها.
ويأتي بمعنى "حفظ وكتم" نحو: حجوت الحديث؛ أي حفظته أو كتمته.
ويتضح من الأمثلة السابقة أن "حجا" لما يكون بمعنى غلب في المحاجاة، أو قصد، أو رد، أو ساق، أو كتم، أو حفظ؛ تتعدى إلى مفعول واحد. وإذا كان بمعنى أقام في المكان، أو وقف؛ فإنه لا يتعدى بنفسه، وإنما يتعدى بحرف الجر.(2/33)
وقوله1: [الطويل]
173- فلا تعدد المولى شريكك في الغنى2
__________
1 القائل هو: النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الله؛ صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن صاحبه، وابن أخت عبد الله بن رواحة، ولد سنة اثنتين للهجرة ومسنده: 114 حديثا؛ حدث عنه الزهري والشعبي وغيرهما، ولاه معاوية الكوفة ثم دمشق، ثم حمص وبها قتل.
سير أعلام النبلاء: 3/ 411، البداية والنهاية: 8/ 244، الإصابة: 3/ 559، شذرات الذهب: 1/ 72.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
ولكنما المولى شريكك في العدم
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، وابن عقيل: "124/ 2/ 37"، والأشموني: "321/ 1/ 157" وهمع الهوامع: 1/ 148، والدرر اللوامع: 1/ 130، والخزانة: 1/ 461 عرضا، والعيني: 2/ 377.
المفردات الغريبة: لا تعدد: لا تظن. المولى: يطلق على معانٍ كثيرة، والمراد هنا الصاحب والناصر. العدم: الفقر.
المعنى: لا تظن الصديق المخلص، والصاحب الوفي، هو الذي يقاسمك ويشاطرك المودة والإخاء في حال يسارك وغناك؛ بل هو الذي يرافقك ويصاحبك في حال فقرك، وضيق عيشك، وغدر الزمان بك.
الإعراب: لا: ناهية. تعدد: فعل مضارع مجزوم، والفاعل: أنت. المولى: مفعول به أول لفعل "تعدد". شريكك: مفعول به ثان، والكاف: مضاف إليه. "لكنما": كافة ومكفوفة تفيد الاستدراك. المولى: مبتدأ. شريكك: خبر ومضاف إليه.
موطن الشاهد: "لا تعدد المولى شريكك".
وجه الاستشهاد: استعمل مضارع "عد" "بمعنى ظن" ونصب به مفعولين؛ أحدهما: المولى. والثاني: شريكك، كما بينا في الإعراب؛ ومثل الشاهد السابق بعد قول جارية بن الحجاج:
لا أعد الإقتار عُدْمًا ولكنْ ... فَقْدُ من قد فقدته الإعدام
فـ "أعد" بمعنى أظن، وقد نصب مفعولين؛ الإقتار وعدما؛ والشواهد على استعمال عد بمعنى ظن كثيرة.(2/34)
وقوله1: [المتقارب]
174- وإلا فهبني امرأ هالكا2
__________
1 القائل: هو عبد الله بن همام السلولي، أحد بني مرة صعصعة من قيس عيلان، وبنو مرة يعرفون ببني سلول؛ شاعر أموي، جيد الشعر عذبه، حتى سمي بالعطاء لحسن شعره، وهو إلى هذا صاحب جاه عند السلطان؛ لزوم معاوية وابنه يزيد، وكان عندهما حظيا مكينا. الشعر والشعراء: 2/ 651، والجمحي: 2/ 625، واللآلي: 683، والخزانة: 2/ 638.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
فقلت: أجرني أبا مالك
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، وابن عقيل: "126/ 2/ 36"، والأشموني: "324/ 1/ 157"، وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 131، والخصائص: 2/ 186، والعيني: 2/ 378 ومغني اللبيب: "1018/ 775"، وشرح السيوطي: 312، وشذور الذهب: "182/ 476".
المفردات الغريبة: أجرني: أغثني واحمني، وأصله: اتخذني لك جارا تدفع عنه وتحميه. هبني: احسبني وظنني.
المعنى: فقلت: أغثني واحمني ودافع عني يا أبا مالك، وأمني من أعدائي، فإن لم تفعل ذلك، فظن أني هالك لا محالة.
الإعراب: أجرني: فعل أمر؛ خرج إلى معنى الاستعطاف، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. أبا خالد: منادى بحرف نداء محذوف منصوب، وخالد: مضاف إليه. إلا: إن شرطية جازمة، لا: نافية؛ وفعل الشرط محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه. فهبني: الفاء رابطة لجواب الشرط، هب: فعل أمر مبني على السكون؛ وهو ملازم لصيغة الأمر، والفاعل: أنت. والنون: للوقاية، والياء: مفعول به أول. أمرأ: مفعول ثانٍ منصوب. هالكا: صفة منصوبة.
موطن الشاهد: "هبني امرأ".
وجه الاستشهاد: مجيء "هب" بمعنى الظن؛ فنصب مفعولين؛ أحدهما: ياء المتكلم؛ والثاني: امرأ؛ ومعلوم أن "هب: بهذا المعنى فعل جامد، لا يتصرف؛ فلا يأتي منه مضارع ولا ماضٍ؛ بل هو مزم لصيغة الأمر؛ والغالب على هذا الفعل أن يتعدى إلى مفعولين صريحين، كما في الشاهد، وقد يدخل على "أن" المؤكدة ومعموليها خلافا لابن سيده، والجوهري، والجرمي؛ حيث عدوا دخوله عليها لحنا، غير أن العلماء والمحققين أثبتوا أنه ليس لحنا، واستشهدوا بحديث عمر: "هب أن أبانا كان حمارا". غير أن هذا الاستعمال قليل، والأفضل ألا يصار إلى استعماله.
فائدة: يجب أن نميز هنا بين "هب" الفعل الجامد الذي تحدثنا عنه، وبين "هب" الأمر من "وهب" يهب المتصرف؛ فذاك يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه، كما قال جل جلاله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق} ، وقوله في آية أخرى: {هَبْ لِي حُكْمًا} ، وقوله تقدست أسماؤه: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} .
ففعل "وهب" في الآيات الكريمة بمعنى الهبة، وهي التفضل بما ينفع الموهوب.(2/35)
وقوله1: [الخفيف]
175- زعمتني شيخا ولست بشيخ2
__________
1 القائل: هو أبو أمية الحنفي:
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
إنما الشيخ من يدبُّ دبيبا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، والأشموني: "319/ 1/ 156"، والعيني: 2/ 379 ومغني اللبيب: "1016/ 775" وشذور الذهب: "179/ 473"، وقطر الندى: "70/ 231".
المفردات الغريبة: شيخا، الشيخ: هو الذي ظهر عليه الضعف والشيب، ويغلب أن يكون من سن الخمسين ويجمع على أشياخ وشيوخ. يدب دبيبا: يمشي مشيا وئيدا.
المعنى: ظنت هذه المرأة حين رأت الشيب برأسي، أني أصبحت شيخا ضعيفا منهوك القوى، وهي في ذلك مخطئة؛ لأن الشيخ من ضعفت قوته، وكَلَّ عزمه، وتقاربت خطاه وأضحى لا يستطيع السير لشدة ضعفه فأخذ يدب على عصاه؛ أما أن فأقوى وأشد مما تظن.
الإعراب: زعمتني: فعل ماضٍ، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به أول لـ "زعم". شيخًا: مفعول ثان منصوب، ولست: الواو حالية. لست: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. بشيخ: الباء زائدة، شيخ: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس. إنما: كافة ومكفوفة، تفيد الحصر. الشيخ: مبتدأ. من: اسم موصول، خبر. يدب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو. دبيبا: مفعول مطلق؛ وجملة "يدب دبيبا": صلة للموصول لا محل لها.
موطن الشاهد: "زعمتني شيخا".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "زعم" بمعنى ظن، فنصب به مفعولين؛ أحدهما: ياء المتكلم، والثاني: قوله: "شيخا"؛ وهذا مستعمل شائع في لغة العرب؛ وإن كان الأكثر فيه أن يقع على أن المثقلة أو المخففة وصلتهما كما سنرى.(2/36)
والأكثر في هذا وقوعه على أن وأن وصلتهما، نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} 1، وقال2: [الطويل]
176- وقد زعمت أني تغيرت بعدها3
__________
1 64 سورة التغابن، الآية: 7.
موطن الشاهد: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} .
وجه الاستشهاد: دخول فعل زعم القلبي على "أن" المخففة وصلتها، فسدَّتْ مع معموليها مسدَّ مفعولي زعم؛ ووقوع "زعم" على "أن" وصلتها كثير شائع في اللغة، كما جاء في المتن.
2 القائل: هو كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
ومن ذا الذي يا عَزُّ لا يتغير
وبعده قوله:
تغير جسمي والخليفة كالذي ... عهدت، ولم يُخبَرْ بسرك مُخبَرُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، والأشموني: "32/ 1/ 157"، والعيني: 2/ 380 وشذور الذهب: "180/ 474"، وديوان كثير عزة: 1/ 62.
المفردات الغريبة: زعمت: ظنت. تغيرت: تغير جسمي فأصبح هزيلا شاحب اللون.
المعنى: ظنت عزة، وهي تتحدث عني؛ لما رأته من تحول في بدني وشحوب في لوني وهزال في جسمي- أنني تغيرت بعد فراقها والبعد عنها؛ ثم استدرك وقال: ومن الذي لا يتغير بعدما عانى من الوجد وألم الشوق والبعد؟
الإعراب: زعمت: فعل ماضٍ من أفعال القلوب؛ والتاء: للتأنيث. أني: حرف مشبه واسمه. تغيرت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "تغيرت بعدها": في محل رفع خبر "أن"؛ وأن وما دخلت عليه سدت مسد مفعولي زعم. "بعدها": متعلق بـ "تغير"، و"ها": مضاف إليه. من ذا: مبتدأ وخبر: الذي: بدل من اسم الإشارة؛ أو عطف بيان عليه. يا: حرف نداء. عز: منادى مفرد علم مرخم؛ وجملة النداء؛ معترضة بين الموصول وصلته، لا محل لها. لا: نافية. يتغير: فعل مضارع والفاعل: هو؛ وجملة "لا يتغير": صلة للموصول لا محل لها.
موطن الشاهد: "زعمت أني تغيرت".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "زعم" بمعنى ظن، وعداه إلى مفعولين؛ سد مسدهما أن وما دخلت عليه؛ وهذا كثير شائع في استعمال هذا الفعل كما أشرنا من قبل؛ ومن أمثلته قول امرئ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وألا يحسن اللهو أمثالي
وقول جميل بن معمر العذري:
وقد زعمت أني سأرضي بها العدى ... سرقت إذن يا بثن زاد رفيقي
ومن تعدية هذا الفعل بوساطة "أن" المخففة وما دخلت عليه قوله جل شأنه: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} .(2/37)
والثالث: ما يَرِدُ بالوجهين1، والغالب كونه لليقين، وهو اثنان: رأى، وعلم، كقوله جل ثناؤه: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا} 2، وقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} 3، وقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات} 4.
والرابع: ما يَرِدُ بهما، والغالب كونه للرجحان، وهو ثلاثة: ظن، وحسب، وخال كقوله5: [الطويل]
177- ظننتك إن شبَّتْ لظى الحرب صاليا6
__________
1 أي يكون بمعنى اليقين أحيانا، وبمعنى الرجحان أحيانا أخرى، والقرينة تعين المراد.
2 "70" سورة المعارج، الآية: 6 و7.
موطن الشاهد: {يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يرى" في الآية الكريمة دالا على المعنيين، فالأول يدل على الرجحان؛ لأن الضمير عائد إلى الكفار الذين يظنون البعث ممتنعا؛ والثاني: يدل على اليقين؛ لأن المتكلم الله جل جلاله؛ ومعناه: ونعلمه واقعا لا محالة.
3 "47" سورة محمد، الآية: 19.
موطن الشاهد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "اعلم" بمعنى تيقن واعتقد؛ وأن وصِلَتُها سدت مسد مفعولي "اعلم".
4 "60" سورة الممتحنة، الآية: 10.
موطن الشاهد: {عَلِمْتُمُوهَُّن مُؤْمِنَاتٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "علم" في الآية الكريمة بمعنى "ظن"؛ والضمير "هن"؛ مفعوله الأول، ومؤمنات: مفعوله الثاني.
5 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فعردت فيمن كان عنها معردا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، والأشموني: "317/ 1/ 156" والعيني: 2/ 381. =(2/38)
وكقوله تعالى: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} 1، وكقوله الشاعر2: [الطويل]
178- وكنا حسبنا كل بيضاء شحمةً3
__________
= المفردات الغريبة: شبَّت: اشتعلت واتَّقَدت وتأججت. لظى الحرب: نارها وأوارها. صاليا: داخلا فيها، وخائضا غمارها. عردت: أحجمت وفرَّت، والتعريد: الفرار، أو سرعة الذهاب في الهزيمة.
المعنى: لقد ترجح أنك -إذا اضطرمت نيران الحرب وحمي وطيسها- تقتحهما وتخوض غمارها غير هياب ولا وجل؛ وإذا بك تفر وتنهزم مع المنهزمين.
الإعراب: ظننتك: فعل ماضٍ يفيد الرجحان، والتاء: فاعله، والكاف: مفعوله الأول. إن: شرطية جازمة. شبت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث. لظى: فاعل مرفوع، الحرب: مضاف إليه؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه. صاليا: مفعول به ثانٍ؛ لفعل "ظن" فعردت: الفاء عاطفة. عردت: فعل ماضٍ وفاعل. "فيمن": متعلق بـ "عرد". كان فعل ماضٍ ناقص، واسمه: هو. معردا: خبر كان؛ وجملة "كان مع معموليها": صلة "من" لا محل لها.
موطن الشاهد: "ظننتك صاليا".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "ظن" من الظن بمعنى الرجحان؛ ونصب به مفعولين؛ الأول: "الكاف" ضمير الخطاب، والثاني: صاليا.
1 "2" سورة البقرة، الآية: 46.
موطن الشاهد: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يظنون" من الظن بمعنى اليقين؛ لأن المؤمنين يتيقنون من ملاقاة ربهم، و"أن" وصلتها سدت مسد مفعولي "يظنون".
2 الشاعر: هو زفر بن الحارث الكلبي: أبو الهذيل، كبير قيس في زمانه، ومن الطبقة الأولى من التابعين من أهل الجزيرة، سمع عائشة ومعاوية رضي الله عنهما، وشهد صفين مع معاوية، وشهد مرج راهط مع الضحاك بن قيس؛ لجأ إلى قرقيسيا -بلد على الفرات- وبقي فيها إلى أن مات في خلافة عبد الملك بن مروان، وله بضع وسبعون سنة.
الخزانة: 2/ 372، المؤتلف: 129.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
عشية لاقينا جُذامَ وحميرا
وهو من كلمة يقولها في وصف مرج راهط، وهو موضع كانت لهم فيه موقعة، وبعده قوله: =(2/39)
وقوله1: [الطويل]
179- حسبتُ التقى والجودَ خيرَ تجارةٍ2
__________
=
فلما لقينا عصبة تغلبية ... يقودون جردا في الأعنة ضمرا
سقيناهم كأسا سوقنا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ... ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 249، ومغني اللبيب: "1078/ 833" والسيوطي: 314، والعيني: 2/ 382، وشرح التبريزي لديوان الحماسة "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد"، 1/ 150.
المفردات الغريبة: وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة: كنا ظننا شيئا فوجدنا الأمر على خلاف ما كنا نظن، وهذه العبارة مأخوذة من المثل: "ما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة". جذام وحمير: قبيلتان من قبائل اليمن.
المعنى: كنا ظننا في قومنا -لما نعلمه من شجاعتهم ومقدرتهم الفائقة في الحرب- أنهم سيقهرون أعداءهم بمجرد اللقاء بهم، وأن أولئك الأعداء، سيهزمون حين يرون أنفسهم أمام شجعان لا قبل لهم بمنازلتهم؛ ولكننا وجدنا في الأعداء قدرة وصلابة وصمودا في المواجهة، وصبرا على النزال، لم يكن متوقعا؛ ولعل هذا البيت من خير ما قيل في إنصاف الخصوم.
الإعراب: كنا: فعل ماضٍ ناقص، واسمه، حسبنا: فعل ماضٍ يفيد الرجحان، و"نا" فاعل. كل: مفعول به أول لـ "حسب" بيضاء: مضاف إليه. شحمة: مفعول به ثانٍ. لاقينا: فعل ماضٍ، وفاعل. جذام: مفعول به. وحميرا: معطوف على "جذام" وجملة "لاقينا ... " في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "حسبنا كل بيضاء شحمة".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "حسب" القلبي بمعنى الرجحان ونصبه مفعولين اثنين؛ الأول: كل؛ والثاني: شحمة.
1 هو: لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
رباحا، إذا ما المرء أصبح ثاقلا
وهو من كلمة طويلة للبيد عدتها اثنان وتسعون بيتا، وأولها قوله:
كبيشة حلت بعد عهدك عاقلا ... وكانت له خبلا على النأي خابلا
=(2/40)
وكقوله1: [الطويل]
180- إخالك، إن لم تغضض الطرف، ذا هوى2
__________
=
تربعت الأشراف ثم تصيفت ... حساء البطاح وانتجعن المسايلا
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 249، وابن عقيل: "122/ 2/ 34"، والأشموني: "339/ 1/ 163" وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 132، والعيني: 2/ 384، وديوان لبيد: 146.
المفردات الغريبة: رباحا: أي ربحا. ثاقلا: أي ميتا؛ لأن الجسم يثقل إذا فارقته الروح.
المعنى: لقد علمت وتيقنت أن تقوى الله تعالى، والجود بالمال وبالنفس -إذا اقتضى الأمر- أحسن تجارة، تعود على الإنسان بخير ربح، إذا مات وفارق هذه الدنيا؛ وذلك لأنه سيجد ما أعده الله له خيرا وأعظم أجرا.
الإعراب: حسب: فعل ماضٍ بمعنى "علم"، والتاء: فاعل. التقى: مفعول به أول.
والجود: معطوف على المفعول الأول. خير: مفعول به ثانٍ. تجارة: مضاف إليه. رباحا: تمييز منصوب. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متعلق بجوابه. ما: زائدة. المرء: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ وهذا الفعل المحذوف ناقص محذوف الخبر؛ لأن مفسره "أصبح" فعل ناقص والجملة من "أصبح مع معموليها": في محل جر بالإضافة. أصبح: فعل ماضٍ ناقص، واسمه: هو. ثاقلا: خبر أصبح منصوب؛ وجملة "أصبح ثاقلا": مفسرة لا محل لها.
موطن الشاهد: "حسبت التقى ... خير".
وجه الاستشهاد: استعمال فعل "حسب" بمعنى علم القلبي، ونصبه مفعولين اثنين؛ الأول: التقى. والثاني: خير؛ واستعمال "حسب" بهذا المعنى كثير شائع.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
يسومك ما لا يستطاع من الوجد
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 249، والأشموني: "313/ 1/ 155" وهمع الهوامع: 1/ 150 والدرر اللوامع: 1/ 133، والعيني: 2/ 385.
المفردات الغريبة: إخالك: أظنك، وهو بكسر الهمزة، مع أن القياس في همزة المضارعة فتحها، ولكن جمهور العرب كسروها في هذا الفعل ما عدا بني أسد فإنهم يفتحونها على القياس. تغضض الطرف: تصرف العين وتغمضها. ذا هوى: صاحب عشق. يسومك: يكلفك ويجشمك. الوجد: الهيام والحزن. =(2/41)
وقوله2: [المنسرح]
181- ما خلتني زلت بعدكم ضَمِنًا2
__________
= المعنى: إني لأظنك -إن لم تصرف النظر عن الحسان ومفاتنهن- صاحب عشق وهيام؛ وعشقك وهيامك يجشمانك المصاعب، ويقودانك إلى ما لا تستطيع تحمله من تباريح الشوق والهوى.
الإعراب: إخالك: فعل مضارع "يفيد الرجحان"، والفاعل: أنا، والكاف: مفعوله الأول. إن: شرطية جازمة: لم: جازمة نافية، تغضض: فعل مضارع مجزوم؛ وهو فعل الشرط، والفاعل: أنت. الطرق: مفعول به. ذا: "بمعنى صاحب": مفعول به ثانٍ لـ "إخالك" وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة؛ وجملةُ جوابِ الشرط محذوفةٌ؛ لدلالة ما قبل الشرط عليها. هوى: مضاف إليه. يسومك: فعل مضارع، والفاعل: هو، يعود على هوى؛ والكاف: مفعول به أول. لـ "يسوم". ما: اسم موصول، مفعول به ثانٍ لـ "يسوم" لا: نافية. يستطاع: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: هو، يعود إلى "ما"؛ وجملة "لا يستطاع من الوجد": صلة لـ "ما" لا محل لها، وجملة "يسومك ما لا يستطاع من الوجد": في محل جر صفة لـ "هوى". "من الوجد": متعلق بمحذوف حال من "ما"؛ وهو الأفضل.
موطن الشاهد: "إخالك ذا هوى".
وجه الاستشهاد: استعمال مضارع "خال" وهو فعل قلبي يفيد الرجحان، وقد نصب بهذا الفعل مفعولان اثنان؛ وهما: كاف الخطاب، وذا. واستعمال إخالك بهذا المعنى كثير شائع.
فائدة: القياس في همزة "إخالك" أن تكون مفتوحة في المضارع، نحو: خاف أخاف، ولكن العرب كسروا همزة المضارعة في هذا الفعل وحده باستثناء بني أسد؛ فهم يفتحونها على ما يقتضيه القياس فيقولون: أخالك، والوجهان جائزان باتفاق.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت -أنشده الجوهري عن خلف الأحمر- وعجزه قوله:
أشكو إليكم حموة الألم
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 249، والعيني: 2/ 386، واللسان "ضمن".
المفردات الغريبة: ضَمِنًا: زَمِنًا مُبتَلَىً. حموة الألم: شدته وسورته.
المعنى: يخاطب من فارقهم من الأحبة قائلا: ما ظننت أنني سأبقى بعد فراقكم وبعدكم عني مريضا أشكو مرارة الفراق ولوعة الأسى شوقا إليكم.
الإعراب: ما: نافية. خلتني: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل، والنون: للوقاية، والباء: مفعول به أول. زلت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. "بعدكم": متعلق بـ "ضمنا" المفعول الثاني لـ "خال". أشكو: فعل مضارع، والفاعل: أنا، وجملة "أشكو": في محل نصب خبر "زال". حموة: مفعول به لـ "أشكوا". الألم: مضاف إليه؛ ويجوز أن يكون "ضمنا" خبر "زال"، وجملة "أشكو": المفعول الثاني لـ "خال".
موطن الشاهد: "خلتني ضمنا".
وجه الاستشهاد: استعمال "خال" القلبي بمعنى الرجحان، وقد نصب هذا الفعل مفعولين اثنين؛ ياء المتكلم، وضمنا؛ كما أوضحنا في الإعراب؛ واستعمال خال بهذا المعنى كثير شائع كما أسلفنا.(2/42)
تنبيهان: الأول: ترد علم بمعنى عرف، وظن بمعنى اتهم، ورأى بمعنى الرأي، أي: المذهب، وحجا بمعنى قصد، فيتعدين إلى واحد نحو: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} 1 {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضنِينٍ} 2 وتقول: "رأى أبو حنيفة حِلَّ كذا، ورأى الشافعي حرمته" و: "حجوت بيت الله"3.
وترد وجد بمعنى حزن أو حقد فلا يتعديان.
وتأتي هذه الأفعال وبقية أفعال الباب لمعانٍ أُخَر غير قلبية فلا تتعدى لمفعولين، وإنما لم يحترز عنها لأنها لم يشملها قولنا: "أفعال القلوب".
__________
= مفعول به أول. زلت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. "بعدكم": متعلق بـ "ضمنا" المفعول الثاني لـ "خال". أشكو: فعل مضارع، والفاعل: أنا، وجملة "أشكو": في محل نصب خبر "زال". حموة: مفعول به لـ "أشكوا". الألم: مضاف إليه؛ ويجوز أن يكون "ضمنا" خبر "زال"، وجملة "أشكو": المفعول الثاني لـ "خال".
موطن الشاهد: "خلتني ضمنا".
وجه الاستشهاد: استعمال "خال" القلبي بمعنى الرجحان، وقد نصب هذا الفعل مفعولين اثنين؛ ياء المتكلم، وضمنا؛ كما أوضحنا في الإعراب؛ واستعمال خال بهذا المعنى كثير شائع كما أسلفنا.
1 "16" سورة النحل، الآية: 78.
موطن الشاهد: {لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تعلمون" بمعنى تعرفون؛ أي ليس قلبيا؛ ولذا نصب مفعولا واحدا، واكتفى به؛ ومفعوله "شيئا" كما هو واضح.
2 "81" سورة التكوير، الآية: 24.
موطن الشاهد: "بِظَنِيْن".
وجه الاستشهاد: مجيء "ظنين" في الآية الكريمة -على قراءة الظاء- بمعنى متهم؛ والمعنى: وما هو على ما يأتيه من أخبار الغيب بمتهم، كما زعم المشركون.
3 قال الرضي: إن "رأى" التي من الرأي بمعنى الاعتقاد تتعدى أحيانا لاثنين، مثل: رأى أبو حنيفة كذا حلالا، ورأى الشافعي كذا حراما. وتارة تتعدى إلى واحد هو مصدر ثاني هذين الفعلين مضافا إلى أولهما، كما ذكر المصنف.
وقال الصبان: "وهذا صريح في جواز استعمال أفعال هذا الباب متعدية إلى واحد هو مصدر ثاني الجزأين مضافا إلى أولهما، من غير تقدير مفعول ثانٍ؛ لأن هذا المصدر هو المفعول به في الحقيقة؛ نحو: رأى أبو حنيفة حل كذا. شرح التصريح: 1/ 250، حاشية الصبان: 2/ 20.(2/43)
الثاني: ألحقوا رأى الحلُمية1 برأي العلمية في التعدي لاثنين، كقوله2: [الوافر]
182- أراهم رفقتي حتى إذا ما3
__________
1 أي الدالة على الرؤيا المنامية.
2 القائل هو: عمرو بن أحمر الباهلي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
تجافى الليل وانخزل انخزالا
وبعد قوله:
إذا أنا كالذي يجري لوردٍ ... إلى آل فلم يدرك بلالا
وهذان البيتان من قصيدة للشاعر يندب فيها رفاقه الذين فارقوه إلى الشام فصار يراهم في منامه وأولها:
أبت عيناك إلا أن تلحا ... وتحتالا بما بهما احتيالا
كأنهما سُعَينَا مستغيث ... يرجَّى طالعا بهما ثقالا
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 250، وهمع الهوامع: 1/ 150، والدرر اللوامع: 1/ 134 وابن عقيل: "131/ 2/ 53" والأشموني: "339/ 1/ 163".
المفردات الغريبة: رفقتي، الرفقة: الجماعة ينزلون جملة ويرتحلون جملة. تجافى الليل: زال، ذهب. انخزل: انطوى وانقطع. لورد، الورد: المنهل العذب الذي يشرب منه. آل: الآل: السراب وهو ما تراه وسط النهار، كأنه ماء، وليس بماء. بلالا: ما يبل به الحلق، والمراد هنا الماء.
المعنى: إن هؤلاء الأصحاب "أبو حنش وطلق وعمار وأثال" أراهم مجتمعين معي مناما؛ فإذا ما انطوى الليل، واستيقظت من نومي، لا أرى أحدا منهم؛ فأنا كالظمآن الذي يرى السراب، فيظنه ماء؛ حتى إذا جاءه، لم يجد شيئا، فيظل عطشا، ولم ينل مطلبا.
الإعراب: أراهم: فعل مضارع، والفاعل: أنا، و"هم": مفعول به أول. رفقتي: مفعول به ثان، والياء: مضاف إليه. حتى: ابتدائية. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، متضمن معنى الشرط. ما: زائدة. تجافى: فعل ماضٍ. الليل: فاعل مرفوع؛ وجملة "تجافى الليل": "فعل الشرط غير الجازم" في محل جر بالإضافة؛ وجواب إذا في أول البيت التالي: "إذا أنا كالذي ... ".
موطن الشاهد: "أراهم رفقتي".
وجه الاستشهاد: إعمال "أرى" مضارع "رأى" الحلمية؛ أي رأى في المنام عمل رأى؛ التي بمعنى "علم"؛ لما بينهما من تشابه؛ لأن الرؤيا إدراك بالحسن الباطن، كالعلم؛ ولهذا، نصب بالفعل مفعولين اثنين، كما بينا في الإعراب.(2/44)
ومصدرها الرؤيا، نحو: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ} 1، ولا تختص الرؤيا بمصدر الحلمية، بل تقع مصدرا للبصرية، خلافا للحريري2 وابن مالك، بدليل: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} 3، قال ابن عباس: هي رؤيا عين.
النوع الثاني: أفعال التصيير، كجعل، ورد، وترك، واتخذ، وتخذ، وصير، ووهب، قال الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} 4 {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ
__________
رأى؛ التي بمعنى "علم"؛ لما بينهما من تشابه؛ لأن الرؤيا إدراك بالحسن الباطن، كالعلم؛ ولهذا، نصب بالفعل مفعولين اثنين، كما بينا في الإعراب.
1 "12" سورة يوسف، الآية: 100.
موطن الشاهد: {رُؤْيَايَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "رؤيا" مصدرا لـ "رأى" الحلمية.
2 الحريري: هو أبو محمد: القاسم بن علي بن محمد الحريري، صاحب المقامات المشهورة، كان غاية في الذكاء والفطنة والبلاغة، وأحد أئمة عصره في اللغة، وذلك واضح من خلال مقاماته التي بزَّ بها الأوائل وأعجز الأواخر، له مصنفات أخرى مثل: درة الغواص في أوهام الخواص، وملحة الإعراب وشرحها في النحو، وله ديوان شعر، كان الحريري دميم الخلقة مبتلى بنتف لحيته، ولد سنة 446 ومات بالبصرة وله سبعون سنة وذلك سنة 516هـ. سير أعلام النبلاء: 19/ 460، معجم الأدباء: 16/ 261، بغية الوعاة: 2/ 257، خزانة الأدب: 6/ 462.
3 "17" سورة الإسراء، الآية: 60.
موطن الشاهد: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الرؤيا" مصدرا لـ "رأى" البصرية؛ لأن الرؤيا هنا رؤيا عين، كما فسرها ابن عباس؛ غير أن المشهور استعمالها في الحلمية.
انظر شرح التصريح: 1/ 251.
ومن استعمالهم للرؤيا بمعنى رؤية قول الراعي النميري، يصف صيادا:
وكبر للرؤيا وهش فؤاده ... وبَشَّرَ نفسا كان قبلُ يلومُها
4 "25" سورة الفرقان، الآية: 23.
موطن الشاهد: {جَعَلْنَاهُ هَبَاءً} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "جعل" دالا على التحويل والانتقال من حالة إلى أخرى، فنصب مفعولين؛ الأول هاء الضمير العائد إلى عمل الكفار، والثاني: هباء؛ وهو ذرات التراب الصغيرة التي ترى في شعاع الشمس. ومنثورا: مبعثرا.(2/45)
كُفَّارًا} 1 {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} 2 {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} 3، وقال الشاعر4: [الوافر]
183- تخذت غراز إثرهم دليلا5.
__________
1 "2" سورة البقرة، الآية: 109.
موطن الشاهد: {يَرَدُّونَكُمْ ... كُفَّارًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "يردونكم" مضارع رد الدال على التحويل والتصيير ناصبا لمفعولين؛ هما: الضمير المتصل "كم" و"كفارا"؛ والمعنى: ود الذين كفروا لو يصيرونكم كفارا.
2 "18" سورة الكهف، الآية: 99.
موطن الشاهد: {تَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَمُوجُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ترك" دالا على التصيير، فنصب مفعولين؛ الأول: بعضهم، والثاني: جملة "يموج"؛ ومن العلماء من ينصب بـ "ترك" مفعولا واحدا، وينصب الثاني على الحال.
3 "4" سورة النساء، الآية: 125.
موطن الشاهد: {اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "اتخذ" ناصبا لمفعولين؛ أصلهما مبتدأ وخبر، كما في الآيات السابقة؛ فـ "إبراهيم" المفعول الأول، و"خليلا": المفعول الثاني.
4 الشاعر: هو: أبو جندب بن مرة الهذلي؛ أخو أبي خراش الهذلي.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وفرُّوا في الحجاز ليعجزوني
وهو ثالث ثلاثة أبيات يقولها في بني لحيان:
لقد أمسى بنو لحيان مني ... بحمد الله في خزي مبين
جزيتهم بما أخذوا تلادي ... بني لحيان كُلًّا فاخِرُوني
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 252، والأشموني: "329/ 1/ 158" والعيني: 2/ 400 وديوان الهذليين: 3/ 90.
المفردات الغربية: غراز: اسم واد، وقيل اسم جبل. إثرهم: عقب رحيلهم. ليعجزوني: ليغلبوني، وذلك بأن يفلتوا مني فلا أدركهم.
المعنى: يذم الشاعر بني لحيان -وكانت بينه وبينهم خصومة- فيقول: تتبعت أثرهم بعد رحليهم؛ ولكنهم فروا إلى الحجاز؛ ليعجزوني؛ فلا أدركهم.
الإعراب: تخذت: فعل ماضٍ وفاعل "وفعل تخذت دال على التصيير وهو بمعنى =(2/46)
وقال1: [مشطور الرجز]
184- فصيروا مثل كعصف مأكولْ2
__________
= جعل في هذا البيت. غراز: مفعول به أول؛ وهو ممنوع من الصرف على إرادة البقعة؛ وهي مؤنثة. إثرهم: ظرف متعلق بـ "تخذت" ومضاف إليه. دليلا: مفعول به ثانٍ لـ "تخذت". في الحجاز": متعلق بـ "فروا"؛ وفي هنا بمعنى "إلى". ليعجزوني: اللام للتعليل، يعجزوني: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام كي، وعلامة نصبه حذف النون، والواو: فاعل، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل جر بلام التعليل؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ "فر"؛ وتقدير الكلام: وفروا إلى الحجاز لإعجازهم إياي من اللحاق بهم.
موطن الشاهد: "تخذت غراز دليلا".
وجه الاستشهاد: مجيء "تخذ" فعلا دالا على التصيير، ونصبه مفعولين اثنين؛ الأول؛ غراز، والثاني: دليلا، كما أوضحنا في الإعراب.
1 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من السريع الموقوف بسكون لام مأكول، أو من مشطور الرجز. وصدره قوله:
ولعبت طير بهم أبابيلْ
وقبل الشاهد قوله:
ومسهم ما مس أصحاب الفيلْ ... ترميهمُ حجارة من سِجِّيلْ
وهما في ذكر أصحاب الفيل وما حل بهم من الهلاك، وينسبهما بعض النحاة إلى حميد الأرقط. والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 252، 2/ 172، والأشموني: "328/ 1/ 158"، وهمع الهوامع: 1/ 150 والدرر اللوامع: 1/ 132، ومغني اللبيب: "324/ 238"، والسيوطي: 171 والكتاب لسيبويه: 1/ 203، والمقتضب: 4/ 141، 350، وخزانة الأدب: 4/ 270 والعيني: 2/ 402، وسيرة ابن هشام "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 56، وملحقات ديوان رؤبة: 181.
المفردات الغريبة: أبابيل: جماعات وفرق، واحدة إبول؛ أو أبيل، وقيل: لا واحد له. كعصب، العصب: الزرع الذي أكل حبه، وبقي تبنه وورقه، وقيل: التبن.
المعنى: يصف الشاعر قوما أبيدوا واستؤصلوا، فلم يبق لهم أثر يذكر؛ ولعله يشير إلى قصة أصحاب الفيل؛ فشبههم بالزرع الذي عبثت به جماعات الطيور؛ فأكلت حبه؛ ولم تترك منه غير ورقه الجاف. =(2/47)
وقالوا: "وَهَبَنِي الله فداك"1 وهذا ملازم للمضي.
[أحكام ظن وأخواتها من حيث الإعمال والإلغاء والتعليق] :
فصل: لهذه الأفعال ثلاثة أحكام:
أحدها: الإعمال، وهو الأصل، وهو واقع في الجميع2.
الثاني: الإلغاء، وهو: إبطال العمل لفظا ومحلا، لضعف العامل بتوسطه أو تأخره، كـ: "زيد ظننت قائم" و: "زيد قائم ظننت"3 قال4: [البسيط]
__________
= الإعراب: صيروا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والواو: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول. مثل: مفعول به ثانٍ لـ "صيروا". كعصف: الكاف اسم بمعنى مثل، توكيد لـ "مثل" المذكورة؛ وعصف: مضاف إليه؛ أو الكاف زائدة، وعصف: مضاف إلى مثل؛ وقد فصل بين المتضايفين بالكاف؛ وهذا جائز.
موطن الشاهد: "صيروا مثل".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "صير" بمعنى التحويل من حالة إلى حالة، فنصب مفعولين؛ "واو الجماعة" الذي ناب عن الفاعل بعد بناء الفعل للمجهول، و"مثل"، كما بينا في الإعراب.
1 قول لبعض العرب، حكاه ابن الأعرابي، ومعنى وهبني: صيرني.
2 أي في أفعال القلوب، وفي أفعال التصيير؛ سواء منها المتصرف والجامد على النحو الذي ذكر، وقد مر أن الأفعال القلبية متصرفة إلا فعلين هما: "تعلم" بمعنى اعلم، و"هب" بمعنى ظن، والذي يعمل من المتصرف هو الماضي وحده في الغالب، أما أفعال التصيير فالجامد منها هو "وهب". ويلزمه المضي كما سبق.
شرح التصريح: 1/ 253.
3 المثال الأول، يدل على توسط العامل الملغى بين المبتدأ والخبر؛ وهما مفعولاه قبل أن يلغى والمثال الثاني؛ يدل على تأخر العامل الملغى عنهما؛ والإلغاء في هاتين الحالتين جائز، وليس واجبا، كما سيتضح لنا لاحقا.
4 القائل هو: منازل بن ربيعة المنقري، وقيل ابن زمعة؛ والمعروف باللعين المنقري؛ وذلك لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمعه ينشد شعرا والناس يصلون، فقال: من هذا اللعين؟ فعلقت عليه، وكنية اللعين هذا، أبو أكيدر، وهو شاعر إسلامي هجاء، مبغض للضيوف، وذلك ظاهر في شعره.
الشعر والشعراء: 1/ 499، والاشتقاق: 153، والخزانة: 1/ 530.(2/48)
185- وفي الأراجيز -خِلُت- اللؤمُ والخورُ1
وقال2: [الطويل]
186- هُمَا سَيِّدَانا يزعمان؛ وإنما3
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
أبالأراجيز يا ابن اللوم توعدني؟
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 253، وهمع الهوامع: 1/ 153 وفيه:
وفي الأراجيز خلت اللؤم والفشل
والدرر اللوامع: 1/ 135، والكتاب لسيبويه: 1/ 61، وشرح المفصل: 7/ 84، 7/ 85 وقطر الندى: "71/ 232"، والخزانة: 1/ 125 عرضا، وذكر أن الصواب: " ... والفشل".
المفردات الغريبة: الأراجيز: جمع أرجوزة، وهي ما كان من الشعر من بحر الرجز، وقد كان من الشعراء من لا يقول غير الرجز، كالعجاج، وابنه رؤبة، ومنهم من يقول الشعر لا غير. وآخرون يقولون النوعين. توعدني: تتهددني. اللؤم: دناءة الأصل وشحُّ النفس. الخور: الضعف.
المعنى: أتتهددني بالأراجيز، يا دنيء الأصل، ويا وضيع النسب؟ وفي هذه الأراجيز الدناءة والضعف. "ربما لأن الرجز لا ينزل منزلة الشعر في نظره"؛ وجعله ابنا للوم مبالغة في هجائه.
الإعراب: أبالأراجيز: الهمزة للاستفهام. "بالأراجيز": متعلق بـ "توعدني". يابن اللؤم: حرف نداء، ومنادى مضاف منصوب، ومضاف إليه، وجملة النداء معترضة بين الجار والمجرور ومتعلقه. توعدني: فعل مضارع، والنون للوقاية، والياء: مفعول به، والفاعل: أنت. وفي الأراجيز: الواو حالية. "في الأراجيز": متعلق بمحذوف خبر مقدم. خلت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "خلت": اعتراضية، لا محل لها؛ لأنها اعترضت بين المبتدأ والخبر. اللؤم: مبتدأ مؤخر. والخور: معطوف على اللؤم مرفوع مثله؛ وجملة "في الأراجيز اللؤم والخور": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "في الأراجيز خلت اللؤم".
وجه الاستشهاد: توسط فعل "خال" بين المبتدأ "اللؤم" والخبر "الأراجيز"؛ ولما توسط الفعل بينهما، ألغي عمله فيهما؛ إذ لولا توسطه؛ لنصبهما؛ والتقدير: وخلت اللؤم والخور في الأراجيز؛ فاللؤم: مفعول أول، ومحل الجار المفعول الثاني.
2 القائل هو: أبو أسيدة الدبيري؛ ولم أعثر له على ترجمة وافية.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
يسوداننا إن أيسرت غنماهما
=(2/49)
وإلغاء المتأخر أقوى من إعماله1، والمتوسط بالعكس2، وقيل: هما في المتوسط بين المفعولين سواء.
الثالث: التعليق، وهو إبطال العمل لفظا لا محلا3؛ لمجيء ما له صدر
__________
= ويُروى قبله:
وإن لنا شيخين لا ينفعاننا ... غنيين لا يجدي علينا غناهما
والبيت رواه ابن السكيت في كتاب الألفاظ ثاني أربعة أبيات: 135، والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 254، وهمع الهوامع: 1/ 153، والدرر اللوامع: 1/ 135 والعيني: 2/ 403، واللسان "يسر".
المفردات الغريبة: يزعمان: يظنان، أيسرت غنماهما: كثرت ألبانها ونسلها.
المعنى: لنا في قومنا شيخنا غنيان، قد طعنا في السن، لا يعود علينا من غناهما شيء، مع ذلك، فهما يظنان أنهما سيدانا وصاحبا الأمر والنهي فينا.
الإعراب: هما: مبتدأ. سيدانا: خبر ومضاف إليه. يزعمان: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، لأنه من الأفعال الخمسة، والألف في محل رفع فاعل. وإنما: أداة حصر. يسوداننا: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو: فاعل: و"نا" مفعول به. إن: شرطية جازمة. أيسرت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. وأيسرت: في محل جزم فعل الشرط. غنماهما: فاعل "أيسر" مرفوع، وعلامة رفعه الألف، و"هما": مضاف إليه؛ وجواب الشرط محذوف لدلالة سياق الكلام عليه.
موطن الشاهد: "هما سيدانا يزعمان".
وجه الاستشهاد: إلغاء عمل فعل "يزعم" القلبي؛ لتأخره عن مفعوليه؛ فارتفعا على أصلهما؛ وأصلهما -كما هو معلوم- المبتدأ والخبر؛ وإلغاء عمل الفعل في حالة تأخره عن عامليه أكثر من أعماله، كما هو واضح في المتن.
1 وذلك لضعفه بالتأخر، ويشترط لجواز الأمرين: عدم انتفاء العامل، وإلا وجب الإعمال نحو: محمدًا مسافرا لم أدر، وكون العامل غير مصدر نحو: علي مجد ظني، وألا تدخل على الاسم لام الابتداء نحو: لرأيك ناضج خلت، وإلا وجب الإلغاء في الموضعين. ويرى بعضهم أن الثاني من باب التعليق؛ وتأخير الفعل مع وجود المعلق، لا يمنع التعليق.
2 أي أن الإعمال أقوى من الإهمال، ومحل هذا إذا لم تتقدم على الاسم لام الابتداء، وإلا وجب الإلغاء. وإذا كان الفعل منفيا تعين الإعمال كما سبق.
3 أي أن العامل يمنع من العمل الظاهر -وهو النصب في لفظ المفعولين أو أحدهما- ولكنه في التقدير عامل؛ وذلك بسبب مانع يحول بينه وبين العامل الظاهر. وسمي هذا النوع من العمل تعليقا؛ لأن العامل متعلق بالمحل ومقدر عمله فيه، وإن بطل عمله في اللفظ بسبب هذا المانع كما سترى. واعلم أن الجملة في حال التعليق لفظها مرفوع ولكنها في محل نصب، فإذا عطفت عليها: جاز مراعاة لفظها برفع المعطوف، وجاز نصبه مراعاة لمحلها. أما في حالة الإلغاء فالجملة، لا محل لها من الإعراب، ولا يعطف عليها إلا بالرفع تبعا للفظها.
شرح التصريح: 1/ 254.(2/50)
الكلام بعده، وهو: لام الابتداء، نحو: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 1، ولام القسم، كقوله2: [الكامل]
187- ولقد علمت لتأتين منيتي3
__________
1 "2" سورة البقرة، الآية: 102.
موطن الشاهد: {عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} .
وجه الاستشهاد: وقوع فعل "علم" القلبي معلقا عن العمل لدخول لام الابتداء على المبتدأ والخبر؛ ولام الابتداء، لا يعمل ما قبلها فيما بعدها وإلا فقدت صدارتها؛ فاللام: حرف ابتداء. من: اسم موصول، مبتدأ أول. وجملة "اشتراه": صلة، لا محل لها. وما: نافية. "له": متعلق بخبر مقدم محذوف. من: زائدة. خلاف: مبتدأ ثانٍ مؤخر؛ وجملة "ما له من خلاق": في محل رفع خبر المبتدأ الأول؛ وجملة المبتدأ الأول وخبره، سدت مسد مفعولي "علم" المعلق عن العمل في اللفظ فقط، بسبب لام الابتداء التي لا يتخطاها العامل كما أسلفنا. وانظر شرح التصريح: 1/ 254.
2 القائل هو: لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إن المنايا لا تطيش سهامها
وهو من معلقة لبيد، والتي مطلعها قوله:
عفت الديار محلها فمقامها ... بمنى تأبد غولها فرجامها
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 254، 255، 259، والأشموني: "336/ 1/ 161"، وهمع الهوامع: 1/ 154، والدرر اللوامع: 1/ 137، والكتاب لسيبويه: 1/ 456، وخزانة الأدب: 4/ 13، 332، ومغني اللبيب: "747/ 524" "754/ 532" والعيني: 2/ 405 وشذور الذهب: "185/ 481"، وقطر الندى: "73/ 235".
المفردات الغريبة: منيتي، المنية: الموت. لا تطيش: لا تخيب ولا تخطئ، يقال: طاش السهم، إذا لم يصب الهدف. سهامها: جمع سهم. =(2/51)
وما النافية نحو: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} 1.
ولا وإن النافيتان في جواب قسم ملفوظ به أو مقدر2، نحو: "علمت والله لا زيد في الدار ولا عمرو" و: "علمت إن زيد قائم".
__________
= المعنى: لقد أيقنت أن منيتي ستأتيني وسألاقي الموت حتما، لأن الموت نازل لا محالة بكل إنسان، لا يفلت منه أحد، ولا تطيش سهامه.
الإعراب: ولقد: الواو حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف؛ والتقدير والله لقد علمت. لقد: اللام واقعة في جواب القسم، قد: حرف تحقيق. علمت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "علمت": جواب القسم، لا محل لها. لتأتين: اللام واقعة في جواب قسم مقدر آخر، تأتين: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. منيتي: فاعل مرفوع، والياء مضاف إليه؛ وجملة "تأتين منيتي": سدت مسد مفعولي "علم" المعلق عن العمل بسبب لام القسم؛ هذا؛ ويجوز أن تكون اللام المقترنة بـ "قد" الموطئة للقسم تفيد التوكيد، واللام في لتأتين: واقعة في جواب القسم؛ وجملة "لتأتين"؛ جواب القسم، لا محل لها. أن: حرف مشبه بالفعل. المنايا: اسمه. لا: نافية. تطيش: فعل مضارع. سهامها: فاعل ومضاف إليه؟ وجملة "لا تطيش سهامها": في محل رفع خبر "إن".
