وإن يشابه المضاف يفعل ... وصفًا فعن تنكيره لا يعزل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رجل، ويتعرف به إن كان معرفة نحو غلام زيد "وإن يشابه المضاف يفعل" أي الفعل المضارع بأن يكون "وصفًا" بمعنى الحال أو الاستقبال اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التعريف حتى يرد على المصنف أنه جعل قسم الشيء قسيما له. قوله: "أو أعطه التعريف" أو للتقسيم لا للتخيير ومن هذا القسم المضاف إلى الجملة على الصحيح كما قاله المرادي لأنها في تأويل مصدر مضاف إلى فاعلها أو مبتدئها وهو ظاهر إن كان الفاعل أو المبتدأ معرفة فإن كان نكرة فالظاهر أن المضاف من النوع الأول والمراد بالتعريف الكون معرفة. فإن قلت وقوع الجمل صفات للنكرات ينافي تعريف المضاف إليها قلت أجاب سم بأن وقوعها كذلك باعتبار ظاهرها وقطع النظر عن تأويلها بالمصدر لأن وقوعها كذلك لا يتوقف على تأويل بخلاف وقوعها مضافا إليها لأن المضاف إليه لا يكون إلا اسما على المختار فاحتيج إلى تأويلها بالمصدر وهو معرفة فتعرف المضاف إليها ويؤخذ من ذلك أن قولهم الجمل نكرات بقطع النظر عن التأويل. قوله: "يعني أن المضاف إلخ" لما لم يقيد المصنف حالة التخصيص بكون المضاف إليه نكرة وحالة التعريف بكونه معرفة قال يعني إلخ وإنما ترك المصنف القيدين لشهرتهما. قوله: "وأن يشابه المضاف يفعل" كنى بيفعل عن مطلق الفعل المضارع وخرج من كلامه المصدر واسمه وأفعل التفضيل. قوله: "وصفا" حال من المضاف فكلام الشارح حل معنى وهي حال لازمة لأن المضاف لا يشابه يفعل إلا إذا كان وصفا والمراد الوصف ولو باعتبار التأويل كضرب زيد بمعنى مضروبه.
قوله: "بمعنى الحال أو الاستقبال" أي لا بمعنى الماضي أو مطلق الزمن فإن إضافته محضة ومثل كونه بمعنى الحال أو الاستقبال كونه بمعنى الاستمرار كما صرح به الرضي فيما سننقله عنه. ونقل شيخنا السيد عن بعضهم أن الوصف إذا أريد به الاستمرار جاز كونها معنوية نظرا للماضي وكونها لفظية نظرا للحال والاستقبال لأن الاستمرار صادق بالجميع فيجوز قصد أحد الاعتبارين بما يترتب عليه من تعريف التابع أو تنكيره، ثم رأيت الدماميني ذكره نقلا عن شرح الكشاف لليمنى حيث قال اسم الفاعل المضاف إذا كان بمعنى الماضي فقط كانت إضافته حقيقية لنقص مشابهته المضارع التي هي العلة في عمله وإذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال فقط كانت إضافته غير حقيقة لتمام المشابهة وأما إذا كان بمعنى الاستمرار ففي إضافته اعتبارن: اعتبار المضي فتكون محضة فيقع صفة للمعرفة ولا يعمل، واعتبار الحال والاستقبال فتكون غير محضة فيقع صفة للنكرة ويعمل فيما أضيف إليه. ا. هـ. باختصار، ورأيت الشمني ذكره نقلا عن شرح الكشاف للتفتازاني حيث قال: الاستمرار يحتوي على الأزمنة الماضي والحال والاستقبال فتارة يعتبر جانب الماضي فتجعل الإضافة حقيقية كما في: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] ، وتارة يعتبر جانب الأخيرين فتجعل الإضافة غير حقيقية كما في: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96] ، لئلا يلزم مخالفة الظاهر بقطع مالك يوم الدين عن الوصفية إلى البدلية ويجعل سكنا منصوبا بفعل محذوف والتعويل على القرائن والمقامات هذا ما ذكره في توجيه التوفيق بين كلامي الزمخشري في الآيتين(2/360)
كرب راجينا عظيم الأمل ... مروع القلب قليل الحيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مشبهة "فعن تنكيره لا يعزل" بالإضافة لأنه في قوة المنفصل "كرب راجينا عظيم الأمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ا. هـ. باختصار. ثم نقل الشمني عن السيد الجرجاني أنه اختار في توجيه التوفيق أن الاستمرار في مالك يوم الدين ثبوتي وفي جاعل الليل سكنا تجددي بتعاقب أفراده فكان الثاني عاملا وإضافته لفظية لورود المضارع بمعناه دون الأول هذا وقوله بمعنى إلخ لا يناسب قوله الآتي أو صفة مشبهة إذ هي ليست بمعنى الحال أو الاستقبال بل للثبات والدوام نعم هي وإن كانت كذلك لا تتعرف بالإضافة أصلا كما في الرضي والتصريح لأنها تشبه المضارع في بعض أحواله وذلك إذا أفاد الاستمرار نحو زيد يعطي كذا علل واحد. ويرد عليه أن الاستمرار في الصفة المشبهة ثبوتي وفي المضارع تجددي كما مر في كلام السيد فلا تشبهه فإن اكتفوا بالمشابهة في أصل الاستمرار أشكل الفرق بينها وبين اسم الفاعل الذي للاستمرار الثبوتي على ما مر عن السيد أن إضافته معنوية وعلى إطلاق ما مر من غيره أن اسم الفاعل بمعنى الاستمرار فيه اعتبارن فالأولى التعليل بما يأتي عن الرضي أنها دائما عامله في محل المضاف إليه إما رفعا أو نصبا أو إضافة الوصف إلى معموله لفظية ثم قول صاحب التوضيح إن اسم الفاعل إذا أريد به الثبوت كان صفة مشبهة يشكل على ما مر عن السيد وعلى إطلاق ما مر من غيره فتأمل وعبارة الرضي كون إضافة الصفة المشبهة لفظية مبني على كونها عاملة في محل المضاف إليه إما رفعا أو نصبا فالصفة المشبهة جائزة العمل دائما فإضافتها لفظية دائما وأما اسما الفاعل والمفعول فعملهما في مرفوع جائز مطلقا لأن أدنى رائحة فعل يكفي في عمل الرفع لشدة اختصاص المرفوع بالفعل فإضافتهما إلى فاعلهما معنى لفظية دائما نحو ضامر بطنه ومسوّد وجهه وأما عملهما في المفعول به ونحوه فيحتاج إلى شرط كونهما بمعنى الحال أو الاستقبال أو الاستمرار لأنهما إذن يشبهان المضارع الصالح لهذه المعاني الثلاثة فإضافتهما إذن لفظية.
قوله: "اسم فاعل" مراده به ما يشمل صيغة المبالغة. قوله: "فعن تنكيره" أشار بإضافة تنكير إلى ضمير المضاف إلى أن تنكيره حال الإضافة هو الذي كان قبلها فأفاد أن إضافته لا تفيده التخصيص كما لا تفيده التعريف قاله يس. قوله: "لأنه في قوة المنفصل" أي عن الإضافة بالضمير فاعل الوصف لأن ضارب زيد في قوة ضارب هو زيدا كما سيأتي. قوله: "كرب راجينا" قيل هذا المثال مشكل لأن رب تصرف ما بعدها إلى المضي فتكون إضافته محضة وفيه نظر فإن المذكور في همع الهوامع إنما هو أن الأكثرين يقولون بوجوب مضي ما تتعلق به رب بناء على أنها تتعلق لا أنهم يقولو بوجوب مضي مجرورها وأن ابن السراج يجوز كونه حالا وابن مالك يجوز كونه حالا أو مستقبلا، وقد قال في التسهيل ولا يلزم وصف مجرورها خلافا للمبرد ومن وافقه ولا مضيّ ما تتعلق به. قوله: "فأتت به" أي ولدته حوش الفؤاد بضم الحاء المهملة أي حديده، مبطنا بفتح الطاء المشددة كما في القاموس أي ضامر البطن وهو وصف محمود في الذكور. سهدا بضم السين المهملة والهاء أي قليل النوم. والهوجل بالجيم الأحمق وإسناد نام إلى ليل مجاز عقلي من إسناد الفعل إلى زمنه والأصل إذا نام الهوجل في الليل.(2/361)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مروع القلب قليل الحيل" فراجٍ اسم فاعل، ومروع اسم مفعول، وعظيم وقليل صفتان مشبهتان وكل منهما مضاف إلى معرفة ومع ذلك فهو باق على تنكيره بدليل دخول رب. ومثله قوله:
608- يا رب غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدة منكم وحرمانا
ومن أدلة بقاء هذا المضاف على تنكيره نعت النكرة نحو {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وانتصابه على الحال نحو ثاني عطفه. وقوله:
609- فأتت به حوش الفؤاد مبطنا ... سهدًا إذا ما نام ليل الهوجل
والدليل على أنها لا تفيد تخصيصًا أن أصل قولك ضارب زيد ضارب زيدًا فالاختصاص موجود قبل الإضافة وإنما تفيد هذه الإضافة التخفيف أو رفع القبح أما التخفيف فحذف التنوين الظاهر كما في ضارب زيد وضارب عمرو وحسن الوجه، أو المقدر كما في ضوارب زيد، وحواج بيت الله، أو نون التثنية كما في ضاربًا زيد، والجمع كما في ضاربو زيد. وأما رفع القبح في حسن الوجه فإن في رفع الوجه قبح خلو الصفة عن ضمير الموصوف وفي نصبه قبح إجراء وصف القاصر مجرى وصف المتعدي وفي الجر تخلص منهما، ومن ثم امتنع الحسن وجهه أي بالجر لانتفاء قبح الرفع أي على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "التخفيف" أي في اللفظ بحذف التنوين أو النون كما سيذكره الشارح وقوله أو رفع القبح أي إزالة قبح التركيب عند الرفع أو النصب. قوله: "في حسن الوجه" أي من قولك مررت برجل حسن الوجه مثلا. واعلم أن ما سموه هنا قبيحا سموه في باب الصفة المشبهة ضعيفا فلا تنافي بين الموضعين. قوله: "خلو الصفة عن ضمير الموصوف" أي لأن الكلمة لا ترفع ظاهرا وضميرا معا. قوله: "إجراء وصف القاصر" أي الفعل القاصر مجرى المتعدي أي الفعل المتعدي أي في نصبه المعرفة على المفعولية. قوله: "وفي الجر تخلص منهما" أي من الإجراء والخلو
__________
608- البيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه ص163؛ والدرر 5/ 9؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 457؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 540؛ وشرح التصريح 2/ 28؛ وشرح شواهد المغني 2/ 712، 880؛ والكتاب 1/ 427؛ ولسان العرب 7/ 174 "عرض"؛ ومغني اللبيب 1/ 511؛ والمقاصد النحوية 3/ 364؛ والمقتضب 4/ 150؛ وهمع الهوامع 2/ 47؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 90؛ المقتضب 3/ 227، 4/ 289.
609- البيت من الكامل، وهو لأبي كبير الهذلي في جمهرة اللغة ص360؛ وخزانة الأدب 8/ 194، 203؛ وشرح أشعار الهذليين 3/ 1073؛ وشرح التصريح 2/ 28؛ وشرح ديوانه الحماسة للمرزوقي ص88؛ وشرح شواهد المغني 1/ 227؛ والشعر والشعراء 2/ 675؛ ولسان العرب 3/ 224 "سهد"، 6/ 290 "حوش"، 11/ 690 "هجل"، ومغني اللبيب 2/ 511؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 89؛ وجمهرة اللغة ص1186؛ وشرح شواهد المغني 2/ 880؛ ولسان العرب 14/ 214 "جيا".(2/362)
وذي الإضافة اسمها لفظية ... وتلك محضة ومعنوية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفاعل لوجود الضمير، ونحو الحسن وجه أي بالجر أيضًا لانتفاء قبح النصب لأن النكرة تنصب على التمييز "وذي الإضافة اسمها لفظية" وغير محضة ومجازية لأن فائدتها راجعة إلى اللفظ فقط بتخفيف أو تحسين وهي في تقدير الانفصال "وتلك" الإضافة الأولى اسمها "محضة ومعنوية" وحقيقية لأنها خالصة من تقدير الانفصال وفائدتها راجعة إلى المعنى كما رأيت وذلك هو الغرض الأصلي من الإضافة.
تنبيهات: الأول ذهب ابن برهان وابن الطراوة إلى أن إضافة المصدر إلى مرفوعه أو منصوبه غير محضة، والصحيح أنها محضة لورود السماع بنعته بالمعرفة كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المذكورين فلا قبح. قوله: "ومن ثم" أي من أجل أن الإضافة فيما ذكر إنما هي لرفع قبح الرفع والنصب امتنع الحسن وجهه والحسن وجه بالجر فيهما. واعترض بأن الإضافة في الضارب الرجل لم تفد تخفيفا لعدم التنوين بوجود أل ولا رفع قبح لأن المضاف وصف متعد مضاف لمفعوله فلا قبح في نصبه. وأجيب بأن العرب شبهوا الضارب الرجل بالحسن الوجه في تجويز الجر لاشتراكهما في تعريف الجزأين بأل كما عكسوا في النصب وإن كان نصب المشبه في العكس قبيحا كما علم. قوله: "لأن النكرة تنصب على التمييز" أي والتمييز ينصبه المتعدي والقاصر. قوله: "وذي الإضافة" أي إضافة الوصف إلى معموله لا بقيد تنكير الوصف الذي هو موضوع كلامه السابق بقرينة قوله فعن تنكيره لا يعزل ليدخل في كلامه إضافة نحو الضارب الرجل فإنها لفظية كما يؤخذ من الاعتراض السابق قريبا وصرح به سم فيما كتبه بهامش الهمع.
قوله: "لأن فائدتها إلخ" علة لتسميتها لفظية وقوله وهي في تقدير الانفصال علة لتسميتها غير محضة. وأما تسميتها مجازية فعللها في شرح التوضيح بكونها لغير الغرض الأصلي من الإضافة كذا قال شيخنا وغيره وقد يشير إليه تعليله هنا تسمية الأولى حقيقية بقوله وذلك هو الغرض الأصلي من الإضافة. وقال شيخنا السيد: اعلم أن تسمية اللفظية مجازية ليست بمعنى المجاز المتعارف حتى تحتاج لعلاقة وقرينة بل المراد أنها إضافة في الظاهر والصورة لا الحقيقة والمعنى. ا. هـ وعلى هذا يصح أن يكون الشارح علل هنا تسميتها مجازية بقوله وهي في تقدير الانفصال. قوله: "بتخفيف" أي بحذف التنوين الظاهر أو المقدر أو النون وقوله أو تحسين أي برفع قبح الرفع أو النصب كما مر. قوله: "وتلك" أي الإضافة المغايرة لإضافة الوصف إلى معموله. قوله: "لأنها خالصة إلخ" علة لتسميتها محضة وقوله وفائدتها إلخ علة لتسميتها معنوية وقوله وذلك هو الغرض إلخ علة لتسميتها حقيقية على ما يؤخذ مما أسلفناه عن شارح التوضيح أو قوله لأنها خالصة إلخ علة لتسميتها حقيقية أيضا على ما يؤخذ مما بحثناه سابقا بعد نقل كلام شيخنا السيد هكذا ينبغي تقرير العبارة وإن وقع البعض في خلافه فتدبر. وقوله كما رأيت أي من إفادتها التخصيص أو التعريف. قوله: "غير محضة" لا يظهر له وجه إلا حال إضافته لمنصوبه لأنها في تقدير الانفصال بفاعل المصدر بخلافه حال إضافته لمرفوعه. قوله: "بنعته بالمعرفة" أي(2/363)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
610- إن وجدي بك الشديد أراني ... عاذرًا فيك من عهدت عذولا
وذهب ابن السراج والفارسي إلى أن إضافة أفعل التفضيل غير محضة، والصحيح أنها محضة نص عليه سيبويه لأنه ينعت بالعرفة. الثاني ظاهر كلامه انحصار الإضافة في هذين النوعين وهو المعروف لكنه زاد في التسهيل نوعًا ثالثًا وهي المشبهة المحضة وحصر ذلك في سبع إضافات: الأولى إضافة الاسم إلى الصفة نحو مسجد الجامع، ومذهب الفارسي أنها غير محضة، وعند غيره أنها محضة. الثانية إضافة المسمى إلى الاسم نحو شهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذا أضيف إلى معرفة كما في الشاهد.
قوله: "عاذراً" مفعول ثالث مقدم والأول الياء والثاني من عهدت والعائد محذوف أي عهدته وعذولاً حال من العائد المحذوف ولا يصح أن يكون عذولاً مفعول عهد لما يلزم عليه من خلو الموصول عن العائد فقول شيخنا السيد أنه مفعول عهد سهو. قوله: "أن إضافة أفعل التفضيل غير محضة" قال البعض لا وجه له لأنها ليست في تقدير الانفصال إذ أفعل التفضيل لا ينصب المفعول كما سيأتي. ا. هـ. وفيه عندي نظر لأنه لا يتوقف كون الإضافة في تقدير الانفصال على كون الوصف ينصب المفعول بدليل جعلهم إضافة اسم الفاعل القاصر كقائم الآن ومسود الوجه في تقدير الانفصال مع أنه لا ينصب المفعول وحينئذٍ يوجه كون إضافة أفعل غير محضة بأنها في تقدير الانفصال بالضمير فاعل أفعل أي أنها منفصلة به في الحقيقة والتقدير وقد نقل في التصريح هذا القول عن أبي البقاء والكوفيين وجماعة من المتأخرين كالجزولي وابن أبي الربيع وابن عصفور ونسبه إلى سيبويه وقال إنه الصحيح بدليل قولهم مررت برجل أفضل القوم ولو كانت إضافته محضة لزم وصف النكرة بالمعرفة فإن خرجه المخالف على البدل أبطلناه بأن البدل بالمشتق قليل اهـ. قوله: "لأنه ينعت بالمعرفة" أي إذا أضيف إلى معرفة. قوله: "لكنه زاد في التسهيل نوعاً ثالثاً" قال لأن للإضافة في هذا النوع الثالث اعتبارين اتصالاً من حيث أن الأول غير مفصول بضمير منوي وانفصالاً من حيث إن المعنى لا يصح إلا بتكلف خروجها عن ظاهرها كذا في الهمع والذي يظهر أنه ليس زائداً في الحقيقة على هذين النوعين بل هو قسم من غير المحضة بدليل تسميته مشبهاً بالمحضة وحينئذٍ لا يجوز تسميته مشبهاً بغير المحضة لاقتضائه أنه ليس من غير المحضة فتجويز البعض تبعاً لشيخنا تسميته مشبهاً بغير المحضة مبني على تباين الثلاثة المتبادر من تثليث القسمة وهو خلاف ما حققناه. قوله: "إضافة الاسم إلى الصفة" هو كعكسه غير مقيس كما سيأتي واعلم أنه سيأتي عند قول الناظم:
ولا يضاف اسم لما به اتحد ... معنى وأول موهماً إذا ورد
__________
610- البيت من الخفيف وهو بلا نسبة في الدرر 5/ 9، 251؛ وشرح التصريح 2/ 27؛ وشرح قطر الندى ص264؛ والمقاصد النحوية 3/ 366؛ وهمع الهوامع 2/ 48، 93.(2/364)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رمضان. الثالثة إضافة الصفة إلى الموصوف نحو سحق عمامة. الرابعة إضافة الموصوف إلى القائم مقام الصفة كقوله:
611- علا زيدنا يوم النفي رأس زيدكم
أي علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم، فحذف الصفتين وجعل الموصوف خلفًا عنهما في الإضافة. الخامسة إضافة المؤكد إلى المؤكد، وأكثر ما يكون ذلك في أسماء الزمان نحو يومئذ وحينئذ وعامئذ. وقد يكون في غيرها كقوله:
612- فقلت انحوا عنها نجا الجلد أنه ... سيرضيكما منها سنام وغاربه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا وعكسه ونحوهما يجب تأويلها وصرفها عن ظاهرها على ما سيأتي تفصيله وباعتبار التأويل تكون الإضافة محضة فلعل جعلها غير محضة بقطع النظر عن التأويل. قوله: "إنها غير محضة" لشبهه بحسن الوجه فكما أن أصل حسن الوجه حسن وجهه فأزيل عن الرفع. وأصل صلاة الأولى مثلا الصلاة الأولى عن النعت فأزيل عن حده. همع. قوله: "أنها محضة" اختاره أبو حيان لأنه لا يقع بعد رب ولا أل ولا ينعت بنكرة ولا ورد نكرة إذ لم يحفظ صلاة أولى مثلا همع. قوله: "إضافة المسمى إلى الاسم" كما يقال لها ذلك باعتبار قصد تسمية الأول بالثاني يقال لها الإضافة التي للبيان باعتبار قصد بيان الأول بالثاني وسماها قوم البيانية وفرق غيرهم بأن التي للبيان بين جزأيها عموم وخصوص مطلق والبيانية بين جزأيها عموم وخصوص من وجه. قوله: "كقوله علا زيدنا إلخ" المتجه أن البيت ونحوه من إضافة الشيء إلى ملابسه بعد تنكير العلم وإضافته إلى الضمير إضافة محضة من غير تأويل بما ذكر كما أفاده الدماميني.
قوله: "في الإضافة" أي إلى الضمير وقوله سابقا القائم مقام الصفة أي في الاتصال بالموصوف فاندفع ما قيل بين طرفي كلامه تناف لاقتضاء أول كلامه أن خلف الصفة هو الضمير واقتضاء آخره أنه المصوف. قوله: "في أسماء الزمان" أي المبهمة. قوله: "نحو يومئذٍ إلخ" استظهر غير واحد أنه من إضافة العام إلى الخاص لتخصيص الظرف الثاني بالجملة المضاف إليها القائم مقامها التنوين وهو إنما يصح على إطلاقه إذا أريد باليوم زمن ما لا خصوص المدة
__________
611- عجزه:
بأبيض ماضي الشفرتين يمان
والبيت من الطويل، وهو لرجل من طيئ في شرح شواهد المغني 1/ 165؛ والمقاصد النحوية 3/ 371؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 189، 191؛ وجواهر الأدب ص315؛ وخزانة الأدب 2/ 224؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 452، 456؛ وشرح التصريح 1/ 153؛ وشرح المفصل 1/ 44؛ ولسان العرب 3/ 200 "زيد"؛ ومغني اللبيب 1/ 52.
612- البيت من الطويل، وهو لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت أو لأبي الغمر الكلابي في خزانة الأدب 4/ 358، 359؛ ولأبي الجراح في المقاصد النحوية 3/ 373؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص94؛ وجمهرة اللغة ص497؛ ولسان العرب 15/ 307 "نجا".(2/365)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السادسة إضافة الملغي إلى المعتبر كقوله:
613- إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
السابعة إضافة المعتبر إلى الملغي نحو اضرب أيهم أساء. وقوله:
614- أقام ببغداد العراق وشوقه ... لأهل دمشق الشام شوق مبرح
الثالث أهمل هنا مما لا يتعرف بالإضافة شيئين: أحدهما ما وقع موقع نكرة لا تقبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المحدودة بطرفي النهار وإلا كان فيه تفصيل قدمناه أول الكتاب في الكلام على التنوين فراجعه. قوله: "فقلت انجوا" بالجيم يقال نجوت جلد البعير عنه وأنجيته أي سلخته. والضمير في عنها يرجع إلى الناقة التي ذبحها الشاعر لضيفين له فقالا أنها مهزولة فاعتذر لهما بهذا الشعر. والشاهد في نجا الجلد فإن النجا بالجيم مقصورا الجلد والسنام بالفتح معروف والغارب أعلى الظهر. قوله: "إضافة الملغى إلى المعتبر" معنى كونه ملغى أن المعنى يستقيم بدونه كالحرف الزائد قيل ومنه: {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام: 122] ، أي كمن هو في الظلمات، {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ} [محمد: 15] ، الآية أي الجنة التي وعد المتقون. قوله: "إلى الحول" أي ابكيا عليّ إلى الحول والخطاب لبنتيه. قوله: "نحو اضرب أيهم أساء" إنما كان المضاف إليه ملغى لأن تعرّف أيّ إنما هو بصلتها كغيرها من الموصولات فلو اعتد بالإضافة لزم اجتماع معرفين على معرف واحد كذا نقل الدماميني عن المصنف ويشكل على هذا ما مر في باب الموصول وسيأتي أيضا من أن لها إبهاما من جهة الجنس وإبهاما من جهة الشخص وأن إضافتها إلى المعرفة لتعيين الجنس والصلة لتعيين الشخص فإنه يقتضي اعتبار المضاف إليه إلا أن يقال إلغاء المضاف إليه من حيث تعيين الشخص فتأمل.
قوله: "ببغداد العراق إلخ" الشاهد في بغداد العراق ودمشق الشام، وإنما لم يجعل الأول هو الملغي لوقوعه في مركزه. والمبرح بكسر الراء المشددة المؤلم وقد يقال الإضافة في البيت كالإضافة في نجا الجلد المتقدم فما وجه التفرقة. قوله: "أهمل هنا إلخ" قال سم قد يقال لا
__________
613- عجزه:
ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر
والبيت من الطويل، وللبيد بن ربيعة في ديوانه ص214؛ والأشباه والنظائر 7/ 96؛ والأغاني 13/ 40، وبغية الوعاة 1/ 429؛ وخزانة الأدب 4/ 337، 340، 342؛ والخصائص 3/ 29؛ والدرر 5/ 15؛ وشرح المفصل 3/ 14؛ والعقد الفريد 2/ 78، 3/ 57؛ ولسان العرب 4/ 545 "غدر"؛ والمقاصد النحوية 3/ 375؛ والمنصف 3/ 135؛ وبلا نسبة في أمالي الزجاجي ص63؛ وشرح عمدة الحافظ ص507؛ والمقرب 1/ 213؛ وهمع الهوامع 2/ 49، 158.
614- البيت من الطويل، وهو لبعض الطائيين في الدرر 5/ 16؛ والمقاصد النحوية 3/ 378؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 2/ 307.(2/366)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التعريف نحو رب رجل وأخيه، وكم ناقة وفصيلها، وفعل ذلك جهده وطاقته؛ لأن رب وكم لا يجران المعارف والحال لا يكون معرفة. ثانيهما ما لا يقبل التعريف لشدة إبهامه كمثل وغير وشبه. قال في شرح الكافية: إضافة واحد من هذه وما أشبهها لا تزيل إبهامه إلا بأمر خارج عن الإضافة كوقوع غير بين ضدين كقول القائل: رأيت الصعب غير الهين، ومررت بالكريم غير البخيل وكقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] ، وكقول أبي طالب:
615- يا رب إما تخرجن طالبي ... في مقنب من تلكم المقانب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إهمال لإمكان دخولهما في قوله واخصص أولا فإنه لم يضبط هذا النوع المفيد للتخصيص بضابط فيمكن تفسيره بما يشمل ذلك. قوله: "ما وقع موقع نكرة إلخ" لكن إضافته محضة مفيدة للتخصيص كما في الدماميني والتوضيح وشرحه واقتضاه ما مر قريبا عن سم. قوله: "وفعل ذلك جهده وطاقته" أي حالة كونه جاهدا ومطيقا. قوله: "لأن رب وكم إلخ" علة لمحذوف أي وإنما كان المعطوف في هذه الأمثلة واقعا موقع نكرة لا تقبل التعريف لأن إلخ وجعل بعضهم المعطوف في الأولين معرفة وقال إنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل. قوله: "كمثل وغير وشبه" إنما كانت شديدة الإبهام لأنها بمعنى اسم الفاعل الذي بمعنى الحال لأنها بمعنى مماثل ومغاير ومشابه فإضافتها للتخفيف نقله الدماميني عن سيبويه والمبرد. وهذا كصنيع الهمع يقتضي أن إضافته لفظية لا تفيد تخصيصا أيضا وهو خلاف ما في التوضيح وشرحه ومقتضى كلام سم السابق وقيل لأن غير زيد يشمل كل موجود سواه، ومثله وشبهه يشمل كل مماثل ومشابه فمدلوله شائع شيوعا غير مضبوط وفيه أن إضافة ما ذكر إن كانت عهدية فلا شمول فتكون كالضارب مرادا به العهد أو استغراقية أو جنسية فهو كالضارب مرادا به الاستغراق أو الجنس مع أن الضارب معرفة بكل حال والكاف في عبارة الشارح لإدخال خدن وترب بكسر أولهما وحسب وكافي ونحوهما. وأما شبيهك فمعرفة نقله شيخنا السيد وفيه نظر. وقال سم ينبغي أن هذه الكلمات كما لا تتعرف بالإضافة إلا فيما استثنى لا تتعرف بأل أيضا لأن المانع من تعريفها بالإضافة مانع من تعريفها بأل. ا. هـ. ونقل الشنواني عن السيد أنه صرح في حواشي الكشاف بأن غيرا لا تدخل عليها أل إلا في كلام المولدين.
قوله: "لا تزيل إبهامه" أي إزالة تقتضي التعيين فلا ينافي أنه يتخصص بالإضافة وتسمى إضافته محضة ومعنوية كذا قال البعض ويوافقه ما مر عن التوضيح وشرحه وسم هو لا يأتي على ما مر عن سيبويه والمبرد أن إضافة نحو مثل للتخفيف. قوله: "يا رب أما تخرجن إلخ" إن شرطية وما زائدة وقوله فليكن أي الطالب جواب الشرط، والمقنب كمنبر المراد به هنا جماعة
__________
615- هو من الرجز.(2/367)
ووصل أل بذا المضاف مغتفر ... إن وصلت بالثان كالجعد الشعر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فليكن المغلوب غير الغالب ... وليكن المسلوب غير السالب
فبوقوع غير بين ضدين يرتفع إبهامه لأن جهة المغابرة تتعين بخلاف خلوها من ذلك كقولك مررت برجل غيرك، وكذا مثل إذا أضيف إلى معرفة دون قرينة تشعر بمماثلة خاصة فإن الإضافة لا تعرف ولا تزيل إبهامه فإن أضيف إلى معرفة وقارنه ما يشعر بمماثلة خاصة تعرف هذا كله. وقال أيضًا في شرح التسهيل: وقد يعني بغير ومثل مغايرة خاصة ومماثلة خاصة فيحكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في غير إذا وقع بين متضادين. وهذا الذي قاله في غير هو مذهب ابن السراج والسيرافي ويشكل عليه نحو: {صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [الأعراف: 53] ، فإنها وقعت بين ضدين ولم تتعرف بالإضافة لأنها وصف النكرة "ووصل أل بذا المضاف" أي المشابه يفعل "مغتفر إن وصلت بالثان كالجعد الشعر" وقوله:
616- وهن الشافيات الحوائم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الخيل كما قاله حفيد السيد، ويطلق على مخلب الأسد وعلى الذئب. قوله: "لأن جهة المغايرة" أي ما به المغايرة. قوله: "وقارنه ما يشعر بمماثلة خاصة" كقولك زيد مثل حاتم فإن القرينة وهي اشتهار حاتم بالجود تدل على أن المراد المماثلة في ذلك الوصف المخصوص. قوله: "وقال أيضا في شرح التسهيل" تقوية لما قبله. قوله: "هو مذهب ابن السراج والسيرافي" وذهب المبرد إلى أن غيرا لا تتعرف أبدا وذهب بعضهم إلى أنها لا تتعرف بالإضافة مطلقا كما تقدم حكاية ذلك في باب الاستثناء. قوله: "لأنها وصف النكرة" أجيب بمنع أنها وصف بل هي على هذا القول بدل لا وصف كما صرح به غير واحد كزكريا.
قوله: "بذا المضاف أي المشابه يفعل" خرج المضاف إضافة محضة فلا تدخل عليه أل لأن المضاف فيها إلى معرفة تعرف بالإضافة فلا تدخل عليه أل لئلا يلزم اجتماع معرفين على معرف واحد والمضاف فيها إلى نكرة يتخصص بالإضافة ولو أدخلت عليه أل لزم إضافة المعرفة إلى النكرة وهي ممنوعة. قوله: "إن وصلت بالثان" قال يس إنما اشترطت أل في المضاف إليه مع الصفة المشبهة التي هي أصل المسألة لأن رفع قبح نصب على ما بعدها بالإضافة لا يحصل إلا حينئذٍ لعدم قبح نصب النكرة على التمييز بعد الصفة المشبهة وحمل اسم الفاعل عليها كما مر ذلك. ا. هـ. بإيضاح. وأيضا ليكون دخول أل على المضاف الذي هو خلاف الأصل كالمشاكلة. واختلف في تابع المضاف إليه فسيبويه يجوّز عدم وصله بأل نحو جاء الضارب الرجل وزيد وهذا
__________
616- البيت بتمامه:
أبانا بها قتلى وما في دمائهم ... شفاء وهن الشافيات الحوائم
وهو من الطويل، وهو للفرزدق في ديوانه 2/ 310؛ وخزانة الأدب 7/ 373؛ وشرح التصريح 2/ 29؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 921.(2/368)
أو بالذي له أضيف الثاني ... كزيد الضارب رأس الجاني
وكونها في الوصف كاف إن وقع ... مثنى أو جمعا سبيله اتبع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"أو بالذي له أضيف الثاني كزيد الضارب رأس الجاني" وقوله:
617- لقد ظفر الزوار أقفية العدا
أو بما أضيف إلى ضميره الثاني كقوله:
618- الود أنت المستحقة صفوه
ومنع المبرد هذه "وكونها في الوصف كاف إن وقع مثنى أو جمعًا سبيله اتبع" أي وكون أل أي رجودها في الوصف المضاف كاف في اغتفاره وقوعه مثنى أو جمعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الضارب الرجل زيد على أن زيد عطف بيان والمبرد لا يجوّز ذلك بل يوجب أن يصح وقوع التابع موقع متبوعه ورجح الأول بأنه قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع قاله الرضي. قوله: "وهن" أي السيوف الشافيات الحوائم أي العطاش ولعل المراد بالعطش التشوف للقتل وإنما كانت السيوف شافيات لأنها آلة السفك. وأصل الحوائم العطاش التي تحوم حول الماء ثم سمي كل عطشان حائما كما في القاموس. قوله: "أو بالذي له أضيف الثاني" لقيام وجودها فيه مقام وجودها في الثاني لكون المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد ولذلك لا يجوز أن يكون بين الوصف وما فيه أل أكثر من مضاف واحد أفاده في التصريح فلا يجوز الضارب رأس عبد الجاني. قوله: "أقفية العدا" جمع قفا. قوله: "أو بما أضيف إلى ضميره" نائب فاعل أضيف قوله الثاني.
قوله: "ومنع المبرد هذه" وأوجب النصب وهو محجوج بالسماع والأفصح في المسائل الثلاث النصب باسم الفاعل قاله الشارح في شرح التوضيح. قوله: "مثنى أو جمعا" أي أو ملحقا بهما. قوله: "أي وجودها" أشار به إلى أن كون مصدر كان التامة ويصح كونه مصدر كان الناقصة وفي الوصف خبره. قوله: "كاف إلخ" لأنه لما طال ناسبه التخفيف فلم يشترط وصل أل بالمضاف إليه. قوله: "في اغتفاره" قدره ليحصل الربط بين المبتدأ والخبر المشتق الخالي من
__________
617- عجزه:
ما جاوز الآمال ملأ سر والقتل
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 93؛ وشرح التصريح 2/ 29؛ والمقاصد النحوية 3/ 391.
618- عجزه:
مني وإن لم أرج منك نوالا
والبيت من الكامل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 95؛ والدرر 5/ 12؛ وشرح التصريح 2/ 29؛ والمقاصد النحوية 3/ 392؛ وهمع الهوامع 2/ 48.(2/369)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اتبع سبيل المثنى وهو جمع المذكر السالم كقوله:
619- إن يغنيا عني المستوطنا عدن ... فإنني لست يومًا عنهما بغني
وقوله:
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما
وكقوله:
620- والمستقلو كثير ما وهبوا
فإن انتفت الشروط المذكور امتنع وصل أل بذا المضاف. وأجاز الفراء ذلك فيه مضافًا إلى المعارف مطلقًا نحو الضارب زيد والضارب هذا بخلاف الضارب رجل. وقال المبرد والرماني في الضاربك وضاربك موضع الضمير خفض. وقال الأخفش وهشام: نصب. وعند سيبويه الضمير كالظاهر فهو منصوب في الضاربك مخفوض في ضاربك ويجوز في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الضمير لرفعه الظاهر. قوله: "أن يغنيا" بفتح النون مضارع غني بكسرها أي استغنى وإثبات الألف مع أنه مسند إلى الظاهر على لغة أكلوني البراغيث وعدن اسم بلد باليمن. قوله: "الشاتمي عرضي" قد يبحث فيه باحتمال عدم الإضافة وأن النون حذفت للتخفيف كما يأتي. قوله: "فإن انتفت الشروط" أي وصل أل بالثاني أو بما أضيف إليه الثاني أو بما أضيف إلى ضميره الثاني أو وقوع الوصف مثنى أو جمعا على حده بأن لم يوجد واحد من الأحوال الخمسة وسماها شروطا باعتبار أنه لا بد من وجود واحد منها في دخول أل. قوله: "ذلك" أي وصل أل. قوله: "مضافا إلى المعارف" حال من الضمير المجرور بفي العائد إلى المضاف وهو داخل في حيز الإجازة بدليل قول التوضيح وجوّز الفراء إضافة الوصف المحلي بأل إلى المعارف كلها. ا. هـ. فهو لا يوجب كون الضمير في محل جر إذا أضيف الوصف المحلي بأل إلى الضمير نحو الضاربك بل يجوز كونه في محل نصب على المفعولية أيضا بخلاف المبرد والرماني كما يأتي وقوله مطلقا أي سواء كان المضاف إليه علما أو اسم إشارة أو ضميرا أو غيرها. قوله: "بخلاف الضارب رجل" أي فإنه لا يجوز لامتناع إضافة المعرفة إلى النكرة. قوله: "وقال المبرد والرماني إلخ" أي فيكونان موافقين للفراء في الضمير دون الظاهر لكنهما موجبان والفراء مجيز. قوله: "وعند سيبويه الضمير إلخ" هذا هو الموافق لكلام الناظم. قوله: "كالظاهر" أي غير المحلى بأل بدليل التفريع
__________
619- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 96؛ والدرر 5/ 11؛ وشرح التصريح 2/ 29؛ والمقاصد النحوية 3/ 393؛ وهمع الهومع 2/ 48.
620- صدره:
العارفو الحق للمدل به ... والبيت من المنسرح(2/370)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الضارباك والضاربوك الوجهان لأنه يجوز الضاربا زيدًا والضاربو عمرًا. وتحذف النون في النصب كما تحذف في الإضافة ومنه قوله:
621- الحافظو عورةَ العشيرة لا ... يأتيهم من ورائهم وكف
وقوله:
622- العارفو الحقَّ للمدل به ... والمستقلو كثير ما وهبوا
في رواية من نصب الحق وكثير. نعم الأحسن عند حذف النون الجر بالإضافة لأنه المعهود والنصب ليس بضعيف لأن الوصف صلة فهو في قوة الفعل فطلب معه التخفيف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعده. قوله: "فهو منصوب في الضاربك" أي لانتفاء شرط إضافة الوصف المحلى بأل.
فائدة: قال في المغني مثل هذا الضمير في النصب قولهم لا عهد لي بألأم قفا منه ولا أوضعه بفتح العين فالهاء في موضع نصب كالهاء في الضاربه إلا أن ذاك مفعول وهذا مشبه بالمفعول لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به إجماعا وليست مضافا إليها والأخفض أوضع بالكسرة وعلى هذا فإذا قلت مررت برجل أبيض الوجه لا أحمره فإن فتحت الراء فالهاء منصوبة المحل وإن كسرتها فهي مجرورته. ا. هـ. قوله: "مخفوض في ضاربك" أي محلا لعدم تنوين الوصف وعدم تحليته بأل. قوله: "الوجهان" أي الخفض بناء على أن النون حذفت للإضافة والنصب بناء على أنها حذفت للتخفيف للطول هذا مذهب سيبويه. وقال الجرمي والمازني والمبرد وجماعة هو في موضع جر فقط إذ الأصل سقوط التنوين للإضافة فلا يعدل عنه إلا إذا تعين غيره كما في قولك هذان الضاربا زيدا قاله الشارح في شرح التوضيح. قوله: "ومنه" أي من حذف النون للتخفيف لا للإضافة. قوله: "عورة العشيرة" هي كل ما يستحيا منه. والوكف كجبل الجور وكأنه لم يقل هنا في رواية من نصب عورة كما قال فيما بعده لاتفاق الرواة على نصب عورة وإن جوزت العربية الجر فتأمل. قوله: "للمدل به" قال شيخنا السيد بكسر الدال. ا. هـ. ولعله على هذا اسم فاعل من أدل لغة في دل كما في المصباح والباء بمعنى على. قوله: "نعم الأحسن
__________
621- البيت من المنسرح، وهو لعمرو بن امرئ القيس في خزانة الأدب 4/ 272، 274، 276؛ والدرر 1/ 146؛ وشرح شواهد الإيضاح ص127؛ ولقيس بن الخطيم في ديوانه ص115؛ وملحق ديوانه ص238؛ ولعمرو بن امرئ القيس أو لقيس بين الحظيم في لسان العرب 9/ 363 "وكف"؛ ولشريح بن عمران أو لمالك بن العجلان في شرح أبيات سيبويه 1/ 205؛ ولرجل من الأنصار في خزانة الأدب 6/ 6؛ والكتاب 1/ 186؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص324؛ وإصلاح المنطق ص63؛ وجواهر الأدب ص 155؛ وخزانة الأدب 5/ 122، 469، 8/ 29، 209؛ ورصف المباني ص341؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 538؛ والكتاب 1/ 202، والمحتسب 2/ 80؛ والمقتضب 4/ 145؛ والمنصف 1/ 67؛ وهمع الهوامع 1/ 49.
622- راجع التخريج رقم 620.(2/371)
وربما أكسب ثان أولا ... تأنيثًا إن كان الحذف موهلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واحترز بقوله سبيله اتبع عن جمع التكسير وجمع المؤنث السالم.
تنبيه: قوله أن وقع هو بفتح أن وموضعه رفع على أنه فاعل كافٍ على ما تبين أولًا. وقال الشارح هو مبتدأ ثان وكافٍ خبره والجملة خبر الأول يعني كونها. وقال المكودي: في موضع نصب على إسقاط لام التعليل والتقدير وجود أل في الوصف كافٍ لوقوعه مثنى أو مجموعًا على حده ويجوز في همز إن الكسر وقد جاء كذلك في بعض النسخ "وربما أكسب ثان" من المتضايفين وهو المضاف إليه "أولا" منهما وهو المضاف "تأنيثًا إن كان لحذف موهلًا" أي صالحًا للحذف والاستغناء عنه بالثاني فمن الأول:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلخ" استدراك على قوله ويجوز في الضاربك لدفع توهم مساواة الوجهين. قوله: "عن جمع التكسير وجمع المؤنث السالم" فإن حكمهما حكم المفرد كما علم مما مر.
قوله: "والجملة خبر الأول" أي والرابط محذوف تقديره في اغتفاره كما مر. قوله: "وقال المكودي في موضع نصب إلخ" فيه عندي نظر لأن وجود أل في المضاف ليس هو الكافي عن وجود أل في المضاف إليه وإنما الكافي عن ذلك وقوع المضاف مثنى أو مجموعا لأن وجود أل في المضاف خلاف حقه فيحتاج إلى مسوّغ له من وجود أل في المضاف إليه أو فيما أضيف إليه المضاف إليه أو كون المضاف مثنى أو جمعا أو نحو ذلك مما مر فتدبره. قوله: "ويجوز في همز إن الكسر" أي على أنها شرطية ووقع فعل الشرط والجواب محذوف لدلالة ما سبق عليه ويرد على الكسر ما أوردناه على كلام المكودي فافهم. قوله: "أو تذكيرا" ففي كلام المصنف اكتفاء. وخص التأنيث بالذكر لأنه الأغلب، ويكتسب المضاف من المضاف إليه غيرهما أيضا، كالأمور المتقدمة من التعريف والتخصيص والتخفيف ورفع القبح، وكالظرفية في نحو كل حين، والمصدرية في نحو كل الميل، ووجوب التصدير في نحو غلام من عندك، والإعراب في نحو هذه خمسة عشر زيد عند من أعربه، والبناء في نحو: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23] ، والتعظيم في نحو بيت الله. والتحقير في نحو بيت العنكبوت. والجمع في نحو:
فما حبّ الديار شغفن قلبي ... ولكن حبّ من سكن الديارا
كذا في يس ويرد على قوله والإعراب إلخ أن الإعراب في مثاله لمعارضة الإضافة سبب البناء لا لاكتساب الإعراب من المضاف إليه بدليل أن من يعرب هذه خمسة عشر زيد يعرب هذه خمسة عشرك كما قاله الدماميني. قوله: "أي صالحا للحذف" لما كان معنى الموهل المجعول أهلا وليس هو الشرط بل الشرط كونه في نفسه أهلا للحذف فسره تفسير مراد بقوله أي صالحا للحذف فهو من إطلاق المسبب وإرادة السبب. وزاد في التسهيل شرطا آخر وهو أن يكون المضاف بعض المضاف إليه كصدر القناة أو كبعضه كمر الرياح فإن لم يكن بعضا ولا كبعض فلا اكتساب وإن صلح للحذف فلا يجوز أعجبتني يوم العروبة لكن زيادة هذا الشرط لا(2/372)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ} [آل عمران: 30] ، وقوله:
623- جادت عليه كل عين ثرة
وقولهم قطعت بعض أصابعه. وقراءة بعضهم: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} [يوسف: 10] ، وقوله:
624- طول الليالي أسرعت في نقضي
وقوله:
625- كما شرقت صدر القناة من الدم
وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تناسب تمثيل الشارح بيوم تجد كل نفس و:
جادت عليه كل عين ثرة
ولهذا قال الدماميني بعد قول التسهيل، أو كان المضاف بعضه أو كبعضه ما نصه: وزاد الفارسي قسما آخر يجوز فيه التأنيث وهو أن يكون المضاف إلى المؤنث كله كقول عنترة:
جادت عليه كل عين ثرة
إلى أن قال: قال الشارح -يعني المرادي: والأفصح في هذا القسم التأنيث بخلاف ما سبق. قوله: "جادت عليه" أي النبت المذكور قبله كل عين ثرة بفتح المثلثة أي كثيرة الماء. قوله:
__________
623- عجزه:
فتركن كل حديقة كالدرهم
والبيت من الكامل، وهو لعنترة في ديوانه ص196؛ وجمهرة اللغة ص82، 97؛ والحيوان 3/ 312؛ والدرر 5/ 136؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 181؛ وشرح شواهد المغني 1/ 480، 2/ 541؛ ولسان العرب 4/ 101 "ثرر" 182 "حرر"، 10/ 39 "حدق"؛ ومغني اللبيب 1/ 198؛ والمقاصد النحوية 3/ 380؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص425؛ وهمع الهوامع 2/ 74.
624- الرجز للأغلب العجلي في الأغاني 21/ 30؛ وخزانة الأدب 4/ 224، 225، 226؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 366؛ وشرح التصريح 2/ 31؛ والمقاصد النحوية 3/ 395؛ وله أو للعجاج في شرح شواهد المغني 2/ 881، وللعجاج في الكتاب 1/ 53، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 106؛ وأوضح المسالك 3/ 103؛ والخصائص 2/ 418؛ والصاحبي في فقه اللغة ص252؛ ومغني اللبيب 2/ 512، والمقتضب 4/ 199، 200.
625- صدره:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته
والبيت من الطويل، وهو للأعشى في ديوانه ص173؛ والأزهية ص238؛ والأشباه والنظائر 5/ 255؛ وخزانة الأدب 5/ 106؛ والدرر 5/ 19؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 54؛ والكتاب 1/ 52؛ ولسان العرب 4/=(2/373)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
626- أتى الفواحش عندهم معروفة ... ولديهم ترك الجميل جميل
وقوله:
627- مشين كما اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها مر الرياح النواسم
ومن الثاني قوله:
628- إنارة العقل مكسوف بطوع هوى ... وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا
وقوله:
629- رؤية الفكر ما يؤول له الأمـ ... ـر معين على اجتناب التواني
ويحتمله {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] ، ولا يجوز قامت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"كما شرقت" بكسر الراء أي غصت صدر القناة أي الرمح. قوله: "أتى الفواحش" بفتح الهمزة مصدر أتى بمعنى الإتيان. قوله: "مشين" أي النسوة كما اهتزت أي مشيا كاهتزاز رماح تسفهت أي أمالت أعاليها مرّ الرياح النواسم. قوله: "رؤية الفكر إلخ" قد يقال الأول هنا ليس صالحا للحذف فلم يوجد الشرط إلا أن يقال المراد حذفه مع متعلقاته وإذا حذف الأول هنا مع ما يتعلق به استقام الكلام إذ يصح أن يقال الفكر معين إلخ. قوله: "ويحتمله" أي اكتساب المضاف من المضاف إليه التذكير وعبر بالاحتمال لما في إطلاق المذكر على الله تعالى من سوء الأدب كذا قال البعض كغيره وفيه أن التذكير وصف للفظ الجلالة لأنه المضاف إليه لا لذاته تعالى حتى يلزم سوء الأدب فتأمل ولأنه يبعده التذكير حيث لا إضافة في لعل الساعة قريب ولأن فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= 446 "صدر" 10/ 178 "شرق" والمقاصد النحوية 3/ 378؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 105؛ والخصائص 2/ 417؛ ومغني اللبيب 2/ 513؛ والمقتضب 4/ 197، 199؛ وهمع الهوامع 2/ 49.
626- البيت من الكامل، وهو للفرزدق في المقاصد النحوية 3/ 368؛ وليس في ديوانه، وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص505، ورواية العجز:
ويرون فعل المكرمات حراما
627- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص754؛ وخزانة الأدب 4/ 225؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 58؛ والكتاب 1/ 52، 65؛ والمحتسب 1/ 237؛ والمقاصد النحوية 3/ 367؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 239؛ والخصائص 2/ 417؛ وشرح ابن عقيل ص380؛ وشرح عمدة الحافظ ص838؛ ولسان العرب 3/ 288 "عرد"، 4/ 446 "صدر": 11/ 536 "قبل"، 13/ 499 "سفه"؛ والمقتضب 4/ 197.
628- البيت من البسيط، وهو لبعض المولدين في المقاصد النحوية 3/ 396؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 263؛ وأوضح المسالك 3/ 105؛ وخزانة الأدب 4/ 227، 5/ 106؛ وشرح التصريح 2/ 32؛ ومغني اللبيب 2/ 512.
629- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في الدرر 5/ 21؛ والمقاصد النحوية 3/ 369؛ وهمع الهوامع 2/ 49.(2/374)
ولا يضاف اسم لما به اتحد ... معنى وأول موهمًا إذا ورد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غلام هند ولا قام امرأة لانتفاء الشرط المذكور.
تنبيه: أفهم قوله وربما أن ذلك قليل، ومراده التقليل النسبي أي قليل بالنسبة إلى ما ليس كذلك لا أنه قليل في نفسه فإن كثير كما صرح به في شرح الكافية نعم الثاني قليل "ولا يضاف اسم لما به اتحذ معنى" كالمرادف مع مرادفه والموصوف مع صفته لأن المضاف يتخصص أو يتعرف بالمضاف إليه فلا بد أن يكون غيره في المعنى، فلا يقال: قمح بر ولا رجل فاضل، ولا فاضل رجل "وأول موهمًا إذا ورد" أي إذا جاء من كلام العرب ما يوهم جواز ذلك وجب تأويله فما أوهم إضافة الشيء إلى مرادفه قولهم: جاءني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
احتمالات أخرى منها أن قريب على وزن فعيل وهو وإن كان بمعنى فاعل قد يعطي ما بمعنى فاعل حكم ما بمعنى مفعول من استواء المذكر والمؤنث وقيل إنه بمعنى مفعول أي مقربة. ومنها أن التذكير على تأويل الرحمة بالغفران. ومنها ما ذكر الفراء أنهم التزموا التذكير في قريب إذا لم يرد قرب النسب قصدا للفرق.
قوله: "أفهم قوله وربما إلخ" فيه أنها تحتمل أن تكون للتكثير فلا إفهام. قوله: "فإنه كثير" المتبادر أنه مطرد وبه صرح بعضهم. قوله: "نعم الثاني" أي اكتساب التذكير. قوله: "لما به اتحد معنى" أي بحسب المراد فلا يرد ابن الابن وأبو الأب فإنه صحيح وأراد بالاتحاد ما يشمل الترادف كما في الليث والأسد والتساوي كما في الإنسان والناطق سواء كان التساوي بحسب الوضع كالمثال أو بحسب المراد كما في الصفة والموصوف. ا. هـ. سم والترادف الاتحاد ما صدقا ومفهوما والتساوي الاتحاد ما صدقا فقط. ودخل فيما اتحد معنى ما اتحد لفظا ومعنى فلا يقال جاء زيد زيد بالإضافة بل بالاتباع على التوكيد ونقل يس عن الفارسي جواز الإضافة وخرج منه ما غاير معنى وإن اتحد لفظا فتجوز فيه الإضافة نحو عين العين. قوله: "والموصوف مع صفته" تقدمت الصفة أو تأخرت بقرينة التمثيل. قوله: "لأن المضاف يتخصف بالمضاف إليه" أي تخصص به على وجه نسبته إليه كونه بعضا أو مظروفا أو مملوكا أو مختصا كما استفيد مما سبق وهذا لا يتأتى إلا إذا تغاير المتضايفان معنى فلا يرد أن الموصوف يتخصص بصفته فهلا جاز إضافته إليها للتخصيص كما جاز نعته بها للتخصيص وعلل بعضهم منع إضافة الموصوف إلى الصفة بأن الصفة تابعة لموصوفها في الإعراب فلو أضيف إليها الموصوف لكانت مجرورة أبدا ولم تتصوّر التبعية المذكورة وعلل منع العكس بأن الصفة يجب أن تكون تابعة ومؤخرة وفي الإضافة لا يمكن ذلك وعلل منع إضافة أحد المترادفين أو المستاويين إلى الآخر بعدم الفائدة إذ المقصود حاصل من لفظ المضاف مع قطع النظر عن الإضافة فتكون لغوا لا يقال هي مفيدة للتخفيف بحذف التنوين فلا تكون لغوا لأنا نقول ترك الإضافة بالكلية أخف لأن فيها حذف كلمة تامة وهذا التعليل يقتضي امتناع ذكر المرادف الآخر أو المساوي الآخر على وجه الاتباع أيضا وليس كذلك أفاده سم.(2/375)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سعيد كرز، وتأويله أن يراد بالأول المسمى وبالثاني الاسم أي جاءني مسمى هذا الاسم. ومما أوهم إضافة الموصوف إلى صفته قولهم: حبة الحمقاء، وصلاة الأولى. ومسجد الجامع. وتأويله أن يقدر موصوف أي حبة البقلة الحمقاء، وصلاة السعة لأولى، ومسجد المكان الجامع ومما أوهم إضافة الصفة إلى الموصوف قولهم: جرد قطيفة وسحق عمامة. وتأويله أن يقدر موصوف أيضًا وإضافة الصفة إلى جنسها أي شيء من جنس القطيفة وشيء سحق من جنس العمامة.
تنبيه: أجاز الفراء إضافة الشيء إلى ما بمعناه لاختلاف اللفظين ووافقه ابن الطراوة وغيره ونقله في النهاية عن الكوفيين وجعلوا من ذلك نحو: {وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ} [يوسف:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "أن يراد بالأول إلخ" هذا إذا كان الحكم مناسبا للمسمى فإن كان مناسبا للاسم كان الأمر بالعكس نحو كتبت سعيد كرز. واعلم أن هذه الإضافة بهذا التأويل على معنى لام الاختصاص وكذا الإضافة في نحو مسجد الجامع بالتأويل الذي ذكره فيها أفاده سم وإنما أضيف سعيد إلى كرز ولم يضف أسد إلى سبع لأن الأعلام كثرت فجاز فيها من التخفيف ما لم يجز في غيرها نقله يس عن ابن الحاجب. قوله: "ومما أوهم إضافة الموصوف إلى صفته إلخ" قال الدماميني: واعلم أن إضافة الموصوف إلى صفته والصفة إلى موصوفها لا تنافس. ا. هـ. ومنه يعلم أن التأويل الذي ذكره الشارح لا يسوغ اعتباره ارتكابنا تلك الإضافة. وإنما هو تخريج للمسوغ على وجه جائز.
قوله: "حبة الحمقاء" بالمد وهي المسماة بالرجلة وإنما وصفت بالحمق مجازا لأنها تنبت في مجاري السيول فتمرّ بها فتقطعها فتطؤها الأقدام وعندي فيما ذكره الشارح من أن هذا مما يوهم جواز إضافة الموصوف إلى صفته نظر لأنه إنما يظهر لو كانت الحبة تطلق على الرجلة ونحوها من القبول. أما إذا كانت واحدة الحب كما في القاموس كالبر وبرز الرجلة وسائر الحبوب والبزور فلا. والذي في القاموس بقلة الحمقاء والبقلة الحمقاء وإيهام الأول جواز ما ذكر ظاهر.
قوله: "أن يقدر موصوف" أي يكون الأول مضافا إليه إضافة الشيء إلى جنسه كالمثال الأول أو زمنه كالمثال الثاني أو كله كالمثال الثالث وانظر ما المانع من جعل الإضافة في حبة الحمقاء من إضافة العام إلى الخاص كشجر أراك فلا يحتاج إلى التأويل. قوله: "وصلاة الساعة الأولى" أي من الزوال أو المراد أول ساعة أدّيت فيها الصلاة المفروضة.
قوله: "ومسجد المكان الجامع" ويصح أن يكون التقدير ومسجد الوقت الجامع. قوله: "جرد قطيفة إلخ" جرد بمعنى مجرودة وسحق بمعنى بالية. قوله: "أن يقدر موصوف أيضا" أي كما يقدر فيما قبلها وإن اختلف المحل. قوله: "وإضافة الصفة إلى جنسها" أي جنس موصوفها أي فالإضافة حينئذٍ من إضافة الشيء إلى جنسه كخاتم فضة. قوله: "من جنس القطيفة" صرح بمن لبيان أن الإضافة على معنى من. قوله: "ولدار الآخرة" لعل تأويله عند الجمهور ولدار الحالة الآخرة أو الحياة الآخرة أو(2/376)
وبعض الأسماء يضاف أبدا ... وبعض ذا قد يأت لفظًا مفردًا
__________
109] ، {حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة: 95] ، {حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] ، {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق: 9] ، وظاهر التسهيل وشرحه موافقته "وبعض الأسماء" تمتنع إضافته كالمضمرات والإشارات وكغير أي من الموصولات ومن أسماء الشروط ومن أسماء الاستفهام وبعضها "يضاف أبدًا" فلا يستعمل مفردًا بحال "وبعض ذا" الذي يضاف أبدًا "قد يأت لفظًا مفردًا" أي يأتي مفردًا في اللفظ فقط وهو مضاف في المعنى نحو كل وبعض وأي قال الله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] ، {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] ، {أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الإسراء: 110] .
تنبيه: أشعر قوله وبعض الأسماء وقوله وبعض ذا قد يأت لفظًا مفردًا أن الأصل والغالب في الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد وإن الأصل في كل ملازم للإضافة أن لا ينقطع عنها في اللفظ. واعلم أن اللازم للإضافة على نوعين ما يختص بالإضافة إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يقولون الإضافة من إضافة العام إلى الخاص ولعلهم يقولون الإضافة فيما بعده من إضافة العام إلى الخاص قال سم تمتنع إضافة الخاص إلى العام كأحد اليوم لعدم الفائدة بخلاف عكسه كيوم الأحد. قوله: "تمتنع إضافته" أي لأنه لا يعرض له ما يحوج إلى إضافته ولشبهه بالحرف والحرف لا يضاف. قوله: "وكغير أي إلخ" بخلاف أي فإنها ملازمة للإضافة لفظا أو تقديرا لضعف شبهها بالحرف بما عارضه من شدة افتقارها إلى ما تضاف إليه لتوغلها في الإبهام. قوله: "نحو كل" أي إذا لم يقع توكيدا أو نعتا وإلا تعينت الإضافة لفظا نحو جاء القوم كلهم وزيد الرجل كل الرجل كما قاله الدنوشري. واعلم أن كلا وبعضا عند قطعهما لفظا عن الإضافة إلى المعرفة معرفتان بنيتها عند سيبويه والجمهور ولهذا جاءت الحال منهما مؤخرة. وقال الفارسي نكرتان كذا في التصريح ولتعريفهما عند سيبويه والجمهور منعوا إدخال أل عليهما. قوله: "وأي" أي شرطية أو موصولة أو استفهامية أما الواقعة نعتا أو حالا فمتعينة الإضافة لفظا.
قوله: "وكل في فلك يسبحون" أي كلهم فالتنوين عوض عن المضاف إليه والضمير للشموس والأقمار فإن اختلاف الأحوال يوجب تعددا ما في الذات أو للكواكب فإن ذكرهما مشعر بها قاله البيضاوي فليس الليل والنهار من مدلول الضمير كما يفيده كلام البعض لأنهما لا يوصفان بالسباحة في الفلك كما لا يخفى وجمعت جمع العاقل تشبيها لها به لفعلها فعله من السباحة والجري، وأفرد في فلك مراعاة لكل وجمع في يسبحون مراعاة للمضاف إليه المحذوف. فلا يقال الآية تقتضي تحاد فلك الشمس والقمر على الاحتمال الأول وفلك الكواكب على الثاني. قوله: "واعلم أن اللازم إلخ" غرضه الدخول على المتن وتتميم أقسام ما يضاف بذكر ما فاته المصنف وهو ما يختص بالظاهر. واعلم أن جملة أقسام الاسم باعتبار الإضافة وعدمها تسعة: ما تجوز إضافته، وما تمتنع، وما تجب إضافته لجملة فعلية فقط، وما تجب إضافته للجملة مطلقا، وما تجب إضافته لفظا أو نية للمفرد مطلقا، وما تجب إضافته لفظا(2/377)
وبعض ما يضاف حتمًا امتنع ... إيلاؤه اسمًا ظاهرًا حيث وقع
كوحد لبى ودوالي سعدي ... وشذ إيلاء يدي للبي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجمل وسيأتي وما يختص بالمفردات وهو ثلاثة أنواع ما يضاف للظاهر والمضمر وذلك نحو كلا وكلتا وعند ولدى وسوى قصارى الشيء وحماداه بمعنى غايته وما يختص بالظاهر وذلك نحو أولى وأولات وذي وذات وما يختص بالمضمر وإليه الإشارة بقوله: "وبعض ما يضاف حتمًا" أي وجوبًا "امتنع إيلاؤه اسمًا ظاهرًا حيث وقع" وهذا النوع على قسمين قسم يضاف إلى جميع الضمائر "كوحد" نحو جئت وحدي وجئت وحدك وجاء وحده، وقسم يختص بضمير المخاطب نحو: "لبى ودوالي" و"سعدي" وحناني وهذا ذي، تقول: لبيك بمعنى إقامة على إجابتك بعد إقامة، من ألب بالمكان إذا أقام به ودواليك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للمفرد أو للظاهر فقط أو للضمير مطلقا أو لضمير المخاطب. قوله: "كلا وكلتا" فإنهما يضافان للظاهر والمضمر لكن لا يضافان لكل مضمر بل للفظ هما وكما ونا خاصة. قوله: "قصارى الشيء" بضم القاف ويقال قصيري بضم القاف وفتح الصاد وسكون الياء. وقصار بحذف الألف الأخيرة مع فتح القاف أو ضمها وقصر بحذف الألفين مع فتح القاف وسكون الصاد كذا في القاموس وبه يعلم ما في كلام شيخنا والبعض من القصور. قوله: "وحماداه" بضم الحاء المهملة وقوله بمعنى غايته راجع لكليهما.
قوله: "وذي وذات" أي وفروعهما وندر إنما يصطنع المعروف من الناس ذووه. قوله: "كوحد" قال في الهمع: هو لازم النصب على المصدرية بفعل من لفظه حكى الأصمعي وحد الرجل يحد إذا انفرد وقيل لم يلفظ بفعله كالأبوة والخؤولة وقيل محذوف الزوائد من إيحاد وقيل نصبه على الحال لتأوّله بموحد وقيل على حذف حرف الجر والأصل على وحده ولازم والإفراد والتذكير لأنه مصدر وقد يثنى شذوذا أو يجر بعلى، سمع جلسا على وحديهما، وقلنا ذلك وحدينا، وجلس على وحده أو إضافة نسيج وقريع على وزن كريم وجحيش وعبير مصغرين إليه ملحقات بالعلامات على الأصح يقال: هو نسيج وحده وقريع وحده إذا قصد قلة نظيره في الخير وأصله في الثوب لأنه إذا كان رفيعا لم ينسج على منواله. والقريع السيد وهو جحيش وحده عيير وحده إذا قصد قلة نظيره في الشر وهما مصغرا عير وهو الحمار وجحش وهو ولده يذم بهما المنفرد باتباع رأيه ويقال هما نسيجا وحدهما وهم نسيجو وحدهم وهي نسيجة وحدها وهكذا. وقيل: لا يتصل بنسيج وأخواته العلامات فيقال: هما نسيج وحدهما وهكذا وزاد الشاطبي رجيل وحده. ا. هـ. ببعض اختصار. قوله: "تقول لبيك" أصله ألب لك إلبابين أي أقيم لطاعتك إلبابا كثيرا لأن التثنية للتكرير نحو: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] ، فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه وحذفت زوائده وحذف الجار من المفعول وأضيف المصدر إليه كل ذلك ليسرع المجيب إلى التفرغ لاستماع الأمر والنهي ويجوز أن يكون من لب بمعنى ألب فلا يكون محذوف الزوائد قاله الرضي ومثله في حذف الزوائد الباقي.(2/378)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بمعنى تداولًا لك بعد تداول، وسعديك بمعنى إسعادًا لك بعد إسعاد، ولا يستعمل إلا بعد لبيك وحنانيك بمعنى تحننا عليك بعد تحنن. وهذا ذيك بذالين معجمتين بمعنى إسراعًا بعد إسراع "وشذ إيلاء يدي للبي" في قوله:
630- دعوت لما نابني مسورًا ... فلبى فلبى يدي مسور
كما شذت إضافته إلى ضمير الغائب في قوله:
631- لقلت لبيه لمن يدعوني
تنبيه: مذهب سيبويه أن لبيك وأخواته مصادر مثناة لفظًا ومعناها التكثير، وأنها تنصب على المصدرية بعوامل محذوفة من ألفاظها إلا هذا ذيك ولبيك فمن معناهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "بمعنى تداولا لك بعد تداول" وقال جماعة بمعنى مداولة لك بعد مداولة والأمران متقاربان وكلاهما أحسن من قول بعضهم بمعنى إدالة بعد إدالة لعدم ظهور مناسبة معاني الإدالة كالغلبة هنا، بخلاف التداول بمعنى التناوب والمداولة بمعنى المناوبة وفي الكلام حذف مضاف أي تداولا لطاعتك فاحفظه. قوله: "بمعنى تحننا عليك بعد تحنن" لو قال بمعنى حنانا عليك بعد حنان لكان أنسب بلفظ حنانيك. قوله: "دعوت إلخ" أي طلبت مسورا للأمر الذي أصابني وهو غرم دية لزمته فلبى أي قال: لبيك وقوله: فلبي يدي مسور أي إقامة على إجابته بعد إقامة إذا سألني في أمر نابه جزاء لصنعه. وخص اليدين لأن العطاء بهما ففيه إشعار بأن مسورا أجاب بالفعل كما أجاب بالقول وقيل ذكر اليدين مقحم والفاء الأولى تعقيبية والثانية سببية. قوله: "لقلت لبيه" كان مقتضى الظاهر لبيك لكنه التفت من الخطاب إلى الغيبة وحكى بالمعنى. قوله: "مصادر" قال شيخنا: والبعض أي حقيقة لا أسماء مصادر. ا. هـ وعليه فهي مصادر محذوفة الزوائد كما مر. قوله: "ومعناها التكثير" لأنهم لما قصدوا به التكثير جعلوا التثنية علما على ذلك لأنها أول تضعيف
__________
630- البيت من المتقارب، وهو لرجل من بني أسد في الدرر 3/ 68؛ وشرح التصريح 2/ 38؛ وشرح شواهد المغني 2/ 610؛ ولسان العرب 15/ 239 "لبى"؛ والمقاصد النحوية 3/ 381؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 123؛ وخزانة الأدب 2/ 92، 93؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 247؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 379؛ وشرح ابن عقيل ص383، 385؛ والكتاب 1/ 352؛ ولسان العرب 1/ 731 "لبب"، 4/ 388 "سور"؛ والمحتسب 1/ 78، 2/ 23؛ ومغني اللبيب 2/ 578؛ وهمع الهوامع 1/ 190.
631- قبله:
إنك لو دعوتني ودوني ... زوراء ذات مترع بيون
والرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 122؛ وخزانة الأدب 2/ 93؛ والدرر 3/ 68؛ وشر صناعة الإعراب 2/ 746؛ وشرح التصريح 2/ 38؛ وشرح شواهد المغني 2/ 910؛ وشرح ابن عقيل ص383؛ ولسان العرب 1/ 731 "لبب"، 13/ 64 "بين" ومغني اللبيب 2/ 578؛ والمقاصد النحوية 3/ 383؛ وهمع الهوامع 1/ 190.(2/379)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجوز سيبويه في هذا ذيك في قوله:
632- ضربا هذا ذيك وطعنًا وخضا
وفي دواليك في قوله:
633- إذا شق برد شق بالبرد مثله ... دواليك حتى كلنا غير لابس
الحالية بتقدير نفعله مداولين وهاذين أي مسرعين وهو ضعيف للتعريف. ولأن المصدر الموضوع للتكثير لم يثبت فيه غير كونه مفعولًا مطلقًا وجوز الأعلم في هذا ذيك في البيت الوصفية وهو مردود بما ذكر ولأنه معرفة وضربًا نكرة. وذهب يونس إلى أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العدد وتكثيره تصريح. قوله: "من ألفاظها" فيقدر في دواليك أداول، وفي سعديك أسعد مضارع أسعد رباعيا أي ساعد وأعان كما في القاموس. وفي حنانيك أتحنن على ما يقتضيه قول الشارح سابقا بمعنى تحننا إلخ أو أحن على ما هو الأنسب بلفظ حنانيك. قوله: "فمن معناهما" فيقدر أسرع وأقيم لأن فعلهما لم يستعمل ولا ينافيه قوله السابق من ألب بالمكان لأن أخذه مما ذكر باعتبار المناسبة في المعنى لا يقتضي أن ما ذكر فعله كذا قالوا وكان الحامل لهم على ذلك أن لبيك تثنية ثلاثي وألب رباعي فلا يكون فعلا له وهو فاسد لوجود مثل ذلك في سعديك مع فعله وهو أسعد على أنه يقال: لب ثلاثيا بمعنى أقام كما في القاموس وشرح الكافية للرضي كما مر فالمتجه عندي أنه منصوب بفعل من لفظه. نعم ذكر قوم أن معنى لبيك إجابة بعد إجابة وعليه فالناصب فعل من معناه إذ ليس لب وألب بمعنى أجاب فاحفظه. قوله: "وخضا" بخاء وضاد معجمتين أي مسرعا للقتل.
قوله: "إذا شق برد إلخ" الباء في بالبرد بدلية. قال في التصريح: قال أبو عبيدة: كان الرجل إذا أراد توكيد المودة بينه وبين من يحبه شق كل منهما برد صاحبه يرى أن ذلك أبقى للمودة بينهما. قوله: "الحالية" أي على تأويله بالمشتق كما نبه عليه بعد. قوله: "مداولين" المناسب لتفسيره دواليك بتداولا لك بعد تداول أن يقول متداولين. قوله: "أي مسرعين" تفسير لهاذين فقط على الظاهر. قوله: "للتعريف" أي وحق الحال التنكير وقوله ولأن المصدر إلخ دفع بهذا التعليل ما
__________
632- الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 140؛ وجمهرة اللغة ص615؛ وخزانة الأدب 2/ 106؛ والدرر 3/ 66؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 315؛ وشرح التصريح 2/ 17؛ وشرح المفصل 1/ 119؛ والمحتسب 2/ 279؛ والمقاصد النحوية 3/ 399؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص158؛ وأوضح المسالك 3/ 117؛ والكتاب 1/ 350؛ ولسان العرب 3/ 517 "هذذ"؛ ومجالس ثعلب 1/ 157؛ وهمع الهوامع 1/ 189.
633- البيت من الطويل، وهو لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه ص16؛ وجمهرة اللغة ص438؛ والدرر 3/ 65؛ وشرح التصريح 2/ 37؛ وشرح المفصل 1/ 119؛ والكتاب 1/ 350؛ ولسان العرب 3/ 517 "هذذ"، 11/ 253 "دول"؛ والمقاصد النحوية 3/ 401؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 118؛ وجمهرة اللغة ص1272؛ والخصائص 3/ 45؛ ورصف المباني ص181؛ ومجالس ثعلب 1/ 157؛ والمحتسب 2/ 279؛ وهمع الهوامع 1/ 189.(2/380)
وألزموا إضافة إلى الجمل ... حيث وإذ وإن ينون يحتمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لبيك اسم مفرد مقصور أصله لبي قلبت ألفه ياء للإضافة إلى الضمير كما في على وإلى ولدى. ورد عليه سيبويه بأنه لو كان كذلك لما قبلت مع الظاهر في قوله: فلبى يدي مسور. وقول ابن الناظم: إن خلاف يونس في لبيك وأخواته وهم. وزعم الأعلم أن الكاف حرف خطاب لا موضع له من الإعراب مثلها في ذلك. ورد عليه بقولهم: لبيه ولبى يدي مسور، وبحذفهم النون لأجلها ولم يحذوفها في ذانك، وبأنها لاتلحق الأسماء التي لا تشبه الحرف. ا. هـ. النوع الثاني من اللام للإضافة وهو ما يختص بالجمل على قسمين: ما يختص بنوع من الجمل، وسيأتي، وما لا يختص وإليه الإشارة بقوله: "وألزموا إضافة إلى الجمل حيث وإذ" فشمل إطلاقه الجمل الجملة الاسمية والفعلية، فالاسمية نحو جلست
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قد يقال: يحتمل أن هذه الحال مما جاء معرفا لفظا وإن كان منكرا معنى. قوله: "الوصفية" أي لضربا والمعنى اضرب ضربا مكررا كذا قال البعض تبعا لشيخنا: ويحتمل أن المعنى على الوصفية اضرب ضربا مسرعا مسرعا بل هذا أنسب بما مر في معنى هذاذيك. قوله: "بما ذكر" أي من أن المصدر الموضوع للتكثير لم يثبت فيه غير كونه مفعولا مطلقا.
قوله: "ولأنه معرفة" في الرد بهذا على الأعلم بحث لأنه سيذكر الشارح عند أنه يقول بحرفية الكاف في لبيك وأخواته وحينئذٍ لا إضافة فلا تعريف على مذهبه وزاد بعضهم ردا ثالثا وهو أن ضربا مفرد وهذاذيك مثنى ولا يوصف المفرد بالمثنى. قوله: "أصله لبى" أي بوزن فعلى بسكون العين كما في التصريح. وقد يؤخذ منه أن الألف للتأنيث فتأمل. قوله: "كما في على إلخ" أشار به إلى أن الألف لا تبدل للإضافة ياء دائما بدليل فتاك وعصاك. قوله: "ورد عليه سيبويه إلخ" ليونس أن يجيب بأن قوله فلبى يدي مسور شاذا فلا يصلح للرد فتأمل. قوله: "وهم" أي بل خلافه في لبيك فقط. قوله: "مثلها في ذلك" أي في هذا اللفظ. قوله: "ورد عليه بقولهم إلخ" أي لأن قيام ضمير الغيبة والاسم الظاهر مقام الكاف يدل على اسميتها لأن الاسم إنما يقوم مقامه مثله. وأجاب في التصريح عن هذا بأن لبيه ولبى يدي مسور شاذان فلا يصلحان للرد. وعن الثاني بأن النون يجوز حذفها لشبه الإضافة كما صرح به الأعلم في نفس المسألة وكما في اثني عشر، وإنما لم يحذف من ذانك للإلباس. قوله: "لأجلها" أي لأجل كاف الخطاب وكذا الضمير في قوله وبأنها. قوله: "إلى الجمل" أي الخبرية الغير المشتملة على ضمير يرجع إلى المضاف دماميني.
قوله: "حيث وإذ" الأول ظرف مكان تصرفه نادر وقد يراد به الزمان وثاؤها بالحركات الثلاث وقد تبدل ياؤه واوا بل قال ابن سيده: هي الأصل كما في الدماميني. وبنو فقعس يعربونها ولا يضاف إلى الجملة من أسماء المكان غيرها كما في المغني. والثاني ظرف زمان ماض لا يتصرف إلا إذا أضيف إليه ظرف زمان كيومئذٍ. قال جماعة منهم الناظم: أو وقع مفعولا به نحو: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} [الأعراف: 86] ، أو بدلا منه نحو: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ(2/381)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حيث زيد جالس: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} [الأنفال: 26] ، والفعلية نحو جلست حيث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
انْتَبَذَتْ} [مريم: 16] ، فإذ انتبذت بدل اشتمال من مريم ومنع ذلك الجمهور وأولوا كما سيأتي، وترد للتعليل فتكون حرفا وقيل ظرف والتعليل مستفاد من قوة الكلام وهذا القول لا يتأتى إذا اختلف زمنا العلة والمعلل نحو: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} [الزخرف: 39] ، الآية أي لن ينفعكم يوم القيامة اشتراككم في العذاب لظلمكم في الدنيا. ولصاحب هذا القول أن يجعل إذ في الآية لمجرد الظرفية بدلا من اليوم على معنى إذ ثبت ظلمكم عندكم وعلى هذا الوجه يجوز أن تكون أن ومعمولاها تعليلا على حذف لام العلة وفاعل ينفع ضمير مستتر فيه راجع إلى قولهم: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} [الزخرف: 38] ، أو إلى القرين ويؤيدهما قراءة بعضهم بكسر إن على استئناف العلة كما في المغني. وللمفاجأة بعد بينا وبينما وهل هي حينئذٍ ظرف زمان أو مكان أو حرف مفاجأة أو حرف زائد أقوال. فإذا قلت بينا أو بينما أنا قائم إذ أقبل عمرو فعلى القول بزيادة إذ يكون الفعل بعدها هو العامل في بينا أو بينما كما يكون ذلك لو لم توجد إذ بعد بينا أو بينما وهو الأكثر، وعلى القول بأنها حرف مفاجأة فالعامل في بينا أو بينما فعل محذوف يفسره ما بعد إذ وعلى القول بالظرفية قال ابن جني وابن الباذش عاملها الفعل الذي بعدها لأنها غير مضافة إليه وعامل بينا أو بينما محذوف يفسره الفعل المذكور فمعنى المثال أقبل عمرو في زمن بين أوقات قيامي. وقال الشلوبين إذ مضافة للجملة فلا يعمل فيها الفعل ولا في بينا أو بينما لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا فيما قبله بل عاملهما محذوف يدل عليه الكلام وإذ بدل منهما أي بين أوقات قيامي حين أقبل عمرو وافقت إقبال عمرو. واعلم أن أصل بين أن تكون مصدرا بمعنى الفراق فمعنى جلست بينكما جلست مكان فراقكما ومعنى أقبلت بين خروجك ودخولك أقبلت زمان فراق خروجك ودخولك فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فتبين أن بين المضافة إلى المفرد تستعمل في الزمان والمكان فلما قصدوا إضافتها إلى الجملة اسمية أو فعلية والإضافة إلى الجملة كلا إضافة زادوا عليها تارة ما الكافة لأنها تكف المقتضي عن اقتضائه وأشبعوا تارة أخرى الفتحة فتولدت ألف لتكون الألف دليل عدم اقتضائه للمضاف إليه لأنه حينئذٍ كالموقوف عليه لأن الألف قد يؤتى بها للوقف كما في أنا والظنونا وتعين حينئذٍ أن لا تكون إلا للزمان لما تقرر أنه لا يضاف إلى الجمل من المكان إلا حيث وإضافة بينما أو بينا في الحقيقة إلى زمان مضاف إلى الجملة فحذف الزمان المضاف والتقدير بين أوقات زيد قائم أي بين أوقات قيام زيد كذا قرره الرضي وقد يضاف بينا إلى مفرد مصدر دون بينما على الصحيح كذا في الدماميني والهمع وتقدير أوقات لأن بين إنما تضاف لمتعدد وناقش فيه أبو حيان بأن بينا قد تضاف للمصدر المتجزىء كالقيام مع أنهم لا يحذفون المضاف إلى الجملة في مثل هذا. قال في الهمع: وما ذكر من أن الجملة بعد بينا وبينما مضاف إليها قول الجمهور. وقيل: ما والألف كافتان فلا محل للجملة بعدهما وقيل ما كافة دون الألف بل هي مجرد إشباع. ا. هـ. وعلى عدم إضافتهما عاملهما ما في الجملة التي تليهما كما في المغني.
قوله: "الجملة الاسمية والفعلية" لكن إضافة حيث إلى الفعلية أكثر ولهذا ترجح النصب(2/382)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جلست واجلس حيث أجلس، {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} [الأنفال: 26] ، {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 30] ، ومعنى هذا المضارع المضي حينئذ. وأما نحو قوله:
634- ما ترى حيث سهيل طالعا
وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في نحو جلست حيث زيدا أراه كذا في المغني. قال في الهمع: وتقبح إضافة إذ إلى اسمية عجزها فعل ماض نحو جئتك إذ زيد قام ووجه قبحه أن إذ لما مضى والفعل الماضي مناسب لها في الزمان وهما في جملة واحدة فلم يحسن الفصل بينهما بخلاف ما إذا كان مضارعا نحو إذ زيد يقوم فإنه حسن. ا. هـ. وقال في التصريح: شرط الاسمية بعد إذ أن لا يكون خبر المبتدأ فيها فعلا ماضيا نص على ذلك سيبويه وشرط الفعلية أن يكون فعلها ماضيا لفظا نحو: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} [الأنفال: 26] أو معنى لا لفظا نحو: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة: 127] ، ثم قال: وشرط الاسمية بعد حيث أن لا يكون الخبر فيها فعلا نص على ذلك سيبويه. ا. هـ. ولعل معنى قوله شرط الاسمية بعد إذ شرط حسنها فلا ينافي كلام الهمع ولعل معنى قوله وشرط الاسمية بعد حيث شرط رجحانها فلا ينافي ما مر عن المغني أن النصب في نحو جلست حيث زيدا أراه أرجح فقط ومن كلام الهمع يعرف ما في كلام البعض وغيره من الخلل. قوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} إذ فيها وفيما بعدها مفعول به عند جماعة وقال الجمهور: ظرف لمفعول محذوف أي: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 103] ، {وَإِذْ يَمْكُرُ} [الأنفال: 30] . ا. هـ. تصريح وقالوا في: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ} [مريم: 16] ، أن إذ انتبذت ظرف لمحذوف أي قصة مريم إذ انتبذت وعلى مذهبهم يتعين في {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ} كون إذ ظرفا لنعمة وعلى مذهب غيرهم يجوز ذلك وكونها بدل كل من نعمة.
قوله: "ومعنى هذا المضارع" أي الواقع في الجملة المضاف إليها إذ بخلاف المضارع بعد حيث وقد يقال: لا حاجة إلى ذلك لتصريح ابن هشام في المغني بأن إذ قد تستعمل في المستقبل كما أن إذا قد تستعمل في الماضي. والجواب أن المحوج موافقة الواقع لأن نزول الآية بعد وقوع المكر مع أن الجمهور لا يثبتون مجيء إذ للاستقبال ويجعلون ما يوهمه من تنزيل المستقبل منزلة الماضي كما في المغني. قوله: "أما ترى" هي بصرية مفعولها طالعا وحيث ظرف
__________
634- تمامه:
نجمًا يضيء كالشهاب لامعا
والرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 3؛ والدرر 3/ 124؛ وشرح شذور الذهب ص168؛ وشرح شواهد المغني 1/ 390؛ وشرح المفصل 4/ 90؛ وشرح ابن عقيل ص385؛ ومغني اللبيب 1/ 133؛ والمقاصد النحوية 3/ 384؛ وهمع الهوامع 1/ 212.(2/383)
إفراد إذ وما كإذ معنى كإذ ... أضف جوازًا نحو حين جا نبذ
__________
635- حيث لي العمائم
فشاذ لا يقاس عليه خلافًا للكسائي.
تنبيه: قولهم إذ ذاك ليس من الإضافة إلى المفرد بل إلى الجملة الاسمية والتقدير إذ ذاك كذلك أو إذ كان ذاك "وإن ينون يحتمل إفراد إذ" أي وإن ينون إذ يحتمل إفرادها لفظًا. وأكثر ما يكون ذلك مع إضافة اسم الزمان إليها كما في نحو يومئذ وحينئذ. ويكون التنوين عوضًا من لفظ الجملة المضاف إليها كما تقدم بيانه في أول الكتاب. وأما نحو وأنت إذ صحيح فنادر "وما كإذ مغنى" في كونه ظرفًا مبهمًا ماضيًا نحو حين ووقت وزمان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مكان مبني. وقيل: إذا أضيف إلى مفرد يكون معربا كذا في العيني. وقيل: مفعولها حيث وطالعا حال من سهيل وقيل من حيث على معنى طالعا فيه. وقيل: علمية مفعولاها حيث وطالعا أي طالعا فيه. أقول: أو طالعا مفعول أول وحيث ظرف مستقر مفعول ثان قال زكريا. والشاهد في إضافة حيث إلى مفرد. وقيل: سهيل مرفوع فحيث مضافة إلى جملة فلا شاهد فيه والتقدير حيث سهيل مستقر طالعا. قوله: "حيث ليّ العمائم" قال شيخنا أي شد العمائم على الرءوس ويؤيده قول العيني أراد بمكان ليّ العمائم الرءوس.
قوله: "إذ ذاك كذلك" أي أو ثابت أو نحو ذلك. قوله: "وأن ينون إلخ" ألحق الكافيجي بإذ في ذلك إذا فيجوز أن تقطع عن الإضافة ويعوض عنها التنوين كقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [المؤمنون: 34] . ا. هـ. نكت. قوله: "أي وإن ينون إذ إلخ" أشار إلى أن الضمير في ينون عائد إلى إذ وأن في قوله إفراد إذ إقامة الظاهر مقام المضمر دفعا لتوهم رجوع الضمير إلى غير إذ. قوله: "وأما نحو وأنت إذ صحيح فنادر" هذا مقابل قوله وأكثر ما يكون إلخ وبه يتبين أن أفعل التفضيل في أكثر على غير بابه وفي بعض النسخ إسقاط قوله وأما إلخ. قوله: "وما كإذ إلخ" الأقرب ما أشار إليه الشارح من أن ما مبتدأ وكإذ صلتها والخبر كإذ الثانية وأضف جوازا استئناف في موقع الاستدراك كما أشار إليه الشارح ويحتمل أن ما مفعول مقدم لأضف وعليه فقوله كإذ الثانية صفة مفعول مطلق لأضف أي إضافة كإضافة إذ في كونها إلى الجملة. قوله: "ظرفا مبهما" يعني بالظرف اسم الزمان سواء كان منصوبا على الظرفية أم لا كما في المغني وكما يرشد إليه تمثيل الشارح بعد بيوم هم بارزون، ويوم ينفع الصادقين صدقهم. إذ الأول بدل من المفعول به في: {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} [غافر: 15] ، والثاني خبر والمراد بالمبهم
__________
635- تمامه:
ونطعنهم تحت الحنى بعد ضربهم ... بيض المواضي حيث لي العمائم
والبيت من الطويل، وهو للفرزدق في شرح شواهد المغني 1/ 389؛ والمقاصد النحوية 3/ 387؛ وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 125؛ وخزانة الأدب 6/ 553، 557، 7/ 4؛ والدرر 3/ 123؛ وشرح التصريح 2/ 39؛ وشرح المفصل 4/ 92؛ ومغني اللبيب 1/ 132؛ وهمع الهوامع 1/ 212.(2/384)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويوم إذا أريد بها الماضي "كإذ" في الإضافة إلى ما تضاف إليه إذ، لكن "أضف" هذه "جوازًا" لما سبق أن إذا تضاف إليه وجوبًا "نحو حين جا نبذ" وجاء زيد يوم الحجاج أمير، ونحو حين مجيئك نبذ، وجاء زيد ويوم أمره الحجاج فتضاف للمفرد. فإن كان الظرف المبهم مستقبل المعنى لم يعامل إذ، بل يعامل معاملة إذا فلا يضاف إلى الجملة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما ليس محدودا مما سيذكره الشارح مما لا اختصاص له أصلا كحين ومدة ووقت وزمن أوله اختصاص بوجه دون وجه كغداة وعشية وليلة ونهار وصباح ومساء بخلاف المحدود كأمس وغد وكأسبوع وشهر وحول وسنة وعام وكيومين كذا قالوا، وفيه أن نحو نهار من المحدود اللهم إلا أن يراد به مطلق وقت كما قالوه في يوم كما سيأتي لكن يكون حينئذٍ مما لا اختصاص له إلا أن يراد مطلق وقت، شمني. وفي شرح ابن غازي أن المحدود ما دل على عدد صراحة كيومين وأسبوع وشهر وسنة فتأمل. وممن ذكر عدم جواز الإضافة في السنة السيوطي وفي العام الدماميني فليحرر قول شيخنا السيد أجروا السنة مجرى العام في جواز الإضافة إلى الجملة. ثم رأيت في المغني شاهدا على إضافة العام فإنه قال: لا يعود ضمير من الجملة المضاف إليها إلى المضاف فأما قوله:
مضت سنة لعام ولدت فيه
فنادر وقد خفي هذا الحكم على أكثر النحاة. ا. هـ. وسبقه إلى ذلك الناظم وعلله بأن المضاف إلى الجملة مضاف في التقدير إلى مصدر منها فكما لا يعود ضمير من المصدر المضاف إليه إلى المضاف لا يعود منها. قال الدماميني: وقضيته امتناع العود لا ندوره ولا حجة فيما استشهد به لجواز تعلق الظرف بمحذوف فيكون الضمير من جملة أخرى. قوله: "ويوم" أي إذا أريد به مطلق الزمن لا المقدار المخصوص وإلا كان من المحدود أفاده سم.
فائدة: إذا قلت أتيتك يوم لا حرّ ولا برد جاز لك رفع حرّ وبرد على أن لا ملغاة أو عاملة عمل ليس وفتحهما على أن لا عاملة عمل إن وجرهما على أن لا زائدة حكى الأخفش الأوجه الثلاثة كذا نقلوا. وفيه أن جعل لا زائدة لا يلائم المعنى إلا أن يراد بكونها زائدة كونها معترضة بين المتضايفين كلا المعترضة بين الجار والمجرور في جئت بلا زاد كما عبر بذلك الدماميني ولو جعل الجر على أن لا اسم بمعنى غير لكان أوضح فتأمل. قوله: "أضف هذه" أي الألفاظ المشبهة، إذ ولو قال هذا أي ما كإذ لكان أحسن. قوله: "لما سبق" اللام للتعدية متعلقة بأضف لا للتعليل. قوله: "ونحو حين مجيئك إلخ" ظاهر صنيعه أن هذا أيضا مثال لإضافة ما كإذ إلى ما سبق أن إذ تضاف إليه وجوبا وليس كذلك كما هو ظاهر فكان الأولى أن يقول: ومثال إضافة ما كإذ إلى المفرد نحو حين إلخ. قوله: "مستقل المعنى" بقي ما إذا كان حالا فانظره. قوله: "وأجاز ذلك الناظم على قلة" على هذا لا يكون مشبه إذا كإذا فيقال ما الفرق بينه وبين مشبه إذ حيث أعطى حكم إذ في الإضافة. قوله: "بظاهر ما سبق" أي من الآية والبيت. قوله: "فلا يضاف إلى جملة" لأنه حينئذٍ بعيد الشبه بإذ ولأنه لم يسمع.(2/385)
وابن أو اعرب ما كإذ قد أجريا ... واختر بنا مثلو فعل بنيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاسمية بل إلى الفعلية كما سيأتي. وأما {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] ، وقوله:
636- فكن لي شفيعًا يوم ذو شفاعة ... بمغن قتيلًا عن سواد بن قارب
فمما نزل المستقبل فيه كنزلة الماضي لتحقق وقوعه. وهذا مذهب سيبويه وأجاز ذلك الناظم على قلة تمسكًا بظاهر ما سبق. وأما غير المبهم وهو المحدود فلا يضاف إلى جملة وذلك نحو شهر وحول، بل لا يضاف إلا إلى المفرد نحو شهر كذا "وابن أو اعرب ما كإذ قد أجريا" مما سبق أنه يشاف إلى الجملة جوازًا، أما الإعراب فعلى الأصل، وأما البناء فحملًا على إذ "واختر بنا متلو فعل بنيا" أي أن الأرجح والمختار فيما تلاه فعل مبني البناء للتناسب كقوله:
637- على حين عاتبت المشيب على الصبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ما كإذ قد أجريا" تنازعه الفعلان قبله وقيد المصنف في كافيته جواز بناء ما ذكر بما إذا لم يثنّ وإلا وجب إعرابه ولا يتقيد جواز بناء ما ذكر بحال الإضافة إلى الجملة بل يجوز بناؤه إذا أضيف إلى مفرد مبني كيومئذٍ وحينئذٍ ومثله كل اسم ناقص الدلالة لإبهامه كغير ومثل ودون وبين. وذهب الناظم إلى أنه لا يبني مضاف إلى مبني بسبب إضافته إليه أصلا لا ظرف ولا غيره لأن الإضافة من خصائص الأسماء التي تكف سبب البناء وتلغيه فكيف تكون داعية إليه والفتحات فيما استشهدوا به حركات إعراب فمثل في: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23] ، حال من ضمير لحق وبين ودون في: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] ، {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11] ، منصوبان على الظرفية وفاعل تقطع ضمير مستتر راجع إلى مصدر الفعل وبينكم حال منه ومبتدأ منا محذوف ودون ذلك صفته أي قوم دون ذلك قال سم ويشكل على التعليل بناء يوم في يومئذٍ إلا أن يوجه بالحمل على شبهه وهو إذ. ا. هـ. وهل مشبه إذا كمشبه إذ في جواز البناء والإعراب إذا أضيف إلى الجملة على التفصيل المذكور. قال ابن هشام: لم أر من صرح به وقياسه عليه ظاهر. قال في النكت وقد صرح به الشاطبي جاز ما به. قوله: "فحملا على إذ" اعترض بأن شرط القياس وجود علة الحكم في الفرع وعلة بناء إذ مشابهتها الحرف في الافتقار إلى الجملة وهي غير موجودة في الفرع وقد يقال: إنما اشترط ذلك في القياس الموجب للحكم لا المجوز له فتأمل. قوله: "فيما تلاه فعل مبني" أي بناء أصليا أو عارضا
__________
636- البيت من الطويل، وهو لسواد بن قارب في الجني الداني ص54؛ والدرر 2/ 126، 3/ 148؛ وشرح التصريح 1/ 201، 2/ 41؛ وشرح عمدة الحافظ ص215؛ والمقاصد النحوية 2/ 114، 3/ 417؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 125؛ وأوضح المسالك 1/ 294؛ وشرح شواهد المغني ص835؛ وشرح ابن عقيل ص156؛ ومغني اللبيب ص419؛ وهمع الهوامع 1/ 127، 128.
637- عجزه:
وقلت ألما أصح والشيب وازع
=(2/386)
وقبل فعل معرب أو مبتدا ... أعرب ومن بنى فلن يفندا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
638- على حين يستصبين كل حليم
"وقبل فعل معب أو مبتدا أعرب" نحو: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] ، وكقوله:
639- ألم تعلمي يا عمرك الله أنني ... كريم على حين الكرام قليل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولذا مثل بمثالين. قوله: "على حين عاتبت إلخ" أي في حين عاتبت على حد قوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} [القصص: 15] ، وكذا فيما يأتي. قوله: "على حين يستصبين" أي النسوة من استصبيت فلانا أي عددته صبيا كذا قيل، والأنسب أنه من استصباه أي طلب أن يصبوا إليه أي يميل.
قوله: "وقيل فعل معرب" صريح في جواز وقوع المضارع بعد الظرف الذي بمعنى إذ وهو إنما يتم إذا جعل ذلك المضارع بمعنى الماضي ولو تنزيلا كما في إذ إذا وقع بعدها المضارع على ما ذكره الشارح سابقا، ولا يخفى أن الأقرب في الظرف قبل المضارع المجعول بمعنى الماضي تنزيلا أن يجعل بمعنى إذا ويستغني عن تكلف جعل المضارع بمعنى الماضي تنزيلا. قوله: "يا عمرك الله" يا للتنبيه أو للنداء والمنادى محذوف وعمر منصوب على المصدرية بمعنى التعمير ويرفع بالابتداء إذا دخلت عليه اللام فيكون بمعنى الحياة والله منصوب بنزع الخافض والأصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= والبيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص32؛ والأضداد ص151؛ وجمهرة اللغة ص 1315؛ وخزانة الأدب 2/ 456، 3/ 407، 6/ 550، 553؛ والدرر 3/ 144؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 506؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 53؛ وشرح التصريح 2/ 42؛ وشرح شواهد المغني 2/ 816، 883؛ والكتاب 2/ 330؛ ولسان العرب 8/ 390 "وزع"، 9/ 70 "خشف"، والمقاصد النحوية 3/ 406، 4/ 357؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 111؛ والإنصاف 1/ 292؛ وأوضح المسالك 3/ 133؛ ورصف المباني من 349؛ وشرح شذور الذهب ص102؛ وشرح ابن عقيل ص387؛ وشرح المفصل 3/ 16، 4/ 591، 8/ 137؛ ومغني اللبيب ص571؛ والمقرب 1/ 290، 2/ 516؛ والمنصف 1/ 58؛ وهمع الهوامع 1/ 218.
638- صدره:
لأجتذبن منهن قلبي تحلمًا
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 135؛ وخزانة الأدب 3/ 307؛ والدرر 3/ 145؛ وشرح التصريح 2/ 42؛ وشرح شواهد المغني 2/ 833؛ ومغني اللبيب 2/ 518؛ والمقاصد النحوية 3/ 410؛ وهمع الهوامع 1/ 218.
639- البيت من الطويل، وهو لمبشر بن هذيل في ديوان المعاني 1/ 89؛ ولموبال بن جهم المذحجي في شرح شواهد المغني 2/ 884؛ ولمبشر بن هذيل أو لموبال بن جهم في المقاصد النحوية 3/ 412؛ وبلا نسبة في الدرر 3/ 147؛ ومغني اللبيب 2/ 518؛ وهمع الهوامع 1/ 218.(2/387)
وألزموا إذا إضافة إلى ... جمل الأفعال كهن إذا اعتلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يجز البصريون حينئذ غير الإعراب. وأجاز الكوفيون البناء، وإليه مال الفارسي والناظم، ولذلك قال: "ومن بنى فلن يفندا" أي لن يغلط. واحتجوا لذلك بقراءة نافع "هذا يومَ ينفع" [المائدة: 119] بالفتح. وقد روى بهما قوله:
640- على حينَ الكرام قليل
وقوله:
641- تذكر ما تذكر من سليمي ... على حينَ التواصل غير ذان
"وألزموا إذا" الظرفية إلى جمل الأفعال" خاصة نظرًا إلى ما تضمنته من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عمرتك يا لله عمرا أي ذكرتك به تذكيرا يعمر قلبك وحكي رفعه على الفاعلية للمصدر. قوله: "واحتجوا بقراءة نافع" قال الرضي: لا دليل فيها لاحتمال أن يوم نصب على الظرفية خبر لهذا مشارا به للمذكور قبله لا لليوم وأورد عليه أنه يلزم مخالفة هذه القراءة حينئذٍ لقراءة الرفع والأصل عدمها. قوله: "ما تذكر من سليمى" أي الذي تذكره منها وأبهمه تعظيما له وتفخيما والداني القريب. قوله: "الظرفية" احترازا عن إذا الفجائية لأنها حرف على الأصح والحرف لا يضاف. ومن أحسن ما استدل به المصنف على حرفيتها أنها وردت رابطة لجواب الشرط نحو: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: 25] ، فلو كانت ظرفا للزم اقتران الجملة الجوابية في مثل ذلك بالفاء لأنها اسمية وقال جماعة هي ظرف زمان والتقدير في خرجت فإذا زيد خرجت ففي الوقت زيد أي حضوره إذ لا يخبر بالزمان عن الجثة. هذا إن قدرت خبرا فإن قدرت متعلقة بخبر محذوف أي ففي الوقت زيد حاضر كما هي متعلقة بالخبر المذكور في خرجت فإذا زيد حاضر فلا إشكال في الإخبار ومقتضاه أن لا تكون إذا مضافة للجملة إذ لا يعمل شيء من المضاف إليه في المضاف وهو خلاف المقرر في إذا الظرفية. ولك أن تجعل التقدير فحضور زيد أو فزيد حاضر في زمن خرجت، فتكون الإضافة إلى جملة مقدرة. وقال جماعة: ظرف مكان والتقدير في فإذا زيد ففي المكان زيد أو ففي الحضرة زيد ومقتضاه كالقول قبله وجعل إذا على هذا القول مضافة لجملة مقدرة ينافيه أنه لا يضاف من ظروف المكان إلى الجملة إلا حيث كما مر ويجوز فإذا زيد جالسا بالنصب حالا والخبر إذا أو محذوف ولا يليها في المفاجأة إلا الجملة الاسمية دفعا لالتباسها بالشرطية، ومن ثم امتنع النصب في نحو خرجت فإذا زيد يضربه عمرو وجوزه كثير من النحويين. وجوز الأخفش أن يليها الفعل المقرون بقد دون المجرد منها. وقد تقع بعد بينا وبينما وتلزم الفاء إذا الفجائية وهل هي زائدة أو عاطفة الجملة بعدها على الجملة قبلها أو جزائية كهي في جواب الشرط أقوال. واعلم أن إذا غير الفجائية
__________
640- راجع التخريج رقم 639.
641- البيت من الوافر، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 136؛ والدرر 3/ 147؛ وشرح التصريح 2/ 42؛ وشرح شذور الذهب ص105؛ والمقاصد النحوية 3/ 411؛ وهمع الهوامع 1/ 218.(2/388)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معنى الشرط غالبًا "كهن إذا اعتلى" {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] ، فإذا ظرف فيه معنى الشرط مضاف إلى الجملة بعده والعامل فيه جوابه على المشهور وأما نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الرحمن: 37] ، فمثل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] ، وقوله:
642- إذا باهلي تحته حنظلية ... له ولد منها فذاك المذرع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ملازمة للظرفية عند الجمهور وقال المصنف قد تقع مفعولا به كقوله عليه الصَّلاة والسَّلام لعائشة رضي الله تعالى عنها: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عليّ غضبى" وأوله غيره بجعل إذا ظرفا لمحذوف هو المفعول أي لأعلم شأنك إذا كنت إلخ ومجرورة بحتى نحو: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} [الزمر: 71، 73] ، الآية والغاية في الحقيقة ما ينسبك من الجواب مرتبا على فعل الشرط فالمعنى: وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا إلى أن تفتح أبوابها وقت مجيئهم فيقطع السوق وجعل الجمهور حتى في مثل ذلك ابتدائية ومبتدأ نحو إذا يقوم زيد إذا يقوم عمرو أي وقت قيام زيد وقت قيام عمرو ونقله الرضي عن بعضهم ثم قال ولم أعثر له على شاهد من كلام العرب كذا في الدماميني مع زيادة من الهمع. قوله: "إلى جمل الأفعال" بنقل حركة الهمزة إلى اللام أي الماضوية كثيرا والمضارعية قليلا وقد اجتمعا كثيرا في قوله:
والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
قوله: "ما تضمنته إلخ" ولم تعمل لمخالفتها الشروط بتحقق وقوع تاليها قاله يس. وعبارة الهمع ولكون إذا خاصة بالمتيقن والمظنون بخلاف إن لم تجزم إلا في الضرورة. قوله: "غالبا" سيأتي مقابله في كلام الشارح. قوله: "كهن إذا اعتلى" أي كن متواضعا هينا إذا تكبر غيرك. قوله: "فإذا ظرف" أي للحدث المستقبل وقد تجيء للماضي نحو: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [الجمعة: 11] ، الآية على ما ذكره جماعة وللحال في القسم نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] ، على ما ذكره جماعة لأن إذا متعلق بفعل القسم وهو إنشاء والإنشاء حال أو بكائنا حالا من الليل لأن عامل الحال عامل صاحبها وعامله فعل القسم بواسطة الحرف والأصل في الحال مقارنتها زمن عاملها ويلزمهما كون الأقسام في وقت غشيان الليل. قال الرضي وهو فاسد ولا يبعد تعلق الظرف بمضاف يدل عليه القسم إذ لا يقسم بشيء إلا لعظمته والتقدير وعظمة الليل إذا يغشى. ا. هـ. قوله: "على المشهور" مقابله أن العامل تاليه لا جوابه لاقتران جوابه بالفاء وإذا الفجائية وما بعدهما لا يعمل فيما قبلهما. وأجيب بأن الظرف الجائز التأخير يتوسع فيه بالتقديم فما ظنك بالممتنع التأخير وبأن قولهم بعاملية الجواب إذا لم يمنع منها مانع وإلا كان العامل محذوفا يدل عليه الجواب،
__________
642- البيت من الطويل، وهو للفرزدق في ديوانه 1/ 416؛ والدرر 3/ 103؛ وشرح التصريح 2/ 40؛ وشرح شواهد المغني ص270؛ والمقاصد النحوية 3/ 414؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 127؛ والجني الداني ص368؛ ولسان العرب 8/ 93 "ذرع"؛ ومغني اللبيب ص97؛ وهمع الهوامع 1/ 207.(2/389)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فعلى إضمار كان الشانية كما أضمرت هي واسمها ضمير الشأن في قوله:
643- فهلا نفس ليلًا شفيعها
هذا مذهب سيبويه. وأجاز الأخفش إضافتها إلى الجمل الاسمية تمسكًا بظاهر ما سبق. واختاره في شرح التسهيل. والاحتراز بقولي غالبًا من نحو: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 37] ، فإذا فيهما ظرف لخبر المبتدأ بعدها، ولا شرطية فيه وإلا لكان يجب اقتران الجملة الاسمية بالفاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويلزم القائلين بالمقابل أن يقولوا لا إضافة لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف كما نقله عنهم في المغني وأن يفرقوا بين إذا وإذ وحيث بأن إذا تربط بكونها شرطاً كما في أين وأني وأما إذ وحيث فلولا الإضافة ما حصل ربط. يس بزيادة قوله: "إذا باهليّ إلخ" نسبة إلى باهلة أرذل قبيلة من قيس. وحنظلية نسبة إلى حنظلة أكرم قبيلة من تميم كما في القاموس وشيخ الإسلام والتصريح وغيرها. فقول البعض أرذل قبيلة من تميم خطأ. والمذرع بذال معجمة من أمه أشرف من أبيه. وقيل بالدال المهملة أي المتأهل للبس الدرع. قوله: "الشأنية" لا حاجة إليه لجواز أن تكون غير شأنية والاسم المرفوع وهو باهليّ اسمها والجملة بعدها خبرها. قوله: "كما أضمرت إلخ" أي لأن أداة التحضيض لا يليها إلا الفعل. قوله: "وأجاز الأخفش" أي تبعاً للكوفيين كما أجازوا دخول أداة الشرط على الجملة الاسمية. وفصل ابن أبي الربيع فأجاز وقوع الاسم بعدها إذا أخبر عنه بفعل ومنعه إذا أخبر عنه باسم. قوله: "لكان يجب إلخ" وقول بعضهم إنه على إضمار الفاء رد بأن الفاء لا تحذف إلا في ضرورة أو نادر من الكلام. وقول بعضهم: إن الضمير توكيد لا مبتدأ وإن ما بعده الجواب تعسف ومن ذلك إذا التي بعد القسم نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 1] ، {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1] ، إذ لو كانت شرطية كان ما قبلها جواباً في المعنى فيلزم تعليق القسم الإنشائي وهو ممتنع. ا. هـ. مغني وقوله وقول بعضهم ذكر هذا الوجه الرضي فإنه جوّز في الآيتين
__________
643- صدره:
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة
والبيت من الطويل، وهو للمجنون في ديوانه ص154، ولإبراهيم الصولي في ديوانه ص185؛ ولابن الدمينة في ملحق ديوانه ص206؛ وللمجنون أو لابن الدمينة أو للصمة بن عبد الله القشيري في شرح شواهد المغني 1/ 221؛ والمقاصد النحوية 3/ 416؛ ولأحد هؤلاء أو لإبراهيم الصولي في خزانة الأدب 3/ 60؛ وللمجنون أو للصمة القشيري في الدرر 5/ 106؛ وللمجنون أو لغيره في المقاصد النحوية 4/ 457؛ وبلا نسبة في الأغاني 11/ 314؛ وأوضح المسالك 3/ 129؛ وتخليص الشواهد ص320؛ وجواهر الأدب ص394؛ والجني الداني ص509، 613؛ وخزانة الأدب 8/ 13، 10/ 10/ 229، 11/ 245، 313؛ ورصف المباني ص408؛ والزهرة ص193؛ وشرح التصريح 2/ 41؛ وشرح ابن عقيل ص322؛ ومغني اللبيب 1/ 74؛ وهمع الهوامع 2/ 67.(2/390)
لمفهم اثنين معرف بلا ... تفرق أضيف كلتا وكلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: مثل إذا هذه لما الظرفية فلا تضاف إلى جملة اسمية. وتلزم الإضافة إلى الفعلية نحو: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [البقرة: 89] ، وأما قوله:
644- أقول لعبد الله لما سقاؤنا ... ونحن بوادي عبد شمس وهاشم
فمثل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] ؛ لأن وها في البيت فعل بمعنى سقط. وشم أمر من قولك شمته إذا نظرت إليه. والمعنى لما سقط سقاؤنا قلت لعبد الله شمه "لمفهم اثنين معرف بلا تفرق أضيف كلتا وكلا" أي مما يلزم الإضافة ولا كلتا امرأتين خلافًا للكوفيين في إجازتهم إضافتهما إلى النكرة المختصة نحو كلا رجلين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كون هم تأكيدا للواو في غضبوا وللضمير المنصوب في أصابعهم وكون جواب إذا جملة اسمية بغير فاء قال لعدم عراقة إذا في الشرطية. ا. هـ. وقوله تعسف أي لأن المقام لا يقتضي تأكيد المسند إليه بل اسمية الجملة هو الموافق للمراد من أن ذلك شأنهم الدائم. قوله: "لما الظرفية" جرى على القول بأنها اسم بمعنى حين وقيل بمعنى إذ واستحسنه في المغني لاختصاصها بالماضي وذهب سيبويه إلى أنها حرف وجود لوجود.
قوله: "وتلزم الإضافة إلى الفعلية" أي الماضوية كما في التصريح ويكون جوابها ماضيا ومضارعا وجملة اسمية مقرونة بالفاء أو إذا الفجائية نحو: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} [الإسراء: 67] ، {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا} [هود: 74] ، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [لقمان: 32] ، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] ، وخالف كثير في الثاني والثالث وجعلوا الجواب في الآيتين محذوفا أي أقبل يجادلنا وانقسموا قسمين فمنهم إلخ وتبع الشارح في كون لما الظرفية مضافة إلى الجملة بعدها ابن هشام في شرح القطر ومنعه غيره وقد صرح في المغني في إذا بأنها على قول القائلين بأن العامل فيها شرطها غير مضافة كما يقول الجميع فيها إذا جزمت. قوله: "أقول لعبد الله إلخ" قد يلغز به فيقال أين فعل لما وحينئذٍ يكتب وهي بالألف لأجل الألغاز وإن كان حقه أن يكتب بالياء. قوله: "والمعنى لما سقط إلخ" يوهم أن جواب لما محذوف لتقدم دليله وأن تقديره قلت إلخ وهو ما صرح به في المغني. قال الدماميني إنما يحتاج إليه على القول بأن لما حرف شرط أما على القول بأنها ظرف بمعنى حين فلا بل تجعل متعلقة بأقول الملفوظ به لأن الظاهر أنها على هذا القول خالية عن معنى الشرط. ا. هـ. وقد يمنع. ويؤيد المنع أنه نقل بعد ذلك عن ابن مالك أنها ظرف بمعنى إذ فيه معنى الشرط. قوله: "لمفهم اثنين" متعلق بأضيف والمراد شيئين ليشمل المذكرين والمؤنثين وإلا لقال أو اثنتين قاله يس. قوله: "أي مما يلزم إلخ" فيه إشارة إلى أن قول المصنف أضيف أي لزوما بدليل أن الكلام في واجب الإضافة. قوله: "إلى النكرة
__________
644- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 682؛ ومغني اللبيب 1/ 281.(2/391)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عندك قائمًا، وحكى كلتا جاريتين عندك مقطوعة يدها أي تاركة للغزل. الثاني الدلالة على اثنين إما بالنص نحو كلاهما وكلتا الجنتين، أو بالاشتراك كقوله:
645- كلانا غني عن أخيه حياته
فإن كلمة نا مشتركة بين الاثنين والجمع، وإنما صح قوله:
646- إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل
لأن ذا مثناة في المعنى مثلها في قوله تعالى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المختصة" قال السيوطي بناء على جواز توكيدها وهو رأي الكوفيين وعليه مشى الناظم في التوكيد حيث قال:
وأن يفد توكيد منكور قبل
فاشتراط المصنف هنا التعريف مبني على غير مختاره قاله سم. قوله: "عندك" هو فيه وفيما بعده صفة للنكرة وراعى في الأولى المعنى فثنى الخبر وفي الثاني اللفظ فأفرده. قوله: "الدلالة على اثنين" أي بحسب الوضع أو بحسب القصد كما سيتضح. قوله: "أو بالاشتراك" بقي قسم ثالث وهو الدال على اثنين بحسب القصد كما في الجمع المراد به اثنان نحو كلا رءوس الكبشين والمفرد المراد به اثنين نحو:
وكلا ذلك وجه وقبل
وإلى هذا القسم أشار بقوله وإنما صح إلخ. قوله: "وكلا ذلك وجه قبل" الوجه والقبل بفتحتين الجهة أي وكلا ذلك ذو جهة يصرف إليها. قوله: "لأن ذا مثناة في المعنى" لأن العرب اتسعت في اسم الإشارة الموضوع للمفرد البعيد فاستعملته للمثنى كما ذكر وللجمع نحو وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا. شاطبي. قوله: "لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك" الفارض
__________
645- عجزه:
ونحن إذا متنا أشد تغانيا
والبيت من الطويل، وهو للأبيرد الرياحي في الأغاني 13/ 127؛ ولعبد الله بن معاوية بن جعفر في الحماسة الشجرية 1/ 253؛ وللمغيرة بن جبناء التيمي في الدرر 5/ 24؛ ولسان العرب 15/ 137 "غنا"؛ ولعبد الله بن معاوية أو للأبيرد الرياحي في شرح شواهد المغني 2/ 555؛ وبلا نسبة في أمالي المرتضى 1/ 31؛ وأوضح المسالك 3/ 138؛ وتخليص الشواهد ص65؛ ومغني اللبيب 1/ 204؛ وهمع الهوامع 2/ 50.
646- البيت من الرمل، وهو لعبد الله بن الزبعري في ديوانه ص41؛ والأغاني 15/ 136؛ والدرر 5/ 25؛ وشرح التصريح 2/ 43؛ وشرح شواهد المغني 2/ 549؛ وشرح المفصل 3/ 2، 3؛ والمقاصد النحوية 3/ 418؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 139؛ وشرح ابن عقيل ص389؛ ومغني اللبيب 1/ 203؛ والمقرب 1/ 211؛ وهمع الهوامع 2/ 50.(2/392)
ولا تضف لمفرد معرف ... أيا وإن كررتها فأضف
أو تنو الأجزا واحصصن بالمعرفة ... موصولة أيا وبالعكس الصفة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البقرة: 68] ، أي وكلا ما ذكر وبين ما ذكر. الثالث أن يكون كلمة واحدة كما أشار إليه بقوله بلا تفرق، فلا يجوز كلا زيد وعمرو. وأما قوله:
647- كلا أخي وخليلي واجدي عضدًا ... في النائبات وإلمام الملمات
وقوله:
648- كلا الضيفن المشنوء الضيف نائل ... لدي المنى والأمن في العسر اليسر
فمن الضرورات النادرة "ولا تضف لمفرد معرف أيا" المفردة مطلقًا لأنها بمعنى بعض "وإن كررتها" بالعطف "فأضف" إليه كقوله:
649- فلئن لقيتك خاليين لتغلمن ... أيي وأيك فارس الأحزاب
وقوله:
650- ألا تسألون الناس أيي وأيكم ... غداة التقينا كان خيرًا وأكرما
لأن المعنى حينئذ أينا "أو تنو" بالمفرد المعرف الجمع بأن تنوى "الأجزا" نحو أي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المسنة. والبكر الفتية. والعوان النصف. قوله: "فلا يجوز كلا زيد وعمرو" لأن كل موضوع لتأكيد المثنى كما نقله يس عن ابن الحاجب. قوله: "الضيفن المشنوء" أي الطفيلي المبغوض. قوله: "المفردة" أي غير المكررة وأخذ هذا القيد مما بعده. وقياس هذا أن يقول لمفرد معرف لم ينو به الأجزاء أخذا مما بعده أيضا. قوله: "مطلقا" أي سواء كانت موصولة أو شرطية أو استفهامية أو نعتا أو حالا. قوله: "لأنها بمعنى بعض" أي حيث أضيفت للمعرف أي والمفرد المعرف شيء واحد ليس له أبعاض بخلاف ما إذا أضيفت للمنكر فإنها حينئذٍ بمعنى كل كما قاله ابن الناظم. قوله: "وإن كررتها" أي سواء كان المجرور بها أولا ضمير المتكلم أو غيره وأوجب بعضهم إضافتها أولا إلى ضمير المتكلم وضمير كررتها يرجع إلى أي لا بالعموم السابق لأن التكرار لا يجيء في الوصفية والحالية. قوله: "بالعطف" أي بالواو كما في التسهيل.
قوله: "فأضف" أي أجز إضافتها إلى ما ذكر. قوله: "لأن المعنى حينئذٍ أينا إلخ" أشار به
__________
647- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 140؛ والدرر 3/ 112؛ وشرح التصريح 2/ 43؛ وشرح شواهد المغني ص552؛ وشرح ابن عقيل ص390؛ ومغني اللبيب ص203؛ والمقاصد النحوية 3/ 419؛ وهمع الهوامع 2/ 50.
648- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 421.
649- البيت من الكامل؛ وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 142؛ والدرر 5/ 32؛ وشرح التصريح 2/ 44، 138؛ والمحتسب 1/ 254؛ ومغني اللبيب ص141؛ والمقاصد النحوية 3/ 422؛ وهمع الهوامع 2/ 51.
650- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في شرح ابن عقيل ص391؛ والمقاصد النحوية 3/ 423.(2/393)
وإن تكن شرطًا أو استفهاما ... فمطلقًا كمل بها الكلاما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيد أحسن يعني أي أجزائه أحسن "واخصصن بالمعرفة موصولة أيا" أيا مفعول باخصص وبالمعرفة متعلقة به وموصولة حال من أي متقدم عليها: أي تختص أي الموصولة بأنها لا تضاف إلا إلى معرفة غير ما سبق منعه وهو المفرد نحو امرر بأي الرجلين هو أكرم وأي الرجال هو أفضل وأيهم أشد ولا تضاف لنكرة خلافًا لابن عصفور "وبالعكس" من الموصولة "الصفة" وهي المنعوت بها والواقعة حالًا فلا تضاف إلا إلى نكرة كمررت بفارس أي فارس ويزيد فتى. ومنه قوله:
651- فلله عينًا حبتر أيما فتى
"وإن تكن" أي "شرطًا أو استفهامًا فمطلقًا كمل بها الكلاما" أي تضاف إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى أن أيا الثانية مؤكدة للأولى زيدت لضرورة العطف على الضمير المجرور وأن الياء والكاف قائمان مقام نا الدالة على المتعدد. قوله: "أو تنو الأجزا" عطف على كررنها فلهذا حذف الياء للجزم والمعطوف عليه بمعنى المضارع لأنه شرط وهو لا يكون إلا مستقبلا فحصل تناسب المتعاطفين وفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بقوله فأضف لأنه جواب الشرط فليس بأجنبي. لا يقال المعطوف له حكم المعطوف عليه فيلزم تقديم الجزاء على الشرط لأنا نقول يغتفر كثيرا في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل قاله يس. قوله: "الجمع" أي أو الجنس نحو أي الدنيار دينارك، أو يعطف عليه بالواو نحو أي زيد وعمرو قام صرح به الدماميني وعليه لا يشترط تكرير أي كما قاله المصنف بل يكفي تكرير المفرد قوله: "وبالمعرفة" الباء داخلة على المقصور عليه. قوله: "وهو المفرد" لم يقل وهو المعرفة كما قاله في نظيره الآتي مع أن الذي سبق هو المعرفة استغناء هنا بكون المستثنى هو المعرفة. قوله: "وبالعكس من الموصولة الصفة" أي في المعنى فتدخل الحالية كما نبه عليه الشارح وكان الأولى أن يقول وبالضد الصفة لأن العكس لغة جعل آخر الشيء أوله وليس مرادا هنا. قاله الشاطبي. قوله: "فلا تضاف إلا إلى نكرة" لأن القصد من الوصفية الدلالة على الكمال والداخلة على المعرفة بمعنى بعض فلا تدل عليه. ويشترط في النكرة أن تكون مماثلة للموصوف لفظا ومعنى أو معنى فقط نحو مررت برجل أي رجل وبرجل أي إنسان. ولا يجوز برجل أي عالم وعكسه. قاله الدماميني وغيره. قوله: "فمطلقا" أي تكميلا مطلقا إلخ أو مطلقا حال من ضمير بها. وتذكيرا لحال باعتبار أنها لفظ لا من ضمير تكن لأن فاء الجواب لا تدخل على أجنبي منه. وقضيته جواز إضافة الشرطية للمفرد المعرف المنوي به الأجزاء نحو أي زيد أعجبك أعجبني وهو ما صرح به الدماميني بل قول المصنف أو تنو الأجزاء
__________
651- صدره:
فأومأت إيماء خفيا لحبتر
والبيت من الطويل، وهو للراعي النميري في ديوانه ص3؛ وتذكرة النحاة ص617؛ وخزانة الأدب 9/ 370، 371؛ والدرر 1/ 307؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 442؛ والكتاب 2/ 180؛ ولسان العرب 1/ 246 "ثوب"، 4/ 162 "حبتر"، 14/ 59 "أيا" والمقاصد النحوية 3/ 423؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص391.(2/394)
وألزموا إضافة لدن فجر ... ونصب عدوة بها عنهم ندر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النكرة والمعرفة مطلقًا سوى ما سبق منعه وهو المفرد المعرفة نحو: أي رجل يأتني فله درهم {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} [القصص: 28] ، {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: 38] ، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} [الجاثية: 6] ، فظهر لأي ثلاثة أحوال.