موطن الشاهد: "علمت لتأتين منيتي".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "علم" القلبي معلقا عن العمل؛ لوقوعه قبل لام جواب القسم؛ ولذا علق عن العمل في لفظ الجملة فقط؛ ولولا وجود لام القسم لنصب المفعولين؛ والتقدير: ولقد علمت منيتي آتية؛ بنصب "منيته" نصبا تقديريا، على أنه المفعول الأول، ونصب آتية نصبا ظاهرا على أنه المفعول الثاني؛ وقد ذكر صاحب شرح التصريح تعليقا حول جملة جواب القسم، وهل لها محل أو لا في مثل هذا الشاهد يفضل العودة إليه؛ وإلى حاشية الصبان معا لمعرفة مراده. شرح التصريح: 1/ 255، وحاشية الصبان: 2/ 30.
1 "21" سورة الأنبياء، الآية: 65.
موطن الشاهد: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} .
وجه الاستشهاد: علق فعل "علم" عن العمل في الجملة بعده لفظا، لأنه وقع قبل "ما" النافية؛ فـ "ما" نافية. هؤلاء: مبتدأ. جملة "ينطقون": خبر؛ والجملة من "المبتدأ والخبر": في محل نصب، سدت مسد مفعولي "علم".
2 لأن لهما الصدارة حينئذ، ويرى البعض عدم اشتراط القسم قبل كل أداة من الثلاثة؛ لعدم وروده في الأساليب الفصيحة، ولا فرق في الأحرف الثلاثة بين العاملة منها؛ والمهملة؛ فكلها مع الأهمال أو الإعمال صالحة؛ لأن تكون أداة تعليق.(2/52)
والاستفهام، وله صورتان:
إحداهما: أن يعترض حرف الاستفهام بين العامل والجملة، نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُون} 1.
والثانية: أن يكون في الجملة اسم استفهام: عمدة كان، نحو: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} 2، أو فضلة، نحو: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} 3.
__________
1 "21" الأنبياء، الآية: 109.
موطن الشاهد: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُون} .
وجه الاستشهاد: اعترضت همزة الاستفهام بين الفعل القلبي "أدري" وبين معموليه؛ فعلقت عن العمل لفظا لا معنى؛ فـ قريب: مبتدأ، بعيد: معطوف عليه: ما: خبر المبتدأ والجملة من "المبتدأ والخبر": في موضع نصب، سدت مسد مفعولي "أدري" المعلق.
2 "18" سورة الكهف، الآية: 12.
موطن الشاهد: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} .
وجه الاستشهاد: علق فعل "نعلم" عن العمل لفظا؛ لوقوعه قبل اسم الاستفهام العمدة؛ فأي: مبتدأ، وأحصى: خبر "إن كانت اسم تفضيل" وفي محل رفع خبر إن كانت فعلا ماضيا؛ وجملة: "أيُّ الحزبين أحصى" في موضع نصب سدت مسد مفعولي "نعلم" المعلق.
3 "26" سورة الشعراء، الآية: 227.
موطن الشاهد: {سَيَعْلَمُ ... أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .
وجه الاستشهاد: علق فعل "يعلم" عن العمل لفظا؛ لأنه تلي بـ "أي" اسم الاستفهام، وهو لا يعمل فيه ما قبله؛ فـ "أي" مفعول مطلق مقدم من تأخير، والعامل فيه "ينقلبون"؛ والأصل؛ ينقلبون أي منقلب؛ وليست "أي" مفعولا به لـ "يعلم" كما يتوهم المبتدئون -لما ذكرنا- وجملة ينقلبون معلق عنها العامل؛ فهي في محل نصب سدت مسد مفعولي "يعلم".(2/53)
لا يدخل الإلغاء والتعليق في أفعال التصيير] :
ولا يدخل الإلغاء ولا التعليق في شيء من أفعال التصيير1، ولا في قلبي جامد2، وهو اثنان: هب، وتعلم3، فإنهما يلزمان الأمر، وما عداهما من أفعال الباب متصرف إلا وهب، كما مر.
ولتصاريفهن ما لهن، تقول في الإعمال: "أظن زيدا قائما" و: "أنا ظانٌّ زيدا قائما"، وفي الإلغاء4: "زيد أظن قائم، وزيد قائم أظن، وزيد أنا ظانٌّ قائم، وزيد قائم أنا ظانٌّ" وفي التعليق: "أظن ما زيد قائم، وأنا ظانٌّ ما زيد قائم".
[الفرق بين الإلغاء والتعليق] :
[وقد تبين مما قدمناه أن الفرق بين الإلغاء والتعليق من وجهين] :
أحدهما: أن العامل الملغى لا عمل له البتة، والعامل المعلق له عمل في المحل، فيجوز: "علمت لزيد قائم وغير ذلك من أموره" بالنصب عطفا على المحل5.
__________
1 لقوتها، لأن متناولها الذوات لا الأحداث، وأثرها ظاهر في الغالب؛ فهي قوية في العمل.
2 لضعفه بعدم التصرف، فلا يضم إلى ذلك ضعف آخر بإلغائه أو تعليقه.
3 ذهب الكثيرون من النحاة: إلى أن "تعلم" تتصرف وهو الراجح؛ فقد حكى ابن السكيت؛ تعلمت أن فلانا خارج، وعلى ذلك يدخلها الإلغاء والتعليق.
4 المراد بالتصاريف: المضارع، والأمر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر؛ ويلاحظ أن المصدر يجب فيه الإلغاء إذا تقدم عليه معمولاه، أو أحدهما؛ بأن تأخر أو توسط؛ لأنه يعمل فيما قبله، كما تقدم في موضعه.
5 للعلماء خلاف في الجملة المعلق عنها بأحد المعلقات التي ذكرها المؤلف -إلا الاستفهام- ولهم في ذلك ثلاثة مذاهب: أولها: أن لهذه الجملة محلا من الإعراب؛ وأن هذا المحل، هو النصب، وهذا مذهب سيبويه وسائر البصريين وابن كيسان، وهو الذي يجري عليه كلام المؤلف ههنا، والثاني: أنه لا محل لها من الإعراب، وأنها جواب قسم مقدر بينها وبين الفعل المعلق، فإذا قلت "علمت لزيد قائم" فتقدير الكلام: علمت والله لزيد قائم، وهذا مذهب الكوفيين.
الثالث: أن الجملة المعلق عنها، لا محل لها من الإعراب، بسبب كونها جواب =(2/54)
قال3: [الطويل]
188- وما كانت أدري قبل عزة ما البكى ... ولا موجعات القلب حتى تولت1
__________
= قسم، لكن هذا القسم مدلول عليه بنفس الفعل المعلق، وليس مدلولا عليه بشيء محذوف، كما زعم الكوفيون، وهذا مذهب المغاربة من النحويين، وممن ذهب إليه ابن عصفور.
واعلم أنه إنما يعطف على محل الجملة المعلق عنها جملة أو مفردا في معنى الجملة. شرح التصريح: 1/ 257.
فائدة: لا فرق في الاستفهام العمدة -من حيث التعليق- بين المبتدأ، أو الخبر، كما في قولك: علمت متى السفر؟، أو المضاف إليه المبتدأ، نحو: علمت أبو من زيد، أو خبرا كذلك؛ نحو: علمت صبيحة أي يوم سفرك.
انظر شرح التصريح: 1/ 256.
1 القائل هو كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة. وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 257، والأشموني: "338/ 1/ 162" وقطر الندى: "74/ 237" وشذور الذهب: "187/ 486" ومغني اللبيب: "771/ 546"، وديوان كثير: 1/ 27.
المفردات الغريبة: أدري: أعلم. عزة: اسم محبوبة الشاعر: موجعات: جمع موجعة: أي مؤلمة.
المعنى: ما كنت أعلم قبل أن أعرف عزة وأهواها، أي شيء وهو البكى؛ لأنني كنت خالي القلب، وما كانت أعلم الأمور المؤلمة؛ لكوني مرتاح الخاطر، حتى ذهبت وفارقتني.
الإعراب: ما: نافية. كنت: فعل ماضٍ ناقص، واسمه. أدري: فعل مضارع، "والفاعل" أنا؛ وجملة "أدري": في محل نصب خبر "كان". "قبل": متعلق بـ "أدري". عزة: مضاف إليه؛ مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. ما: اسم استفهام، مبتدأ. البكي: خبر. ولا موجعات: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. موجعات: اسم معطوف على محل "ما البكى" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. حتى: حرف غاية وجر. تولت: فعل ماضٍ، والفاعل: هي، والتاء: للتأنيث؛ والمصدر المؤول من "أن المقدرة قبل تولت مع ما بعدها": في محل جر بـ "حتى"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بالنفي الذي دل عليه "ما" في قوله "ما كنت أدري".
موطن الشاهد: "أدري ما البكى ولا موجعات".
وجه الاستشهاد: علق الفعل القلبي "أدري" عن العمل؛ لأن المبتدأ بعده اسم استفهام؛ ومعلوم أن اسم الاستفهام لا يعمل ما قبله فيه؛ لأن رتبته التصدير؛ غير أن الفعل عمل النصب في محل الجملة؛ ودليل ذلك، عطف "موجعات" المنصوب على محلها. وأعرب بعضهم: "ولا موجعات" كالآتي:
الواو حالية. لا: نافية للجنس. موجعات: اسمها والخبر محذوف. وأعرب بعضهم "ما البكى" كالتالي:
ما: زائدة. البكى: مفعول به؛ والأصل: لا أدري البكى، ولا أدري موجعات القلب؛ فيكون من باب عطف الجمل ولا شاهد فيه على الوجهين؛ والأرجح ما ذهبنا إليه في إعراب البيت. وانظر شرح التصريح: 1/ 257.(2/55)
والثاني: أن سبب التعليق موجب، فلا يجوز: "ظننت ما زيدا قائما" وسبب الإلغاء مجوِّز1، فيجوز: "زيدًا ظننتُ قائما" و"زيدا قائما ظننت".
ولا يجوز إلغاء العامل المتقدم2، خلافا للكوفيين والأخفش، واستدلوا بقوله3: [البسيط]
189- أني رأيت ملاك الشيمة الأدب4
__________
1 هناك بعض الحالات التي يجب فيها الإعمال؛ منها: إذا كان الناسخ منفيا، سواء كان متأخرا عن المفعولين، أم متوسطا بينهما، نحو: "شتاء باردا لم أظن"، "شتاء لم أظن باردا"، ويجب الإهمال إذا كان العامل مصدرا متأخرا نحو: المطر قليل- ظني غالب؛ لأن المصدر المتأخر لا يعمل في شيء متقدم عليه؛ وكذلك إذا كان في المفعول المتقدم لام ابتداء أو غيرها من ألفاظ التعليق، نحو: لمحمد مكافح ظننت. أو إذا وقع الناسخ بين اسم إن وخبرها، نحو: إن التردد حسبت مضيعة.
2 هذا مذهب البصريين. وعليه جرى ابن مالك. ومن الفروق بين الإلغاء والتعليق: أن الإلغاء يؤثر في المفعولين معا. أما التعليق فقد يكون أثره على المفعولين أو على أحدهما. والإلغاء لا يجوز في توابعه إلا مراعاة الناحية الظاهرة. أما التعليق فيجوز في توابعه مراعاة الناحية اللفظية، والناحية المحلية كما سبق.
3 القائل: رجل من بني فزارة.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
كذاك أدبت حتى صار من خلقي
وقبله قوله:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوأة اللقب
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 258، وابن عقيل: "130/ 2/ 49"، والأشموني: "335/ 1/ 160" وهمع الهوامع: 1/ 153، والدرر اللوامع: 1/ 135، والمقرب: 22، والخزانة: 4/ 5 والعيني: 2/ 411، وشرح التبريز على الحماسة "تحقيق: =(2/56)
........................................................................
__________
= محمد محيي الدين عبد الحميد": 3/ 147، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1146. وهي برواية "الأدبا".
المفردات الغريبة: كذاك: اسم الإشارة، يراد به مصدر الفعل المذكور بعده أي تأديبا مثل ذلك التأديب المعبر عنه في قوله: "أكنيه حين ... ". ملاك الشيء: قوامه الذي يملك به. الشيمة. الخلق، والجمع: الشيم.
المعنى: أدبت أدبا مثل ذلك الأدب العظيم؛ حتى من شيمتي وطبعي الإيمان بأن رأس الأخلاق، وملاك الفضائل الإنسانية هو الأدب.
الإعراب: كذاك: "الكاف" اسم بمعنى مثل، صفة لمحذوف واقع مفعولا مطلقا من "أدبت" الذي بعده، واسم الإشارة: مضاف إليه؛ أو الكاف: حرف جر، واسم الإشارة: اسم مجرور؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف واقع مفعولا مطلقا لـ "أدبت"؛ والتقدير: أدبت تأديبا مثل هذا التأديب. أدبت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل. حتى: ابتدائية. صار: فعل ماضٍ ناقص. "من خلقي": متعلق بمحذوف خبر "صار" المقدم، والياء: مضاف إليه، أني: حرف مشبه واسمه وجدت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "وجدت" في محل رفع خبر "أن"؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل رفع اسم "صار". ملاك: مبتدأ. الشيمة: مضاف إليه. الأدب: خبر مرفوع؛ وجملة "ملاك الشيمة الأدب": في محل نصب، سدت مسد مفعولي "وجد" على تقدير لام ابتداء، علقت هذا الفعل عن العمل في لفظ جزأي الجملة؛ والأصل: وجدت لملاك الشيمة الأدب؛ أو الجملة في محل نصب مفعولا ثانيا لفعل "وجد"؛ ومفعوله الأول: ضمير الشأن المحذوف؛ والتقدير: وجدته -أي الحال والشأن- ملاك الشيمة الأدب.
مواطن الشاهد: "وجدت ملاك الشيمة الأدب".
وجه الاستشهاد: إلغاء الفعل "وجد" مع تقدمه على معموليه؛ إذ لو أعمله؛ لنصب به "ملاك" و"الأدب" على أنهما مفعولان؛ ولكن رواية البيت برفعهما؛ وفي هذا الشاهد خلاف بين النحويين؛ فمذهب الكوفيون إلى أن ما جاء في هذا الشاهد وأمثاله من باب الإلغاء؛ لأن الإلغاء -عندهم- جائز مع تقدم العامل، كجوازه في التوسط والتأخر؛ والعلة في ذلك، أن أفعال القلوب ضعيفة عن بقية الأفعال المتعدية، وهذا الإلغاء أثر من آثار ضعفها. وأما البصريون فخرجوا هذا الشاهد وأمثاله على ثلاثة احتمالات، ذكرها المؤلف في المتن بعد ذكر الشاهد التالي؛ ورأي الكوفيون أسلم من رأي البصريين في هذه المسألة؛ لأن الأصل؛ وإلا تصبح دلالة الشواهد غير موثوق بها ولا مطمأن إليها؛ لأن التأويل في كل كلام ممكن. وانظر تفصيل هذه المسألة في شرح التصريح: 1/ 258، وشرح ابن عقيل: "ط. دار الفكر": 1/ 342-344.(2/57)
وقوله1: [البسيط]
190- وما إخال لدينا منك تنويل2
__________
1 القائل: هو كعب بن زهير بن أبي سلمة، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
أرجو وآمل أن تدنو مودتها
والبيت من القصيدة المشهورة في مدح سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- والتي مطلعها قوله:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يفد مكبول
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 258، وابن عقيل 129/ 2/ 47، والأشموني: "334/ 1/ 160" والخزانة: 4/ 7، والعيني: 2/ 412، وهمع الهوامع: 1/ 53، 153، والدرر اللوامع: 1/ 31، 136، وديوان كعب بن زهير: 9، وفيه برواية "تعجيل".
المفردات الغريبة: تدنو: تقرب. تنويل: إعطاء.
المعنى: إني لأرجو أن تدنو مودتها، وتقرب محبتها، وما أظن أني سأصل منك إلى أي عطاء أو تنويل.
الإعراب: أرجو وآمل: فعلان مضارعان، والفاعل فيهما: أنا. أن: حرف ناصب. تدنو: فعل مضارع منصوب بـ "أن" وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الواو؛ منع من ظهورها السكون العارض لضرورة الشعر. مودتها: فاعل ومضاف إليه؛ و"ها": عائد إلى سعاد. وما: الواو عاطفة. ما: نافية. إخال: فعل مضارع والفاعل أنا. "لدينا": متعلق بمحذوف خبر مقدم، و"نا": مضاف إليه. "منك": متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر. تنويل: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب مفعولا به ثانيا لـ "إخال"؛ والمفعول الأول: ضمير شأن محذوف على مذهب البصريين.
موطن الشاهد: "وما إخال لدينا منك تنويل".
وجه الاستشهاد: ظاهر البيت يوحي بإلغاء العامل "إخال" مع تقدمه على معموليه؛ وبهذا الظاهر أخذ نحاة الكوفة؛ لأنهم يجوزون إلغاء أفعال القلوب، مع تقدمها؛ لضعفها، كما بينا في الشاهد السابق، ولكن نحاة البصرة أولوا البيت بما يخرجه عن استشهاد الكوفيين، ولهم فيه توجيهات عدة؛ ذكرها المؤلف في المتن وأعربنا الشاهد على الوجه الثالث منها؛ وهو اعتبار "إخال" عاملة في مفعولين؛ الأول محذوف؛ وهو ضمير الشأن، والثاني جملة.(2/58)
وأجيب بأن ذلك محتمل لثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون من التعليق بلام الابتداء المقدرة، والأصل: "لملاك" و: "للدينا" ثم حذفت وبقي التعليق.
والثاني: أن يكون من الإلغاء؛ لأن التوسط المبيح للإلغاء ليس التوسط بين المعمولين فقط، بل توسط العامل في الكلام مقتضٍ أيضا، نعم الإلغاء للتوسط بين المعمولين أقوى، والعامل هنا قد سبق بأني وبما النافية، ونظيره "متى ظننت زيدا قائما" فيجوز فيه الإلغاء.
والثالث: أن يكون من الإعمال على أن المفعول الأول محذوف، وهو ضمير الشأ،، والأصل: "وجدته" و: "إخاله" كما حذف في قولهم: "إن بك زيد مأخوذ".
[جواز حذف المفعولين اختصارا] :
فصل: ويجوز بالإجماع حذف المفعولين اختصارا1، أي: لدليل، نحو: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُون} 2، وقوله3: [الطويل]
191- بأي كتاب أم بأية سنة ... ترى حبهم عارا علي وتحسب4
__________
1 المراد بالحذف اختصارا: حذف ما يمكن الاستغناء عنه، من الألفاظ؛ لداع يقتضيه؛ وهو جائز بشرط وجود دليل، يدل على المحذوف؛ وألا يترتب على الحذف فساد في المعنى أو في الصياغة اللفظية.
2 "28" سورة القصص، الآية: 74.
موطن الشاهد: {تَزْعُمُونَ} .
وجه الاستشهاد: حذف مفعولي "تزعمون"؛ لدلالة ما قبلهما؛ والتقدير: أين شركائي الذين كنتم تزعمونهم شركائي؟ أو تزعمون أنهم شركائي.
3 القائل: هو الكميت بن زيد الأسدي، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة هاشمية للكميت؛ يمدح فيها آل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأولها قوله:
طربت، وما شوقا إلى البيض أطرب ... ولا لعبا مني، وذو الشيب يلعب
ولم يلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطربني بنان مخضب
=(2/59)
أي: تزعمونهم شركائي1، وتحسب حبهم عارا علي.
[جواز حذف المفعولين اقتصارا] :
وأما حذفهما اقتصارا، أي: لغير دليل، فعن سيبويه والأخفش المنع مطلقا2، واختاره الناظم، وعن الأكثرين الإجازة مطلقا، لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ
__________
= والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 259، وابن عقيل: "132/ 2/ 55"، والهمع: 1/ 152، والدرر اللوامع: 1/ 134 والمحتسب: 1/ 173، والمقرب: 21، والخزانة: 4/ 5 والعيني: 2/ 413، وحاشية يس على التصريح: 1/ 161.
المفردات الغريبة: ترى حبهم: رأى هنا من الرأي بمعنى الاعتقاد، ويجوز أن تكون علمية. عارا، العار: كل خصلة يلحقك بسببها عيب ومذمة؛ تقول: عيرته كذا، ولا يجوز عيرته بكذا. على الأرجح؛ لأنه يتعدى إلى مفعولين بنفسه. تحسب: تظن.
المعنى: يا من يعيرني حب آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -ويعيب علي ذلك، فبأي كتاب، تسترشد، أم بأية سنة ترى محبتي لهم منقصة ومذمة، أو تظن ذلك؟؟.
الإعراب: "بأي": متعلق بـ "ترى". كتاب: مضاف إليه. أم: حرف عطف. "بأية": معطوف على الأول. سنة: مضاف إليه. ترى: فعل مضارع، والفاعل: أنت. حبهم: مفعول به بأول لـ "ترى" ومضاف إليه. عارا: مفعول به ثانٍ. "علي": متعلق بـ "محذوف صفة من عار"؛ وهو الأفضل. وتحسب: الواو عاطفة جملة على جملة. تحسب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنت. ومفعولا "تحسب" محذوفان؛ لدلالة الكلام السابق عليهما؛ أو لدلالة مفعولي "ترى" عليهما تحديدا؛ والتقدير: وتحسب حبهم عارا علي.
موطن الشاهد: "تحسب".
وجه الاستشهاد: حذف مفعولي هذا العامل؛ لدلالة سابق الكلام عليهما، كما بينا في الإعراب، وحذف المفعولين اختصارا؛ لدليل يدل عليهما جائز بإجماع النحاة، كما في المتن.
1 كان الأولى أن يقول: تزعمون أنهم شركائي؛ جريا على الأكثر من تعدي "يزعم" إلى "أن" و"صلتها"، ولكنه عدل عن ذلك؛ لأن الكلام في حذف المفعولين معا في حذف ما يسد مسدهما، وإن كانا بمنزلة واحدة، وقد بينا ذلك في وجه الاستشهاد في الآية الكريمة.
شرح التصريح: 1/ 259.
2 أي في أفعال العلم وأفعال الظن، كما يؤخذ من تفصيل الأعلم: الآتي. وعلة المنع: ذهاب الفائدة بحذفهما، وأيضا فإن هذه الأفعال لإفادتها التحقيق تجاب بما يجاب به القسم، وجواب القسم، لا يحذف؛ فكذلك ما هو بمنزلته.(2/60)
وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون} 1، {فَهُوَ يَرَى} 2، {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْء} 3، وقولهم: "من يسمع يَخَلْ"4، وعن الأعلم5 يجوز في أعال الظن دون أفعال العلم6.
__________
1 "2" سورة البقرة، الآية: 216 و231.
موطن الشاهد: {يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون} .
وجه الاستشهاد: استدل بعض النحاة بهذه الآية على جواز حذف مفعولي: العامل القلبي "تعلمون" اقتصارا، من غير دليل يدل على المفعولين المحذوفين؛ لأنهم يجيزون الحذف مطلقا، كما جاء في المتن؛ وأما تقدير الآية -والله أعلم: يعلم الأشياء، كائنة، أو نحو ذلك.
2 "53" سورة النجم، الآية: 35.
موطن الشاهد: {يَرَى} .
وجه الاستشهاد: جواز حذف المفعولين، كما في الآية السابقة، من غير دليل يدل عليهما؛ وقيل: إن الحذف في هذه الآية لدليل؛ لأن قوله تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْب} يشعر بالمفعولين؛ والتقدير في الآية -والله أعلم- يرى ما يعتقده حقا.
3 "48" سورة الفتح، الآية: 62.
موطن الشاهد: {ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْء} .
وجه الاستشهاد: حذف ما يسد مسد المفعولين؛ لأن التقدير: ظننتم انقلاب الرسول والمؤمنين إلى أهليهم منتفيا أبدا؛ وظن السوء: مفعول مطلق مفيد للنوع؛ والأرجح أن الحذف في الآية الكريمة اختصارا؛ لوجود دليل في قوله تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ} يشعر بمفعولين؛ أو بما يسد مسدهما.
4 مثل قالته العرب، يضرب لمن أخبار الناس ومعايبهم؛ فيقع في نفسه، عليهم مكروه ويعني: من يسمع، يخل مسموعه صادقا، وهو من أمثال الميداني: 2/ 300.
5 الأعلم: هو أبو الحجاج؛ يوسف بن سليمان بن عيسى النحوي الشنتمري، المعروف بالأعلم. كان عالما بالعربية واللغة ومعاني الأشعار، حافظ لها، مشهورا بضبطها وإتقانها، رحل إلى قرطبة، وأخذ عن علمائها؛ له مصنفات قيمة؛ منها: شرح حماسة أبي تمام، وشرح الجمل للزجاجي، وشرح أبيات الجمل، مات سنة: 476هـ.
البلغة: 292، بغية الوعاة: 2/ 356، وفيات الأعيان: 2/ 465، معجم المؤلفين: 13/ 302.
6 حجته كثرة السماع في الأولى دون الثانية.(2/61)
[حكم حذف أحد المفعولين اختصارا واقتصارا] :
ويمنع بالإجماع حذف أحدهما اقتصارا، وأما اختصارا فمنعه1 ابن ملكون2 وأجازه الجمهور، كقوله3: [الكامل]
192- ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم4
__________
1 حجته هو ومن تابعه، أنه أحد جزأي الجملة.
2 ابن ملكون: هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن منذر بن سعيد بن ملكون الحضرمي الإشبيلي من المغاربة، كان أستاذا نحويا جليلا، روى عن أبي الحسن شريح، وروى عنه ابن خروف والشلوبين؛ له شرح الحماسة، والنكت على تبصرة الصميري، وغير ذلك. توفي سنة: 584هـ؛ وقيل 581هـ.
البلغة: 10، بغية الوعاة: 1/ 431، الأعلام: 1/ 59، معجم المؤلفين: 1/ 108، وطبقات ابن شهبة: 152.
3 القائل: هو عنترة بن عمرو بن شداد العبسي، وشداد جده نسب إليه، وقيل: عمه؛ أحد فرسان العرب وأجوادهم، من أهل نجد، ومن الطبقة السادسة من الجاهليين، وأحد أصحاب المعلقات؛ كان أسود اللون عبدا؛ حتى قيل: هو أحد أغربة العرب؛ لم ينسبه أبوه إليه إلا بعد الكبر، كانت له أيام ومشاهد في حرب داحس والغبراء، اختلف في موته، فقيل مات مقتولا؛ وقيل أصابته ريح فقتلته بعد أن أسن وضعف، وذلك سنة 22 ق. هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 250، والأغاني: 7/ 141، والخزانة: 1/ 59، والجمحي: 1/ 152.
4 تخريج الشاهد: البيت من معلقة عنترة المشهورة؛ والتي مطلعها قوله:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 260، وابن عقيل: "123/ 2/ 56"، والأشموني: "341/ 1/ 164" وهمع الهوامع: 1/ 152، والدرر اللوامع: "1/ 134، والخصائص: 2/ 216، والمحتسب: 1/ 78، والمقرب: 21، والخزانة: 1/ 539، 4/ 4، والعيني: 2/ 214 وحاشية يس على التصريح: 1/ 126 وشذور الذهب: "498/ 196".
المفردات الغريبة: غادر: ترك. متردم: مستصلح: من ردمت الشيء، إذا أصلحته يريد: هل ترك الشعراء لأحد معنى لم يتناولوه؟ توهم: إنكار وظن، المحب: المحبوب.
المعنى: والله، لقد نزلت -أيتها المحبوبة- من قلبي بمنزلة الشيء المحبوب المكرم، فلا تظني شيئا غير ذلك واقعا ذلك الموقع. =(2/62)
[حكم الجملة بعد القول] :
تحكى الجملة الفعلية بعد القول1، وكذا الاسمية، وسليم2 يعلمونه فيها عمل ظن مطلقا، وعليه يروى قوله3: [الطويل]
193- تقول هزيز الريح مرت بأثأب4
__________
= الإعراب: ولقد: الواو حرف قسم وجر؛ واللام مفيدة للتأكيد، وقد: حرف تحقيق. نزلت: فعل وفاعل؛ وجملة "نزلت": جواب القسم المحذوف؛ والتقدير: والله لقد نزلت. فلا: الفاء: تفريعية، لا: ناهية. غيره: مفعول أول لفعل: تظن المجزوم بـ "لا" الناهية؛ والهاء مضاف إليه؛ والمفعول الثاني محذوف؛ لدلالة سياق الكلام عليه، والتقدير: فلا تظني غيره حاصلا، أو نحو ذلك. "مني" و"بمنزلة": متعلقان بـ "نزلت"؛ وجملة لا تظني غيره": معترضة بين المجرور ومتعلقه.
موطن الشاهد: "فلا تظني غيره".
وجه الاستشهاد: حذف مفعول "ظن" الثاني اختصارا؛ لدلالة السياق عليه؛ وحكم هذا الحذف جائز عند الجمهور، خلافا لابن ملكون.
1 هذا بإجماع العرب، أما الاسمية فعند البعض، وتكون الجملة في موضع نصب على المفعولية للقول. هذا: والجملة المحكية قد تذكر بلفظها، كما سمعت، وكما جرت على لسان الناطق بها، وقد تذكر بمعناها لا بألفاظها مع مراعاة الدقة في المعنى، إلا إذا كان هناك ما يقتضي التمسك بنصها الحرفي لداعٍ ديني أو قضائي مثلا، وإذا كانت الجملة المحكية، فيها خطأ لغوي أو نحويٌّ وجب حكايتها بالمعنى للتخلص مما بها من خطأ؛ إلا إذا قصد إبراز هذا الخطأ لسبب ما. وإذا وقع بعد القول مفرد، سواء كان مدلوله لفظا، نحو: قلت كلمة أو لفظا. أو كان في معنى الجملة، نحو: قلت قصيدة، أو محاضرة -نصب على أنه مفعول به للقول، وإن أريد بالمفرد نفس اللفظ المحض- وجب حكايته ورعايته إعرابه نحو: قال فلان: محمد، إذا تكلم بمحمد مرفوعا.
حاشية يس على التصريح: 1/ 261.
2 سليم: اسم لقبيلة من قيس عيلان؛ رأسها سليم بن منصور بن عكرمة بن قيس بن عيلان وسليم أيضا قبيلة من جذام من اليمين يجرون القول مجرى الظن.
3 هو: امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه
=(2/63)
بالنصب، وقوله1: [الطويل]
194- إذا قلت أني آئبٌ أهل بلدة2
__________
= وهو في وصف فرس، وهو من القصيدة، التي مطلعها:
خليليَّ مُرَّا بي على أم جندب ... لنقضيَ حاجات الفؤاد المعذب
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 262، والعيني: 2/ 431، والمقرب: 64، وديوان امرئ القيس: 49.
المفردات الغريبة: شأوين: تثنية شأو، وهو الشوط والطلق. عطفه: جانبه. هزيز الريح: دويها عند هبوبها. أثأب: اسم جنس جمعي؛ واحده أثأبة، وهي نوع من الشجر.
المعنى: يصف فرسه قائلا: إذا ما جرى هذا الفرس شوطين، وحمي السبق، وعرق، تظنه؛ لخفته وسرعة جريه- ريحا هبت على تلك الأشجار، فلعبت بها.
الإعراب: تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" مرفوع، والفاعل: أنت. هزيز: مفعول أول، لـ "تقول". الريح: مضاف إليه. مرت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي. "بأثأب": متعلق بـ "مر"؛ وجملة "مرت": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ "تقول".
موطن الشاهد: "تقول".
وجه الاستشهاد: استعمل الشاعر فعل "تقول" بمعنى تظن من غير أن يتقدمه استفهام، ونصب به مفعولين؛ أحدهما: "هزيز" وثانيهما: جملة "مرت بأثأب"؛ والذين يجرونه هذا المجرى مطلقا من غير شروط بنو سليم فقط؛ وأما غيرهم، فيتقيدون بشروط ذكرها المؤلف في المتن.
1 القائل هو الحطيئة: جرول بن أوس من بني قطيعة بن عبس، لقب بالحطيئة لقصره وقربه من الأرض، يكنى أبا مليكة، كان راوية زهير، وصفه الرواة بأبشع الأوصاف، وقالوا: "ما تشاء أن تقول في شعر شاعر ما من عيب إلا وجدته فيه، مع قبح منظر ونسب مغمور ودين فاسد" وكان من فحول الشعراء ومتقدميهم، وفصحائهم في فنون الشعر؛ من المديح والهجاء، والفخر والنسيب مات سنة: 50هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 322، الاشتقاق: 170، الأغاني: 2/ 41، الخزانة: 1/ 408، الجمحي: 1/ 104.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
وضَعْتُ بها عنه الولية بالهجْرِ
والبيت من قصيدة يصف فيها بعيره بالسرعة.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 262، والأشموني: "347/ 1/ 165" والعيني: 2/ 432، وديوانه: 104. =(2/64)
[شروط إجراء القول مجرى الظن] :
بالفتح1، وغيرهم يشترط شروطا، وهي: كونه مضارعا، وسوى به السيرافي "قلت" بالخطاب، والكوفي "قل"، وإسناده للمخاطب، وكونه حالا، قاله الناظم، ورد بقوله2: [الكامل]
195- فمتى تقول الدار تجمعنا3
__________
= المفردات الغريبة: قلت: معناها هنا ظننت. آئب: راجع؛ اسم فاعل من آب يؤوب: إذا رجع، والعادة أن يرجع الإنسان من عمله آخر النهار، وفي أول الليل، وهذا، هو المراد هننا، الولية: "البرذعة" توضع تحت الرحل، أو ما يوضع تحتها. بالهجر: نصف النهار عند اشتداد الحر، وأصله بتحريك الجيم، وسكنت للضرورة.
المعنى: إذا قدرت وظننت أني سأصل بلدة آخر النهار، لبعد مسافتها، أتيتها نصف النهار، عند اشتداد الحر، وذلك لسرعة بعيري ونجابته.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان مبني على السكون في محل نصب على الظرفية. قلت: فعل وفاعل. و"قلت" بمعنى ظننت. أني: حرف مشبه بالفعل، و"الياء" اسمه. آئب: خير "أن" مرفوع؛ وفاعل اسم الفاعل: ضمير مستتر فيه. أهل: مفعول به لـ "آئب"؛ لإشرابه معنى واصل أو مدرك، وأهل: مضاف. بلدة: مضاف إليه؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل نصب، سدت مسد مفعولي "قال" الذي جاء بمعنى "ظن"؛ وجملة؛ "قال وفاعله وما سد مسد مفعوليه": في محل جر بالإضافة. وضعت: فعل وفاعل. "وبها" و"عنه": متعلقان بـ "وضع". الولية: مفعول به لـ "وضع". "بالهجر": متعلق بـ "وضع".
موطن الشاهد: "قلت أني آئب".
وجه الاستشهاد: أجرى الشاعر فعل "قال" مجرى ظن، ولم يحك به الجملة بعده، بدليل فتح همزة "أني"، ولو قصد الحكاية؛ لكسر همزتها؛ ومعلوم أن همزة "أن" تفتح بعد ظن، ولما أُجرِيَ فعلُ "قال" مجراه، وحُمِل عليه؛ فُتِحت همزة "أن" بعده؛ ولو جاء "قال" على معناه غير متضمن معنى الظن؛ لكسرت همزة إن بعده، كما في قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّه} .
1 أي بفتح همزة "أني" على أنها مع معموليها سدت مسد مفعولي قلت: كما أوضحنا.
2 هو: عمر بن أبي ربيعة المخزومي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
أما الرحيل فدون بعد غد
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 262، والكتاب لسيبويه: 1/ 63، والمقتضب، =(2/65)
والحق أن متى ظرف لتجمعنا لا لنقول، وكونه بعد استفهام بحرف أو باسم، سمع الكسائي: "أتقول للعميان عقلا"1 وقال2: [الطويل]
196- علام تقول الرمح يثقل عاتقي3
__________
= 2/ 249، وجمل الزجاجي: 314، وشرح المفصل: 7/ 78، والخزانة: 1/ 423، والعيني: 2/ 434، وديوان عمر بن أبي ربيعة: 394.
المفردات الغريبة: الرحيل: الارتحال ومفارقة ديار الأحبة. دون بعد غد: أي قبل بعد الغد، وهذا يصدق باليوم وبالغد.
المعنى: إن فراق الأحبة ورحيلهم عنا، سيكون اليوم أو غدا. فمتى تظن الدار تجمع شملنا، بعد هذا الفراق؟
الإعراب: متى: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بـ "تقول". تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" وفاعله: أنت. الدار: مفعول به أول لـ "تقول". تجمعنا: فعل مضارع، والفاعل: هي -يعود إلى الدار- و"نا" مفعول به؛ وجملة "تجمعنا": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ "تقول".
موطن الشاهد: "تقول الدار تجمعنا".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "تقول" بمعنى تظن، ونصب به مفعولين؛ أحدهما: الدار، والثاني: جملة "تجمعنا"؛ وأوضح أن الشاعر، لم يقصد به الحكاية؛ لأنه لو قصد الحكاية؛ لرفع "الدار" على الابتداء؛ ولكانت جملة "تجمعنا": في محل رفع خبر؛ ومن ثم كانت جملة "الدار تجمعنا": في محل نصب مقول القول.
فائدة: أعمل الشاعر "تقول" عمل تظن، مع أنها ليست للزمان الحاضر، بل هي للمستقبل؛ لأنه لم يستفهم عن ظنه في الحال أن الدار تجمعه مع أحبابه، بل الاستفهام عن وقوع ظنه؛ وهذا يقتضي إلا يكون واقعا في الحال؛ وإلا لم يستفهم عن وقته؛ ومع هذا، فالحق اشتراط كون "تقول" بمعنى تظن للزمان الحاضر، كما ذهب إليه ابن مالك.
1 قول لبعض العرب، للعميان: مفعول ثانٍ مقدم لتقول، عقلا: مفعول أول، وقد عملت "تقول" بعد حرف الاستفهام.
2 القائل: هو عمرو بن معديكرب الزبيدي، أبو ثور، أحد بني مذحج، وأحد فرسان العرب المشهورين بالبأس والقوة في الجاهلية، أسلم وارتد ثم عاد إلى الإسلام وحسن إسلامه، وشهد القادسية، وفتح نهاوند فقتل هناك مع النعمان بن مقرن المزني؛ قائد الجيش؛ له شعر جيد في الفخر والمديح. الشعر والشعراء: 1/ 372، الأغاني: 14/ 24، الاشتقاق: 63، الإصابة: 5/ 20.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: =(2/66)
قال سيبويه والأخفش: وكونهما متصلين1، فلو قلت: "أأنت تقول" فالحكاية، وخولفا2، فإن قدرت الضمير فاعلا بمحذوف والنصب بذلك المحذوف جاز اتفاقا، واغتفر الجميع الفصل بظرف أو مجرور أو معمول القول3.
__________
= إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
وهو من قصيدة رواها أبو تمام في ديوان الحماسة؛ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 263، والأشموني: "342/ 1/ 164" وهمع الهوامع: 1/ 157، والدرر اللوامع: 1/ 139 ومغني اللبيب: "248/ 191"، والسيوطي: 143 والعيني: 2/ 436.
المفردات الغريبة: علام: مؤلفة من حرف واسم وهما "على" و"ما" ومثلها قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ، و: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} . تقول: تظن. عاتقي: كاهلي، وهو ما بين المنكب والعنق. أطعن: أضرب، من طعن بالرمح يطعن -من باب منع أو نصر، أما طعن فلان على فلان في سببه -مثلا- فمن باب فتح.
المعنى: على أي شيء، وبأي حجة، تظن الرمح يثقل كاهلي، ولم أحمل السلاح إذا أنا لم أطعن برمحي، ولم أضرب بسيفي، عند كر الخيل واحتدام القتال؟
الإعراب: علام حرف جر، وما: اسم استفهام؛ حذف ألفه؛ لاتصاله بحرف الجر؛ وهو في محل جر بحرف الجر؛ و"علام": متعلق بـ "تقول". تقول: فعل مضارع "بمعنى تظن" مرفوع، والفاعل: أنت. الرمح: مفعول به أول لـ "تقول". يثقل: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ وجملة "يثقل": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ "تقول". عاتقي: مفعول به لـ "يثقل" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "تقول الرمح يثقل عاتقي".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "تقول" بمعنى "تظن" بعد اسم الاستفهام، ونصب به مفعولين؛ الأول: "الرمح" والثاني: جملة "يثقل عاتقي"، ودليل استعماله بمعنى الظن نصب "الرمح"؛ فلو كان بمعنى الحكاية؛ لرفع الرمح على أنه مبتدأ، وتكون جملة "يثقل عاتقي": الخبر، والجملة في محل نصب مقول القول؛ لأن القول، لا ينصب اسما مفردا، متى كان المقصود الحكاية؛ وإنما ينصب الجملة، أو ما يؤدي معنى الجملة.
1 أي: لا يفصل بين الاستفهام والمضارع فاصل. ومن النحاة من يشترط عدم الفصل.
2 أي خالفهما الكوفيون والبصريون، فأجازوا النصب، ولم يعتدوا بالضمير فاصلا.
3 سواء كان المعمول مفعولا، أو حالا، أو غيرهما، ويجوز الفصل بأكثر من واحد مما ذكر.(2/67)
كقوله1: [البسيط]
197- أبَعدَ بُعْدٍ تقول الدار جامعة2
__________
1 لم ينسب هذا البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
شملي بهم أم تقول البعد محتوما؟
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 263، والأشموني: "344/ 1/ 164"، وهمع الهوامع: 1/ 157 والدرر اللوامع: "1/ 140، ومغني اللبيب: "1176/ 909" والسيوطي: 327، والعيني: 2/ 438، والشذور: "198/ 501".
المفردات الغريبة: جامعة: اسم فاعل جمع، والجمع ضد التفريق. شملي: مصدر شملهم الأمر إذا عمهم، ويطلق الشمل على العذق من النخلة، وعلى الاجتماع يقال: فرق شملهم: أي: ما اجتمع من أمرهم. وجمع الله شملهم: أي ما تفرق منه. محتوما: أي واجبا، وهو اسم مفعول من حتم الأمر، أوجبه.
المعنى: أبعد تفرقنا وتنائينا، تظن الدار تجمع شملنا ثانية، ونلتقي بعد فراق، أم تظن البعد أصبح أمرا مقضيا به علينا إلى الأبد؟؟.
الإعراب: أبعد: الهمزة حرف استفهام. "بعد": متعلق بـ "تقول". أو بـ "جامعة". بعد: مضاف إليه. تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن"، والفاعل: أنت: الدار: مفعول به أول لـ "تقول". جامعة: مفعول به ثانٍ؛ وفي "جامعة" ضمير مستتر، فاعل لاسم الفاعل، يعود إلى الدار. شملي: مفعول به لاسم الفاعل "جامعة" والياء: مضاف إليه. "بهم: متعلق بـ "جامعة". أم: حرف عطف. تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" مرفوع، والفاعل: أنت. البعد: مفعول به أول لـ "تقول". محتوما: مفعول به ثان لـ "تقول".
موطن الشاهد: "تقول الدار جامعة، تقول البعد محتوما".
وجه الاستشهاد: استعمل الشاعر فعل "تقول" بمعنى "تظن" في الموضعين، ونصب به مفعولين اثنين ظاهرين في كلا الموضعين؛ وفي هذا أقوى دليل على إجراء القول مجرى الظن؛ لأن المفعولين في كلا الموضعين منصوبان لفظا؛ ومعلوم أن القول؛ إذا أريد به الحكاية لم ينصب إلا الجمل أو ما يؤدي مؤداها؛ فإذا لم يصح أن يقصد بالقول -هنا- الحكاية، وجب أن يقصد به الظن لما بينا.(2/68)
وقوله1: [الوافر]
198- أجهَّالا تقول بني لؤي2
__________
1 القائل: هو الكميت بن زيد الأسدي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا، صدر بيت، يمدح فيه الشاعر مضر ويفضلهم على أهل اليمن، وعجزه قوله:
لعمر أبيك أم متجاهلينا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 263، والأشموني: "345/ 1/ 164"، وابن عقيل: "135/ 2/ 60" وهمع الهوامع: 1/ 157، والدرر اللوامع: 1/ 140، والكتاب لسيبويه: 1/ 63، والمقتضب: 2/ 249 وشرح المفصل: 71/ 78، والخزانة: 1/ 423 عرضا، 4/ 23، والعيني: 2/ 429 وشذور الذهب: "199/ 502"، وليس في ديوان الكميت.
المفردات الغريبة: أجهالا: جمع جاهل. بنو لؤي: يراد بهم جمهور قريش وعامتهم؛ لأنهم ينسبون إلى لؤي بن غالب. لعمر أبيك: لحياته وبقاؤه. متجاهلينا: المتجاهل: الذي يتصنع الجهل ويتكلفه وليس بجاهل.
المعنى: أخبرني وحياة أبيك: أتظن بني لؤي جهالا حين استعملوا أهل اليمن على أعمالهم، وقدموهم على بني مضر، مع فضلهم عليهم؛ أم هم عالمون بالحقيقة مقدرون النتائج، غير أنهم يتصنعون الجهل؛ لحاجة في أنفسهم؟.
الإعراب: أجهالا: الهمزة حرف استفهام. جهالا: مفعول به ثان مقدم على المفعول الأول، وعلى عامله "تقول". تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" والفاعل: أنت. بني مفعول به أول، لـ "تقول" منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. لؤي: مضاف إليه مجرور؛ والخبر محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمر أبيك قسمي؛ والجملة معترضة، لا محل لها. أم: عاطفة، معادلة للهمزة. متجاهلينا، معطوف على "جهالا".
موطن الشاهد: "أجهالا تقول بني لؤي".
وجه الاستشهاد: إعمال "تقول" عمل تظن، ونصبه مفعولين، وقد فصل بين الاستفهام والفعل بمعمول الفعل "جهالا"؛ الواقع مفعولا ثانيا للفعل؛ وحكم الفصل بين الاستفهام والفعل بمعمول الفعل جائز في هذا الباب؛ كما ظهر ذلك واضحا في الإعراب.(2/69)
قال السهيلي1: وأن لا يتعدى باللام2، كـ: "ستقول لزيد عمرو منطلق".
وتجوز الحكاية مع استيفاء الشروط3، نحو: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} 4 الآية، في قراءة الخطاب، وروي: "علام تقول الرمح" بالرفع.
__________
1 السهيلي: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الأندلسي المالقي، كان عالما بالعربية واللغة والقراءات، جامعا بين الدراية والرواية، نحويا مقدما واسع المعرفة، تصدَّر للإقراء والتدريس، روى عن ابن العربي وأبي طاهر، وابن الطراوة، وروى عنه الرندي، وأبو الحسن الغافقي؛ له مصنفات قيمة منها: الروض الأنف، في شرح السيرة النبوية، وكتاب: التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام، وكتاب في شرح آية الوصية، وكتاب الفكر ... وغيرها وهو مع هذا شاعر مجيد؛ له شعر جيد، منه الأبيات المشهورة:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع ... أنت المعدُّ لكل ما يتوقع
يا من يرجَّى للشدائد كلها ... يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول: "كن" ... امنن، فإن الخير عندك أجمعُ
وقد مات بمراكش سنة 688؛ وقيل 581هـ.
البلغة: 122، إنباه الرواة: 2/ 164، بغية الوعاة: 2/ 81، طبقات القراء: 1/ 371 معجم المؤلفين: 5/ 147، والأعلام: 4/ 86.
2 أي يشترط في المضارع: ألا يتعدى باللام؛ لأنها تبعده عن معنى الظن، ويصبح قولا مسموعا وقد علمت أن مذهب الجمهور: أن القول، إذا عمل عمل الظن، يجري مجراه في المعنى أيضا.
شرح التصريح: 1/ 263.
3 وحينئذ يكون بمعنى النطق والتلفظ، لا معنى الظن، وتكون الجملة بعده في محل نصب سدت مسد المفعول به. ومن هنا يتبين: أن استيفاء الشروط ليس موجبا لتنزله منزلة الظن، وإنما يجيز ذلك فقط. أما جريانه مجرى الظن، فيوجب تحقق الشروط المذكورة كلها.
4 "2" سورة البقرة، الآية: 140.
أوجه القراءات:
موطن الشاهد: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تقولون" مرادا به الحكاية، على الرغم من كونه مضارعا مسبوقا باستفهام؛ وحكم مجيئه على هذه الحالة الجواز؛ و"إن وما دخلت عليه": سدت مسد مفعول به واحد؛ والدليل على كون "تقولون" مرادا به الحكاية كسر همزة "إن" بعده.(2/70)
...........................................................................