تنبيه: إذا كانت أي نعتًا أو حالًا وهي المراد بالصفة في كلامه فهي ملازمة للإضافة لفظًا ومعنى. وإن كان موصولة أو شرطًا أو استفهامًا فهي ملازمة لها معنى لا لفظًا وهو ظاهر "وألزموا إضافة لدن فجر" ما بعده بالإضافة لفظًا إن كان معربًا ومحلًّا إن كان مبنيًّا أو جملة، فالأول، فالأول نحو: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] . وقوله:
652- تنتهض الرعدة في ظهيري ... من لدن الظهر إلى العصير
والثاني نحو: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] ، {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} [الكهف: 2] . والثالث كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يدل على الجواب في الشرطية والاستفهامية لأن كلامه هناك في أي مطلقا أي غير الحالية والوصفية فمنع ابن عقيل ذلك ممنوع أفاده سم ويؤخذ مما ذكره من أن كلام المصنف هناك في أي مطلقا جواز إضافة أي الموصولة والاستفهامية والشرطية إلى المفرد المعرف إذا كررت أو نوى به الأجزاء وحينئذٍ يكون استثناء الشارح المفرد المعرف مما تضاف إليه أي الموصولة والاستفهامية والشرطية محله بقرينة ما مر إذا لم تكرر أو تنو الأجزاء فتأمل.B قوله: "إلى النكرة والمعرفة" بيان للإطلاق في كلام المصنف الذي هو في مقابلة التقييد في الموضعين قبله وقول الشارح مطلقا أي سواء كان كل من النكرة والمعرفة مفردا أو مثنى أو مجموعا بدليل قوله سوى ما سبق إلخ. قوله: "ثلاثة أحوال" الأول الإضافة إلى النكرة والمعرفة وذلك في الشرطية والاستفهامية. الثاني لزوم الإضافة إلى النكرة وذلك في الوصفية والحالية. الثالث لزوم الإضافة إلى المعرفة وذلك في الموصولة. قوله: "إذا كانت أي إلخ" بقي قسم ثالث لا تجوز إضافته وهو أي المجعولة وصلة لنداء ما فيه أل نحو: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ} [الانفطار: 6، الانشطار: 6] ، ولم يذكره لأن المقام مقام ما يضاف. قوله: "لدن" بفتح اللام وضم الدال وفتحها وكسرها وضمهما وسكون النون ويقال فيه لدن كجير ولدن كخفن فعل أمر الإناث من الخوف، ولدن كقلت ماضي المخاطبة ولدن كقلن فعل أمر من القول، ولد كعل ولد كهل ولد كقم: ويقال فيها غير ذلك أيضا كما في الهمع والقاموس. وفي باب التقاء الساكنين من الهمع أن نون لدن تحذف لساكن وليها وشذ كسرها في قوله: من لدن الظهر إلى العصير. قوله: "فجر" فائدته بعد قوله إضافة بيان أن عامل الجر هو المضاف كما هو الصحيح وهذه الفائدة لم تستفد إلا من هذا،
__________
652- الرجز لرجل من طيئ في المقاصد النحوية 3/ 429؛ وبلا نسبة في الخصائص 2/ 235؛ والدرر 3/ 136، 6/ 288؛ وشرح ابن عقيل ص393؛ ولسان العرب 7/ 245 "نهض".(2/395)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وتذكر نعماه لدن أنت يافع
وقوله:
653- صريع غوان راقهن ورقنه ... لدن شب حتى شاب سود الذوائب
ولم يضف من ظروف المكان إلى الجملة إلا لدن وحيث. وقال ابن برهان حيث فقط هذا هو الأصل الشائع في لسان العرب "ونصب غدوة بها عنهم ندر" كما في قوله:
654- فما زال مهري مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله في إعمال المصدر:
وبعد جره الذي أضيف له
قاله سم وتبعه غيره. أقول ومن قوله في إعمال اسم الفاعل:
وانصب بذي الأعمال تلوا واخفض
ومن قوله في الصفة المشبهة باسم الفاعل:
فارفع بها وانصب وجر مع أل
فاحفظه. قوله: "وتذكر نعماه" بضم النون والقصر النعمة وكذا النعماء بالفتح والمد. واحتمال أنها في البيت بالفتح وقصرها للضرورة بعيد لا حاجة إليه. واليافع الشاب. قوله: "صريع غوان" أي مصروعهن. راقهن ورقنه أي أعجبهن وأعجبنه. وفي العيني تفسير رقنه بأصبنه لا حراك به أي لا حركة به. قوله: "إلا لدن وحيث" مقتضاه أن لدن عند إضافتها إلى الجملة ظرف مكان بل ظاهره أنها دائما ظرف مكان ويمنع الأمرين تصريح الرضي بأن لدن اسم لمبدأ غاية زمان أو مكان وعند إضافتها إلى الجملة مطلقا تتمحض للزمان فقوله وقال ابن برهان حيث فقط هو الحق. قوله: "هذا هو الأصل" الإشارة إلى قول الناظم وألزموا إلخ فهو دخول على قوله ونصب إلخ. قوله: "ونصب غدوة بها" هذا شامل للنصب على التمييز وللنصب على التشبيه بالمفعول به فإن جعلت الباء للمصاحبة شمل النصب بإضمار فعل أيضا سم. قوله: "مزجر الكلب" ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر زال فإن قدر من مادته كمزجورا كان نصبه على الظرفية قياسيا وإلا
__________
653- البيت من الطويل، وهو للقطامي في ديوانه ص44؛ وخزانة الأدب 7/ 86؛ والدرر 3/ 137؛ وسمط اللآلي ص132؛ وشرح التصريح 2/ 46؛ وشرح شواهد المغني ص455؛ ومعاهد التنصيص 1/ 181؛ والمقاصد النحوية 3/ 427؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 47؛ وأوضح المسالك 3/ 145؛ وتخليص الشواهد ص263؛ ومغني اللبيب ص157؛ وهمع الهوامع 1/ 215.
654- البيت من الطويل، وهو لأبي سفيان بن حرب في الحيوان 1/ 318؛ والدرر 3/ 138؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص128؛ وشرح التصريح 2/ 46؛ وشرح ابن عقيل ص394؛ ولسان العرب 13/ 384 "لدن"، والمقاصد النحوية 3/ 429؛ وهمع الهوامع 1/ 215.(2/396)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فلدن حينئذ منقطع عن الإضافة لفظًا ومعنى. وغدوة بعدها نصب على التمييز أو على التشبيه بالمفعول لشبه لدن باسم الفاعل في ثبوت نونها تارة وحذفها أخرى لكن يضعفه سماع النصب بها محذوفة النون أو خبرًا لكان محذوفة مع اسمها أي لدن كانت الساعة غدوة. ويجوز جر غدوة بالإضافة على الأصل فلو عطفت على غدوة المنصوبة جاز جر المعطوف مراعاة للأصل وجاز نصبه مراعاة للفظ ذكر ذلك الأخفش واستبعد الناظم نصب المعطوف وقال: إنه بعيد عن القياس وحكى الكوفيون رفع غدوة بعد لدن فقيل: هو بكان تامة محذوفة والتقدير لدن كانت غدوة. وقيل: خبر لمبتدأ محذوف والتقدير لدن وقت هو غدوة وقيل: على التشبيه بالفاعل. قال سيبويه: ولا ينتصب بعد لدن من الأسماء غير غدوة.
تنبيه: لدن بمعنى عند إلا أنها تختص بستة أمور: أحدهما أنها ملازمة لمبدأ الغايات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ككائنا كان سماعيا كما مر في محله. قوله: "نصب على التمييز" أي للدن فيكون من تمييز المفرد ووجهه أن لدن اسم لأول زمان مبهم ففسر بغدوة. قاله الدماميني.
قوله: "لكن يضعفه" أي الشبه سماع إلخ وذلك لأنه لو كان المقتضى لنصبها ما ذكر لم تنصب عند حذف نون لدن لأن اسم الفاعل لا ينصب محذوف التنوين ولا يرد الضارب زيدا والضاربا عمرا والضاربو بكرا لأن أل كالعوض من التنوين في الأول والنون في الأخيرين. قوله: "أو خبرا" عطف على قوله على التمييز وعلى هذا تكون لدن مضافة إلى الجملة وعلى الأولين لا إضافة ولهذا استحسن الناظم هذا الوجه لما فيه من إبقاء لدن على ما ثبت لها من الإضافة. قوله: "مراعاة للأصل" أي الغالب في تالى لدن من الجر فهو نظير نصب المعطوف على مجرور غير في الاستثناء فالمقتضى للجر كون المعطوف عليه واقعا في مكان اسم مجرور غالبا لا كونه في محل جر حتى يرد اعتراض أبي حيان على من أجاز الجر بأن غدوة عند نصبه ليس في محل جر حتى يراعى هذا المحل. قوله: "وجاز نصبه" لا يقال يلزم نصب غير غدوة بعد لدن والنصب لم يحفظ إلا فيها لأنا نقول يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل. قوله: "واستبعد الناظم إلخ" أي للزوم نصب غير غدوة بعد لدن. قوله: "بعيد عن القياس" لأن القياس جر ما بعد لدن كغيرها من الظروف ونصب غدوة بعدها سمع على خلاف القياس فالقياس على غدوة بعيد عن القياس. قوله: "لدن وقت هو غدوة" يستفاد منه أن لدن على هذا الوجه مضافة إلى مفرد منوي وهذا هو الظاهر وإن استظهر البعض هنا قطعها عن الإضافة في هذه الحالة مع أنه جزم فيما بعد بما قلناه أما على الوجه الأول الذي قبله فمضافة إلى الجملة وأما على الوجه الثالث الآتي فغير مضافة أصلا.
قوله: "على التشبيه بالفاعل" قال في التصريح: ظاهره أنها مرفوعة بلدن أي لشبهها باسم الفاعل فيما مر. قوله: "بمعنى عند" بكسر العين وفتحها وضمها كما في الهمع وهي للمكان كثيرا(2/397)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومن ثم يتعاقبان في نحو جئت من عنده ومن لدنه. وفي التنزيل {آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] ، بخلاف جلست عنده فلا يجوز جلست لدنه لعدم معنى الابتداء هنا. ثانيها أن الغالب استعمالها مجرورة بمن. ثالثها أنها مبنية إلا في لغة قيس وبلغتهم قرئ من لدنه. رابعها أنه يجوز إضافتها إلى الجمل كما سبق. خامسها جواز إفرادها قبل غدوة على ما مر. سادسها أنها لا تقع إلا فضلة تقول: السفر من عند البصرة ولا تقول من لدن البصرة. وأما لدي فهي مثل عند مطلقًا إلا أن جرها ممتنع بخلاف جر عند وأيضًا عند أمكن منها من وجهين: الأول أنها تكون ظرفًا للأعيان والمعاني تقول هذا القول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وللزمان قليلا ومنه كما في الدماميني عن المصنف إنما الصبر عند الصدمة الأولى ولا تخرج عن الظرفية إلا إلى الجر بمن. قوله: "لمبدأ الغايات" أي لأول المسافات فمسماها نفس أول الزمان أو المكان وبهذا فارقت من فإنها الابتداء الزمان أو المكان ومن ثم كانت حرفا ولدن اسما أفاده سم. قوله: "ومن ثم" أي من أجل أن لدن ملازمة لمبدأ الغايات وعند تكون لمبدأ الغايات وذلك إذا دخل عليها من الابتدائية يتعاقبان في نحو إلخ أي يعقب كل منهما الآخر أي يخلفه. قوله: "وعلمناه" أي الخضر. قوله: "لعدم معنى الابتداء هنا" بل المراد جلست في مكان قريب منه. قوله: "أن الغالب" ومن غير الغالب لدن شبّ ولدن أنت يافع. قوله: "إنها مبنية" أي على السكون في بعض لغاتها على ما علم مما مر وإنما بنيت لشبهها بالحرف في الجمود لملازمتها الظرفية أو شبهها وقيل لأن بعض لغاتها على وضع الحرف وأجرى البقية مجراه. قوله: "إلا في لغة قيس" قال المصرح أي فإنها معربة عندهم تشبيها بعند. ا. هـ. وخص في التسهيل والهمع إعرابها عندهم بلغتها المشهورة وهي لدن بفتح اللام وضم الدال وسكون النون.
قوله: "وبلغتهم قرىء من لدنه" قال المصرح أي بإسكان الدال مع إشمامها الضم وكسر النون وهي قراءة أبي بكر عن عامص. وحكى ابن الشجري عن الفارسي أن الكسرة في هذه القراءة ليست إعرابا وإنما هي للتخلص من التقاء الساكنين. ا. هـ. وفيه منافاة لما في القولة السابقة عن التسهيل والهمع إلا أن يقال إسكان الدال في هذه القراءة عارض للتخفيف والأصل ضمها كما يرشد إليه إشمامها للضم في هذه القراءة تنبيها على أصلها. ثم رأيت في الهمع التصريح بما ذكر من أن الأصل على هذه القراءة ضم الدال. قوله: "جواز إفرادها" أي قطعها عن الإضافة لفظا ومعنى. قوله: "على ما مر" أي على التفصيل الذي مر من أنها مفردة على أن غدوة منصوبة على التمييز أو التشبيه بالمفعول به أو مرفوعة على التشبيه بالفاعل ومضافة على أن غدوة منصوبة خبرا لكان أو مرفوعة خبر المبتدأ محذوف أو فاعلا لفعل محذوف. قوله: "لا تقع إلا فضلة" أي بخلاف عند تقول السفر من عند البصرة فعند جزء سد مسد العمدة وهو المتعلق المحذوف فأعطى العمدية. قوله: "فهي مثل عند مطلقا" يقتضي أنها معربة وبه صرح في المغني لكن في شيخ الإسلام أن المصرح به خلافه وفي شرح المغني للدماميني حكاية القول ببنائها عن ابن الحاجب. قوله: "إلا أن جرها" أي جر الحرف إياها. قوله: "تقول هذا القول إلخ" اقتصر على(2/398)
وَمَعَ مَعْ فيها قليل ونقل ... فتح وكسر لسكون يتصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عندي صواب وعند فلان علم به ويمتنع ذلك في لدي. قاله ابن الشجري في أماليه. الثاني أنك تقول: عندي مال وإن كان غائبًا عنك ولا تقول: لدي مال إلا إذا كان حاضرًا. قاله الحريري وأبو هلال العسكري وابن الشجري. وزعم المعري أنه لا فرق بين لدي وعند. وقول غيره أولى "و" ألزموا إضافة أيضًا "مع" وهي اسم لمكان الاصطحاب أو وقته، والمشهور فيها فتح العين وهو فتح إعراب و"مع" بالبناء على السكون "فيها قليل" كقوله:
655- فريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما
وزعم سيبويه أن تسكين العين ضرورة وليس كذلك بل هي لغة ربيعة وغنم فإنها مبنية عندهم على السكون. وزعم بعضهم أن الساكنة العين حرف، وادعى النحاس الإجماع عليه وهو فاسد والصحيح أنها باقية على اسميتها كما أشعر به كلام الناظم هذا حكمها إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التمثيل للمعاني لأنها محل الافتراق. قوله: "ويمتنع ذلك في لدى" استظهر البعض أنه نادر لا ممتنع وقد يوجه بأنهم كثيرا ما يعطون المعقول حكم المحسوس ومنه قول بعض المصنفين وأسأله الفوز لديه. ثم رأيت بعضهم رد المنع رد المنع بقوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] . قوله: "أنه لا فرق بين لدي وعند" انظر هل المراد أنه لا فرق بينهما في كلا الوجهين السابقين أو في الثاني فقط الأقرب الأول فتأمل. قوله: "وألزموا إضافة أيضا مع" أشار بذلك إلى أن مع معطوفة على لدن ليكون في كلام المصنف تصريح بلزومها الإضافة فمع الثانية مبتدأ خبرها قليل ولا ينافي اللزوم قوله الآتي تفرد مع إلخ لأن محل اللزوم إذا كانت ظرفا وهي في الإفراد حال على ما سيتضح.
قوله: "لمكان الاصطحاب أو وقته" المراد بالاصطحاب ما يشمل القرب كما في: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] . قوله: "وهو فتح إعراب" لشبهها بعند في وقوعها خبرا وحالا وصفة وصلة ودالا على حضور نحو: {نَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ} [الشعراء: 118] ، أو على قرب نحو: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] ، نقله سم عن المصنف. قوله: "فريشي منكم" المراد بالريش اللباس الفاخر أو المال. لماما بكسر اللام أي وقتا بعد وقت. قوله: "وغنم" بفتح الغين المعجمة وسكون النون. قوله: "فإنها مبنية عندهم" قيل لجمودها للزومها الظرفية وقيل لتضمنها معنى المصاحبة وهو من المعاني التي حقها أن تؤدي بالحرف وإن لم يوضع لها حرف كالإشارة. قوله: "والصحيح أنها باقية على اسميتها" أي لأن المعنى في الحالين واحد والمعنى الواحد لا يكون مستقلا وغير مستقل. قوله: "هذا" أي بناء مع الساكنة العين على السكون أي
__________
655- البيت من الوافر، وهو لجرير في ديوانه ص225؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 291؛ والمقاصد النحوية 3/ 432؛ وللراعي النميري في ملحق ديوانه ص331؛ والكتاب 2/ 287؛ ولأحدهما في شرح التصريح 2/ 48؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 149؛ والجني الداني ص306؛ ورصف المباني ص329؛ وشرح ابن عقيل ص395؛ ولسان العرب 8/ 341 "معع".(2/399)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اتصل بها متحرك "ونقل" فيها "فتح وكسر لسكون يتصل" بها نحو مع القوم فالفتح طلبًا للخفة والكسر على الأصل في التقاء الساكنين.
تنبيه: تفرد مع مردودة اللام فتخرج عن الظرفية وتنصب على الحال بمعنى جميعًا نحو جاء الزيدان معًا وتستعمل للجمع كما تستعمل للاثنين كقوله:
وأفنى رجالي فبادوا معا
وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ظهور بنائها على السكون وإلا فبناؤها على السكون ثابت لها في حال اتصالها بساكن أيضا غاية الأمر أنه حينئذٍ مقدر لا ظاهر فالضمائر في كلام الشارح راجعة إلى مع الساكنة العين بقرينة قوله فالفتح طلبا للخفة والكسر على الأصل في التقاء الساكنين. ومن هذا يعلم أن الشارح جعل الوجهين اللذين ذكرهما المصنف في الساكنة العين وهو أقرب إلى كلام المصنف من جعل بعض الشراح كلامه على التوزيع فالفتح للمعربة والكسر للساكنة وذلك لأن الفتح لا يكون لأجل السكون المتصل إلا في الساكنة إلا أن يدعي بعض الشراح أن قول المصنف لسكون راجع لقوله وكسر فقط نعم في نسخ بدل قوله فالفتح طلبا للخفة إلخ ما نصه فمن أعربها فتح العين ومن بناها على السكون كسر لالتقاء الساكنين. ا. هـ. وهو ظاهر في جعل كلام المصنف على التوزيع وعليه يكون اسم الإشارة في قول الشارح هذا راجعا إلى ما قدمه المصنف من فتح عين مع في لغة وسكونها في لغة، وتكون الضمائر في كلام الشارح راجعة إلى مع من حيث هي ومعنى قوله فمن أعربها فتح العين أبقى فتح العين. هذا إيضاح المقام.
قوله: "تفرد مع" أي عن الإضافة حالة كونها مردودة اللام لتتقوى باللام حال قطعها عن الإضافة جبرا لما فاتها من الإضافة فأصل معا من قولك جاء الزيدان معا معي ففعل به ما فعل بفتى ففتحة العين على هذا فتحة بنية والإعراب مقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين هذا ما اختاره ابن مالك. وذهب الخليل إلى أن الفتحة فتحة إعراب وليس من باب المقصور واختاره أبو حيان فعلى الأول تكون ناقصة في الإضافة تامة في الإفراد عكس أب وأخ، وأما يد فناقصة فيهما وغالب الأسماء تامة فيهما فالأقسام أربعة. واستدل ابن مالك بقولهم الزيدان معا والزيدون معا كما يقال هم عدي ولو كان باقيا على النقص لقيل مع كما يقال هم يد واحدة على من سواهم. واعترض بأن معا ظرف في موضع الخبر فلا يلزم ما قاله وهو ظاهر قاله الدماميني. قوله: "وتنصب على الحال" أي دائما وقيل كثيرا وقد تكون ظرفا مخبرا به. قوله: "بمعنى جميعا" كذا قال المصنف ومال إليه في المغني وفرق ثعلب بينهما بأن جاء الزيدان معا يدل على اتحاد وقت مجيئهما بخلاف جاء الزيدان جميعا.
قوله: "وأفنى" أي الدهر أو الموت كما قاله الشمني. وقوله: "فبادروا" أي هلكوا. قوله:(2/400)
واصمم بناء غيرا إن عدمت ما ... له أضيف ناويًا ما عدما
__________
656- إذا حنت الأولى سجعن لها معا
وقد ترادف عند فتجر بمن، حكى سيبويه ذهبت من معه ومنه قراءة بعضهم {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} [الأنبياء: 24] ، "واضمم بناء غيرًا إن عدمت ما له أضيف" لفظًا "ناويًا ما عدما" معنى: أي من الكلمات الملازمة للإضافة غير وهي اسم دال على مخالفة ما قبله حقيقة ما بعده: وإذا وقع بعد ليس وعلم المضاف إليه كقبضت عشرة ليس غيرها جاز حذفه لفظًا فيضم بغير تنوين. ثم اختلف حنيئذ فقال المبرد: ضمة بناء لأنها كقبل في الإبهام فهي اسم أو خبر وهذا ما اختاره الناظم على ما أفهمه كلامه. وقال الأخفش: إعراب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"الأولى" أي الحمامة الأولى وسجعن هدرن. شمني. قوله: "وقد ترادف" أي مع الملازمة للإضافة. قوله: "واضمم إلخ" هذا إشارة إلى أول الأحوال الأربعة في غير كقبل وبعد وسيذكر الشارح بقيتها كما يعلم باستقصاء كلامه. قوله: "ما له أضيف" أي الاسم الذي أضيف إليه لفظ غير فالصلة جرت على غير من هي له لأمن اللبس. قوله: "معنى" تمييز محوّل عن ما. قوله: "أي من الكلمات إلخ" أخذ الشارح ذلك من كون الكلام في واجب الإضافة نعم لو قال المصنف:
وغير واضممها إذا عدمت ما
لكان أصرح لاستفادة لزوم إضافتها صريحا من عطف غير على لدن. قوله: "الملازمة للإضافة" أي غالبا فلا يرد أنها تقطع عنها لفظا ومعنى كما سيأتي. قوله: "على مخالفة ما قبله لحقيقة ما بعده" أي معناه إما بالذات نحو مررت برجل غيرك أو بالصفة نحو دخلت بوجه غير الذي خرجت به وإتيانه بحقيقة قبل ما الثانية دون أن يأتي بها قبل ما الأولى أيضا أو يسقطها بالكلية مما لم يظهر له وجه. قوله: "بغير تنوين" أي لنية معنى المضاف إليه على البناء وللتخفيف على الإعراب. قوله: "ثم اختلف حينئذٍ" أي حين إذ ضم لفظ غير من غير تنوين. قوله: "ضمة بناء" خبر مبتدأ محذوف وهو ضمير عائد على الضمة المفهومة من يضم. قوله: "لأنها كقبل في الإبهام" أي لأن معناها غير مختص إذ مغايرة المخاطب في نحو رأيت رجلا غيرك لا تختص بذات دون أخرى كما أن معاني الغايات كقبل وبعد وفوق وتحت غير محدودة ولو علل الشارح بناء غير على الضم بعلة بناء قبل على الضم لوافق ما عليه المصنف من حصر سبب بناء الاسم في مشابهته الحرف، ولعله آثر ما علل به لأنه أخصر. قوله: "فهي اسم" أي لليس في محل رفع والتقدير ليس غيرها مقبوضا وقوله أو خبر أي لها في محل نصب والتقدير
__________
656- صدره:
يذكرن ذا البث الحزين ببثه
والبيت من الطويل، وهو لمتمم بن نويرة في ديوانه ص117؛ وشرح التصريح 2/ 48؛ وشرح شواهد المغني 2/ 567، 474؛ والشعر والشعراء 1/ 345؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص74، 75؛ وشرح الأشموني 2/ 320؛ والمحتسب 1/ 151؛ ومغني اللبيب 1/ 334.(2/401)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنها اسم ككل وبعض لا ظرف كقبل وبعد فهي اسم لا خبر وجوزهما ابن خروف. ويجوز قليلًا الفتح مع تنوين ودونه فهو خبر والحركة إعراب باتفاق كالضم مع التنوين.
تنبيهان: الأول يجوز أيضًا على قلة الفتح بلا تنوين على نية ثبوت لفظ المضاف إليه. قال في التوضيح: فهي خبر والحركة إعراب باتفاق. وفيما قاله نظر لأن المضافة لفظًا تضم وتفتح فإن ضمت تعينت للاسمية وإن فتحت لا تتعين للخبرية لاحتمال أن تكون الفتحة بناء لإضافتها إلى المبنى. الثاني قالت طائفة كثيرة: لا يجوز الحذف بعد غير وليس من ألفاظ الجحد فلا يقال: قبضت عشرة لا غير وهم محجوجون. قال في القاموس: وقولهم لا غير لحن غير جيد؛ لأن لا غير مسموع في قول الشاعر:
657- جوابًا به تنجو اعتمد فوربنا ... لعن عمل أسلفت لا غير تسأل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ليس المقبوض غيرها. قوله: "على ما أفهمه كلامه" أي حيث قال بناء. قوله: "وقال الأخفش: إعراب" أي ضمة إعراب ليلائم ما قبله وحذف التنوين حينئذٍ قيل للتخفيف. وقال المصرح للإضافة تقديرا لأن المضاف إليه ثابت في التقدير. ا. هـ. ويرد عليه كما في المغني أن هذا التركيب مطرد ولا يحذف تنوين مضاف لغير مذكور باطراد إلا في نحو قطع الله يد ورجل من قالها.
قوله: "لأنها اسم" مراده به ما عدا الظرف بدليل قوله بعد لا ظرف. قوله: "ككل وبعض" أي في جواز القطع عن الإضافة وإن كان المنظّر غير منوّن والمنظر به منوّنا. قوله: "وجوّزهما" أي الإعراب والبناء. قوله: "الفتح مع تنوين" أي لقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى قوله ودونه أي لنية لفظ المضاف إليه. وفي نسخ إسقاط قوله ودونه وهو أولى لسلامته من تكرار قوله بعد يجوز أيضا على قلة الفتح بلا تنوين. قوله: "والحركة إعراب باتفاق" نقل البعض عن البهوتي عن السيوطي أنه يجوز كون الحركة حينئذٍ بناء أي لإضافته تقديرا إلى المبني قال: وعلى هذا فدعوى الاتفاق ممنوعة. ا. هـ. وتجويز ذلك بعيد مع التنوين لأن التنوين إما للتمكين أو للتعويض عن مفرد وكلاهما خاص بالمعرب ولعله لبعده لم يكترث به الشارح على أنه يحتمل أنه قائل بما سننقله عن شرح الأوضح له أو أن مراده اتفاق المبرد والأخفش المختلفين في الحركة عند الضم. قوله: "كالضم مع التنوين" أي في كون الحركة إعرابا وإلا فغير عند الضم والتنوين اسم ليس لا خبرها. قوله: "لأن المضافة لفظا تضم" أي ضمة إعراب بقرينة قوله تعينت للاسمية ولا يخفى أن ذكره حديث الضم غير محتاج إليه في توجيه النظر وكان يكفيه أن يقول لأن المضافة لفظا حيث فتحت لا تتعين إلخ.
قوله: "لإضافتها إلى المبني" قال الشارح على الأوضح اللهم إلا أن تكون الإضافة إلى
__________
657- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الدرر 3/ 116؛ وشرح التصريح 2/ 50؛ وهمع الهوامع 1/ 210.(2/402)
قبل كغير بعد حسب أول ... ودون والجهات أيضًا وعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد احتج ابن مالك في باب القسم بن شرح التسهيل بهذا البيت. وكأن قولهم لحن مأخوذ من قول السيرافي الحذف إنما يستعمل إذا كانت غير بعد ليس، ولو كان مكان ليس غيرها من ألفاظ الجحد لم يجز الحذف ولا يتجاوز بذلك مورد السماع. ا. هـ كلامه، وقد سمع. انتهى كلام صاحب القاموس، والفتحة في لا غير فتحة بناء كالفتحة في لا رجل نقله في شرح اللباب عن الكوفيون، وبناء مصدر نصب على الحال، أي بانيا. وغير مفعول باضمم "قبل كغير" و"بعد" و"حسب" و"أول ودون والجهات" الست
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المبني إنما تؤثر البناء إذا كان المضاف إليه ملفوظا به أي لا محذوفا لضعب سبب البناء بالحذف. قوله: "لا غير لحن" مقول قولهم وقوله: غير جيد خبر قولهم. قوله: "والفتحة في لا غير" أي إذا نطق مفتوحة فلا ينافي جواز ضمها لنية معنى المضاف إليه ولم يذكره لعلمه من قول المصنف واضمم بناء غير إلخ. قوله: "كالفتحة في لا رجل" مقتضاه أن غير ليست مضافة تقديرا بل هي مفردة والظاهر جواز كونها مضافة تقديرا والفتحة فتحة إعراب على نية المضاف إليه. ومقتضاه أيضا أن لا الواقعة بعدها غير إذا فتحت نافية للجنس وهو قضية قول الرضي لا يحذف منها أي من غير المضاف إليه إلا مع لا التبرئة وليس، بل قضيته أن لا الداخلة على غير المحذوف معها المضاف إليه نافية للجنس سواء فتحت أو ضمت، ولعل وجهه أن عمل لا عمل ليس قليل حتى منعه الفراء ومن وافقه وخصه ابن هشام في القطر بالشعر، لكن لا يبعد جواز كونها عند ضم غير عاملة عمل ليس وضمة غير حينئذٍ إعراب إذا نوّنت وقطعت عن الإضافة بالكلية أو لم تنوّن ونوى لفظ المضاف إليه، وبناء إذا لم تنوّن ونوى معنى المضاف إليه ولا جواز كونها عاطفة في نحو قبضت عشرة لا غير بالنصب بلا تنوين لنية لفظ المضاف إليه أو بتنوين للقطع عن الإضافة أو بالضم لنية معناه، ونحو جاءني عشرة لا غير بالرفع أو بالضم فاعرف. قوله: "وبناء مصدر إلخ" يحتمل أن يكون مفعولا مطلقا على تقدير مضاف أي ضم بناء بل هذا أولى لأن حالية المصدر سماعية. قوله: "قبل كغير إلخ" يجوز في قبل وغير وحسب الضم بغير تنوين حكاية لحال بنائها على الضم ورفع قبل وحسب وجر غير مع تنويه الثلاثة على مجرد إرادة اللفظ ويتعين الضم بلا تنوين فيما عدا الثلاثة لأن الوزن لا يستقيم إلا بذلك. وما وقع في كلام البعض تبعا للشيخ خالد مما يخالف ما قلنا فخطأ.
قوله: "وحسب" أي المشربة معنى لا غير لأنها التي تقطع عن الإضافة لفظا كما سيأتي. قوله: "وأول" الصحيح أن أصله أو أل بهمزة بعد الواو بدليل جمعه على أوائل فقلبت هذه الهمزة واوا وأدغمت فيها الواو الأولى. وقيل: ووأل قلبت الهمزة واوا والواو الأولى همزة وإنما لم يجمع على ووائل لثقل اجتماع واوين أول الكلمة وهل يستلزم ثانيا أولا قال في الهمع: الصحيح لا فتقول: هذا أول ما في اكتسبته ثم قد تكتسب بعد شيئا وقد لا، وقيل: يستلزم فلو قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت طالق فولدت ذكرا ولم تلد غيره وقع الطلاق على الأول دون الثاني. ا. هـ. ويستعمل اسما بمعنى مبدأ الشيء نحو ما له أول ولا آخر وبمعنى السابق نحو لقيته عاما أولا(2/403)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"أيضًا وعل" في أنها ملازمة للإضافة وتقطع عنها لفظًا دون معنى فتبنى على الضم لشبهها حنيئذ بحروف الجواب في الاستثناء بها عما بعدما مع ما فيها من شبه الحرف في الجمود والافتقار نحو: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] ، في قراءة الجماعة ونحو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيصرف. وقد تلحقه تاء التأنيث، ووصفا بمعنى أسبق فيمتع الصرف للوصفية ووزن الفعل وتليه من فيقال: هذا أول من هذين فيكون أفعل تفضيل لا فعل له من لفظه أو جاريا مجراه على الخلاف، وظرفا نحو رأيت الهلال أول الناس أي قبلهم قال ابن هشام: وهذا هو الذي إذا قطع عن الإضافة بني على الضم قاله يس وغيره. قوله: "ودون" هو اسم للمكان الأدنى من مكان المضاف إليه كجلست دون زيد ثم توسع فيه باستعماله في الرتبة المفضولة تشبيها للمعقول بالمحسوس كزيد دون عمرو فضلا ثم توسع فيه باستعماله في مطلق تجاوز شيء إلى شيء كفعلت بزيد الإكرام دون الإهانة وأكرمت زيدا دون عمرو. قوله: "والجهات" أي أسماؤها وهي فوق وتحت وقدام وأمام ووراء وخلف وأسفل وكذا يمين وشمال على ما في الهمع وغيره. وخالف الرضي فلم يجوز قطعهما عن الإضافة لفظا مبنيين على الضم أو معربين بلا تنوين.
قوله: "وعل" بمعنى فوق على ما سيأتي، ومثلها علو كما في الرضي وقوله في أنها ملازمة للإضافة أي غالبا فلا يرد أنها قد تقطع عنها لفظا ومعنى بل بعضها لا تجوز إضافته لفظا على الصحيح وهو عل كما سيأتي. لا يقال المصنف لم يذكر ملازمة غير للإضافة فكيف يجعلها الشارح وجه شبه لأنا نقول قد علمت سابقا أنها تؤخذ من سياقه. قوله: "لفظا دون معنى" أي فينوى معنى المضاف إليه. والذي يظهر لي أن معنى نية المضاف إليه أن يلاحظ معنى المضاف إليه، ومسماه معبرا عنه بأي عبارة كانت وأي لفظ كان فيكون خصوص اللفظ غير ملتفت إليه بخلاف نية لفظ المضاف إليه. وإنما لم تقتض الإضافة مع نية المعنى الإعراب لضعفها بخلافها عند نية اللفظ لقوتها بنية لفظ المضاف إليه. قوله: "فتبنى على الضم" هذا إشارة إلى أول الأحوال الأربعة وقوله: أما إذا نوى ثبوت لفظ المضاف إليه إشارة إلى ثانيها. وقوله: كما لو تلفظ به إشارة إلى ثالثها، وقوله: فإن قطعت إلخ إشارة إلى رابعها. قوله: "لشبهها إلخ" علة لأصل البناء وأما كونه على حركة فليعلم أن لها عراقة في الإعراب، وأما كونها ضمة فليكمل لها جميع الحركات ولتخالف حركة بنائها حركة إعرابها. قوله: "بحروف الجواب" كنعم وجير وبلى وإي. قوله: "في الجمود" أي لزومها استعمالا واحدا وهو الظرفية أو شبهها أو هو عدم التثنية والجمع كذا قالوا وكلاهما لا يظهر في يمين وشمال لتصرفهما كثيرا وتثنيتهما وجمعهما بل في الهمع أن تصرف قبل وبعد وأول وقدام وأمام وراء وخلف وأسفل متوسط فتدبر.
قوله: "والافتقار" أي إلى المضاف إليه. فإن قلت الافتقار المقتضى للبناء هو الافتقار إلى الجملة كما مر قلت ذاك في المقتضى للبناء الأصلي أما المقتضى للبناء العارض فقد يكتفي فيه بالافتقار إلى المفرد هذا ما ظهر لي ولما كان وجود هذا الافتقار حال الإضافة لفظا معارضا بظهورها لم يؤثر البناء حالتها. وإنما بنيت حيث وإذ حال إضافتهما لفظا لأن الإضافة إلى الجمل(2/404)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قبضت عشرة فحسب، أي فحسبي ذلك. وحكى أبو علي الفارسي: ابدأ بذا من أول بالضم. ومنه قوله:
658- على أينا تغدو المنية أول
وتقول: سرت مع القوم ودون، أي ودونهم، وجاء القوم وزيد خلف أو أمام أي خلفهم أو أمامهم. ومنه قوله:
659- لعن الإله تعلة بن مسافر ... لعنًا يشن عليه من قدام
وقوله:
660- أقب من تحت عريض من عل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كلا إضافة لأنها في الحقيقة إلى مصادر الجمل فكأن المضاف إليه محذوف ولما أبدل التنوين في كل وبعض عن المضاف إليه لم يبنيا لقيام البدل مقام المبدل منه وإنما اختاروا في هذه الظروف البناء دون التعويض لأنها غير متصرفة فناسبها البناء إذ هو عدم التصرف الإعرابي قاله الرضي. قوله: "في قراءة الجماعة" أي السبعة. قوله: "فحسب" الفاء زائدة لتزيين اللفظ وفي قول الشارح فحسبي ذلك إشارة إلى أن حسب مبتدأ محذوف الخبر أو بالعكس وهو أولى لأن حسب بمعنى اسم الفاعل أي كافي فلا يتعرف بالإضافة كما سيذكره الشارح فالأولى جعله خبرا عن المعرفة. وإنما جوّزناه كونه مبتدأ لتخصيصه بالإضافة أفاده المصرح. قوله: "من أول" أي من أول الأمر. قوله: "تعدو" بالعين المهملة أي تسطو ويروى بالمعجمة أي تصبح. قوله: "تعلة ابن مسافر" بفتح الفوقية وكسر العين الهملة وتشديد اللام. قوله: "يشن" أي يصبّ. قوله: "أقب من تحت" خبر لمحذوف كما يفيده كلام العيني أي هو أي الفرس على ما في المغني وشواهد العيني، لكن نقل السيوطي عن الزمخشري أن البيت في وصف بعير أقب من القبب وهو دقة الخصر
__________
658- صدره:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل
والبيت من الطويل، وهو لمعن بن أوس في ديوانه ص39؛ وخزانة الأدب 8/ 244، 245، 289، 294؛ وشرح التصريح 2/ 51؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1126؛ ولسان العرب 5/ 127 "كبر"، 11/ 722 "وجل"؛ والمقاصد النحوية 3/ 493؛ وخزانة الأدب 6/ 505؛ وشرح شذور الذهب ص133؛ وشرح قطر الندى ص23؛ وشرح المفصل 4/ 87، 6/ 98؛ ولسان العرب 13/ 438 "هون"، 9/ 261 "عنف"؛ والمقتضب 3/ 246؛ والمنصف 3/ 35.
659- البيت من الكامل، وهو لرجل من بني تميم في الدرر 3/ 114؛ وشرح التصريح 2/ 51؛ والمقاصد النحوية 3/ 437؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 160؛ وتذكرة النحاة ص279؛ وهمع الهوامع 1/ 210.
660- الرجز لأبي النجم العجلي.(2/405)
وأعربوا نصبًا إذا ما نكرا ... قبلًا وما من بعده قد ذكرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما إذا نوى ثبوت لفظ لفظ المضاف إليه فإنها تعرب من غير تنوين كما لو تلفظ به كقوله:
661- ومن قبل نادى كل مولى قرابة
أي ومن قبل ذلك. وقرئ: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] ، بالجر من غير تنوين أي من قبل الغلب ومن بعده. وحكى أبو علي: ابدأ بذا من أول بالجر من غير تنوين أيضًا. فإن قطعت عن الإضافة لفظًا ومعنى أي لم ينو لفظ المضاف إليه ولا معناه أعربت منونة ونصبت ما لم يدخل عليها جار كما أشار إليه بقوله: "وأعربوا نصبًا إذا ما نكرا قبلًا وما بعده قد ذكرا" كقوله:
662- فساغ لي الشراب وكنت قبلًا ... أعاد أغص بالماء الفرات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وضمور البطن كما في القاموس والمراد ضامر البطن كما قاله العيني. وقوله عريض من عل أي واسع الظهر. وما جرى عليه الشارح من ضم عل في البيت تبع فيه المغني وقد قال السيوطي إنه مجرور لأن قوافي الأرجوزة كما علمت من الأبيات التي ذكرناها منها.
قوله: "كل مولى" أي ابن عم وقرابة مفعول نادى على قراءته بالنصب أو مضاف إليه والمفعول محذوف تقديره أقاربه على قراءته بالجر. قوله: "نصبا" أي أو جرا بمن واقتصر على النصب لأنه الأصل في الظروف. قوله: "إذا ما نكرا" ما زائدة وضمير نكرا عائد إلى قبل، وما ذكره بعده لأنه وإن تأخر لفظا متقدم رتبة لأنه مفعول أعربوا فسقط ما اعترض به هنا. قوله: "وما من بعده قد ذكرا" اعترض بأن هذا يخرج غيرا لأنها لم تذكر بعد قبل مع أنها تعرب بالنصب كما تقدم. وأجيب بأن المراد وأعربوا نصبا على الظرفية وذلك لا يأتي فيها وهذا كله وإن أقره شيخنا والبعض إنما يتم على أن المراد بما ذكر بعد قبل ما عطف عليه. ولك أن تقول: المراد ما ذكر بعد قبل ولو على غير وجه العطف فتدخل غير لذكرها بعد قبل في قوله قبل كغير ويكون المراد بالنصب ما هو أعم من النصب على الظرفية ومع هذا فالأولى حمل كلام المصنف على
__________
661- عجزه:
فما عطفت مولى عليه العواطف
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 154؛ والدرر 3/ 112؛ وشرح التصريح 2/ 50؛ وشرح قطر الندى ص20 والمقاصد النحوية 3/ 434؛ وهمع الهوامع 1/ 210.
662- البيت من الوافر، وهو ليزيد بن الصعق في خزانة الأدب 1/ 426، 429؛ ولسان العرب 12/ 154 "حمم"؛ ولعبد الله بن يعرب في الدرر 3/ 112؛ والمقاصد النحوية 3/ 435؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 156؛ وتذكرة النحاة ص527؛ وخزانة الأدب 6/ 505، 510؛ وشرح التصريح 2/ 50؛ وشرح ابن عقيل ص397؛ وشرح قطر الندى ص21؛ وشرح المفصل 4/ 88؛ وهمع الهوامع 1/ 210، ويروى البيت "الحميم" مكان "الفرات".(2/406)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكقوله:
663- فما شربوا بعدًا على لذة خمرا
وكقوله:
664- كجلمود صخر حطه السيل من عل
وكقراءة بعضهم من قبل ومن بعد بالجر والتنوين. وحكى أبو علي: ابدأ بذا من أول بالنصب ممنوعًا من الصرف للوزن والوصف.
تنبيهات: الأول اقتضى كلامه أن حسب مع الإضافة أي لفظًا أو نوى معناها أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المجموع ليندفع اعتراض الشارح بعد على المصنف بحسب وعلى كما سيتضح. قوله: "أغص" بفتح الهمزة والغين المعجمة من باب فرح وجاء في لغة من باب قتل ويتعدى بالهمزة فيقال أغصصته كذا في المصباح. فعلى الثاني تضم الغين وعلى الثالث تضم الهمزة والفرات العذب. ويروى الحميم أي البارد من أسماء الأضداد. قوله: "كجلمود صخر" الجلمود بالضم كما في العيني وهو الحجر العظيم الصلب. والشاهد في من عل حيث جر بمن ونوّن لقطعه عن الإضافة لفظا ومعنى هذا ما اقتضاه كلام الشارح وصرح به أرباب الحواشي وعندي فيه نظر لأن قوله من عل آخر البيت، فليس منونا بالفعل حتى يستشهد به على قطع عل عن الإضافة لفظا ومعنى ولا دليل على أن ترك تنوينه لأجل وقف الروي فالحق أنه محتمل لأن يكون ترك تنوينه لنية لفظ المضاف إليه وأن يكون لأجل وقف الروي فلا يصلح شاهدا على القطع فاستفده.
قوله: "بالنصب" ينبغي بالفتح لأنه مجرور بالفتحة وهذا ينافيه ما تقدم من أن الكلام هنا في أول التي هي ظرف بمعنى قبل فتدبر. قوله: "تنبيهات إلخ" اعترض الشارح على المصنف في
__________
663- صدره:
ونحن قتلنا الأسد أسد خفية
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في إصلاح المنطق ص146؛ وأوضح المسالك 3/ 158؛ وخزانة الأدب 6/ 501؛ والدرر 3/ 109؛ وشرح التصريح 2/ 50؛ وشرح شذور الذهب ص137؛ ولسان العرب 3/ 93 "بعد"، 14/ 237 "خفا"؛ والمقاصد النحوية 3/ 436؛ وهمع الهوامع 1/ 109، 210.
644- صدره:
مكر مفر مقبل مدبر معا
والبيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص19؛ وإصلاح المنطق ص25؛ وجمهرة اللغة ص126؛ وخزانة الأدب 2/ 397، 242، 243؛ والدرر 3/ 115؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 339؛ وشرح التصريح 2/ 54؛ وشرح شواهد المغني 1/ 45؛ والشعر والشعراء 1/ 116؛ والكتاب 4/ 228؛ والمقاصد النحوية 3/ 449؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 165؛ ورصف المباني ص328؛ وشرح شذور الذهب ص140؛ ومغني اللبيب 1/ 154؛ والمقرب 1/ 215؛ وهمع الهوامع 1/ 210.(2/407)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لفظها معرفة ونكرة إذا قطعت عن الإضافة أي لفظًا ومعنى؛ إذ هي بمعنى كافيك اسم فاعل مرادًا به الحال، فتستعمل استعمال الصفات النكرة فتكون نعتًا لنكرة كمررت برجل حسبك من رجل، وحالًا لمعرفة كهذا عبد الله حسبك من رجل. وتستعمل استعمال الأسماء الجامدة نحو: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} [المجادلة: 8] ، {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} [الأنفال: 62] ، بحسبك درهم. وهذا يرد على من زعم أنها اسم فعل فإن العوامل اللفظية لا تدخل على أسماء الأفعال، وتقطع عن الإضافة فيتجدد لها إشرابها معنى دالًّا على النفي ويتجدد لها ملازمتها للوصفية أو الحالية أو الابتداء والبناء على الضم تقول: رأيت رجلًا حسب ورأيت زيدًا حسب قال الجوهري: كأنك قلت: حسبي أو حسبك فأضمرت ذلك ولم تنون. ا. هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التنبيه الأول اعتراضين وفي الثاني اعتراضين. قوله: "اقتضى كلامه" أي منطوقا ومفهوما فإن كلامه يقتضي بمنطوقه تنكير حسب في حال قطعها عن زضافة رأسا كقبل وبعد وبمفهومه تعريفها في غير هذه الحالة كقبل وبعد والمسلم من ذلك مجرد التنكير دون القطع والتعريف كما سيشير إليه الشارح. قوله: "أن حسب إلخ" لم يمنع الشارح التعريف في غير حالة القطع إلا بالنسبة إلى حسب فيفيد أن تعريف ما عداها في غير حالة القطع مسلم وهو كذلك. قوله: "أو نوى معناها" لو قال أو نية لمعناها أو لفظها لكان حسنا. قوله: "إذ هي بمعنى كافيك" تعليل لمحذوف تقديره وليس كونها معرفة مسلما إذ هي إلخ وكان ينبغي التصريح به. قوله: "فتستعمل استعمال الصفات" أي نظرا إلى كونها بمعنى كافي، والاستعمال الثاني نظرا إلى لفظها الجامد. قوله: "من رجل" من باب جر التمييز بمن. قوله: "وتستعمل استعمال الأسماء الجامدة" فتقع مبتدأ وخبرا وحالا أو قبل دخول الناسخ بقرينة التمثيل وهذا مستأنف لا معطوف على تستعمل الأولى لاقتضاء العطف تفريع استعمال الأسماء الجامدة على كونها بمعنى اسم الفاعل وهو لا يصح. قوله: "حسبهم جهنم" حسبهم مبتدأ وجهنم خبره أو بالعكس وهو أولى لما مر. ويتعين في بحسبك درهم أن حسبك مبتدأ خبره درهم ولا يجوز العكس لعدم مسوغ الابتداء بدرهم قاله المصرح.
قوله: "وهذا" أي ما ذكر من المثالين الأخيرين وكذا الأول إن جعل حسبهم خبرا لا أن جعل مبتدأ لعدم دخول عامل لفظي عليه حينئذٍ ويصح رجوع اسم الإشارة إلى ما يعم مثالي استعمال حسب استعمال الصفات. قوله: "فإن العوامل اللفظية لا تدخل إلخ" أي باتفاق وكذا المعنوية كالابتداء على الأصح من أقوال تأتي في بابها. قوله: "وتقطع عن الإضافة" أي مع استعمالها استعمال الصفات الوصفية والحالية واستعمال الأسماء الجامدة في الابتداء. قوله: "إشرابها معنى دالا على النفي" يعني معنى لا غير ولو قال معنى النفي لكان أخصر وأحسن. قوله: "والبناء على الضم" عطف على الوصفية أي وملازمتها للبناء على الضم أي فلا تنصب مقطوعة عن الإضافة رأسا خلافا لما يقتضيه كلام الناظم. قوله: "كأنك قلت حسبي أو حسبك" أي فيجوز تقدير المضاف إليه ضمير المتكلم أو ضمير المخاطب. قوله: "فأضمرت ذلك" أي(2/408)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وتقول في الابتداء قبضت عشرة فحسب أي فحسبي ذلك. الثاني اقتضى كلامه أيضًا أن عل تجوز إضافتها وأنه يجوز أن تنصب على الظرفية أو الحالية، وتوافق فوق في معناها، وتخالفهما في أمرين: أنها لا تستعمل إلا مجرورة بمن وأنها لا تستعمل مضافة، فلا يقال: أخذته من عل السطح كما يقال: من علوه ومن فوقه. وقدوهم في هذا جماعة منهم الجوهري وابن مالك. وأما قوله:
665- يا رب يوم لي لا أظلله ... أرمض من تحت وأضحى من عله
فالهاء فيه للسكت بدليل أنه مبني ولا وجه لبنائه لو كان مضافًا. ا. هـ. الثالث قال في شرح الكافية: وقد ذهب بعض العلماء إلى أن قبلًا في قوله وكنت قبلًا معرفة بنية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حذفته ونويت معناه. قوله: "اقتضى كلامه أيضا" أي منطوقا ومفهوما فاقتضاؤه الأمر الأول بقوله قبل كغير والثاني بقوله وأعربو نصبا إلخ. قوله: "على الظرفية أو الحالية" فيه أن كلام المصنف لا يقتضي إلا النصب وأما كونه على إحدى هاتين فلا. قوله: "وتوافق فوق إلخ" هذا استئناف وقبله حذف تقديره وليس كذلك ولو توافق إلخ لكان واضحا. قال شيخنا: والذي في النسخ الصحيحة التي منها نسخة الشيخ أبي بكر الشنواني التي بهوامشها خطه.
تنبيه: قال في شرح الكافية إلخ وليس فيها هذان التنبيهان فهما والله أعلم ملحقان من غير الشارح بدليل ما فيهما من عدم التحرير كما لا يخفى على التحرير. ا. هـ. قوله: "وأنها لا تستعمل مضافة" أي لفظا بل إنما تستعمل مبنية على الضم لنية معنى المضاف إليه أو منونة لقطعها عن الإضافة رأسا وقد مر الاستشهاد في الشرح على هذين الوجهين فحصر البعض هنا استعمالها في البناء على الضم مناف لما أسلفه الشارح وقرره هو أيضا سابقا. وانظر هل تستعمل غير منونة لنية لفظ المضاف إليه الظاهر نعم ويحتمله قول الشاعر:
كجلمود صخر حطه السيل من عل
ما أسلفناه. قوله: "من علوه" بضم العين وكسرها وسكون اللام ضد السفل. قوله: "لا أظلله" أي لا أظلل فيه. أرمض مضارع رمض الرجل يرمض رمضا كفرح يفرح فرحا أي أصابه الرمضاء وهي الحجارة الحامية من حر الشمس، وأضحى من عله أي يصيبني حر الشمس من فوق من ضحى كرضى يرضى وسعى يسعى أي برز للشمس فأصابه حرها. قوله: "لو كان مضافا" لأن الإضافة من خواص الأسماء تقتضي الإعراب لا البناء. لا يقال الإضافة إلى المبني مما يجوز البناء لأنا نقلو البناء الجائز بالإضافة إلى المبنى هو البناء على الفتح والكلام في البناء على الضم.
__________
665- الرجز لأبي مروان في شرح التصريح 2/ 346؛ ولأبي الهجنل في شواهد المغني 1/ 448؛ ومجالس ثعلب ص489؛ ولأبي ثروان في المقاصد النحوية 4/ 454؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 351؛ وجمهرة اللغة ص1318؛ وخزانة الأدب 2/ 397؛ والدرر 3/ 97، 6/ 305؛ وشرح عمدة الحافظ ص981؛ وشرح المفصل، 4/ 87؛ ومغني اللبيب 1/ 154؛ وهمع الهوامع 1/ 203، 2/ 310.(2/409)
وما يلي المضاف يأتي خلفا ... عنه في الإعراب إذا ما حذفا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإضافة. إلا أنه أعرب لأنه جعل ما لحقه من التنوين عوضًا من اللفظ بالمضاف إليه فعومل قبل مع التنوين لكونه عوضًا من المضاف إليه بما يعامل به مع المضاف إليه كما فعل بكل حين قطع عن الإضافة لحقه التنوين عوضًا، وهذا القول عندي حسن "وما يلي المضاف" وهو المضاف إليه "يأتي خلفا عنه في الإعراب" غالبًا "إذا ما حذفا" لقيام قرينة تدل عليه نحو: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] ، أي أمر ربك {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] ، أي أهل القرية.
تنبيهان: الأول كما قام المضاف إليه مقام المضاف في الإعراب يقوم مقامه في التذكير كقوله:
666- يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "معرفة بنية الإضافة" أي نية معنى المضاف إليه بدليل الاعتذار عن إعرابها بقوله إلا أنه أعرب إلخ وهذا القول مقابل لما في النظم إلا أن يراد بالتنكير بحسب اللفظ فقط. قوله: "وهذا القول عندي حسن" لاقتضاء القياس على النظير المذكور إياه. قوله: "وهو المضاف إليه" أي الصالح لإعراب المضاف فلو كان المضاف إليه جملة لم يجز حذف المضاف لأنها لا تصلح فاعلا ولا مفعولا مثلا وكذا إذا كان محلى بأل والمضاف منادى فلا يصح يا الخليفة أي يا مثل الخليفة، والمراد المضاف إليه ولو بواسطة فيشمل ما إذا حذف اثنان كما يأتي في التنبيه الثاني على أن الأصح أن الحذف تدريجي كما يأتي وحينئذٍ لا حاجة إلى هذه الغاية. قوله: "غالبا" أخذه من البيت بعده. قوله: "إذا ما حذفا" اعلم أن المضاف إذا حذف للقرينة فتارة يكون مطروحا وتارة يكون ملتفتا إليه، ويعلم هذا بعود الضمير إليه وقد اجتمعا في قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4] ، فأرجع الضمير أولا إلى القرية طرحا للمضاف وثانيا إلى المضاف التفاتا إليه قاله يس. ولا تناقض لاختلاف الوقت. قوله: "لقيام قرينة تدل عليه" فإن لم تكن قرينة امتنع الحذف ولا ينافيه ما قالوه في نحو جاء زيد نفسه من أن نفسه لدفع توهم نية المضاف وإن اعترض بذلك الدماميني لأن باب التوهم واسع لا يقتضي جواز ارتكاب المتوهم كما قاله سم ولأن عقل السامع ربما يجوّز وجود قرينة خفيت عليه.
قوله: "نحو وجاء ربك إلخ" نحو: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] ، {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [البقرة: 189] ، أي حج أشهر معلومات وبر من اتقى وهذا أولى من تقدير المضاف
__________
666- البيت من الكامل، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص122؛ وجمهرة اللغة ص312؛ وخزانة الأدب 4/ 381، 382، والدرر 5/ 38؛ وشرح المفصل 3/ 25؛ ولسان العرب 3/ 88 "برد"، 7/ 6 "برص"، 10/ 202 "صفق"؛ ومعجم ما استعجم ص240؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 451؛ وشرح المفصل 3/ 166؛ ولسان العرب 11/ 345 "مسلسل"، 14/ 478 "ضحا"؛ وهمع الهوامع 2/ 51.(2/410)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بردى مؤنث فكان حقه أن يقول تصفق بالتاء، لكنه أراد ماء بردى. وفي التأنيث كقوله:
667- مرت بنا نسوة خولة ... والمسك من أردانها نافحه
أي رائحة المسك. وفي حكمه نحو: "إن هذين حرام على ذكور أمتي" أي استعمال هذين: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ} [الكهف: 59] ، أي أهل القرى وفي الحالية نحو تفرقوا أيادي سبا أي مثل أيادي سبا لأن الحال لا تكون معرفة. الثاني قد يكون الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مع الجزء الأول كأن يقال مدة الحج أشهر معلومات ولكن ذا البر من اتقى لأن الحذف أليق بالأواخر ولأن التقدير مع الآخر في وقت الحاجة إليه. قوله: "كما قام المضاف إليه إلخ" قال سم وإنما اقتصر المصنف على الإعراب لأنه المقصود بالذات في هذا الفن. وقال يس لم يتعرض لغير الإعراب لأنه مبني على مراعاة المحذوف وهو خلاف الأكثر. قوله: "من ورد البريص" بالصاد المهملة اسم واد وبردى بفتحات نهر بدمشق وألفه للتأنيث كما في الهمع والرحيق الخمر والسلسل من الماء العذب أو البارد ومن الخمر اللينة كذا في القاموس وبه يعلم ما في كلام البعض. ويصفق حال من بردى وقوله بالرحيق السلسل تشبيه بليغ أي بماء كالرحيق السلسل في اللذة. قوله: "لكنه أراد ماء بردى" أي فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
قوله: "خولة" بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو كما نقل عن خط الشارح علم امرأة. والأردان جمع ردن بالضم وهو أصل الكم كما في القاموس. نافحة بالحاء المهملة أي فائحة. قوله: "وفي حكمه" أي الحكم عليه بشيء كالحرمة في المثال الأول والهلاك في المثال الثاني. قوله: "أي أهل القرى" كان الأحسن أي أهل تلك القرى لأن المضاف إليه تلك لا القرى لكن لما كانت تلك إشارة إلى القرى تسمح في التعبير قال في المغني وأما: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا} [الأعراف: 4] ، فقدر النحويون الأهل بعد من وأهلكنا وجاء وخالفهم الزمخشري في الأولين لأن القرية تهلك ووافقهم في فجاء لأجل: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4] . ا. هـ. هذا وذهب كثير إلى أنه لا حذف فيما ذكر فقيل لأن القرية عبر بها عن أهلها مجازا وتأنيثها باعتبار لفظها وقيل اسم القرية مشترك بين المكان وأهله. قوله: "وفي الحالية" مثلها الصفة نحو مررت بقوم أيادي سبا ولو قال بدل الحالية التنكير كما في التسهيل لشملهما. ويؤخذ من كلام الشارح أن الحالية العارضة تجامع التعريف فقوله لأن الحال لا تكون معرفة أي الحال بالأصالة. قوله: "أيادي سبأ" أي أبناء سبأ فعبر بالجزء عن الكل أو شبه الأبناء بالأيادي بجامع المعاونة. قوله: "قد يكون الأول إلخ" وقد يحذف ثلاثة متضايفات نحو: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم: 9] ، أي فكان مقدار مسافة قريبة مثل قاب فحذفت ثلاثة من اسم كان وواحد من خبرها
__________
667- البيت من السريع، وهو بلا نسبة في الدرر 5/ 39؛ وهمع الهوامع 2/ 51.(2/411)
وربما جروا الذي أبقوا كما ... قد كان قبل حذف ما تقدما
لكن بشرط أن يكون ما حذف ... مماثلًا لما عليه قد عطف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مضافًا إلى مضاف فيحذف الأول والثاني ويقام الثالث مقام الأول في الإعراب نحو: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82] ، أي وتجعلون بدل شكر رزقكم تكذيبكم و: {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: 19] ، أي كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت. ومنه قوله:
668- فأدرك إرقال العرادة ظلعها ... وقد جعلتني من حزيمة إصبعا
أي ذا مسافة أصبع "وربما جروا الذي أبقوا" وهو المضاف إليه "كما قد كان قبل حذف ما تقدما" وهو المضاف "لكن بشرط أن يكون ما حذف مماثلًا لما عليه قد عطف" سواء اتصل العاطف بالمعطوف أو انفصل عنه بلا كقوله:
669- أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كذا قدر الزمخشري وهو ظاهر على تفسير القاب بالقدر فإن فسر بما بين مقبض القوس وطرفها احتيج في الخبر إلى تقدير مضاف ثان أي مثل قدر قاب وعليه قيل في الآية قلب والأصل قابى قوس. قوله: "فيحذف الأول والثاني" أي تدريجا على الراجح كما في الدماميني وإن كان قول الشارح ويقام الثالث مقام الأول يميل إلى أنه دفعي. قوله: "فأدرك إرقال إلخ" الإرقال بكسر الهمزة إسراع السير وهو مفعول مقدم والعرادة بكسر العين المهملة اسم فرس الشاعر. وظلعها بظاء مشالة مفتوحة ولام ساكنة وعين مهملة غمزها في مشيها وهو فاعل مؤخر. وجملة وقد جعلتني إلخ حال من العرادة. وحزيمة بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي اسم رجل أغار على إبل الشاعر. والمعنى أنه لما تبع الشاعر حزيمة ولم يبق بينهما إلا قدر مسافة أصبع أدرك فرسه فتأخر عنه ففاته حزيمة.
قوله: "وربما جروا" أي استداموا جرّ. قوله: "كما قد كان" أي كالجر الذي قد كان والمغايرة بين الشبه والمشبه به لا بالذات بل باعتبار اختلاف صورة التركيب أو على أن العرض لا يبقى زمانين. ووجه الشبه كون كل بالمضاف وفائدة قوله كما قد كان إلخ دفع توهم أن هذا جر جديد بجار آخر غير المضاف. قوله: "بشرط إلخ" أي ليكون المعطوف عليه دليلا على المحذوف. قوله: "مماثلا" أي لفظا ومعنى. قوله: "لما عليه قد عطف" الصلة جارية على غير من هي له. قوله: "توقد" مضارع أصله تتوقد. قوله: "مثل الخير" مفعول أول ويتركه الفتى مفعول
__________
668- البيت من الطويل، وهو لكحلبة اليربوعي في خزانة الأدب 4/ 401؛ وشرح اختيارات المفضل ص146؛ ولسان العرب 12/ 127 "حرم"، 14/ 81 "بقي"؛ وللأسود بن يعفر في شرح المفصل 3/ 31؛ وللأسود أو لكحلبة في المقاصد النحوية 3/ 442؛ ولرؤبة في مغني اللبيب 2/ 624، وليس في ديوانه.
669- البيت من المتقارب، وهو لأبي دؤاد في ديوانه ص353؛ والأصمعيات ص191؛ وأمالي ابن الحاجب 1/ 134، 297؛ وخزانة الأدب 9/ 592. 10/ 481؛ والدرر 5/ 39؛ وشرح التصريح 2/ 56؛ وشرح شواهد =(2/412)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي وكل نار وقوله:
670- ولم أر مثل الخير يتركه الفتى ... ولا الشر يأته امرؤ وهو طائع
أي ولا مثل الشر لئلا يلزم العطف على معمولي عاملين مختلفين، بأن تجعل قوله بالجر معطوفًا على امرئ والعامل فيه كل، ونار الثاني معطوفًا على امرأة والعامل فيه تحسبين.
تنبيه: الجر والحالة هذه مقيس، وليس ذلك مشروطًا بتقدم نفي أو استفهام كما ظن بعضهم. والجر فيما خلا من الشروط محفوظ لا يقاس عليه كالجر بدون عطف في قوله: رأيت التيمي تيم عدي: أي أحد تيم عدي، ومع العاطف المفصول بغير لا كقراءة ابن جماز: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ} [الأنفال: 67] ، أي عرض الآخرة كذا قدره الناظم وجماعة. وقيل: التقدير ثواب الآخرة أو عمل الآخرة، وبه قدره ابن أبي الربيع في شرحه للإيضاح وعلى هذا فالمحذوف ليس مماثلًا لما عليه قد عطف بل مقابلًا له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثان. قوله: "لئلا يلزم إلخ" علة لمحذوف أي وإنما جعل المجرور مجرورا بالمضاف المحذوف لا معطوفا على امرىء أو الخير لئلا إلخ. قوله: "العطف على معمولي إلخ" أي وذلك ممنوع عند سيبويه ومن وافقه والعاملان في البيت الثاني أر ومثل والمعمولان الخير وجملة يتركه الفتى والمعطوف على الخير الشر وعلى يتركه الفتى يأتيه امرؤ. قوله: "من الشروط" أي العطف ومماثلة المحذوف للمعطوف عليه وعدم الانفصال إلا بلا. وبه يعلم أن الإضافة في قول المصنف بشرط إلخ للجنس. قوله: "كالجر بدون عطف" قاسه الكوفيون. قوله: "أي أحديتم عدى" الدليل على هذا المحذوف استحالة أن يكون التيمي نفس القبيلة إذ هو واحد منهم. قوله: "ومع العاطف المفصول بغير لا" نقل سم أنه مقيس عند الأكثرين.
قوله: "كقراءة ابن جماز" قال في التوضيح هي مخالفة للقياس من وجه آخر وهو أن المضاف معطوفا بل المعطوف جملة فيها المضاف. قوله: "أي عرض الآخرة" المراد بالعرض بالنسبة إلى الآخرة ما عرض وحدث وإن كان باقيا وإيثار التعبير به للمشاكلة فيكون المذكور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= الإيضاح ص299؛ وشرح شواهد المغني 2/ 700؛ وشرح عمدة الحافظ ص500؛ وشرح المفصل 3/ 26؛ والكتاب 1/ 66؛ والمقاصد النحوية 3/ 445؛ ولعدي بن زيد في ملحق ديوانه ص199؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 49؛ والإنصاف 2/ 473؛ وأوضح المسالك 3/ 169؛ وخزانة الأدب 4/ 417، 7/ 180؛ ورصف المباني ص348؛ وشرح ابن عقيل ص399؛ وشرح المفصل 3/ 79، 142، 8/ 52، 9/ 105؛ والمحتسب 1/ 281؛ ومغني اللبيب 1/ 290؛ والمقرب 1/ 237؛ وهمع الهوامع 2/ 52.
670- البيت من الطويل، وهو لبشر القشيري في شرح العمدة الحافظ ص501؛ وبلا نسبة في الدرر 5/ 40؛ وهمع الهوامع 2/ 52.(2/413)
ويحذف الثاني فيبقى الأول ... كحاله إذا به يتصل
بشرط عطف وإضافة إلى مثل ... الذي له أضفت الأولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى "ويحذف الثاني" وهو المضاف إليه وينوي ثبوت لفظه "فيبقى الأول" وهو المضاف "كحاله إذا به يتصل" فلا ينون، ولا ترد إليه النون إن كان مثنى أو مجموعًا، لكن لا يكون ذلك في الغالب إلا "بشرط عطف وإضافة إلى مثل الذي له أضفت الأولا" لأن بذلك يصير المحذوف في قوة المنطوق به، وذلك كقولهم: قطع الله يد ورجل من قالها، الأصل قطع الله يد من قالها، ورجل من قالها فحذف ما أضيف إليه يد وهو من قالها لدلالة ما أضيف إليه رجل عليه. وكقوله:
671- يا من رأى عارضًا أسر به
بين ذراعي وجبهة الأسد. وقوله:
672- سقى الأرضين الغيث سهل وحزنها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دليل المحذوف. قوله: "فيبقى الأول" أي حال الأول وقوله كحاله في المغايرة بين المشبه والمشبه به ما مر ووجه الشبه كون كل بالمضاف. قوله: "إذا به يتصل" أي إذا يتصل الأول بالثاني أو العكس. قوله: "بشرط عطف" أي على ذلك الأول ولو بغير الواو وسنعرفك وجها آخر. قوله: "وإضافة" أي إضافة المعطوف ومثل الإضافة عمل المعطوف في مثل ما أضيف إليه الأول كقوله:
بمثل أو أحسن من شمس الضحى
قوله: "إلى مثل" أي لفظا ومعنى. قوله: "لأن بذلك" اسم أن ضمير الشأن. قوله: "يا من رأى" المنادى محذوف أي يا قوم ومن استفهامية. ويحتمل أن تكون موصولة وهي المنادى فلا حذف. ا. هـ. دماميني وقوله: عارضا أي سحابا معترضا. وقوله: أسرّ به أي لوثوقي بمطره وقوله بين ذراعي صفة ثانية لعارضا. والأسد مجموع كواكب على صورة الأسد. والذراع كوكبان نيران ينزلهما القمر. والجبهة أربعة أنجم ينزلها أيضا القمر. قال السيوطي: قال ابن يعيش يصف الشاعر سحابا اعترض بين نوء الذراع ونوء الجبهة وهما من أنواء الأسد وأنواؤه أحمد الأنواء. وذكر
__________
671- البيت من المنسرح، وهو للفرزدق في خزانة الأدب 2/ 319، 4/ 404، 5/ 289؛ وشرح شواهد المغني 2/ 799؛ وشرح المفصل 3/ 21؛ والكتاب 1/ 180؛ والمقاصد النحوية 3/ 451؛ والمقتضب 4/ 229؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 100، 2/ 264، 390؛ وتخليص الشواهد ص87؛ وخزانة الأدب 10/ 187؛ والخصائص 2/ 407؛ ورصف المباني ص341؛ وسر صناعة الإعراب ص297؛ وشرح عمدة الحافظ ص502؛ ولسان العرب 3/ 92 "بعد"، 15/ 492 "يا"؛ ومغني اللبيب 2/ 380، 621.
672- عجزه:
فنيطت عزى الآمال بالزرع والضرع
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 483.(2/414)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي سهلها وحزنها. وقد يكون ذلك بدون الشرط المذكور كما مر من نحو قوله:
ومن قبل نادى كل مولى قرابة
وقد قرئ شذوذًا {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 38، 62] ، أي فلا خوف شيء عليهم.
تنبيهان: الأول ما ذكر الناظم هو مذهب المبرد. وذهب سيبويه إلى أن الأصل في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الذراعين والنوء للذراع المقبوضة لاشتراكهما في الأسد وفي التسمية كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] ، وإنما يخرج من أحدهما. ا. هـ. ونقل الدماميني عن بعض شراح أبيات المفصل إن قصد وصف ممدوحه بالشجاعة حيث سماه أسدا وقلبه بالسماحة حيث سماه سحابا. قوله: "وحزنها" ضد السهل. قوله: "ومن قبل" أي من قبل ذلك وقيل الأصل ومن قبلي فحذفت الياء وأبقيت الكسرة دليلا عليها، وعليه فلا شاهد فيه لأن حذف ياء المتكلم المضاف إليها جائز كثيرا بدون الشروط المذكورة. قوله: "فلا خوف عليهم" أي بالضم من غير تنوين مع كسر الهاء فتكون لا عاملة عمل ليس أو مهملة وقرأ يعقوب بفتح الفاء من غير تنوين مع ضم الهاء فإن قدرت الفتحة فتحة إعراب ففيها شاهد أيضا أو فتحة بناء فلا وعلى قراءته تكون لا عاملة عمل إن. قوله: "هو مذهب المبرد" قال البعض تبعا للمصرح جعلها المبرد من باب التنازع فأعمل الثاني لقربه وحذف معمول الأول لأنه فضلة فهي جائزة قياسا. ا. هـ. وقد ينافيه قول الشارح سابقا الأصل قطع الله يد من قالها ورجل من قالها إذ جعلها من باب التنازع يقتضي أن الأصل قطع الله يده ورجل من قالها مع أنه يشترط في عاملي التنازع أن يكونا فعلين أو اسمين يشبهانهما والعاملان هنا ليسا كذلك فتدبر. قوله: "وذهب سيبويه إلخ" لعل الحامل له على ذلك أن الحذف أليق بالثواني لكنه مع ما فيه من التكلف يضعفه قول الشاعر:
بنو وبناتنا كرام فمن نوى ... مصاهرة فلينأ إن لم يكن كفأ
وقول الآخر:
بمثل أو أحسن من شمس الضحى
إذ لا يفصل بين المتضايفين إذا كان الثاني ضميرا ولأن مطلوب أحسن من ومجرورها ومطلوب مثل مضاف إليه كذا في الدماميني. وأما تضعيفه بأنه لزم عليه الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الأمور الثلاثة الآتية وذلك مختص بالضرورة ففيه أن سيبويه لا يسلم الحصر في الثلاثة. ولك أن تجعل كلام المصنف صالحا لمذهب سيبويه أيضا بأن تجعل معنى قوله وإضافة إلى مثل إلخ أي إلى مضاف إليه مذكور مماثل لمحذوف أضيف إليه المضاف الأول(2/415)
فضل مضاف شبه فعل ما نصب ... مفعولًا أو ظرفًا أجز ولم يعب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قطع الله يد ورجل من قالها: قطع الله يد من قالها ورجل من قالها، فحذف ما أضيف إليه رجل، فصار قطع الله يد من قالها ورجل، ثم أقحم رجل بين المضاف الذي هو يد والمضاف إليه الذي هو من قالها. قال بعض شراح الكتاب: وعند الفراء الاسمان مضافان إلى من قالها ولا حذف في الكلام. الثاني قد يفعل ما ذكر من الحذف مع مضاف معطوف على مضاف إلى مثل المحذوف وهو عكس الأول كقول أبي برزة الأسلمي -رضي الله تعالى عنه: "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات وثماني" بفتح الياء دون تنوين، والأصل ثماني غزوات هكذا ضبطه الحافظ في صحيح البخاري. "فضل مضاف شبه فعل ما نصب مفعولًا أو ظرفًا أجز" فصل مفعول بأجز مقدم وهو مصدر مضاف إلى مفعول، وشبه فعل نعت لمضاف وما نصب موصول وصلته في موضع رفع بالفاعلية، وعائد الموصل محذوف أي نصبه ومفعولًا أو ظرفًا حالان من ما أو من الضمير المحذوف. وتقدير البيت أجز أن يفصل المضاف منصوبه حال كونه مفعولًا أو ظرفًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كما هو مذهب المبرد أو إلى مضاف إليه محذوف مماثل لمذكور أضيف إليه المضاف الأول كما هو مذهب سيبويه نعم المتبادر من كلامه هو الأول. قوله: "ثم أقحم إلخ" قال ابن الحاجب إنما اعترض بالمضاف الثاني بين المتضايفين ليبقى المضاف إليه المذكور في اللفظ عوضا مما ذهب. ا. هـ. مغني. وإنما احتيج إلى ذلك لأن تمام الاسم الذي ليس بأل بالتنوين أو الإضافة، ولعدم المحوج إلى الاعتراض بين المبتدأ والخبر في نحو زيد وعمرو قائم جعله سيبويه من باب الحذف من الأول؛ إذ لو كان قائم خبرا عنه لقدّم على العطف إذ لا حاجة إلى تأخيره لعدم القبح في زيد قائم وعمرو. قوله: "وعند الفراء الاسمان إلخ" خصه كما قال السيوطي بالمصطحبين كاليد والرجل والربع والنصف، وقبل وبعد لأنهما كالشيء الواحد فكأن المضاف العامل في المضاف إليه شيء واحد فلا يرد أنه لا يتوارد عاملان على معمول واحد بخلاف نحو دار وغلام. قوله: "وهو عكس الأول" أي على مذهب المبرد وتشمله عبارة النظم كما علم مما وجهنا به صلاحية النظم لمذهب سيبويه. قوله: "فصل مضاف" أي من المضاف إليه بشرط أن لا يكون ضميرا. ا. هـ. يس. قوله: "شبه فعل" أي مصدر أو اسم فاعل. قوله: "ما نصب" خرج المرفوع فإن الفصل به مختص بالضرورة كما سيأتي وذلك لأنه متمكن في موضعه بخلاف المنصوب فإنه في نية التأخير فالفصل به كلا فصل. قوله: "مفعولا إلخ" أي غير جملة فلا يجوز أعجبني قول عبد الله منطلق زيد للطول قال سم انظر هل يجوز الفصل بمجموع الأمور التي جاز الفصل بكل منها؟ قال البعض القياس على ما تقدم في قوله ولم ينفصل بغير ظرف أو كظرف أو عمل يقتضي جواز الفصل بالمجموع إلا أن يفرق. وأنا أقول مقتضى تعليلهم منع الفصل بالمفعول الجملة بالطول عدم الجواز. والفرق بين ما هنا وما قاس عليه غرابة الفصل بين المتضايفين لكونهما كالشيء الواحد بخلاف الفصل فيما قاس عليه فتنبه. قوله: "في موضع رفع" لو قدمه على الصلة لكان أولى لأن الموضع للموصول فقط.(2/416)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والإشارة بذلك إلى أن من الفصل بين المتضايفين ما هو جائز في السعة خلافًا للبصريين في تخصيصهم ذلك بالشعر مطلقًا. فالجائز في السعة ثلاث مسائل: الأولى أن يكون المضاف مصدرًا والمضاف إليه فاعله. والفاصل إما مفعول كقراءة ابن عامر: "قتل أولادهم شركائهم" [الأنعام: 137] ، وقول الشاعر:
673- فسقناهم سوق البغات الأجادل
وقوله:
674- فداسهم دوس الحصيد الدائس
وقوله:
675- فزججتها بمزجة ... زج القلوص أبي مزاده
وأما ظرفه كقول بعضهم ترك يومًا نفسك وهواها سعي لها في رداها. الثانية أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "خلافا للبصريين إلخ" ولما تبع الزمخشري مذهبهم رد قراءة ابن عامر الآتية ولا عبرة برده مع ثبوتها بالتواتر. قوله: "مطلقا" أي سواء كان ذلك بالأمور الثلاثة أو بغيرها. قوله: "مصدرا" أي مقدرا بأن والفعل. شاطبي. قوله: "والمضاف إليه فاعله" لو قال معموله لدخل المصدر المفصول بينه وبين مفعوله بالظرف. وجعل بعضهم منه ترك يوما نفسك وهواها أي تركك يوما نفسك، وجعله الشارح من المفصول بينه وبين فاعله والمعنى عليه ترك نفسك شأنها وهواها. قوله: "قتل أولادهم شركائهم" أي برفع قتل على أنه نائب فاعل زين ونصب أولادهم وجر شركائهم وجعل الشركاء فاعل القتل باعتبار أمرهم به. قوله: "سوق البغاث" بتثليث الموحدة وغين معجمة وثاء مثلثة طائر ضعيف يصاد ولا يصيد. والأجادل جمع أجدل وهو الصقر. قوله: "فزججتها" أي طعنتها. والمزجة بكسر الميم رمح قصير والقلوص الناقة
__________
673- صدره:
عتوا إذ اجبناهم إلى السلم رأفة
والبيت من الطويل، وهو لبعض الطائيين في شرح عمدة ص491؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 180؛ وشرح التصريح 2/ 57؛ والمقاصد النحوية 3/ 465.
674- صدره:
وخلق الماذي كالقوانس
والرجز لعمرو بن كلثوم في المقاصد النحوية 3/ 461؛ وليس في ديوانه.
675 البيت من مجزوء الكامل، وهو بلا نسبة في الإنصاف 2/ 427؛ وتخليص الشواهد ص82؛ وخزانة الأدب 4/ 415، 416، 418، 421، 422؛ والخصائص 2/ 406؛ وشرح المفصل 3/ 189؛ والكتاب 1/ 176؛ ومجالس ثعلب ص152؛ والمقاصد النحوية 3/ 468؛ والمقرب 1/ 54.(2/417)
فصل يمين واضطرارًا وجدا ... بأجنبي أو بنعت أو ندا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يكون المضاف وصفًا والمضاف إليه إما مفعول الأول والفاصل مفعوله الثاني كقراءة بعضهم {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} [إبراهيم: 47] ، وقول الشاعر:
676- وسواك مانع فضله المحتاج
أو ظرفه كقوله عليه الصلاة والسلام: "هل أنتم تاركو لي صاحبي" وقوله:
677- كناحب يومًا سخرة بعسيل
وقد شمل كلامه في البيت جميع ذلك. الثالث أن يكون الفاصل القسم. وقد أشار إليه بقوله: "ولم يعب فضل يمين" نحو هذا غلام والله زيد حكى ذلك الكسائي. وحكى أبو عبيدة: إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها.
تنبيه: زاد في الكافية الفصل بإما كقوله:
678- هما خطتا إما إسار ومنة ... وإما دم والقتل بالحر أجدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشابة. قوله: "وصفا" أي اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال ولم يذكروا اسم المفعول. قوله: "أما مفعوله الأول" الصواب تأخير أما بعد قوله الفاصل لأن التنويع إنما هو في الفاصل. قوله: "هل أنتم تاركو لي صاحبي" قال الدماميني يحتمل عدم الإضافة بأن تكون النون محذوفة كحذفها في قراءة الحسن وما هم بضاري به من أحد.
قوله: "بعسيل" بعين وسين مهملتين على وزن أمير مكنسة العطار التي يجمع بها العطر بكسر الميم وفتح النون. قوله: "هما" أي الخطتان المعلومتان من السياق. والخطة بالضم الخصلة
__________
676- صدره:
ما زال يومين من يؤمك بالغنى
والبيت من الكامل وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 182؛ وشرح التصريح 2/ 58؛ وشرح عمدة الحافظ ص493؛ والمقاصد النحوية 3/ 469.
677- صدره:
فرشني بخير لا أكون ومدحي
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 184؛ والدرر 5/ 43؛ وشرح التصريح 2/ 58؛ وشرح عمدة الحافظ ص328؛ ولسان العرب 11/ 447 "عسل"؛ والمقاصد النحوية 3/ 481؛ وهمع الهوامع 2/ 52.
678- البيت من الطويل، وهو لتأبط شرًّا في ديوانه ص89؛ وجواهر الأدب ص154؛ وخزانة الأدب 7/ 499، 500، 503؛ والدرر 1/ 143؛ وشرح التصريح 2/ 58؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص79؛ وشرح شواهد المغني 2/ 975؛ ولسان العرب 7/ 279؛ والمقاصد النحوية 3/ 486؛ وبلا نسبة في الخصائص 2/ 405؛ ورصف المباني ص342؛ ومغني اللبيب 2/ 643؛ والممتع في التصريف 2/ 526؛ وهمع الهوامع 1/ 49، 2/ 52.(2/418)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ا. هـ. وما سوى ذلك فمختص بالشعر وقد أشار إلى ثلاث مسائل من ذلك بقوله "واضطرارًا وجدا" أي الفصل والألف للإطلاق "بأجنبي أو بنعت أو ندا" أي الأول من هذه الثلاث الفصل بأجنبي، والمراد به معمول غير المضاف فاعلًا كان كقوله:
679- أنجب أيام والداه به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا
أي أنجب والداه به أيام إذا نجلاه. أو مفعولًا كقوله:
680- تسقى امتياحًا ندى المسواك ريقتها
أي تسقى ندى ريقتها المسواك. أو ظرفًا كقوله:
681- كما خط الكتاب بكف يومًا ... يهود يقارب أو يزيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والإسار بالكسر الأسر وعد الأسر والمنة بعده بالإطلاق خطة واحدة لتلازمهما في الجملة. قوله: "بأجنبي" متعلق بمحذوف حال من ضمير وجد أي وجد المضاف مفصولا بأجنبي ولا يصح رجوع الضمير للفصل وتعلق بأجنبي به على رأي من أجاز اعمال ضمير المصدر لأن ضميره الذي أجيز أعماله على هذا الرأي بارز وهذا مستتر أفاده الشاطبي. قوله: "معمول غير المضاف" يدخل في الأجنبي على هذا التفسير النعت والمنادى فيلزم عطف الخاص على العام بأو وهو لا يجوز ويمكن أن يقيد بما أشار إليه بقوله فاعلا كان إلخ سم. قوله: "فاعلا" أي لغير المضاف إذ فاعل المضاف ليس أجنبيا وإن كان الفصل به أيضا ضرورة كما سيذكره الشارح. قوله: "أنجب أيام والداه به" أي ولدا ولدا نجيبا. ونجلاه ولداه والفصل في هذا البيت بالفاعل وبالجار والمجرور أيضا لكنهم اكتفوا بالتنبيه على الفصل بالأشرف ويؤخذ منه جواز الفصل باثنين من المعمولات الأجنبية في الضرورة. قوله: "تسقى امتياحا" أي وقت امتياح أو ممتاحة والامتياح الاستياك. قوله: "كما خط" ما مصدرية يهودي يقارب أي بين حروف الكتابة أو يزيل بفتح أوله
__________
679- البيت من المنسرح، وهو للأعشى في ديوانه ص285؛ والدرر 5/ 49؛ وشرح التصريح 2/ 85؛ ولسان العرب 11/ 646 "نجل"، والمحتسب 1/ 152؛ والمقاصد النحوية 3/ 477؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 186؛ وشرح عمدة الحافظ ص494؛ ولسان العرب 1/ 748 "نجب"؛ ومجالس ثعلب ص96؛ وهمع الهوامع 2/ 53.
680- عجزه:
كما تضمن ماء المزنة الرصف
والبيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه 1/ 171؛ والدرر 5/ 44؛ وشرح التصريح 2/ 58؛ والمقاصد النحوية 3/ 474؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 187؛ وهمع الهوامع 2/ 52.
681- البيت من الوافر، وهو لأبي حية النميري في الإنصاف 2/ 432؛ وخزانة الأدب 4/ 219؛ والدرر 5/ 45؛ وشرح التصريح 2/ 59؛ والكتاب 1/ 179؛ ولسان العرب 12/ 390 "عجم"؛ والمقاصد النحوية 3/ 470؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 189؛ والخصائص 2/ 405؛ ورصف المباني ص65؛ وشرح ابن عقيل=(2/419)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الثانية الفصل بنعت المضاف كقوله:
672- ولئن حلفت على يديك لأخلفن ... بيمين أصدق من يمينك مقسم
أي بيمين مقسم أصدق من يمينك. وقوله:
683- من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
أي من ابن أبي طالب شيخ الأباطح. الثالثة الفصل بالنداء كقوله:
684- كأن برذون أبا عصام ... زيد حمار دق باللجام
أي كأن برذون زيد يا أبا عصام. وقوله:
685- وفاق كعب بجير منقذ لك من ... تعجيل تهلكة والخلد في سقرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي يباعد بينها، والجملة صفة ليهودي كما في العيني والتصريح فالضمير في الفعلين له. وقول البعض الضمير فيهما للخط خطأ. وخص اليهودي لأنه من أهل الكتاب والمعنى أن رسم هذه الدار كخط الكتاب. قوله: "من ابن إلخ" صدره:
نجوت وقد بل المرادي سيفه
قاله معاوية حين اتفق ثلاثة من الخوارج على قتل معاوية وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم فسلم الأولان وقتل علي: قتله عبد الرحمن بن ملجم بكسر الجيم وفتحها المرادي بفتح الميم نسبة إلى مراد قبيلة قاله يس ويرد على الشارح أن الفاصل ليس نعتا للمضاف بل لمجموع المضاف والمضاف إليه وقد يقال لما كان المتأثر بالعوامل المختلفة الجزء الأول جعل النعت له. قوله: "كأن برذون إلخ" قال ابن هشام يحتمل أن أبا مضاف إليه على لغة القصر. وزيد بدل أو عطف بيان فلا شاهد فيه. قوله: "وفاق كعب بجير إلخ" بجير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= ص403؛ وشرح عمدة الحافظ ص495؛ وشرح المفصل 1/ 103؛ ولسان العرب 4/ 158 "حبر"؛ والمقتضب 4/ 377؛ وهمع الهوامع 2/ 52.
682- البيت من الكامل، وهو للفرزدق في ديوانه 2/ 226؛ والمقاصد النحوية 3/ 484؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص404.
683- صدره:
نجوت وقد بل المرادي سيفه
والبيت من الطويل، وهو لمعاوية بن أبي سفيان في الدرر 5/ 46؛ وشرح التصريح 2/ 59؛ والمقاصد النحوية 3/ 478؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص404؛ وشرح عمدة الحافظ ص496؛ وهمع الهوامع 2/ 52.
684- الرجز بلا نسبة في الخصائص 2/ 404؛ والدرر 5/ 47؛ وشرح التصريح 2/ 60؛ وشرح ابن عقيل ص405؛ وشرح عمدة الحافظ ص495؛ والمقاصد النحوية 3/ 480؛ وهمع الهوامع 2/ 53.
685- البيت من البسيط، وهو لبجير بن زهير في الدرر 5/ 48؛ والمقاصد النحوية 3/ 489؛ وهمع الهوامع 2/ 53؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص405.(2/420)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي وفاق بجير يا كعب.
تنبيه: من المختص بالضرورة أيضًا الفصل بفاعل المضاف كقوله:
686- نرى أسهمًا للموت تضمي ولا تنمي ... ولا نرعوي عن نقض أهواؤنا العزم
وقوله:
687- ما إن وجدنا للهوى من طب ... ولا عدمنا قهر وجد صب
والأمر في هذا أسهل منه من الفاعل الأجنبي كما في قوله: أنجب أيام والداه به البيت. ويحتمل. أن يكون منه. وأن يكون من الفصل بالمفعول قوله:
688- فإن نكاحها مطر حرام
بدليل أنه يروى أيضًا بنصب مطر ورفعه، والتقدير فإن نكاح مطر إياها أو هي. ومنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أخو كعب بن زهير صاحب بانت سعاد أسلم بجير قبل أخيه كعب وصار يدعوه إلى الإسلام إلى أن أسلم. وكعب منادى حذف منه حرف النداء. قوله: "نرى" بالنون كما قاله الدماميني: تصمي من أصميته إذا رميته فقتلته بحيث تراه. ولا تنمي من أنميته إذا رميته فغاب عنك ثم مات. والمعنى نرى أسهما للموت تقتل ولا تبطئ والأرعواء الكف عن القبيح. قوله: "فإن نكاحها مطر حرام" أي في رواية خفض مطر بإضافة نكاح إليه والفصل بالهاء وهي محتملة للفاعلية والمفعولية لما ذكره الشارح فعلى الفاعلية يكون من إنابة ضمير غير الرفع مناب ضمير الرفع وإن لم تعهد النيابة إلا في الضمائر المنفصلة، وبهذا التقرير يعرف ما في كلام البعض ويعرف أيضا أن الهاء ليست في موضع جر بالإضافة حتى يتوجه استشكال صاحب التوضيح خفض مطر بالإضافة بأن المضاف لا يضاف لشيئين. ومطر اسم رجل كان من أقبح الناس وكانت زوجته من أجمل النساء وكانت تريد فراقه ولا يرضى بذلك. وصدر البيت:
لئن كان النجاح أحل شيء
__________
686- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 488.
687- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 190؛ والدرر 5/ 49؛ وشرح التصريح 2/ 67؛ وشرح عمدة الحافظ ص493؛ والمقاصد النحوية 3/ 483؛ وهمع الهوامع 2/ 53.
688- صدره:
فإن يكن النكاح أحل شيء
والبيت من الوافر، وهو للأحوص في ديوانه ص189؛ والأغاني 15/ 234؛ وأمالي الزجاجي ص81؛ وخزانة الأدب 2/ 151؛ وشرح شواهد المغني 2/ 767، 952؛ وشرح التصريح 2/ 59؛ والعقد الفريد 6/ 81؛ والمقاصد النحوية 1/ 109؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 192؛ ومغني اللبيب 2/ 972.(2/421)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل بالفعل الملغي كقوله:
689- بأي تراهم الأرضين حلوا
أي بأي الأرضين زاده في التسهيل. وزاد غيره الفصل بالمفعول لأجله كقوله:
690- معاود جرأة وقت الهوادي ... أشم كأنه رجل عبوس
أراد معاود وقت الهوادي جرأة. وحكى ابن الأنباري: هذا غلام إن شاء الله أخيك ففصل بإن شاء الله. ا. هـ.
خاتمة: قال في شرح الكافية: المضاف إلى الشيء يتكمل بما أضيف إليه تكمل الموصول بصلته، والصلة لا تعمل في الموصول ولا فيما قبله، وكذا المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا فيما قبله، فلا يجوز في نحو أنا مثل ضارب زيدًا أن يتقدم زيدًا على مثل وإن كان المضاف غيرًا وقصد بها النفي جاز أن يتقدم عليها معمول ما أضيفت إليه كما يتقدم معمول المنفي بلا، فأجازوا أنا زيدًا غير ضارب كما يقال: أنا زيدًا لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "بالفعل الملغى" أي الذي يستقيم المعنى المراد بدونه وليس المراد الملغى بالمعنى المصطلح لأن ترى في البيت عامل في المفعولين وهما الضمير وحلوا فاندفع اعتراض الدنوشري. قوله: "معاود جرأة وقت الهوادي" في شواهد العيني أن صدره:
أشم كأنه رجل عبوس
وكذا في الهمع. وفي بعض نسخ الشارح جعله عجزا. والأشم من الشمم وهو التكبر. يصف الشاعر رجلا بأنه يظهر الكبر ويعاود الحرب وقت ظهور الهوادي جمع هاد: أي أعناق الخيل لأجل جرأته في الحرب. والجرأة بضم الجيم. قوله: "فلا يجوز في نحو أنا مثل إلخ" أي عند الجمهور وكذا يمتنع التقديم عندهم إذا كان المضاف لفظ أول أو حق وجوزه مع كل من الثلاثة بعض فإن كان المضاف غير مثل وأول وحق وغير امتنع التقديم اتفاقا أفاده الدماميني. قوله: "وقصد بها النفي" بأن صح حلول حرف النفي والمضارع محل غير ومخفوضها. قوله: "معمول ما أضيفت إليه" ولو كان غير ظرف أو جار ومجرور كما يدل عليه التمثيل هذا مذهب
__________
689- عجزه:
الدبران أم عسفوا الكفارا
والبيت من الوافر، وهو بلا نسبة في الدرر 5/ 50؛ وشرح التصريح 2/ 60؛ والمقاصد النحوية 3/ 490؛ وهمع الهوامع 2/ 53.
690- البيت من الوافر، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 492؛ والمقتضب 4/ 377؛ والبيت في هذين المرجعين هكذا:
أشم كأنه رجل عبوس ... معاود جرأة وقت الهوادي(2/422)
المضاف إلى ياء المتكلم:
آخر ما أضيف لليا اكسر إذا ... لم يك معتلا كرام وقذا
أو يك كابنين وزيدين فذي ... جميعها اليا بعد فتحها احتذي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أضرب. ومنه قوله:
691- إن امرأ خصني عمدًا مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور
فقدم عندي وهو معمول مكفور مع إضافة غير إليه لأنها دالة على نفي، فكأنه قال: لعندي لا يكفر. ومنه قوله تعالى: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 10] ، فإن لم يقصد بغير نفي لم يتقدم عليها معمولي ما أضيفت إليه فلا يجوز في قولك: قاموا غير ضارب زيدًا قاموا زيدًا غير ضارب لعدم قصد النفي بغير. هذا كلامه. والله أعلم.
المضاف إلى ياء المتكلم:
إنما أفرده بالذكر لأن فيه أحكامًا ليست في الباب الذي قبله أشار إلى ذلك بقوله: "آخر ما أضيف لليا اكسر" أي وجوبًا "إذا لم يك معتلا" منقوصًا أو مقصورًا "كرام وقذا أو يك" مثنى أو مجموعًا على حده "كابنين وزيدين فذي" الأربعة "جميعها" آخرها واجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السيرافي والزمخشري وابن مالك وقال ابن السراج: يمتنع تقدمه مطلقا وقيد بعضهم جواز تقدمه بكونه ظرفا أو جارا ومجرورا قاله الدماميني. قوله: "ومنه قوله تعالى إلخ" أي على أن على الكافرين متعلق بيسير ويصح تعلقه بعسير فلا يكون فيه شاهد. قوله: "غير ضارب زيدا" أي إلا شخصا ضرب زيدا. قوله: "لعدم قصد النفي بغير" أي لأنه لا يصح وضع حرف النفي والمضارع موضع غير ومجرورها فلا يقال: قاموا لا يضرب زيدا لعدم الرابط للجملة الحالية ويؤخذ منه أن المضات إليه غير لو كان جمعا نحو قاموا غير ضاربين زيدا جاز تقديم المعمول لصحة الحلول المذكور إذ يصح أن يقال: قاموا لا يضربون زيدا فجملة المضارع حال مرتبطة بالضمير كما كانت غير في المثال حالا.
المضاف إلى ياء المتكلم:
قوله: "لأن فيه أحكاما إلخ" وذلك ككسر آخره وجوبا إذا لم يكن معتلا ولا مثنى ولا جمعا على حده. قوله: "أشار إلى ذلك" أي إلى أن فيه أحكاما ليست في الباب الذي قبله. قوله: "إذا لم يك معتلا" أي بالاصطلاح النحوي وهو ما آخره حرف علة قبلها حركة مجانسة له فخرج نحو دلو وظبي كما أشار إليه الشارح بقوله منقوصا أو مقصورا. قوله: "أو يك" أي ولم يك. قوله: "فذي" مبتدأ
__________
691- البيت من البسيط، وهو لأبي زبيد الطائي في الدرر 2/ 183، 5/ 18؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 375؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 432؛ وشرح شواهد المغني 2/ 953؛ والكتاب 2/ 134؛ ولسان العرب 7/ 24 "خصص"؛ وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 404؛ ورصف المباني ص121، 234؛ وشرح عمدة الحافظ ص223؛ وشرح المفصل 8/ 65؛ ومغني اللبيب 2/ 676.(2/423)
وتدعم اليا والواو وإن ... ما قبل واو ضم فاكسره يهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السكون و"اليا بعد" أي بعدها "فتحها احتذي" أي ابتع "وتدعم اليا" من المنقوص والمثنى والمجموع على حده في حالتي جرهما ونصبها "فيه" أي في الياء المذكور يعني ياء المتكلم "و" كذا "الواو" من المجموع حال رفعه فتقول: هذا رامي ورأيت رامي ومررت برامي، ورأيت ابني وزيدي ومررت بابني وزيدي وهؤلاء زيدي. والأصل في المثنى والمجموع المنصوبين أو المجرورين ابنين لي وزيدين لي فحذفت النون واللام للإضافة ثم أدغمت الياء في الياء. والأصل في الجمع المرفوع زيدوي فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ثم قلبت الضمة كسرة لتصح الياء ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "أومخرجي هم" وقول الشاعر:
692- أودى بني وأعقبوني حسرة ... عند الرقاد وعبرة لا تقلع
هذا إذا كان ما قبل الواو مضمومًا كما رأيت وإليه أشار بقوله: "وإن ما قبل واو ضم فاكسره يهن" فإن لم ينضم بل انفتح بقي على فتحه نحو مصطفون فتقول: جاء مصطفى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجميعها تأكيد واليا مبتدأ ثان وفتحها مبتدأ ثالث واحتذى خبر المبتدأ الثالث وقوله بعد أي بعدها أي الأربعة حال من الياء أو متعلق باحتذى ويجوز جعل جميعها مبتدأ ثانيا. قوله: "آخرها واجب السكون" إنما أتى الشارح به لأنه المقابل لقول المصنف اكسر ولم يذكره المصنف مع أن كلامه أولا في آخر المضاف اكتفاء بقوله وتدغم الياء فيه والواو وقوله وألفا سلم لاستلزام ذلك تسكين الآخر. قوله: "وكذا الواو إلخ" أي بعد قلبها ياء ولم يذكره المصنف اكتفاء بأخذه من قوله وإن ما قبل واو إلخ. قوله: "فتقول هذا رامي" فرامي مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الواجب لأجل الإدغام لا الاستثقال كما هو حكمه في غير هذه الحالة كما قاله سم لعروض وجوب السكون في هذه الحالة بأقوى من الاستثقال وهو الإدغام. قوله: "فحذفت النون واللام للإضافة" هذا هو التحقيق عندي وإن اشتهر أن اللام إنما حذفت للتخفيف خلافا لمن جعل في كلام الشارح مسامحة كالبعض.
قوله: "والأصل في الجمع" أي بعد الإضافة ولم يذكر أصله قبلها اكتفاء بعلمه مما قبله. قوله: "ثم قلبت الضمة كسرة" صريح في أن هذا بعد قلب الواو ياء وهو الراجح واختار ابن جني العكس. قوله: "لتصح الياء" أي المنقلبة إليها الواو وعلامة الرفع حينئذٍ الواو المنقلبة ياء للموجب. قوله: "أودى بنيّ" أي هلكوا والعبرة بفتح العين المهملة الدمع. قوله: "هذا" أي قلب الضمة كسرة. قوله: "يهن" بضم الهاء أي يسهل النطق بالكلمة قاله الشاطبي. قوله:
__________
692- البيت من الكامل، وهو لأبي ذؤيب في خزانة الأدب 1/ 420؛ وشرح التصريح 2/ 61؛ وشرح شواهد المغني 1/ 262؛ ولسان العرب 1/ 613 "عقب"؛ والمقاصد النحوية 3/ 498؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 197.(2/424)
وألفا سلم وفي المقصور عن ... هذيل انقلابها ياء حسن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وألفا سلم" من الانقلاب سواء كانت للتثنية نحو يداي أو للمحمول على التثنية نحو ثنتاي بالاتفاق، أو آخر المقصور نحو عصاي على المشهور "وفي المقصور عن هذيل انقلابها ياء حسن" نحو عصى. ومنه قوله:
693- سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم ... فتحرموا ولكل جنب مصرح
وحكى هذه اللغة عيسى بن عمر عن قريش، وقرأ الحسن يا بشرى.
تنبيهان: الأول يستثنى مما تقدم ألف لدي وعلى الاسمية فإن الجميع اتفقوا على قلبها ياء، ولا يختص بياء المتكلم بل هو عام في كل ضمير نحو لديه وعليه ولدينا وعلينا الثاني يجوز إسكان الياء وفتحها مع المضاف الواجب كسر آخره وهو ما سوى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"انقلابها ياء" أي عوضا عما يستحقه ما قبل ياء المتكلم من الكسر فهو من نيابة حرف عن حركة في غير أبواب الإعراب ومثله لا رجلين ولا قائمين نقله يس عن ابن هشام. قوله: "سبقوا" الضمير يرجع إلى خمسة بنين للشاعر هلكوا جميعا في طاعون وهم المراد بالبنين في البيت السابق أعني أودى بنيّ إلخ. وقوله وأعنقوا لهواهم أي تبع بعضهم بعضا في الموت فتخرموا بالخاء المعجمة مبنيا للمجهول أي اخترمتهم المنية كذا في العيني فمراد الشاعر بالهوى الموت. قوله: "يستثنى مما تقدم" أي من إطلاق قوله وألفا سلم لاقتضائه سلامتها عند الجميع في غير المقصور حتى في هذه الأمور وليس كذلك. قوله: "الاسمية" قيد بذلك ليكون مما نحن فيه وهو المضاف للياء وإلا فالحرفية أيضا تقلب ألفها ياء ومثل على الاسمية إلى الاسمية على ما قاله أبو حيان سم. قوله: "اتفقوا على قلبها ياء" نظر فيه المصرح بأن بعض العرب لا يقلب كما قاله المرادي في شرح التسهيل.
قوله: "وهو ما سوى الأربع المستثنيات" لا يرد عليه نحو في وأبي وأخي على لغة رد اللام وقلبها ياء وإدغامها في ياء المتكلم وإعرابها بحركة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها السكون الواجب للإدغام لأن الثلاثة صارت في هذه الحالة من المنقوص الذي هو أحد الأربع المذكورة. وقول البعض تبعا لسم إذا وقعت هذه الثلاثة مرفوعة كان رفعها بالواو المنقلبة ياء ينافيه كون شرط إعرابها لحروف إضافتها لغير ياء المتكلم. ودفع سم المنافاة بحمل الشرط المذكور على حالة عدم رد لام هذه الأسماء عند الإضافة فيه أن هذا الحمل لا داعي إليه ولا
__________
693- البيت من الكامل، وهو لأبي ذؤيب في إنباه الرواة 1/ 52؛ والدرر 5/ 51؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 700؛ وشرح أشعار الهذليين 1/ 7؛ وشرح شواهد المغني 1/ 262؛ وشرح قطر الندى ص 191؛ وشرح المفصل 3/ 33؛ وكتاب اللامات ص98؛ ولسان العرب 15/ 372 "هوا"؛ والمحتسب 1/ 76؛ والمقاصد النحوية 3/ 493؛ وهمع الهوامع 2/ 53؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 199؛ وجواهر الأدب ص 177؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص52؛ وشرح ابن عقيل ص408؛ والمقرب 1/ 217.(2/425)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأربع المستثنيات، وذلك أربعة أشياء: المفرد الصحيح نحو غلامي وفرسي، والمعل الجاري مجراه نحو ظبيي ودلولي، وجمع التكسير نحو رجالي وهنودي، وجمع السلامة لمؤنث نحو مسلماتي. واختلف في الأصل منها فقيل: الإسكان وقيل: الفتح. وجمع بينهما بأن الإسكان أصل أول إذ هو الأصل في كل مبنى، والفتح أصل ثان إذ هو الأصل فيما هو على حرف واحد، وقد تحذف هذه الياء وتبقى الكسرة دليلا عليها وقد يفتح ما وليته فتقلب ألفًا، وربما حذفت وبقيت الفتحة دليلًا عليها. فالأول كقوله:
694- خليلي أملك مني للذي كسبت ... يدي وما لي فيما يقتنى طمع
والثاني كقوله:
695- أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى أما ويرويني النقيع
أراد إلى أمي. والثالث كقوله:
696- ولست بمدرك ما فات مني ... بلهف ولا بليت ولا لو آني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دليل من كلامهم عليه ومن ادعى ذلك فعليه البيان. قوله: "والمعل الجاري إلخ" كذا في بعض النسخ ومراده بالمعل ما آخره حرف علة لا المغير عن أصله بالفعل وإن كان هذا مصطلحهم والذي في أكثر النسخ والمعتل وهو واضح. قوله: "وقد تحذف هذه الياء" أي إن لم تكن الإضافة للتخفيف كإضافة الوصف الحالي أو الاستقبالي وإلا فلا حذف ولا قلب لأنها على تقدير الانفصال فلم تكن الياء ممازحة لما اتصلت به. قوله: "فتقلب ألفا" أي لتحركها وانفتاح ما قبلها قال سم الظاهر أن هذه الألف اسم لأنها منقلبة عن اسم فهي مضاف إليه في موضع جرّ بل قد يدعى أنها ياء المتكلم غاية الأمر أن صفتها تغيرت. قوله: "بلهف" أي بقولي يا لهف إلخ فالأصل يا لهفا.
__________
694- البيت من البسيط.
695- البيت من الوافر، وهو لنقيع بن جرموز في المؤتلف والمختلف ص195؛ ونوادر أبي زيد ص19؛ وبلا نسبة في الدرر 5/ 54؛ وشرح عمدة الحافظ ص512؛ ولسان العرب 8/ 360 "نقع"؛ والمقاصد النحوية 4/ 247؛ والمقرب 1/ 217، 2/ 206؛ وهمع الهوامع 2/ 53.
696- البيت من الوافر، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 63، 179؛ والإنصاف 1/ 390؛ وأوضح المسالك 4/ 37؛ وخزانة الأدب 1/ 131؛ والخصائص 3/ 135؛ ورصف المباني ص288؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 521، 2/ 728؛ وشرح عمدة الحافظ ص512؛ وشرح قطر الندى ص205؛ ولسان العرب 9/ 321 "لهف"؛ والمحتسب 1/ 277؛ والمقاصد النحوية 4/ 248؛ والمقرب 1/ 181، 2/ 201؛ والممتع في التصريف 2/ 622.(2/426)
إعمال المصدر:
بفعله المصدر ألحق في العمل ... مضافًا أو مجردًا أو مع أل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأما ياء المتكلم المدغم فيها فالفصيح الشائع فيها الفتح كما مر وكسرها لغة قليلة حكاها أبو عمرو بن العلاء والفراء وقطرب، وبها قرأ حمرة: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22] ، وكسر ياء عصاي الحسن وأبو عمرو في شاذ، وهو أضعف من الكسر مع التشديد.
خاتمة: في المضاف إلى ياء المتكلم أربعة مذاهب: أحدها أنه معرب بحركات مقدرة في الأحوال الثلاثة وهو مذهب الجمهور. والثاني أنه معرب في الرفع والنصب بحركة مقدرة وفي الجر بكسرة ظاهرة واختاره في التسهيل. والثالث أنه مبني وإليه ذهب الجرجاني وابن الخشاب. والرابع أنه لا معرب ولا مبني وإليه ذهب ابن جني. وكلا هذين المذهبين بين الضعف. والله أعلم.
إعمال المصدر:
"بفعله المصدر ألحق في العمل" تعديًا ولزومًا، فإن كان فعله المشتق منه لازمًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وأما ياء المتكلم المدغم فيها" هذا مقابل قوله: يجوز إسكان الياء وفتحها مع المضاف الواجب كسره آخره. قوله: "وكسرها لغة قليلة" قيل الكسر لالتقاء الساكنين وسوغ الكسر مع ثقله على الياء أن الياء إذا سكن ما قبلها كانت بمنزلة الحرف الصحيح كدلو وظبي. قوله: "وهو أضعف من الكسر مع التشديد" لعل وجهه أن الكسرة في عصاي تالية للألف وهي لا تناسب الكسرة وفي مصرخي تالية للياء وهي تناسب الكسرة. قوله: "بكسرة ظاهرة" أي خلفت كسرة المناسبة وردّ بأن الأصل بقاء ما كان قاله الدماميني. قوله: "مبني" ردّ بأنه لا مقتضى للبناء والإضافة للمبني إنما تجوّز البناء إذا توغل المضاف في الإبهام قاله يس. قوله: "لا معرب ولا مبني" وعلى هذا إذا قلت: غلامي حاضر فغلام مبتدأ في محل رفع إذ ليس الإعراب المحلي مخصوصا بالمبني هذا هو الظاهر وإن توقف فيه البهوتي وسكت عليه البعض.
إعمال المصدر:
قوله: "بفعله المصدر ألحق في العمل" اعترض بأنه يقتضي أن عمل المصدر لشبهه بالفعل وليس كذلك بل لأنه أصل الفعل كما سيصرّح بذلك الشارح وقد يدفع بمنع الاقتضاء المذكور وإنما التعبير بالإلحاق لكون الأصل في العمل للفعل فهو من إلحاق الفرع في العمل بالأصل فيه لا من إلحاق المشبه بالمشبه به مع أن الدماميني صرح بأن عمل المصدر بسبب قوة مشابهته للفعل فتأمل. قوله: "فإن كان فعله المشتق منه لازما إلخ" هذه العبارة تقتضي أن بعض الأفعال لا يتعدى بنفسه ولا بحرف الجر فيكون لازما ومصدره كذلك ومثل له ابن الناظم بحدث(2/427)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فهو لازم، وإن كان متعديًا فهو متعد إلى ما يتعدى إليه بنفسه أو بحرف جر.
تنبيه: يخالف المصدر فعله في أمرين: الأول أن في رفعه النائب عن الفاعل خلافًا ومذهب البصريين جوازه، وإليه ذهب في التسهيل. الثاني أن فاعل المصدر يجوز حذفه بخلاف فاعل الفعل وإذا حذف لا يتحمل ضميره خلافًا لبعضهم. واعلم أنه لا فرق في إعمال المصدر عمل فعله بين كونه "مضافًا أو مجردًا أو مع أل" لكن إعمال الأول أكثر نحو {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} [البقرة: 251، الحج: 40] ، والثاني أقيس نحو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا} [البلد: 14] ، وقوله:
697- بضرب بالسيوف رءوس قوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعرض وردّه شيخ الإسلام بأنه يقال حدث لفلان وعرض له كذا فالأولى التمثيل بنحو ظرف وشرف. ورد أيضا بأنه يقال: ظرف في أخلاقه وشرف في قومه وتقتضي أيضا أن المتعدي بحرف الجر يسمى متعديا بالإطلاق مع أن المتعدي بالإطلاق إنما ينصرف إلى المتعدي بنفسه فلا يشمل عند الإطلاق المتعدي بحرف الجر كما صرح به العصام وغيره وتقدم في باب تعدي الفعل ولزومه. قوله: "أن في رفعه النائب عن الفاعل خلافا" وجه المنع وهو مذهب الأخفش والشلوبين وغيرهما ما فيه من الإلباس لأنك إذا قلت مثلا: عجبت من ضرب عمرو تبادر إلى الذهن المبني للفاعل. وقال أبو حيان: يجوز إذا كان فله ملازما للبناء للمجهول كزكم لعدم الإلباس حينئذٍ فيجوز أعجبني زكام زيد فالأقوال ثلاثة حكاها في الهمع. زاد الدماميني قولا رابعا عن ابن خروف وهو الجواز إذا لم يقع لبس نحو أعجبني قراءة في الحمام القرآن وأكل الخبز وشرب الماء. ويضاف المصدر إليه على اعتقاد معنى الرفع ولذلك قال سيبويه في قولهم عجبت من إيقاع أنيابه بعضها فوق بعض أن التقدير من أن أوقعت أنيابه. قوله: "بخلاف فاعل الفعل" أي فإنه لا يجوز حذفه إلا في مسائل مرت في باب الفاعل. قوله: "وإذا حذف إلخ" استئناف مسألة لا أنه من جملة الفرق الثاني بين المصدر والفعل لأن الفعل أيضا إذا حذف فاعله لا يتحمل ضميره لأن ضمير الفاعل الذي يتحمله الفعل مستتر لا محذوف. قوله: "لا يتحمل ضميره" أي في غير المصدر النائب عن فعله أما هو كضربا زيدا فيتحمل الضمير لاستتاره فيه كما سيأتي. قوله: "أو مجردا" أي من أل والإضافة. قوله: "أقيس" أي أوفق بالقياس على الفعل في العمل لأنه لتنكيره أشبه بالفعل من المضاف والمحلي الموجود فيهما ما أبعد شبههما بالفعل وهو الإضافة وأل اللتان هما من خصائص الأسماء. قوله: "ذي مسغبة" أي مجاعة. قوله: "بضرب إلخ" تمامه كما في
__________
697- عجزه:
أزلنا هامهن عن المقيل
والبيت من الوافر وهو للمراد بن منفذ التميمي في المقاصد النحوية 3/ 499؛ وبلا نسبة في شرح أبيات سيبويه 1/ 393؛ وشرح ابن عقيل ص411؛ وشرح المفصل 6/ 16؛ والكتاب 1/ 116، 190؛ واللمع=(2/428)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإعمال الثالث قليل كقوله:
698- ضعيف النكاية أعداءه
وقوله:
699- لقد علمت أولى المغيرة أنني ... كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا
وقوله:
700- فإنك والتأبين عروة بعد ما ... دعاك وأيدينا إليه شوارع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعض النسخ:
أزلنا هامهن عن المقيل
والهام جمع هامة وهي الرأس فإضافته إلى ضمير الرؤوس للتأكيد وتطلق الهامة على جمجمة الدماغ والإضافة عليه من إضافة الجزء إلى الكل وأراد بالمقيل العنق لأنها مقيل الرأس أي مستقرة. قوله: "أولى المغيرة" أي أوائل الخيل المغيرة أي ركابها أنكل أي أعجز بتثليث الكاف وماضيه بفتحها وكسرها ومصدره النكول كذا في القاموس. ومسمع كمنبر اسم رجل. قوله: "فإنك والتأبين" هو في نسخ الشارح بموحدة بعد الهمزة فتحتية فنون وفسره البعض تبعا لبعض نسخ شواهد العيني بالمراقبة وعد في القاموس من معانيه أن تعيب الإنسان في وجهه ولعله أنسب هنا من المراقبة. وفي بعض نسخ شواهد العيني رسمه بالنون بعد الهمزة فتحتية فموحدة وتفسيره بالتعنيف فليحرر. قال البعض: وهو منصوب على أنه مفعول معه وعروة مفعول التأبين وخيران في البيت اللاحق ويروى البيت:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= ص270؛ والمحتسب 1/ 219.
698- عجزه:
يخال الفزار يراخي الأجل
والبيت من المتقارب، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 208؛ وخزانة الأدب 8/ 127؛ والدرر 5/ 252؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 394؛ وشرح التصريح 2/ 63؛ وشرح شذور الذهب ص496؛ وشرح شواهد الإيضاح ص136؛ وشرح ابن عقيل ص411؛ وشرح المفصل 6/ 59، 64؛ والكتاب 1/ 192؛ والمقرب 1/ 131؛ والمنصف 3/ 71؛ وهمع الهوامع 2/ 93.
699- البيت من الطويل، وهو للمرار الأسدي في ديوانه ص464؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 60؛ والكتاب 1/ 193؛ وللمرار الأسدي أو لزغبة بن مالك في شرح شواهد الإيضاح ص136؛ وشرح المفصل 6/ 64؛ والمقاصد النحوية 3/ 40، 501؛ ولمالك بن زغبة في خزانة الأدب 8/ 128، 129؛ والدرر 5/ 255؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص412؛ واللمع ص271؛ والمقتضب 1/ 14؛ وهمع الهوامع 2/ 93.
700- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في شرح ابن عقيل ص412؛ وشرح عمدة الحافظ ص697؛ ولسان العرب 8/ 404 "وقع"؛ والمقاصد النحوية 3/ 524.(2/429)
إن كان فعل مع أن أو ما يحل ... محله ولاسم مصدر عمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد أشار إلى ذلك في النظم بالترتيب.
تنبيه: لا خلاف في إعمال المضاف، وفي كلام بعضهم ما يشعر بالخلاف. والثاني أجازه البصريون ومنعه الكوفيون، فإن وقع بعده مرفوعه أو منصوب فهو عندهم بفعل مضمر. وأما الثالث فأجازه سيبويه ومن وافقه ومنعه الكوفيون وبعض البصريين "إن كان فعل مع أن أو ما يحل محله" أي المصدر إنما يعمل في موضعين: الأول أن يكون بدلًا من اللفظ بفعله نحو ضربًا زيدًا. وقوله:
701- فندلًا زريق المال ندل الثعالب
وقوله:
702- يا قابل التوب غفرانًا مآثم قد ... أسلفتها أنا منها خائف وجل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فما لك والتأنيب عروة بعد ما
إلخ ويروى وعاك بالواو أي حفظك بدل دعاك. وشوارع ممتدة. قوله: "وقد أشار إلى ذلك" أي إلى كون الأول أكثر والثاني كثيرا والثالث قليلا لا إلى ذلك مع كون الثاني أقيس حتى يرد اعتراض البعض بأن كلام المصنف لا يشير إلى الأقيسة. قوله: "أي المصدر إنما يعمل إلخ" لا يخفى أن الأول خارج عن عبارة المصنف فلا وجه لذكره في حيز تفسيرها. قوله: "في موضعين" أي لا في غيرهما كالمصدر المؤكد والمبين للعدد أما المبين للنوع فيعمل كما علمت من الأمثلة لأن المضاف مبين للنوع فيجوز ضربت زيدا ضرب عمرو بكرا. قوله: "بدلا من اللفظ بفعله" اختلف فيه فقيل: لا ينقاس عمله وقيل: ينقاس في الأمر والدعاء والاستفهام فقط وقيل: والإنشاء نحو حمدا لله والوعد نحو:
قالت نعم وبلوغا بغية ومني
__________
701- قبله:
يمرون بالدهنا خفافًا عيابهم ... ويرجعن من دارين بحر الحقائب
على حين ألهى الناس جل أمورهم
والبيتان من الطويل وهما أو أحدهما لأعشى همدان في الحماسة البصرية 2/ 262، 263؛ ولشاعر من همدان في شرح أبيات سيبويه 1/ 371، 372؛ ولأعشى همدان أو للأحوص أو لجرير في المقاصد النحوية 3/ 46؛ وهما في ملحق ديوان الأحوص ص215؛ وملحق ديوان جرير ص1021؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص293؛ وأوضح المسالك 2/ 218؛ وجمهرة اللغة ص682؛ والخصائص 1/ 120؛ وسر صناعة الإعراب ص507؛ وشرح التصريح 1/ 331؛ وشرح ابن عقيل ص 289؛ والكتاب 1/ 115؛ ولسان العرب 9/ 70 "خشف"، 11/ 653 "ندل".
702- البيت من البسيط.(2/430)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فزيدًا والمال ومآثم نصب بالمصدر لا بالفعل المحذوف على الأصح. والثاني أن يصح تقديره بالفعل مع الحرف المصدري بأن يكون مقدرًا بأن والفعل أو بما والفعل، وهو المراد هنا فيقدر بأن إذا أريد المضي أو الاستقبال نحو عجبت من ضربك زيدًا أمس أو غدًا، والتقدير من أن ضربت زيدًا أمس أو من أن تضربه غدًا. ويقدر بما إذا أريد الحال نحو عجبت من ضربك زيدًا الآن أي مما تضربه.
تنبيهات: الأول ذكر في التسهيل مع هذين الحرفين أن المخففة نحو علمت ضربك زيدًا، فالتقدير علمت أن قد ضربت زيدًا فأن مخففة لأنها واقعة بعد علم، والموضع غير صالح للمصدرية. الثاني ظاهر قوله إن كان أن ذلك شرط لازم وقد جعله في التسهيل غالبًا. وقال في شرحه: وليس تقديره بأحد الثلاثة شرطًا في عمله، ولكن الغالب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والتوبيخ نحو:
وفاقا بنى الأهواء والغي والهوى
قوله: "وجل" أي خائف فهو توكيد لما قبله. قوله: "نصب بالمصدر" واختلف في ناصب المصدر ففي الإيضاح أنه مفعول به عند سيبويه أي ألزم ضربا وغيره يراه منصوبا باضرب. ا. هـ. دماميني ومنه يعلم أن كون هذا المصدر بدلا من اللفظ بفعله إنما يظهر على مذهب غير سيبويه. قوله: "ويقدر بما إلخ" إنما خص تقدير ما بإرادة الحال مع صحة تقديرها عند إرادة الماضي والاستقبال أيضا إيثارا للأدل على المضي مع الماضي وعلى الاستقبال مع المضارع وهو أن لأنها مع الماضي للمضي ومع المضارع للاستقبال بخلاف ما فإنها صالحة للأزمنة الثلاثة مطلقا كما أفاده شارح الجامع. فاندفع اعتراض الدماميني وتبعه البعض بأن مقتضى كلامهم أن ما لا تقدر مع الماضي والمستقبل وليس كذلك بل يجوز تقديرها مع كل من الثلاثة. قوله: "أن المخففة" قد يقال قول الناظم مع أن يشملها والذي دعاه في التسهيل لذكر أن المخففة جعله المصدرية قسيمة لها على أن تقدير ما سائغ بعد أفعال العلم. قوله: "نحو علمت ضربك زيدا" إما أن تكون علمت في المثال بمعنى عرفت فيكفيها مفعول واحد وإما أن تكون المتعدية إلى مفعولين فيكون الثاني محذوفا تقديره حاصلا مثلا أو يقال: المصدر المقدر بأن المخففة يسد مسد المفعولين كما أنها كذلك فتدبر. قوله: "والموضع غير صالح للمصدرية" أي لأنها لا تقع بعد العلم ولا تسد مسد مفعوليه. ا. هـ. سم. قوله: "وقد جعله في التسهيل غالبا" عبارته فيه والغالب إن لم يكن بدلا من اللفظ بالفعل تقديره به بعد أن المخففة والمصدرية أو ما أختها. ا. هـ. قوله: "وليس تقديره إلخ" أي بدليل عمله مع امتناع التقدير بذلك في نحو ضربي زيدا قائما وإن إكرامك زيدا حسن، وكان تعظيمك زيدا حسنا ولا إعراض عن أحد إلا أن يقال: التقدير سائغ في الأصل وإن امتنع لعارض وقوعه في هذه المواضع التي التزمت فيها العرب عدم وقوع الحرف المصدري والفعل لأنهم كما قاله الدماميني لا يقولون إن اضرب زيد قائما ولا يوقعون أن وصلتها بعد إن إلا(2/431)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن يكون كذلك. ومن وقوعه غير مقدر بأحدها قول العرب: سمع أذني أخاك يقول ذلك الثالث لإعمال المصدر شروط ذكرها في غير هذا الكتاب. أحدها أن يكون مظهرًا فلو أضمر لم يعمل خلافًا للكوفيين وأجاز ابن جني في الخصائص والرماني إعماله في المجرور وقياسه في الظرف. ثانيها أن يكون مكبرًا فلو صغر لم يعمل. ثالثها أن يكون غير محدود فلو حد بالتاء لم يعمل. وأما قوله:
703- يحابي به الجلد الذي هو حازم ... بضربة كفيه الملا نفس راكب
فشاذ. رابعها أن يكون غير منعوت قبل تمام عمله فلا يجوز أعجبني ضربك المبرح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مفصولة بالخبر ونحوه نحو: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [طه: 118] ، ومثل إن كان ولا يوقعون الحرف المصدري وصلته بعد لا غير المكررة أو يقال اللفظ الذي يقدر به لفظ آخر لا يلزم صحة النطق به مكانه كما ذكره الدماميني وشارح الجامع.