__________
تنبيهات:
1- ليس بلازم، أن يكون المفعولان، في هذا الباب؛ أصلهما المبتدأ والخبر حقيقة؛ بل يكفي أن يكون أصلهما كذلك، ولو تأويلا؛ مثل: جعلت الطين إبريقا، وصيرت الذهب خاتما؛ فإنه لا يصح أن يقال: الطين إبريق، والذهب خاتم؛ لأن الخبر يجب أن يكون نفس المبتدأ في المعنى، وهنا ليس كذلك اللهم إلا بشيء من التأويل؛ كأن يقدر: أن الطين سيتحول إلى إبريق، والذهب إلى خاتم.
2- كثيرا ما يستعمل "رأى" الماضي مسبوقا بأداة استفهام، بمعنى: أخبرني، تقول: أرأيتك هذا الملثم، أفدائي هو؟ وحينئذ، ينصب مفعولا واحدا أو مفعولين على حسب المراد.
3- التعليق بالاستفهام ليس مقصورا على الأفعال القلبية المتصرفة في هذا الباب، بل سمع في غيرها من الأفعال مثل: تفكر، سأل، استنبأ، أبصر. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّة} ، {يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّين} ، {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} ، {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ، بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} .
4 كما يجوز حذف المفعولين؛ أو أحدهما اختصارا أو اقتصارا على النحو الذي بسطناه، ويجوز أيضا حذف الناسخ مع مرفوعه. تقول: ماذا تزعم؟ فيكون الجواب: مندوب الجماعة بالباب، أي أزعم ... ضياء السالك: 1/ 366.(2/71)
[باب الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل] :
هذا باب ما ينصب مفاعيل ثلاثة:
وهي: أعلم وأرى اللذان أصلهما علم ورأى المتعديان لاثنين، وما ضمن معناهما1 من نبأ وأنبأ وخبر وأخبر وحدث، نحو: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِم} 2، {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} 3.
[جواز حذف الأول والاقتصار عليه] :
ويجوز عند الأكثرين حذف الأول، كـ: "أعلمت كبشك سمينا" والاقتصار عليه، كـ: "أعلمت زيدا"4.
__________
1 يشير بهذا: إلى أن الخمسة المذكورة ملحقة في بعض استعمالاتها بأعلم وأرى المذكورتين، في التعدية إلى ثلاثة مفاعيل لتضمنها معناهما. وليست الهمزة فيها، أو التضعيف -للتعدية أو النقل؛ لأنه ليس لها ثلاثي مستعمل في العلم- إلا خبر بمعنى علم، ولم ترد تعديتها إلى ثلاثة مفاعيل صريحة في كلام العرب، إلا وهي مبنية للمفعول كما سترى من الشواهد، فيكون أول المفاعيل نائب فاعل مرفوعا، ويكون الثاني والثالث صريحين. أو تسد مسدهما جملة، أو يكون أحدهما صريحا، والثاني مكانه جملة.
شرح التصريح: 1/ 264.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 167.
موطن الشاهد: {يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "يريهم" مضارع "أرى" متعديا إلى ثلاثة مفاعيل؛ وهي: الضمير المتصل "هم"، وأعمالهم، وحسرات؛ وإذا كان الفعل من "رأى البصرية" فحسرات: حال، وليس مفعولا ثالثا.
3 "8" سورة الأنفال، الآية: 43.
موطن الشاهد: {يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "يُرِي" كما في الآية السابقة في الموضعين؛ فالكاف؛ المفعول الأول، و"هم": المفعول الثاني؛ قليلا وكثيرا: المفعول الثالث.
4 وذلك؛ لأن الفائدة لا تنعدم بحذفه في المثال الأول، أو بالاقتصار عليه في المثال الثاني؛ إذ قد يراد الإخبار بمجرد العلم به، وبمجرد إعلام الشخص المذكور، أما حذف الثلاثة؛ فأجازه ابن مالك لدليل ولغيره؛ وإن لم يجز في باب ظن لغير دليل.
شرح التصريح: 1/ 265.(2/72)
[جواز حذف الثاني والثالث اختصارا] :
وللثاني واللثالث من جواز حذف أحدهما اختصارا ومنعه اقتصارا، ومن الإلغاء والتعليق ما كان لهما، خلافا لمن منع من الإلغاء والتعليق مطلقا، ولمن منعهما في المبني للفاعل، ولنا على الإلغاء قول بعضهم: "البركة أَعْلَمَنَا الله مع الأكابر" وقوله1: [الطويل]
199- وأنت أَرَانِي اللهُ أمنعُ عاصِمٍ2
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
وأرأف مستكفيٍ وأسمحُ واهبِ
ويروى قبله:
وكيف أبالي بالعدى ووعيدهم ... وأخشى ملمات الزمان الصوائب
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 266، والأشموني: "348/ 1/ 166"، وهمع الهوامع: 1/ 158 والدرر اللوامع: 1/ 140، والعيني: 2/ 446.
المفردات الغريبة: أمنع: أفعل تفضيل، من منع على وزن كرم، إذا صار منيعا قويا لا يعتدى عليه. عاصم: حافظ، وهو اسم فاعل من عصم فلان فلانا، على وزن ضرب، أي منع عنه الأذى والمكروه. أرأف: أفعل تفضيل من الرأفة، وهي الشفقة والرحمة. مستكفي: مطلوب منه الكفاية في الملمات.
المعنى: أرأني الله إياك أقوى حافظ يقي الإنسان شر الأعداء، أرأف من يلجأ إليه في الملمات، وأجود وأكرم من يعطي من غير مَنٍّ في هذه الحياة.
الإعراب: أنت: مبتدأ. أراني: فعل ماضٍ، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. الله: فاعل مرفوع. أمنع: خبر المبتدأ. عاصم: مضاف إليه. وأرأف: الواو عاطفة، أرأف: معطوف على أمنع. مستكفيٍ: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وأسمح: الواو عاطفة. أسمح: معطوف على "أمنع" واهب: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "أنت أراني الله أمنع عاصم".
وجه الاستشهاد: إلغاء عمل "أرى" في المفعولين الثاني والثالث؛ وهما: "أنت أمنع عاصم"؛ لتوسطه بينهما؛ لأن الأصل: أرأني الله إياك أمنع عاصم؛ أو: أرأنيك الله أمنع عاصم؛ فلما قدم المفعول الثاني؛ أبدل بضمير الرفع "أنت" وارتفع على الابتداء.(2/73)
وعلى التعليق: {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 1، وقوله2: [الطويل]
200- حذار فقد نُبِّئْتُ إِنَّك للَّذِي ... ستجزى بما تسعى فتسعدُ أو تشقَى
__________
= عاصم"؛ لتوسطه بينهما؛ لأن الأصل: أرأني الله إياك أمنع عاصم؛ أو: أرأنيك الله أمنع عاصم؛ فلما قدم المفعول الثاني؛ أبدل بضمير الرفع "أنت" وارتفع على الابتداء.
1 "34" سورة سبأ، الآية: 7.
موطن الشاهد: {يُنَبِّئُكُمْ..... إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} .
وجه الاستشهاد: علق فعل "ينبِّئ" عن العمل في مفعولين الثاني والثالث؛ لدخول لام الابتداء والمفعول الأول: "كم" وجملة الشرط وجوابه المحذوف اعترضت بين المفعول الأول وما سد مسد المفعولين: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ} .
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 266، وهمع الهوامع: 1/ 158، والدرر اللوامع: 1/ 140 وشرح شواهد الألفية للعيني: 2/ 477.
المفردات الغريبة: حذار: اسم فعل أمر، بمعنى احذر. نبئت: أعلمت وأخبرت. ستجزى: ستكأفأ. بما تسعى: بما تعمل في هذه الحياة.
المعنى: احذر عاقبة ما تعمل في هذه الحياة؛ فإنك ستؤاخذ بما قدمت يداك، وتجزى على حسب عملك، فإن كان خيرا سعدت، وإن كان شرا شقيت وندمت.
الإعراب: حذار: اسم فعل أمر بمعنى احذر: وفاعله: أنت. فقد: الفاء تعليلية، قد: حرف دالٌّ على التحقيق. نبئت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول، قبل بناء الفعل للمجهول. إنَّك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: اسمه. للذي: اللام لام المزحلقة، تفيد التوكيد. الذي: خبر "إن"؛ وجملة "إن وما دخلت عليه": في موضع نصب، سدت مسد المفعولين؛ الثاني والثالث؛ لتعلق الفعل عنهما. ستجزى: "السين" للاستقبال. تجزى: فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل: أنت. وجملة "ستجزى": صلة لـ "الذي لا محل لها. "بما": متعلق بـ "تجزى". تسعى: فعل مضارع والفاعل: أنت، وجملة "تسعى": صلة للموصول، لا محل لها. فتسعد: الفاء عاطفة، تسعد: فعل مضارع والفاعل: أنت؛ وفعل تسعد معطوف على تجزى: أو: عاطفة. تشقى: معطوف على تسعد.
موطن الشاهد: "نبئت إنك للذي".
وجه الاستشهاد: "مجيء فعل "نُبِّئَ" القلبي المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل معلقا عن العمل في الثاني والثالث؛ لدخول اللام المزحلقة في خبر "إن"؛ وأما مفعوله الأول؛ فهو التاء المنقلبة نائب فاعل، لبناء الفعل للمجهول؛ ومعلوم أن تعليق الفعل عن العمل في المفعولين الثاني والثالث معناه إبطال عمله في لفظهما؛ ولكنه يظل عاملا في محلهما؛ ولهذا، مكنا في الإعراب: و"إن وما دخلت عليه": في محل نصب، سدت مسد المفعولين الثاني والثالث.(2/74)
[حكم أرى وأعلم المنقولين من المتعدي لواحد] :
قال ابن مالك: وإذا كانت أرى وأعلم منقولتين من المتعدي لواحد1 تعدتا لاثنين2، نحو: {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} 3، وحكمهما حكم مفعولي "كسا"4، في الحذف لدليل وغيره، وفي منع الإلغاء والتعليق، قيل: وفيه نظر في موضعين؛ أحدهما: أن "علم" بمعنى عرف إنما حفظ نقلها بالتضعيف لا بالهمزة، والثاني: أن "أرى" البصرية سمع تعليقها بالاستفهام، نحو: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} 5، وقد يجاب بالتزام جواز نقل المتعدي لواحد بالهمزة قياسا، نحو: "ألبست زيدا جبة" وبادعاء أن الرؤية هنا علمية.
__________
1 بأن كانت بصرية بمعنى أبصر، وعلم عرفانية بمعنى عرف.
2 أي: بواسطة الهمزة.
3 "3" سورة آل عمران، الآية: 152.
موطن الشاهد: {أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أرى" فعلا ماضيا بصريا، والفاعل: هو: و"كم" مفعول أول، و"ما" "الاسم الموصول" مفعول ثانٍ؛ وجملة "تحبون": صلة؛ وتعدى الفعل لمفعولين بسبب دخول همزة التعدية عليه.
4 باب كسا: هو كل فعل يتعدى إلى مفعولين ليس في الأصل مبتدأ وخبرا، مثل: "سأل، وأعطى، وألبس، ومنح، ومنع"؛ ولهذا لا يصح تطبيق الأحكام الخاصة بالأفعال القلبية عليهما إلا التعليق؛ فإنه جائز.
5 "2" سورة البقرة، الآية: 260.
موطن الشاهد: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أر" فعل أمر من "أرى" البصرية، خرج إلى معنى الدعاء، والفاعل: أنت. والنون للوقاية، والياء: مفعول به أول؛ وجملة "كيف تحيي الموتى": في محل نصب، سد مسد المفعول الثاني لـ "أر" المعلق عن المفعول الثاني بـ "كيف". =(2/75)
.........................................................................
__________
فائدتان: أ- لا يجوز أن يعامل أخوات "رأى وعلم" القلبية معاملتهما في النقل إلى الثلاثة بالهمزة فيقال: أظننت محمد عليا كريما ... وأحسبت ... وأزعمت، وأجاز ذلك الأخفش، ورأيه ضعيف.
ب- صوغ الفعل للمفعول يجعله قاصرا عن مفعول كان متعديا إليه قبل الصوغ؛ فالمتعدي إلى ثلاثة؛ إذا صغته للمفعول؛ صار متعديا إلى اثنين، وذو الاثنين يصير متعديا إلى واحد، وذو الواحد يصير غير متعدٍّ، أما دخول همزة النقل على الفعل فبالعكس. شرح الأشموني: 1/ 167.(2/76)
[باب الفاعل] :
هذا باب الفاعل:
[تعريف الفاعل] :
الفاعل1: اسم2 أو ما في تأويله، أسند إليه فعل أو ما في تأويله، مقدم، أصلي المحل والصيغة.
فالاسم نحو: "تبارك الله" والمؤول به3 نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} 4، والفعل كما مثَّلْنَا، ومنه: "أتى زيد" و: "نعم الفتى"، ولا فرق بين المتصرف والجامد، والمؤول بالفعل نحو: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} 5، ونحو: "وجهه" في قوله6: "أتى زيد منيرا وجهه" و: "مقدم" رافع لتوهم دخول نحو: "زيد قام". و: "أصليُّ المحل" مخرج لنحو: "قائم زيد" فإن المسند، وهو قائم، أصله التأخير لأنه
__________
1 معنى الفاعل لغة: من أوجه الفعل، واصطلاحا: ما ذكر المصنف.
2 أي صريح ظاهر، أو ضمير بارز، أو مستتر.
3 أي بالاسم؛ وذلك لوجود سابك ملفوظ به أو مقدر، والسابك في باب الفاعل يكون "بأن" المفتوحة، و"أن" الناصبة للفعل، و"ما" لا غير. أما "كي" و"لو" فلا.
4 "29" سورة العنكبوت، الآية: 51.
موطن الشاهد: {يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} .
وجه الاستشهاد: المصدر المؤول من "أن ومعموليها" فاعل "يكفهم"؛ والتقدير: أو لم يكفهم إنزالنا؟.
5 "16" سورة النحل، الآية: 69.
موطن الشاهد: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} .
وجه الاستشهاد: "فمختلف في تأويل يختلف، وألوانه: فاعل؛ وصح إعمال "مختلف"؛ لاعتماده على موصوف محذوف؛ والتقدير: صنف مختلف ألوانه.
6 أي قول ابن مالك في الألفية.(2/77)
خبر، وذكر الصيغة مخرج لنحو: "ضرب زيد"، بضم أول الفعل وكسر ثانيه، فإنها مفرعة عن صيغة ضرب، بفتحهما.
[أحكام الفاعل] :
وله أحكام:
أحدها: الرفع1، وقد يجر لفظا2 بإضافة المصدر، نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} 3، أو اسمه نحو: "من قُبلةِ الرجل ِامرأتَه الوضوءُ"4، أو بمن أو بالباء الزائدتين نحو: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ} 5، {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 6.
__________
1 وقد ينصب شذوذًا إذا فهم المعنى، سمع من العرب قولهم: خرق الثوب المسمار، وكسر الزجاج الحجر، برفع أولهما، ونصب ثانيهما؛ وقال الأخطل:
مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوءاتهم هجر
شرح التصريح: 1/ 269 و270.
2 ولكنه في محل رفع، ويجوز في تابعه حينئذ الجر حملا على الفظ، والرفع بالنسبة إلى المحل.
3 2 سورة البقرة، الآية: 251.
موطن الشاهد: {لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة مضافًا إلى المصدر "دفع"؛ وهو فاعل في المعنى؛ ويقال في الإعراب: مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله.
4 هذا قول للسيدة عائشة رضي الله عنها، من قبلة: جار مجرور خبر مقدم. الرجل: مضاف إليه من إضافة اسم المصدر وهو "قبلة" إلى فاعله. "امرأته" مفعوله ومضاف إليه. الوضوء: مبتدأ مؤخر.
5 "5" سورة المائدة، الآية: 29.
موطن الشاهد: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "بشير" اسما مجرورا لفظا بمن الزائدة مرفوع محلا على أنه فاعل جاء.
6 "48" سورة الفتح، الآية: 28.
موطن الشاهد: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة مجرورا لفظا، بحرف الجر الزائد، مرفوعا محلا لأنه فاعل "كفى". =(2/78)
الثاني: وقوعه بعد المسند، فإن وجد ما ظاهره أنه فاعل تقَدَّمَ وجب تقدير الفاعل ضميرا مستترا، وكون المقدم إما مبتدأ في نحو: "زيد قام"، وإما فاعلا محذوف الفعل في نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 1 لأن أداة الشرط مختصة بالجملة الفعلية، وجاز الأمران في نحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} 2 و: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} 3، والأرجح الفاعلية4.
__________
= هذا وقد يجب جر الفاعل بالباء الزائدة، كما في فاعل أفعل في التعجب. نحو قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} وقد يجب بكثرة كفاعل "كفى" كما في الآية التي تلاها المؤلف، ومن أمثلة تجرد فاعل كفى قول سحيم:
عميرة ودع إن تجهزت غازيا ... بما لاقت لبون بني زياد
إذا ذهبت إلى أن "ما لاقت" فاعل "يأتي" كانت الباء زائدة، وإلا كانت متعلقة بتمني وقد خرج العلماء البيت على الوجهين.
1 "9" سورة التوبة، الآية: 6.
موطن الشاهد: {وَإِنْ أَحَدٌ.... اسْتَجَارَكَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: وإن استجارك أحد استجارك؛ ولا يجوز تقديره مبتدأ؛ لأن أدوات الشرط لا تدخل على الأسماء، كما بيَّنَ المؤلف - وإنما تدخل على الجمل الفعلية.
2 "64" سورة التغابن، الآية: 6.
موطن الشاهد: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} .
وجه الاستشهاد: إما أن يكون "بشر" مبتدأ وجملة "يهدوننا": خبره؛ وإما أن يكون فاعلا لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والراجح أن يكون فاعلا؛ لأن الغالب في همزة الاستفهام أن تدخل على الفعل.
3 "56" سورة الواقعة، الآية: 59.
موطن الشاهد: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} .
وجه الاستشهاد: "أنتم" إما أن تكون في محل رفع مبتدأ؛ وجملة "تخلقونه": خبر، وإما أن تكون فاعلا لفعل محذوف يفسره ما بعده؛ وهذا أرجح لما بينا في الآية السابقة.
4 ذكر المؤلف فيما ظاهره فاعل ثلاث صور:
الأولى: ما يكون المتقدم فيه مبتدأ ليس غير؛ نحو زياد قام، ونقدر الفاعل ضميرا =(2/79)
وعن الكوفي جواز تقديم الفاعل، تمسكا بنحو قول الزباء1: [مشطور الرجز]
201- ما للجمال مشيها وئيدا2
__________
= مستترا في الفعل يعود إلى ذلك المبتدأ؛ والجملة في محل رفع خبر المبتدأ؛ والجملة -هنا- واحدة اسمية على الأرجح، وإن كان المبرد يجوز أن يكون "زيد" فاعلا لفعل محذوف، فيكون لدينا جملتان فعليتان، وهذا رأي ضعيف؛ لأن المبرد نفسه يرجح كون "زيد" مبتدأ.
الثانية: ما يكون الاسم المتقدم فيه فاعلا ليس غير، كما في الآية الكريمة: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِين ... } فـ "أحد" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ فيكون لدينا جملتان فعليتان؛ الثانية مفسرة للأولى. ونظير هذا المثال: اسم مرفوع وقع بعد أداة تختص بالفعل؛ كأدوات الشرط والتحضيض.
الثالثة: ما يجوز فيه الوجهان: وهو أن يقع الاسم المرفوع بعد أداة يجوز أن تدخل على الفعل، وعلى الاسم، كهمزة الاستفهام؛ ومثاله: ما ذكر في الآيتين: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} و {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَه} .
انظر شرح التصريح: 1/ 270.
1 هي ملكة يقال إن اسمها نائلة ويقال فارعة، كانت توصف بشعرها الطويل الذي يجر وراءها فسميت الزباء لذلك -والأزب: الكثير الشعر- وقيل إنها بنت عمرو بن الظرب بن حسان من نسل العماليق، وقيل اسمه: مليح بن البراء، قتله جذيمة الأبرش ملك الحيرة وطردها إلى الشام، فاستعادت ملك أبيها وقتلت جذيمة، ثم قتلت نفسها بالسم.
الخزانة: 8/ 273.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، وبعده قوله:
أجندلا يحملن أم حديدا ... أم صرفانا باردا شديد
أم الرجال جثما قعودا
وقصة الزباء مع جذيمة، رواها الميداني في المثل: خطب يسير في خطب كبير. مجمع الأمثال "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 233. رقم 1250. والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 271، والأشموني: "355/ 1/ 169"، وهمع الهوامع: 1/ 159، والدرر اللوامع: 1/ 141، والمغني: "986/ 758"، وشرح السيوطي: 308 والكامل للمبرد: 279، وأمالي الزجاجي: 166، والعيني: 2/ 448.
المفردات الغريبة: الجمال: جمع جمل. وئيدا: ثقيلا بطيئا، هو صفة مشبهة من التؤدة وهي التمهل والتأني. جندلا، الجندل: ما ينقله الرجل من الحجارة. صرفانا: =(2/80)
.........................................................................
__________
= النحاس والرصاص، جثما: جمع جاثم، أي لاصقين بالأرض. قعودا: جمع قاعد.
المعنى: ومعنى البيت بات واضحا، قالته الزباء لما رأت الجمال التي أتاها بها قصير، وقد حمل عليها الرجال في الغرائر، فأوهمها أن ذلك بضاعة.
الإعراب: ما: اسم استفهام مبتدأ. "للجمال" متعلق بمحذوف الخبر. مشيُها: "بالرفع" فاعل مقدم لـ "وئيدا" على مذهب الكوفيين، و"ها" مضاف إليه. وئيدا: حال من الجمال.
موطن الشاهد: "مشيها وئيدا".
وجه الاستشهاد: تروى "مشيها" بالرفع والنصب والجر؛ فعلى روايتي النصب والجر، لا شاهد على الخلاف بين البصريين والكوفيين في مسألة تقدم الفاعل على عامله، وإعراب الروايتين كالآتي:
أ- رواية النصب: مشيها مشي: مفعول مطلق، لفعل محذوف؛ والتقدير: تشمي مشيها، و"ها" مضاف إليه. وئيدا: حال منصوب من المصدر؛ وجملة الفعل المحذوف في محل نصب حال من الجمال.
ب- رواية الجر: "مشيها" بدل اشتمال من الجمال، و"ها" مضاف إليه. وئيدا: حال من المشي.
وأما رواية الرفع ففيها الخلاف بين البصريين والكوفيين، حيث زعم الكوفيون -كما أعربنا- أن "مشيها" فاعل لـ "وئيدا" تقدم عليه؛ لأنهم يجيزون تقدم الفاعل على عامله؛ والتقدير عندهم: أي شيء ثابت للجمال حال كونها وئيدًا مشيها؛ وأما البصريون فلا يجيزون تقدم الفاعل على عامله لسببين:
أولهما: أن الفاعل مع فعله ككلمة واحدة ذات جزأين؛ صدرها هو الفعل، وعجزها هو الفاعل، وكما لا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها، فلا يجوز تقديم ما هو بمنزلة العجز، على ما هو بمنزلة الصدر.
ثانيهما: أن تقديم الفاعل يوقع في اللبس بينه وبين المبتدأ. ففي قولنا: "زيد قام" إذا كان تقديم الفاعل جائزا، لا يدري السامع، أنريد الابتداء بـ "زيد" والإخبار عنه بالفعل، المتضمن ضميرا واقعا فاعلا له، يعود إلى زيد، أم نريد إسناد قام وحده إليه؟ والفرق بين الحالين أن جملة الفعل وفاعله تدل على حدوث الشيء بعد أن لم يكن؛ بينما جملة المبتدأ وخبره الفعلي تدل على ثبوت الشيء وتأكيد إسناده إلى من قام به أو وقع منه؛ ولهذا خرج البصريون رواية الرفع.
أحدهما: "مشيها". مبتدأ. و"وئيدا": حال من فاعل فعل محذوف؛ والتقدير: مشيها يظهر وئيدا "وجملة الفعل المحذوف وفاعله": في محل رفع خبر المبتدأ.
ثانيهما: "مشيها": بدل من الضمير المستكن في "الجار والمجرور" الواقع خبرا؛ وهو "للجمال"؛ لأن متعلق هذا الجار والمجرور، كان يتحمل ضميرا مرفوعا بالفاعلية؛ ولما حذف المتعلق، انتقل الضمير إلى الجار والمجرور.
بقي أن نعلم أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن هذا البيت شاذٌّ؛ لا يقاس عليه.
انظر شرح التصريح: 1/ 271، والدرر اللوامع: 1/ 141، وحاشية الصبان: 2/ 46.(2/81)
وهو عندنا ضرورة، أو: "مشيها" مبتدأ حذف خبره، أي يظهر وئيدا، كقولهم: "حكمك مسمطا"1 أي: حكمك لك مثبتا، قيل: أو: "مشيها" بدل من ضمير الظرف.
الثالث: أنه لا بد منه2، فإن ظهر في اللفظ نحو: "قام زيد، والزيدان قاما" فذاك، وإلا فهو ضمير مستتر راجع إما لمذكور، كـ: "زيد قام" كما مر، أو لما دل عليه الفعل كالحديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" 3 أي: ولا يشرب هو: أي: الشارب، أو لما دل عليه الكلام أو الحال المشاهدة، نحو: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} 4، أي: إذا بلغت الروح، ونحو قولهم: "إذا كان غدا فأتني"5 وقوله6: [الطويل]
__________
1 مثل قالته العرب، مر التعليق عليه في الجزء الأول.
2 أي: لا يمكن حذفه، والاستغناء عنه؛ لأنه جزء أساسي في الجملة، لا تستغني عنه؛ لتكملة معناها مع عامله.
3 هذا حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الأشربة من صحيحه "بولاق": 7/ 104 وفيه: "ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن" وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان: 1/ 54.
وأخرجه أبو داود "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد" برقم: "4659" ففي يشرب ضمير مستتر هو الفاعل، وحسن الحذف لتقدم نظيره: لا يزني الزاني، ولا يسرق السارق.
4 "75" سورة القيامة: 26.
موطن الشاهد: {بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} .
وجه الاستشهاد: حذف الفاعل، وعوض عنه بالضمير المستتر المرفوع على الفاعلية والراجع إلى الروح، المدلول عليها في سياق الكلام؛ لأن التقدير: إذا بلغت هي -أي الروح- التراقي؛ والتراقي: أعالي الصدر.
5 قول لبعض العرب، و"كان" يحتمل أن تكون تامة، وغدا: ظرف متعلق بها، وأن تكون ناقصة فيكون "غدا": خبرها، والضمير المستتر المرفوع بكان تدل عليه الحال الواقعة المشاهدة وقت التكلم كما بين المصنف.
6 القائل: هو سواد بن المضرب السعدي، أحد بني سعد بن تميم.(2/82)
202- فإن كان لا يرضيك حتى تردني1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
إلى قطري لا إخالك راضيا
وكان الشاعر قد هرب من الحجاج مخافة على نفسه حين أراد أن يرسله لمقاتلة الخوارج.
أقاتليَ الحجاج إن لم أزُرْ له ... دراب، وأتركْ عند هندٍ فؤاديا
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 272، والأشموني: "354/ 1/ 169" والخصائص: 2/ 433، والمحتسب: 2/ 192، والكامل للمبرد "الحلبي": 445، وأمالي ابن الشجري: 1/ 185، وشرح المفصل: 1/ 80، والعيني: 2/ 451.
المفردات الغريبة: قطري: هو قطري بن الفجاءة التميمي، رأس من رؤوس الخوارج في عهد الدولة الأموية. لا إخالك: لا أظنك.
المعنى: إذا كان ما تشاهده مني ومن حالتي وفراري من ذلك الخارجي، لا يرضيك حتى تردني إليه، فإني لا أظنك ترضى أصلا؛ لأنني معتزم عدم الرجوع إليه، ورضاك معلق على عودتي.
الإعراب: إن: شرطية. كان: فعل الشرط، وفاعله؛ أو اسمه -إذا كان ناقصا- ضمير يعود إلى معلوم من المقام؛ كما أوضح المؤلف. لا يرضيك: لا: نافية، وفعل مضارع، والفاعل: هو، والكاف: مفعول به؛ وجملة "لا يرضيك": في محل نصب على الحال من فاعل "كان" المستتر؛ أو اسمها؛ إن كانت ناقصة. لا إخالك: لا: نافية، إخال: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا، والكاف: مفعول به أول. راضيا: مفعول به ثانٍ؛ وجملة "لا إخالك" جواب الشرط.
فائدة: ارتفع جواب الشرط في الشاهد "لا إخالك" لمجيء فعل الشرط ماضيا؛ وارتفاعه في هذه الحالة جائز، قال ابن مالك: وبعد مَاضٍ رفْعُكَ الجَزَا حَسنْ
موطن الشاهد: "فإن كان لا يرضيك".
وجه الاستشهاد: احتج الكسائي بهذا البيت على جواز حذف الفاعل، وما هو بمنزلة الفاعل اسم الأفعال الناسخة؛ وأما البصريون فأنكروا عليه ذلك؛ لأنهم لا يجيزون حذف الفاعل؛ إلا بأحد أمرين؛ الأول: أن يكون الفاعل مذكورا في الكلام، والثاني: أن يكون مضمرا، ولما لم يكن في هذا الكلام مذكور يصلح أن يكون اسما؛ أو فاعلا لـ "كان" قالوا: إن اسمها مضمر جوازا، تقديره: هو؛ ولما لم يكن في الكلام ما يصلح أن يكون مرجعا لذلك الضمير -الذي لا بد له من مرجع- قالوا: إنه عائد إلى الحال المشاهدة والواقعة للمتكلم والسامع.
وانظر شرح التصريح: 1/ 272.(2/83)
أي: إذا كان هو، أي: ما نحن الآن عليه من سلامة، أو فإن كان هو، أي: ما تشاهده مني، وعن الكسائي إجازة حذفه تمسكا بنحو ما أولناه1.
الرابع: أنه يصح حذف فعله، إن أجيب به نفي، كقولك: "بلى زيد" لمن قال: ما قام أحد، أي: بلى قام زيد، ومنه قوله2: [الطويل]
203- تجلدت حتى قيل: لم يعر قلبه ... من الوجد شيء، قلت: بل أعظم الوجد3
__________
1 أي في الحديث والآية والبيت "201".
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد التصريح: 1/ 273، والأشموني: "362/ 1/ 172"، والعيني 21/ 453.
المفردات الغريبة: تجلدت: تكلفت الجلد والصبر على الهموم. لم يعر: لم يغش ولم ينزل. الوجد: الشوق والحب.
المعنى: تكلفت الصبر والجلد على بعد المحبوبة وهجرها، ولم أظهر شيئا من الحب والشوق إليها؛ حتى اعتقد الناس أن حبها لم يتمكن من قلبي؛ والحقيقة أن ما حل في قلبي من الشوق، والمحبة أعظم مما يتصور.
الإعراب: تجلدت: فعل ماضٍ وفاعل. حتى: حرف غاية وجر. لم: نافية جازمة. يعره: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف الواو. شيء: فاعل مرفوع. بل: حرف إضراب. أعظم: فاعل لفعل محذوف؛ أي: بل عراه أعظم. الوجد: مضاف إليه.
فائدة: لم يعطف بـ "بل" عطف مفرد على مفرد؛ أي لم تعطف "بل" أعظم" على "شيء"؛ وإنما قدر فعل بعد "بل"؛ لتعطف جملة على جملة؛ لأن "بل" التي تعطف مفردا على مفرد بعد نفي أو شبهه، تُقَرِّرُ ذلك النفي السابق، وتثبت ضده لما بعدها؛ وعلى هذا، يكون المعنى: أنه لم يعر قلبه شيء، وعراه أعظم الوجد؛ وهذا كلام متناقض؛ أما عطفها جملة على جملة؛ فإنها تبطل الأولى، التي نفت عرو شيء من الوجد؛ فإذا بطلت الأولى؛ صح أن تثبت جملة أخرى تدل على أنه عراه أعظم الوجد.
موطن الشاهد: "بل أعظم الوجد".
وجه الاستشهاد: ارتفاع "أعظم" على أنه فاعل لفعل محذوف، يدل عليه سياق الكلام؛ وهذا الفعل المحذوف؛ مجاب به على كلام منفي سابق، وهو قولهم: "لم يعر قلبه من الوجد شيء"؛ والمراد النفي بالجملة الفعلية، فإن كان النفي بالجملة الاسمية؛ فلا يترجح كون المرفوع فاعلا. انظر حاشية الصبان: 2/ 50.(2/84)
أو استفهام محقق1، نحو: "نعم زيد" جوابا لمن قال: هل جاءك أحد؟ ومنه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 2، أو مقدر كقراءة الشامي3 وأبي بكر4: "يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ"5، وقوله6: [الطويل]
204- لِيُبْكَ يزيد ضارعٌ لِخُصُومِهِ7
__________
1 أي: أجيب به استفهام محقق -أي ملفوظ به ظاهر الأداة، وإن كان في حيز شرط لا يوجد مدلوله في الخارج.
2 "43" سورة الزخرف، الآية: 87.
موطن الشاهد: {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة فاعلا بفعل محذوف دل عليه مدخول الاستفهام؛ والتقدير: خلقنا الله؛ لأن مثل هذا الكلام عند تحقق ما فرض من الشرط والجزاء، يكون جوابا عن سؤال محقق. انظر شرح التصريح: 1/ 273.
3 هو: أبو عمران: عبد الله بن عامر إمام أهل الشام، وقد مرت ترجمته.
4 هو: شعبة بن عياش، وقد مرت ترجمته.
5 "24" سورة النور، الآية: 36 والآية: 37.
موطن الشاهد: "يُسَبَّحُ لَهُ ... رِجَالٌ".
وجه الاستشهاد: مجيء "رجال" فاعلا بفعل محذوف، دل عليه مدخول الاستفهام المقدر؛ فكأنه لما قيل: يسبح له فيها بالغدو والآصال بالبناء للمجهول، قيل: من يسبحه؟ فأجيب: يسبحه رجال؛ ثم حذف الفعل؛ لإشعار "يسبح" المبني للمجهول به؛ إذ لا يجوز أن نسند "رجال" إلى الفعل المذكور المبني للمجهول؛ لفساد المعنى؛ لأن الرجال ليسوا مسبَّحين "بفتح الباء" بل مسبِّحين بكسرها؛ والآصال:؛ جمع "أصل" بضمتين، و"أصل": جمع أصيل؛ ويجمع "آصال" على أصائل؛ وأما على قراءة يسبح "بكسر الباء" والبناء للمعلوم، فلا إشكال في الآية و"رجال" فاعل يسبح، كما هو معلوم. وانظر شرح التصريح: 1/ 273.
6 قيل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقيل: غيره، وقد مرت ترجمة لبيد.
7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
ومختبط مما تطيح الطوائح
وفي ديوان لبيد "طبع ليدن": 50، الشاهد من قطعة، مطلعها:
لعمري لئن أمسى يزيد بن نهشل ... حشا جدت تسفي عليه الروائح
=(2/85)
أي: يسبحه رجال، ويبكيه ضارع، وهو قياسي وفاقا للجرمي1 وابن
__________
=
لقد كان ممن يبسط الكف بالندى ... إذا ضن بالخير الأكف الشحائح
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 274، والكتابه لسيبويه: 1/ 245: وفيه نسب البيت إلى: الحارث بن نهيك، والأشموني: "361/ 1/ 171"، وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 142، وفيه نسب البيت إلى ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد، والشعر والشعراء: 47، وتصحيف العسكري: 208، والمقتضب: 3/ 282، والمحتسب: 1/ 230 والخصائص 2/ 353 والشريشي: 1/ 21، والخزانة: 1/ 147، ومعاهد التنصيص: 1/ 70، ومغني اللبيب: "1044/ 807" وقد نسبه الزمخشري إلى: مزرد بن ضرار، ونسبه السيرافي إلى الحارث بن ضرار النهشلي، ونسبه بعضهم إلى نهشل بن حري.
المفردات الغريبة: ضارع: ذليل خاشع. مختبط: هو المحتاج الذي يطلب معروفك من غير أن تكون له وسيلة يمت بها إليك. تطيح: الطوائح: جمع طائح أو طائحة.
المعنى: ليبك يزيد ويندبه شخصان: فقير ذليل مهضوم الحق، لا يجد له نصيرا؛ وطالب معروف يدفع به مصائب الدهر؛ وليس له وسيلة يتقرب بها.
الإعراب: ليبك: اللام، لام الأمر، يبك: فعل مضارع مجزوم؛ وهو مبني للمجهول. يزيد: نائب فاعل. ضارع: فاعل لفعل محذوف، دل عليه مدخول الاستفهام المقدر؛ أي: يبكيه ضارع. "لخصومه". متعلق بالفعل المحذوف. ومختبط: معطوف على ضارع. مما: من حرف جر. "ما". مصدرية. تطيح: فعل مضارع. الطوائح: فاعل؛ والمصدر المؤول من "ما وما بعدها": في محل جر بـ "من"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ "مختبط".
موطن الشاهد: "ليبك يزيد ضارع".
وجه الاستشهاد: رفع "ضارع" على أنه فاعل لفعل محذوف واقع في جواب استفهام مقدر؛ فكأنه حين قال: ليبك يزيد؛ قيل: فمن يبكيه؟ فقال: يبكيه ضارع، ثم حذف الفعل؛ لدلالة سابق الكلام عليه؛ هذا؛ وقد روي البيت: ليبك يزيد ضارع، ببناء الفعل للمعلوم ونصب يزيد ورفع ضارع على أنه فاعل لـ "يبك"؛ وهذه الرواية أثبتها العسكري، ونفي غيرها، وعليها، فلا شاهد في البيت.
1 هو: أبو عمر؛ صالح بن إسحاق الجرمي البصري، مولى جرم بن زبان، وجرم من قبائل اليمن فقيه عالم بالنحو واللغة؛ دينا ورعا، أخذ عن الأخفش ويونس والأصمعي وأبي عدة وحدث عنه المبرد، وناظر الفراء فأفحمه، كان يلقب بالنباح؛ لكثرة مناظرته ورفع صوته فيه. له كتب قيمة: منها: الأبنية، ومختصر في النحو، وغريب سيبويه، مات سنة 225هـ. البلغة: 96، بغية الوعاة: 2/ 8، إنباه الرواة: 2/ 80، وفيات الأعيان: 1/ 228، الأعلام: 2/ 8.(2/86)
جني1، ولا يجوز في نحو: "يوعظ في المسجد رجل" لاحتماله للمفعولية، بخلاف: "يوعظ في المسجد رجال زيد"، أو استلزمه ما قبله كقوله2: [الطويل]
205- غداة أَحَلَّت لابن أصرم طعنة ... حضين عبيطات السدائف والخمر3
__________
1 هو أبو الفتح؛ عثمان بن جني الموصلي مولدًا ونشأة، وأبوه جني كان مملوكا روميا، لازم ابن جني أبا علي الفارسي وأخذ عنه 40 سنة، حتى صار إماما من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والصرف، ولم يتكلم أحد في التصريف والإعراب أدق منه كلاما، عاصر المتنبي وناظره، وشهد له المتنبي؛ له كتاب: الخصائص، والمحتسب، واللمع، وشرح ديوان المتنبي، مات سنة 392هـ، ودفن ببغداد.
البلغة: 137، بغية الوعاة: 2/ 132، وإنباه الرواة: 2/ 335، تاريخ ابن كثير: 11/ 331، الأعلام: 4/ 364.
ما ذهب إليه ابن جني والجرمي؛ هو ما ذهب إليه المؤلف في المغني، من أنَّ كلَّ واحد من هذه المرفوعات فاعل بفعل محذوف؛ ولا يجوز غير ذلك.
ويرى الجمهور أن كل واحد من هذه المرفوعات خبر مبتدأ محذوف؛ تقدير الكلام في الآية الأولى عندهم: الله خالقهم، وفي الآية الثانية: المسبّح له رجال، وفي البيت: الباكي ضارع ... ويجوز أن يقدر المرفوع فاعلا بفعل محذوف، دل عليه سابق الكلام، وأن يقدر خبر مبتدأ محذوف، لكن الأولى؛ تقديره فاعلا بفعل محذوف؛ لأن كون هذا المرفوع فاعلا؛ ثابت في القراءة الأخرى في: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} وفي رواية البيت الأخرى:
لِيَبْكِ يزيدَ ضارعٌ.
شرح التصريح: 1/ 274، ومغني اللبيب: 807.
2 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 274، ومجالس العلماء للزجاجي: 21، والجمل: 212، والإنصاف: 187، وشرح المفصل: 1/ 32، 8/ 70، والعيني: 2/ 456، ومعجم البلدان: 13/ 365، وديوان الفرزدق: 317.
المفردات الغريبة: طعنة: اسم مرة من الطعن، وهو الضرب بالرمح وغيره، عبيطات: جمع عبيطة، وهي القطعة من اللحم الطري غير النضيج، وعبط الذبيحة واعتبطها: نحرها وهي سمينة فتية من غير داء ولا كسر. السدائف: جمع سديف؛ وهو شحم السنام ونحوه مما غلب عليه السمن.
المعنى: كان لحصين بن أصرم قريب، مات قتلا، فحرم حصين على نفسه أكل اللحم الطري وشرب الخمر حتى يأخذ بثأر قريبه؛ فلما أدرك ثأره أحل لنفسه ما كان حرمه عليها من أكل اللحم الطري وشرب الخمر. =(2/87)
أي: "وحلت له الخمر"، لأن "أحلت" يستلزم "حلت"، أو فسره ما بعده، نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 1، والحذف في هذه واجب2.
__________
= الإعراب: "غداة": متعلق بما قبله. أحلت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. طعنة: فاعل مرفوع. "لابن": متعلق بـ "أحل". أصرم: مضاف إليه ممنوع من الصرف. حصين: بدل من "ابن أصرم"؛ أو عطف بيان عليه. عبيطات: مفعول به لـ "أحل" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة، وهو مضاف. السدائف: مضاف إليه. والخمر: "بالرفع" فاعل لفعل محذوف، يدل عليه "أحل" المتقدم، والتقدير: وحلت له الخمر؛ وجملة "حلت له الخمر": معطوفه على جملة "أحلت طعنة".
موطن الشاهد: "الخمر".
وجه الاستشهاد: مجيء "الخمر" فاعلا لفعل محذوف، يدل عليه الفعل السابق، ويستلزمه، وهو "أحلت"، كما ذكر المصنف؛ وروي هذا البيت بنصب "طعنة" على أنه مفعول به، وإن كان فعلا في المعنى، ورفع "عبيطات" على الفاعلية، والخمر بالعطف عليها؛ على حذ "خرق الثوب المسمار" ولكن زاد -هنا- تقديم المنصوب.
وقد حكى محمد بن سلام أن الكسائي سُئِلَ في حضرة يونس بن حبيب شيخ سيبويه عن توجيه رفع "الخمر" في هذا البيت، فقال الكسائي: يرتفع بإضمار فعل؛ أي: وحلت له الخمر، فقال يونس: ما أحسن -والله- توجيهك، غير أني سمعت الفرزدق يسنده بنصب "طعنة" ورفع "عبيطات" على جعل الفاعل مفعولا.
انظر شرح التصريح: 1/ 274، والإنصاف في مسائل الخلاف: 187.
1 "9" سورة التوبة، الآية: 6.
موطن الشاهد: {إِنْ أَحَدٌ ... اسْتَجَارَكَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف، يفسره "استجارك" المذكور؛ والتقدير: وإن استجارك أحد استجارك؛ والحذف من هذه الحالة واجب؛ لأن استجارك المذكور كالعوض من استجارك المحذوف؛ ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه، والمفسر والمفسر. وهناك أساليب أخرى، يجب فيها الحذف -أي حذف الفعل؛ نحو: الاختصاص، والتحذير، والإغراء، والمصدر النائب عن فعله، وسيأتي ذلك لاحقا. وانظر حاشية الصبان: 2/ 50.
2 لأن استجارك المذكور كالعوض من "استجارك" المحذوف، ولا يجمع بين العوض والمعوَّض؛ فلذلك لم يجيزوا ذكر العامل في الاسم المرفوع بعد أداة الشرط ونحوها؛ وهذا الكلام إنما يجري على مذهب البصريين الذين لا يجيزون أن يقع بعد أداة الشرط جملة اسمية، فيكون المرفوع مبتدأً، خبره ما بعده؛ ولا يجوز عندهم أيضا أن يتقدم الفاعل على فعله حتى يكون "أحد" فاعلا باستجارك الذي بعده. =(2/88)
الخامس: أن فعله يوحد مع تثنيته وجمعه، كما يوجد مع إفراده، فكما تقول: "قام أخوك" كذلك تقول: "قام أخواك" و: "قام إخوتك" و: "قام نسوتك"، قال الله تعالى: {قَالَ رَجُلان} 1 {وَقَالَ الظَّالِمُون} 2، {وَقَالَ نِسْوَة} 3، وحكى البصريون على طيئ وبعضهم عن أزد شنوءة4، نحو: "ضربوني قومك" و: "ضربتني نسوتك" و: "ضرباني أخواك"5 قال6: [السريع]
206- ألفيتا عيناك عند القفا7
__________
1 "5" سورة المائدة، الآية: 23.
موطن الشاهد: {قَالَ رَجُلَانِ} .
وجه الاستشهاد: إفراد الفعل مع الفاعل المثنى، وحكم إفراد الفعل في هذه الحالة الوجوب.
2 "25" سورة الفرقان، الآية: 8.
موطن الشاهد: {قَالَ الظَّالِمُونَ} .
وجه الاستشهاد: إفراد العمل مع الفاعل الجمع؛ وحكم إفراد الفعل هنا الوجوب.
3 "12" سورة يوسف، الآية: 30.
موطن الشاهد: {قَالَ نِسْوَةٌ} .
وجه الاستشهاد: إفراد الفعل مع الفاعل "نسوة"؛ وهو جمع؛ وحكم إفراده -كما في الآيتين السابقتين- الوجوب.
4 بفتح الهمزة وسكون الزاي أو السين، قال في الصحاح: أزد: أبو حي من اليمن، وهو بالسين أفصح، يقال: أزد شنودة وأزد عمان وأزد السراة؛ واختلف في تسميته أزدا وأسدا، فقيل: لأنه كان كثير العطاء فقيل له ذلك؛ لكثرة من يقول: أسدى إلي كذا، أو أزدى إلي كذا؛ وقيل: لأنه كان كثير النكاح، والأزد والأسد النكاح، وشنوءة بفتح الشين المعجمة وضم النون وفتح الهمزة.
شرح التصريح: 1/ 257.
5 أي: بإلحاق علامة الجمع والتأنيث والتثنية بالفعل، ويعبر بعض النحويين عن هذه اللغة بلغة: أكلوني البراغيث؛ لأن البراغيث فاعل أكلوني.
6 القائل هو: عمرو بن ملقط؛ شاعر جاهلي؛ ولم أعثر له على ترجمة وافية.
7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
أولى فأولى لك ذا واقية
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 257، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 62، وأمالي ابن =(2/89)
وقال1: [المتقارب]
207- يلومونني في اشتراء النخيـ ... ـل أهلي فكُلُّهُمُ ألْوَمُ2
__________
= الشجري: "1/ 132، والخزانة: 3/ 633، والعيني: 2/ 458، ومغني اللبيب: "691/ 485".
المفردات الغريبة: ألفيتا: وجدتا. أولى فأولى لك: كلمة تقال عند التهديد والوعيد؛ وهي. كما قال الأصمعي والمبرد -اسم فعل معناه: قاربك ما يهلكك. ذا: اسم بمعنى صاحب. واقية: مصدر بمعنى الوقاية، كالعافية.
المعنى: يصف الشاعر رجلا بالجبن والفرار من القتال، فيخاطبه قائلا: وجدت عيناك عند قفاك؛ من كثرة نظرك، والتفاتك الشديد إلى الخلف -وأنت فارٌّ- لتنظر الأعداء خشية أن يتبعوك، ثم يدعو عليه بنزول الكوارث، فيقول: حلت بك المصائب، وقاربك ما يهلكك.
الإعراب: ألفيتا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والألف: علامة التثنية. عيناك: نائب فاعل، ومضاف إليه. "عند": متعلق بـ "ألفيتا". القفا: مضاف إليه. أولى: مبتدأ: فأولى: معطوف عليه. "لك" خبر المبتدأ؛ ويجوك أن يكون "أولى": خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: دعائي أولى. ذا: حال من الكاف في "عيناك". واقية: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "ألفتيا عيناك".
وجه الاستشهاد: إلحاق ألف الاثنين بالفعل "ألفى" مع كونه مسندا إلى اسم ظاهر مثنى؛ وهو "عيناك"؛ وهذا الإلحاق على لغة جماعة من العرب بأعيانهم؛ واختلف العلماء في بيان أصحاب هذه اللغة، فبعضهم يذكر أنها لغة طيئ، وبعضهم يذكر أنها لغة أزد شنوءة، ومثل الشاهد السابق قول أحدهم:
نسيا حاتم وأوس لدن فا ... ضت عطاياك يابن عبد العزيز
فقد ألحق الشاعر ألف الاثنين بالفعل "نسي" المبني للمجهول. مع أن نائب الفاعل مذكور بعده، وفي هذا الشاهد والذي استشهد به المؤلف دلالة على أن شأن نائب الفاعل في هذه المسألة كشأن الفاعل. وانظر حاشية الصبان: 2/ 46-47.
1 ينسب البيت إلى أمية بن أبي الصلت، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: صوب بعضهم إنشاد البيت هكذا:
يلومونني في اشتراء النخيـ ... ـل قومي فكلهم يَعدِلُ
وأنشدوا بعده:
وأهل الذي باع يلحونه ... كما لُحِيَ البائعُ الأوَّلُ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 276، والأشموني: "359/ 1/ 170"، وابن عقيل =(2/90)
وقال1: [الطويل]
208- نتج الربيع محاسنا ... ألقحنها غر السحائب2
__________
= "143/ 2/ 82" وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 142، وشرح المفصل: 3/ 87، و7/ 7 والعيني: 2/ 460، وأمالي ابن الشجري: 1/ 133، والعيني: 2/ 460، ومغني اللبيب: "679/ 478"، وديوان أمية: 48، وفيه برواية: فكلهم ألوم.
المفردات الغريبة: يلومونني: اللوم: العذل والتعنيف. يعذل: "العذل" اللوم. يلحونه: لحا يلحو مثل: دعا يدعو؛ فيقال: لحاه يلحوه؛ ولحاه يلحاه مثل: نهاه ينهاه؛ إذا لامه وعذله؛ فالمعاني السابقة متشابهة.
المعنى: يعتب علي أهلي، ويعنفونني لشراء النخيل، ولا حق لهم؛ فكلهم أكثر استحقاقا للوم.
الإعراب: يلومونني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ والواو: حرف دال على جماعة الذكور، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. "في اشتراء": متعلق بـ "يلوم". النخيل: مضاف إليه. أهلي: فاعل "يلوم". فكلهم: الفاء عاطفة. كلهم: مبتدأ، ومضاف إليه. يعذل: فعل مضارع، والفاعل: هو؛ وجملة "يعذل": في محل رفع خبر المبتدا.
موطن الشاهد: "يلومونني".
وجه الاستشهاد: اتصال واو الجماعة بالفعل، مع أن الفعل أسند إلى الاسم الظاهر المذكور؛ وهو "أهلي"؛ وهذا لغة طيئ، أو أزد شنوءة، كما أسلفنا؛ ومثل هذا الشاهد قول زيد بن معاوية:
يدورون بي في ظل كل كنيسة ... فينسونني قومي وأهوى الكنائسا
فوصل واو الجماعة بالفعل "ينسى" مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعده؛ وهو "قومي". وقول آخر:
نصروك قومي فاعتززت بنصرهم ... ولو أنهم خذلوك كنت ذليلا
فقد ألحق واو الجماعة بفعل "نصر" مع أن الفاعل مذكور بعده؛ وهو "قومي".
حاشية الصبان: 2/ 47.
1 القائل: هو أبو فراس الحمداني.
2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة للشاعر؛ ومعها قوله:
يا أيها الملك الذي ... أضحت له جمل المناقب
نتج الربيع محاسنا ... ألقحنها غير السحائب
راقت ورق نسيمها ... فحكت لنا صور الحبائب
=(2/91)
والصحيح أن الألف والواو والنون في ذلك أحرف دلوا بها على التثنية والجمع، كما دل الجميع1 بالتاء في نحو: "قامت" على التأنيث2؛ لا أنها ضمائر الفاعلين وما بعدها مبتدأ على التقديم والتأخير أو تابع على الإبدال من الضمير، وأن هذه اللغة3 لا تمتنع من المفردَيْن أو المفردات المتعاطفة، خلافا لزاعمي ذلك،
__________
= والبيت للتمثيل وليس للاستشهاد، وقد مثل به: التصريح: 1/ 276، والعيني: 2/ 460، وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 142، وحاشية يس: 1/ 276، والشذور: "82/ 233".
المفردات الغريبة: نتج: بالبناء للمعلوم، أو للمجهول، ويقال: نتجت الناقة، بالبناء للمجهول؛ إذا ولدت. الربيع: المراد هنا المطر الذي ينزل وقت الربيع. محاسنا: جمع لا واحد من لفظه مثل ملامح، وقيل جمع حسن على غير قياس. ألقحنها؛ الإلقاح: أصله الإيلاد، من أقلح الفحل الناقة إلقاحا: أحبلها، ثم استعير للشجر. غر: جمع غراء: أبي بيضاء. السحائب: جمع سحابة.
المعنى: أنبت المطر الذي ينزل في فصل الربيع نباتا حسنا، وكسا الأرض حلة ناضرة بوساطة تلك السحب الغراء، وما أنتجته من نبات حسن.
الإعراب: نتج: فعل ماضٍ. الربيع: فاعل؛ أو نائب فاعل، إذا عد "نتج" مبنيا للمجهول. محاسنا: مفعول به أول؛ أو ثان؛ لما أسلفنا. ألقحنها: فعل ماضٍ، والنون: علامة جمع النسوة، و"ها" مفعول به. غر: فاعل مرفوع. السحائب: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "ألقحنها".
وجه الاستشهاد: وصل نون النسوة بالفعل "ألقح" مع أنه مسند إلى اسم ظاهر بعده، وهو "غر السحائب"؛ وإلى مثل هذا يشير الناظم بقوله:
"وقد يقال: سعدا وسعدوا ... والفعل للظاهر -بعد- مسندُ"
أي: جاء في بعض اللغات: "سعدا وسعدوا" بزيادة علامة التثنية والجمع على أنهما مجرد علامة، ليس أكثر، والفعل مسند إلى الفاعل الظهر بعده.
1 أي: جميع العرب.
2 والجامع بينهما: الفرعية عن الغير، فالمثنى والجمع فرع الإفراد، والمؤنث فرع المذكر. والفرق بين الاثنين أن لحاق علامة التأنيث لغة جميع العرب، ويجب أحيانا. أما لحاق الثانية فلغة قوم، ولا يجب مطلقا.
شرح التصريح: 1/ 276.
3 هذا معطوف على قوله "والصحيح أن الألف والواو ... ". أي والصحيح أيضا أن هذه اللغة -وهي لحاق علامة التثنية والجمع- لا تمتنع مع المفردين -إلخ. وقوله "خلافا لزاعمي ذلك" أي في المسألتين، ورد على زاعمي الأول بقوله: "لقول الأئمة ... إلخ". وردَّ على زاعمي الثاني بقوله: "ولمجيء قوله -إلخ".(2/92)
لقول الأئمة: إن ذلك لغة لقوم معينين، وتقديم الخبر والإبدال لا يختصان بلغة قوم بأعيانهم، ولمجيء قوله1: [الطويل]
209- وقد أسلماه مبعد وحميم2
__________
1 القائل: هو عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك، من بني عامر بن لؤي، ولَقَبُ الرقيات أطلق عليه؛ لأنه كان يشبب بثلاث نسوة؛ كل واحدة منهن تسمى رقية، وهو شاعر مبدع، أكثر شعره في الغزل؛ وله مدائح جيدة في مصعب بن الزبير وأخيه عبد الله؛ وكان قد خرج معهما على بني أمية، ولما قتلا أمنه عبد الملك بن مروان، ومات سنة 85هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 539، الجمحي: 2/ 647، الأغاني: 4/ 154، واللآلي: 294، والخزانة: 3/ 265.
تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
تولى قتال المارقين بنفسه
وهو من قصيدة يرثي فيها مصعب بن الزبير، وأولها قوله:
لقد أورث المصرين حزنا وذلة ... قتيل بدير الجاثليق مقيم
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 277، وابن عقيل: "142/ 2/ 81" والأشموني: "256/ 1/ 170" وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 141، والكتاب لسيبويه: 1/ 132، والعيني: 2/ 461 والمغني: "681/ 481" "692/ 485" والشذور "81/ 232" وديوان ابن الرقيات: 196.
المفردات الغريبة: المارقين: الخارجين عن الدين، أسلماه: خذلاه وأسلماه إلى أعدائه. مبعد: أجنبي بعيد الصلة. حميم: صديق أو قريب.
المعنى: لقد تولى مصعب بنفسه قتال الخارجين بالعراق على أخيه عبد الله بن الزبير، ولم يركن إلى غيره في ذلك، وقد تجشم المصاعب، وخذله البعيد والقريب؛ وأسلماه إلى عدوه.
الإعراب: تولى: فعل ماضٍ، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره هو؛ يعود إلى مصعب. قتال: مفعول به منصوب. المارقين: مضاف إليه. "بنفسه": متعلق بـ "تولى"؛ أو توكيد للفاعل، على زيادة الباء. وقد: الواو حالية، قد: حرف تحقيق. أسلماه: فعل ماضٍ، والألف: علامة التثنية، والهاء: مفعول به. مبعد: فاعل مرفوع. وحميم: الواو عاطفة، حميم: اسم معطوف على مبعد. وجملة "أسلماه مبعد وحميم": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "أسلماه مبعد وحميم".
وجه الاستشهاد: وصل الفعل بألف التثنية مع أن الفعل ظاهر، ومعطوف عليه؛ والقياس أن يقول: وقد أسلمه مبعد وحميم.(2/93)
وقوله1: [الوافر]
210- وإن كانا له نسب وخير2
__________
1 القائل: هو عروة بن الورد العبسي، المشهور بعروة الصعاليك؛ لعطفه عليهم، واحتضانهم، وقوله فيهم شعرا كثيرا، وأشهره: الأصمعية العاشرة من الأصمعيات، وعروة جاهلي جواد فارس. الشعر والشعراء: 2/ 275، الأغاني: 2/ 184، الخزانة: 4/ 194.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
وأحقرهم وأهونهم عليهم
وقبل البيت الشاهد قوله:
ذريني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرهم الفقير
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 277، والعيني: 2/ 463، والبيان والتبيين: 1/ 234، وليس في ديوان عروة بن الورد.
المفردات الغريبة: ذريني: دعيني واتركيني. خِير "بكسر الخاء" كرم أو شرف، أو هيئة، أو أصل.
المعنى: يقول للائمته: ارتكيني أسعى وأجد في تحصيل الغنى والمال؛ فإنني رأيت الفقير شر الناس وأذلهم، وأحقرهم شأنا، وأهونهم عليهم؛ لأجل فقره، وإن كان شريف الأصل، حسن الأخلاق، كريم السجايا.
الإعراب: وأحقرهم: الواو عاطفة. أحقر: معطوف على شر، في البيت السابق، وهو مضاف، و"هم" مضاف إليه. وأهونهم: معطوف على "شر" أيضا، و"هم" مضاف إليه. "عليهم": متعلق بـ "أهون". وإن: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف؛ والتقدير: إن لم يكن له نسب وخير وإن كانا له نسب وخير؛ والمعنى: أنه كذلك على كل حال. إن: شرطية جازمة. كانا: فعل ماضٍ ناقص؛ وهو فعل الشرط في محل جزم؛ والألف: حرف دال على التثنية. "له": متعلق بمحذوف خبر كان المتقدم على اسمه. نسب: اسم كان مؤخر مرفوع. وخير: معطوف على نسب؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة سابق الكلام عليه.
موطن الشاهد: "كانا له نسب وخير".
وجه الاستشهاد: إلحاق علامة التثنية "الألف" بالفعل الناقص "كان" مع أنه مسند إلى اثنين عطف أحدهما على الآخر؛ وفي هذا دلالة على أن من يلحق بالفعل علامة التثنية وعلامة الجمع، لا يفرق بين أن يكون الفاعل مثنى كالزيدين والعمرين، أو أن يكون في معنى المثنى بأن يكون اسمين مفردين، عطف أحدهما على الآخر.(2/94)
السادس: أنه إن كان مؤنثا أنث فعله بتاء ساكنة في آخر الماضي1، وبتاء المضارعة في أول المضارع.
[إذا كان الفاعل مؤنثا أنث فعله] :
ويجب ذلك في مسألتين:
إحداهما: أن يكون ضمير متصلا2، كـ: "هند قامت" أو: تقوم"، و: "الشمس طلعت" أو: "تطلع" بخلاف المنفصل نحو: "ما قام، أو يقوم، إلا هي" ويجوز تركها في الشعر إن كان التأنيث مجازيا، كقوله3: [المتقارب]
211- ولا أرضَ أبقلَ إبقالَها4
__________
1 سواء أكان جامدا أم منصرفا تاما أم ناقصا، وسواء في ذلك التأنيث الحقيقي أو المجازي.
2 أي مستترا، عائدا على مؤنث حقيقي التأنيث أو مجازيه. وقد مثل لهما المصنف. وإنما وجب التأنيث في هذا؛ لئلا يتوهم أن هنالك فاعلا مذكرا منتظرا، كأن يقال: هند قام أبوها والشمس طلع قرنها.
3 القائل: هو عامر بن جوين بن عبد رضاء بن قمران الطائي، أحد بني جرم من طيئ، كان سيدا شاعرا فارسا شريفا، قيل: هو من معمري العرب وأنه عاش مائتي سنة. خزانة الأدب: 1/ 53، والمعمرين: 41.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فلا مزنة ودقت ودقها
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 278، وابن عقيل: "146/ 2/ 92"؛ والأشموني: "369/ 1/ 174" والكتاب: 1/ 240، والخصائص: 2/ 411، والمحتسب: 2/ 112، وأمالي ابن الشجري: 1/ 158، 1/ 161، وشرح المفصل: 5/ 94، والمقرب: 66، والخزانة: 21، 3/ 330، والعيني: 2/ 264 والهمع: 2/ 171، والدرر: 2/ 224، وحاشية يس على التصريح: 2/ 32، ومغني اللبيب: "115/ 860" "1130/ 879". =(2/95)
وقوله1: [المتقارب]
212- فإن الحوادث أودى بها2
__________
= المفردات الغريبة: مزنة: هي السحابة البيضاء المثقلة بالماء، ودقت: أمطرت. الودق: المطر. أبقل: أنبت البقل، والبقل: ما نبت في بذرة لا في أرومة ثابتة.
المعنى: ليس هنالك سحابة أمطرت مطرا غزيرا نافعا كهذه السحابة، وليست هنالك أرض أنبتت بقلا عظيما كهذه الأرض.
الإعراب: لا: نافية تعمل عمل ليس. مزنة: اسمها مرفوع. ودقت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. والفاعل: هي. ودقها: مفعول مطلق لـ "ودقت"؛ والجملة: خبر "لا"؛ ويجوز عد "لا" مهملة، ومزنة: مبتدأ، والجملة: خبره. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية عاملة عمل "إن". أرض: اسمها: وجملة "أبقل إبقالها": في محل رفع خبر "إن".
موطن الشاهد: "ولا أرض أبقل".
وجه الاستشهاد: حذف تاء التأنيث من الفعل "أبقل" المسند إلى فاعله المضمر العائد إلى اسم مجازي وروي البيت على وجه آخر: ولا أرض أبقلت أبقالها؛ بكسر التاء للتخلص من الساكنين، ووصل همزة القطع من إبقالها، وهو تخلص من ضرورة، للوقوع في أخرى، كما بين المؤلف.
ومن العلماء من خرج البيت تخريجا آخر، وهو أن الشاعر أتى بالضمير العائد إلى الأرض مذكرا؛ لأنه أراد بالضمير المكان؛ فهو من الحمل على المعنى؛ ولهذا نظائرُ كثيرةٌ في الشعر، نحو قول عروة بن حزام:
وعفراء أرجى الناس عندي مؤدة ... وعفراء عني المعرض المتداني
ففي قوله: "عفراء المعرض المتداني"؛ ذكر الخبر، مع أن المبتدأ مؤنث؛ لأنه أراد شخص عفراء. وذهب ابن كيسان إلى جواز التذكير والتأنيث في الفعل المسند إلى ضمير مؤنث مجازي التأنيث؛ فكما يجوز في الفعل المسند الاسم الظاهر المجازي التأنيث تذكير الفعل وتأنيثه، فإنه يجوز مع المضمر، لأنه لا فرق بين المضمر والمظهر. انظر حاشية الصبان: 2/ 53-54. والدرر اللوامع: 2/ 224-225.
1 القائل: هو الأعشى ميمون بن قيس؛ وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
فإما تريني ولي لمة
وهو من قصيدة يمدح فيها رهط قيس بن معديكرب الكندي ويزيد بن عبد الدار الحارثي. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 278، والأشموني: "368/ 1/ 174" والكتاب: 1/ 239، وأمالي ابن الشجري: 2/ 345، والإنصاف: 1/ 464، وشرح =(2/96)
والثانية: أن يكون متصلا حقيقي التأنيث نحو: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} 1 وشذ قول بعضهم2: "قال فلانة" وهو رديء لا ينقاس.
__________
= المفصل: 5/ 95، 9/ 6، 9/ 41، والخزانة: 4/ 578، والعيني: 2/ 466، 4/ 327، وديوان الأعشى برواية: ألوى بها.
المفردات الغريبة: لمة: هي شعر الرأس الذي يجاوز شحمة الأذن؛ فإذا زاد عن ذلك، وبلغ المنكبين فهو جمة. الحوادث: النوازل والكوارث، جمع حادثة. أودى بها: ذهب بها، وأهلكها، وأبادها.
المعنى: يخاطب محبوبته قائلا: إذا كانت ترين فيما مضى من شبابي لمة تنزل إلى أذني؛ فلا تعجبي اليوم من منظري؛ لأن حوادث الدهر وكوارثه؛ ذهبت بها وأزالتها؛ ولعله يريد: أنه أصبح أصلع الرأس؛ وذلك من دلالات التقدم في السن، والضعف بعد القوة.
الإعراب: إما: إن الشرطية مدغمة في "ما" الزائدة. تريني: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون، والنون: للوقاية، والياء: فاعل، والياء الثانية: مفعول به، ورأى -هنا- بصرية تتعدى إلى واحد. ولي: الواو حالية، "لي": متعلق بخبر مقدم. لمة: مبتدأ مؤخر. فإن: الفاء واقعة في جواب الشرط، إن: حرف مشبه بالفعل. الحوادث: اسمه. أودى: فعل ماضٍ وفاعله: ضمير مستتر يعود إلى الحوادث، وجملة "أودى بها": في محل رفع خبر "إن"؛ وجملة "إن الحوادث أودى بها": في محل جزم جواب الشرط.
موطن الشاهد: "الحوادث أودى بها".
وجه الاستشهاد: تجريد فعل أودى" من علامة التأنيث؛ وحكم هذا التجريد الضرورة الشعرية؛ لأنه مسند إلى ضمير مستتر عائد إلى مؤنث مجازي، وهو "الحوادث"؛ والذي سوغ ذلك كون "الحوادث مجازي التأنيث.
ولا يقال في هذا البيت: إنه لا ضرورة فيه؛ لأنه لو قال: أودت بها؛ لاستقام الوزن؛ لأن القافية مؤسسة، والألف في أودى ملتزمة في أبيات القصيدة، وتسمى عند العروضيين: "حرف الردف" وتركها في بعض الأبيات عيب غير مقبول. انظر شرح العيني في ذيل حاشية الصبان: 2/ 53.
1 "3" سورة آل عمران، الآية: 35.
موطن الشاهد: {قَالَتِ امْرَأَةُ} .
وجه الاستشهاد: اتصال علامة التأنيث بالفعل "قال"؛ لأن فاعله مؤنث حقيقي التأنيث ولم يفصل بينهما فاصل؛ وحكم تأنيث الفعل في هذه الحالة الوجوب.
2 هو قول بعض العرب حكاه سيبويه، وفلانة: ليس دالا على مؤنث، كفاطمة وزينب ... إلخ ولكنه يدل على لفظ مؤنث.(2/97)
وإنما جاز في الفصيح نحو: "نعم المرأة" و: "بئس المرأة" لأن المراد الجنس، وسيأتي أن الجنس يجوز فيه ذلك.
[جواز التأنيث والتذكير] :
ويجوز الوجهان في مسألتين: إحداهما: المنفصل1، كقوله2: [الوافر]
213- لقد ولد الأخيطلَ أمُّ سُوءٍ3
__________
1 أي المؤنث الحقيقي الظاهر، المنفصل من فعله بفاصل.
2 هو: جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
على باب استها صُلُبٌ وشَامُ
وهو في هجاء الأخطل التغلبي النصراني.
وهو من شواهد: التصريح: "1/ 279، والأشموني: "364/ 1/ 173"، والمقتضب: 2/ 148، 3/ 349 والخصائص: 2/ 414، وأمالي ابن الشجري: 2/ 55، والإنصاف: 1/ 175، وشرح المفصل: 5/ 92، والعيني: 2/ 468، وديوان جرير: 515.
المفردات الغريبة: الأخيطل: تصغير الأخطل الشاعر واسمه: غياث بن غوث. استها: دبرها: صلب: جمع صليب وهو للنصارى. شام: جمع شامة، وهو الخال والعلامة.
المعنى: إن من وَلَدَ الأخطلَ امرأةٌ سيئة، لم تتحصن بالعفة؛ فهو سليل الفجور.
الإعراب: لقد: اللام موطئة للقسم، قد: حرف تحقيق. ولد: فعل ماضٍ، الأخيطل: مفعول به تقدم على الفاعل. أم: فاعل مرفوع. سوء: مضاف إليه. "على باب": متعلق بخبر مقدم محذوف. استها: مضاف إليه، و"ها": مضاف إليه. صلب: مبتدأ مؤخر. وشام: معطوف عليه مرفوع.
موطن الشاهد: "ولد الأخيطل أم".
وجه الاستشهاد: تجرد فعل "ولد" من علامة التأنيث، على الرغم من أن فاعله مؤنث حقيقي التأنيث؛ لأنه فصل بينهما بالمفعول به المتقدم على الفاعل "أم"؛ وحكم هذا التجرد الجواز؛ لأنه لما فصل بين الفعل وفاعله، بَعُدَ الفعل بالفصل عن فاعله، وضعفت عنايته به؛ غير أن الاقتران في هذه الحالة أفضل من التجرد؛ ومثل هذا الشاهد؛ قول الشاعر:
إنَّ امرأً غره منكنَّ واحدةٌ ... بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور
غير أن الفصل -هنا- بالجار والمجرور؛ وإن كان الحكم واحدا.(2/98)
وقولهم: "حضر القاضي اليوم امرأة" والتأنيث أكثر، إلا إن كان الفاصل "إلا" فالتأنيث خاص بالشعر1، نص عليه الأخفش، وأنشد على التأنيث2: [الرجز]
214- ما برئت من ريبة وذم ... في حربنا إلا بنات العم3
وجوزه ابن مالك في النثر، وقرئ: "إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةٌ"4، "فَأَصْبَحُوا لا
__________
1 التخصيص بالشعر مذهب الجمهور. ومثل "إلا" في الفصل: غير أو سوى، وإن كان مذكرا لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، ويلاحظ أن لفظ "غير" أو "سوى" هو الذي يعرب فاعلا.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 279، والأشموني: "316/ 1/ 174"، والعيني: 2/ 471، والهمع: 2/ 271، والدرر: 2/ 226، والشذور: "80/ 231".
المفردات الغريبة: برئت: تخلصت وسلمت. ريبة: هي التهمة والشك. ذم: عيب.
المعنى: لم تسلم امرأة من التهمة والشك والعيب في حربنا إلا بنات الأعمام.
الإعراب: ما: نافية. برئت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. "من ريبة": متعلق بـ "برئت". وذم: معطوف على ريبة. "في حربنا": متعلق بـ "برئت". إلا: أداة حصر؛ أو حرف استثناء ملغى. بنات: فاعل مرفوع، وهو مضاف. العم: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "ما برئت إلا بنات العم".
وجه الاستشهاد: لحقت تاء التأنيث فعل "برئ"؛ لأن الفاعل حقيقي التأنيث، مع وجود الفصل بـ "إلا"؛ وحكم حذف التاء واجب في هذه الحالة؛ لأن الفاعل في الحقيقة، ليس الاسم المؤنث المذكور بعد "إلا"، وإنما هو مذكر محذوف؛ والتقدير: ما برئ أحد إلا بنات العم؛ وهذا رأي الأخفش ومن تبعه؛ وحكم لحوق التاء -على رأيهم- الجواز للضرورة الشعرية؛ وجوَّز ابن مالك تأنيث الفعل مع الفصل بـ "إلا" على قلة؛ حيث قال: "والصحيح جوازه في النثر أيضا" وأشار إلى هذا، بقوله:
والحذف معْ فصلٍ بـ "إلا" أفضلا ... كما زكا إلا فتاةُ ابنِ العَلا
فلفظه "أفضلا" تفيد جواز عدم الحذف، غير أن الحذف أرجح.
وانظر شرح التصريح: 1/ 279-280، وحاشية الصبان: 2/ 53.
4 "36" سورة يس، الآية: 29.
أوجه القراءات: قرأ أبو جعفر وشيبة ومعاذ بن الحارث والأعرج "صيحة" بالرفع. وقرأ الباقون بالنصب.
توجيه قراءة الرفع: في قراءة الرفع تقدير ضمير في "كانت"؛ والتقدير: إن كانت عقوبتهم أو بليتهم إلا صيحة، أو نحو ذلك، الإتحاف: 264، البحر المحيط: 7/ 332، ومعاني القرآن: 2/ 375.
موطن الشاهد: "إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةٌ".
وجه الاستشهاد: مجيء "صيحة" مرفوعة بـ "كان"؛ وفي هذه القراءة دليل على جواز تأنيث الفعل إذا فعل بينه وبين فاعله أو ما يقوم مقام الفاعل بـ "إلا".(2/99)
تُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ"1.
الثانية: المجازي التأنيث، نحو: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} 2، ومنه3 اسم الجنس، واسم الجمع، والجمع4؛ لأنهن في معنى الجماعة، والجماعة مؤنث مجازي، فلذلك جاز التأنيث، نحو: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} 5، و: {قَالَتِ
__________
1 "46" سورة الأحقاف، الآية: 25.
أوجه القراءات:
أوجه القراءات: قرأ مالك بن دينار والحسن وأبو رجاء وعاصم والأعمش وجماعة من التابعين: "لا تُرَى إلا مساكنهم"؛ وقرأ أهل الحرمين، وأبو عمر، والكسائي، وابن كثير، ونافع، وأبو جعفر، ومجاهد، وعلي: "لا تَرَى إلا مساكنهم"؛ وقرأ الأعمش وحمزة، وابن مسعود: {لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} .
موطن الشاهد: "لا تُرَى إلا مساكنهم" وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 157، ومعاني القرآن: 2/ 55 وقرأ الأزرق وورش: "لا تَرَى إلا مسكنهم". اتحاف الفضلاء: 392.
وجه الاستشهاد: مجيء "ترى" مبنيا للمجهول؛ على هذه القراءة، ومساكنهم نائب فاعل؛ والحكم كما في الآية السابقة؛ وقراءة هذه الآية وقراءة الآية السابقة المستشهد بهما، ليستا سببيتين.
2 "75" سورة القيامة: 9.
موطن الشاهد: {جُمِعَ الْشَمْسُ وَالْقَمَرُ} .
وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع المؤنث المجازي، وذلك جائز؛ وفي غير القرآن، يجوز: "وجمعت الشمس".
3 أي: من مجازي التأنيث.
4 المراد جمع التكسير؛ لأن جمع المذكر السالم، يجب تذكير فعله، كما أن جمع المؤنث السالم المستوفي للشروط؛ يجب تأنيث فعله على الصحيح.
5 "26" سورة الشعراء، الآية: 105,
موطن الشاهد: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٌ} .
وجه الاستشهاد: أنت الفعل "كذب" لأن فاعله أتى اسم جمع مذكر؛ فهو يلحق بمجازي التأنيث وحكم التأنيث هنا الجواز.(2/100)
الْأَعْرَابُ} 1، و: "أورقت الشجر"، والتذكير نحو: "أورق الشجر" {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُك} 2، {وَقَالَ نِسْوَة} 3، و: "قام الرجال"، و: "جاء الهنود" إلا أن سلامة نظم الواحد في جمعي التصحيح أوجبت التذكير في نحو: "قام الزيدون" والتأنيث في نحو: "قامت الهندات"، خلافا للكوفيين فيهما، وللفارسي في المؤنث، واحتجوا بنحو: {إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} 4، {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} 5، وقوله6: [الكامل]
__________
1 "49" سورة الحجرات، الآية: 14.
موطن الشاهد: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ} .
وجه الاستشهاد: أنت الفعل مع "الأعراب" وهو جمع تكسير؛ وحكم التأنيث؛ -هنا- الجواز.
2 "6" سورة الأنعام، الآية: 66.
موطن الشاهد: {كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} .
وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع "قوم" وهو اسم جمع مذكر؛ وحكم تذكيره الجواز.
3 "12" سورة يوسف، الآية: 30.
موطن الشاهد: {قَالَ نِسْوَةُ} .
وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع اسم الجمع المؤنث؛ وحكم هذا التذكير الجواز.
4 "8" سورة يونس، الآية: 90.
وجه الاستشهاد: موطن الشاهد: {آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائيلَ} .
وجه الاستشهاد: "تأنيث الفعل مع جمع تصحيح المذكر؛ وأجاب المؤلف بأن هذا الجمع لم يسلم فيه لفظ الواحد، بل تغير شكله؛ لأن الأصل "بنو" فحذفت لامه؛ وزيد عليه واو ونون في التذكير وألف وتاء في التأنيث.
5 "60" سورة الممتحنة، الآية: 12.
موطن الشاهد: {جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} .
وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع الفاعل المؤنث؛ وأجيب بأن التذكير هنا للفصل، أو لأن الأصل: النساء المؤمنات، أو لأن "إلا" مقدرة باللاتي وهي اسم جمع، كما في المتن.
6 القائل: هو عبدة بن الطيبب، أحد بني عبد شمس بن كعب بن سعد من تميم، شاعر مخضرم أدرك الإسلام وأسلم، وشهد مع المثنى بن حارثة قتال هرمز؛ وله في ذلك مواقف مشهورة. له شعر حسن، منه وصيته لبنيه حين أَسَنَّ ورابه بصره، وهي من أغلى الوصايا وأعلاها ذكرها صاحب المفضليات برقم "27".
الشعر والشعراء: 2/ 727، واللآلي: 69، والأغاني: 18/ 163، والإصابة: 51/ 101.(2/101)
215- فبكى بناتي شجوَهُنَّ وزوجتي1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
والظاعنون إليَّ ثم تصدَّعوا
وهو من قصيدة رواها المفضل الضبي، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 280، وفيه برواية: والطامعون إليَّ. والأشموني: "270/ 1/ 175"، والعيني:4/ 472، والمفضليات: 148، والخصائص: 3/ 295، ومجالس العلماء للزجاجي: 195.
المفردات الغريبة: شجوهن، الشجو: الحزن والهم -من شجاه الأمر يشجوه- إذا أحزنه. زوجتي؛ الأفصح أن يقال: زوج للرجل والأنثى، وجمعه أزواج، قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} . تصدعوا: تفرقوا وانشعب شملهم.
المعنى: إن بناتي بكين علي من الحزن، وكذلك زوجي، والذين وفدوا علينا؛ ليشاركونا أحزاننا وهمومنا من المحبين، ثم انصرفوا بعد ذلك، وتفرقوا إلى شئونهم.
الإعراب: بكى: فعل ماضٍٍ. بناتي: فاعل ومضاف إليه. شجوهن: مفعول لأجله، ومضاف إليه. وزوجتي: معطوف على بناتي، ومضاف إليه. والظاعنون: معطوف على بناتي. "إلي": متعلق بـ "الظاعنون". ثم: حرف عطف. تصدعوا: فعل ماضٍٍ، والواو: فاعل؛ وجملة "تصدعوا": معطوفة على جملة "بكى بناتي": لا محل لها.
موطن الشاهد: "بكى بناتي".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل بكى مجردا من التاء الدالة على التأنيث مع أن المسند إليه -الفاعل- بناتي أتى جمع مؤنث سالما؛ وبهذا وأمثاله احتج الكوفيون وأبو علي الفارسي على جواز تذكير الفعل مع جمع المؤنث؛ وخالفهم البصريون، وردوا عليهم بأن "بنات" وإن كان جمع مؤنث سالما؛ فقد أشبه جمع التكسير في عدم سلامة لفظ مفرده -كما أسلفنا- فلما أشبه جمع التكسير؛ في هذا، أخذ حكمه، كما أن "بني" لما لم يسلم فيه لفظ مفرده، أشبه جمع التكسير؛ فلما أشبهه في هذا، أخذ حكمه، وساغ دخول تاء التأنيث في فعله في الآية الكريمة: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} .
هذا وفي البيت شاهد آخر على مجيء "شجوهن" مفعولا لأجله؛ وهو معرفة؛ لأنه مصدر أضيف إلى الضمير خلافا للجرمي الذي زعم أن المفعول لأجله لا يكون إلا نكرة. انظر شرح التصريح: 1/ 280.(2/102)
وأجيب بأن البنين والبنات لم يسلم فيهما لفظ الواحد1، وبأن التذكير في {جَاءَكَ} للفصل، أو لأن الأصل النساء المؤمنات، أو لأن "أل" مقدرة باللاتي، وهي اسم جمع.
السابع: أن الأصل فيه أن يتصل بفعله ثم يجيء المفعول، وقد يعكس، وقد يتقدمهما المفعول، وكل من ذلك جائز وواجب.
[الأصل تقدم الفاعل على المفعول] :
فأما جواز الأصل فنحو: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} 2.
[وجوب تقدم الفاعل على المفعول] :
وأما وجوبه ففي مسألتين:
إحداهما: أن يخشى اللبس3، كـ: "ضرب موسى عيسى" قاله أبو
__________
1 أي: بل تغير شكله؛ إذ الأصل "بنو" فحذفت لامه وزيد عليه واو ونون في التذكير، وألف وتاء في التأنيث. والكلام في الجمعين إذا لم يحدث فيهما تغيير. أما ما تغير منهما كبنين وبنات فيجوز فيهما الوجهان اتفاقا.
هذا: ولم يذكر المصنف ولا الناظم حكم إسناد الفعل إلى المثنى، وحكمه حكم المفرد؛ فإن كان لمذكر وجب تذكير الفعل، نحو: قال المحمدان، وإن كان لمؤنث وجب التأنيث، تقول: قامت الهندان.
شرح التصريح: 1/ 280، 281.
2 "27" سورة النمل، الآية: 16.
موطن الشاهد: {وَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الفاعل متصلا بالفعل ثم وليه المفعول به؛ وحكم هذا التقدم الجواز على الأصل.
3 فلا يمكن تمييز الفاعل من المفعول، وذلك كأن يكون كل منهما اسما مقصورا كما مثل المصنف، أو مضافا إلى ياء المتكلم، نحو: أكرَمَ صديقي أخي، وكذلك المبنيات وأسماء الإشارة، وليست هنالك قرينة تعين المراد، وتميز الفاعل من المفعول، فإن وجدت قرينة لفظية أو معنوية لم يكن الترتيب واجبا، فاللفظية مثل: أكرمت يحيى ليلى، والمعنوية مثل: أزعجت ليلى الحمى.(2/103)
بكر1 والمتأخرون كالجزولي2 وابن عصفور وابن مالك3، وخالفهم4 ابن الحاج5 محتجا بأن العرب تجيز تصغير عمر وعمرو، وبأن الإجمال من مقاصده العقلاء، وبأنه يجوز: "ضرب أحدهما الآخر" وبأن تأخير البيان لوقت الحاجة جائز عقلا باتفاق وشرعا على الأصح، وبأن الزجاج نقل أنه لا خلاف في أنه يجوز في نحو: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} 6، كون "تلك" اسمها، و: "دعواهم" الخبر، والعكس7.
__________
1 هو: محمد بن السري، المعروف بابن السراج، وقد مرت ترجمته.
2 هو: أبو موسى، عيسى بن عبد العزيز الجزولي -جزولة بطن من البربر- كان إماما في العربية مع جودة التفهم وحسن العبارة، لزم ابن بري بمصر لما حج وعاد، وتصدر للإقراء بالمرية "بلد بالأندلس" وغيرها، أخذ عنه العربية جماعة منهم الشلوبين وابن معطٍ، له حواشٍ على الجمل للزجاجي، وكتاب القانون في النحو، مات سنة 607، وقيل 667 هـ.
البلغة: 179، بغية الوعاة: 2/ 236، إنباه الرواة: 2/ 378، وفيات الأعيان: 1/ 394.
3 مرت ترجمة لكل منهما.
4 وذلك في نقده على المقرب لابن عصفور، فقال: لا يوجد في كتاب سيبويه شيء من هذه الأغراض الواهية. شرح التصريح: 1/ 281.
5 هو أبو العباس: أحمد بن محمد بن أحمد الأزدي الإشبيلي، كان عالما بالعربية حافظا للغات قيل إنه برع في لسان العرب حتى لم يكن في زمنه من يفوقه أو يدانيه، قرأ على الشلوبين وغيره، له مصنفات كثيرة منها: مختصر خصائص ابن جني، ومختصر المستصفى، وله نقود على الصحاح، وإيرادات على المقرب لابن عصفور، وأمالي على كتابه سيبويه، مات سنة: 647 هـ.
البلغة: 31، بغية الوعاة: 1/ 359، أعيان الشيعة: 9/ 275، معجم المؤلفين: 2/ 64.
6 21 سورة الأنبياء، الآية: 15.
موطن الشاهد: {مَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} .
وجه الاستشهاد: جوز الزجاج كون "تلك" الاسم، و"دعواهم" الخبر؛ أو العكس، كما في المتن؛ وهنا، لم يبالوا بالتباس الاسم بالخبر.
7 قال المرادي تعليقا على كلام ابن الحاج الذي استدل بقول الزجاج بجواز اعتبار تلك الاسم ودعواهم الخبر؛ أو العكس: بأنه يجوز قياسا على الآية الحكم على الفاعل والمفعول من حيث التقديم والتأخير: "ولا يلزم من إجازة الزجاج الوجهين في الآية جواز مثل ذلك في ضرب موسى عيسى؛ لأن التباس الفاعل بالمفعول، ليس كالتباس اسم "زال" بخبرها وذلك واضح.
انظر شرح التصريح: 1/ 282. وحاشية الصبان: 2/ 56. وابن عقيل: 1/ 381.(2/104)
الثانية: أن يحصر المفعول بإنما، نحو: "إنما ضرب زيد عمرا"1 وكذا الحصر بإلا عند الجزولي وجماعة وأجاز البصريون والكسائي والفراء وابن الأنباري2 تقديمه على الفاعل3، كقوله4: [الطويل]
216- ولما أبى إلا جماحا فؤاده5
__________
1 فيجب تقديم الفاعل على المفعول في هذه الصورة؛ لأنه لو أخر انقلب المعنى.
2 هو الإمام: أبو بكر؛ محمد بن القاسم الأنباري، النحوي اللغوي، ولد سنة 271 هـ، كان أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظا، قيل إنه حفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهدا في القرآن وكان يملي من حفظه لا من كتاب، وكان مع هذا ثقة دينا ورعا، أخذ عن ثعلب، وروى عنه الدارقطني وجماعة، له تصانيف مفيدة منها: كتاب الزاهر في اللغة، وكتاب هاءات القرآن وكتاب الأمالي، وكتاب غريب الحديث، والإنصاف وغيرها كثير. مات ببغداد وله 67 سنة وذلك سنة 328 هـ البلغة: 245، بغية الوعاة: 1/ 212، إنباه الرواة: 3/ 201، وفيات الأعيان: 1/ 502، الأعلام: 7/ 226.
3 أي تقديم المفعول المحصور بإلا على الفاعل بشرط أن يتقدم معه "إلا".
4 القائل هو دعبل الخزاعي: أبو علي ابن علي بن رزين، وقيل اسمه الحسن ولقبه دعبل؛ شاعر إسلامي جيد الشعر، عاصر خلفاء بني العباس؛ ومنهم المعتصم الذي هجاه؛ فطلبه لكن دعبلا هرب واستتر، وكان دعبل يجالس أبا نواس وأبا الشيص.
الشعر والشعراء: 2/ 489، الأغاني: 18/ 29، ابن خلكان: 1/ 178، تاريخ بغداد: 8/ 382.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ولم يسلُ عن ليلى بمال ولا أهل
وذكر العيني بعده قوله:
تسلى بأخرى غيرها فإذا التي ... تسلى بها تغري بليلى ولا تسلي
=(2/105)
وقوله1: [الطويل]
217- فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها2
__________
= والبيت للتمثيل؛ لأن دعبلا ممن لا يحتج بقولهم على قواعد النحو والتصريف؛ والبيت من شواهد:
التصريح: 1/ 282، والأشموني: "374/ 177"، وهمع الهوامع: 1/ 161، والدرر اللوامع: 1/ 143، والعيني: 2/ 480، والمصون لأبي أحمد العسكري: 249، وديوان دعبل: 183.
المفردات الغريبة: أبى: امتنع. جماحا: مصدر جمح الفرس -إذا أسرف إسراعا لا يرده شيء. والجموح من الرجال: الذي يركب هواه ولا يمكن ردعه. لم يسلُ: مضارع سلا: بمعنى صبر وتعزى.
المعنى: إن هذا المبحب حين تعلق بليلى، وهام بها، ولم يصرفه عن التمادي في هواه زينة الدنيا من المال، والأهل -أراد أن يتسلى بغيرها، فلم يغنه ذلك، بل زادته الأخرى إغراء بليلى وتعلقا بها.
الإعراب: أبى: فعل ماضٍٍ. إلا: أداة حصر. جماحا: مفعول به لـ "أبى". فؤاده: فاعل مرفوع، ومضاف إليه. ولم يسلُ: الواو عاطفة، لم: جازمة نافية. يسل: فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل هو: "عن ليلى": متعلق بـ "يسل". "بمال": متعلق بـ "يسل" أيضا. ولا أهل: معطوف على مال.
موطن الشاهد: "أبى إلا جماحا فؤاده".
وجه الاستشهاد: تقديم المفعول المحصور بـ "إلا" وهو "جماحا" على الفاعل "فؤاده"؛ وهذا التقديم جائز؛ وقد استدل بهذا الشاهد جمهور البصريين، والفراء، وابن الأنباري، والكسائي، فقالوا: يجوز أن يتقدم المفعول المحصور بـ "إلا" على الفاعل؛ لأن المفعول -وإن تقدم- فهو في منزلة التأخير؛ وأكثر هؤلاء، لا يجيزون تقديم الفاعل المحصور بـ "إلا"؛ لانتفاء العلة التي أجازوا من أجلها تقديم المفعول المحصور بها؛ وهؤلاء فرقوا بين الحصر بـ "إلا" والحصر بـ "إنما"؛ فأجازوا تقديم المفعول المحصور بـ "إلا" لانتفاء اللبس، ولم يجيزوا تقديم المحصور بـ "إنما"؛ لأنه لم يَقُمْ دليل على أن المحصور هو تاليها؛ هذا، وقد أوجب الجزولي وعدد من المتأخرين تأخير المفعول المحصور بـ "إلا" والصواب ما ذكرناه.
انظر شرح التصريح: 1/ 282. وابن عقيل: 1/ 382.
1 هو: مجنون بن عامر قيس بن الملوح، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
تزودت من ليلى بتكليم ساعة
=(2/106)
وقوله1: [الطويل]
218- وتغرس إلا في منابتها النخل2
__________
= وهو من شواهد التصريح: 1/ 282، والأشموني: "373/ 1/ 177"، وابن عقيل: "148/ 2/ 103"، والهمع: "1/ 161، 230، والدرر: 1/ 143، 195، والعيني: 2/ 481، ونحوه لذي الرمة في ديوانه: 637.
المفردات الغريبة: تزودت: اتخذت زادا، والزاد: طعام يُتَّخَذُ للسفر.
المعنى: اتخذت من تكليم ليلى ساعة زادا أتبلغ به وأطفئ جذوة حبي لها؛ فلم يفدني ذلك، ولم يشف غلتي، بل زاد كلامها ما بي من وجد ولوعة.
الإعراب: تزودت: فعل ماضٍ، وفاعل. "من ليلى": متعلق بـ "تزود". "بتكليم": متعلق بـ "تزود". ساعة: مضاف إليه. فما: الفاء عاطفة، ما: نافية. زاد: فعل ماضٍٍ. إلا: أداة حصر. ضعف: مفعول به مقدم. ما: اسم موصول، مضاف إليه، "بي": متعلق بمحذوف الصلة؛ والتقدير: ما ثبت بي، ونحو ذلك. كلامها: فاعل مؤخر و"ها": مضاف إليه.
موطن الشاهد: "فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها".
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به "ضعف" المحصور بـ "إلا" على الفاعل "كلامها"؛ وهذا جائز عند الكسائي؛ والأصل: فما زاد كلامها إلا ضعف ما بي.
1 القائل هو: زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه
والبيت في مدح هرم بن سنان بن أبي حارثة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المريين بالكرم وشرف العنصر وهو من شواهد: التصريح: 1/ 282، والعيني: 2/ 482، وديوان زهير بن أبي سلمى: 115.
وقبل البيت الشاهد قوله:
فما كان من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل
المفردات الغريبة: الخطي: الرمح المنسوب إلى الخط، والخط: جزيرة ترفأ إليها سفن الرماح بالبحرين. وشيجه: جمع وشيجة، وهي العروق الملتفة من شجر الرماح.
المعنى: إن الرماح المشهورة بالجودة والصلابة، لا تتخذ إلا من شجرها الأصيل، ولا ينبت النخل إلا في المواطن الصالحة لإنمائه؛ والمراد: أن الكريم لا يأتي إلا من عنصر كريم. =(2/107)
[توسط المفعول جوازا] :
وأما توسط المفعول جوازا فنحو: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} 1، وقولك: "خاف ربه عمر" وقال2: [البسيط]
219- كما أتى رَبَّهُ موسى على قدر3
__________
= الإعراب: هل: حرف استفهام يفيد الإنكار، جاء بمعنى النفي. ينبت: فعل مضارع مرفوع. الخطي: مفعول به مقدم منصوب. إلا: أداة حصر. وشيجه: فاعل مرفوع، والهاء: مضاف إليه. وتغرس: الواو عاطفة، تغرس: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. إلا: أداة حصر. "في منابتها": متعلق بـ "تغرس". النخل: نائب فاعل مرفوع.
موطن الشاهد: "تغرس إلا في منابتها النخل".
وجه الاستشهاد: تقدم الجار والمجرور "في منابتها" على نائب الفاعل "النخل"؛ على الرغم من أن "الجار والمجرور" أتى محصورا بـ "إلا"؛ ولما كان الجار والمجرور بمنزلة المفعول، وكان نائب الفاعل بمنزلة الفاعل، جاز الاستدلال بهذا الشاهد على جواز تقديم المفعول المحصور بـ "إلا" على الفاعل، كما أسلفنا من قبل.
1 "54" سورة القمر، الآية: 41.
موطن الشاهد: {جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} .
وجه الاستشهاد: توسط المفعول به "آل" بين الفعل والفاعل؛ وحكم هذا التوسط الجواز؛ لامتناع اللبس.
2 هو: جرير بن عطية، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
جاء الخلافة أو كانت له قدرا
والبيت من كلمة لجرير يمدح فيها الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز.
وهو من شواهد التصريح: 1/ 283، والأشموني: "375/ 1/ 178"، وابن عقيل: "296/ 3/ 233"، وأمالي ابن الشجري: 2/ 317، والعيني: 2/ 485، 4/ 145، والهمع: 2/ 134، والدرر: 2/ 181، ومغني اللبيب: "95/ 89" وشرح السيوطي: 70.