قوله: "سمع أذني أخاك يقول ذلك" حال كالحال في ضربي العبد مسيئا فالتقدير سمع أذني أخاك حاصل إذ كان أو إذا كان، فصاحب الحال ضمير الفعل المحذوف لا الأخ وإن زعمه البعض. وإنما لم يكن المصدر هنا مقدرا بما أو أن المخففة لاشتراط أن يسبقهما أو المصدر المقدر بهما شيء ولم يوجد، وإنما لم يكن مقدرا بأن المصدرية لأن المراد الإخبار بأن سمع أذنه قول أخيه حاصل وأن تقتضي أنه سيحصل لأنها تخلص المضارع للاستقبال كذا قال البعض، وفيه نظر إذ تقدير أن والماضي لا يقتضي أن السمع سيحصل فتدبر. قوله: "فلو أضمر لم يعمل" لضعفه بالإضمار بزوال حروف الفعل فلا يجوز على الأصح مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح. وتوقف البهوتي هل هذا الخلاف في ضمير اسم الفاعل أيضا نحو مكرم زيدا عالم وهو بكرا جاهل أو يعمل اتفاقا أو لا يعمل اتفاقا. وقول الدماميني لم أرَ أحدا حكى إجازة إعمال اسم الفاعل مضمرا يمنع الاحتمال الثاني ويضعف الأول ويقوي الثالث. قوله: "فلو صغر لم يعمل" لخروجه بالتصغير عن الصيغة التي هي أصل الفعل وقيل يعمل مصغرا ويوافقه رويدا زيدا. قوله: "غير محدود" أي دال على المرة. قوله: "فلو حد بالتاء" أي تاء الوحدة لم يعمل لأن صيغته حينئذٍ ليست الصيغة التي هي أصل الفعل فلو كانت التاء في أصل بناء المصدر كرحمة ورغبة ورهبة عمل كما قاله الشاطبي لعدم الوحدة حينئذٍ فلا يكون محدودا. قوله: "يحابي" أي يحيى به أي بالماء والجلد بفتح الجيم وسكون اللام القوي فاعل، والحازم الضابط والملا مقصور هو التراب. والشاهد في نصبه بضربة ونفس مفعول يحابي يصف الشاعر مسافرا معه ماء فتيمم وأحيا بالماء نفس راكب كاد يموت عطشا.
قوله: "أن يكون غير منعوت إلخ" أي لأن النعت من خصائص الأسماء المبعدة عن الفعل
__________
703- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في حاشية يس 2/ 62؛ والدرر 5/ 243؛ وشرح قطر الندى ص263؛ والمقاصد النحوية 3/ 527.(2/432)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيدًا لأن معمول المصدر بمنزلة الصلة من الموصول فلا يفصل بينهما، فإن ورد ما يوهم ذلك قدر فعل بعد النعت يتعلق به المعمول المتأخر. فلو نعت بعد تمامه لم يمنع. والأولى أن يقال: غير متبوع بدل غير منعوت لأن حكم سائر التوابع حكم النعت في ذلك. خامسها أن يكون مفردًا. وأما قوله:
704- قد جربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا
فشاذ. وليس من الشروط كونه بمعنى الحال أو الاستقبال لأن يعمل لا لشبهه بالفعل بل لأنه أصل الفعل، بخلاف اسم الفاعل فإنه يعمل لشبهه بالمضارع فاشترط كونه حالًا أو مستقبلًا لأنهما مدلولا المضارع "ولاسم مصدر عمل" واسم المصدر هو ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه وخالفه بخلوه لفظًا وتقديرًا دون عوض من بعض ما في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما لم يؤثر بعد تمام العمل لضعفه بتأخره عن استقرار العمل. قوله: "قبل تمام عمله" أي بذكر سائر متعلقاته. قوله: "بمنزلة الصلة من الموصول" إنما قال بمنزلة نظرا إلى حال التصريح بالمصدر لأن المعمول في حال التصريح به ليس صلة ولا جزء صلة وإن كان بعد تقدير المصدر بأن أوما والفعل جزء صلة فلا حاجة لما قيل هنا من التكلف نعم كان الأولى أن يقول بمنزلة جزء الصلة كما علم من تقريرنا. قوله: "فلا يفصل بينهما" أي بالنعت وكذا غيره من التوابع كما سيصرح به الشارح وبالأولى الأجنبي ولهذا لا يصح أن يكون يوم في قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 8، 9] ، معمولا لرجع للفضل بالخبر كما سيذكره الشارح في الخاتمة. قوله: "أن يكون مفردا" أي لأن تثنيته وجمعه يخرجانه عن صيغه الأصلية التي هي أصل الفعل. وجوز عمله مجموعا جماعة منهم ابن عصفور والناظم. وبقي من الشروط تقدمه على معموله فلا يجوز أعجبني زيدا ضرب عمرو. نعم جوز بعضهم تأخره عن معموله إذا كان بدلا من اللفظ بفعله نحو زيدا ضربا أو كان المعمول ظرفا وهو الراجح وبقي منها أيضا ذكره فلا يعمل محذوفا على الأصح كما في الهمع وغيره. قوله: "تجاربهم" بكسر الراء جمع تجربة. والفنع بالفاء والنون المفتوحتين والعين المهملة الخير والكرم والفضل والثناء.
قوله: "ولاسم مصدر عمل" أي مضافا أو مجردا أو مع أل كما أفاده سم. قوله: "في الدلالة على معناه" أي معنى المصدر وهو الحدث وبهذا خرج نحو الدهن والكحل بضم أولهما فإن كلا منهما وإن اشتمل على حروف الفعل لم يدل على الحدث بل على ذات. ومقتضى عبارته أن موضوع اسم المصدر الحدث كالمصدر والذي يدل عليه قولنا اسم مصدر وجزم به ابن يعيش وأبو حيان وغيرهما وصوبه بعضهم أن مضوعوعه المصدر نفسه. قوله: "دون عوض"
__________
704- البيت من البسيط، وهو للأعشى في ديوانه ص159؛ وتذكرة النحاة ص463؛ وشرح عمدة الحافظ ص694؛ ولسان العرب 1/ 261 "جرب"، 8/ 257 "فنع"؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 394؛ والخصائص 2/ 208.(2/433)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فعله كذا عرفه في التسهيل، فخرج نحو قتال فإنه خلا من ألف قاتل لفظًا لا تقديرًا ولذلك نطق بها في بعض المواضع، نحو قاتل قيتالًا وضارب ضيرابًا، لكنها انقلبت ياء لانكسار ما قبلها، ونحو عدة فإنه خلا من واو وعد لفظًا وتقديرًا، ولكن عوض منها التاء فهما مصدران لا اسما مصدر بخلاف الوضوء، والكلام من قولك توضأ وضوءًا وتكلم كلامًا فإنهما اسما مصدر لا مصدران لخلوهما لفظًا وتقديرًا من بعض ما في فعلهما، وحق المصدر أن يتضمن حروف فعله بمساواة نحو توضأ توضؤا، وبزيادة نحو أعلم إعلامًا. ثم اعلم أن اسم المصدر على ثلاثة أنواع: علم نحو يسار وفجار وبرة وهذا لا يعمل اتفاقًا وذي ميم مزيدة لغير مفاعلة كالمضرب والمحمدة. وهذا كالمصدر اتفاقًا. ومنه قوله:
705- أظلوم إن مصابكم رجلًا ... أهدى السلام تحية ظلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
متعلق بخلوه. قوله: "ما في فعله" أي من الحروف أصلية أو زائدة كما يؤخذ مما بعده. قوله: "ونحو عدة إلخ" أي ونحو تعليما وتسليما فإن التاء عوض عن إحدى اللامين. وأما المدة التي قبل الآخر فليست للتعويض بدليل ثبوتها في المصدر حيث لا تعويض كالانطلاق والإكرام والاستخراج. فعلم من ذلك أن العوض قد يكون آخرا وقد يكون أولا. قوله: "لخولهما لفظا وتقديرا" أي من غير عوض كما يفهم مما قدمه. قوله: "من بعض ما في فعلهما" أي وهو التاء وأحد حرفي التضعيف والمدة فيهما ليست عوضا لما علمت. قوله: "بمساواة إلخ" فإن نقص عن فعله فإن عوض عن الناقص أو قدر فيه فمصدر وإلا فاسم مصدر كما علم. قوله: "علم" قال في الهمع: اسم المصدر العلم لا يضاف ولا يقبل أل ولا يقع موقع الفعل ولا يقصد به الشياع ولا يوصف. قوله: "نحو يسار وفجار وبرة" الأول علم لليسر مقابل العسر. والثاني علم للفجور. والثالث علم للبر. واعترض البعض جعل الأخيرين اسم مصدر بانطباق تعريف المصدر عليهما وهو إنما يتجه على أن فعلهما فجر وبر وهو الظاهر الذي يدل عليه قولهم بمعنى الفجور والبر. أما إذا كان فعلهما أفجره وأبره أي صيره ذا فجور وذا بر فلا.
قوله: "وهذا لا يعمل اتفاقا" أي وإن كان ظاهر إطلاق المتن عمله، إلا أن يقال كلام الناظم مقيد بما قيد به المصدر من كونه يصلح في موضعه أن أو ما والفعل واسم المصدر العلم ليس كذلك. ويشكل عليه أن مصابكم رجلا لأن ما بعد أن لا يقدر بالحرف المصدري والفعل ويجاب بما تقدم من أن ذلك سائغ في الأصل وإن عرض منعه بوقوع المصدر اسم إن، أو أن اللفظ المقدر به لفظ آخر لا يلزم صحة النطق به كما مر بيانه. قوله: "وذي ميم مزيدة لغير مفاعلة" تبع فيه ابن الناظم والتوضيح. والذي في كلام غيرهم كابن هشام في شرح الشذور أنه
__________
705- البيت من الكامل، وهو للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه ص91؛ والاشتقاق ص99، 151؛ والأغاني 9/ 225؛ وخزانة الأدب 1/ 454؛ والدرر 5/ 258؛ ومعجم ما استعجم ص504؛ وللعرجي في ديوانه ص193؛ ودرة الغواص ص96؛ ومغني اللبيب 2/ 538؛ وللحارث أو للعرجي في إنباه الرواة 1/=(2/434)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والاحتراز بغير مفاعلة من نحو مضاربة من قولك ضارب مضاربة فإنها مصدر، وغير هذين وهو مراد الناظم فيه خلاف، فمنعه البصريون وأجازه الكوفيون والبغداديون ومنه قوله:
706- أكفرا بعد رد الموت عني ... وبعد عطائك المائة الرتاعا
وقوله:
707- بعشرتك الكرام تعد منهم
وقوله:
708- قالوا كلامك هندًا وهي مصغية ... يشفيك قلت صحيح ذاك لو كانا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر لا اسم مصدر بل سيأتي في كلامه أيضا في آخر أبنية المصادر أن نحو مصاب مما جاء فيه المصدر على صيغة اسم المفعول. وهذا مما يقتضيه التعريف السابق. قوله: "والمحمدة" بفتح الميم الأولى وكسر الثانية بمعنى الحمد قاله المصرح، وسيأتي في آخر أبنية المصادر أن في الميم الثانية الفتح وأنه القياس. قوله: "أظلوم" الهمزة للنداء ومصابكم مصدر ميمي بمعنى أصابتكم مضاف إلى فعله، ورجلا مفعوله وجملة أهدى السلام نعت له، وتحية مفعول مطلق على حد قعدت جلوسا، وظلم خبر إن. قوله: "وغير هذين" أي العلم وذي الميم المزيدة لغير مفاعلة. قوله: "وهو مراد الناظم" هذه دعوى بلا دليل، إذ الظاهر أن ذا الميم الزائدة لغير مفاعلة على كونه اسم مصدر كما درج عليه الشارح هنا داخل تحت كلام المصنف ومراد له فتدبر. قوله: "المائة الرتاعا"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= 284؛ وشرح التصريح 2/ 64؛ وشرح شواهد المغني 2/ 892؛ والمقاصد النحوية 3/ 502؛ ولأبي دهيل الجمحي في ديوانه ص66؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 226؛ وأوضح المسالك 3/ 210؛ وشرح شذور الذهب ص527؛ وشرح عمدة الحافظ ص731 ومجالس ثعلب ص270؛ ومراتب النحويين ص127؛ وهمع الهوامع 2/ 94.
706- البيت من الوافر، وهو للقطامي في ديوانه ص37؛ وتذكرة النحاة ص456؛ وخزانة الأدب 8/ 136، 137؛ والدرر 3/ 62؛ وشرح التصريح 2/ 64؛ وشرح شواهد المغني 2/ 849؛ وشرح عمدة الحافظ ص695؛ ولسان العرب 8/ 38 "عطا"، 9/ 141 "رهف"؛ ومعاهد التنصيص 1/ 179؛ والمقاصد النحوية 3/ 505؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 411؛ وأوضح المسالك 3/ 211؛ والدرر 5/ 262؛ وشرح شذور الذهب ص528؛ وشرح ابن عقيل ص414؛ ولسان العرب 8/ 163؛ "سمع"، 15/ 138 "غنا"؛ وهمع الهوامع 1/ 188، 2/ 95.
707- عجزه:
فلا ترين لغيرهم الوفاء
والبيت من الوافر، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 527.
708- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص34.(2/435)
وبعد جره الذي أضيف له ... كمل بنصب أو برفع عمله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
709- لأن ثواب الله كل موحد ... جنانًا من الفردوس فيها يخلد
وقول عائشة -رضي الله عنها: من قبلة الرجل زوجته الوضوء.
تنبيه: إعمال اسم المصدر قليل. وقال الصيمري: إعماله شاذ وقد أشار الناظم إلى قلته بتنكير عمل "وبعد جره الذي أضيف له كمل بنصب أو برفع عمله" اعلم أن للمصدر المضاف خمسة أحوال: الأول أن يضاف إلى فاعله ثم يأتي مفعوله نحو: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} [البقرة: 251، الحج: 40] . الثاني عكسه نحو أعجبني شرب العسل زيد. ومنه قوله:
710- قرع القواقيز أفواه الأباريق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بكسر الراء أي الراتعة من الإبل. قوله: "جنانا" مفعول ثان لثواب. قوله: "قليل" أي وإن كان قياسيا كما يؤخذ من المقابلة. قوله: "كمل بنصب أو برفع عمله" أي إن أردت التكميل كما سيذكره الشارح فالأمر للإباحة لا للوجوب، ولا يرد وجوب التكميل بالمنصوب في باب ظن إذا لم يدل عليه دليل لظهور استثنائه بقرينة قول المصنف في باب ظن:
ولا تجز هنا بلا دليل ... سقوط مفعولين أو مفعول
فاندفع ما أطالوا به هنا. وأو مانعة خلوّ فتجوز الجمع فتدخل صورة إضافة المصدر للظرف وتكميله بالرفع والنصب معا. قوله: "خمسة أحوال" هذه الأحوال التي ذكرها ظاهرة في مصدر المتعدي لواحد أما مصدر المتعدي لاثنين أو ثلاثة فتجوز إضافته لكل من مفعوليه أو مفاعيله ولفاعله وللظرف المتسع فيه. وأما مصدر اللازم فتجوز إضافته لفاعله وللظرف وترك ذلك لعلمه بالمقايسة. قوله: "قرع القوافيز إلخ" صدره:
__________
709- البيت من الطويل، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص339؛ والدرر 5/ 263؛ وشرح عمدة الحافظ ص694؛ ولسان العرب 6/ 164 "فردوس"؛ وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص529؛ وهمع الهوامع 2/ 95.
710- صدره:
أفنى بلادي وما جمعت من نشب
والبيت من البسيط، وهو للأقيشر الأسدي في ديوانه ص60؛ والأغاني 11/ 259؛ وخزانة الأدب 4/ 491؛ والدرر 5/ 256؛ وشرح التصريح 2/ 64؛ وشرح شواهد المغني 2/ 891؛ والشعر والشعراء ص565؛ ولسان العرب 5/ 396 "ققز"؛ والمؤتلف والمختلف ص56؛ والمقاصد النحوية 3/ 508؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص338؛ والإنصاف 1/ 233؛ وأوضح المسالك 3/ 212؛ وشرح شذور الذهب ص493؛ واللمع ص271؛ ومغني اللبيب 2/ 536؛ والمقتضب 1/ 21؛ والمقرب 1/ 130؛ وهمع الهوامع 2/ 94.(2/436)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
711- نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
وليس مخصوصًا بالضرورة خلافًا لبعضهم ففي الحديث "حج البيت من استطاع إليه سبيلا"، أي وأن يحج البيت المستطيع لكنه قليل. الثالث أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أفنى تلادي وما جمعت من نشب التلاد
بكسر الفوقية المبدلة من الواو. والتليد كأمير المال القديم وضده الطارف والطريف. والنشب بفتح النون والشين المعجمة المال الثابت كالدار. والقوافيز بقافين وزاي معجمة جمع قاقوزة وهي القدح التي يشرب فيها الخمر. وأفواه بالرفع فاعل قرع. قوله: "نفي الدراهيم" صدره:
تنفى يداها الحصى في كل هاجرة
الضمير للناقة والهاجرة وقت اشتداد الحر، وذلك منتصف النهار. ونفي مفعول مطلق والدراهيم جمع درهام لغة في الدرهم فالياء ليست للإشباع بل هي منقلبة عن ألف المفرد بخلاف ياء الصياريف جمع صيرف. وتنقاد مصدر على تفعال بفتح التاء بمعنى نقد وهو مرفوع فاعل نفي. قوله: "ففي الحديث إلخ" عدل عن الاستدلال بآية، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] ، لعدم تعين من استطاع فيها للفاعلية لاحتمال كونه بدلا من الناس بدل بعض من كل حذف رابطه لفهمه أي من استطاع منهم وإن أورد عليه لزوم الفصل بين البدل والمبدل منه بأجنبي وهو المبتدأ وأن يكون مبتدأ خبره محذوف أي فعليه أن يحج، أو شرطية جوابها محذوف أي فليحج ولما أورد على جعل من استطاع فاعلا للمصدر من فساد المعنى لأن المعنى حينئذٍ ولله على الناس مستطيعهم وغير مستطيعهم أن يحج البيت المستطيع فيلزم تأثيم جميع الناس بتخلف مستطيع عن الحج مع أن حج كل مستطيع ليس على غير نفسه قطعا. وأجيب عنه بأن الفساد مبني على كون أل في الناس للاستغراق وليس كذلك بل للعهد الذكرى لأن حج مبتدأ ورتبة المبتدأ مع متعلقاته التقديم، فالمعنى حج المستطيعين البيت
__________
711- صدره:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة
والبيت من البسيط، وهو للفرزدق في الإنصاف 1/ 27؛ وخزانة الأدب 4/ 424، 426؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 25؛ وشرح التصريح 2/ 371؛ والكتاب 1/ 28؛ ولسان العرب 9/ 190 "صرف"؛ والمقاصد النحوية 3/ 521؛ وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أسرار العربية ص45؛ والأشباه والنظائر 2/ 29؛ وأوضح المسالك 4/ 376؛ وتخليص الشواهد ص169؛ وجمهرة اللغة ص741؛ ورصف المباني ص12، 446؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 769؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1477؛ وشرح ابن عقيل ص416؛ وشرح قطر الندى ص268؛ ولسان العرب 1/ 683 "قطرب"، 2/ 295 "سحج"، 3/ 425 "نقد"، 8/ 211 "صنع"، 12/ 199 "درهم"، 15/ 338 "نفي"؛ والمقتضب 2/ 258؛ والممتع في التصريف 1/ 205.(2/437)
وجر ما يتبع ما جر ومن ... راعى في الاتباع المحل فحسن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يضاف إلى الفاعل ثم لا يذكر المفعول نحو: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ} [التوبة: 114] ، {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40] ، الرابع نحو: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} [فصلت: 49] . الخامس أن يضاف إلى الظرف فيرفع وينصب كالمنون نحو أعجبني انتظار يوم الجمعة زيد عمرًا.
تنبيه: قوله: كمل ينصب إلى آخره يعني إن أردت، لما عرفت من أنه لا غير لازم "وجر ما يتبع ما جر" مراعاة للفظه وهو الأحسن "ومن راعى في الاتباع المحل فحسن" فالمضاف إليه المصدر إن كان فاعلًا فمحله رفع وإن كان مفعولًا فمحله إن قدر بأن وفعل الفعل، ورفع إن قدر بأن وفعل المفعول، فتقول: عجبت من ضرب زيد الظريف بالرفع. ومنه قوله:
712- حتى تهجر في الرواح وهاجها ... طلب المعقب حقه المظلوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأجب لله على هؤلاء المستطيعين. من المغني والدماميني عليه. قوله: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ} أي ربه.
قوله: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} أي إياك. قوله: "فيرفع وينصب" أي مع ذكر المرفوع والمنصوب أو أحدهما أو حذفهما. قوله: "لما عرفت" أي من بيان الأحوال الخمسة إذ في بعضها حذف المفعول وفي بعضها حذف الفاعل قال الدماميني لنا صورة يلزم فيها ذكر المرفوع بالمصدر وهي ما إذا كان اسما للكون ونحوه من مصادر الأفعال الناقصة لأن عدم ذكره يفضي إلى بقاء الخبر بلا مخبر عنه كما لو قلت يعجبني كون قائم بحذف المرفوع. ا. هـ. قوله: "وجر ما يتبع ما جر" أي جر تابع المجرور الذي هو ما أضيف إليه المصدر ومحل جر التابع ما لم يمنع منه مانع كما في التسهيل قال الدماميني: كما في أعجبني إكرامك وزيد فإن جر التابع يؤدي إلى العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض وهو ممنوع. ا. هـ. ولا يخفى أنه إنما يظهر على مذهب غير الناظم لا على مذهبه من جواز العطف بلا إعادة الخافض. قوله: "فحسن" أي فهو يعني ما ذكر من مراعاة المحل حسن أو فرأيه حسن أو نحو ذلك. قوله: "حتى تهجر إلخ" حتى غائية وتهجر سار في الهاجرة، وضميره للحمار الوحشي، والرواح ما بين الزوال والليل. وهاجها أثارها في طلب الماء والضمير لأتان كانت مرافقة لذلك الحمار الوحشي. وطلب
__________
712- البيت من الكامل، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص128؛ والإنصاف 1/ 223؛ وخزانة الأدب 2/ 242، 245، 8/ 134؛ والدرر 6/ 118؛ وشرح التصريح 2/ 65؛ وشرح شواهد الإيضاح ص133؛ وشرح المفصل 6/ 66؛ ولسان العرب 1/ 614؛ والمقاصد النحوية 3/ 512؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 214؛ وجمهرة اللغة ص364؛ وخزانة الأدب 8/ 134؛ وشرح ابن عقيل ص417؛ وشرح المفصل 2/ 42، 46؛ وهمع الهوامع 2/ 145.(2/438)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فرفع المظلوم على الاتباع لمحل المعقب. وقوله:
713- السالك الثغرة اليقظان سالكها ... مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل
الفضل اللابسة ثوب الخلوة، وهو نعت للهلوك على الموضع لأنها فاعل المشي. وتقول: عجبت من أكل الخبز واللحم فالجر على اللفظ والنصب على المحل كقوله:
714- قد كنت داينت بها حسانًا ... مخافة الإفلاس والليانا
ولو قلت: واللحم بالرفع جاز على معنى من أكل الخبز واللحم.
تنبيه: ظاهر كلامه جواز الاتباع على المحل في جميع التوابع وهو مذهب الكوفيين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المعقب مفعول مطلق لهاج مضاف إلى فاعله وهو المعقب بكسر القاف الغريم الطالب من عقب في الأمر إذا طلبه مجددا. وحقه مفعول المصدر. والمظلوم بالرفع مصدر نعت للمعقب على محله.
قوله: "السالك" خبر بعد خبر لأنت في بيت قبله. والثغرة بضم المثلثة وسكون الغين المعجمة الثنية المخوفة بالنصب على المفعوليه للسالك وبالجر على إضافة السالك واليقظان نعت سببي للثغرة ففيه أيضا الوجهان. ومشى الهلوك مفعول مطلق لمحذوف أي يمشي مشي الهلوك كما قاله العيني وتبعه البعض. ولك أن تجعله عامله السالك على حد قعدت جلوسا. والهلوك بفتح الهاء وضم اللام آخره كاف المرأة الفاجرة. وجملة عليها الخيعل حال. والخيعل بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية وفتح العين المهملة قميص لا كم له. وقيل قميص قصير. والفضل بضم الفاء والضاد المعجمة اللابسة ثوب الخلوة على ما في الشرح نعت للهلوك على محله. وفي شرح الهذليات أنه الخيعل لبس تحت إزار، قال العيني: هذا هو الصحيح وعليه هو صفة للخيعل فلا يكون فيه شاهد. قوله: "قد كنت داينت بها إلخ" الضمير للقنية أي أخذتها في دين لي على حسان. والليان بفتح اللام أكثر من كسرها المطل.
__________
713- البيت من البسيط، وهو للمتنخل الهذلي في تذكرة النحاة ص346؛ وخزانة الأدب 5/ 11؛ وشرح أشعار الهذليين 3/ 1281؛ والشعر والشعراء 2/ 665؛ ولسان العرب 11/ 210 "حفل"، 11/ 526 "فضل"؛ والمعاني الكبير ص543؛ والمقاصد النحوية 3/ 516؛ وللهذلي في الخصائص 2/ 167؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 611؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 101، 103؛ والدرر 3/ 60، 6/ 189؛ وشرح عمدة الحافظ ص701؛ وهمع الهوامع 1/ 187، 2/ 145.
714- الرجز لرؤية في ملحق ديوانه ص187؛ والكتاب 1/ 191، 192؛ ولزيادة العنبري في شرح التصريح 2/ 65؛ وشرح المفصل 6/ 65؛ وله أو لرؤبة في الدرر 6/ 190؛ وشرح شواهد الإيضاح ص131؛ وشرح شواهد المغني 2/ 869؛ والمقاصد النحوية 3/ 520؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 215؛ وخزانة الأدب 5/ 102؛ وشرح ابن عقيل ص418؛ وشرح المفصل 6/ 69؛ ومغني اللبيب 2/ 476؛ وهمع الهوامع 2/ 145.(2/439)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وطائفة من البصريين. وذهب سيبويه ومن وافقه من أهل البصرة إلى أنه لا يجوز الاتباع على المحل. وفصل أبو عمرو فأجاز في العطف والبدل ومنع في التوكيد والنعت، والظاهر الجواز لورود السماع، والتأويل خلاف الظاهر.
خاتمة: قد تقدمت الإشارة إلى أن المصدر المقدر بالحرف المصدري والفعل مع معموله كالموصول مع صلته، فلا يتقدم ما يتعلق به عليه كما لا يتقدم شيء من الصلة على الموصول، ولا يفصل بينهما بأجنبي كما لا يفصل بين الموصول وصلته، وأنه إن ورد ما يوهم ذلك أول. فما يوهم التقدم قوله:
715- وبعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان
فليت اللام من قوله للذلة متعلق بإذعان المذكور بل بمحذوف قبلها يدل عليه المذكور. والتقدير وبعض الحلم عند الجهل إذعان للذلة إذعان. وهذا التقدير نظير ما في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "أنه لا يجوز الاتباع على المحل" أي اتباع مجرور المصدر ومثله الوصف كاسم الفاعل لاشتراط سيبويه ومن وافقه في مرعاة المحل وجود المحرز وهو مفقود هنا لأن الاسم المشبه للفعل لا يعمل في كلمة رفعا أو نصبا إلا إذا كان محلى بأل أو منوّنا أو مضافا إلى غير تلك الكلمة وغير متبوعها. قاله الشمني. قوله: "فأجاز في العطف والبدل إلخ" لعل وجه الفرق أن البدل على نية تكرار العامل والعاطف ثائم مقام إعادة فيكونان أقوى مما بعدهما. قوله: "والتأويل" أي بجعل المرفوع فاعلا لمحذوف والمنصوب مفعولا لمحذوف خلاف الظاهر لأن الأصل عدم الحذف. قوله: "المقدر بالحرف المصدري والفعل" سيأتي مقابله في آخر الباب أما المصدر الآتي بدلا من اللفظ بفعله. قوله: "فلا يتقدم ما يتعلق به عليه" قال الرضي: أنا لا أرى منعا من تقديم معموله عليه إذا كان ظرفا أو شبهه. قال الله تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} [النور: 2] ، وقال: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102] ، ومثله في كلامهم كثير والتأويل تكلف وليس كل مقدر بشيء حكمه حكم ما قدر به. ا. هـ. ومما أول به الآيتان جعل الظرف متعلقا بمحذوف حال من المصدر. قوله: "بأجنبي" هو ما ليس متعلقا بالمصدر ولا متمما له كالمبتدأ والخبر وفاعل غير المصدر ومفعوله وغير الأجنبي ما هو متعلق به ومتمم له كفاعل المصدر ومفعوله والظرف والمجرور المتعلقين به فلا يجوز ضربي حسن زيدا في الدار، ويجوز ضربي زيدا في الدار حسن كغير الأجنبي الجملة المعترضة فيجوز الفصل بها لأنهم أجروها مجرى غير الأجنبي.
__________
715- البيت من الهزج، وهو للفند الزماني "شهل بن شيبان" في أمالي القالي 1/ 260؛ وحماسة البحتري ص56؛ وخزانة الأدب 3/ 431؛ والدرر 5/ 250؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص38؛ وشرح شواهد المغني 2/ 944؛ والمقاصد النحوية 3/ 122؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 147؛ وهمع الهوامع 2/ 93.(2/440)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نحو: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20] ، ومما يوهم الفصل بأجنبي قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطلاق: 9] ، فليس يوم منصوبًا يرجعه كما زعم الزمخشري، وإلا لزم الفصل بأجنبي بين مصدر ومعموله والإخبار عن موصول قبل تمام صلته. والوجه الجيد أن يقدر ليوم ناصب والتقدير يرجعه {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطلاق: 9] ، ومنه أيضًا قوله:
716- المن للذم داع بالعطاء فلا ... تمنن فتلفى بلا حمد ولا مال
فليست الباء الجارة للعطاء متعلقة بالمن ليكون التقدير المن بالعطاء داع للذم وإن كان المعنى عليه لفساد الإعراب لأنه يستلزم المحذورين المذكورين. فالمخلص من ذلك تعلق الباء بمحذوف. كأنه قيل المن للذم داع المن بالعطاء. فالمن الثاني بدل من المن الأول فحذف وأبقى ما يتعلق به دليلًا عليه. أما المصدر الآتي بدلًا من اللفظ بفعله. فالأصح أنه مساوٍ لاسم الفاعل في تحمل الضمير وجواز تقديم المنصوب به والمجرور بحرف يتعلق به عليه لأنه ليس بمنزلة موصوف ولا معموله بمنزلة صلته. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "نظير ما في نحو إلخ" أي نظير التقدير الكائن في نحو إلخ إذ التقدير كما مر وكانوا زاهدين فيه. قوله: "أنه" أي الخالق المفهوم من خلق إذ من المعلوم أن لا خالق سواه. قوله: "على رجعه" في الهاء وجهان: أحدهما أنه ضمير الإنسان أي على بعثه بعد موته والثاني أنه ضمير الماء أي رجع المني في الإحليل أو الصلب. ا. هـ. شمني. قوله: "الفصل بأجنبي بين مصدر ومعموله" أجاب بعضهم كابن الحاجب بأن الفصل مغتفر إذا كان المعمول ظرفا كالآية لاتساعهم فيه. قوله: "والإخبار عن موصول إلخ" المراد الإخبار معنى لا لفظا فإن المعنى أن رجعه يوم تبلى السرائر يقدر الله عليه وقوله: عن موصول أي عن متضمن موصول وهو المصدر لأنه في تأويل أن والفعل وقوله: قبل تمام صلته أي بالظرف. قوله: "يرجعه" بفتح الياء لمناسبة المصدر من رجع المتعدي كما في قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83] . قوله: "لفساد الإعراب" علة لقوله: فليست إلخ والمراد بالمحذورين المذكورين الفصل بالأجنبي والإخبار عن الموصول قبل تمام صلته. قوله: "في تحمل الضمير" أي على القول بأن العمل للمصدر لا للفعل المبدل منه أما على القول بأن العمل للفعل فالضمير فيه ولا ضمير في المصدر. قوله: "وجواز إلخ" اعلم أنه يجوز تقديم المنصوب سواء جرينا على القول بأن العمل للفعل المبدل منه ونيابة المصدر عنه في المعنى فقط أو على القول بأنه للمصدر كما هو صريح عبارة الشارح بناء على المشهور من أنه مفعول مطلق ناب عن الفعل معنى وعملا أما على مذهب سيبويه من أنه مفعول به فممتنع التقديم قال الدماميني: لأن ضربا حينئذٍ بمعنى أن تضرب.
__________
716- البيت من البسيط.(2/441)
إعمال اسم الفاعل:
كفعله اسم فاعل في العمل ... إن كان عن مضيه بمعزل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إعمال اسم الفاعل:
"كفعله فاعل في العمل" واسم الفاعل هو الصفة الدالة على فاعل جارية في التذكير والتأنيث على المضارع من أفعالها لمعناه أو معنى الماضي، كذا عرفه في التسهيل. فالصفة جنس. والدالة على فاعل لإخراج اسم المفعول وما بمعناه. وجارية في التذكير والتأنيث على المضارع من أفعالها لاخراج الجارية على الماضي نحو فرح. وغير الجارية نحو كريم. وفي التذكير والتأنيث لإخراج نحو أهيف فإنه لا يجري على المضارع إلا في التذكير. ولمعناه أو معنى لإخراج نحو ضامر الكشح من الصفة المشبهة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إعمال اسم الفاعل:
قوله: "في العمل" أي عمل التعدي إن كان فعله متعديا وعمل اللزوم إن كان فعله لازما، وإنما قال في العمل لمخالفة اسم الفاعل الفعل في جواز إضافته لمعموله ودخول اللام على معموله المتأخر بخلاف الفعل فيهما وفي أنه يصح أن يقع هو ومعطوف عليه خبرا عن مثنى أو وصفا له فيمتنع تقديم معموله عليه نحو هذان ضارب زيدا ومكرمه، وجاء رجلان ضارب زيدا ومكرمه بخلاف الفعل والجار والمجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الكاف أو بالكاف لما فيها من معنى التشبيه بناء على القول بجواز التعلق بالحرف الذي فيه معنى الفعل كما مر بيانه في باب حروف الجر. قوله: "على فاعل" أي فاعل حدث تلك الصفة. قوله: "جارية" أي في مطلق الحركات والسكنات ولو بحسب الأصل كما في يقوم وقائم حال من الصفة أو من ضميرها في الدالة وقوله في التذكير والتأنيث أي في حالتيهما. قوله: "لمعناه" أي مفيدة لمعنى المضارع من حال أو استقبال ومثلهما الاستمرار التجددي كما تقدم في باب الإضافة. قوله: "وما بمعناه" كفعيل بمعنى مفعول وكالمصدر الذي بمعنى مفعول نحو الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه. والحكم على هذا بالخروج الذي هو فرع من الدخول لأنه صفة تأويلا فيكون داخلا في الجنس وكفعلة بضم الفاء وسكون العين كضحكة بسكون الحاء أي مضحوك عليه فإن فتحت العين كان بمعنى الفاعل كضحكة بفتح الحاء أي ضاحك على غيره وكذا همزة لمزة. قال الكرماني في شرحه على البخاري وهذه قاعدة كلية. قوله: "وغير الجارية" أي على شيء من الأفعال.
قوله: "نحو كريم" أي ونحو ضراب وضروب ومضراب. قوله: "إلا في التذكير" أي لأن مؤنثه هيفاء. قوله: "لإخراج نحو ضامر الكشح إلخ" أي لأن الصفة المشبهة للاستمرار الدوامي. قوله: "من الصفة المشبهة" أي الجارية على المضارع في الحركات والسكنات وإلا ففرح وكريم وأهيف أيضا صفات مشبهة ولا تنافي بين ما هنا من إخراج نحو فرح وكريم وأهيف من اسم الفاعل وما سيأتي في أبنية أسماء الفاعلين من أنها أسماء فاعلين لأن ما هنا باعتبار اصطلاحهم(2/442)
وولي استفهامًا أو حرف ندا ... أو نفيًا أو جا صفة أو مسندا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويعمل اسم الفاعل عمل فعله في التعدي واللزوم "إن كان عن مضيه بمعزل" بأن كان بمعنى الحال أو الاستقبال لأنه إنما عمل حملًا على المضارع وهو كذلك "وولى" ما يقربه من الفعلية بأن ولى "استفهامًا" ملفوظًا به نحو أضارب زيد عمرًا. وقوله:
أمنجز أنتمو وعدًا وثقت به
أو مقدر نحو مهين زيد عمرًا أم مكرمه "أو حرف ندا" نحو يا طالعًا جبلًا. والصواب أن النداء ليس من ذلك والمسوغ إنما هو الاعتماد على الموصوف المقدر والتقدير يا رجلًا طالعًا جبلًا "أو نفيًا" نحو ما ضارب زيد عمرًا "أو جا صفة" إما مذكور نحو مررت برجل قائد بعيرًا، ومنه الحال نحو جاء زيد راكبًا فرسًا أو محذوف وسيأتي "أو مسندًا" لمبتدأ أو لما أصله المبتدأ نحو زيد مكرم عمرًا وإن زيدًا مكرم عمرًا، فإن تخلف شرط من هذين لم يعمل بأن كان بمعنى الماضي خلافًا للكسائي ولا حجة له في:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المشهور وما سيأتي باعتبار اصطلاح آخر لهم أيضا. قوله: "إن كان عن مضيه" أي مضي حدثه بمعزل أي في مكان عزل أي إبعاد والمكان هنا مجازي بمعنى التركيب ومن مضيه متعلق بمعزل لأنه وإن كان اسم مكان يصح تعلق الظرف به لأنه يكتفي بما فيه رائحة الفعل فهو كقولك: رأيت مدخلك إلى الدار فبطل منع البعض صحة تعلقه بمعزل واستغنى عما تكلفه فيه. قوله: "بأن كان بمعنى الحال أو الاستقبال" مثل ذلك ما إذا كان بمعنى الاستمرار التجددي كما تقدم وكلام الناظم شامل له. قوله: "وهو" أي المضارع كذلك أي بمعنى الحال أو الاستقبال. قوله: "نحو مهين" أي أمهين بدليل أم، وفي نسخ ترك ذكر الاستفهام المقدر نصها استفهاما نحو أضارب زيدا عمرا وقوله:
أمنجز أنتم وعدا وثقت به
أو حرف نداء. ا. هـ وهذا أولى لسلامته من التكرار مع التنبيه الآتي قبيل قول المصنف وإن يكن صلة أل إلخ. قوله: "والصواب أن النداء ليس من ذلك" أي من مسوغ عمل اسم الفاعل وذلك لأن حرف النداء مختص بالاسم فكيف يكون مقربا من الفعل. وأجيب بأن المصنف لم يدّع أنه مسوغ بل أن الوصف إذا ولى حرف النداء عمل وهذا لا ينافي كون المسوّغ الاعتماد على الموصوف المحذوف وإنما صرح بذلك حينئذٍ مع دخوله في قوله بعد وقد يكون نعت محذوف إلخ لدفع توهم أن اسم الفاعل لا يعمل إذا ولى حرف النداء لبعده عن الفعل. قوله: "أو نفيا" أي أداة نفي ولو تأويلا نحو إنما قائم الزيدان أي ما قام إلا الزيدان سم. قوله: "ومنه الحال" أي لأنه صفة في المعنى فليس المراد بالصفة النعت بل الأعم. قوله: "بأن كان بمعنى الماضي" فلا تقول: أنا ضارب زيدا أمس إذ لا يقال: أنا أضرب زيدا أمس حتى قال بعضهم: لا شيء علي من قال: أنا قاتل زيدا أمس لأنه لا ينصب ماضيا. ا. هـ. فارضي. ثم قال: ولا يقال إن الوصف عمل ماضيا في نحو كان زيد آكلا طعامك لأن الأصل زيد آكل طعامك فلما دخلت كان قصد حكاية(2/443)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} [الكهف: 18] ، فإنه على حكاية الحال. والمعنى يبسط ذراعيه بدليل ما قبله وهو ونقلبهم ولم يقل: وقلبناهم. أو لم يعتمد على شيء مما سبق خلافًا للكوفيين والأخفش. فلا يجوز ضارب زيد أمس.
تنبيهان: الأول هذا الخلاف في عمل الماضي دون أل بالنسبة إلى المفعول به. وأما رفعه الفاعل فذهب بعضهم إلى أنه لا يرفع الظاهر وبه قال ابن جني والشلوبين. وذهب قوم إلى أنه يرفعه وهوظاهر كلام سيبويه واختاره ابن عصفور. وأما المضمر فحكى ابن عصفور الاتفاق على أنه يرفعه. وحكى غيره عن ابن طاهر وابن خروف المنع وهو بعيد. الثاني من شروط أعمال اسم الفاعل المجرد أيضًا أن لا يكون مصغرًا ولا موضوعًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التركيب السابق ذكره ابن إياز. ا. هـ. وقوله قصد حكاية التركيب السابق أي فدخلت كان بعد العمل. قوله: "على حكاية الحال" في حكاية الحال الماضية طريقتان: الأولى وهي المشهورة أن يقدر الفعل الماضي واقعا في زمن المتكلم، الثانية وهي طريقة الأندلسي أن يقدر المتكلم نفسه موجودا في زمن وقوع الفعل والتعبير على كل بما للحال. قال بعضهم لا حاجة إلى تكلف الحكاية لأن حال أهل الكهف مستمر إلى الآن فيجوز أن يلاحظ في باسط الحال فيكون عاملا وفي كلامهم ما يؤيده.
تنبيه: في النكت أن دلالة اسم الفاعل على التجدد أغلبية ومن غير الغالب نحو مستقر ودائم. قوله: "بدليل ما قبله" وبدليل أن الواو في وكلبهم حالية إذ يحسن جاء زيد وأبوه يضحك ولا يحسن وأبوه ضحك. قوله: "فلا يجوز ضارب زيدا أمس" أي لانتفاء الشرطين الاعتماد وكونه لغير الماضي فهو تفريع على قوله فإن تخلف شرط من هذين لم يعمل لأنه يعلم منه بالأولى عدم العمل إذا تخلف كلا الشرطين وفي نسخ إسقاط أمس فيكون عدم الجواز لتخلف الاعتماد فهو تفريع على القريب منه أعني قوله أو لم يعتمد على شيء مما سبق. وبما قررناه على زيادة أمس علم سقوط قول البعض: كان الأولى بل الصواب حذف أمس كما يظهر. ا. هـ. لأنه مبني على أن قوله: فلا يجوز ضارب زيدا أمس تفريع على قوله: أو لم يعتمد على شيء وقد علمت أن الأمر ليس كذلك فتفطن. وعبارة الهمع ضارب زيدا عندنا. قوله: "هذا الخلاف" أي الذي بين الجمهور والكسائي. قوله: "دون أل" حال من الماضي أما الماضي المقرون بأل فلا خلاف في عمله كما سيأتي في كلام الناظم.
قوله: "إلى أنه يرفعه" قال السيوطي: وهو الأصح لكن بشرط اعتماده على نفي أو استفهام أو موصوف أو مسند إليه، وحينئذٍ فشرط عمل الرفع في الظاهر الاعتماد لا كونه بمعنى المضارع. وقول المغني: إن اشتراط الجمهور الاعتماد وكون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال إنما هو للعمل في المنصوب يعني به اشتراطهم مجموع الأمرين وإلا فالاعتماد شرط عند الجمهور للعمل في المرفوع أيضا كذا قال الدماميني والشمني. قوله: "وأما المضمر" أي البارز وأما المستتر فيرفعه(2/444)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خلافًا للكسائي فيهما لأنهما يختصان بالاسم فيبعدان الوصف عن الفعلية ولا حجة له في قول بعضهم: أظنني مرتحلًا، وسويرًا فرسخًا. لأن فرسخًا طرف يكتفي برائحة الفعل. وقال بعض المتأخرين: إن لم يحفظ له مكبر جاز كما في قوله:
ترقرق في الأيدي كميت عصيرها
حيث رفع عصيرها بكميت. ولا حجة له أيضًا على إعمال الموصوف في قوله:
717- إذا فاقد خطباء فرحين رجعت ... ذكرت سليمي في الخليط المزايل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بلا خلاف كما في التصريح. قوله: "المجرد" أي من أل أما المقرون بها فليس ما ذكر شرطا فيه. قوله: "ولا موصوفا" أي لا قبل العمل ولا بعده على ما هو ظاهر كلام ابن عصفور واختاره الناظم كما قاله الدماميني وسيذكر الشارح قولين آخرين. والصحيح كما في المغني التفصيل. قوله: "خلافا للكسائي فيهما" محل الخلاف إنما هو في عمله في المفعول به كما أفاده الدماميني فلا يصح استدلال المخالف بقوله كميت عصيرها لأنه ليس من عمله في المفعول به مع أن في كون كميت اسم فاعل مصغرا نظرا ظاهرا فاعرفه. ونسب في الهمع اعمال المصغر إلى الكوفيين إلا الفراء. وعبارته وقال الكوفيون إلا الفراء ووافقهم النحاس يعمل مصغرا بناء على مذهبهم أن المعتبر شبهه الفعل في المعنى لا الصورة. قال ابن مالك في التحفة: وهو قوي بدليل اعماله محوّلا للمبالغة اعتبارا بالمعنى لا للصورة وقاسه النحاس على التكسير. ا. هـ. قوله: "لأنهما يختصان بالاسم" عورض بأن التثنية والجمع من خصائص الأسماء مع أنهما لا يمنعان العمل وما أجيب به من أنهما جاءا بعد استقرار عمله مفردا بخلاف التصغير والنعت تحكم محض. قوله: "يكتفي برائحة الفعل" أي بما فيه معنى الفعل في الجملة بدليل عمل اسم الفاعل بمعنى الماضي فيه. قوله: "ترقرق في الأيدي إلخ" صدره:
فما طعم راج في الزجاج مدامة
الراح والمدامة من أسماء الخمر وجملة ترقرق أي تتلألأ في الأيدي صفة مدامة. وكميت بالجر صفة راح. وروي بالرفع كما ذكره شيخنا ولا شاهد في البيت عليه لأن كميت حينئذٍ خبر مقدم وعصيرها مبتدأ مؤخر. والكميت الذي يخالط حمرته سواد قاله العيني مع زيادة. ويلزم على جعله كميت صفة راح تقديم غير النعت من التوابع عليه مع أن تفرقته بين الصفتين تحكم. وترقرق بفتح التاء مضارع ترقرق الشيء أي تلألأ ولمع حذف منه إحدى التاءين. هذا هو الموافق لما في كتب اللغة وفي الاستشهاد ما مر. قوله: "إذا فاقد إلخ" فاقد فاعل لمحذوف يفسره المذكور أي إذا رجعت فاقد أي امرأة فاقد، خطباء بالمد أي بينة الخطب أي الكرب، فرخين أي
__________
717- البيت من الطويل، وهو لبشر بن أبي خازم في المقاصد النحوية 3/ 560؛ وليس في ديوانه، وبلا نسبة في لسان العرب 3/ 337 "فقد"؛ "وفيه "المباين" بدل "المزايل".(2/445)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذ فرخين نصب بفعل مضمر يفسره فاقد، والتقدير فقدت فرخين لأن فاقد ليس جاريًا على فعله في التأنيث فلا يعمل؛ إذ لا يقال: هذه امرأة مرضع ولدها لأنه بمعنى النسب. قال في شرح التسهيل: ووافق بعض أصحابنا الكسائي في إعمال الموصوف قبل الصفة لأن ضعفه يحصل بعدها لا قبلها ونقل غيرها أن مذهب البصريين والفراء هو هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولدين مفعول لفاقد فصل بينهما بالنعت. ورجعت من الترجيع وهو أن يقال عند المصيبة: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] ، والخليط المخالط. والمزايل المباين. قوله: "إذ فرخين" علة للنفي في قوله: ولا حجة.
قوله: "لأن فاقد ليس جاريا على فعله في التأنيث" علة لمحذوف تقديره لا بفاقد لأنه إلخ. قال شيخنا في شرح الجامع للعلوي في باب الصفة المشبهة: إن المراد بالجريان على الفعل كونه للتجدد والحدوث كالفعل وما كان بمعنى النسب ليس كذلك بل هو للثبوت فليس جاريا على الفعل بهذا المعنى وليس المراد بالجريان الموافقة في عدة الحروف والسكنات والحركات وإلا لما صح نفيه عن نحو فاقد ومرضع وحائض لكونها على عدة حروف الفعل وسكناته وحركاته. ومن ثم ذهب بعضهم إلى أن المشبهة لا تكون إلا غير جارية على المضارع لأنها بمعنى الثبوت. وقول الشارح في التأنيث لبيان الواقع لكونه لا يذكر. ا. هـ. فعلم ما في كلام البعض. وقوله: فلا يعمل إشارة إلى نتيجة القياس المحذوف كبراه. ونظم القياس هكذا فاقد ليس جاريا على فعله في التأنيث وما ليس جاريا على فعله في التأنيث لا يعمل ففاقد لا يعمل فهذا القياس المشار إليه دليل على عدم عمل فاقد وقوله: إذ لا يقال إلخ كان عليه أن يجعله نظيرا بأن يقول: كما لا يقال إلخ لاستدلاله على عدم عمل فاقد بما أشار إليه من القياس المنطقي لما بينا فعلم ما في كلام البعض. وقوله لأنه بمعنى النسب جعله البعض علة لعدم جريان فاقد على فعله في التأنيث وهو غير متعين لاحتمال أنه علة لقوله: لا يقال إلخ أي لأن مرضعا بمعنى النسب أي ذات رضيع كفاقد وحائض ومطفل أي ذات فقد وذات حيض وذات طفل. وما بمعنى النسب لا يعمل النصب لما مر ويحتمل أن المراد بعدم جريانه على فعله في التأنيث عدم موافقته إياه في لحوق تاء التأنيث لأنه بمعنى النسب وما دخله معنى النسب لا تدخله تاء التأنيث على ما قاله الشاطبي وعلله بأنه ليس على معنى الفعل العلاجي فهو كحائض وطامث وفيه نظر لكثرة ما أنث بالتاء وليس بعلاجى كخائفة وجميلة. ثم يظهر أن فاقدا ومرضعا يستعملان أيضا لا للنسب بل للاتصاف بالفقد والإرضاع فيؤنثان بالتاء ويعملان. فتأمل ولا يخفى أن الجريان بالمعنيين المذكورين غير الجريان بالمعنى الذي أراده الشارح في تعريف اسم الفاعل الذي هو الموافقة في الحركات والسكنات كما مر.
قوله: "قبل الصفة" أي قبل ذكرها نحو هذا ضارب زيدا عاقل. ومما يؤيد هذا التفصيل القياس على ما مر في المصدر وشمل إطلاق قوله قبل الصفة تقدم معمول اسم الفاعل عليه وعلى صفته معا نحو هذا زيدا ضارب أي ضارب والذي في الهمع أن المخالف في منعه الكسائي(2/446)
وقد يكون نعت محذوف عرف ... فيستحق العمل الذي وصف
وإن يكن صلة ففي المضي ... وغيره إعماله قد ارتضي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التفصيل وأن مذهب الكسائي وباقي الكوفيين إجازة ذلك مطلقًا "وقد يكون" اسم الفاعل "نعت محذوف عرف فيستحق العمل الذي وصف" مع المنعوت الملفوظ به نحو: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} [النحل: 69، فاطر: 28] ، أي صنف مختلف ألوانه. وقوله:
718- كناطح صخرة يومًا ليوهنها
أي كوعل ناطح. ومنه: ياطالعًا جبلًا. أي يا رجلًا طالعًا جبلًا.
تنبيه: الاستفهام المقدر أيضًا كالملفوظ نحو مهين زيدًا عمرًا أم مكرمه أي أمهين "وإن يكن" اسم الفاعل "صلة أل ففي المضي وغيره إعماله قد ارتضي" قال في شرح الكافية: بل خلاف، وتبعه ولده لكنه حكى الخلاف في التسهيل فقال: وليس نصب ما بعد المقرون بأل مخصوصًا بالمضي خلافًا للمازني ومن وافقه ولا على التشبيه بالمفعول به خلافًا للأخفش ولا بفعل مضمر خلافًا لقوم على أن قوله قد ارتضي يشعر بذلك. والحاصل أربعة مذاهب المشهور أنه يعمل مطلقًا لوقوعه موقعًا يجب تأويله بالفعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا يعارض ما ذكره الشارح من نقل غير المصنف التفصيل عن البصريين والفراء بل قد يعارض نقل المصنف له عن بعض الأصحاب ويمكن أن يقال: المراد قبل الصفة وبعد الموصوف فلا معارضة أصلا. قوله: "وقد يكون نعت محذوف" المراد بالنعت مطلق الوصف فيشمل الحال. قوله: "عرف" أي بقرينة مقالية أو حالية. قوله: "أي كوعل ناطح" بقرينة تمام البيت أعني:
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وهو ككتف وذهب التيس الجبلي. قوله: "إعماله قد ارتضي" أي من غير اشتراط اعتماد كما في التصريح ومن غير اشتراط كونه غير مصغر ولا موصوف كما صرح به ابن معطي في ألفيته. قوله: "وليس نصب ما بعد المقرون بأل" أي لا بقيد كونه ماضيا كما يفيده ما بعده فالأقوال الأربعة في مطلق اسم الفاعل فتأمل. قوله: "خلافا للمازني ومن وافقه" أي حيث خصوا النصب بالمضي أخذا بظاهر تقدير سيبويه اسم الفاعل المقرون بأل بالذي فعل كذا. وأجيب بأن عدم تعرض سيبويه للذي بمعنى المضارع لثبوت العمل له مجردا فيعمل مع أل بالأولى. قوله: "خلافا للأخفش" أي حيث ذهب إلى ما ذكر. قال الدماميني: واللام حينئذٍ حرف تعريف لا
__________
718- عجزه:
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
والبيت من البسيط، وهو للأعشى في ديوانه ص111؛ وشرح التصريح 2/ 66؛ والمقاصد النحوية 3/ 529؛ وبلا نسبة في الأغاني 9/ 149؛ وأوضح المسالك 3/ 218؛ والرد على النحاة ص74؛ وشرح شذور الذهب ص501؛ وشرح ابن عقيل ص421.(2/447)
فعال أو مفعال أو فعول ... في كثرة عن فاعل بديل
فيستحق ما له من عمل ... وفي فعيل قل ذا وفعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"فعال أو مفعال أو فعول في كثرة عن فاعل بديل" أي كثيرًا ما يحول اسم الفاعل إلى هذه الأمثلة لقصد المبالغة والتكثير "فيستحق ما" كان "له من عمل" قبل التحويل بالشروط المذكورة كقوله:
719- أخا الحرب لباسًا إليها جلالها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
موصول أما مع اعتقاد أنها موصول فالنصب على المفعولية. قوله: "في كثرة" أي في التنصيص على كثرة المعنى كما أو كيفا كما يؤخذ مما يأتي أما فاعل فمحتمل للقلة والكثرة. قوله: "عن فاعل" متعلق ببديل. قوله: "أي كثيرا ما يحوّل إلخ" أخذ الكثرة من قوله بديل لأنه صيغة مبالغة كما قاله البهوتي وأحسن منه أن يقال أخذها من قوله:
وفي فعيل قل ذا وفعل
وفي كلامه إشارة إلى أن الإبدال بمعنى التحويل وأن في بمعنى اللام متعلقة ببديل. قوله: "لقصد المبالغة والتكثير" أفاد أنها لا تستعمل إلا حيث يمكن التكثير فلا يقال موات ولا قتال زيدا بخلاف قتال الناس. وعطف التكثير على المبالغة تفسيري بين به المراد بالمبالغة هنا وأنها ليست المبالغة البيانية. قوله: "فيستحق ما له من عمل" يفيد أن جميع الأمثلة الخمسة تعمل قياسا وهو الأصح. ا. هـ. شاطبي. وفي التصريح إعمال أمثلة المبالغة قول سيبويه وأصحابه، وحجتهم في ذلك السماع والحمل على أصلها وهو اسم الفاعل لأنها متحولة عنه لقصد المبالغة ولم يجوز الكوفيون إعمال شيء منها لمخالفتها لأوزان المضارع ولمعناه وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل ومنعوا تقديمه عليها. ويرد عليهم قول العرب: أما العسل فأنا شراب. ا. هـ. وقوله: ولمعناه أي لإفادتها المبالغة دون المضارع وعمل فعال أكثر من عمل الاثنين بعده وعمل فعيل أكثر من عمل فعل كذا في الهمع. وانظر هل هي مستوية في المعنى أو متفاوتة بأن تكون الكثرة المستفادة من فعال مثلا أشد من الكثرة المستفادة من فعول مثلا لم أرَ في ذلك نقلا. وقد يؤخذ من قولهم زيادة البناء تدل على زيادة المعنى أبلغية فعال ومفعال على فعول وفعيل، وأبلغيه هذين على فعل فتدبر. قوله: "بالشروط المذكورة" أي في اسم الفاعل.
قوله: "أخا الحرب" كني به عن ملازمته الحرب. وإلى بمعنى اللام وأراد بجلالها دروعها
__________
719- عجزه:
وليس بولاج الخوالف أعقلا
والبيت من الطويل، وهو للقلاح بن حزن في خزانة الأدب 8/ 157؛ والدرر 5/ 270؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 363؛ وشرح التصريح 2/ 68؛ وشرح المفصل 6/ 79، 80؛ والكتاب 1/ 111؛ ولسان العرب 11/ 83 "ثعل"؛ والمقاصد النحوية 3/ 535؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 319؛ وأوضح المسالك 3/ 220؛ وشرح شذور الذهب ص504؛ وشرح ابن عقيل ص423؛ والمقتضب 2/ 113؛ وهمع الهوامع 2/ 96.(2/448)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وحكى سيبويه: أما العسل فأنا شراب. وكقول بعض العرب: إنه لمنحار بوائكها. حكاه أيضًا سيبويه. وكقوله:
720- ضروب بنصل السيف سوق سمانها
وكقوله:
721- عشية سعدى لو تراءت لراهب ... بدومه تجر دونه وحجيج
قلى دينه واهتماج للشوق إنها ... على الشوق إخوان العزاء هيوج
"وفي فعيل قل ذا وفعل" كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والإضافة لأدنى ملابسة. قوله: "بوائكها" جمع بائكة وهي الناقة الحسنة. قوله: "بنصل السيف" أي شفرته سوق سمانها الضمير للإبل والسوق جمع ساق ولعلهم كانوا يفعلون ذلك لإضعاف قوة الإبل ثم يذبحونها. قوله: "عشية" منصوب على الظرفية مضاف إلى الجملة بعده وبدومة صفة لراهب ودومة بضم الدال وفتحها موضع بين الشام والعراق وتسمى دومة الجندل. تجر جمع تاجر مبتدأ سوغ الابتداء به العطف عليه خبره دونه والجملة صفة ثانية لراهب. والذي في شواهد العيني عنده بدل دونه. وحجيج جمع حاج. قلى أي أبغض جواب الشرط. واهتاج أي ثار ونصب إخوان العزاء أي الصبر على المفعولية لهيوج قاله العيني. وما ذكره من أن تجرا وحجيجا جمعا تاجر وحاج وإن تبعه عليه البعض وغيره ليس على ظاهره بل هما اسما جمع لأن الصحيح أن فعلا وفعيلا ليسا من صيغ الجمع. وهيوج مبالغة هائج من هاج المتعدي يقال: هاج الشيء وهجته يتعدى ولا يتعدى قاله في المصباح. قوله: "وفي فعيل قل ذا" أي الإبدال عن فاعل للكثرة مع بقاء العمل فكلامه في فعيل وفعل المحولين، لا في نحو خبير وبصير ونحو فرح وأشر مما وضع من أول الأمر على فعيل وفعل ولم يكن محولا عن شيء فإنه من الصفة المشبهة.
تنبيه: في الفارضي ما نصه: زاد ابن خروف إعمال فعيل كزيد شريب الخمر بالنصب وأجازه أيضا ابن ولاد حكاه أبو حيان. وشريب من المبالغة سماعا، ومثله كبار وعجاب بمعنى
__________
720- عجزه:
إذا عدموا زادًا فإنك عاقر
والبيت من الطويل، وهو لأبي طالب بن عبد المطلب في خزانة الأدب 4/ 242، 245، 8/ 146، 147، 157؛ والدرر 5/ 271؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 70؛ وشرح التصريح 2/ 68؛ وشرح شذور الذهب ص505؛ وشرح المفصل 6/ 70؛ والكتاب 1/ 111؛ والمقاصد النحوية 3/ 539؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 221؛ وشرح قطر الندى ص275؛ والمقتضب 2/ 114؛ وهمع الهوامع 2/ 97.
721- البيتان من الطويل، وهما للراعي النميري في ديوانه ص29؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 15، 16؛ ولسان العرب 2/ 395 "هيج"، 14/ 20 "أخا"؛ ولأبي ذؤيب الهذلي في الكتاب 1/ 111؛ وله أو للراعي في المقاصد النحوية 3/ 536؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص423.(2/449)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
722- فتاتان أما منهما فشبيهة ... هلالًا والأخرى منهما تشبه البدرا
وكقوله:
723- أتاني أنهم مزقون عرضي
وقوله:
724- حذر أمورًا لا تضير وآمن ... ما ليس منجيه من الأقدار
أنشده سيبويه. والقدح فيه من وضع الحاسدين. ومما استدل به سيبويه أيضًا على إعمال فعل قول لبيد:
725- أو مسحل شنج عضادة سمحج ... بسراته ندب لها وكلوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عجيب، وذكر بعضهم أن صفات الله تعالى التي هي على صيغة المبالغة مجاز لأن المبالغة تكون في صفات تقبل الزيادة والنقصان وصفات الله تعالى منزهة عن ذلك. وفي الكشاف المبالغة في التواب على كثرة من يتوب عليه. والجمهور أن الرحمن أبلغ من الرحيم قال السهيلي: لأنه على صيغة التثنية والتثنية تضعيف فكأن البناء تضاعفت فيه الصفة. وابن الأنباري أن الرحيم أبلغ لأنه جاء على صيغة الجمع كعبيد وذهب قطرب إلى أنهما سواء. ا. هـ. بحروفه. وقد أشبعنا الكلام على الرحمن والرحيم في رسالة البسملة الكبرى. قوله: "أما منهما" أي واحدة منهما. قوله: "وآمن ما ليس منجيه" لعل المعنى وآمن أمنا ليس منجيه من الأقدار بل موقع له في مصائبها كما هو شأن المفرط. قوله: "والقدح فيه من وضع الحاسدين" قال العيني: زعم أبو يحيى اللاحقي أن سيبويه سأله هل تعدى العرب فعلا بفتح الفاء وكسر العين؟ قال: فوضعت له هذا البيت ونسبته إلى العرب
__________
722- البيت من الطويل، وهو لعبد الله بن قيس الرقيات في المقاصد النحوية 3/ 542؛ وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 222؛ وشرح عمدة الحافظ ص680.
723- عجزه:
جحاش الكرملين لها فديد
والبيت من الوافر، وهو لزيد الخيل في ديوانه ص176؛ وخزانة الأدب 8/ 169؛ والدرر 5/ 272؛ وشرح التصريح 2/ 68؛ وشرح شذور الذهب ص507؛ وشرح عمدة الحافظ ص680؛ وشرح المفصل 6/ 73؛ والمقاصد النحوية 3/ 545؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 224؛ وشرح ابن عقيل ص425؛ وشرح قطر الندى ص275؛ والمقرب 1/ 128.
724- البيت من الكامل، وهو لأبان اللاحقي في خزانة الأدب 8/ 169؛ ولأبي يحيى اللاحقي في المقاصد النحوية 3/ 543؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 8/ 157؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 409؛ وشرح ابن عقيل ص424؛ وشرح المفصل 6/ 71، 73؛ والكتاب 1/ 113؛ ولسان العرب 4/ 176 "حذر"؛ والمقتضب 2/ 116.
725- البيت من الكامل، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص125؛ وخزانة الأدب 8/ 169؛ وشرح أبيات سبيويه 1/ 24؛ وشرح المفصل 6/ 72؛ ولسان العرب 3/ 293 "عضد"، 11/ 475 "عمل"؛ والمقاصد=(2/450)
وما سوى المفرد مثله جعل ... في الحكم والشروط حينما عمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: أفهم قوله عن فاعل بديل أن هذه الأمثلة لا تبنى من غير الثلاثي وهو كذلك إلا ما ندر. قال في التسهيل: وربما بنى فعال ومفعال وفعيل وفعول من أفعل، يشير إلى قولهم دراك وسآر من أدرك وأسأر إذا أبقى في الكأس بقية، ومعطاء ومهوان من أعطى وأهان، وسميع ونذير من أسمع وأنذر، وزهوق من أزهق. ا. هـ. "وما سوى المفرد" وهو المثنى والمجموع "مثله جعل" أي جعل مثل المفرد "في الحكم والشروط حينما عمل" فمن إعمال المثنى قوله:
726- الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لم ألقهما دمي
ومن إعمال المجموع قوله:
727- ثم زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأثبته سيبويه في كتابه. ا. هـ. قوله: "أو مسحل" بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الحاء المهملة الحمار الوحشي. شنج بفتح الشين المعجمة وكسر النون وبالجيم أي منقبض مجتمع والمراد به هنا ملازم عضاده. قال في المصباح العضادة بالكسر جانب العتبة من الباب. ا. هـ. والمراد بها هنا الجانب. سمحج بسين مهملة مفتوحة فميم فحاء مهملة مفتوحة فجيم أي أتان طويلة الظهر ولا يقال للذكر. بسراته بفتح السين المهملة أي ظهره. ندب بفتح فسكون اسم جمع ندبة وهي كما في القاموس أثر الجرح الباقي على الجلد قال. والجمع ندب وأنداب وندوب. ا. هـ. وكلوم جمع كلم وهو الجرح.
قوله: "لا تبنى من غير الثلاثي" لأن اسم فاعل غير الثلاثي لا يكون على فاعل سم. قوله: "إلا ما ندر" منه شبيهة في البيت السابق لأنه من أشبه. قوله: "وهو المثنى والمجموع" أي من اسم الفاعل وأمثلة المبالغة كما يعلم من الشواهد. وإنما لم يمنع تثنيته وجمعه عمله كالمصدر لأنه أقرب إلى الفعل من المصدر لدلالته على الحدث والزمان بخلاف المصدر فإنه لا يدل على الزمان إلا لزوما كذا قيل. وفيه نظر ظاهر لأن دلالة اسم الفاعل على الزمان أيضا لزومية كما صرحوا به في تعريفهم مطلق الاسم بأنه كلمة دلت على معنى في نفسه غير مقترن وضعا بزمان. وأما قولهم اسم الفاعل حقيقة في الحال فمعناه كما حققه السيد الصفوي أنه حقيقة في المتلبس بالحدث بالفعل ويلزم ذلك الحال. قوله: "والشاتمي عرضي إلخ" أراد بهما حصينا ومرة ابني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= النحوية 3/ 513؛ ولعمرو بن أحمر في الكتاب 1/ 112؛ وليس في ديوانه.
726- البيت من الكامل، وهو لعنترة في ديوانه ص222؛ والأغاني 9/ 212؛ وشرح التصريح 2/ 69؛ والشعر والشعراء 1/ 259؛ والمقاصد النحوية 3/ 551؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 225.
727- البيت من الرمل، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص55؛ وخزانة الأدب 8/ 188؛ والدرر 5/ 274؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 68؛ وشرح التصريح 2/ 69؛ وشرح عمدة الحافظ ص682؛ وشرح المفصل 6/=(2/451)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
728- أوالفًا مكة من ورق الحمي
وقوله:
729- ممن حملن به وهن عواقد ... حبك النطاق فشب غير مهبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ضمضم كانا يشتمانه وينذران على أنفسهما قتله إذا لقياه يقولان ذلك في الخلاء فإذا لقياه أمسكا عن ذلك هيبة له. وشتم من بابي ضرب ونصر. ودمي مفعول الناذرين على تقدير مضاف أي سفك دمي. قوله: "غفر" بضم الغين المعجمة والفاء جمع غفور. وفخر بضم الفاء والخاء المعجمة جمع فخور أي غير مفاخرين أو بضم الفاء والجيم جمع فجور أي غير كاذبين. والإضافة في ذنبهم لأدنى ملابسة. قوله: "من ورق الحمي" الورق جمع ورقاء وهي التي يضرب بياض لونها إلى سواد. والحمي بفتح الحاء وكسر الميم أصله الحمام حذفت الميم الأخيرة ثم قلبت الألف ياء والفتحة كسرة للروي وقيل غير ذلك.
قوله: "ممن حملن به" أي هو ممن حملت به النساء المعلومة من السياق وإن لم يتقدم ذكرهن. وضمن حمل معنى علق فعداه بالباء ولولا ذلك لعداه بنفسه مثل حملته أمه كرها. وحبك النطاق أطرافه جمع حباك جمع حبيكة. والنطاق كما في المصباح شبه إزار تلبسه المرأة وقيل ثوب تلبسه المرأة ثم تشد وسطها بحبل وترسل الأعلى على الأسفل. والمهبل بتشديد الموحدة المفتوحة المعتوه وقيل من هبله اللحم إذا كثر عليه. يعني أن الممدوح حملت به أمه وهي غير مستعدة للوطء بل مكرهة عليه. والعرب تزعم أن المرأة إذا وطئت مكرهة جاء الولد نجيبا ومن كلام بعضهم: إذا أردت أن تنجب المرأة أي تأتي بالولد نجيبا فأغضبها عند الجماع، وكأن السر فيه أن ذلك يسكر سورة شهوتها فلا يكون لها في الولد حظ كامل ويكون كمال الحظ لأبيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= 74، 75؛ والكتاب 1/ 113؛ والمقاصد النحوية 3/ 548؛ ونوادر أبي زيد ص110؛ وبلا نسبة أمالي ابن الحاجب ص357؛ وأوضح المسالك 3/ 227؛ وشرح ابن عقيل ص426؛ وهمع الهوامع 2/ 97.
728- الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 453؛ والدرر 3/ 49؛ وشرح ابن عقيل ص425؛ والكتاب 1/ 26، 110؛ ولسان العرب 15/ 293 "منى"؛ ما ينصرف وما لا ينصرف ص51؛ والمحتسب 1/ 78؛ والمقاصد النحوية 3/ 554، 4/ 285؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 294؛ والإنصاف 2/ 519؛ والخصائص 3/ 135؛ والدرر 6/ 244؛ ورصف الهوامع 1/ 181، 2/ 157.
729- البيت من الكامل، وهو لأبي كبير الهذلي في الإنصاف 2/ 489؛ وخزانة الأدب 8/ 192، 192، 194؛ وشرح أشعار الهذليين 3/ 1072؛ وشرح ديوان الماس للمرزوقي ص85؛ وشرح شواهد المغني 1/ 227، 2/ 963؛ وشرح المفصل 6/ 74؛ والشعر والشعراء 2/ 675؛ والكتاب 1/ 109؛ ولسان العرب 11/ 688 "هبل" والمقاصد النحوية 3/ 558؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص356؛ ومغني اللبيب 2/ 686.(2/452)
وانصب بذي الإعمال تلوًا واحفض ... وهو لنصب ما سواه مقتضي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] ، {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} [الزفر: 38] ، "وانصب بذي الإعمال تلوًا واحفض" بالإضافة وقد قرئ بالوجهين: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 3] ، {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} [الزمر: 38] ، "وهو لنصب ما سواه" أي ما سوى التلو "مقتضي" نحو: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96] ، على تقدير حكاية الحال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] ، وهذا معطي زيد درهمًا ومعلم بكر عمرًا قائمًا.
تنبيهات: الأول يتعين في تلو غير العامل الجر بالإضافة كما أفهمه كلامه. وأما غير التلو فلا بد من نصبه مطلقًا، نحو هذا معطي زيد أمس درهمًا، ومعلم بكر أمس خالدًا قائمًا. والناصب لغير التلو في هذين المثالين ونحوهما فعل مضمر. وأجاز السيرافي النصب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيكون للولد تمام الرجولية. ا. هـ. دماميني مع بعض زيادة من العيني.
فائدة: يجوز تقديم معمول اسم الفاعل عليه نحو هذا زيدا ضارب إلا أن جر بمضاف أو حرف غير زائدة فيمتنع نحو هذا زيدا غلام قاتل ومررت زيدا بضارب دون ليس زيدا عمرا بضارب. ومنع بعضهم الأخير. واستثنى قوم من المضاف لفظة غير ومثل وأول وحق كما مر في باب الإضافة. ويجوز تقديم معموله على مبتدئه نحو زيدا هذا ضارب. كذا في الهمع. قوله: "وانصب بذي الأعمال" أي بالوصف ذي عمل النصب. ويؤخذ منه أنه لا يضاف للفاعل وإنما يضاف للمفعول. وحكي إضافته للخبر في أنا كائن أخيك كما قاله ابن هشام. قوله: "واخفض" أي بذي الأعمال تلوا فحذف من الثاني لدلالة الأول. قوله: "بالإضافة" أي بسببها ليجري على الصحيح. قوله: "وقد قرىء بالوجهين" أي في السبع. قوله: "وهو لنصب ما سواه مقتضى" أي إن لم يكن فاعلا وإلا وجب رفعه كهذا ضارب زيدا أبوه ولم يكن التلو مما يجوز الفصل به بين المتضايفين وإلا جاز خفض ما سوى التلو كهذا معطي درهما زيد. ولم ينبه المصنف على ذلك كله لظهور من مواضعه. قوله: "ما سواه" أي وإن لم يكن التلو مضافا إليه ولهذا مثل الشارح بأني جاعل في الأرض خليفة. قوله: "على تقدير حكاية الحال" جواب عما يقال جاعل بمعنى الماضي فلا يعمل وبحث فيه بعضهم بأن الجعل مستمر فيجوز أن يلاحظ فيه الحال ولا يحتاج إلى تكلف الحكاية وفي التصريح ما يؤيده. قوله: "الجر بالإضافة" أي إن لم يكن فاعلا وإلا وجب رفعه عند الجمهور نحو هذا ضارب أبوه أمس فلا يجوز ضارب أبيه عندهم وسيذكر الشارح الخلاف قبيل الخاتمة. وقوله كما أفهمه كلامه أي حيث قال بذي الإهمال.
قوله: "وأما غير التلو فلا بدّ من نصبه مطلقا" هذا مقابل التلو في قول الشارح يتعين في تلو غير العامل بقرينة التمثيل بغير العامل. فالمعنى وأما غير تلو غير العامل وحينئذٍ فالمراد بالإطلاق عدم تقييد غير التلو بأن يكون واحدا أو أكثر بقرينة التمثيل أيضا. قوله: "فعل مضمر" لا اسم الفاعل المذكور لعدم عمله ولا اسم فاعل مقدر كما قيل لأنه بمعنى المذكور وهو غير عامل.(2/453)
واجرر أو انصب تابع الذي انخفض ... كمبتغي جاه ومالًا من نهض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باسم الفاعل لأنه اكتسب بالإضافة إلى الأول شبها بمصحوب الألف واللام وبالمنون. ويقوي ما ذهب إليه قولهم هو ظان زيد أمس قائمًا فقائمًا يتعين نصبه بظان لأن ذلك لو أضمر له ناصب لزم حذف أو مفعوليه وثاني مفعولي ظان وذلك ممتنع؛ إذ لا يجوز الاقتصار على أحد مفعولي ظن، وأيضًا فهو مقتض له فلا بد من عمله فيه قياسًا على غيره من المقتضيات. ولا يجوز أن يعمل فيه الجر لأن الإضافة إلى الأول منعت الإضافة إلى الثاني تعين النصب للضرورة. الثاني ما ذكره من جواز الوجهين هو في الظاهر، أما المضمر المتصل فيتعين جره بالإضافة نحو هذا مكرمك. وذهب الأخفش وهشام إلى أنه في محل نصب كالهاء من نحو الدرهم زيد معطيكه وقد سبق بيانه في باب الإضافة. الثالث فهم من تقديمه النصب أنه أولى وهو ظاهر كلام سيبويه لأنه الأصل. وقال الكسائي: هما سواء. وقيل: الإضافة أولى للخفة "واجرر أو انصب تابع الذي انخفض" بإضافة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "شبها بمصحوب الألف واللام" أي من حيث امتناع التنوين في كل أي ومصحوب الألف واللام يعمل ولو كان بمعنى الماضي. وقوله: وبالمنوّن أي من حيث إنه لا يضاف. وكان الصواب إسقاط هذا لأن اسم الفاعل المنون إذا كان بمعنى المضي لا ينصب المفعول بل تجب إزالة التنوين منه وإضافته إلى ما بعده فمشابهته لا تؤثر عمل النصب. قوله: "أول مفعوليه" أي مفعولي الناصب المضمر. قوله: "إذ لا يجوز الاقتصار إلخ" اعترض بأن الحذف هنا اختصاري لا اقتصاري لدلالة المذكور من مفعولي كل من الناصب المضمر وظان على المحذوف من مفعولي الآخر على أن ابن هشام صرح في نحو زيدا ظننته قائما بأنه لا يقدر مفعول ثان لظن المحذوفة نقله عنه يس. فعلى هذا لا يقدر مفعول ثان لظان فتدبر.
قوله: "وأيضا فهو مقتض له" أي طالب له في المعنى وضعف بأن الاقتضاء لا يكفي إلا مع المشابهة القوية بالفعل الذي هو الأصل في العمل وهي غير موجودة فيما نحن فيه فبطل القياس قاله زكريا. قال سم: ولك دفعه بأنه إنما يكون الاقتضاء غير كاف بالنسبة للنصب على المفعولية أصالة والنصب هنا ضرورة لتعذر الجر فكان النصب عوضا من الجر لا بالأصالة. قوله: "فيتعين جره" أي كونه في محل جر بإضافة الوصف إليه وإن كان في محل نصب أيضا بسبب كونه مفعولا في المعنى، فالمراد بتعين الجر كونه ليس في محل نصب فقط وهذا مذهب سيبويه وأكثر المحققين، ويدل له حذف التنوين أو النون من الوصف. قوله: "كالهاء من نحو إلخ" يفرق بأن الهاء في المقيس عليه مفصولة بالكاف فلم يتأت الجر بخلاف الكاف في نحو مكرمك. قوله: "واجرر أو انصب إلخ" أي في غير نحو الضارب الرجل وزيدا فيتعين في نحو هذا نصب التابع لعدم صحة إضافة الوصف المحلي بأل إليه كما سبق. هذا ما مشى عليه في التسهيل ومذهب سيبويه الجواز، وأيد بأنه قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع كرب شاة(2/454)
وكل ما قرر لاسم فاعل ... يعطى اسم مفعول بلا تفاضل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الوصف العامل إليه "كمبتغي جاهٍ ومالًا" ومال "من نهض" فالجر مراعاة للفظ جاه، والنصب مراعاة لمحله. ومنه قوله:
730- هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أو عبد رب أخا عون بن مخراق
فعبد نصب عطفًا على محل دينار وهو اسم رجل. قال الناظم: ولا حاجة إلى تقدير ناصب غير ناصب المعطوف عليه وإن كان التقدير قول سيبويه، وعلى قوله فهل يقدر فعل لأنه الأصل في العمل أو وصف منون لأجل المطابقة قولان. ولو جر عبد رب لجاز. فإن كان الوصف غير عامل يتعين إضمار فعل للمنصوب نحو: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [الأنعام: 96] ، إذا لم يرد حكاية الحال أي وجعل الشمس والقمر حسبانًا "وكل ما قرر لاسم فاعل" من الشروط "يعطى اسم مفعول" وهو ما دل على الحدث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وسخلتها، وخرج بتابع الذي انخفض تابع المنصوب فلا يجوز جره خلافا للبغداديين لأن شرط الاتباع على المحل أن يكون بالأصالة والأصل في الوصف المستوفي شروط العمل إعماله لا إضافته لإلحاقه بالفعل. والمراد بالتابع ما يشمل سائر التوابع والمثال لا يخصص وأشار بتقديم الجر إلى أرجحيته.
قوله: "مراعاة للفظ جاه" المراد باللفظ ما يشمل المقدر في نحو مبتغى الفتى والفتاة بقرينة مقابلته بالمحل. وما قاله البعض لا يستقيم فانظره. قوله: "وإن كان التقدير قول سيبويه" لأن شرط العطف على المحل عنده وجود المحرز أي الطالب لذلك المحل وهو هنا غير موجود لأن اسم الفاعل إنما يعمل النصب حيث كان منونا أو بأل أو مضافا إلى أحد مفعوليه أو مفاعيله فنحو ضارب في قولك ضارب زيد وعمرا ليس طالبا لنصب زيد بل لجره. قوله: "لأجل المطابقة" أي مطابقة المحذوف للملفوظ ولأن حذف المفرد أقل كلفة من حذف الجملة. قوله: "قولان" أرجحهما الثاني كما قاله يس لما علمت. قوله: "لجاز" بل هو الأرجح. قوله: "إذا لم يرد حكاية الحال" فإن أريد جاز النصب بالعطف على محل المجرور لأن الوصف عامل حينئذٍ ولا يحتاج إلى إضمار ناصب إلا على قول سيبويه المتقدم. قوله: "أي وجعل الشمس إلخ" إنما سكت عن نصب سكنا لعلمه من قوله سابقا وأما غير التلو فلا بد من نصبه إلخ. ولك أن تقول تقدير ناصب سكنا يغني عن تقدير ناصب ما بعد سكنا لعطفه حينئذٍ على معمول ناصب سكنا المقدر والعامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه. قوله: "وكل ما قرر إلخ" أي كل
__________
730- البيت من البسيط وهو لجابر بن وألان أو لجرير أو لتأبط شرًّا أو هو مصنوع في خزانة الأدب 8/ 215؛ ولجرير بن الخطفي، أو لمجهول أو هو مصنوع في المقاصد النحوية 3/ 513؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 256؛ والدرر 6/ 192؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 395؛ وشرح ابن عقيل ص428؛ والكتاب 1/ 171؛ وهمع الهوامع 2/ 145.(2/455)
فهو كفعل صيغ للمفعول في ... معناه كالمعطى كفافًا يكتفي
وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع ... معنى كمحمود المقاصد الورع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومفعوله "بلا تفاضل" فإن كان بأل عمل مطلقًا وإلا اشترط الاعتماد وأن يكون للحال أو الاستقبال فإذا استوفى ذاك "فهو كفعل صيغ للمفعول في معناه" وعمله، فإن كان متعديًا لواحد رفعه بالنيابة، وإن كان متعديًا لاثنين أو ثلاثة رفع واحدًا بالنيابة ونصب ما سواه، فالأول نحو زيد مضروب أبوه فزيد مبتدأ ومضروب خبره وأبوه رفع النيابة. والثاني "كالمعطى كفافًا يكتفي" فالمعطى مبتدأ. وأل فيه موصول صلته معطى، وفيه ضمير يعود إلى أل مرفوع المحل بالنيابة وهو المفعول، الأول وكفافًا المفعول الثاني ويكتفي خبر المبتدأ. والثالث نحو زيد معلم أبوه عمرًا قائمًا، فزيد مبتدأ ومعلم خبره وأبوه رفع بالنيابة وهو المفعول الأول، وعمرًا المفعول الثاني، وقائمًا الثالث "وقد يضاف ذا" أي اسم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حكم قرر فقول الشارح من الشروط فيه قصور، ثم إن قرئ كل بالرفع على الابتداء جاز في قوله اسم مفعول الرفع على أنه نائب فاعل والرابط محذوف هو المفعول الثاني أي يعطاه والنصب على المفعولية ويكون نائب الفاعل ضميرا مستترا يعود على كل هو الرابط. ويرجح الأول أن النائب عليه المفعول الأول ويرجح الثاني عدم الحذف وإن قرئ كل بالنصب على أنه مفعول ثان مقدم تعين رفع اسم مفعول على أنه نائب فاعل وهذا أحسن من ذينك. وقول البعض اسم مفعول على هذا واجب النصب هو المفعول الأول سهو ظاهر.
قوله: "بلا تفاضل" متعلق بيعطي وأفاد به أنه لا يشترط في عمل اسم المفعول أزيد من شروط عمل اسم الفاعل وهذا لا يفيده قوله وكل إلخ فليس توكيدا له كما زعم. قوله: "وإلا اشترط الاعتماد إلخ" اقتصر على هذين الشرطين لأنهما اللذان ذكرهما المصنف في اسم الفاعل وإلا فيشترط أيضا أن لا يصغر ولا يوصف كاسم الفاعل. قوله: "فهو كفعل إلخ" لا يظهر كون الفاء تفريعية على الكلية السابقة لأنها لا تفيد كون اسم المفعول كالفعل المسوغ للمفعول بل ربما تفيد خلافه إلا أن يقال: المفرع مطلق العمل وفيه ما فيه والأولى أنها فصيحة عن شرط مقدر كما يشير إلى ذلك قول الشارح فإذا استوفى ذلك إلخ والفاء في قول الشارح فإذا استوفى ذلك فصيحة أيضا عن شرط مقدر أي إذا أردت تفصيل حكم اسم المفعول فإذا إلخ فاعرفه. قوله: "في معناه" ليس المراد المعنى المطابقي لاختلافهما فيه فإن المعنى المطابقي لاسم المفعول حدث واقع على ذات وتلك الذات وللفعل المصوغ للمفعول حدث واقع على ذات وزمن ذلك الحدث بل المراد المعنى التضمني وهو الحدث الواقع على الذات. بقي أن الكلام في العمل لا في المعنى. وأجيب بأن الناظم تجوز بإطلاق السبب وإرادة المسبب لضيق النظم عليه فإن عمل اسم المفعول عمل فعله مسبب عن كونه بمعناه وعلى هذا فقول الشارح وعمله عطف تفسير لبيان المراد بالمعنى ويرمز إلى ذلك التفريع بقوله فإن كان إلخ وحينئذٍ فإرادتنا من معناه المعنى التضميني لا للذات بل للتوسل إلى إرادة العمل فتدبر.
قوله: "كفافا" بفتح الكاف ما كف عن الناس وأغنى من الرزق كما في القاموس. قوله:(2/456)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المفعول "إلى اسم مرتفع" به "معنى" بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير الموصوف ونصبه على التشبيه بالمفعول به "كمحمود المقاصد الورع" أصله الورع محمودة مقاصده، فمقاصده رفع بمحمودة على النيابة، فحول إلى الورع محمود المقاصد بالنصب على ما ذكر: ثم حول إلى محمود المقاصد بالجر.
تنبيه: اقتضى كلامه شيئين: الأول انفراد اسم المفعول عن اسم الفاعل بجواز الإضافة إلى مرفوعه كما أشار إليه بقوله: وقد يضاف ذا وفي ذلك تفصيل: وهو أنه إذا كان اسم الفاعل غير متعد وقصد ثبوت معناه عومل معاملة الصفة المشبهة وساغت إضافته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وقد يضاف ذا إلخ" أي إجراء له مجرى الصفة المشبهة وإنما خص الإضافة بالذكر مع أن الجاري مجرى الصفة المشهبة من اسم المفعول وغيره يجوز فيه مع ذلك النصب على التشبيه بالمفعول به أو على التمييز نحو هذا مضروب الأب أو أبا هذا قائم الأب أو أبا لأنها أكثر أو لكونهما متلازمين فحيث جاز أحدهما جاز الآخر أفاده الشاطبي قال في التصريح: إذا جرى اسم المفعول مجرى الصفة المشبهة ورفع السببي كان رفعه إياه على الفاعلية كما هو حال الصفة المشبهة مع مرفوعها لا على النيابة عن الفاعل كما هو حال اسم المفعول قاله الموضح في الحواشي ثم تعقبه فقال: هلا قيل بأن الرفع على ما يقتضيه حال اسم المفعول. ا. هـ. ويجاب بأن حال اسم المفعول إنما يراعى إذا أريد به معنى الحدوث أما إذا أريد به معنى الثبوت فإنه يرفع السببي على الفاعلية وينصبه على التشبيه بالمفعول إن كان معرفة وعلى التمييز إن كان نكرة ويجره بالإضافة. ا. هـ. ملخصا. قوله: "معنى" أي من جهة المعنى لكونه نائب فاعل قبل الإضافة. قوله: "بعد تحويل الإسناد عنه إلخ" أي لأن الوصف عين مرفوعه في المعنى فلو أضيف إليه من غير تحويل لزم إضافة الشيء إلى نفسه وهي غير صحيحة ولا يصح حذفه لعدم الاستغناء عنه فلا طريق إلى إضافته إلا بتحويل الإسناد عنه إلى ضمير يعود إلى الموصوف ثم ينصب لصيرورته فضلة حينئذٍ لاستغناء الوصف بالضمير ثم يجر بالإضافة فرارا من قبح إجراء وصف المتعدي لواحد مجرى وصف المتعدي لاثنين ذكره المصرح.
تنبيه: قال الفارضي: تحويل الإسناد مجاز أي عقلي لأنه أسند الشيء إلى غير من هو له وفائدة المجاز المبالغة بجعله كله محمودا وكذا نحو زيد حسن الوجه. قوله: "وفي ذلك" أي فيما اقتضاه كلامه من الانفراد المذكور تفصيل أي وليس على إطلاقه. وحاصل التفصيل أن اسم الفاعل اللازم كاسم المفعول في جواز الإضافة إلى مرفوعه اتفاقا واسم الفاعل المتعدي لأكثر من واحد ليس كاسم المفعول في ذلك اتفاقا وفي اسم الفاعل المتعدي لواحد خلاف. قوله: "وقصد ثبوت معناه" أي لا حدوثه. قوله: "عومل معاملة الصفة المشبهة" اعترض بأن مقتضاه أنه ليس صفة مشبهة حقيقة وليس كذلك كما في التوضيح ويمكن أن يجاب بأن المراد عومل معاملة الصفة المشبهة التي ليست على وزن اسم الفاعل. قوله: "وساغت إضافته إلخ" أي بعد تحويل(2/457)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى مرفوعه، فتقول: زيد قائم الأب برفع الأب ونصبه وجره على حد حسن الوجه، وإن كان متعديًا لواحد فكذلك عند الناظم بشرط أمن اللبس وفاقًا للفارسي، والجمهور على المنع. وفصل قوم فقالوا: إن حذف مفعوله اقتصارًا جاز وإلا فلا. وهو اختيار ابن عصفور وابن أبي الربيع، والسماع يوافقه كقوله:
731- ما الراحم القلب ظلامًا وإن ظلما ... ولا الكريم بمناع وإن حرما
وإن كان متعديًا لأكثر لم يجز إلحاقه بالصفة المشبهة. قال بعضهم بلا خلاف. الثاني اختصاص ذلك باسم المفعول القاصر وهو المصوغ من المتعدي لواحد كما أشار إليه تمثيله وصرح به في غير هذا الكتاب. وفي المتعدي ما سبق في اسم الفاعل المتعدي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإسناد كما مر. قوله: "فكذلك" أي يقصد ثبوت معناه ويعامل إلخ. قوله: "بشرط أمن اللبس" أي التباس الإضافة للفاعل بالإضافة للمفعول فلو لم يؤمن لم تجز الإضافة فلو قلت زيد راحم الأبناء وظالم العبيد بمعنى أن أبناءه راحمون وعبيده ظالمون فإن كان المقام مقام مدح الأبناء وذم العبيد جاز لدلالة المقام على أن الإضافة للفاعل وإلا لم يجز وظاهر إطلاقه بل صريح مقابلته بالتفصيل بعده جواز الإضافة إلى المرفوع مع ذكر المنصوب كأن يقال: زيد راحم الأبناء الناس ولا ينافيه ما في سم أن منصوب الصفة المشبهة لا يزيد على واحد وإن زعمه شيخنا والبعض إذ المنصوب في المثال لم يزد على واحد كما لا يخفى وكأنهما فهما أن مراد سم بالمنصوب ما يعم المنصوب على التشبيه بالمفعول به قبل الإضافة ولا داعي إليه فتدبر. قوله: "جاز" لأنه يصير بذلك كاللازم. قوله: "والسماع يوافقه" مقتضى كون الضمير يرجع إلى أقرب مذكور رجوع الضمير إلى تفصيل قوم بين الحذف اقتصارا وغيره وفيه أنه كما يوافق هذا يوافق ما عليه الفارسي والناظم فالأولى رجوعه إلى الجواز على القولين.
قوله: "لم يجز إلحاقه بالصفة المشبهة" أي لبعد المشابهة حينئذٍ لأن منصوبها لا يزيد على واحد كما مر. قوله: "قال بعضهم بلا خلاف" قال البهوتي: يستفاد من كلام الشاطبي أن فيه أيضا خلافا. قوله: "اختصاص ذلك باسم المفعول القاصر إلخ" ويتضمن ذلك اشتراط تناسي العلاج فيه فلا يقصد به إلا ثبوت الوصف لأنه إذا لم يطلب مفعولا لزم أن لا يقصد به العلاج ومتى طلبه كان معنى العلاج باقيا فيه ذكره الشاطبي. ثم قال: فإن قلت فأنت تقول على مذهبه أي المصنف هذا معطي الأب ومكسو الأخ وهما مما يتعدى إلى اثنين وكذلك معلم الأب وهو مما يتعدى إلى ثلاثة فالجواب أنا لا نسلم ذلك لأن المتعدي إلى أكثر طالب بمعناه للمنصوب فمعنى العلاج باق فيه وإن سلم فقد يقال: المراد بالمتعدي لواحد ما عمل في واحد خاصة مقتصرا عليه فرفع به عند بنائه للمجهول فلو كان عاملان في مفعول آخر لم يكن من هذا الباب
__________
731- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الدرر 5/ 294؛ والمقاصد النحوية 3/ 618؛ وهمع الهوامع 2/ 101.(2/458)
أبنية المصادر:
فعل قياس مصدر المعدى ... من ذي ثلاثة كرد ردا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة: إنما يجوز إلحاق اسم المفعول بالصفة المشبهة إذا كان على وزنه الأصلي، وهو أن يكون من الثلاثي على وزن مفعول، ومن غيره على وزن المضارع المبني للمفعول، فإن حول عن ذلك إلى فعيل ونحوه مما سيأتي بيانه لم يجز، فلا يقال: مررت برجل كحيل عينه ولا قتيل أبيه. وقد أجازه ابن عصفور ويحتاج إلى السماع. والله أعلم.
أبنية المصادر:
"فعل" بفتح الفاء وإسكان العين "قياس مصدر المعدى من ذي ثلاثة" سواء كان مفتوح العين "كرد ردا" وأكل أكلًا، وضرب ضربًا، أو مكسورها كفهم فهمًا، وأمن أمنا، وشرب شربًا، ولقم لقمًا، والمراد بقياس هنا أنه إذا ورد شيء، ولم يعلم كيف تكلموا بمصدره فإنك تقيسه على هذا، لا أنك تقيس مع وجود السماع. قال ذلك سيبويه والأخفش.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الذي أشار إليه فهو المحترز عنه. ا. هـ. وقوله: تناسي العلاج عبارة الهمع وغيره تناسي الحدوث فلعله المراد من العلاج. قوله: "إنما يجوز إلحاق اسم المفعول بالصفة إلخ" أي قياسه عليها فيما تقدم وفيه ما مر في قوله عومل معاملة الصفة المشبهة اعتراضا وجوابا. قوله: "لم يجز" أي لكراهة كثرة التغيرات. قوله: "فلا يقال مررت برجل كحيل عينه ولا قتيل أبيه" أي يمتنع ذلك ومقتضاه جواز مررت برجل مكحول عينه ومقتول أبيه وهو المتبادر لأن اسم المفعول المذكور يعامل معاملة الصفة المشبهة وهي يجوز فيها ذلك فتقول مررت برجل حسن وجهه بإضافة حسن إلى وجهه وإن كان ذلك مع ضعف كما سيأتي.
أبنية المصادر:
قوله: "فعل" أي موازن فعل وقوله المعدى أي الفعل المعدى وقوله: من ذي ثلاثة أي من فعل ذي ثلاثة حال من الضمير في المعدى ومن تبعيضية أي حال كونه بعض الأفعال الثلاثية وهذا أقرب من جعل البعض من ابتدائية والتقدير حالة كون الفعل المعدى مشتقا من مصدر فعل ذي ثلاثة قال شيخنا والبعض نقلا عن سم يستثنى منه ما دل على صناعة نحو عبر الرؤيا. ا. هـ. أي فإن مصدره فعالة بكسر الفاء على ما يؤخذ مما يأتي وفي كونه صناعة نظر والمثال الواضح حاك حياكة وخاط خياطة وحجم حجامة. قوله: "سواء كان مفتوح العين إلخ" أي وسواء كان مفتوح العين منه صحيحا كضرب أو معتل الفاء كوعد أو العين كباع أو اللام كرمى أو مضاعفا كرد أو مهموزا كأكل. قوله: "أو مكسورها" أي وسواء كان مكسورها صحيحا كأمثلة الشارح أو معتل الفاء كوطئ أو العين كخاف أو اللام كفني بفتح الفاء وكسر النون أي لزم خباءه أو مضاعفا كمس أو مهموزا كأمن وفي التصريح أن الغالب على فعل المفتوح العين التعدي وفعل المكسورها اللزوم وأما مضمومها فلا يكون إلا لازما كما سيأتي. قوله: "قال ذلك سيبويه والأخفش" وذهب(2/459)
وفعل اللازم بابه فعل ... كفرح وكجوى وكشلل
وفعل اللازم مثل قعدا ... له فعول باطراد كغدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: اشترط في التسهيل لكون فعل قياسًا في مصدر فعل المكسور العين أن يفهم عملًا بالفم كالمثالين الأخيرين، ولم يشترط ذلك سيبويه الأخفش بل أطلقا كما هنا "وفَعِلَ" المكسور العين "اللازم بابه فَعَل" بفتح الفاء والعين قياسًا سواء كان صحيحًا أو معتلًا أو مضاعفًا "كفرح وكجوى وكشلل" مصادر فرح زيد، وجوى عمرو، وشلت يده، والأصل شللت. ويستثنى من ذلك ما دل على لون فإن الغالب على مصدره الفعلة نحو سمر سمرة، وشهب شهبة، وكهب كهبة، والكهبة لون بين الزرقة والحمرة واستثنى في التوضيح ما دل على حرفة أو ولاية قال: فقياسه الفعالة. ومثل للثاني فقال: كولى عليهم ولاية، ولم يمثل للأول. وفيما قاله نظر فإن ذلك إنما هو معروف في فعل المفتوح العين وأما ولى عليهم ولاية فنادر "وفعل" المفتوح العين "اللازم مثل قعدا له فعول باطراد" معتلًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفراء إلى أنه يجوز القياس عليه وإن سمع غيره. ا. هـ. دماميني. وحكي في الهمع عن بعضهم أنه قال: لا تدرك مصادر الأفعال الثلاثية إلا بالسماع فلا يقاس على فعل ولو عدم السماع. قوله: "بابه فعل" أي قياس مصدره موازن فعل أو قاعدة مصدره موازن فعل وهو اللائق بقول الشارح قياسا. قوله: "أو معتلا" أي بأقسامه الثلاثة كوجع وعور وعمي. قوله: "وكجوى" هو الحرقة من عشق أو حزن. قوله: "فإن الغالب على مصدره الفعلة" أشار بالتعبير بالغالب إلى أن الغلبة أمارة القياس كما أن عدمها أمارة عدمه وهذا أولى مما نقله البعض عن البهوتي وأقره.
قوله: "لون بين الزرقة والحمرة" فسرها في القاموس بالقهبة بضم القاف وهي بياض فيه كدرة وبالدهمة بضم الدال وهي السواد، وبالغبرة المشوبة سوادا والغبرة لون الغبار ولم يذكر ما ذكره الشارح في معنى الكهبة ونقل البعض عن التصريح أن الكهبة بياض فيه كدرة وهذا النقل إن صح كان ذكر التصريح ذلك في غير هذا الباب إذ لم يذكره فيه. قوله: "واستثنى في التوضيح إلخ" واستثنى ابن الحاج أيضا ما فيه ووصفه على فاعل فقياس مصدره فعول كقدم وصعد ولصق. قال: وهذا مقتضى قول سيبويه وقد غفل عنه أكثرهم. قوله: "فقياسه الفعالة" أي بكسر الفاء. قوله: "كولي عليهم ولاية" عداه بعلى ليصح التمثيل أما المتعدي بنفسه نحو ولي أمرهم فليس مما نحن فيه لأن الكلام في القاصر لا في المتعدي. قاله المصرح. قوله: "ولم يمثل للأول" أي لعدم سماع مثال يخصه أو استغناء بتمثيل الولاية فإن الولايات في معنى الحرف.
قوله: "فإن ذلك" أي كون المصدر القياسي فيما دل على حرفة أو ولاية فعالة. وقول في فعل أي اللازم أو المتعدي بدليل تمثيل الهمع بكتب كتابة وخاط خياطة ونقب نقابة الأولين متعديان والأخير لازم كما يستفاد من قول القاموس عقب ذكره أن من معاني النقيب عريف القوم ما نصه وقد نقب عليهم نقابة بالكسر. قوله: "مثل قعدا" حال من الضمير في اللازم وقوله كغدا معطوف عليه بإسقاط العاطف إذ لا وجه لتعداد المثال بغير عطف وأشار به إلى أنه لا فرق بين(2/460)
ما لم يكن مستوجبًا فعالا ... أو فعلانًا فادر أو فعالا
فأول لذي امتناع كأبي ... والثان للذي اقتضى تقلبا
للدا فعال أو لوب وشمل ... سيرًا وصوتًا الفعيل كصهل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان "كغدا" غدوًا وسما سموًّا، أو صحيحًا كقعد قعودًا وجلس جلوسًا "ما لم يكن مستوجبًا فعالا" بكسر الفاء "أو فعلانًا" بفتح الفاء والعين "فادر أو فعالا" بضم الفاء أو فعيلا "فأول" من هذه الأربعة وهو فعال بكسر الفاء "لذي امتناع" أي مقيس فيما دل على امتناع "كأبى" إباء، ونفر نفارًا، وجمح جماحًا، وشرد شرادًا، وأبق إباقًا "والثان" منها وهو فعلان بتحريك العين "للذي اقتضى تقلبًا" نحو جال جولانًا، وطاف طوفانًا وغلت القدر غليانًا "للدا فعال أو لصوت" أي يطرد الثالث وهو فعال بضم الفاء في نوعين: الأول ما دل على داء أي مرض نحو سعل سعالًا، وزكم زكامًا، ومشى بطنه مشاء. والثاني ما دل على صوت نحو صرخ سراخًا. ونبح نباحًا. وعوى عواء "وشمل سيرًا وصوتًا" الوزن الرابع وهو "الفعيل كهصل" صهيلًا، ونهق نهيقًا، ورحل رحيلًا، وذمل ذميلًا.
تنبيهان: الأول قد يجتمع فعيل وفعال نحو نعب الغراب نعيبًا ونعابًا. ونعق الراعي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيح والمعتل لكن الكثير في معتل العين الفعل أو الفعالة أو الفعال بكسر الفاء في الأخيرين كصام صوما وصياما وقام قياما وناح نياحة. وقال الفعول كغابت الشمس غيوبا. بخلاف معتل الفاء كوصل أو اللام كغدا والمضاعف كمر. وقوله باطراد حال من المستكن في له. قوله: "مستوجبا" أي مستحقا. قوله: "أو فعيلا" أخذه من قول الناظم: وشمل سيرا وصوتا الفعيل. قوله: "كأبى" أي اللازم وهو الذي بمعنى امتنع لا المتعدي وهو الذي بمعنى كره لأن الكلام في اللازم وإن جاء مصدر المتعدي أيضا على فعال ففي القاموس أبى الشيء يأباه ويأبيه إباء وإباءة بكسرهما كرهه. ا. هـ. قوله: "وجمح" أي شرد. قوله: "للذي اقتضى تقلبا" أي دل على التقلب وهو تحرك مخصوص لا مطلق تحرك فلا انتقاض بنحو قام قياما وقعد قعودا ومشى مشيا. قوله: "للدا" بالقصر للضرورة. قوله: "أو لصوت" هو مع قوله وشمل سيرا وصوتا الفعيل يفيد أن ما دل على الصوت ينقاس فيه كل من الفعال والفعيل فإذا ورد الفعل دالا على صوت كان كل منهما مصدرا قياسيا له وإن ورد أحدهما اقتصر عليه على ما ذهب إليه سيبويه والأخفش وإن لم يرد واحد منهما كنت مخيرا في مصدره بينهما فأيهما نطقت به جاز. ولا بعد في ذلك بل هو قياس الباب فاندفع ما نقله البعض عن سم وأقره. قوله: "وزكم" هو من الأفعال اللازمة لبناء المجهول فالتمثيل به لفعل بالفتح بالنظر إلى أصله المقدر قاله زكريا. ولا يرد أن أصله متعد وإلا لم يصح بناؤه للمفعول لأن المبني للمجهول قد يكون سماعا من اللازم نحو جن فيجعل هذا منه أفاده سم أو يقال لما لم ينطق بهذا الأصل كان في حكم اللازم وجعلوه بفتح العين مع أنه لم ينطق به حملا على النظائر وإيثارا للأخف لكن مفاد القاموس نطقهم بالأصل حيث قال: زكم كعنى وأزكمه فهو مزكوم. ا. هـ. وحينئذٍ لا يتم ما ذكره.
قوله: "وشمل" بفتح الميم وكسرها والفتح هنا أنسب بصهل. قوله: "كصهل" من باب ضرب ومنع كما في القاموس. قوله: "وذمل ذميلا" أي سار سيرا بلين. قوله: "قد يجتمع فعيل(2/461)
فعولة فعالة لفعلا ... كسهل الأمر وزيد جزلا
وما أتى محالفًا لما مضى ... فبابه النقل كسخط ورضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نعيقًا ونعاقًا. وأزت القدر أزيزًا وأزازًا. وقد ينفرد فعيل نحو صهل الفرس صهيلًا، وصخد الصرد صخيدًا، وقد ينفرد فعال نحو بغم الطبي بغامًا، وضبح الثعلب ضباحًا، كما انفرد الأول في السير والثاني في الداء. الثاني يستثنى أيضًا منه ما دل على حرفه أو ولاية فإن الغالب في مصدره فعالة نحو تجر تجارة، وخاط خياطة، وسفر سفارة، وأمر إمارة. وذكر ابن عصفور أنه مقيس في الولاية والصنائع "فعولة فعالة لفعلا" بضم العين قياسًا "كسهل الأمر" سهولة، وعذب الشيء عذوبة، وملح ملوحة "وزيد جزلا" جزالة، وفصح فصاحة، وظرف ظرافة "وما أتى" من أبنية مصادر الثلاثي "مخالفًا لما مضى فبابه النقل" لا القياس "كسخط ورضا" بضم السين وكسر الراء، وحزن وبخل بضم أولهما مما قياسه فعل بفتحتين. وكجحود، وشكور، وركوب بضمتين مما قياسه فعل بفتح الفاء وسكون العين. وكموت وفوز ومشى بفتح الفاء وسكون مما قياسه فعول بضمتين. وكعظم وكبر مما قياسه فعولة، وكحسن وقبح مما قياسه فعالة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفعال" أي فيما دل على صوت ومما اجتمعا فيه صرخ صراخا وصريخا خلافا فالزعم البعض أن مصدره على فعال فقط. قوله: "وصخد الصرد" هو طائر ضخم الرأس كما في القاموس. وصخد كالذي قبله وبعده بمعنى صوت. قوله: "يستثنى أيضا منه" أي من فعل المفتوح العين اللازم وحينئذٍ كان ينبغي إسقاط خاط خياطة لأنه متعد والكلام في اللازم. ويمكن إرجاع ضمير منه إلى فعل المفتوح العين الأعم من اللازم والمتعدي فيصح كلامه ويؤيد هذا ما قدمناه عن الهمع. قوله: "وسفر" أي أصلح. قوله: "وذكر ابن عصفور" تأييد لما قبله لما علمت من أن الغلبة أمارة القياس. قوله: "فعولة فعالة لفعلا" أي كل منهما مصدر قياسي لفعل مضموم العين فإذا وردا فذاك أو أحدهما اقتصر عليه أو لم يرد واحد منهما خير بينهما ولا بعد في ذلك كما مر فاندفع ما لسم هنا أيضا. قال المصرح: ولا يكون فعل مضموم العين إلا لازما ولا يتعدى إلا بتضمين أو تحويل.
قوله: "وزيد جزلا" أي عظم. قوله: "لما مضى" أي من المصادر القياسية للفعل الثلاثي متعديا أو لازما فليس هذا في اللازم فقط كما لا يخفى حتى يرد ما نقله شيخنا والبعض وأقراه من استشكال سم تمثيل المصنف بسخط ورضى حيث قال ما نصه: انظر كيف عدهما من اللازم مع أنه يقال سخطه ورضيه وذلك على التوسع بإسقاط الجار والأصل سخط عليه ورضي عنه. ا. هـ. على أن تعدية الفعل بنفسه على التوسع لا تنافي اللزوم كما أسلفه الشارح. قوله: "فبابه النقل" أي طريقه النقل عن العرب.
قوله: "مما قياسه فعول بضمتين" ظاهر في غير مشي إذ هو مما دل على سير فقياسه الفعيل فتأمل. قوله: "وكبر" أي مصدر كبر مضموم الباء وهو المستعمل في غير كبر السن من الكبر الحسي والكبر المعنوي، وأما مكسورها فيستعمل في كبر السن فقط تقول كبر زيد بالضم أي ضخم جسمه أو عظم أمره. وكبر بالكسر أي طعن في السن. قوله: "مما قياسه فعولة" أي أو فعالة. وقوله: مما قياسه فعالة أي أو فعولة ففي كلامه احتباك كما أفاده(2/462)
وغير ذي ثلاثة مقيس ... مصدره كقدس التقديس
وزكه تزكية وأجملا ... إجمال من تجملًا تجملا
واستعذ استعاذة ثم أقم ... إقامة وغالبًا ذا التا لزم
وما يلي الآخر مد وافتحا ... مع كسر تلو الثان مما افتتحا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: ذكر الزجاج وابن عصفور أن الفعل كالحسن قياس في مصدر فعل بضم العين كحسن وهو خلاف ما قاله سيبويه "وغير ذي ثلاثة مقيس مصدره" أي لا بد لكل فعل غير ثلاثي من مصدر مقيس، فقياس فعل بالتشديد إذا كان صحيح اللام التفعيل "كقدس التقديس" وتحذف ياؤه ويعوض عنها التاء فيصير وزنه تفعلة قليلًا في نحو جرب تجربة، وغالبًا فيما لامه همزة نحو جزأ تجزئة، ووطأ توطئة، ونبأ تنبئة. وجاء أيضًا على الأصل وجوبًا في المعتل نحو غطه تغطية "وزكه تزكية" وهي تنزي دلوها تنزية. وأما قوله:
732- باتت تنزي دلوها تنزيا
فضرورة. وأشار بقوله: "وأجملا إجمال من تجملًا تجملا واستعذ استعاذ ثم أقم إقامة وغالبًا ذا التا لزم. وما يلي الآخر مد وافتحا مع كسر تلو الثان مما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شيخنا فوافق كلامه ما قدمه المصنف من قوله: فعولة فعالة لفعلا. واندفع توقف البعض. قوله: "وغير ذي ثلاثة" أي وكل غير فعل ذي ثلاثة وغير مبتدأ خبره مقيس ومصدره نائب فاعله أو هو مبتدأ خبره مقيس والجملة خبر غير. قوله: "كقدس التقديس" من إنابة المصدر مناب الفاعل فالتقديس نائب فاعل. قوله: "قليلا" أي في قليل من الاستعمال أو حذفا قليلا. قوله: "وغالبا إلخ" أي ومن غير الغالب تخطيئا وتهنيئا وتجزيئا وتنبيئا. قوله: "ووجوبا في المعتل" أي معتل اللام وظاهر صنيعه أن نحو التغطية أصل التفعيل وهذا لا يناسب تقييده آنفا بقوله إذا كان صحيح اللام فكان الأولى ترك التقييد ويراد التفعيل ولو بحسب الأصل أو جعل المعتل مقابلا لصحيح اللام بأن يقال فإن كان معتل اللام فقياس مصدره التفعلة فافهم. قال سم نقلا عن ابن الحاجب: الأولى أن يكون مصدر المعتل على زنة تفعلة من أول الأمر لا أنه تفعيل ثم غير لأن ذلك تعسف بلا ضرورة. ا. هـ. وقد يقال الحامل على ذلك رجوعهم إلى تفعيل عند الضرورة.
قوله: "باتت تنزي" بنون مفتوحة فزاي مشددة أي تحرك. قوله: "من تجملا" بضم الميم مصدر مقدم على عامله الذي هو صلة من وذكره هنا مع دخوله تحت قوله الآتي وضم ما يربع إلخ من ذكر الخاص قبل العام ولو أسقطه لكان أخصر. قوله: "وغالبا ذا" أي نحو إقامة هذا هو
__________
732- الرجز لا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 288؛ وأوضح المسالك 3/ 240؛ والخصائص 2/ 302؛ وشرح التصريح 2/ 76؛ وشرح شواهد الشافية ص67؛ وشرح ابن عقيل ص433، 435؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 165؛ وشرح المفصل 6/ 58؛ ولسان العرب 11/ 373 "شهل"، 15/ 320 "نزا"؛ والمقاصد النحوية 3/ 571؛ والمقرب 2/ 134؛ والمنصف 2/ 195.(2/463)
بهمز وصل كاصطفى وضم ما ... يربع في أمثال قد تلملما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
افتتحا بهمز وصل كاصطفى" إلى أن قياس أفعل ذا كان صحيح العين الأفعال، نحو أجمل إجمالًا، وأكرم إكرامًا، وأحسن إحسانًا. وإن كان معتلها فكذلك ولكن تنقل حركتها إلى الفاء فتقلب ألفًا ثم تحذف الألف الثانية ويعوض عنها التاء، كما في أقام إقامة، وأعان إعانة، وأبان إبانة. والغالب لزوم هذه التاء كما أشار إليه بقوله: وغالبًا طا التا لزم. وقد تحذف نحو "وإقام الصلاة" ومنه ما حكاه الأخفش من قولهم أراء إراء، وأجاب إجابًا. وقياس ما أوله همزة وصل أن كسر تلو ثانية أي ثالثه، وأن يمد مفتوحًا ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المتبادر من صنيع الشارح بعد حيث قال في الكلام على مصادر أفعل معتل العين نحو إقامة والغالب لزوم هذه التاء كما أشار إليه بقوله وغالبا ذا التا لزم ثم ذكر أن نحو استعاذة يفعل به ما يفعل بنحو إقامة ولم يذكر أنه أيضا مشار إليه بقوله وغالبا إلخ والأولى إرجاع اسم الإشارة إلى المذكور من استعاذة وإقامة ونحوهما ليكون التنبيه على لزوم التاء لنحو استعاذة غالبا نكتة ذكر نحو استعاذة مع أنه مما يدخل في قوله وما يلي الآخر إلخ كما سيشير إليه الشارح. قوله: "التا لزم" أي صحب فاندفع الاعتراض بأن اللزوم ينافي الغلبة. وأما الجواب الذي نقله شيخنا والبعض عن سم وأقراه فلا يخفى ما فيه على متأمليه. قوله: "وما يلي الآخر" برفع الآخر على أنه فاعل يلي أي والحرف الذي يليه الآخر كما بينه الشارح. قوله: "وافتحا" ذكر الفتح ليبين أن المدة ألف لا واو ولا ياء. قوله: "إلى أن قياس أفعل" أي قياس مصدره. قوله: "فكذلك" أي قياس مصدره الأفعال وقوله: حركتها أي العين. وقوله: فتقلب هي أي العين ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن. وقوله: ثم تحذف الألف الثانية أي لالتقائها مع الألف المنقلبة العين إليها. وكلامه صريح في أن قلب العين ألفا سابق على حذف الألف وهو ما في التوضيح أيضا وأورد عليه أن شرط قلبها ألفا تحرك التالي. وأجاب سم بأن هذا لشرط في غير أفعال واستفعال مما يستحق ذلك الإعلال لذاته. والإعلال في أفعال واستفعال للحمل على فعلهما وصريح كلام ابن الناظم أن حذف الألف سابق على إعلال العين وهو أيضا صحيح. فإن قلت: هلا قيل: إنهم لما نقلوا حذفوا لالتقاء الساكنين ولم يتكلفوا أن يقال: تحركت الواو إلخ قلت: ما زعمته تكلفا لا بد منه في الفعل ولا يمكن فيه ما قلته وأيضا فإن الراجح أن المحذوف الزائد وهو الألف الثانية لكونه زائدا ولقربه من الطرف وعلى قولك إنما حذف الأصل. قوله: "وقد تحذف" أي شذوذا كما صرح به المصنف آخر الكتاب. قوله: "أراء إراء" أصله ارآيا على وزن أفعال نقلت حركة عينه إلى فائه ثم حذفت العين لالتقاء الساكنين وقلبت اللام همزة لتطرفها بعد ألف زائدة كما سيأتي في قول الناظم:
فأبدل الهمزة من واو ويا
آخرا إثر ألف زيد. وجعل الشارح ذلك من المعتل العين مبني على القول بأن الهمزة من حروف العلة لكنه وإن جعل من معتل العين لم يعط حكم معتلها من كل وجه كما يعلم من(2/464)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يليه الآخر أي ما قبل آخره كما أشار إليه بقوله: وما يلي إلخ أي وما يليه الآخر نحو اصطفى اصطفاء، وانطلق انطلاقًا، واستخرج استخراجًا. فإن كان استفعل معتل العين فعل به ما فعل بمصدر أفعل المعتل العين، نحو استعاذ استعاذة، واستقام استقامة، ويستثنى من المبدوء بهمزة الوصل ما كان أصله تفاعل أو تفعل نحو أطاير وأطير أصلهما تطاير وتطير، فإن مصدرهما لا يكسر ثالثه ولا يزاد قبل آخره ألف. وقياس ما كان على تفعل التفعل، نحو تجمل تجملًا، وتعلم تعلمًا، وتكرم تكرمًا "وضم ما يربع" أي يقع رابعًا "في أمثال قد تلملما" صحيح اللام مما في أوله تاء المطاوعة وشبهها، سواء كان من باب تفعل كما مر، أو من باب تفاعل نحو تقاتل تقاتلًا، وتخاصم تخاصمًا أو من باب تفعلل نحو تلملم تلمما، وتدحرج تدحرجًا. أو ملحقًا به نحو تبطير تبيطرًا، وتجلبب تجلببا. فإن لم يكن صحيح اللام وجب إبدال الضمة كسرة إذا كانت اللام ياء نحو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النظر في تصريفه وتصريف نحو إقامة بل من حيث وجود النقل والحذف ومطلق القلب واستحقاق التاء فتدبر. قوله: "وقياس" عطف على قياس السابق. قوله: "فإن كان" أي ما أوله همزة وصل قوله: معتل العين حال من استفعل. قوله: "فعل به ما فعل إلخ" أي من النقل والقلب والحذف والتعويض. وقد جاء بالتصحيح تنبيها على الأصل نحو استحوذ استحواذا وأغيمت السماء أغياما. قوله: "ويستثنى من المبدوء بهمزة الوصل إلخ" قد يقال: مراد الناظم ما افتتح بهمزة وصل أصالة والهمزة فيما ذكر مجتلبة لعارض فلا استثناء قاله الدماميني. قوله: "أصلهما تطاير وتطير" أي فأدغمت التاء في الطاء واجتلبت همزة الوصل توصلا إلى النطق بالساكن. قوله: "لا يكسر ثالثه إلخ" أي بل يضم ما يليه الآخر نظرا إلى الأصل فيقال: أطاير يطاير أطايرا. وأطير يطير أطيرا كما في التصريح، فهو داخل في قوله: وضم ما يربع إلخ. قوله: "ما يربع" من ربعت القوم صرت رابعهم وبابه منع. قوله: "في أمثال قد تلملما" أي في أمثال مصدر قد تلملم أي في الحركات والسكنات وعدد الحروف وإن لم يكن من بابه كما يظهر بالنظر في الأمثلة، وذلك عشرة أبنية ذكر الشارح منها خمسة: تفعل وتفاعل وتفعلل وتفعيل وتفعلى كتدلى. وبقي تمفعل كتمسكن، وتفوعل كتجورب، وتفعنل كتقلنس. وتفعول كترهوك، وتفعلت كتعفرت.
قوله: "صحيح اللام" حال من أمثال على معنى الجنس أو من ما يربع على معنى صحيحا لامه أي اللام بعده فافهم. قوله: "وشبهها" كالتاء في نحو تكبر تكبرا وتجاهل تجاهلا. قوله: "سواء كان من باب تفعل كما مر" فيه إشارة إلى ما قاله الشاطبي من أن قول المصنف: تجمل تجملا حشو لدخوله تحت الضابط الذي ذكره هنا بقوله وضم ما يربع إلخ. وأجاب سم بأن المصنف لم يقصد بقوله تجمل بيان مصدر تفعل وإنما ذكره تتميما لمعنى أجملا إجمال، وأجاب يس بأن ذكره هناك من ذكر الخاص قبل العام. قوله: "أو ملحقا به" أي بتفعلل. قوله: "نحو تبيطر" من بيطر الدابة عالج داءها بالدواء. قوله: "وتجلبب" أي لبس الجلباب وهو ثوب أوسع(2/465)
فعلال أو فعللة لفعللا ... واجعل مقيسًا ثانيًا لا أولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تدلى تدليًا، وتدانى تدانيًا، وتسلقى تسلقيا، "فعلال أو فعللة لفعللا" وما ألحق به نحو دحرج دحرجًا ودحرجة، وحوقل حيقالًا وحوقلة. ومعنى حوقل كبر وضعف عن الجماع "واجعل مقيسًا" من فعلال وفعللة "ثانيًا لا أولًا" وكلاهما عند بعضهم مقيس هو ظاهر كلام التسهيل.
تنبيه: يجوز في المضاعف من فعلان نحو الزلزال والقلقال فتح أوله وكسره. وليس في العربية فعل بالفتح إلا في المضاعف والكسر هو الأصل. وإنما فتح تشبيهًا بالتفعال كما جاء في التفعال التبيان والتقاء بالكسر. والتفعال كله بالفتح إلا هذين، على أنهما عند
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من الخمار ودون الرداء. قوله: "وجب إبدال الضمة كسرة" أي لمناسبة الياء. قوله: "إذا كانت اللام" أي الثانية ياء أي أصلية كما في الترامي، أو منقلبة عن واو كما في التساوي ولا حاجة إلى هذا الشرط لعلمه من قوله فإن لم يكن صحيح اللام إذ المصدر المعتل من ذلك لا تكون لامه إلا ياء. قوله: "تسلقى تسلقيا" أي استلقى على ظهره استلقاء مطاوع سلقيته قال في القاموس سلقيته سلقاء بالكسر ألقيته على ظهره. قوله: "فعلال" أي بكسر الفاء. قوله: "وما ألحق به" أي بفعلل كفوعل نحو حوقل، وفيعل نحو بيطر، ففي مثال الشارح نشر على ترتيب اللف. فعلم مما قررناه أن في قول شيخنا والبعض وهو فوعل قصورا. قوله: "نحو دحرج دحراجا" نقل في التصريح عن الصيمري وغيره أن دحراجا لم يسمع في دحرج وسمع سرهفت الصبي سرهافا إذا أحسنت غذاءه.
قوله: "وكلاهما عند بعضهم مقيس" ظاهره في المضاعف وغيره. وصاحب التوضيح جعل الأول مقيسا في المضاعف كزلزال. قوله: "يجوز في المضاعف" هو ما فاؤه ولامه الأولى من جنس واحد، وعينه ولامه الثانية من جنس واحد. قوله: "فتح أوله وكسره" أي وإن كان الأكثر كما في التوضيح والدماميني أن يعني بالمفتوح اسم الفاعل نحو من شر الوسواس أي الموسوس والصلصال بمعنى المصلصل. وفي الأشباه والنظائر النحوية للسيوطي نقلا عن الناظم أن المطرد في المصدر من فعلال هو الكسر وأن الفتح ندر في قولهم: وسوس الشيطان وسواسا، ووعوع الكلب وعواعا، وغطغط السهم في مروره غطغاطا إذا التوى. وأن غير ذلك من المفتوح متعين للوصفية المقصود بها المبالغة وأن تجويز الزمخشري الفتح في المصدر الذي لم يسمع فتحه قياسا على ما سمع يرد بأن النادر لا يقاس عليه. قوله: "والتفعال كله بالفتح" الواو للحال. ومذهب البصريين أن التفعال بالفتح مصدر فعل المخفف جيء به كذلك للتكثير. وقال الفراء وجماعة من الكوفيين مصدر فعل المضعف العين ورجحه المصنف وغيره لكونه للتكثير وفعل المضعف كذلك ولكونه نظير التفعيل باعتبار الحركات والسكنات والزوائد ومواقعها وهل هو سماعي أو قياسي قولان. وأما التفعال بالكسر كالتبيان والتلقاء فليس بمصدر بل بمنزلة اسم المصدر. ا. هـ. دماميني باختصار.
قوله: "على أنهما" أرجع شيخنا الضمير إلى المفتوح والمكسور من المضاعف فالظرف(2/466)
لفاعل الفعال والمفاعلة ... وغير ما مر السماع عادله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سيبويه اسمان وضع كل منهما موضع المصدر. وذهب الكسائي والفراء وصاحب الكشاف إلى أن الزلزال بالكسر المصدر وبالفتح الاسم. وكذلك القعقاع بالفتح الذي يتقعقع وبالكسر المصدر. والوسواس بالفتح اسم لما وسوس به الشيطان وبالكسر المصدر. وأجاز قوم أن يكون مصدرين "لفاعل الفعال والمفاعله" نحو خاصم خصامًا ومخاصمة، وعاقب عقابًا ومعاقبة، لكن يمتنع الفعال ويتعين المفاعلة فيما فاؤه ياء، نحو ياسر مياسرة، ويامن ميامنة. وشذ ياومه يواما لا مياومه "وغير ما مر السماع عاد له" أي كان له عديلًا فلا يقدم عليه إلا بسماع. نحو كذب كذابًا وهي تنزي دلوهًا تنزيًا. وأجاب إجابًا، وتحمل تحمالا، واطمأن طمأنينة، وتراموا رميًا، وقهقر قهقرى، وقرفص قرفصاء، وقاتل قيتالا.
تنبيه: يجيء المصدر على زنة اسم المفعول في الثلاثي قليلًا نحو جلد جلدًا ومجلودًا. وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حال من قوله فتح أوله وكسره بمعنى مفتوح الأول ومكسوره على الاستخدام وأرجعه البعض إلى التبيان والتلقاء ويؤيد الأول السياق بعد. قوله: "بالفتح الاسم" أي الموضوع موضع المصدر هكذا قال البعض. ومقتضى التنظير بعده خلافه فإن التنظير بالقعقاع يقتضي أن الزلزال بالفتح اسم للفاعل والتنظير بالوسواس يقتضي أنه اسم للمزلزل به فتدبر. قوله: "اسم لما وسوس به الشيطان" مناف لما مر عن التوضيح والدماميني. قوله: "وأجاز قوم أن يكونا" أي المفتوح والمكسور مصدرين هو ما ذكره في أول التنبيه على ما سبق عن البعض وغيره على ما سبق عن شيخنا. قوله: "لفاعل الفعال والمفاعلة" قال الدماميني: والمطرد دائما عند سيبويه المفاعلة فقد يتركون الفعال ولا يتركون المفاعلة قالوا جالس مجالسة ولم يقولوا جلاسا. قوله: "فيما فاؤه ياء" أي في مصدر الفعل الذي فاؤه ياء ولم يستثنه المصنف لندرة فاعل الذي فاؤه ياء بل مطلق الفعل الذي فاؤه ياء قليل. قوله: "وشذ ياومه يواما"، لثقل الياء المكسورة أول الكلمة وقوله: لا مياومة أي فليست شاذة. وفي بعض النسخ يواما ومياومة وعليها فالشذوذ منصب على يواما فقط. والمياومة المعاملة بالأيام كما في القاموس. قوله: "وغير ما مر" أي وغير المصادر التي مرت لأفعالها الزائدة على ثلاثة أحرف المتقدم ذكرها. قوله: "عادلة" يحتمل أنه فعل متصل بمفعوله من المعادلة وهي المقابلة ويحتمل أن عاد فعل من العود وله جار ومجرور وعليه فإن أرجع الضمير المستتر للسماع والبارز لغير ما مر كان في العبارة قلب وإن عكس فلا. قوله: "نحو كذب كذابا" بالتشديد فيهما مع كسر الكاف في الثاني. قوله: "تحمالا" بكسر الفوقية والحاء المهملة كما قاله الدماميني.
قوله: "واطمأن طمأنينة" والقياس اطمئنانا لأن أصل اطمأن اطمأنن كاستخرج فأدغمت إحدى النونين في الأخرى. قال الدماميني: وظاهر كلام سيبويه أن الطمأنينة والقشعريرة اسمان وضعا موضع المصدر لا مصدران. قوله: "رميا" بكسر الراء وتشديد الميم والياء مع كسر الميم. قوله: "قيتالا" لا ينافي شذوذه كونه الأصل إذ كثيرا ما يهجر الأصل حتى يعد النطق به شذوذا(2/467)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
733- لم يتركوا لعظامه لحمًا ... ولا لفؤاده معقولا
وفي غيره كثيرًا. ومنه قوله:
734- وعلم بيان المرء عند المجراب
أي عند التجربة وقوله:
أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلًا
أي قتالًا وقوله:
735- أظلوم إن مصابكم رجلًا ... أهدى السلام تحية ظلم
أي إصابتكم، وربما جاء في الثلاثي بلفظ اسم الفاعل نحو فلج فالجا. وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فاندفع ما للبعض تبعا لشيخنا. قوله: "يجيء المصدر" أي عند غير سيبويه فقد نقل صاحب المصباح عن بعضهم أن سيبويه ينكر مجيء المصدر على مفعول ويؤوّل ما أوهم ذلك. قوله: "قليلا" أي فيقتصر فيه على السماع. قوله: "نحو جلد جلدا ومجلودا" في القاموس جلد ككرم جلادة وجلودة وجلدا ومجلودا أي قوي. قوله: "لم يتركوا لعظامه إلخ" هذا البيت من الكامل الذي استعملته العرب مخمسا شذوذا إن لم يكن سقط والأصل مثلا لم يتركوا من هجرهم لعظامه إلخ.
قوله: "وعلم بيان المرء" أي علم منطقه الفصيح. قوله: "أي قتالا" فيه أنه لا داعي إلى جعل مقاتلا في البيت بمعنى قتالا بل المعنى على كونه اسم مفعول أظهر. قوله: "نحو فلج فالجا" اعلم أن فلج بفتح الفاء واللام يفلج بكسر اللام وضمها فلجا بفتح الفاء وسكون اللام
__________
733- البيت بتمامه:
حتى إذا لم يتركوا لعظامه ... لحمًا ولا لفؤاده معقولا
والبيت من الكامل، وهو للراعي النميري في ديوانه ص236؛ وسمط اللآلي ص266.
734- صدره:
وقد ذقتمونا قرة بعد مرة
وهو من الطويل.
735- البيت من الكامل، وهو للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه ص91؛ والاشتقاق ص99، 151، الأغاني 5/ 225؛ وخزانة الأدب 1/ 454، والدرر 5/ 258؛ ومعجم ما استعجم ص504؛ وللعرجي في ديوانه ص193؛ ودرة الغواص ص96؛ ومغني اللبيب 2/ 538؛ وللحارث أو للعرجي في إنباه الرواة 1/ 284؛ وشرح التصريح 2/ 64؛ وشرح شواهد المغني 2/ 892؛ والمقاصد النحوية 3/ 502؛ ولأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص66؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 226؛ وأوضح المسالك 3/ 210؛ وشرح شذور الذهب ص527؛ وشرح عمدة الحافظ ص731؛ ومجالس ثعلب ص270؛ ومراتب النحويين ص127؛ وهمع الهوامع 2/ 94.(2/468)
وفعلة لمرة كجلسه ... وفعلة لهيئة كجلسه
في غير ذي الثلاث بالتا المره ... وشذ فيه هيئة كالخمرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كفى بالنأي من أسماء كاف
أي كفاية ونحو: {فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} [الحاقة: 5] ، أي بالطغيان: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 88] ، أي بقاء "وفَعلة" بالفتح "لمرة كجلسة" ومشية وضربة "وفِعلة" بالكسر "لهيئة كجلسة" ومشية وضربة.
تنبيه: محل ما ذكر إذا لم يكن المصدر العام على فعلة بالفتح نحو رحمة، أو فعلة بالكسر نحو ذربة، فإن كان كذلك فلا يدل على المرة أو الهيئة إلا بقرينة أو يوصف نحو رحمة واحدة وذربة عظيمة "في غير ذي الثلاث بالتا المره" نحو انطلق انطلاقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يأتي بمعنى شق وقسم بالفلج بالكسر وهو مكيال معروف، وظفر بما طلب، ويقال: أفلج برهانه أي قومه وأظهره. وأما فلج يفلج فلجا كطرب يطرب طربا فهو للانفراج بين الثنايا. وأما بضم الفاء وكسر اللام فهو فعل ملازم للبناء للمجهول معناه أصابه الفالج وهو استرخاء أحد شقي البدن لانصباب خلط بلغمي تنسد منه مسالك الروح كذا في القاموس وغيره. ولم أرَ فيه ولا في الصحاح ولا في المصباح ولا في المختار الفالج مصدر الفلج مطلقا فانظر جعله مصدرا لفلج بأي معنى لفلج والأقرب أنه لفلج المبني للمجهول وقد مثل في المصباح لمجيء فاعل مصدرا بقولهم قم قائما أي قياما. قوله: "بالنأي" بفتح النون وسكون الهمزة أي البعد. قوله: "وفعلة لمرة كجلسة" مقتضى ما مر في باب إعمال المصدر من أن من شروط عمله أن يكون غير محدود بالتاء فلو حد بالتاء لم يعمل أن فعلة التي للمرة كجلسة من المصادر فيكون لجلس مثلا مصدران أحدهما دال على المرة وهو جلسة والثاني لا دلالة له عليها وهو جلوس ولا فرق في بناء فعلة بالفتح للمرة بين كون المصدر المطلق على فعل كضربة أولا كخرجة من خروج كما في الهمع ثم فعلة التي للمرة إنما تكون لما يدل على فعل الجوارح الحسية كأمثلة الناظم والشارح لا ما يدل على الفعل الباطني كالعلم والجهل والجبن والبخل أو الصفة الثابتة كالحسن والظرف. قوله: "وفعلة لهيئة" أي لهيئة الحدث والحدث وإن استلزم الهيئة لكن فرق بين الدلالة مطابقة والدلالة التزاما قاله سم وفسر الجار بردى الجيئة بالنوع. قوله: "محل ما ذكر" أي كون فعلة بالفتح للمرة وبالكسر للهيئة إذا لم يكن المصدر العام أي المطلق الصادق. بالقليل والكثير والخالي عن إرادة الهيئة ودخل في قوله لم يكن إلخ المصدر المطلق الذي على فعلة بالضم كالكدرة فيفتح للمرة ويكسر للهيئة كما قاله ابن هشام وقياسه كما قاله سم أن ما على فعلة بالفتح يكسر للدلالة على الهيئة وبالعكس وهو المتجه وإن نقل عن بعضهم خلافه.
قوله: "نحو ذربة" هي الحدة في الشيء يقال: رجل ذرب أي حاد. قوله: "إلا بقرينة" أي حالية أو مقالية فعطف الوصف عليها عطف خاص على عام فإن خصت بالحالية فالعطف مغاير. قوله: "في غير ذي الثلاث بالتا المرة" أي من غير تغيير صيغة المصدر وإنما تلحق التاء من(2/469)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واستخرج استخراجة. فإن كان بناء مصدره الغام على التاء دل على المرة منه بالوصف كإقامة واحدة، واستقامة واحدة "وشذ فيه هيئة كالحمرة" من اختمر، والعمة من تعمم، والنقبة من انتقب.
خاتمة: يصاغ من الثلاثي مفعل فتفتح عينه مرادًا به المصدر أو الزمان أو المكان إن اعتلت لامه مطلقًا، نحو مرمى ومغزى وموقى، أو صحت ولم تكسر عين مضارعه نحو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر الأغلب استعمالا فإذا كان للفعل مصدران قياسيان أو سماعيان لحقت الأغلب أو قياسي وسماعي لحقت القياسي قاله الشاطبي. وانظر ما إذا كان السماعي أغلب استعمالا من القياسي. وظاهر أول عبارته أنها تلحق السماعي الأغلب وظاهر آخرها أنها تلحق القياسي غير الأغلب. قوله: "بالوصف" هلا قال كسابقه بالقرينة أو الوصف. قوله: "وشذ فيه هيئة" أي شذ في غير ذي الثلاث بناء فعلة بالكسر للهيئة. قوله: "من اختمر" يقال اختمرت المرأة أي غطت رأسها بالخمار. قوله: "من انتقب" أي غطى وجهه بالنقاب.
قوله: "خاتمة" حاصل المقام أن الفعل تارة يكون معتل اللام وتارة لا فالأول يجب فتح عين مفعل منه مطلقا والثاني إن كان صحيحا وضمت عين مضارعه أو فتحت فكذلك وإن كسرت فالمصدر بالفتح وغيره بالكسر، وإن كان معتل الفاء فقط فإن كسرت عين مضارعه ولو بحسب الأصل وجب كسر عين مفعل منه مطلقا نحو وعد يعد ووثق يثق، ونحو وهب يهب ووطئ يطأ فإن فتحت عين مضارعه فتحا أصليا نحو وجل يوجل فأكثر العرب يكسر عين مفعل منه مطلقا وبعضهم يفتحها في المصدر ويكسرها في غيره هذا عند غير طيىء وأما طيىء فيجرون معتل الفاء مجرى الصحيح في تفصيله السابق. هذا كله في الثلاثي. وأما غيره فالمصدر وأسماء الزمان والمكان منه بزنة اسم المفعول هكذا ينبغي تقرير هذا المقام وبه يعرف ما في كلام شيخنا والبعض من الخلل في غير موضع كما لا يخفى على متأمله، ومما ذكراه في هذا المقام أن معتل الفاء إذا فتحت عين مضارعه أي ونقلت فتحتها إلى فائه التي هي الواو كودّ يود وجب فتح عين مفعل منه كالمودة. ويرده ما في القاموس وغيره من أن واو المودة تفتح وتكسر فاعرف ذلك. قوله: "يصاغ من الثلاثي مفعل" أي يصاغ من مصدر الفعل الثلاثي موازن مفعل أي إن كان متصرفا وقد تلحق مفعلا هاء التأنيث كالمودة. قوله: "إن اعتلت لامه مطلقا" أي سواء كسرت عين مضارعه أو لا فهو في مقابلة التقييد اللاحق. قوله: "نحو مرمى ومغزى موقى" بواو بعد الميم على ما في بعض النسخ وهو الذي في خط الشارح كما قاله شيخنا وعليه فالإشارة بتعداد الأمثلة إلى أنه لا فرق بين ما لامه ياء كمرمى وما لامه واو كمغزى ولا بين صحيح الفاء كالمثالين ومعتلها كموقى. وفي أكثر النسخ ومرقى براء بعد الميم وعليه فالإشارة بالتعداد إلى أنه لا فرق بين ما لامه ياء أو واو ولا بين ما عين مضارعه مكسورة أو مضمومة أو مفتوحة. والنسخة الأولى أولى من هذه لعلم عدم الفرق بين هذه الثلاثة من قوله مطلقا فتفطن. قوله: "ولم تكسر(2/470)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مقتل ومذهب، فإن كسرت فتحت في المراد به المصدر، نحو مضرب وكسرت في المراد به الزمان أو المكان نحو مضرب، وتكسر مطلقًا عند غير طيئ فيما صحت لامه وفاؤه واو، ونحو مورد وموقف موئل: وشذ من جميع ألفاظ معروفة ذكرها في التسهيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عين مضارعه" بأن ضمت أو فتحت ولهذا مثل بمثالين. قوله: "فإن كسرت إلخ" منه ما عين مضارعه ياء مكسورة في الأصل فيقال: مبات في المصدر وأصله مبيت بفتح الياء ومبيت في الزمان والمكان. وقيل: يخير بين الفتح والكسر مطلقا وقيل: يقتصر على ما سمع فلا يقال في معاش معيش ولا في محيض محاض. قال في التسهيل: وهو الأولى.
قوله: "وتكسر مطلقا" أي سواء أريد به المصدر أو الزمان أو المكان. قوله: "عند غير طيىء" وأما طيىء فيجرونه مجرى ما فاؤه غير واو فيفصلون فيه بين مكسور عين المضارع وغيره كما مر. قوله: "فيما صحت لامه وفاؤه واو" أي ولم تفتح عين مضارعه أصالة فإن فتحت كيوجل فأكثر العرب يكسر عين مفعل منه مطلقا وبعضهم يفتحها في المصدر ويكسرها في غيره كما علمت. قوله: "وموئل" الموئل الملجأ. قوله: "وشذ من جميع ذلك" أي جميع الأقسام المتقدمة ألفاظ معروفة ذكرها في التسهيل مما شذ من معتل اللام في المصدر من عصى وحمى أي أنف وأوى له أي رقّ ورازه أي أصابه معصية ومحمية ومأوية ومرزية بالكسر فقط في الجميع. وفي المكان مأوى الإبل بكسر الواو فقط كما صرح به في لامية الأفعال ونقل بعضهم فيه الفتح على القياس. وأما مأوى غير الإبل فبالفتح على القياس. ومما شذ من الصحيح الذي ضمت عين مضارعه في المصدر من رفق وطلع مرفق ومطلع بالكسر. وفتح الثاني الحجازيون على القياس وفي المكان من سجد وشرق وغرب وجزر ونبت وسقط وطلع وظن مسجد قال الدماميني: وهو البيت المبني للعبادة سجد فيه أو لم يسجد. قال سيبويه: وأما موضع السجود فالمسجد بالفتح لا غير. ا. هـ. ومشرق ومغرب ومجزر ومنبت ومسقط ومطلع ومظنة بالكسر فقط في الجميع. ومما شذ من الصحيح الذي فتحت عين مضارعه في المصدر من جمع وحمد مجمع ومحمدة بالكسر وجاء فيهما الفتح على القياس. وفي المكان من جمع مجمع بالكسر وجاء فيه الفتح على القياس. ومما شذ من الصحيح الذي كسر عين مضارعه في المصدر من رجع وعذر وعفر وعرف مرجع ومعذرة ومغفرة ومعرفة بالكسر فقط وفي المكان من زل مزلة بالفتح وجاء فيه الكسر على القياس. ومما شذ من معتل الفاء في المكان من وحل بكسر الحاء المهملة يوحل بفتحها ووضع ووقع موحل وموضع وموقعة بالفتح في الثلاثة، وجاء فيها الكسر على القياس. وجاء بتثليث العين مهلك ومهلكة أي مفازة، ومقدرة أي حاجة ومقبرة ومشرقة بالشين المعجمة والقاف أي موضع القعود في الشمس ومزرعة، ولم يجئ مفعل بضم العين إلا مهلك ومعون ومكرم ومألك بالهمزة أي رسالة وميسر قرئ في الشواذ فنظرة إلى ميسرة بالضم والإضافة. وقد صاغوا مفعلة من الثلاثي اللفظ أو الأصل لسبب كثرة مسماه أو محلها مثالها لسبب الكثرة الولد مجبنة مبخلة أي سبب لكثرة الجبن عن الحرب وكثرة البخل ولمحل الكثرة مأسدة ومسبعة ومقثأة ومفعاة أي محل(2/471)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويعامل غير الثلاثي معاملة الثلاثي في ذلك، فمن أراد ذلك بنى منه اسم مفعول وجعله بإزاء ما يقصده من المصدر كما مر أو الزمان أو المكان. ومنه: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] ، {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19] ، وقوله:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لكثرة الأسد والسبع والقثاء والأفعى. وقد أفردت مسألة مفعل برسالة فمن أراد إشباع الكلام فيه فعليه بها. قوله: "في ذلك" أي في صوغ صيغة منه تصلح مصدرا واسم زمان واسم وكان. ولما كان اسم الإشارة غير موف بذلك لإيهامه الرجوع إلى التفصيل المتقدم في مفعل مع أنه ليس بمراد عقبه بقوله فمن أراد إلخ. قوله: "كما مر" أي في قوله:
وعلم بيان المرء عند المجرب
وقوله:
أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا
على ما فيه وقوله
أظلوم أن مصابكم رجلا
قوله: "ومنه" أي من بناء اسم المفعول وجعله بإزاء المقصود من الثلاثة فمجراها ومرساها يحتملان الثلاثة كما في البيضاوي وإن قصرهما البعض على احتمال الزمان والمكان، وممزق مصدر، وممسانا ومصبحنا اسما زمان.
فائدة: اطراد بناء اسم الآلة على مفعل ومفعلة ومفعال بكسر الميم وفتح العين في الثلاثة كمجدح لما يجدح به السويق أي يلت ومكسحة ومفتاح وشذ غير ذلك كمنخل ومسعط ومدهن بضم الأول والثالث في الثلاثة، وجاء المسعط على القياس أيضا وقد تفتح خاء المنخل كما في القاموس وكمشط بتثليث الميم وبوزن كتف وعنق وعتل. وجاء ممشط على القياس. قال في الهمع وكإراث آلة تأريث النار أي إضرامها وسراد ما يسرد به أي يخرز. ا. هـ. وفي القاموس أن الإراث ككتاب النار وما أعدّ للنار من حراقة ونحوها. وأن السراد الخرز في الأديم كالسرد. ا. هـ. وهو أيضا ككتاب:(2/472)
وهو قليل في فعلت وفعل ... غير معدى بل قياسه فعل
وأفعل فعلان نحو أشر ... ونحو صديان ونحو الأجهر
وفعل أولى وفعيل بفعل ... كالضخم والجميل والفعل جمل
وأفعل فيه قليل وفعل ... وبسوى الفاعل قد يغنى فعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سالم، وفره الفرس فهو فاره. أو متعديًا نحو ضرب فهو ضارب، وركب فهو راكب "وهو قليل في فعلت" بضم العين كطهر فهو طاهر، ونعم فهو ناعم، وفره فهو فاره "و" في "فعل" بكسرها "غير معدى" نحو سلم فهو سالم "بل قياسه" أي قياس فعل اللازم المكسور العين "فعل" بفتح الفاء وكسر العين في الأعراض "وأفعل" في الألوان والخلق و"فعلان" فيما دل على الامتلاء وحرارة الباطن "نحو أشر" وبطر وفرح "ونحو صديان" وريان وعطشان "ونحو الأجهر" والأحمر. ومما شذ فيه مريض وكهل "وفعل" بفتح الفاء وسكون العين "أولى وفعيل بفعل" مضموم العين "كالضخم" والشهم "والجميل" والظريف "والفعل" لهذه ضخم وشهم و"جمل" وظرف "وأفعل فيه قليل وفعل" بفتحتين، وفعال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غذا طفله باللبن فهو غاذ وهو قليل إلخ ويرد على هذه النسخة ما ورد على النسخة الثانية. وكتب البعض على هذه النسخة فاعترضها بأنه كان الأحسن في صوغ التركيب أن يقول كغذا بمعجمتين لازما بمعنى كذا ومتعديا بمعنى كذا، ولا يخفى أن صوغ التركيب يحسن بتقدير كغذا بعد قوله ومتعديا وجعل الواو بمعنى أو فتفطن. قوله: "وفره" يقال: فره الفرس يفره بضم الراء فيهما فراهة وفروهة وفراهية بالتخفيف فهو فاره أي نشط وخف. ورجل فاره أي حاذق وجارية فرهاء أي حسناء.
قوله: "وهو" أي صوغ فاعل قليل أي شاذ. قوله: "أي قياس فعل" أي قياس الوصف من فعل. قوله: "في الأعراض" جمع عرض والمراد به هنا المعنى العارض للذات الغير الراسخ فيها فخرج الألوان والخلق. قوله: "والخلق" بكسر الخاء وفتح اللام جمع خلقة، والمراد بها الحال الظاهري في البدن كالعور والحور والجهر. قوله: "وحرارة الباطن" الواو بمعنى أو. قوله: "نحو أشر وبطر وفرح" بتنوين الثلاثة لأنها أمثلة للوصف لا للفعل بقرينة قوله ونحو صديان. والأشر والبطر معناهما الذي لا يحمد النعمة. والصديان العطشان. والأجهر الذي لا يبصر في الشمس وأعاد نحو في قوله ونحو صديان وقوله ونحو الأجهر لاختلاف النوع. وصديان وعطشان مما دل على حرارة الباطن وريان مما دل على الامتلاء. واعترض بأن الريّ انقضاء حاجة الشرب وقد يكون ذلك بدون امتلاء بل قد يحصل من غير تناول شيء أصلا إلا أن يقال المراد بالامتلاء حقيقة أو حكما. قوله: "ومما شذ فيه" أي في فعل المكسور العين اللازم مريض وكهل والقياس مرض وكهل لأنهما من الأعراض. قوله: "أولى" لعله لم يصرح بالقياس لعدم كثرة فعل وفعيل في فعل مضموم العين كثرة تقطع بقياسهما فيه عنده. قال الشاطبي: وغير المصنف يرى أن فعيلا قياس دون فعل. قوله: "والشهم" وهو ذكي الفؤاد. قوله: "والفعل جمل" احتراز عن جميل(2/474)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالفتح وفعال بالضم، وفعل بضمتين، وفعل بكسر الفاء أو ضمها، وفعال وفعول، وفعل بكسرتين كحرش فهو أحرش، وخظب فهو أخظب إذا احمر إلى الكدرة. ونحو بطل، وحسن فهو حسن. ونحو جبن فهو جبان، وشجع فهو شجاع. ونحو جنب فهو جنب. ونحو عفر فهو عقر أي شجاع ماكر. ونحو غمر فهو غمر أي لم يجرب الأمور. ونحو وضوء فهو وضاء أي وضيء. ونحو حصرت فهي حصور أي ضاق مجرى لبنها. ونحو خشن فهو خشن.
تنبيه: جميع هذه الصفات صفات مشبهة إلا فاعلًا كضارب وقائم فإنه اسم فاعل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من جملت الشحم بالفتح أي أذبته فجمل هو بالبناء للمجهول أي أذيب فهو مجمول وجميل لأن فعيلا فيه بمعنى مفعول فليس مما نحن فيه. قاله الشاطبي وأقره غير واحد كالبعض. ويرد عليه أن كون فعله جمل بالضم معلوم من قوله: وفعل أولى وفعيل بفعل. حيث فرض الكلام في فعل بالضم. ثم الظاهر أن تقييد الشارح الضخم والشهم والظريف بكون فعلها ضخم وشهم وظرف بيان للواقع هذا ويحتمل أن الواو في قوله والفعل إلخ استئنافية لا حالية فلا يكون تقييدا بل مستأنفا لبيان الواقع لكنه غير محتاج إليه فتدبر. قوله: "بالفتح" أي فتح الفاء مع تخفيف العين وكذا قوله بالضم.
قوله: "وفعال" أي بضم الفاء وتشديد العين وقوله وفعول أي بفتح الفاء وتخفيف العين. قوله: "كحرش" بالحاء المهملة ثم الشين المعجمة أي خشن وتمثيله من النشر على ترتيب اللف. قوله: "وخظب" بالخاء والظاء المعجمتين على ما ذكره المصرح وتبعه غيره. والذي في القاموس أنه بالطاء المهملة وأن فعله من باب فرح لا من باب ظرف كما هو مقتضى كلام الشارح وعبارته في مادة خطب بالخاء المعجمة والطاء المهملة الخطبة بالضم لون كدر مشرب حمرة في صفرة أو غبرة ترهقا خضرة خطب كفرح فهو أخطب ولم أجد مادة خظب والظاء المعجمتين لا في القاموس ولا في الصحاح ولا في المصباح. وقوله إلى الكدرة أي مائلا إلى الكدرة. قوله: "ونحو عفر" بالعين المهملة فالفاء. قوله: "ونحو غمر" بالغين المعجمة فالميم. قوله: "ونحو حصرت" بمهملات مبنيا للمجهول لزوما فالتمثيل به لفعل المضموم العين باعتبار أصله ولا يرد أن أصل المبني للمجهول متعد والمضموم العين الذي الكلام فيه لازم لما مر عن سم أن المبني للمجهول قد يكون سماعا من اللازم نحو جن فيجعل هذا منه وانظر ما الدليل على أن أصله بضم العين. قوله: "فهو خشن" بكسرتين وفي القاموس أنه ككتف فلعل فيه اللغتين. قوله: "جميع هذه الصفات إلخ" دفع لما قد يقال إن المصنف ترجم لأبنية الصفات المشبهة ولم يذكرها وهو معيب ولا يقال إنه ذكرها في الباب الآتي لأن المذكور فيه أحكامها لا أبنيتها لكن كان على الشارح أن يؤخر هذا التنبيه إلى آخر الباب لأن ذكره هنا يوهم أن وصف الفاعل من غير الثلاثي المجرد واسم المفعول من الثلاثي أو غيره لا يكونان صفتين مشبهتين مع أنهما يكونان(2/475)
وزنة المضارع اسم فاعل ... من غير ذي الثلاث كالمواصل
مع كسر متلو الأخير مطلقًا ... وضم ميم زائد قد سبقا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلا إذا أضيف إلى مرفوعه، وذلك فيما إذا دل على الثبوت، كطاهر القلب، وشاحط الدار أي بعيدها فهو صفة مشبهة أيضًا "وبسوى الفاعل قد يغنى فعل" أي وقد يستغنى عن وزن فاعل من فعل بالفتح بغيره كشيخ وأشيب وطيب وعفيف "وزنة المضارع اسم فاعل من غير ذي الثلاث كالمواصل. مع كسر متلو الأخير مطلقًا وضم ميم زائدة قد سبقا" أي يأتي اسم الفاعل من غير الثلاثي المجرد على زنة مضارعه بشرط الإتيان بميم مضمومة مكان حرف المضارعة وكسر ما قبل الأخير مطلقًا: أي سواء كان مكسورًا في المضارع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صفتين مشبهتين إذا قصد بهما الثبوت دون الحدوث وأضيفا إلى مرفوعهما أو نصباه على التشبيه بالمفعول به أو على التمييز كوصف الفاعل من الثلاثي المجرد.
قوله: "صفات مشبهة" أي إن قصد بها الثبوت والدوام وإن لم تضف إلى مرفوعها ولم تنصبه على التشبيه بالمفعول به أو على التمييز فإن قصد بها الحدوث كانت أسماء فاعلين ونقل الإسقاطي وغيره أنها إذا قصد بها النص على الحدوث حوّلت إلى فاعل. وفي التصريح عن الشاطبي وغيره أنه إذا أريد حدوث الحسن مثلا قيل حاسن لا حسن. وقوله إلا إذا أضيف إلى مرفوعه أي أو نصبه على ما ذكر فلا يكون فاعل صفة مشبهة إلا إذا قصد به الثبوت وأضيف إلى مرفوعه أو نصبه على ما ذكر. والفرق بين فاعل وغيره من تلك الصفات أن الأصل في فاعل قصد الحدوث وقصد الثبوت طارئ فلا يعتبر إلا مع ما يدل على خروجه عن الأصل واستعماله في الثبوت من الإضافة أو النصب المذكورين وأما غير فاعل فمشترك في الأصل بين الحدوث والثبوت فاكتفى في كونه صفة مشبهة بقصد الثبوت. قوله: "إذا دلّ على الثبوت" أي الدوام دون الحدوث وليس المراد بالثبوت مطلق الحصول لأنه لا يختص بالصفة المشبهة. قوله: "وبسوى الفاعل قد يغنى فعل" يغنى بفتح الياء مضارع غنى من باب فرح أي استغنى ونسبة الاستغناء إلى فعل مجاز كما أشار إليه الشارح بقوله أي قد يستغنى بالبناء للمجهول والمراد أنه قد يستعمل في الوصف من فعل غير فاعل دون فاعل. قوله: "وزنة" أي موازن المضارع خبر مقدم واسم فاعل مبتدأ مؤخر ومن غير ذي الثلاث أي من مصدر فعل غير ذي الثلاث نعت لاسم فاعل. قوله: "مع كسر متلو الأخير" أي ما يتلوه الحرف الأخير والمراد الكسر ولو تقديرا كمعتل ومختار اسمي فاعل. وأما منتن بضم التاء اتباعا فشاذ. وشذ فتح ما قبل الآخر في ألفاظ كاسم الفاعل من أحصن وأسهب بسين مهملة آخره موحدة أي تكلم بما لا يعقل فإن كان بمعنى تكلم بما يعقل فاسم فاعله مسهب بكسر الهاء على القياس وألفح بالفاء والحاء المهملة أي افتقر وصار مفلسا. واجرأشت الإبل بجيم فراء فهمزة فشين معجمة مشددة أي سمنت. وشذ أيضا مجيء اسم فاعل أفعل على فاعل كأورس الشجر إذا اخضر ورقه فهو وارس وجاء مورس قليلا وأمحل البلد إذا قحط فهو ما حل.(2/476)
وإن فتحت منه ما كان انكسر ... صار اسم مفعول كمثل المنتظر
وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد ... زنة مفعول كآت من قصد
وناب نقلًا عنه ذو فعيل ... نحو فتاة أو فتى كحيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كمنطلق ومستخرج، أو مفتوحًا كمتعلم ومتدحرج "وإن فتحت منه" أي من هذا "ما كان انكسر" وهو ما قبل الأخير "صار اسم مفعول كمثل المنتظر" والمستخرج "وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد زنة مفعول كآت من قصد" يقصد فإنه مقصود، وآت من ضرب مضروب ومن مر ممرور به، ومنه مبيع مقول ومرمي، إلا أنها غيرت.
تنبيه: مراده بالثلاثي المتصرف "وناب نقلًا عنه" أي عن مفعول "ذو فعيل" مستويًا فيه المذكور والمؤنث "نحو فتاة أو فتى كحيل" أو جريح أو قتيل.
تنبيه: مراده أنه ينوب عنه في الدلالة على معناه فقط. قال في التسهيل: وينوب في الدلالة لا العمل عن مفعول بقلة فعل كذبح، وفعل كقنص، وفعلة كغرفة، وبكثرة فعيل. ا. هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وضم ميم زائد" وأما نحو منتن بكسر الميم اتباعا فشاذ. قوله: "وإن فتحت إلخ" أي ولو تقديرا كمعتل ومختار اسمي مفعول وقد يستغنى بمفعول عن مفعل بفتح العين كمحزون ومحموم ومزكوم فإنه لم يسمع محزن ولا محم ولا مزكم مع أن أفعال الثلاثة سمعت ثلاثية ورباعية، يقال حزنه الله وأحزنه وزكم وأزكمه الله وحم الرجل من الحمى وأحمه الله وحم الشيء وأحم قدر فالتزامهم في اسم المفعول من الثلاثة زنة مفعول دليل على استغنائهم بمفعول عن مفعل. ا. هـ. دماميني ومن هذا القبيل مجنون ومهزول وفي موضع آخر من التسهيل أنه قد يستغنى بمفعول عن مفعل بفتح العين فيما لا ثلاثي له أيضا ومثله الدماميني بأرقه فهو مرقوق ولم يقولوا مرق. قال فإن قلت فقد قالوا رق العبد قلت إنما يقولونه بمعنى صار رقيقا فليس بمعنى أرق. ا. هـ. وقد يجيء اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول والعكس نحو عيشة راضية ونحو: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61] ، أي مرضية وآتيا. وقيل الأول مجاز عقلي أي راض صاحبها والثاني من قولهم أتيت الأمر أي فعلته. قوله: "إلا أنها غيرت" أي عن صيغة مفعول وأصلها مبيوع ومقوول ومرموي فنقلت حركة ياء الأول إلى الساكن قبلها ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين وقلبت الضمة كسرة لتسلم الياء، ونقلت حركة واو الثاني إلى الساكن قبلها ثم حذفت الواو الثانية لالتقاء الساكنين وقلبت واو الثالث ياء لاجتماعها ساكنة مع الياء والضمة كسرة وأدغمت الياء في الياء.
قوله: "مراده بالثلاثي" أي في قوله وفي اسم مفعول الثلاثي، وكذا قوله فيما مر: إذا من ذي ثلاثة يكون، وإن تبادر من الشرح قصد الأول فقط. قوله: "المتصرف" خرج الجامد نحو عسى وليس ونعم وبئس فلا يتأتى منه اسم فاعل ولا اسم مفعول. قوله: "نقلا" أي لا قياسا وهو مصدر بمعنى اسم المفعول حال من ذو. قوله: "أي عن مفعول" وقد ينوب عن مفعل بضم الميم وفتح العين نحو أعله المرض فهو عليل أي معلّ وأعقدت العسل فهو عقيد أي معقد كذا في التسهيل وشرحه. قوله: "ذو فعيل" أي صاحب هذا الوزن أي موازنة. قوله: "في الدلالة لا العمل"(2/477)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة: قال الشارح ومجيء فعيل بمعنى مفعول كثير في لسان العرب، وعلى كثرته لم يقس عليه بإجماع. وفي التسهيل ليس مقيسًا خلافًا لبعضهم فنص على الخلاف وفي شرحه وجعله بعضهم مقيسًا فيما ليس له فعيل بمعنى فاعل نحو قدر ورحم لقولهم قدير ورحيم. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال الدماميني: فلا يقال مررت برجل ذبيح كبشه، وفي مقرب ابن عصفور واسم المفعول وما كان من الصفات بمعناه حكمه بالنظر إلى ما يطلبه من المعمولات حكم الفعل المبني للمفعول. ا. هـ. كلام ابن عصفور فعليه يصح مررت برجل قتيل أبوه والمصنف موافق على رفعه للضمير لإطلاقه القول بأن الخبر المفرد المشتق متحمل للضمير كذا يلزم على ما فهمه أبو حيان ومتابعوه. ولقائل أن يقول شروط العمل إنما هي للعمل في المنصوب لا في المرفوع فيجوز عند المصنف أن يعمل في الضمير والظاهر. ا. هـ. وفي الهمع ما نصه: ولا يعمل كعمل اسم المفعول ما جاء بمعناه من فعل وفعل وفعيل كذبح وقنص وقتيل، فلا يقال: مررت برجل كحيل عينه ولا قتيل أبوه خلافا لابن عصفور حيث أجاز ذلك. قال أبو حيان: ويحتاج في منع ذلك أو إجازته إلى نقل صحيح عن العرب. ا. هـ. إذا علمت هذين النقلين علمت أن عزو البعض منع العمل في المرفوع الظاهر إلى ابن عصفور خطأ محض نعوذ بالله من التساهل.
قوله: "فعل" أي بكسر الفاء وسكون العين كذبح وطحن ورعى وطرح بمعنى مفعول. قوله: "وفعل" أي بفتحتين كما في الدماميني كقنص بقاف ونون مفتوحتين وصاد مهملة كما ضبطه شيخنا وغيره أي وكعدد وتوهم البعض أن قوله: كقنص بقاف مفتوحة وموحدة ساكنة وضاد معجمة فقال أي ونقض وعدّ وخبط وهو تحريف لما مر عن الدماميني ولأن إطلاق المصدر بمعنى المفعول مجازا كثير مطرد. قوله: "وفعلة" أي بضم الفاء وسكون العين كغرفة وأكلة ومضغة. قوله: "لم يقس عليه" فلا يقال: ضريب بمعنى مضروب ولا عليم بمعنى معلوم. قوله: "خلافا لبعضهم" أي في نوع منه وهو ما ليس له فعيل بمعنى فاعل كما يدل عليه كلامه في شرح التسهيل الذي نقله الشارح. قوله: "وجعله بعضهم مقيسا فيما ليس له إلخ" أي لأنه لا لبس فيه بخلاف ما له فعيل بمعنى فاعل. قوله: "نحو قدر ورحم" تمثيل للمنفي وأما ما ليس له ذلك فكقتيل وجريح وقوله لقولهم إلخ تعليل لمحذوف أي وإنما كان الفعلان لهما فعيل بمعنى فاعل لقولهم إلخ.
تم الجزء الثاني من حاشية العلامة الصبان على شرح الأشموني ويليه الجزء الثالث. وأوله الصفة المشبهة باسم الفاعل(2/478)
الفهرس:
3 لا التي لنفي الجنس
26 ظن وأخوانها
59 الفاعل
87 النائب عن الفاعل
102 اشتغال العامل عن المعمول
125 تعدي الفعل ولزومه
142 التنازع في العمل
159 المفعول المطلق
179 المفعول له
184 المفعول فيه وهو المسمى ظرفًا
197 المفعول معه
208 الاستثناء
150 الحال
288 التمييز
302 حروف الجر
356 الإضافة
423 المضاف إلى ياء المتكلم
427 إعمال المصدر
442 إعمال اسم الفاعل
459 أبنية المصادر
473 أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة بها(2/479)
المجلد الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
الصفة المشبهة باسم الفاعل:
صفة استُحْسِن جرّ فاعل ... معنى بها المشبهة اسم الفاعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الصفة المشبهة باسم الفاعل:
"صفة استحسن جر فاعل معنى بها المشبهة اسم الفاعل" أي: تتميز الصفة المشبهة عن اسم الفاعل باستحسان جر فاعلها بإضافتها إليه، فإن اسم الفاعل لا يحسن فيه ذلك؛ لأنه إن كان لازمًا وقصد ثبوت معناه صار منها وانطلق عليه اسمها، وإن كان متعديًا فقد سبق أن الجمهور على منع ذلك فيه فلا استحسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصفة المشبهة باسم الفاعل:
أي: المتعدي لواحد كما يعلم مما يأتي. قوله: "صفة استحسن إلخ" تعريف بالخاصة فهو رسم. وأورد عليه صور امتناع الجر الآتية في قوله ولا تجرر بها إلخ, وصور ضعفه فإن الصفة المشبهة في جميع هذه الصور لا يستحسن جر الفاعل بها. وأجيب بأن المراد استحسان الجر بنوعها وإن لم يكن بشخصها. وأجيب أيضا عن الثاني بأن المراد بالاستحسان خلاف الاستقباح ولا استقباح في الضعيف وإن قوبل بالحسن بناء على أن المراد بالحسن خلاف القبيح والضعيف وأما قسم القبيح فلا جر فيه ولو سلم فقد علم جوابه ا. هـ سم. وقوله ولو سلم أي: إن من القبيح ما هو جر ففي التوضيح أن كاتب الأب بالجر قبيح وهو مبني على جواز الإضافة في المثال كما يأتي. قوله: "معنى" أي: في المعنى أو من جهة المعنى لا اللفظ لما يأتي في الشرح. قوله: "المشبهة اسم الفاعل" بنصب اسم على المفعولية وجره بالإضافة. قوله: "عن اسم الفاعل" اعترض بأن المقصود بالتعريف تمييز الصفة المشبهة عما عداها من اسم الفاعل وغيره كما هو شأن سائر التعاريف. وأجيب بأن تخصيصه بالذكر لشدة اشتباهها به لاشتراكهما في كثير من الصيغ والأحوال. قوله: "وقصد ثبوت معناه" فإن لم يقصد باللازم الثبوت بل الحدوث فليس صفة مشبهة سم.
قوله: "صار منها" قال سم ظاهره أنه حينئذٍ يستحسن جر فاعله ويرد عليه أن صاحب التوضيح صرّح بقبح الإضافة في قولك زيد كاتب الأب والمخلص من ذلك أن يراد بالاستحسان مطلق الجواز والصحة ا. هـ. وعندي في الإيراد والجواب نظر بل كلاهما سهو عما فرض الشارح الكلام فيه وهو اسم فاعل اللازم؛ لأن كتب متعد وبفرض عدم هذا الفرض فما تقدم من أن المراد استحسان الجر بنوعها يخلص من ذلك أيضاً فتنبه. قوله: "وإن كان متعديا" أي: لواحد لما سبق من أن المتعدي لأكثر تمتنع إضافته إلى الفاعل إجماعاً. قوله: "أن الجمهور على منع ذلك فيه" أي: وإن قصد ثبوته ومن القليل من أجاز بشرط قصد الثبوت وأمن اللبس بالإضافة إلى المفعول(3/3)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهان: الأول إنما قيد الفاعل بالمعنى؛ لأنه لا تضاف الصفة إليه إلا بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير الموصوف فلم يبق فاعلا إلا من جهة المعنى. الثان وجه الشبه بينها وبين اسم الفاعل أنها تدل على حدث ومن قام به وأنها تؤنث، وتثنى وتجمع ولذلك حملت عليه في العمل، وعاب الشارح التعريف المذكور بأن استحسان الإضافة إلى الفاعل لا يصلح لتعريفها وتمييزها عما عداها؛ لأن العلم به موقوف على العلم بكونها صفة مشبهة، وعرفها بقوله ما صيغ لغير تفضيل من فعل لازم لقصد نسبة الحدث إلى الموصوف به دون إفادة معنى الحدوث، وقد يقال إن العلم باستحسان الإضافة موقوف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كالمصنف ومنهم من أجاز بشرط قصد الثبوت وحذف المفعول اقتصارا وعلى الجواز فهو أيضا من الصفة المشبهة على ما ذكره شيخنا والبعض, وفيه أنه لا يلزم من التجويز الاستحسان وحينئذٍ لا يدخل في تعريف الصفة إلا إذا قالوا بالاستحسان. اللهم إلا أن يراد بالاستحسان مطلق الجواز أو الاستحسان في الجملة واسم الفاعل يستحسن جر فاعله به في الجملة أي: في بعض الصور وذلك إذا كان لازما. قوله: "لأنه لا تضاف إلخ" قضية هذا التوجيه أن التقييد لبيان الواقع سم. قوله: "تدل على حدث" أي: معنى متعلق بالغير. قوله: "وأنها تؤنث" أي: بالتاء أي: غالبا. وقوله وتجمع أي جمع سلامة لمذكر أي: غالبا, وإنما قلنا ذلك؛ لأنه لا يقال في نحو أبيض أبيضة ولا أبيضون, ولا في نحو غضبان غضبانون كما يقال ضاربة وضاربون مع عمل أفعل فعلاء وفعلان فعلى عمل سائر الصفات المشبهة.
قوله: "وعاب الشارح التعريف إلخ" يعني أنه عابه بلزوم الدور وتقريره أن العلم بالصفة المشبهة متوقف على استحسان إضافتها إلى الفاعل واستحسان إضافتها إلى الفاعل متوقف على العلم بكونها صفة مشبهة فجاء الدور, ودفعه الشارح بما حاصله منع توقف الاستحسان على العلم بل إنما يتوقف على النظر في معناها الثابت لفاعلها بحيث لو حوّل إسنادها عنه إلى ضمير الموصوف لا يكون فيه لبس ولا قبح فتحسن حينئذٍ الإضافة. قوله: "ما صيغ لغير تفضيل إلخ" قال يس نقلا عن ابن هشام: فيه نظر لاقتضائه أن نحو زيد حسن صفة مشبهة والنحاة لا يسمونها مشبهة إلا إذا خفضت أو نصبت وهذا وارد على حد الناظم أيضا ا. هـ. وفيه نظر لعدهم من أحوال الصفة المشبهة رفعها معمولها نحو: زيد حسن وجهه, وهذا يقتضي تسميتها صفة مشبهة في هذه الحالة.
قوله: "من فعل لازم" أي: من مصدره والتقييد باللزوم مبني على مذهب الجمهور من منع إجراء اسم فاعل المتعدي لواحد عند قصد ثبوته مجرى حسن الوجه كما مر. قوله: "دون إفادة معنى الحدوث" أفاد شيخنا السيد عن التسهيل وشرحه للدماميني أنه إذا قصد حدوث الصفة المشبهة في الماضي أو الاستقبال حوّلت إلى فاعل، فنقول في عفيف وشريف وحسن: عاف وشارف وحاسن أمس أو غدا ا. هـ. والظاهر أن الأمر كذلك إذا قصد حدوثها في الحال كما يدل(3/4)
وصَوغها من لازِم لحاضِر ... كطاهر القلب جَميل الظاهِر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على المعنى لا على العلم بكونها صفة مشبهة فلا دور، أو إن قوله المشبهة اسم الفاعل مبتدأ. وقوله صفة استحسن إلى آخره خبر.
وقوله: "وصوغها من لازم لحاضر" إلى آخره عطف عليه لتمام التعريف، أي: ومما تتميز به الصفة المشبهة أيضا عن اسم الفاعل أنها لا تصاغ قياسا إلا من فعل لازم كطاهر من طهر وجميل من جمل وحسن من حسن. وأما رحيم وعليم ونحوهما فمقصور على السماع, بخلافه فإنه يصاغ من اللازم كقائم. ومن المتعدي كضارب. وأنها لا تكون إلا للمعنى الحاضر الدائم دون الماضي المنقطع والمستقبل بخلافه كما عرفت، وأنها لا تلزم الجري على المضارع بخلافه، بل قد تكون جارية عليه "كطاهر القلب" وضامر البطن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه إطلاق قول المصرح ما نصه: إذا أردت ثبوت الوصف قلت حسن ولا تقول حاسن، وإذا أردت حدوثه قلت حاسن ولا تقول حسن قاله الشاطبي وغيره ا. هـ. ثم راجعت الدماميني فرأيته صرح بما استظهرته. قوله: "أو إن قوله إلخ" بكسر إن؛ لأنه معطوف على مقول القول واعترض بأن الإعراب على الأول كذلك فلا يخلص بمجرده من الأشكال وأجاب البعض بأن مراده أن كلام الناظم من حيز الأخبار والحكم لا التعريف قال ولا ينافيه قوله بعد ذلك عطف عليه لتمام التعريف؛ لأنه بالنسبة إلى الأول لا الثاني. قوله: "وقوله وصوغها إلخ" المتبادر من عبارته أن هذا من تتمة الجواب الثاني والظاهر أنه لا يتوقف عليه وأن العطف أولى فقط وأن الاستئناف جائز.
قوله: "من لازم" أي: من مصدر فعل لازم أصالة أو عروضا كما في رحمن ورحيم وعليم فإنها لازمة بالتنزيل, أو النقل إلى فعل بالضم أفاده سم. فقول الشارح وأما رحيم وعليم ونحوهما فمقصور على السماع لا يتم إلا إذا أريد اللزوم أصالة فقط. قوله: "بخلافه" أي: اسم الفاعل قوله: "الدائم" فيه إشارة إلى أن المراد بالحاضر في عبارة المصنف الدائم لا الحال فقط؛ لأن الصفة المشبهة للدوام فلا يعترض على المصنف بأنه ترك قيد الدوام أو يقال هو مأخوذ من قوله كطاهر القلب بجعله قيدا لقوله لحاضر. والمراد بالدوام الثبوت في الأزمنة الثلاثة. قال يس نقلا عن غيره: ودلالة الصفة المشبهة على
الدوام عقلية لا وضعية؛ لأنها لما لم تدل على التجدد ثبت لها الدوام بمقتضى العقل إذ الأصل في كل ثابت دوامه ا. هـ. ويوافقه قول الدماميني نقلا عن الرضي, كما أن الصفة المشبهة ليست موضوعة للحدوث ليست موضوعة للثبوت في جميع الأزمنة فليس معنى حسن في الوضع إلا ذو حسن سواء كان في بعض الأزمنة أو جميعها ولا دليل في اللفظ على أحد القيدين لكن لما أطلق ذلك ولم يكن بعض الأزمنة أولى من بعض كان اللفظ ظاهرا في الاتصاف بالحسن في جميع الأزمنة إلا أن تقوم قرينة على تخصيصه ببعضها نحو كان زيد حسنا فقبح أو سيصير حسنا أو هو الآن فقط حسن فظهوره في الاستمرار ليس وضعيا ا. هـ. ومنه يؤخذ حمل قول الشارح وأنها لا تكون إلا للمعنى إلخ, على حالة الإطلاق هذا. وعبارة الشارح في شرح قول الناظم وعمل اسم فاعل المعدي إلخ, تقتضي أنها وضعية فتدبر.
قوله: "بخلافه" أي: اسم الفاعل فإنه يكون للماضي المنقطع وللحال وللمستقبل كهذا(3/5)
وعَمَلُ اسم فاعِل المعدَّى ... لها على الحدِّ الذي قد حُدّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومستقيم الحال، ومعتدل القامة. وقد لا تكون وهو الغالب في المبنية من الثلاثي كحسن الوجه و"جميل الظاهر" وسبط العظام وأسود الشعر "وعمل اسم فاعل المعدّى" لواحد "لها" أي: ثابت لها "على الحد الذي قد حدا" له في بابه من وجوب الاعتماد على ما ذكر.
تنبيه: ليس كونها بمعنى الحال شرطا في عملها؛ لأن ذلك من ضرورة وضعها لكونها وضعت للدلالة على الثبوت والثبوت من ضرورته الحال. فعبارته هنا أجود من قوله في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ضارب أمس أو الآن أو غدا وقوله كما عرفت أي: في باب إعمال اسم الفاعل عند قول المصنف إن كان عن مضيه بمعزل. قوله: "وهو الغالب" وأما قول بعضهم لا تكون إلا غير جارية فمبني على أن المراد بالجريان إفادة التجدد والحدوث, كذا في شرح الجامع، لكن الذي في الهمع أن الزمخشري وابن الحاجب منعا موازنتها المضارع, وأن نحو ضامر الكشح ومطمئن القلب ومعتدل القامة أسماء فاعلين قصد بها الثبوت فعوملت معاملة الصفة المشبهة لا أنها صفات مشبهة. قوله: "في المبنية من الثلاثي" خرج المبنية من غيره
فإنها لازمة الجري على المضارع كما في التسهيل. قوله: "كحسن الوجه إلخ" راجع لقوله, وقد لا تكون فهو تمثيل لغير الجارية على المضارع أو لقوله في المبنية من الثلاثي فهو تمثيل لها. قوله: "وأسود الشعر" التمثيل به غير
صحيح؛ لأن فعله سوّد يسوّد كعلم يعلم فأسود جار على المضارع وأما أسودّ الخماسي فالوصف منه مسودّ لا أسود حتى يصح تصحيح البعض التمثيل بأنه تمثيل لغير الجارية على مضارعها أي: وإن كانت مبنية من غير الثلاثي مع أنه يرده ما مر قريبا عن التسهيل ونقله هو أيضا وأقره فلا تكن من الغافلين.
قوله: "وعمل اسم فاعل المعدي لها إلخ" قال ابن هشام: المراد بالعمل عمل النصب على طريقة المفعول به وأما عمل الرفع أو عمل نصب آخر فلا يتوقف على ذلك الحد كما أن اسم الفاعل هكذا. قال في النهاية: الصفة المشبهة تنصب المصدر والحال والتمييز والمستثنى والظرفين والمفعول له والمفعول معه والمشبه بالمفعول به. وذكر في موضع آخر أنها لا تعمل في المفعول المطلق ا. هـ. يس والمتجه الأول. قوله: "ثابت لها" أي: صورة فلا يرد أن منصوب اسم الفاعل مفعول به حقيقة, ومنصوب الصفة المشبهة شبيهة بالمفعول به. قوله: "على الحد" أي: كائنا على الحد فهو حال من ضمير عمل المنتقل إلى الظرف بعد حذف الاستقرار سم. قوله: "من وجوب الاعتماد على ما ذكر" ولو قرنت بأل بناء على الأصح من أنها مع الصفة المشبهة حرف تعريف وترك اشتراط الحال أو الاستقبال؛ لأنه لا يتجه فيها مع كونها للدوام المتضمن للحال والاستقبال وبقي من الشروط أن لا تصغر فلو صغرت لم تعمل ذكره شيخنا وأن لا توصف. قوله: "لأن ذلك من ضرورة وضعها" أي: فهو لا يفارقها وإنما يعد شرطا ما قد يفارق.
قوله: "أجود إلخ" أي: لأن قوله على الحد الذي قد حدا يمكن تأويله بأن يراد في الجملة(3/6)
وسَبْق ما تَعْمل فِيه مُجْتنب ... وكونه ذا سَبَبِيّة وَجَب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكافية: والاعتماد واقتضاء الحال شرطان في تصحيح ذا الأعمال ا. هـ. "وسبق ما تعمل فيه مجتنب" بخلاف اسم الفاعل أيضا ومن ثم صح النصب في نحو زيدا أنا ضاربه, وامتنع في نحو وجه الأب زيد حسنه "وكونه ذا سببية وجب" أي: ويجب في معمولها أن يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بخلاف عبارته في الكافية. قوله: "وسبق ما تعمل فيه" أي: بحق الشبه باسم الفاعل؛ وهو المنصوب على طريقة المفعول به؛ لأنه الذي تفارق فيه الصفة اسم الفاعل أما المرفوع والمجرور فلا يتقدمان فيهما؛ لأن المرفوع فاعل والمجرور مضاف إليه, والفاعل والمضاف إليه لا يتقدمان قاله يس. قوله: "بخلاف اسم الفاعل" أي: فإنه يتقدم منصوبه، قال في الارتشاف: إلا إذا كان بأل أو مجرورا بإضافة أو حرف جر غير زائد نحو هذا غلام قاتل زيدا, ومررت بضارب زيدا، فإن جر بحرف جر زائد نحو: ليس زيد بضارب عمرا, جاز التقديم فتقول ليس زيد عمرا بضارب, ومنع ذلك المبرد قاله يس. قوله: "ومن ثم إلخ" مراده كما تنادي به عبارته بيان شيء يترتب على تخالف الصفة واسم الفاعل فيما ذكر أي: ومن أجل هذا التخالف صح النصب في نحو: زيدا أنا ضاربه, لصحة عمل ضارب المذكور في زيدا لو تفرغ من الضمير لجواز تقدم منصوب اسم الفاعل عليه, وإذا صح عمله في زيدا لو تفرغ له صح أن يفسر عامله المحذوف لقاعدة أن ما يعمل يفسر العامل, وامتنع في نحو: وجه الأب زيد حسنه لعدم صحة عمل حسن في وجه لو تفرغ من الضمير لعدم جواز تقدم منصوب الصفة عليها, وإذا لم يصح عمله في وجه لو تفرغ له لم يصح أن يفسر عامله المحذوف لقاعدة أن ما لا يعمل لا يفسر عاملا, وليس مراد الشارح بيان تقدم منصوب اسم الفاعل دون الصفة كما توهمه البعض فقال: كان الأولى حذف الضمير المتصل بالوصف ليكون أصرح في الدلالة.
قوله: "وكونه ذا سببية وجب" أي: وكون ما تعمل فيه بحق الشبه باسم الفاعل فلا يرد: أحسن الزيدان وما قبيح العمران؛ لأن عملها في هذين بما فيها من معنى الفعل وبقي مما يتخالفان فيه أنه يعمل محذوفا، ولهذا أجازوا: أنا ضارب زيد وعمرا بخفض زيد ونصب عمرو بإضمار فعل أو وصف منوّن. وأما العطف على محل المخفوض فممتنع عند من اشترط وجود المحرز, ومنعوا مررت برجل حسن الوجه, والفعل بخفض الوجه ونصب الفعل وأنه لا تقبح إضافته إلى مضاف إلى ضمير الموصوف نحو: مررت برجل قاتل أبيه ويقبح
مررت برجل حسن وجهه, وأنه يفصل منه مرفوعه ومنصوبه كزيد ضارب في الدار أبوه عمرا، ويمتنع عند الجمهور: زيد حسن في الحرب وجهه رفعت أو نصبت، وأنه يجوز اتباع معموله بجميع التوابع ولا يتبع معمولها بصفة؛ لأن معمولها لما كان سببيا مرتبطا بمتقدم أشبه الضمير وهو لا ينعت, فكذا ما أشبهه. قاله الزجاج ومتأخر والمغاربة. ورد عليهم بما في الحديث في صفة الدجال "أعور عينه اليمنى". وأجيب بأن اليمنى خبر لمحذوف أو مفعول لمحذوف, وأنه يجوز اتباع مجروره على المحل عند من لا يشترط وجود المحرز. ويحتمل أن يكون منه: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنا وَالشَّمْسَ} [الأنعام: 96] ، ولا يجوز هو حسن الوجه والبدن بجر الوجه ونصب البدن خلافا للفراء وأنه إذا حلى هو ومعموله(3/7)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سببيًا؛ أي: متصلًا بضمير الموصوف لفظًا نحو: حسن وجهه، أو معنى نحو: حسن الوجه أي: منه. وقيل أل خلف عن المضاف إليه. ولا يجب ذلك في معمول اسم الفاعل كما عرفت.
تنبيهات: الأول قول الشارح إن جواز نحو: زيد بك فرح, مبطل لعموم قوله: إن المعمول لا يكون إلا سببًا مؤخرًا مردود؛ لأن المراد بالمعمول ما عملها فيه بحق الشبه، وعملها في الظرف ونحوه إنما هو لما فيها من معنى الفعل. الثاني:
ذكر في التسهيل أن معمول الصفة المشبهة يكون ضميرًا بارزًا متصلًا كقوله:
736- حَسَن الوجه طَلقُهُ أنت في السِّلـ ... ـمِ وفي الحرب كالِح مُكْفَهِرّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بال فنصب المعمول أكثر نحو: جاء الضارب الرجل. وإذا حليت الصفة ومعمولها بأل فجر المعمول أكثر نحو: جاء الحسن الوجه كذا في المغني والدماميني عليه.
قوله: "في معمولها" أي: المنصوب كما عرفت فوجهه والوجه في مثالي الشارح منصوبان. قوله: "أي: متصل" أي: هو أو مكمله كالصلة والوصف ليكون شامل لأنواع السببي الآتية وإن لم يشمل المعمول الذي هو ضمير بارز متصل كما يأتي عن التسهيل. قوله: "ولا يجب ذلك في معمول اسم الفاعل" نحو: زيد ضارب عمر. قوله: "ما عملها فيه بحق الشبه" أي: وهو المنصوب على طريق المفعول به كما تقدم لا المرفوع ولا المنصوب على وجه آخر. قوله: "ونحوه" أي: من الفضلات التي ينصبها القاصر والمتعدي كالحال والتمييز تصريح. قوله: "من معنى الفعل" هو الحدث. قوله: "ضمير بارز متصل" أي: ليس منفصل مستقل بنفسه أعمّ من أن يتصل بالصفة نحو: زيد حسن الوجه جميله أو ينفصل عنها بضمير آخر نحو: قريش خير الناس ذرية وكرامهموها. فإن قلت كما أن معمول الصفة يكون ضمير مستتر نحو: زيد حسن فما الوجه الداعي إلى تخصيص الضمير البارز. قلت وجهه أن المقصود ذكر ما تعمل فيه الصفة من حيث هي صفة مشبهة وعملها في المستكن من حيث هي صفة لا بقيد كونها مشبهة ا. هـ. دماميني. قوله: "طلقه" هذا هو محل الشاهد؛ لأنه أعمل طلق في الها. وأما أنت فمبتدأ مؤخر وحسن الوجه طلقه خبر أن مقدمان, أما جعل البعض أنت فاعل الوصف فلا يتمشى على الصحيح من اشتراط اعتماد المبتدأ المكتفي بمرفوعه عن الخبر على نفي أو استفهام. وأما جعل العيني الشاهد في عمل طلق في أنت فرد؛ بأن المعمول الواجب كونه سببي ما عملها فيه بحق الشبه باسم الفاعل وهو المنصوب على طريق المفعول به, كما مر وأنت ليس كذلك بخلاف الهاء؛ لأن ما أضيف إليه الصفة أصله بعد تحويل إسنادها عنه النصب كما مر في إعمال اسم الفاعل وبأن أنت منفصل لا متصل وطلق الوجه ضد عبوسه. والسلم بالكسر وبفتح الصلح. والكالح من الكلوح وهو
__________
736- البيت من الخفيف وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 633.(3/8)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فعلم أن مراده بالسببي ما عدا الأجنبي فإنها لا تعمل فيه. الثالث يتنوع السببي إلى اثني عشر نوعًا فيكون موصولًا كقوله:
737- أَسِيلاتُ أبْدانٍ دِقاقٍ خُصُورها ... وَثِيْرات ما التفَّتْ عليه المآزِر
وموصوفًا بشبهه كقوله:
738- أَزور امرأ جمًّا نَوال أَعَدَّه ... لمن أمّه مستكفِيًا أزْمَة الدّهْر
والشاهد في جمًّا نوال. ومضافًا إلى أحدهما كقوله:
739- فَعُجتها قِبل الأَخْيار مَنْزِلة ... والطَّيِّبي كل ما التاثت به الأُزُر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التكشر في عبوس, والمكفهر من اكفهر الرجل إذا عبس فهو تأكيد. وقوله في السلم حال من أنت أو من الضمير المستتر في الوصف.
قوله: "يتنوع السببي" يظهر لي أخذا من الشواهد الآتية أن مراده بالسببي المنصوب السابق حقيقة أو حكما بأن كان مرفوعا صالحا للنصب تشبيها بالمفعول به كما في الشاهد الثاني أو مجرورا صالحا لذلك كما في الأول والثالث فاعرفه. قوله: "أسيلات أبدان" أي: طويلات أبدان والوثيرات جمع وثيرة بفتح الواو وكسر المثلثة وهي السمينة, كما في القاموس أي: سمينات الأرداف والأعجاز فهي المراد بما التفت عليه المآزر, وقول العيني أي: وطيئات الأرداف والأعجاز لا يناسب المقام. وإنما كان ما التفت إلخ سببيا؛ لأن الأصل المآزر منهن أو مآزرهن بالضمير العائد إلى الموصوف وعائد الموصول الضمير المجرور بعلى. وبحث في الاستشهاد بالبيت بأنه يحتمل أن تكون ما موصوفة بمعنى شيء فيكون من النوع الثاني.
قوله: "يشبهه" أي: الموصول في كون صفته جملة كصلة الموصول. قوله: "جما" أي: كثيرا, ونوال أي: عطاء فاعله وجملة أعده صفة نوال والضمير البارز فيها لنوال، والمستتر لأمر أو لم يبرز لأمن اللبس. وأمه بمعنى قصده ومستكفيا حال من فاعل أم. والأزمة بفتح الهمزة وسكون الزاي الشدة وما في العيني مما يخالف ما قلنا غير ظاهر. قوله: "فعجتها" أي: الناقة من عجت البعير أعوجه عوجا ومعاجا أي: عطفت رأسه بالزمام. قبل الأخيار أي: جهتهم. منزلة تمييز. التاثت بفوقية بعد اللام ثم مثلثة أي: اختلطت والتفت. وأزر بضمتين جمع الإزار. وهذا كناية عن عفتهن, وضمير الموصوف محذوف أي: الأزر لهن أو أل خلف عنه نظير ما تقدم. وقد يبحث في الشاهد باحتمال
__________
737- البيت من الطويل، وهو لعمر بن أبي ربيعة في المقاصد النحوية 3/ 629، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في شرح التصريح 2/ 86.
738- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في شرح التصريح 2/ 86؛ والمقاصد النحوية 3/ 631.
739- البيت من البسيط، وهو للفرزدق في ديوانه 1/ 183؛ والمقاصد النحوية 3/ 625، وبلا نسبة في شرح التصريح 2/ 85.(3/9)
فَارْفع بها وانصب وجُرّ مع أل ... ودون أل مصحوب أل وما اتّصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ونحو: رأيت رجلًا دقيقًا سنان رمح يطعن به. ومقرونًا بأل نحو: حسن الوجه، ومجردًا نحو: حسن وجه، ومضافًا إلى أحدهما نحو: حسن وجه الأب، وحسن وجه أب، ومضافًا إلى ضمير الموصوف نحو: حسن وجهه، ومضافًا إلى مضاف إلى ضميره نحو: حسن وجه أبيه، ومضافًا إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف نحو: مررت بامرأة حسن وجه جاريتها جميلة أنفه ذكره في التسهيل. ومضافًا إلى ضمير معمول صفة أخرى نحو: مررت برجل حسن الوجنة جميل خالها ذكره في شرح التسهيل. وجعل منه قوله:
740- سَبَتْني الفتاة البِضَّة المتجَرِّد الـ ... ـلطيفة كَشَحُه وما خِلت أن أُسْبَى
"فارفع بها" أي: بالصفة المشبهة "وانصب وجر مع أل ودون أل مصحوب أل وما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن ما نكرة موصوفة لا موصولة. قوله: "إلى ضمير مضاف" بإضافة إلى مضاف أي: ضمير عائد إلى مضاف إلخ. قوله: "جميلة أنفه" بجر جميلة صفة ثانية لامرأة ورفع أنفه فاعلًا لجميلة ونصبه على التشبيه بالمفعول به وجره بإضافة جميلة إليه وضمير الموصوف مذكور ضمنًا؛ لأن المعنى جميلة أنف وجه جاريتها فعلم ما في كلام البعض وغيره. قوله: "ومضافًا إلى ضمير معمول صفة أخرى" فيه أن المثال الذي قبله كذلك فهلا اكتفى به, إلا أن يخص هذا بكون معمول الصفة الأخرى غير مضاف. قوله: "البضة" بفتح الموحدة وتشديد الضاد المعجمة رقيقة الجلد ممتلئته, والمتجرد بكسر الراء البدن إذا تجرد عن ثيابه, وقول العيني بفتح الراء غير ظاهر, وضمير كشحه للمتجرد والكشح ما بين الخاصرة والضلع الخلف.
قوله: "فارفع بها" اعلم أن الصفة المشبهة الرافعة سببي المنعوت إن صلحت للمذكر والمؤنث لفظًا, ومعنى بأن لا يكون وزنها أو معناها مختصا بأحدهما جاز تبعيتها لمثلها في التذكير والتأنيث نحو: مررت برجل حسن وجهه وبامرأة حسنة عينها, ولما يخالفها فيهما نحو: مررت برجل حسنة عينه وبامرأة
حسن وجهها؛ لانتفاء القبح اللفظي والمعنوي, وإلا بأن اختصت بأحدهما لفظًا ومعنى كأكمر ورتقاء، أو لفظًا فقط كآلى أي: كبير الألية، وعجزاء أي: كبيرة العجيزة، أو معنى فقط كخصي وحائض لم تتبع إلا بما يماثلها على
الصحيح، فلا تقول مررت بامرأة أكمر ابنها ولا برجل رتقاء بنته، وقس
لوجود القبح في اللفظ والمعنى أو في أحدهما. وأجاز الأخفش تبعيتها في الأقسام الثلاثة لما يخالفها أيضًا, هذا ملخص ما في التسهيل وشرحه للدماميني.
قوله: "وانصب وجر" أي: بها فحذف معمولها لدلالة الأول. وإنما جاز في النصب والجر إسناد الصفة المشبهة إلى ضمير صاحبها مع كونها مسندة في المعنى إلى سببيه لكون تلك الصفة في اللفظ جارية على صاحبها خبرًا له أو حالًا أو نعتًا وفي المعنى دالة على صفة له في ذاته سواء كانت هي الصفة المذكورة كما في زيد حسن الوجه فإنه متصف بالحسن لحسن
__________
740- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 623.(3/10)
بها مضافًا أو مجرَّدًا ولا ... تَجْرر بها مع أل سُما من أل خَلا
ومن إضافة لِتالِيها وما ... لم يَخْل فهو بِالجَواز وُسِما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اتصل بها" أي: بالصفة المشبهة "مضافًا أو مجردًا ولا تجرر بها مع أل سُمًا" أي: اسمًا "من أل خلا ومن إضافة لتاليها وما لم يخل فهو بالجواز وُسما" أي: لمعمول هذه الصفة ثلاث حالات: الرفع على الفاعلية, قال الفارسي أو على الإبدال من ضمير مستتر في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجهه أو كانت غيرها نحو: زيد أبيض اللحية أي: شيخ، وكثير الإخوان أي: متقوٍّ بهم، فيحسن حينئذٍ أن تجعل صفة سببية كصفة نفسه فيستتر ضميره في صفة سببية نحو: زيد حسن وجهًا كما يستتر في صفة نفسه نحو: زيد حسن فيخرج السببي عن ظاهر الفاعلية إلى النصب أو الجر؛ لأن الصفة
لا ترفع فاعلين ولم يترك مرفوعًا على أن يكون بدلًا من الضمير لئلا يلتبس
بالفاعل, فإن لم تجر في اللفظ على صاحب السبب نحو: زيد وجهه حسن أو جرت عليه لكنها لم تدل على صفة في ذاته نحو: زيد أحمر نوره لم يجز استتار ضمير ذي السبب فيها، فلا يقال: زيد أسود فرس غلام الأخ، وزيد أحمر النور؛ لأنه لا معنى لذلك, إلا أنه صاحب سبب متصف بالوصف المذكور ولم تدل صفة سببية على صفة في ذاته فكيف يضمر في صفة سببية صفة نفسه. فإن قيل أليس الصفة في نحو: زيد أحمر نوره تدل على صفة في ذاته وهي كونه صاحب نور, قلنا: كونه صاحبه مفهوم من كون النور سببيا لزيد لا من
صفة السبب قاله الرضي وصرح بمثله فيما أجري مجرى الصفة المشبهة من اسمي الفاعل والمفعول اللازمين, ومنه أخذ السعد قوله في حاشية الكشاف عند قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أن الصفة المشبهة لا تضاف لمرفوعها إلا عند صحة تحملها لضمير صاحبها.
قوله: "مع أل" حال من الضمير المجرور، ومصحوب تنازعه الثلاثة فأعمل الأخير وأضمر فيما قبله وحذف الضمير لكونه فضلة، وهو إشارة إلى أحد السببي الاثني عشر المتقدمة ودخل تحت قوله وما اتصل بها مضافًا ثمانية؛ وهي ما عدا هذا وما عدا الموصول والموصوف والمجرد سواهما كحسن وجه والحسن وجه فإن هذه الثلاثة دخلت تحت قوله أو مجردًا أي: من أل والإضافة. قوله: "ولا تجرر بها إلخ" استثناء لصور الامتناع. قوله: "سما" بتثليث السين وهو منصوب بفتحة مقدرة على أنه كفتى, وظاهرة على أنه كيد. قوله: "ومن إضافة لتاليها" أي: لتالي أل ولو بواسطة الإضافة لضميره فيشمل الإضافة لضمير تاليها كما في سم. قوله: "وما لم يخل" أي: من أل والإضافة لتاليها فهو بالجواز أي: جواز الجر, وسما أي: علم وذلك ثلاث صور تضم إلى صور الرفع والنصب مع تعريف الصفة بأل أو تنكيرها وصور الجر مع تنكير الصفة فيحصل ثلاث وستون صورة مفهومة من قوله فارفع بها إلى قوله ومن إضافة لتاليها. وأما قوله وما لم يخل إلخ فتأكيد لما قبله لعلمه منه.
قوله: "الرفع على الفاعلية" قد يتعين كما في مررت بامرأة حسن الوجه؛ لأن الصفة لو تحملت الضمير لوجب تأنيث الوصف بالتاء، وقد يتعين عدمه كما في مررت بامرأة حسنة الوجه؛ لأن الوجه لو كان فاعلًا لوجب تذكير الوصف وقد يجوز الأمران كما في نحو: مررت برجل(3/11)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصفة والنصب على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة والخفض بالإضافة. والصفة مع كل من الثلاثة إما نكرة أو معرفة وهذه، الستة في أحوال السببي المذكورة في التنبيه الثالث. فتلك اثنان وسبعون صورة الممتنع منها ما لزم منه إضافة ما فيه أل إلى الخالي منها، ومن الإضافة لتاليها أو لضمير تاليها كما صرح بهذا في التسهيل. وذلك تسع صور وهي: الحسن وجه، الحسن وجه أب، الحسن وجهه، الحسن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حسن الوجه. قوله: "أو على الإبدال من ضمير الصفة" أي: إبدال بعض من كل, يعني حيث أمكن الإبدال لا مطلقًا فلا يرد عليه ما حكي من قولهم: مررت بامرأة حسن الوجه ومررت بامرأة قويم الأنف لوجود المانع من الإبدال فيما ذكر وهو عدم تأنيث الوصف مع وجوبه عند تحمل الوصف الضمير. فإن قيل على القول بأن العامل في البدل مقدر يلزم عمل الصفة المشبهة محذوفة وهو ممنوع. أجيب بأن قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع قاله سم. قوله: "على التشبيه بالمفعول به" أي: بمفعول اسم الفاعل لشبه الصفة به فيما تقدم, وخصوا التشبيه بالمفعول به دون غيره من المفاعيل؛
لأنه الذي يشتبه بالفاعل بخلاف بقية المفاعيل. وكما يسمى هذا مشبهًا بالمفعول به يسمى المنصوب على التوسع بحذف الجار مشبهًا بالمفعول به أفاده شارح الجامع. قوله: "وعلى التمييز" كان الأولى, وعليه أو على التمييز إن كان نكرة لجواز الوجهين فيه حينئذٍ. قوله: "بالإضافة" أي: بسببها لما مر. قوله: "أو معرفة" أي: لاقترانها بأل.
قوله: "في أحوال السببي المذكورة" أي: الاثني عشر. قوله: "فتلك اثنان وسبعون صورة" صوابه اثنتان لما سيأتي في العدد، ويضم إليها ثلاث صور سيذكرها الشارح قبيل الخاتمة: الأولى أن يكون معمول الصفة ضميرًا مجرورًا باشرته الصفة المجردة من أل كمررت برجل حسن الوجه جميله. الثانية أن تفصل الصفة من الضمير وهي مجردة من أل نحو: قريش نجباء الناس ذرية وكرامهموها. الثالثة أن تتصل به ولكن تكون الصفة بأل نحو: زيد الحسن الوجه الجميله فصارت الصور خمسًا وسبعين. والصفة إما مفردة أو مثناة أو مجموعة جمع سلامة أو تكسير مذكرة أو مؤنثة، فإذا ضربت الثماني في خمس وسبعين صارت ستمائة. والصفة أيضًا إما مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة فإذا ضربت الثلاث في ستمائة صارت ألفًا وثمانمائة. ومعمول الصفة إما مفرد أو مثنى أو مجموع جمع سلامة أو تكسير مذكر أو مؤنث، فإذا ضربت الثماني في الألف وثمانمائة صارت أربعة عشر ألفًا وأربعمائة، تسقط منها مائة وأربعة وأربعون من صور المعمول الضمير؛ لأنه وإن انقسم إلى ضمير إفراد وتثنية وجمع لا يكون مجموعًا جمع سلامة ولا جمع تكسير، فالباقي أربعة عشر ألفًا ومائتان وستة وخمسون بعضها جائز وبعضها ممتنع، فيخرج منها الممتنع على ما تقدم أفاده في التصريح.
قوله: "ما لزم منه إلخ" سيأتي قبيل الخاتمة أن محل الامتناع في الصفة المفردة، أما المثناة والمجموعة على حد المثنى فيجوز إضافتها مع تعريفها بأل إلى الخالي وتقدم في باب الإضافة أيضًا. قوله: "وذلك تسع صور" لأنها بقية الاثني عشر بعد إخراج ما فيه أل والمضاف(3/12)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجه أبيه، الحسن ما تحت نقابه، الحسن كل ما تحت نقابه الحسن نوال أعده الحسن سنان رمح يطعن به الحسن وجه جاريتها الجميل أنفه، وليس منه الحسن الوجنة الجميل خالها بجر خالها لإضافته إلى ضمير ما فيه أل وهو الوجنة. نعم هو ضعيف؛ لأن المبرد يمنعه كما عرفت في باب الإضافة، وما سوى ذلك فجائز كما أشار إليه بقوله: وما لم يخل فهو بالجواز وسمًا، أي: علم. لكنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قبيح وضعيف وحسن، فالقبيح رفع الصفة مجردة كانت أو مع أل المجرد من الضمير والمضاف إلى المجرد منه وذلك ثمان صور هي: الحسن وجه، الحسن وجه أب، حسن وجه، حسن وجه أب، الحسن الوجه، الحسن وجه الأب، حسن الوجه، حسن وجه الأب. والأربع الأولى أقبح من الثانية لما يرى من أن أل خلف عن الضمير. وإنما جاز ذلك على قبحه لقيام السببية في المعنى مقام وجودها في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لتاليها أو لضمير تاليها. قوله: "وهي الحسن وجه إلخ" وجه الامتناع في الأولين أن الواجب في الإضافة المعنوية إضافة النكرة إلى المعرفة فلم يجوّزوا في الإضافة اللفظية التي هي فرعها أن تكون على عكس أصلها, نقله سم عن الصفوي، ومراده بالواجب الإضافي أي: بالنسبة إلى إضافة المعرفة إلى النكرة فلا ينافي ما مر أن من المعنوية إضافة النكرة إلى النكرة للتخصيص. وهذا أولى مما أوّل به البعض. ثم قال سم: ووجهه في البقية عدم الفائدة والإضافة اللفظية إنما تجوز إذا أفادت تخفيفًا أو رفع قبح كما تقدم ولا تخفيف فيما ذكر لسقوط التنوين بأل ولا رفع قبح لوجود الضمير مع المعمول. قوله: "الحسن وجهه" ينبغي أن محل امتناعه إذا كان الموصوف فيه وفي الأمثلة الثلاثة بعده غير محلى بأل كزيد وإلا فلا امتناع؛ لأن الصفة حينئذٍ مضافة لمضاف لضمير ما فيه أل وكذا في المثال الأخير, فمحل امتناعه إذا كان الموصوف نحو: هند, لا نحو: امرأة, قاله سم. قوله: "وليس منه" أي: من الممتنع.
قوله: "كما أشار إليه بقوله وما لم يخل إلخ" لو جعل الإشارة بقوله فارفع بها إلى قوله ومن إضافة لتاليها لكان أحسن لعلم قوله وما لم يخل إلخ من الكلام قبله فهو تأكيد كما مر, ولاختصاص قوله وما لم يخل إلخ بالجر كما تقدم. وقوله وما سوى ذلك عام في الجر والنصب والرفع بقرينة مقابلته لقوله الممتنع منها ما لزم منه إلخ الواقع هو, وقوله وما سوى ذلك إلخ تفصيلًا لقوله فتلك اثنان وسبعون صورة، إلا أن يدفع الثاني بأن المراد كما أشار إليه بقوله وما لم يخل إلخ مع قوله فارفع بها إلخ. قوله: "لكنه ينقسم" استدراك على قوله وما سوى ذلك فجائز دفع به توهم تساوي الصور في الجواز. قوله: "فالقبيح رفع الصفة إلخ" أي: لما فيه من خلو الصفة من ضمير يعود على الموصوف. قوله: "وذلك ثمان صور" لأن المجرد من الضمير معمولًا كان أو مضافًا إليه المعمول إما محلى بأل أو لا فهذه أربع صور تضرب في صورتي الصفة بثمان. قوله: "لما يرى" أي: في الأربع الثانية وقوله من أن أل خلف عن الضمير أي: كما هو مذهب الكوفي. قوله: "لقيام السببية في المعنى" يعلم منه أن القبح بانتفاء السببية في اللفظ.(3/13)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللفظ، لأن معنى حسن وجه حسن وجه له أو منه ودليل الجواز قوله:
741- بِبُهْمة مُنِيت شَهْم قلب ... مُنَجّد لا ذي كَهَام يَنْبو
فهو نظير حسن وجه. والمجوز لهذه الصورة مجوز لنظائرها إذ لا فرق. والضعيف نصب الصفة المنكرة المعارف مطلقًا، وجرها إياها سوى المعرف بأل والمضاف إلى المعرف بها، وجر المقرونة بأل المضاف إلى ضمير المقرون بها، وذلك خمس عشرة صورة هي: حسن الوجه، حسن وجه الأب، حسن وجهه، حسن وجه أبيه، حسن ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ودليل الجواز" أي: من السماع. قوله: "ببهمة" بضم الموحدة الفارس الذي لا يدري من أين يؤتى لشدة بأسه، وباؤه متعلقة بمنيت بضم الميم وكسر النون مخففة أي: ابتليت. شهم بفتح الشين المعجمة قوي القلب ذكيه. قلب فاعل شهم. منجذ بضم الميم وفتح النون وكسر الجيم مشددة آخره ذال معجمة أي: مجرب للأمور, لا ذي كهام أي: صاحب سيف كهام بفتح الكاف أي: كليل. ينبو أي: يبعد عن الإصابة. قوله: "والضعيف نصب الصفة المنكرة المعارف مطلقًا" أي: لما فيه من إجراء وصف القاصر مجرى وصف المتعدي كذا في التصريح. قال سم, ومقتضاه أن الصفة المعرفة كذلك إلا أن يفرق بأن في المعرفة اعتمادًا على أل وإن كانت معرفة على الأصح نظرًا إلى القول بأنها موصولة, ففيها قوة العمل بخلاف المنكرة، لكن ينافي هذا فرض الموضح في باب الإضافة, ذلك مع تعريف الصفة والمعمول ا. هـ. وقد اعترض الشارح في شرح التوضيح على الموضح بأنه كان الأولى
له التمثيل بحسن الوجه, قال سم. ولما كان الإجراء المذكور دون خلو الصفة من ضمير يعود على الموصوف في القبح جعلوا هذا القسم ضعيفًا, والذي
قبله قبيحًا ا. هـ. وقد أسلفنا في باب الإضافة أن بعض ما عبروا عنه هنا
بالضعف عبروا عنه هناك بالقبح تساهلًا, فلا ينافي ما هنا جعلهم هناك
الإجراء المذكور قبيحًا، وقوله مطلقًا أي: سواء كان تعريفها بأل أو بالإضافة, ودخل تحت ما ذكره ثمان صور هي الباقية بعد أن تسقط من أنواع السببي النكرة الموصوفة والمضاف إليها والمجرد والمضاف إليه.
قوله: "وجرها إياها" قيل وجه الضعف ما فيه من شبه إضافة الشيء إلى نفسه كما سيذكره الشارح وقيل وجهه أن فيه زيادة ضمير غير محتاج إليه؛ ولهذا استثنى المعرف بأل والمضاف إلى المعرف بها؛ لأنه لا زيادة فيهما وهذا التوجيه أولى؛ لأنه عليه يظهر وجه استثناء الصورتين المذكورتين لا يقال يرد على الوجهين أنهما موجودان في الصفة المعرفة كالمنكرة, فهلا قالوا بضعف الجر مع الصفة المعرفة بأل أيضًا دون الامتناع؛ لأنا نقول لما وجد معهما في الصفة المعرفة شيء آخر يقتضي امتناع الجر بها معناه فاندفع اعتراض البعض بذلك على التوجيه الأول فتأمل. ودخل تحت هذا ست صور هي بقية الثمان المتقدمة بعد الصورتين اللتين استثناهما. قوله: "وجرّ المقرونة إلخ" وجه ضعفه ما تقدم من أن المبرد يمنعه. قوله: "وذلك" أي: الضعيف أو
__________
741- الرجز بلا نسبة في الدرر 5/ 284؛ والمقاصد النحوية 3/ 577؛ وهمع الهوامع 2/ 99.(3/14)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تحت نقابه، حسن كل ما تحت نقابه، حسن وجه جاريتها جميلة أنفه، حسن الوجنة جميل خالها، وحسن وجهه، حسن وجه أبيه، حسن ما تحت نقابه، حسن كل ما تحت نقابه، حسن وجه جاريتها جميلة أنفه، حسن الوجنة جميل خالها، والحسن الوجنة الجميل خالها. ويدل للجواز في الأول والثاني قوله:
742- ونأخذ بعده بِذِناب عَيْش ... أجَبّ الظَّهْر ليس له سَنَام
في رواية نصب الظهر وفي بقية المنصوبات قوله:
743- أَنْعَتها إني من نُعّاتِها ... كُوَمَ الذَّرَي وَادِقَة سُرَّاتِها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المذكور من النصب والجر. قوله: "وحسن وجهه" أعاد الواو هنا وفي قوله والحسن الوجنة إلخ دون غيرهما إشارة في المحل الأول إلى أن ما بعدها أمثلة النوع الثاني, وفي المحل الثاني إلى أن ما بعدها مثال النوع الثالث. قوله: "في الأول والثاني" أي: نصب الصفة المنكرة المعرّف بأل ونصبها المضاف إلى المعرف بها. قوله: "ونأخذه بعده إلخ" روي نأخذ بالجزم عطفًا على جواب الشرط والرفع استئنافًا والنصب بأن مضمرة كما سيذكره الشارح في شرح قول المصنف والفعل من بعد الجزا إلخ, والضمير في بعده للمدوح وهو النعمان بن الحرث الأصغر. وذناب الشيء بكسر الذال المعجمة عقبه. والأجب المقطوع. والسنام بالفتح ما ارتفع من ظهر البعير. والمعنى نتمسك بعده بطرف عيش قليل الخير بمنزلة البعير المهزول الذي ذهب سنامه لشدة هزاله. أي: نبقى بعده في شدة وسوء حال وفي أجب الجر صفة لعيش, وجره
بالكسرة إن أضعف إلى ما بعده وإلا فبالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للوصفية, ووزن الفعل والرفع خبرًا لمحذوف والنصب حالًا. وروي الظهر بالرفع على الفاعلية والجر على الإضافة والنصب على التشبيه بالمفعول به. وإنما كان هذا دليلًا للثاني أيضًا؛ لأن المضاف للمحلى بأل بمنزلته إذ لا فرق.
قوله: "أنعتها" أي: أصفها والضمير للنوق وأني إلخ تعليل لما قبله. والنعات جمع ناعت أي: واصف وكوم. منصوب على المدح بضم الكاف جمع كوماء كحمر وحمراء وهي عظيمة السنام. والذرى جمع ذروة بتثليث الذال المعجمة وهي أعلى الشيء والمراد بها هنا السنام. ووادقة صفة
__________
742- البيت من الوافر، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص106، والأغاني 11/ 26؛ وخزانة الأدب 7/ 511، 9/ 363؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 28؛ وشرح المفصل 6/ 83, 85؛ والكتاب 1/ 196؛ والمقاصد النحوية 3/ 579، 4/ 434؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص200؛ والأشباه والنظائر 6/ 11، والاشتقاق ص105، وأمالي ابن الحاجب 1/ 458؛ والإنصاف 1/ 134؛ وشرح ابن عقيل ص589؛ وشرح عمدة الحافظ ص358؛ ولسان العرب 1/ 249 "حبب"، 1/ 390 "ذنب"؛ والمقتضب 2/ 179.
743- الرجز لعمرو بن لجأ في الأصمعيات ص34؛ وخزانة الأدب 8/ 221؛ والدرر 5/ 289؛ والمقاصد النحوية 3/ 583؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 6/ 83, 88.(3/15)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذ لا فرق, وفي المجرورات سوى الأخير قوله:
744- أَقَامت على رَبْعَيْهما جارَتا صَفَا ... كُمَيْتا الأعالي جَونَتَا مُصْطلاهُما
والجر عند سيبويه في هذا النوع من الضرورات. ومنعه المبرد مطلقًا؛ لأنه يشبه إضافة الشيء إلى نفسه وأجازه الكوفيون في السعة وهو الصحيح. ففي حديث أم زرع $"صفر وشاحها" وفي حديث الدجال "أعور عينه اليمنى" وفي صفة النبي -صلى الله عليه وسلم: "شثن أصابعه" ويدل للأخير قوله: سبتني الفتاة البضة, البيت في رواية جر كشحه. وأما الحسن فهو ما عدا ذلك وجملته أربعون صورة، وهي تنقسم إلى حسن، وأحسن فما كان فيه ضمير واحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لكوم من ودقت السرة إذا دنت من الأرض لفرط السمن. والشاهد فيه؛ لأنه صفة مشبهة على وزن فاعل نصب سراتها بالكسر وهو مضاف إلى ضمير الموصوف.
قوله: "إذ لا فرق" علة لمحذوف أي: وإنما كان دليلًا للجواز في بقية المنصوبات مع أنه ليس فيه إلا نوع من تلك البقية؛ لأنه لا فرق. قوله: "أقامت على ربعيهما" على بمعنى في والضمير للدمنتين في البيت قبله تثنية دمنة بكسر الدال وهي ما بقي من آثار الدار, وجارتا صفا فاعل أقامت. وأراد بهما حجرين يوضع عليهما القدر بجانب الصفا أي: الجبل, وكميتا الأعالي صفة جارتا أي: شديدتا حمرة الأعالي: أي: الأعليين فالجمع مستعمل في الاثنين. جونتا مصطلاهما صفة ثانية أي: مسودتا موضع الاصطلاء بالنار وهو الأسفل. والشاهد فيه حيث جرّ جونتا وهو صفة مشبهة المضاف إلى ضمير الموصوف، ومثله بقية المجرورات سوى الأخير إذ لا فرق.
قوله: "في هذا النوع" أي: المجرورات سوى الأخير. قوله: "مطلقًا" أي: في الضرورة والسعة. قوله: "يشبه إضافة الشيء إلى نفسه" أي: لأن الوصف عين مرفوعه في المعنى. وإنما قال يشبه؛ لأنه لم يضف إليه إلا بعد تحويل الإسناد عنه كما مر. قوله: "صفر وشاحها" بكسر الصاد المهملة والمعنى أنها ضامرة البطن فكأن وشاحها خال. والوشاح شيء مرصع بالجواهر تجعله المرأة من نساء الملوك بين عاتقها وكشحها, وفي رواية صفر ردائها. قوله: "أعور عينه اليمنى" هذه رواية. وفي رواية أخرى أعور عينه اليسرى وكلتاهما صحيحة قال ابن عبد البر رواية اليمنى أصح إسنادًا ولا يظهر الجمع بينهما. قوله: "شثن أصابعه" بفتح الشين المعجمة وسكون المثلثة
__________
744- قبله:
أمِن دِمْنتين عَرَّس الركب فيهما ... حَقْل الرُّخامى قد عفا طللاهما
والبيتان من الطويل، وهما للشماخ في ديوانه ص307 و308؛ وخزانة الأدب 4/ 293؛ والدرر 5/ 281؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 7؛ وشرح المفصل 6/ 83, 86؛ والصاحبي في فقه اللغة ص210؛ والكتاب 1/ 199؛ والمقاصد النحوية 3/ 587؛ وهمع الهوامع 2/ 99؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 8/ 220, 222؛ والمقرب 1/ 141.(3/16)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أحسن مما فيه ضميران؛ وقد وضعت لذلك جدولًا تتعرف منه أمثلته وأحكامه على التفصيل المذكور بسهولة، مشيرًا إلى ما لبعضها من دليل بإشارة هندية، وإن كان كثيرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: غليظها. قوله: "فما كان فيه ضمير واحد" كالحسن وجهه بالرفع أحسن مما فيه ضميران كالحسن وجهه بالنصب, فإن فيه مع الهاء ضميرًا مستترًا هو فاعل الحسن, ووجه الأحسنية السلامة من زيادة ضمير غير محتاج إليه. قوله: "لذلك" أي: للمذكور من صور الصفة المشبهة. قوله: "وأحكامه" أي: من امتناع وأقبحية وقبح وضعف وحسن وأحسنية.
قوله: "بإشارة هندية" أي: فوق حكم ذلك البعض وفوق الدليل كالإشارة بصورة الثمانية التي فوق قوله ببهمة إلخ, وفوق أقبح الذي هو حكم رفع حسن وجه حسن وجه أب إلى أن قوله ببهمة إلخ شاهد رفعهما, ولو وضع أيضًا هذه الإشارة فوق قبيح الذي هو حكم رفع حسن الوجه وحسن وجه الأب وفوق قبيح الذي هو حكم رفع الحسن الوجه والحسن وجه الأب وفوق أقبح الذي هو حكم رفع الحسن وجه الحسن وجه أب لكان أحسن؛ لأن فيه تنبيهًا على أن قوله ببهمة إلخ شاهد الرفع في الصور الثمانية كما مر في الشرح. وكان الموافق لما مر في الشرح أيضًا أن يشير إلى شاهد بقية صور النصب الضعيفة وهو قوله أنعتها إلخ، وإلى شاهد صور الجر الضعيفة سوى أخيرها وهو قوله أقامت على ربعيهما إلخ. واعلم أن الشارح أشار على ما في كثير من النسخ الصحيحة عشر إشارات إلى عشرة شواهد كل شاهد لحكم صورتين إلا الشاهد في الإشارة السابعة فلحكم صورة واحدة لعدم ذكره صورة تناسبها, لكن النسخ مختلفة في الرقوم المشار بها. الإشارة الأولى فوق أحسن حكم جر حسن وجه حسن وجه أب إلى شاهد جرهما وهو قوله:
لاحقِ بطنِ بِقَرَى سمينِ ... لا خَطِل الرجع ولا قَرُونِ
ولم أر من تكلم على هذا البيت ونحن نتكلم عليه بما تيسر فنقول: معنى لاحق بطن ضامر؛ قال في القاموس: لحق كسمع ضمر وهو صفة لفرس فيما يظهر وفيه الشاهد وقوله بقرى بفتح القاف كفتى أي: ظهر والباء بمعنى مع. وقوله لا خطل الرجع بفتح الخاء المعجمة وكسر الطاء وفتح الراء وسكون الجيم: أي: لا مضطرب الخطو ملتوية، وهو صفة أخرى للفرس الممدوح، والقرون بالقاف والراء كصبور الدابة التي تعرق سريعًا، أو تقع حوافر رجليه موقع يديه. ولاحق إن كان بالجر فلا إشكال وإن كان بالرفع احتيج إلى قراءة سمين بالرفع على أنه نعت مقطوع لقرى؛ ليتفق الشطران في الحركة. وفي نسخ الاستشهاد أيضًا بقوله:
وَلاَ سَيِّئي زِيٍّ إذا ما تَلَبَّسُوا ... إلى حَاجَةٍ يَومًا مُخيَّسَةً بُزْلاَ
الشاهد في سيئي والزي بكسر الزاي الهيئة. وقوله إلى حاجة أي: لأجل حاجة. ومخيسة منصوب، بتلبسوا بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد التحتية مفتوحة وسين مهملة أي: مذللة صفة في الأصل ليزلا، فلما قدم عليه أعرب حالًا. والبزل بضم الموحدة وسكون الزاي جمع بازل وهو البعير الذي انشق نابه ذكرًا كان أو أنثى. الإشارة الثانية فوق ضعيف حكم نصب حسن(3/17)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الوجه، حسن وجه الأب إلى شاهد نصبهما وهو قوله أجب الظهر إلخ على رواية نصب الظهر. وقد تقدم. هذا هو الموافق لما مر في الشرح من
الاقتصار على جعله دليل نصبهما. وأما جعله شاهدًا لهما في الأحوال الثلاثة كما فعل البعض تبعًا لما يأتي في آخر طريقة معرفة الجدول. ووجد في عدة نسخ من رسم صورة ستة فوق أحسن حكم جر حسن الوجه حسن وجه الأب، وصورة خمسة فوق ضعيف حكم نصبهما، وصورة أربعة فوق قبيح حكم رفعهما، ورسم الصور الثلاث فوق أجب الظهر إلخ, تنبيهًا على أنه شاهد في حكم جواز أحوالهما الثلاث فلا يوافق صنيع الشارح سابقًا. الإشارة الثالثة فوق أحسن حكم نصب حسن وجهًا، حسن وجه أب إلى شاهد نصبهما وهو قوله:
هَيْفَاءُ مُقْبِلَةً عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً ... ممْخُوطَةٌ جُدِّلَتْ شَنْبَاءُ أَنْيَابَا
أي: هي هيفاء أي: ضامرة كما في العيني، ومقبلة حال من الضمير في هيفاء. وقول العيني ذو الحال محذوف أي: إذا كانت مقبلة وكان تامة تكلف لا حاجة إليه. والعجزاء كبيرة العجز. ومدبرة حال من الضمير في عجزاء. ممخوطة أي: موشومة بالمخط بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وهو ما يوشم به. وجدلت بضم الجيم وكسر الدال المهملة مبني للمجهول من قولهم جارية مجدولة الخلق أي: حسنته. والشاهد في شنباء أنيابًا من الشنب وهو رقة الأسنان وصفاؤها. الإشارة الرابعة فوق أقبح حكم رفع حسن وجه حسن وجه أب إلى شاهد رفعهما وهو قوله ببهمة إلخ وقد تقدم. الإشارة الخامسة فوق أحسن حكم رفع حسن وجهه، حسن وجه أبيه إلى شاهد رفعهما وهو قوله:
تُعَيِّرُنَا أنَّا قَلِيلٌ عِدَادنَا ... فَقُلتُ لَهَا إنَّ الكِرَامَ قَلِيلُ
الإشارة السادسة فوق أحسن حكم رفع حسن أنوال عدة، حسن سنان رمح يطعن به إلى شاهد رفعهما, وهو قوله: أزور امرأ إلخ وقد تقدم. الإشارة السابعة فوق ضعيف حكم جر الحسن الوجنة الجميل خالها إلى شاهد جره وهو قوله: سبتني الفتاة إلخ. وقد تقدم. الإشارة الثامنة فوق أحسن حكم
نصب الحسن الوجه، الحسن وجه الأب إلى شاهد نصبهما وهو قوله:
فَمَا قَومِي بِثَعْلَبَةَ بْن سَعْدٍ ... وَلاَ بِفَزَارَةَ الشُّعْرِ الرِّقَابَا
وثعلبة وفزارة قبيلتان. والشعر بضم الشين المعجمة وسكون العين المهملة جمع أشعر وهو كثير الشعر. وفي نسخ الاستشهاد أيضًا بقوله:
لقد علم الأيقاظ أخفية الكرى
والشاهد في نصب أخفية بالأيقاظ على التشبيه بالمفعول به. والأيقاظ جمع يقظ أي: متيقظ والأخفية بخاء معجمة ففاء فتحتية جمع خفي, وأراد بها أجفان
العيون. والكرى النوم. الإشارة التاسعة فوق أحسن حكم نصب الحسن وجهًا الحسن وجه أب إلى شاهد نصبهما وهو:
الحزن بابًا والعقور كلبا(3/18)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أشرت إلى كثرته بكاف عربية. جامعًا في ذلك بين كل متناسبين بإشارة واحدة. وهو هذا:
745- "1"
لاَحِق بَطنٍ بِقَرَى سَمِين ... لا خَطِل الرَّجْع ولا قَرُونِ
746- "2"
أجَبَّ الظَّهْر ليس له سَنَامُ
747- "3"
هَيْفَاء مُقْبِلَة عَجْزَاء مُدْبرة ... مَمْخوطَة جُدِّلَت شَنْبَاء أَنْيَابًا
748- "4"
بِبُهْمَة مُنِيت شَهْم قَلَب
"5"
تُعَيِّرنا أَنَّا قَلِيل عِداَدُنا ... فقلت لها إنَّ الكِرامَ قَلِيل
749- "6"
أَزُور امرءًا جمًّا نَوَال أعَدَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والحزن بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي ضد السهل وهو ذم لشخص بأن بابه مغلق دون الأضياف وكلبه عقور. الإشارة العاشرة فوق أحسن حكم رفع الحسن ما تحت نقابه، الحسن كل ما تحت نقابه إلى شاهد رفعهما وهو:
فاقصد بزيد العزيز من قصده
ويرد عليه أن من يحتمل غير الرفع، إلا أن يقال الظاهر حمل الكلام على الأولى, حيث لا مانع منه فاعرف ذلك, فقد أهمل أرباب الحواشي ضبط إشارات الجدول وشرح شواهده فوقع فيه خبط كثير. قوله: "بكاف عربية" أي: مجرور لا معلقة. والنسخ مختلفة في مواضع هذه الكاف اختلافًا لا وثوق معه. قوله: "جامعًا في ذلك" أي: في الدليل بين كل متناسبين أي: قسمين متناسبين كحسن الوجه وحسن وجه الأب ولا يرد عليه إفراده؛ الحسن الوجنة الجميل خالها
__________
745 الرجز لحميد الأرقط في شرح أبيات سيبويه 1/ 174؛ وشرح المفصل 6/ 85؛ والكتاب 1/ 197؛ ولسان العرب 13/ 179 "رزن"، 15/ 400 "وقى".
746 صدره:
ونأخذ بَعْده بذنَابِ عيشٍ
والبيت من الوافر، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص106، والأغاني 11/ 26؛ وخزانة الأدب 7/ 511، 9/ 363؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 28؛ وشرح المفصل 6/ 83, 85؛ والكتاب 1/ 196؛ والمقاصد النحوية 3/ 579، 4/ 434؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص200؛ والأشباه والنظائر 6/ 11؛ والاشتقاق ص105، وأمالي ابن الحاجب 1/ 458؛ والإنصاف 1/ 134؛ وشرح ابن عقيل ص589؛ وشرح عمدة الحافظ ص358؛ ولسان العرب 1/ 249 "جب"، 1/ 390 "ذنب"؛ والمقتضب 2/ 179.
747 البيت من البسيط، وهو لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص36؛ وشرح أبيات الكتاب 1/ 4؛ وشرح المفصل 6/ 83، 84؛ الكتاب 1/ 198؛ ولسان العرب 1/ 787 "هلب"؛ والمقاصد النحوية 3/ 593.
748 الرجز بلا نسبة في الدرر 5/ 284؛ والمقاصد النحوية 3/ 577؛ وهمع الهوامع 2/ 99.
749 عجزه:
لمن أمَّه مستكفيًا أزمَةَ الدَّهْر
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في شرح التصريح 2/ 86؛ والمقاصد النحوية 3/ 631.(3/19)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
750- "7"
سَبَتْنِي الفتاة البَضَّة المُتَجرِّدِ الـ ... ـلطِيفة كَشْحُه
751- "8"
فما قومي بِثَعْلَبَةَ بن سَعْد ... ولا بِفَزَارَة الشُّعْر الرِّقابَا
752- "9"
الحُزْنُ بَابًا والعَقُور كَلبًا
"10"
فَاقصِد بِزَيْد العَزِيزُ من قَصَدَهْ
طريقة معرفة هذا الجدول أن تضع الورقة التي هو مرسوم فيها بين يديك بحيث تكون أبيات الصفة المعرفة بأل مما يليك ثم ترفع بصرك إلى أبيات الصفة المنكرة، فإذا فرغت منها تنظر إلى أبيات الصفة المعرفة بأل وقد جعل في رأس أبيات النوعين خمس بيوت: مكتوب في أول بيت منها الجر وفي الثاني النصب وفي الثالث الرفع وفي الرابع السببي وفي الخامس الصفة، ووصل كل بيت من هذه الأبيات باثني عشر مربعًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالإشارة إلى دليل يخصه؛ لأن إفراده بذلك لعدم ذكره قسمًا يناسبه كما مر فتدبر. قوله: "طريقة معرفة إلخ" الظاهر أن هذا ليس من كلام الشارح بل لبعض الطلبة, وأن الشارح رسم الجدول عقب قوله وهو هذا, ويرشحه عدم وجود هذه الزيادة في بعض النسخ, وقوله في آخرها وقوله جامعًا إلخ. قوله:
"مما يليك" أي: بحيث تكون تحت أبيات الصفة المنكرة.
قوله: "ثم ترفع بصرك إلى أبيات الصفة المنكرة" أي: لتكون جاريًا على عادة القراءة في الورق مثلًا من البداءة بالأعلى. قوله: "في رأس أبيات النوعين" أي: أبيات كل من النوعين الصفة المنكرة والصفة المعرفة بأل وإلا فالمجعول في رأس أبيات مجموعهما بيوت عشرة لا خمسة. قوله: "باثني عشر مربعًا" هذا على ما في نسخ, وفي أخرى تقليل المربعات المقابلة للجر والنصب والرفع في النوعين بحسب اجتماع بعض صور كل من الثلاثة في حكم كاجتماع حسن الوجه، وحسن وجه الأب، وحسن وجه، وحسن وجه أب، في أحسنية الجر فوضع لحكم الأربعة بيتًا واحدًا. وكاجتماع الأولين في ضعف النصب وفي قبح الرفع فوضع لحكمهما بيتًا واحدًا, وقس على ذلك وهو وضع حسن أيضًا وأحسن منه تقليلها بحسب الاجتماع في الشاهد إن كان وفي الحكم إن لم يكن. والمربع سطح أحاط به أربع خطوط ولذلك سمي مربعًا. ويحتمل أن
__________
750- تمامه:
سَبَتْنِي الفتاة البَضَّة المتجرِّد الـ ... ـلطيفة كشحه وما خلت أن أُسْبَى
والبيت من الطويل وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 623.
751- البيت من الوافر وهو لحارث بن ظالم في الأغاني 11/ 119؛ والإنصاف ص133؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 258؛ وشرح اختيارات المفضل 3/ 1335؛ والكتاب 1/ 201، والمقاصد النحوية 3/ 609، والمقتضب 4/ 161؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 497؛ وشرح المفصل 6/ 89.
752- الرجز لرؤبة في ديوانه ص15؛ وخزانة الأدب 8/ 227؛ والكتاب 1/ 200؛ والمقاصد النحوية 3/ 617؛ والمقتضب 4/ 162، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 180؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 304.(3/20)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالمربعات الموصولة بالأخيرين منها الصفة ومعمولها السببي المنقسم إلى اثني عشر قسمًا كما تقدم، والمربعات الموصولة ببيت الجر مكتوب فيها حكم المعمول السببي الذي في مربعاته كلها, وكذلك في بيت النصب وبيت الرفع فما قابله منها ممتنع فهو ممتنع وما قابله حسن فهو حسن وهكذا. ثم ما يحرس هذه الأحكام إشارة هندية: فانظر في الشواهد المكتوبة حول الجدول فما وجدت عليه تلك الإشارة فهو شاهد ذلك الحكم. وقوله جامعًا بين كل متناسبين إلخ, أي: كما جمع بين حسن الوجه وحسن وجه الأب بصوره: ستة في الجر وخمسة في النصب وأربعة في الرفع.
تنبيهان: الأول تقدم أن معمول الصفة يكون ضميرًا وعملها فيه جر بالإضافة إن باشرته, وخلت من أل نحو: مررت برجل حسن الوجه جميله، ونصب إن فصلت أو قرنت بأل فالأول نحو: "هم أحسن وجوهًا وأنضر همومًا". والثاني نحو: الحسن الوجه الجميله. الثاني إنما تأتي مسائل امتناع الإضافة مع الصفة المفردة كما رأيت. فإن كانت الصفة مثناة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تسميته بذلك لاحتوائه على زوايا أربع قائمة إن استقامت الخطوط الأربعة لتساوي الزوايا حينئذٍ, والزوايا المتساوية قوائم, وعلى زوايا أربع بعضها وهو مصغر حاد وبعضها وهو ما كبر منفرج إن لم يستقم جميعها، وقول البعض
لاحتوائه على زوايا أربع منفرجة إن استقامت الخطوط؛ خطأ فاحش كما لا يخفى على من له أدنى إلمام بفن الهندسة. قوله: "بالأخيرين" أي: البيتين الأخيرين المكتوب في أحدهما لفظ السببي وفي الآخر لفظ الصفة. والضمير في منها يرجع إلى قوله خمس بيوت. قوله: "حكم المعمول السببي" أي: حكم جره وقوله الذي في مربعاته صفة للمعمول السببي والضمير يرجع إليه. قوله: "فما قابله منها" الضمير في منها لأحكام السببي أي: أحكام إعرابه المطلوب والجار والمجرور حال من ممتنع. والمعنى أن السببي الذي قابله من أحكام إعراب السببي المطلوب من جر أو نصب أو رفع ممتنع فهو ممتنع إلخ.
قوله: "ثم ما يحرس إلخ" أتى به مع علمه من قوله مشيرًا إلخ توطئة لما بعده، وقوله هذه الأحكام أي: بعضها. قوله: "بصورة: ستة في الجر وخمسة في النصب وأربعة في الرفع" هذا على ما في عدة نسخ وهو لا يناسب ما مر في الشارح كما تقدم. قوله: "وعملها فيه جر بالإضافة إن باشرته وخلت من أل" جوّز في التسهيل وفاقًا للكسائي مع المباشرة والخلو من أل أن تعمل الصفة في الضمير النصب على التشبيه بالمفعول به فعلى هذا الجر غالب لا لازم كما قاله الدماميني. قال: ويظهر الفرق بين قصد الإضافة وعدم قصدها في مثل مررت برجل أحمر الوجه لا أصفره بكسر الراء عند قصد الإضافة وفتحها عند عدم قصدها. قوله: "وأنضر هموها" من النضرة وهي الوضاءة والبهجة. وفيه أن ما ذكر صيغة تفضيل لا صفة مشبهة، فكان ينبغي أن يقول كغيره: قريش نجباء الناس ذرية وكرامهموها. قوله: "الجميلة" كون الضمير في محل نصب مذهب سيبويه. ومذهب الفراء أنه في محل جر, قاله السيوطي أي: لأنه يجوز إضافة الصفة المحلاة(3/21)
التَّعجُّب:
بِأَفْعَلَ انطِقْ بعد ما تَعَجُّبا ... أو جِئ بأَفْعِلَ مَجْرور بِبَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو مجموعة على حد المثنى جازت إضافتها مطلقًا كما سبق في باب الإضافة ا. هـ.
خاتمة: قال في الكافية:
وضُمّن الجامد معنى الوصف ... واستُعمل استعماله بضَعف
كأنت غَربال الإهاب وكذا ... فراشة الحلم فراع المأخذا
أي: من تضمين الجامد معنى المشتق وإعطائه حكم الصفة المشبهة قوله:
753- فَرَاشَة الحِلم فِرْعَون العَذابِ وإنْ ... تَطْلُب نداه فَكَلب دُونَه كَلبُ
وقوله:
754- فلولا الله والمُهْرُ المُفَدَّى ... لأبْتَ وأنت غِربال الإهَابِ
ضمن فراشة الحلم معنى طائش. وفرعون معنى أليم، وغربال معنى مثقب، فأجريت مجراها في الإضافة إلى ما هو فاعل في المعنى ولو رفع بها أو نصب جاز والله أعلم.
التعجب:
"بأفعل انطق بعد ما تعجبا أو جئ بأفعل قبل مجرور ببا" أي: يدل على التعجب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بأل إلى كل معرفة. قوله: "مطلقًا" أي: سواء كانت الصفة بأل أو لا وسواء كان المضاف إليه خاليًا من أل ومن الإضافة لتاليها ولضمير تاليها أولًا، وذلك لحصول فائدة الإضافة من التخفيف بحذف النون. قوله: "فراشة الحلم" بفتح الفاء. قوله: "أي: من تضمين الجامد إلخ" بيان لقوله كأنت غربال إلخ. قوله: "وإعطائه حكم الصفة المشبهة" أي: من رفع السببي ونصبه وجره وجعله أبو حيان سماعيا. قوله: "والمهر المفدى" بفتح الفاء والدال المهملة المشددة أي: القوي الجري لأُبْت أي: رجعت وأنت غربال الإهاب أي: مثقب الجلد من وقع الأسنة.
التعجب:
اعلم أنه لا يتعجب من صفاته تعالى قياسًا، فلا يقال ما أعلم الله؛ لأنها لا تقبل الزيادة. وشذ قول العرب: ما أعظم الله وما أقدره وما أجله نقله الشيخ يحيى عن ابن عقيل، والسيوطي عن أبي حيان ثم قال السيوطي: والمختار وفاقًا للسبكي وجماعة كابن السراج وابن الأنباري والصيمري جوازه. ومعنى ما أعظم الله أنه تعالى في غاية العظمة وأن عظمته مما تحار فيه العقول، والقصد الثناء عليه بذلك ا. هـ. باختصار وسيأتي عن الرضي ما يؤيد الجواز. ثم رأيت ابن
__________
753- البيت من البسيط، وهو للضحاك بن سعد في الحيوان 1/ 257؛ ولسعيد بن العاصي في ديوان المعاني 1/ 196؛ وبلا نسبة في الدرر 5/ 293؛ وهمع الهوامع 2/ 101.
754- البيت من الوافر، وهو لمنذر بن حسان في المقاصد النحوية 3/ 140، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 411، والخصائص 2/ 221، 3/ 195؛ وديوان المعاني 2/ 249؛ والدرر 5/ 291؛ ولسان العرب 1/ 632 "عنكب"، 3/ 372 "قيد"، 11/ 491 "غربل"؛ والممتع في التصريف ص74.(3/22)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو استعظام فعل فاعل ظاهر المزية بألفاظ كثيرة نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28] ، سبحان الله المؤمن لا ينجس. لله دره فارسًا. لله أنت.
755- يا جَارَتَا ما أنْتِ جَارَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حجر الهيتمي بعد أن نقل في كتابه الإعلام إفتاء السبكي بالجواز ساق كلام ابن الأنباري، وملخصه: اعترض الكوفيون على البصريين في قولهم أن ما أفعله فعل بأنه يلزمهم أن يكون معنى ما أعظم الله شيء أعظمه, والله تعالى عظيم لا بجعل جاعل، فأجابوا بأن معنى ما أعظم الله شيء وصفه بالعظمة, كما تقول عظمت عظيمًا، والشيء إما من يعظمه من عباده أو ما يدل على عظمته من مصنوعاته أو ذاته تعالى أي: إنه أعظم لذاته لا لشيء جعله عظيمًا. وقيل هو إخبار بأنه في غاية العظمة ا. هـ. ثم ذكر ابن حجر أنه على القول الأول بأوجهه الثلاثة باق على حقيقته من التعجب وعلى الثاني مجاز في الإخبار ا. هـ. ويكفي في وجود شرط قبول الزيادة هنا أن مطلق العلم, ومطلق القدرة ومطلق العظمة مثلًا مما يقبل الزيادة وإن لم يقبلها خصوص
علمه تعالى وقدرته وعظمته فتأمل. ولا يجوز على الله تعالى أنه إنما يكون عند خفاء السبب وهو تعالى لا يخفى عليه خافية, وأما التعجب الوارد في القرآن من جهته تعالى فعلى لسان خلقه نحو: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} أفاده الدماميني وغيره.
قوله: "تعجبًا" أي: لأجل التعجب أو متعجبًا أو في وقت التعجب. قوله: "أي: يدل على التعجب إلخ" لم يتحمل المتن جميع ذلك حتى يكون تفسيرًا له فكان الظاهر؛ أي: يتعجب بصيغتين مبوب لهما في كتب النحاة وقد يتعجب بغيرهما نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} إلخ. قوله: "وهو استعظام" وعرفه الدماميني بأنه انفعال يحدث في النفس عند الشعور بأمر يجهل سببه. ومن ثم قيل إذا ظهر السبب بطل العجب. قوله: "فعل فاعل" يعني صفة موصوف وإن لم يكن له فيه اختيار فدخل نحو: ما أحسن زيدًا فاندفع اعتراض البعض كغيره. قوله: "ظاهر المزية" أي: بسبب زيادة فيه خفي سببها فلا يتعجب مما لا زيادة فيه ولا مما ظهر سببه.
قوله: "نحو: كيف تكفرون بالله" أي: أتعجب من كفركم بالله فاستعملت كيف في التعجب مجازًا عما وضعت له من الاستفهام عن الأحوال. وكذا استعمال سبحان الله ولله دره فارسًا، ولله أنت، وما أنت جارة، في التعجب، فإنه مجاز عن الإخبار بالتنزه ويكون دره منسوبًا لله ويكون المخاطب منسوبًا لله وعن الاستفهام عن جوارها إن كانت ما استفهامية أو عن نفي جوارها إن كانت نافية أي: لست جارة بل أعظم منها. قوله: "سبحان الله إلخ" قال البعض: انظر هل المتعجب منه مضمون الجملة بعده أو حال المخاطب ا. هـ. والأظهر أنه حال المخاطب المتوهم نجاسة المؤمن إذ عدم نجاسته غير خفي السبب. ثم رأيت في شروح البخاري التصريح به. قوله: "لله أنت" أي: في جميع الكمالات كما يدل عليه حذف جهة التعجب فهو أبلغ من نحو: لله درك
__________
755- صدره:
بانت لتُحزِنَنَا عَفَارَة
=(3/23)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
756- وَاهًا لِسَلمى ثُمّ وَاهًا وَاهًا
والمبوّب له في كتب العربية صيغتان: ما أفعله وأفعل به لاطرادهما فيه. فأما الصيغة الأولى فما فيها اسم إجماعًا؛ لأن في أفعل ضميرًا يعود عليها. وأجمعوا على أنها مبتدأ؛ لأنها مجردة للإسناد إليها. ثم اختلفوا فقال سيبويه: هي نكرة تامة بمعنى شيء. وابتدئ بها لتضمنها معنى التعجب وما بعدها خبر فموضعه رفع. وقال الفراء وابن درستويه: هي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فارسًا.
قوله: "يا جارتا ما أنت جاره" شطر بيت من مجزوء الكامل، المرفل فجاره بالوقف على هاء التأنيث وإن كان منصوبًا على التمييز أو الحال إن كانت ما استفهامية أو الخبرية إن كانت نافية حجازية، ومرفوعًا إن كانت نافية تميمية، وجارتا منصوب؛ لأنه مضاف إلى الألف المنقلبة عن ياء المتكلم. قوله: "واها" اسم فعل بمعنى أعجب. قوله: "لاطرادهما" أي: كثرة استعمالهما فيه لوضعهما له بخلاف ما مر كذا قالوا، وأورد عليه البعض أنه غير ظاهر في واها ولك رده بأن وضع واهًا للفظ الفعل الدال على التعجب لا للتعجب بناء على الراجح من أن مسميات أسماء الأفعال ألفاظ الأفعال. قوله: "
ضميرًا يعود عليها" أي: والضمير لا يعود إلا على الأسماء. قوله: "على أنها مبتدأ" أي: واجب التقديم؛ لأنها في كلام جرى مجرى المثل فلزم طريقة واحدة. دماميني. قوله: "نكرة تامة" أي: غير موصوفة بالجملة بعدها؛ وذلك لأن التعجب إنما يكون فيما خفي سببه فيناسبه التنكير.
قوله: "لتضمنها معنى التعجب" أي: المناسب له قصد الإبهام لاقتضاء التعجب خفاء السبب والإبهام يناسب الخفاء. والمراد بتضمنها معنى التعجب أن لها دخلًا في إفادته فلا ينافي أن الموضوع للتعجب الجملة بتمامها. وقيل المسوّغ تقدير التخصيص والمعنى شيء عظيم. قوله: "وما بعدها خبر" لكن ليس المقصود بالتركيب في هذه الحالة الإخبار بل إنشاء التعجب وكذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= والبيت من مجزوء الكامل, وهو للأعشى في ديوانه ص203؛ وخزانة الأدب 3/ 308، 310، 5/ 486-488، 7/ 250، 9/ 240؛ وشرح شواهد الإيضاح ص193؛ ولسان العرب 4/ 63 "بشر"، 4/ 154 "جور"، 4/ 589 "عفر"؛ والمقاصد النحوية 3/ 638؛ والمقرب 1/ 165؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص452؛ وشرح شذور الذهب ص335؛ وشرح ابن عقيل ص347؛ وشرح عمدة الحافظ 435؛ والصاحبي في فقه اللغة ص171.
756- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص168؛ وله أو لأبي النجم في المقاصد النحوية 1/ 123، 3/ 636؛ ولأبي النجم في شرح التصريح 2/ 197؛ وشرح شواهد المغني 1/ 129؛ وشرح المفصل 4/ 72؛ ولسان العرب 13/ 563 "ويه"، 14/ 345 "روي"؛ وله أو لرجل من بني الحارث في خزانة الأدب 7/ 455؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 786؛ وشرح عمدة الحافظ ص967؛ وشرح قطر الندى ص257؛ واللامات ص125؛ ومجالس ثعلب ص275؛ ومغني اللبيب 2/ 369؛ والمقاصد النحوية 4/ 311.(3/24)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
استفهامية ونقله في شرح التسهيل عن الكوفيين. وقال الأخفش: هي معرفة ناقصة بمعنى الذي وما بعدها صلة فلا موضع له, أو نكرة ناقصة وما بعدها صفة فمحله رفع، وعلى هذين فالخبر محذوف وجوبًا أي: شيء عظيم. واختلفوا في أفعل: فقال البصريون والكسائي فعل للزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية نحو: ما أفقرني إلى رحمة الله، ففتحته بناء كالفتحة في زيد ضرب عمرًا وما بعده مفعول به. وقال بقية الكوفيين اسم لمجيئه مصغرًا في قوله:
757- يَامَا أُمَيْلِحَ غِزْلانًا شَدَنَّ لَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يقال فيما يأتي قال الرضي: معنى ما أحسن زيدًا في الأصل شيء من الأشياء جعل زيدًا حسنًا، ثم نقل إلى إنشاء التعجب وانمحى عنه معنى الجعل, فجاز استعماله في التعجب من شيء يستحيل كونه بجعل جاعل نحو: ما أقدر الله وما أعلمه. قوله: "هي استفهامية" أي: مشوبة بتعجب كما ذكره المصنف في شرح التسهيل. وقال الدماميني استفهامية أي: في الأصل ثم نقلت إلى إنشاء التعجب, قال: وهذا القول أقوى من جهة المعنى؛ لأن شأن المجهول كسبب الحسن أن يستفهم عنه. وقد يستفاد من الاستفهام معنى التعجب نحو: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: 20] ا. هـ. وما بعدها هو الخبر. قوله: "عن الكوفيين" قال في التصريح: وهو موافق لقولهم باسمية أفعل بفتح العين فإن الاستفهام المشوب بالتعجب لا يليه إلا الأسماء نحو: {مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة: 27] . قوله: "هي معرفة ناقصة" لاحتياجها في إفهام المراد إلى الصلة.
قوله: "أي: شيء عظيم" ليس ذكر شيء ضروريا. قوله: "للزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية" قال الدماميني نقلًا عن المصنف: لا يرد على ذلك عليكني ورويدني؛ لأنه يقال عليك بي ورويد بي فلا يلزمان نون الوقاية بخلاف ما أفقرني ا. هـ. قال البعض: وقد يقال هو ظاهر في الثاني لا الأول؛ لأن عليكني بمعنى الزمني وعليك بي بمعنى استمسك بي كما ذكروه فهو تركيب آخر ا. هـ. ولك دفعه بأن مراد المجيب أن عليك له حالة يستغنى فيها مع ياء المتكلم عن النون بخلاف فعل التعجب, فإنه ليس له حالة يستغنى
فيها مع ياء المتكلم عن النون, مع أن المعروف أن عليك مطلقًا بمعنى الزم إلا أنه قد يضمن معنى استمسك فيتعدى بالباء. قوله: "وما بعده مفعول به" لهذا المفعول أحكام خالف فيها أصل المفاعيل منها أنه لا يحذف إلا لدليل
ولا يتقدم على عامله, ولا يحال بينهما إلا بالظرف على الصحيح ولا يكون إلا معرفة أو نكرة مختصة كما سيذكر الشارح هذا الحكم والمصنف البقية. قوله: "لمجيئه مصغرًا" أجاب البصريون بأنه شاذ.