المفردات الغريبة: قدرا: أي مقدرة في الأزل. على قدر أي على تقدير من الله.
المعنى: تولي عمر منصب الخلافة كان بتقدير الله تعالى؛ فانتشل المسلمين من الظلم، وأقام بينهم صرح العدل؛ كما أن موسى عليه السلام -أتى ربه وكلمه بقضائه =(2/108)
[وجوب توسط المفعول بين الفعل والفاعل] :
وأما وجوبه ففي مسألتين:
إحداهما: أن يتصل بالفاعل ضمير المفعول نحو: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} 1
__________
= وقدره؛ فأبان للخلق طريق الحق؛ ولعله يشير إلى الآية الكريمة: {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوْسَى} .
الإعراب: جاء: فعل ماضٍ، والفاعل: هو؛ يعود إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. الخلافة: مفعول به. أو: حرف عطف بمعنى الواو؛ ويروى مكانها "إذ". كانت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث، واسمه: هي، يعود إلى الخلافة. "له": متعلق بـ "قدرا". قدرا: خبر كانت منصوب. كما: الكاف حرف جر، "ما": مصدرية. أتى: فعل ماضٍ. ربه: مفعول به مقدم لـ "أتى" ومضاف إليه؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف؛ واقع مفعولا مطلقا لـ "جاء"؛ والتقدير: جاء الخلافة إتيانا مثل إتيان موسى. موسى: فاعل مؤخر لـ "أتى". "على قدر": متعلق بـ "أتى".
موطن الشاهد: "أتى ربَّهُ مُوسى".
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به "ربه" على الفاعل "موسى" وقد أعاد الضمير المتصل بالمفعول المتقدم على الفاعل المتأخر لفظا؛ وهذا شائع في كلام العرب؛ لأن الضمير عاد على متأخر لفظا، ولكنه متقدم رتبة، ويسمى هذا بالمتقدم حُكْمًا وإلى هذا أشار الناظم:
وشاع نحو "خاف ربَّه عُمَرْ ... وشذ نحو "زان نورُه الشَّجَرْ
أي: شاع في الأساليب العربية عود الضمير من المفعول المتقدم على فاعله المتأخر، نحو: خاف ربَّه عمر؛ وشذ عود الضمير من الفاعل المتقدم على مفعوله المتأخر، نحو: زان نوره الشجر؛ لأنه يكون عائدا على متأخر لفظا ورتبة، وهذا ممتنع، لا يقاس عليه. خلافا للأخفش وابن جني وغيرهما، كما في المتن.
انظر شرح التصريح: 1/ 283.
1 "2" سورة البقرة، الآية: 124.
موطن الشاهد: {ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} .
وجه الاستشهاد: "تقدم المفعول به على الفاعل؛ لِاتصال ضمير يعود إلى المفعول بالفاعل؛ وحكم تقدم المفعول في هذه الحالة الوجوب؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.(2/109)
{يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} 1، ولا يجوز أكثر النحويين نحو: "زان نوره الشجر" لا في نثر ولا في شعر، وأجازه فيهما الأخفش وابن جني2 والطوال3 وابن مالك، احتجاجا بنحو قوله4: [الطويل]
220- جزى ربُّه عني عديَّ بن حاتِمِ5
والصحيح جوازه في الشعر فقط.
__________
1 "40" سورة غافر، الآية: 52.
موطن الشاهد: {لَا يَنْفَع ُالظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} .
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول "الظالمين" على الفاعل معذرتهم؛ لِاتصال ضمير يعود إلى المفعول بالفاعل، كما في الآية السابقة؛ والحكم نفسه أيضا.
2 مرت ترجمة كل منهما.
3 هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله الطوال النحوي، من أهل الكوفة، وأحد أصحاب الكسائي والفراء، حدث عن الأصمعي، وقدم بغداد وقرأ فيها، وكان حاذقا بارعا في إلقاء المسائل العربية، ولم يشتهر له تصانيف. مات سنة: 343 هـ. الأعلام: 7/ 93، معجم المؤلفين 10/ 231، في البلغة: محمد بن عبد الله بن قادم؛ البلغة: 227، بغية الوعاة: 1/ 140، إنباه الرواة: 3/ 156 وله هنا كتاب: الملوك، وكتاب غريب الحديث، وترجم له باسم: محمد بن قادم ص244.
4 القائل هو: أبو الأسود الدؤلي: ظالم بن عمرو بن سفيان الديلي "يقال الدؤلي" قبيلة من كنانة بصري، وأحد سادات التابعين، صحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وشهد معه صفين يشهد له بسداد عقله وحسن رأيه، وهو أول من وضع علم النحو، وكان ورعا ديِّنًا يغزو عاما، ويحج عاما، وهو يعد من الشعراء والتابعين والمحدثين والنحاة، مات سنة 99 هـ وله 85 عاما. الشعر والشعراء: 2/ 729، وفيات الأعيان: 2/ 535، تهذيب ابن عساكر: 7/ 104، الخزانة: 1/ 134.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
جزاء الكلاب العاويات، وقد فَعَلْ
وهو في هجاء عدي بن حاتم الطائي.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 283، والأشموني: "380/ 1/ 178"، وابن عقيل: "152/ 2/ 108"، والأغاني: 11/ 111، والخصائص: 1/ 294، والعيني: 2/ 483، والهمع: 1/ 66، والدرر: 1/ 44، والعمدة: 1/ 94، وأمالي ابن الشجري: 1/ 102، وشرح المفصل: 1/ 76، والخزانة: 1/ 134، وجمل الزجاجي: 131، وشذور=(2/110)
.........................................................................
__________
= الذهب "66/ 186"، وديوان النابغة "مفردا": 79، وملحقات ديوان أبي الأسود: 124.
المفردات الغريبة: العاويات: الصائحات، من عوى الكلب إذا صاح. وقد فعل: أي أنه سبحانه وتعالى استجاب دعاءه، وجزاء الكلاب العاويات -ويروى العاديات- هو: الضرب والرمي بالحجارة، وقيل إنه دعاء عليه بالأبنة؛ لأن الكلاب تتعاوى عند طلب السفاد؛ هذا وإن عده العلماء من الكنايات الجميلة من الهجاء؛ إلا أن عدي بن حاتم صحابي جليل لا يقال فيه مثل ذلك الهجاء، وإن صح فلعله كان في زمن الجاهلية قبل أن يسلم.
المعنى:
الإعراب: جزى: فعل ماضٍ. ربه: فاعل مرفوع، ومضاف إليه. "عني": متعلق بـ "جزى". عدي: مفعول به لـ "جزى". ابن: صفة لـ "عدي"، وهو مضاف. حاتم: مضاف إليه. جزاء: مفعول مطلق من "جزى"، وهو مضاف. الكلاب: مضاف إليه. العاويات: صفة لـ "الكلاب". وقد الواو حالية. قد حرف تحقيق. فعل: فعل ماضٍ، وسكن للروي؛ والفاعل: هو؛ وجملة "فعل": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "جزى ربُّه عديَّ".
وجه الاستشهاد: اشتمال الفاعل المتقدم "ربه" على ضمير يعود إلى المفعول المتأخر لفظا ورتبة؛ وحكم تقدم الفاعل في هذه الحالة الشذوذ عند الجمهور، ولهذا أشار الناظم:
وشذ نحو "وزان نوره الشجر"
كما أسفلنا.
غير أن بعض النحاة يجيزون ذلك في الشعر من دون النثر، وهذا ما أخذ به ابن هشام الأنصاري؛ وبعضهم أجاز ذلك في الشعر والنثر، وقد ذكر المؤلف في المتن عددا منهم؛ والصواب ما ذهب إليه ابن هشام، وهو جواز تقدم الفاعل على المفعول في هذه الحالة في الشعر فقط؛ لكثرة الشواهد الواردة عمن يُحتَجُّ بكلامهم، ومنها؛ قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
ولو أن مجدًا أخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجدُهُ الدهر مطعما
وقوله الآخر:
وما نفعت أعماله المرء راجيا ... عليها ثوابا من سوى من له الأمر
وقول سليط بن سعد:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فِعْلٍ؛ كما يُجزَى سِنِمَّارُ
وقول آخر:
كساحلمه ذا الحلم أثواب سؤدد ... ورقى نداه ذا الندى في ذرى المجد
والأمثلة على هذا كثيرة؛ ومعلوم أن ما جاء منه في الشعر، يكون ضرورة، فلها يقاس عليه.
انظر شرح التصريح: 1/ 283.
وحاشية الصبان: 2/ 59.
وابن عقيل: 1/ 286-390.(2/111)
والثانية: أن يحصر الفاعل بإنما، نحو: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 1 وكذا الحصر بإلا عند غير الكسائي2، واحتج بقوله3: [البسيط]
221- ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم ... ولا جفا قط إلا جبا بطلا4
__________
1 "35" سورة فاطر، الآية: 28.
موطن الشاهد: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} .
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به الواقع لفظ جلالة في الآية الكريمة على الفاعل "العلماء" وحكم تقدمه الوجوب؛ لانحصار الفاعل بـ "إنما"؛ لأن المعنى: ما يخشى الله من عباده إلا العلماء.
2 مرت ترجمته.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: البيت من شواهد التصريح: 1/ 284، والأشموني: "372/ 1/ 177"، والهمع: 1/ 161، والدرر: 1/ 143، والعيني: 2/ 487.
المفردات الغريبة: عاب: من العيب، وهو أن تذكر المتكلم فيه بالذم والثلب. لئيم: المراد به الشحيح البخيل؛ بدليل مقابلته بذي الكرم. جفا: من الجفاء. وهو البعد وعدم الصلة. جبأ: جبان. بطلا: شجاعا.
المعنى: لا يعيب عمل الكرام إلا الأشحاء اللئام، ولا يبتعد عن الأبطال الشجعان إلا الجبناء؛ لأنه لا تآلف بين أصحاب الصفات المتنافرة.
الإعراب: ما: نافية. عاب: فعل ماضٍ. إلا: أداة حصر. لئيم: فاعل مرفوع. فعل: مفعول به. ذي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. كرم: مضاف إليه. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. جفا: فعل ماضٍ. "قط": متعلق بـ "جفا"؛ ظرف زمان مبني على الضم في محل نصب. إلا: أداة حصر. جبا: فاعل "جفا" مرفوع. بطلا: مفعول به لـ "جفا" منصوب.
موطن الشاهد: "ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم، ولا جفا إلا جبأ بطلا".
وجه الاستشهاد: "تقدم الفاعل المحصور بـ "إلا" في الموضعين؛ وهذا التقدم ممنوع عند الجمهور؛ فهم لا يجوزون تقديم المحصور بـ "إلا" إلا إذا كان مفعول، كما بينا سابقا؛ ويعربون فعل "لئيم" و"بطلا" في هذا الشاهد: مفعولا به لمحذوف يدل عليه المذكور؛ غير أن الكسائي أجاز تقدم الفاعل المحصور واحتج بهذا الشاهد وأمثاله.(2/112)
وقوله1: [البسيط]
222- وهل يعذِّبُ إِلَّا اللهُ بالنارِ2
__________
1 القائل: هو يزيد بن الطثرية القشيري؛ والطثرية أُمُّهُ، واسم أبيه سلمة بن سمرة بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ويزيد شاعر أموي مقدم عندهم، يعرف بأنه كامل الأدب، وافر المروءة لا يعاب ولا يطعن عليه؛ كان سخيا شجاعا؛ له محل في قومه، مع فصاحة وتعقل. الشعر والشعراء: 1/ 427، والأغاني: 7/ 104، وابن خلكان: 2/ 395، واللآلى: 103.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
نبئتهم عذبوا بالنار جارتهم
وروى أبو الفرج الأصبهاني قبله:
يا سخنة العين للجرمي إذ جمعت ... بيني وبين نوار وحشة الدار
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 284، والعيني: 2/ 492.
المفردات الغريبة: نبئت: أخبرت. جارهم: الجار: من يجاورك في المسكن، أو من أجرته واستجار بك من ظلم.
المعنى: أخبرت وأعلمت أن هؤلاء الناس يعذبون جيرانهم؛ أو من استجار بهم بالنار، وذلك بدل من أن يغيثوه ويكرموه؛ وهذا عمل شائن؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا الله تعالى.
الإعراب: نبئتهم: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول. و"هم": ضمير متصل في محل نصب مفعول به ثانيا. عذبوا: فعل ماضٍ وفاعل. "بالنار": متعلق بـ "عذبوا". جارهم: مفعول به، ومضاف إليه؛ وجملة "عذبوا": في محل نصب مفعول به ثالثا لـ "نبأ". وهل: الواو عاطفة، هل: حرف استفهام يفيد الإنكار بمعنى "ما". يعذب: فعل مضارع. إلا: أداة حصر. الله: فاعل مرفوع. "بالنار": متعلق بـ "يعذب.
موطن الشاهد: "هل يعذب إلا الله بالنار".
وجه الاستشهاد: "تقدم الفاعل المحصور بـ "إلا"؛ وهو لفظ الجلالة على الجار والمجرور "بالنار" ومعلوم أن الجار والمجرور بمنزلة المفعول؛ وهذا، كما في الشاهد السابق حجة للكسائي، وممنوع لدى الجمهور؛ فهم يقولون: إن قوله "بالنار" متعلق بفعل محذوف، يدل عليه المذكور -كما سبق- والتقدير: لا يعذب إلا الله يعذب بالنار؛ وظاهر أن هذا تكلف لا داعي له؛ والأفضل ما ذهب إليه الكسائي.(2/113)
وقوله1: [الطويل]
223- فلمْ يَدْرِ إلا الله ما هَيَّجَتْ لَنَا2
__________
1 القائل: هو: غيلان بن عقبة، المعروف بذي الرمة وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
عشيةَ آناءُ الديارِ وشامُهَا
وهو من قصيدة طويلة لذي الرمة وأولها قوله:
مررنا على دار لمية مرة ... وجاراتها قد كاد يعفو مقامها
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 284، والأشموني: "371/ 1/ 177"، وابن عقيل: "147/ 2/ 101"، وهمع الهوامع: 1/ 161، والدرر اللوامع: 1/ 143، والمقرب: 5، والعيني: 2/ 493، وديوان ذي الرمة: 636 وفيه برواية:
أهلَّةَ آناء الديار وشامها
المفردات الغريبة: هيجت: أثارت، آناء، ويروى أناء: جمع نؤي، وهو الحفيرة التي تحفر حول الخباء لتمنع عنه المطر. شامها؛ الشام: جمع شامة وهي العلامة.
المعنى: لا يعلم إلا الله تعالى ما أثارته في نفوسنا آثار ديار المحبوبة ورسومها من الشوق واللوعة والحنين إليها.
الإعراب: لم: جازمة نافية. يدر: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. إلا: أداة حصر. الله "لفظ الجلالة": فاعل مرفوع. ما: اسم موصول، مفعول به صلة للموصول، لا محل لها؛ والعائد إلى الاسم الموصول محذوف؛ والتقدير: ما هجيته لنا. "عشية": متعلق بـ "هيج"؛ وعشية، منون حذف تنوينه للضرورة. آناء: فاعل مرفوع؛ وقد وصل فيه همزة القطع، وآناء: مضاف. والديار: مضاف إليه. وشامها: الواو عاطفة، شامها: معطوف على آناء، و"ها": مضاف إليه.
موطن الشاهد: "لم يدر إلا الله ما هيجت".
وجه الاستشهاد: تقدم الفاعل المحصور بـ "إلا" على المفعول؛ وهذا الشاهد كسابقيه حجة للكسائي، ومنعه الجمهور، وأعربوا "ما" اسما موصولا واقعا مفعولا به لمحذوف دل عليه المذكور، والتقدير: فلم يدر إلا الله درى ما هيجت لنا؛ وفي هذا التقدير تكلف لا داعي إليه، كما أسلفنا.(2/114)
[جواز تقدم المفعولين على الفعل والفاعل معا] :
وأما تقدم المفعول جوازا فنحو: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} 1.
[تقدم المفعول على الفعل والفاعل وجوبا] :
وأما وجوبا ففي مسألتين:
إحداهما: أن يكون مما له الصدر2، نحو: {فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} 3، {أَيًّا مَا تَدْعُوا} 4.
الثانية: أن يقع عامله بعد الفاء5، وليس له منصوب غيره مقدم عليها، نحو:
__________
1 "2" سورة البقرة، الآية: 87.
موطن الشاهد: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} .
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به "فريقا" في الموضعين على الفعلين وفاعليهما معا؛ وحكم هذا التقدم الجواز.
2 أي اسما له الصدر في جملته؛ كأن يكون اسم استفهام، أو اسم شرط، وكذلك إذا كان مضافا لاسم له الصدارة، نحو: صديق من قابلت؟ وصاحب أي صديق تكرم أكرم.
3 "40" سورة غافر، الآية: 81.
موطن الشاهد: "أي آيات الله تنكرون".
وجه الاستشهاد: "تقدم المفعول به الواقع اسم استفهام على الفعل والفاعل معا؛ وحكم هذا التقدم الوجوب؛ لأن أسماء الاستفهام لها الصدارة في الكلام.
4 "17" سورة الإسراء، الآية: 110.
موطن الشاهد: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} .
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به الواقع اسم شرط جازم، وهو "أيا" على الفعل والفاعل معا؛ وحكم هذا التقدم الوجوب؛ لأن أسماء الشرط، لها الصدارة في الكلام.
5 أي فاء الجزاء، وذلك في جواب "أما" الظاهرة أو المقدرة؛ ويشترط ألا يفصل بين أما والفاء بشيء آخر.(2/115)
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} 1، ونحو: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} 2 بخلاف: "أما اليوم فاضرب زيدا"3.
تنبيه: إذا كان الفاعل والمفعول ضميرين ولا حصر في أحدهما وجب تقديم الفاعل كضربته، وإذا كان المضمر أحدهما: فإن كان مفعولا وجب وصله وتأخير الفاعل كضربني زيد، وإن كان فاعلا وجب وصله وتأخير المفعول أو تقديمه على الفعل كضربت زيدا، وزيدا ضربت، وكلام الناظم يوهم امتناع التقديم؛ لأنه سوى بين هذه المسألة ومسألة: "ضرب موسى عيسى" والصواب ما ذكرنا4.
__________
1 "74" سورة المدثر، الآية: 3.
موطن الشاهد: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} .
وجه الاستشهاد: "تقدم المفعول به على عامله "كبر"؛ لوقوع العامل بعد الفاء، وحكم تقدم المفعول هنا الوجوب؛ ولا بد من تقدير "أما" في الآية؛ لأن المعنى: وأما ربك فكبر.
2 "93" سورة الضحى، الآية: 9.
موطن الشاهد: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تقهر} .
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول "اليتيم" على فعل تقهر؛ وحكم هذا التقدم الوجوب؛ لِيكون فاصلا بين أما والفعل؛ لأن الفعل -وخاصة المقرون بفاء الجزاء- لا يلي "أما" ولا يقال: إن ما بعد فاء الجزاء، لا يعمل فيما قبلها، فكيف عملت هنا؟ فالجواب: ذلك ممنوع، إذا كانت الفاء في موضعها الأصلي، وهي هنا مؤخرة من تقديم. فكان من حقها أن تدخل على المفعول المتقدم.
انظر شرح التصريح: 1/ 285.
3 لا يجب تقديم المفعول هنا؛ لأن العامل؛ وهو فعل الأمر، له منصوبان، وهما الظرف والمفعول به؛ فتقدم الظرف، وحصل الفصل به بين الفعل و"أمَّا" فاستغنى عن تقديم المفعول. انظر شرح التصريح: 1/ 285.
4 أي: من جواز نحو: زيدا ضربت؛ لعدم اللبس، وامتناع نحو: عيسى ضرب موسى؛ لئلا يتوهم أن "عيسى" مبتدأ و"ضرب" وضميره خبر، وموسى مفعول. هذا ويمتنع تقديم المفعول على عامله: إذا كان مفعولا "لأفعل" في التعجب نحو: ما أجمل الصدق. أو مفعولا لفعل مؤكد بالنون، نحو: خالفنَّ هواك. أو كان عامله مسبوقا بقد أو سوف، نحو: "قد يدرك المتأني بعض حاجته" سوف أعمل الخير ما استطعت =(2/116)
.........................................................................
__________
= أو بلفظ "لقما" أو "ربما" وغير ذلك من المواضع. والخلاصة فيما تقدم:
1- يجب تقديم الفاعل على المفعول في ثلاث مسائل:
أ- أن يخشى اللبس بينهما.
ب- أن يكون المفعول محصورا فيه.
ج- أن يكون كل من الفاعل والمفعول ضميرين متصلين.
2- ويجب توسط المفعول في ثلاث مسائل أيضا:
أ- أن يكون الفاعل ملتبسا بضمير المفعول.
ب- وأن يكون الفاعل محصورا فيه.
ج- أو أن يكون المفعول ضميرا متصلا والفاعل اسما ظاهرا.
3- ويجب تقديم المفعول على عامله في مسألتين:
أ- أن يكون له صدر الكلام.
ب- وأن يكون معمولا لما بعد الفاء بشرطه المتقدم.
4- ويجب تأخير الفاعل: إذا كان المفعول ضميرا متصلا، والفاعل اسما ظاهرا.
ويلاحظ: أن المواضع التي يتقدم فيها الفاعل وجوبا هي عينها المواضع التي يتأخر فيها المفعول وجوبا.
والمواضع التي يجب فيها تقديم المفعول على عامله هي المواضع التي يتأخر فيها الفاعل وجوبا ويمتنع تقديمه عليه. ولا يجوز تقديم الفاعل على عامله مطلقا.
خاتمة:
لا يجيز الجمهور عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة. وخالفهم الأخفش وابن مالك وغيرهما في ذلك. وهنالك مواضع يعود فيها الضمير على متأخر لفظا ورتبة؛ لحكمة بلاغية لا ينكرها الجميع، وهي:
1- الضمير المرفوع بنعم وبئس، نحو: نعم رجلا محمد. وبئس رجلا أبو جهل؛ بناء على أن المخصوص مبتدأ لخبر محذوف. أما على أنه مبتدأ وخبره الجملة قبله -فهو مما عاد فيه الضمير على متقدم رتبة.
2- الضمير المرفوع بأول المتنازعين المعتمل ثانيهما، نحو: جفوني ولم أجفُ الأخلاء. وسيأتي القول في ذلك، وخلاف البصريين والكوفيين فيه.
3- ضمير الشأن والقصة، كما تقدم في باب المبتدأ والخبر، نحو: قوله: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
4- الضمير المجرور برب، نحو: ربه رجلا. ويجب أن يكون بعده نكرة تميزه وتفسره، وأن يكون هو مفردا مذكرا فيقال: ربه امرأة -لا ربها.
5- الضمير الواقع مبتدأ، والمخبر عنه باسم ظاهر يفسره -غير ضمير الشأن- نحو: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} ،=(2/117)
.........................................................................
__________
= والضمير فيه راجع إلى الموصوف، وهو الحياة بقطع النظر عن الصفة.
6- الضمير المبدل منه الظاهر المفسر له، نحو أكرمته محمدا.
انظر شرح التصريح: 1/ 258-286، وحاشية الصبان: 2/ 60-61، وضياء السالك: 2/ 36.
فائدة: هنالك أفعال لا تحتاج إلى فاعل مطلقا، منها: "كان" الزائدة مثل: الفقر -كان- مذلة. والفعل المؤكد لفعل قبله توكيدا لفظيا، نحو: ظهر الحق. والأفعال التي تتصل بها "ما" الكافة مثل: طالما، قلما، كثرما. وقد أشرنا سابقا إلى أن "ما". كافة عن العمل.
وبعض المحققين يعرب "ما" مصدرية، والمصدر منها ومن صلتها في محل رفع فاعل؛ وذلك التزاما للأصل الذي يقضي بأن يكون لكل فعل أصلي فاعل.
ففي مثل: طالما أديت الواجب، يكون التقدير: طال أداؤك الواجب وهكذا ... إلخ. ضياء السالك: 2/ 36.(2/118)
[باب النائب عن الفاعل] :
هذا باب النائب عن الفاعل:
[أسباب حذف الفاعل:]
قد يحذف الفاعل؛ لِلجهل به1 كـ: "سرق المتاع" أو لغرض لفظي كتصحيح النظم في قوله2: [البسيط]
224- علقتها عرضا، وعلقت رجلا ... غيري، وعلق أخرى ذلك الرجل3
__________
1 أو بنية الإيجاز في العبارة، كقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} أو للماثلة بين حركات الحروف الأخيرة في السجع، نحو: "من طابت سريرته حمدت سيرته".
أو للمحافظة على وزن الشعر في الكلام المنظوم نحو بيت الأعشى المستشهد به.
2 المراد الأعشى، ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: البيت من لامية الأعشى والتي تعد من المعلقات عند من يزيدها على السبع، ومطلعها قوله:
ودِّعْ هريرةَ؛ إن الركب مرتحلُ ... وهل تطيق وداعا أيها الرَّجُلُ؟
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 286، والعيني: 2/ 504، وديوان الأعشى: 43.
المفردات الغريبة: علقتها: أحببتها وتعلقت بها. عرضا: أي من غير قصد وتعمد، وقال ابن السكيت في قوله: علقتها عرضا: أي كانت عرضا من الأعراض اعترضني من غير أن أطلبه.
المعنى: حبب الله إلي هريرة، وعلقت بها حين اعترضني من غير قصد ولا تعمد مني لرؤيتها، وحببها في رجل غيري، وحبب إلي ذلك الرجل امرأة أخرى؛ فكل تعلق قلبه بشخص لم يعبأ به، ولم يلتفت إليه.
الإعراب: علقتها: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل وهو المفعول الأول، و"ها": مفعول به ثانٍ. عرضا: مفعول مطلق؛ لبيان نوع العامل. وعلقت: الواو عاطفة. علقت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء للتأنيث؛ ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي، يعود إلى هريرة؛ وهو المفعول الأول. رجلا: =(2/119)
أو معنوي كأن لا يتعلق بذكره غرض، نحو: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} 1، {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} 2، {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا} 3.
[ما ينوب عن الفاعل أحد أربعة أشياء] :
فينوب عنه في رفعه، وعمديته، ووجوب التأخير عن فعله، واستحقاق للاتصال به، وتأنيث الفعل لتأنيثه، واحد من أربعة4:
__________
= مفعول به ثان. غيري: صفة لـ "رجلا" ومضاف إليه. وعلق: الواو عاطفة، علق: فعل ماضٍ مبني للمجهول، أخرى: مفعول به مقدم. ذلك: "ذا" اسم إشارة في محل رفع نائب فاعل؛ وهو المفعول الأول، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب. الرجل: بدل من اسم الإشارة.
موطن الشاهد: "علقتها، علقت، علق".
وجه الاستشهاد: بنى الشاعر الأفعال الثلاثة للمجهول، بعد أن حذف الفاعل للعلم به؛ وهو الله تعالى؛ وذلك لقصد تصحيح النظم؛ لأنه لو قال: علقني الله إياها، وعلقها رجلا غيري؛ وعلق الله أخرى ذلك الرجل، لطال الكلام، ولما استقام الوزن.
1 "2" سورة البقرة، الآية: 166.
موطن الشاهد: {أُحْصِرْتُمْ} .
وجه الاستشهاد: بني الفعل "أحصر" للمجهول، وحذف الفاعل لغرض معنوي؛ لأنه لا يتعلق بذكره غرض أو قصد؛ وليس الغاية من هذا الفعل إسناده إلى فاعل مخصوص؛ بل إلى أي فاعل كان.
2 "4" سورة النساء، الآية: 86.
موطن الشاهد: {حُيِّيتُمْ} .
وجه الاستشهاد: حذف الفاعل لغرض معنوي كما في الآية السابقة.
3 "58" سورة المجادلة، الآية: 11.
موطن الشاهد: {قِيلَ} .
وجه الاستشهاد: حذف الفاعل لغرض معنوي كما في الآيتين السابقتين.
4 يفهم من هذه العبارة أنه لا يجوز أن ينوب عن الفاعل اثنان أو أكثر؛ وذلك لأنه كما لا يكون للفعل إلا فاعل واحد، لا يكون للفعل المبني إلا نائب فاعل واحد.
ومعلوم أن إسناد الفعل المبني للمجهول إلى نائب الفاعل؛ له صورتان:
إحداهما: إسناده إلى المفعول الذي تحول إلى نائب فاعل، وهذه حقيقة عقلية كإسناد الفعل المبني للمعلوم إلى الفاعل.
الثانية: إسناده إلى غير المفعول به كالظرف الزماني أو المكاني، والمصدر، والجار والمجرور فمجاز؛ لأنهم يعرفون الحقيقة الفعلية بأنها: "إسناد الفعل أو ما هو بمعناه إلى ما بني له"؛ ومعلوم أن الفعل المبني للمجهول إنما بني للمفعول كما أن الفعل المبني للمعلوم بني للفاعل، ولم يبن واحد منهما للزمان، أو للمكان، أو المصدر؛ لهذا كان إسناد المبني للمعلوم وإسناد المبني للمجهول إلى الزمان أو المكان أو المصدر مجازا عقليا. انظر حاشية الشيخ يس: 1/ 287.(2/120)
الأول: المفعول به، نحو: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} 1.
الثاني: المجرور، نحو: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} 2، وقولك: "سِيرَ بِزيدٍ".
وقال ابن درستويه3 والسهيلي4 وتلميذه الرندي5: النائب ضمير المصدر لا المجرور؛ لأنه لا يتبع على المحل بالرفع، ولأنه يقدم، نحو: {كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} 6، ولأنه إذا تقدم لم يكن مبتدأ، وكل شيء ينوب عن الفاعل فإنه إذا تقدم
__________
1 "11" سورة هود، الآية: 44.
موطن الشاهد: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} .
وجه الاستشهاد: حذف الفاعل وأنيب عنه المفعول به في الموضعين؛ لِلعلم به، والأصل: أغاض الله الماء، وقضى الله الأمر؛ فصار المفعول به مرفوعا عمدة واجب التأخير عن الفعل.
2 "7" سورة الأعراف، الآية: 149.
موطن الشاهد: {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} .
وجه الاستشهاد: استشهد الجمهور بالآية الكريمة على مجيء الجار والمجرور نائب فاعل؛ لأن المجرور بالحرف مفعول به معنى؛ ولذا تصح نيابته عن الفاعل خلافا لمن ذكرهم المؤلف في المتن.
3 مرت ترجمته.
4 مرت ترجمته.
5 هو: أبو علي عمر بن عبد المجيد الرندي -نسبة إلى رندة، حصن أو قرية في الأندلس- كان أستاذا في النحو، من تلاميذ السهيلي، قرأ عليه القراءات. له شرح على جمل الزجاجي، اسمه الفاخر ورَدَّ على ابن خروف منتصرا لشيخه السهيلي، وهو هو مقرئي كتاب سيبويه، مات سنة 610 هـ.
البلغة: 172، بغية الوعاة: 2/ 220، طبقات القراء: 1/ 594، معجم المؤلفين: 7/ 295.
6 "17" سورة الإسراء، الآية: 36.
موطن الشاهد: {عَنْهُ مَسْؤُولًا} .
وجه الاستشهاد: استشهد المخالفون للجمهور بهذه الآية على عدم مجيء "الجار والمجرور" نائب فاعل؛ لأنه لو كان "عنه" نائب فاعل؛ لما تقدم على عامله "مسؤولا"؛ ومعلوم أن الفاعل لا يتقدم على عامله، فنائبه كذلك؛ لأنه لا يتقدم الفرع إلا حيث يتقدم الأصل.(2/121)
كان مبتدأ، ولأن الفعل لا يؤنث له في نحو: "مُرَّ بِهِنْدٍ".
ولنا قولهم: "سير بزيد سيرا" وأنه إنما يراعى محل يظهر في الفصيح، نحو: "لست بقائمٍ ولا قاعدًا" بخلاف نحو: "مررت بزيد الفاضلَ" بالنصب، أو: "مُرَّ بزيد الفاضلُ" بالرفع، فلا يجوزان؛ لأنه لا يجوز: "مررت زيدًا" ولا: "مُرَّ زيدٌ" والنائب في الآية ضمير راجع إلى ما رجع إليه اسم كان، وهو المكلف، وامتناع الابتداء؛ لعدم التجرد، وقد أجازوا النيابة في: "لم يضرب من أحد" مع امتناع: "من أحد لم يضرب" وقالوا في: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 1: إن المجرور فاعل مع امتناع: "كَفَتْ بِهند"2.
__________
1 "4" سورة النساء، الآية: 79.
موطن الشاهد: {كَفَى بِاللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الفاعل "لفظ الجلالة" مجرورا بالباء الزائدة؛ لأن الأصل: كفى اللهُ شهيدًا.
2 هذا رد للشبهة الرابعة، وهي أن الفعل لا يؤنث للجار والمجرور كما في "مر بهند"، فقد امتنع أن يقال: "كفت بهند" بالتأنيث مع أن الفاعل في الآية مجرور بحرف جر زائد؛ فمن باب أولى إذا جر بحرف جر أصلي. ضياء السالك: 2/ 42، وشرح التصريح: 1/ 287-288.
فائدة: احتج المانعون نيابة "الجار والمجرور" عن الفاعل بأربعة أدلة هي:
أ- لو جاز للجار والمجرور أن يكون نائب فاعل؛ لجاز أن يجيء التابع للمجرور صفة، أو عطف بيان مرفوعا.
ب- إن "الجار والمجرور" يتقدم على العامل الذي يتطلب نائب فاعل، كما في الآية الكريمة: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} ، ولو كان نائبا عن الفاعل، لما جاز له أن يتقدم على العامل فيه؛ كما أن الفاعل، لا يجوز أن يتقدم على الفعل والعامل فيه.
ج- إن "الجار والمجرور" إذا تقدم على العامل، لا يصح جعله مبتدأ؛ فلما لم يصح جعله مبتدأ إذا تقدم، فلا يجوز أن يجعل نائبا عن الفاعل.
د- إن الفعل لا يؤنث إذا كان المجرور مؤنثا نحو "مُرَّ بهند"، ولو كان الجار والمجرور ينوب عن الفاعل؛ لوجب تأنيث الفعل؛ لأن نائب الفاعل يأخذ حكم الفاعل في تذكير الفعل وتأنيثه.(2/122)
الثالث: مصدر مختص1، نحو: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 2، ويمتنع نحو: "سِيرَ سَيرٌ" لعدم الفائدة3، فامتناع سير4 على إضمار السير أحق5، خلافا لمن أجازه، وأما قوله6: [الطويل]
225- وقالت متى يُبْخَلْ عليك ويُعتَلَلْ7
__________
1 أي مفيد معنى زائدا على معناه المبهم؛ وهو الحدث المجرد؛ ليكون في الإسناد إليه فائدة، ويكون ذلك بتقييده بوصف أو إضافة أو عدد؛ وكالمصدر اسمه.
ويشترط كذلك: أن يكون كل منهما متصرفا؛ أي لا يلازم النصب على المصدرية، كمعاذ وسبحان؛ لأن وقوع أحدهما نائب فاعل يخرجه عن النصب الواجب له.
التصريح: 1/ 289.
2 "69" سورة الحاقة: 13.
موطن الشاهد: {نَفْخَةٌ} .
وجه الاستشهاد: "وقوع "نفخة" نائب فاعل، وهو مصدر متصرف مختص؛ فهو متصرف؛ لكونه مرفوعا، ومختصا؛ لكونه موصوفا بـ "واحدة"؛ وحكم مجيئه نائب فاعل في هذه الحال الجواز.
3 لأن معناه المبهم مستفاد من الفعل، فكأنه جاء لتأكيد معنى فعله، وذلك غير مقصود من الإسناد.
4 أي بالبناء للمجهول؛ على أن يكون نائب فاعله ضمير المصدر المستفاد من الفعل.
والتقدير: سير هو -أي السير.
5 أي: أولى بالمنع؛ لأن ضمير المصدر أكثر إبهاما من الظاهر. أما على إضمار يعود على سير مخصوص مفهوم من غير العامل فجائز.
6 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
يسؤْكَ، وإن يكشف غرامَك تَدْرَبِ
والبيت من القصيدة التي بارى فيها الشاعر علقمة الفحل، وتحاكما إلى أم جندب، فحكمت لعلقمة. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 289، والأشموني: "385 ج1/ 182" ومغني اللبيب: "905/ 670" والعيني: 4/ 506، وديوان امرئ القيس: 42. =(2/123)
فالمعنى: ويعتلل الاعتلال المعهود، أو اعتلال، ثم خصصه بعليك أخرى محذوفة للدليل، كما تحذف الصفات المخصصة1، وبذلك يوجه: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} 2.
__________
= المفردات الغريبة: يبخل عليك، المراد: أنهم لا ينيلونه ما يريد. يعتلل: يعتذر، والاعتلال: الاعتذار. يسؤك: يحزنك ويغضبك. غرامك، الغرام: شدة الحب. تدرب: تعتد، من الدرية وهي الاعتياد.
المعنى: يتحدث الشاعر عن تلك المحبوبة التي قالت: إذا ضننت عليك بالوصل، وهجرتك، واعتذرت عن مقابلتك؛ أحزنك ذلك وأغضبك، وأن وصلتك؛ اعتدت ذلك وأكثرت منه؛ ولم تستطع الصبر، وربما علم الناس بذلك، فيفتضح أمرنا؛ فهي لا تقطع وصله لئلا ييأس، ولا تصله كثيرا؛ لئلا يعتاد الوصال، ويطلبه في كل حين.
الإعراب: قالت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث؛ والفاعل: هي. متى: اسم شرط جازم. يبخل: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم؛ لأنه فعل الشرط. "عليك": متعلق بـ "يبخل" في محل رفع نائب فاعل. ويعتلل: الواو عاطفة، يعتلل: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم: لأنه معطوف على فعل "يبخل" المجزوم؛ نائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ أو أن يكون نائب الفاعل مصدرا مشتقا من الفعل محلّىً بـ "أل" العهدية؛ كأن يقال: ويعتلل الاعتلال المعهود، يسؤك: فعل مضارع مجزوم؛ لأنه جواب الشرط، والفاعل: هو، و"الكاف": مفعول به. وإن: الواو عاطفة. إن: حرف شرط جازم. يكشف: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم؛ لأنه فعل الشرط. غرامك: نائب فاعل، و"الكاف": مضاف إليه. تدرب: فعل مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للشرط، والفاعل أنت.
موطن الشاهد: "يعتلل".
وجه الاستشهاد: مجيء نائب فاعل هذا الفاعل المبني للمجهول ضمير مصدر مختص بـ "أل" العهدية؛ أو بوصف محذوف مدلول عليه بالجار والمجرور -عليك- المذكور مع الفعل السابق -كما بين المؤلف في المتن- وليس الضمير عائدا على مصدر مبهم من الفعل؛ أي يعتلل اعتلال، كما يقول به جماعة من النحاة؛ لأن نيابة المصدر المبهم ممنوعة عند الجمهور.
1 أي للموصوفات إذا دل عليها دليل، نحو قوله تعالى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} -أي نافعا- بدليل: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} .
التصريح: 1/ 289.
2 "34" سورة سبأ، الآية: 54.
موطن الشاهد: {حِيلَ بَيْنَهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء نائب الفاعل ضميرا يعود إلى المصدر المقترن بـ "أل" العهدية؛ والتقدير: حيل هو؛ أي: الحول المعهود أو حول بينهم؛ وليس النائب الظرف؛ لأنه غير متصرف عند جمهور البصريين، وروي عن الأخفش أنه أجاز أن يكون الظرف في موضع رفع نائب فاعل، وانظر شرح التصريح: 1/ 290.(2/124)
وقوله1: [الطويل]
226- فيا لك من ذي حاجة حيل دونها2
__________
1 هو: طرفة بن العبد البكري، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
وما كل ما يهوى امرؤ هو نائله
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 290، والأشموني: "386/ 1/ 183"، والعيني: 2/ 510، وديوان طرفة: 41.
المفردات الغريبة: حيل: حجز ومنع، من الحيلولة. يهوى: يريد ويحب. نائله: مدركه وواصل إليه -من نال إذا أصاب.
الإعراب: فيالك: الفاء عاطفة، يا: حرف تنبيه؛ أو حرف نداء، والمنادى محذوف، واللام للاستغاثة، والضمير في محل جر باللام، أو في محل نصب على النداء؛ ويأتي هذا الأسلوب مفيدا معنى التعجب أحيانا. "من ذي": متعلق بمحذوف؛ والتقدير: أستغيث بك من أجل ذي حاجة. حاجة: مضاف إليه. حيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير يعود إلى المصدر المعهود، أو الموصوف؛ والتقدير: حيل هو -أي الحول المعهود- أو حول موصوف بقوله: دونها. "دونها": متعلق بـ "حيل"، أو بمحذوف صفة للمصدر، أو حال من ضمير "حيل"، و"ها": مضاف إليه. وما: نافية. كل: اسم "ما" مرفوع. "ما" "الثانية": اسم موصول في محل جر بالإضافة. يهوى: فعل مضارع. امرؤ: فاعل مرفوع وجملة "يهوى امرؤ": صلة للموصول، لا محل لها؛ والعائد محذوف؛ والتقدير: يهواه. هو مبتدأ. نائله: خبر مرفوع، ومضاف إليه؛ وجملة "هو نائله": في محل نصب خبر "ما الحجازية".
موطن الشاهد: "حيل دونها".
وجه الاستشهاد: مجيء نائب الفاعل ضميرا عائدا إلى المصدر المقترن بأل العهدية؛ أو بموصوف بـ "دونها" وليس "دونها" نائب فاعل؛ لأن "دون" ظرف غير متصرف، لا يفارق النصب على الظرفية؛ وكذلك لا يجوز أن يكون ضميرا عائدا إلى مصدر مبهم من الفعل -أي حيل حول- خلافا لابن درستويه ومن تبعه؛ لأنه غير مختص.(2/125)
وقوله1: [الطويل]
227- يغضي حياء ويغضى من مهابته2
ولا يقال النائب المجرور؛ لِكونه مفعولا له.
__________
1 هو: الفرزدق؛ همام بن غالب وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فما يُكَلَّمُ إلا حين يَبْتسِمُ
وهو من قصيدة يقولها الشاعر في زين العابدين؛ علي بن الحسين ابن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ومطلع هذه القصيدة:
هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأته ... والبيت يعرفه والحلُّ والحرمُ
هذا ابن خير عباد الله كلهمُ ... هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العَلَمُ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 290، 2/ 10، والأشموني: "387/ 1/ 183" والأغاني: 14/ 75، والمؤتلف: 89، والحيوان: 3/ 133، وشرح المفصل: 2/ 353، والعيني: 2/ 543، 3/ 273، والمغني: "600/ 421"، والسيوطي: 249، وليس في ديوان الفرزدق ونسبه بعضهم إلى الحزين الكناني.
المفردات الغريبة: يغضي: من الإغضاء، وهو تقارب بين جفني العين حتى يقربا من الانطباق. مهابته: هيبته وجلاله. يبتسم، الابتسامة: أول الضحك.
المعنى: يصف الفرزدقُ زينَ العابدين بأنه رجل وقور شديد الحياء، يكاد يطبق جفنيه أمام محدِّثِهِ من الحياء، ويغمض الناس جفونهم أمامه من هيبته وجلاله، فلا يكلمه أحد إلا حين يبتسم.
الإعراب: يغضي: فعل مضارع، والفاعل: هو؛ يعود إلى زيد العابدين. حياء: مفعول لأجله منصوب. ويغضى: الواو عاطفة. يغضى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل ضمير يعود إلى المصدر المعهود المفهوم من الفعل؛ أو الموصوف. فما الفاء تفريعية، وما: نافية. يُكَلَّم: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: هو. إلا: حرف استثناء ملغى؛ أو أداة حصر. "حين": متعلق بـ "يكلم". يبتسم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ وجملة "يبتسم": في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "يُغضَى من مهابته".
وجه الاستشهاد: مجيء نائب الفاعل ضميرا مستترا، يعود إلى المصدر المعهود، أو الموصوف بوصف محذوف؛ والتقدير: يغضي الإغضاء المعهود؛ أو إغضاء حادث من مهابته؛ وليس قوله: "من مهابته" نائب الفاعل -كما يقول الأخفش- لأن "من" الجارة -هنا- تفيد التعليل؛ ويشترط في صحة نيابة الجار أن لا يكون للتعليل كما نعلم؛ وكذلك لا تجوز نيابة المفعول لأجله، ولا الحال، ولا التمييز؛ لأن كل واحد منها بمنزلة جواب عن سؤال مقدر؛ فكأنه من جملة أخرى غير الفاعل والفاعل؛ ومن هنا نعلم السبب الذي من أجله منعت نيابة الجار الذي يدل على التعليل؛ لأن مجروره مبني على سؤال مقدر وهذا تعليل النحاة؛ والعلة الحقيقية محاكاة العرب في كلامهم وأساليبهم.(2/126)
الرابع: ظرف متصرف مختص1، نحو: "صيم رمضان" و: "جلس أمام الأمير" ويمتنع نيابة نحو عندك ومعك وثم؛ لِامتناع رفعهن، ونحو مكانا وزمانا إذا لم يقيدا2.
[حكم إنابة غير المفعول مع وجوده] :
ولا ينوب غير المفعول به مع وجوده3، وأجازه الكوفيون مطلقا4؛ لِقراءة
__________
1 الظرف الكامل التصرف هو: ما يفارق النصب على الظرفية، وشبهها وهو الجر بمن، ويتنقَّل بين حالات الإعراب المختلفة؛ من رفع إلى نصب وجر على حسب حالة الجملة؛ كيوم، وزمان، وقدام، وخلف ... إلخ، أما غير المتصرف مطلقا وهو: ما يخرج عن النصب على الظرفية وحدها مثل: قط، وعوض، وناقص التصرف، وهو ما يخرج عن النصب على الظرفية إلى الجر بمن، كـ "عند، ومع، وثم"، فلا يصلح كل منهما للنيابة عن الفعل؛ لأنه لا يفيد الفائدة المطلوبة من الإسناد، ولا يصلح إخراجه عن وضعه العربي. والمختص من الظرف: ما خصص بما يزيل عن معناه الإيهام؛ كأن يكون مضافا أو موصوفا، أو معرفا بالعلمية، نحو: اليوم جميل، أو غير ذلك مما يزيد معناه ويخرجه من الإيهام.
التصريح: 1/ 290.
2 وذلك لعدم الفائدة، فإن قيدا بوصف يخصصهما، نحو: جُلس مكان حسن، وصيم زمان طويل جازت نيابتهما.
3 لأنه الأصل وغيره فرع عنه، فإذا وجد مع المفعول به مصدر، أو ظرف، أو جار ومجرور تعين المفعول به للنيابة؛ ما عدا المفعول المنصوب على نزع الخافض على الصحيح، فلا تجوز نيابته مع وجود المنصوب بنفس الفعل.
4 أي أن ينوب غير المفعول به مع وجوده، سواء تقدم النائب عن المفعول به أم تأخر عنه.(2/127)
أبي جعفر1: {لِيُجْزَى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 2، والأخفش بشرط تقدم النائب3، كقوله4: [مشطور الرجز]
228- ما دام معنيا بذكرٍ قلبَهُ5
__________
1 هو: أبو جعفر؛ يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، أحد أصحاب القراءات العشر كان تابعيا جليلا ثقة، وكان إمام أهل المدينة في القراءة، حتى سمي بالقارئ وإليه انتهت رياسة الإقراء بها، ولم يكن أحد أقرأ للسنة منه، توفي سنة: 130 هـ الأعلام "ط. الخامسة، دار الملايين": 8/ 186، وفيات الأعيان: 2/ 278، غاية النهاية: 2/ 382.
2 "45" سورة الجاثية، الآية: 14.
أوجه القراءات: قرأ أبو جعفر وعاصم وشيبة "ليجزى قوما"، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والأعمش "لنجزي قوما" وقرأ خلف ويحيى بن وثاب "ليجزي قوما". ورجح أبو عبيد قراءة "ليجزي"؛ لِيعود الضمير على الله عز وجل؛ وقراءة "ليُجزَى" بمعنى ليُجزَى الجزاء قوما؛ فأضمر الجزاء؛ ولو أظهره لم يجُزْ؛ فكيف وقد أضمره؟. انظر: إتحاف فضلاء، البشر: 3900، وإعراب القرآن للنحاس: "3/ 128، والنشر: 2/ 372".