__________
757- عجزه:
مِنْ هؤُليَّائكُنَّ الضَّالِ والسَّمُرِ
والبيت من البسيط، وهو للمجنون في ديوانه ص130، وله أو للعرجي أو لبدوي اسمه كامل الثقفي أو لذي الرمة أو للحسين بن عبد الله في خزانة الأدب 1/ 93، 96، 97؛ والدرر 1/ 234؛ ولكامل الثقفي أو للعرجي في شرح شواهد المغني 2/ 922؛ وللعرجي في المقاصد النحوية 1/ 416، 3/ 643؛ وصدره لعلي بن أحمد العريني في لسان العرب 13/ 235 "شدن"؛ ولعلي بن محمد العريني في خزانة الأدب 1/ 98؛=(3/25)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ففتحته إعراب كالفتحة في زيد عندك؛ وذلك لأن مخالفة الخبر للمبتدأ تقتضي عندهم نصبه، وأحسن إنما هو في المعنى وصف لزيد لا لضمير ما، وزيد عندهم مشبه بالمفعول به. وأما الصيغة الثانية فأجمعوا على فعلية أفعل ثم اختلفوا؛ فقال البصريون: لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر وهو في الأصل ماض على صيغة أفعل بمعنى صار ذا كذا. كأغد البعير إذا صار ذا غدة، ثم غيرت الصيغة فقبح إسناد صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر فزيدت الباء في الفاعل ليصير على صورة المفعول به كامرر بزيد، ولذلك التزمت، بخلافها في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "شدن" من شدن الظبي بالشين المعجمة والدال المهملة أي: قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمه. ولنا صفة ثانية لغزلانا وتمام البيت:
من هؤليّائكن الضال والسمر
الضال بضاد معجمة فألف فلام مخففة شجر السدر البري الواحدة ضالة. والسمر بفتح السين المهملة وضم الميم شجر الطلح بحاء مهملة كما في كتب اللغة لا بالعين كما حرفه البعض, الواحدة سمرة ويجمع أيضًا على سمرات. قوله: "ففتحته إعراب" نقل عن بعض الكوفيين أن فتحته بنائية لتضمنه التعجب الذي هو معنى حقه أن يؤدي بالحرف. وردّ بأن المؤدي لمعنى التعجب الجملة بتمامها لا أفعل, وحينئذٍ فقول الشارح بقية الكوفيين أي: غالب بقيتهم. قوله: "وذلك" أي: كون فتحته فتحة إعراب مع كونه خبرًا. قوله: "تقتضي عندهم نصبه" فعامل النصب عندهم المخالفة. قوله: "وأحسن إنما هو إلخ" بيان للمخالفة هنا وفيه تنبيه على أن مخالفة الخبر للمبتدأ كونه ليس وصفًا للمبتدأ في المعنى كما في زيد عندك وما أحسن زيدًا. ومقتضاه النصب عندهم في نحو: زيد أفضل أبًا، وفسرها في التصريح بأن يكون الخبر بحيث لا يحمل على المبتدأ لا حقيقة ولا حكمًا. قوله: "وصف لزيد لا لضمير ما" فيه إشارة إلى أن معنى أحسن عندهم فائق في الحسن لا صير زيدًا حسنًا كما هو على مذهب البصريين إذ التصيير صفة لضمير ما لا لزيد فتأمل. قوله: "مشبه بالمفعول به" لوقوعه بعد ما يشبه الفعل في الصورة.
قوله: "على فعلية أفعل" أي: فيها فحصل الربط. وإنما أجمعوا على فعلية أفعل؛ لأن صيغته لا تكون إلا لفعل وأما أصبع فنادر قاله المصرح. قوله: "لفظه لفظ الأمر" على هذا هو مبني على السكون أو حذف حرف العلة كالأمر نظرًا لصورته أو على فتحة مقدرة منع من ظهورها مجيئه على صورة الأمر نظرًا للمعنى. قوله: "ومعناه الخبر" أي: في الأصل وإلا فالجملة بتمامها نقلت إلى إنشاء التعجب أو مراده بالخبر ما قابل الطلب فيشمل الإنشاء غير الطلب. قوله: "وهو في الأصل ماض إلخ" فأصل أحسن بزيد أحسن زيد أي: صار ذا حسن فهمزته للصيرورة. قوله: "ثم غيرت الصيغة" أي: عند نقلها إلى إنشاء التعجب ليوافق اللفظ في التغيير, تغيير المعنى من الإخبار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= ولعلي بن محمد المغربي في خزاة الأدب 9/ 363 وبلا نسبة في أسرار العربية ص115؛ والإنصاف 1/ 127؛ وخزانة الأدب 1/ 237، 5/ 233؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 190؛ وشرح المفصل 5/ 135؛ ومغني اللبيب 2/ 682؛ وهمع الهوامع 1/ 76، 2/ 191.(3/26)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نحو: كفى بالله شهيدًا فيجوز تركها، كقوله:
758- كفى الشَّيْب والإسلام لِلمرْءِ نَاهِيًا
وإنما تحذف مع أن وأنَّ كقوله:
759- وَأَحْبَب إلينا أنْ تَكون المُقَدَّمَا
لاطراد حذف الجار معهما كما عرف. وقال الفراء والزجاج والزمخشري وابنا كيسان وخروف: لفظه ومعناه الأمر وفيه ضمر والباء للتعدية. ثم قال ابن كيسان: الضمير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى الإنشاء هذا ما ظهر لي. قوله: "وإنما تحذف مع أن وأنّ" الذي في التصريح نقلًا عن الموضح في الحواشي أنها إنما تحذف مع أن المخففة وأن حذفها مع أن المشددة ممتنع لعدم السماع. ثم قال: فهذا حكم اختصت به أن عن أنّ ونظيره: عسى أن يقوم زيد فلا يقال عسى أنه يقوم.
قوله: "والباء للتعدية" أي: فموضع مجرورها نصب على المفعولية. قال المصنف: ولو اضطر شاعر إلى حذفها مع غير أن بعد أفعل لزمه أن يرفع على قول البصريين وأن ينصب على قول الفراء, وبهذا ظهرت ثمرة الخلاف ا. هـ. دماميني هذا وفي الهمع أن الهمزة على قول الفراء ومن وافقه للنقل كهي في ما أفعل والباء زائدة, وكذا قال الدماميني الهمزة على هذا القول للتعدية والباء زائدة. ثم قال: ويحتمل أن تكون الهمزة عليه للصيرورة والباء للتعدية لا زائدة, وأصل أكرم بزيد أكرم زيد أي: صار ذا كرم ثم غير الماضي بالأمر وجيء بالباء المعدية التي تصيّر الفاعل مفعولًا، وقيل أكرم بزيد فصار المعنى:
اجعل زيدًا صائرًا ذا كرم ا. هـ. ملخصًا وبه يعلم تقصير الشارح. وصريح كلام الدماميني: أن المراد بالتعدية التعدية الخاصة التي تعاقب فيها الباء الهمزة ومقتضى
__________
758- صدره:
عُميرة ودِّعْ إنْ تَجهَّزْتَ غاديا
والبيت من الطويل، وهو لسحيم عبد بني الحسحاس في الإنصاف 1/ 168؛ وخزانة الأدب 1/ 267، 2/ 101، 103؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 141؛ وشرح التصريح 2/ 88؛ وشرح شواهد المغني 1/ 325؛ والكتاب 2/ 26، 4/ 225؛ ولسان العرب 15/ 226 "كفى"؛ ومغني اللبيب 1/ 106؛ والمقاصد النحوية 3/ 665، وبلا نسبة في أسرار العربية ص144؛ وأوضح المسالك 3/ 253؛ وشرح عمدة الحافظ ص425؛ وشرح قطر الندى ص323؛ وشرح المفصل 2/ 115، 7/ 84، 148، 8/ 24، 93، 138؛ ولسان العرب 15/ 344 "نهى".
759- صدره:
وقال نبي المسلمين تقدّموا
والبيت من الطويل، وهو لعباس بن مرداس في ديوانه ص102؛ والدرر 5/ 234، والمقاصد النحوية 3/ 656؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص49؛ والدرر 5/ 242، 6/ 321؛ وشرح التصريح 2/ 89؛ وشرح ابن عقيل ص451؛ ولسان العب 1/ 292 "حبب"؛ والمقاصد النحوية 4/ 594؛ وهمع الهوامع 2/ 90، 91، 227.(3/27)
وَتِلوَ أَفْعَلَ انصِبَنَّهُ كما ... أَوفَى خَلِيلَيْنا وأَصْدِق بِهما
وحَذْفَ ما مِنْه تَعَجَّبْتَ اسْتَبِحْ ... إن كان عِنْدَ الحَذْفِ مَعْناهُ يَضِحْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للحسن. وقال غيره للمخاطب، وإنما التزم إفراده؛ لأنه كلام جرى مجرى المثل "وتلو أفعل انصبنه" أي: حتمًا لما عرفت "كما أوفى خليلينا وأصدق بهما".
تنبيه: شرط المنصوب بعد أفعل والمجرور بعد أفعل أن يكون مختصا لتحصل به الفائدة كما أرشد إليه تمثيله، فلا يجوز ما أحسن رجلًا ولا أحسن برجل ا. هـ.
"وحذف ما منه تعجبت استبح" منصوبًا كان أو مجرورًا "إن كان عند الحذف معناه يضح" أي: يتضح فالأول كقوله:
760- جَزَى الله عَنَّا والجَزَاءُ بِفَضْلِهِ ... رَبِيعَة خيرًا ما أَعَفَّ وأَكْرَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قول المغني فالباء معدية مثلها في امرر بزيد أن المراد بالتعدية التعدية العامة وأن الباء للإلصاق.
قوله: "الضمير للحسن" أي: المفهوم من أحسن والتقدير أحسن يا حسن بزيد أي: دم به والزمه ا. هـ. تصريح ولذلك لزم الضمير صورة واحدة ويرده أنه يقال أحسن بزيد يا عمر وإذ لا يخاطب شيئان في حالة واحدة ا. هـ. دماميني. قوله: "للمخاطب" فمعنى أحسن بزيد اجعل يا مخاطب زيدًا حسنًا أي: صفه بالحسن كيف شئت ا. هـ. دماميني. قوله: "وإنما التزم إلخ" جواب سؤال وارد على من قال الضمير للمخاطب. قوله: "لما عرفت" أي: من أنه مفعول به أو مشبه بالمفعول به. قوله: "كما أو في إلخ" تمثيل لقوله بأفعل انطق إلخ على اللف والنشر المرتب. قوله: "لتحصل به الفائدة" أي: المطلوبة وهي التعجب من حال شخص مخصوص بخلاف نحو: ضربت رجلًا فإن المقصود الإخبار بوقوع الضرب على شخص ما.
قوله: "وحذف ما منه" أي: من حاله والسين والتاء في استبح زائدتان أو للصيرورة. وشرط في التصريح لحذف المتعجب منه منصوبًا كان أو مجرورًا ولا وجه لاقتصار البعض في نقل هذا الشرط عن التصريح على المجرور أن يكون ضميرًا. قال البعض فلا يجوز الحذف في نحو: أحسن بزيد لعدم الدليل عند الحذف، ولا في نحو: زيد أحسن بزيد؛ لأن الإظهار في موضع الضمير في نحو: ذلك لنكتة تفوت بالحذف ا. هـ. وعلى قياس ذلك لا يجوز الحذف في نحو: ما أحسن زيدًا وزيد ما أحسن زيدًا. لا يقال المتجه أخذا من التعليل جواز الحذف في نحو: ما أحسن زيدًا وأحسن بزيد إذا كان ثم دليل, كما لو قيل ذلك في مقام الثناء على زيد؛ لأنا نمنع كون المحذوف في ذلك اسمًا ظاهرًا ونحكم بأنه ضمير يرجع إلى المثنى عليه في المقام فتفطن. قوله: "معناه يضح" أورد عليه سم أنه قد يفيد أنه لا يكفي مطلق الفهم بل لا بد من
__________
760- البيت من الطويل، وهو للإمام علي بن أبي طالب في ديوانه ص171؛ وتخليص الشواهد ص491؛ والدرر 5/ 240؛ وشرح التصريح 2/ 89؛ والعقد الفريد 5/ 283؛ والمقاصد النحوية 3/ 649؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 259؛ وهمع الهوامع 2/ 91.(3/28)
وفِي كِلا الفِعْلَيْن قِدْمًا لَزِما ... مَنْع تَصَرُّف بِحُكم حُتِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: ما أعفهم وأكرمهم. والثاني وشرطه أن يكون أفعل معطوفًا على آخر مذكور معه مثل ذلك المحذوف ذكره في شرح الكافية نحو: أسمع بهم وأبصر أي:
بهم. وأما قوله:
761- فَذَلِكَ إنْ يَلقَ المَنِيَّةَ يَلقَهَا ... حَمِيْدًا وإنْ يَستَغْنِ يَومًا فَأَجْدرِ
أي: به فشاذ.
تنبيه: إنما جاز حذف المجرور بعد أفعل مع كونه فاعلًا؛ لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة فجاز فيه ما يجوز فيها. وذهب قوم منهم الفارسي إلى أنه لم يحذف, وأنه استتر في الفعل حين حذفت الباء ورد بوجهين: أحدهما لزوم إبرازه حينئذ في التثنية والجمع، والآخران من الضمائر ما لا يقبل الاستتار كنا من أكرم بنا "وفي كلا الفعلين" المذكورين "قدمًا لزما منع تصرف بحكم حتما" ليكون مجيئه على طريقة واحدة أدل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الوضوح الذي هو قدر زائد على مجرد الفهم مع أن الظاهر الذي يدل عليه كلام التوضيح الاكتفاء بمطلق الفهم, وفي تعبيره بقد إشارة إلى الجواب بحمل الوضوح على الانفهام. قوله: "فشاذ" الأوجه عندي أنه ليس بشاذ وأنه لا يشترط هذا الشرط, بل المدار على وجود دليل المحذوف.
قوله: "لأن لزومه للجر إلخ" ولما لم يلزم الفاعل في نحو: كفى بزيد الجر امتنع حذفه وإن كان في حكم الفضلة بالنسبة للتأنيث, إذ لا يقال كفت بهند. قوله: "لزوم إبرازه حينئذٍ" أي: حين استتر في الفعل. وأجيب بأن عدم إبرازه لإلحاقه بضمير أفعل في نحو: ما أحسن زيدًا فكما لم يجمع الضمير في أحسن لم يجمع في أحسن به بجامع اتفاق الفعلين في المعنى أو لكونه في تركيب جرى مجرى المثل الذي لا يغير. قوله: "كنا من أكرم بنا" قد يقال لا مانع من أن يلتزم الفارسيّ امتناع الاستتار في نحو: هذا ويخص الاستتار بغيره مما يصح استتاره أفاده سم. قوله: "وفي كلا الفعلين" متعلق بلزم وكذا قدمًا؛ لأنه نصب على الظرفية أي: في الزمن القديم، وكذا بحكم. والباء في بحكم سببية وأراد بالحكم كون المجيء على طريقة واحدة أدل على المراد. فقوله ليكون إلخ بدل أو بيان من قوله بحكم حتمًا أو تضمنهما معنى التعجب كما قاله سم. قوله: "منع تصرف" اعلم أن عدم تصرف الفعل إما بخروجه عن طريقة الأفعال من الدلالة على الحدث والزمان كنعم وبئس أو بالاستغناء عن تصرفه بتصرف غيره وإن دل على ما ذكر كيدع ويذر فإنه استغنى عن ماضيهما بماضي ترك وعدم تصرف فعل التعجب لكلا الأمرين.
__________
761- البيت من الطويل، وهو لعروة بن الورد في ديوانه ص15؛ والأصمعيات ص46؛ وشرح التصريح 2/ 90؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص424؛ وشرح عمدة الحافظ ص755؛ والمقاصد النحوية 3/ 650؛ وله أو لحاتم الطائي في الأغاني 6/ 303؛ وخزانة الأدب 10/ 9، 10/ 13؛ ولحاتم الطائي في الدرر 4/ 207؛ وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في الأغاني 6/ 296؛ وأوضح المسالك 3/ 260؛ وشرح ابن عقيل ص448؛ وهمع الهوامع 2/ 38.(3/29)
وصُغْهُما من ذي ثَلاثٍ صُرِّفا ... قابل فَضْل تَمَّ غَيْرِ ذِي انْتِفا
وغَيْرِ ذِي وَصْفٍ يُضَاهي أَشْهَلا ... وغَيْرِ سَالِك سَبِيْلَ فُعِلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على ما يراد به، فالأول في الماضي كتبارك وعسى، والثاني في الأمر كتعلم بمعنى اعلم.
وقيل إن علة جمودهما تضمنهما معنى الحرف الذي كان حقه أن يوضع للتعجب فلم يوضع "وصغهما من ذي ثلاث صرفا قابل فضل تم غير ذي انتفا. وغير ذي وصف يضاهي أشهلا وغير سالك سبيل فعلا" أي: لا يبنى هذان الفعلان إلا مما استكمل ثمانية شروط: الأول أن يكون فعلًا فلا يبنيان من الجلف والحمار، فلا يقال ما أجلفه وما أحمره، وشذ ما أذرعها أي: ما أخف يدها في الغزل بنوه من قولهم امرأة ذراع. نعم ادعى ابن القطاع أنه سمع ذرعت المرأة خفت يدها في الغزل، وعلى هذا يكون الشذوذ من حيث البناء من فعل المفعول. الثاني أن يكون ثلاثيا فلا يبنيان من دحرج وضارب واستخرج إلا أفعل، فقيل يجوز مطلقًا، وقيل يمتنع مطلقًا، وقيل يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل نحو: ما أظلم هذا الليل وما أقفر هذا المكان. وشذ على هذين القولين ما أعطاه للدراهم، وما أولاه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ليكون مجيئه" أي: كلا الفعلين وأفرد الضمير نظرًا للفظ كلا. قوله: "أدل على ما يراد به" أي: من التعجب وإنما كان مجيئه على طريقة واحدة أدلّ؛ لأن التصرف فيه, ونقله من حالة إلى حالة ربما يشعر بزوال المعنى الأول. قوله: "من ذي ثلاث" أي: من مصدر فعل ذي ثلاث. قوله: "صرفًا" أي: تصرفًا تاما؛ لأنه المتبادر عند الإطلاق. فخرج ما لا تصرف له أصلًا كنعم وبئس وعسى وليس وما له تصرف ناقص كيدع ويذر. قوله: "قابل فضل" أي: زيادة وقوله ثم أي: يكتفي بمرفوعه. قوله: "يضاهي أشهلا" أي: في الوزن وكون مؤنثه على فعلاء. قوله: "أي: لا يبنى إلخ" أخذ الحصر من قيد الاحتراز أعني قوله من ذي ثلاث إلخ. قوله: "أن يكون فعلًا" أخذه من كون الأوصاف المذكورة لموصوف مقدر وهو الفعل؛ لأن مجموعها لا يكون إلا له. قوله: "فلا يبنيان من الجلف" بكسر الجيم الرجل الجافي. قوله: "فلا يقال ما أجلفه" أي: لبنائه من غير فعل لكن في القاموس جلف كفرح جلفًا وجلافة فأثبت له فعلًا وحينئذٍ يبني من فعله ما أجلفه. قوله: "ما أذرعها" بالذال المعجمة والعين المهملة. قوله: "ذراع" كسحاب وقد يكسر كذا في القاموس.
قوله: "نعم ادعى ابن القطاع إلخ" استدراك على ما قبله المقتضي أنه لم يسمع له فعل, وفي بعض النسخ ابن القطان بالنون والأول هو الظاهر؛ لأنه الذي من أئمة اللغة. قوله: "فلا يبنيان من دحرج إلخ" أي: لما يلزم عليه من حذف بعض الأصول في الرباعي المجرد وحذف الزيادة الدالة على معنى مقصود في غيره كالمشاركة والمطاوعة والطلب في ضارب وانطلق واستخرج قاله المصرح. قوله: "إلا أفعل" استثناء من مفهوم قوله أن يكون ثلاثيا فكأنه قال فلا يبنيان من غيره إلا أفعل أو من معطوف محذوف والتقدير من دحرج وضارب واستخرج ونحوها إلا أفعل. قوله: "فقيل يجوز مطلقًا" هذا رأي: سيبويه واختاره المصنف في التسهيل وشرحه. قوله: "لغير النقل" أي: لغير نقل الفعل من اللزوم إلى التعدي أو من التعدي لواحد إلى التعدي لاثنين أو من(3/30)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للمعرف. وعلى الثلاثة ما أتقاه وما أملأه القربة؛ لأنهما من اتقى وامتلأت، وما أخصره؛ لأنه من اختصر. وفيه شذوذ آخر سيأتي. الثالث أن يكون متصرفًا، فلا يبنيان من نعم وبئس. وشذ ما أعساه وأعس به. الرابع أن يكون معناه قابلًا للتفاضل فلا يبنيان من فنى ومات. الخامس أن يكون تاما فلا يبنيان من نحو: كان وظل وبات وصار وكاد، وأما قولهم: ما أصبح أبردها وما أمسى أدفأها فإن التعجب فيه داخل على أبرد وأدفأ، وأصبح وأمسى زائدتان. السادس أن يكون مثبتًا فلا يبنيان من منفي سواء كان ملازمًا للنفي نحو: ما عاج بالدواء أي: ما انتفع به أم غير ملازم كما قام. السابع أن لا يكون اسم فاعله على أفعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التعدي لاثنين إلى التعدي لثلاثة بأن وضع الفعل على الهمزة. قوله: "نحو: ما أظلم هذا الليل" فإن فعل التعجب المذكور, وإن كانت همزته للنقل والتعدية كما سيذكره الشارح في الخاتمة مبني من أفعل الذي همزته لغير النقل وكذا يقال في المثال الثاني. قوله: "وشذ على هذين القولين إلخ" أما الشذوذ على أول القولين فظاهر. وأما على ثانيهما؛ فلأن الهمزة في المثالين للنقل من التعدي لواحد إلى التعدي لاثنين، فإن الأصل عطا زيد الدراهم أي: تناولها، وولي المعروف أي: تناوله. قوله: "وما أملأه القربة" كذا في نسخ وفي نسخ, وما أملأه للقربة وكلاهما فاسد. أما الأول فمن وجهين: الأول أن فعل التعجب لا ينصب لفظًا إلا مفعولًا واحدًا, الثاني: أن ما أملأه مصوغ من ملأ الثلاثي لا من امتلأ الخماسي, والذي سيصرح به الشارح أنه من امتلأ الخماسي. وأما الثاني فمن الوجه الثاني فدعوى البعض ظهور ما أملأه للقربة غفلة عن كلام الشارح والذي بخط الشارح ما أملأ القربة وهي الصواب.
قوله: "لأنهما من اتقى وامتلأت" لم يأخذوهما من تقي بمعنى خاف وملأ بمعنى امتلأ فلا يكونان شاذين لندورهما أفاده في التصريح. قوله: "وشذ ما أعساه وأعس به" تبع في ذلك المصنف حيث قال في شرح التسهيل وشذ ما أعساه وأعس به بمعنى ما أحقه وأحقق به, فبنوه من فعل غير متصرف ا. هـ. وغلطه الدماميني بأن الفعل الجامد عسى التي هي من أفعال الرجاء وليس قولهم ما عساه وأعس به من عسى المذكورة كما يتأدى عليه قوله بمعنى ما أحقه وأحقق به. قوله: "أن يكون تاما" أي: لأنه لو قيل ما أكون زيدًا قائمًا لزم نصب أفعل لشيئين ولا يجوز حذف قائمًا لامتناع حذف خبر كان ولا جره باللام لامتناع جر الخبر باللام أفاده الشاطبي. قال في التصريح: وحكى ابن السراج والزجاج عن الكوفيين ما أكون زيدًا قائمًا بناء على أصلهم من أن المنصوب بعد كان حال. قوله: "فلا يبنيان من منفي" أي: لالتباسه بالمثبت. قوله: "نحو: ما عاج بالدواء" مضارعه يعيج، واعترض بأنه قد جاء في الإثبات كما في نوادر القالي، ويجاب بأن ذلك نادر, وأما عاج يعوج بمعنى مال يميل فيستعمل في الإثبات. قوله: "أن لا يكون اسم فاعله على أفعل" أي: لمنعهم بناء أفعل التفضيل منه؛ لأنه لو بنى منه أفعل التفضيل لالتبس بالوصف وفعل التعجب كأفعل التفضيل في أمور كثيرة, فمنعوا بناءه منه كما منعوا بناء أفعل التفضيل منه كذا(3/31)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فعلاء فلا يبنيان من عرج وشهل وخضر الزرع. الثامن أن لا يكون مبنيا للمفعول فلا يبنيان من نحو: ضرب وشذ ما أخصره من وجهين، وبعضهم يستثني ما كان ملازمًا لصيغة فعل نحو: عنيت بحاجتك وزهى علينا، فيجيز ما أعناه بحاجتك وما أزهاه علينا. قال في التسهيل: وقد يبنيان من فعل المفعول إن أمن اللبس.
تنبيهات: الأول بقي شرط تاسع لم يذكره هنا وهو أن لا يستغنى عنه بالمصوغ من غيره، نحو: قال من القائلة فإنهم لا يقولون ما أقيله استغناء بما أكثر قائلته. قال في التسهيل: وقد يغني في التعجب فعل عن فعل مستوف لنحو كما يغني في غيره أي: نحو: ترك فإنه أغنى عن ودع. وعدّ في شرحه من ذلك: سكر وقعد وجلس ضدي قام، وقال من القائلة. وزاد غيره قام وغضب ونام, وممن ذكر السبعة ابن عصفور. وعد نام فيها غير صحيح؛ لأن سيبويه حكى ما أنومه. الثاني عد بعضهم من الشروط أن يكون على فعل بالضم أصلًا أو تحويلًا أي: يقدر رده إلى ذلك؛ لأن فعل غريزة فيصير لازمًا ثم تلحقه همزة النقل، وبعضهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
علل في شرح التسهيل.
قوله: "أن لا يكون مبنيا للمفعول" أي: دفعًا للبس المبني من فعل المفعول بالمبني من فعل الفاعل. قوله: "من وجهين" هما كونه من غير ثلاثي وكونه من المبني للمفعول. قوله: "عنيت بحاجتك" كذا في نسخ بإسقاط ما وهي الصواب, وفي أخرى ما عنيت بزيادة ما وهي خطأ كما لا يخفى. قوله: "فيجيز ما أعناه إلخ" أي: لأمن اللبس. قوله: "إن أمن اللبس" أي: بأن كان الفعل ملازمًا للبناء للمجهول أو غير ملازم وقامت قرينة على أنه مبني من فعل المفعول, فهو أعم من مذهب البعض المتقدم, وقصر البعض أمن اللبس على كون الفعل ملازمًا للبناء للمجهول فيكون مساويًا لمذهب بعضهم, لا دليل عليه ولا داعي إليه. قوله: "لم يذكره هنا" أي: وأشار إليه في التسهيل كما نبه عليه الشارح بقوله, قال في التسهيل إلخ, ولم يذكره هنا؛ لأن الخارج به ألفاظ قليلة جدا. قوله: "سكر إلخ" أي: فالمسموع ما أكثر سكره لا ما أسكره وكذا ما بعده. قوله: "وقعد إلخ" اعترضه الشاطبي وأقره البعض بأن منع بناء فعل التعجب من القيام والقعود والجلوس لفقد شرط قبول الفضل, وعندي فيه نظر؛ لأنها تقبل الفضل من حيث طول زمنها.
قوله: "أي: يقدر رده إلى ذلك" بيان للتحويل. قوله: "لأنه فعل غريزة فيصير لازمًا" المتبادر منه أن الغرض من هذا التحويل صيرورته لازمًا وقضيته عدم التحويل إذا كان فعل بالفتح أو بالكسر لازمًا وهو خلاف إطلاق هذا القول, مع أنه يرد عليه أيضًا أن التحويل لا يتعين طريقًا لصيرورة الفعل لازمًا لحصوله بتنزيله منزلة اللازم بقطع النظر عن مفعوله فاعرفه. قوله: "واقعًا" أي: غير مستقبل. قوله: "والصحيح عدم اشتراط ذلك" أي: المذكور من كونه على فعل أصلًا أو تحويلًا وكونه واقعًا وكونه دائمًا, أما الأول فلما مر؛ ولأن فعل بالفتح وفعل بالكسر يشاركان فعل بالضم في قبول همزة النقل فتقدير ردهما عند بناء فعل التعجب منهما إلى فعل لا حاجة إليه(3/32)
وأَشْدِدَ أو أَشَدَّ أو شِبْهُهُما ... يَخْلُفُ ما بَعْضَ الشروطِ عَدِما
ومَصْدر العادِمِ بعد يَنْتَصِبْ ... وبَعْدَ أَفْعِل جَرُّه بِالبَا يَجِبْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن يكون واقعًا، وبعضهم أن يكون دائمًا والصحيح عدم اشتراط ذلك "وأشدد أو أشد أو شبههما يخلف ما بعض الشروط عدما" من الأفعال "ومصدر" الفعل "العادم" بعض الشروط صريحًا كان أو مؤولا "بعد" أي: بعد ما أفعل "ينتصب وبعد أفعل جره بالبا يجب" فتقول في التعجب من الزائد على ثلاثة, ومما الوصف منه على أفعل: ما أشد أو أعظم دحرجته أو انطلاقه أو حمرته، أو أشدد أو أعظم بها. وكذا المنفي والمبني للمفعول إلا أن مصدرهما يكون مؤولا لا صريحًا نحو: ما أكثر أن لا يقوم، وما أعظم ما ضرب وأشدد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولأن من الأفعال أنواعًا رفضت العرب صوغها على فعل بالضم وهي: المضاعف والمعتل العين والمعتل اللام, فإذا تعجبت من شيء منها لم تقدر رد الصيغة إلى فعل للرفض المذكور. قال الدماميني: ولصاحب المذهب الأول أن يقول لو كانت الهمزة للنقل من غير رد إلى فعل بالضم للزم في مثل ما أعلم زيدًا نقص مفعول؛ لأنه كان يتعدى إلى مفعولين, وبعد التعجب يتعدى إلى مفعول واحد ولك أن تقول المفعول الثاني مقدر مجرور بالباء على القاعدة الآتية قبيل الخاتمة أي: ما أعلم زيدًا بكذا أو أن ما أعلم زيدًا مصوغ من علم المنزل منزلة اللازم فتفطن وأما الثاني فلجواز ما أحسن ما يكون هذا الطفل, وليس بواقع, وأما الثالث فلجواز ما أشد لمع البرق وليس بدائم.
قوله: "وأشدد أو أشد إلخ" المتبادر منه أن أشدد وأشد مصوغان من فعل مستكمل للشروط؛ لأن القصد من الإتيان بنحو: أشدد وأشد التخلص من صوغ فعل التعجب من فعل لم يستكمل الشروط, مع أن أشدد وأشد مصوغان من غير ثلاثي وهو اشتد الخماسي على الظاهر إذ لا يعلم ورود أشد الرباعي فعلًا إلا فيما. قال صاحب الصحاح والقاموس أشدّ الرجل إذا كانت معه دابة شديدة والصوغ من هذا في أشد استخراجًا بعيد ثم رأيت بخط بعض الفضلاء ما نصه: قوله أو أشدد وأشد إلخ فعلهما المصوغان منه شدد ثلاثيا كما ذكره الناظم في شرح العمدة, وبهذا يندفع اعتراض ابن عاشر بأنهما من غير ثلاثي مجرد فلم يستكملا الشروط في أنفسهما, فكيف يتوصل بهما إلى غيرهما ا. هـ. قوله: "أو شبههما" أي: كأكثر وأكبر وأعظم. قوله: "يخلف ما بعض الشروط عدما" أي: يخلف فعلي التعجب المأخوذين مما ذكر. قال في التصريح. ولا يختص التوصل بأشد ونحوه بما فقد بعض الشروط, بل يجوز فيما استوفى الشروط نحو: ما أشد ضرب زيد لعمرو ا. هـ. ولا يرد هذا على الناظم؛ لأن مراده يخلف وجوبًا. قوله: "نحو: ما أكثر أن لا يقوم" اعترضه سم. فقال: هلا جاز المصدر الصريح مضافًا إليه العدم أو الانتفاء واعترضه زكريا فقال: لا يخفى أن المقصود التعجب من عدم قيامه مثلًا في الزمن الماضي فكيف يقال ذلك وأن للاستقبال. قال سم وقد يجاب بأن الصيغة صارت للإنشاء وانسلخ عنها معنى الزمان, وفيه أن هذا في صيغة فعل التعجب والاعتراض بغيرها, ويظهر أنه يصح أن يتعجب من عدم
قيامه في المستقبل ومن عدم قيامه في الماضي وأنه يقال في الثاني ما أكثر أن لم يقم؛ لأن أن مع لم ليست(3/33)
وبِالنُّدُورِ احْكُمْ لِغَيْرِ ما ذُكِرْ ... ولا تَقِسْ على الذي منه أُثِرْ
وفِعْلُ هذا الباب لن يُقَدَّما ... مَعْموله ووَصْلَهُ به الزَمَا
وفَصْلُهُ بظَرْف أو بحَرْف جَرّ ... مُسْتَعْمل والخُلفُ في ذاك اسْتَقَر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بهما. وأما الفعل الناقص فإن قلنا له مصدر فمن النوع الأول, وإلا فمن الثاني، تقول ما أشد كونه جميلًا أو ما أكثر ما كان محسنًا أو أشدد أو أكثر بذلك. وأما الجامد والذي لا يتفاوت معناه فلا يتعجب منهما ألبتة. "وبالندور احكم لغير ما ذكر ولا تقس على الذي منه أثر" أي: حق ما جاء عن العرب من فعلي التعجب مبنيا مما لم يستكمل الشروط أن يحفظ ولا يقاس عليه لندوره، من ذلك قولهم: ما أخصره من اختصر وهو خماسي مبني للمفعول، وقولهم ما أهوجه وما أحمقه وما أرعنه, وهي من فعل فهو أفعل كأنهم حملوها على ما أجهله. وقولهم ما أعساه وأعس به، وقولهم أقمن به أي: أحقق به بنوه من قولهم هو قمن بكذا أي: حقيق به ولا فعل له، وقالوا ما أجنه وما أولعه من جن وولع، وهما مبنيان للمفعول وغير ذلك "وفعل هذا الباب لن يقدما معموله" عليه "ووصله به الزما. وفصله"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للاستقبال فتأمل. قوله: "فإن قلنا له مصدر" أي: بناء على أن الفعل الناقص يدل على الحدث, وقوله وإلا أي: بناء على أنه لا يدل عليه والراجح الأول
كما مر في محله. قوله: "فلا يتعجب منهما" قال البعض: بقي ما لا فعل له, والظاهر أنه لا يتعجب منه أيضًا؛ لأنه لا مصدر له حتى يؤتى به بعد أشد منصوبًا أو مجرورًا ا. هـ. والمتجه عندي أنه يتعجب منه بزيادة ياء المصدرية
أو ما في معناها, فيقال ما أشد حماريته أو ما أشد كونه حمارًا فاحفظه.
قوله: "وبالندور إلخ" اعترض بأنه لا حاجة إليه بعد تقريره الشروط, ولئن سلم الاحتياج إلى قوله وبالندور إلخ فهو يغني عن قوله ولا تقس إلخ, إذ معلوم أن النادر لا يقاس عليه. والجواب أنه أتى بالشطر الأول إشارة إلى أن الشروط سمع نادرًا تخلفها لدفع توهم أنها لم تتخلف, ثم لما كان النادر قد يطلق على القليل الذي يقاس عليه فتكون تلك الشروط شروطًا للكثرة قال ولا تقس إلخ, ذكره الشاطبي. قوله: "أثر" أي: نقل. قوله: "ما أهوجه" في القاموس الهوج محركة طول في حمق وطيش وتسرع، والهوجاء الناقة المسرعة كأن بها هوجًا. وفيه أيضًا حمق ككرم حمقًا بالضم وبضمتين, وحماقة وانحمق واستحمق فهو أحمق قليل العقل. وفيه أيضًا الأرعن الأهوج في منطقه والأحمق المسترخي وقدر عن مثلثة رعونة ورعنا محركة. وذكر صاحب ضياء الحلوم الأهوج في فعل بفتح العين يفعل بكسرها فعليه وعلى ما تقدم يتعذر النطق بقول المؤلف وهي من فعل فهو أفعل ا. هـ. عبد القادر علي ابن الناظم. قوله: "كأنهم حملوها على ما أجهله" أي: لمناسبتها له في المعنى وهو بيان للمسوغ في الجملة. قوله: "أقمن به" قال جماعة مثله: ما أجدره بكذا وردّ بأن ابن القطاع ذكر لأجدر فعلًا فقال: يقال جدر جدارة صار جديرًا أي: حقيقيا. قوله: "لن يقدما معموله عليه" أي: لعدم تصرفه. قوله: "أو بحرف جر" أو مانعة خلوّ فتجوّز الجمع فيجوز الفصل بمجموع الظرف والجار والمجرور هذا ما يقتضيه القياس على ما سبق في(3/34)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منه "بظرف أو بحرف جر" متعلقين بفعل التعجب "مستعمل والخلف في ذاك استقر" فلا تقول ما زيدًا أحسن ولا يزيد أحسن، وإن قيل إن يزيد مفعول به. وكذلك، لا تقول ما أحسن يا عبد الله زيدًا، ولا أحسن لولا بخله بزيد. واختلفوا في الفصل بالظرف والمجرور المتعلقين بالفعل، والصحيح الجواز كقولهم ما أحسن بالرجل أن يصدق وما أقبح به أن يكذب. وقوله:
762- خَلِيْلَيَّ ما أَحْرَى بِذِي اللُّبِّ أنْ يُرَى ... صَبُورًا ولكِن لا سَبِيلَ إلى الصَّبْر
وقوله:
763- وَأَحْرِ إذا حَالَت بأَنْ أتَحَوَّلَا
فإن كان الظرف والمجرور غير متعلقين بفعل التعجب امتنع الفصل بهما. قال في شرح التسهيل. بلا خلاف فلا يجوز ما أحسن بمعروف آمرًا، ولا ما أحسن عندك جالسًا ولا أحسن في الدار عندك بجالس.
تنبيهات: الأول قال في شرح الكافية لا خلاف في منع تقديم المتعجب منه على فعل التعجب ولا في منع الفصل بينهما بغير ظرف وجار ومجرور، وتبعه الشارح في نفي الصل الخلاف عن غير الظرف والمجرور قال كالحال والمنادى، لكن قد أجاز الجرمي من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غير موضع وإن خالفه كلام الدماميني الذي اقتصر عليه شيخنا والبعض. قوله: "فلا تقول ما زيدا أحسن" ولا زيدًا ما أحسن كما فهم بالأولى. قوله: "وإن قيل إن بزيد مفعول به" أي: كما هو رأي: الفراء ومن وافقه. قوله: "واختلفوا في الفصل بالظرف إلخ" محل الخلاف ما إذا لم يكن في المعمول ضمير يعود على المجرور وإلا تعين الفصل. نقله السيوطي عن أبي حيان. وبهذا يعلم ما في غالب أمثلة الشارح لمحل الخلاف من المؤاخذة, قاله سم. قوله: "وأحر إلخ" صدره:
أقيم بدار الحرب ما دام حربها والشاهد في إذا حالت فإنه ظرف لأحر فاصل بينه وبين معموله. قوله: "ولا أحسن في الدار عندك" كذا في نسخ. وهو يدل على ما قلنا من جواز الفصل بمجموع الظرف والجار والمجرور, وفي نسخ ولا أحسن في الدار أو عندك. قوله: "عن غير الظرف والمجرور" أي: عن
__________
762- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الدرر 5/ 242؛ وشرح ابن عقيل ص452؛ والمقاصد النحوية 3/ 662؛ وهمع الهوامع 2/ 91.
763- صدره:
أقيم بدار الحَزْمِ ما دام حَزْمُها
والبيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر في ديوانه ص83؛ وتذكرة النحاة ص292؛ وحماسة البحتري ص120؛ وشرح التصرح 2/ 90؛ وشرح عمدة الحافظ ص748؛ والمقاصد النحوية 3/ 659؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 263.(3/35)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البصريين وهشام من الكوفيين الفصل بالحال نحو: ما أحسن مجردة هندًا. وقد ورد في الكلام الفصيح ما يدل على جواز الفصل بالنداء؛ وذلك كقول علي كرم الله وجهه: أعزز علي أبا اليقظان أن أراك صريعًا مجدلًا. قال في شرح التسهيل: وهذا مصحح للفصل بالنداء. وأجاز الجرمي الفصل بالمصدر
نحو: ما أحسن إحسانًا زيدًا. ومنعه الجمهور لمنعهم أن يكون له مصدر. وأجاز ابن كيسان الفصل بلولا ومصحوبها نحو: ما أحسن لولا بخله زيدًا ولا حجة له على ذلك. الثاني قد سبق في باب كان أنها تزاد كثيرًا بين ما وفعل التعجب نحو: ما كان أحسن زيدًا. ومنه قوله:
764- ما كان أَسْعَدَ مَن أجَابَك آخِذا ... بِهُداك مجتنبًا هَوًى وعِنادًا
ونظيره في الكثرة وقوع ما كان بعد فعل التعجب نحو: ما أحسن ما كان زيد، فما مصدرية وكان تامة رافعة ما بعدها بالفاعلية، فإن قصد الاستقبال جيء بيكون. الثالث يجر ما تعلق بفعلي التعجب من غير ما ذكر بإلى إن كان فاعلًا نحو: ما أحب زيدًا إلى عمرو ولا فبالباء إن كانا من مفهم علمًا أو جهلًا نحو: ما أعرف زيدًا بعمرو وما أجهل خالدًا ببكر، وباللام إن كان من
متعد غيره نحو: ما أضرب زيدًا لعمرو، وإن كانا من متعد بحرف جر فيما كان يتعدى به نحو: ما أغضبني على زيد. ويقال في التعجب من كسا زيد
الفقراء الثياب وظن عمرو بشرًا صديقًا، ما أكسى زيدًا للفقراء الثياب وما أظن عمرًا لبشر صديقًا وانتصاب الآخر بمدلول عليه بأفعل لا به خلافًا للكوفيين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل بغير الظرف والمجرور. قوله: "كقول على إلخ" أي: في حق عمار بن ياسر حين رآه مقتولًا وهو نثر لا نظم. وقوله مجدلًا أي: مرميا على الجدالة بالفتح وهي الأرض. قوله: "لمنعهم أن يكون له" أي: لفعل التعجب مصدر لكونه لإنشاء التعجب فأشبه ما لا مصدر له كنعم وبئس ا. هـ. دماميني. قوله: "فما مصدرية إلخ" أي: وهي ومدخولها في محل نصب مفعول فعل التعجب، وأجاز بعضهم جعل ما اسمًا موصولًا وكان ناقصة ونصب زيد على أنه خبرها وضعفه في المغني.
قوله: "فإن قصد الاستقبال جيء بيكون" هذا مبنيّ على الصحيح المتقدم من عدم اشتراط كونه واقعًا. قوله: "ما تعلق بفعلي التعجب" أي: ما عمل فيه فعل التعجب, وقوله من غير ما ذكر أراد بما ذكر ما تعجب من وصفه منصوبًا أو مجرورًا، ويحتمل أنه أراد به الظرف والمجرور المفصول بهما بين الفعل ومعموله المتعجب من وصفه, ولا مانع من إرادتهما معًا. قوله: "بإلى إن كان فاعلًا" وإنما يكون ذلك بعد مفهم حب أو بغض ا. هـ. دماميني. قوله: " إن كانا من متعد غيره" أي: بنفسه بدليل ما بعد. قوله: "نحو: ما أضرب زيدًا لعمرو" مثله ما أحب زيدًا لعمرو فزيد فاعل الحب وعمرو مفعوله بعكس ما أحب زيدًا إلى عمرو. قوله: "بمدلول عليه بافعل" أي: بفعل مقدر
__________
764- البيت من الكامل، وهو لعبد الله بن رواحة في المقاصد النحوية 3/ 663، وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص211، 752.(3/36)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة: همزة أفعل في التعجب لتعدية ما عدم التعدي في الأصل نحو: ما أظرف زيدًا أو الحال نحو: ما أضرب زيدًا. وهمزة أفعل للصيرورة. ويجب تصحيح عينهما إن كانا معتليها نحو: ما أطول زيدًا وأطول به. ويجب فك أفعل المضعف نحو: أشدد بحمرة زيد. وشذ تصغير أفعل مقصورًا على السماع كقوله:
765- يَامَا أُمَيْلِحَ غِزْلانًا شَدَنَّ لنا ... من هُؤلَيَّائِكُنَّ الضَّالِ والسَّمَرِ
وطرده ابن كيسان وقاس عليه أفعل نحو: أحيسن بزيد والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مدلول عليه بافعل لا بافعل لما علمت من أنه لا ينصب إلا مفعولًا واحدًا تقديره في الأول يكسوهم وفي الثاني يظنه. قوله: "ما عدم التعدي" أي: ما عدم أصله الذي صيغ منه التعدي. قوله: "في الأصل" أي: قبل التعجب وقوله أو الحال أي: في حال التعجب وهو مبني على أن من شروط التعجب أن يكون الفعل على زنة فعل أصلًا أو تحويلًا, وتقدم ما فيه فالهمزة -على الصحيح من عدم اشتراط ذلك- لتعدية الفعل إلى مفعول كان قبلها فاعلًا. قوله: "وهمزة أفعل للصيرورة" أي: لصيرورة المتعجب من وصفه ذا كذا كأغد البعير، والباء زائدة هذا على الصحيح من أنه ماض في المعنى، وأما عند من جعله أمرًا لفظًا ومعنى فقد أسلفناه. قوله: "ويجب تصحيح عينهما" أي: دون لامهما حملًا على اسم التفضيل, حيث قالوا أقول وأبيع وأدعي وأرمي. قوله: "ويجب فك أفعل إلخ" أي: كما سيأتي في قوله:
وفك أفعل في التعجب التزم
قوله: "وشذ تصغير أفعل" أي: بفتح العين، وقد تبع الشارح الناظم في جعل تصغير أفعل شاذ وعز واطراده إلى ابن كيسان فقط, والذي في المغني أن النحويين أجازوا تصغيره بقياس لشبهه بأفعل التفضيل وزنًا وأصلًا وإفادة للمبالغة, وأراد بالأصل الفعل المصوغ منه ثم قال: ولم يحك ابن مالك اختيار قياسه إلا عن ابن كيسان وليس كذلك. قال أبو بكر بن الأنباري: ولا يقال إلا لمن صغر سنه ا. هـ. قال الدماميني: قال أبو حيان ما حكاه ابن مالك عن ابن كيسان هو نص كلام البصريين والكوفيين أما الكوفيون فإنهم اعتقدوا اسمية أفعل, فهو عندهم مقيس فيه, وأما البصريون فنصوا على ذلك في كتبهم وإن كان خارجًا عن القياس. قوله: "مقصورًا على السماع" مستغنى عنه بقوله وشذ ولم يسمع إلا في أحسن وأملح كما قاله الدماميني ونقله في
المغني عن الجوهري.
__________
765- راجع التخريج رقم 757.(3/37)
نعم وبئس وما جرى مجراهما:
فِعْلانِ غَيْر مُتَصرِّفَيْن ... نعم وبئس رافِعانِ اسْمَينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نعم وبئس وما جرى مجراهما:
"فعلان غير متصرفين نعم وبئس" عند البصريين والكسائي بدليل فبها ونعمت، واسمان عند الكوفيين بدليل ما هي بنعم الولد، ونعم السير على بئس العير. وقوله:
766- صَبَّحَكَ اللهُ بخير باكِرِ ... بنعمَ طَيْر وشبابٍ فاخِرِ
وقال الأولون هو مثل قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نعم وبئس وما جرى مجراهما:
أي: في المدح والذم كحبذا وساء. واعلم أن لنعم وبئس استعمالين: أحدهما أن يستعملا متصرفين كسائر الأفعال فيكون لهما مضارع وأمر واسم فاعل وغيرها، وهما إذ ذاك للإخبار بالنعمة والبؤس، تقول: نعم زيد بكذا ينعم به فهو ناعم وبئس يبأس فهو بائس. الثاني أن يستعملا لإنشاء المدح والذم وهما في هذا الاستعمال لا يتصرفان لخروجهما عن الأصل في الأفعال من الدلالة على الحدث والزمان فأشبها الحرف، والكلام عليهما هنا باعتبار هذا الاستعمال, وتجري فيهما على كلا الاستعمالين اللغات الآتية في الشرح أفاده الشاطبي. قوله: "فعلان" خبر مقدم لنعم وبئس. قوله: "بدليل فبها ونعمت" أي: لأن تاء التأنيث الساكنة من خصائص الأفعال, وبدليل ما حكاه الكسائي من قولهم نعما رجلين ونعموا رجالًا؛ لأن ضمائر الرفع البارزة المتصلة أيضًا من خصائص الأفعال.
قوله: "واسمان عند الكوفيين" أي: مبنيان على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء وهو من معاني الحروف. وأورد عليه أن المفيد للإنشاء الجملة بتمامها لا نعم وبئس فقط. ويجاب بأنهما العمدة في إفادة الإنشاء. وفي الدماميني نقلًا عن البسيط من قال باسميتهما فما بعدهما مما هو فاعل عندنا ينبغي أن يكون تابعًا عندهم لنعم بدلًا أو عطف بيان. والمعنى الممدوح الرجل زيد ا. هـ. قال سم: ويبقى الكلام في نحو: نعم رجلًا زيد ويحتمل أن يقال: إن رجلًا تمييز عن النسبة التي تضمنها نعم بمعنى الممدوح أي: الممدوح من جهة الرجولية زيد، ويحتمل أنه حال ثم قياس. ما ذكر في نعم الرجل حر الولد فيما استدلوا به من قوله ما هي بنعم الولد أي: ما هي بالممدوح الولد. ولعلهم يروونه بالجر فإن فرض أنهم يروونه بالرفع فلعله مقطوع عما قبله، وكذا يقال في العير من قوله على بئس العير ا. هـ. وفي الفارضي من قال باسمية نعم وبئس أعربهما مبتدأ وما بعدهما خبر ويجوز العكس حكاه أبو حيان في شرح هذا الكتاب. قوله: "باكر" أي: سريع.
قوله: "هو مثل قوله إلخ" ضمير هو يرجع إلى المذكور من الشواهد أي: إلى مجموعها
__________
766- الرجز بلا نسبة في الدرر 5/ 195؛ ولسان العرب 12/ 582 "نعم"؛ والمقاصد النحوية 4/ 2؛ وهمع الهوامع 2/ 84.(3/38)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
767- عَمْرُكَ ما لَيْلِي بِنَامَ صاحِبُهْ
وسبب عدم تصرفهما لزومهما إنشاء المدح والذم على سبيل المبالغة وأصلهما فَعِل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه لا يأتي في البيت؛ لأنه يمنع منه فيه جر طير بإضافة نعم إليه بل تأويله أنه نزل نعم منزلة خير أي: بخير طير, فجعل نعم اسمًا للخير وأضافها لطير وفتحه على الحكاية للفظها قبل عروض الاسمية, قاله بعضهم وهو أولى مما ذكره شيخنا والبعض والمثلية في حذف الصفة والموصوف وإقامة المعمول مقامهما, هكذا قال شيخنا والبعض وفيه؛ أنه لا حاجة في بنام صاحبه إلى تقدير الصفة والأصل: بليل مقول فيه نام صاحبه, بل المحتاج إليه تقدير الموصوف فقط لصحة جعل نام صاحبه نفس الصفة فلا تكن أسير التقليد. قوله: "لزومهما إنشاء المدح والذم" أي: والإنشاء من معاني الحروف ولا تصرف في الحروف والمراد لزومهما في أحد الاستعمالين فلا ينافي أن لهما استعمالًا آخر فارقًا فيه الإنشاء. قال الدماميني: وإنما كانا لإنشاء المدح أو الذم؛ لأنك إذا قلت نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو فإنما تنشئ المدح أو الذم وتحدثه بهذا اللفظ, وليس المدح أو الذم بموجود خارجًا في أحد الأزمنة مقصود مطابقة هذا الكلام إياه حتى يكون خبرًا, بل الموجود خارجًا جودة الشخص أو رداءته, والقصد بهذا الكلام مدحه أو ذمه بالجودة أو الرداءة، فقول الأعرابي لمن بشره بمولودة وقال نعم الولد هي: والله ما هي بنعم الولد, ليس تكذيبًا له في المدح إذ لا يمكن تكذيبه فيه وإنما هو إخبار بأن الجودة التي حكمت بحصولها خارجًا ليست بحاصلة, فهو تكذيب لما تضمنه الإنشاء من الإخبار بحصول الجودة, فالتكذيب والتصديق إنما يتسلطان على ما تضمنه ذلك الإنشاء من الخبر لا عليه نفسه, وكذا الإنشاء التعجبي والإنشاء الذي في كم الخبرية وفي رب, هذا معنى كلام ابن الحاجب. قال الرضي: وفيه نظر إذ هذا الذي قرره يطرد في جميع الأخبار؛ لأنك إذا قلت زيد أفضل من عمرو فلا ريب في كونه خبرًا, ولا يمكن أن تكذب في التفضيل ويقال لك: إنك لم تفضل بل التكذيب إنما يتعلق بأفضلية زيد، وكذا إذا قلت زيد قائم هو خبر بلا شك, ولا يمكن أن تكذب من حيث الإاخبار؛ لأنك أوجدته بهذا اللفظ قطعًا بل من حيث القيام فكذا قوله: والله ما هي بنعم الولد, بيان لكون النعمية أي: الجودة المحكوم بثبوتها خارجًا ليست بثابتة وكذا في التعجب وفي كم ورب ا. هـ ببعض اختصار.
قوله: "على سبيل المبالغة" أي: لعموم المدح والذم فيهما وعدم تخصيصهما بخصلة معينة عند الإطلاق, وعدم التقييد بمخصص نحو: نعم الرجل زيد بخلاف نعم زيد عالمًا، وكان الأولى أن يقول: ويفيدان ذلك على سبيل المبالغة, إذ لا دخل لقوله على سبيل المبالغة في تعليل عدم التصرف كما علم. قوله: "وأصلهما فعل" أي: بفتح الفاء وكسر العين وقوله وقد يردان كذلك
__________
767- الرجز لأبي خالد القناني في شرح أبيات سيبويه 2/ 416؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص99، 100، والإنصاف 1/ 112؛ وخزانة الأدب 9/ 388، 389؛ والخصائص 2/ 366؛ والدرر 1/ 76، 6/ 24؛ وشرح عمدة الحافظ ص549؛ وشرح المفصل 3/ 62؛ وشرح قطر الندى
ص29؛ ولسان العرب 12/ 595 "نوم"؛ والمقاصد النحوية 4/ 3؛ وهمع الهوامع 1/ 6، 2/ 120.(3/39)
مُقَارِنَيْ أل أو مُضافَيْن لِما ... قارَنَهَا كنِعم عُقْبَى الكُرَما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد يردان كذلك أو بسكون العين وفتح الفاء وكسرها أو بكسرهما. وكذلك كل ذي عين حلقية من فَعِل فعلًا كان كشهد أو اسمًا كفخذ. وقد يقال في بئس بَيْس "رافعان اسمين" على الفاعلية "مُقَارِنَيْ أل" نحو: نعم العبد وبئس الشراب "أو مضافين لما قارنها كنعم عقبى الكرما" {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 30] ، {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [غافر: 76] ، أو مضافين لمضاف لما قارنها كقوله:
768- فَنِعْمَ ابنُ أخْتِ القَومِ غَيْرَ مُكَذَّبِ
وإنما لم ينبه على هذا الثالث لكونه بمنزلة الثاني. وقد نبه عليه في التسهيل.
تنبيهان: الأول اشتراط كون الظاهر معرفًا بأل أو مضافًا إلى المعرف بها، أو إلى المضاف إلى المعرف بها. وهو الغالب. وأجاز بعضهم أن يكون مضافًا إلى ضمير ما فيه أل كقوله:
769- فَنِعْمَ أخو الهَيْجَا ونِعْمَ شَبَابُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلخ يفيد أن الأوجه الأربعة فيهما إذا استعملا لإنشاء المدح والذم, وبعضهم خصها بحالة تصرفهما وأفصحها كما في الدماميني الكسر فالسكون ثم كسر الفاء والعين ثم الفتح فالسكون ثم الفتح فالكسر. قوله: "وكسرها" الوجه إسقاطه لعلمه من قوله وأصلهما فعل لرجوع الضمير إلى نعم وبئس بكسر فسكون. قوله: "حلقية" أي: مخرجها الحلق وقوله من فعل أي: موازن فعل بفتح فكسر والمراد لفظه فيجوز صرفه بتأويل اللفظ, ومنع صرفه بتأويل الكلمة. قوله: "وقد يقال في بئس بيس" أي: بموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة مبدلة من الهمزة على غير قياس كذا في الهمع، ثم إن كان الإبدال في حال الكسر فهو قياسي أو بعد الفتح فهو غير قياسي. قوله: "رافعان" أعربه الفارضي خبر مبتدأ محذوف أي: وهما رافعان وهو أولى من إعرابه نعت فعلان لما يلزم عليه من الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي وهو المبتدأ, كما
قاله الشيخ خالد. قوله: "على الفاعلية" أي: على القول بفعليتهما وأما على القول باسميتهما فقد أسلفناه. قوله: "مقارني أل" أي: المعرفة؛ لأنها المنصرف إليها اللفظ عند الإطلاق فلا يدخل لفظ الجلالة والذي. قوله: "غير مكذب" حال من الفاعل والمخصوص بالمدح زهير في تمام البيت. قوله: "وإنما لم ينبه على هذا الثالث" يمكن دخوله في كلامه بأن يراد بما قارنها ولو بواسطة. قوله: "هو الغالب" لا يلتئم مع قوله والصحيح إلخ, فكان الأولى أن يقول بدله هو الراجح أو نحوه, ووجد في بعض النسخ الضرب من أول التنبيه إلى الواو من قوله وأجاز وهو مناسب. قوله: "ونعم شبابها" كذا بخط الشارح وفي
__________
768- عجزه:
زهير حسامًا مفردًا من حمائل
والبيت من الطويل، وهو لأبي طالب في خزانة الأدب 2/ 72؛ والدرر 5/ 200؛ وشرح التصريح 2/ 95؛ والمقاصد النحوية 4/ 5؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 272؛ وهمع الهوامع 2/ 85.
769- الشطر من الطويل.(3/40)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والصحيح أنه لا يقاس عليه لقلته. وأجاز الفراء أن يكون مضافًا إلى نكرة كقوله:
770- فَنِعْمَ صاحِبُ قَومٍ لا سِلاحَ لَهُمْ ... وصاحِبُ الرَّكْبِ عُثْمَانُ بنُ عفَّانا
ونقل إجازته عن الكوفيين وابن السراج، وخصه عامة الناس بالضرورة. وزعم صاحب البسيط أنه لم يرد نكرة غير مضافة، وليس كذلك بل ورد، لكنه أقل من المضاف نحو: نعم غلام أنت ونعم تيم. وقد جاء ما ظاهره أن الفاعل علم أو مضاف إلى علم كقول بعض العبادلة: بئس عبد الله أنا إن كان كذا، وقوله عليه الصلاة والسلام: $"نعم عبد الله هذا" وكقوله:
771- بِئْسَ قَومُ اللهِ قَومٌ طُرِقُوا ... فَقَرَوا جَارَهُم لَحْمًا وَحِرْ
وكأن الذي سهل ذلك كونه مضافًا في اللفظ إلى ما فيه أل وإن لم تكن معرفة. وأجاز المبرد والفارسي إسناد نعم وبئس إلى الذي نحو: نعم الذي آمن زيد كما يسندان إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعض النسخ شهابها بالهاء بدل الموحدة الأولى. قوله: "والصحيح إلخ" وفرق بين هذا وبين ما أجازه في باب الإضافة من نحو:
الواهب المائة الهجان وعبدها
بأن عبدها تابع لما فيه أل وقد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع, كذا قال البعض ولا يخفى أنه لا ينفع في نحو:
الود أنت المستحقة صفوه
فالأولى أن يقال باب نعم وبئس لعدم تصرفهما أضيق من باب الإضافة. قوله: "فنعم صاحب قوم إلخ" كأن الذي سهل ذلك عند الجمهور عطف المضاف إلى المحلى بأل عليه وعثمان هو المخصوص بالمدح. قوله: "ما ظاهره" أي: تركيب ظاهره، وإنما قال ما ظاهره لإمكان تأويله بجعل الفاعل ضميرًا مستترًا حذف تفسيره بناء على جواز حذف التمييز في مثل ذلك والعلم مخصوص بالمدح أو الذم وما بعده بدل أو عطف بيان. قوله: "طرقوا" من الطروق وهو الإتيان ليلًا فقروا جارهم أي: فأطعموا ضيفهم لحمًا وحر بفتح الواو وكسر الحاء المهملة أي: دبت عليه الوحرة بفتحات وهي نوع من الوزغ ووقف بالسكون على لغة ربيعة. قوله: "وإن لم تكن معرفة" أي: لأنها زائدة لازمة وتعريفه بالعلمية. قوله: "كما يسندان إلخ" أي: بجامع إرادة
__________
770- البيت من البسيط، وهو لكثير بن عبد الله النهشلي في الدرر 5/ 213؛ وشرح شواهد الإيضاح ص100؛ والمقاصد النحوية 4/ 17؛ وله أو لأوس بن مغراء أو لحسان بن ثابت في خزانة الأدب 9/ 415، 417؛ وشرح المفصل 7/ 131؛ وليس في ديوان حسان؛ وبلا نسبة في المقرب 1/ 66؛ وهمع الهوامع 2/ 86.
771- البيت من الرمل، وهو بلا نسبة في الدرر 5/ 206، 217؛ والمقاصد النحوية 4/ 19؛ وهمع الهوامع 2/ 85.(3/41)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما فيه أل الجنسية، ومنع ذلك الكوفيون وجماعة من البصريين وهو القياس؛ لأن كل ما كان فاعلًا لنعم وبئس وكان فيه أل كان مفسرًا للضمير المستتر فيهما إذا نزعت منه، والذي ليس كذلك, قال في شرح التسهيل ولا ينبغي أن يمنع؛ لأن الذي جعل بمنزلة الفاعل ولذلك اطرد الوصف به، الثاني ذهب الأكثرون إلى أن أل في فاعل نعم وبئس جنسية, ثم اختلفوا فقيل حقيقة. فإذا قلت نعم الرجل زيد فالجنس كله ممدوح وزيد مندرج تحت الجنس؛ لأنه فرد من أفراده ولهؤلاء في تقريره قولان: أحدهما أنه لما كان الغرض المبالغة في إثبات المدح للمدوح جعل المدح للجنس الذي هو منهم, إذ الأبلغ في إثبات الشيء جعله للجنس حتى لا يتوهم كونه طارئًا على المخصوص. والثاني أنه لما قصدوا المبالغة عدوا المدح إلى الجنس مبالغة ولم يقصدوا غير مدح زيد فكأنه قيل ممدوح جنسه لأجله, وقيل مجازًا, فإذا قلت نعم الرجل زيد جعلت زيدًا جميع الجنس مبالغة, ولم تقصد غير مدح زيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجنس في كل. قوله: "كان مفسرًا" أي: تمييزًا. قوله: "والذي ليس كذلك" أي: لأنه لا تنزع منه أل حتى يصلح لكونه مفسرًا للضمير. قوله: "قال في شرح التسهيل إلخ" باقي عبارة شرح التسهيل على ما في الهمع ومقتضى النظر الصحيح أنه لا يجوز مطلقًا, ولا يمنع مطلقًا بل إذا قصد به الجنس جاز, وإذا قصد به العهد منع ا. هـ. وهو إنما يتجه على أن أل في نعم الرجل جنسية لا عهدية.
قوله: "ولا ينبغي أن يمنع" أي: والكلية السابقة غير مسلمة. قوله: "لأن الذي" أي: مع صلته جعل بمنزلة الفاعل أي: بمنزلة اسم الفاعل المحلى بأل واسم الفاعل المحلى بأل يقع فاعلًا لنعم وبئس فكذا ما هو بمنزلته, والمراد بكونه بمنزلته أنه مؤول به. قوله: "جنسية" أي: للجنس في ضمن جميع الأفراد حقيقة أو مجازًا كما يدل عليه تقريره الآتي وأل الجنسية بهذا المعنى هي الاستغراقية حقيقة أو مجازًا وبها عبر بعضهم. قوله: "فقيل حقيقة" أي: أنه أريد بمدخولها جميع أفراد الجنس قصدًا أو تبعًا للممدوح كما يدل عليه ما بعده. وقوله فالجنس كله ممدوح أي: قصدًا أو تبعًا وقوله وزيد مندرج تحت الجنس أي: ثم نص عليه كما ينص على الخاص بعد العام, واعترض بأن العموم يؤدي إلى التناقض في نحو: نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو وأجيب بأن الشيء قد يمدح ويذم من جهتين مختلفتين, ولا تناقض عند اختلاف الجهة. قوله: "في تقريره" أي: تقرير كونها للجنس حقيقة وقوله إنه أي: الحال والشأن. قوله: "جعل المدح للجنس" أي: قصدًا فجميع أفراده ممدوحة قصدًا على هذا القول. قوله: "حتى لا يتوهم" أي: فلا يتوهم كونه أي: المدح طارئًا على المخصوص, وأن جنسه لا يستحق المدح لنقصه فحتى تفريعية.
قوله: "عدوا المدح إلى الجنس" أي: جعلوه متجاوزًا المخصوص إلى الجنس لا قصدًا بل تبعًا للمخصوص مبالغة في مدحه. قوله: "وقيل مجازًا" أي: جنسية مجازًا ووجهه أن المراد بمدخولها الفرد المعين مدعي أنه جميع الجنس لجمعه ما تفرق في غيره من الكمالات فالمدح لذلك الفرد(3/42)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وذهب قوم إلى أنها عهدية, ثم اختلفوا فقيل المعهود ذهني كما إذا قيل اشتر اللحم ولا تريد الجنس, ولا معهودًا تقدم وأراد بذلك أن يقع إبهام, ثم يأتي بالتفسير بعده تفخيمًا للأمر وقيل المعهود هو الشخص الممدوح, فإذا قلت زيد نعم الرجل فكأنك قلت زيد نعم هو. واستدل هؤلاء بتثنيته وجمعه ولو كان عبارة عن الجنس لم يسغ فيه ذلك. وقد أجيب عن ذلك على القول بأنها للاستغراق بأن المعنى أن هذا المخصوص يفضل أفراد هذا الجنس إذا ميزوا رجلين أو رجالًا رجالًا. وعلى القول بأنها للجنس مجازًا بأن كل واحد من الشخصين كأنه على حدته جنس فاجتمع جنسان فثنيا. الثالث لا يجوز اتباع فاعل نعم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا لغيره من الجنس لا قصدًا ولا تبعًا. قوله: "فقيل المعهود ذهني" أي: حقيقة معينة في الذهن باعتبار وجودها في ضمن فرد مبهم, كما هو شأن مدخول لام العهد الذهني ثم فسر ذلك الفرد المبهم بزيد مثلًا. قوله: "ولا معهودًا تقدم" أي: في الذكر صريحًا أو كناية أو في العلم كما هو شأن مدخول لام العهد الخارجي. قوله: "تفخيمًا للأمر" أي: مدح ذلك الفرد؛ لأن التفسير بعد الإبهام أمكن في ذهن المخاطب وأوقع في نفسه. قوله: "وقيل المعهود هو الشخص الممدوح" أي: فتكون أل للعهد الخارجي. قوله: "فكأنك قلت زيد نعم هو" أي: فيكون الرجل من وضع الظاهر موضع الضمير وأل للعهد الخارجي الذكرى, وهذا ظاهر إذا قدم المخصوص كما في مثال الشارح فإذا أخر كما في نعم الرجل زيد فالظاهر أن الأمر كذلك, على القول بأن المخصوص مبتدأ خبره الجملة قبله لتقدم المرجع في الرتبة, وإن تأخر لفظًا بخلافه على القول بأنه مبتدأ حذف خبره, أو خبر مبتدأ محذوف فعليهما لا إظهار في مقام الإضمار, بل ولا تكون أل للعهد الذكرى حيث اشترط تقدم ذكر مدخولها كما هو قضية كلامهم. وانظر أل حينئذٍ لأي أقسام العهد الخارجي.
قوله: "واستدل هؤلاء" أي: القائلون بأن أل للعهد مطلقًا ذهنيا أو خارجيا كما يرشد إليه تعليله. قوله: "لم يسغ فيه ذلك" أي: لأن الجنس شيء واحد وإن أريد في ضمن جميع أفراده كما هو مراد القائل بأنها للجنس كما مر. قوله: "للاستغراق" أي: للجنس في ضمن جميع الأفراد حقيقة بتقريريه السابقين. قوله: "أن هذا المخصوص" أي: المثنى أو المجموع يفضل أي: يفوق أفراد هذا الجنس أي: جنس فاعل نعم المثنى أو المجموع, وأخذ الفضل من كونه المخصوص بالمدح. قوله: "إذا ميزوا" أي: فصلوا وقسموا رجلين رجلين أو رجالًا رجالًا أي: حالة كونهم, أي: أولئك الأفراد رجلين رجلين في المثنى أو رجالًا رجالًا في المجموع. وحاصله أن القائل نعم الرجلان أو الرجال ثنى أو جمع أولًا, ثم عرف بأل الجنسية فهي لجنس الاثنين في ضمن جميع أفراده التي هي مثنيات, ولجنس الجمع الذي في ضمن جميع أفراده التي هي جموع, وأما قول البعض وما ذكره لا يظهر إلا على القول بأن أفراد المثنى والجمع مثنيات وجموع وأما على القول بأن أفرادهما آحاد فلا ا. هـ. فغفلة؛ لأن محل الخلاف إذا لم تكن أل في المثنى لجنس الاثنين وفي المجموع لجنس الجمع, وإلا كانت أفراد المثنى مثنيات وأفراد الجموع جموعًا بلا خلاف للقطع(3/43)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبئس بتوكيد معنوي, قال في شرح التسهيل باتفاق وأما التوكيد اللفظي فلا يمتنع, وأما النعت فمنعه الجمهور وأجازه أبو الفتح في قوله:
772- لَعَمْرِي وما عَمْرِي عَلَيَّ بِهَيِّنٍ ... لَبِئْسَ الفَتَى المَدْعُوُّ باللَّيْلِ حَاتِمُ
قال في شرح التسهيل: وأما النعت فلا ينبغي أن يمنع على الإطلاق بل يمتنع إذا قصد به التخصيص مع إقامة الفاعل مقام الجنس؛ لأن تخصيصه حينئذ مناف لذلك القصد, وأما إذا تؤول بالجامع لأكمل الفضائل فلا مانع مع نعته حينئذ؛ لإمكان أن يراد بالنعت ما أريد بالمنعوت. وعلى هذا يحمل قول الشاعر:
773- نِعْمَ الفَتَى المُرِّيُّ أَنْتَ إذا هُمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بوجوب صدق المفهوم على أفراده ومفهوم الاثنين والجمع لا يصدق على الواحد فلا يكون فردًا لهما. فعض بنواجذك على هذا التحقيق. قوله: "بتوكيد معنوي" أي: فلا يقال نعم الرجل كلهم أو أنفسهم زيد ولا كله أو نفسه زيد؛ لأن الأول منافر للفظ والثاني منافر للمعنى. ولا يقاس الأول على قولهم الدينار الصفر والدرهم البيض؛ لشذوذه, وأيضًا ليس المقام مقام تحقيق الإحاطة بالجنس فلا يشذ منه أحد حتى يؤتى بكل, ولا رفع احتمال إرادة جنس آخر ملابس للجنس المذكور حتى يؤتى بالنفس, كذا قال الدماميني. قال سم: وهو يتأتى في المثنى والجمع ا. هـ. قال في الهمع وقال أبو حيان: ومن يرى أن أل عهدية شخصية لا يبعد أن يجيز نعم الرجل نفسه زيد. قوله:
"فلا يمتنع" لأن إعادة اللفظ خشية نحو: سهو السامع عنه لا محذور فيه.
قوله: "فمنعه الجمهور" أي: لأنه إن أفرد خولف المعنى وإن جمع خولف اللفظ, قاله الدماميني. وقال الفارضي؛ لأن النعت يخصصه ويقلل شياعه فينافي المقصود منه وهو الجنس في ضمن جميع الأفراد حقيقة أو مجازًا كما هو المشهور فيه. قوله: "لذلك القصد" أي: قصد الجنس على الوجه المتقدم.
قوله: "وأما إذا تؤول" أي: الفاعل بالجامع لأكمل الفضائل أي: بأن أريد الاستغراق مجازًا ومثل ذلك ما إذا أريد الجنس حقيقة ولم يقصد بالنعت التخصيص بل الكشف والإيضاح كما استفيد من مفهوم قوله سابقًا إذا قصد به التخصيص, ومثله أيضًا ما إذا أريد العهد. قوله: "لا مكان أن يراد بالنعت إلخ" بأن يراد بالنعت الجامع لكمالات جنس هذا النعت. قوله: "المري" بضم الميم وتشديد الراء نسبة إلى مرة أحد أجداده وتمام البيت:
__________
772- البيت من الطويل، وهو ليزيد بن قنافة في خزانة الأدب 9/ 405، 407؛ والدرر 5/ 203؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1464؛ والمقاصد النحوية 4/ 9؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 2/ 85.
773- عجزه:
حَضَروا لَدَى الحجُراتِ نارَ الموقِدِ
والبيت من الكامل، وهو لزهير بن أبي س لمى في ديوانه ص275؛ وخزانة الأدب 9/ 404؛ 407، 408؛ وشرح شواهد المغني 2/ 915؛ والمقاصد النحوية 4/ 21؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 71؛ ومغني اللبيب 2/ 587.(3/44)
ويَرْفَعانِ مُضْمرًا يُفسِّره ... مُمَيِّزٌ كنِعْمَ قومًا مَعْشَرُه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وحمل أبو علي وابن السراج مثل هذا على البدل وأبيا النعت ولا حجة لهما ا. هـ. وأما البدل والعطف فظاهر سكوته في شرح التسهيل عنهما جوازهما وينبغي أن لا يجوز منهما إلا ما تباشره نعم "وَيَرْفَعانِ" أيضًا على الفاعلية "مضمرًا" مبهمًا "يفسره مميز كنعم قومًا معشره" وقوله:
774- نَعْمَ امْرَأ هَرِمٌ لم تَعْرُ نائِبَةٌ ... إلا وَكانَ لِمُرْتَاعٍ بِهَا وَزَرَا
وقوله:
775- لنعم مَوْئِلًا المَولَى إذا حُذِرَتْ ... بَأْسَاءُ ذِي البَغْي واسْتِيلاءُ ذي الإحَنِ
وقوله:
776- نعم امْرَأَيْنِ حاتِمٌ وكَعْبُ ... كِلاهما غَيْثٌ وسَيْفٌ عَضْبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حضروا لدى الحجرات نار الموقد
والحجرات جمع حجرة بفتحتين وهي شدة الشتاء. قوله: "إلا ما تباشره نعم" أي: ما يصلح لمباشرتها وهو المعرف بأل والمضاف إلى المعرف بها ولو بواسطة, وقد جزم بالجواز بهذا القيد السيوطي. قال البعض تبعًا لشيخنا وقد يقال الذي ينبغي الجواز مطلقًا ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع
ا. هـ. وأنت إذا تذكرت ما أسلفناه عن بعض المحققين من أن اغتفارهم في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ليس أصلًا مطردًا في كل موضع؛ ولذلك يقولون قد يغتفر إلخ, هان عليك هذا البحث. قوله: "مضمرًا مبهمًا" تقدم أن هذا من المواضع السبعة التي يعود فيها الضمير على متأخر لفظًا ورتبة. قال الفارضي وندر جره بالباء أي: الزائدة نحو: نعم بهم قومًا. قوله: "يفسره مميز" فإذا قلت: زيد نعم رجلًا لم يعد الضمير على زيد بل على رجلًا. دماميني. قوله: "مميز" يجوز وصف هذا المميز نحو: نعم رجلًا صالحًا زيد وكذا فصله خلافًا لابن أبي الربيع نحو: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50] ، همع. قوله: "كنعم قومًا معشره" ينبغي إذا جرينا على أن معشره مبتدأ خبره الجملة قبله أن يكون الرابط عموم الضمير للمبتدأ على أن المراد بالضمير الجنس, أو إعادة المبتدأ بمعناه على أن المراد به الشخص فعلم ما في كلام البعض تبعًا لسم من الخفاء والقصور. قوله: "نعم امرأ هرم" بفتح الهاء وكسر الراء لم تعر مضارع عرا يعرو بمعنى عرض والوزر الملجأ. قوله: "لنعم موئلا" أي: ملجأ وقوله حذرت بالبناء للمجهول أي: خيفت. والإحن بكسر الهمزة وفتح الحاء المهملة جمع إحنة بكسر الهمزة وسكون الحاء وهي الحقد. قوله: "كلاهما غيث وسيف عضب" أي: قاطع وفيه لف ونشر مرتب. قوله: "تقول عرسي إلخ"
__________
774- البيت من البسيط، وهو لزهير بن أبي سلمى في شرح التصريح، وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 275؛ وشرح التصريح 1/ 392؛ وشرح شذور الذهب ص197.
775- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في شرح أبي عقيل ص454؛ وشرح عمدة الحافظ ص782؛ والمقاصد النحوية 4/ 6.
776- الرجز بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص782.(3/45)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ونحو: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50] . وقوله:
777- تَقُولُ عِرْسِي وَهْيَ لِي فِي عَومَرَهْ ... بِئْسَ امْرَأً وَإِنَّنِي بِئْسَ المَرَهْ
ففي كل من نعم وبئس ضمير هو الفاعل. ولهذا الضمير أحكام: الأول أنه لا يبرز في تثنية ولا جمع استغناء بتثنية تمييزه وجمعه، وأجاز ذلك قوم من الكوفيين وحكاه الكسائي عن العرب، ومنه قول بعضهم: مررت بقوم نعموا قومًا وهذا نادر. الثاني أنه لا يتبع. وأما نحو: نعم هم قومًا أنتم فشاذ. الثالث أنه إذا فسر بمؤنث لحقته تاء التأنيث نحو: نعمت امرأة هند هكذا مثله في شرح التسهيل. وقال ابن أبي الربيع: لا تلحق وإنما يقال نعم امرأة هند استغناء بتأنيث المفسر. ونص الخطاب على جواز الأمرين. ويؤيد الأول قوله فبها ونعمت. الرابع ذهب القائلون بأن فاعل نعم الظاهر يراد به الشخص إلى أن المضمر كذلك. وأما القائلون بأن الظاهر يراد به الجنس فذهب أكثرهم إلى المضمر كذلك.
وذهب بعضهم إلى أن المضمر للشخص, قال: لأن المضمر على التفسير لا يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عرس الرجل بالكسر امرأته، ولي بمعنى معي، والعومرة الصخب واختلاط الأصوات. قوله: "أنه لا يبرز" بل هو واجب الاستتار في الأحوال كلها كما أرشد إلى ذلك تمثيله, وندر إبرازه مجرورًا بالباء كما مر عن الفارضي.
قوله: "أنه لا يتبع" أي: بشيء من التوابع لقوة شبهه بالحرف بتوقف انفهامه لفظًا ومعنى على التمييز بعده بخلاف الضمير العائد على ما قبله قاله يس. قوله: "نعم هم" الشاهد في هم فإنه توكيد للضمير المستتر وأما أنتم فالمخصوص. قوله: "لحقته تاء التأنيث" أي: لحقت فعله وجوبًا بقرينة مقابلته بالقول الثالث. قوله: "لا تلحق" أي: يمتنع ذلك بقرينة مقابلته بالقول الثالث. قوله: "ويؤيد الأول" أي: القول بوجوب اللحوق واعترض بأن التمييز غير مذكور كما هو محل الخلاف, ولك أن تقول المقدر كالمذكور وبأنه إنما يؤيد الأول بالنسبة إلى الثاني لا الثالث. قوله: "يراد به الشخص" أي: المعهود خارجًا وقوله إلى أن المضمر كذلك أي: يراد به الشخص بأن يجعل راجعًا إلى التمييز المراد به الشخص. قوله: "فذهب أكثرهم إلى أن المضمر كذلك" أي: يراد به الجنس في ضمن جميع الأفراد بأن يجعل راجعًا إلى التمييز المراد به الجنس لكونه على نية أل الجنسية إذ الأصل نعم الرجل فاندفع الاعتراض بأن مرجع الضمير التمييز وهو نكرة في سياق الإثبات فلا يعم, والضمير كمرجعه فمن أين العموم وسكت عن الضمير على القول بأن الظاهر يراد به المعهود الذهني, وفي سم على المختصر أنه كالظاهر حينئذٍ أيضًا.
قوله: "وذهب بعضهم إلى أن المضمر للشخص" هذا مقابل قوله فذهب أكثرهم فضمير
__________
777- الرجز بلا نسبة في جمهرة اللغة ص773، 1176؛ وشرح ابن عقيل ص455؛ وشرح عمدة الحافظ ص785؛ والمقاصد النحوية 4/ 29.(3/46)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في كلام العرب إلا شخصًا. ولمفسر هذا الضمير شروط: الأول أن يكون مؤخرًا عنه, فلا يجوز تقديمه على نعم وبئس الثاني أن يتقدم على المخصوص فلا يجوز تأخيره عنه عند جميع البصريين، وأما قولهم نعم زيد رجلًا فنادر. الثالث أن يكون مطابقًا للمخصوص في الإفراد وضديه والتذكير وضده. الرابع أن يكون قابلًا لأل فلا يفسر بمثل غير وأي وأفعل التفضيل؛ لأنه خلف من فاعل مقرون بأل فاشترط صلاحيته لها. الخامس أن يكون نكرة عامة فلو قلت نعم شمسًا هذه الشمس لم يجز؛ لأن الشمس مفرد في الوجود، فلو قلت نعم شمسًا شمس هذا اليوم لجاز ذكره ابن عصفور وفيه نظر. السادس لزوم ذكره كما نص عليه سيبويه، وصحح بعضهم أنه لا يجوز حذفه وإن فهم المعنى ونص بعض المغاربة على شذوذ فبها ونعمت. وقال في التسهيل لازم غالبًا استظهارًا على نحو: فبها ونعمت. وممن أجاز حذفه ابن عصفور.
تنبيه: ما ذكر من أن فاعل نعم يكون ضميرًا مستترًا فيها هو مذهب الجمهور, وذهب الكسائي إلى أن الاسم المرفوع بعد النكرة المنصوبة فاعل نعم والنكرة عنده منصوبة على الحال، ويجوز عنده أن تتأخر فيقال نعم زيد رجلًا، وذهب الفراء إلى أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعضهم راجع إلى القائلين بأن الظاهر يراد به الجنس وبهذا يعرف ما في كلام البعض من الخلل. قوله: "على التفسير" أي: مع التفسير. قوله: "لا يكون في كلام العرب إلا شخصًا" قد يمنع بأن الضمير كمفسره شخصًا وغيره فتدبر. قوله: "ولمفسر هذا الضمير" خرج مفسر الظاهر فلا يعتبر فيه جميع هذه الشروط إذ يجوز تأخيره عن المخصوص كقوله بئس الفحل فحلهم فحلًا. قوله: "أن يكون قابلًا لأل" أي: أو حالًا محل ما يقبلها فلا يرد فنعمًا هي على القول بأن ما تميز؛ لأنها وإن لم تقبل أل حالة محل ما يقبلها أفاده زكريا. قوله: "وأفعل التفضيل" لعل مراده المضاف والمقرون بمن؛ لأن غيرهما يقبل أل فيجوز نعم أحسن زيد. قوله: "نكرة عامة" أي: متكثرة الأفراد كما يفيده كلامه فلا يرد أن النكرة في سياق الإثبات لا تعمّ وتقدم جواب آخر. قوله: "فلو قلت نعم شمسًا شمس هذا اليوم لجاز" أي: لأنك لما اعتبرت تعدد الشمس بتعدد الأيام كان شمسًا في كلامك نكرة عامة لكل شمس يوم. قوله: "وفيه نظر" وجه النظر بأن علة المنع موجودة في هذه الصورة أيضًا, وهو مدفوع باعتبار التعدد بتعدد الأيام وبهذا يستغنى عما أطال به البعض. قوله: "وصحح بعضهم إلخ" تقوية لما قبله.
قوله: "وإن فهم المعنى" أي: كما في الحديث, وقوله استظهارًا يعني اعتمادًا, وقوله فبها ونعمت أي: فبالطريقة المحمدية من الوضوء أخذ ونعمت طريقة الوضوء هذا هو الصواب. وقول البعض في تقرير الحديث ونعمت الطريقة الوضوء غير مناسب لما نحن فيه بل غير صحيح؛ لأنه يلزم عليه حذف الفاعل فتنبه. قوله: "وذهب الكسائي إلخ" الظاهر أنه على مذهب الكسائي والفراء أغنى الفاعل عن المخصوص كما سيأتي نظيره في شرح قول المصنف, وما ميز وقيل فاعل إلخ. قوله: "ويجوز عنده أن(3/47)
وَجَمْعُ تَمْيِيزٍ وفاعِلٍ ظَهَرْ ... فِيْهِ خِلافٌ عَنْهُمُ قَدِ اشْتَهَرْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم المرفوع كقول الكسائي إلا أنه جعل النكرة المنصوبة تمييزًا منقولًا. والأصل في قولك نعم رجلا زيد نعم الرجل زيد, ثم نقل الفعل إلى الاسم الممدوح فقيل نعم رجلا زيد، ويقبح عنده تأخيره؛ لأنه وقع موقع الرجل المرفوع وأفاد إفادته. والصحيح ما ذهب إليه الجمهور لوجهين: أحدهما قولهم نعم رجلًا أنت وبئس رجلًا هو فلو كان فاعلًا لاتصل بالفعل. الثاني قولهم نعم رجلًا كان زيد فأعملوا فيه الناسخ "وجمع تمييز وفاعل ظهر فيه خلاف عنهم" أي: عن النحاة "قد اشتهر" فأجازه المبرد وابن السراج والفارسي والناظم وولده، وهو الصحيح لوروده نظمًا ونثرًا فمن النظم قوله:
778- نِعْمَ الفَتَاةُ فتاةٌ هِنْدُ لو بَذَلَتْ ... رَدَّ التَّحِيَّة نُطقًا أو بِإيمَاءِ
وقوله:
779- والتَّغْلَبِيُّونَ بِئْسَ الفَحْلُ فَحْلُهُمُ ... فحلًا وأُمُّهُمُ زَلَّاءُ مِنْطِيقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تتأخر" أي: لأن الأصل في الحال أن تتأخر عن صاحبها. قوله: "منقولًا" أي: محولًا عن الفاعل كما يدل عليه ما بعده وقوله ثم نقل الفعل أي: حول إسناده عنه إلى الاسم الممدوح ونصب تمييزًا. قوله: "لوجهين" زيد ثالث وهو قولهم إخوتك نعم رجالًا, والفاعل لا يتقدم وفيه نظر, وإن أقره البعض وغيره؛ لأن الكسائي والفراء من الكوفيين وهم يجوزون تقديم الفاعل فلا ينهض هذا الوجه عليهما. قوله: "لا تصل بالفعل" أي: بارزًا في المثال الأول ومستترًا فيه في المثال الثاني. فإطلاق البعض استتاره ليس في محله. قوله: "قولهم نعم رجلًا كان زيد" قد يناقش باحتمال زيادة كان إلا أن يقال الأصل عدم الزيادة.
قوله: "فأعملوا فيه الناسخ" أي: والناسخ لا يدخل على الفاعل بل على المبتدأ. قوله: "نطقًا" أي: بنطق بدليل أو بإيماء. قوله: "والتغلبيون" نسبة إلى تغلب بفتح الفوقية وسكون الغين المعجمة وكسر اللام لكن اللام في المنسوب مفتوحة؛ لاستثقال كسرتين مع ياء النسبة، وقد تكسر نقله شيخ الإسلام عن الجوهري. والتغلبيون قوم من نصارى العرب بقرب الروم منهم الأخطل. وأراد بالفحل الأب والزلاء بفتح الزاي وتشديد اللام المرأة اللاصقة العجز الخفيفة الألية، والمنطيق صيغة مبالغة من النطق يستوي فيها المذكر والمؤنث ومعناه البليغ، لكن المراد به هنا المرأة التي تتأزر بما تعظم به عجيزتها قاله العيني وغيره. وعبارة القاموس المنطيق البليغ والمرأة المتأزرة بحشية تعظم بها عجيزتها ا. هـ. وكأن الثاني مأخوذ من النطاق وهو شقة تلبسها المرأة
__________
778- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 277؛ وخزانة الأدب 9/ 398؛ والدرر 5/ 209؛ وشرح التصريح 2/ 95؛ وشرح شواهد المغني ص862؛ ومغني اللبيب 464؛ والمقاصد النحوية 4/ 32؛ وهمع الهوامع 2/ 86.
779- البيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه ص192؛ والدرر 5/ 208؛ وشرح التصريح 2/ 96؛ وشرح عمدة الحافظ ص787؛ ولسان العرب 10/ 355 "نطق"؛ والمقاصد النحوية 4/ 7؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص455؛ وهمع الهوامع 2/ 86.(3/48)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
780- فَنِعْمَ الزَّادُ زَادُ أَبِيكَ زَادَا
ومن النثر ما حكي من كلامهم: نعم القتيل قتيلًا أصلح بين بكر وتغلب. وقد جاء التمييز حيث لا إبهام يرفعه لمجرد التوكيد كقوله:
781- وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأنَّ دِيْنَ مُحَمَّدٍ ... مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِيْنَا
ومنعه سيبويه والسيرافي مطلقًا وتأولا ما سمع. وقيل إن أفاد معنى زائدًا جاز وإلا فلا كقوله:
782- فَنِعْمَ المَرْءُ مِنْ رَجُلٍ تِهَامِي
وقوله:
783- وَقَائِلَةٍ نِعْمَ الفَتَى أنت من فَتًى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وتشد وسطها فترسل الأعلى على الأسفل إلى الأرض والأسفل ينجر في الأرض.
قوله: "ومن النثر ما حكى" في بعض النسخ إسقاط ما وليس بصواب. قوله: "وقد جاء التمييز إلخ" جواب عما يقال التمييز لرفع الإبهام ولا إبهام مع الفاعل الظاهر. قوله: "وتأولا ما سمع" أي: بجعل فتاة وفحلًا وزادًا وقتيلًا أحوالًا مؤكدة, أو زادا مفعولًا به لتزود أول البيت. قوله: "إن أفاد معنى زائدًا" أي: بنفسه كالمثال الثاني أو بتابعه كالمثال الأول والثالث. قوله: "كقوله فنعم المرء إلخ" مثال لما أفاد معنى زائدًا وهو كونه تهاميا, فكان الأولى للشارح أن يؤخر قوله وإلا فلا عن الأمثلة. وتهامي نسبة إلى تهامة بكسر الفوقية وهي ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز
__________
780- صدره:
تزوَّد مثل زاد أبيك فينا
والبيت من الوافر، وهو لجرير في خزانة الأدب 9/ 394، 399؛ والخصائص 1/ 83، 396، والدرر 5/ 210؛ وشرح شواهد الإيضاح ص109؛ وشرح شواهد المغني ص57؛ وشرح المفصل 7/ 132؛ ولسان العرب 3/ 198 "زود"؛ والمقاصد النحوية 4/ 30؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ص862؛ وشرح ابن عقيل ص456؛ ومغني اللبيب ص462؛ والمقتضب 2/ 150.
781- البيت من الكامل، وهو لأبي طالب في خزانة الأدب 2/ 76، 9/ 397؛ وشرح التصريح 2/ 96؛ وشرح شواهد المغني 2/ 687؛ وشرح عمدة الحافظ ص788؛ وشرح قطر الندى ص242؛ ولسان العرب 5/ 144 "كفر"؛ والمقاصد النحوية 4/ 8.
782 صدره:
تَخَيَّرُهُ فلم يَعْدِل سِواهُ
والبيت من الوافر، وهو لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي في الدرر 5/ 211؛ وشرح التصريح 1/ 399، 2/ 96؛ وشرح المفصل 7/ 133؛ والمقاصد النحوية 3/ 227، 4/ 14؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 396؛ وخزانة الأدب 9/ 395؛ والمقرب 1/ 69؛ وهمع الهوامع 2/ 86.
783- عجزه:
إذا المرضع العوجاء جال بريمُها
=(3/49)
ومَا مُمَيِّزٌ وقِيلَ فاعِل ... في نحو نِعْمَ ما يقول الفاضِلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: من متفت أي: كريم. وفي الأثر "نعم المرء من رجل لم يطأ لنا فراشًا ولم يفتش لنا كنفًا منذ أتانا" وصححه ابن عصفور "وما" في موضع نصب "مميز وقيل فاعل" فهي في موضع رفع, وقيل إنها المخصوص وقيل كافة "في نحو: نعم ما يقول الفاضل" {بِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 90] ، فأما القائلون بأنها في موضع نصب على التمييز فاختلفوا على ثلاثة أقوال: الأول أنها نكرة موصوفة بالفعل بعدها والمخصوص محذوف وهو مذهب الأخفش والزجاجي والفارسي في أحد قوليه والزمخشري وكثير من المتأخرين. والثاني أنها نكرة غير موصوفة والفعل بعدها صفة لمخصوص محذوف أي: شيء والثالث أنها تمييز والمخصوص ما أخرى موصولة محذوفة والفعل صلة لما الموصولة المحذوفة ونقل عن الكسائي. وأما القائلون بأنها الفاعل فاختلفوا على خمسة أقوال: الأول أنها اسم معرفة تام أي: غير مفتقر إلى صلة والفعل صفة لمخصوص محذوف والتقدير: نعم الشيء شيء فعلت. وقال به قوم منهم: ابن خروف ونقله في التسهيل عن سيبويه والكسائي. والثاني أنها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفي النسبة إليها الكسر مع تشديد الياء والفتح مع تخفيفها, كيمان كما بينا ذلك في باب التمييز. قوله: "من متفت" قال سم: قد يقال هو بهذا المعنى ليس مما نحن فيه بل هو مباين للفاعل ا. هـ. وتعقبه البعض فقال: هذا يقتضي المباينة في كل ما أفاد معنى زائدًا, كما لا يخفى ولا يخفى ما فيه ا. هـ. وهو
فاسد؛ لأنه لا يأتي فيما أفاد معنى زائدًا بتابعه فاعرفه. قوله: "كنفا" أي:
سترًا. قوله: "وما مميز إلخ" أورد عليه بناء على القولين الأخيرين من أقوال كون ما تمييزًا أن ما مساوية للضمير في الإبهام, فكيف تكون مميزة له.
وأجيب بأن المراد منها شيء له عظمة أو حقارة أو نحوهما بحسب المقام فتكون أخص منه مع أن التمييز قد يكون للتأكيد والفاعل على أنها مميز للضمير المستتر في نعم وبئس, وسكت عن من وهي مثل ما إلا أنها لا تكون معرفة تامة, بل هي إما موصولة أو نكرة تامة أو موصوفة كقوله:
ونعم من هو في سر وإعلان
وتقدم الكلام على ذلك في الموصول. قوله: "في نحو: نعم ما يقول الفاضل" أي: من كل تركيب وقع فيه بعد نعم أو بئس ما فجملة فعلية. قوله: "أنها تمييز" فيه أنه مشترك بين الأقوال الثلاثة فكان الظاهر أن يقول: والثالث كالثاني إلا أن المخصوص ما أخرى ا. هـ. قوله: "لما الموصولة المحذوفة" أظهر في محل الإضمار للإيضاح. قوله: "والفعل صفة لمخصوص محذوف" أورد عليه وعلى ثاني أقوال كون ما تمييزا لزوم حذف الموصوف بالجملة مع أنه ليس بعض اسم متقدم مجرور بمن أو في وسيأتي أنه ضرورة. قوله: "والتقدير نعم الشيء شيء فعلت" بوصف المخصوص بجملة فعلت تخصص عن الفاعل المراد به الجنس, فقد وجد شرط كون المخصوص أخص من الفاعل لا أعم ولا مساويًا كما في الهمع, لكنه لا يأتي على القول بأن أل(3/50)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
موصولة والفعل صلتها والمخصوص محذوف ونقل عن الفارسي. والثالث أنها موصولة والفعل صلتها وهي فاعل يكتفي بها وبصلتها عن المخصوص، ونقله في شرح التسهيل عن الفراء والكسائي. والرابع أنها مصدرية ولا حذف والتقدير نعم فعلك, وإن كان لا يحسن في الكلام نعم فعلك حتى يقال نعم الفعل فعلك كما تقول أظن أن تقوم ولا تقول أظن قيامك. والخامس أنها نكرة موصوفة في موضوع رفع والمخصوص محذوف, وأما القائلون بأنها المخصوص فقالوا: إنها موصولة والفاعل مستتر وما أخرى محذوفة هي التمييز والأصل نعم ما ما صنعت, والتقدير نعم شيئًا الذي صنعته. هذا قول الفراء وأما القائلون بأنها كافة فقالوا: إنها كفت نعم كما كفت قل وطال فتصير تدخل على الجملة الفعلية.
تنبيهات: الأول في ما إذا وليها اسم نحو: فنعما هي ثلاثة أقوال: أحدها أنها نكرة تامة في موضع نصب على التمييز والفاعل مضمر والمرفوع بعدها هو المخصوص. وثانيها أنها معرفة تامة وهي الفاعل وهو ظاهر مذهب سيبويه. ونقل عن المبرد وابن السراج والفارسي وهو قول الفراء. وثالثها أن ما مركبة مع الفعل ولا موضع لها من الإعراب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للعهد الخارجي لمساواة المخصوص للفاعل على هذا القول ولكن لا ضرر حينئذٍ؛ لأن اشتراط ما ذكر إنما هو على القول بأن أل للجنس فيما يظهر فتأمل. قوله: "أنها مصدرية" فيه أن الفاعل على هذا مجموع ما فعلت لا ما فقط, مع أن الكلام في أقوال القائلين بأن الفاعل ما, ولك دفعه بأن معنى قول الشارح سابقًا, وأما القائلون بأنها الفاعل أي: ما فقط أو مع ما بعدها واقتصر البعض على إيراد الاعتراض مدعيًا أن الفاعل على هذا القول هو المصدر المنسبك وفيه ما علم من تقريرنا. قوله: "ولا حذف" فيكون هذا المؤول سد مسد الفاعل والمخصوص. قوله: "وإن كان لا يحسن إلخ" أي: لعدم وجود شرط فاعل نعم. قوله: "فقالوا إنها موصولة" أي: والفعل صلتها.
قوله: "وأما القائلون بأنها كافة" بهذا صارت الأقوال تفصيلًا في ما المتلوة بجملة فعلية عشرة. قوله: "كفت نعم" لأن نعم وبئس لعدم تصرفهما أشبها الحرف فجاز أن يكفا بما كما يكف الحرف بما نحو: ربما. قوله: "في ما إذا وليها إلخ" قد يقال هذا مندرج في كلام المصنف بأن يراد بنحو: نعم ما يقول الفاضل, كل تركيب وقعت فيه ما بعد نعم متلوة بشيء اسمًا كان أو جملة فعلية, فإن لم يلها اسم ولا غيره نحو: دققته دقا نعما فقيل, ما معرفة تامة فاعل وقيل نكرة تامة تمييز والفاعل مستتر, وعليهما فالمخصوص محذوف ويمكن دخول هذا أيضًا في كلام المصنف بأن يراد بنحو: المثال كل تركيب وقعت فيه ما بعد نعم مطلقًا. قوله: "وهي الفاعل" أي: والاسم المرفوع بعدها هو المخصوص وسكت عنه لعلمه مما قبله والتقدير في الآية فنعم الشيء هي أي: الصدقات أي: إبداؤها لأن الكلام فيه فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانفصل وارتفع. قوله: "وابن السراج والفارسي" نقل في التسهيل عنهما أنها موصولة والتقدير فنعم التي هي مفعولة لكم أي: الفعلة التي فعلتموها من إبداء الصدقات فلهما قولان في المسألة ومن هذا(3/51)
ويُذْكَرُ المَخْصُوصُ بعد مُبْتَدَا ... أو خَبَرَ اسْمِ لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمرفوع بعدها هو الفاعل وقال به قوم وأجازه الفراء، الثاني الظاهر أنه إنما أراد الأول من الثلاثة والأول من الخمسة لاقتصاره عليهما في شرح الكافية الثالث ظاهر عبارته هنا يشير إلى ترجيح القول الذي بدأ به وهو أن ما مميز وكذا عبارته في الكافية. وذهب في التسهيل إلى أنها معرفة تامة وأنها الفاعل ونقله عن سيبويه والكسائي "ويذكر المخصوص" بالمدح أو الذم "بعد" أي: بعد فاعل نعم وبئس نحو: نعم الرجل أبو بكر وبئس الرجل أبو لهب وفي إعرابه حينئذ ثلاثة أوجه: أن يكون "مبتدأ" والجملة قبله خبر "أو" يكون "خبر اسم" مبتدأ محذوف "ليس يبدو أبدا" أو مبتدأ خبره محذوف وجوبًا والأول هو الصحيح ومذهب سيبويه. قال ابن الباذش لا يجيز سيبويه أن يكون المختص بالمدح أو الذم إلا مبتدأ, وأجاز الثاني جماعة منهم السيرافي وأبو علي والصيمري. وذكر في شرح التسهيل أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يعلم أن الأقوال أربعة لا ثلاثة. قوله: "إن ما مركبة مع الفعل" أي: كتركيب حب مع ذا على القول به كما سيأتي. قوله: "والمرفوع بعدها هو الفاعل" سكت عن المخصوص فيحتمل أنه محذوف, أو أغنى عنه الفاعل على قياس ما سبق. قوله: "من الثلاثة" أي: أقوال التمييز وقوله من الخمسة أي: أقوال الفاعلية. قوله: "وذهب في التسهيل إلى أنها معرفة تامة وأنها الفاعل" هذا عين الأول من الخمسة, فلو قال إلى أول الخمسة لكان أخصر, وقوله ونقله عن سيبويه والكسائي مكرر مع قوله سابقًا ونقله في التسهيل عن سيبويه والكسائي. قوله: "ويذكر المخصوص" هو المخصوص بالمدح بعد نعم وبالذم بعد بئس وسمي مخصوصًا؛ لأنه ذكر جنسه ثم خص شخصه يس.
قوله: "بعد" أي: وجوبًا على ظاهر عبارته هنا وفي الكافية, وغالبًا على ما ذكره في التسهيل وجرى عليه في التوضيح وهو المتجه الذي ينبغي أن تحمل عليه عبارته هنا, وفي الكافية عملا بما قرروه من حمل الظاهر على الصريح. قوله: "حينئذٍ" أي: حين إذ ذكر بعد. قوله: "والجملة قبله خبر" والرابط عموم الفاعل أو إعادة المبتدأ بمعناه كما مر. قوله: "أو خبر اسم إلخ" والتقدير الممدوح زيد. وقوله أو مبتدأ إلخ والتقدير زيد الممدوح. قوله: "والأول هو الصحيح" أي: لسلامته من التقدير. ومما أورد على قول الإبدال وقول البعض لسلامته من مخالفة الأصل يرد عليه أن تقديم الخبر على المبتدأ خلاف الأصل أيضًا. قال الدماميني. ورجح ابن الحاجب في شرح المفصل. الوجه الثاني بأنه ليس فيه مما هو خلاف الأصل إلا حذف المبتدأ وهو كثير شائع. وأما الوجه الأول فإن فيه تقديم الخبر الذي هو جملة على المبتدأ وخلو الخبر المذكور من عائد إلى المبتدأ ووقوع الظاهر موقع المضمر وبأن الإبهام والتفسير على الوجه الثاني تحقيقي وعلى الأول تقديري ا. هـ. قوله: "قال ابن الباذش" هذا تأييد لقوله ومذهب سيبويه فقوله إلا مبتدأ أي: خبره الجملة قبله بقرينة أن الكلام في القول الأول, وأن قول ابن الباذش تأييد لكون القول الأول مذهب سيبويه فقول البعض أو محذوف الخبر وجوبًا غير ملائم للسياق. قوله: "وهو غير(3/52)
وإنْ يُقَدَّمْ مُشْعِرُ بِهِ كَفَى ... كالعِلم نِعْم المُقْتَنَى والمُقْتَفَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سيبويه أجازه وأجاز الثالث قوم منهم ابن عصفور. قال في شرح التسهيل وهو غير صحيح؛ لأن هذا الحذف لازم ولم نجد خبرًا يلزم حذفه إلا ومحله مشغول بشيء يسد مسده. وذهب ابن كيسان إلى أن المخصوص بدل من الفاعل, ورد بأنه لازم وليس البدل بلازم؛ ولأنه لا يصلح لمباشرة نعم "وإن يقدم مشعر به" أي: بالمخصوص "كفى" عن ذكره "كالعلم نعم المقتنى والمقتفى" فالعلم مبتدأ قولًا واحدًا والجملة بعده خبره، ويجوز دخول الناسخ عليه نحو: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} وقوله:
784- إنَّ ابْنَ عَبْدِ اللهِ نِعْـ ... ـمَ أَخُو النَّدَى وابْنُ العَشِيرَه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صحيح" من هذا يمتنع أن يجعل قوله مبتدأ شاملًا له, لكونه غير صحيح عنده ولذلك زاده الشارح بعد ولم يجعله من مصدوق كلام المصنف. قوله: "بشيء يسد مسدّه" أي: كحال وجواب قسم وغير ذلك مما تقدم في باب المبتدأ. وهنا لم يشتغل المحل بشيء يسد مسد الخبر. قوله: "بدل من الفاعل" قال البعض أي: بدل اشتمال؛ لأنه خاص والرجل عام كما في الهمع ا. هـ. وهو إنما يظهر على جعل أل جنسية لا عهدية وإلا كان بدل كل من كل.
قوله: "وليس البدل بلازم" قال يس: قد يقال لا مانع من كونه لازمًا لكونه مقصودًا, وكونه تابعًا لا يقدح في اللزوم كتابع مجرور رب. قوله: "ولأنه لا يصلح لمباشرة نعم" أي: قد لا يصلح فلا ينافي أنه قد يصلح نحو: نعم الرجل غلام الأمير. قال يس وأقرّه شيخنا والبعض يمكن أن يقال قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. قال في الارتشاف: قد يجوز في الاسم إذا وقع بدلًا ما لا يجوز فيه إذا ولي العامل فإنهم حملوا إنك أنت قائم على البدل وإن كان لا يجوزان أنت ا. هـ. والتعبير بقد يفيد الجواب. قوله: "وأن يقدم مشعر به" أي: لفظ مشعر بمعنى المخصوص أي: دال عليه سواء صلح لأن يكون المخصوص نفسه لو أخر كما في مثال المتن أولا نحو: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] ، هذا هو المناسب لصنيع الشارح وقوله كفى أي: عن ذكر المخصوص ولم يكن مخصوصًا وإن صلح لكونه مخصوصًا لو أخر هذا ظاهر عبارته الذي جاراه الشارح وسيأتي فيها وجه آخر. قوله: "فالعلم مبتدأ قولًا واحدًا" المقصود نفي الخلاف المتقدم الذي في المخصوص المؤخر بعنوان كونه مخصوصًا مؤخرًا, فلا ينافي جواز نصبه على المفعولية لمحذوف أي: الزم العلم ورفعه خبرًا لمحذوف جوازًا أي: الممدوح العلم أو مبتدأ خبره محذوف جوازًا أي: العلم ممدوح ففهم أن ما أسلفناه من كون مثال المصنف من تقديم ما يصلح لأن يكون مخصوصًا لو أخر ليس على جميع الأوجه في العلم. وكلام البعض في هذه القولة والتي قبلها لا يخلو عن شيء كما يعلم من تقريرنا, وكان الأحسن تأخير قوله والجملة بعده خبره
__________
784- البيت من مجزوء الكامل، وهو لأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص96؛ والدرر 5/ 217؛ والمقاصد النحوية 4/ 35؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 209؛ وخزانة الأدب 9/ 388؛ وشرح عمدة الحافظ ص793؛ وهمع الهوامع 2/ 87.(3/53)
واجْعَل كَبِئْسَ سَاء واجْعَل فَعُلا ... من ذي ثَلاثَة كنِعم مُسْجَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
785- إذا أَرْسَلُوني عِنْد تَعْذِير حاجَة ... أُمارِس فيها كُنْت نِعْم المُمارِسُ
تنبيهان: الأول توهم عبارته هنا وفي الكافية أنه لا يجوز تقديم المخصوص وأن المتقدم ليس هو المخصوص بل مشعر به, وهو خلاف ما صرح به في التسهيل. الثاني حق المخصوص أمران: أن يكون مختصا أو أن يصلح للإخبار به عن الفاعل موصوفًا بالمدح بعد نعم وبالذم بعد بئس، فإن باينه أول نحو: {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا} [الجمعة: 5] ، أي: مثل الذين كذبوا ا. هـ. "وَاجْعَل كَبِئس" معنى وحكمًا "ساء" تقول ساء الرجل أبو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عن قوله قولًا واحدًا ليرجع إليهما.
قوله: "عند تعذير حاجة" بعين مهملة فذال معجمة كما بخط الشارح أي: تعذرها أمارس فيها أي: أتحيل في قضائها. قوله: "توهم عبارته" أي: حيث قال ويذكر المخصوص بعد, ثم قال وأن يقدم مشعر به كفى, ثم مثل بمثال يصلح المقدم فيه لأن يكون مخصوصًا إذا أخر, وإنما قال: توهم لاحتمال أن المراد بقوله ويذكر المخصوص بعد أي: غالبًا وبقوله وأن يقدم مشعر به كفى وأن يقدم لفظ مشعر بمعنى المخصوص كفى عن ذكر المخصوص مؤخرًا مع كون المقدم مخصوصًا إن صلح لأن يكون مخصوصًا إذا أخر, وغير مخصوص إن لم يصلح وقد جرى على هذا التفصيل صاحب التوضيح وظاهر عبارته هنا وفي الكافية أن المقدم مشعر بالمخصوص لا نفسه مطلقًا كما مر وظاهر التسهيل أن المتقدم نفس المخصوص مطلقًا قاله شيخنا. قوله: "هو خلاف ما صرح به في التسهيل" أي: من أن المخصوص قد يذكر قبل نعم وبئس. قوله: "أن يكون مختصا" أي: بأن يقع معرفة أو نكرة موصوفة أو مضافة؛ لأن شرطه أن يكون أخص من الفاعل كما مر مع ما فيه فتنبه. قوله: "للإخبار به عن الفاعل" ومفسر الفاعل كالفاعل فيتناول ما ذكر من الضابط نحو: نعم رجلًا زيد وبئس رجلًا عمرو سم.
قوله: "موصوفًا" حال من قوله الفاعل وذلك كقولك في نعم الرجل زيد الرجل الممدوح زيد وفي بئس الولد العاق أباه الولد المذموم العاق أباه وقول البعض حال من فاعل يصلح سهو كما يدل عليه بقية كلامه. واعلم أنه إذا كان المخصوص مؤنثًا جاز تذكير الفعل وتأنيثه وإن كان الفاعل مذكرًا تقول نعم الثواب الجنة ونعمت والتذكير أجود كذا في التسهيل وشرحه للدماميني. قوله: "فإن باينه" أي: في المعنى أوّل أي: بتقدير مضاف في الثاني كما يؤخذ من الشرح. قوله: "معنى وحكمًا" أي: في أصل المعنى وهو الذم فلا يرد أنها تفيد مع ذلك معنى التعجب, وفي الأحكام الثابتة لبئس قيل المناسب حذف المعنى؛ لأن مماثلتها لها في المعنى لا تحتاج إلى الجعل. وردّ بأن المراد بالمعنى إنشاء الذم العام وهو بالجعل لا معناها الأصلي قبل
__________
785- البيت من الطويل، وهو ليزيد بن الطثرية في ديوانه ص84؛ والدرر 5/ 218؛ والمقاصد النحوية 4/ 34؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 388؛ والأشباه والنظائر 8/ 209؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 379.(3/54)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جهل, وساء حطب النار أبو لهب، وفي التنزيل: {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29] ، وساء ما يحكمون "واجعل فَعُلا" بضم العين "من ذي ثلاثة كنعم" وبئس "مُسْجَلا" أي: مطلقًا. يقال أسجلت الشيء إذا أمكنت من الانتفاع به، مطلقًا أي: يكون له ما لهما من عدم التصرف وإفادة المدح أو الذم واقتضاء فاعل كفاعلهما فيكون ظاهرًا مصاحبًا لأل، أو مضافًا إلى مصاحبها أو ضميرًا مفسرًا بتمييز، وسواء في ذلك ما هو على فعل أصالة نحو: ظرف الرجل زيد وخبث غلام القوم عمرو، وما حول إليه نحو: ضرب رجلًا زيد وفهم رجلًا خالد.
تنبيهات: الأول من هذا النوع ساء فإن أصله سوأ بالفتح فحول إلى فعل بالضم فصار قاصرًا، ثم ضمن معنى بئس فصار جامدًا قاصرًا محكومًا له بما ذكرنا، وإنما أفرده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجعل. قوله: "وساءت مرتفقًا" أي: مكانًا أي: نار مرتفق ليوجد شرط التمييز من كونه عين المميز. قوله: "واجعل فعلًا" يدخل فيه كما قاله سم حب مع غير ذا فيثبت له جميع ما ثبت لنعم من الأحكام ومنه الجمع بين الظاهر والتمييز على القول بجوازه وهو الصحيح والإسناد إلى الضمير وغيره. قوله: "من ذي ثلاثة" أي: حالة كون فعل كائنًا من فعل ذي ثلاثة أحرف وليس المراد محوّلًا من ذي ثلاثة حتى يرد اعتراض ابن هشام بأن عبارة المصنف ظاهرة في المحوّل عن فعل بالفتح أو الكسر. قوله: "كنعم" أي: كباب نعم فيدخل بئس فهو من حذف المضاف أو من باب الاكتفاء سم. قوله: "مسجلًا" أما صفة مفعول مطلق لا جعل أي: جعلا مطلقًا أي: في جميع الأحكام وعلى هذا حل الشارح وهو أقرب وإما حال من فعل أي: حالة كونه مطلقًا عن التقييد بضم العين أصالة. وما في كلام البعض مما يخالف ذلك غير ظاهر. قوله: "من عدم التصرف إلخ" ومن إجراء الخلاف في الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر وأن ما في نحو: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136] و [النحل: 59] و [العنكبوت: 4] و [الجاثية: 21] ، مميز أو فاعل, وجواز كون المخصوص مبتدأ أو خبرًا وأنه يكفي عن ذكره تقدم ما يشعر به زكريا.
قوله: "وإفادة المدح أو الذم" أي: إفادة إنشائهما كما مر وما يفيده فعل غير وساء من مدح أو ذم ليس عاما كما ستعرفه فقول البعض وإفادة المدح أو الذم أي: العام فاسد وقد صرح بعد ذلك بما قلناه فتنبه. وقوله واقتضاه فاعل أي: ومخصوص. قوله: "أو مضافًا إلى مصاحبها" أي: ولو بواسطة فدخل المضاف إلى المضاف إلى مصاحبها. قوله: "ما هو على فعل أصالة" قد يقال إن التحويل جار فيما ذكر تقديرًا كما قالوه في نحو: فلك وهجان فتكون حركاته غير حركاته الأصلية ا. هـ. دنوشري. وقد يدفع بأن الأصل عدم التقدير. قوله: "وما حول إليه" ثم إن كان معتل العين بقي قلبها ألفًا نحو: قال الرجل زيد وباع الرجل زيد أو اللام ظهرت الواو وقلبت الياء
واوًا نحو: عزو ورمو وقيل يقر على حاله فيقال غزا ورمى همع. قوله: "ثم ضمن" أي: بعد تحويله وصيرورته قاصرًا معنى بئس أي: إنشاء الذم العام فكان الأولى أن يقول فصار جامدًا ويحذف قوله(3/55)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالذكر لخفاء التحويل فيه. الثاني إنما يصاغ فعل من الثلاثي لقصد المدح أو الذم بشرط أن يكون صالحًا للتعجب منه مضمنًا معناه نص على ذلك ابن عصفور وحكاه عن الأخفش. الثالث يجوز في فاعل فعل المذكور الجر بالباء والاستغناء عن أل وإضماره على وفق ما قبله نحو:
786- حَبَّ بالزَّورِ الذِي لا يُرَى ... مِنه إلا صَفْحَة أو لِمامُ
وفهم زيد، والزيدون كرموا رجالًا نظرًا لما فيه من معنى التعجب. الرابع مثل في شرح الكافية وشرح التسهيل وتبعه ولده في شرحه بعلم الرجل. وذكر ابن عصفور أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قاصرًا فرارًا من التكرار, ودفعه بأن إعادة قاصر الدفع توهم تعديه بعد التضمين, ردّ بأن هذا لا يتوهم مع التحويل إلى فعل بالضم؛ لأنها لازمة للزوم. قوله: "بما ذكرنا" أي: من كونه كبئس في أحكامه. قوله: "لخفاء التحويل فيه" أي: بسبب الإعلال, وأورد عليه أنه يقتضي ذكر نحو: زان وشان لوجود العلة المذكورة فالأولى أن يقال إنما أفرده؛ لأنه للذم العام فهو أشبه ببئس بخلاف نحو: جهل فإن الذم فيه خاص ولكثرة استعماله بخلاف غيره قاله الدماميني. قوله: "صالحًا للتعجب" بأن يستوفي شروطه المارة.
قوله: "يجوز في فاعل فعل إلخ" يؤخذ من هذا أن قوله سابقًا واقتضاء فاعل كفاعلهما إلخ ليس على سبيل الوجوب بل الأولوية. ثم رأيت شيخنا السيد كتب على قوله واقتضاء فاعل كفاعلهما ما نصه: هذا لا ينافي ما بعد؛ لأن ما بعد على الصحيح, وهذا على غيره مجاراة لظاهر النظم ا. هـ. ويؤخذ أيضًا كما قاله سم من تعبيره بالجواز كغيره جواز إضمار فاعل فعل المذكور مفردًا مذكرًا دائمًا كفاعل نعم نحو: كرم رجلًا زيد أو رجلين الزيدان أو رجالًا الزيدون, وكلامه في غير ساء وإن كانت على وزن فعل؛ لأنها ملازمة لأحكام بئس لا تفارقها, كما استظهره الدماميني قال: وهذا إن تحقق كان وجهًا آخر لإفراد ساء بالذكر. قوله: "حب بالزور إلخ" أصل حب حبب نقلت حركة الباء إلى الحاء بعد سلب حركتها وأدغم. والزور بالفتح الزائر يستوي فيه المفرد وغيره. وصفحة كل شيء جانبه. واللمام بكسر اللام جمع لمة بكسرها أيضًا الشعر المجاوز شحمة الأذن فإذا بلغ المنكب سمي جمة بضم الجيم وإذا لم يبلغ شحمة الأذن سمي وفرة. قوله: "نظرًا لما فيه من معنى التعجب" راجع لكل من الثلاثة قبله فجاز الجر بالباء حملًا على أحسن بزيد، وجاز الاستغناء عن أل حملًا على ما أحسن زيدًا, وجاز إضماره على وفق ما قبله حملًا على قولك: الزيدان ما أكرمهما والزيدون ما أكرمهم.
قوله: "وذكر ابن عصفور إلخ" في كلام السيوطي أن الذي شذ في هذه الثلاثة بعض العرب لا جميعهم وأن منهم من يحوّلها, وحينئذٍ يكون التمثيل بعلم الرجل صحيحًا فاعرفه. قوله:
__________
786- البيت من المديد، وهو للطرماح بن حكيم في الدرر 5/ 232؛ والمقاصد النحوية 4/ 15؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص687؛ ولسان العرب 4/ 335 "زور"؛ وهمع الهوامع 2/ 89.(3/56)
ومِثْلُ نِعْم حبَّذَا الفاعِل ذا ... وأَنْ تُرِدْ ذَمًّا فقُل لا حَبَّذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العرب شذت في ثلاثة ألفاظ فلم تحولها إلى فعل, بل استعملتها استعمال نعم وبئس من غير تحويل, وهي: علم وجهل وسمع ا. هـ. "ومثل نعم" في المعنى حب من "حبذا" وتزيد عليها بأنها تشعر بأن الممدوح محبوب وقريب من النفس. قال في شرح التسهيل. والصحيح أن حب فعل يقصد به المحبة والمدح، وجعل فاعله ذا ليدل على الحضور في القلب، وقد أشار إلى ذلك بقوله "الفاعل ذا" أي: فاعل حب هو لفظ ذا على المختار. وظاهر مذهب سيبويه, قال ابن خروف: بعد أن مثل بحبذا زيد حب فعل وذا فاعلها وزيد مبتدأ وخبره حبذا هذا قول سيبويه, وأخطأ عليه من زعم غير ذلك.
تنبيه: في قوله الفاعل ذا تعريض بالرد على القائلين بتركيب حب مع ذا، ولهم فيه مذهبان: قيل غلبت الفعلية لتقدم الفعل فصار الجميع فعلًا وما بعده فاعل، وقيل غلبت الاسمية لشرف الاسم فصار الجميع اسمًا مبتدأ وما بعده خبر وهو مذهب المبرد وابن السراج ووافقهما ابن عصفور, ونسبه إلى سيبويه. وأجاز بعضهم كون حبذا خبرًا مقدمًا "وإنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"في المعنى" أي: إنشاء المدح العام أي: وفي الفعلية على الأصح والمضي والنقل إلى الإنشاء والجمود وتفارقها في أنها لا يجوز في لفظها إلا هيئة واحدة, وفي جواز دخول لا عليها ودخول يا عليها من غير شذوذ بخلاف نعم وإن احتيج إلى التأويل في المحلين ا. هـ. يس. قوله: "حب من حبذا" أشار به إلى أن في عبارة المصنف مسامحة؛ لأن المماثل لنعم حب فقط لا حبذا وإنما ارتكبها اتكالًا على وضوح الحال بقوله الفاعل ذا, وأما قول البعض تبعًا لشيخنا إنما ارتكبها إشارة إلى أن مماثلتها نعم إذا اتصلت بذا فيرده أنها تماثل نعم في نحو: حب رجلًا زيد مما قصد به إنشاء المدح والتعجب, وإن لم تتصل ذا بحب كما مر فتدبر. قوله: "وقريب من النفس" مفاده استفادة القرب من حب لاستلزام الحب له, وهذا لا ينافي استفادته من ذا أيضًا حتى يعارض ما سينقله عن شرح التسهيل. قوله: "على الحضور" أي: حضور معناه لكونه محبوبًا. قوله: "الفاعل ذا" هو كفاعل نعم لا يجوز اتباعه فإذا وقع بعده اسم فهو مخصوص لا تابع لاسم الإشارة سم. قوله: "وزيد مبتدأ" أي: لأنه المخصوص كما علمت والرابط ذا أو العموم إن أريد به الجنس سم. قوله: "هذا" أي: ما ذكر من أن حب فعل وذا فاعلها وزيد مبتدأ خبره حبذا.