موطن الشاهد: "ليُجزَى قوما".
وجه الاستشهاد: استدل الكوفيون بهذه الآية الكريمة على نيابة غيره؛ المفعول به عن الفاعل مع وجود المفعول به على قراءة أبي جعفر، وأما على القراءات الأخرى؛ فلا شاهد في الآية.
3 نحو "ضُرِب في داره محمدا"، فإن تقدم المفعول به تعين للنيابة.
4 لم ينسب هذا الرجز إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور وصدره قوله:
وإنما يُرضي المنيبُ رَبَّهُ
وقبل الشاهد قوله:
ليس مُنِيبًا امرؤ مُنَبَّهُ ... للصالحات، مُتَنَاسٍ ذَنْبَهُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 291، والأشموني: "379/ 1/ 184" والعيني: 2/ 519، وقطر الندى: "77/ 255".
المفردات الغريبة: المنيب: اسم فاعل، من أناب، إذا رجع؛ "والإنابة": الرجوع إلى الله تعالى بفعل الطاعات وترك المعاصي. معنيا: مهتما ومولعا، وهو اسم مفعول من عني، بالبناء للمجهول لزوما. =(2/128)
وقوله1: [مشطور الرجز]
229- لم يُعْنَ بالعلياء إلا سيدا2
__________
= المعنى: تصح توبة الإنسان، وينال عليها صاحبها الأجر والثواب ما دام قلبه متعلقا بذكر ربه -تبارك وتعالى- خائفا منه، نادما على ما بدر منه، مقلعا عن الذنوب والآثام.
الإعراب: إنما كافة ومكفوفة تفيد الحصر. يرضي: فعل مضارع مرفوع. المنيب: فاعل مرفوع. ربه: مفعول به، والهاء: مضاف إليه. ما: مصدرية ظرفية، دام: فعل ماضٍ ناقص، واسمه يعود إلى المنيب. معنيا: خبر دام منصوب. "بذكر": في محل رفع نائب فاعل لـ "معنيا"؛ لأنه اسم مفعول. قلبه: مفعول به منصوب لـ "معنيا"، والهاء: مضاف إليه؛ و"ما المصدرية الظرفية مع ما دخلت عليه": في تأويل مصدر مجرور بإضافة اسم زمان مقدر يتعلق بـ "يرضي"؛ والتقدير: يرضي المنيب ربه مدة دوامه معنيا.
موطن الشاهد: "معنيا بذكر قلبه".
وجه الاستشهاد: إنابة الجار والمجرور "بذكر" عن الفاعل مع وجود المفعول به متأخرا "قلبه"؛ ودليل ذلك أن الشاعر أتى بـ "قلبه" منصوبا؛ ولو أنابه؛ لأتى به مرفوعا، وما يؤكد نصبه تماما مجيئه رويا في البيت؛ وأبيات القصيدة كلها منصوبة حرف الروي.
1 القائل هو: رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز المشطور، وبعده قوله:
ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى
وقبله قوله:
وقد كفى من بدئه ما قد بدا ... وإن ثنى في العود كان أحمدا
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 291، والأشموني: "388/ 1/ 184"، وابن عقيل: "256/ 2/ 122"، وهمع الهوامع: "1/ 162، والدرر اللوامع: 144، وفيهما برواية "ولا جفا ذا ... " والعيني: 2/ 521، ملحقات ديوان رؤبة بن العجاج: 73.
المفردات الغريبة: يُعْنَ: يهتم ويولع، وماضيه عني، بالبناء للمجهول دائما. العلياء: المنزلة الرفيعة. شفى: أبرأ، والمراد: هدَى مجازا. الغي: الضلال والجري مع هوى النفس.
المعنى: لا يهتم بالخصال الحميدة؛ التي تورث صاحبها عزا ورفعة إلا السيد الطموح العالي الهمة، ولا يهدي الضال ذا النفس المريضة، ويبعده عن طريق الضلالة وسيئ الأفعال إلا من هداه الله ووفقه لأعمال الخير والصلاح. =(2/129)
[غير النائب يجب نصبه لفظا أو محلا] :
مسألة: وغير النائب مما معناه متعلق بالرافع واجب نصبه لفظا إن كان غير جار ومجرور، كـ: "ضُرِب زيد يوم الخميس أمامك ضربا شديدا" ومن ثم نصب المفعول الذي لم ينب في نحو: "أُعطِيَ زيد دينارا"، و: "أعطي دينار زيدا"، أو محلا إن كان جارا ومجرورا، نحو: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 1، وعلة ذلك أن الفاعل لا يكون إلا واحدا، فكذلك نائبه.
[ما الذي تجوز نيابته عند تعدي الفعل لأكثر من مفعول] :
وإذا تعدى الفعل لأكثر من مفعول؛ فنيابة الأول جائزة اتفاقا، ونيابة الثالث ممتنعة اتقافا؛ نقله الخضراوي2 وابن الناظم، والصواب أن بعضهم أجازه
__________
= الإعراب: يعن: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم، وعلامة جزمه حذف الألف؛ لأنه معتل الآخر. "بالعلياء": في محل رفع نائب فاعل؛ وهو متعلق بـ "يعن". إلا: أداة استثناء ملغاة، تفيد الحصر والقصر. سيدا: مفعول به منصوب. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية. شفى: فعل ماضٍ. ذا: مفعول به مقدم، وهو مضاف. الغي: مضاف إليه. إلا: أداة استثناء ملغاة، تفيد الحصر والقصر. ذو: فاعل مرفوع لـ "شفى "وهو مضاف. هدى: مضاف إليه".
موطن الشاهد: "لم يعن بالعلياء إلا سيدا".
وجه الاستشهاد: إنابة الجار والمجرور "بالعلياء" عن الفاعل مع وجود المفعول متأخرا عنه في الكلام "سيدا". وهذا وما قبله احتج بهما الكوفيون والأخفش على نيابة غير المفعول مع وجوده والبصريون يعدون ذلك من الضرورات الشعرية. ويرى بعض النحاة أن كل ما يوضح الغرض، ويبرز المعنى المراد -سواء أكان مفعولا أم غير مفعول؛ أول أم غير أول، متقدما على غيره أم غير متقدم- يصلح لأن ينوب عن الفاعل. انظر همع الهوامع: 1/ 162.
1 "69" سورة الحاقة، الآية: 13.
موطن الشاهد: {نَفْخَةٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "نفخة" نائبا عن الفاعل؛ وهو مصدر، ونصب محل الجار والمجرور "في الصور"؛ وعلة ذلك: النصب الواجب لفظا أو محلا لما عدا النائب، كما أشار الناظم.
2 هو أبو عبد الله؛ محمد بن يحيى بن هشام الخضراوي الأنصاري الخزرجي الأندلسي، ويعرف أيضا بابن البراذعي، من أهل الجزيرة الخضراء، كان إماما في العربية، عاكفا على التعليم أخذ عن ابن خروف ومصعب والرندي، وعنه أخذ الشلوبين، وكان شاعرا ناثر متصرفا في الأدب، له مصنفات كثيرة منها: فصل المقال في أبنية الأفعال، والإفصاح بفوائد الإيضاح، والنقض على الممتع لابن عصفور، وكتاب الاقتراح في تلخيص الإيضاح. توفي بتونس سنة: 646 هـ.
البلغة: 250، بغية الوعاة: 1/ 267، طبقات ابن قاضي شهبة: 123، الأعلام: 8/ 7.(2/130)
إن لم يلبس، نحو: "أَعلمْتُ زيدًا كبشَكَ سمينا"1، وأما الثاني ففي باب "كسا"2 إن ألبس، نحو: "أعطيت زيدا عمرا" امتنع اتفاقا3، وإن لم يلبس نحو: "أعطيت زيدا درهما" جاز مطلقا4 وقيل: يمتنع مطلقا5، وقيل: إن لم يعتقد القلب6، وقيل: إن كان نكرة والأول معرفة، وحيث قيل بالجواز، فقال البصريون: إقامة الأول أولى، وقيل: إن كان نكرة فإقامته قبيحة، وإن كانا معرفتين استويا في الحسن، وفي باب: "ظن"7، قال قوم: يمتنع مطلقا8 للإلباس في النكرتين
__________
1 فتقول: اعلم زيدًا كبشك سمين، قاله أبو حيان في النكت الحسان. التصريح: 1/ 291.
2 هو كل فعل نصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، ولم ينصب أحدهما بإسقاط الجار.
3 للالتباس، سواء تقدم أو تأخر؛ لأن كلا منهما يصلح أن يكون آخذا ومأخوذا، ولا يتبين أحدهما إلا بالإعراب.
4 الإطلاق يفسره ما بعده؛ أي سواء اعتقد القلب أم لا، وسواء أكان الثاني نكرة والأول معرفة أم لا؛ لأن "زيدا" هو الآخذ دائما، و"درهما" هو المأخوذ.
التصريح: 1/ 292.
5 فتتعين نيابة الأول؛ لأنه فاعل في المعنى.
6 أي تمتنع نيابة الثاني، إن لم يعتقد القلب في الإعراب، وهو كون المرفوع منصوبا، والمنصوب مرفوعا، فإن اعتقد القلب جاز، ويكون النائب في الحقيقة هو الأزل؛ لأن نيابة الثاني مع اعتقاده القلب مجاز صوري، كما أن من رفعه ونصب الأول مجاز، فهو من إعطاء المرفوع إعراب المنصوب وبالعكس، عند من أمن اللبس، نحو كسر الزجاج الحجر.
7 وهو كل فعل يتعدى إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل عن الأول.
8 الإطلاق يوضحه ما بعده؛ أي سواء ألبس أم لم يلبس، كان جملة أم لا، كان نكرة والأول معرفة أم لا.
التصريح: 1/ 292.(2/131)
والمعرفتين، ولعود الضمير على المؤخر إن كان الثاني نكرة لأن الغالب كونه مشتقا، وهو حينئذ شبيه بالفاعل لأنه مسند إليه فرتبته التقديم، واختاره الجزولي1 والخضراوي، وقيل: يجوز إن لم يلبس ولم يكن جملة، واختاره ابن طلحة2 وابن عصفور وابن مالك، وقيل: يشترط أن لا يكون نكرة والأول معرفة فيمتنع: "ظن قائم زيدا"3، وفي باب: "أعلَمَ"4 أجازه قوم إذا لم يلبس، ومنعه قوم منهم الخضراوي والأبَّدي5 وابن عصفور؛ لأن الأول مفعول صحيح6، والأخيران مبتدأ وخبر شبها بمفعول: "أعطى"، ولأن السماع إنما جاء بإقامة الأول، قال7: [الطويل]
__________
1 مرت ترجمته.
2 هو أبو بكر محمد بن طلحة الأموي الأشبيلي من أهل يابُرة، بلد في غربي الأندلس كان إماما في العربية عارفا بعلم الكلام، تأدَّب على أبي إسحاق بن ملكون، وأخذ العروض عن السهيلي، كان ذكيا عدلا ذا مروءة، وكان يميل إلى مذهب ابن الطراوة. أخذ عنه الكثير، منهم: ابن عبد النور، والشلوبين، مات بإشبيلية سنة 618 هـ وله 73 سنة.
البلغة: 225، بغية الوعاة: 1/ 121، طبقات ابن شهبة: 52.
3 لأن هذا يؤدي إلى الإخبار بالمعرفة عن النكرة، وذلك ممنوع في الغالب.
4 هو كل فعل ينصب ثلاثة مفاعيل، أصل الثاني والثالث منهما مبتدأ وخبر.
5 هو: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأُبَّدي -نسبة إلى أبدة بالأندلس- كان نحويا جليلا، درس كتاب سيبويه ووقف على غوامضه ووقائعه، قال فيه أبو حيان: كان الأبدي أحفظ من رأيناه بعلم العربية، وكان مع إمامته في العلم غاية في الفقر. له إملاء على كتاب سيبويه، وعلى الإيضاح والجمل، ومشكل الأشعار الستة الجاهلية، والجزولية. توفي سنة 680 هـ.
البلغة: 168، بغية الوعاة: 2/ 604، معجم المؤلفين: 7/ 224، الأعلام: 5/ 154.
6 أي مفعول حقيقة وليس أصله مبتدأ وخبر؛ لأن أصله الفاعلية فهو أحق مما كان ملتبسا به، أما الثاني والثالث فالمفعول في الحقيقة النسبة بينهما وإطلاق المفعولية عليهما مجاز.
التصريح: 1/ 293.
7 القائل: هو: الفرزدق؛ همام بن غالب، وقد مرت ترجمته.(2/132)
230- ونبئت عبد الله بالجو أصبحت1
[خلاصة جامعة] :
وقد تبين أن في النظم أمورا، وهي:
1- حكاية الإجماع على جواز إقامة الثاني من باب: "كسا" حيث لا لبس.
2- وعدم اشتراط كون الثاني من باب: "ظن" ليس جملة.
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
كراما مواليها لئيما صميمها
وهو من شواهد التصريح: 1/ 293، والأشموني: "390/ 186"، والكتاب لسيبويه: 1/ 171، والعيني: 2/ 522، وليس في ديوان الفرزدق.
المفردات الغريبة: نبئت: أخبرت، عبد الله: ليس المراد به شخص معين، ولكنه علم على القبيلة؛ وهي عبد الله بن دارم أخي مجاشع بن دارهم، وهم رهط الفرزدق. بالجو، الجو: أرض باليمامة ويطلق على أمكنة أخرى كثيرة ذكرها ياقوت في معجمه. كراما: أشرافا؛ جمع كريم، والمراد به كريم النسب. مواليها: جمع مولى، والمراد هنا: العبيد والأتباع. صميمها؛ الصميم الخالص من كل شيء، والمراد رؤساء القبائل وسادتها.
المعنى: أخبرت أن قبيلة عبد الله بالجو انعكست فيها الأمور؛ فصار عبيدها وضعافها وأتباعها أشرافا وسادة، وصار عظماؤها وسادتها لئاما تابعين.
الإعراب: نبئت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل. عبد الله: مفعول به ثانٍ، ومضاف إليه. "بالجو": متعلق بمحذوف صفة لـ "عبد الله". أصبحت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث؛ واسم أصبح ضمير مستتر يعود إلى "عبد الله". كراما: خبر "أصبح" منصوب وعلامة نصبه الفتحة؛ وجملة "أصبحت": في محل نصب مفعول به ثالث: لـ "نئبت". مواليها: فاعل للصفة المشبهة "كراما"، و"ها": مضاف إليه. لئيما: خبر ثان لـ "أصبحت" منصوب. صميمها: فاعل لـ "لئيما" و"ها": مضاف إليه.
موطن الشاهد: "نبئت".
وجه الاستشهاد: أناب الشاعر المفعول الأول "تاء المتكلم" عن الفاعل، ولم يُنِبْ الثاني أو الثالث؛ وهذا هو الشائع والمستعمل بكثرة في الاستعمال العربي.(2/133)
3- وإيهام أن إقامة الثالث غير جائزة باتفاق؛ إذ لم يذكره مع المتفق عليه ولا مع المختلف فيه، ولعل هذا هو الذي غلط ولده حتى حكى الإجماع على الامتناع.
[تغير صورة الفعل عند إسناده إلى النائب عن الفاعل] :
فصل: يضم أول فعل المفعول مطلقا1، ويشركه ثاني الماضي المبدوء بتاء زائدة2 كتضارب وتعلم، وثالث المبدوء بهمز الوصل كانطلق واستخرج واستحلى، ويُكسر ما قبل الآخر من الماضي، ويفتح من المضارع.
وإذا اعتلت عين الماضي وهو ثلاثي كـ "قال وباع"، أو عين افتعل أو انفعل كاختار وانقاد، فلك كسر ما قبلها بإخلاص، أو إشمام الضم، فتقلب ياء فيهما3، وذلك إخلاص الضم، فتقلب واوا، قال4: [الرجز]
231- ليت، وهل ينفع شيئا ليت؟ ... ليت شبابا بوع فاشتريت5
__________
1 أي سواء كان ماضٍيا أو مضارعا.
2 سواء أكانت للمطاوعة أم لغيرها، كمثال المصنف، تقول فيهما: ضورب وتعلم. والمطاوعة في فعل هي: قبول فاعله التأثر بأثر واقع عليه من فاعل ذي علاج محسوس لفعل آخر يلاقيه في الاشتقاق مثل: علمته فتعلم وحطمت الحجر فتحطم.
التصريح: 1/ 293-294.
3 الإشمام: هو النطق بحركة صوتية تجمع بين الضمة والكسرة بالتوالي سريعا وينشأ عن ذلك ياء، وقد يسمى "روما".
التصريح: 1/ 294، وفيه بيان واضح لذلك.
4 القائل: هو رؤبة بن العجاج وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز وقبله قوله:
يا قوم قد حَوقَلْتُ أو دَنَوْتُ ... وبعض حيقال الرجال المَوْتُ
ما لي إذا أجذبها صَأَيْتُ ... أَكِبَرٌ قد عالني أم بَيْتُ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 295، والأشموني: "383،1/ 181"، وابن عقيل: "155/ 2/ 115" وشرح المفصل: 7/ 70، والعيني: 2/ 254، وهمع الهوامع: 1/ 248، 2/ 165، والدرر اللوامع: 1/ 206، 2/ 222، والمغني: "731/ 513" وشرح السيوطي: 277. وأمالي القالي "ط. دار الفكر": 1/ 20؛ زيادات ديوان رؤبة.
شرح المفردات: حوقلت: ضعفت وأصابني الكبر. دنوت: قربت. أجذبها: أراد أنزع الدلو من البئر صأيت: صحت، مأخوذ من قولهم: صأى الفرخ؛ إذا صاح صياحا =(2/134)
وقال1: [مشطور الرجز]
232- حُوكَتْ على نيرين إذ تُحَاكُ2
__________
= ضعيفا، وأراد بذلك أنينه من ثقل الدلو عليه. قد عالني: غلبني وقهرني وأعجزني.
المعنى: يتمنى الشاعر أن يعود إليه شبابه من جديد أو يشتريه؛ ولكن هيهات أن يعود الشباب مرة أخرى؛ لأن ما مضى لن يعود أبدا.
الإعراب: ليت: حرف مشبه بالفعل يفيد التمني. هل: حرف استفهام معناه النفي -هنا- لا محل له من الإعراب. ليت: ينفع: فعل مضارع مرفوع. شيئا: مفعول به مقدم منصوب ليت: فاعل "ينفع"؛ لأنه قصد لفظها؛ و"الجملة": معترضة، لا محل لها من الإعراب. ليت: "الثالثة" مؤكدة للأولى. شبابا: اسم "ليت" الأولى. بوع: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره؛ هو؛ وجملة "بوع": في محل رفع خبر "ليت". فاشتريت: الفاء عاطفة. اشتريت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل؛ وجملة "اشتريت": معطوفة على جملة "بوع": في محل رفع.
موطن الشاهد: "بوع".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "باع" الثلاث معتل العين؛ فلما بني للمجهول أخلص ضم فائه؛ فقلبت ألفه واوا؛ وإخلاص الضم لغة جماعة من العرب؛ منهم من ذكر المؤلف في المتن؛ ومنهم بعض بني تميم، وضبة، وحكيت عن هذيل. انظر شرح التصريح: 1/ 295.
1 ينسب هذا الرجز -أيضا- إلى رؤبة بن العجاج.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، وبعده قوله:
تختبط الشوك ولا تشاك
وهو من شواهد" التصريح: 1/ 295، والأشموني: "384/ 1/ 181"، وابن عقيل: "154/ 2/ 114" والهمع: 2/ 165، والدرر: 2/ 223، والمصنف لابن جني: 1/ 250.
المفردات الغريبة: حوكت: نسجت، من حاك الثوب يحوكه حوكا وحياكة. نيرين: مثنى نير؛ وهو مجموع القصب والخيوط. تختبط: تضرب بعنف وشدة. لا تشاك: لا يؤثر فيها الشوك.
المعنى: إن هذا الرداء نسج على نيرين -وما ينسج بهذه الطريقة، يكون أصفق وأحكم في النسج؛ فاكتسب متانة وصلابة، حتى إذا ضرب بها الشوك لا يدخل فيها، ولا يحدث بها أثرا أو ضرارا.
الإعراب: حوكت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا؛ قديره هي، يعود إلى الحُلَّة؛ أو الرداء؛ لأنه يذكر ويؤنث. "على نيرين": متعلق بـ "حوكت". "إذا: متعلق بـ "حوكت". تحاك: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: هي؛ وجملة "تحاك": في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "حوكت".
وجه الاستشهاد: أخلص فيه الضم -كسابقه- فقلبت ألفه واوا؛ ويروى: "حيكت" فيكون شاهدا على إخلاص الكسر، وقلب الألف ياء؛ وهذه الرواية أقوى؛ لأنها في سياق الفصحى وبها استشهد ابن عقيل على إخلاص الكسر انظر ابن عقيل: "ط. دار الفكر": 1/ 395.(2/135)
وهي قليلة، وتُعزَى لفقعس ودبير1، وادعى ابن عذرة2 امتناعها في افتعل وانفعل، والأول قول ابن عصفور والأُبَّدي وابن مالك، وادعى ابن مالك امتناع ما ألبس من كسر كخفت وبعت، أو ضم كعقت، وأصل المسألة "خافني زيد" و: "باعني لعمرو" و: "عاقني عن كذا" ثم بنيتهن للمفعول، فلو قلت: خفت وبعت بالكسر، وعقت: بالضم؛ لِتوهم أنهن فعل وفاعل، وانعكس المعنى، فتعين أن لا يجوز فيهن إلا الإشمام، أو الضم في الأولين والكسر في الثالث، وأن يمتنع الوجه الملبس، وجعلته المغاربة مرجوحا لا ممنوعا، ولم يلتفت سيبويه للإلباس؛ لِحصوله في نحو مختار وتضار.
[خلافهم في ضم فاء الثلاث المضعف] :
وأوجب الجمهور ضم فاء الثلاثي المضعف نحو شد ومد، والحق قول بعض الكوفيين: إن الكسر جائز، وهي لغة بني ضبة3 وبعض تميم، وقرأ علقمة4: "رِدَّتْ
__________
1 هما حيان من فصحاء قبيلة اسد، وإخلاص الضم لغتهما، أما الكسر فلغة تميم.
2 هو الإمام البارع أبو الحكم؛ الحسن بن عبد الرحمن بن عذرة الأنصاري الأوسي الخضراوي كان نحويا نبيلا حاذقا، ثابت الذهن، وقاد الفكر، أخذ عن أبي العلاء؛ إدريس القرطبي وابن عصفور وغيرهما. له تصانيف كثيرة منها: الإغراب في أسرار الحركات والإعراب، والمفيد في أوزان الرجز والقصيد. توفي سنة 644 هـ.
3 هم بطن من بطون عامر بن إلياس بن مضر.
4 هو علقمة بن قيس بن عبد الله كان فقيها كبيرا، ومن القراء في الكوفة، أخذ القرآن عن ابن مسعود، وسمع من عمرو وعلي وأبي الدرداء وعائشة، وكان من أحسن الناس صوتا بالقراءة، توفي سنة: 62 هـ. سير أعلام النبلاء: 4/ 53، طبقات القراء: ترجمة: 2135، الإصابة: ترجمة: 6454، العبر، 1/ 66.(2/136)
إِلَيْنا"1، "وَلَوْ رِدُّوا"2 بالكسر، وجوز ابن مالك الإشمام أيضا، وقال المهاباذي3: من أشم في: "قيل" و: "بيع" أشم هنا4.
__________
1 "12" سورة يوسف، الآية: 65.
أوجه القراءات: قرأ الحسن وعلقمة ويحيى بن وثاب والأعمش "ردت" بكسر الراء؛ لأن أصلها: رددت؛ فلما أدغم؛ قلبت حركة الدال إلى الراء، وقرأ الباقون: "ردت" برفع الراء. انظر اتحاف الفضلاء: 266، وإعراب القرآن، للنحاس: 2/ 274.
موطن الشاهد: "ردت".
وجه الاستشهاد: نقل كسرة عين الفعل إلى فائه حملا له على المعتل؛ على قراءة علقمة ويحيى بن وثاب وغيرهما؛ الموافقة لـ "لغة بعض تميم". انظر شرح التصريح: 1/ 295.
2 "6" سورة الأنعام: الآية: 28.
أوجه القراءات: انظر أوجه قراءات الآية السابقة.
موطن الشاهد: "رِدُّوا".
وجه الاستشهاد: نقل كسرة عين الفعل إلى فائه؛ على قراءة علقمة ويحيى بن وثاب وغيرهما؛ الموافقة لِلُغة بعض تميم" كما في الآية السابقة.
3 هو أحمد بن عبد الله بن المهاباذي الضرير نسبة إلى مهاباذ؛ قرية بين قم وأصبهان -أحد تلاميذ عبد القاهر الجرجاني، له شرح على اللمع لابن جني، وكان من أعلام نحاة عصره. الأعلام "ط. الخامسة": 1/ 158، كشف الظنون: 1563، بغية الوعاة: 1/ 178.
4 بقي أنه:
1- لا يبنى للمجهول فعل جامد ولا ناقص على الصحيح. وجوزه سيبويه والكوفيون.
2- لا يجوز إنابة الحال، والمستثنى، والمفعول معه، وله؛ لأن ذلك يخرجه عن مهمته الخاصة.
3- إذا قلت: زِيدَ في مُرَتَّب محمد عشرون جنيها -تعين رفع "عشرين" على النيابة مع وجود المفعول. فإن قدمت محمد فقلت: محمدا زيد في مرتبة عشرون- جاز رفع العشرين على النيابة، وجاز نصبه على المفعولية، ونائب الفاعل ضمير يعود على المبتدأ وهو الرابط. =(2/137)
.........................................................................
__________
= 4- ورد عن العرب أفعال ماضٍية ملازمة للبناء للمجهول، اعتبرها العلماء كذلك في الصورة اللفظية لا في الحقيقة، ولهذا: يعربون المرفوع بها فاعلا لا نائب فاعل، ومن أشهرها: هزل، زكم، دهش، شده "بمعنى دهش"، شغف بكذا: أولع به، أغري به، أُهرِع بمعنى أسرع، عني بكذا "اهتم به"، نتج، جن، سل، حم، امتقع لونه، زهي، فلج وحكم المضارع منها حكم الماضي. ولكن لا يعامل مضارعها معاملة الماضي إلا فيما ورد عن العرب، فهو مقصور على السماع. ومما سمع: يُهرع، يُعني، يُولع، يُستهتر به.(2/138)
[باب الاشتغال] :
هذا باب الاشتغال1:
[ضابطه والأصل فيه] :
إذا اشتغل فعل متأخر بنصبه لمحل ضمير اسم متقدم عن نصبه للفظ ذلك
__________
1 الاشتغال: هو أن يتقدم اسم واحد ويتأخر عنه عامل مشتغل عن العمل في ذلك الاسم بالعمل في ضميره مباشرة، أو في سببه، بحيث لو فرغ من ذلك المعمول وسلط على الاسم المتقدم؛ لعمل فيه النصب لفظا أو محلا. والمراد بسبب الاسم المتقدم: كل شيء له صلة وعلاقة به؛ من قرابة أو صداقة أو عمل. وأركان الاشتغال ثلاثة هي:
أ- مشغول عنه: وهو الاسم المتقدم.
ب- مشغول: وهو الفعل المتأخر.
ج- ومشغول به: وهو الضمير الذي تعدى إليه الفعل بنفسه أو بالوساطة؛ ولكل واحد من هذه الأركان الثلاثة شروط هي:
أولا: شروط المشغول عنه -الاسم المتقدم- خمسة هي:
1- أن يكون غير متعدد لفظا ومعنى؛ نحو: زيدا ضربته؛ أو متعددا في اللفظ من دون المعنى؛ نحو: زيدا وعمرا ضربتهما؛ لأن العطف جعل الاسمين كالاسم الواحد حكما؛ فإن التعدد في اللفظ والمعنى؛ نحو: زيد درهما أعطيته؛ لم يصح.
2- أن يكون متقدما؛ فإن تأخر؛ لم يكن من باب الاشتغال، نحو: ضربته زيدا؛ بل إن نصب "زيدا" فعلى أنه بدل من الضمير؛ وإن رفع؛ فهو مبتدأ وخبره الجملة التي قبله، كما نقول: زيد ضربته.
3- قبوله الإضمار؛ فلا يصح الاشتغال عن الحال والتمييز، ولا عن المجرور بحرف يختص بالظاهر كـ "حتى".
4- كونه مفتقرا لما بعده؛ فلا يجوز في نحو: جاء زيد فأكرمه؛ لأن الاسم، اكتفى بالعامل المتقدم عليه.
5- كونه صالحا للابتداء به؛ بأن لا يكون نكرة محضة، فقوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّة =(2/139)
الاسم1: كـ: "زيدًا ضربته" أو لمحله كـ: "هذا ضربته" فالأصل أن ذلك الاسم يجوز فيه وجهان: أحدهما راجح؛ لسلامته من التقدير، وهو الرفع بالابتداء، فما بعده في موضع رفع على الخبرية، وجملة الكلام حينئذ اسمية2، والثاني مرجوح
__________
= ابْتَدَعُوهَا} ليس من باب الاشتغال؛ بل "رهبانية" معطوف على ما قبله بالواو، وجملة "ابتدعوها": صفة.
ثانيا: شرط المشغول: الفعل المتأخر:
1- أن يكون متصلا بالمشغول عنه.
2- كونه صالحا للعمل فيما قبله، بأن يكون فعلا متصرفا، أو اسم فاعل مستكمل لشروط عمله أو اسم مفعول مستكمل لشروط عمله؛ فإن كان حرفا أو اسم فعل أو صفة مشبهة أو فعلا جامدا لم يصح.
ثالثا: شرط المشغول به ألا يكون غربيا أو أجنبيا عن المشغول عنه؛ فيصح أن يكون ضمير المشغول عنه؛ نحو: زيدا ضربته، أو مررت به؛ اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير المشغول عنه؛ نحو: زيدا ضربت أخاه؛ أو مررت بغلامه؛ هذا الأخير، يسمى السببي.
انظر شرح التصريح: 1/ 296؛ المتن والحاشية.
1 اعترض على هذا الضابط الذي ذكره المؤلف بأنه غير حاصر؛ لأنه لم يشمل صور الاشتغال كلها؛ لأن المؤلف خص المشغول بكونه فعلا في قوله: "إذا اشتغل فعل متأخر" والمشغول قد يكون فعلا، وقد يكون وصفا؛ نحو: زيدا أنا ضاربه الآن.
وكذلك خص المشغول به بكونه ضمير الاسم المتقدم مع أنه قد يكون اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم المتقدم، نحو: زيدا ضربت غلامه.
وأجيب عن ذلك الاعتراض بأن المؤلف أراد أن يبين ما هو الأصل في كل واحد منهما، وترك بيان الفروع؛ لأنها معروفة من القواعد العامة؛ لأن الفعل هو الأصل في العمل؛ والأوصاف تعمل بالحمل عليه؛ والأصل في المشغول به أن يكون ضمير الاسم المتقدم، والاسم الظاهر المضاف إلى ضمير -ما يسمى السببي- ملحق به؛ أو أن المؤلف أراد أن يبين أظهر المسائل التي يدركها كل واحد، وتجاوز الصور الخفية تيسيرا على المبتدئين، ثم خصها بالبيان فيما بعد؛ لِيقع علمها للقارئ بعد أن يكون تمرس بأحكام بابها بعض التمرس؛ أو أن المؤتلف جرى على مذهب من يجيز التعريف بالأخص، ولا اعتراض حينئذ؛ لأنه لا يرى مانعا من أن يكون الحد أو الضابط الذي ذكره أخص من المحدد أو المراد ضبطه. أوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 2/ 159-160.
2 لأنها مصدرة بالاسم الذي جعل مبتدأ.(2/140)
لاحتياجه إلى التقدير، وهو النصب، فإنه بفعل موافق للفعل المذكور1 محذوف وجوبا، فما بعده لا محل له؛ لأنه مفسر، وجملة الكلام حينئذ فعلية2.
ثم قد يعرض لهذا الاسم ما يوجب نصبه، وما يرجحه، وما يسوي بين الرفع والنصب، ولم نذكر من الأقسام ما يجب رفعه كما ذكر الناظم3 لأن حد الاشتغال لا يصدق عليه4، وسيتضح ذلك.
[وجوب النصب] :
فيجب النصب إذا وقع الاسم بعد ما يختص بالفعل كأدوات التحضيض5، نحو: "هلا زيدا أكرمته" وأدوات الاستفهام غير الهمزة، نحو: "هل زيدا رأيته"6
__________
1 إما لفظا ومعنى؛ نحو مثل المصنف المذكور، والتقدير: ضربت زيدا ضربته؛ أو معنى فقط؛ نحو: محمد مررت به؛ فالتقدير: جاوزت محمدا مررت به؛ أو غير موافق لفظا ومعنى؛ ولكنه لازم المذكور؛ نحو: محمدا ضربت أخاه؛ لأن ضرب الأخ يستلزم عرفا إهانة محمد.
فائدة: ما ذكره المؤلف من انتصاب الاسم المتقدم بفعل مماثل للفعل المتأخر هو مذهب الجمهور؛ وفي المسألة أقوال أخرى؛ منها: ما ذهب إليه الكسائي؛ من أن الاسم المتقدم منصوب بالفعل المتأخر، والضمير ملغى، لا عمل للفعل فيه؛ ومنها ما ذهب إليه الفراء؛ من أن الفعل المتأخر نصب الاسم المتقدم والضمير معا؛ وكلا الرأيين ضعيف.
انظر شرح التصريح: 1/ 297.
2 لكونها مصدرة بالفعل المحذوف المفسر بالمذكور بعده.
3 أي ما قاله:
"وإن تلا السابق ما بالابتدا ... يختص فالرفع التزمه أبدا"
4 لكونه معتبرا فيه -كما ذكر المؤلف في التعريف- أي "أن يكون العامل بحيث لو فرغ للفعل في الاسم المتقدم لنصبه؛ وما يجب رفعه ليس كذلك؛ نحو: "فإذا زيد يضربه عمرو"؛ فلو حذفنا الضمير، لم ينتصب الاسم المتقدم بالفعل المتأخر، ولا بفعل آخر يفسره المذكور؛ ولهذا؛ فلا يصدق عليه حد الاشتغال.
5 المقصود بالتحضيض: الحث وطلب الشيء بقوة وشدة -تظهر في نبرات الصوت- ومثله العرض، وهو طلب الشيء برفق وملاينة؛ نحو: ألا محمدا سامحته ونحو ذلك.
6 تكون أدوات الاستفهام مختصة بالفعل إذا وجد بعدها فعل في جملتها، فإن لم يوجد، فلا تختص، نحو: أين المفر؟، ومتى القدوم؟ وأما الهمزة فتدخل على الاسم، وإن كان الفعل في حيزها؛ لأنها أم الباب؛ فتوسع فيها، ونصب الاسم الواقع بعد "هل" إذا وقع بعدها فعل -مذهب سيبويه؛ أما الكسائي، فيجيز أن يليها الاسم والفعل؛ وعلى ذلك، يجوز الرفع والنصب، غير أن النصب أرجح. انظر شرح التصريح: 1/ 297.(2/141)
و: "متى عمرا لقيته" وأدوات الشرط، نحو: "حيثما زيدا لقيته فأكرمه" إلا أن هذين النوعين لا يقع الاشتغال بعدهما إلا في الشعر، وأما في الكلام فلا يليهما إلا صريح الفعل، إلا إن كانت أداة الشرط "إذا" مطلقا، أو: "إن والفعل ماضٍ فيقع في الكلام، نحو: "إذا زيدا لقيته، أو تلقاه، فأكرمه" و: "إن زيدا لقيته فأكرمه" ويمتنع في الكلام: "إن زيدا تلقه فأكرمه" ويجوز في الشعر، وتسوية الناظم بين "إن" و: "حيثما" مردودة.
[ترجيح النصب وحالاته] :
ويترجح النصب في ست مسائل:
إحداها: أن يكون الفعل طلبا1، وهو الأمر والدعاء ولو بصيغة الخبر، نحو: "زيدا اضربه" و: "اللهم عبدك ارحمه" و: "زيدا غفر الله له".
وإنما وجب الرفع في نحو: زيد أحسن به" لأن الضمير في محل رفع2، وإنما
__________
1 النصب في الأولين بفعل محذوف من لفظ المذكور، وفي الثالث "صيغة الخبر" من معناه -أي: ارحم زيدا غفر الله له، وقد قيل في علية ترجيح النصب، إذا كان الفعل طلبا: إن الأصل في الطلب أن يكون بالفعل، فرجح النصب؛ لِيكون الكلام على تقدير فعل، فيجيء على الأصل في الطلب؛ وكذلك فلو رفع الاسم؛ لأعرب مبتدأ، ويكون خبره الجملة الطلبية، ومجيء الخبر جملة طلبية قليل؛ لِكون جملة الخبر تحتمل الصدق والكذب غالبا، والطلبية ليست كذلك.
انظر شرح التصريح: 1/ 298.
2 أي: في محل رفع على الفاعلية؛ لِكون الباء زائدة، على أنه لو كان محل هذا الضمير النصب؛ لم يكن من باب الاشتغال أيضا؛ لأن فعل التعجب جامد ولا يعمل فيما قبله، فلا يفسر عاملا؛ وقد اشترط في المشغول أن يكون صالحا للعمل فيما قبله. المصدر السابق: 1/ 298-299.(2/142)
اتفق السبعة عليه في نحو: {الزانية والزاني فاجلدوا} 1؛ لأن تقديره عند سيبويه: مما يتلى عليكم حكم الزاني والزانية، ثم استؤنف الحكم، وذلك لأن الفاء لا تدخل عنده في الخبر في نحو هذا، ولذا قال في قوله2: [الطويل]
233- وقائلةٍ خولانُ فانكِحْ فَتَاتَهُم3
__________
1 "24" سورة النور، الآية: 2.
موطن الشاهد: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} .
وجه الاستشهاد: منعت الفاء حمل الفعل على الاشتغال؛ لأن التقدير -عند سيبويه- مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني؛ فحذف المضاف "حكم" وأقيم المضاف إليه مقامه؛ وهو الزانية والزاني، وحذف الخبر "الجار والمجرور" ثم بعد تمام الجملة استأنف الحكم بـ "فاجلدوا"؛ ولا يلزم الإخبار بالجملة الطلبية؛ ولذا جاءت مستأنفة.
انظر شرح التصريح: 1/ 299.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وأكْرُومَةُ الحيَّين خِلْوٌ كَمَا هِيَا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 299، والأشموني: "394/ 1/ 189"، والهمع: 1/ 110، والدرر: 1/ 79، والكتاب لسيبويه: 1/ 70، وشرح المفصل: 1/ 100، 8/ 95، والخزانة: 1/ 218، 3/ 395، 4/ 421، 552، والعيني: 2/ 529، ومغني اللبيب: "297/ 219" "869/ 628"، وشرح السيوطي: 159، 295، وهو من الخمسين التي لا يعرف لها قائل.
المفردات الغريبة: خولان: اسم قبيلة من مذحج باليمن. فتاتهم؛ الفتاة: الشابة من النساء. أكرومة: كريمة من الكرم، كأضحوكة من الضحك، وأعجوبة من العجب. الحيين: تثنية حي، وهي البطن من بطون العرب، والمراد هنا: حي أبيها، وحي أمها. خلو: خالية من الأزواج.
المعنى: رب قائلة لي: هذه قبيلة خولان المعروفة بعراقة النسب والكرم والصفات الحميدة، فتزوج منها، ولا تخشَ رفضا؛ ففيها الفتاة الكريمة الأبوين؛ التي لم تتزوج بعد.
الإعراب: وقائلة: الواو رب. قائلة: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه مبتدأ. خولان: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هذه خولان. فانكح: الفاء استئنافية، انكح، فعل أمر، والفاعل: أنت. فتاتهم: مفعول به، ومضاف إليه. وأكرومة: الواو =(2/143)
إن التقدير: هذه خولان، وقال المبرد1: الفاء لمعنى الشرط2، ولا يعمل الجواب في الشرط، فكذلك ما أشبههما، وما لا يعمل لا يفسر عاملا؛ فالرفع عندهما واجب، وقال ابن السيد3 وابن بابشاذ4: يختار الرفع في العموم كالآية، والنصب في الخصوص، كـ: "زيدا اضربه".
__________
= حالية، أكرومة: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الحيين: مضاف إليه. خلو: خبر مرفوع؛ وجملة "أكرومة الحيين خلو": في محل نصب على الحال. "كما": متعلقان بمحذوف خبر ثانٍ؛ وجاءت الكاف -هنا- بمعنى "على". هي: مبتدأ محذوف الخبر؛ والتقدير: الذي هي عليه؛ و"الجملة": صلة لـ "ما" الموصولة، لا محل لها؛ ويجوز أن تكون "ما" زائدة؛ و"هي": ضمير مجرور المحل بالكاف؛ والجار والمجرور خبر ثانٍ لـ "أكرومة"؛ أي كـ "حالها المعروف"؛ والأول: أفضل.
موطن الشاهد: "خولان".
وجه الاستشهاد: جعل سيبويه "خولان" خبرا لمبتدأ محذوف؛ ولم يجعلها مبتدأ، وجملة "فانكح فتاتهم، خبرا؛ بل جعل الجملة الطلبية مستأنفة؛ لكون الفاء عنده لا تدخل على خبر المبتدأ الخاص كأسماء الأعلام؛ ولكون دخولها على خبر المبتدأ؛ لشبه المبتدأ بالشرط في العموم، والخبر بالجواب؛ فإذا زال الشبه، لم تتحقق علة الجواز.
انظر شرح التصريح: 1/ 299.
1 مرت ترجمته.
2 لأن المبتدأ وهو "الزانية"، فيه أل الموصولة، والموصول فيه معنى الشرط وهو التعليق أو العموم؛ إذ التقدير: من زنت ومن زنى -فاجلدوا ... ؛ لهذا تدخل الفاء في خبره كما تدخل في جواب الشرط.
التصريح: 1/ 299.
3 هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي، ولد سنة 444 هـ، وكان عالما باللغات والآداب متبحرا فيها، وكانت له يد في العلوم القديمة. له تصانيف كثيرة منها: شرح أدب الكاتب، وشرح الموطأ، وسقط الزند، وديوان المتنبي، والحلل في شرح أبيات الجمل، والمسائل المنثورة في النحو، وكتب أخرى. مات سنة 521 هـ. البلغة: 114، إنباه الرواة: 2/ 141، بغية الوعاة: 2/ 55، طبقات القراء: 1/ 499.
4 هو أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي، المصري، قدم بغداد، وأخذ عن علمائها تصدر للإقراء بجامع عمرو بن العاص في مصر، ثم تزهد وانقطع في المسجد، فجمع كتابا في المسائل النحوية سماها العلماء: "تعليقة الغرفة" وله مصنفات أخرى منها: مقدمة في النحو سماها: المحتسب، وثلاثة شروح على الجمل للزجاجي ... وغيرها، مات سنة: 469 هـ.
البلغة: 100، بغية الوعاة: 1/ 17، إنباه الرواة: 2/ 95، ابن خلكان، 1/ 235، الأعلام: 3/ 318.(2/144)
الثانية: أن يكون الفعل مقرونا باللام أو بلا الطلبيتين، نحو: "عمرا ليضربه بكر" و: "خالدا لا تهنه" ومنه: "زيدا لا يعذبه الله" لأنه نفي بمعنى الطلب1.
ويجمع المسألتين قول الناظم: "قبل فعل ذي طلب" فإن ذلك صادق على الفعل الذي هو طلب، وعلى الفعل المقرون بأداة الطلب.
الثالثة: أن يكون الاسم بعد شيء الغالب أن يليه فعل، ولذلك أمثلة: منها همزة الاستفهام، نحو: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} 2، فإن فصلت الهمزة فالمختار الرفع، نحو: "أأنت زيد تضربه"3 إلا في نحو: "أكل يوم زيدا تضربه" لأن الفصل بالظرف كلا فصل، وقال ابن الطراوة: إن كان الاستفهام عن الاسم فالرفع، نحو: "أزيد ضربته أم عمرو"4، وحكم بشذوذ النصب في قوله5: [الوافر]
__________
1 فزيدا منصوب بفعل محذوف تقديره: يرحم الله زيدا؛ لأن عدم التعذيب رحمة، فهو خبر معناه الطلب.
2 "54" سورة القمر، الآية: 24.
موطن الشاهد: {أَبَشَرًا ... نَتَّبِعُهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الاسم المشغول عنه بعد أداة الاستفهام الهمزة؛ وحكم نصب الاسم في هذه الحالة: الجواز مع الترجيح؛ لغلبة دخول الهمزة على الأفعال.
3 لأن الاستفهام حينئذ داخل على الاسم -لا على الفعل. وهذا إذا لم يجعل الضمير فاعلا لفعل محذوف، وقد برز وانفصل بعد حذفه- وإلا وجب النصب بالفعل المحذوف؛ لأن الاستفهام حينئذ يكون عن الفعل، وإلى هذا ذهب الأخفش.
4 لأن الاستفهام عن تعيين المفعول، أما الفعل -وهو الضرب- فمحقق. فلا تعلق الهمزة به، ومقتضى تعبيره: أن الرفع واجب، بدليل قوله: وحكم بشذوذ ... إلخ. قال الصبان: والحق عدم الوجوب.
التصريح: 1/ 300، وحاشية الصبان على شرح الأشموني.
5 القائل: هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.(2/145)
234- أثعلبة الفوارس أم رياحا ... عدلت بهم طهية والخشابا
وقال الأخفش: أخوات الهمزة كالهمزة: نحو: "أيهم زيدا ضربه"، "ومن أمة الله ضربها"، ومنها النفي بما أو لا أو إن، نحو: "ما زيدا رأيته" وقيل: ظاهر مذهب
__________
1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة طويلة لجرير، يمدح فيها قبيلتي ثعلبة ورياح، ويذم قبيلتي: طهية والخشاب، ومطلعها:
أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي: إن أصبت لقد أصابا
الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 300، والأشموني: "395/ 1/ 190"، والكتاب لسيبويه: 1/ 52، 489، وأمالي ابن الشجري: 1/ 331، 2/ 317، والعيني: 2/ 533، وديوان جرير: 66.
المفردات الغريبة: ثعلبة ورياح: قبيلتان من بني يربوع بن حنظلة. الفوارس: جمع فارس، وهو أحد ألفاظ جمع فيها "فاعل" وصفا لمذكر عاقل -على "فواعل" ومنها هوالك- جمع هالك، ونواكس جمع ناكس، وحواجّ جمع حاجّ. عدلت: سويت وجعلتهم يعدلونهم في سمو المنزلة. طهية: حي من بني تميم. الخشاب حي من بني مالك بن حنظلة.
المعنى: أتسوي بين قبيلتي ثعلبة الفوارس أو رياح؛ هاتين القبيلتين المعروفتين بالفضل والنبل، وبين طهية والخشاب؛ القبيلتين الوضيعتين اللتين لا وزن لهما؟!!.
الإعراب: أثعلبة: الهمزة حرف استفهام، ثعلبة. مفعول به لفعل محذوف من معنى الفعل المذكور؛ والتقدير: أحقرت ثعلبة؛ أو أهنت ثعلبة. الفوارس: صفة لـ "ثعلبة" باعتبار المعنى. أم: حرف عطف. رياحا: معطوف على ثعلبة منصوب مثله. عدلت: فعل ماضٍ وفاعل "بهم": متعلق بـ "عدل". طهية: مفعول به لـ "عدل". منصوب. والخشابا: الواو عاطفة، الخشابا: معطوف على طهية منصوب.
موطن الشاهد: "أثعلبة الفوارس".
وجه الاستشهاد: نصب "ثعلبة" الواقع بعد همزة الاستفهام، مع أن المستفهم عنه الاسم؛ وهذا النصب بفعل مقدر، يدل عليه المذكور؛ والتقدير: أأهنت أو ظلمت مثلا؛ وهو شاذٌّ -على رأي ابن الطراوة؛ الذي يوجب الرفع إن كان الاستفهام عن الاسم؛ وهو راجح- عند سيبويه وأنصاره -لأنه لا فرق عندهم في ترجيح النصب بين أن يكون الاستفهام عن الاسم أو عن الفعل. انظر شرح التصريح: 1/ 301.(2/146)
سيبويه اختيار الرفع، وقال ابن الباذش1 وابن خروف2: يستويان3، ومنها: "حيث" نحو: "حيث زيدا تلقاه أكرمه" كذا قال الناظم4، وفيه نظر5.