قوله: "وأخطأ عليه" عداه بعلى لتضمينه معنى كذب, هكذا قال البعض وفيه من إساءة الأدب مع ابن عصفور ما لا يخفى, فالذي ينبغي أنه ضمنه معنى جار مثلًا, وقوله من زعم هو ابن عصفور كما سيأتي في الشرح. قوله: "فصار الجميع فعلًا" ضعف بأنه يلزم عليه تغليب أضعف الجزأين, وبأن تركيب فعل من فعل واسم لا نظير له. قوله: "فصار الجميع اسمًا" أي: بمنزلة قولك المحبوب ا. هـ. دماميني. وضعف بأن حبذا لو كان اسمًا لوجب تكرار لا إن أهملت لا نحو: لا حبذا زيد ولا عمرو وعمل لا في معرفة إن أعملت عمل إن أو ليس وبقي وجه آخر وهو كون حب فعلًا والاسم الظاهر فاعله وذا ملغاة. قوله: "وأجاز بعضهم" أي: بعض القائلين بأن حبذا اسم.(3/57)
وَأَول ذا المَخْصُوصَ أيًّا كان لا ... تَعْدِل بِذَا فَهوَ يضاهي المَثَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ترد ذما فقل لا حبذا" زيد فهي بمعنى بئس. ومنه قوله:
787- ألا حَبَّذا أَهْلُ المَلَا غَيْرَ أَنَّه ... إذا ذُكِرَتْ مَيُّ فلا حَبَّذَا هِيَا
"وأول ذا المخصوص" أي: اجعل المخصوص بالمدح أو الذم تابعًا لذا لا يتقدم بحال. قال في شرح التسهيل: أغفل كثير من النحويين التنبيه على امتناع تقديم المخصوص في هذا الباب. قال ابن بابشاذ: وسبب ذلك توهم كون المراد من زيد في حبذا زيد حب هذا, قال في شرح التسهيل: وتوهم هذا بعيد فلا ينبغي أن يكون المنع من أجله, بل المنع من إجراء حبذا مجرى المثل، ويجب في ذا أن يكون بلفظ الإفراد والتذكير "أيا كان" المخصوص أي: أي شيء كان مذكرًا أو مؤنثًا مفردًا أو مثنى أو مجموعًا "لا تعدل بذا" عن الإفراد والتذكير "فهو يضاهي المثلا" والأمثال لا تغير، فتقول حبذا زيد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فقل لا حبذا" أورد عليه أن حبذا على الصحيح فعل جامد, ولا إنما تدخل على فعل متصرف, وأجيب بأن الجمود نشأ بعد دخول لا فهي لم تدخل إلا على فعل متصرف, وبأن النفي صار غير مقصود بل المقصود بلا حبذا إثبات الذم, وبالثاني يجاب عن الاعتراض على الأول بأن لا إذا دخلت على فعل متصرف غير دعائي وجب تكرارها. ويجاب أيضًا عنه بأنه لما نقل
إلى الإنشاء أشبه الفعل الدعائي.
قوله: "وأول ذا المخصوص" ذا مفعول ثان مقدم والمخصوص مفعول أول مؤخر أي: اجعل المخصوص واليا ذا وما في إعراب الشيخ خالد من عكس ذلك غير ظاهر. قوله: "لا يتقدم بحال" أي: لا على ذا ولا على حب. قوله: "وسبب ذلك" أي: امتناع التقديم. قوله: "توهم كون المراد إلخ" أي: فيكون في حب ضمير هو الفاعل عائد على زيد وذا مفعول فيكون مدلول اسم الإشارة غير زيد مع أنه ليس بمراد. قوله: "وتوهم هذا بعيد" وأيضًا هو موجود مع التأخير أيضًا, وإن كان أقوى مع التقديم, قيل وإنما كان هذا التوهم بعيدًا لاشتهار التركيب في غير هذا المعنى, وفيه أن التركيب المشتهر حبذا زيد لا زيد حبذا. قوله: "أيا كان" أيا اسم شرط نصب بشرطه وهو كان على حد، {أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الإسراء: 110] ، وجملة لا تعدل بذا جواب الشرط على حذف فاء الجزاء, وقوله فهو إلخ تعليل للنهي عن العدول، وعلل مع أن التعليل ليس من وظائف المتون إشارة إلى رد توجيه ابن كيسان الآتي في الشرح أو هو جواب الشرط, وجملة لا تعدل بذا معترضة والباء في بذا إما على بابها وعليه جرى الشارح حيث قال عن الإفراد والتذكير أو بمعنى عن, أي: لا تعدل عن لفظ ذا إلى غيره وضمير فهو يرجع إلى ذا بتقدير مضاف, أي: تركيبه أي: التركيب المشتمل عليه. قوله: "يضاهي المثلا" أي: في كثرة الاستعمال. وقوله والأمثال لا تغير
__________
787- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ملحق ديوانه ص1920 والدرر 5/ 228؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1542؛ وله أو لكنزة أم شملة في المقاصد النحوية 4/ 12؛ وبلا نسبة في شرح التصريح 2/ 99؛ وهمع الهوامع 2/ 69.(3/58)
وما سِوَى ذا ارْفَعْ بِحَبَّ أو فَجُرّ ... بالبَا ودُونَ ذا انْضِمامُ الحا كَثُرْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وحبذا الزيدان وحبذا الزيدون وحبذا هند وحبذا الهندان وحبذا الهندات، ولا يجوز حب ذان الزيدان ولا حب هؤلاء الزيدون ولا حب ذي هند ولا حب تان الهندان ولا حب أولاء الهندات. قال ابن كيسان: إنما لم يختلف ذا؛ لأنه إشارة أبدا إلى مذكر محذوف والتقدير في حبذا هند حبذا حسن هند وكذا باقي الأمثلة. ورد بأنه دعوى بلا بينة.
تنبيهات: الأول إنما يحتاج إلى الاعتذار عن عدم المطابقة على قول من جعل ذا فاعلًا، وأما على القول بالتركيب فلا. الثاني لم يذكر هنا إعراب المخصوص بعد حبذا, وأجاز في التسهيل أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره, وأن يكون خبر مبتدأ واجب الحذف, وإنما لم يذكر ذلك هنا اكتفاء بتقديم الوجهين في مخصوص نعم هذا على القول بأن ذا فاعل, وأما على القول بالتركيب فقد تقدم إعرابه. الثالث يحذف المخصوص في هذا الباب للعلم به كما في باب نعم كقوله:
788- أَلا حَبَّذَا لَولا الحَياءُ ورُبَّما ... مَنَحْتُ الهَوَى مَا لَيْس بالمُتَقَارِبِ
أي: ألا حبذا ذكر هذه النساء لولا الحياء، وسأذكر ما يفارق فيه مخصوص حبذا مخصوص نعم آخرًا ا. هـ. "وما سوى ذا ارفع بحب أو فجر بالبا" نحو: حب زيد رجلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: فكذا ما شابهها. قوله: "لأنه إشارة إلخ" وقال الفارسي: لأن المراد منه الجنس همع.
قوله: "إلى مذكر محذوف" أي: مضاف إلى المخصوص. قوله: "ورد" أي: هذا التوجيه بأنه دعوى بلا بينة أي: دليل لعدم ظهور هذا المقدر في شيء من كلام العرب. فالصحيح ما مر من أنه إنما لم يختلف لشبهه بالأمثال. قوله: "وأما على القول بالتركيب فلا" أي: لأن المجموع فعل أو اسم مبتدأ وذا ليس إشارة إلى شيء حتى يعتبر فيه المطابقة. نعم يرد أن المطابقة واجبة بين المبتدأ والخبر وهما حبذا والزيدان مثلًا, ولم توجد فيحتاج إلى الاعتذار عن عدم المطابقة بينهما على القول بتركيب حبذا, وجعل المجموع اسمًا بأنه مراعاة لمعنى كل من الزيدين مثلًا فتأمل. قوله: "خبر مبتدأ واجب الحذف" أي: أو مبتدأ محذوف الخبر وجوبًا على قياس ما تقدم. وذهب بعض إلى أنه بدل وبعض آخر إلى أنه عطف بيان، ويردهما أنه يلزم عليهما وجوب ذكر التابع، ويرد البدل أنه لا يحل محل الأول، ويرد البيان وروده نكرة ا. هـ. دماميني. وفي رد البدل ما تقدم. قوله: "لولا الحياء" جواب لولا محذوف أي: لولا الحياء يمنعني لذكرتهنّ. وقوله منحت أي: أعطيت الهوى أي: هواي ما ليس بالمتقارب أي: القريب أي: ما لا طمع فيه.
قوله: "أو فجر بالباء" أي: على قلة بخلاف فاعل نعم فإن جره بالباء ممتنع وفاعل فعل فإن جره بالباء كثير, والفاء زائدة لا عاطفة حتى يستشكل بدخول عاطف على عاطف. قوله: "نحو
__________
788- البيت من الطويل، وهو لمرار "أو لمرداس" بن هماس في الدرر 5/ 223؛ وشرح شواهد المغني ص798؛ والمقاصد النحوية 4/ 24؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب ص558؛ وهمع الهوامع 2/ 89.(3/59)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وحب به رجلًا "ودون ذا انضمام الحا" من حب بالنقل من حركة العين "كثر" وينشد بالوجهين قوله:
789- وَحُبَّ بِها مَقْتولَة حِين تُقْتَلُ ... أما مع ذا فيجب فتح الحاء
تنبيهان: الأول قال في شرح الكافية: وهذا التحويل مطرد في كل فعل مقصود به المدح، وقال في التسهيل: وكذا في كل فعل حلقي الفاء مرادًا به مدح أو تعجب، الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حب زيد رجلًا" قال البعض: تبعًا اسم هذا صريح في أن فاعل حب يكون علمًا وليس كذلك بل يجب أن يكون اسم جنس محلى بأل أو مضافًا إلى المحلى بها أو ضميرًا مفسرًا بتمييز أو لفظ ما أو من, كما صرح به الشاطبي كفاعل نعم ا. هـ. وما نقله عن تصريح الشاطبي وإن تبادر من عموم قول المصنف: واجعل فعلًا:
من ذي ثلاثة كنعم مسجلا
مخالف لقول الشارح سابقًا يجوز في فاعل فعل المذكور الجر بالباء والاستغناء عن أل وإضماره, على وفق ما قبله ثم مثل للاستغناء عن أل بنحو: فهم زيد ثم قال: نظرًا لما فيه من معنى التعجب ا. هـ. فتمثيل الشارح بنحو: حب زيد رجلًا موافق لما أسلفه سابقًا. قوله: "ودون ذا" حال من محذوف للعلم به أي: انضمام الحاء من حب حالة كونها دون ذا كثر. وقوله بالنقل أي: بسببه متعلق بانضمام. وقوله من حركة العين المناسب حذف حركة وهذا صريح في أن أصل حب حبب بضم العين أي: صار حبيبًا وبه صرح غيره أيضًا. قوله: "وحب بها إلخ" صدره:
فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها
الضمير للخمر ومزاجها الماء وقتلها به أضعاف حدتها؛ ولهذا عداه بعن. ومقتولة أي: ممزوجة منصوب على الحال أو التمييز. قوله: "فيجب فتح الحاء" أي: إن جعلتا كالكلمة الواحدة كما في التوضيح. قال المصرح: فإن جعلتا باقيتين على أصلهما جاز الوجهان. قوله: "وهذا التحويل" أي: نقل حركة العين إلى الفاء. قوله: "في كل فعل مقصود به المدح" ظاهره سواء كان حلقي الفاء كحسن أولا كضرب وبه صرح في الارتشاف وإن نظر إلى كلامه في التسهيل قيد بحلقي الفاء.
__________
789- صدره:
فقُلتُ اقتلوها عَنْكُم بمزاجِها
والبيت من الطويل، وهو للأخطل في ديوانه ص263؛ وإصلاح المنطق ص35؛ وخزانة الأدب 9/ 427، 430، 431؛ والدرر 5/ 229؛ وشرح شواهد الشافية ص14؛ ولسان العرب 11/ 551 "قتل" 15/ 227 "كفى"؛ والمقاصد النحوية 4/ 26؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص108؛ وسر صناعة الإعراب ص143؛ وشرح الأشموني 2/ 382؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 43، 77؛ وشرح ابن عقيل ص461؛ وشرح عمدة الحافظ ص806؛ وشرح المفصل 7/ 129، 141؛ وهمع الهوامع 2/ 89.(3/60)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله كثر لا يدل على أنه أكثر من الفتح. قال الشارح: وأكثر ما تجيء حب مع غير ذا مضمومة الحاء، وقد لا تضم حاؤها كقوله:
790- فَحَبَّذَا رَبًّا وَحَبَّ دِينًا
ا. هـ.
خاتمة: يفارق مخصوص حبذا مخصوص نعم من أوجه: الأول أن مخصوص حبذا لا يتقدم بخلاف مخصوص نعم وقد سبق بيانه. الثاني أنه لا تعمل فيه النواسخ بخلاف مخصوص نعم. الثالث أن إعرابه خبر مبتدأ محذوف أسهل منه في باب نعم؛ لأن ضعفه هناك نشأ من دخول نواسخ الابتداء عليه, وهي لا تدخل عليه هنا قاله في شرح التسهيل. الرابع أنه يجوز ذكر التمييز قبله وبعده نحو: حبذا رجلًا زيد، وحبذا زيد رجلًا. قال في شرح التسهيل: وكلاهما سهل يسير واستعماله كثير, إلا أن تقديم التمييز أولى وأكثر وذلك بخلاف المخصوص بنعم فإن تأخير التمييز عنه نادر كما سبق. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "مدح أو تعجب" لا معنى لتخصيص المصنف المدح بالذكر لمساواة الذم له في الحكم. ثم الصواب أن لو اكتفى بقوله تعجب عن ذكر المدح والذم؛ لأنه نص فيما مضى على أن فعل الجاري مجرى نعم وبئس مضمن معنى التعجب, وإنما ترك المصنف النص على جواز التسكين من غير نقل؛ لأن
هذا الحكم ثابت لفعل بضم العين مطلقًا تضمن تعجبًا أو لم يتضمنه بل فعلًا كان أو اسمًا. دماميني. قوله: "لا يدل على أنه أكثر من الفتح" قال سم: قد يقال بل يدل؛ لأن المراد أكثر بالنسبة إلى الفتح فيفيد أنه أكثر منه. قوله:
"فحبذا ربا وحب دينًا" من كلامه -صلى الله عليه وسلّم- حين نزل في الخندق. والشاهد في حب دينا. قوله: "وقد سبق بيانه" أي: بكون المصنف
صرّح بتقديمه في التسهيل, وإن كانت عبارته هنا, وفي الكافية توهم منع تقديم مخصوص نعم. قوله: "أنه لا تعمل فيه النواسخ بخلاف مخصوص نعم" فإنها
تعمل فيه نحو: نعم رجلًا كان زيد. قوله: "نشأ من دخول نواسخ الابتداء"
أي: لأنها لا تدخل إلا على المبتدأ. قوله: "يجوز ذكر التمييز إلخ" مثل التمييز
الحال كما في التسهيل نحو: حبذا مبذولًا المال وحبذا المال مبذولًا إذا قصد الحال دون التمييز. قوله: "إلا أن تقديم التمييز أولى" أي: لأكثريته فقوله وأكثر عطف علة على معلوم ولعدم الفصل بين التمييز ومميزه, ومن هنا يعلم أن المراد بإيلاء المخصوص لذا إيقاعه بعده وإن لم يتصل به, فالمقصود نفي مقدمه على حبذا لا نفي الفصل بينه وبين ذا. والفرق بين هذا وباب نعم أن الضمير أحوج للتمييز من الإشارة فجعل تاليًا للضمير ذكره سم. وقوله نادر أي: شاذ.
__________
790- قبله:
باسم الإله وباسمه بَدَيْنا ... لو عَبَدْنَا غيره شَقِينا
والرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص107؛ والدرر 5/ 221؛ ولسان العرب 14/ 67 "بدا"؛ والمقاصد النحوية 4/ 28؛ ولبعض الأنصار في شرح عمدة الحافظ ص802؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 2/ 88، 89.(3/61)
أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ:
صُغْ مِنْ مَصُوغ مِنْهُ للتَّعَجُّبِ ... أَفْعَلَ للتَّفْضِيلِ وَأْبَ اللَّذْ أبِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَفْعَلُ التَّفْضِيل:
هو اسم لدخول علامات الأسماء عليه. وهو ممتنع من الصرف للزوم الوصفية ووزن الفعل، ولا ينصرف عن صيغة أفعل إلا أن الهمزة حذفت في الأكثر من خير وشر لكثرة الاستعمال. وقد يعامل معاملتهما في ذلك أحب كقوله:
791- وَحَبُّ شَيْءٍ إلى الإنْسانِ ما مُنِعَا
وقد يستعمل خير وشر على الأصل كقراءة بعضهم: {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} [القمر: 26] ، ونحو:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أفعل التفضيل:
قيل أولى منه التعبير باسم التفضيل ليشمل خيرًا وشرا؛ لأنهما ليسا على زنة أفعل وأولى منهما التعبير باسم الزيادة ليشمل نحو: أجهل وأبخل مما يدل على زيادة النقص لا على الفضل. ويدفع الأول بأن قوله أفعل أي: لفظًا أو تقديرًا وخير وشر من الثاني ويدفع الثاني بأن المراد بالفضل الزيادة مطلقًا في كمال أو نقص. قوله: "للزوم الوصفية ووزن الفعل" اعترضه البعض بأنه كان أولى حذف لزوم؛ لأن المقتضي لمنع الصرف الوصفية ووزن الفعل ولا دخل للزوم في اقتضاء منع الصرف، ولك دفعه بأن إضافة لزوم إلى الوصفية من إضافة الصفة إلى الموصوف أي: للوصفية اللازمة أي: الأصلية؛ لأن الوصفية العارضة لا تمنع الصرف كما يأتي في قول المصنف:
وألغين عارض الوصفيه
إلخ فاعرفه. قوله: "ولا ينصرف" أي: لفظًا وتقديرًا وقوله: إلا أن الهمزة إلخ أي: فخير وشر انصرفا عن صيغة أفعل لفظًا لا تقديرًا. فقول البعض أي: لفظًا أو تقديرًا فيه ما فيه.
قوله: "حذفت في الأكثر من خير وشر" أي: في التفضيل, أما في التعجب فالغالب ما أخيره وما أشره وندر ما خيره وما شره. دماميني. قوله: "لكثرة الاستعمال" أي: فهما شاذان قياسًا لا استعمالًا وفيهما شذوذ من جهة أخرى وهي كونهما لا فعل لهما. قوله: "في ذلك" أي: في حذف الهمزة لا في كثرة الاستعمال كما يؤخذ من تعبيره بقد. قوله: "من الكذاب الأشرّ" بفتح
__________
791- صدره:
وزادني كَلَفًا بالحُبِّ ما مَنَعَت
والبيت من البسيط، وهو للأحوص في ديوانه ص153؛ والأغاني 4/ 301؛ وتذكرة النحاة ص48، 604؛ والحماسة الشجرية 1/ 521؛ وشرح عمدة الحافظ ص770؛ والعقد الفريد 3/ 306؛ وهو لمجنون ليلى في ديوانه ص158؛ وبلا نسبة في الدرر 6/ 266؛ وعيون الأخبار 2/ 5؛ ولسان العرب 1/ 292 "حبب"؛ ونوادر أبي زيد ص27؛ وهمع الهوامع 2/ 166.(3/62)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
792- بِلالُ خَيْر النَّاسِ وابْنُ الأَخْيَرِ
"صغ من" كل "مصوغ منه للتعجب" اسمًا موازنًا "أفعل للتفضيل" قياسًا مطردًا نحو: هو أضرب وأعلم وأفضل كما يقال ما أضربه وأعلمه وأفضله "وأب" هنا "اللذ أبي" هنا لكونه لم يستكمل الشروط المذكورة ثمة, وشذ بناؤه من وصف لا فعل له كهو أقمن به أي: أحق، وألص من شِظاظ. هكذا قال الناظم وابن السراج. لكن حكى ابن القطاع لصص بالفتح إذا استتر. ومنه اللص بتثليث اللام. وحكى غيره لصصه إذا أخذه بخفية. ومما زاد على ثلاثة كهذا الكلام أخصر من غيره، وفي أفعل المذاهب الثلاثة. وسمع هو أعطاهم للدراهم وأولاهم للمعروف وهذا المكان أقفر من غيره ومن فعل المفعول كهو أزهى من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشين وتشديد الراء. قوله: "ونحو: بلال خير الناس وابن الأخير" شطر بيت من الرجز بدليل قول الفارضي نحو: قول الشاعر بلال إلخ وبلال بمنع الصرف للضرورة. قوله: "من كل مصوغ منه" أخذ الكلية من مقام البيان لا من النكرة؛ لأنها في سياق الإثبات لا تدل على العموم, ومنه نائب فاعل مصوغ. قوله: "نحو: هو أضرب" عدد الأمثلة إشارة إلى أنه لا فرق في المصوغ منه بين مفتوح العين ومكسورها ومضمومها. قوله: "لكونه إلخ" علة لأب أو أبي, وقوله ثمة أنسب بالثاني خلافًا للبعض.
قوله: "وألص من شظاظ" بكسر الشين المعجمة وظاءين معجمتين اسم رجل من ضبة كان لصا. زكريا. قوله: "ومما زاد" أي: وشذ بناؤه مما زاد. قوله: "كهذا الكلام أخصر من غيره" أي: لصوغه من اختصر. وفيه شذوذ من جهة أخرى, وهي صوغه من المبني للمجهول. قوله: "وفي أفعل" أي: وفي بناء أفعل التفضيل من أفعل المذاهب الثلاثة المتقدمة في التعجب: الجواز مطلقًا والمنع مطلقًا, والجواز إن كانت الهمزة لغير النقل والمنع إن كانت للنقل. قوله: "وسمع إلخ" المثالان الأولان شاذان على القول بالمنع مطلقًا, وعلى القول بالتفصيل قياسيان على القول بالجواز مطلقًا, والمثال الثالث شاذ على القول بالمنع مطلقًا قياسي على غيره, والقفر مكان لا نبات فيه ولا ماء.
قوله: "كهو أزهى من ديك" حكى ابن دريد بناء فعله للفاعل ولا شذوذ عليه ا. هـ. تصريح إلا أن يقال المتبادر صوغ أزهى من المبني للمفعول لكثرته وندور المبني للفاعل كما تقدم نظير ذلك في التعجب عن التصريح. قال زكريا: وخص الديك بالذكر؛ لأنه ينظر إلى حسن ألوانه ويعجب بنفسه. قوله: "وأشغل من ذات النحيين" إنما كان مصوغًا من المبني للمفعول؛ لأن المراد أنها أكثر مشغولية؛ لأنها أكثر شغلًا لغيرها, وإن كان يصاغ من المبني للفاعل إذا ناسب المقام ومن مجيء فعله مبنيا للفاعل، {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [الفتح: 11] ، فما ذكره ابن الناظم
__________
792- الرجز بلا نسبة في الدرر 6/ 265؛ وشرح التصريح 2/ 101؛ وشرح عمدة الحافظ ص770؛ وهمع الهوامع 2/ 166.(3/63)
ومَا بِهِ إلى تَعَجُّبٍ وُصِل ... لِمَانِع بِهِ إلى التَّفْضِيلِ صِل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ديك، وأشغل من ذات النحيين، وأعني بحاجتك. وفيه ما تقدم عن التسهيل في فعلي التعجب "وما به إلى تعجب وصل لمانع" من أشد وما جرى مجراه "به إلى التفضيل صل" عند مانع صوغه من الفعل، لكن أشد ونحوه في التعجب فعل وهنا اسم وينصب هنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من أن شغل مما لزم البناء للمفعول غير مسلم. والنحيين تثنية نحى بكسر النون وسكون الحاء المهملة زق السمن. وذات النحيين امرأة من تيم الله بن ثعلبة كانت تبيع السمن في الجاهلية, فأتى خوات بن جبير الأنصاري قبل إسلامه فساومها فحلت نحيًا, فقال لها: أمسكيه حتى أنظر إلى غيره, ثم حل الآخر, وقال لها: أمسكيه فلما شغل يديها حاورها حتى قضى منها ما أراد وهرب ثم أسلم وشهد بدرًا رضي الله تعالى عنه.
قوله: "وأعني بحاجتك" سمع فيه عني كرضي بالبناء للفاعل ولا شذوذ عليه إلا أن يقال ما مر. قوله: "وفيه ما تقدم عن التسهيل" أي: من أنه قد يبنى فعلا التعجب من فعل المفعول إن أمن اللبس وعليه فيبنى منه أفعل التفضيل إن أمن اللبس. قوله: "وما به إلخ" يستثنى من ذلك فاقد الصوغ للفاعل وفاقد الإثبات فإن أشد يأتي هناك ولا يأتي هنا؛ لأن المؤول بالمصدر معرفة والتمييز واجب التنكير كما نبه عليه الموضح, والظاهر أنه لا استثناء عند من يجوز تعريف التمييز من الكوفيين, على أنه كما قال اسم يتأتى التوصل بنحو: أشد إلى التفضيل من المبني للمفعول الذي لا لبس فيه بالمبني للفاعل لصحة الإتيان بالمصدر الصريح حينئذٍ على أنه مصدر المبني للمفعول, وإن كان بصورة مصدر المبني للفاعل, ومن فاقد الإثبات إذا أضيف العدم أو الانتفاء إلى المصدر الصريح كما مر في التعجب. واعلم أن في قول المصنف وما به إلخ تقديم نائب الفاعل على الفعل وهو جائز في الضرورة, كتقديم الفاعل بل أولى كما أسلفناه في باب الفاعل, بل لا يبعد عندي جواز تقديم نائب الفاعل اختيارًا إذا كان ظرفًا أو مجرورًا لعدم علة منع التقديم, وهي التباس الجملة الفعلية بالاسمية كما قدمناه في باب نائب الفاعل, ومثل ذلك يقال في نحو قوله في باب التصغير:
وما به لمنتهى الجمع وصل
إلخ فكن على بصيرة. قوله: "به إلى التفضيل صل" قال الدماميني: ههنا بحث وهو أن أفعل التفضيل يقتضي اشتراك المفضل والمفضل عليه في أصل الحدث وزيادة المفضل على المفضل عليه فيه؛ فيلزم في كل صورة توصل فيها بأشد أن تكون الشدة موجودة في الطرفين وزائدة في طرف المفضل, وهذا قيد يتخلف باعتبار القصد فإنك قد تقصد اشتراك زيد وعمرو في الاستخراج مثلًا لا في شدته, وأن استخراج زيد شديد بالنسبة إلى استخراج عمرو, ولا أشد فكيف يتأتى التوصل في مثل ذلك بأشد مع دلالته على خلاف المقصود ا. هـ. قوله: "لكن أشد إلخ" دفع بالاستدراك توهم تساوي المنصوبين بعد أشد هنا وفي التعجب, وإن لم توهمه عبارة المصنف. قوله: "وينصب هنا إلخ" أخذه من قول المصنف في باب التمييز:
والفاعل المعنى انصبن بأفعلا(3/64)
وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِله أَبَدَا ... تَقْدِيرًا أو لَفْظًا بِمِن إن جُرِّدَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر الفعل المتوصل إليه تمييزًا فتقول زيد أشد استخراجًا من عمرو، وأقوى بياضًا، وأفجع موتًا "وأفعل التفضيل صله أبدا تقديرًا أو لفظًا بمن إن جردا" من أل والإضافة جارة للمفضول. وقد اجتمعا في {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} أي: منك. أما المضاف والمقرون بأل فيمتنع وصلهما بمن.
تنبيهات: الأول اختلف في معنى من هذه، فذهب المبرد ومن وافقه إلى أنها لابتداء الغاية وإليه ذهب سيبويه، لكن أشار إلى أنها تفيد مع ذلك معنى التبعيض فقال في هو أفضل من زيد: فضله على بعض ولم يعم. وذهب في شرح التسهيل إلى أنها بمعنى المجاوزة, وكأن القائل زيد أفضل من عمرو قال، جاوز زيد عمرًا في الفضل: قال ولو كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلخ وبهذا يندفع ما يقال الإحالة على باب التعجب توهم جواز نصب المصدر هنا وجره بالباء وأن نصبه على المفعول به, وكلاهما غير صحيح. قاله الشاطبي. قوله: "وأفجع موتًا" فيه أن هذا المثال ليس مما نحن فيه؛ لأن المقصود الإخبار بالزيادة في الفجعة لا في الموت فهو على الأصل. قوله: "صله أبدا" أي: إن أبقى على أصله من إفادة الزيادة على معين فإن عري عنها لم يجب وصله بمن لا لفظًا ولا تقديرًا كما ستعرفه. قوله: "تقديرًا" أي: بأن تحذف مع مجرورها للعلم به فلو لم يعلم لم يجز الحذف وقد يذكر مع العلم نحو: {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} [الجمعة: 11] ، قاله الدماميني. قوله: "فيمتنع وصلهما بمن" أي: التي الكلام فيها وهي الجارة للمفضول. ووجه الامتناع أن الوصل في المجرد إنما وجب ليعلم المفضول، وهو مع الإضافة مذكور صريحًا, ومع أل في حكم المذكور؛ لأن أل إشارة إلى معين تقدم ذكره لفظًا أو حكمًا وتعيينه يشعر بالمفضول، فعلى هذا لا تكون أل في أفعل التفضيل إلا للعهد؛ لئلا يعرى عن ذكر المفضول أفاده شارح الجامع. قوله: "اختلف في معنى من هذه" أي: على ثلاثة أقوال: قول المبرد، وقول سيبويه، وقول المصنف في شرح التسهيل. قوله: "لابتداء الغاية" أي: المسافة في ارتفاع نحو: خير منه أو انحطاط نحو: شر منه. قوله: "وإليه ذهب سيبويه" الضمير يرجع إلى أنها لابتداء الغاية لا بقيد كونه فقط كما يقول المبرد بدليل ما بعد. قوله: "معنى التبعيض" يؤخذ من قول سيبويه في هو أفضل من زيد فضله على بعض ولم يعم أن المراد بالتبعيض كون مجرورها بعضًا لا التبعيض المتقدم في حروف الجر، وحينئذٍ لا ينهض الوجه الأول من وجهي إبطال التبعيض الآتيين. قوله: "إلى أنها بمعنى المجاوزة" أي: مجاوزة الفاضل المفضول بمعنى زيادته عليه في الوصف والمراد أنها تفيد ذلك مع بقية التركيب, فسقط الاعتراض بأنها لو كانت للمجاوزة لصح أن تقع موقعها عن على أن صحة وقوع المرادف موقع مرادفه إذا لم يمنع مانع. وهنا منع مانع وهو الاستعمال؛ لأن اسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجر إلا من, وهذا الجواب الثاني ذكره المصرح والشمني وهو أولى؛ لأن التزام كون المفيد للمجاوزة جملة التركيب مع كونه قابلًا للمنع يؤدي إلى عدم حسن(3/65)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الابتداء مقصودًا لجاز أن يقع بعدها، إلى أن قال: ويبطل كونها للتبعيض أمران:
أحدهما عدم صلاحية بعض موضعها, والآخر كون المجرور بها عاما نحو: الله أعظم من كل عظيمن, والظاهر كما قاله المرادي ما ذهب إليه المبرد، وما رد به الناظم ليس بلازم؛ لأن الانتهاء قد يترك الإخبار به لكونه لا يعلم أو لكونه لا يقصد الإخبار به ويكون ذلك أبلغ في التفضيل إذ لا يقف السامع على محل الانتهاء. الثاني أكثر ما تحذف من ومجرورها إذا كان أفعل خبرًا كالآية، ويقل إذا كان حالًا كقوله:
793- دَنَوتِ وَقَد خِلنَاكِ كالبَدْرِ أَجْمَلا
أي: دنوت أجمل من البدر، أو صفة كقوله:
794- تَرَوَّحِي أَجْدَرُ أَنْ تَقْيلِي ... غدًا بِجَنْبَي بارِد ظَلِيل
أي: تروحي وأتى مكانًا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه. الثالث قوله صله يقتضي أنه لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقابل الأقوال الثلاثة فالأولى أن المفيد لها من وبقية التركيب قرينة على إرادة المجاوزة من من فتدبر.
قوله: "كون المجرور بها عاما" أي: إنه قد يكون عاما. قوله: "من كل عظيم" أوضح منه في العموم من كل شيء. قوله: "والظاهر ما ذهب إليه المبرد" أي: من كونها لابتداء الغاية فقط, ووجه ظهوره أن من لا تحمل على غير الابتداء إلا إذا منع منه مانع؛ لأنه أشهر معانيها وهنا لا مانع منه فلا حاجة إلى إخراجها عنه. قوله: "ليس بلازم" أي: في جميع مواقع استعمال من الابتدائية. قوله: "لأن الانتهاء قد يترك إلخ" منه يعلم أن المراد بكون المجرور هو المفضل عليه أنه الذي قصد بيان التفضيل عليه وإلا فالمفضل عليه في الواقع قد يكون أكثر من ذلك. وكذا يقال في معنى كون المضاف إليه هو المفضل عليه أفاده سم. قوله: "ويكون ذلك" أي: ترك الإخبار بالانتهاء سواء كان تركه لعدم علمه أو لعدم قصد الإخبار به, فقول البعض إن قوله ويكون ذلك إلخ راجع للثاني فقط كما هو الظاهر غير ظاهر. قوله: "كالآية" هي قوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف: 34] ، ومحل التمثيل من الآية قوله تعالى: {وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف: 34] . قوله: "أي: تروّحي وأتى مكانًا إلخ" هذا التقدير إنما يناسب ما قاله بعضهم من أن الخطاب للناقة. وتروّحي بمعنى سيري في الرواح أي: العشي ولا يناسب ما قاله آخر وصوّبه العيني
__________
793- عجزه:
فظَلَّ فؤادي في هَواك مُضَلَّلا
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 290، 389؛ وشرح التصريح 2/ 103؛ وشرح ابن عقيل ص463؛ والمقاصد النحوية 4/ 50.
794- الرجز لأحيحة بن الجلاح في شرح التصريح 2/ 103؛ والمقاصد النحوية 4/ 36؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 291، 390؛ وخزانة الأدب 5/ 57.(3/66)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يفصل بين أفعل وبين من، وليس على إطلاقه بل يجوز الفصل بينهما بمعمول أفعل, وقد فصل بينهما بلو وما اتصل بها كقوله:
795- وَلَفُوكِ أَطْيَبُ لو بَذَلتِ لنا ... مِن مَاءِ مَوهَبَةٍ على خَمْرِ
ولا يجوز بغير ذلك. الرابع إذا بني أفعل التفضيل مما يتعدى بمن جاز الجمع بينهما وبين من الداخلة على المفضول مقدمة أو مؤخرة نحو: زيد أقرب من عمرو من كل خير، وأقرب من كل خير من عمرو. الخامس قد تقدم أن المضاف والمقرون بأل يمتنع اقترانهما بمن المذكورة فأما قوله:
796- نَحْنُ بِغَرْسِ الوَدِي أَعْلَمُنَا ... مِنَّا بِرَكْضِ الجِيادِ في السَّدَفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من أن الخطاب لصغار النخيل. وتروّحي من تروح النبت إذا طال. وأجدر على تقدير وخذي مكانًا أجدر. وقوله بأن تقيلي فيه أي: تمكثي فيه وقت الظهيرة. وعلى أن الخطاب لصغار النخيل تكون القيلولة كناية عن نموها وزهوتها كما في العيني، بجنبي بارد ظليل أي: في مكان بارد ذي ظل.
قوله: "وليس على إطلاقه" أي: بل في مفهومه تفصيل فلا يعترض. قوله: "بمعمول أفعل" كقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] . قوله: "بلو وما اتصل بها" مثل ذلك الفصل بالنداء وممن صرح بجوازه الدماميني والسيوطي. قوله: "لو بذلت لنا" لو للتمني أو شرطية حذف جوابها أي: لأحسنت إلينا مثلًا. والموهبة نقرة يستنقع فيها الماء ليبرد. وقوله:
على خمر صفة ماء أي: حاصل على خمر. قوله: "ولا يجوز بغير ذلك" يرد عليه النداء لما عرفت. قوله: "وأقرب من كل خير من عمرو" لا يقال هذا من صور الفصل بمعمول أفعل ففي كلامه تكرار؛ لأنا نقول ذكره هنا ليس من حيث الفصل بل من حيث تقديم من المعدية على من الجارة للمفضول فلا تكرار. قوله: "بمن المذكورة" أي: الداخلة على المفضل عليه أما غيرها فلا يمتنع الجمع بينها وبين أل أو الإضافة كقوله:
فهم الأقربون من كل خير ... وهم الأبعدون من كلّ ذم
وكقولك: زيد أقرب الناس مني. قوله: "الوديّ" بفتح الواو وكسر الدال المهملة وتشديد الياء جمع ودية؛ وهي النخلة الصغيرة. والجياد جمع جواد وهو الذكر أو الأنثى من الخيل.
__________
795- البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في الاشتقاق ص374؛ وجمهرة اللغة ص383؛ والدرر 5/ 297؛ وشرح عمدة الحافظ ص764؛ ولسان العرب 1/ 804 "وهب"؛ والمقاصد النحوية 4/ 54؛ وهمع الهوامع 4/ 54.
796- البيت من المنسرح، وهو لقيس بن الخطيم في ملحق ديوانه ص236؛ ولسعد القرقرة في فصل المقال ص210، 211؛ ولسان العرب 9/ 147 "سدف" ولسعد أو لقيس بن الخطيم في شرح شواهد المغني 2/ 845؛ والمقاصد النحوية 4/ 55؛ وللأنصاري في لسان العرب 15/ 386 "ودي"؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 219.(3/67)
وإِنْ لِمَنْكُوَرٍ يُضَفْ أو جُرِّدَا ... أُلزِمَ تَذْكيرًا وأنْ يُوَحَّدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
797- وَلَسْتُ بالأَكْثَرِ منهم حَصًى
فمؤولان "وإن لمنكور يضف" أفعل التفضيل "أو جردا" من أل والإضافة "ألزم تذكيرًا وأن يوحدا" فتقول زيد أفضل رجل وأفضل من عمرو، وهند أفضل امرأة وأفضل من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والسدف بفتح السين والدال المهملتين والفاء الصبح. قوله: "ولست" بتاء الخطاب كما قاله العيني, وحصى تمييز أي: عددًا وتمام البيت:
وإنما العزة للكاثر
أي: للفائق في الكثرة من كثرة بالتخفيف إذا غلبه في الكثرة, فقول البعض تبعًا للعيني أي: الكثير فيه مساهلة. قوله: "فمؤولان" مما أول به الأول إلغاء المضاف إليه أو جعل منا متعلقًا بمحذوف بدل من أعلمنا أي: أعلم منا. ومنع ابن جني الإضافة وجعل نا مرفوعًا مؤكدًا للضمير في أعلم نائبًا عن نحن. ومما أول به الثاني جعل أل زائدة أو جعل منهم متعلقًا بمحذوف. قوله: "ألزم تذكيرًا وأن يوحدا" لأن المجرد أشبه بأفعل في التعجب وهو لا يتصل به علامة تثنية ولا جمع ولا تأنيث, والمضاف للنكرة بمنزلة المجرد في التنكير. قوله: "زيد أفضل رجل" أصله زيد أفضل من كل رجل فحذف من كل اختصارًا وأضيف أفعل إلى رجل، وجاز كونه مفردًا مع كون أفعل بعض ما يضاف إليه فالأصل أن يكون جمعًا لفهم المعنى وعدم التباس المراد. ووجب تنكيره؛ لأن القاعدة أن كل مفرد وقع موقع الجمع لا يكون إلا نكرة, فإن جئت بأل رجعت إلى الجمع وإن جمعت أدخلت أل فإن عطفت على المضاف إلى النكرة مضافًا إلى ضميرها, قلت: هذا أفضل رجل وأعقله وهذه أكرم امرأة وأعقله بتذكير الضمير وإفراده في المفرد وضده والمذكر وضده على التوهم, كأنك قلت من أول الكلام، فإن أضفت أفعل إلى معرفة ثنيت وجمعت وأنثت وهو القياس. وأجاز سيبويه الإفراد تمسكًا بقوله:
ومية أحسن الثقلين جيدا ... وسالفة وأحسنه قذالا
أي: أحسن من ذكر نقله شيخنا عن يس وأقره هو والبعض. وظاهره وجوب تذكير الضمير وإفراده في نحو: هذه أكرم امرأة وأعقله، وهذان أكرم رجلين وأعقله، وهكذا والوجه عندي جواز
__________
797- عجزه:
وإنما العِزَّة للكاثِرِ
والبيت من السريع، وهو للأعشى في ديوانه ص193؛ والاشتقاق ص65؛ وأوضح المسالك 3/ 295؛ وخزانة الأدب 1/ 185، 3/ 400، 8/ 250، 254؛ والخصائص 1/ 185، 3/ 236؛ وشرح التصريح 2/ 104؛ وشرح شواهد الإيضاح ص351؛ وشرح شواهد المغني 2/ 902؛ وشرح المفصل 6/ 100، 103؛ ولسان العرب 5/ 132 "كثر" 9/ 147 "سدف"؛ 14/ 183 "حصى"؛ ومغني اللبيب 2/ 572؛ والمقاصد النحوية 4/ 38؛ ونوادر أبي زيد ص25؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص422؛ وخزانة الأدب 2/ 11؛ وشرح ابن عقيل ص465؛ وشرح المفصل 3/ 6.(3/68)
وتِلوُ أل طِبْقٌ وما لمِعْرِفَه ... أُضِيفَ ذو وَجْهَينِ عن ذِي مَعْرِفَه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دعد، والزيدان أفضل رجلين وأفضل من بكر، والزيدون أفضل رجال وأفضل من خالد، والهندان أفضل امرأتين وأفضل من دعد، والهندات أفضل نسوة وأفضل من دعد. ولا تجوز المطابقة. ومن ثم قيل في أخر أنه معدل عن آخر. وفي قول ابن هانئ:
798- كَأَنَّ صُغْرَى وكُبْرَى من فَقَاقِعِهَا
إنه لحن.
تنبيه: يجب في هذا النوع مطابقة المضاف إليه الموصوف كما رأيت. وأما {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} فتقديره أول فريق كافر به "وتلو أل طبق" لما قبله من مبتدأ أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المطابقة إن لم تكن واجبة أو أولى فتأمل. قوله: "ومن ثم" أي: من أجل لزوم المجرد التذكير والإفراد. قيل في أخر جمع أخرى مؤنث آخر إنه معدول عن آخر الذي هو المستحق لأن يستعمل؛ لأنه على وزن أفعل التفضيل وبمعناه في الأصل؛ لأن معناه الأصلي أشد تأخرًا وإن صار بمعنى مغاير.
قوله: "وفي قول ابن هانىء" هو أبو نواس الحسن بن هانئ. قوله: "من فقاقعها" هي النفاخات التي تعلو الماء أو الخمرة. قال يس: والمحفوظ في البيت من فواقعها بالواو. قوله: "إنه لحن" أي: حيث أنث صغرى وكبرى والواجب التذكير, وسيأتي تصحيحه في كلام الشارح. قوله: "يجب في هذا النوع" قال البعض: أورد عليه قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 5] ا. هـ. أقول في البيضاوي وحاشيته للشيخ زاده ما ملخصه إن أسفل إما صفة أمكنة محذوفة أي: إلى أمكنة أسفل سافلين وهي النار أو أزمنة محذوفة أي: إلى أزمنة أسفل سافلين وهي أرذل العمر أو حال أي: رددناه أي: صرفناه عن أحسن الصور حال كونه أسفل سافلين وهم أصحاب النار, وعلى الوجه الثاني يكون الاستثناء بعد منقطعًا وعلى الأول والأخير متصلًا والمستثنى منه الضمير المنصوب في قوله: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ} لأنه في معنى الجمع لرجوعه إلى الإنسان المراد منه الجنس ا. هـ. أي: والجمع بالياء والنون على الأولين لتغليب العاقل. إذا علمت ذلك علمت أن الإيراد مدفوع وأن الاقتصار عليه قصور وتقصير, على أن المنقول عن الشاطبي أنه ذكر أن محل وجوب مطابقة المضاف إليه للموصوف إذا كان المضاف إليه جامدًا أما إذا كان مشتقا كما في الآية فلا. والله أعلم. ويجب أيضًا كونه من جنسه فلا يقال زيد أفضل امرأة؛ لأن أفعل بعض ما يضاف إليه. قوله: "الموصوف" أراد به هنا ما يشمل الموصوف معنى فقط, كالمبتدأ فهو أعم من الموصوف في قوله بعد من مبتدأ أو موصوف.
قوله: "فتقديره أول فريق كافر به" أي: وفرق جمع في المعنى فحصلت المطابقة باعتبار
__________
798- عجزه:
حصباءُ دُرٍّ على أرض من الذَهَبِ
والبيت من البسيط، وهو لأبي نواس في ديوانه ص34؛ وخزانة الأدب 8/ 277، 315، 318؛ وشرح قطر الندى ص316؛ وشرح المفصل 6/ 102؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب 2/ 380.(3/69)
هذا إذا نَوَيْتَ مَعْنَى مِن وإنْ ... لم تَنْوِ فهو طِبْقُ ما بِهِ قُرِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
موصوف نحو: زيد الأفضل، وهند الفضلى، والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون، والهندان الفضليان، والهندات الفضليات أو الفضل. وكذلك مررت بزيد الأفضل وبهند الفضلى إلى آخره. ولا يؤتى معه بمن كما سبق "وما لمعرفة أضيف ذو وجهين" منقولين "عن ذي معرفة" هما المطابقة وعدمها "هذا إذا نويت" بأفعل "معنى من" أي: التفضيل على ما أضيف إليه وحده، فتقول على المطابقة الزيدان أفضلا القوم، والزيدون أفضلو القوم وأفاضل القوم، وهند فضلى النساء والهندان فضليا النساء، والهندات فضل النساء وفضليات النساء. ومنه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الأنعام: 123] ، وعلى عدم المطابقة الزيدان أفضل القوم، والزيدون أفضل القوم, وهكذا إلى آخره. ومنه: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المعنى وأفرد كافر باعتبار إفراد فريق في اللفظ. قوله: "طبق" أي: مطابق؛ لأن
اقترانه بأل أضعف شبهه بأفعل في التعجب. قوله: "والزيدون الأفضلون" أي: أو الأفاضل ولو زاده كما فعل في نظيره لكان أحسن. قوله: "ذو وجهين" فالمطابقة لمشابهته المحلى بأل في الخلو عن لفظ من وعدم المطابقة لمشابهته المجرد لنية معنى من. قوله: "هذا إذا نويت إلخ" ظاهر صنيعه أن قصد التفضيل على المضاف إليه وحده تارة وعلى كل ما سواه تارة أخرى, وعدم قصد التفضيل رأسًا تارة أخرى يختص بالمضاف إلى معرفة, والذي سينقله الشارح في التنبيه الآتي عن المصنف في شرح التسهيل صريح في أن المجرد بدون من قد يعرى عن معنى التفضيل رأسًا وأن فيه حينئذٍ وجهين لزوم الإفراد والتذكير وهو المشهور والمطابقة, ولا يبعد أن يقاس على ذلك ما إذا عري المضاف إلى النكرة عن معنى التفضيل, أو قصد به التفضيل على المضاف إليه وغيره نحو: الأشج والناقص أعدلا بني مروان ونحو: محمد -صلى الله عليه وسلّم- أفضل قرشي فتدبر. قوله: "معنى من" أي: المعنى الحاصل معها؛ لأن التفضيل ليس نفس معناها, وإنما هو مستفاد من أفعل كما علم مما قدمه الشارح.
قوله: "ومنه" أي: من القول الجاري على المطابقة قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا} [الأنعام: 112 و123] إلخ. قال البعض: فأكابر مفعول أول جعلنا مضاف إلى مجرميها وفي كل قرية المفعول الثاني ا. هـ. ولا يخفى ما يلزم عليه من ضعف المعنى. والأولى عندي على الإضافة تفسير الجعل بالتمكين كما في البيضاوي. ويحتمل أن في كل قرية ظرف لغو متعلق بجعلنا, وأكابر مفعول ثان ومجرميهما مفعول أول، أو في كل قرية الثاني ومجرميها بدل, وعلى هذين الوجهين جعلنا بمعنى صيرنا ولا إضافة ولا يرد ما سيذكره الشارح من أنه يلزم عليه المطابقة في المجرد وهي ممتنعة؛ لأن الإضافة منوية أي: أكابرها فتأمل. قوله: "ومنه" أي: من القول الجاري على عدم المطابقة قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] ، فأحرص مفعول ثان لتجد ولو طابق لقال أحرصي. قوله: "وهذا" أي: عدم المطابقة. قوله: "فإن قدر" أي: ابن السراج دفعًا لما يقال كيف يوجب عدم المطابقة وقد وردت في أكابر مجرميها. قوله: "المطابقة في(3/70)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَحْرَصَ النَّاسِ} [البقرة: 96] ، وهذا هو الغالب، وابن السراج يوجبه فإن قدر أكابر مفعولًا ثانيًا ومجرميها مفعولًا أول لزمه المطابقة في المجرد. وقد اجتمع الاستعمالان في قوله -صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني منازل يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقًا". "وإن لم تلو" بأفعل معنى من بأن لم تنو به المفاضلة أصلًا أو تنويها لا على المضاف إليه وحده بل عليه وعلى كل ما سواه "فهو طبق ما به قرن" وجهًا واحدًا كقولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان، أي: عادلاهم، ونحو: محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل قريش، أي: أفضل الناس من بين قريش. وإضافة هذين النوعين لمجرد التخصيص؛ ولذلك جازت إضافة أفعل فيهما إلى ما ليس هو بعضه، بخلاف المنوي فيه معنى من فإنه لا يكون إلا بعض ما أضيف إليه، فلذلك يجوز: يوسف أحسن إخوته إن قصد الأحسن من بينهم، أو قصد حسنهم، ويمتنع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المجرد" أي: وهي ممتنعة كما مر في النظم. فإن قال: الإضافة منوية كما مر وقع فيما فر منه. قوله: "وقد اجتمع الاستعمالان في قوله إلخ" أي: حيث أفرد أحب وأقرب وجمع حسن, وجعل الزمخشري أحسن من قسم ما قصد فيه الزيادة المطلقة, فلذا بخلاف أحب وأقرب فإنهما من قسم ما قصد فيه التفضيل على المضاف إليه وحده, فلذا أفرد. وقوله: أحاسنكم أخلاقًا استئناف بياني. قوله: "أو تنويهًا" بالنصب عطفًا على لم تنو وفي بعض النسخ أو تنوهًا بحذف الياء ولا وجه له.
قوله: "فهو طبق ما به قرن" من مبتدأ أو موصوف تشبيهًا بالمحلى بأل في الخلو من لفظ من ومعناها. قوله: "وجهًا واحدًا" لا يقال هذا ينافيه ما سينقله الشارح عن شرح التسهيل من أن المشهور في أفعل العاري عن معنى التفضيل التزام الإفراد والتذكير لما ستعرفه من أن ما في شرح التسهيل في المجرد من أل والإضافة دون من. قوله: "كقولهم إلخ" فيه مع ما قبله لف ونشر مرتب. قوله: "الناقص والأشج أعدلا بني مروان" أي: عادلاهم؛ لأنه لم يشاركهما أحد من بني مروان في العدل. والناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان سمي بذلك لنقصه أرزاق الجند. والأشج عمر بن عبد العزيز بن مروان سمي بذلك لشجة أصابته بضرب الدابة. قوله: "من بين قريش" أي: حال كونه من بينهم أي: من وسطهم وخيارهم. قوله: "لمجرد التخصيص" أي: تخصيص الموصوف بأنه من القوم الفلاني مثلًا لا لبيان المفضل عليه سم. قوله: "إلى ما" أي: مضاف إليه ليس هو أي: أفعل بعضه أي: المضاف إليه الواقع عليه ما ولجريان الصفة على غير ما هي له أبرز الضمير. قوله: "إلا بعض ما أضيف إليه" أي: مشمولًا لما أضيف إليه بحسب المعنى الوضعي وإن كان غير مشمول له بحسب المراد منه في المقام إذ المراد من المضاف إليه غير الموصوف مما يشاركه في المعنى الوضعي فلا يلزم تفضيل الشيء على نفسه قاله سم, وفي كلام الدماميني أن الحصر الذي ذكره الشارح مذهب البصريين دون الكوفيين. قوله: "فلذلك" أي: لكون المنوي فيه معنى من لا يكون إلا بعض ما أضيف إليه, وما لم ينو فيه معنى من لعدم نية المفاضلة أصلًا, أو نيتها لا على المضاف إليه وحده بل على كل ما سواه لا يجب فيه ذلك. قوله: "إن قصد الأحسن من بينهم أو قصد حسنهم" لأن أفعل على هذين الوجهين ليس على معنى من فلا(3/71)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إن قصد أحسن منهم.
تنبيه: يرد أفعل التفضيل عاريًا عن معنى التفضيل نحو: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ}
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يجب كونه بعض ما أضيف إليه وقوله. ويمتنع إن قصد أحسن منهم أي: لكون المنوي فيه معنى من يجب أن يكون بعض ما أضيف إليه, وأفعل هنا ليس بعض ما أضيف إليه, وإلا لزم إضافة الشيء إلى نفسه في إخوته. فلو قيل:
يوسف أحسن الإخوة صح لتحقق الشرط؛ لأن يوسف أحد الإخوة.
قوله: "يرد أفعل التفضيل إلخ" أعاده مع علمه مما قدمه توطئة لذكر الخلاف فيه وذكر أمثلة له غير ما تقدم. وعبارة التسهيل واستعماله أي: استعمال أفعل التفضيل عاريًا من الإضافة والألف واللام دون من مجردًا عن معنى التفضيل مؤولًا باسم فاعل نحو: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ} [النجم: 32] ، أي: عالم أو صفة مشبهة نحو: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] ، أي: هين مطرد عند أبي العباس المبرد لكثرة الوارد منه والأصح قصره على السماع ولزومه الإفراد والتذكير فيما ورد كذلك أكثر من المطابقة ا. هـ. مع إيضاح من الدماميني, ومنها يؤخذ أن محل الخلاف وجواز المطابقة وتركها هو المجرد من أل والإضافة فلا ينافي ما مر, وحينئذٍ كان المناسب للشارح ترك التمثيل بقوله فشركما إلخ؛ لأنه مضاف وأن محل وروده كذلك إذا لم يقترن بمن فالمقترن بمن لا يصح تجريده عن معنى التفضيل أصلًا لا قياسًا ولا سماعًا؛ لأن من هذه هي الجارة للمفضول. قاله الدماميني, ولا يرد عليه قولهم في التهكم:
أنت أعلم من الحمار, ولا قولهم: العسل أحلى من الخل؛ لحصول لمشاركة التقديرية.
وصرح في التسهيل بأن محل عدم تجرد أفعل المقرون بمن في غير التهكم وأن المفضل عليه في التهكم يرد بدون مشاركة المفضل تحقيقًا وتقديرًا نحو: أنت أعلم من الحمار, والأوجه ما قدمناه من تقدير المشاركة في التهكم أيضًا. وقال الدماميني أيضًا: وههنا تنبيهان: الأول قال في الكشاف من وجيز كلامهم الصيف أحر من الشتاء أي: الصيف أبلغ في حره من الشتاء في برده هذا نصه وعلى هذا يؤول قولهم العسل أحلى من الخل ونحوه. وتحرير هذا الموضع أن يقال لأفعل أربع حالات: إحداها وهي الحالة الأصلية أن يدل على ثلاثة أمور: أحدها اتصاف من هو له بالحدث الذي اشتق منه وبهذا الأمر كان وصفًا. والثاني مشاركة مصحوبه له في تلك الصفة. والثالث تمييز موصوفه على مصحوبه فيها وبكل من هذين الأمرين فارق غيره من الصفات. الحالة الثانية أن يخلع عنه ما امتاز به عن الصفات ويتجرد للمعنى الوصفي. الحالة الثالثة أن تبقى عليه أموره الثلاثة, ولكن يخلع عنه قيد الأمر الثاني ويخلفه قيد آخر, وذلك أن الأمر الثاني وهو الاشتراك كان مقيدًا بتلك الصفة فصار مقيدًا بالزيادة، ألا ترى أن المعنى في المثال أن للعسل حلاوة وأن تلك الحلاوة زائدة, وأن زيادتها أكثر من زيادة حموضة الخل. الحالة الرابعة أن يخلع عنه الأمر الثاني وقيد الأمر الثالث وهو كون الزيادة على مصحوبه فتكون دلالته على الاتصاف بالحدث(3/72)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الإسراء: 54] ، {هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] .
وقوله:
799- وَإِنْ مُدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أَكُنْ ... بِأَعْجَلِهم إذْ أَجْشَعُ القَومِ أَعْجَلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وزيادة مطلقة كما في يوسف أحسن إخوته ا. هـ. وقد تمنع دعواه خلع الأمر الثاني عنه في الحالة الرابعة.
ثم قال: التنبيه الثاني من كلامهم المشهور زيد أعقل من أن يكذب وظاهره مشكل إذ قضيته تفضيل زيد في العقل على الكذب ولا معنى له وقد وجهه في المعنى بتوجيهين: أحدهما أن يكون الكلام على تأويل أن والفعل بالمصدر وتأويل المصدر بالوصف كما قيل في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى} [يونس: 37] ، أن التقدير ما كان افتراء بمعنى ما كان مفترى وفي قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] ، أن التقدير يعودون للقول بمعنى يعودون للمقول, فيهن لفظ الظهار كما هو الموافق لقول جمهور العلماء
أن العود الموجب للكفارة هو العود إلى المرأة لا العود إلى القول نفسه كما يقوله أهل الظاهر, لكن يضعف هذا الوجه أن التفضيل على الناقص لا فصل فيه. الثاني أن أفعل ضمن معنى أبعد فمعنى المثال زيد أبعد الناس من الكذب لفضله على غيره, فمن هذه ليست الجارة للمفضول بل متعلقة بأفعل لتضمنه معنى أبعد, والمفضول متروك أبدا في مثل ذلك لقصد التعميم, وهذا الثاني وإن أقره فيه أيضًا نظر من جهة أن الفعل الذي يسبك هو وما بعده في المثال بالمصدر مسند إلى ضمير المفضل, فينبغي عند السبك أن يضاف المصدر إلى هذا الضمير, كما تقول في أعجبني ما صنعت المعنى: أعجبني صنعك. وإذا فعل ذلك في المثال صار معناه: زيد أبعد الناس من كذبه, فيلزم مشاركة الناس له في البعد من كذب نفسه وزيادته عليهم في ذلك البعد. وهذا عن مظان التوجيه بمعزل. وقال الرضي: ليس المقصود في نحو: قولهم أنا أكبر من الشعر, وأنت أعظم من أن تقول كذا, تفضيل المتكلم على الشعر والمخاطب على القول, بل المراد بعدهما عن الشعر والقول. وأفعل التفضيل يفيد بعد الفاضل من المفضول فمن في مثله ليست تفضيلية, بل هي مثلها في قولك: أنا بعيد منه, تعلقت بأفعل التفضيل بمعنى متباعد بلا تفضيل ا. هـ. باختصار.
وحاصل كلام الرضي أن أفعل التفضيل فيما ذكر مستعمل في بعض مدلوله دون بعض, ويرد عليه أيضًا أن فيه نسبة نحو: قول كذا والكذب إلى المخاطب, وقد يدفع هذا تنظير الدماميني في الثاني بأن نسبة ذلك إليه لتوهمه فيه لالتباسه به فافهم. قوله: "نحو: ربكم أعلم بكم إلخ" إنما أول في هذين الموضعين بما ذكر؛ لأنه لا مشارك لله سبحانه وتعالى في علمه ولا تتفاوت المقدورات بالنسبة إلى قدرته ا. هـ. دماميني. قوله: "وإن مدت الأيدي إلخ" الشاهد في بأعجلهم
__________
799- البيت من الطويل، وهو للشنقري في ديوانه ص59؛ وتخليص الشواهد ص285؛ وخزانة الأدب 3/ 340؛ والدرر 2/ 124؛ وشرح التصريح 1/ 202؛ وشرح شواهد المغني 2/ 899؛ والمقاصد النحوية 2/ 117، 14/ 51؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 124؛ وأوضح المسالك 1/ 295؛ والجنى الدني ص45؛=(3/73)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
800- إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّماءَ بَنَى لنا ... بيتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ
وقوله:
801- فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الفِدَاءُ
وقاسه المبرد. وقال في التسهيل: والأصح قصره على السماع. وحكى ابن الأبناري عن أبي عبيدة القول بورود أفعل التفضيل مؤولًا بما لا تفضيل فيه. قال: ولم يسلم له النحويون هذا الاختيار، وقالوا لا يخلو أفعل التفضيل من التفضيل، وتأولوا ما استدل به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأعجل فإنهما بمعنى العجل لا في أجشع؛ لأنه كأعور وأجهركما يؤخذ من قول العيني الأجشع الحريص على الأكل. لكن قول القاموس الجشع محركة أشد الحرص, وقد جشع كفرح فهو جشع صريح في أن الوصف منه جشع بفتح فكسر فيكون أجشع أفعل تفضيل. قوله: "سمك السماء" أي: رفعها فهو متعد ومصدره سمك, ويستعمل لازمًا بمعنى ارتفع ومصدره سموك والمراد بالبيت الكعبة, وسيأتي وجه آخر. والدعائم جمع دعامة بالكسر وهي الأسطوانة. قوله: "فشركما إلخ" قبله:
أتهجوه ولست له بكفء قاله حسان يخاطب به من هجا النبي -صلى الله عليه وسلّم. قوله: "وحكى ابن الأنباري إلخ" إشارة إلى قول ثالث أن أفعل التفضيل لا يجرد عن معنى التفضيل لا سماعًا ولا قياسًا. قوله: "وتأولوا ما استدل به" أما ربكم أعلم بكم فلا مانع من جعله للتفضيل باعتبار بعض الوجوه أي: أعلم بكم من غيره, العالم ببعض أحوالكم فالمشاركة في مطلق علم. وأما وهو أهون عليه فيجعل التفضيل فيه باعتبار الاعتقاد الحاصل لكثير من قياس الغائب على الشاهد أو باعتبار عادة الحوادث لا نفس الأمر. وأما بأعجلهم وأعجل فلا مانع من جعلهما للتفضيل. وأما أعز وأطول فقال السعد المراد بالبيت بيت المجد والشرف وقوله أعز وأطول أي: من دعائم كل بيت وعلى هذا هما للتفضيل:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= وجواهر الأدب ص54؛ وشرح ابن عقيل ص157؛ وشرح قطر الندى ص188؛ ومغني اللبيب 2/ 560 وهمع الهوامع 1/ 127.
800 البيت من الكامل، وهو للفرزدق في ديوانه 2/ 155؛ والأشباه والنظائر 6/ 50؛ وخزانة الأدب 6/ 539، 8/ 242، 243، 276، 278؛ وشرح المفصل 6/ 97، 99؛ والصاحبي في فقه اللغة ص257؛ ولسان العرب 5/ 127 "كبر"، 5/ 374 "عزز"؛ والمقاصد النحوية 4/ 42؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص467.
801- صدره:
أتهجوه ولَسْتَ له بِنَدٍّ
والبيت من الوافر، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص76؛ وخزانة الأدب 9/ 232، 236، 237؛ ولسان العرب 3/ 420 "ندد" 6/ 316 "عرش".(3/74)
وإنْ تَكُنْ بِتِلوِ مِنْ مُسْتَفْهِمَا ... فَلَهُمَا كُنْ أَبَدًا مُقَدِّما
كَمِثْلِ مِمَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ وَلَدَى ... إِخْبارِ التَّقْدِيمُ نَزْرًا وَرَدًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال في شرح التسهيل: والذي سمع منه فالمشهور فيه التزام الإفراد والتذكير. وقد يجمع إذا كان ما هو له جمعًا كقوله:
802- إذا غابَ عَنكُمْ أَسْودُ العيْنِ كُنْتمُ ... كِرامًا وأَنْتمُ ما أقامَ أَلائِمُ
قال: إذا صح جمعه لتجرده من معنى التفضيل جاز أن يؤنث, فيكون قول ابن هانئ:
703- كَأَنَّ صُغْرَى وكُبْرَى من فَقَاقِعِهَا
صحيحًا ا. هـ. "وإن تكن بتلو منه" الجارة "مستفهما فلهما" أي: لمن ومجرورها المستفهم به "كن أبدًا مقدمًا" على أفعل التفضيل لا على جملة الكلام كما فعل المصنف، إذ يلزم على تمثيله الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي ولا قائل به "كمثل ممن أنت خير" ومن أيهم أنت أفضل، ومن كم دراهمك أكثر، ومن غلام أيهم أنت أفضل لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأما فشركما لخيركما الفداء
فشرّ وخير فيه ليسا أفعل تفضيل بل اسمان كالسهل والصعب؛ لأنهما يردان كذلك. هذا ما ظهر فجعل البعض تأويل ما استدل به بجعل التفضيل فيه باعتبار الاعتقاد لا نفس الأمر. إنما يصح في بعض ما استدل به لا في كله فتدبر. قوله: "إذا غاب" أي: عدم. وأسود العين اسم جبل ومعنى البيت أنتم لئام أبدًا؛ لأن هذا الجبل لا يغيب. قوله: "وإن تكن بتلو من إلخ" بقي ما إذا كان الاستفهام بالهمزة, ويتجه أن يقال إن أريد الاستفهام عن المفضل عليه وجب التقديم فتقول: أمن زيد أنت أفضل, فقد ذكر في علم المعاني أن المسئول عنه بالهمزة هو ما يليها فيجب التقديم ليكون المسئول عنه قد وليها, وإن أريد الاستفهام عن المفضل وجب التأخير, فتقول: أأنت أفضل من زيد ليليها المسئول عنه وفاء بالقاعدة المذكورة سم. قوله: "لا على جملة الكلام إلخ" وإنما فعل الشارح مثل ما فعله المصنف مجاراة لمثال المصنف لا يقال إذا لم يقدم على الجملة خرج الاستفهام عن الصدارة؛ لأنا نقول صدارته الواجبة له إنما هي بالنسبة لما عمل فيه فقط وهو أفعل. قوله: "الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي" لأن المبتدأ ليس من معمولات الخبر وقد يقال المختار جواز تقدم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ والخبر في السعة, إذا كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا فليكن ما فعله المصنف مثله, إلا أن يفرق بقوة الخبر الفعلي بخلاف الخبر الذي هو
__________
802- البيت من الطويل، وهو للفرزدق في شرح التصريح 2/ 102؛ وشرح شواهد المغني 2/ 799؛ والمقاصد النحوية 4/ 57، وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في أمالي القالي 1/ 171، 2/ 47؛ وجمهرة اللغة ص650؛ وخزانة الأدب 8/ 277؛ وسمط اللآلي ص430؛ ولسان العرب 12/ 381 "عتم"؛ ومعجم البلدان 1/ 193 "أسود العين"؛ ومغني اللبيب 2/ 381.
803- راجع التخريج رقم 798.(3/75)
وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ وَمَتَى ... عاقَبَ فِعْلا فَكَثِيرًا ثَبَتَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاستفهام له الصدر "ولدي إخبار" أي: وعند عدم الاستفهام "التقديم نزرًا وجدا" كقوله:
804- فقالت لنا أَهْلًا وسَهْلًا وزَوَّدَتْ ... جَنَى النَّخْلِ بل ما زَوَّدَتْ منه أَطْيَبُ
وقوله:
805- ولا عَيْبَ فِيها غير أنَّ سَرِيعَها ... قَطُوفٌ وأنْ لا شيءَ مِنْهُنَّ أكْسَلُ
وقوله:
806- إذا سايَرَتْ أَسْماءُ يَومًا ظَعِينَةً ... فأسماء من تلك الظعينَةِ أمْلحُ
"ورفعه الظاهر نزر" أي: أفعل التفضيل يرفع الضمير المستتر في كل لغة، ولا يرفع اسمًا ظاهرًا ولا ضميرًا بارزًا إلا قليلًا. حكى سيبويه. مررت برجل أكرم منه أبوه؛ وذلك لأنه ضعيف الشبه باسم الفاعل من قبل أنه في حال تجريده لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أفعل تفضيل فتأمل. قوله: "التقديم نزرًا وجدا" وفي التوضيح أنه ضرورة عند الجمهور.
قوله: "أهلًا وسهلًا" أي: أتيتم أهلًا ومكانًا سهلًا. وقوله جنى النحل أي: شبيهه بدليل ما بعده والاستشهاد بالبيت مبني على أن منه متعلق بأطيب. قال زكريا: ويجوز تعلقه بزودت, وحينئذٍ لا شاهد فيه. قوله: "ولا عيب فيها" أي: في النساء المذكورة فيما قبله. وقوله: غير أن إلخ من تأكيد المدح بما يشبه الذم, والقطوف بفتح القاف وفي آخره فاء المتقارب الخطأ. قوله: "ظعينة" هي في الأصل الهودج كانت فيه امرأة أو لم تكن ثم سميت المرأة ما دامت في الهودج ظعينة. وأملح من الملاحة وهي الحسن. قوله: "ورفعه الظاهر" المراد به المصرح به فيشمل الضمير البارز المنفصل؛ ولهذا أدرجه الشارح في حيز تفسير كلام المصنف وإن أفرده فيه بالذكر. قوله: "يرفع الضمير المستتر" أي: لأن العمل فيه ضعيف لا يظهر أثره لفظًا فلا يحتاج إلى قوة العامل سم. قوله: "إلا قليلًا" أي: شاذا. قوله: "لأنه ضعيف الشبه باسم الفاعل" أي: مع عدم ما يجبر الضعف من صحة وقوع فعل بمعناه موقعه فلا يرد أن الضعف موجود حتى في مسألة الكحل. قوله: "في حال تجريده" مثلها حال إضافته إلى نكرة, وخص حالة التجريد بالذكر؛ لأنها الأصل فيه كما
__________
804- البيت من الطويل، وهو للفرزدق في خزانة الأدب 8/ 269؛ والدرر 5/ 296؛ وشرح المفصل 2/ 60, والمقاصد النحوية 4/ 43؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 294، 295؛ وتذكرة النحاة ص47؛ وشرح ابن عقيل ص468؛ وشرح عمدة الحافظ ص766؛ وهمع الهوامع 2/ 104.
805- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص1600؛ وتذكرة النحاة ص47؛ وشرح عمدة الحافظ ص765؛ والمقاصد النحوية 4/ 44؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص469.
806- البيت من الطويل، وهو لجرير في ديوانه ص835؛ وتذكرة النحاة ص47؛ وشرح التصريح 2/ 103؛ وشرح عمدة الحافظ ص766؛ والمقاصد النحوية 4/ 52؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 293؛ وشرح ابن عقيل ص469.(3/76)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا إذا لم يعاقب فعلًا أي: لم يحسن أن يقع موقعه فعل بمعناه "ومتى عاقب فعلًا فكثيرًا" رفعه الظاهر "ثبتا" وذلك إذا سبقه نفي وكان مرفوعه أجنبيا مفضلًا على نفسه باعتبارين، نحو: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد، فإنه يجوز أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سيأتي, يعني فلما ضعف بعدم قبول العلامات في بعض أحواله انحطت رتبته في جميعها, فلم يعمل في الاسم الظاهر إلا بالشروط الآتية. قوله: "لا يؤنث إلخ" بهذا فارق الصفة المشبهة, فإنها تؤنث وتثنى وتجمع؛ فلهذا عملت في الظاهر كثيرًا وإن لم يكن لها فعل بمعناها وهو الثبوت. قوله: "إذا لم يعاقب فعلًا" جارى فيه الناظم وإلا فالأحسن إسناد المعاقبة إلى الفعل, كما يشير إليه قول الشارح أي: لم يحسن إلخ فعلم أن قوله أي: لم يحسن إلخ تفسير باللازم فتفطن.
قوله: "إذا سبقه نفي إلخ" زاد غيره قيدًا وهو أن يكون أفعل صفة لاسم جنس ليكون معتمدًا عليه, ولم يكف النفي كما في اسم الفاعل؛ لأنه لم يقو قوته ولهذا لا ينصب المفعول به بخلاف اسم الفاعل, وإنما اشترط سبق النفي ليكون أفعل التفضيل بمعنى الفعل فيعمل عمله؛ وذلك لأن النفي إذا دخل على أفعل توجه إلى قيده وهو الزيادة فيزيلها فيبقى أصل حسن كحل عين رجل مقيسًا إلى حسن كحل عين زيد إما بأن يساويه أو يكون دونه, ومقام المدح يأبى المساواة فيرجع المعنى إلى أن حسن الكحل في عين رجل دون حسنه في عين زيد أفاده الجامي، وأورد عليه أنه لو كان زوال الزيادة بالنفي مجوّزًا لعمل اسم التفضيل في ظاهر لجاز العمل في نحو: ما رأيت رجلًا أحسن منه أبوه. وأجيب بالفرق بينه وبين مثال الكحل بأن اسم التفضيل في مثال الكحل خالف الأصل, وهو تغاير المفضل والمفضل عليه ذاتًا لاتحادهما فيه ذاتًا فحصل في معناه التفضيليّ ضعف يقتضي أنه إذا زال بالنفي لم يبق لأفعل قوة اقتضاء حكمه وهو امتناع عمله في الظاهر بخلاف نحو: ما رأيت رجلًا أحسن منه أبوه فإنه لا ضعف في معناه التفضيلي لاختلاف المفضل والمفضل عليه ذاتًا, فله قوة اقتضاء حكمه, وقيل إنما اشترط تقدم النفي ليقوى طلب الموصوف الصفة المقتضي ذلك لقوتها في العمل؛ وذلك لأن طلب النكرة للمخصص في الإثبات دون طلبها له في النفي؛ لأنه في الإثبات لزيادة الفائدة وفي النفي لصون الكلام عن كونه كذبًا, فإنك إذا قلت: ما رأيت رجلًا, كان صدق الكلام موقوفًا على تخصيص الرجل بأمر يمكن أنه لم يحصل لمن رأيته من الرجال بخلاف رأيت رجلًا, وفي هذا أيضًا ما تقدم إيرادًا وجوابًا. قوله: "وكان مرفوعه أجنبيًا" أي: غير ملابس لضمير الموصوف بخلاف نحو: ما رأيت رجلًا أحسن منه أبوه فالمراد نفي كونه سببيًا بهذا المعنى فلا ينافي اشتراط ابن الحاجب كونه سببيا بمعنى أن للموصوف به تعلقًا ما كما في المثال قاله سم, واعترض البعض على الشارح بأن هذا القيد مستغنى عنه بقوله مفضلًا على نفسه باعتبارين لما علمت من أن المفضل والمفضل عليه في نحو: ما رأيت رجلًا أحسن منه أبوه مختلفان بالذات وفيه أن الاعتراض بإغناء المتأخر عن المتقدم غير ناهض.
قوله: "مفضلًا على نفسه باعتبارين" كان ينبغي أن يقول باعتبار آخر؛ لأن التفضيل أي(3/77)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يقال: ما أريت رجلًا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد، لأن أفعل التفضيل إنما قصر عن رفع الظاهر؛ لأنه ليس له فعل بمعناه. وفي هذا المثال يصح أن يقع موقعه فعل بمعناه كما رأيت. وأيضًا فلو لم يجعل المرفوع فاعلًا لوجب كونه مبتدأ فيلزم الفصل بين أفعل ومن بأجنبي، والأصل أن يقع هذا الظاهر بين ضميرين: أولهما للموصوف وثانيهما للظاهر كما رأيت. وقد يحذف الضمير الثاني وتدخل من إما على الاسم الظاهر أو على محله أو على ذي المحل فتقول من كحل عين زيد، أو من عين زيد، أو من زيد فتحذف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الزيادة إنما هو باعتبار واحد لا باعتبارين كما لا يخفى, إلا أن يجعل فيه اكتفاء والأصل ومفضولًا, فمعنى المثال أن الكحل باعتبار كونه في عين زيد أحسن من نفسه باعتبار كونه في عين غيره من الرجال وخرج به نحو: ما رأيت رجلًا أحسن كحل عينه من كحل عين زيد لاختلاف المفضل والمفضل عليه ذاتًا؛ لأنه اعتبر فيه فردان من أفراد الكل وأوقع التفاضيل بينهما بخلاف المثال المشهور فإنه اعتبر فيه ماهية الكحل مقيدة بقيد تارة ومقيدة بآخر تارة أخرى. والظاهر الذي يرمز إليه صنيع الشارح أن هذه الشروط شروط لعمل أفعل التفضيل مطلقًا في الظاهر لا لعمل أفعل من فقط, كما بينه البعض فانظره. قوله: "في عينه" حال من الكحل مقدم عليه أو ظرف لغو متعلق بأحسن, وفي عين زيد حال من الضمير المجرور بمن. قوله: "فإنه يجوز أن يقال إلخ" تعليل لمحذوف أي: وإنما كان هذا المثال مما يعاقب فيه أفعل الفعل؛ لأنه يجوز إلخ. قوله: "لأن أفعل التفضيل إلخ" علة لقول المصنف:
ومتى عاقب فعلًا فكثيرًا ثبتا. قوله: "لأنه ليس له فعل بمعناه" أي: في الزيادة ليعمل عمله, ولا يرد عليه أن أفعال الغلبة بمعناه نحو: كاثرني فكثرته أي: غلبته في الكثرة وزدت عليه فيها لعدم اطراد الغلبة في كل مادة كما قاله سم, نعم يرد عليه أن الصفة المشبهة ليس لها فعل بمعناها في الثبوت مع عملها في الظاهر, وأن أفعل التفضيل المجرد عن معنى التفضيل بمعنى الفعل لعدم دلالته على الزيادة, مع أنه لا يعمل في الظاهر على ما يقتضيه إطلاقهم.
وتعليلهم بما قدمه الشارح في قوله؛ وذلك لأنه ضعيف الشبه إلخ فلا يتم المطلوب بمجرد هذا التعليل, بل مع ضميمة التعليل الذي قدمه الشارح فتنبه. قوله: "يصح أن يقع إلخ" أي: بمعونة المقام. قوله: "لوجب كونه مبتدأ" أي: مخبرًا عنه باسم التفضيل.
قوله: "فيلزم الفصل" أي: ولو تقديرًا كما في ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل فإن تقديره: ما رأيت عينا كعين زيد أحسن فيها الكحل منه في غيرها, فلو لم يجعل الكحل فاعلًا بل جعل مبتدأ لزم الفصل بأجنبي تقديرًا فلا يقال لزوم الفصل بأجنبي غير مطرد لعدمه في نحو: هذا المثال أفاده سم والأجنبي هنا المبتدأ والمراد بالأجنبي هنا: ما ليس من معمولات ذلك العامل, لا ما لا تعلق له به بوجه ما ولم يجعل الكحل مبتدأ مؤخرًا عن من فلا يلزم الفصل بأجنبي بأن يقال: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه منه في عين زيد الكحل فرارًا من التزام مخالفة الأصل, وهو تقديم مرجع الضمير عليه بلا ضرورة ولا مقدمًا على الوصف بأن يقال: ما رأيت رجلًا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد فرارًا من التزام تقديم غير الأهم وهو الوصف بلا ضرورة, والتزام مخالفة الأصل وهو النعت بالمفرد بلا ضرورة. قوله:(3/78)
كَلَنْ تَرَى في الناسِ مِن رَفِيقِ ... أولَى بِه الفَضْلُ مِنَ الصِّدِّيقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مضافًا أو مضافين وقد لا يؤتى بعد المرفوع بشيء نحو: ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل. وقالوا: أما أحد أحسن به الجميل من زيد، والأصل ما أحد أحسن به الجميل من حسن الجميل بزيد، ثم أضيف الجميل إلى زيد لملابسته إياه ثم حذف المضاف الأول ثم الثاني. ومثله قوله -عليه الصلاة والسلام: "ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم" من أيام العشر. والأصل من محبة الصوم في أيام العشر، ثم من محبة صوم أيام العشر، ثم من صوم أيام العشر، ثم من أيام العشر. وقول الناظم "كلن ترى في الناس من رفيق أولى به الفضل من الصديق" والأصل من ولاية الفضل بالصديق ففعل به ما ذكر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"فتقول من كحل عين زيد" قد يقال إذا قيل ذلك لم يكن المرفوع مفضلًا على نفسه بل على غيره بالذات, أما على أن أل في الكحل عوض عن ضمير الرجل فالتغاير بالذات ظاهر, وأما على أنها للجنس؛ فلأن الماهية الكلية مغايرة بالذات لفردها الجزئي إلا أن يختار الثاني, ويقال لما كان الفرد مندرجًا تحت الماهية الكلية كان كأنها نفسه والتغاير اعتباري فافهم. قوله: "فتحذف مضافًا" أي: إذا دخلت من على المحل وهو العين أو مضافين أي: إذا دخلت من على ذي المحل وهو زيد. قوله: "وقد لا يؤتى بعد المرفوع بشيء" أي: اختيارًا وذلك إذا تقدم محل المفضل على أفعل كما في مثال الشارح, وكذا إذا تقدم صاحب محل المفضل على أفعل فيما يظهر كما في ما رأيت كزيد أحسن في عينه الكحل, فاقتصار البعض على الأول قصور ورأى بصرية على الظاهر, والكاف اسمية, وأحسن حال من مجرور الكاف على ما قاله البعض, ويلزم عليه مجيء الحال من المضاف إليه بدون شرطه أو كعين وأحسن صفتان لعينا محذوفة ويصح غير ذلك.
قوله: "وقالوا إلخ" أي: فأدخلوا من في اللفظ على غير المفضل عليه وهو ملابسه كما بينه الشارح فهو كقولك: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل من عين زيد, لكن مدخول من في هذا التركيب محل المفضل عليه حقيقة وفي ما أحد أحسن به الجميل من زيد ملابس المفضل عليه لا محله حقيقة؛ ولهذا ذكره الشارح هنا, ولم يكتف بقوله سابقًا وقد يحذف الضمير الثاني إلخ فافهم. قوله: "من حسن الجميل بزيد" كان عليه إسقاط حسن؛ لأن المفاضلة بين الجميل ونفسه باعتبارين. لا يقال الداعي إلى ذكره تعلق بزيد به؛ لأنا نقول على حذفه يكون بزيد حالًا من مجرور من كما في نظائره, ولا حاجة إلى ما نقله شيخنا, والبعض عن اللقاني وأقراه من التكلف. ومثل ذلك يقال في الحديث ومثال الناظم الآتي. قوله: "ما من أيام أحب" إلخ أفعل التفضيل فيه مصوغ من فعل المفعول ففيه شذوذ من هذه الجهة إلا على قول من يجعل الصوغ منه مقيسًا عند أمن اللبس, وكذا من جهة صوغه من زائد على الثلاثي إن كان من أحب الرباعي فإن كان من حب الثلاثي فلا شذوذ فيه إلا من الجهة الأولى, وبهذا يعلم ما في كلام البعض من المؤاخذة. قوله: "أولى" فيه شذوذ من جهة أنه لا فعل له؛ لأنه بمعنى أحق ولم يستعمل من هذه المادة فعل بهذا المعنى؛ لأن الفعل المستعمل منها ولي بمعنى تولى أو تبع وبهذا يعلم حسن قوله, ومتى عاقب فعلًا ولم يقل فعله ولا الفعل لئلا يخرج مثل هذا أفاده شيخنا نقلًا عن يس قال:(3/79)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهات: الأول إنما امتنع نحو: رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، ونحو: ما رأيت رجلًا أحسن منه أبوه، وإن كان أفعل فيهما يصح وقوع الفعل موقعه؛ لأن المعتبر في اطراد رفع أفعل التفضيل الظاهر جواز أن يقع موقعه الفعل الذي بني منه مفيدًا فائدته, وهو في هذين المثالين ليس كذلك، ألا ترى أنك لو قلت: رأيت رجلًا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد، أو يحسن في عينه الكحل كحلًا في عين زيد بمعنى يفوقه في الحسن فأتت الدلالة على التفضيل في الأول وعلى الغريزة في الثاني. وكذا القول في ما رأيت رجلًا يحسن أبوه كحسنه إذا أتيت في موضع أحسن بمضارع حسن حيث تفوت الدلالة على التفضيل، أو قلت: ما رأيت رجلًا يحسنه أبوه, فأتيت موضع أحسن بمضارع حسنه إذا فاقه في الحسن حيث تغير الفعل الذي بني منه أحسن, ففاتت الدلالة على الغريزة المستفادة من أفعل التفضيل. ولو رمت أن توقع الفعل موقع أحسن على غير هذين الوجهين لم تستطع. الثاني قال في شرح التسهيل: لم يرد هذا الكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بأفعل إلا بعد نفي ولا بأس باستعماله بعد نهي أو استفهام فيه معنى النفي كقوله: لا يكن غيرك أحب إليه الخير منه إليك، وهل في الناس رجل أحق به الحمد منه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البعض وينازعه قول الشارح الآتي؛ لأن المعتبر في اطراد إلخ ا. هـ. أي: حيث قيد الفعل بالذي بنى منه أفعل, ويندفع بأن القيد مبني على الغالب فتدبر.
قوله: "إنما امتنع نحو: إلخ" المانع في المثال الأول عدم سبق النفي, وفي الثاني عدم كون المرفوع أجنبيا. قوله: "مفيدًا فائدته" أي: فائدة أفعل من الدلالة على التفضيل وعلى الغريزة كما يؤخذ مما بعده. قوله: "ألا ترى أنك لو قلت إلخ" هذا متعلق بالمثال الأول, وقوله وكذا القول إلخ متعلق بالمثال الثاني. قوله: "كحلًا" مفعول يحسن لتضمنه معنى يفوق. قوله: "وعلى الغريزة في الثاني" لأن يحسن فيه مضارع حسنه إذا فاقه في الحسن فهو متعد وأفعال الغرائز لازمة. قوله: "حيث تفوت الدلالة على التفضيل" أورد عليه سم أن المثال المشهور يصدق لغة بصورتين؛ نقص حسن كحل عين الرجل عن حسن كحل عين زيد وتساويهما, والمراد بحسب المقام الأولى لا الثانية كما تقدم, ومثله: ما رأيت رجلًا أحسن منه أبوه لصدقه بنقص حسن الأب ومساواته, وإذا عبر بالفعل فيهما صدق التركيب لغة بالأولى, وكذا بزيادة حسن كحل عين الرجل وحسن الأب على بعد والمقام يعين الأولى, فالتركيبان مستويان في المعنى سواء عبر فيهما بأفعل أو بالفعل فالحكم بفوات الدلالة على التفضيل في أحدهما دون الآخر تحكم. قوله: "على غير هذين الوجهين" يعني بهما كونه مضارع حسن اللازم وكونه مضارع حسنه أي: فاقه في الحسن. قوله: "منه" أي: الحمد, وقوله بمحسن حال من مجرور من أي: حالة كونه ملابسًا لمن ذكر. قوله: "أجمعوا إلخ" ينافيه قوله بعد وأجاز بعضهم إلخ, إلا أن يقال لم يعتد المصنف بمخالفة هذا المجيز فحكى الإجماع, أو يقال الإجماع في غير المتجرد عن معنى التفضيل, كما يؤخذ من(3/80)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بمحسن لا يمن. الثالث قال في شرح الكافية: أجمعوا على أنه لا ينصب المفعول به، فإن وجد ما يوهم جواز ذلك جعل نصبه بفعل مقدر يفسره أفعل، نحو: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] ، فحيث هنا مفعول به لا مفعول فيه، وهو في موضع نصب بفعل مقدر يدل عليه أعلم. ومنه قوله:
807- وَأَضْرَبُ مِنّا بالسُّيوفِ القَوانِسَا
وأجاز بعضهم أن يكون أفعل هو العامل لتجرده عن معنى التفضيل ا. هـ.
خاتمة: في تعدية أفعل التفضيل بحروف الجر. قال في شرح الكافية: وجملة القول في ذلك أن أفعل التفضيل إذا كان من متعد بنفسه دال على حب أو بغض عدي باللام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تعليل المجيز وكما في شرح الدماميني على المغني فتدبر. قوله: "لا ينصب المفعول به" أي: بل يصل إليه بواسطة اللام نحو: هو أوعى للعلم فإن كان مما يتعدى لاثنين نصب الآخر بفعل مقدر نحو: أكسي للفقراء الثياب أي: يكسوهم الثياب قاله الدماميني. قال المصرح: وكذا لا ينصب المفعول معه والمفعول المطلق والتمييز إلا إذا كان فاعلًا في المعنى نحو: زيد أحسن الناس وجهًا ويجوز نصبه للباقي, وقال بعضهم: غلط من قال إن أفعل التفضيل لا يعمل في المفعول به لورود السماع بذلك كقوله تعالى: {هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} [الإسراء: 84] ، وليس تمييزًا؛ لأنه ليس فاعلًا في المعنى.
قوله: "فحيث هنا مفعول به لا مفعول فيه" اعترضه أبو حيان بأنه ضرب من التصرف, وحيث لا تتصرف وفي المرادي على التسهيل لم تجئ حيث فاعلًا ولا مفعولًا به ولا مبتدأ ا. هـ. وفي التسهيل أن تصرفها نادر, قال الدماميني: ولو قيل إن المراد يعلم الفضل الذي هو في محل الرسالة لم يبعد وفيه إبقاء حيث على ما عهد لها من ظرفيتها. والمعنى أن الله تعالى لن يؤتيكم مثل ما آتى رسله؛ لأنه يعلم ما فيهم من الذكاء والطهارة والفضل والصلاحية للإرسال ولستم كذلك. قال الشمني: بل هو بعيد لما فيه من حذف المفعول والاسم الموصول وبعض صلته بلا دليل. قوله: "القوانسا" جمع قونس وهو أعلى البيضة وعظم ناتئ بين أذني الفرس كما في القاموس. قوله: "لتجرده عن معنى التفضيل" رد بأنه وإن أول بما لا تفضيل فيه لا يلزم كون تعديه كتعديه وخصوصيات الألفاظ لا تنكر وأجاب الدماميني بأن أصل المتوافقين معنى أن يتوافقا حكمًا. قوله: "وجملة القول" أي: مجمله أي: مجموعه فهو من الإجمال بمعنى الجمع ضد التفريق لا من الإجمال ضد التفصيل والبيان. قوله:
"دال على حب أو بغض" أي: على معناهما فيشمل
__________
807- صدره:
أكَرَّ وأحمى للحقيقة منهمُ
والبيت من الطويل، وهو لعباس بن مرداس في ديوانه ص69، والأصمعيات ص205؛ وحماسة البحتري ص48؛ وخزانة الأدب 8/ 319، 321؛ وشرح التصريح 1/ 339؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص441، 1700؛ ولسان العرب 6/ 184 "قنس"؛ ونوادر أبي زيد ص59؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 344، 4/ 79؛ وأمالي ابن الحاجب 1/ 460؛ وخزانة الأدب 7/ 10؛ ومغني اللبيب 2/ 618.(3/81)
النعت:
يَتْبَعُ في الإعرابِ الأسماء الأُوَل ... نَعْتٌ وتَوْكيدٌ وعَطْفٌ وبَدَل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى ما هو مفعول في المعنى وبإلى إلى ما هو فاعل في المعنى، نحو: المؤمن أحب لله من نفسه، وهو أحب إلى الله من غيره, وإن كان من متعد بنفسه دال على علم عدي بالباء نحو: زيد أعرف بي وأنا أدرى به، وإن كان من متعد بنفسه غير ما تقدم عدي باللام نحو: هو أطلب للثأر وأنفع للجار, وإن كان من متعد بحرف جر عدي به لا بغيره، نحو: هو أزهد في الدنيا وأسرع إلى الخير وأبعد من الإثم وأحرص على الحمد وأجدر بالحلم وأحيد عن الخنى. ولفعل التعجب من هذا الاستعمال ما لأفعل التفضيل، نحو: ما أحب المؤمن لله وما أحبه إلى الله، وما أعرفه بنفسه وأقطعه للعوائق وأغضه لطرفه وأزهده في الدنيا، وأسرعه إلى الخير، وأحرصه عليه، وأجدره به ا. هـ. وقد سبق بعض ذلك في بابه والله تعالى أعلم.
النعت:
"يتبع في الإعراب الأسماء الأُول نعت وتوكيد وعطف وبدل" وتسمى لأجل ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما كان من مادة الكراهة مثلًا. قوله: "وهو أحب إلى الله من غيره" أي: يحب الله المؤمن أكثر من محبته للكافر, قال البعض: وظاهره أنه حينئذٍ مجرد عن معنى التفضيل إذ لا يحب الله تعالى الكافر أصلًا ا. هـ. وفيه أنه ينافيه ما اشتهر وقدمه هو أيضًا من أن المقرون بمن لا يتجرد عن معنى التفضيل, فالذي ينبغي عندي أنه غير مجرد عن ذلك بل فيه معنى التفضيل باعتبار محبة الله تعالى الكافر من حيث كونه مخلوقًا, قاله مثلًا فتأمل. قوله: "وأحيد عن الخنى" بفتح الخاء المعجمة أي: أميل عن الزنا. قوله: "وقد سبق بعض ذلك في بابه" فيه أنه ذكر جميع هذا التفصيل في أفعل التعجب في بابه لا بعضه فقط والله سبحانه وتعالى أعلم.
النعت:
ويقال له الوصف والصفة, وقيل: النعت خاص بما يتغير كقائم وضارب والوصف والصفة لا يختصان به بل يشملان نحو: عالم وفاضل, وعلى الثاني يقال صفات الله وأوصافه ولا يقال نعوته, والذي في القاموس أن النعت والوصف مصدران بمعنى واحد, وأن الصفة تطلق مصدرًا بمعنى الوصف واسمًا لما قام بالذات كالعلم والسواد. قوله: "في الإعراب" يرد عليه نحو: قام قام زيد ولا لا, وعطف النسق إذا لم يكن للمعطوف عليه إعراب كالجملة المستأنفة, والجواب أن المراد في الإعراب وجودًا أو عدمًا فيدخل ما ذكر, ويرد أيضًا: يا زيد الفاضل ويا سعيد كرز بضم الفاضل وكرز اتباعًا لضمة زيد وسعيد, فإن تبعية الفاضل وكرز لزيد وسعيد في الضم ليست تبعية في الإعراب. والجواب أن المراد الإعراب وما يشبهه من حركة عارضة لغير الإعراب, مع أنهما تابعان لزيد وسعيد في إعراب غير ظاهر, بل هو محلي في المتبوع وتقديري في التابع منع من ظهوره(3/82)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التوابع. فالتابع هو المشارك لما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد غير خبر. فخرج بالحاصل والمتجدد خبر المبتدأ والمفعول الثاني وحال المنصوب. وبغير خبر حامض من قولك: هذا حلو حامض.
تنبيهات: الأول سيأتي أن التوكيد والبدل وعطف النسق تتبع غير الاسم وإنما خص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حركة الاتباع فعلم أن ضمة التابع ليست ضمة إعراب لعدم الرافع, ولا ضمة بناء لعدم مقتضيه هذا هو التحقيق. ثم المراد الإعراب لفظًا أو تقديرًا أو محلا فيدخل نحو: حجر ضب خرب, فخرب تابع لحجر ورفعه مقدر ونحو: رحم الله سيبويه الذي كان ماهرًا في العربية, فسيبويه والذي متوافقان في الإعراب محلا.
فائدة: الجواز يختص بالجر وبالنعت قليلًا والتوكيد نادرًا على ما في التسهيل والمغني. وقال الناظم في العمدة: يجوز في العطف لكن بالواو خاصة وجعل منه "وَأَرْجُلِكُمْ" في قراءة الجر, وضعفه في المغني بأن العاطف يمنع التجاوز, وعلى منع عطف الجوار يكون جر الأرجل للعطف على الرءوس لا لتمسح بل لينبه بعطفها على الممسوح على طلب الاقتصاد في غسلها الذي هو مظنة الإسراف؛ لكونها من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها, وجيء بالغاية دفعًا لتوهم أنها تمسح؛ لأن المسح لم تضرب له غاية في الشرع كذا في الكشاف, ويلزم عليه إما استعمال المسح في حقيقته بالنسبة إلى الرءوس وفي مجازه وهو الغسل الشبيه بالمسح في قلة الماء بالنسبة إلى الأرجل. وصاحب الكشاف ممن يمنعه وإما جعل العطف من عطف الجمل بتقدير: وامسحوا بأرجلكم فكون الأرجل معطوفة على الرءوس على هذا باعتبار صورة اللفظ, وفي هذا حذف الجار وإبقاء عمله وهو ضعيف إلا أن يقال قوة الدلالة عليه بسبق مثله تدفع الضعف. قال شيخنا السيد: قال بعضهم الجر بالجوار مقيس عند سيبويه سماع عند الفراء ا. هـ. وفي الدماميني أن ابن جني أنكره وجعل خرب صفة ضب بتقدير مضاف أي: خرب جحره وإن حركة الجوار حركة مناسبة لا حركة إعرابية, وأن الحركة الإعرابية مقدرة بحسب ما يقتضيه عامل المتبوع, وعبارة المغني أنكر ابن جني الجر على الجوار وجعل خرب صفة لضب والأصل خرب جحره, ثم أنيب المضاف إليه عن المضاف فارتفع واستتر, ويلزمه استتار الضمير مع جريان الصفة على غير ما هي له, وهو لا يجوز عند البصريين وإن أمن اللبس.
قوله: "وعطف" أي: بيان أو نسق. قوله: "الحاصل" أي: في هذا التركيب والمتجدد أي: تركيب آخر. قوله: "غير خبر" حال من ضمير المشارك. قوله: "فخرج بالحاصل والمتجدد" أي: بمجموعهما ولو قال فخرج بقولنا والمتجدد لكان أحسن؛ لأنه المخرج لخبر المبتدأ أي: غير الثاني من الخبر المتعدد كما يدل عليه ما بعده. قوله: "حامض إلخ" مقتضاه أن حامض خبر بعد خبر وهو الموافق لما سبق أن نحو: الرمان حلو حامض مما تعدد فيه الخبر لفظًا ولا ينافيه قول بعضهم أنه جزء خبر؛ لأنه ناظر إلى المعنى. قوله: "إن التوكيد" أي: اللفظي أما المعنوي فمختص بالأسماء كالنعت وعطف البيان؛ ولذلك كانت الأسماء أصلًا في ذلك. قوله: "لكونها الأصل في(3/83)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأسماء بالذكر لكونها الأصل في ذلك. الثاني في قوله الأول إشارة إلى منع تقديم التابع على متبوعه. وأجاز صاحب البديع تقديم الصفة على الموصوف إذا كان لاثنين أو جماعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك" فيكون تقديمها على الفاعل في عبارته للاهتمام لا للحصر. قوله: "إلى منع تقديم التابع إلخ" مثل التابع معموله فلا يجوز: هذا طعامك رجل يأكل. قال البعض: لأن المعمول لا يحل إلا حيث يحل عامله ا. هـ. وهو منقوض بنحو: زيدًا لم أضرب. وجوز الكوفيون تقديم المعمول ووافقهم الزمخشري في قوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63] ، فجعل في أنفسهم متعلقًا ببليغًا.
فائدة: يجوز الفصل بين التابع والمتبوع بغير أجنبي محض كمعمول الوصف نحو: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق: 44] ، ومعمول الموصوف نحو: يعجبني ضربك زيدًا الشديد وعامله نحو: زيدًا ضربت القائم ومفسر عامله نحو: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] ، ومعمول عامل الموصوف نحو: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ} [المؤمنون: 92] ، والمبتدأ الذي خبره فيه الموصوف نحو: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10] ، الخبر نحو: زيد قائم العاقل والقسم نحو: زيد والله العاقل قائم وجواب القسم نحو: {بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} [سبأ: 3] ، والاعتراض نحو: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 76] ، والاستثناء نحو: ما جاءني أحد إلا زيدًا خير منك, ومن الفصل بين التأكيد والمؤكد: {وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب: 51] ، وبين المعطوف والمعطوف عليه: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] ، فصل به الأيدي والأرجل على قراءة نصب الأرجل وبين البدل والمبدل منه: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ} [المزمل: 3] ، بخلاف الأجنبي بالكلية من التابع والمتبوع فلا يقال: مررت برجل على فرس عاقل أبيض, وكذا لا يجوز فصل نعت المبهم ونحوه مما لا يستغنى عن الصفة من منعوته, فلا يقال: ضربت هذا
زيدًا الرجل ولا الشعري طلعت العبور كذا في الهمع. واعترض الأخير باستغناء الشعري في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم: 49] ، وما ذكره من أن نصفه بدل من الليل هو أحد أوجه ذكرها البيضاوي وغيره, والاستثناء عليه من نصفه والضمير في منه وعليه للأقل من النصف كالثلث فيكون التخيير بين الأقل منه كالربع والأكثر منه كالنصف، ومنها أن الاستثناء من الليل ونصفه بدل من قليلًا فيكون التخيير بين النصف والزائد عليه كالثلثين والناقص عنه كالثلث. واعترضه الشهاب القرافي بأنه يقتضي تسمية النصف قليلًا وهي غير معروفة في استعمال اللغة واختار أن نصفه بدل من الليل إلا قليلًا وأن المراد بالليل الليالي بناء على استغراقية أل وبالقليل منها ليالي الأعذار كالمرض والسفر فأبدل نصفه من الليالي التي لا عذر فيها والمعنى قم الليالي التي لا عذر فيها نصفها أي: نصف كل منها لكن ذكر الضمير المضاف إليه نصف لكون الليل مفردًا مذكرًا في اللفظ, وأن المراد بالقليل في قوله: أو انقص منه قليلًا أو زد عليه أي: قليلًا هو السدس فخير -صلى الله عليه وسلّم- بين قيام نصف الليل وثلثه وثلثيه.
قوله: "إذا كان" أي: الصفة والتذكير باعتبار المذكور أو النعت, وفي بعض النسخ إذا كانت(3/84)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد تقدم أحد الموصوفين، فتقول: قام زيد العاقلان وعمرو, ومنه قوله:
808- ولَسْتُ مُقرًّا للرجال ظُلامَة ... أَبَى ذاك عَمِّي الأَكْرَمانِ وخَالِيا
وأجاز الكوفيون تقديم المعطوف بشروط تذكر في موضعها. الثالث اختلف في العامل في التابع فذهب الجمهور إلى أن العالم فيه هو العامل في المتبوع واختاره الناظم وهو ظاهر مذهب سيبويه. الرابع لم يتعرض هنا لبيان رتبة التابع. قال في التسهيل: ويبدأ عند اجتماع التوابع بالنعت، ثم بعطف البيان، ثم بالتوكيد، ثم بالبدل، ثم بالنسق أي: فيقال: جاء الرجل الفاضل أبو بكر نفسه أخوك وزيد. الخامس قدم في التسهيل باب التوكيد على باب النعت، وكذا فعل ابن السراج وأبو علي والزمخشري وهو حسن؛ لأن التوكيد بمعنى الأول, والنعت على خلاف معناه؛ لأنه يتضمن حقيقة الأول وحالًا من أحواله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهي ظاهرة. قوله: "ظلامة" قال البعض: منصوب بنزع الخافض أي: بظلامة ا. هـ. ولا حاجة إليه بل الظاهر أنه مفعول به حقيقة أي: ولست مبقيًا ظلامة لأحد بل أزيلها, قال العيني: وتبعه غيره كشيخنا والبعض وذاك إشارة إلى المذكور من الظلامة ا. هـ. والأحسن إرجاع الإشارة إلى إقرار الظلامة المفهوم من مقرا, وفتح ياء المتكلم جائز اختيارًا إجماعًا. فقول العيني حركت الياء للضرورة غير صحيح. قوله: "بشروط تذكر في موضعها" أي: عند قوله وحذف متبوع إلخ. قوله: "اختلف في العامل في التابع" أي: غير البدل بقرينة قوله فذهب إلخ؛ لأن مذهب الجمهور في البدل كما في الهمع أن عامله محذوف بدليل ظهوره جوازًا مع الظاهر ووجوبًا مع الضمير نحو: مررت بزيد به فإعادة عامل الجر في نحوه واجبة, وبهذا يعلم ما في كلام الإسقاطي من الخلل, وزيف الدماميني الدليل بجعل الجار والمجرور الثاني بدلًا من الجار والمجرور الأول والعامل ما قبل الجار الأول وهو غير معاد. وأما مذهب غيرهم فهو: أن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه. قوله: "فذهب الجمهور" وقيل العامل في النعت والبيان والتوكيد التبعية, وقيل مقدر وفي النسق مقدر, وقيل: حرف العطف نيابة كذا في الدماميني والهمع, قال الدماميني: فائدة الخلاف عدم جواز الوقف على المتبوع دون التابع عند من قال العامل فيه هو الأول ا. هـ. ويظهر أن الأمر كذلك على القول بأن العامل التبعية تأمل.
قوله: "ثم عطف البيان" أي: ثم يبدأ به بدءًا عرفيا أي: بالنسبة لما بعده وكذا يقال فيما بعده, إلا قوله ثم بالنسق فلا يتأتى فيه البدء العرفي فيقدر له عامل يناسبه أي: ثم يؤتى بالنسق ولك تقديره في الكل. قوله: "لأن التوكيد بمعنى الأول" أي: فهو كالجزء من النعت لدلالة النعت على الأول وزيادة والجزء مقدم على الكل, وكون التوكيد بمعنى الأول ظاهر في التوكيد اللفظي وفي
__________
808- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الدرر 6/ 17؛ ومغني اللبيب 2/ 617؛ والمقاصد النحوية 4/ 73؛ وهمع الهوامع 2/ 12.(3/85)
فالنَّعتُ تابِعٌ مُتِمُّ ما سَبَقْ ... بوَسْمِه أو وَسْمِ ما بِهِ اعْتَلَقْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والتوكيد يتضمن حقيقة الأول فقط. وقدم في الكافية النعت كما هنا. وكذا فعل أبو الفتح والزجاجي والجزولي نظرًا لما سبق في التنبيه الرابع. "فالنعت" في عرف النحاة "تابع متم ما سبق" أي: مكمل المتبوع "بِوَسْمِه" أي: بوسم المتبوع أي: علامته "أو وسم ما به اعتلق" فالتابع جنس يشمل جميع التوابع المذكورة، ومتم ما سبق مخرج للبدل والنسق، وبوسمه أو وسم ما به اعتلق مخرج لعطف البيان والتوكيد؛ لأنهما شاركا النعت في إتمام ما سبق؛ لأن الثلاثة تكمل دلالته وترفع اشتراكه واحتماله، إلا أن النعت يوصل إلى ذلك بدلالته على معنى في المنعوت أو في متعلقه، والتوكيد والبيان ليسا كذلك. والمراد بالمتم المفيد ما يطلبه المتبوع بحسب المقام من توضيح نحو: جاءني زيد التاجر أو التاجر أبوه، أو تخصيص نحو: جاءني رجل تاجر أو تاجر أبوه، أو تعميم نحو: يرزق الله عباده الطائعين والعاصين الساعية أقدامهم والساكنة أجسامهم، أو مدح نحو: الحمد لله رب العالمين الجزيل عطاؤه، أو ذم نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} ، أو تَرَحُّم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المعنوي بالنفس والعين, وأما بكل وأجمع ففيه نظر لزيادته لإفادة الشمول فتأمل. قوله: "وحالًا من أحواله" هذا في النعت الحقيقي, واقتصر عليه لكونه الأصل. قوله: "نظرًا لما سبق إلخ" أي: من كونه يبدأ به عند اجتماع التوابع. قوله: "متم ما سبق" أي: المقصود منه أصالة إتمام متبوعه أي: إيضاحه أو تخصيصه كما سيأتي, فلا يرد النعت لغير الإيضاح والتخصيص كالمدح والذم والتأكيد؛ لأن هذا أمر عارض, ومنه النعت الكاشف إذا خوطب به العالم بحقيقة المنعوت وسيدفع الشارح الإيراد بوجه آخر. وبحث في التعريف بأنه غير مانع لشموله, لقولهم: يا هذا ذا الجمة, مع أنه عطف بيان عند سيبويه كما سيأتي, والمراد ما سبق ولو تقديرًا ليشمل المنعوت المحذوف. قوله: " بوسمه" الباء سببية والوسم يطلق بمعنى العلامة, وجرى على هذا الشارح وعليه يقدر مضاف أي: بإفهام وسمه. ويطلق بالمعنى المصدري وهو الوسم بالسمة, وهي العلامة ولا تقدير على هذا. ومعنى العبارة تابع مكمل لمتبوعه بسبب دلالته على معنى في متبوعه, أو في سببي متبوعه والمراد الدلالة التضمنية, فلا يرد علمه من قولنا: نفعني زيد علمه؛ لأن دلالة لفظ علم على المعنى الذي في زيد مطابقية لا تضمنية.
قوله: "مخرج للبدل والنسق" لأنهما لا يتمان متبوعهما لا بإيضاح ولا تخصيص أي: لم يقصد بهما ذلك أصالة فلا ينافي عروض الإيضاح للبدل بل ولعطف النسق في بعض الصور. قوله: "أو في متعلقه" بكسر اللام أي: ما تعلق به وهو السببي. قوله: "ليسا كذلك" لأن البيان عين الأول وكذا التوكيد اللفظي والمعنوي بالنفس والعين, وأما بكل وأجمع ففيه ما تقدم. قوله: "من توضيح" المراد به رفع الاشتراك اللفظي في المعارف, وبالتخصيص تقليل الاشتراك المعنوي في النكرات, فالنعت في الأول جار مجرى بيان المجمل وفي الثاني جار مجرى تقييد المطلق أفاده في التصريح. قوله: "أو تعميم" مجيء النعت للتعميم وما بعده مجاز؛ لأن أصل وضعه(3/86)
وليُعْطَ في التَّعريف والتَّنْكيرِ ما ... لِمَا تلا كامْرُرْ بقَوم كُرَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نحو: اللهم أنا عبدك المسكين المنكسر قلبه، أو توكيد نحو: أمس الدابر المنقضي أمده لا يعود، أو إبهام نحو: تصدقت بصدقة كثيرة أو قليلة ثوابها أو شائع احتسابها، أو تفصيل نحو: مررت برجلين عربي وعجمي كريم أبواهما لئيم أحدهما. ويسمى الأول من هذه الأمثلة نعتًا حقيقيا والثاني سببيا "فليعط" النعت مطلقًا "في التعريف والتنكير ما" أي: الذي "لما تلا" وهو المنعوت "كامرر بقوم كرما" وبقوم كرماء آباؤهم، وبالقوم الكرماء وبالقوم الكرماء آباؤهم.
تنبيهات: الأول ما ذكره من وجوب التبعية في التعريف والتنكير هو مذهب الجمهور. وأجاز الأخفش نعت النكرة إذا خصصت بالمعرفة، وجعل الأوليان صفة لآخران في قوله تعالى: {فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} [المائدة: 107] ، وأجاز بعضهم وصف المعرفة بالنكرة، وأجازه ابن الطراوة بشرط كون الوصف خاصا بذلك الموصوف كقوله:
809- أَبِيتُ كأنِّي ساوَرَتْنِي ضَئيلَةٌ ... من الرُّفْشِ في أَنْيابِها السمُّ ناقِعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للتوضيح أو التخصيص كذا في التصريح. قوله: "الرجيم" أي: الراجم للناس بالوسوسة أو المرجوم بالشهب أو اللعنة, وكون هذا النعت للذم لا ينافيه كونه تأكيدًا لما فهم من لفظ الشيطان. قوله: "أو إبهام" ينبغي أن يزاد أو شك ويمثل له بمثال الإبهام إذا لم يعرف المتكلم حقيقة الأمر وكان شاكا نبه عليه الدماميني. ثم نقل عن ابن الخباز: أن النعت يجيء لإعلام المخاطب بأن المتكلم عالم بحال المنعوت, كقولك: جاء قاضي بلدك الكريم قيه إذا كان المخاطب يعلم اتصاف القاضي بذلك, ولم تقصد مجرد المدح بل قصدت إعلام مخاطبك بأنك عالم بحال الموصوف. وعن بعضهم أنه قد يكون النعت لإفادة رفعة معناه نحو: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44] ، أجرى هذا الوصف على النبيين لإفادة عظم قدر الإسلام.
قوله: "في التعريف والتنكير" في بمعنى من البيانية لما الأولى, وقول شيخنا لما في لما تلا سهو والواو بمعنى؛ أو لأن الثابت للمتلوّ أحدهما. وقوله تلا صلة أو صفة جرت على غير ما هي له, ولم يبرز جريًا على المذهب الكوفي. قوله: "بالمعرفة" متعلق بنعت. قوله: "وأجاز بعضهم وصف المعرفة بالنكرة" أي: مطلقًا بقرينة مقابلته بما بعده. قوله: "ساورتني" أي: واثبتني بمعنى وثبت عليّ فالمفاعلة على غير بابها ضئيلة بفتح الضاد المعجمة وكسر الهمزة وهي الحية الدقيقة التي أتى عليها سنون كثيرة فقلّ لحمها واشتد سمها. والرقش بضم الراء وسكون القاف آخره شين معجمة
__________
809- البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص33؛ وخزانة الأدب 2/ 457؛ والحيوان 4/ 248؛ والدرر 6/ 9؛ وسمط اللآلي ص489؛ وشرح شواهد المغني 2/ 902؛ والكتاب 2/ 89؛ ولسان العرب 4/ 507 "طور" 5/ 202 "نذر"، 8/ 360 "نقع"؛ ومغني اللبيب 2/ 570؛ والمقاصد النحوية 4/ 73؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 2/ 117.(3/87)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والصحيح مذهب الجمهور, وما أوهم خلاف ذلك مؤول. الثاني استثنى الشارح من المعارف المعرف بلام الجنس قال: فإنه لقرب مسافته من النكرة يجوز نعته بالنكرة المخصوصة، ولذلك تسمع النحويين يقولون في قوله:
810- وَلَقَدْ أَمُرُّ على اللَّئِيم يَسُبُّنِي ... فأعِفُّ ثمّ أقول لا يَعْنِينِي
أن يسبني صفة لا حال؛ لأن المعنى: ولقد أمر على لئيم من اللئام. ومنه قوله تعالى: {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37] ، وقولهم: ما ينبغي للرجل مثلك أو خير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جمع رقشاء وهي الحية التي لها نقط سود وبيض ومن تبعيضية. وقول البعض للبيان غير ظاهر وناقع بالنون والقاف أي: بالغ في الإهلاك وفيه الشاهد حيث وصف به السم وهو معرفة؛ لأنه لا يوصف به غير السم ولا يرد قولهم دم ناقع؛ لأنه بمعنى طري. قوله: "مؤوّل" أي: بجعل التابع بدلًا فالأوليان أي: الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتها بدل من آخران, وناقع بدل من السم.
ويصح جعل الأوليان خبر محذوف أي: هما الأوليان أو خبر آخران لتخصيصه بالصفة أو مبتدأ خبره آخران أو بدلًا من الضمير في يقومان, وجعل ناقع خبرًا ثانيًا للسم. قوله: "المعرّف بلام الجنس" أي: لام الحقيقة في ضمن فرد غير معين, وتسميها أهل المعاني لام العهد الذهني لعهد الحقيقة في الذهن. قوله: "لقرب مسافته من النكرة" أي: لعدم تعين شيء من الأفراد فيهما.
قوله: "بالنكرة المخصوصة" أي: بإضافة أو عمل كما يؤخذ من التمثيل بقولهم ما ينبغي للرجل إلخ, وقول البعض أي: بوصف أو إضافة كما يؤخذ من الأمثلة سهو منشؤه توهم أن منك صفة لخير, وهو باطل بل هو ظرف لغو متعلق بخير, والمراد النكرة المخصوصة وما في حكمها وهو الجملة كما يؤخذ من التمثيل بالبيت والآية, وقد يستفاد من تعبيره بالجواز أن الأحسن النعت بالمعرفة نظرًا للفظ وهو كذلك. قوله: "لا حال" جوّز جماعة الحالية نظرًا لصورة التعريف, وما ردّ به من أنه ليس المعنى أنه يمر عليه في حال السب بل المراد أن ذلك دأبه يردّ بأنا لا نسلم أنه ليس المعنى ما ذكر, بل المراد أن ذلك دأبه لم لا يجوز أن يكون المعنى ما ذكر ولئن سلم فجعل الحال لازمة يفيد أن ذلك دأبه. قوله: "وآية لهم الليل" أي: حقيقة الليل في ضمن فردّ ما من الليالي فلا ينافيه أن الواقع سلخ النهار من أفراد الليل فلا اعتراض. قوله: "بالأخص" أي: الأقل
__________
810- البيت من الكامل، وهو لرجل من بني سلول في الدرر 1/ 78، وشرح التصريح 2/ 11؛ وشرح شواهد المغني 1/ 310؛ والكتاب 3/ 24؛ والمقاصد النحوية 4/ 58؛ ولشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات ص126؛ ولعميرة بن جابر الحنفي في حماسة البحتري ص171؛ وبلا نسبة في الأزهية ص263؛ والأشباه والنظائر 3/ 90؛ والأضداد ص132؛ وأمالي ابن الحاجب ص631؛ وأوضح المسالك 3/ 206؛ وجواهر الأدب ص307؛ وخزانة الأدب 1/ 357، 358، 3/ 201، 4/ 207, 208، 5/ 23، 503، 7/ 197، 9/ 119، 383؛ والخصائص 2/ 338، 3/ 330؛ والدرر 6/ 154؛ وشرح شواهد الإيضاح ص221؛ وشرح شواهد المغني 2/ 841؛ وشرح ابن عقيل ص475؛ والصاحبي في فقه اللغة ص219؛ ولسان العرب 12/ 81 "ثم"، 15/ 296 "منن"، ومغني اللبيب 1/ 102، 2/ 429، 645، وهمع الهوامع 1/ 9، 2/ 140.(3/88)
وهُوَ لَدَى التَّوْحيدِ والتَّذْكيرِ أو ... سِواهُما كالفِعْلِ فاقْفُ ما قَفَوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منك أن يفعل كذا. الثالث لا يمتنع النعت في النكرات بالأخص نحو: رجل فصيح وغلام يافع. وأما في المعارف فلا يكون النعت أخص عند البصريين بل مساويًا أو أعم. وقال الشلوبين والفراء: ينعت الأعم بالأخص، قال المصنف: وهو الصحيح. وقال بعض المتأخرين: توصف كل معرفة بكل معرفة كما توصف كل نكرة بكل نكرة ا. هـ. "وهو لدى التوحيد والتذكير أو سواهما" وهو التثنية والجمع والتأنيث "كالفعل فاقف ما قفوا" أي: يجري النعت في مطابقة المنعوت وعدمها مجرى الفعل الواقع موقعه، فإن كان جاريًا على الذي هو له رفع ضمير المنعوت وطابقه في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، تقول: مررت برجلين حسنين وامرأة حسنة، كما تقول مررت برجلين حسنا وامرأة حسنت. وإن كان جاريًا على ما هو لشيء من سببيه فإن لم يرفع السببي فهو كالجاري على ما هو له في مطابقته للمنعوت؛ لأن مثله في رفعه ضمير المنعوت نحو: مررت بامرأة حسنة الوجه أو حسنة وجهًا، وبرجلين كريمي الأب أو كريمين أبًا، وبرجال حسان الوجوه أو حسان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شيوعًا. قوله: "يافع" بالتحتية ثم الفاء أي: مراهق.
قوله: "فلا يكون النعت أخص" أي: أعرف كما في سم فنحو: بالرجل أخيك التابع بدل لا نعت لئلا يفضل التابع على المتبوع, وقد أسلفنا رده في باب النكرة والمعرفة. قوله: "أو أعم" أي: أقل تعريفًا. قوله: "ينعت الأعم بالأخص" قال البعض أي: فقط وإلا ساوى ما بعده ا. هـ. وترجاه شيخنا وفيه نظر إذ يبعد كل البعد أن الفراء والشلوبين يوجبان وصف الأعم بالأخص مع منع غيرهما أيا, ولا يجيزان الوصف بالأعم أو المساوي مع إيجاب غيرهما إياه, وأي ضرر في كون ما بعده مساويًا له فيكون سوقه لتأييده ثم رأيت ما يؤيد ما قلته بخط بعض الأفاضل. قوله: "توصف كل معرفة بكل معرفة" أي: إلا اسم الإشارة فإنه لا يوصف إلا بذي أل إجماعًا وإنما وصفوه باسم الجنس المعرّف بأن لبيان حقيقة الذات المشار إليها إذ لا دلالة لاسم الإشارة على حقيقتها, وألحق به الموصول؛ لأنه مع صلته بمعنى ذي اللام؛ ولأن الموصول الذي يقع صفة ذو لام, وإن كانت زائدة وكما يجوز في تابع اسم الإشارة كونه نعتًا من حيث دلالته على معنى في متبوعه يجوز كونه عطف بيان من حيث إيضاحه له, والأول مبني على ما عليه جمع محققون أنه لا يشترط كون النعت مشتقا أو مؤوّلًا به. والثاني مبني على أنه لا يشترط في البيان أن يكون أعرف من المبين وهو الصحيح. قوله: "لدى التوحيد إلخ" أي: عند ملاحظة التوحيد إلخ. قوله: "الواقع موقعه" أي: الذي يقع في محل النعت على خلاف الأصل.
قوله: "وطابقه في الإفراد إلخ" أورد عليه نحو: نطفة أمشاج وبرمة أعشار وثوب أخلاق. وأجيب بأن النطفة لما كانت مركبة من أشياء كل منها مشيج. والبرمة من أعشار هي قطعها. والثوب من قطع كل منها خلق كان كل من الثلاثة مجموع أجزاء فجاز وصفه بالجمع. وقيل أفعال في مثل ذلك واحد لا جمع كذا في الدماميني. قوله: "على ما هو إلخ" أي: على منعوت(3/89)
وانْعَتْ بِمُشتقٍّ كصَعْب وذَرِبْ ... وشِبْهِهِ كذا وذي والمُنْتَسِبْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجوهًا، وإن رفع السببي كان بحسبه في التذكير والتأنيث كما هو في الفعل، فيقال: مررت برجال حسنة وجوههم, وبامرأة حسن وجهها, كما يقال: حسنت وجوههم وحسن وجهها.
تنبيهات: الأول يجوز في الوصف المسند إلى السببي المجموع الإفراد والتكسير فيقال: مررت برجل كريم آباؤه وكرام آباؤه. الثاني قد يعامل الوصف الرافع ضمير المنعوت معاملة رافع السببي إذا كان معناه له، فيقال: مررت برجل حسنة العين, كما يقال: حسنت عينه, حكى ذلك الفراء وهو ضعيف، وذهب كثير منهم الجرمي إلى منعه. الثالث أفهم قوله كالفعل جواز تثنية الوصف الرافع للسببي, وجمعه الجمع المذكر السالم على لغة أكلوني البراغيث، فيقال: مررت برجل كريمين أبواه، وجاءني رجل حسنون غلمانه، الرابع ما ذكره من مطابقة النعت للمنعوت مشروط بأن لا يمنع منها مانع كما في صبور وجريح وأفعل من ا. هـ "وانعت بمشتق" والمراد به ما دل على حدث وصاحبه, وذلك اسم الفاعل كضارب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هو أي: النعت أي: معناه ثابت لشيء من سببيه أي: هو سببيه أو بعض أفراد سببيه. قوله: "كان" أي: النعت بحسبه أي: السببي وقوله في التذكير والتأنيث أي: وأما في الإفراد وضديه فسيأتي في التنبيه الأول والثالث. وقوله كما هو في الفعل أي: كحال هو أي: الحال في الفعل إذا وقع نعتًا مثلًا. قوله: "يجوز في الوصف إلخ" أي: على اللغة الفصحى فظهر وجه اقتصاره على الإفراد والتكثير؛ وذلك لأن التصحيح إنما يجوز على لغة أكلوني البراغيث. وسيصرح بهذا في التنبيه الثالث, ولم يتنبه البعض لهذا التحقيق فقال ما قال. واختلف في الأفصح من الإفراد والتكسير فالتكسير أفصح عند سيبويه, والمبرد قال في المغني: وهو الأصح وعكس الشلوبين وطائفة. وفصل آخرون فقالوا: إن كان النعت تابعًا لجمع فالتكسير أفصح وإن كان لمفرد أو مثنى فالإفراد أفصح, كذا في التصريح قال الدماميني: وإنما لم يضعف نحو: مررت برجل كرام آباؤه مع ضعف كريمين آباؤه؛ لأن اسم
الفاعل المشابه للفعل إذا كسر خرج عن موازنة الفعل ومناسبته؛ لأن الفعل لا يكسر بخلافه إذا صحح ا. هـ. ووجه أفصحية التكسير إذا تبع جمعًا المشاكلة. قوله: "المجموع" فإن كان السببي مثنى تعين الإفراد على اللغة الفصحى.