الرابعة: أن يقع الاسم بعد عاطف غير مفصول بأما، مسبوق بفعل غير مبني
__________
1 هو: أبو جعفر؛ أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي، المعروف بابن الباذش النحوي. كان إماما في النحو مقرئا نقادا عرفا بالآداب والإعراب، أخذ النحو عن أبيه الإمام أبي الحسن بن الباذش، له: كتاب الإقناع في القراءات، قيل لم يؤلف مثله، توفي سنة 540 هـ.
البلغة: 26، بغية الوعاة: 1/ 333، تاريخ بغداد: 4/ 258، معجم المؤلفين: 1/ 308 إنباه الرواة: 2/ 84 وفيه "أحمد بن عبيد بن ناصح بن بلنجر".
2 هو: أبو الحسن: علي بن محمد بن علي بن محمد نظام الدين الحضرمي الإشبيلي، إمام في العربية، أخذ عن محمد بن طاهر الأنصاري المعروف بالخدب، وعن ابن ملكون له تصانيف كثيرة منها: كتاب شرح الجمل للزجاجي، وشرح كتاب سيبويه اسمه: تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب، وكتاب الفرائض وغيرها. مات سنة: 606 هـ سنة البلغة: 164، بغية الوعاة: 2/ 203، ابن خلكان: 1/ 433، الأعلام: 5/ 151.
3 أي يستوي الرفع والنصب مع هذه الأحرف؛ لِدخولها على الأسماء والأفعال، بخلاف غيرها من أحرف النفي.
4 أي في شرح الكافية، ونص قوله: ومن مرجحات النصب تقدم "حيث" مجردة من "ما" نحو: حيث زيدا تلقاه فأكرمه؛ لأنها تشبه أدوات الشرط، فلا يليها في الغالب إلا فعل. فإن اقترنت بـ "ما" صارت أداة شرط واختصت بالفعل، وقد وافقه ابن هشام في المغني على ذلك.
مغني اللبيب: 177.
5 يقول في التصريح: إن هذا النظر الذي أبداه الموضح على رأي الناظم في ترجيح نصب الاسم إذا وقع بعد "حيث" عجيب؛ لأنه وافق الناظم على ذلك في المغني؛ حيث قال: وإضافة "حيث" إلى الفعلية أكثر، ومن ثم ترجح النصب في نحو: جلست حيث زيدا أراه. ولعل وجه النظر في قوله: "أكرمه" في المثال الذي ذكره، فإنما ربما يوهم أنه جواب "حيث" مع أن "حيث" المجردة من "ما" -لا جواب لها عند البصريين. ومن جعل لها جوابا من الكوفيين- يوجب النصب بعدها فلا يكون راجحا.
التصريح: 1/ 301.(2/147)
على اسم، كـ: "قام زيد وعمرا أكرمته" ونحو: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} 1 بعد: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} بخلاف نحو: "ضربت زيدا، وأما عمرو فأهنته" فالمختار الرفع؛ لأن: "أما" تقطع ما بعدها عما قبلها، وقرئ: "وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ"2 بالنصب على حد: "زيدا ضربته"، وحتى ولكن وبل كالعاطف، نحو: "ضربت القوم حتى زيدا ضربته".
الخامسة: أن يتوهم في الرفع أن الفعل صفة، نحو: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاه} 3، وإنما لم يتوهم ذلك مع النصب؛ لأن الصفة لا تعمل في الموصوف، وما لا يعمل لا يفسر عاملا.
__________
1 "16" سورة النحل، الآية: 5.
موطن الشاهد: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "والأنعام" معطوفة على قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَة} ؛ فترجح نصب المعطوف فيهما؛ لأن المتكلم به عاطف جملة فعلية على جملة فعلية؛ ولو رفع لعطف جملة اسمية على فعلية؛ وتشاكل الجملتين المتعاطفتين أحسن من تخالفهما. شرح التصريح: 1/ 301.
2 "41" سورة فصلت، الآية: 17.
موطن الشاهد: "أما ثمودَ فهديناهم".
وجه الاستشهاد: نصب "ثمود" بفعل محذوف يفسره "هدينا"؛ والتقدير: وأما "ثمود" فهدينا هديناهم؛ ولا يقدر الفعل قبل ثمود؛ لِئلا يفصل بين "أما" والفاء بجملة تامة، وذلك ممنوع، ولا يقال هنا إن بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، فلا يفسر عاملا؛ لأن الفاء ليست في محلها الأصلي فلا يمنع من العمل.
3 "54" سورة القمر، الآية: 49.
موطن الشاهد: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاه} .
وجه الاستشهاد: نصب "كل" على وجه الترجيح؛ لأنه لو رفع؛ لاحتمل أن تكون جملة "خلقناه" خبرا عنه؛ ويحتمل أن تكون صفة لـ "شيء"؛ والخبر: قوله "بقدر"؛ وهذا يوهم وجود شيء لا بقدر؛ لكونه غير مخلوق لله تعالى؛ كأفعال العباد الاختيارية وأفعال الشر؛ وهذا رأي المعتزلة؛ ولا يرتضيه أهل السنة، أما النصب فنص في عموم خلق الأشياء، خيرها وشرها بقدر، وهو المقصود عند أهل السنة؛ كما هو الحال عند إعراب "خلقناه" خبرا عن كل.(2/148)
ومن ثم وجب الرفع إن كان الفعل صفة، نحو: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} 1، أو صلة، نحو: "زيد الذي ضربه" أو مضافا إليه، نحو: "زيد يوم تراه تفرح"، أو وقع الاسم بعد ما يختص بالابتداء، كإذا الفجائية على الأصح2، نحو: "خرجت فإذا زيد يضربه عمرو"، أو قبل ما لا يرد ما قبله معمولا لما بعده، نحو: "زيد ما أحسنه! " أو: "إن رأيته فأكرمه" أو: "هل رأيته" أو: "هلا رأيته".
__________
= شرح التصريح: 1/ 302.
فائدة: ترجح النصب في المسألة الرابعة؛ لأن الجملة السابقة فعلية، بدليل أنهم ضبطوها بألا يكون الفعل مبنيا على اسم؛ وعلى هذا يكون النصب بتقدير فعل، فتكون الجملة الثانية فعلية أيضا؛ وتكون الواو قد عطفت جملة فعلية على جملة فعلية كما أوضحنا في وجه الاستشهاد على آية: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا} ؛ أما إذا رفعنا؛ فتكون الواو قد عطفت جملة اسمية على جملة فعلية؛ فلا يحصل التشاكل بين المعطوف والمعطوف عليه؛ ومعلوم أن التشاكل بين المتعاطفين أولى، ولهذا، كان حكم النصب في هذه الحالة أرجح؛ وأما لو فصل بين حرف العطف والاسم المشغول عنه بـ "أما" فيجب الرفع؛ لأن من شأن "أما" أن تقطع ما بعدها عما قبلها؛ فيكون ما بعدها كأنه أول الكلام.
1 "54" سورة القمر، الآية: 52.
موطن الشاهد: {كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} .
وجه الاستشهاد: وجب رفع "كل"؛ لتأتي الوصفية التي يستقيم بها المعنى؛ لأن النصب يقتضي أنهم فعلوا في الزبر، صحائف الأعمال -كل شيء؛ مع أنهم لم يفعلوا فيها شيئا، بل الكرام الكاتبون أوقعوا فيها الكتابة، وليس هذا المقصود، بل المعنى: أن كل شيء مفعول لهم ثابت في صحائف أعمالهم؛ صغيرا كان أو كبيرا إنما وجب الرفع لتأتي الوصفية التي يستقيم بها المعنى؛ لأن النصب يقتضي أنهم فعلوا في الزبر -أي صحف الأعمال- كل شيء، مع أنهم لم يفعلوا فيها شيئا، بل الكرام الكاتبون أوقعوا فيها الكتابة. وليس هذا هو المقصود، بل المعنى: أن كل شيء مفعول لهم ثابت في صحائف أعمالهم؛ صغيرا كان أو كبيرا.
التصريح: 1/ 302.
2 هذه إشارة إلى خلاف النحاة في هذه المسألة، وقد حكي الخلاف في مغني اللبيب، وحاصله: أن للنحاة ثلاثة أقوال: الأول: أنه لا يقع بعد إذا الفجائية إلا الأسماء مطلقا. الثاني: أنها تدخل على الأسماء وعلى الأفعال مطلقا. الثالث: تدخل على الأسماء وعلى الأفعال المقترنة بقد، فإن لم يقترن الفعل لم تدخل عليه.
التصريح: 1/ 302-303، ومغني اللبيب: 120 وبعدها.(2/149)
"تنبيهان" الأول: ليس من أقسام مسائل الباب ما يجب فيه الرفع، كما في مسألة إذا الفجائية؛ لِعدم صدق ضابط الباب عليها، وكلام الناظم يوهم ذلك.
الثاني: لم يعتبر سيبويه إيهام الصفة مرجحا للنصب، بل جعل النصب في الآية مثله في: "زيدا ضربته" قال: وهو عربي كثير.
السادسة: أن يكون الاسم جوابا لاستفهام منصوب، كـ: "زيدا ضربته" جوابا لمن قال: "أيهم ضربت" أو: "من ضربت"1.
ويستويان في مثل الصورة الرابعة، إذا بني الفعل على اسم غير "ما" التعجبية، وتضمنت الجملة الثانية ضميره، أو كانت معطوفة بالفاء؛ لِحصول المشاكلة رفعت أو نصبت، وذلك نحو: "زيد قام وعمرو أكرمته لأجله"، أو: "فعمرا أكرمته"2 بخلاف: "ما أحسن زيدا وعمرو أكرمته عنده" فلا أثر للعطف، فإن لم يكن في الثانية
__________
1 فيترجح نصب "زيدا" لأنه جواب المستفهم به منصوب لفظا في المثال الأول، ومحلا في الثاني. وإنما ترجح النصب؛ ليطابق الجواب السؤال. ومثل المنصوب: المضاف إلى منصوب باعتبار ما كان، نحو: كتاب محمد استعرته جوابا لمن قال: كتاب من استعرت؟ هذا ولم يشر الناظم إلى المسألتين: الخامسة والسادسة من مواضع ترجيح النصب وقد ذكر الأشموني من مواضع ترجيح النصب: أن يقع اسم الاشتغال بعد شبيه بالعاطف على الجملة الفعلية؛ نحو: أكرمت القوم حتى محمدا أكرمته، وما سافر علي لكن محمدا عاتبته. فـ "حتى" و"لكن" حرفا ابتداء أشبها العاطفين، ولم يعتبرا عاطفين هنا؛ لدخولهما على الجمل، والعاطف منهما إنما يدخل على المفرد.
التصريح: 1/ 303، والأشموني: 1/ 191.
2 فيجوز في "عمرو" الرفع والنصب على السواء؛ وذلك لأن "زيد قام" جملة ذات وجهين، وهي جملة كبرى؛ لأنها تتضمن جملة صغرى هي: "قام" المبنية على المبتدأ؛ فإن نظر إلى صدرها فهي اسمية، فيرفع "عمر" ليعطف جملة اسمية على مثلها، وكلاهما لا محل له من الإعراب. وإن نظر إلى عجزها نصب؛ ليعطف جملة اسمية على مثلها، وكلاهما لا محل له من الإعراب. وإن نظر إلى عجزها نصب؛ ليعطف جملة فعلية على مثلها، ومحلها الرفع على الخبرية. والرابط بين الجملتين: إما الضمير في "لأجله" أو الفاء؛ لأنها للسببية فتقوم مقام المضير.
التصريح: 1/ 304.(2/150)
ضمير للأول، ولم يعطف بالفاء، فالأخفش والسيرافي يمنعان النصب1، وهو المختار، والفارسي وجماعة يجيزونه2، وقال هشام: الواو كالفاء.
[أحكام تتعلق بالاشتغال] :
وهذه أمور متممات لما تقدم:
أحدها: أن المشتغل عن الاسم السابق كما يكون فعلا، كذلك يكون اسما، لكن بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون وصفا3، الثاني: أن يكون عاملا، الثالث: أن يكون صالحا للعمل فيما قبله، وذلك نحو: "زيد أنا ضاربه الآن أو غدا" بخلاف نحو: "زيد عليكه" و: "زيد ضربا إياه" لأنهما غير صفة، نعم يجوز النصب عند من جوز تقديم معمول اسم الفعل، وهو الكسائي، ومعمول المصدر الذي لا ينحل بحرف مصدري، وهو المبرد والسيرافي، وبخلاف نحو: "زيد أنا ضاربه أمس" لأنه غير عامل على الأصح، و: "زيد أنا الضاربه" و: "وجه الأب زيد حسنه"؛ لأن الصلة والصفة المشبهة لا يعملان فيما قبلهما.
__________
1 أي: بناء على أن العطف على الصغرى؛ لأن المعطوف على الخبر خبر، ولا بد فيه من رابط، وهو مفقود -هنا- فإن عطف على الكبرى ترجح الرفع؛ وإلى هذا، أشار الناظم:
وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا ... به عن اسم، فاعطفن مخيرا
والمقصود: إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة فعلية، هي خبر عن المبتدأ؛ فأنت بالخيار؛ بين العطف على ما قبله، عطف جملة فعلية على مثلها، أو عطف جملة اسمية على اسمية؛ مراعاة للصدر أو العجز: ضياء السالك: 2/ 76، وشرح التصريح: 1/ 303.
2 أي: يجيزون النصب مع العطف على الجملة الصغرى، ويكون ذلك مستثنى مما يحتاج إلى رابط؛ واستدلوا بإجماع القراء على نصب: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} وهي معطوفة على: {يَسْجُدَان} من قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} ، وليس فيها ضمير يعود إلى النجم والشجر؛ ويبرر الاستثناء أنهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل.
ابن عقيل: 1/ 411، وانظر شرح التصريح: 1/ 303-304، وحاشية الصبان: 2/ 80-81.
3 انظر الشروط في أول البحث.(2/151)
الثاني: لا بد في صحة الاشتغال من عُلْقَة بين العامل والاسم السابق، وكما تحصل العلقة بضميره المتصل بالعامل، كـ: "زيدا ضربته"، كذلك تحصل بضميره المنفصل من العامل بحرف الجر، نحو: "زيدا مررت به" أو باسم مضاف، نحو: "زيدا ضربت أخاه" أو باسم أجنبي أتبع بتابع مشتمل على ضمير الاسم بشرط أن يكون التابع نعتا له، نحو: "زيدا ضربت رجلا يحبه" أو عطفا بالواو، نحو: "زيدا ضربت عمرا وأخاه" أو عطف بيان، كـ: "زيدا ضربت عمرا أخاه" فإن قدرت الأخ بدلا بطلت المسألة رفعت أو نصبت، إلا إذا قلنا عامل البدل والمبدل منه واحد صح الوجهان.
الثالث: يجب كون المقدر في نحو: "زيدا ضربته"1 من معنى العامل. المذكور ولفظه، وفي بقية الصور2 من معناه دون لفظه، فيقدر: جاوزت زيدا مررت به3، وأهنت زيدا ضربت أخاه4.
الرابع: إذا رفع فعلٌ ضميرَ اسم سابق، نحو: "زيد قام" أو: "غضب عليه"5
__________
1 أي: مما يكون فيه العامل متعديا بنفسه، وناصبا لضمير الاسم السابق بنفسه.
2 المقصود ببقية الصور ما يلي:
أ- أن يكون العامل متعديا ناصبا لاسم ظاهر مضاف إلى ضمير عائد إلى الاسم السابق؛ نحو مثال المؤلف: زيدا ضربت أخاه؛ أو عمرا عرفت أباه أو نحو ذلك.
ب- أن يكون العالم لازما ناصبا للمشغول به بحرف الجر؛ والمجرور: ضمير الاسم السابق؛ نحو: زيدا مررت به، والجائزة فرحت بها.
ج- أن يكون العامل لازما ناصبا للمشغول به بحرف الجر؛ والمجرور: اسم ظاهر مضاف إلى ضميره؛ نحو: زيدا مررت ببستانه، والكريم وقفت ببابه؛ وهنا نقدر فعلا يتفق مع المعنى، نحو: لابست زيدا مررت ببستانه، ولا يقدر جاوزت؛ لأننا لم نجاوز زيدا، ولم نمرر به، وإنما حدث ذلك لبستانه.
ابن عقيل: 1/ 413، وانظر شرح التصريح: 1/ 307، حاشية الصبان: 2/ 82-83.
3 لأن "مررت" لا تصل إلى الاسم بنفسها؛ لكون الفعل لازما، كما أسلفنا.
4 لكون الضرب لم يقع على زيد، وإنما حصلت له إهانة من جراء ضرب الأخ.
5 أتى المؤلف بمثالين؛ ليدل على أنه لا فرق بين أن يكون الضمير المرفوع على الفاعلية، كالمثال الأول "زيد قام"، أو على النيابة عن الفاعل كالمثال الثاني "غضب عليه"؛ فالهاء -هنا في محل رفع نائب فاعل لـ "غضب".(2/152)
أو ملابسا لضميره، نحو: "زيد قام أبوه" فقد يكون ذلك الاسم واجب الرفع بالابتداء، كـ: "خرجت فإذا زيد قام" و: "ليتما عمرو قعد" إذا قدرت "ما" كافة1.
أو بالفاعلية2، نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 3 و: "هلا زيد قام".
__________
1 أي: يكون الاسم المرفوع واقعا بعد أداة تختص بالدخول على الأسماء، نحو: إذا الفجائية ومن الأدوات التي تختص بالأسماء "ليت" المكفوفة بـ "ما" الكافة؛ أما إذا كانت "ما" المتصلة زائدة غير كافة، فإن ليت تكون عاملة على أصلها؛ فيتعين نصب الاسم الذي يليها على أنه اسم "ليت"؛ وإن قدرت "ما" مصدرية، تؤول مع ما بعدها بمصدر؛ فإنه يجب رفع الاسم التالي لها على الفاعلية لفعل محذوف، ويكون المصدر المؤول من الفعل المقدر وفاعله منصوبا على أنه اسم "ليت"؛ وخلاصة القول: للاسم بعد "ليتما" ثلاث حالات هي:
أ- وجوب الرفع على أنه مبتدأ، وذلك إذا قدرت "ما" كافة.
ب- جواز النصب على أنه اسم "ليت"، وذلك إذا قدرت "ما" زائدة غير كافة؛ وجواز الرفع لجواز الإعمال والإلغاء على المشهور.
ج- وجوب الرفع على الفاعلية بفعل محذوف، وذلك إذا قدرت "ما" مصدرية.
انظر شرح التصريح: 1/ 307-308، وحاشية الصبان.
2 وذلك، إذا وقع الاسم المرفوع بعد أداة، لا يجوز أن يليها إلا الفعل كأدوات الشرط، كما في الآية الواردة في النص، وأدوات التحضيض؛ ومعلوم أن هذا جار على مذهب البصريين؛ أما الكوفيون، فإنهم يجيزون دخول أدوات الشرط، وأدوات التحضيض على الأسماء؛ وعلى مذهبهم يجوز أن يكون الاسم مرفوعًا بعدها على الابتداء، غير أن النصب أرجح. انظر ابن عقيل: 1/ 409، وشرح التصريح: 1/ 308.
3 "9" سورة التوبة، الآية: 6.
موطن الشاهد: {إِنْ أَحَدٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ لأن "إن" أداة شرط؛ وأدوات الشرط والتحضيض تختص بالأفعال -على رأي جمهور البصريين- فارتفاع "أحد" على الفاعلية -خلافا للكوفيين، كما أسلفنا.(2/153)
وقد يكون راجح الابتدائية على الفاعلية1، نحو: "زيد قام" عند المبرد ومتابعيه، وغيرهم يوجب ابتدائيته؛ لِعدم تقدم طالب الفعل.
وقد يكون راجح الفاعلية على الابتدائية2، نحو: "زيد ليقم"3، ونحو "قام زيد وعمرو قعد"، ونحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} 4 و: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} 5.
وقد يستويان نحو: "زيد قام وعمرو قعد عنده".
__________
1 وذلك متى تقدم اسم مرفوع، ولم تسبقه أداة تختص بالأفعال، أو أداة تختص بالأسماء؛ ويتأخر عنه فعل قاصر؛ وللعلماء في هذه الحالة مذاهب:
أ- ترجيح الرفع على الابتداء؛ لأن ذلك لا يحتاج إلى تقدير؛ وهو مذهب الفراء ومن تابعه.
ب- ترجيح رفعه على أنه فاعل بفعل محذوف؛ وهو مذهب ابن العريف.
ج- وجوب رفعه على الابتداء، وهو مذهب البصريين.
د- جواز رفعه على أنه فاعل الفعل المتأخر عنه؛ وهو مذهب الكوفيين.
انظر شرح التصريح: 1/ 308.
2 أي: من نفي أو استفهام.
3 وذلك أن يأتي الاسم مرفوعا، ويليه فعل طلبي؛ نحو: عمرو ليذهب؛ أو أن يكون الاسم المرفوع مسبوقا بأداة يغلب دخولها على الأفعال؛ نحو: أأعداؤنا يهددوننا؟ أو أن يسبق الاسم المرفوع بجملة فعلية، ويليه فعل؛ فيترجح الرفع على الفاعلية أيضا؛ ليكون تناسب بين المتعاطفين "جملة فعلية على جملة فعلية"؛ نحو: خسر خالد وزهير ربح.
4 "64" سورة التغابن، الآية: 6.
موطن الشاهد: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} .
وجه الاستشهاد: إعراب "بشر" فاعلا لفعل محذوف؛ تفسيره المذكور بعده؛ لأنه سبق بهمزة الاستفهام التي يغلب دخولها على الأفعال؛ وحكم إعرابه فاعلا لفعل محذوف الجواز مع الترجيح لما ذكرنا.
5 "56" سورة الواقعة، الآية: 59.
موطن الشاهد: {أََأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} .
وجه الاستشهاد: إعراب "أنتم" فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ لأنه سبق بهمزة الاستفهام -كما في الآية السابقة- وحكم إعرابه فاعلا لفعل محذوف الجواز مع الترجيح. =(2/154)
..........................................................................
__________
= فائدة: قال في الهمع: يشترط في الاسم المشغول عنه: أن يكون قابلا للإضمار؛ فلا يصح الاشتغال عن الحال، أو تمييز، أو مصدر مؤكد، أو مجرور بما لا يجر المضمر؛ كحتى والكاف، وأن يكون مفتقرا لما بعده. فليس من الاشتغال، نحو: في الدار محمد فأكرمه. وأن يكون واحدا لا متعددا وأن يكون مختصا، لا نكرة محضة؛ ليصح رفعه بالابتداء؛ فليس من الاشتغال قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} بل رهبانية معطوف على ما قبله بتقدير مضاف؛ أي: ابتدعوها صفة.
حاشية يس على التصريح: 1/ 308.(2/155)
[باب اللازم والمتعدي] :
هذا باب التعدي واللزوم:
[أنواع الفعل من حيث التعدي واللزم] :
الفعل ثلاثة أنواع1:
أحدها: ما لا يوصف بتعدٍّ ولا لزوم، وهو: "كان" وأخواتها، وقد تقدمت.
الثاني: المتعدي، وله علامتان؛ إحداهما: أن يصح أن يتصل به هاء ضمير غير
__________
1 في اللغة أفعال تتعدى حينا بنفسها، وحينا بحرف الجر؛ نحو: "نصح وشكر" فيستعمل كلا هذين الفعلين -على سبيل المثال- متعديين في مثل: نصحته وشكرته على الهدية، كما يستعملان لازمين في نحو: نصحت له، وشكرت له حسن إصغائه؛ فمثل هذين الفعلين وما شابههما، يكون استعمالهما متعديين لغة قبيلة، واستعمالهما لازمين لغة قبيلة أخرى؛ فهي بالنظر إلى كل قبيلة على حدتها داخلة في أحد القسمين المتعدي واللازم؛ وللنحاة في هذه الأفعال ثلاثة آراء:
الأول: أن هذا النوع من الأفعال قسم مستقل بذاته؛ فليس هو من قبيل المتعدي، ولا من قبيل اللازم؛ وأصحاب هذا الرأي نظروا إلى الاستعمالين معا، فلم يجرؤوا على التمييز بين استعمال وآخر؛ لأن كلا الاستعمالين منقول عمن يحتج بلغتهم من العرب.
الثاني: أن ننظر إلى الاستعمال الذي يعدي هذه الأفعال بحرف الجر فنجعله -هو الأصل، ثم نجعل ما نتصوره متعديا بنفسه منقولا عن اللازم بحذف حرف الجر؛ وإيصال الفعل إلى ما كان مجرورا، وهو ما يسميه علماء اللغة: "الحذف والإيصال". واختار هذا الرأي ابن عصفور.
الثالث: أن ننظر إلى الاستعمال الذي يعدي هذه الأفعال بنفسها، فنجعله -هو- الأصل، ثم نجعل الاستعمال الآخر الذي يعديها بحرف الجر من باب زيادة حرف الجر، وهذي رأي ذكره أبو حيان وفيه نظر.
انظر حاشية يس على التصريح: 1/ 308-309.(2/156)
المصدر، الثانية: أن يبنى منه اسم مفعول تام، وذلك كـ: "ضرب" ألا ترى أنك تقول: "زيد ضربه عمرو" فتصل به هاء ضمير غير المصدر وهو: "زيد"، وتقول: "هو مضروب" فيكون تاما.
وحكمه أن ينصب المفعول به، كـ: "ضربت زيدا" و: "تدبرت الكتب" إلا إن ناب عن الفاعل، كـ: "ضُرِبَ زيد" و: "تدبرت الكتب".
الثالث: اللازم، وله اثنتا عشرة علامة، وهي:
أن لا يتصل به هاء ضمير غير المصدر، وأن لا يبنى منه اسم مفعول تام، وذلك كـ: "خرج"، ألا ترى أنه لا يقال: "زيد خرجه عمرو" ولا: "هو مخروج" وإنما يقال "الخروج خرجه عمرو" و: "هو مخروج به، أو إليه".
وأن يدل على سجية، وهي: ما ليس حركة جسم، من وصف ملازم، نحو: جبن وشجع.
أو على عرض، وهو: ما ليس حركة جسم من وصف غير ثابت، كمرض وكسل ونهم إذا شبع.
أو على نظافة كنظف وطهر ووضؤ.
أو على دنس، نحو نجس وقذر.
أو على مطاوعة فاعله لفاعل فعل متعدٍّ لواحد، نحو كسرته فانكسر، ومددته فامتد، فلو طاوع ما يتعدى فعله لاثنين تعدى لواحد كعلَّمته الحساب فتعلمه.
أو يكون موازنا لافعلَلَّ كـ "اقشعرَّ واشمأزَّ"، أو لما ألحق به، وهو افوعل، كـ "اكْوَهَدَّ" الفرخ إذا ارتعد.
أو لافعنلل كـ "احرنجم"، أو لما ألحق به، وهو افعنلل بزيادة إحدى اللاميين كـ "اقعنسس الجمل" إذا أبى أن ينقاد، وافعنلى كـ "احرنبى الديك" إذا انتفش للقتال.
[حكم اللازم أن يتعدى بالجار] :
وحكم اللازم: أن يتعدى بالجار، كـ: "عجبت منه"، "مررت به"، و"غضبت عليه".(2/157)
[حذف الجر شذوذا] :
وقد يُحذف ويبقى الجر شذوذا، كقوله1: [الطويل]
235- أشارت كليبٍ بالأكف الأصابع2
أي: إلى كليب.
__________
1 القائل: هو الفرزدق همام بن غالب وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
إذا قيل: أي الناس شر قبيلة؟
والبيت من أبيات يهجو فيها جريرا، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 312، والأشموني: "398/ 1/ 196"، وابن عقيل: "221/ 3/ 39"، والهمع: 2/ 26، 2/ 81، والدرر: 2/ 37، 2/ 106، والخزانة: 3/ 669، 4/ 208، والعيني: 2/ 542، 3/ 354، ومغني اللبيب: "1/ 15" "1098/ 843" وشرح السيوطي: 3، وديوان الفرزدق: 520.
المفردات الغريبة: كليب: هو ابن يربوع أبو قبيلة جرير: بالأكف: الباء بمعنى "مع": أي: مع الأكف.
المعنى: إذا ما سأل سائل عن شر القبائل وأحقرها؛ أشارت الأصابع مع الأكف إلى "كليب" وأبى المسؤولون النطق باسمها لحقارتها، والتعفف عن ذكر اسمها.
الإعراب: إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط. قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول؛ وهو فعل الشرط. أي اسم استفهام، مبتدأ. الناس: مضاف إليه. شر: خبر. "أي" مرفوع، وهو مضاف. قبيلة: مضاف إليه؛ ويجوز أن ينون "شر" لأنه الخبر، وينصب "قبيلة" على التمييز؛ وكلاهما جائز؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل رفع نائب فاعل -على رأي من يجيز وقوع الجملة في محل رفع فاعل أو نائب فاعل- وجملة "قيل مع نائب الفاعل": في محل جر بالإضافة لـ "إذا". أشارت: فعل ماضٍ والتاء: للتأنيث. كليب: مجرور محرف جر محذوف؛ والتقدير: أشارت إلى كليب؛ و"إلى كليب": متعلق بـ "أشارت" بالأكف": متعلق بمحذوف حال من الأصابع؛ ومعلوم أن الباء هنا تفيد المصاحبة. الأصابع: فاعل "أشارت" مرفوع؛ وتقدير الكلام: أشارت الأصابع حال كونها مصاحبة للأكف إلى كليب.
موطن الشاهد: "كليب".
وجه الاستشهاد: جر "كليب" بحرف جر محذوف؛ وحكم هذا الجر الشذوذ؛ لأن عامل الجر ضعيف وهو لا يعمل بعد حذفه. غير أن للبيت رواية أخرى برفع "كليب" على أنه لمبتدأ محذوف؛ أي: هي كليب -يكون جمع بين الإشارة والعبارة- ولا شاهد فيه على هذه الرواية.(2/158)
[حذف الجر وانتصاب المجرور] :
وقد يحذف وينصب المجرور، وهو ثلاثة أقسام:
1- سماعي جائز في الكلام المنثور، نحو: "نصحته" و: "شكرته"، والأكثر ذكر اللام، نحو: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} 1 {أَنِ اشْكُرْ لِي} 2.
2- وسماعي خاص بالشعر، كقوله3: [الكامل]
236- ... كَمَا عَسَلَ الطريقَ الثعلَبُ4
__________
1 "7" سورة الأعراف، الآية: 79.
موطن الشاهد: {نَصَحْتُ لَكُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "نصح" لازما متعديا بحرف الجر، وهو أحد استعمالي هذا الفعل؛ حيث يستعمل متعديا بنفسه أيضا؛ واستعماله متعديا بحرف الجر أرجح؛ لأنه لغة التنزيل.
2 "31" سورة لقمان، الآية: 14.
موطن الشاهد: {اشْكُرْ لِي} .
وجه الاستشهاد: استعمال فعل "شكر" لازما متعديا بحرف الجر؛ وهذا أحد استعمالي هذا الفعل؛ لأنه يستعمل متعديا بنفسه أيضا؛ واستعماله متعديا بحرف الجر أرجح؛ لأنه لغة التنزيل.
3 القائل: هو ساعدة بن جؤية الهذلي؛ أحد بني كعب بن كاهل من سعد هذيل، شاعر من مخضرمي الجاهلية والإسلام، أسلم وليست له صحبة، قال الأصمعي: شعره محشو بالغريب والمعاني الغامضة، وله ديوان شعر مطبوع.
الخزانة: 3/ 86، الآمدي: 83، وسمط اللآلي: 115.
4 تخريج الشاهد: هذا قطعة من بيت للشاعر يصف رمحا باللدونة وهو بتمامه:
لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه، كما عسل الطريق الثعلب
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 312، والأشموني: "400/ 1/ 197"، والهمع: 1/ 200، 2/ 81، والدرر: 1/ 169، 2/ 105، والكتاب لسيبويه: 1/ 16، 108، والعيني: 2/ 544، والخصائص: 3/ 319، وأمالي ابن الشجري: 1/ 42، 2/ 248، والخزانة: 1/ 474، وديوان الهذليين: 1/ 901، والمغني "2/ 15، "920/ 681" "976/ 570"، والسيوطي: 5، 299. =(2/159)
وقوله1: [البسيط]
237- آليت حب العراق الدهر أطعمه2
أي: في الطريق، وعلى حب العراق.
__________
= المفردات الغريبة: لدن: لين ناعم. يعسل: يضطرب ويتحرك. متنه: المراد: ظهر الرمح وصدره.
المعنى: يصف الشاعر رمحا شديد الليونة؛ فهو لجودته شديد الليونة، يتحرك ويضطرب متنه بسبب هزه باليد، كما يضطرب الثعلب في الطريق خوفا من أن يدرك.
الإعراب: لدن: خبر المبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو لدن؛ أو صفة لموصوف في البيت السابق. "بهز": معلق بـ "لدن"، وهو مضاف. الكف: مضاف إليه. يعسل: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. متنه: فاعل مرفوع، والهاء: مضاف إليه "فيه": متعلق بـ "يعسل". كما: الكاف حرف جر، و"ما": حرف مصدري مبني على السكون. عسل: فعل ماضٍ. الطريق: منصوب على نزع حرف الجر؛ لأن الأصل: عسل في الطريق. الثعلب: فاعل مرفوع. والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف واقع صفة لمصدر محذوف واقعا مفعولا مطلقا لـ "يعسل" والتقدير: يعسل متن هذا الرمح اللدن في كف صاحبه إذا هزه عسلانا مشابها لعسلان الثقعلب في الطريق.
موطن الشاهد: "عسل الطريق".
وجه الاستشهاد: انتصاب "الطريق" بعد حذف حرف الجر "في"؛ ومثل هذا الحذف خاص بالشعر.
1 هو: المتلمس: جرير بن عبد المسيح؛ من بني ضبيعة بن ربيعة، وسمي المتلمس لقوله:
فهذا أوان العرض حيا ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمسُ
كان ينادم عمرو بن هند ملك الحيرة، مع طرفة بن العبد، فهجواه، فكتب إلى عامله بالبحرين كتابين وأرسله معهما ففتح المتلمس كتابه فنجا وقتل طرفة، والمتلمس أشعر المقلين الجاهليين، أتى بصري فهلك بها.
الشعر والشعراء: 1/ 179، الأغاني: 21/ 120، الاشتقاق: 192، سمط اللآلي: 302.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
والحب يأكله في القرية السوسُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 312، والأشموني: "399/ 1/ 197" والكتاب: 1/ 17، وأمالي ابن الشجري: 1/ 365، والعيني: 2/ 548، والمغني: "148/ 134" "445/ 323" "1008/ 769". =(2/160)
3- وقياسي، وذلك في أن وأن وكي1، نحو: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا
__________
= المفردات الغريبة: آليت: حلفت. حب العراق، الحب: اسم جنس جمعي يشمل الحنطة والشعير وغيرهما. أطعمه: أذوقه. السوس: دود يقع في الطعام وفي الصوف.
المعنى: أقسمت ألا آكل شيئا من خيرات العراق على الرغم من كونه كثير الخير والحب، فخزائنه مملوءة بالحب الوفير، ولكثرته يأكله السوس.
الإعراب: آليت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل. حب: منصوب على نزع الخافض؛ لأن الأصل: أقسمت على حب؛ وحب: مضاف. العراق: مضاف إليه. "الدهر": متعلق بـ "أطعم" الآتي. أطعمه: فعل مضارع مرفوع؛ وهي منفي بـ "لا" محذوفة؛ والتقدير: لا أطعمه، والفاعل: أنا؛ والهاء: ضمير عائد إلى العراق في محل نصب مفعول به. والحب: الواو حالية، الحب: مبتدأ مرفوع. يأكله: فعل مضارع، والهاء: مفعول به. "في القرية": متعلق بـ "يأكل". السوس: فاعل مرفوع. وجملة "يأكله في القرية السوس": في محل رفع خبر المبتدأ "الحب؛ والجملة الاسمية "الحب يأكله في القرية السوس": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "آليت حب العراق".
وجه الاستشهاد: حذف حرف الجرن وانتصاب "حب" لحذف حرف الجر؛ وهو ما يسمى بالنصب على نزع الخافض؛ وحكم حذف حرف الجر -هنا- عدم الجواز إلا للضرورة الشعرية، كما في البيت السابق؛ وأمثلته كثيرة في الشعر العربي.
1 أي حين يكون المجرور مصدرا مؤولا من حرف مصدري من أحد هذه الأحرف المصدرية مع صلته؛ وإنما كان الحذف قياسا في هذه؛ لطولها بالصلة، ولأن دخول الحرف في الظاهر على موصول حرفي غير مستساغ؛ وقد اختلف في محلها بعد الحذف، والأقيس: أنها في محل نصب وإليه ذهب المصنف، وأجازه الخليل وسيبويه، ولكنهما جعلا أقوى منه أن يكون المحل جرا. ورجح النحاة عدم القياس على "أن" و"أن"، فلا تقول "بريت السكين القلم" على أن الأصل: بريت بالسكين القلم. وذهب الأخفش الأصغر -علي بن سليمان البغدادي- إلى جواز القياس عليهما بشرط أمن اللبس واستدل بورود مثل ذلك في قول الشاعر:
وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني
التصريح: 1/ 313. وابن عقيل: 2/ 151-152.(2/161)
هُوَ} 1، ونحو: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُم} 2، ونحو: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَة} 3، أي بأنه، ومن أن جاءكم، ولكيلا، وذلك إذا قدرت "كي" مصدرية، وأهمل النحويون هنا ذكر "كي"، واشترط ابن مالك في أَنَّ وأَنْ أمن اللبس؛ فمنع الحذف في نحو: "رغبت في أن تفعل" أو: "عن أن تفعل" لإشكال المراد بعد الحذف4، ويشكل عليه: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} 5، فحذف الحرف مع أن المفسرين اختلفوا في المراد.
__________
1 "3" سورة آل عمران، الآية: 18.
موطن الشاهد: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ ... } .
وجه الاستشهاد: "حذف حرف الجر قبل "أنه"؛ لطوله بالصلة؛ والحذف هنا قياسي؛ والأصل: شهد الله بأنه لا إله إلا هو، ومحل أن وما دخلت عليه النصب على مذهب الخليل بن أحمد وسيبويه في أحد قوليهما؛ لأنهما جعلا أقوى منهما أن يكون المحل جرا وقيل غير ذلك. شرح التصريح: 1/ 313.
2 "7" سورة الأعراف، الآية: 63.
موطن الشاهد: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ} .
وجه الاستشهاد: حذف حرف الجر قبل "أن جاءكم"؛ لطوله بالصلة؛ والحذف هنا قياسي كما في الآية السابقة.
3 "59" سورة الحشر، الآية: 7.
موطن الشاهد: {كَيْ لَا يَكُونَ} .
وجه الاستشهاد: حذف حرف الجر قبل "كي لا يكون"؛ والحذف هنا قياسي كما في الآيتين السابقتين.
4 فإنه لا يتضح المراد بعد الحذف، ولا يدرى أهو علم "عن" أو "في" والمعنيان مختلفان، وليس هنالك قرينة تزيل هذا اللبس.
5 "4" سورة النساء، الآية: 127.
موطن الشاهد: {أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} .
وجه الاستشهاد: حذف الحرف قبل "أن" واختلف النحاة بسبب اللبس لعدم القرينة المرجحة؛ فبعضهم قدر "في أن" وبعضهم قدر "عن أن" واستدل كل على ما ذهب إليه، وأجيب عنه بجوابين، ذكرهما المرادي في شرح النظم؛ أحدهما: أن يكون حذف الحرف اعتمادا على القرينة الرافعة للبس؛ والآخر: أن يكون حذف لقصد الإبهام ليرتدع بذلك من يرغب فيهن لجمالهن ومالهن، ومن يرغب عنهن لدمامتهن وفقرهن، وقد أجاز بعض المفسرين التقديرين وفي الكشاف: يحتمل في أن تنكحوهن؛ لجمالهن وعن أن تنكحوهن لدمامتهن، وتبعه البيضاوي، وإنما اختلف العلماء في المقدر من الحرفين في الآية؛ لاختلافهم في سبب نزولها فالخلاف في الحقيقة في القرينة.
التصريح: 1/ 313، ومغني اللبيب: 682، 788.(2/162)
[تقدم بعض المفاعيل على بعض أصالة] :
فصل: لبعض المفاعيل الأصالة في التقدم على بعض: إما بكونه مبتدأ في الأصل، أو فاعلا في المعنى، أو مسرَّحا لفظا أو تقديرا1، والآخر مقيد لفظا أو تقديرا، وذلك كـ: "زيدا" في: "ظننت زيدا قائما" و: "أعطيت زيدا درهما" و: "اخترت زيدا القوم"، أو: "من القوم"2.
ثم قد يجب الأصل، كما إذا خيف اللبس، كـ: "أعطيت زيدا عمرا"3، أو كان الثاني محصورا4، كـ: "ما أعطيت زيدا إلا درهما" أو ظاهرا والأول ضمير5، نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 6.
__________
1 أي غير مقيد بحرف من حروف الجر.
2 تقدم "زيدا" لأنه غير مقيد بجار لفظا وتقديرا، فالرابطة بينه وبين الفعل أقوى؛ لأنه يتعدى إليه بنفسه، و"القوم" مقيدا تقديرا في الأول، ولفظا في الثاني. ومن ذلك قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} .
3 حيث يتعين أن يكون المقدم هو المفعول الأول؛ لأن كلا منهما يصلح أن يكون آخذا ومأخوذا؛ فلا بد من التقديم؛ ليكون المتقدم هو الآخذ.
4 أي: أن يكون الحصر واقعا عليه؛ فلو تقدم؛ لفسد الحصر، وزال الغرض منه، ولا مانع من تقديمه مع إلا؛ لأن المحصور فيه هو الواقع بعد إلا مباشرة. ضياء السالك: 2/ 90.
5 أي: أن يكون الثاني اسما ظاهرا، والأول ضميرا متصلا؛ لأنه لو تأخر لانفصل، ولا يعدل عن الاتصال إلا في مسائل، ليس هذا منها؛ ولا مانع من تقديم الثاني على الأول والفعل معا؛ نحو: الكتاب منحتك. انظر شرح التصريح: 1/ 314، وضياء السالك: 4/ 90.
6 "108" سورة الكوثر، الآية: 1.
موطن الشاهد: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} .
وجه الاستشهاد: جاء المفعول الأول ضميرا متصلا بالفعل "أعطى" والمفعول الثاني جاء اسما ظاهرا؛ وفي هذه الحال، تقدم الأول على الثاني واجب، كما في المتن.(2/163)
وقد يمتنع كما إذا اتصل الأول بضمير الثاني1، كـ: "أعطيت المال مالكه" أو كان محصورا، كـ: "ما أعطيت الدرهم إلا زيدا" أو مضمرا والأول ظاهر، كـ: "الدرهمَ أعطيته زيدا". و"القوم اخترتهم عمرا".
[جواز حذف المفعول لغرض لفظي أو معنوي] :
فصل: يجوز حذف المفعول لغرض؛ إما لفظي كتناسب الفواصل2 في نحو: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} 3، ونحو: {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} 4، وكالإيجاز في نحو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} 5.
وإما معنوي كاحتقاره في نحو: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ} 6، أي: الكافرين، أو
__________
1 أما الامتناع في الأولى فلئلا يعود ضمير على متأخر لفظا ورتبة، وأما في الثاني فلأن المحصور فيه واجب التأخير، وأما في الثالث فلأنه إذا أمكن الاتصال لا يعدل عنه إلى الانفصال إلا فيما يستثنى وليس هذا منه.
التصريح: 1/ 314.
2 أي نهاية الجمل المتصلة اتصالا معنويا، ومنها: رءوس الآي التي ذكرها المصنف.
3 "93" سورة الضحى، الآية: 3.
موطن الشاهد: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} .
وجه الاستشهاد: حذف مفعول "قلى"؛ ليناسب "سجى، والأولى"؛ والأصل: ما ودعك ربك وما قلاك.
4 "20" سورة طه، الآية: 3.
موطن الشاهد: {تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} .
وجه الاستشهاد: حذف مفعول يخشى؛ لأن التقدير: يخشاه على الأرجح؛ لتكون نهاية الجملة بكلمة مناسبة مشابهة في وزنها لكلمة "تشقى" التي انتهت بها الجملة السابقة.
5 "2" سورة البقرة، الآية: 24.
موطن الشاهد: {إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} .
وجه الاستشهاد: "حذف المفعول للإيجاز في الموضعين؛ لأن الأصل: فإن لم تفعلوه ولن تفعلوه -أي الإتيان بسورة من مثله- وحكم هذا الحذف الجواز عند وجود القرينة الدالة على المراد.
6 "58" سورة المجادلة، الآية: 21.
موطن الشاهد: {لَأَغْلِبَنَّ} .
وجه الاستشهاد: حذف المفعول به؛ لأن الأصل: لأغلبن الكافرين؛ ولم يصرح بذكره؛ لاحتقاره؛ وحكم الحذف الجواز عند وجود القرينة الدالة على المراد في الآية السابقة.(2/164)
لاستهجانه كقول عائشة1 رضي الله عنها: "ما رأى مني ولا رأيت منه"2 أي: العورة.
[متى يمتنع حذفه؟] :
وقد يمتنع حذفه؛ كأن يكون محصورا، نحو: "إنما ضربت زيدا"، أو جوابا كـ: "ضربت زيدا" جوابا لمن قال: "من ضربت"؟ 3.
[جواز حذف ناصب المفعول] :
فصل: وقد يحذف ناصبه إن علم، كقولك لمن سدد سهما "القرطاس" ولمن تأهب لسفر "مكة" ولمن قال: من أضرب "شر الناس" بإضمار: تصيب، وتريد، واضرب.
[وجوب حذف ناصب المفعول] :
وقد يجب ذلك كما لا في الاشتغال، كـ: "زيدا ضربته"4 والنداء، كـ: "يا
__________
1 هي: أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد موت خديجة بثلاث سنوات، وكانت أحب نسائه إليه، ولم يتزوج بكرا غيرها. توفيت سنة 58 هـ.
2 هذا الكلام للسيدة عائشة رضي الله عنها وتعني بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-.
موطن الشاهد: "ما رأى مني ولا رأيت منه".
وجه الاستشهاد: حذف المفعول به؛ لأن التقدير: في الموضعين "العورة"؛ فحذف المفعول لاستهجانه؛ وحكم الحذف الجواز عند وجود القرينة الدالة على المراد.
3 بقي أنه قد يجب حذف المفعول ولا يجوز ذكره، وذلك كما في باب التنازع إذا أعملت ثاني العاملين في الاسم المتنازع فهي وكان الأول يحتاج إلى منصوب: نحو أن تقول "ضربت وضربني زيد" إذ لو أعملت العامل الأول في ضمير الاسم المتنازع فيه؛ لعاد الضمير على متأخر من غير ضرورة.
4 لأنه لا يجمع بين المفسر والمفسر له.(2/165)
عبد الله"1، وفي الأمثال نحو: "الكلاب على البقر"2 أي: أرسل، وفيما جرى مجرى الأمثال نحو: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُم} 3 أي: وأتوا، وفي التحذير بإياك وأخواتها نحو: "إياك والأسد"4 أي: إياك باعد واحذر الأسد، وفي التحذير بغيرهما بشرط عطف أو تكرار، نحو: "رأسك والسيف" أي: باعد واحذر، ونحو: "الأسد الأسد" وفي الإغراء بشرط أحدهما5 نحو: "المروءة والنجدة"، ونحو: "السلاح السلاح" بتقدير الزم.
__________
1 لأن حرف النداء عوض عن العامل المحذوف وجوبا، ولا يجمع بين العوض والمعوض.
2 مثل قالته العرب، يضرب عند تحريش بعض القوم على بعض من غير مبالاة، ويعني: لا ضرر عليك. اترك الناس وشأنهم، واسلك أنت طريق السلامة. والبقر: أي بقر الوحش، ونصب الكلاب: على معنى أرسل الكلاب. وهو من أمثال الميداني: 2/ 142.