فائدة: يجوز مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين, وإن لزم استتار الضمير في قاعدين مع جريان الصفة على غير من هي له؛ لأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل, ويمتنع قائمين لا قاعد أبواه على إعمال الثاني للزوم وما ذكر في الأوائل أفاده في المغني. قوله: "قد يعامل إلخ" فيه إشارة إلى أنه قليل والكثير المطابقة كما مر. قوله: "إذا كان معناه" أي: الوصف له أي: السببي. قوله: "أفهم قوله كالفعل إلخ" وأفهم أيضًا جواز نحو: برجل قائم اليوم أمه للفصل ونحو: بامرأة حسن نغمتها, لمجازية التأنيث وبه صرح بعضهم سم. قوله: "بأن لا يمنع منها مانع" ككون الوصف يستوي فيه المذكر والمفرد وأضدادهما وكونه أفعل تفضيل مجردًا أو مضافًا لمنكور. قوله: "وانعت بمشتق إلخ" المتبادر منه أنه يشترط في النعت كونه مشتقا أو مؤوّلًا به وهو رأي(3/90)
ونَعَتُوا بجمْلَةٍ مُنْكّرًا ... فَأُعْطِيَتْ ما أُعْطِيَتْهُ خَبرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقائم واسم المفعول كمضروب ومهان والصفة المشبهة. "كصعب وذرب" وأفعل التفضيل كأقوى وأكرم، ولا يرد اسم الزمان والمكان والآلة؛ لأنها ليست مشتقة بالمعنى المذكور وهو اصطلاح "وشبهه" أي: شبه المشتق والمراد به ما أقيم مقام المشتق في المعنى من الجوامد "كذا" وفروعه من أسماء الإشارة عبر المكانية "وذي" بمعنى صاحب والموصولة وفروعهما "والمنتسب" تقول: مررت بزيد هذا، وذي المال، وذو قام، والقريشي، فمعناها الحاضر وصاحب المال، والقائم، والمنسوب إلى قريش "ونعتوا بجملة" بثلاثة شروط: شرط في المنعوت وهو أن يكون "منكرًا" إما لفظًا ومعنى نحو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأكثرين وذهب جمع محققون كابن الحاجب إلى عدم الاشتراط وأن الضابط دلالته على معنى في متبوعه كالرجل الدال على الرجولية قاله الدماميني. قوله: "وذلك اسم الفاعل" أراد به ما يشمل أمثلة المبالغة. قوله: "ومهان" كان عليه أن يأتي بالمزيد في اسم الفاعل كما أتى به في اسم المفعول, وأن يأتي باللازم في اسم المفعول كما أتى به في اسم الفاعل, ويمكن أن يجعل في كلامه احتباك.
قوله: "وذرب" بالذال المعجمة الحاد من كل شيء وبالمهملة المعتاد للأشياء الخبير بها. قوله: "ليست مشتقة بالمعنى المذكور" لأنها لا تدل على صاحب الحدث أي: فاعله أو مفعوله بل هي مشتقة بالمعنى الأعم, وهو ما أخذ من المصدر للدلالة على شيء منسوب للمصدر, فمفتاح مثلًا مأخوذ من الفتح للدلالة على آلة منسوبة للفتح, ومرمى مأخوذ من الرمي للدلالة على مكان أو زمان منسوب للرمي. قوله: "وهو" أي: المشتق بالمعنى المذكور اصطلاح أي: لهم في مثل هذا المقام ولا يرد كونها مشتقة باصطلاح آخر. قوله: "في المعنى" أي: من جهة دلالته على معناه. قوله: "غير المكانية" أما هي كمررت برجل هنا أو هناك أو ثم أو ثم فمتعلقة بمحذوف صفة لرجل فهي ظروف لا صفات بل الصفات متعلقاتها. قوله: "والموصولة" إنما يكون قول الناظم وذي شاملًا للموصولة على لغة إعرابها, أما على لغة البناء فلا؛ لأنها بالواو لزومًا على هذه اللغة لا بالياء. ومثلها في الوصف بها سائر الموصولات المبدوءة بهمزة الوصل بخلاف نحو: من وما. قوله: "وذي المال" هل يجوز أن يقال برجل ذي مال أبوه على أن ذي رافع للأب نقل ابن جني عن الأكثرين المنع وعللوه بثلاثة أوجه ذكرها شيخنا فراجعه. قوله: "وذو قام" كذا في نسخ بالواو على لغة بناء ذو الموصولة, لكنه لا يناسب ما جرى عليه الشارح من شمول ذي في كلام المصنف للموصولة؛ لأن شموله للموصولة إنما يجيء على لغة الإعراب؛ لأنها في كلامه بالياء وفي نسخ وذي قام بالياء وهي المناسبة للشمول المذكور.
قوله: "شرط في المنعوت إلخ" فيه شرط آخر وهو أن يكون مذكورًا إن لم يكن بعض اسم متقدم مجرور بمن أو في كما سيأتي ا. هـ تصريح. وأما أنا ابن جلا فضرورة. قوله: "أن يكون منكرًا" أي: لتأوّل الجملة بالنكرة فنحو: جاء رجل قام أبوه أو أبوه قائم من كل وصف بجملة(3/91)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] ، أو معنى لا لفظًا وهو المعرف بأل الجنسية كقوله:
811- وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي
وشرطان في الجملة: أحدهما أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالموصوف إما ملفوظ كما تقدم أو مقدر كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] ، أي: لا تجزي فيه أو بدل منه كقوله:
812- كَأَنَّ حَفِيفَ النَّبْلِ من فَوْق عَجْسِهَا ... عوَازِبُ نَخْل أَخْطأَ الغارَ مُطْنِفُ
أي: أخطأ غارها، فأل بدل من الضمير وإلى هذا الشرط الإشارة بقوله: "فأعطيت ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المجهول فيها اتصاف المسند إليه بالمسند في تأويل جاء رجل قائم أبوه ونحو: جاء رجل أبوه القائم أو أبوه زيد من كل وصف بجملة المجهول فيها اتحاد ذاتيهما في تأويل جاء رجل كائن ذات أبيه ذات القائم أو ذات زيد, كذا في الدماميني عن ابن الحاجب والرضي لا لكون الجمل نكرات وإن جرى على ألسنتهم, ووجهه بعضهم بما ردّه الرضي ثم قال: والحق أن الجملة ليست معرفة ولا نكرة؛ لأن التعريف والتنكير من عوارض مدلول الاسم والجملة من حيث هي جملة ليست اسمًا, وإنما جاز نعت النكرة بها دون المعرفة لتأولها بالنكرة كما مر.
قوله: "على ضمير يربطها بالموصوف" اقتصر على الضمير؛ لأن الرابط هنا لا يكون إلا للضمير بخلاف الخبر والفرق أن المنعوت لا يستلزم النعت صناعة, فضعف طلبه له فاحتيج لدليل قوي يدل على ارتباط الجملة به, وأنها نعت له بخلاف المبتدأ فإنه يستلزم الخبر, فقوي طلبه له فاكتفى بأي دليل يدل على ارتباط الجملة به, وأنها خبر عنه أفاده سم. ورأيت بخط بعض الفضلاء أن الصحيح عدم تقييد الربط هنا أيضًا بالضمير. قوله: "أي: لا تجزي فيه" وهل حذف الجار والمجرور معًا أو الجار وحده فانتصب الضمير واتصل بالفعل, ثم حذف منصوبًا قولان: الأول عن سيبويه. والثاني عن الأخفش.
تصريح. قوله: "أو بدل منه" معطوف على ضمير. قوله: "كأن حفيف النبل" بالحاء المهملة أي: دويّ ذهاب السهام ومن فوق حال من النبل, وضمير عجسها للقوس. والعجس بتثليث العين المهملة فجيم فسين مهملة مقبض القوس. والعوازب بعين مهملة وبعد الألف زاي جمع عازبة من عزبت الإبل إذا بعدت في المرعى. ومطنف بضم الميم وكسر النون فاعل أخطأ, والمطنف الذي يعلو الطنف كجبل وهو رأس الجبل وأعلاه, وكأن المعنى أخطأ غارها منطفها أي: العالي منها رأس الجبل الذي هو أي: ذلك المنطف كدليلها الذي تتبعه في السير وقيد بقوله أخطأ إلخ؛ لأن النحل إذا تاه عن محله عظم دويه.
__________
811- راجع التخريج رقم 810.
812- البيت من الطويل، وهو للشنقري في ديوانه ص54؛ والأغاني 21/ 213؛ ولسان العرب 9/ 224 "طنف"؛ والمقاصد النحوية 4/ 85.(3/92)
وامْنَعْ هنا إيقاعَ ذاتِ الطَّلَبِ ... وإنْ أَتَتْ فالقَولَ أَضْمِرْ تُصِبِ
ونَعَتُوا بمصْدَرٍ كثيرًا ... فالتزموا الإفرادَ والتَّذكيرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أعطيته خبرا" والثاني أن تكون خبرية أي: محتملة للصدق والكذب وإليه الإشارة بقوله: "وامنع هنا إيقاع ذات الطلب" فلا يجوز مررت برجل أضربه أو لا تهنه، ولا بعبد بعتكه قاصدًا إنشاء البيع "وإن أتت" الجملة الطلبية في كلامهم "فالقول أضمر تصب" كقوله:
813- جَاءُوا بِمَذْقٍ هل رأيت الذِّئبَ قَطْ
أي: جاءوا بلبن مخلوط بالماء مقول فيه عند رؤيته هذا الكلام.
تنبيهان: الأول ذكر في البديع أن الوصف بالجملة الفعلية أقوى منه بالجملة الاسمية. الثاني فهم من قوله:
أعطيت ما أعطيته خبرًا أنها لا تقترن بالواو بخلاف الحالية فلذلك لم يقل ما أعطيته حالًا "ونعتوا بمصدر كثيرًا" وكان حقه أن لا ينعت به لجموده، ولكنهم فعلوا ذلك قصدًا للمبالغة أو توسعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فأعطيت ما أعطيته خبرًا" أي: من أصل الربط وإن كان في النعت بالضمير فقط, وفي الخبر به وبغيره على ما تقدم. قوله: "أن تكون خبرية" أي:
لأن النعت يوضح المنعوت أو يخصصه, والجملة لا تصلح لذلك إلا إذا كان مضمونها معلومًا للسامع قبل. ومضمون الجملة الإنشائية غير معلوم قبل. قوله: "وامنع هنا" أي: لا في الخبر على المختار, وكالنعت الحال ففي المفهوم تفصيل. قوله: "جاءوا بمذق إلخ" قبله:
حتى إذا جنّ الظلام واختلط
وصف به قومًا ما أضافوه وأطالوا عليه, ثم أتوه بلبن مخلوط بالماء حتى صار لونه في العشية يشبه لون الذئب في قلة البياض. والمذق بفتح الميم وسكون الذال المعجمة مصدر مذقت اللبن إذا خلطته بالماء، والمراد به هنا الممذوق. قوله: "أن الوصف بالجملة الفعلية أقوى" أي: لاشتمالها على الفعل المناسب للوصف في الاشتقاق, وأما الاسمية فقد تخلو عن المشتق بالكلية نحو: جاء رجل أبوه زيد، هكذا ينبغي تقرير التوجيه, ونقل شيخنا عن الدماميني أن الماضي أكثر من المضارع. قوله: "لا تقترن بالواو" خلافًا للزمخشري كما في الدماميني. قوله:
__________
813- قبله:
حتى إذا جنّ الظلام واختلط
والرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 304؛ وخزانة الأدب 2/ 109؛ والدرر 6/ 10؛ وشرح التصريح 2/ 112؛ والمقاصد النحوية 4/ 61؛ وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 115؛ وأوضح المسالك 3/ 310؛ وخزانة الأدب 3/ 30، 5/ 24، 468، 6/ 138؛ وشرح ابن عقيل ص477؛ وشرح عمدة الحافظ ص541؛ وشرح المفصل 3/ 52، 53؛ ولسان العرب 4/ 248 "خضر"؛ 10/ 340 "مذق"؛ والمحتسب 2/ 165؛ ومغني اللبيب 1/ 246، 2/ 585؛ وهمع الهوامع 2/ 117.(3/93)
وَنَعْتُ غَيْرِ واحِدٍ إذا اخْتَلَفْ ... فعاطِفًا فَرِّقْه لا إذا انْتَلَفْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بحذف مضاف "فالتزموا الإفراد والتذكيرا" تنبيهًا على ذلك. فقالوا: رجل عدل ورضا وزور، وامرأة عدل ورضا وزور، ورجلان عدل ورضا وزور، وكذا في الجمع أي: هو نفس العدل أو ذو عدل، وهو عند الكوفيين على التأويل بالمشتق أي: عادل ومرضي وزائر.
تنبيهان: الأول وقوع المصدر نعتًا وإن كان كثيرًا لا يطرد كما لا يطرد، وقوعه حالًا وإن كان أكثر من وقوعه نعتًا. الثاني أطلق المصدر وهو مقيد بأن لا يكون في أوله ميم زائدة كمزاد ومسير فإنه لا ينعت به لا باطراد ولا بغيره "ونعت غير واحد إذا اختلف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"تنبيهًا على ذلك" أي: ما ذكر من قصد المبالغة والتوسع؛ ولأن المصدر من حيث هو مصدر لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث وإنما كان منبهًا على قصد المبالغة؛ لأن معنى قصد المبالغة جعل الموصوف نفس المعنى مجازًا لكثرة وقوعه منه, والمعنى شيء واحد مذكر على حذف المضاف؛ لأن المصدر يكون كذلك أي: مفردًا مذكرًا لو صرح بالمضاف نحو: هند ذات عدل والزيدان ذوا عدل وهكذا. قوله: "وهو عند الكوفيين إلخ" قد خالف كل من الفريقين مذهبه في باب الحال في أتيته ركضًا, فقال البصريون: إن ركضًا بمعنى راكضًا والكوفيون أنه على تقدير مضاف. وقد يقال إن كلا ذكر في كل من الموضعين ما هو بعض الجائز عنده. قوله: "على التأويل بالمشتق" أي: الذي بمعنى الفاعل كثيرًا كما في عدل وزور، وبمعنى المفعول قليلًا كما في رضا قاله الدماميني.
فائدة: قيل من النعت بالمصدر على التأويل باسم المفعول أو تقدير المضاف قولهم مررت برجل ما شئت من رجل؛ لأن ما مصدرية، ومثله قوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] ، وارتضى في المغني أن ما شرطية حذف جوابها أي: فهو كذلك ومجموع الجملتين نعت, وأن ما في الآية إما زائدة فالنعت جملة شاء وحدها بتقدير الرابط أي: شاءها وفي متعلقة بركبك أو باستقرار محذوف حال من مفعوله أو بعدلك أي: وضعك في صورة أي صورة شاء, وإما شرطية, فالنعت مجموع الجملتين والرابط محذوف أي: ما شاء تركيبك ركبك عليها, وفي متعلقة بعدلك لا بركبك؛ لأن الجواب لا يعمل فيما قبل أداة الشرط. قوله: "لا يطرد" أي: بل يقتصر على ما سمع منه, ولما لم يستفد من هذا التنبيه أن المسموع منه غير ميمي أتى بالتنبيه الثاني لإفادة ذلك. ولي في المقام بحث وهو أنهم كيف حكموا بعدم الاطراد مع أن وقوع المصدر نعتًا أو حالًا إما على المبالغة أو على المجاز بالحذف إن قدر المضاف أو على المجاز المرسل الذي علاقته التعلق إن أول المصدر باسم الفاعل أو اسم المفعول، وكل من الثلاثة مطرد كما صرح به علماء المعاني. اللهم إلا أن يدعي اختلاف مذهبي النحاة وأهل المعاني، أو أن المطرد عند أهل المعاني وقوع المصدر على أحد الأوجه الثلاثة إذا كان غير نعت أو حال كأن يكون خبرًا نحو: زيد عدل فتدبر.
قوله: "ونعت غير واحد" بالرفع مبتدأ ولا يجوز نصبه؛ لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها(3/94)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فعاطفًا فرقه لا إذا ائتلف" مثال المختلف: مررت برجلين كريم وبخيل، ومثال المؤتلف: مررت برجلين كريمين أو بخيلين. ويستثنى من الأول اسم الإشارة فلا يجوز تفريق نعته، فلا يقال مررت بهذين الطويل والقصير نص على ذلك سيبويه وغيره كالزيادي والزجاج والمبرد. قال الزيادي وقد يجوز ذلك على البدل أو عطف البيان.
تنبيهات: الأول قيل يندرج في غير الواحد ما هو مفرد لفظًا مجموع معنى كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فلا يفسر عاملًا. والمراد بغير الواحد ما دل على متعدد مثنى أو جمعًا أو اسم جمع أو اسم جنس أو اسمين متعاطفين أو أسماء متعاطفة كذا فسر الدماميني وأورد عليه أن نحو: زيد وعمرو إذا اختلف نعته لا يجب فيه التفريق بالعطف, بل يجوز فيه ذكر كل نعت بجانب منعوته نحو: جاء زيد العاقل وعمرو الكريم. وما أجيب به من أن المراد بالتفريق ما يشمل إيلاء كل نعت منعوته يرده قوله فعاطفًا إلا أن يقال عاطفًا في الجملة وأيضًا على ما فسر به الدماميني يرد على قوله لا إذا ائتلف نحو: أعطيت زيدًا أباه مما اتفق فيه المنعوتان إعرابًا لا بسبب العطف فإنه يمتنع جمعهما في وصف واحد, بل يفرد كل بوصف أو يجمعان في نعت مقطوع؛ لأن التابع في حكم المتبوع ولا يكون اسم واحد مفعولًا أولًا، وثانيًا نص على ذلك الرضي فقول المصنف: لا إذا ائتلف أي: فلا يفرق بل يجمع محله ما لم يمنع مانع أفاده سم. وفي هذا الإيراد نظر؛ لأن المنعوت في هذه الصورة ليس من غير الواحد بتفسير الدماميني لعدم العطف فاعرفه ولو أريد بغير الواحد المثنى والمجموع لم يرد شيء من ذلك فتأمل.
قوله: "إذا اختلف" أي: لفظًا ومعنى كالعاقل والكريم أو معنى لا لفظًا كالضارب من الضرب بالعصا مثلًا, والضارب من الضرب في الأرض أي: السير فيها أو لفظًا لا معنى كالذاهب والمنطلق. قوله: "فعاطفًا فرقه" أي: ففرق النعت حال كونك عاطفًا بالواو فقط, إجماعًا إذ لو قيل مررت برجلين صالح فطالح أو ثم طالح لم يستفد الترتيب في المرور, بل في حصول الوصفين للرجلين والترتيب في هذا غير مراد أفاده الدماميني. وأما قول ابن الحاجب الإدغام: أن تأتي بحرفين ساكن فمتحرك, فمردود بخلاف ما إذا كان المنعوت واحدًا فإنه يجوز العطف بغير الواو، حكى سيبويه مررت برجل راكب فذاهب وبرجل راكب ثم ذاهب قاله زكريا أي: لأن قصد الترتيب في حصول الوصفين للرجل سائغ. قوله: "كريمين" أي: بالتثنية ولا يجوز كريم وكريم بالتفريق، نعم يجوز مررت بإنسانين صالح وصالحة إذ لم يتفقا إلا بالتغليب فالنعت مختلف في الحقيقة فجاز تفريقه نظرًا لذلك وجمعه نظرًا للاتحاد في التغليب. قوله: "ويستثنى من الأول" اعترض بأنه لا استثناء؛ لأن نعت اسم الإشارة لا يكون مختلفًا أصلًا فهو خارج بقوله إذا اختلف. قوله: "فلا يجوز تفريق نعته" أي: لوجوب مطابقته له لفظًا, قال الدماميني: اختص نعت اسم الإشارة بأمور: منها هذا. ومنها وجوب كونه ذا أل. ومنها امتناع فصله من موصوفه فلا يجوز مررت بهذا في الدار الفاضل وإن جاز مررت بالرجل في الدار الكريم. ومنها امتناع قطعه، وأما كونه جنسًا لا وصفًا فغالب لا لازم.
قوله: "فلا يقال مررت بهذين الطويل والقصير" أي: على النعتية بقرينة ما يأتي. قوله: "قيل(3/95)
وَنَعْتَ مَعْمولَيْ وَحِيدَيْ مَعْنى ... وعَمَل أَتْبِع بغَيْر استثنا
__________
814- فَوَافَيناهُمُ مِنّا بجَمْعٍ ... كأُسْدِ الغابِ مُرْدانٍ وشِيبِ
وفيه نظر. الثاني قال في الارتشاف: والاختيار في مررت برجلين كريم وبخيل القطع. الثالث قال في التسهيل: يغلب التذكير والعقل عند الشمول وجوبًا وعند التفصيل اختيارًا "ونعت معمولي" عاملين "وحيدي معنى وعمل أتبع بغير استثنا" أي: أتبع مطلقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يندرج إلخ" أي: لأن المراد بغير الواحد كما مر ما دل على متعدد والنظر الذي ذكره الشارح مبني على أن المراد به المثنى والمجموع فقط, وقد مر خلافه عن الدماميني وعليه فالنظر غير وارد. قوله: "والاختيار في مررت برجلين كريم وبخيل القطع" قال شيخنا: انظره مع ما سيأتي من وجوب اتباع النكرة بنعت ا. هـ. ولا وجه للتوقف؛ لأن ما يأتي فيما إذا اتحد المنعوت وتعدد نعته. قوله: "عند الشمول" أي: جمع النعوت في لفظ واحد نحو: مررت برجل وامرأة صالحين وبرجل وامرأتين صالحين وبرجل وأفراس سابقين, ويمتنع صالحتين وصالحات وسابقات والتغليب بالعقل خاص بجمع المذكر.
قوله: "وعند التفصيل اختيارًا" مراده بالتفصيل التفريق. قال الدماميني: تقول على التغليب: مررت بعبيد وأفراس سابقين وسابقين وعلى عدمه سابقين وسابقات ا. هـ. أي: أو سابقات وسابقين والظاهر أن مثله في جواز التغليب وعدمه ما إذا أوليت كل منعوت بنعته. قوله: "وحيدي معنى وعمل" أي:
متحدين فيهما سواء اتحدا لفظًا أم لا فالأول نحو: جاء زيد وجاء عمرو العاقلان وكثاني أمثلة الشارح، والثاني كبقية أمثلته فعلم ما في كلام البعض من المؤاخذة، واشترط بعضهم ثالثًا وهو اتفاق المنعوتين تعريفًا وتنكيرًا فلا يجوز: جاء رجل وجاء زيد العاقلان ولا عاقلان لما يلزم من نعت النكرة بالمعرفة أو العكس. ورابعًا وهو أن لا يكون أحد المنعوتين اسم إشارة فلا يجوز: جاء هذا وجاء زيد العاقلان لعدم جواز الفصل بين المبهم ونعته، فإن أخر اسم الإشارة كجاء زيد وجاء هذا العاقلان جاز عند المصنف, وزاد الشاطبي شرطًا خامسًا وهو: أن لا يكون أحد المنعوتين في جملة خبرية والآخر في جملة إنشائية فلا يجوز نحو: جاء زيد ومن عمرو العاقلان. وفيه أن العاملين في المثال مختلفان معنى فاتحادهما معنى يغني عن الشرط الخامس في منع نحو: هذا المثال. وقول البعض: إلا أن يقال في المثال مانعان لا ينهض وجهًا لزيادة الشرط الخامس، ثم منع الشاطبي الاتباع في هذا المثال يوهم جواز القطع بل وجوبه. وفي الرضي منعه أيضًا وعلله بأنه لا يجوز أن تخلط من تعلم بمن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة، فالذي ينبغي أن يمثل بنحو: بعت زيدًا الجبة وبعتك الثوب الجديدين مقصودًا بإحدى الجملتين الإخبار وبالأخرى الإنشاء، ونحو: قام زيد وهل قام عمرو العاقلان.
قوله: "أي: أتبع مطلقًا" أي: سواء كان المتبوعان مرفوعي فعلين أو خبري مبتدأين أو
__________
814- البيت من الوافر، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص135؛ والمقاصد النحوية 4/ 77؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص544.(3/96)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نحو: جاء زيد وأتى عمرو العاقلان، وهذا زيد وذاك خالد الكريمان، ورأيت زيدًا وأبصرت عمرًا الظريفين، وخصص بعضهم جواز الاتباع بكون المتبوعين فاعلي فعلين أو خبري مبتدأين، فإن اختلف العاملان في المعنى والعمل أو في أحدهما وجب القطع بالرفع على إضمار مبتدأ، أو بالنصب على إضمار فعل نحو: جاء زيد ورأيت عمرًا الفاضلان أو الفاضلين، ونحو: جاء زيد ومضى بكر الكريمان أو الكريمين، ونحو: هذا مؤلم زيد وموجع عمرا الظريفان أو الظريفين، ولا يجوز الاتباع في ذلك؛ لأن العمل الواحد لا يمكن نسبته لعاملين من شأن كل واحد منهما أن يستقل.
تنبيهان: الأول إذا كان عامل المعمولين واحدًا ففيه ثلاث صور: الأولى أن يتحد العمل والنسبة نحو: قام زيد وعمرو العاقلان. وهذه يجوز فيها الاتباع والقطع في أماكنه من غير إشكال. الثانية أن يختلف العمل وتختلف نسبة العامل إلى المعمولين من جهة المعنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منصوبين وقد مثل الشارح لذلك, أو مخفوضين كسقت النفع إلى خالد وسيق لزيد الكاتبين وكمررت بزيد وبعمرو الكاتبين. قال في الهمع: قال أبو حيان: ومقتضى مذهب سيبويه أنه لا يجوز الاتباع لما انجر من جهتين كالحرف والإضافة نحو: مررت بزيد وهذا غلام بكر الفاضلين، والحرفين المختلفين لفظًا ومعنى نحو: مررت بزيد ودخلت إلى عمرو الظريفين، أو معنى فقط نحو: مررت بزيد واستعنت بعمرو الفاضلين، والإضافتين المختلفتين معنى نحو: هذه دار زيد وهذا أخو عمرو الفاضلين. قوله: "ورأيت زيدًا" أي: أبصرته ليتحد مع ما بعده معنى. قوله: "وخصص بعضهم إلخ" هذا هو الذي أشار الناظم إلى رده بقوله بغير استثنا. قوله: "وجب القطع" قال سم: فيه تأمل فإنه يجوز إفراد كل بوصفه بجنبه ا. هـ. وقد يقال مراده بوجوب القطع امتناع الاتباع حالة جمع النعتين لا مطلقًا. قوله: "على إضمار فعل" أي: كأمدح وأذم وأعني وأذكر. قال الدماميني: قال المصنف في شرح عمدته: إذا كان المنعوت متعينًا لم يقدر أعني بل أذكر ا. هـ. وللبحث فيه مجال فتأمل.
قوله: "أن يستقل" أي: ينفرد عن الآخر بالمعنى أو العمل لاختلافهما معنى أو عملًا بخلاف المتحدين معنى وعملًا فإنهما لاتحادهما ينزلان منزلة العامل الواحد فلا يلزم عمل عاملين في معمول واحد. قوله: "والنسبة" أي: نسبة العامل إليهما بأن تكون على جهة الفاعلية أو المفعولية مثلًا. قوله: "يجوز فيها الاتباع والقطع" ويجوز أيضًا إفراد كل بوصفه كجاء زيد الظريف وعمرو الظريف كما قاله الرضي. قال الإسقاطي: وهل يجوز تفريق النعتين مع تأخيرهما في الشاطبي ما يفيد المنع ا. هـ. ومقتضى القياس على ما يأتي عن الرضي في الصورة الثانية الآتية في كلام الشارح الجواز إلا أن يفرق بين هذه والصورة الثانية بأن في الصورة الثانية ما يرد كل نعت إلى منعوته إذا أخر النعت فيها وفرق, وهو اختلاف إعراب النعت بخلاف هذه الصورة لعدم ذلك فيها. وقد يقال لا ضرر فيه إذ لا يترتب عليه اختلاف المعنى فتأمل. قوله: "في أماكنه" أي: القطع(3/97)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نحو: ضرب زيد عمرا الكريمان، ويجب في هذه القطع قطعًا. الثالثة أن يختلف العمل وتتحد النسبة من جهة المعنى نحو: خاصم زيد عمرا الكريمان، فالقطع في هذه واجب عند البصريين, وأجاز الفراء وابن سعدان الاتباع، والنص عن الفراء أنه إذا أتبع غلب المرفوع, فتقول خاصم زيد عمرًا الكريمان. ونص ابن سعدان على جواز اتباع أي شيء؛ لأن كلًا منهما مخاصم ومخاصم، والصحيح مذهب البصريين؛ قيل بدليل أنه لا يجوز ضارب زيد هندًا العاقلة برفع العاقلة نعتًا لهند، لكن ذكر الناظم في باب أبنية الفعل من شرح التسهيل أن الاسمين من نحو: ضارب زيد عمرا, ليس أحدهما أولى من الآخر بالرفع ولا بالنصب. قال: ولو أتبع منصوبهما بمرفوع أو مرفوعهما بمنصوب لجاز، ومنه قول الراجز:
815- قَدْ ساَلَمَ الحَيَّاتُ منه القَدَمَا ... الأُفْعوانَ والشجَاعَ الشَّجْعَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهي المواضع التي يتعين فيها المنعوت بدون النعت. قوله: "ويجب في هذه القطع قطعًا" المراد بوجوب القطع امتناع الاتباع مع جمع النعتين وإلا فيجوز إفراد كل بنعت, كما في الرضي وفيه أيضًا أنه يجوز تأخير النعتين مع إفرادهما فتقول: ضرب زيد عمرًا الظريف الظريف لكن على أن الأول للثاني والثاني للأول؛ لأن اللازم عليه فصل أحدهما من منعوته وهو خير من فصلهما معًا كما سبق مثل ذلك في الحال ا. هـ. ولا يخفى أن غاية ما يفيده هذا التعليل الأولوية دون الوجوب. فإن كان مراده الأولوية فذاك وإلا منعناه مع أن قد يقال فصل أحدهما بمنزلة فصلهما؛ لأن فصل أحدهما بكلمتين وفصل كل منهما بكلمة فتأمل.
قوله: "قيل بدليل أنه لا يجوز إلخ" وجه التمريض أن هذا الدليل لا يبطل مذهب الخصم لجواز أن يقال المجوز لملاحظة المعنى في الاتباع التغليب, ولا تغليب هنا, وأيضًا عدم جواز ضارب إلخ غير مجمع عليه فلا يبطل هذا الدليل مذهب الخصم. وقد أشار الشارح إلى هذا بالاستدراك على الدليل بقوله لكن إلخ. قوله: "قد سالم" من المسالمة وهي المصالحة. والأفعوان بضم الهمزة والعين المهملة ذكر الحيات والأنثى أفعى. والشجاع الحية وكذا الشجعم وميمه زائدة. والشاهد في الأفعوان فإنه تابع للحيات لكن نصب نظرًا إلى كونه مفعولًا معنى.
__________
815- الرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 333؛ وجمهرة اللغة ص1139؛ وله أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي أو للدبيري، أو لعبد بني عبس في خزانة الأدب 11/ 411، 415، 416؛ والمقاصد النحوية 4/ 81؛ وللعجاج أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي أو للتدمري أو لعبد بني الحسحاس في الدرر 3/ 6؛ وللعجاج أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي أو للتدمري أو لعبد بني عبس في شرح شواهد المغني 2/ 973؛ ولمساور العبسي في لسان العرب 12/ 366 "ضمز"؛ ولعبد بني عبس في الكتاب 1/ 287؛ وللدبيري في شرح أبيات سيبويه 1/ 201؛ ولأبي حناء في خزانة الأدب 10/ 240؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 122؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 431، 2/ 483؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 252؛ ولسان العرب 8/ 175 "شجع"، 12/ 319 "شجعم"؛ ومغني اللبيب 2/ 699؛ والمقتضب 2/ 283؛ والممتع في التصريف 1/ 241؛ والمنصف 3/ 69.(3/98)
وإنْ نُعُوت كَثُرتْ وقَد تَلَتْ ... مُفْتقرًا لِذِكْرهنّ أُتْبِعتْ
واقْطَع أو أََتْبِع إنْ يكن مُعَيَّنا ... بدونها أو بعضِها اقْطَع مُعْلِنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فنصب الأفعوان وهو بدل من الحيات وهو مرفوع لفظًا؛ لأن كل شيئين تسالما فهما فاعلان مفعولان. وهذا التوجيه أسهل من أن يكون التقدير قد سالم الحيات منه القدم، وسالمت القدم الأفعوان. الثاني قوله: أتبع يوهم وجوب الاتباع وليس كذلك؛ لأن القطع في ذلك منصوص على جوازه "وإن نعوت كثرت وقد تلت" أي: تبعت منعوتًا "مفتقرًا لذكرهن" بأن كان لا يعرف إلا بذكر جميعها "أتبعت" كلها لتنزيلها منه حينئذ منزلة الشيء الواحد، وذلك كقولك: مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب إذا كان هذا الموصوف يشاركه في اسمه ثلاثة أحدهم تاجر كاتب والآخر تاجر فقيه والآخر فقيه كاتب "واقطع" الجميع "أو أتبع" الجميع أو اقطع البعض وأتبع البعض "إن يكن" المنعوت "معينًا بدونها" كلها كما في قول خرنق:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "أسهل" أي: لسلامته من كثرة الحذف. قوله: "وسالمت القدم إلخ" أي: فيكون الأفعوان مفعول فعل حذف للعلم به من التعبير بالمسالمة التي هي مفاعلة من الجانبين. قوله: "يوهم وجوب الاتباع" قال سم, وأقره شيخنا والبعض قد يقال لا عبرة بهذا الإيهام مع ذكر مسائل القطع فيما سيأتي ا. هـ. وفيه أن المصنف إنما ذكر القطع مع تعدد النعوت، وكلامه الآن غير مفروض في التعدد فلا يندفع الإيهام هنا بكلامه الآتي.
قوله: "وإن نعوت كثرت" مراده بالكثرة ما قابل الوحدة فيشمل النعتين وإطلاقه شامل للجمل, لكن سيأتي أن الواجب في المنعوت النكرة اتباع نعت واحد. قوله: "مفتقرًا لذكرهن" قال سم: هل يشكل ما أفاده هذا من أن النعت قد يفتقر إليه, وقد يستغنى عنه على ما أفاده التعريف من أنه أبدًا متمم للمنعوت, وذلك يتضمن الافتقار إليه أبدًا؛ لأن ما يتم بغيره يفتقر إليه فليتأمل ا. هـ ويظهر أنه لا إشكال؛ لأن المراد بإتمامه المنعوت أن شأنه والمقصود الأصلي منه الإتمام فلا يضر عروض عدم ذلك فتأمل. قوله: "أتبعت كلها" أي: وجوبًا وأورد عليه أن القطع لا يزيد على ترك النعت بالكلية وهو جائز. وأجيب بأن قطعه بعد الذكر يفوت الغرض من ذكره فبينهما تناف بخلاف الترك. وقد يقال الغرض من الذكر كالتوضيح والتخصيص حاصل عند القطع؛ لأن تلك النعوت المقطوعة في المعنى متعلقة بالمنعوت والتركيب يفهم ذلك فالأولى في الجواب أن يقال لما كان القطع مشعرًا بالاستغناء منعوه عند الحاجة لما فيه من التنافي إذ الغرض الاحتياج وهو يدل على عدم الاحتياج. قوله: "واقطع الجميع إلخ" لم يتعرض للقطع عند عدم تعدد النعت والصحيح جوازه خلافًا للزجاج المشترط في جواز القطع تعدد النعت. واعلم أن النعت إذا قطع خرج عن كونه نعتًا كما ذكره ابن هشام. قوله: "أو اقطع البعض وأتبع البعض" قد يشملها كلام المصنف بأن يراد واقطع الجميع أو البعض؛ لأن حذف المعمول يؤذن بالعموم قاله(3/99)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
816- لا يَبْعدَنْ قَومِي الذين هم ... سمُّ العُداةِ وآفَةُ الجُزُر
النازلون بكل معتَرَك ... والطيبون معاقدُ الأُزُر
فيجوز رفع النازلين والطيبين على الاتباع لقومي، أو على القطع بإضمارهم، ونصبهما بإضمار أمدح أو أذكر، ورفع الأول ونصب الثاني على ما ذكرنا، وعكسه على القطع فيهما "أو بعضها اقطع معلنا" أي: إذا كان المنعوت مفتقرًا إلى بعض النعوت دون بعض وجب اتباع المفتقر إليه, وجاز فيما سواه القطع والاتباع. هكذا في شرح الكافية.
تنبيهات: الأول إذا قطع بعض النعوت دون بعض قدم المتبع على المقطوع ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سم. قوله: "لا يبعدن قومي إلخ" دعاء لقومها خرج مخرج النهي. ويبعد مضارع بعد من باب فرح أي: لا يهلكن والعداة بضم العين جمع عاد. والأزر بضمتين جمع إزار, ومعاقدها مواضع عقدها. وكنى بالطيبين معاقد الأزر عن طهارتهم عن الفاحشة.
قوله: "فيجوز رفع النازلين إلخ" سكت عن النعت الأول وهو الموصول لخفاء إعرابه فيتبع أن أتبعت الجميع, وكذا إن أتبعت البعض وقطعت البعض بناء على الصحيح من أن القطع في البعض والاتباع في البعض مشروط بتقدم المتبع كما سيذكره الشارح, ويقطع إن قطعت الجميع. قوله: "على ما ذكرنا" راجع لرفع الأول ونصب الثاني أي: على الاتباع أو القطع بإضمارهم في الرفع وعلى القطع بإضمار أمدح أو أذكر في النصب. قوله: "على القطع فيهما" أي: في الرفع والنصب, ولم يقل على ما ذكرنا كسابقه؛ لأن مما ذكره فيما قبله الرفع على الاتباع, وهو لا يأتي في هذا بناء على الصحيح من امتناع الاتباع بعد القطع. قوله: "أو بعضها اقطع معلنًا" مقتضى حل الشارح أن بعضها بالجر عطفًا على الضمير في لذكرهن, أو في بدونها بناء على مذهب المصنف من جواز العطف على ضمير الخفض بغير إعادة الخافض, أو على دونها ومفعول اقطع محذوف أي: وإن يكن المنعوت مفتقرًا لذكر بعضهًا أو معينًا بدون بعضها أو معينًا ببعضها فاقطع ما سواه على الأول والأخير, أو فاقطعه دون ما سواه على الثاني, وعلى هذا يكون المتن مشتملًا على مسألتين: مسألة استغناء المنعوت عن جميع النعوت, ومسألة استغنائه عن بعضها وافتقاره إلى بعضها الآخر. وجعل الشيخ خالد بعضها بالنصب مفعولًا مقدمًا لاقطع, على أن تقدير البيت, واقطع جميع النعوت أو أتبع جميعها أو اقطع بعضها وأتبع بعضها إن يكن المنعوت معينًا بدونها, وعلى هذا فالمسألة الثانية مسكوت عنها في النظم مفهومة بالمقايسة.
قوله: "قدم المتبع" هذا هو الراجح كما يشير إليه تقديمه. قوله: "وفيه" أي: في العكس
__________
816- البيتان من الكامل، وهما للخرنق بنت هفان في ديوانها ص43؛ والأشباه والنظائر 6/ 231؛ وأمالي المرتضى 1/ 205؛ والإنصاف 2/ 468؛ وأوضح المسالك 3/ 314؛ والحماسة البصرية 1/ 227؛ وخزانة الأدب 5/ 41، 42، 44؛ والدرر 6/ 14؛ وسمط اللآلي ص548؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 16؛ وشرح التصريح 2/ 116؛ والكتاب 1/ 202، 2/ 57، 58، 64؛ ولسان العرب 5/ 214 "نضر"؛ والمحتسب 2/ 198؛ والمقاصد النحوية 3/ 602، 4/ 72؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص416.(3/100)
وارْفَعْ أو انصِب إنْ قَطَعْتَ مُضمِرًا ... مبتدأ أو ناصِبًا لن يَظْهَرَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يعكس، وفيه خلاف. قال ابن أبي الربيع: الصحيح المنع. وقال صاحب البسيط: الصحيح الجواز. ولو فرق بين الحالة الثانية وهي الاستغناء عن الجميع فيجوز, والحالة الثالثة وهي الافتقار إلى البعض دون البعض فلا يجوز لكان مذهبًا. الثاني إذا كان المنعوت نكرة تعين في الأول من نعوته الاتباع وجاز في الباقي القطع كقوله:
817- وَيَأوِي إلى نِسْوَةٍ عُطَّلٍ ... وشُعْثًا مَراضِيعَ مِثل السَّعَالِي
الثالث يستثنى من إطلاقه النعت المؤكد نحو: إلهين اثنين، والملتزم نحو: الشعرى العبور، والجاري على مشاربه نحو: هذا العالم فلا يجوز القطع في هذه "وارفع أو انصب إن قطعت" النعت عن التبعية "مضمرا مبتدأ أو ناصبًا لن يظهرا" أي: لا يجوز إظهارهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المستفاد من يعكس. قوله: "ولو فرق إلخ" وجهه أنه في حالة الاستغناء عن الجميع يكون الاتباع كلا اتباع بخلاف حالة الافتقار. قوله: "إذا كان المنعوت نكرة إلخ" هل يجري هذا في المعرف بأل الجنسية نظرا إلى أنه في المعنى نكرة فيه نظر سم. قوله: "تعين في الأول إلخ" فلو كان نعت النكرة واحدًَا نحو: جاء رجل كريم لم يجز قطعه إلا في الشعر, كما في الهمع ورأيت بخط بعض الفضلاء أن منع قطعه هو المشهور وأن سيبويه يجوزه. قوله: "وجاز في الباقي القطع" أي: وإن لم يتعين مسمى النكرة إلا بالجميع؛ لأن المقصود من نعتها التخصيص وقد حصل بتبعية الأول. قوله: "ويأوي" الضمير للصائد يغيب في صيده الوحش عن نسائه ثم يأتي إليهن فيجدهن في أسوأ حال، وعطل بضم العين وتشديد الطاء جمع عاطلة وهي المرأة التي خلا جيدها من القلائد. وشعثًَا منصوب بفعل محذوف على الاختصاص أي: وأخص شعثًَا ليبين أن هذا الضرب من النساء أسوأ حالًَا من الضرب الأول الذي هو العطل, وهو جمع شعثاء وهي المغبرة الرأس أي: التي لم تسرح شعر رأسها ولم تدهنه ولم تغسله. والمراضيع جمع مرضع والياء للإشباع أو جمع مرضاع فالياء قياسية, والسعالى جمع سعلاة بكسر السين كما في القاموس وهي أخبث الغيلان.
قوله: "والملتزم" أي: الذي التزمت العرب النعت به نحو: الشعرى العبور والمراد أنه إذا وقع بعدها وصف كان نعتا, لا أنه يلزم بعدها نعت فلا يرد قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم: 49] ، نقله شيخنا السيد عن الدماميني وهو أحسن مما قاله البعض، وسميت العبور لعبورها المجرة. قوله: "لن يظهرا" ألفه للتثنية كما عليه حل الشارح؛ لأن أو تنويعية وهي كالواو كما مر غير مرة فعلم ما في كلام البعض وإنما التزم حذف العامل ليكون حذفه الملتزم أمارة على
__________
817- البيت من المتقارب، وهو لأمية بن أبي عائذ الهذلي في خزانة الأدب 2/ 42، 432, 5/ 40؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 146؛ وشرح أشعار الهذليين 2/ 507؛ وشرح التصريح 2/ 117؛ والكتاب 1/ 399، 2/ 66؛ ولأبي أمية في المقاصد النحوية 4/ 63؛ وللهذلي في شرح المفصل 2/ 18؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 322؛ وأوضح المسالك 3/ 317؛ ورصف المباني ص416؛ والمقرب 1/ 225.(3/101)
وَمَا من المَنْعوتِ والنَّعتِ عُقِل ... يجوز حَذْفُه وفي النعت يَقِلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا إذا كان النعت لمجرد مدح أو ذم أو ترحم نحو: الحمد لله الحميد بالرفع بإضمار هو. ونحو: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] ، بالنصب بإضمار أذم. أما إذا كان للتوضيح أو للتخصيص فإنه يجوز إظهارهما، فتقول مررت بزيد التاجر بالأوجه الثلاثة، ولك أن تقول: هو التاجر وأعني التاجر "وما من المنعوت والنعت عقل" أي: علم "يجوز حذفه" ويكثر ذلك في المنعوت "وفي النعت يقل" فالأول شرطه إما كون النعت صالحًا لمباشرة العامل نحو: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 11] ، أي: دروعًا سابغات، أو كون المنعوت بعض اسم مخفوض بمن أو في كقولهم: منا ظعن ومنا أقام: أي: منا فريق ظعن ومنا فريق أقام. وكقوله:
818- لَو قُلتَ مَا فِي قَومِها لَمْ تِيثَمِ ... يَفْضُلهَا في حَسَب ومَيسَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قصد إنشاء المدح أو الذم أو الترحم. قوله: "ونحو وامرأته إلخ" كان عليه أن يزيد ونحو: اللهم الطف بعبدك المسكين بالرفع والنصب لاستيفاء التمثيل , وقوله بالنصب أي: لحمالة. قوله: "أما إذا كان للتوضيح أو للتخصيص" أي: أو للتعميم أو الإبهام أو التفصيل, كما يدل عليه قول الموضح وإن كان لغير ذلك أي: لغير المدح والذم والترحم جاز ذكره أي: العامل. قوله: "فإنه يجوز إظهارهما" أي: لعدم قصد الإنشاء حينئذٍ. قوله: "فتقول مررت بزيد التاجر" مثال للنعت الموضح. قوله: "وأعني التاجر" قال البعض أي: إن كان المنعوت غير متعين وإلا قدر اذكر ا. هـ. ونقله شيخنا عن الدماميني وفيه نظر؛ لأن مقتضاه جواز القطع مع عدم تعين المنعوت, مع أن محل القطع إذا تعين المنعوت بدون النعت. وممن صرح به هذا البعض عند قول الشارح سابقًا, وهذه يجوز فيها الاتباع والقطع في أماكنه فتدبر.
قوله: "وما من المنعوت والنعت إلخ" يشمل حذفهما معًا نحو: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} أي: حياة نافعة إذ لا واسطة بين مطلق الحياة والموت. قوله: "علم" فما لم يعلم منهما لا يجوز حذفه إلا عند قصد الإبهام على السامع نحو: رأيت طويلًا أي: شيئًا طويلًا نقله شيخنا عن الدماميني. قوله: "صالحًا لمباشرة العامل" أي: بأن يكون مفردًا إن كان منعوته فاعلًا أو مفعولًا مثلًا, وجملة مشتملة على الرابط إن كان المنعوت خبرًا مثلًا نحو: أنت يضرب زيدًا بالياء التحتية أي: أنت رجل يضرب زيدًا. قوله: "أي: دروعًا" بدليل {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} . قوله: "ظعن" أي: سافر. قوله: "لو قلت إلخ" فيه حذف وتغيير وتقديم وتأخير كما أشار إليه الشارح بقوله: أصله إلخ, ومتعلق تيثم محذوف أي: في مقالتك, والحسب ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه والميسم بكسر
__________
818- الرجز لحكيم بن معية في خزانة الأدب 5/ 62، 63؛ وله أو لحميد الأرقط في الدرر 6/ 109؛ ولأبي الأسود الحماني في شرح المفصل 3/ 59، 61؛ والمقاصد النحوية 4/ 71؛ ولأبي الأسود الجمالي في شرح التصريح 2/ 118؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 320؛ والخصائص 2/ 370؛ وشرح عمدة الحافظ ص547؛ والكتاب 2/ 345؛ وهمع الهوامع 2/ 120.(3/102)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أصله لو قلت أحد يفضلها لم تأثم، فحذف الموصوف وهو أحد، وكسر حرف المضارعة من تأثم وأبدل الهمزة ياء، وقدم جواب لو فاصلًا بين الخبر المقدم وهو الجار والمجرور، والمبتدأ المؤخر وهو أحد المحذوف، فإن لم يصلح ولم يكن المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن أو في امتنع ذلك أي: إقامة الجملة وشبهها مقامه, إلا في الضرورة كقوله:
819- لَكُمْ قِبْصَةٌ من بينَ أَثْرَى وأَقْتَرَا
وقوله:
820- تَرْمِي بِكَفِّي كانَ مِن أَرْمَى البَشَرْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الميم وفتح السين المهملة الجمال وأصله موسم قلبت الواو ياء لوقوعها إثر كسرة كميزان. قوله: "وكسر حرف المضارعة" أي: على غير لغة الحجازيين تصريح.
قوله: "والمبتدأ المؤخر" قال الشيخ خالد: إنما قدر مؤخرًا؛ لأن النكرة المخبر عنها بظرف مختص يجب تقديم خبرها عليها ا. هـ. ووجه وجوب تقديم الخبر دفع توهم كونه صفة للنكرة لما قالوه من أن النكرة أحوج إلى الصفة منها إلى الخبر فاندفع اعتراض سم وأقره شيخنا والبعض, بما حاصله أن النفي يكفي مسوغًا للابتداء بالنكرة. قوله: "إلا في الضرورة" أي: وإلا في قليل من النثر كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34] ، أي: بناء على أن من لا تزاد في الإيجاب ولا داخلة على معرفة قاله في التصريح, ولا يلزم حذف الفاعل في غير المواضع المستثناة؛ لأن حذفه الممنوع إذا لم يقم شيء مقامه في اللفظ ونعته هنا قائم مقامه في اللفظ, وإن لم يصلح للفاعلية بنفسه قاله سم. قوله: "لكم قبصة إلخ" الخطاب لبني أمية يمدحهم. والقبصة بكسر القاف وسكون الموحدة وبالصاد المهملة العدد الكثير من الناس والشاهد في قوله من بين أثرى أي: من أثرى أي: كثر ماله وأقتر أي: افتقر فحذف النكرة الموصوفة وأقام الصفة مقامها بدون الشرط المتقدم للضرورة. قوله: "ترمي" بالتاء الفوقية لرجوع ضميره إلى مؤنث وهي الكبداء في
__________
819- صدره:
لكم مَسْجِدا الله المزُورانِ والحصى
والبيت من الطويل وهو للكميت بن زيد في لسان العرب 3/ 205 "سجد"، 7/ 68 "قبض" 14/ 111 "قرأ"؛ والمقاصد النحوية 4/ 84؛ وبلا نسبة إصلاح المنطق ص397؛ والإنصاف 2/ 721؛ وشرح عمدة الحافظ ص548؛ ولسان العرب 5/ 71 "قتر".
820- الرجز بلا نسبة في الإنصاف 1/ 114، 115؛ وخزانة الأدب 5/ 65؛ والخصائص 2/ 367؛ والدرر 6/ 22؛ وشرح التصرح 2/ 119؛ وشرح شواهد المغني 1/ 461؛ وشرح عمدة الحافظ ص550؛ وشرح المفصل 3/ 62؛ ولسان العرب 13/ 370 "كون"، 421 "منن"؛ ومجالس ثعلب 2/ 513؛ والمحتسب 2/ 227؛ ومغني اللبيب 1/ 160؛ والمقاصد النحوية 4/ 66؛ والمقتضب 2/ 139؛ والمقرب 1/ 227، وهمع الهوامع 2/ 120.(3/103)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
821- كَأَنَّكَ مِن جِمالِ بَنِي أُقَيشٍ ... يُقَعْقَعُ بينَ رِجْلَيهِ بِشَنَّ
والثاني كقوله تعالى: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] ، أي: كل سفينة صالحة. وقوله:
822- فَلَمْ أُعْطَ شَيئًا ولم أُمْنَعِ
أي: شيئًا طائلًا وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله قيل:
مالك عندي غير سهم وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر
والكبداء بفتح الكاف وسكون الموحدة بعدها دال مهملة القوس الواسعة المقبض, قاله الدماميني والشمني وغيرهما, وقوله بكفي كان أي: بكفي رجل كان. قوله: "كأنك من جمال إلخ" أي: كأنك جمل من جمال. وأقيش بضم الهمزة وفتح القاف وسكون التحتية آخره شين معجمة. ويقعقع بالبناء للمفعول أي: يصوت نعت ثان للمنعوت المحذوف, وإليه يرجع الضمير في رجليه وهو المحوج لتقدير المنعوت, والشن بفتح الشين المعجمة وتشديد النون القربة اليابسة, وهو أشد لنفور الإبل, ووجه الشبه سرعة الغضب وشدة النفور, والبيت يشهد لإقامة الجملة وإقامة شبهها. قوله: "والثاني" أي: حذف النعت. قوله: "أي: كل سفينة صالحة" بدليل أنه قرئ كذلك وأن تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة فلا فائدة فيه حينئذٍ ا. هـ. مغني. قوله: "فلم أعط شيئًا ولم أمنع" ببناء الفعلين للمجهول وصدره:
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ
بضم الفوقية وسكون الدال المهملة وفتح الراء آخره همزة أي: عدة وقوة قال العيني: والشاهد في شيئًا إذ أصله شيئًا طائلًا فحذف الصفة, ولولا هذا التقدير لتناقض مع قوله ولم أمنع
__________
821- البيت من الوافر، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص126؛ وخزانة الأدب 5/ 67، 69؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 58؛ وشرح المفصل 3/ 59؛ والكتاب 2/ 345؛ ولسان العرب 6/ 373 "وقش"، 8/ 286، 287 "قعع"، 13/ 241 "شنن"؛ والمقاصد النحوية 4/ 67؛ وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 1/ 284؛ وشرح المفصل 1/ 61؛ ولسان العرب 4/ 231 "خدر"، 6/ 264 "أقش"، 14/ 272 "دنا"؛ والمقتضب 2/ 138.
822- صدره:
وقد كنت في الحرب ذا تُدْرَأ
والبيت من المتقارب، وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص84؛ والدرر 6/ 25؛ وشرح التصريح 2/ 119؛ وشرح شواهد المغني 2/ 925؛ وشرح عمدة الحافظ ص551؛ والشعراء والشعراء 2/ 752؛ ولسان العرب 1/ 72 "درأ"، والمقاصد النحوية 4/ 69؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 322؛ ومغني اللبيب 2/ 627؛ وهمع الهوامع 2/ 120.(3/104)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
823- وَرُبَّ أَسِيلَةِ الخَدَّينِ بِكْرٍ ... مُهَفْهَفَةٍ لها فَرْع وجِيد
أي: فرع فاحم وجيد طويل.
تنبيهات: الأول قد يلي النعت لا أو إما فيجب تكررهما مقرونين بالواو نحو: مررت برجل لا كريم ولا شجاع، ونحو: ائتني برجل إما كريم وإما شجاع. الثاني يجوز عطف بعض النعوت المختلفة المعاني على بعض نحو: مررت بزيد العالم والشجاع والكريم. الثالث إذا صلح النعت لمباشرة العامل جاز تقديمه مبدلًا منه المنعوت نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} [إبراهيم: 1] . الرابع إذا نعت بمفرد وظرف وجملة قدم المفرد وأخرت الجملة غالبًا نحو: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: 28] ، وقد تقدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وسبقه إلى ذلك صاحب المغني وناقشه الدماميني بأن عدم الإعطاء لا يناقض عدم المنع فتقدير الصفة لتحري الصدق. قال الشمني: وقد يقال هو وإن لم يناقضه عقلًا يناقضه عرفًا, والأظهر في تمثيل تقدير النعت لدفع التناقض قوله تعالى: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: 48] ، أي: السابقة ووجه التناقض المدفوع بتقدير السابقة أن أفعل التفضيل يقتضي زيادة المفضل على المفضل عليه فلا يصح الزيدان كل منهما أفضل من الآخر لاقتضائه إثبات الزيادة لكل ونفيها عنه وقوله تعالى: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: 48] ، شامل لجميع الآيات المرئية لهم فيلزم أن يكون كل منها أكبر من غيرها, فيكون أكبر وغير أكبر فافهم. قوله: "لها فرع وجيد" الفرع الشعر التام والجيد العنق. قوله: "أي: فرع فاحم" أي: أسود وجيد طويل الدليل على هذا الحذف أن البيت للمدح وهو لا يحصل بإثبات الفرع والجيد مطلقين بل بإثباتهما موصوفين بصفتين محبوبتين. قوله: "مقرونين بالواو" أي: في المرة الثانية كما هو ظاهر. قوله: "عطف بعض النعوت إلخ" أي: بجميع حروف العطف إلا أم وحتى كما صوبه الموضح في الحواشي, والأحسن في الجمل العطف وفي المفردات تركه كما قاله أبو حيان. قوله: "المختلفة المعاني" أما متفقتها فلا؛ لئلا يلزم عطف الشيء على نفسه. وقال في الهمع: وإنما يحسن العطف عند تباعد المعاني نحو: هو الأول والآخر والظاهر والباطن بخلاف ما إذا تقاربت نحو: هو الله الخالق البارىء المصور. قوله: "مبدلًا منه المنعوت" قال البعض: أي: إن كان المنعوت معرفة أما إذا كان نكرة فينصب نعته المتقدم عليه حالًا نحو:
لمية موحشًا طلل ا. هـ. وأنت خبير بأن هذا ليس على إطلاقه فإن من المنعوت النكرة ما هو كالمنعوت المعرفة في إعراب نعته بحسب العوامل وإعرابه هو بدلًا أو عطف بيان نحو: مررت بقائم رجل, وقصدت بلد كريم رجل, ثم رأيت في الدماميني ما يؤيده حيث ذكر أن نصب نعت النكرة
__________
823- البيت من الوافر، وهو للمرقش الأكبر في شرح التصريح 2/ 119؛ وشرح اختيارات المفضل ص998؛ وشرح عمدة الحافظ ص552؛ والمقاصد النحوية 4/ 72؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 325.(3/105)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجملة نحو: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 92] ، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} [المائدة: 54] الآية ا. هـ.
خاتمة: من الأسماء ما ينعت وينعت به كاسم الإشارة نحو: مررت بزيد هذا وبهذا العالم، ونعته مصحوب أل خاصة، فإن كان جامدًا محضًا نحو: بهذا الرجل فهو عطف بيان على الأصح، ومنها ما لا ينعت ولا ينعت به كالمضمر مطلقًا خلافًا للكسائي في نعت ذي الغيبة تمسكًا بما سمع نحو: صلى الله عليه الرءوف الرحيم، وغيره يجعله بدلًا. ومنها ما ينعت ولا ينعت به كالعلم. ومنها ما ينعت به ولا ينعت كأي نحو: مررن بفارس أي فارس. ولا يقال جاءني أي فارس. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المتقدم عليها حالًا غالب لا واجب على الأصح, وأن محل نصبه حالًا إذا قبل الحالية ليخرج النعت في نحو: جاءني رجل أحمر ونحوه من الصفات الثابتة إذا لم يمنع مانع من نصبه حالًا ليخرج الوصف في نحو: المثالين المتقدمين. قوله: "أنزلناه مبارك" قال ابن عصفور: الأحسن جعل مبارك خبرًا ثانيًا. قوله: " مصحوب أل خاصة" شامل للموصول ذي أل كالذي والتي وإن كانت أل فيه زائدة وإنما خصوا نعته بمصحوب أل؛ لأنه مبهم وإبهامه لا يرفع بمثله؛ لأنه أيضًا مبهم ولا بالمضاف إلى معرفة؛ لأن تعريفه مكتسب من المضاف إليه فهو كالعارية. كذا عللوا ويرد عليه الموصول غير ذي أل كمن وما فلماذا لم ينعت به اسم الإشارة.
قوله: "كالمضمر" أما أنه لا ينعت؛ فلأن ضمير المتكلم والمخاطب أعرف المعارف فلا حاجة لهما إلى التوضيح, وحمل عليهما ضمير الغائب وحمل على الوصف الموضح الوصف المادح أو الذم أو غيرهما طردًا للباب. وأورد عليه الشنواني أن اسم الله تعالى أعرف المعارف فهو غني عن الإيضاح ومع ذلك ينعت للمدح. وأجيب بأنه نعت نظرًا لأصله وهو الإله الذي هو اسم جنس أو إلحاقًا له بالأعم الأغلب, إذ الأصل في الاسم الظاهر أن ينعت وأما أنه لا ينعت به؛ فلأنه ليس في الضمير معنى الوصفية؛ لأنه لا يدل إلا على الذات لا على قيام معنى بها كذا قالوا. ويرد على تعليل عدم النعت به ما إذا كان الضمير يرجع إلى مشتق لدلالته حينئذٍ على قيام معنى بذات لما قالوه من أن الضمير كمرجعه دلالة اللهم إلا أن يقال طردوا الباب فتأمل, قال في الهمع: وكالضمير في أنه لا ينعت ولا ينعت به أسماء الشرط والاستفهام وكم الخبرية وما التعجبية والآن وقبل وبعد. قوله: "وغيره بجعله بدلًا" أي: بناء على أن البدل لا يشترط فيه الجمود. قوله: "كالعلم" إنما نعت لإزالة الاشتراك اللفظي ولم ينعت به؛ لأنه ليس بمشتق ولا في حكمه إذ هو موضوع لمجرد الذات نعم العلم المشتهر مسماه بصفة كحاتم يصح أن يؤول بوصف وينعت به.
فائدة: يجوز نعت النعت عند سيبويه ومنه: يا زيد الطويل ذو الجمة ومنعه جماعة منهم ابن جني قاله في الارتشاف.
فائدة ثانية: النعت بعد المركب الإضافي للمضاف؛ لأنه المقصود بالحكم وإنما جيء(3/106)
التوكيد:
بالنَّفْسِ أو بالعَيْنِ الاسمُ أُكِّدَا ... معَ ضَميرٍ طابَقَ المُؤكَّدَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التوكيد:
هو في الأصل مصدر ويسمى به، التابع المخصوص. ويقال أكد تأكيدًا ووكد توكيدًا.
وهو بالواو أكثر. وهو على نوعين: لفظي وسيأتي، ومعنوي وهو التابع الرافع احتمال إرادة غير الظاهر. وله ألفاظ أشار إليها بقوله: "بالنفس أو بالعين الاسم أكدا مع ضمير طابق المؤكدا" أي: في الإفراد والتذكير وفروعهما, فتقول: جاء زيد نفسه أو عينه، أو نفسه عينه فتجمع بينهما، والمراد حقيقته. وتقول: جاءت هند نفسها أو عينها وهكذا. ويجوز جرهما بباء زائدة فتقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالمضاف إليه لغرض التخصيص فلا يكون له إلا بدليل ما لم يكن المضاف لفظ كل, فالنعت للمضاف إليه لا له؛ لأن المضاف إنما جيء به لقصد التعميم ولذلك ضعف قوله:
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
أفاده في المغني.
التوكيد:
قوله: "ويسمى به إلخ" الأنسب بمقام النقل أن يقول: ثم سمي به إلخ. قوله: "وهو بالواو أكثر" وهي الأصل والهمزة بدل. قوله: "الرافع احتمال إلخ" إما أن يكون المراد بالرفع الإبعاد, وإما أن يراد بالاحتمال الاحتمال القوي فوافق كلامه قول ابن هشام الظاهر أنه يبعد إرادة المجاز ولا يرفعها بالكلية؛ لأن رفعها بالكلية ينافي الإتيان بالألفاظ متعددة ولو صار بالأول نصا لم يؤكد ثانيًا وإنما اقتصر الشارح على رفع الاحتمال المذكور؛ لأن رفع توهم السهو والغلط إنما يكون بالتأكيد اللفظي كما نقله سم عن السعد والسيد وخرج بقوله الرافع إلخ, ما عدا التوكيد حتى البدل فإنه وإن رفع الاحتمال في نحو: مررت بقومك كبيرهم وصغيرهم أولهم وآخرهم, إلا أن ذلك عارض نشأ من خصوص المادة قاله شيخنا. قوله: "بالنفس أو بالعين" أي: بهاتين المادتين بقطع النظر عن إفرادهما وغيره, وليس المراد بالنفس أو بالعين مفردين حتى يفيد أن النفس والعين يبقيان على إفرادهما وإن أكد بهما مثنى أو مجموع مع أنه ليس كذلك, كما يصرح به قوله واجمعهما إلخ, فاندفع ما أطال به البعض عن البهوتي. واعلم أن في البيت إجمالًا بينه البيت بعده على أنه يمكن بقطع النظر عن قول الشارح أي: في الإفراد والتذكير وفروعهما أن يحمل الاسم في النظم على المفرد ولا يضيع على هذا قوله:
مع ضمير طابق المؤكدا
وإن زعمه البعض؛ لأن المراد بالمطابقة على هذا المطابقة في التذكير والتأنيث فقط فاعرفه, وأوفي النظم لمنع الخلو. قوله: "فتجمع بينهما" أي: بلا عطف كما سيأتي, والظاهر أن تقديم النفس على العين لازم وقيل حسن كذا في المرادي. قوله: "بباء زائدة" ومحل المجرور إعراب(3/107)
واجْمَعهُما بأَفْعُل إن تَبِعًا ... ما ليس واحِدًا تكن مُتَّبِعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جاء زيد بنفسه وهند بعينها "واجمعهما" أي: النفس والعين "بأفعل إن تبعا ما ليس واحدًا تكن متبعا" فتقول: قام الزيدان أو الهندان أنفسهما أو أعينهما. وقام الزيدون أنفسهم أو أعينهم، والهندات أنفسهن أو أعينهن. ولا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس وعيون ولا على أعيان، فعبارته هنا أحسن من قوله في التسهيل جمع قلة, فإن عينا تجمع جمع قلة على أعيان ولا يؤكد به.
تنبيه: ما أفهمه كلامه من منع مجيء النفس والعين مؤكدًا بهما غير الواحد وهو المثنى والمجموع غير مجموعين على أفعل هو كذلك في المجموع، وأما المثنى فقال الشارح: بعد ذكره أن الجمع فيه هو المختار ويجوز فيه أيضًا الإفراد والتثنية. قال أبو حيان: ووهم في ذلك إذ لم يقل أحد من النحويين به. وفيما قاله أبو حيان نظر فقد قال ابن إياز في شرح الفصول: ولو قلت نفساهما لجاز فصرح بجواز التثنية. وقد صرح النحاة بأن كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمنه يجوز في الجمع والإفراد والتثنية, والمختار الجمع نحو: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ، ويترجح الإفراد على التثنية عند الناظم وعند غيره بالعكس وكلاهما مسموع كقوله:
824- حَمامَةَ بَطْنِ الوادِييَنِ تَرَنَّمِي
وكقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المتبوع. قوله: "واجمعهما" الأمر مستعمل في الوجوب بالنسبة إلى الجمع, وفي الأولوية بالنسبة إلى المثنى. قوله: "بأفعل" أي: جمعًا ملابسًا لأفعل أو على أفعل. قوله: "ولا على أعيان" لو قال: ولا بالعين مجموعًا على أعيان لكان مستقيمًا. قوله: "ولا يؤكد به" أي: المختار وإلا ففي الدماميني عن شرح العمدة للمصنف والمفصل للزمخشري والكفاية لابن الخباز جواز التوكيد بأعيان. قوله: "وقد صرح النحاة إلخ" لما لم يكن كلام ابن إياز ردا على أبي حيان بالنظر إلى الإفراد, أتى بهذا الرد الثاني؛ لأنه يرد عليه بالنظر إلى الإفراد والتثنية. ولأبي حيان أن يقول ما صرح به النحاة لا يظهر الرد به؛ لأن النفس والعين لم يضافا إلى المتضمن بل إلى ما هو بمعناهما؛ لأن المراد بهما الذات. قوله: "إلى متضمنه" بصيغة اسم الفاعل أي: ما اشتمل على المضاف. قوله: "والمختار الجمع" إما على التثنية؛ فلأن المتضايفين كالشيء الواحد فكرهوا الجمع بين تثنيتهما, وإما على الإفراد؛ فلأن الاثنين جمع في المعنى. قوله: "حمامة إلخ" تمامه:
__________
824- عجزه:
سقاك من الغر الغوادي مَطيرها
والبيت من الطويل، وهو للشماخ في ملحق ديوانه ص438، 440؛ والمقاصد النحوية 4/ 86؛ وللمجنون في ديوانه من الطويل ص113؛ ولتوبة بن الحمير في الأغاني 11/ 198؛ والدرر 1/ 154؛ والشعر والشعراء 1/ 453؛ وبلا نسبة في المقرب 2/ 129؛ وهمع الهوامع 1/ 51.(3/108)
وكُلًّا اذْكُر في الشُّمُولِ وكِلا ... كِلتا جَمِيعًا بالضمير مُوصَلَا
__________
825- ومَهْمَهَيْنِ قَذَفَينِ مَرْتَين ... ظَهْراهما مثل ظهور التُّرْسَين
ا. هـ.
"وكلا اذكر في" التوكيد المسوق لقصد "الشمول" والإحاطة بأبعاض المتبوع "وكلا" و"كلتا" و"جميعًا" فلا يؤكد بهن إلا ما له أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه لرفع احتمال تقدير بعض مضاف إلى متبوعهن، نحو: جاء الجيش كله أو جميعه، والقبيلة كلها أو جميعها، والرجال كلهم أو جميعهم، والهندات كلهن أو جميعهن، والزيدان كلاهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سقاك من الغر الغوادي مطيرها
والغر جمع غراء وهي البيضاء وهو صفة لمحذوف أي: من السحب الغر إلخ, والغوادي جمع غادية وهي السحابة الممطرة صباحًا, والمطير بفتح الميم كثير المطر. قوله: "ومهمهين إلخ" المهمه المكان القفر، والقذف بفتح القاف والذال المعجمة آخره فاء البعيد, والمرت بفتح الميم وسكون الراء آخره فوقية المكان الذي لا نبات فيه, وظهراهما مبتدأ ومثل خبر والجملة صفة ثالثة. قاله العيني. والمراد بظهريهما ما ارتفع منهما, وقوله مثل ظهور الترسين أي: في الصلابة. قوله: "وكلا اذكر إلخ" اعلم أن كلا وشبهها في إفادة شمول كل فرد إن كانت داخلة في حيز النفي بأن أخرت عن أداته لفظًا نحو:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
وما جاء كل القوم، وما جاء القوم كلهم، ولم آخذ كل الدراهم، ولم آخذا الدراهم كلها، أو رتبة نحو: كل الدراهم لم آخذ، والدراهم كلها لم آخذ توجه النفي إلى الشمول خاصة, وأفاد سلب العموم. وإلا بأن قدمت على أداته لفظًا ورتبة توجه النفي إلى كل فرد, وأفاد عموم السلب كقوله عليه الصَّلاة والسَّلام كل ذلك لم يكن، وكالنفي النهي قال التفتازاني: والحق أن الشق الأول أكثري لا كلي بدليل: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18] ، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276] ، {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10] . قوله: "يصح وقوع بعضها موقعه" أي: في نسبة الحكم إليه سواء كان على وجه إرادة البعض من لفظ الكل مجازًا مرسلًا أو إسناد ما للبعض إلى الكل مجازًا عقليا أو تقدير المضاف، فقوله: لرفع احتمال تقدير بعض إلخ فيه قصور, ولعله إنما اقتصر عليه؛ لأنه أقرب الاحتمالات الثلاثة فإذا اندفع هو اندفع أخواه بالأولى, ودخل في قول الشارح إلا ما له أجزاء إلخ نحو: زيد كله حسن، وعين البقرة الوحشية كلها سواد؛ لأن المؤكد وإن كان غير متعد له أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه. قوله: "تقدير بعض" أي: أو ما في معناه كأحد وإحدى بدليل قوله: بعد أو أحد الزيدين إلخ.
قوله: "والزيدان كلاهما إلخ" فائدة لا يتحد توكيد متعاطفين ما لم يتحد عاملهما معنى
__________
825- البيت من مشطور السريع، وهو لخطام المجاشعي.(3/109)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والهندان كلتاهما، لجواز أن يكون الأصل، جاء بعض الجيش، أو القبيلة أو الرجال أو الهندات، أو أحد الزيدين، أو إحدى الهندين. ولا يجوز جاءني زيد كله ولا جميعه. وكذا لا يجوز اختصم الزيدان كلاهما ولا الهندان كلتاهما لامتناع التقدير المذكور. وأشار بقوله "بالضمير موصلًا" إلى أنه لا بد من اتصال ضمير المتبوع بهذه الألفاظ ليحصل الربط بين التابع ومتبوعه كما رأيت. ولا يجوز حذف الضمير استغناء بنية الإضافة خلافًا للفراء والزمخشري. ولا حجة في: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] ، ولا قراءة بعضهم: "إِنَّا كُلًّا فِيهَا" على أن المعنى جميعه وكلنا، بل جميعًا حال وكلا بدل من اسم إن أو حال من الضمير المرفوع في فيها. وذكر في التسهيل أنه يستغنى عن الإضافة إلى الضمير إلى مثل الظاهر المؤكد بكل، وجعل منه قول كثير:
726- يا أَشْبَهَ النَّاسِ كُلِّ الناسِ بالقَمَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فلا يقال مات زيد وعاش عمرو كلاهما، فإن اتحدا معنى جاز وإن اختلفا لفظًا جزم به الناظم تبعًا للأخفش نحو: انطلق زيد وذهب عمرو كلاهما. قال أبو حيان: ويحتاج ذلك إلى سماع. سيوطي سم. قوله: "لجواز أن يكون الأصل إلخ" فيه ما في التعليل الأول, ولو قال لجواز أن يكون المعنى إلخ لو في بالاحتمالات الثلاثة. قوله: "وكذا لا يجوز اختصم الزيدان كلاهما إلخ" هذا مذهب الأخفش والفراء وهشام وأبي علي، وذهب الجمهور إلى الجواز كما قاله الدماميني, ووافق الناظم في تسهيله الجمهور. قوله: "لامتناع التقدير المذكور" أي: فلا فائدة في التأكيد حينئذٍ. قوله: "بالضمير موصلًا" حال من الألفاظ المتقدمة بتأويلها بالمذكور وبالضمير متعلق به. قوله: "ولا يجوز حذف الضمير" والكلام مفروض فيما إذا جرت على المؤكد فلا يرد نحو: كل في فلك يسبحون. قوله: "على أن المعنى إلخ" راجع للمنفي بالميم. قوله: "بل جميعًا حال" بمعنى مجتمعًا إن قيل الحالية تقتضي وقوع الخلق على ما في الأرض حالة الاجتماع وليس كذلك. أجيب بأن خلق بمعنى قدر خلق ذلك في علمه.
قوله: "وكلا بدل من اسم إن" وإبدال الظاهر من ضمير الحاضر بدل كل جائز إذا أفاد الإحاطة نحو: قمتم ثلاثتكم وبدل الكل لا يحتاج إلى ضمير. قوله: "أو حال من الضمير إلخ" قال في المغني: فيه ضعفان: تقدمه على عامله الظرفي وتنكير كل بقطعه عن الإضافة لفظًا ومعنًى؛ لأن الحال واجبة التنكير. قوله: "بالإضافة إلى مثل الظاهر" أي: لحصول الربط به كما تقدم في الموصول. قوله: "وجعل منه إلخ" جعل أبو حيان كل الناس نعتًا أي: الكاملين في الحسن
__________
826- صدره:
كم قد ذَكَرتُكِ لو أُجزَى بذكرِكُم
والبيت من البسيط، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص145؛ وخزانة الأدب 9/ 35؛ وسط اللآلي ص469؛ وشرح شواهد المغني 2/ 518؛ وشرح عمدة الحافظ ص557؛ ولكثير عزة في الدرر 6/ 33؛ والمقاصد النحوية 4/ 88؛ وليس في ديوان كثير، وبلا نسبة في مغني اللبيب 1/ 194.(3/110)
واستعملوا أيضًا كَكُل فاعِلَه ... من عَمَّ في التوكيد مِثل النَّافله
وبعد كُلٍّ أكدوا بأجْمَعا ... جَمْعاءَ أَجْمَعِينَ ثُمّ جُمَعَا
ودُون كُلٍّ قد يَجِيء أَجْمَع ... جَمْعاءُ أَجْمَعون ثُمَّ جُمَع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"واستعملوا أيضًا ككل" في الدلالة على الشمول اسمًا موازنًا "فاعله من عم في التوكيد" فقالوا: جاء الجيش عامته، والقبيلة عامتها، والزيدون عامتهم، والهندات عامتهن. وعد هذا اللفظ "مثل النافله" أي: الزوائد على ما ذكره النحويون في هذا الباب، فإن أكثرهم أغفله، لكن ذكره سيبويه وهو من أجلهم فلا يكون حينئذ نافلة على ما ذكروه، فلعله إنما أراد أن التاء فيه مثلها في النافلة أي: تصلح مع المؤنث والمذكر فتقول: اشتريت العبد عامته كما قال تعالى: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] .
تنبيه: خالف في عامة المبرد وقال: إنما هي بمعنى أكثرهم "وبعد كل أكدوا بأجمعا جمعاء أجمعين ثم جمعا" فقالوا: جاء الجيش كله أجمع، والقبيلة كلها جمعاء، والزيدون كلهم أجمعون، والهندات كلهن جمع "ودون كل قد يجيء أجمع جمعاء أجمعون ثم جمع" المذكرات نحو: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39] ، {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 43] ، وهو قليل بالنسبة لما سبق، وقد يتبع أجمع وأخواته بأكتع وكتعاء وأكتعين وكتع، وقد يتبع أكتع وأخواته بأبصع وبصعاء وأبصعين وبصع، فيقال: جاء الجيش كله أجمع أكتع أبصع، والقبيلة كلها جمعاء كتعاء بصعاء، والقوم كلهم أجمعون أكتعون أبصعون، والهندات كلهن جمع كتع بصع. وزاد الكوفيون بعد أبصع وأخواته أبتع وبتعاء وأبتعين وبتع. قال الشارح: ولا يجوز أن يتعدى هذا الترتيب. وشذ قول بعضهم أجمع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والفضل. همع. قوله: "واستعملوا أيضًا" أي: كما استعملوا غير عامة, وقوله: من عم أي: مشتقا من مصدره, وقوله في التوكيد متعلق باستعملوا ويغني عنه قوله: ككل. قوله: "فاعله من عم" لم يقل عامة مع أنه أخصر؛ لأن فيه اجتماع ساكنين وهو لا يجوز في النظم. قوله: "مثل النافلة" حال من فاعله, وقول الشارح: وعد هذا اللفظ مثل النافلة, حل معنى ولم يجعله زائدًا بل مثل الزائد نظرًا لكون البعض قد ذكره، وحينئذٍ لا يرد الاستدراك الذي ذكره الشارح؛ لأنه لم يجعله نافلة بل مثلها أفاده سم. قوله: "ويعقوب نافلة" حال من يعقوب أي: حالة كونه نافلة على ما طلبه إبراهيم من ولد صالح وهو إسحاق حيث قال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِين} فوهب له إسحق وولد لإسحق يعقوب.
قوله: "بمعنى أكثرهم" أي: فتكون بدل بعض من كل. قوله: "المذكورات" دفع به ما يوهمه تعبير المصنف بالظاهر في موضع الضمير من مغايرة الألفاظ المذكورة في البيت الثاني للألفاظ المذكورة في البيت الأول. قوله: "بالنسبة لما سبق" أي: من وقوع المذكورات بعد كل أما بالنسبة لنفسه فكثير.
قوله: "ولا يجوز أن يتعدى هذا الترتيب" أي: بتقديم وتأخير أو بحذف بعض ما في الأثناء.(3/111)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أبصع. وأشذ منه قول الآخر: جمع بتع. وربما أكد بأكتع وأكتعين غير مسبوقين بأجمع وأجمعين. ومنه قول الراجز:
827- يَالَيْتَنِي كُنْتُ صَبِيًّا مُرْضَعا ... تَحْمِلُنِي الذَّلفَاءُ حَولًا أَكْتَعا
إذا بكيت قَبَّلَتْنِي أَرْبَعا ... إذًا ظَلِلتُ الدهر أَبْكي أَجْمَعا
وفي هذا الرجز أمور: إفراد أكتع عن أجمع، وتوكيد النكرة المحدودة، والتوكيد بأجمع غير مسبوق بكل، والفصل بين المؤكد والمؤكد، ومثله في التنزيل: {وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب: 51] .
تنبيهات: الأول زعم الفراء أن أجمعين تفيد اتحاد الوقت، والصحيح أنها ككل في إفادة العموم مطلقًا بدليل قوله تعالى: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39] . الثاني إذا تكررت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع وليس الثاني تأكيدًا للتأكيد. الثالث لا يجوز في ألفاظ التوكيد القطع إلى الرفع ولا إلى النصب. الرابع لا يجوز عطف بعضها على بعض فلا يقال: قام زيد نفسه وعينه، ولا جاء القوم كلهم وأجمعون. وأجازه بعضهم وهو قول ابن الطراوة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال الفارضي: قدمت كل على الجميع لعراقتها وكونها أنص في الإحاطة, ووليها أجمع؛ لأنه صريح في الجمعية لاشتقاقه من الجمع, ووليه أكتع لانحطاطه عنه في الدلالة على الجمع؛ لأنه من تكتع الجلد إذا انقبض, ففيه معنى الجمع ووليه أبصع؛ لأنه من تبصع العرق إذا سال وهو لا يسيل حتى يجتمع, وأخر أبتع؛ لأنه أبعد من أبصع؛ لأنه طويل العنق أو شديد المفاصل لكن لا يخلو من دلالته على اجتماع ا. هـ. ببعض تلخيص. وإذا اجتمع النفس والعين وكل قدما على كل ولم يتعرضوا لما إذا اجتمع كل وعامة والظاهر تقديم كل على عامة. قوله: "وأشذ منه إلخ" أي: لأن في الأول حذف واسطة واحدة وهي أكتع, وفي الثاني حذف واسطتين وهما كتع وبصع. قوله: "بأكتع وأكتعين" لم يستشهد للثاني وقد استشهد له في الهمع. قوله: "إفراد أكتع عن أجمع" أي: وهو قليل. قوله: "وتوكيد النكرة المحدودة" أي: الموضوعة لمدة لها ابتداء وانتهاء أي: وهو ممنوع عند البصريين كما سيأتي. قوله: "والتوكيد بأجمع إلخ" أي: وهو قليل بالنسبة للتأكيد مسبوقة بكل. قوله: "والفصل إلخ" أي: وهو خلاف الأصل. قوله: "إفادة العموم مطلقًا" أي: لا بقيد اتحاد الوقت. قوله: "لا يجوز في ألفاظ إلخ" أي: على المختار لمنافاة القطع مقصود التوكيد. قوله: "فلا يقال إلخ" عللوه باتحاد معنى النفس والعين واتحاد معنى كل وأجمع وهذا يقتضي جواز نحو: جاء القوم أنفسهم وكلهم لعدم الاتحاد ولم أر من ذكره بل إطلاقهم يخالفه فافهم.
__________
827- الرجز بلا نسبة في الدرر 6/ 35، 41، وخزانة الأدب 5/ 169؛ وشرح ابن عقيل ص385؛ وشرح عمدة الحافظ ص562، 565؛ ولسان العرب 8/ 305 "كتع"؛ والمقاصد النحوية 4/ 93؛ والمقرب 1/ 240؛ وهمع الهوامع 2/ 123، 124.(3/112)
وإن يُفِد تَوكِيدُ منكور قُبِل ... وعن نُحَاةِ البَصْرَةِ المنع شَمِل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الخامس قال في التسهيل: وأجرى في التوكيد مجرى كل ما أفاد معناه من الضرع والزرع والسهل والجبل واليد والرجل والبطن والظهر, يشير إلى قولهم: مطرنا الضرع والزرع، ومطرنا السهل والجبل، وضربت زيدًا اليد والرجل، وضربته البطن والظهر. السادس ألفاظ التوكيد معارف: أما ما أضيف إلى الضمير فظاهر، وأما أجمع وتوابعه ففي تعريفه قولان: أحدهما أنه بينة الإضافة ونسب لسيبويه، والآخر بالعلمية علق على معنى الإحاطة "وإن يفد توكيد منكور" بواسطة كونه محدودًا وكون التوكيد من ألفاظ الإحاطة "قبل" وفاقًا للكوفيين والأخفش، تقول اعتكفت شهرًا كله. ومنه قوله:
828- يَا لَيتَ عِدَّةَ حَولٍ كُلِّهِ رَجَبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "الضرع" بفتح الضاد المعجمة والزرع أي: جميعنا وكذا يقال فيما بعده. قوله: "وضربت زيدًا إلخ" أي: إذا أريد باليد والرجل وبالبطن والظهر الجملة أما إذا أريد العضوان فقط فبدل بعض. قوله: "معارف" ومن ثم لم تنصب حالًا على الأصح كما في السيوطي أي: مع إضافتها فلا ينافي ما قدمه الشارح في خلق لكم ما في الأرض جميعًا إنا كلا فيها. قوله: "بنية الإضافة" قيل هذا ينافي ما قدمه من امتناع حذف الضمير استغناء بنية الإضافة, والحق أنه لا منافاة؛ لأن ما تقدم في غير أجمع وتوابعه كما نبه عليه سم. قال في المغني: يجب تجريد نحو: أجمع المؤكد به من ضمير المؤكد. وأما قولهم: جاءوا بأجمعهم فهو بضم الميم لا بفتحها, فهو جمع لجمع كأفلس وفلس أي: بجماعاتهم ا. هـ. لكن نقل الرضي والبرماوي في شرح ألفية الأصول فتح الميم أيضًا.
قوله: "بالعلمية" أي: الجنسية وعليه فهي ممنوعة من الصرف للعلمية, ووزن الفعل إلا جمع وتوابعه فللعلمية والعدل وعلى الأول يكون منعها من الصرف للوصفية ووزن الفعل, إلا جمع وتوابعه فللوصفية والعدل كأخر كذا قال البعض. وظاهره أن جمعاء وتوابعه كأجمع وتوابعه, ويبطله أنها ليست بوزن الفعل, ولو جعل مانع صرفها ألف التأنيث الممدودة لم يبعد بل يتعين. ثم الذي قاله الدماميني أن منع الصرف على الأول لشبه العلمية ووزن الفعل ووجه الشبه كون كل من منوي الإضافة والعلم معرفة بغير معرف لفظي. قوله: "علق على معنى الإحاطة" أي: وضع على معنى هو الأحاطة ولا يخفى أن جعل مدلوله الإحاطة يورث اختلال الكلام, إذ يكون حينئذٍ معنى جاء القوم أجمع جاء القوم الإحاطة, فلعل في العبارة حذف مضاف أي: ذي الإحاطة على أن الإحاطة مصدر المبني للمفعول فافهم. قوله: "وفاقًا للكوفيين والأخفش" فلا يشترط عندهم
__________
828- صدره:
لكنه شاقه أن قيل ذا رَجَب
والبيت من البسيط، وهو لعبد الله بن مسلم الهذلي في شرح أشعار الهذليين 2/ 910؛ ومجالس ثعلب 2/ 407؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص190؛ والإنصاف ص450؛ وأوضح المسالك 3/ 332؛ وتذكرة النحاة ص640؛ وجمهرة اللغة ص525؛ وخزانة الأدب 5/ 170؛ وشرح التصريح 2/ 125؛ وشرح شذور الذهب ص551؛ وشرح قطر الندى ص296؛ والمقاصد النحوية 4/ 96.(3/113)
وَاغْنَ بكِلتا في مُثَنَّى وكِلا ... عن وَزْنِ فَعْلاء وَوَزْنِ أَفْعَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
829- تَحْمِلُني الذَّلفاءُ حَولًا أَكْتَعا
وقوله:
830- قَد صَرَّتِ البَكْرَةُ يومًا أَجْمَعا
"وعن نحاة البصرة المنع شمل" أي: عم المفيد وغير المفيد. ولا يجوز صمت
زمنًا كله ولا شهرًا نفسه "واغن بكلتا في مثنى وكلا عن" تثنية "وزن فعلاء ووزن أفعلا" كما استغنى بتثنية سي عن تثنية سواء، فلا يجوز جاء الزيدان أجمعان، ولا الهندان جمعاوان، وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش قياسًا معترفين بعدم السماع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تطابق التوكيد والمؤكد تعريفًا وتنكيرًا. قوله: "رجب" هو كصفر إن أريد به معين فغير منصرف للعلمية والعدل عن المحلى بأل, وإلا فمنصرف نقله الدنوشري عن السعد وغيره, ونقل شيخنا عن شرح المواهب لشيخه الزرقاني أن رجب من أسماء الشهور مصروف, وإن أريد به معين كما في المصباح.
قوله: "الذلفاء" بالذال المعجمة ثم الفاء اسم امرأة. قوله: "قد صرت" بتشديد الراء أي: صوتت البكرة أي: بكرة البئر كما في العيني وشيخ الإسلام زكريا فتفسير البعض لها بالناقة فيه نظر. وهي بسكون الكاف وجوز بعضهم فتحها. قوله: "ولا يجوز صمت زمنًا إلخ" أي: بإجماع الفريقين؛ لأن النكرة في الأول غير محدودة والتوكيد في الثاني ليس من ألفاظ الإحاطة وفي نسخ فلا يجوز بالفاء وهي أولى. قوله: "واغن بكلتا إلخ" قال في النكت: ظاهره أن ما عدا ذلك من كل وعامة وجميع يستعمل في المثنى والمجموع؛ لأن كلامه فيما تقدم عام خصوصًا أنه ذكر في التسهيل جواز الاستغناء بكل عن كلا وكلتا, ورده أبو حيان وقال: إنه يحتاج إلى نقل وسماع من العرب. قوله: "في مثنى" أي: فيما دل على اثنين وإن لم يسم في الاصطلاح مثنى ليدخل
نحو: جاء زيد وعمرو كلاهما وهند ودعد كلتاهما. قوله: "عن تثنية وزن إلخ" قدر تثنية؛ لأن نفس وزن فعلاء لا يصلح للمثنى حتى يستغنى فيه عنه لغيره.
قوله: "فلا يجوز جاء الزيدان أجمعان ولا الهندان جمعاوان" لو قال فلا يجوز جاء
__________
829- قبله:
يا ليتني كنت صبيًّا مُرضَعا
والرجز بلا نسبة في الدرر 6/ 35، 41؛ وخزانة الأدب 5/ 169؛ وشرح ابن عقيل ص385؛ وشرح عمدة الحافظ ص562، 565؛ ولسان العرب 8/ 305 "كتع"؛ والمقاصد النحوية 4/ 93؛ والمقرب 1/ 240؛ وهمع الهوامع 2/ 123، 124.
830- الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص291؛ والإنصاف 2/ 455؛ وخزانة الأدب 1/ 181، 5/ 169؛ والدرر 6/ 39؛ وشرح ابن عقيل ص485؛ وشرح عمدة الحافظ ص565؛ وشرح المفصل 3/ 44، 45؛ والمقاصد النحوية 4/ 95؛ والمقرب 1/ 240؛ وهمع الهوامع 2/ 124.(3/114)
وإنْ تُؤكِّد الضمِيرَ المتَّصِل ... بالنفس والعَيْن فَبَعْد المنفَصِل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهان: الأول المشهور أن كلا للمذكر وكلتا للمؤنث. قال في التسهيل: وقد يستغنى بكليهما عن كلتيهما أشار بذلك إلى قوله:
831- يَمُتُّ بِقُرْبَى الزَّينَبَينِ كِلَيهِمَا
وقال ابن عصفور هو من تذكير المؤنث حملًا على المعنى للضرورة كأنه قال: بقربي الشخصين. الثاني ذكر في التسهيل أيضًا أنه قد يستغنى عن كليهما وكلتيهما بكلهما، فيقال على هذا جاء الزيدان كلهما والهندان كلهما "وإن تؤكد الضمير المتصل" مستترًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجيشان أجمعان ولا القبيلتان جمعاوان لكان أولى؛ لأن ما مثل به لا يجوز. وإن قلنا بجواز تثنية أجمع وجمعاء؛ لأنه لا يؤكد بأجمع وجمعاء إلا مفرد ذو أبعاض ومفردة ذات أبعاض فبفرض جواز تثنيتهما إنما يؤكد بهما مثنى واحده مفرد ذو أبعاض ومفردة ذات أبعاض, إلا أن يدعي الفرق بين حالتي التثنية والجمع وفيه ما فيه. قوله: "وأجاز ذلك الكوفيون إلخ" وهل يجري خلافهم في توابع أجمع وجمعاء وهو أكتع وكتعاء إلخ, في كلام بعضهم ما يشعر بجريانه والقياس يقتضيه نقله شيخنا. قوله: "يمت" بفتح الميم وتشديد الفوقية أي: ينتسب أو بمعنى يتوسل بالقرابة وعليه يحتاج إلى تجريد يمت عن كونه بالقرابة لئلا يتكرر قوله بقربي.
قوله: "وقال ابن عصفور هو من تذكير المؤنث إلخ" يحتمل أن هذا قول آخر مخالف لما قاله في التسهيل فيكون المراد أن الشاعر احتاج إلى التذكير بتأويل الزينبين بالشخصين فارتكبه فكان إتيانه كليهما في محله, فليس المحل حينئذٍ لكلتيهما فقط حتى يكون الإتيان بكليهما من باب الاستغناء بكليهما عن كلتيهما, ويحتمل أنه تأييد وإيضاح لما قاله في التسهيل بين به وجه الاستغناء. قوله: "وأن تؤكد الضمير المتصل إلخ" قال الفارضي: وإنما وجب ذلك لوقوع اللبس في بعض المواضع كما لو قلت: هند ذهبت نفسها وسعدى خرجت عينها, إذ يحتمل أن تكون نفسها ذهبت وعينها خرجت, فإذا قيل: ذهبت هي نفسها لم يكن لبس ولم يفرقوا بين هذين المثالين وغيرهما طردًا للباب ا. هـ. وأيضًا إنما وجب ذلك؛ لأن المرفوع المتصل بمنزلة الجزء فكرهوا أن يؤكدوه أولًا بمستقل من غير جنسه, فأكدوه أولًا بمستقل من جنسه وبمعناه وهو الضمير المنفصل المرفوع ليكون تمهيدًا لتأكيده بالمستقل من غير جنسه, وهو النفس والعين اللذان هما من الأسماء الظاهرة, أما إذا كان المؤكد اسمًا ظاهرًا أو ضمير رفع منفصلًا أو ضمير نصب مطلقًا فلا يشترط هذا الشرط لفقد العلة المقتضية له إذ الظاهر مستقل والمنفصل ليس كالمتصل لاستقلاله بنفسه والمنصوب ليس كالمرفوع في شدة الاتصال.
__________
831- عجزه:
إليك وقربى خالد وحبيب
والبيت من الطويل، وهو لهشام بن معاوية في المقاصد النحوية 4/ 106؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص559؛ والمقرب 1/ 239.(3/115)
عَنَيْتُ ذا الرَّفع وأَكَّدُوا بما ... سِواهُما والقَيْدُ لن يُلتَزَمَا
وما من التَّوكيدِ لفظِيّ يَجِي ... مُكَرَّرًا كقولك ادْرُجِي ادْرُجِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان أو بارزًا "بالنفس والعين فبعد" الضمير "المنفصل" حتما "عنيت" المتصل "ذا الرفع" نحو: قم أنت نفسك أو عينك، وقوموا أنتم أنفسكم أو أعينكم، فلا يجوز قم نفسك ولا قوموا أعينكم, بخلاف قام الزيدون أنفسهم فيمتنع الضمير، وبخلاف ضربتهم أنفسهم ومررت بهم أعينهم، فالضمير جائز لا واجب.
تنبيه: ما اقتضاه كلامه هنا من وجوب الفضل بالضمير المنفصل هو ما صرح به في شرح الكافية, ونص عليه غيره. وعبارة التسهيل تقتضي عدم الوجوب ا. هـ "وأكدوا بما سواهما" أي: بما سوى النفس والعين "والقيد" المذكور "لن يلتزما" فقالوا: قوموا كلكم وجاءوا كلهم من غير فصل بالضمير المنفصل. ولو قلت: قوموا أنتم كلكم وجاءوا هم كلهم كلان حسنًا "وما من التوكيد لفظي يجي مكررًا" ما مبتدأ موصول ولفظي خبر مبتدأ محذوف هو العائد، والمبتدأ مع خبره صلة ما. وجاز حذف صدر الصلة وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "بالنفس والعين" إنما اختص هذا الحكم بهما لقوة استقلالهما فإنهما يستعملان في غير التوكيد كثيرًا نحو: علمت ما في نفسك وعين زيد حسنة بخلاف بقية الألفاظ, فلم يكن لها من قوة الاستقلال ما للنفس والعين فلم يكرهوا توكيد المرفوع المتصل بها. قوله: "نحو: قم أنت نفسك إلخ" ونحو: قمنا نحن أنفسنا ونحو: قاموا هم أنفسهم. قوله: "فيمتنع الضمير" لأن الظاهر لا يؤكد بالمضمر لكونه دون المضمر تعريفًا فلا يكون تكملة له. قوله: "ما اقتضاه كلامه هنا إلخ" وجه اقتضائه الوجوب أن التقدير فتوكيده بعد المنفصل والمصدر الواقع خبرًا بمعنى الأمر فكأنه قال فأكده بعد المنفصل, والأمر للوجوب وإنما قدرنا كالمكودي فتوكيده لا فأكده كما فعل الشاطبي؛ لأن حذف المبتدأ هو المعهود في جواب الشرط نحو: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت: 49] .
قوله: "تقتضي عدم الوجوب" أي: عدم وجوب الفصل بالضمير المنفصل فيكفي الفصل بغير الضمير فالشرط مطلق الفصل وعلى هذا اقتصر السيوطي حيث قال: لا يشترط في الفاصل كونه ضميرًا ا. هـ. بل في الفارضي ما نصه: يجوز على ضعف جاءوا أعينهم وقاموا أنفسهم, وجعل منه بعضهم القراءة الشاذة "عَلَيْكُمْ أَنْفُسُكُم" بالرفع على أنه توكيد للضمير المستتر في عليكم. وقال ابن هشام: الصواب أن أنفسكم مبتدأ على حذف مضاف وعليكم خبره أي: عليكم شأن أنفسكم ا. هـ. قوله: "يجيء" حذفت لامه للضرورة, أو على لغة قاله الشاطبي. قوله: "مكررًا" أي: إلى ثلاث مرات فقط لاتفاق الأدباء على أنه لم يقع في لسان العرب أزيد منها كما نقله الدماميني عن العز بن عبد السلام. قال: وأما تكرير {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} في سورة والمرسلات فليس بتأكيد, بل كل آية قيل فيها ذلك فالمراد المكذبون بما ذكر قبيل هذا القول فلم يتعدد على معنى واحد وكذا {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في سورة الرحمن ا. هـ. قوله: "وهو" أي: الجار والمجرور متعلق إلخ.(3/116)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العائد للطول بالجار والمجرور وهو متعلق باستقرار، على أنه حال من الضمير المستتر في الخبر إذ هو في تأويل المشتق، ومكررًا حال من فاعل يجي المستتر, وجملة يجي خبر الموصول, أي: النوع الثاني من نوعي التوكيد, وهو التوكيد اللفظي هو إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنى، كذا عرفه في التسهيل، فالأول يكون في الاسم والفعل والحرف والمركب غير الجملة والجملة نحو: جاء زيد، ونكاحها باطل باطل باطل. وقوله:
832- فَإِيَّاكَ إِيَّاكَ المِرَاءَ فَإِنَّهُ ... إلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وللشَّرِّ جَالِبُ
ونحو: قام قام زيد، ونحو: نعم نعم. وكقوله:
833- فَحَتَّامَ حَتَّامَ العناءُ المطولُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "إذ هو" أي: الخبر وهو لفظي وهذا تعليل لاستتار الضمير فيه. قوله: "هو إعادة اللفظ" قال السيوطي: ولا يضر نوع اختلاف نحو: فمهل الكافرين أمهلهم. قوله: "أو تقويته بموافقه" يوهم أن إعادة لفظه لا تقوية فيها, وليس كذلك مع أن التقوية فائدة التوكيد فلا تذكر في حده إلا أن يقال هو رسم, ولو قال أو ذكر موافقه معنى لكان أولى وأعلم أن كلام المتن صادق بالصورتين؛ لأن قوله مكرر أي: لفظًا ومعنى أو معنى فقط. قوله: "بموافقه" ظاهر في إرادة المرادف ويرد عليه نحو: عطشان نطشان فإنه توكيد لفظي مع أنه ليس بالمرادف, إذ لا يفرد والمرادف يفرد قاله الدماميني. ولك أن تقول إن نحو: نطشان مرادف وعدم إفراده عارض في الاستعمال, فلا يمنع المرادفة فاعرفه. قوله: "يكون في الاسم" استثنى من ذلك الاسم المحذر إذا ذكر العامل, فإنه لا يجوز أن يكرر توكيدًا لئلا يجتمع العوض والمعوض منه؛ لما سيأتي من أنهم جعلوا التكرار نائبًا عن الفعل, وعندي أنه يجوز تكراره توكيدًا ولا يلزم الاجتماع المذكور؛ لأن جعلهم التكرار عوضًا عن الفعل في حالة حذف الفعل لا حالة ذكره فأعرفه فإنه متين. قوله: "ونكاحها باطل باطل باطل" أي: من قوله -صلى الله عليه وسلّم: $"أيما امرأة نكحت نفسها بغير وليّ فنكاحها" إلخ. قوله: "المراء" هو الجدال ودعاء بتشديد العين مثال مبالغة. قوله: "ونحو: نعم نعم" بفتح النون والعين وسكون الميم. قوله: "العناء" بفتح العين
__________
832- البيت من الطويل، وهو للفضل بن عبد الرحمن في إنباه الرواة 4/ 76؛ وخزانة الأدب 3/ 63؛ ومعجم الشعراء ص310، وله أو للعرزمي في حماسة البحتري ص253؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص686؛ وأوضح المسالك 3/ 336؛ والخصائص 3/ 102؛ ورصف المباني ص137؛ وشرح التصريح 2/ 128؛ وشرح المفصل 2/ 25؛ والكتاب 1/ 279؛ وكتاب اللامات ص70؛ ولسان العرب 15/ 441 "أيا"؛ ومغني اللبيب 679؛ والمقاصد النحوية 4/ 113، 308؛ والمقتضب 3/ 213.
833- صدره:
فتلك ولاة السُّوء قد طال مَكْثُهمْ
والبيت من الطويل، وهو للكميت في الدرر 6/ 46؛ وشرح شواهد المغني 2/ 709؛ وشرح عمدة الحافظ ص571؛ والمقاصد النحوية 4/ 111؛ وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في الدرر 4/ 73؛ ولسان العرب 12/ 563 "لوم"؛ ومغني اللبيب 1/ 298؛ وهمع الهوامع 2/ 125.(3/117)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والجملة "كقولك أدرجي أدرجي" وقوله:
834- لَكَ اللهُ لَكَ اللهُ
والثاني كقوله:
أَنْتَ بالخَيرِ حَقِيقٌ قَمِنٌ
وقوله:
835- وَقُلنَ عَلَى الفِرْدَوسِ أَوَّلُ مَشْرَبٍ ... أَجَل جَيرِ إن كانَت أُبِيحَتْ دَغَاثِرُهُ
وقوله:
836- صَمِّي لِما فَعَلَتْ يَهودُ صَمَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المهملة والمد التعب. قوله: "لك الله لك الله" شطر بيت من الهزج.
قوله: "والثاني" أي: تقوية اللفظ بموافقه معنى, ويكون أيضًا في الاسم والفعل والحرف والجملة كما في التصريح, وإن أوهم صنيع الشارح خلافه. قوله: "وقلن إلخ" الضمير للنسوة وعلى الفردوس حال من الضمير والفردوس البستان. وأول مشرب مبتدأ خبره محذوف أي: لنا، وإن للشرط وجوابه محذوف لتقدم دليله، أو بالفتح مصدرية بتقدير لام التعليل أي: لأن كانت إلخ. والدعاثر بالعين المهملة ثم المثلثة جمع دعثور كعصفور وهو الحوض، والضمير فيه للفردوس كذا قال العيني. وقضية قول الشمني المعنى أول مشرب نشربه يكون على الفردوس أن على الفردوس خبر مقدم وأول مشرب مبتدأ مؤخر. قوله: "صمي" بفتح الصاد المهملة وتشديد الميم أمر من صمم من باب علم أصله اصممي بوزن اعلمي نقلت فتحة الميم الأولى إلى الصاد
__________
834- تمامها:
أيا من لست أقلاه ... لا في البعد أنساه
لك الله على ذاك ... لك الله لك الله
والبيتان من الهزج، وهما بلا نسبة في الدرر 6/ 48؛ وشرح عمدة الحافظ ص573؛ والمقاصد النحوية 4/ 97؛ وهمع الهوامع 2/ 125.
835- البيت من الطويل، وهو لمضرس بن ربعي في ديوانه ص76؛ وخزانة الأدب 10/ 103، 106، 107؛ وشرح شواهد المغني 1/ 362؛ والمقاصد النحوية 4/ 98؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص360؛ وجواهر الأدب ص373؛ والدرر 6/ 43؛ وشرح المفصل 8/ 122، 124؛ ولسان العرب 4/ 156 "جير" 4/ 287 "دعثر"؛ ومغني اللبيب 1/ 120.
836- صدره:
فرَّت يهودُ وأَسْلَمَتْ جِيرانَها
والبيت من الكامل، وهو للأسود بن يعفر في ديوانه ص61؛ وشرح شواهد الإيضاح ص437؛ ولسان العرب 3/ 439 "هود"، 12/ 345 "صمم" ومجالس ثعلب ص589؛ والمقاصد النحوية 4/ 112.(3/118)
ولا تُعِدْ لفظَ ضَمير مُتّصِل ... إلا مع اللفظ الذي به وُصِل
كذا الحروف غير ما تَحَصَّلا ... به جواب كنَعَمْ وكَبَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه توكيد الضمير المتصل بالمنفصل.
تنبيه: الأكثر في التوكيد اللفظي أن يكون في الجمل، وكثيرًا ما يقترن بعاطف نحو: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ: 4] ، الآية ونحو: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34] ، ونحو: {مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار: 17] الآية، ويأتي بدونه نحو قوله عليه الصلاة والسلام: $"والله لأغزون قريشًا" ثلاث مرات, ويجب الترك عند إبهام التعدد نحو: ضربت زيدًا ضربت زيدًا ولو قيل ثم ضربت زيدًا لتوهم أن الضرب تكرر منك مرتين تراخت إحداهما عن الأخرى والغرض أنه لم يقع منك إلا مرة واحدة ا. هـ "ولا تعد لفظ ضمير متصل إلا مع اللفظ الذي به وصل" فتقول قمت قمت، وعجبت منك منك؛ لأن إعادته مجردًا تخرجه عن الاتصال "كذا الحروف غير ما تحصلا به جواب كنعم وكبلى" وأجل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وحذفت همزة الوصل للاستغناء عنها وأدغمت الميم في الميم. والخطاب للأذن. وصمام أصله فعل وهو توكيد لفظي, وقال كثير الخطاب للداهية وصمام منادى حذف منه حرف النداء. ذكر العيني القولين ويؤيد هذا القول قول القاموس بعد أن ذكر أن صمام كقطام اسم للداهية ما نصه: وصمي صمام أي: زيدي يا داهية، وصمام صمام تصاموا في السكوت ا. هـ. لكن الاستشهاد بالبيت مبني على القول الأول كما لا يخفى. وبما قررناه يعلم ما في كلام البعض من الخلل والله الموفق.
قوله: "بعاطف" أي: وهو ثم خاصة كما في التصريح وجعل الرضي الفاء كثم ويؤيده: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34] ، والمراد بعاطف صورة؛ لأن بين الجملتين تمام الاتصال فلا تعطف الثانية على الأولى حقيقة كما صرح به علماء المعاني؛ ولأن الحرف لو كان عاطفًا حقيقيا كانت تبعية ما بعده لما قبله بالعطف لا التأكيد. قوله: "ونحو: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} " قال في التوضيح الآية. قال صاحب التصريح: أي: ثم أولى لك فأولى فأرشد بقوله الآية إلى أن المؤكد ما بعد ثم والشارح مثل بأولى لك فأولى, ولم يزد فجعل المؤكد الجملة المقرونة بالفاء على ما قاله الرضي من أن الفاء كثم. وكل صحيح خلافًا لمن اعترض على الشارح؛ لأن أولى الثانية مبتدأ حذف خبره أي: لك أو أولى فعل فيه ضمير مستتر على ما يأتي. وعلى كل ففي ذلك تأكيد جملة بجملة. وقوله: {ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} تأكيد للجملتين. قال الشارح على التوضيح: ومعنى أولى لك التهديد والوعيد, وهو من الولي وهو القرب, وأصله أولاه الله ما يكرهه, واللام مزيدة كما في ردف لكم أو أولى له الهلاك. وقيل أفعل من الويل بعد القلب. وقيل أفعل من آل يؤول بمعنى عقباه النار ا. هـ. قوله: "إلا مع اللفظ الذي به وصل" سواء كان اسمًا أو فعلًا أو حرفًا. قوله: "وعجبت منك منك" وزيد مررت به به فلا فرق بين ضمير المتكلم والمخاطب والغائب.
قوله: "كنعم وكبلى" نعم حرف تصديق للمخبر وإعلام للمستخبر ووعد للطالب. وبمعنى(3/119)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجيرو إي ولا لكونها كالجزء من مصحوبها، فيعاد مع المؤكد ما اتصل بالمؤكد إن كان مضمرًا نحو: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35] ، ويعاد هو أو ضميره إن كان ظاهرًا نحو: إن زيدًا إن زيدًا فاضل أو إن زيدًا إنه فاضل وهو الأولى, ولا بد من الفصل بين الحرفين كما رأيت. وشذ اتصالهما كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نعم جير وأجل وإي كما في المغني وأما بلى فلا تقع باطراد إلا بعد النفي مجردًا نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى} [التغابن: 7] ، أو مقرونًا باستفهام حقيقي, كأن يقال: أليس زيد بقائم فتقول: بلى، أو توبيخي نحو: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} [الزخرف: 80] ، أو تقريري نحو: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] ، أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى رعيًا للفظه وحده هذا هو الأكثر.
ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بنعم رعيا لمعنى الهمزة والنفي الذي هو إيجاب، ألا ترى أنه لا يجوز بعده دخول أحد ولا الاستثناء المفرغ, فلا يقال أليس أحد في الدار ولا أليس في الدار إلا زيد, ولهذا نازع جماعة كالسهيلي فيما حكي عن ابن عباس في الآية أنهم لو قالوا: نعم لكفروا. نعم لو أجيب {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} بنعم لم يكف في الإقرار لاحتماله غير المراد ولهذا لا يدخل في الإسلام بلا إله إلا الله برفع إله؛ لاحتمال نفي الوحدة كذا في المغني, وإنما كان التقرير مع النفي إيجابًا؛ لأن الهمزة للنفي ونفي النفي إيجاب؛ ولأن غرض المتكلم تقرير المخاطب بالإيجاب. وحاصل المقام أن قام زيد تصديقه نعم وتكذيبه لا وتمتنع بلى لعدم النفي وما قام زيد تصديقه نعم وتكذيبه بلى وتمتنع؛ لا لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي، وأقام زيد كقام زيد فإن أثبت القيام قلت: نعم, وإن نفيته قلت: لا, ويمتنع بلى، وألم يقم زيد كلم يقم زيد فإن أثبت القيام قلت: بلى ويمتنع لا، وإن نفيته قلت: نعم لكن إن كان الاستفهام تقريريا وأمن اللبس جاز لك أن تثبت بنعم كما مر فعلم أن بلى لا تأتي إلا بعد نفي, وأن لا لا تأتي إلا بعد إيجاب وأن نعم تأتي بعدهما قاله في المغني.
قوله: "لكونها" أي: الحروف غير حروف الجواب. قوله: "ويعاد هو" أي: ما اتصل بالمؤكد بفتح الكاف وكذا الضمير إن في قوله أو ضميره إن كان ظاهرًا. قوله: "وهو الأولى" لأنه الأصل, وأما الأول فمن وضع الظاهر موضع المضمر. قيل من الثاني {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107] ، ففي الثانية توكيد للأولى وأعيد مع الثانية ضمير رحمة, ولعله مبني على أن هم مبتدأ ثان, وخالدون خبره وفي رحمة الله متعلق بخالدون، أما على أن في رحمة الله خبر عما قبله, وهم فيها خالدون جملة مستأنفة فليست الآية مما نحن فيه. قال في المغني: ولا يكون الجار والمجرور توكيدًا للجار والمجرور؛ لأن الضمير لا يؤكد الظاهر؛ لأن الظاهر أقوى ولا يكون المجرور بدلًا من المجرور بإعادة الجار؛ لأن العرب لم تبدل مضمرًا من مظهر ا. هـ. لكن ذكر في محل آخر أن النحويين أجازوا إبدال المضمر من المظهر.
قوله: "ولا بد من الفصل بين الحرفين" هذا يقوم مقام إعادة ما اتصل به. وعبارة(3/120)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
837- إنَّ إنَّ الكَرِيمَ يَحْلُمُ ما لَم ... يَرَيَنْ مَنْ أَجَارَهُ قَدْ ضِيمَا
وأسهل منه قوله:
838- حَتَّى تَرَاهَا وكَأَنَّ وكَأَنْ ... أَعْناقها مُشَدَّداتٌ بِقَرَنْ
وقوله:
839- لَيتَ شِعْرِي هل ثَمَّ هل آتِيَنْهُمْ
وقوله:
840- لا يُنْسِكَ الأَسَى تأسِّيًا فما ... ما مِنْ حِمامٍ أَحَدٌ مُعْتَصِمَا
للفصل في الأولين بالعاطف وفي الثالث بالوقف. وأشذ منه قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السيوطي أو حرف غير جوابي لم يعد اختيارًا إلا مع ما دخل عليه أو مفصولًا. قوله: "يحلم" بضم اللام في المضارع وكذا الماضي. قوله: "حتى تراها" أي: المطي. والقرن حبل يقرن به البعيران. قوله: "تأسيًا" أي: اقتداء بمن قبلك من الصابرين. قوله: "للفصل في الأولين بالعاطف" قال شيخنا: والبعض فيه نظر بالنسبة لأول الأولين أعني قوله: وكأن وكأن, فإن مجموع وكأن الثانية تأكيد لمجموع, وكأنه الأولى فالواو من جملة المؤكد فلم يفصل بين المؤكد والمؤكد بعاطف ا. هـ. ولا يخفى أن ما ذكراه غير متعين لجواز أن يكون المؤكد كأن فقط والواو عاطفة فاصلة بينه وبين توكيده كما درج عليه الشارح لكن يرد على هذا أن العطف الذي يفصل به هو ثم, وكذا الفاء على قول الرضي لا الواو إلا أن يجعل التقييد بثم والفاء للفصل بالعاطف قياسًا, وهذا سماع فتدبر. قوله: "وأشذ منه" أي: من قوله: أن إن
__________
837- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 340؛ والدرر 6/ 54؛ وشرح التصريح 2/ 130؛ والمقاصد النحوية 4/ 107؛ وهمع الهوامع 2/ 125.
838- الرجز لخطام المجاشعي أو للأغلب العجلي في الدرر 6/ 50؛ وشرح التصريح 2/ 130؛ والمقاصد النحوية 4/ 100؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 253؛ وأوضح المسالك 3/ 342؛ وشرح التصريح 1/ 317؛ وهمع الهوامع 2/ 125.
839- عجزه:
أو يحولَنَّ من دون ذاك حِمام
والبيت من الخفيف، وهو للكميت بن معروف في الدرر 6/ 52؛ وشرح شواهد المغني 2/ 771؛ والمقاصد النحوية 4/ 109؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص334، 406؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 684؛ ومغني اللبيب 2/ 350، وهمع الهوامع 2/ 125؛ ويروى "الردى" مكان "الحمام".
840- الرجز بلا نسبة في تخليص الشواهد ص278؛ وحاشية يس 2/ 130؛ وخزانة الأدب 4/ 120؛ والجنى الداني ص328؛ والدرر 2/ 102، 103، 6/ 52؛ والمقاصد النحوية 4/ 110؛ وهمع الهوامع 1/ 124، 2/ 125.(3/121)
ومُضْمَرَ الرَّفعِ الذي قَدِ انْفَصَل ... أَكَّد بِهِ كُلَّ ضميرٍ اتَّصَل
__________
841- فَلا واللهِ لا يُلفَى لِمَا بِي ... ولا لِلِمابِهِم أَبَدًا دَوَاءُ
لكون الحرف المؤكد وهو اللام موضوعًا على حرف واحد. وأسهل من هذا قوله:
842- فَأَصْبَحنَ لا يَسْألنَهُ عن بِما بهلأن المؤكد على حرفين ولاختلاف اللفظين. أما الحروف الجوابية فيجوز أن تؤكد بإعادة اللفظ من غير اتصالها بشيء؛ لأنها لصحة الاستغناء بها عن ذكر المجاب به هي كالمستقل بالدلالة على معناه، فتقول: نعم نعم، وبلى وبلى، ولا لا. ومنه قوله:
843- لَا لا أَبُوحُ بِحُبِّ بَثْنَةَ إنَّها ... أَخَذَتْ عَلَيَّ مواثِقًا وعُهودًا
"ومضمر الرفع الذي قد انفصل أكد به كل ضمير اتصل" نحو: قم أنت، ورأيتك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكريم إلخ. قوله: "لا يلفي" أي: لا يوجد. قوله: "وأسهل من هذا" أي: من قوله: ولا للمابهم إلخ.
قوله: "لأن المؤكد" بفتح الكاف على حرفين أي: فبعد عن قوله: للمابهم، وقرب نوع قرب لقوله: إن أن الكريم. وصح توكيد عن بالباء؛ لأن الباء بمعنى عن يقال سألت به وسألت عنه، ومن الأول، {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] ، فهو توكيد بالمرادف. قوله: "فيجوز أن تؤكد" الأنسب بقوله من غير اتصالها بشيء كسر كاف تؤكد فتدبر. قوله: "بثنة" بفتح الموحدة وسكون المثلثة بعدها نون اسم محبوبته. قوله: "أكد به كل ضمير اتصل" لكن على وجه استعارته في
__________
841- البيت من الوافر، وهو لمسلم بن معبد الوالبي في خزانة الأدب 2/ 308، 312، 5/ 157، 9/ 528، 534، 10/ 191، 11/ 267، 287، 320؛ والدرر 5/ 147، 6/ 53، 256؛ وشرح شواهد المغني ص 773؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص571؛ وأوضح المسالك 3/ 343؛ والجنى الداني ص80، 345؛ والخصائص 2/ 282؛ ورصف المباني ص202، 248، 255، 259؛ وسر صناعة الإعراب ص282، 332؛ وشرح التصريح 2/ 130، 230؛ والصاحبي في فقه اللغة ص56؛ والمحتسب 2/ 256؛ ومغني اللبيب ص181؛ والمقاصد النحوية 4/ 102؛ والمقرب 1/ 338؛ وهمع الهوامع 2/ 125، 158.
842- عجزه:
أصعَّد في عُلو الهَوى أم تصَوَّبا
والبيت من الطويل، وهو للأسود بن يعفر في ديوانه ص21؛ وشرح التصريح 2/ 130؛ والمقاصد النحوية 4/ 103؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 354؛ وخزانة الأدب 9/ 527، 528، 529، 11/ 142؛ والدرر 4/ 105، 147؛ وسر صناعة الإعراب ص136؛ وشرح شواهد المغني ص774؛ ولسان العرب 3/ 251 "صعد"؛ ومغني اللبيب ص354؛ وهمع الهوامع 2/ 22، 30، 78، 158.
843- البيت من الكامل، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص58؛ وخزانة الأدب 5/ 159؛ والدرر 6/ 47؛ وشرح التصريح 2/ 129؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 338؛ وشرح قطر الندى ص291؛ والمقاصد النحوية 4/ 114؛ وهمع الهوامع 2/ 125.(3/122)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنت، ومررت بك أنت، وزيد جاء هو. ورأيتني أنا.
تنبيه: إذا أتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب نحو: رأيتك إياك, فمذهب البصريين أنه بدل، ومذهب الكوفيين أنه توكيد. قال المصنف: وقولهم عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في نحو: فعلت أنت، والمرفوع تأكيد بإجماع.
خاتمة في مسائل منثورة: الأولى لا يحذف المؤكد ويقام المؤكد مقامه على الأصح. وأجاز الخليل نحو: مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما، وقدره هما صاحباي أنفسهما. الثانية لا يفصل بين المؤكد والمؤكد بإما على الأصح، وأجاز الفراء مررت بالقوم إما أجمعين، وإما بعضهم. الثالثة لا يلي العامل شيء من ألفاظ التوكيد وهو على حاله في التوكيد إلا جميعًا وعامة مطلقًا، فتقول: القوم قام جميعهم وعامتهم، ورأيت جميعهم وعامتهم، ومررت بجميعهم وعامتهم. وإلا كلا وكلا وكلتا مع الابتداء بكثرة ومع غيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
توكيد ضمير النصب والجر والتوكيد في الكل لفظي بالمرادف وسكت المصنف عن توكيد المنفصل المرفوع, أو المنصوب بمنفصل مرفوع. وينبغي أن لا يتوقف في جواز الأول. ومقتضى منع الثاني أنه لا يجوز: إياك أنت أكرمت وما أكرمت إلا إياك أنت. وفي المغني أن أنت من نحو: {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} يصح كونه فصلًا أو توكيدًا أو مبتدأ والأول أرجح فالثاني. قوله: "والمرفوع تأكيد بإجماع" أي: يجوز أن يكون توكيدًا بإجماع كما يجوز أن يكون بدلًا فالإجماع إنما هو على جواز التوكيد.
قوله: "لا يحذف المؤكد" أي: لأن الغرض من التوكيد التقوية والحذف ينافيه وتقدم ما فيه. قوله: "وقدره إلخ" ويجوز نصب أنفسهما بتقدير أعينهما أنفسهما. قوله: "بإما" أما الفصل بغيرهما فثابت كقوله تعالى: {وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب: 51] . قوله: "إما أجمعين وإما بعضهم" محط التمثيل قوله إما أجمعين؛ لأنه التوكيد المفصول بينه وبين المؤكد بإما لا قوله وإما بعضهم، ولا يلزم من عطفه على أجمعين أن يكون تأكيدًا بدليل: لم يجئني القوم كلهم بل بعضهم أو ولا بعضهم, حتى يرد أنه ليس من ألفاظ التوكيد, فسقط ما نقله البعض عن الدماميني وأقره من الأشكال. قوله: "وهو على حاله في التوكيد" أي: من إفادة التقوية ورفع الاحتمال واحترز بذلك عن نحو: طابت نفس زيد وفقئت عين عمرو؛ فإن المراد بالنفس الروح وبالعين الباصرة فليسا على حالهما في التوكيد. ويرد عليه نحو: جاءني نفس زيد وعين عمرو أي: ذاتهما وفي التنزيل: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] ، أي: ذاته. قوله: "مطلقًا" أي: مع الابتداء وغيره.
قوله: "جميعهم وعامتهم" الواو بمعنى؛ أو لأنه لا يجمع بين لفظي توكيد بعطف لما مر. قوله: "مع الابتداء بكثرة" لأن الابتداء عامل معنوي فلا يبعد معموله وهو المبتدأ من التأكيد وولي(3/123)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بقلة فالأول نحو: القوم كلهم قائم، والرجلان كلاهما قائم، والمرأتان كلتاهما قائمة. والثاني كقوله:
844- يَمِيدُ إذا والَتْ عليه دِلاؤُهُمْ ... فَيَصْدُرُ عَنْهُ كُلُّها وهْوَ ناهِلُ
وقولهم كليهما وتمرا: أي: أعطني كليهما. وأما قوله:
845- فلمَّا تَبَيَّنَّا الهدى كان كُلّنا ... على طاعة الرحمن والحَقِّ والتُّقى
فاسم كان ضمير الشأن لا كلنا. الرابعة يلزم تابعية كل بمعنى كامل وإضافته إلى مثل متبوعه مطلقًا نعتًا لا توكيدًا، نحو: رأيت الرجل كل الرجل، وأكلت شاة كل شاة. الخامسة يلزم اعتبار المعنى في خبر كل مضافًا إلى نكرة نحو: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لفظ التوكيد العامل في هذه الحالة باعتبار أن الابتداء سابق في التقدير على لفظ التوكيد الواقع مبتدأ؛ لأن رتبة العامل التقديم على المعمول. قوله: "فالأول" أي: ولي لفظ التوكيد وهو مبتدأ العامل. قوله: "نحو: القوم كلهم قائم" القوم مبتدأ أول وكلهم مبتدأ ثاني, وقائم خبر المبتدأ الثاني وهو وخبره خبر الأول, والمثال يكفي فيه الاحتمال فلا يقال: يحتمل أن كلهم تأكيد للقوم لا مبتدأ.
قوله: "يميد" أي: يضطرب والضمير فيه وفي عليه وعنه لماء البئر وفي نسخ عنها فيكون راجعًا إلى البئر وقوله فيصدر أي: يذهب عنه كلها أي: كل من الجماعة أصحاب الدلاء وهو ناهل أي: ريان. قوله: "لا كلنا" أي: حملًا على الكثير؛ لأنه إذا جعل اسم كان ضمير الشأن كان كلنا مبتدأ مخبرًا عنه بقوله على طاعة الرحمن والجملة خبر كان, وإذا جعل كل اسمًا لكان كان استعمالا لها على ما ثبت لها بقلة. قوله: "يلزم تابعية كل" أي: ولا يجوز قطعها وإن كانت كل التي بمعنى كامل نعتًا والنعت يجوز قطعه وكأن وجه ذلك أن أصلها التوكيد وهو لا يقطع. قوله: "بمعنى كامل" فيه أنها لو كانت بمعنى كامل لكان معنى قولنا جاء الرجل كل الرجل جاء الرجل كامل الرجل وفيه تهافت, ويدفع بحمل المضاف إليه على الاستغراق. قوله: "إلى مثل متبوعه" أي: لفظًا ومعنى كذا قالوا, ومقتضى القياس على الاكتفاء في أي الوصفية والحالية بالإضافة إلى مثل الموصوف معنى فقط أن يكون هنا كذلك إلا أن يفرق فتدبر وقوله مطلقًا أي: سواء تبع معرفة أو نكرة كما يرشد إليه تمثيله. قوله: "اعتبار المعنى" أي: معنى كل ومعناها بحسب ما تضاف إليه فيجب مطابقة الخبر للنكرة المضاف إليها كل.