3 "4" سورة النساء، الآية: 171.
موطن الشاهد: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} .
وجه الاستشهاد: حذف العامل في "خيرا"؛ لأن التقدير: انتهوا وأتوا خيرا؛ ولا يجوز ذكر العامل؛ لما تقدم؛ ويعرب: مفعولا به لفعل محذوف وجوبا؛ وقدَّر بعضُهم "خيرا" خبرا لـ "كان المحذوفة مع اسمها والتقدير: يكون خيرا لكم، غير أن "ما" لا تحذف مع اسمها ويبقى خبرها كثيرا إلا بعد "إن" و"لو" الشرطيتين. التصريح: 1/ 315.
فائدة: وجب حذف العامل في الأمثال بالحذف؛ لأن ذكر العامل يغير المثل عما تكلم به العرب، والأمثال لا تغير؛ لأن الغرض من ذكرها في كلام ما تشبيه فضربها بموردها. فلزم أن يلتزم فيها أصله؛ فما جاء منها محذوف الفعل؛ فلا يجوز ذكره؛ ليظل على أصله؛ وما جرى مجرى الأمثال؛ أخذ حكمها، وعومل معاملتها، كما في الآية السابقة.
4 إياك والأسد.
إياك: ضمير منفصل في محل نصب مفعول به لفعل محذوف وجوبا؛ ويقدر متأخرا؛ لئلا يتصل الضمير المنفصل. الأسد: مفعول به لفعل محذوف وجوبا؛ ويقدر متقدما؛ وإنما وجب الحذف -هنا- ليتنبه السامع بسرعة، ويبتعد عن الهلاك.
5 أي: العطف أو التكرار؛ ووجب الحذف لقيام العطف أو التكرار مقام العامل.(2/166)
[باب التنازع في العمل] :
هذا باب التنازع1 في العمل، ويسمى أيضا باب الإعمال:
[معنى التنازع] وحقيقته:
أن يتقدم فعلان2 متصرفان، أو اسمان يشبهانهما3، أو فعل متصرف واسم يشبهه، ويتأخر عنهما معمول غير سببي مرفوع4، وهو مطلوب لكل منهما من حيث المعنى5.
مثال الفعلين: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} 6، ومثال الاسمين قوله7: [الطويل]
__________
1 التنازع لغة: التجاذب، واصطلاحا ما ذكره المصنف.
2 أي: مذكوران، فلا تنازع بين عاملين محذوفين، أو محذوف أحدهما، وقد يكون التنازع بين أكثر من عاملين.
3 أي: في العمل، لا في التصريف، بدليل التمثيل بقوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} فإن "ها" اسم فعل جامد. والمراد بالاسم المشبه هنا اسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر واسمه، واسم الفعل. ضياء السالك: 2/ 98.
4 أو غير مرفوع؛ لأنه يلزم عليه إسناد أحدهما إلى السببي، والآخر إلى ضميره، فيكون رافع ضمير السببي خاليا من رباط يربطه بالمبتدأ؛ فنحو: زيد قام وقعد أخوه؛ يجعل على أن السببي؛ وهو "أخوه" مبتدأ ثانٍ، والعاملان قبله مع ضميريهما خبران عنه. وهذا الشرط لم يذكره أكثر النحاة. ضياء السالك: 2/ 98.
5 سواء كان الطلب على جهة التوافق في الفاعلية أو المفعولية، أو مع التخالف فيهما.
6 "18" سورة الكهف، الآية: 96.
موطن الشاهد: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} القطر: النحاس المذاب.
وجه الاستشهاد: أتى عاملان: "آتوني وأفرغ" وتأخر عنهما المعمول؛ فكلاهما يطلبه مفعولا به؛ الأول: يطلبه مفعولا ثانيا؛ والثاني يطلبه مفعولا أول؛ وقد أعمل الثاني في المفعول الظاهر، وأعمل الفعل الأول في ضميره، ومن ثم حذف؛ لكونه فضلة، ولو أعمل الأول في "قطرا" لأعمل الثاني في ضميره، ولقال: أفرغه.
7 لم ينسب البيت إلى قائل معين.(2/167)
238- عهدت مغيثا مغنيا من أجرته1
ومثال المختلفَيْن: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} 2.
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فلم أتخذ إلا فناءك موئلا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 316، والأشموني: "408/ 1/ 202"، والعيني: 3/ 2.
المفردات الغريبة: عهدت: أي عهدك الناس وعرفوك. مغيثا: منجدا، وهو اسم فاعل من الإغاثة وهي النجدة. مغنيا: اسم فاعل من الإغناء، وهو ضد الإفقار. أجرته: أي حميته من عدوه، أو كنت له جارا. فناءك: الفناء: ساحة الدار، والمراد: الجوار والقرب. موئلا: ملجأ، وهو اسم مكان من وأل إليه: أي لجأ.
المعنى: عرفت بإغاثة الملهوف ونجدته، وعرفت بإغنائك من يستجير بك، ويلجأ إليك؛ فلهذا، لم ألجأ إلى أحد سواك، ولم أتخذ غير جوارك موئلا أميل إليه.
الإعراب: عهدت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل. مغيثا: حال من نائب الفاعل منصوب. مغنيا: حال ثان من نائب الفاعل؛ وفي كل من الاسمين الواقعين حالين ضمير مستتر فيه هو فاعله؛ لأنهما اسما فاعلين. من: اسم موصول، تنازعه كل من "مغيث" و"مغنٍ" وقد أعمل فيه الثاني منهما، فهو مفعول به لقوله: "مغنيا" و"من" مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أجرته: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل، والهاء: مفعول به؛ وجملة "أجرته": صلة للموصول، لا محل لها ما الإعراب. فلم: الفاء عاطفة، لم: حرف جزم ونفي وقلب. أتخذ: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون، والفاعل: أنا. إلا: أداة استثناء ملغاة تفيد الحصر. فناءك: مفعول به أول لـ "أتخذ" منصوب، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. موئلا: مفعول به ثانٍ لـ "أتخذ" منصوب.
موطن الشاهد: "مغيثا مغنيا من أجرته".
وجه الاستشهاد: تقدم العاملان؛ الاسمان المشبهان للفعل، وهما: "مغيثا" و"مغنيا" وكلاهما اسم فاعل يعمل عمل فعله، وتأخر عنهما معمول واحد، هو "من" وكلاهما صالح للعمل فيه؛ فأعمل الشاعر الثاني لقربه، وأعمل الأول في ضميره؛ ثم حُذِف؛ لأنه فضلة؛ ولو ذكره، قال: عهدت مغيثه مغنيا من أجرته؛ غير أن حذف الضمير في هذه الحال واجب لكيلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة من دون ضرورة.
2 "69" سورة الحاقة، الآية: 19.
موطن الشاهد: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ} .
وجه الاستشهاد: تقدم عاملان مختلفان؛ الأول "هاؤم" وهو اسم فعل بمعنى خذ، والميم علامة الجمع؛ والأصل: هاكم؛ أبدلت الكاف واو، ثم الواو همزة، و"اقرؤوا": فعل أمر مبني على حذف النون، والواو: فاعل وتأخر عنهما معمول واحد يصلح كلا العاملين للعمل فيه؛ فأعمل الثاني لقربه، وحذف من الأول؛ والأصل: هاؤموه.(2/168)
وقد تتنازع ثلاثة، وقد يكون المتنازع فيه متعددا، وفي الحديث: "تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين" 1 فتنازع ثلاثة في اثنين ظرف ومصدر.
__________
1 حديث صحيح، متفق عليه. انظر صحيح مسلم "مطبعة عيسى الحلبي": 8/ 417.
ورواه بلفظ: "تسبحون وتحمدون وتكبرون، خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين" البخاري "دار الفكر": 1/ 213، والسنن الكبرى للبيهقي "تصوير بيروت": 2/ 186 وصحيح مسلم، باب المساجد: 142، 143، وفتح الباري لابن حجر "دار الفكر": 2/ 325، 11/ 135، والترغيب والترهيب للمنذري "مطبعة مصطفى الحلبي": 2/ 450 وتفسير ابن كثير "مطبعة الشعب": 7/ 387، 8/ 51.
موطن الشاهد: "تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين".
وجه الاستشهاد: تقدم ثلاثة أفعال عاملة، وتأخر عنها معمولان اثنان؛ هما: الظرف "دبر" ونائب المصدر "ثلاثا" وهو مفعول مطلق مبين للعدد؛ وقد أعمل الفعل الأخير لقربه؛ فنصب "دبر" على الظرفية، و"ثلاثا" على المفعولية المطلقة؛ لنيابته عن المصدر؛ وأعمل الفعلين الأول والثاني في ضميريهما، وحذفهما؛ لأنهما فضلتان؛ لأن الأصل: تصبحون الله فيه إياه، ولو أعمل الأول؛ لأضمر عقب الثاني والثالث: "فيه إياه"؛ ولو أعمل الثاني؛ لأضمر ذلك بعد الثالث.
فائدة 1:
- يمكن أن يكون المتنازع فيه ظرفا، أو مفعولا مطلقا كما في الحديث أو مفعولا معه؛ نحو: قمت وسرت وزيدا؛ على إعمال العامل الثاني؛ فلو أعمل الأول؛ لقيل: قمت وسرت وإياه وزيدا. ومنع ابن الخباز أن يقع التنازع في "المفعول له، والحال، والتمييز". انظر شرح التصريح: 1/ 316.
فائدة 2:
- إذا تنازع أكثر من عاملين؛ أعمل الأخير منها على الأرجح، وحكى بعضهم فيه الإجماع، قال ابن خروف في شرح كتاب سيبويه: "واستقرأت كلام العرب فوجدت إعمال الثالث، وإلغاء ما عداه" وقال ابن مالك: "وهو كما قال" واعترض بأنه سمع من كلامهم إعمال الأول، وقال المرادي: فدل على أن استقراءه غير تام، ولا يحفظ من كلامهم إعمال الثاني".
شرح التصريح: 1/ 316-317.(2/169)
[امتناع وقوع التنازع بين حرفين] :
وقد علم مما ذكرته أن التنازع لا يقع بين حرفين1، ولا بين حرف وغيره، ولا بين جامدين2، ولا بين جامد وغيره3، وعن المبرد إجازته في فعلي التعجب، نحو: "ما أحسن وأجمل زيدا"، و: "أحسن به وأجمل بعمرو"4، ولا في معمول متقدم5، نحو: "أيهم ضربت وأكرمت"، أو: "شتمته" خلافا لبعضهم6، ولا في معمول متوسط نحو: "ضربت زيدا وأكرمت" خلافا للفارسي، ولا في نحو7: [الطويل]
239- فهيهات هيهات العقيقُ ومَن به8
__________
1 أي لضعف الحرف، ولأنه لا يضمر فيه. وصحة الإضمار شرط من المتنازعين.
2 لأن التنازع يقع فيه الفصل بين العامل والمعمول، والجامد لا يفصل بينه وبين معموله لضعفه.
التصريح: 1/ 317.
3 ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا كان الجامد هو الفعل، وكان متقدما، فإن كان الجامد غير الفاعل، نحو: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} جاز، وكذلك إذا تأخر؛ نحو: أعجبني ولست مثل محمد.
4 أعمل الثاني في المثالين، وجاء في المثال الثاني مع الأول المهمل بالضمير المجرور بالباء، ولم يحذفه؛ لأنه فاعل، فهو عمدة على الصحيح، ويجب حذفه عند القائلين بأنه فضلة. وتقول في المثالين على إعمال الأول: ما أحسن وأجمله زيدا -وأحسِنْ وأجْمِلْ به بعمرو.
5 لأن الثاني لا يأتي إلا بعد أن يكون الأول قد أخذ معموله المتقدم.
6 هم بعض المغاربة، حيث أجاز التنازع في المتقدم مستدلا بقوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ولا دلالة له في ذلك؛ لأن الأول أخذ المعمول، ومعمول الثاني محذوف لدلالة الأول عليه.
التصريح: 1/ 318.
7 القائل: هو جرير بن عطية وقد مرت ترجمته.
8 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وهيهات خِلٌّ بالعقيقِ نواصِلُهْ
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 318، 2/ 199، والهمع: 2/ 111، والدرر: 2/ 145 =(2/170)
خلافا له وللجرجاني1؛ لأن الطالب للمعمول إنما هو الأول، وأما الثاني فلم يؤتَ به للإسناد، بل لمجرد التقوية، فلا فاعل له، ولهذا قال2: [الطويل]
240- أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس3
__________
= والعيني: 3/ 7، 4/ 311، والمقرب: 26، وشرح المفصل: 4/ 35، والخصائص: 3/ 42، والنقائض لأبي عبيدة: 632، وقطر الندى: "114/ 347"، وديوان جرير: 479.
المفردات الغريبة: هيهات: اسم فعل ماضٍ بمعنى بعد. العقيق: مكان بالحجاز. خل: خليل وصديق. نواصله: نصله من المواصلة والوصال.
المعنى: بعد عنا كثيرا ذلك الموضع ومن يقطن به من الأحباب والأصدقاء، وبعد الصديق الذي كنا نأنس به، ويصلنا ونصله.
الإعراب: هيهات: اسم فعل ماضٍ بمعنى بعد. هيهات: توكيد للأول. العقيق: فاعل "هيهات" الأول. و"هيهات" الثاني لا فاعل له؛ لأنه إنما أتى به لتقوية معنى البعد المسند إلى العقيق. ومن: الواو عاطفة، من: اسم موصول معطوف على العقيق في محل رفع. "به": متعلق بمحذوف صلة الاسم الموصول. وهيهات: الواو عاطفة. هيهات: اسم فعل ماضٍ. خل: فاعل هيهات الأخير مرفوع. "بالعقيق": متعلق بمحذوف صفة لـ "خل". نواصله: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: نحن، والهاء: مفعول به.
موطن الشاهد: "هيهات هيهات العقيق".
وجه الاستشهاد: استشهد بهذا البيت على عدم وجود التنازع؛ لأن "هيهات" الثاني توكيد لاسم الفعل الأول؛ والأول: هو العامل، وجيء بالثاني؛ لتقوية الأول وتوكيده، حيث أكد به البعد، ومن -هنا- ندرك أن المعمول ليس مطلوبا لهما معا، وإنما هو مطلوب في المعنى للأول ليس غير.
1 هو أبو بكر: عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، النحوي الفارسي، إمام العربية واللغة والبيان، أول من دون علم المعاني، تخرج على أبي الحسن محمد بن الحسن الفارسي "ابن أخت أبي علي الفارسي" ولم يقرأ على غيره، له مؤلفات مفيدة منها: شرح الإيضاح، دلائل الإعجاز، أسرار البلاغة ... وغيرها. مات سنة: 471 هـ.
البلغة: 126، إنباه الرواة: 2/ 188، بغية الوعاة: 2/ 106، شذرات الذهب: 3/ 340، الأعلام: 4/ 174.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
فأين إلى أين النحاة ببغلتي
=(2/171)
ولو كان من التنازع لقال: "أتاك أتوك" أو: "أتوك أتاك"، ولا في نحو1: [الطويل]
241- وعزة ممطول معنّىً غَرِيمُهَا2
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 1/ 318، والأشموني: "406/ 1/ 201"، والهمع: 2/ 111، 125، والدرر: 2/ 145، 158، وأمالي ابن الشجري: 1/ 243، والخزانة: 2/ 353، والعيني: 3/ 9.
المفردات الغريبة: البغلة: أنثى البغال، والواحد بغل.
المعنى: يخاطب الشاعر نفسه، وهو ملاحق من قبل خصومه: أين أذهب؟! وإلى أي مكان أنجو ببغلتي؟! وقد كان خصومي يلحقون بي، وما علي إلا أن أقف حيث أنا، وليكن ما يكون؛ وهذا المعنى الأرجح لهذا البيت.
الإعراب: أتاك: فعل ماضٍ، والكاف: مفعول به. أتاك: توكيد لـ "أتاك" الأول غير عامل في "الكاف" المتصلة به؛ وإنما جيء بها؛ ليوافق لفظ الأول. "اللاحقون: فاعل مرفوع لـ "أتى" الأول. احبس: فعل أمر مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين؛ والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت. احبس: توكيد للفعل الأول، لا محل له من الإعراب، ولا يقدر له فاعل، ولا مفعول.
موطن الشاهد: "أتاك أتاك اللاحقون".
وجه الاستشهاد: استشهد بهذا البيت على عدم وجود التنازع في هذه الصورة -كما في البيت السابق- لأن العامل هو الأول، وجيء بالثاني؛ لمجرد تأكيد الأول وتقويته ليس غير.
1 هذا البيت من كلام كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 318، والأشموني: "11/ 1/ 203"، والهمع: 2/ 111، والدرر: 2/ 146، والعيني: 3/ 3، وشرح المفصل: 1/ 8، والإنصاف: 1/ 90، وحماسة ابن الشجري: 543، وشذور الذهب: "225/ 547"، وديوان كثير: 1/ 177.
المفردات الغريبة: الغريم: المدين الذي عليه الدين. وهو أيضا: الذي له الدين ويستحقه، وهو المراد هنا. ممطول: اسم مفعول، من المطل وهو التسويف في قضاء الدين. =(2/172)
بل: "غريمها" مبتدأ، و"ممطول" و"معنَّى" خبران، أو: "ممطول" خبر، و: "معنَّى" صفة له، أو حال من ضميره.
ولا يمتنع التنازع في نحو: "زيد ضرب وأكرم أخاه" لأن السببي منصوب1.
__________
= المعنى: إن كل مدين وفَّى بما عليه من دين لصاحب الدين، غير عزة؛ فإنها مماطل غريمها ولا توفيه حقه؛ ويريد أنه تبخل على محبها، ولا تصله أو تنوله مراده.
الإعراب: قضى: فعل ماضٍ. كل: فاعل مرفوع. ذي: مضاف إليه وهو مضاف. دين مضاف إليه ثانٍ. فوفى: الفاء عاطفة. وفى: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. غريمه: مفعول به، والهاء: مضاف إليه. وعزة: الواو حالية. عزة: مبتدأ مرفوع. ممطول: خبر أول مرفوع لـ "غريمها" المبتدأ الثاني المؤخر. معَنّى: خبر ثانٍ لـ "غريمها". غريمها: مبتدأ مؤخر مرفوع، و"ها": مضاف إليه. وجملة المبتدأ الثاني وخبره": في محل رفع خبر المبتدأ الأول: "عزة"؛ وجملة "عزة ممطول معنَّى غريمها": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "وعزة ممطول معنى غريمها".
وجه الاستشهاد: استشهد المؤلف بهذا البيت؛ ليبين أن لا تنازع فيه: "وعزة ممطول معنى غريمها" وإن كان من حيث الظاهر، يقتضي كل من "ممطول" و"معنى" يطلبان "غريمها" على أنه نائب فاعل؛ لأن شرط التنازع عند ابن مالك وابن هشام ألا يكون المتنازع فيه سببيا مرفوعا، ولو جعل من باب التنازع، كان "غريمها" سببيا؛ لأنه اسم ظاهر مضاف إلى ضمير عزة، وهو مرفوع؛ لأنه نائب فاعل حينئذ، ولذا خرجه المؤلف في المتن، كما أعربناه.
1 أي: بأحد العاملين، والرابط هو الضمير المستتر، أو المضاف إليه السببي وقيل: بامتناع التنازع السببي المنصوب كالمرفوع؛ لأنك لو أعملت الأول أو الثاني، فلا بد من ضمير يعود على السببي. وضمير السببي، لا يتقدم عليه.
قال ابن خروف: لأنه لو تقدم لكان عوضا عن اسمين: مضاف ومضاف إليه -وهذا لا سبيل إليه- فالوجه امتناع التنازع في السببي مطلقا: مرفوعا أو منصوبا قال صاحب التصريح: ولا يقع التنازع في الاسم المرفوع بعد "إلا" على الصحيح، كقول الشاعر:
ما صاب قلبي وأضناه وتيمه ... إلا كواعب من ذهل بن شيبانا
لأنه لو كان من باب التنازع؛ لزم إخلاء العامل الملغى من الإيجاب، ولزم كذلك في مثل: ما قام وقعد إلا أنا -إعادة ضمير غائب على حاضر.
التصريح: 1/ 319.(2/173)
[جواز إعمال أحد المتنازعين اتفاقا] :
فصل: إذا تنازع العاملان جاز إعمال أيهما شئت باتفاق1، واختار الكوفيون الأول لسبقه، والبصريون الأخير لقربه2.
فإن أعملنا الأول في المتنازع فيه أعملنا الأخير في ضميره، نحو: "قام وقعدا، أو وضربتهما، أو مررت بهما، أخواك"، وبعضهم يجيز حذف غير المرفوع؛ لأنه فضلة، كقوله3: [الكامل]
242- بعكاظَ يُعشِي الناظريـ ... ـن إذا هم لمحوا شعاعُهْ4
ولنا أن في حذفه تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه، والبيت ضرورة.
__________
1 أي من البصريين والكوفيين، فقد سمع عن العرب إعمال كل منهما، والخلاف بينهما إنما هو في المختار لا في أصل الجواز.
2 ما جاء من التنازع في آي القرآن الكريم، وفي الحديث الشريف، جارٍ على إعمال العامل الأقرب إلى المعمول، فقوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} العامل في "كتابيه" هو اقرؤوا؛ إذ لو كان العامل هو "هاؤم" لكان يقال: هاؤم اقرؤوه كتابيه. ومثله قوله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} . وهذا يرجح رأي البصريين الذين يعملون الأخير لقربه.
3 القائل: هو عاتكة بنت عبد المطلب، عمة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
4 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة، تقولها عاتكة بنت عبد المطلب، رواها أبو تمام في ديوان الحماسة تصف فيها سلاح قومها، وقبله قوله:
سائِلْ بنا في قومنا ... وليَكْفِ من شر سماعُه
قيسًا، وما جمعوا لنا ... في مجمع باقٍ شناعُه
فيه السنوَّر والقنا ... والكبش ملتمع قناعُه
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 320، والأشموني: "419/ 1/ 206"، وابن عقيل: "161/ 2/ 165"، والمقرب: والعيني: 3/ 11، والهمع: 2/ 109، والدرر: 2/ 142 ومغني اللبيب: "1033/ 797" وشذور الذهب: "227/ 549"، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 473.
المفردات الغريبة: عكاظ: موضع بناحية مكة كانت تقام فيه سوق للعرب في الجاهلية كل سنة، تمكث شهر ذي القعدة، يتبايعون فيه، ويتناشدون الأشعار ويتفاخرون، فلما جاء الإسلام هدم ذلك كله. يعشي: مضارع "أعشاه" إذا أصابه بالعشا؛ وهو ضعف =(2/174)
وإن أعملنا الثاني، فإن احتاج الأول لمرفوع فالبصريون يضمرونه؛ لامتناع حذف العمدة، ولأن الإضمار قبل الذكر قد جاء في غير هذا الباب نحو: "رُبَّهُ رَجُلا" و: "نعم رجلا" وفي الباب نحو: "ضربوني وضربت قومك" حكاه سيبويه، وقال الشاعر1: [الطويل]
243- جفوني ولم أجف الأخلاء، إنني2
__________
= البصر ليلا. والمراد -هنا- ضعف البصر مطلقا. لمحوا: من اللمح؛ وهو سرعة إبصار الشيء. شعاعه: ضوءه وبريقه.
المعنى: تصف الشاعرة سلاح قومها؛ فإنه حين عرض بعكاظ، كان؛ لشدة بريقه ولمعانه يضر بصر المبصرين إذا ما نظروا إليه بسرعة.
الإعراب: "بعكاظ": متعلق بـ "مجمع" في البيت السابق؛ وعكاظ: ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. يعشي: فعل مضارع مرفوع. الناظرين: مفعول به منصوب. إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط، في محل نصب على الظرفية الزمانية. هم: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ وهو الأفضل. وقد أعرب العيني "إذا" فجائية، و"هم" مبتدأ، وجملة "لمحوا": خبره. وأما على ما ذهبنا إليه في الإعراب؛ فجملة "لمحوا": تفسيرية، لا محل لها. شعاعه: شعاع: فاعل يعشي مرفوع، وهو مضاف، والهاء، مضاف إليه.
موطن الشاهد: "يعشي ... لمحوا شعاعه".
وجه الاستشهاد: تنازع كل من "يعشي" و"لمحوا" العمل في "شعاعه" وقد أعمل الأول ورفع "شعاعه" على أنه فاعله، وأعمل الثاني في ضميره؛ فنصبه على أنه مفعول به، ثم حذف؛ لأنه فضلة؛ ولو ذكره لقال: إذا هم لمحوه شعاعه؛ وهذا الحذف؛ يأتي لضرورة الشعر -عند البصريين- الذين يعملون المتأخر لقربه؛ بينما هو جائز عند الكوفيين الذين يعملون العامل الأول؛ لتقدمه.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
لغير جميل من خليلي مهمل
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 321، والأشموني: "381/ 1/ 179"، والهمع: 1/ 109، والدرر: 1/ 45، والعيني: 3/ 14، ومغني اللبيب: "874/ 635"، وشرح السيوطي: 296.
المفردات الغريبة: جفوني: من الجفاء وهو ترك المودة. الأخلاء: جمع خليل وهو اسم فاعل من أهمل الأمر إذا لم يعبأ به ولم يلقِ إليه بالا. =(2/175)
والكسائي وهشام والسهيلي1 يوجبون الحذف2، تمسكا بظاهر قوله3: [الطويل]
244- تعفق بالأرطى لها وأرادها ... رجال ... 4
__________
= المعنى: هجرني الأصدقاء وقطعوا مودتي وصلتي، وتتبعوا عوراتي، ولم يقوموا بواجب الصداقة؛ من البر والوفاء. أما أنا: فلم أقابلهم بالمثل؛ لأني أهمل وأترك ما ليس بحسن من أفعال أصدقائي.
الإعراب: جفوني: فعل ماضٍ، والواو: فاعل، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. ولم أجف: حرف جازم، وفعل مضارع مجزوم، والفاعل: أنا. الأخلاء: مفعول به منصوب. إنني: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب اسم "إن". "لغير": متعلق بـ "مهمل" الآتي. جميل: مضاف إليه. "من خليلي": متعلق بمحذوف صفة من "جميل"، والياء: مضاف إليه. مهمل: خبر "إن" مرفوع، والتقدير: إنني مهمل لغير جميل حاصل من خليلي.
موطن الشاهد: "جفوني ولم أجف الأخلاء".
وجه الاستشهاد: إعمال العامل الثاني "لم أجف" في المعمول المتأخر "الأخلاء"، فنصبه على أنه مفعول به؛ وأعمل العامل الأول، "جفوني" في ضميره "واو الجماعة"؛ ولزم -على هذا- عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وهو جائز في هذا الباب؛ لأن المرفوع لا بد من ذكره في مثل هذا الشاهد.
1 مرت ترجمته وافية لكل واحد منهم في محلها.
2 أي حذف الضمير المرفوع، فرارًا من الإضمار قبل الذكر.
3 القائل هو علقمة بن عبدة، المعروف بعلقمة الفحل، وسمي بالفحل لأنه فضل على امرئ القيس عندما احتكما إلى أم جندب زوجة امرئ القيس، وقيل لأنه يعرف بذلك عن علقمة آخر معروف بعلقمة الخصي، وهو شاعر جاهلي من بني تميم، له شعر جيد، منه ثلاث روائع جياد ذكرهن ابن سلام.
الجمحي: 1/ 139، والشعر والشعراء: 1/ 218، والخزانة: 1/ 565، المؤتلف: 152.
4 تخريج الشاهد: هذا قطعة من بيت، يمدح فيه الشاعر الحارث بن جبلة الغساني، وهو بتمامه:
تعفق بالأرطى لها وأرادها ... رجال فبذَّت نبلُهُم وكليبُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 321، والأشموني: "414/ 1/ 204"، والمقرب: 54 والعيني: 3/ 15، والمفضليات: 393، وديوان علقمة: 132.
المعنى: استتر واختفى وراء هذه الشجرة -لاصطياد تلك البقرة الوحشية، وأراد =(2/176)
إذ لم يقل: "تعفقوا" ولا: "أرادوا".
والفراء يقول: إن استوى العاملان في طلب المرفوع فالعمل لهما، نحو: "قام وقعد أخواك" وإن اختلفا أضمرته مؤخرا، كـ: "ضربني وضربت زيدا هو".
وإن احتاج الأول لمنصوب لفظا أو محلا، فإن أوقع حذفه في لبس أو كان العامل من باب: "كان" أو من باب: "ظن" وجب إضمار المعمول مؤخرا، نحو: "استعنت واستعان علي زيد به1 وكنت وكان زيد صديقا إياه، وظنَّني وظننت زيدا قائما إياه"، وقيل: في باب: "ظن" و: "كان" يضمر مقدما، وقيل: يظهر، وقيل: يحذف، وهو الصحيح؛ لأنه حذف لدليل.
__________
= اصطيادها رجال بالنبال، وكلاب صيد، فغلبتهم، وفرَّت، ولم يتمكنوا من اصطيادها؛ لسرعتها التي يشبه سرعة فرسه بها.
الإعراب: تعفق: فعل ماضٍ. "بالأرطى": متعلق بـ "تعفق". "لها": متعلق بـ "تعفق" أيضا. وأرادها: الواو عاطفة. وأرادها: فعل ماضٍ؛ و"ها" مفعول به. رجال: فاعل مرفوع. فبذت: الفاء عاطفة، بذت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث؛ والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي، يعود إلى البقرة. نبلهم: مفعول به منصوب، و"هم": في محل جر بالإضافة، و"هم" يعود إلى الصيادين. وكليب: الواو عاطفة، كليب: اسم معطوف على رجال الواقع فاعلا لـ "أراد" مرفوع.
موطن الشاهد: "تعفق ... وأرادها رجال".
وجه الاستشهاد: تقدم العاملان: "تعفق"، و"أدارها"، وتأخر المعمول "رجال" وقد أعمل العامل الثاني: "أرادها" ورفع "رجال" فاعلا له. وأعمل الأول "تعفق" في ضميره، وحذفه -مع أنه فاعل- على رأي الكسائي ومن معه، فرارا من الإضمار قبل الذكر؛ ويجوز القول: إن في "تعفق" ضميرا مستترا، يعود إلى "رجال"، وهو وإن كان جمعا، فهو في تأويل المفرد، فصح استتار ضميره مفردا.
انظر في هذه المسألة حاشية الصبان: 2/ 102، وشرح التصريح: 1/ 321، وضياء السالك: 2/ 106.
1 "استعان" الأول يطلب زيدا مجرورا بالباء، والثاني يطلبه فاعلا، فأعلمنا الثاني وأضمرنا ضمير زيد مجرورا بالباء مؤخرا. ولم نحذفه؛ لأن حذفه يوقع في لبس؛ لأنه لا يعلم، إن كان زيد مستعانا به أو عليه. وإضماره مقدما يلزم عليه الإضمار قبل الذكر من غير ضرورة.
التصريح: 1/ 321.(2/177)
وإن كان العامل من غير بابي: "كان" و: "ظن" وجب حذف المنصوب1، كـ: "ضربت وضربني زيد"، وقيل: يجوز إضماره، كقوله2: [الطويل]
245- إذا كانت ترضيه ويرضيك صاحب3
وهذا ضرورة عند الجمهور.
__________
1 أي: لفظا ومحلا؛ لأنه فضلة مستغنى عنه، وقال صاحب التسهيل: الحذف أولى وليس بواجب.
التصريح: 1/ 322.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
جهارا فكن في الغيب أحفظ للودِّ
ويروى بعده قوله:
وألغِ أحاديث الوشاة فقلما ... يحاول واشٍ غير هجران ذي وُدِّ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 322، والأشموني: "417/ 1/ 205"، والعيني: 3/ 21، والهمع: 2/ 110، والدرر: 2/ 144، والمغني: "621/ 638"، والسيوطي: 253، والشذور: "226/ 548".
المفردات الغريبة: جهارا: عيانا ومشاهدة. الغيب: كل ما غاب واستتر عنك. ود: مودة ومحبة.
المعنى: إذا ما كانت بينك وبين أحد صداقة. وكلاكما راضٍ عنها، يسعى إلى استمرارها؛ فعليك أن تكون في حال غيبة صديقك عنك، أو في حال بعده عنك -أكثر محافظة على تلك المودة والصداقة.
الإعراب: إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط، في محل نصب على الظرفية الزمانية. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. ترضيه: مضارع مرفوع، والهاء: مفعول به، والفاعل: أنت. ويرضيك: الواو عاطفة، يرضي: فعل مضارع مرفوع، والكاف: مفعول به. صاحب: فاعل مرفوع لـ "يرضيك". فكن: الفاء: واقعة في جواب "إذا" كن: فعل أمر ناقص، واسمه: أنت. "في الغيب": متعلق بمحذوف حال من اسم "كن". أحفظ: خبر "كن" منصوب. "للود": متعلق بـ "أحفظ"؛ وجملة "كن في الغيب أحفظ للسر": جوار "إذا" لا محل لها.
موطن الشاهد: "ترضيه ويرضيك صاحب".
وجه الاستشهاد: تقدم عاملان: "ترضيه ويرضيك" وتأخر معمول واحد "صاحب" وقد أعمل العامل الثاني "يرضيك في المعمول المتأخر فرفعه على الفاعلية، على الرغم من إعمال العامل الأول "ترضيه" في ضميره مذكورا، ولم يحذف للضرورة -عند الجمهور- مع أنه فضلة، وفيه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، ولم يوجب في "التسهيل" حذفه؛ بل جعله أولى. انظر حاشية الصبان: 2/ 104، وشرح التصريح: 1/ 322.(2/178)
مسألة1: إذا احتاج العامل المهمل إلى ضمير، وكان ذلك الضمير خبرا عن اسم، وكان ذلك الاسم مخالفا في الإفراد والتذكير أو غيرهما للاسم المفسر له، وهو المتنازع فيه، وجب العدول إلى الإظهار، نحو: "أظن ويظنانني أخا الزيدين أخوين".
وذلك لأن الأصل: "أظن ويظنني الزيدين أخوين" فأظن: يطلب "الزيدين أخوين" مفعولين، و: "يظنني" يطلب "الزيدين" فاعلا، و: "أخوين" مفعولا؛ فأعلمنا الأول، فنصبنا الاسمين، وهما: "الزيدين أخوين" وأضمرنا في الثاني ضمير: "الزيدين" وهو الألف، وبقي علينا المفعول الثاني يحتاج إلى إضماره، وهو خبر عن ياء المتكلم، والياء مخالفة لأخوين الذي هو مفسر للضمير الذي يؤتى به، فإن الياء للمفرد، و: "الأخوين" تثنية، فدار الأمر بين إضماره مفردا ليوافق المخبر عنه، وبين إضماره مثنى ليوافق المفسر، وفي كل منهما محذور، فوجب العدول إلى الإظهار، فقلنا: "أخا" فوافق المخبر عنه، ولم يضره مخالفته لـ: "أخوين"؛ لأنه اسم ظاهر لا يحتاج لما يفسره2، هذا تقرير ما قالوا.
__________
1 خلاصة هذه المسألة: أنه لا يصح مجيء ضمير الاسم المتنازع فيه مع العامل المهمل، ولا حذفه. وإنما يجب أن يحل محله اسم ظاهر، وذلك إذا كان العامل المهمل محتاجا إلى مفعول به هو عمدة في الأصل، لا يجوز حذفه، ولو أضمرناه لكان غير مطابق لمرجعه الاسم الظاهر، وسيوضح المصنف ذلك بالمثال.
شرح التصريح: 1/ 322.
2 إجمال القول: أننا إنما أظهرنا المفعول الثاني ليظناني، وقلنا: "أخا" ولم نضمره؛ لأننا لو أضمرناه مفردا؛ لطابق المفعول الأول وهو ياء المتكلم في الإفراد، وخالف ما يعود عليه وهو "أخوين"؛ فلا يطابق المفسِّر المفسَّر في التثنية. ولو أضمرناه مثنى؛ لطابق ما يعود إليه وخالف المفعول الأول مع أنه خبر عنه في الأصل، ولا بد من المطابقة بين المبتدأ والخبر؛ وكلاهما ممنوع عند البصريين. فلما تعذر الإضمار أظهرنا ولم نحتج إلى مفسر وكذلك الحكم لو أعملنا الثاني؛ نحو: يظناني وأظن الزيدين أخوين أخًا.
المصدر نفسه: 323.(2/179)
ولم يظهر لي فساد دعوى التنازع في الأخوين؛ لأن: "يظنني" لا يطلبه؛ لِكونه مثنى والمفعول الأول مفرد.
وعن الكوفيين أنهم أجازوا فيه وجهين: حذفه، وإضماره1 على وفق المخبر عنه.
__________
1 أي: مقدما، فيقولون على الحذف: أظن ويظنان الزيدين أخوين، ويحذفون "أخا"؛ لدلالة أخوين عليه؛ ويقولون على الإضمار: أظن ويظناني إياه الزيدين أخوين؛ وإن أعملنا الثاني فالحكم كذلك، ولكن يضمر الثاني. ضياء السالك: 2/ 111.
فوائد وتوجيهات:
أ- لا يتأتى التنازع في التمييز والحال -كما أسلفنا- لأن كلا منهما، لا يضمر؛ لوجوب تنكيره.
ب- يجب إعمال الأول من العاملين -إذا وقعت بعده "لا" نحو: أكرمت لا أهنت السائل؛ لأن "لا" تجعل الحكم لما قبلها مثبتا؛ فما بعدها لا يطلب المعمول؛ كما يجب إعمال الثاني في نحو: أكرمت بل أهنت السائل؛ لأن "بل" تجعل الحكم لما بعدها، فما قبلها مسكوت عنه، فلا يطلب المعمول.
ج- يكون المعمول اسما ظاهرا، ويكون ضميرا، بشرط أن يكون منفصلا، مرفوعا، أو منصوبا، أو متصلا مجرورا؛ نحو: محمد إنما سافر ورجع هو، وما زرت وصافحت إلا إياه، وسررت وفرحت به.
د- لا تنازع في نحو: ما قام وقعد إلا محمد؛ لأن الإضمار في المهمل بدون "إلا" يعكس المعنى المراد من الإثبات على وجه الحصر إلى النفي، والإضمار معها يؤدي إلى خلاف المسموع وما ورد مما ظاهره جواز ذلك، كقول الشاعر:
ما صاب قلبي وأضناه وتيمه ... إلا كواعب من ذهل بن شيبانا
فيؤول على أنه من الحذف لدليل، لا من باب التنازع.
ضياء السالك: 2/ 111-112، وحاشية الصبان: 2/ 108-109.(2/180)
[باب المفعول المطلق] :
هذا باب المفعول المطلق:
أي: الذي يصدق عليه قولنا: "مفعول" صدقا غير مقيد بالجار1.
[تعريف المفعول المطلق] :
وهو: اسم يؤكد عامله، أو يبين نوعه، أو عدده2، وليس خبرا ولا حالا،
__________
1 أي: بخلاف بقية المفاعيل؛ لأن منها ما هو مقيد بحرف جر كالمفعول به، أو له أو فيه. أو بظرف كالمفعول معه.
2 بين المؤلف أن المفعول المطلق، يؤتى به لتوكيد معنى عامله، أو لبيان نوعه، أو لبيان عدد مرات وقوع عامله.
فأما المؤكد: فصورته أن يأتي مصدرا منكرا غير مضاف ولا موصوف، سواء أكان عامله فعلا؛ نحو: ضربت ضربا؛ أو وصفا؛ نحو: أنا مفضل زيدا تفضيلا؛ وسواء أكان عامله من مادته أم كان من مادة مرادفة؛ نحو: قعدت جلوسا، أو: أنا قاعد جلوسا. وأما المفعول المطلق المبين لنوع عامله؛ فله ثمان صور:
1- أن يأتي المصدر مضافا؛ نحو: فعلت فعل الحكماء.
2- أن يأتي المصدر مقرونا بـ "أل" الدالة على العهد أو أل الجنسية الدالة على الكمال؛ نحو: دافعت عن زيد الدفاع؛ أي المعهود بينك وبين المخاطب.
3- أن يكون المصدر موصوفا؛ نحو: أكل الجائع أكلا كثيرا.
4- أن يكون المفعول المطلق وصفا مضافا إلى المصدر، نحو: رضيت عن علي أجمل الرضا.
5- أن يكون المفعول المطلق اسم إشارة موصوفا بمصدر محلىً بأل؛ نحو: أكرمت المجتهد ذلك الإكرام.
6- أن يكون المصدر نفسه دالا على نوع من أنواع عامله؛ نحو: رجعت القهقري.
7- أن يكون المفعول المطلق لفظ "كل" أو "بعض" مضافا إلى المصدر؛ نحو: أحببته كل الحب.
2 أن يكون المفعول المطلق اسم آلة للعامل فيه، نحو: ضربته سوطا، أو ضربته عصا. وأما المفعول المطلق المبين للعدد فله ثلاث صور: الأولى: أن يكون مصدرا مختوما بتاء الوحدة، نحو: أكل أكلة. الثانية: أن يكون مختوما بعلامة تثنية أو جمع؛ نحو ضربته ضربتين، أو ضربات. الثالثة: أن يكون اسم عدد مميزا بمصدر؛ نحو: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} .
شرح التصريح: 323-324.(2/181)
نحو: "ضربتُ ضربًا" أو: "ضربَ الأميرِ" أو: "ضربتين" بخلاف نحو: "ضربُك ضربٌ أليمٌ"1 ونحو: {وَلَّى مُدْبِرًا} 2.
[أكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرا] :
وأكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرا.
[تعريف المصدر] :
والمصدر: اسم الحدث الجاري على الفعل3.
وخرج بهذا القيد نحو: "اغتسل غسلا" و"توضأ وضوءا" و"أعطى عطاء" فإن هذه أسماء مصادر4.
[عامل المفعول المطلق] :
وعامله إما مصدر مثله5 نحو: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} 6، أو ما
__________
1 فإن "ضرب" الثاني ليس مفعولا مطلقا؛ وإن بين النوع بالوصف بعده، وإنما هو خبر عن ضربك.
2 "27" سورة النمل، الآية: 10.
موطن الشاهد: {وَلَّى مُدْبِرًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مدبرا" حالا من الضمير المستتر الواقع فاعلا لـ "ولى" وليس مفعولا مطلقا، وإن كان مؤكدا لعامله.
3 أي: المشتمل على حروف الفعل.
4 لأنها لم تجر على أفعاله؛ لِنقصان حروفها عن أحرف الأفعال؛ لأن قياس مصادرها. الاغتسال، والتوضؤ، والإعطاء.
فائدة: سمي المصدر مصدرا؛ لأن فعله صدر عنه؛ ولأنه مصدر المشتقات كلها على الصحيح؛ والفرق بين المصدر واسم المصدر؛ أن المصدر يدل على الحدث المجرد بنفسه، أما اسم المصدر، فيدل على الحدث بوساطة المصدر، فمدلوله لفظ المصدر. انظر حاشية الصبان: 2/ 112 وشرح التصريح: 1/ 325.
5 سواء كان من لفظه ومعناه كما مثل المصنف، أو من معناه فقط نحو: يعجبني إيمانك تصديقا.
6 "17" سورة الإسراء، الآية: 63.
موطن الشاهد: {جَزَاؤُهُمْ جَزَاءً} .
وجه الاستشهاد: مجيء عامل المفعول المطلق مصدرا مثله لفظا ومعنى كما هو واضح؛ خلافا للجرمي الذي ادعى أن المصدر يعمل في المصدر. شرح التصريح: 1/ 325.(2/182)
اشتق منه: من فعل1 نحو: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 2، أو وصف3 نحو: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} 4.
وزعم بعض البصريين أن الفعل أصل للوصف، وزعم الكوفيون أن الفعل أصل لهما5.
__________
1 بشرط أن يكون متصرفا تاما، وغير ملغى عن العمل، فخرج الفعل الجامد كفعل التعجب والناقص مثل: كان، والملغى مثل: "ظن" عند إلغائها، فلا يقال: ما أحسن محمدا حسنا، ولا كان علي مسافرا كونا، ولا علي قائم ظننت ظنا.
2 "4" سورة النساء، الآية: 164.
موطن الشاهد: {كَلَّمَ ... تَكْلِيمًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء العامل في المفعول المطلق مشتقا منه؛ لأن المصدر "تكليما" أصل للفعل "كلم" كما أسلفنا.
3 أي متصرف يعمل عمل الفعل، كاسم الفاعل، واسم المفعول، وأمثلة المبالغة دون أفعل التفضيل، والصفة المشبهة.
شرح التصريح: 1/ 325.
4 "37" سورة الصافات، الآية: 1.
موطن الشاهد: {الصَّافَّاتِ صَفًّا} .
وجه الاستشهاد: مجيء العامل في المفعول المطلق وصفا مشتقا منه؛ لأن "الصافات" اسم فاعل يعمل عمل فعله؛ وهو مشتق من "الصف" المصدر.
وأما مثال اسم المفعول؛ فنحو: اللص مضروب ضربا أليما. ومثال المبالغة: البطل ضرابٌ ضربا. وأجاز المصنف عمل الصفة المشبهة كاسم الفاعل، نحو: الحزين حزنا مفرطا يسيء إلى نفسه.
ضياء السالك: 2/ 116.
5 الذي اختار هذا الرأي الفارسي، وتبعه عبد القاهر الجرجاني، فيكون فرعا للفرع؛ والصحيح أن المصدر أصل للفعل والوصف؛ لأن من شأن الفرع أن يكون فيه ما في الأصل وزيادة. والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك؛ فالمصدر يدل على مجرد الحدث؛ وكل من الفعل والوصف يدل على الحدث وزيادة؛ فالفعل يدل على الحدث والزمان، والصفة تدل على الحدث والموصوف؛ وهذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فيرون أن الفعل أصل المشتقات كلها، ويرى ابن طلحة أن كلا من المصدر والفعل أصل قائم بذاته؛ ويرى جماعة من النحاة أن المصدر أصل للفعل وحده، وأن الفعل أصل لسائر المشتقات كما أسلفنا. انظر في تفصيل هذه المسألة شرح التصريح: 1/ 325.(2/183)
[ما ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق] :
فصل: ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق ما يدل على المصدر من صفة، كـ: "سرت أحسن السير"1، و: "اشتمل الصماء"2، و: "ضربته ضربَ الأميرِ اللصَّ"؛ إذ الأصل: "ضربا مثل ضرب الأمير اللص" فحذف الموصوف ثم المضاف، أو ضميره3 نحو: "عبد الله أظنه جالسا" ونحو: {لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا} 4، أو إشارة إليه، كـ: "ضربته ذلك الضرب"، أو مرادف له نحو: "شنئته بغضا" و: "أحببته مقة"5 و: "فرحت جذلا" وهو بالذال المعجمة مصدر جذل بالكسر، أو مشارك له في مادته، وهو ثلاثة أقسام: اسم مصدر كما تقدم، واسم عين، ومصدر لفعل آخر، نحو: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} 6 {وَتَبَتَّلْ
__________
1 الأصل: سرت السير أحسن السير، فحذف الموصوف ودلت عليه إضافة الصفة إلى مثله، ونابت منابه.
2 الأصل: الشملة الصماء، فحذف الموصوف ونابت الصفة منابه. والشملة الصماء: أن يجلل المرء جسده بثوبه، ويضم طرفيه كما يفعل الأعراب بأكسيتهم. فيرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن، فيغطيهما جميعا.
3 أي الضمير العائد على مثل المصدر المحذوف. وقوله: "أو ضميره" معطوف على قوله "من صفة".
4 "5" سورة المائدة، الآية: 115.
موطن الشاهد: {لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء الضمير -هنا- نائبا عن مصدر نوعي؛ لأن التقدير: لا أعذب هذا التعذيب الخاص أحدا.
5 "بغضا" مفعول مطلق نائب عن شنأ المرادف للبغض، و"مقة" مفعول مطلق نائب عن محبة، والمقة: المحبة، وهي مصدر ومقه -كورثه- أحبه فهو وامق.
6 "71" سورة نوح، الآية: 17.
موطن الشاهد: {أَنْبَتَكُمْ نَبَاتًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "نبات" وهو اسم عين للشيء النابت من زرع وغيره نائبا عن المصدر "إنباتا" في الانتصاب على المفعولية المطلقة.(2/184)