__________
844- البيت من الطويل، وهو لكثير عزة في ديوانه ص506؛ وشرح عمدة الحافظ ص575؛ وبلا نسبة في الدرر 5/ 132؛ وشرح شواهد المغني 2/ 521؛ ومغني اللبيب 1/ 195؛ وهمع الهوامع 2/ 73.
845- البيت من الطويل، وهو للإمام علي بن أبي طالب في ديوانه ص11؛ وشرح شواهد المغني 2/ 521؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب 1/ 195.(3/124)
العطف:
للعَطْفِ إمّا ذو بَيان أو نَسَق ... والغَرَضُ الآن بيانُ ما سَبَق
فذو البيان تابِعٌ شبه الصِّفه ... حقيقة القصد به منكشفه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عمران: 185] {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] ، ولا يلزم مضافًا إلى معرفة فتقول: كلهم ذاهب وذاهبون. والله أعلم.
العطف:
"العطف إما ذو بيان أو نسق والغرض الآن بيان ما سبق" وهو عطف البيان "فذو البيان تابع شبه الصفه حقيقه القصد به منكشفه" فتابع جنس يشمل جميع التوابع، وشبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "في خبر كل" قيد بالخبر؛ لأن ما فيه الضمير وليس خبرًا, إن كان من جملة كل لزم اعتبار المعنى, وإن كان من جملة أخرى لم يلزم اعتبار المعنى. ومن هنا يعلم توجيه عدم المطابقة في قوله تعالى: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ} [الحج: 27] ، بجعل يأتين استئنافًا لا صفة وكذا، {مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ، لَا يَسَّمَّعُونَ} [الصافات: 7] ، مع أن جعل لا يسمعون صفة أو حالًا فاسد معنى أيضًا, إذ لا معنى للحفظ من شياطين لا يسمعون. وأوجب ابن هشام الجمع في الكل المجموعي نحو: أعطاني كل رجل فأغنوني إذا كان حصول الغني من المجموع لا من كل واحد أفاده الدماميني، وجمع الأمرين قوله تعالى: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر: 70] ، فأفرد أولًا وجمع ثانيًا لدلالة كل نفس على متعدد, ففي مفهوم الخبر تفصيل. قوله: "فرحون" فيه الشاهد؛ لأنه الخبر. قوله: "ولا يلزم مضافًا إلى معرفة" بل يجوز رعاية لفظ كل في الإفراد والتذكير, ومعناها هذا ما درج عليه المصنف في تسهيله. وذهب ابن هشام إلى أنه يجب في خبرها رعاية لفظها إذا أضيفت
إلى معرفة نحو: {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ} [مريم: 95] ، {كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] ، هذا كله إذا ذكر المضاف إليه فإن حذف فالذي صوبه ابن هشام أنه إن كان المقدر مفردًا نكرة وجب الإفراد كما لو صرح به, وإن كان جمعًا معرفًا وجب الجمع, وإن كانت المعرفة لو صرح بها لم يجب الجمع تنبيهًا على حال المحذوف فيهما فالأول نحو: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84] ، أي: كل أحد والثاني نحو: {وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} [الأنفال] ، أي: كلهم ا. هـ. دماميني باختصار.
العطف:
هو لغة الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه. وسمي هذا التابع عطف البيان؛ لأن المتكلم رجع إلى الأول فأوضحه به. قوله: "شبه الصفة" أي: في الإيضاح والتخصيص وغيرهما, فقد جاء للمدح على ما في الكشاف أن البيت الحرام عطف بيان للكعبة على جهة المدح لا على جهة التوضيح, وللتأكيد على ما ذهب إليه بعضهم في يا نصر نصر نصرًا، لكن في الهمع عن المصنف أن الأولى جعله توكيدًا لفظيا قال: لأن حق عطف البيان أن يكون للأول به زيادة بيان ومجرد تكرير اللفظ لا يحصل به ذلك. قوله: "حقيقة القصد إلخ" أي: الأصل فيه ذلك فلا يرد عطف(3/125)
فَأَوليَنْه من وِفاقِ الأوَّلِ ... ما من وِفاقِ الأوَّلِ النَّعْتُ وَلِي
فقدْ يكونانِ مُنَكَّريْنِ ... كما يكونَانِ مُعَرَّفَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصفة مخرج لعطف النسق والبدل والتوكيد. وحقيقة القصد إلى آخره لإخراج النعت: أي: إنه فارق النعت من حيث أنه يكشف المتبوع بنفسه لا بمعنى في المتبوع ولا في سببه "فأولينه من وفاق الأول" وهو المتبوع "ما من وفاق الأول النعت ولي" وذلك أربعة من عشرة: أوجه الإعراب الثلاثة، والإفراد، والتذكير، والتنكير، وفروعهن. وأما قول الزمخشري: أن مقام إبراهيم عطف بيان على آيات بينات فمخالف لإجماعهم. وقوله وقول الجرجاني: يشترط كونه أوضح من متبوع فمخالف لقول سيبويه في: يا هذا ذا الجمة, إن ذا الجمة عطف بيان مع أن الإشارة أوضح من المضاف إلى ذي الأداة. وإن كان له مع متبوعه ما للنعت مع منعوته "فقد يكونان منكرين كما يكونان معرفين" لأن النكرة تقبل التخصيص بالجامد كما تقبل المعرفة التوضيح به، نحو: لبست ثوبًا جبة, وهذا مذهب الكوفيين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البيان الذي للمدح ونحوه. قوله: "لإخراج النعت" اعترضه شيخنا بأن النعت كما في التصريح خرج بقوله شبه الصفة؛ لأن شبه الشيء غيره وعلى هذا يكون قوله حقيقة إلخ؛ لبيان الفرق بين النعت وعطف البيان لا للإخراج.
قوله: "من حيث أنه يكشف إلخ" وكذا يفارقه من حيث أنه لا يكون إلا جامدًا والنعت لا يكون إلا مشتقا أو مؤولًا به على ما مر. قوله: "فأولينه إلخ" تفريع على قوله شبه الصفة. وفي نفسي من عبارته شيء؛ لأنه إن جعل قوله أولًا من وفاق الأول بيانًا لما مقدمًا عليه استغنى عن قوله ثانيًا من وفاق الأول, وإن جعل قوله ثانيًا بيانًا لما استغنى عن قوله أولًا, فعلى كل حال في كلامه تكرار. قوله: "النعت" أي: الحقيقي؛ لأنه يجب في البيان أن يكون كالمبين في الإفراد والتذكير وفروعهما كالنعت الحقيقي بخلاف النعت السببي كما مر. قوله: "فمخالف لإجماعهم" أي: على وجوب مطابقة البيان والمبين تعريفًا وتنكيرًا وإفرادًا وغيره وتذكيرًا وغيره. ومقام مخالف لآيات من وجوه ثلاثة كما لا يخفى وسننقل عن الرضي تجويز تخالفهما, ولا يجوز أن يكون بدلًا لتصريحهم بأن المبدل منه إذا تعدد وكان البدل غير وافٍ بالعدة تعين القطع, فخرج عن البدلية فالوجه أنه مبتدأ حذف خبره, أي: منها مقام إبراهيم. قوله: "أوضح من متبوعه" أي: أعرف وإنما أوجبا أوضحية البيان من المبين, ولم يوجب أحد أوضحية النعت من المنعوت؛ لأن قصد الإيضاح من عطف البيان أقوى من قصده من النعت؛ لأن البيان يوضح المبين ببيان حقيقته فهو كالتعريف بخلاف النعت. قوله: "ذا الجمة" بضم الجيم الشعر الواصل إلى المنكب. قوله: "إن ذا الجمة عطف بيان" لم يجعله نعتًا لما مر أن نعت اسم الإشارة لا يكون إلا محلى بأل.
قوله: "وإذا كان له إلخ" أشار به إلى أن قوله فقد يكونان إلخ مفرع على قوله فأولينه إلخ, لا على قوله شبه الصفة, حتى يرد اعتراض ابن هشام بأن الواجب الواو لتعطف هذه المسألة على ما قبلها المفرع على قوله شبه الصفة فتأمل. قوله: "فقد يكونان إلخ" أتى به مع علمه مما قبله(3/126)
وصالحًا لبَدَليَّة يُرَى ... في غَيْر نَحْوِيَا غُلامُ يَعْمُرا
ونحو بشْرٍ تابِعِ البكرِيِّ ... ولَيْسَ أنْ يُبْدَلَ بالمَرْضِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والفارسي وابن جني والزمخشري وابن عصفور، وجوزوا أن يكون منه: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] ، فيمن نون كفارة ونحو: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم: 16] وذهب غير هؤلاء إلى المنع، وأوجبوا فيما سبق البدلية ويخصون عطف البيان بالمعارف. قال ابن عصفور: وإليه ذهب أكثر النحويين. وزعم الشلوبين أنه مذهب البصرين. قال الناظم: ولم أجد هذا النقل من غير جهته. وقال الشارح: ليس قول من منع بشيء. وقيل يختص عطف البيان بالعلم اسمًا أو كنية أو لقبًا "وصالحًا لبدلية يرى في غير" ما يمتنع فيه إحلاله محل الأول كما في "نحو يا غلام يعمرا" وقوله:
846- أَيَا أَخَوَينَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوفَلَا
"ونحو بشر تابع البكريِّ" في قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ردًا على المخالف. قوله: "فيما سبق" أي: من المثال والآيتين, وقوله البدلية أي: بدل كل من كل. قوله: "ويخصون عطف البيان بالمعارف" احتجوا بأن البيان بيان كاسمه والنكرة مجهولة, والمجهول لا يبين المجهول. ورد بأن بعض النكرات أخص من بعض والأخص يبين الأعم. قوله: "وصالحًا لبدلية يرى" أشار بتعبيره بالصلاحية إلى ما صرح به في التسهيل من أن عطف البيان أولى من البدل في غير المستثنيات؛ لأن الأصل في المتبوع أن لا يكون في نية الطرح, وأن لا يكون التابع كأنه من جملة أخرى. ومال الدماميني إلى أولوية الإبدال معللًا بما لا ينهض, فانظره في حاشية شيخنا وبقي قسم لا يؤخذ من كلامه وهو تعين الإبدال نحو: يا عبد الله كرز بالضم, فالأقسام ثلاثة: تعين الإبدال وتعين البيان ورجحان أحدهما وهو البيان عند غير الدماميني والإبدال عنده. وأما تساويهما فمنتف, وجعل البعض الأقسام أربعة لعله باعتبار القولين في رجحان أحدهما وفيه من التساهل ما لا يخفى. ثم جواز الأمرين على مقصدين, فإن قصدت بالحكم الأول وجعلت الثاني بيانًا له فهو عطف بيان. وإن قصدت بالحكم الثاني وجعلت الأول كالتوطئة له فهو بدل.
قوله: "يعمرا" بضم الميم وفتحها علم منقول من المضارع منصوب عطف بيان على محل غلام. قوله: "عبد شمس ونوفلا" فيمتنع كون عبد شمس بدلًا من أخوينا لا لذاته, بل لعدم صحة ذلك في المعطوف. قوله: "ونحو بشر تابع البكري" أي: من كل تركيب عطف فيه اسم خال
__________
846- عجزه:
أعيذُكُما بالله أن تحدثا حَرْبا
والبيت من الطويل، وهو لطالب بن أبي طالب في الحماسة الشجرية 1/ 61؛ والدرر 6/ 26؛ وشرح التصريح 2/ 132؛ والمقاصد النحوية 4/ 119؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 350؛ وشرح قطر الندى ص300؛ وهمع الهوامع 2/ 121.(3/127)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
847- أَنَا ابْنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ ... عَلَيه الطَّيرُ تَرْقُبُهُ وُقوعا
فبشر عطف بيان من البكري "وليس أن يبدل" منه "بالمرضي" لامتناع أنا الضارب زيد. نعم الفراء يجيزه الإبدال.
تنبيه: يتعين أيضًا العطف ويمتنع الإبدال في نحو: هند ضربت زيدًا أخاها، وزيد جاء الرجل أخوه؛ لأن البدل في التقدير من جملة أخرى فيفوت الربط من الأولى بخلاف العطف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من أل على معرف بها مضاف إليه وصف محلى بها. قوله: "عليه الطير" خبر مقدم ومبتدأ مؤخر والجملة حال من البكري، وترقبه حال من المستتر في عليه, وقول البعض تبعًا للعيني عليه متعلق بوقوعًا يلزم عليه تقديم معمول معمول الخبر الفعلي على المبتدأ, والذي رجحوا جوازه تقديم معمول الخبر الفعلي لا تقديم معمول معموله، ووقوعًا مفعول له حذف متعلقه أي: ترقبه لأجل وقوعها عليه. قوله: "وليس أن يبدل بالمرضي" راجع للصورة الثانية كما يشير إليه تعليل الشارح وصرح به مع علمه مما قبله ردًا على الفراء المجوز للإبدال. قوله: "لامتناع أنا الضارب زيد" لما مر من قوله ووصل أل بذا المضاف إلخ.
قوله: "يتعين أيضًا العطف إلخ" يعني أن في كلام الناظم قصورًا: لأنه لم يستوف الصور التي لا يصلح فيها البيان للبدلية. قوله: "في نحو: هند إلخ" أي: من كل تركيب أورثت فيه البدلية الاختلال؛ لكون البدل على تقدير عامل آخر وإن صح حلوله محل المبدل منه, ومن صور تعين البيان لامتناع حلول الثاني محل الأول نحو: يأيها الرجل غلام زيد، وكلا أخويك زيد وعمرو عندي، ويا زيد الحارث، ويا زيد هذا إذ يلزم على البدلية اتباع أي: في النداء بغير ذي أل وإضافة كلا إلى اثنين بتفريق وإدخال يا على ذي أل واسم الإشارة بدون وصف، واستثناء هذه الصور وصورتي المتن مبني على أن البدل لا بد أن يصلح لحلوله محل الأول, ونظر في ذلك ابن هشام مع جزمه في المغني بأنهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل، وقد جوزوا في أنك أنت زيد كون أنت توكيدًا, وكونه بدلًا مع أنه لا يجوز إن أنت وفي المستوفي أولى ما يقال في نعم الرجل زيد أن زيد بدل من الرجل, ولا يلزم أن يجوز نعم زيد. وذكر الدماميني من صور تخلف ذلك فتنت هند حسن لها وأكلت الأرغفة جزء منها.
قوله: "من جملة أخرى" أي: بناء على الصحيح أن البدل على نية تكرار العامل. قوله:
__________
847- البيت من الوافر، وهو للمرار الأسدي في ديوانه ص465؛ وخزانة الأدب 4/ 284، 5/ 183؛ والدرر 6/ 27؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 6؛ وشرح التصريح 2/ 133؛ وشرح المفصل 3/ 73، 73؛ والكتاب 1/ 182؛ والمقاصد النحوية 4/ 121؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 441؛ وأوضح المسالك 3/ 351؛ وشرح شذور الذهب ص320؛ وشرح ابن عقيل ص491؛ وشرح عمدة الحافظ ص554، 597؛ وشرح قطر الندى ص299؛ والمقرب 1/ 248؛ وهمع الهوامع 2/ 122.(3/128)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة: يفارق عطف البيان البدل في ثمان مسائل: الأولى أن العطف لا يكون مضمرًا ولا تابعًا لمضمر؛ لأنه في الجوامد نظير النعت في المشتق. وأما قول الزمخشري: أن أن اعبدوا الله بيان للهاء في إلا ما أمرتني به فمردود. الثانية أن البيان لا يخالف متبوعه في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"يفارق عطف البيان البدل" قال الرضي: أنا إلى الآن لم يظهر لي فرق جلي بين بدل الكل من الكل وعطف البيان, بل ما أرى عطف البيان إلا البدل كما هو ظاهر كلام سيبويه وساق كلام سيبويه ثم قال: قالوا إن الفرق بينهما أن البدل هو المقصود بالنسبة دون متبوعه بخلاف عطف البيان فإنه بيان, والبيان فرع المبين فيكون المقصود هو الأول، والجواب أنا لا نسلم أن المقصود بالنسبة في بدل الكل هو الثاني فقط, ولا في سائر الأبدال إلا الغلط, فإن كون الثاني فيه هو المقصود بها دون الأول ظاهر، وإنما قلنا ذلك؛ لأن الأول في الأبدال الثلاثة منسوب إليه في الظاهر, ولا بد لذكره من فائدة صونًا لكلام الفصحاء عن اللغو, وهي في بدل الكل كون الأول أشهر والثاني مشتملًا على صفة نحو: بزيد رجل صالح أو العكس نحو: برجل صالح زيد والعالم زيد أو مجرد الإبهام ثم التفسير نحو: برجل زيد وفي بدل البعض وبدل الاشتمال الأخير فادعاء كون الأول غير مقصود بالنسبة مع كونه منسوبًا إليه في الظاهر, واشتماله على فائدة يصح أن ينسب إليه لأجلها دعوى خلاف الظاهر, فما كان من بدل الكل لإيضاح الأول يسمى بعطف البيان. وأما فرقهم بأن البدل على تكرير العامل فإن سلم فيما يكرر العامل فيه ظاهرًا لم يسلم في غيره، وإن سلم فلنا أن ندعيه فيما سموه عطف البيان. وفرقهم بجواز تخالف البدل والمبدل منه تعريفًا وتنكيرًا بخلاف البيان والمبين لنا منعه بتجويز التخالف في البيان والمبين أيضًا ا. هـ. باختصار.
قوله: "في ثمان مسائل" زيد ثلاث أخرى: كون المتبوع في البدل في نية الطرح قيل غالبًا. وقال الزمخشري في المفصل: مرادهم بكون البدل في نية طرح الأول أنه مستقل بنفسه لا متمم لمتبوعه كالتأكيد والصفة والبيان لا إهدار الأول، ألا ترى أنك لو أهدرت الأول في نحو: زيد رأيت غلامه رجلًا صالحًا لم يستقم كلامًا ا. هـ. بخلافه في البيان، وكون حذفه في البدل جائزًا عند بعضهم وخرّج عليه المصنف كالأخفش قوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ} [النحل: 116] ، فجعل الكذب بدلًا من الضمير المحذوف أي: تصفه بخلافه في البيان، وكون البدل يجوز قطعه كما سيأتي بخلاف البيان إلا على قول. قوله: "نظير النعت في المشتق" أي: فكما أن الضمير لا ينعت ولا ينعت به كذلك لا يعطف عطف بيان ولا يعطف عليه. قوله: "بيان للهاء" ومنع هو كونه بدلًا من الهاء؛ لأن المبدل منه في نية الطرح فيبقى الموصول بلا عائد ورده في المغني بأنه لا أثر لتقدير عدم العائد مع وجوده حسا. قال: ولو لزم إعطاء منوي الطرح حكم المطروح لزم إعطاء منويّ التأخير حكم المؤخر فكان يمتنع: ضرب زيدًا غلامه ويرد ذلك قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} [البقرة: 124] ، والإجماع ا. هـ. ويجوز كونه بيانًا لما أمرتني به أو بدلًا منه بتأويل قلت بأمرت إذ القول الحقيقي لا يعمل في العبادة(3/129)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تعريفه وتنكيره كما مر. الثالثة: أنه لا يكون جملة بخلاف البدل فإنه يجوز فيه ذلك كما سيأتي. الرابعة: أنه لا يكون تابعًا لجملة بخلاف البدل. الخامسة: أنه لا يكون فعلًا تابعًا لفعل بخلاف البدل. السادسة: أنه لا يكون بلفظ الأول بخلاف البدل, فإنه يجوز فيه ذلك بشرط الذي ستعرفه في موضعه. هكذا قال الناظم وابنه وفيه نظر. السابعة: أنه ليس في نية إحلاله محل الأول بخلاف البدل. الثامنة: أنه ليس في التقدير من جملة أخرى بخلاف البدل، وقد مر قريبًا ما ينبني على هاتين, وسيأتي بيان ما يختص بالبدل في بابه إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأن على الجميع مصدرية وجوز الزمخشري كونها مفسرة بتأويل قلت بأمرت واستحسنه في المغني, قال: وعلى هذا فشرطهم في المفسرة أن لا يكون في الجملة قبلها حروف القول أي: باقيًا على حقيقته واستشكل كونها مفسرة بأن الله لا يقول ربي وربكم. وأجيب باحتمال أن يكون مقول الله الذي أمر بقوله عيسى اعبدوا الله وما بعده من مقول عيسى وقت خطابه قومه على حد: {إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} [النساء: 157] ، وأن يكون مقول الله اعبدوا الله ربك وربهم فعبر عيسى حين خاطبهم عن نفسه بالتكلم وعنهم بالخطاب.
قوله: "فمردود" أي: بما تقدم من كونه نظير النعت في المشتق فيجعل بدلًا أو خبر مبتدأ محذوف وانتصر الدماميني للزمخشري ورجح جواز كونه عطف بيان قال ولا يلزم من كون شيء نظير آخر أن يعطي سائر أحكامه, ألا ترى أن المنادى المفرد المعين بمنزلة ضمير المخاطب؛ ولذلك بني والضمير مطلقًا لا ينعت على المشهور ومع ذلك لا يمتنع نعت المنادى عند الجمهور ا. هـ. مع أن الكسائي يجيز نعت الضمير. قوله: "أنه لا يكون جملة" يشكل عليه ما ذكره أهل المعاني في الفصل والوصل من أن جملة: قال يا آدم عطف بيان على فوسوس إليه الشيطان, وكما يشكل على هذا يشكل على قوله أنه لا يكون تابعًا لجملة. قوله: "بشرطه الذي ستعرفه في موضعه" هو كون الثاني معه زيادة بيان كما في قراءة يعقوب: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} [الجاثية: 28] ، بنصب كل الثانية فإنه قد اتصل بها ذكر سبب الجثو. قوله: "هكذا قال الناظم وابنه" أي: تبعًا لابن الطراوة واحتجوا بأن الشيء لا يبين بنفسه. قوله: "وفيه نظر" وجهه أن كلا من البدل وعطف البيان مبين لمتبوعه وإن كان التبيين في البدل غير مقصود بالذات, وبجملة لكونه على تقدير العامل, وفي عطف البيان مقصودًا بالذات وبمفرد وحينئذٍ فلا مانع من كون عطف البيان بلفظ المتبوع إذا كان معه زيادة كالبدل. قوله: "ما ينبني على هاتين" فينبني على السابعة امتناع بدلية نحو: يعمر وبشر في يا غلام يعمر. و:
أنا ابن التارك البكري بشر
وعلى الثامنة امتناع بدلية نحو: أخاها وأخوه في هند ضربت زيدًا أخاها وزيد جاء الرجل أخوه, وبهذا يعرف ما في كلام البعض من القصور.(3/130)
عَطْف النسق:
تالٍ بحرف مُتْبع عطف النَّسق ... كاخْصُص بِوُدّ وثناء من صَدَق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عطف النسق:
"تال بحرف متبع عطف النسق" فتال أي: تابع جنس يشمل جميع التوابع. وبحرف يخرج ما عدا عطف النسق منها. ومتبع يخرج نحو: مررت بغضنفر أي: أسد، فإن أسدًا تابع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عطف النسق:
تقدم معنى العطف, وأما النسق فقال الفاكهي: اسم مصدر بمعنى اسم المفعول, يقال: نسقت الكلام أنسقه عطفت بعضه على بعض والمصدر بالتسكين ا. هـ. والمعنى على هذا العطف الواقع في الكلام المعطوف بعضه على بعض, وفي الفارضي أن النسق بالتحريك مصدر, وقيل النسق بمعنى الطريقة والإضافة لأدنى ملابسة أي: عطف اللفظ الذي جيء به على نسق الأول وطريقته, وهو ثلاثة أقسام: أحدها العطف على اللفظ وهو الأصل وشرطه إمكان توجه العامل فلا يجوز في ما جاءني من امرأة ولا زيد جر زيد؛ لأن من الزائدة لا تعمل في معرفة. الثاني العطف على المحل وشرطه إمكان ظهور المحل في الفصيح فلا يجوز مررت بزيد وعمرًا بالنصب خلافًا لابن جني, وكون المحل بحق الأصالة فلا يجوز هذا ضارب زيدًا وأخيه خلافًا للبغداديين ووجود المحرز أي: العامل الطالب للمحل على خلاف فيه تقدم بيانه فلا يجوز أن زيدًا وعمرو قائمان برفع عمرو. وقد يمتنع العطف على اللفظ وعلى المحل معًا نحو: ما زيد قائمًا لكن أو بل قاعد؛ لأن في العطف على اللفظ إعمال ما في الموجب وفي العطف على المحل اعتبار الابتداء مع زواله بدخول الناسخ فلم يوجد المحرز والصواب الرفع على إضمار مبتدأ. الثالث العطف على التوهم وشرطه صحة دخول العامل المتوهم, وأما كثرة دخوله فشرط للحسن ولهذا حسن لست قائمًا ولا قاعد بالجر ولم يحسن ما كنت قائمًا ولا قاعدًا بالجر، والفرق بين القسمين الأخيرين أن العامل في العطف على المحل موجود دون أثره, والعامل في العطف على التوهم مفقود دون أثره.
قوله: "تال بحرف متبع عطف النسق" قال شيخنا أي: معطوف النسق تال مع حرف متبع ا. هـ. فأشار إلى أمور ثلاثة لا تخفاك. قوله: "بحرف" ولو تقديرًا؛ لأن حذف العاطف جائز عند المصنف نظمًا ونثرًا وإن لم يكن المقام مقام سرد الأعداد على ما أفاده البهوتي. قوله: "متبع" أي: موضوع للاتباع وهو تشريك الثاني مع الأول في عامله غزى. قوله: "يخرج ما عدا عطف النسق منها" أي: وما عدا عطف البيان المسبوق بأي: التفسيرية بدليل كلامه بعد وما عدا التوكيد المسبوق بالعاطف نحو: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ: 4 و5] ، لأن هذا أيضًا إنما يخرج بقوله متبع أي: محصل للاتباع. نعم إن جعلت الباء في قوله بحرف سببية خرج جميع ذلك بقوله بحرف؛ لأن تبعية البيان المسبوق بأي: التفسيرية والتوكيد المسبوق بالعاطف ليست بسبب(3/131)
فَالعَطْفُ مطلقًا بواو ثمّ فا ... حَتّى أَمَ أو كَفِيك صِدق وَوَفا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بحرف وليس معطوفًا عطف نسق، بل بيان؛ لأن أي ليست بحرف متبع على الصحيح بل حرف تفسير. وخلص التعريف للعطف بالحروف الآتي ذكرها "كاخصص بود وثناء من صدق" فثناء تابع لود بالواو وهي حرف متبع "فالعطف مطلقًا بواو" و"ثم" و"فا" و"حتى و"أم" و"أو" فهذه الستة تشرك بين التابع والمتبوع لفظًا ومعنى. وهذا معنى. قوله مطلقًا "كفيك صدق ووفا" وهذا ظاهر في الأربعة الأول. وأما أم وأو فقال المصنف: أكثر النحويين على أنهما يشركان في اللفظ لا في المعنى. والصحيح أنهما يشركان لفظًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحرف لثبوت التبعية لهما مع حذف أي: والعاطف لكن الشارح لم يجر على هذا الوجه.
قوله: "بل بيان" أي: عطف بيان وليس لنا عطف بيان بعد حرف إلا هذا. قوله: "ليست بحرف متبع" لصحة حذفها لفظًا وتقديرًا والعاطف ليس كذلك. ورده الدماميني بأن العاطف قد يحذف لفظًا وتقديرًا إذا صح الكلام بدونه كما في الأخبار المتعاطفة والصفات المتعاطفة, وكما في أشكو إليك بثي وحزني, إذ يصح حذف الواو فيصير الثاني توكيدًا. قوله: "على الصحيح" وقال الكوفيون: إنها عاطفة. قوله: "بل حرف تفسير" وقد ترد زائدة بين المبتدأ والخبر تأكيدًا للاتحاد وزيادة في البيان كما قاله السيد الجرجاني, مثال ذلك قول صاحب المغني. وقالوا التقدير في قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 24] ، أي: كمن ينعم في الجنة ا. هـ. فزاد أي: بين المبتدأ وهو التقدير بمعنى المقدر والخبر وهو كمن ينعم في الجنة وتكلف الدماميني جعلها تفسيرية بجعل خبر التقدير محذوفًا تقديره ثابت, وهذا يدل على أن ثم مقدرًا فسره بقوله أي: كمن ينعم في الجنة فاحرص على هذه الفائدة تنفعك في مواطن عديدة.
قوله: "مطلقًا" حال من الضمير في الخبر أي: استقر حالة كونه مطلقًا عن التقييد باللفظ وفيه تقديم الحال على عاملها الظرفي وهو جائز عند الأخفش والمصنف, ويجوز كونه حالًا من العطف على مذهب سيبويه. قوله: "لفظًا ومعنى" الحاصل أن حروف العطف المذكورة تسعة وهي ثلاثة أقسام: ما يشرك في اللفظ فقط دائمًا وهي ثلاثة: بل ولكن ولا لاختلاف المتعاطفين فيها بالإثبات والنفي، إذ ما قبل بل ولكن منفي وما بعدهما مثبت ولا بالعكس. وما يشرك لفظًا ومعنىً دائمًا وهو أربعة: الواو والفاء وثم وحتى. وما يشرك لفظًا فقط تارة ولفظًا ومعنىً تارة أخرى وهو أم وأو. فإن قلت الواو في عطف الجوار تشرك لفظًا فقط. قلت هي مشركة في المعنى أيضًا قطعًا؛ لأن العطف في مثل وأرجلكم بالخفض إنما هو على الوجوه, ولكنك ناسبت في الحركة بينه وبين ما قبله والإعراب مقدر لاشتغال المحل بحركة المناسبة. أفاده ابن هشام.
قوله: "كفيك صدق ووفا" لا حاجة إليه بعد قوله: كاخصص إلخ. قوله: "والصحيح أنهما يشركان إلخ" الخلاف لفظي؛ لأن القائل بعدم تشريكهما في المعنى أراد بالمعنى معنى العامل؛ لأن الاستقرار في الدار مثلًا إنما هو ثابت لأحد المتعاطفين لا بعينه فقط لا لهما معًا, والقائل بتشريكهما في المعنى أراد بالمعنى ما يفيد أم من احتمال كل من متعاطفيها لثبوت استقراره في(3/132)
وأَتْبَعَت لفظًا فَحَسْب بل ولا ... لكن كَلَمْ يَبْد امرُؤ لكن طَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومعنى ما لم يقتضيا إضرابًا؛ لأن القائل أزيد في الدار أم عمرو عالم بأن الذي في الدار أحد المذكورين وغير عالم بتعيينه، فالذي بعد أم مساو للذي قبلها في الصلاحية لثبوت الاستقرار في الدار وانتفائه، وحصول المساواة إنما هو بأم، وكذلك أو مشركة لما قبلها وما بعدها فيما يجاء بها لأجله من شك أو غيره. أما إذا اقتضيا إضرابًا فإنهما يشركان في اللفظ فقط. وإنما لم ينبه عليه؛ لأنه قليل "وأتبعت لفظًا فحسب" أي: فقط بقية حروف العطف وهي "بل ولا" و"لكن كلم يبدو امرؤ لكن طلا" وقام زيد لا عمرو، وما جاء زيد بل عمرو. والطلا الولد من ذوات الظلف.
تنبيه: اختلف في ثلاثة أحرف مما ذكره هنا وهي: حتى وأم ولكن، أما حتى فمذهب الكوفيين أنها ليست بحرف عطف وإنما يعربون ما بعدها بإضمار وأما أم فذكر النحاس فيها خلافًا, وأن أبا عبيدة ذهب إلى أنها بمعنى الهمزة فإذا قلت: أقائم زيد أم عمرو فالمعنى أعمرو قائم فتصير على مذهبه استفهامية, وأما لكن فذهب أكثر النحويين إلى أنها من حروف العطف, ثم اختلفوا على على ثلاثة أقوال: أحدها أنها لا تكون عاطفة إلا إذا لم تدخل عليها الواو وهو مذهب الفارسي وأكثر النحويين. والثاني أنها عاطفة ولا تستعمل إلا بالواو والواو مع ذلك زائدة, وصححه ابن عصفور, قال: وعليه ينبغي أن يحمل مذهب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الدار وانتفائه عنه وصلاحية كل منهما له أفاده الشاطبي. قوله: "ما لم يقتضيا إضرابًا" أي: فإنهما حينئذٍ يشركان في اللفظ فقد كما سيأتي. قوله: "لأنه قليل" أي: ولأن إطلاقه مقيد بما يأتي في كلامه فلا اعتراض. قوله: "والطلا" أي: بفتح الطاء مقصورًا وأما الطلاء بالكسر ممدودًا فالخمر وأما المضموم فممدوده الدم ومقصوره الأعناق أو أصولها جمع طلية أو طلاة كذا في القاموس. قوله: "الولد من ذوات الظلف" وقيل ولد بقر الوحش فقط. قوله: "مما ذكره هنا" قيد به لوقوع الخلاف في أحرف غير هذه الثلاثة لم يذكرها هنا، وهي إما بالكسر وأي: وإلا وأين وكيف وهلا وليس.
قوله: "ليست بحرف عطف" أي: بل حرف ابتداء. قوله: "وإنما يعربون ما بعدها بإضمار" أي: بإضمار عامل، ففي نحو: جاء القوم حتى أبوك ورأيتهم حتى أباك ومررت بهم حتى أبيك يضمرون جاء ورأيت والباء، ويجعلون حتى ابتدائية. قوله: "فالمعنى أعمرو وقائم" أي: فيكون ما بعدها في مثل هذا التركيب مبتدأ محذوف الخبر وفي النصب والجر يقدر المناسب. قوله: "فذهب أكثر النحويين إلخ" فرض في المغني الخلاف فيما إذا وليها مفرد قال: فإن وليها كلام فهي حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك وليست عاطفة ويجوز أن تستعمل بالواو نحو: ولكن كانوا هم الظالمين وبدونها نحو: قول زهير: إن ابن ورقاء إلخ، وزعم ابن أبي الربيع أنها حين اقترانها بالواو عاطفة جملة على جملة وأنه ظاهر قول سيبويه ا. هـ. والواو على قول ابن أبي الربيع زائدة وعلى الأول عاطفة جملة فيما يظهر. قوله: "ولا تستعمل إلا بالواو" أي: لا تستعمل عاطفة(3/133)
فاعْطِفْ بوَاوٍ سابقًا أو لاحِقًا ... في الحكم أو مُصاحِبًا موافقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سيبويه والأخفش؛ لأنهما قالا: إنها عاطفة, ولما مثلا للعطف بها مثلاه بالواو. والثالث أن العطف بها, وأنت مخير في الإتيان بالواو, وهو مذهب ابن كيسان. وذهب يونس إلى أنها حرف استدراك وليست بعاطفة والواو قبلها عاطفة لما بعدها على ما قبلها عطف مفرد على مفرد. ووافق الناظم هنا الأكثرين. ووافق في التسهيل يونس فقال فيه وليس منها لكن وفاقًا ليونس ا. هـ "فاعطف بواو سابقًا أو لاحقًا في الحكم أو مصاحبًا موافقًا" فالأول نحو: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} [الشورى: 3] ، والثالث نحو: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت: 15] ، وهذا معنى قولهم الواو لمطلق الجمع. وذهب بعض الكوفيين إلى أنها ترتب، وحكى عن قطرب وثعلب والربعي. وبذلك يعلم أن ما ذكره السيرافي والسهيلي من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا مطلقًا بدليل قوله:
إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره ... لكن وقائعه في الحرب تنتظر
والواو على هذا القول زائدة لازمة وعلى القول الذي بعده زائدة غير لازمة. قوله: "وذهب يونس" مقابل قوله فذهب أكثر النحويين إلى أنها من حروف العطف. قوله: "عطف مفرد على مفرد" ففي نحو: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ} الآية يجعل رسول معطوفًا بالواو على أبا عطف مفرد على مفرد لا منصوبًا بكان المحذوفة, والعطف من عطف الجمل, وسيأتي في الشرح رد هذا القول بأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالإيجاب والسلب وسيأتي رد هذا الرد. قوله: "ووافق في التسهيل يونس" أي: في مجرد أن لكن غير عاطفة لكن اختلفا, فقال يونس: الواو عاطفة لمفرد على مفرد كما عرفت, وقال المصنف: لجملة حذف بعضها. قوله: "فاعطف بواو" وترد للاستئناف نحو: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ} .
قوله: "لمطلق الجمع" هو بمعنى قول بعضهم للجمع المطلق فذكر المطلق ليس للتقييد بالإطلاق بل لبيان الإطلاق, فلا فرق بين العبارتين فاندفع الاعتراض على العبارة الثانية بأنها غير سديدة لتقييد الجمع فيها بقيد الإطلاق, مع أن الواو للجمع بلا قيد، قال الشنواني: ومنشأ توهم الفرق بينهما الفرق بين الماء المطلق ومطلق الماء مع الغفلة عن أن ذلك اصطلاح شرعي وما نحن فيه اصطلاح لغوي ا. هـ. والمراد بالجمع الاجتماع في الحصول في عطف الجمل التي لا محل لها من الإعراب, وفي نسبة العامل إلى المتعاطفين أو المتعاطفات في غير ذلك لا الاجتماع في زمان أو مكان. فإن قلت لو لم يؤت بالواو في نحو: قام زيد وقعد عمرو لكان حصول مضمون الجملتين معلومًا فما فائدة الواو في عطف الجمل التي لا محل لها. قلت: قال الدماميني: فائدتها في ذلك النص على حصول المضمونين معًا, إذ لولاها لكان حصولهما ظاهرًا فقط؛ لاحتمال كون الحاصل الثاني فقط بأن يكون الأول غلطًا والثاني إضرابًا عنه ا. هـ. باختصار وكونها للجمع مطلقًا أحد قولين والثاني أنها للجمع في المفردات فقط والأول أوجه. قوله: "وحكي عن(3/134)
واخْصُص بها عَطْف الذي لا يُغْنِي ... متبُوعُه كاصْطَفَّ هذا وابْنِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إجماع النحاة بصريهم وكوفيهم على أن الواو لا ترتب غير صحيح.
تنبيه: قال في التسهيل: وتنفرد الواو بكون متبعها في الحكم محتملًا للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة وللتقدم بقلة "واخصص بها" أي: بالواو "عطف الذي لا يغني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قطرب إلخ" بل نقله ابن هشام عن الفراء والرضي عن الكسائي وابن درستويه. همع. قوله: "قال في التسهيل إلخ" حاصله أنها وإن كانت موضوعة لمطلق الجمع الصادق بالأمور الثلاثة, لكن استعمالها في الأمور الثلاثة الصادق بها مطلق الجمع متفاوت فاستعمالها في المعية أكثر, وفي تقدم ما قبلها كثير وفي تأخره قليل, فتكون عند التجرد عن القرائن للمعية بأرجحية ولتقدم ما قبلها برجحان ولتأخره بمرجوحية, فكلام التسهيل كما في التصريح تحقيق للواقع لا قول ثالث.
قوله: "واخصص بها إلخ" قال الدماميني: يرد عليه أن أم المتصلة تشاركها في ذلك نحو: سواء عليّ أقمت أم قعدت فإنها عاطفة على ما لا يغني ا. هـ. قال في التصريح: أجيب عنه بأن هذا كلام منظور فيه إلى حالته الأصلية إذ الأصل سواء عليّ القيام والقعود، فالعاطف بطريق الأصالة إنما هو الواو, قاله الموضح في الحواشي ا. هـ. واعلم أن الواو تختص بأحد وعشرين حكمًا ذكر الناظم منها ثلاثة: عطف ما لا يغني متبوعه وعطف السابق على اللاحق وعطف عامل حذف وبقي معموله، ذكر هذا في قوله آخر الباب: وهي
انفردت. بعطف عامل مزال قد بقي معموله. الرابع عطف سببي على أجنبي في الاشتغال ونحوه نحو: زيدًا ضربت عمرًا وأخاه، وزيد مررت بقومك وقومه. الخامس عطف الشيء على مرادفه نحو: "شرعة ومنهاجًا". السادس فصلها من معطوفها بظرف أو عديله نحو: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} . السابع جواز تقديمها مع معطوفها في الضرورة نحو:
جمعت وفحشًا غيبة ونميمة
وقيل لا تختص الواو بذلك, بل الفاء وثم وأو ولا كذلك. الثامن جواز العطف على الجوار في الجر خاصة نحو: {وَأَرْجُلِكُمْ} في قراءة من جر. التاسع جواز حذفها إن أمن اللبس كقوله:
كيف أصبحت كيف أمسيت
العاشر إيلاؤها لا إذا عطفت مفردًا بعد نهي نحو: {وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} [المائدة: 2] ، أو نفي {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} أو مؤوّل بنفي نحو: {وَلا الضَّالِّينَ} . الحادي عشر إيلاؤها إما مسبوقة بمثلها غالبًا إذا عطفت مفردًا نحو: إما العذاب وإما الساعة. الثاني عشر عطف النعوت المفرقة مع اجتماع منعوتها نحو: مررت برجلين كريم وبخيل. الثالث عشر عطف العقد على النيف إذا وقعا دفعة كأحد وعشرين, فإن تأخر وقوع العقد جاز أن تقول: قبضت ثلاثة فعشرين أو ثم عشرين. الرابع عشر عطف ما حقه التثنية أو الجمع نحو: محمد ومحمد في يوم واحد. الخامس عشر عطف العام على الخاص نحو: {اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} . أما عطف الخاص على العام لمزية في الخاص فيشاركها فيه حتى نحو: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}(3/135)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
متبوعه" أي: لا يكتفي الكلام به "كاصطف هذا وابني" ويخاصم زيد وعمرو، وجلست بين زيد وعمرو، ولا يجوز فيها غير الواو. وأما قوله: بين الدخول فحومل، فالتقدير بين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الأحزاب: 7] ، الآية ومات الناس حتى الأنبياء. ومثل العام والخاص الكل والجزء. السادس عشر العطف التلقيني من المخاطب نحو: {قَالَ وَمَنْ كَفَرَ} [البقرة: 126] . السابع عشر اقترانها بلكن نحو: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 40] . الثامن عشر والتاسع عشر العطف في التحذير والإغراء نحو: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13] ، ونحو: المروءة والنجدة. العشرون عطف أي: على مثلها نحو:
أيي وأيك فارس الأحزاب
الحادي والعشرون صحة حكاية العلم بمن مع اتباعه بعلم آخر معطوف عليه بها نحو: من زيدًا وعمرًا فإنهم شرطوا في حكاية العلم بمن أن لا يتبع, إلا إذا كان التابع ابنًا متصلًا بعلم أو علمًا معطوفًا بالواو، وعد في التصريح من خصائص الواو عطف ما تضمنه الأول لمزية في المعطوف نحو: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] ، وفيه أن هذا عطف الخاص على العام ويشاركها فيه حتى كما ذكره بعد. وعد أيضًا من خصائصها امتناع الحكاية بمن إذا اقترنت بها فلا يقال: ومن زيدًا بالنصب حكاية لمن قال: رأيت زيدًا. وفيه أنهم أطلقوا العاطف الذي اقترانه بمن يمنع الحكاية ولم يقيدوه بالواو.
هذا ملخص ما في حاشية شيخنا, ومنه يعلم ما في كلام البعض من الخلل في غير موضع, لكن ما تقدم من اختصاصها بعطف السابق على اللاحق يرد عليه أن حتى تشاركها في ذلك على الصحيح نحو: مات كل أب لي حتى آدم كما سيأتي, وما تقدم من اختصاصها بعطف عامل حذف وبقي معموله يرد عليه ما سيأتي أن الفاء تشاركها في ذلك نحو: اشتريته بدرهم فصاعدًا, وما تقدم من اختصاصها بجواز حذفها خلاف ما في التسهيل من أن أو كالواو في ذلك, بل مال الدماميني إلى أن الفاء أيضًا كالواو في ذلك كما سيأتي وقولنا فيما تقدم إذا عطفت مفردًا بعد نهي إلخ.
قال في المغني: ولم تقصد المعية فلا يجوز ما اختصم زيد ولا عمرو؛ لأنه للمعية وأما: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ، وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر: 22] ، فلا الثانية والرابعة والخامسة زوائد لأمن اللبس ا. هـ. وإنما قرنوا الواو بلا في نحو: ما قام زيد ولا عمرو ولا تضرب زيدًا ولا عمرًا؛ لإفادة نفي القيام عنهما مجتمعين ومفترقين والنهي عن ضربهما كذلك, ودفع توهم تقييد النفي أو النهي بحال الاجتماع. وقولنا ما حقه التثنية أو الجمع أي: ما الأصل فيه التثنية أو الجمع فلا ينافي ما في التسهيل من أن العطف سائغ مع قصد التكثير أو فصل بين المتعاطفين ظاهر أو مقدر. مثال الأخير قول الحجاج يوم مات محمد ابنه ومحمد أخوه: محمد ومحمد في يوم واحد أي: محمد ابني ومحمد أخي.
قوله: "بين زيد وعمرو" ويقال بين زيد وبين عمرو بزيادة بين الثانية للتأكيد قاله ابن بري(3/136)
والفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ باتِّصالِ ... وثمَّ للتَّرْتِيبِ بانفصالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أماكن الدخول فأماكن حومل فهو بمثابة اختصم الزيدون فالعمرون "والفاء للترتيب باتصال" أي: بلا مهلة وهو المعبر عنه بالتعقيب نحو: {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبسى: 21] ، وكثيرًا ما تقتضي أيضًا التسبب إن كان المعطوف جملة نحو: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وغيره وبه يرد منع الحريري لذلك. دنوشري. قوله: "ولا يجوز فيها غير الواو" وإنما انفردت الواو بذلك لترجح معنى المصاحبة فيها. قوله: "بين الدخول فحومل" الدخول بفتح الدال وحومل موضعان. قوله: "بين أماكن إلخ" أي: فهو على حذف مضاف وقدره بعضهم بين أهل الدخول إلخ ويحتمل أن المراد بالدخول وحومل أجزاؤهما. قوله: "والفاء للترتيب" أي: المعنوي وقد تكون للترتيب الذكرى, وأكثر ما يكون في عطف مفصل على مجمل نحو: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153] ، والذي انحط عليه كلام سم في الآيات البينات أنه ليس المراد من الترتيب الذكرى مجرد ترتيب الشيئين مثلًا في الذكر؛ لأن هذا القدر لازم للذكر مع إسقاط الفاء أيضًا, بل ترتيب مراتب المذكور في الذكر أي: بيان أن المذكور أولًا حقه أن يتقدم في الذكر لتقدم رتبته على رتبة المتأخر. قال: ولعل معنى التعقيب حينئذٍ بيان أن رتبة المتأخر قريبة من رتبة المتقدم غير متراخية عنها كثيرًا فليتأمل ا. هـ. وقد تكون في غير ذلك كقوله تعالى: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [غافر: 76] ، وقوله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [البقرة: 36] ، فإن ذكر ذم الشيء أو مدحه يحسن بعد جري ذكره. وأما الفاء من فأخرجهما من قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 36] ، فللترتيب المعنوي إن رجع ضمير عنها إلى الشجرة أي: أوقعهما في الزلة بسبب الشجرة وللذكرى إن رجع إلى الجنة أي: أذهبهما عنها ويرد على هذا أن الذي كانا فيه هو الجنة, فأين التفصيل إلا أن يراد فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والكرامة فيكون تفصيلًا بعد الإجمال قاله الدماميني.
قوله: "باتصال" أي: معه وهو في كل شيء بحسبه يقال: تزوج فلان فولد له إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل وإن طالت. قوله: "أي: بلا مهلة" بضم الميم أي: تأخر كذا في المصباح وغيره. قوله: "نحو: أماته فأقبره" لا يقال الإقبار مسبب عن الإماتة, فالفاء للتسبب في هذه الآية أيضًا, وصنيع الشارح يوهم خلافه؛ لأنا نقول المراد بالتسبب أن يكون المعطوف مسببًا عن المعطوف عليه بالذات لا بواسطة عادة, والآية من الثاني لا الأول. قوله: "إن كان المعطوف جملة" أي: أو صفة نحو: {لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الواقعة: 53] ، الآية وقد تجيء في ذلك لمجرد الترتيب من غير سببية نحو: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} [الذاريات: 27] ، ونحو: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} [الصافات: 2] ، وفي المغني وشرح الدماميني عليه أن للفاء مع الصفة أربعة أحوال: أن تدل على ترتيب معانيها في الوجود أو في غيره, كالشرف والخسة أو على ترتيب موصوفاتها في الوجود أو في غيره نحو: زيد الصابح فالغانم فالآيب أي: الذي أغار على القوم صباحًا فغنم فآب أي: رجع، وجالس الأزهد فالأورع، وولد(3/137)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[القصص: 15] ، وأما نحو: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} [الأعراف: 4] ، ونحو: "توضأ فغسل وجهه ويديه" الحديث، فالمعنى أردنا إهلاكها وأراد الوضوء. وأما نحو: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً} [الأعلى: 5] ، أي: جافًا هشيمًا أحوى أي: أسود، فالتقدير فمضت مدة فجعله غثاء، أو أن الفاء نابت عن ثم كما جاء عكسه وسيأتي "وثم للترتيب بانفصال" أي: بمهلة وتراخ نحو: {فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 22] ، وقد توضع موضع الفاء كقوله:
848- كَهَزّ الرُّدَينِيِّ تحت العَجَاج ... جَرى في الأنابيب ثم اضْطَرَبْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لزيد الشاعر فالكاتب، ورحم الله المحلقين فالمقصرين ا. هـ بتلخيص وإيضاح.
قوله: "وأما نحو: أهلكناها إلخ" إيراد على الترتيب؛ لأن مجيء البأس قبل الإهلاك وغسل الأعضاء الأربعة قبل الوضوء كذا قال شيخنا. ولا يظهر الثاني إذا كان المراد غسل جملة الأعضاء؛ لأن غسل جملتها نفس الوضوء لا قبله ولا بعده, وإنما يظهر إذا كان المراد غسل كل منها على انفراده؛ لأنه الذي قبل الوضوء أي: في الجملة وإلا فغسل الرجلين بتمامهما ليس قبل الوضوء فتفطن. قوله: "فالمعنى أردنا إلخ" أو يقال الفاء في الآية والحديث للترتيب الذكرى ا. هـ. تصريح أي: لأن ما بعد الفاء تفصيل للمجمل قبلها. قوله: "وأما نحو: فجعله إلخ" إيراد على التعقيب؛ لأن جعله غثاء لا يتصل بإخراجه. قوله: "فالتقدير فمضت مدة إلخ" أي: فالمعطوف عليه محذوف. قيل هذا لا يدفع الاعتراض؛ لأن مضي المدة لا يعقب الإخراج, وأجيب بأنه يكفي أن أول أجزاء المضي يعقب الإخراج, وإن لم يحصل بتمامه إلا في زمن طويل ذكره الرضي والسعد وجعلا منه: {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63] ، قال في المغني: وقيل الفاء في هذه الآية يعني آية: {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} للسببية لا للعطف, وفاء السببية لا تستلزم التعقيب بدليل صحة قولك أن يسلم فهو يدخل الجنة, ومعلوم ما بينهما من المهلة ا. هـ. قال الدماميني: الحق أن الأصل في الفاء السببية استلزام التعقيب وإن عدمه في بعض المواضع كالمثال لعدم استكمال السبب إذ السبب التام لدخول الجنة في المثال مجموع الإسلام, واستمرار حكمه لكن إطلاق السبب على جزئه مجاز ا. هـ. باختصار. قوله: "أو أن الفاء نابت عن ثم" أو يقال التعقيب في كل شيء بحسبه, قال في الهمع: قيل ترد الفاء للاستئناف نحو:
ألم تسأل الربع القواء فينطق
أي: فهو ينطق إذ لو كانت لمجرد العطف جزم ما بعدها, أو للسببية نصب ونحو: {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] ، بالرفع قال ابن هشام: والتحقيق أنها في مثل ذلك عاطفة وأن المعتمد بالعطف الجملة لا الفعل وحده. قوله: "وثم" ويقال فم وثمت وثمت قاله في التسهيل. قوله: "كقوله كهز إلخ" فإن الهز متى جرى في أنابيب الرمح أعقبه الاضطراب ولم
__________
848- البيت من المتقارب، وهو لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص292؛ والدرر 6/ 196؛ وشرح التصريح 2/ 140؛ وشرح شواهد المغني ص358؛ والمعاني الكبير 1/ 58؛ والمقاصد النحوية 4/ 131؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 363؛ والجنى الداني ص427؛ وشرح عمدة الحافظ ص612؛ ومغني اللبيب ص119؛ وهمع الهوامع 2/ 131.
849- البيت من الخفيف؛ وهو لأبي نواس في ديوانه 1/ 355؛ وخزانة الأدب 11/ 37، 40، 41؛ والدرر 6/ 93؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص428؛ وجواهر الأدب ص364؛ ورصف المباني ص174؛ ومغني اللبيب 1/ 117.(3/138)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأما نحو: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر: 6] ، {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا} [الأنعام: 153] ، وقوله:
849- إنَّ من سادَ ثمَّ سادَ أبوهُ ... ثُمَّ قد سادَ قَبلَ ذلكَ جَدُّه
فقيل ثم فيه لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم، وأنه يقال: بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، أي: ثم أخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب. وقيل إن ثم بمعنى الواو وقيل غير ذلك. وأجاب ابن عصفور عن البيت بأن المراد إن الجد أتاه السودد من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يتراخ عنه قاله في المغني واعترضه قريبه فقال: الظاهر أنه ليس كذلك بل الاضطراب والجري في زمن واحد, فتكون ثم بمعنى الواو، وجوابه أن الترتيب يحصل في لحظات لطيفة, والرديني صفة للرمح نسبة إلى امرأة اسمها ردينة كانت تقوم الرماح. والعجاج الغبار, والأنابيب جمع أنبوبة, وهي ما بين كل عقدتين, كذا في التصريح والاعتراض أقوى من الجواب. وهز مصدر بمعنى اهتزاز كما في العيني مضاف إلى فاعله, والمشبه اهتزاز فرس كانت تحت الممدوح. قوله: "وأما نحو: إلخ" وجه الإيراد في الآية الأولى أن خلق حواء قبل خلق الذرية, وفي الثانية أن إيتاء موسى الكتاب قبل توصية هذه الأمة بالمشار إليه وفي البيت واضح. دماميني.
قوله: "هو الذي خلقكم إلخ" التلاوة وهو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل إلخ أو خلقكم من نفس واحدة ثم جعل إلخ, والثاني هو الموافق لكون الكلام في ثم فكان عليه حذف هو الذي, وأراد بالنفس الواحدة آدم وبزوجها حواء. قوله: "وقيل غير ذلك" فمما قيل في الآية الأولى: إن العطف على محذوف أي: من نفس واحدة أنشأها ثم جعل منها زوجها أو على واحدة لتأويلها بالفعل أي: من نفس توحدت أي: انفردت ثم جعل إلخ, أو أن الذرية أخرجت من ظهر آدم كالذر ثم خلقت حواء، وهذه الأجوبة أنفع من جواب الشارح؛ لأنها تصحح الترتيب والمهلة وجوابه يصحح الترتيب فقط, إذ لا تراخي بين الإخبارين، نعم جوابه أعم إذ يصح أن يجاب به عن الآية الثانية والبيت كما فعله كذا في المغني. قال الدماميني: ووجه الترتيب الإخباري في البيت أن سيادة الابن نفسه أخص به من سيادة أبيه, وكذا سيادة الأب بالنسبة إلى سيادة الجد.
قوله: "وأجاب ابن عصفور عن البيت إلخ" حاصل جوابه أن السيادة لما سرت من الابن إلى الأب ومن الأب إلى الجد كانت سيادة الابن متقدمة رتبة ثم سيادة الأب ثم سيادة الجد, فثم في البيت للترتيب الرتبي لا الخارجي. ولا ينافيه قوله قبل ذلك على رواية من قال:(3/139)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قبل الأب, والأب من قبل الابن.
تنبيه: زعم الأخفش والكوفيون: أن ثم تقع زائدة فلا تكون عاطفة ألبتة, وحملوها على ذلك قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118] ، جعلوا تاب عليهم هو الجواب وثم زائدة. وقول زهير:
850- أَرَانِي إذا أَصْبَحْتُ أَصْبَحْتُ ذا هَوًى ... فَثُمَّ إذا أَمْسَيْتُ أَمْسَيْتُ عادِيَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثم قد ساد قبل ذلك جده
لإمكان أن يجعل ساد في قوله, ثم قد ساد قبل ذلك جده مستعملًا في السيادة الرتبية والخارجية, ويكون الإتيان بثم نظرًا إلى السيادة الرتبية. وقوله: قبل ذلك نظرًا إلى السيادة الخارجية؛ لأن سيادة الجد الخارجية قبل سيادة الابن وسيادة الأب الخارجيتين, وبهذا التدقيق يندفع الاعتراض بأن هذا الجواب إنما يظهر على رواية بعد ذلك لا على رواية قبل ذلك. وأجاب سم عنه بأن اسم الإشارة راجع إلى وقت التكلم, ولا يخفى أن جوابنا أدق فاعرفه. قوله: "أتاه السودد" قال في القاموس: السود والسودد والسؤدد بالهمز كقنفذ السيادة ا. هـ. والسين مضمومة في الأولين أيضًا كما ضبطت به في النسخ الصحيحة من القاموس كنسخة العلامة أبي العز العجمي, ويصرح بضم السين في الثانية, والثالثة قول الصحاح الدال في سودد زائدة لإلحاق بنائه ببناء جندب وبرفع ا. هـ. لأن أول جندب وبرقع مضموم وثالث جندب مفتوح كاللغة الثانية وثالث برقع مضموم كاللغة الثالثة. قوله: "إن ثم تقع زائدة" وتقع الفاء أيضًا زائدة كالفاء الثانية في قوله:
فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
والفاء في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89] ، عند من جعل كفروا به جواب لما الأولى والثانية تأكيد والفاء زائدة, وكذا الواو عند الأخفش كما في الدماميني وعزاه في الهمع للكوفيين أيضًا, ومثل بآية: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الزمر: 71، 73] ، وآية: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [الصافات: 103] ، فإحدى الواوين فيهما زائدة, وغير الأخفش والكوفيين جعلوا الجواب محذوفًا والواو حالية بتقدير قد, والمعنى في الآية الأولى جاءوها حال فتح أبوابها إكرامًا لهم عن أن يقفوا حتى تفتح. قوله: {بِمَا رَحُبَتْ} أي: مع سعتها وضاقت عليهم أنفسهم أي: من فرط الوحشة والغم {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} أي: وعلموا أن لا ملجأ من سخط الله إلا إلى استغفاره. قوله: "إذا أصبحت إلخ" الهوى بالقصر
__________
850- البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبي سلمى في الأشباه والنظائر 1/ 111؛ وخزانة الأدب 8/ 490، 492؛ والدرر 6/ 89؛ ورصف المباني ص275؛ وشرح شواهد المغني 1/ 282، 284؛ وشرح عمدة الحافظ ص654؛ وشرح المفصل 8/ 96؛ ومغني اللبيب 1/ 117؛ وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 1/ 264؛ وشرح شواهد المغني 1/ 358؛ وهمع الهوامع 2/ 131.(3/140)
وَاخْصُصْ بفاءٍ عَطْفَ ما لَيْسَ صِلَه ... عَلَى الذِي اسْتَقَرَّ أَنَّهُ الصِّلَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وخرجت الآية على تقدير الجواب والبيت على زيادة الفاء "واخصص بفاء عطف ما ليس" صالحًا لجعله "صله" لخلوه من العائد "على الذي استقر أنه الصله" نحو: اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك، وعكسه نحو: الذي يقوم أخواك فيغضب هو زيد، فكان الأولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العشق وإرادة النفس, وكأن الثاني هو المراد في البيت يقول أصبح مريد الشيء وأمسى تاركًا له, يقال عدا فلان هذا الأمر إذا تجاوزه وتركه ا. هـ دماميني. قال الشمني: وهذا يدل على أن عاديًا بالعين المهملة وهو مضبوط في بعض نسخ المغني وفي غيره بالمعجمة, وقد أنشد ابن مالك هذا البيت في شرح الكافية:
أراني إذا ما بتّ بت على هوى ... فثم إذا أصبحت أصبحت غاديا
قال ابن القطاع: غدا إلى كذا أصبح إليه ا. هـ. كلام الشمني. وكما أنشده ابن مالك أنشده السيرافي وقال: كذا رواية أبي بكر, ثم قال: يقول إن لي حاجة لا تنقضي أبدًا ا. هـ. قوله: "على تقدير الجواب" أي: فرج الله عنهم أو لجئوا إلى الله ثم تاب إلخ، فثم عاطفة على هذا المحذوف وتوبة الله تعالى على عبده تكون بمعنى توفيقه للتوبة كما في: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118] ، وبمعنى قبول توبته. قال الشمني: وقيل إذا بعد حتى قد تجرد عن الشرط وتبقى لمجرد الوقت فلا تحتاج إلى جواب بل تكون غاية للفعل قبلها أي:
خلفوا إلى هذا الوقت ثم تاب عليهم.
قوله: "على زيادة الفاء" لأنه عهد زيادتها ولم يعهد زيادة ثم, وترد ثم للاستئناف كما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [العنكبوت: 19] ، فجملة ثم يعيده مستأنفة؛ لأن إعادة الخلق لم تقع فيقرروا برؤيتها ويؤيد كونها مستأنفة قوله تعالى عقب ذلك: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ} [العنكبوت: 20] ،
كذا في المغني. قوله: "واخصص بفاء إلخ" وفي التسهيل أنها تنفرد أيضًا بعطف مفصل على مجمل متحدين معنى نحو: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] ، والترتيب في مثله ذكري لا معنوي لاتحاد المتعاطفين معنى. قوله: "وعكسه" بالنصب عطفًا على عطف في كلام الناظم.
قوله: "فيغضب هو زيد" يحتمل أن هو فاعل يغضب, فنكتة الإبراز دفع توهم كون زيد فاعلًا ليغضب فيختل التركيب لعدم الضمير حينئذٍ في كل من الجملتين, لا كون الفعل جرى على غير من هو له كما قيل؛ لأنه ممنوع بل هو جار على من هو له, ويحتمل أن الفاعل ضمير مستتر في يغضب وهو توكيد له وهذا ظاهر كلام الدنوشري, وما قبله ظاهر كلام التصريح, ويحتمل أنه ضمير منفصل مبتدأ خبره زيد والجملة خبر الموصول, ويحتمل أنه ضمير فصل لا محل له من الإعراب, فالاقتصار على الأول تقصير, وفاعل يغضب على الأخيرين ضمير مستتر فيه يعود على الذي.
قوله: "فكان الأولى إلخ" لو عبر بالواو لكان أولى لوجهين: الأول أن أولوية التعبير بعبارة تشمل مسألتي الصفة والخبر لا تتفرّع على جريان الحكم في عكس صورة المتن أيضًا, فلا يظهر(3/141)
بَعْضَا بِحَتَّى اعطف على كلٍّ ولا ... يكون إلا غاية الذي تَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن يقول كما في التسهيل وتنفرد الفاء بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صلة أو صفة أو خبر ليشمل مسألتي الصلة المذكورتين، والصفة نحو: مررت بامرأة تضحك فيبكي زيد وبامرأة يضحك زيد فتبكي، والخبر نحو: زيد يقوم فتقعد هند وزيد تقعد هند فيقوم ومن هذا قوله:
851- وإنسانُ عَيْنِي يَحْسِرُ الماءُ ... تارَةًفَيَبْدُو وتاراتٍ يَجُمُّ فيَغْرَقُ
ويشمل أيضًا مسألتي الحال ولم يذكره نحو: جاء زيد يضحك فتبكي هند، وجاء زيد تبكي هند فيضحك, فهذه ثمان مسائل يختص العطف فيها بالفاء دون غيرها، وذلك لما فيها من معنى السببية "بعضًا بحتى اعطف على كل ولا يكون إلا غاية الذي تلا" أي: للعطف بحتى شرطان: الأول أن يكون المعطوف بعضًا من المعطوف عليه أو كبعضه كما قاله في التسهيل نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، وأعجبتني الجارية حتى حديثها، ولا يجوز حتى ولدها. وأما قوله:
852- أَلقَى الصَّحِيفَةَ كَي يُخَفِّفَ رَحْلَهُ ... والزَّادَ حَتَّى نَعْلَهُ أَلقَاهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التفريع بالنسبة إليهما. الثاني أن ما قبل فاء التفريع علة لما بعدها فلا يحسن التعليل بعد شمول مسألتي كل من الصلة والصفة والخبر فتأمل. قوله: "يحسر الماء" بحاء وسين مهملتين من بابي ضرب وقتل كما في المصباح أي: يرتفع وينزاح وقوله: يجمّ بضم الجيم وكسرها أي: يكثر. قوله: "ويشمل أيضًا إلخ" الضمير يرجع إلى اختصاص الفاء ويشمل بالرفع على الاستئناف, وليس الضمير راجعًا إلى أن يقول كما في التسهيل, ويشمل بالنصب عطفًا على مدخول اللام في قوله سابقًا ليشمل إلخ؛ لعدم شمول ذلك القول مسألتي الحال كما قال ولم يذكره أي: في التسهيل اللهم إلا أن يراد بالصفة ما يشمل الحال؛ لأنها صفة في المعنى، ويراد بقوله ولم يذكره أي: نصا وفيه ما لا يخفى من التكلف, وبما قررناه اندفع تنظير شيخنا. قوله: "أن يكون المعطوف بعضًا من المعطوف عليه" بأن يكون جزءًا منه أو فردًا أو نوعًا وقوله أو كبعضه أي: في شدة الاتصال.
قوله: "فعلى تأويل ألقى ما يثقله" أي: تأويل ألقى الصحيفة والزاد بألقى ما يثقله ونعله بعض ما يثقله, فالمعطوف بعض تأويلًا, وقد روي نعله بالأوجه الثلاثة كما سيذكره الشارح. قوله: "والثاني أن يكون غاية إلخ" والتحقيق كما في المطول أن المعتبر في حتى ترتيب أجزاء ما
__________
851- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص460؛ وخزانة الأدب 2/ 192؛ والدرر 2/ 17؛ والمقاصد النحوية 1/ 578، 4/ 449؛ ولكثير في المحتسب 1/ 150، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 103، 7/ 257؛ وأوضح المسالك 3/ 362؛ وتذكرة النحاة ص668؛ ومجالس ثعلب ص612؛ ومغني اللبيب 2/ 501؛ والمقرب 1/ 83؛ وهمع الهوامع 1/ 98.
852- البيت من الكامل، وهو للمتلمس في ملحق ديوانه ص327؛ وشرح شواهد المغني 1/ 370؛ ولأبي "أو لابن" مروان النحوي في خزانة الأدب 3/ 21، 24؛ والدرر 4/ 113؛ وشرح التصريح 2/ 141؛ الكتاب 1/ 97؛ والمقاصد النحوية 4/ 134؛ ولمروان بن سعيد في معجم الأدباء 19/ 149؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص269؛ وأوضح المسالك 3/ 365؛ والجنى الداني ص547، 553؛ وخزانة الأدب 9/ 472؛ والدرر 6/ 140؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 411؛ وشرح عمدة الحافظ ص614؛ ورصف المباني ص182؛ وشرح قطر الندى ص304؛ وشرح المفصل 8/ 19؛ ومغني اللبيب 1/ 24؛ وهمع الهوامع 2/ 24، 36.(3/142)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فعلى تأويل ألقى ما يثقله حتى نعله. والثاني: أن يكون غاية في زيادة أو نقص نحو: مات الناس حى الأنبياء، وقدم الحجاج حتى المشاة. وقد اجتمعا في قوله:
853- قَهَرْناكُم حَتَّى الكُماةَ فأَنْتُمُ ... تَهابُونَنَا حتى بَنِينَا الأصاغِرا
تنبيهات: الأول بقي شرطان آخران: أحدهما أن يكون المعطوف ظاهرًا لا مضمرًا كما هو شرط في مجرورها إذا كانت جارة، فلا يجوز: قام الناس حتى أنا, ذكره ابن هشام الخضراوي. قال في المغني: ولم أقف عليه لغيره. ثانيهما: أن يكون مفردًا لا جملة وهذا يؤخذ من كلامه؛ لأنه لا بد أن يكون جزءًا ما قبلها, أو كجزء منه كما تقدم، ولا يتأتي ذلك إلا في المفردات هذا هو الصحيح، وزعم ابن السيد في قول امرئ القيس:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قبلها ذهنًا من الأضعف إلى الأقوى أو بالعكس, ولا يعتبر الترتيب الخارجي لجواز أن تكون ملابسة الفعل لما بعدها قبل ملابسته للأجزاء الأخر نحو: مات كل أب لي حتى آدم أو في أثنائها نحو: مات الناس حتى الأنبياء، أو في زمان واحد نحو: جاءني القوم حتى زيد إذا جاءوك معًا وزيد أضعفهم أو أقواهم. قوله: "زيادة أو نقص" أي: معنويين كمثالي الشارح أو حسيين نحو: فلان يهب الأعداد الكثيرة حتى الألوف, ونحو: المؤمن يجزى بالحسنات حتى مثقال الذرة. قوله: "حتى الكمأة" جمع كمي على غير قياس, وهو كما في القاموس الشجاع أو لابس السلاح.
قوله: "بقي شرطان آخران" زاد في التصريح نقلًا عن الموضح شرطًا آخر وهو أن يكون ما بعدها شريكًا في العامل فلا يجوز صمت الأيام حتى يوم الفطر. قوله: "أن يكون المعطوف ظاهرًا لا مضمرًا" قال الحفيد: لأن معطوفها
بعض مما قبلها أو كبعضه, ولو دخلت على ضمير غيبة لكان ظاهرًا في أنه عين الأول لا بعضه, فيلزم عطف الشيء على نفسه ثم حمل ضمير المتكلم والمخاطب على ضمير الغائب ا. هـ. وما ذكره في ضمير الغيبة ليس على إطلاقه, فإنك لو قلت: زيد ضربت القوم حتى إياه لم يكن معطوفها عين ما قبلها, مع أن صورة كون معطوفها عين ما قبلها خارجة بالشرط الأول؛ لأن ما كان عينًا ليس بعضًا فالحق عدم اشتراط كون مجرورها ظاهرًا لا ضميرًا.
قوله: "الخضراوي" نسبة إلى الجزيرة الخضراء بلد من بلاد الأندلس.
دماميني. قوله: "مفردًا" لو قال اسمًا لكان أحسن؛ لأن المفرد يشمل الفعل مع أنها لا تعطفه. قوله: "أن يكون جزءًا" أراد بالجزء البعض ليشمل الجزئي ولو عبر بالبعض لكان أوضح وأوفق بعبارة الناظم.
قوله: "ولا يتأتى ذلك إلا في المفردات" اعترضه الدماميني بأنه لو قيل فعلت مع زيد ما
__________
853- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص549؛ والدرر 6/ 139؛ وشرح شواهد المغني 1/ 373؛ وشرح عمدة الحافظ ص615؛ ومغني اللبيب 1/ 127؛ وهمع الهوامع 2/ 136.(3/143)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
854- سَرَيتُ بهم حَتَّى تَكِلُّ مَطِيُّهُمْ ... وحَتَّى الجِيادُ ما يُقَدْنَ بِأرْسانِ
فيمن رفع تكل أن جملة تكل مطيهم معطوفة بحتى على سريت بهم. الثاني: حتى بالنسبة إلى الترتيب كالواو خلافًا لمن زعم أنها للترتيب كالزمخشري. قال الشاعر:
855- رِجالِيَ حَتَّى الأَقْدمونَ تَمَالئوا ... على كُلِّ أمر يُورِث المجد والحَمْدا
الثالث: إذا عطف بحتى على مجرور قال ابن عصفور: الأحسن إعادة الجار ليقع الفرق بين العاطفة والجارة. وقال ابن الخباز: تلزم إعادته للفرق، وقيده الناظم بأن لا يتعين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أقدر عليه حتى خدمته بنفسي كان المعطوف بها بعضًا مع أنه جملة, وصرح النحاة وأهل المعاني بأن الجملة تبدل مما قبلها بدل بعض من كل نحو: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [الشعراء: 132 و133] ، وأقره الشمني. وأجاب عنه البعض بأن البعضية في المثال إنما تظهر بالنسبة إلى المعنى التضمني, وكلام القائل بالنسبة إلى المعنى المطابقي ولا بعضية فيه, ويرد بأن زمن خدمته بنفسه بعض زمن فعل ما يقدر عليه, كما أن الخدمة بعض فعل ذلك, وحينئذٍ فالمعنى المطابقي بعض, وأما النسبة فليست جزء مفهوم الفعل على الراجح, ولئن سلم أنها جزؤه فبعضيتها باعتبار بعضية أحد طرفيها وهو الخدمة المنسوبة فتدبر.
قوله: "تكلّ" أي: تتعب والمطي اسم جنس جمعي لمطية وهي الدابة. والجياد جمع جواد وهو الفرس الجيد, والأرسان جمع رسن بالتحريك وهو الحبل أي: وحتى صارت الخيل لا تقاد بمقاودها, بل تسير بنفسها وهو كناية عن شدة تعبها قاله الدماميني. قوله: "فيمن رفع تكل" والمعنى حتى كلت ولكنه جاء مضارعًا على حكاية الحال الماضية, وأما من نصب فهي الجارة, ولا بد على النصب من تقدير زمان مضاف إلى كلال مطيهم مغني. والذي يظهر لي أن تقدير هذا المضاف غير ضروري فتدبر. والواو على النصب عاطفة لمحذوف على سريت بهم تقديره: وسريت بهم حتى الجياد إلخ, فلا يرد أنه لا يستقيم عطف حتى الابتدائية وجملتها على حتى الجارة ومجرورها قاله الدماميني.
قوله: "معطوفة بحتى" والصحيح أنها ابتدائية في الموضعين.
قوله: "بالنسبة إلى الترتيب" أي: إلى عدمه بدليل ما بعده والمراد الترتيب الخارجي فلا ينافي أنها للترتيب الذهني كما مر بيانه. قوله: "تمالئوا" أي: اجتمعوا. قوله: "وقيده الناظم" أي:
__________
854- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص93؛ والدرر 6/ 141؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 420؛ وشرح شواهد الإيضاح ص228، 255؛ وشرح شواهد المغني 1/ 374؛ وشرح المفصل 5/ 79؛ والكتاب 3/ 27، 626، ولسان العرب 15/ 284 "مطا"؛ ومغني اللبيب 1/ 127، 130؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص267؛ وجواهر الأدب ص404؛ ورصف المباني 5/ 181؛ وشرح المفصل 8/ 19؛ ولسان العرب 15/ 124 "غزا"؛ والمقتضب 2/ 72؛ وهمع الهوامع 136.
855- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الدرر 6/ 136؛ وشرح عمدة الحافظ ص616؛ وهمع الهوامع 2/ 136.(3/144)
وأَمْ بها اعطِف إثر هَمْز التَّسْوِيه ... أو همزة عن لفظ أَيٍّ مُغْنيَه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كونها للعطف نحو: اعتكفت في الشهر حتى في آخره، فإن تعين العطف لم تلزم الإعادة نحو: عجبت من القوم حتى بنيهم. وقوله:
856- جُودُ يُمْناكَ فاضَ في الخَلقِ حَتَّى ... بائِسٍ دانَ بالإساءَةِ دِينَا
الرابع: حيث جاز الجر والعطف فالجر أحسن إلا في باب: ضربت القوم حتى زيدًا ضربته بالنصب أحسن على تقدير كونها عاطفة وضربته توكيد، أو ابتدائية وضربته تفسير، وقد روى بهما قوله: حتى نعله ألقاها، وبالرفع أيضًا على أن حتى ابتدائية ونعله مبتدأ وألقاها خبره ا. هـ. "وأم بها اعطف إثر همز التسوية" وهي الهمزة الداخلة على جملة في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قيد اللزوم قال في المغني: وهو حسن. قوله: "بأن لا يتعين إلخ" الضابط أنه متى صح حلول إلى محلها كانت محتملة للأمرين وإلا تعينت للعطف. قوله: "نحو: عجبت من القوم إلخ" إنما لم يصح الجر في المثال, والبيت لعدم صلاحية إلى في موضع حتى, ولكون ما بعدها ليس آخرًا ولا متصلًا بالآخر هذا حاصل ما في المغني وشراحه كما قاله شيخنا, وناقش الدماميني في التعليل الأول بأنه دعوى بلا دليل, وأي مانع من كون العجب في المثال انتهى إلى البنين, وفيض الجود في البيت انتهى إلى البائس. وقد يقال المانع عدم مناسبة ذلك مقام التعجب والمدح, ثم البعضية التي هي شرط في العاطفة ظاهرة في البيت, وكذا في المثال إن جعلنا الإضافة في بنيهم على معنى من التبعيضية, وعليه يحمل قول المغني: إنهم بعض القوم, فإن جعلت بمعنى اللام اقتضت عدم دخول بنيهم فيهم فافهم. قوله: "بائس" البائس من أصابه البؤس أي: الشدة, وقوله: دان بالإساءة دينًا بكسر الدال أي: تدين بالإساءة تدينًا أي: جعل الإساءة دينه لتكررها منه كثيرًا. قوله: "فالجر أحسن" لقلة العطف بحتى، حتى أنكره الكوفيون كما مر.
قوله: "إلا في باب ضربت القوم إلخ" أراد ببابه أن يقع بعد الاسم التالي حتى فعل مشتغل بنصب ضميره كما في المغني, فإن اشتغل برفعه نحو: قام القوم حتى زيد قام امتنع النصب وجاز الرفع والجر. قوله: "حتى زيدًا إلخ" أي: إذا كان زيد آخر القوم ليوجد شرط جواز الجر. قوله: "فالنصب أحسن إلخ" علله في المغني بأن الفعل لا يكون مؤكدًا بعد حتى الجارة نقله شيخنا السيد وهو يفيد تعين النصب فيخالف ما يقتضيه كلام الشارح من جواز الجر فتأمل. وقال شيخنا: انظر لم كان غير الجر في هذا الباب أحسن ا. هـ. وقد توجه الأحسنية بأن في النصب مشاكلة الضمير لمرجعه في الإعراب.
قوله: "وضربته توكيد" أي: لضربت زيدًا الذي تضمنه قولك: ضربت القوم لدخول زيد في القوم لا لضربت القوم حتى يرد أن الضمير ليس راجعًا للقوم حتى يكون ضربته تأكيدًا لضربت القوم بل لزيد. قوله: "بهما" أي: الجر والنصب وعليهما فألقاها توكيد إلا إذا جعلت حتى في النصب ابتدائية وألقاها تفسير.
__________
856- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في الدرر 6/ 142؛ وشرح شواهد المغني 1/ 377؛ ومغني اللبيب 1/ 128؛ وهمع الهوامع 2/ 137.(3/145)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
محل المصدر، وتكون هي والمعطوفة عليها فعليتين وهو الأكثر نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وأم بها اعطف إثر همزة التسوية" أي: بعدها ولا يجوز العطف بأو قياسًا, فقول الفقهاء سواء كان كذا أو كذا خطأ كقولهم: يجب أقل الأمرين من كذا أو كذا؛ لأن الصواب فيه الواو قاله في المغني. ثم ذكر أن قول الصحاح تقول: سواء عليّ قمت أم قعدت سهو, وأن قراءة ابن محيصن "وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنْذَرْتَهُمْ أَوْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ" من الشذوذ بمكان ا. هـ. ونقل الدماميني عن السيرافي: أن سواء إذا دخلت بعدها همزة التسوية لزم العطف بأم وإذا وقع بعدها فعلان بغير الهمزة جاز العطف بأو. قال الدماميني: وهذا نص صريح يقضي بصحة كلام الفقهاء وبصحة ما في الصحاح, وقراءة ابن محيصن ا. هـ. قال الشمني: ما في المغني هو مقتضى القياس إذ لا فرق بين همزة التسوية والتسوية بلا همزة ا. هـ. وكأن من فرّق رأى التسوية مع الهمزة أقوى. ونقل الدماميني أيضًا عن سيبويه جواز العطف بعد ما أدري وليت شعري مع الهمزة بأم وبأو, ثم قال: والعجب من إيراد المصنف يعني ابن هشام كلام الفقهاء والصحاح وقراءة ابن محيصن في العطف بعد همزة التسوية, والفرض أن لا همزة في شيء من ذلك, وكأنه توهم أن الهمزة لازمة بعد كلمة سواء فتقدر إن لم تذكر وتوصل بذلك إلى الرد ا. هـ.
ويوافق ما في المغني ما سيذكره الشارح عند قوله: وربما حذفت الهمزة إلخ ثم
ذكر الدماميني في قول المغني كقولهم يجب أقل الأمرين إلخ: أنه يدفع الخطأ في قولهم المذكور بجعل من بيانية لا أقل. قال الدماميني: فإن قلت فما وجه العطف بأو والتسوية تأباه؛ لأنها تقتضي شيئين فصاعدًا وأو لأحد الشيئين أو الأشياء؟ قلت: وجهه السيرافي بأن الكلام محمول على معنى المجازاة. قال: فإذا قلت سواء عليّ قمت أو قعدت فتقديره إن قمت أو قعدت فهما على سواء، وعليه فلا يكون سواء خبرًا مقدمًا ولا مبتدأ كما قيل، فليس التقدير: قيامك أو قعودك سواء عليّ أو سواء عليّ قيامك أو قعودك بل سواء خبر مبتدأ محذوف أي: الأمران سواء, وهذه الجملة دالة على جواب الشرط المقدر وصرح الرضي بمثل ذلك ا. هـ. وإنما قال بمثل ذلك؛ لأن فرض كلام الرضي في أم وقد أسلفناه مع زيادة في الاستثناء. ثم قال في المغني: فإن كان العطف بأو بعد همزة الاستفهام جاز وكان الجواب بنعم أو بلا؛ لأنه إذا قيل أزيد عندك أو عمرو فالمعنى: أأحدهما عندك وإن أجيب بالتعيين صح؛ لأنه جواب وزيادة ا. هـ.
وما مر من أن ابن محيصن يقرأ بأو سيأتي في الشارح عند قول المصنف: وربما حذفت الهمزة إلخ أنه يقرأ بأم فحرره. واعلم أن الظاهر أن التسوية في قولنا:
سواء عليّ أقمت أو قعدت مدلولة لسواء لا للهمزة، وفي قولنا ما أبالي أقمت أم قعدت مستفادة من ما أبالي لا من الهمزة فتسميتها همزة التسوية لوقوعها بعد ما يدل على التسوية. وانظر ما مدلول الهمزة حقيقة ولعلها لتأكيد التسوية فتدبر.
قوله: "على جملة في محل المصدر" المناسب أن يقول على جملة هي معها في محل المصدر كذا في يس وفيه نظر. وهذا من مواضع تأويل الجملة بالمصدر بلا سابك بناء على قول(3/146)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] الآية، واسميتين كقوله:
857- وَلَسْت أُبَالي بعدَ فَقْدِي مالِكًا ... أَمَوْتِي ناءٍ أم هو الآن واقِعُ
ومختلفتين نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ} [الأعراف: 193] الآية. وإذا عادلت بين جملتين في التسوية فقيل: لا يجوز أن يذكر بعدها إلا الفعلية، ولا يجوز: سواء علي أزيد قائم أم عمرو منطلق فهذا لا يقوله العرب، وأجازه الأخفش قياسًا على الفعلية. وقد عادلت بين مفرد وجملة في قوله:
858- سَوَاءٌ عَلَيكَ النَّفْرُ أمْ بِتُّ لَيلَةً ... بِأَهْلِ القِبَابِ مِنْ عُمَيرِ بنِ عامِرِ
"أو" بعد "همز عن لفظ أي مغنيه" وهي الهمزة التي يطلب بها وبأم التعيين، وتقع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجمهور إن ما بعد الهمزة مبتدأ مؤخر، ومنها الجملة المضاف إليها الظرف نحو: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] ، ومنها تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه بناء على عدم تقدير أن, قاله في المغني. قوله: "ولست أبالي" أي: أكترث فهو متعد بنفسه؛ لأن معناه لا أفكر فيه ازدراء به فالجملة بعده في محل نصب, والفعل معلق أفاده الدماميني. وقد يتعدى أبالي بالباء والوجهان صحيحان كما قاله الشنواني نقلًا عن النووي. قوله: أموتي ناء أي: بعيد.
قوله: "نحو: سواء عليكم أدعوتموهم" أي: الأصنام أي: ونحو: سواء عليّ أزيد قائم أم قعد فتم التمثيل. قوله: "فقيل لا يجوز إلخ" يرد عليه أنه سمع ذكر الاسمية بعدها في قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193] ، وفي قول الشاعر: ولست أبالي إلخ كما قدم ذلك فلا يصح قوله فهذا لا يقوله العرب ولا قوله, وأجازه الأخفش قياسًا على الفعلية المقتضي عدم السماع. وفي نسخ إسقاط قوله وإذا عادلت بين الجملتين إلخ وهو أولى. قوله: "مغنيه" أي: مع أم كما أشار إليه الشارح فقد حقق الدماميني أن أيا سادة مسد الهمزة وأم جميعًا لا الهمزة فقط. قوله: "وتقع" أي: أم المسبوقة بهمزة التعيين. قوله: "بين مفردين غالبًا" ومن غير الغالب أن تقع بين مفرد وجملة كقوله تعالى: {إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} [الجن: 25] ، وبين جملتين كما سيذكره الشارح.
قوله: "ويتوسط بينهما إلخ" ما لا يسأل عنه في الأول المسند؛ لأن السؤال عن المسند إليه وفي الثاني بالعكس. وبيان ذلك أن شرط الهمزة المعادلة لأم أن يليها أحد الأمرين المطلوب تعيين أحدهما ويلي أم المعادل الآخر؛ ليفهم السامع من أول الأمر ما طلب تعيينه, تقول إذا استفهمت عن تعيين المبتدأ دون الخبر: أزيد قائم أم عمرو وإن شئت أخرت زيد قائم؛ لأنه غير
__________
857- البيت من الطويل، وهو لمتمم بن نويرة في ديوانه ص105؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 51؛ وأوضح المسالك 3/ 368؛ وجواهر الأدب ص187؛ والدرر 6/ 97؛ وشرح التصريح 2/ 142؛ وشرح شواهد المغني 1/ 134؛ ومغني اللبيب 1/ 41؛ والمقاصد النحوية 4/ 136؛ وهمع الهوامع 2/ 132.
858- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 4/ 179.(3/147)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بين مفردين غالبًا، ويتوسط بينهما ما لا يسئل عنه نحو: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: 27] ، أو يتأخر عنهما نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109] ، وبين فعليين كقوله:
859- فَقُلتُ أهي سَرَتْ أم عادَنِي حُلُمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مسؤول عنه، وإذا استفهمت عن تعيين الخبر دون المبتدأ أقائم زيد أم قاعد. وإن شئت أخرت زيدًا؛ لأنه غير مسئول عنه, وقس على هذا نقله الدماميني عن ابن الحاجب وابن هشام وغيرهما ثم ساق عن سيبويه كلامه الذي هو كما قاله نص في أن إيلاء المسئول عنه الهمزة أولى لا واجب, كما قاله الجماعة.
قوله: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} هذا الاستفهام توبيخي لا حقيقي ولا ينافيه قول الشارح بعد؛ لأن الاستفهام معها على حقيقته؛ لأنه باعتبار الغالب أو أراد بالاستفهام الحقيقي ما يطلب جوابًا وإن كان توبيخًا أو إنكاريا بقرينة المقابلة نقله البعض عن البهوتي، وهو صريح في أن الاستفهام الإنكاري والتوبيخي يطلب جوابًا وقد يمنع؛ لأن الأول بمعنى لم يقع أو لا يقع، والثاني بمعنى ما كان ينبغي أو لا ينبغي، ولا يستدعي شيء من ذلك جوابًا. ولو قيل أراد بالاستفهام الحقيقي ما ليس خبرًا مجردًا عن طلب الفهم وعن التوبيخ والتقرير ونحوها لكان أسلم, ثم دعوى أن الاستفهام في الآية توبيخي يردها أن تالي همزة التوبيخ واقع أو يقع وفاعله ملوم نحو: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] ، صرح به في المغني وهذا منتف في الآية, فالظاهر أنه تقريري فتأمل. قال الدماميني: ووجه كونها في الآية بين مفردين مع أن المتقدم عليها في الصورة جملة أن السماء معطوفة على أنتم وأشد خلقًا خبر مؤخر عن المتعاطفين تقديرًا ا. هـ. وكالآية في هذا قول زهير:
وما أدري ولست إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
وجعل الشمني أم في البيت بين جملتين بتقدير: أم هم نساء فارقًا بينه وبين الآية بأن فعل الدراية معلق في البيت, والتعليق إنما يكون عن جملة وهي هنا ما بعد الهمزة فيجب أن يكون معادله, وهو ما بعد أم جملة أيضًا. ويرد بأن المعلق عنه مجموع الكلام على حد ما أدري أزيد أم
__________
859- صدره:
فقمت للطيف مُرتاعًا فأَرَّقَنِي
والبيت من البسيط وهو لزياد بن منقذ في خزانة الأدب 5/ 244، 245؛ والدرر 1/ 190؛ وشرح التصريح 2/ 143؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1396، 1402؛ وشرح شواهد الشافية ص190؛ وشرح شواهد المغني 1/ 134؛ ومعجم البلدان 1/ 256 "أميلح"؛ والمقاصد النحوية 1/ 259، 4/ 137؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 127؛ وأمالي ابن الحاجب 1/ 456؛ وأوضح المسالك 3/ 370؛ والخصائص 1/ 305، 2/ 330؛ والدرر 6/ 97؛ وشرح شواهد المغني 2/ 798؛ وشرح المفصل 9/ 139؛ ولسان العرب 15/ 376 "هيا"؛ ومغني اللبيب 1/ 41؛ وهمع الهوامع 2/ 132.(3/148)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذ الأرجح أن هي فاعل بفعل محذوف. واسميتين كقوله:
860- لَعَمْرُكَ ما أَدْرِي وإنْ كُنت دارِيا ... شُعَيثُ ابْنُ سَهْم أم شُعَيْثُ ابن مِنْقَرِ
الأصل أشعيث، فحذفت الهمزة والتنوين منهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عمرو في الدار نعم إن قلنا الهمزة بعد نحو: ما أدري, للتسوية وجبت قدير مبتدأ في البيت فقط؛ لأن همزة التسوية إنما تكون بين جملتين بخلاف همزة الاستفهام وسيأتي بسط ذلك. قوله: "أهي" بسكون الهاء ولم يجئ بعد الهمزة إلا في الشعر كما نقله الدماميني عن شرح التسهيل للناظم، وعادني أتاني والحلم بضمتين وتسكن اللام ما يراه النائم، والضمير يرجع إلى محبوبته التي رآها في المنام فلما استيقظ قال: أهي أتتني حقيقة أم أتاني خيالها في النوم؟
باعتبار عادتهم في مبالغتهم بطريق التجاهل. ويوجد في بعض النسخ صدر
البيت وهو:
فقمت للطيف مرتاعًا فأرّقني
أي: قمت لأجل خيال المحبوبة المرئي في النوم حالة كوني مرتاعًا للقائه هيبة, وأرقني أي: أسهرني ذلك لما لم أجد بعد الانتباه شيئًا محققًا. قوله: "إذ الأرجح" تعليل لقوله بين فعليتين, وقوله بفعل محذوف أي: يفسره سرت. وإنما كان هذا أرجح؛ لأنه الذي يدل عليه وقوع الفعل بعد أم المعادلة للهمزة. وقال في التصريح: لأن الاستفهام بالفعل أولى من حيث إن الاستفهام عما يشك فيه وهو الأحوال؛ لأنها متجددة, وأما عن الذوات فقليل ا. هـ. ومن ثم رجح النصب في أزيدًا ضربته.
قوله: "لعمرك ما أدري إلخ" أي: ما أدري أي: النسبين هو الصحيح وإن كنت داريًا بغير ذلك وشعيث بالمثلثة آخره, وصحفه من رواه بالموحدة كما في شرح شواهد المغني للسيوطي. ومنقر ضبطه الدماميني والشمني بكسر الميم وفتح القاف وبالراء قالا: وهو أي: البيت هجو لشعيث أي: لهذا الحي بأنهم لم يستقروا على أب واحد, وضبطه في التصريح بكسر الميم والقاف ويكتب ابن سهم وابن منقر بالألف؛ لأنه خبر لا نعت؛ ولهذه العلة كان حق شعيث التنوين. قوله: "فحذفت الهمزة والتنوين منهما" أي: للضرورة وقيل حذف الهمزة جائز اختيارًا. ونقل الدماميني أن المختار اطراد حذفها اختيارًا قبل أم المتصلة لكثرته نظمًا ونثرًا, ومنع الصرف لإرادة القبيلة ولا ينافيها الوصف بابن لجواز رعاية التأنيث والتذكير باعتبارين أفاده الدماميني. هذا وكان على الشارح أن يزيد ومختلفين نحو: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 59] ، بناء على الأرجح من فاعلية أنتم لمحذوف على ما مر في أهي سرت, وقد يعارضها هنا تناسب المتعاطفين فتستوي
__________
860- البيت من الطويل، وهو للأسود بن يعفر في ديوانه ص37؛ وخزانة الأدب 11/ 122؛ وشرح التصريح 2/ 143؛ وشرح شواهد المغني ص138؛ والكتاب 3/ 175؛ والمقاصد النحوية 4/ 138؛ ولأوس بن حجر في ديوانه ص49؛ وخزانة الأدب 11/ 128؛ وللأسود أو للعين المنقري في الدرر 6/ 98؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 327؛ ولسان العرب 2/ 162 "شعث"؛ والمحتسب 1/ 50؛ ومغني اللبيب 1/ 42؛ والمقتضب 3/ 294؛ وهمع الهوامع 2/ 132.(3/149)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهان: الأول تسمى أم في هذين الحالين متصلة؛ لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر. وتسمى أيضًا معادلة لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول والاستفهام في النوع الثاني. ويفترق النوعان من أربعة أوجه: أولها وثانيها أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابًا؛ لأن المعنى معها ليس على الاستفهام، وأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاسمية والفعلية كما قاله الدماميني.
قوله: "متصلة" قال في الهمع: ويؤخر المنفي فيها بنوعيها فلا يجوز: سواء عليّ ألم يجىء زيد أم جاء ولا ألم يقم أم قام. قوله: "لا يستغنى بأحدهما عن الآخر" أما في الحال الأول؛ فلأن المقصود الإخبار بالتسوية, وهي لا تتحقق إلا بينهما, وأما في الثاني؛ فلأن المقصود طلب تعيين أحد الأمرين, فلا بد من ذكرهما. وقيل إنما سميت بذلك؛ لأنها اتصلت بالهمزة حتى صارتا في إفادة المقصود بمثابة كلمة واحدة؛ لأنهما جميعًا بمعنى أي. ورجح هذا على الأول بأن الاتصال عليه راجع إلى أم نفسها وعلى الأول راجع إلى متعاطفيها, وعورض بأن الثاني إنما يأتي في أم المسبوقة بهمزة الاستفهام لا المسبوقة بهمزة التسوية, فيترجح الأول لشموله النوعين وعليه اقتصر في المغني أفاده في التصريح.
قوله: "في إفادة التسوية" أي: في جملة إفادة التسوية أي: في الجملة التي تفيد التسوية, ومعنى معادلتها للهمزة في هذه الجملة أنه يليها عديل ما يلي الهمزة فاندفع بتقرير عبارته على هذا الوجه ما توهمه من أن كلا من الهمزة وأم له دخل في إفادة التسوية فتدبر.
قوله: "في النوع الأول" أي: أم بعد همزة التسوية وقوله في النوع الثاني أي: أم بعد همزة الاستفهام بقرينة قوله أن الواقعة بعد همزة التسوية إلخ. قوله: "ليس على الاستفهام" أي: بل على الإخبار بالتسوية لانسلاخها عن الاستفهام, فهي مجاز بالاستعارة. قال ابن يعيش: وإنما جاز استعارتها للتسوية للاشتراك في معنى التسوية, إذ الأمر: إن اللذان تسأل عن تعيين أحدهما مستويان عندك في عدم التعيين ا. هـ. وكما تستعار الهمزة للتسوية تستعار للإنكار الإبطالي فيكون ما بعدها غير واقع ومدعيه كاذبًا نحو: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} , ومنه {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} , {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ؛ لأنها أبطلت ما بعدها من النفي فصارت الجملة خبرية مثبتة بمعنى الله كاف عبده وشرحنا لك صدرك لا إنشائية؛ ولهذا صح عطف وضعنا على ألم نشرح ومن جعلها فيهما للتقرير, أراد التقرير بما بعد النفي ويظهر أن الهمزة في ألم نشرح على هذا ليست من المعطوف عليه, وأنها مسلطة على ما بعد العاطف أيضًا وللإنكار التوبيخي فيكون ما بعدها واقعًا أو يقع وفاعله ملومًا نحو: {أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} [النمل: 84] ، {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} وللتهكم نحو: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا} [هود: 87] ، وللتعجب كقولك: أخلص زيد الأسير متعجبًا وللاستبطاء نحو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 17] ، والجامع بين الاستفهام والمعاني المذكورة استلزام كل مطلق الانتفاء فإن الاستفهام عن شيء يستلزم انتفاء علمه, والإنكار الإبطالي يستلزم انتفاء وقوع الشيء المنكر والتوبيخي يستلزم انتفاء لياقته والتهكم(3/150)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب؛ لأنه خبر وليست تلك كذلك؛ لأن الاستفهام معها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يستلزم انتفاء تعظيم المتهكم به, والتعجب يستلزم انتفاء علم سبب الشيء المتعجب منه؛ ولهذا يقولون إذا ظهر السبب بطل العجب.
والاستبطاء يستلزم انتفاء المبادرة وللأمر نحو: {أَأَسْلَمْتُمْ} [آل عمران: 20] ، أي: أسلموا وللتهديد كقولك لمن يسيء إليك وهو يعلم أنك أدبت فلانًا على إساءته إليك وأنت تعلم علمه بذلك: ألم أؤدب فلانًا على إساءته إليّ, وللتقرير بمعنى طلب إقرار المخاطب بما يعرفه من نفي أو إثبات, ولا يشترط أن يلي الهمزة كما صرح به غير واحد كالتفتازاني نحو: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116] ، ونحو: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] ، على احتمال وإنما لم يورد بعد الهمزة في الآيتين نفس المقرر به دفعًا لتهمة تلقين المتكلم للمخاطب الجواب المقرر به والجامع بين الاستفهام والمعاني الثلاثة مطلق الطلب, فإن الاستفهام طلب فهم المسئول عنه, والأمر طلب إيقاع المأمور به والتهديد يستلزم طلب ترك الشيء المهدد عليه والتقرير السابق طلب الإقرار، وللتقرير بمعنى التثبيت والتحقيق نحو: أضربت زيدًا أي: إنك ضربته ألبتة, قاله السعد والجامع: ترتب ثبوت الحكم. أما في هذا التقرير فظاهر، وأما في الاستفهام؛ فلأنه يترتب عليه الجواب المترتب عليه الثبوت، فعلم أن للتقرير معنيين لكن استعماله في الثاني قليل بالنسبة للأول كما أشار إليه في شرح التلخيص، ولغير ذلك وهل تشارك الهمزة في الإنكار الإبطالي نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] ، والتقرير نحو: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} [المطففين: 36] ، {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] ، والأمر نحو: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] ، هذا هو الصحيح على ما يؤخذ من حاشية السيوطي على المغني لكن في المغني في بحث هل أنها تختص عن الهمزة بأن يراد بها النفي ولهذا جاز: هل قام إلا زيد دون أقام إلا زيد ولا ترد الهمزة في نحو: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} [الإسراء: 40] ، من حيث إن الواقع انتفاء الاصفاء؛ لأنها للإنكار على مدعي الإصفاء, ويلزم منه النفي لا أنها للنفي ابتداء. وقد يكون الإنكار توبيخيا بمعنى ما كان ينبغي فعل كذا فيقتضي وقوع الفعل. فتلخص أن الإنكار على ثلاثة أوجه: إنكار على مدعي وقوع الشيء ويلزمه النفي, وإنكار على من أوقع الشيء ويختصان بالهمزة, وإنكار وقوع الشيء, وهذا معنى النفي وتختص به هل عن الهمزة ا. هـ. باختصار.
وربما استعير لهذه المعاني غير الهمزة, وهل من أسماء الاستفهام كالتوبيخ والتعجب في: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28] ، والإبطال في: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135] ، والتقرير في {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} قرره ليقول: {هِيَ عَصَايَ} نقله السيوطي عن أبي البقاء. وما ذكرته من توجيه الاستعارة في المعاني المذكورة هو ما ظهر لي فاعرفه. وفي شرح المغني للدماميني أن استفهام العارف المتجاهل حقيقي بحسب الادعاء. قوله: "وإن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب إلخ" يعني أن جملة: سواء عليّ أقمت أم قعدت, وجملة: لست أبالي أمات زيد أم عاش ونحوهما يقبل التصديق والتكذيب؛ لأنه خبر بخلاف جملة: أزيد قائم أم عمرو(3/151)
وَرُبَّمَا أُسْقِطَتِ الهمزة إنْ ... كان خَفَا المعنى بحذفها أمِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على حقيقته. والثالث والرابع. أن أم الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين, ولا تكون الجملتان معها إلا في تأويل المفردين. الثاني؛ قد بان لك أن همزة التسوية لا يلزم أن تكون واقعة بعد لفظة سواء، بل كما تقع بعدها بعد: ما أبالي وما أدري وليت شعري ونحوهن "وربما أسقطت الهمزة" المذكورة "وإن كان خفا المعنى بحذفها أمن" كقراءة ابن محيصن: "سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنْذَرْتَهُمْ" [البقرة: 6] ، وكما مر من قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجملة الاستفهام في قولنا: ما أدري أعمري طويل أم قصير، أما مجموع ما أدري أعمري طويل أم قصير فقابل للتصديق والتكذيب؛ لأنه خبر فافهم هذا التحقيق. قوله: "وليست تلك" أي: الواقعة بعد همزة الاستفهام كذلك أي: كالواقعة بعد همزة التسوية في الأمرين، وقوله: لأن الاستفهام إلخ تعليل للنفي في الأمرين. قوله: "لأن الاستفهام معها على حقيقته" أي: غالبًا أو أراد بكونه على حقيقته أنه ليس إخبارًا مجردًا عن طلب الفهم وعن التوبيخ والتقرير ونحوها, فلا يرد أن الزمخشري جوز في قوله تعالى في سورة الأنعام: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ} [البقرة: 133] ، كون أم متصلة مقدرًا قبلها معادلها أي: أتدعون على الأنبياء اليهودية أم إلخ, والهمزة فيه للإنكار التوبيخي, وفي قوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} [البقرة: 80] ، كون أم متصلة والهمزة فيه للتقرير, ونقلهما في المغني ولم يتعقب واحدًا منهما أفاده الشمني.
لكن الأظهر كون الهمزة في الآية الأولى أيضًا تقريرية فتأمل. قوله: "إلا بين جملتين" أي: غالبًا فلا ينافي ما قدمه من أنها عادلت بين مفرد وجملة كما في قول الشاعر:
سواء عليك النفر أم بت ليلة
قوله: "قد بان لك" أي: من الضابط السابق والاستشهاد بقوله: ولست أبالي إلخ. قوله: "وما أدري إلخ" أنت خبير بأن الذي تبين مما قدمه أن الواقعة بعد ما أدري ليست همزة تسوية, بل همزة استفهام حيث مثل لهمزة الاستفهام بقوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109] ، وبقول الشاعر: لعمرك ما أدري إلخ أي: لا أدري جواب هذا الاستفهام, وهذا هو الأقرب عندي, ومثل ما أدري: ليت شعري ولا يحضرني ونحو ذلك، ثم رأيت الدماميني على المغني استظهر ما قلته مؤيدًا له بقصر الرضي همزة التسوية على الواقعة بعد قولهم: سواء, وقولهم: ما أبالي, وتصرفاته متعقبًا بذلك ما في المغني من التعميم الذي جرى عليه الشارح، ورأيت بعضهم مال إلى أنها للاستفهام بعد ما أبالي أيضًا كما يفيده ما مر عن الدماميني من كونه قلبيا معلقًا عن العمل في الجملة بعده, والمعنى لا أفكر في جواب هذا الاستفهام فتأمل. قوله: "حذفت الهمزة المذكورة" أي: الشاملة للنوعين المتقدمين بقرينة تمثيله بالمثالين الآتيين. قال الفارضي: وندر حذف أم ومعطوفها كقوله:
دعاني إليها القلب إني لأمره ... سميع فما أدري أرشد طلابها
التقدير: أرشد أم غيّ وإذا استفهم بغير الهمزة عطف بأو نحو: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم: 98] ، وقد تكون هل بمعنى الهمزة فيعطف بأم بعدها كحديث: $"هل(3/152)
وبِانْقِطاعٍ وبمعنى بَل وَفَتْ ... إن تَكُ مما قُيِّدت به خَلَتْ
__________
861- شُعَيثُ ابْنُ سَهْمٍ أم شُعَيثُ ابْنُ مِنْقَرِ
وهو في الشعر كثير. ومال في شرح الكافية إلى كونه مطردًا "وبانقطاع وبمعنى بل وفت" أي: تأتي أم منقطعة بمعنى بل. "إن تك مما قيدت به" وهو أن تكون مسبوقة بإحدى الهمزتين لفظًا أو تقديرًا "خلت" ولا يفارقها حينئذ معنى الإضراب، وكثيرًا ما تقتضي مع ذلك استفهامًا إما حقيقيا نحو: إنها لا بل أم شاء، أي: بل أهي شاء، وإنما قدرنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"تزوجت بكرًا أم ثيبًا" , وتكون أم بمعنى الهمزة نحو: أم ضربت زيدًا التقدير:
أضربت زيدًا ا. هـ. وقوله: التقدير أرشد أم غي بحث فيه في المغني بجواز جعل الهمزة لطلب التصديق فلا يقدر لها معادل حينئذٍ.
قوله: "وبانقطاع إلخ" ظاهره أنها عاطفة قال شيخنا: وفي الرضي خلافه اهـ. وعليه يكون ذكرها هنا استطراديا لتتميم أقسام أم. ثم رأيت في الدماميني ما يفيد أن في كون أم المنقطعة عاطفة ثلاثة أقوال: فابن جني والمغاربة يقولون:
ليست للعطف أصلًا لا في مفرد ولا جملة. وابن مالك للعطف في المفرد قليلًا سمع من كلامهم أن هناك لا بلا أم شاء, وفي الجمل كثيرًا. وجماعة للعطف في الجمل فقط, وتأولوا ما سمع بتقدير ناصب أي: أم أرى شاء. قوله: "وبمعنى بل" العطف من عطف أحد المتلازمين على الآخر. قوله: "وفت" الضمير فيه وفي قيدت وخلت راجع إلى أم في قوله: وأم بها اعطف إلخ, والمراد بها ثم لفظها, كما أن المراد بها هنا ذلك فليس في الكلام استخدام ولا شبهه, وإن زعمه شيخنا. قوله: "إن تك مما قيدت به خلت" صادق بصور أن لا تسبق بأداة استفهام أصلًا بل تكون مسبوقة بالخبر المحض نحو: {الم، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} [السجدة: 1 و2 و3] ، وأن تسبق بأداة استفهام غير الهمزة نحو: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد: 16] ، وأن تسبق بهمزة لغير حقيقة الاستفهام المطلوب به التعيين وغير التسوية كالإنكار أي: النفي نحو: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ} [الأعراف: 195] ، الآية والتقرير أي: التثبيت أي: جعل الشيء ثابتًا نحو: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} [النور: 50] ، الآية كذا في الدماميني عن الناظم وأبي حيان, وقد ينافي ما مر عن البهوتي والشمني. ولو قيل إن التقريري فقط أعني المطلوب به إقرار المخاطب كالحقيقي لاشتراكهما في طلب الجواب لكان وجهًا فتدبر.
قوله: "ولا يفارقها حينئذٍ" أي: حين إذ خلت مما قيدت به وقيل ترد للاستفهام المجرد نحو: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ} [البقرة: 108] . قوله: "أي: بل أهي شاء" كأنه في حال بعده عنها جزم بأنها إبل, فلما قرب منها رآها صغيرة فأضرب مستفهمًا عن كونها شاء. وكأم فيه أم في نحو: أعندك زيد أم عندك عمرو, فقد نص سيبويه على أن أم فيه منقطعة ظن أولًا كون زيد عنده, فاستفهم عنه ثم ظن كون عمرو عنده
__________
861- راجع التخريج رقم 860.(3/153)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعدها مبتدأ محذوفًا؛ لكونها لا تدخل على المفرد، أو إنكاريا نحو: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} [الطور: 39] ، أي: بل أله البنات. وقد لا تقتضيه ألبتة نحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد: 16] ، أي: بل هل تستوي إذ لا يدخل استفهام على استفهام. ونحو: {لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} [السجدة: 2 و3] ، وقوله:
862- فَلَيتَ سُلَيْمَى في المنامِ ضَجِيعَتِي ... هنالِكَ أم في جَنَّةٍ أم جَهَنَّمِ
وسميت منقطعة لوقوعها بين جملتين مستقلتين.
تنبيه: حصر أم في المتصلة والمنقطعة هو مذهب الجمهور، وذهب بعضهم إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "لا تدخل على المفرد" لأنها بمعنى بل الابتدائية وحرف الابتداء لا يدخل إلا على جملة.
فائدة: تدخل همزة الاستفهام على الواو والفاء وثم كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا} [الأعراف: 185] ، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} [غافر: 82، محمد: 10] ، {ثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} [يونس: 51] ، فالجمهور أن الهمزة قدمت من تأخير وأن هذه الجمل ونحوها معطوفة بالواو والفاء وثم, وأن الهمزة كانت بعد هذه الأحرف فقدمت على العاطف تنبيهًا على أصالتها في التصدير, والزمخشري أن الهمزة في محلها الأصلي والعطف على جملة مقدرة بين الهمزة والعاطف والتقدير: أمكثوا فلم يسيروا ونحو ذلك, وحكي عنه موافقة الجمهور, وفي دعوى الزمخشري حذف الجملة, وفي دعوى الجمهور تقدم بعض المعطوف على العاطف. فارضي. قوله: "نحو: أم له البنات" إذ لو قدرت للإضراب المحض لكان الكلام إخبارًا بنسبة البنات إليه تعالى والله تعالى منزه عن ذلك.
قوله: "وقد لا تقتضيه" هذا مذهب الكوفيين ومذهب البصريين: أنها أبدًا بمعنى بل والهمزة جميعًا, نقله في المغني عن ابن الشجري قال: والذي يظهر قول الكوفيين؛ لأنه يلزم البصريين دعوى التأكيد في نحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد: 16] ، {أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 84] ، {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ} [الملك: 20] ، قال الدماميني: والتحقيق أن أهل البلدين متفقون على أن أم تجيء للإضراب المجرد, وإنما الخلاف في تسميتها حينئذٍ منقطعة, فالكوفيون يسمونها منقطعة والبصريون يقولون لا متصلة ولا منقطعة فهو في أمر لفظي. قوله: "أم يقولون افتراه" إنما لم تقتض الاستفهام هنا, وفي البيت لعدم احتياج المقام إليه لكن جعل الدماميني معنى الآية: بل أيقولون على الإنكار التوبيخي. قوله: "في المتصلة والمنقطعة".
فائدة: جواب الاستفهام مع المتصلة بالتعيين, وقد يجاب بلا مقصودًا بها نفي وقوع كل من الشيئين أو الأشياء تخطئة للسائل في اعتقاده وقوع أحد الشيئين أو الأشياء كما في قصة ذي اليدين, وهل يجاب بنعم مقصودًا بها إثبات كل من الشيئين أو الأشياء تخطئة للسائل في اعتقاده
__________
862- البيت من الطويل، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص501؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 376؛ وشرح التصريح 2/ 144؛ وشرح عمدة الحافظ ص620؛ والمقاصد النحوية 4/ 143.(3/154)
خَيِّرْ أَبِحْ قَسِّمْ وَأَبْهِمِ ... واشْكُكْ وإضراب بها أيضا نُمِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنها تكون زائدة. وقال في قوله تعالى: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ، أَمْ أَنَا خَيْر} [الزخرف: 52] : إن التقدير أفلا تبصرون أنا خير، والزيادة ظاهرة في قول ساعدة في جؤية:
863- يا ليت شِعْري ولا مَنْجَى من الهَرَمِ ... أم هل على العيش بعد الشِّيب من نَدَمِ
"خير" و"أبح" و"قسم بأو وأبهم واشكك" فالتخيير والإباحة يكونان بعد الطلب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثبوت واحد فقط لم أر من ذكره, لكنه مقتضى القياس, وجواب الاستفهام مع المنقطعة بلا أو نعم. وإذا توالت استفهامات بأم المنقطعة فالجواب لأخيرها للإضراب إليه عما قبله فاعرف ذلك.
قوله: "إن التقدير أفلا تبصرون أنا خير" أي: على أن جملة: أنا خير مستأنفة وأما على الأول, فجملة: أنا خير منه معطوفة على ما قبلها. ووجه المعادلة بينها وبين الجملة قبلها أن الأصل أم تبصرون, فأقيمت الاسمية مقام الفعلية والسبب مقام المسبب؛ لأنهم إذا قالوا له: أنت خير كانوا عنده بصراء, قاله في المغني وأورد عليه أن السبب لاعتقاده كونهم بصراء قولهم: أنت خير كما تقرر, والمذكور هنا: أنا خير الذي هو مقوله لا مقولهم. وأجيب بأن الأصل أم تقولون أنت خير فحذف القول وحكي المقول بالمعنى. ثم يصح أن يكون في الآية إقامة المسبب مقام السبب؛ لأن اعتقادهم خيريته مسبب عنده عن كونهم بصراء ثم ظاهر كلام المغني أن أم في الآية متصلة وبه, صرح الزمخشري في الكشاف, والذي نص عليه سيبويه أنها منقطعة فإنه قال ما حاصله: إنه إذا كان ما بعد أم نقيض ما قبلها فهي منقطعة نحو: أزيد عندك أم لا؛ وذلك لأن السائل لو اقتصر على قوله: أزيد عندك لاقتضى استفهامه هذا أن يجاب بنعم أو لا فقوله أم لا مستغنى عنه في تتميم الاستفهام الأول وإنما يذكره الذاكر ليبين أنه عرض له ظن نفي أنه عنده فاستفهم عنه كما كان قد عرض له ظن ثبوت أنه عنده فاستفهم عنه, وكذا في الآية لو اقتصر على قوله: أفلا تبصرون لاستدعى أن يقال له نبصر أو لا نبصر فكان في غنية عن ذكر ما بعده, لكنه أفاد بقوله: أم أنا خير أنه عرض له ظن إبصارهم بعد ما ظن أولا عدمه. قوله: "ابن جؤية" بالهمزة اسم أم الشاعر, وهو في الأصل تصغير جئوة وهي حمرة تضرب إلى سواد.
قوله: "بأو" تنازعه الأفعال الثلاثة قبله كما أن قوله بها تنازعه الفعلان والمصدر قبله. قوله: "والإباحة" قال الشمني: ليس المراد بها الشرعية؛ لأن الكلام في معنى أو بحسب اللغة قبل ظهور الشرع, بل المراد الإباحة بحسب العقل أو بحسب العرف في أي: وقت كان وعند أي: قوم كانوا. قوله: "بعد الطلب" أي: صيغته وإن لم يكن هناك طلب كما في الإباحة وبعض صور التخيير, فقول البعض إذ لا طلب في الإباحة والتخيير فيه تساهل. قوله: "أو مقدرًا" نحو: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، أي: ليفعل أي: الثلاثة قاله الشارح على التوضيح. قوله:
__________
863- البيت من البسيط، هو لساعدة بن جؤية في الأزهية ص131؛ وخزانة الأدب 8/ 161، 162، 11/ 162؛ والدرر 6/ 115؛ وشرح أشعار الهذليين 3/ 1122؛ وشرح شواهد المغني 1/ 151؛ ومغني اللبيب 1/ 48، وهمع الهوامع 2/ 134؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص319؛ ولسان العرب 12/ 36 "أمم".(3/155)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ملفوظًا أو مقدرًا، وما سواهما فبعد الخبر. فالتخيير نحو: تزوج زينب أو أختها. والإباحة نحو: جالس العلماء أو الزهاد، والفرق بينهما امتناع الجمع في التخيير وجوازه في الإباحة، والتقسيم نحو: الكلمة اسم أو فعل أو حرف، والإبهام نحو: {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا} [يونس: 24] ، وجعل منه نحو: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] ، والشك نحو: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] ، "وإضراب بها أيضا نمي"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وما سواهما فبعد الخبر" صرح الشاطبي بأن الذي يختص بالخبر الشك والإبهام وأما الباقي فيستعمل في الموضعين, وكلام المغني يشعر به نقله شيخنا.
قوله: "امتناع الجمع في التخيير" فإن قلت: قد مثل العلماء بآيتي الكفارة والفدية للتخيير مع إمكان الجمع. قلت: يمتنع الجمع بين الإطعام والكسوة والتحرير الآتي كل منهن كفارة وبين الصيام والصدقة والنسك الآتي كل منهن فدية, بل تقع واحدة منهن كفارة أو فدية والباقي قربة مستقلة خارجة عن ذلك ا. هـ. مغني وآية الكفارة فكفارته إطعام عشرة مساكين إلخ, وآية الفدية: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} . قوله: "والتقسيم" أي: تقسيم الكلي إلى جزئياته أو الكل إلى أجزائه. قال شيخنا: وعبر عنه في التسهيل بالتفريق المجرد أي: من الشك والإبهام والتخيير وبعضهم عبر عنه بالتفصيل بالمهملة ا. هـ. وبه يعرف ما في كلام البعض. قوله: "والإبهام" أي: على السامع.
قوله: "وجعل منه نحو: وإنا أو إياكم إلخ" قال في المغني: الشاهد في الأولى ووجهه الشمني بأن اعتبار الإبهام في إحداهما يغني عن اعتباره في الثانية والأولى أولى بالاعتبار لسبقها, وفيه نظر إذ لا مانع من اعتباره فيهما وإن كان اعتباره في الأولى آكد. وقال الدماميني: في الأولى والثانية والمعنى وإن أحد الفريقين منا ومنكم لثابت له أحد الأمرين كونه على هدى أو كونه في ضلال مبين, أخرج الكلام في صورة الاحتمال مع العلم بأن من وحد الله تعالى وعبده فهو على هدى, وإن من عبد غيره فهو في ضلال مبين توطينًا لنفس المخاطب؛ ليكون أقبل لما يلقي إليه. وقال بعضهم: الشاهد في الثانية؛ لأن الشرط تقدم كلام خبري, وهو إنما يتحقق بقوله: {لَعَلَى هُدًى} لأن ما قبله ليس كلامًا, وقد يقال: إنا لعلى هدى أو في ضلال مبين خبر عن الأول وحذف خبر الثاني أو بالعكس, إذ لا يتعين كونه خبرًا عنهما وإن صلح لذلك؛ لأنه جار ومجرور وعلى كل وجد الشرط مع أنه قد يمنع اشتراطه وإنما خولف بين الحرفين الداخلين على الحق والباطل؛ لأن صاحب الحق كأنه مستعل على جواد يركض به حيث شاء, وصاحب الباطل كأنه منغمس في بحر لا يدري أين يتوجه، ومما ظهر لي أن الآية وإن كانت للإبهام ظاهرًا, إلا أنها ترمز إلى التعيين لاقتضاء التناسب صرف ما بعد أو الثانية لما بعد أو الأولى وصرف ما قبلها لما قبلها, ولاقتضاء الترتيب أيضًا ذلك فاعرفه.
قوله: "والشك" الفرق بينه وبين الإبهام أن المتكلم عالم بالحكم في الابهام دون الشك. غزي. قوله: "واضراب بها أيضًا نمي" قيل: إنها حينئذٍ غير عاطفة كأم الإضرابية على رأي(3/156)
ورُبَّما عاقَبَتِ الواو إذا ... لم يُلفِ ذو النطق للَبْسِ مَنْفَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: نسب إلى العرب في قول الكوفيين وأبي علي وابن برهان وابن جني مطلقًا تمسكًا بقوله:
864- كَانوا ثَمانِينَ أو زادوا ثَمانِيَة ... لولا رَجَاؤُكَ قد قَتَّلتُ أولادِي
وقراءة أبي السمال: "أَوْ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا" [البقرة: 100] ، بسكون الواو، ونسبه ابن عصفور لسيبويه لكن بشرطين: تقدم نفي أو نهي، وإعادة العامل نحو: ما قام زيد أو ما قام عمرو، ولا يقم زيد أو لا يقم عمرو، ويؤيده أنه قال في: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] ولو قلت: أو لا تطع كفورًا انقلب المعنى, يعني أنه يصير إضرابًا عن النهي الأول ونهيًا عن الثاني فقط "وربما عاقبت أو "الواو" أي: جاءت بمعناها "إذا لم يلف ذو النطق لبس منفذا" أي: إذا أمن اللبس كقوله:
865- قومٌ إذا سَمِعوا الصَّريخَ رَأَيتَهُمْ ... ما بَينَ مُلجِمِ مُهْرِهِ أو سافِعِ
وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجمهور وقد نقل بعضهم ذلك عن الرضي والسعد كما في يس, وقيل عاطفة وإن كان بعدها جملة. إذ العطف يكون في المفردات والجمل كما يقول بذلك بعضهم في أم الإضرابية وهذا ظاهر كلام المصنف. قوله: "مطلقًا" أي: سواء تقدمها نفي أو نهي أولًا, وسواء أعيد العامل أو لا. قوله: "كانوا" أي: العيال المذكورون في البيت قبله. وقوله أو زادوا يحتمل أن أو بمعنى الواو وكذا في قراءة أبي السمال, وهو بسين مفتوحة وميم مشدة ولام آخره. قوله: "بسكون الواو" المعنى وما يكفر بتلك الآيات البينات إلا الذين فسقوا, بل نقضوا عهد الله مرارًا كثيرة. قوله: "ونسبه" أي: مجيء أو للإضراب بقطع النظر عن الإطلاق السابق بقرينة قوله لكن بشرطين. قوله: "وإعادة العامل" يعني مع حرف النفي أو حرف النهي شمني.
قوله: "ويؤيده" أي: يؤيد نقل ابن عصفور عن سيبويه أن أو تأتي للإضراب بشرطين. قوله: "أو سافع" أي: قابض ناصية فرسه من سفعت بناصيته قبضتها وجذبتها. قال الدماميني: لقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون المراد بين فريق ملحم أو فريق سافع إذ كل واحد من القسمين ذو تعدد ا. هـ. واستبعد؛ لأن الظاهر أن قصد الشاعر أنهم حين سماع صريخ المستغيث محصورون بين
__________
864- البيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه ص745؛ وجواهر الأدب ص217؛ والدرر 6/ 116؛ وشرح شواهد المغني 1/ 201؛ وشرح عمدة الحافظ ص627؛ ومغني اللبيب 1/ 64، 272؛ والمقاصد النحوية 4/ 144؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص121؛ وهمع الهوامع 2/ 134.
865- البيت من الكامل، وهو لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص145؛
ولحميد بن ثور في ديوانه ص111؛ وشرح التصريح 2/ 146؛ وشرح شواهد المغني 1/ 200؛ والمقاصد النحوية 4/ 146؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 218؛ وأوضح المسالك 3/ 379؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص29؛ وشرح عمدة الحافظ ص628؛ ولسان العرب 8/ 158 "سفح"؛ ومغني اللبيب 1/ 63.(3/157)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
866- فَظَلَّ طُهاةُ اللحْمِ ما بين مُنْضِج ... صَفِيفَ شِواء أو قَدِير مُعَجَّلِ
وقول الراجز:
867- إنَّ بها أَكْتَلَ أو رِزامَا ... خُوَيْرِبَينِ يَنْقُفانِ الهامَا
وقوله:
868- وقَالوا لنا ثِنْتانِ لا بُدَّ مِنْهما ... صُدورُ رِماح أُشْرِعَتْ أو سلاسِلُ
وجعل منه: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] ، أي: ويزيدون.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قسمين لا يخرجون عنهما لا أنهم ثابت لهم إحدى البينيتين. قوله: "فظل طهاة اللحم إلخ" الطهاة جمع طاه وهو الطباخ، وصفيف شواء مفعول منضج وهو ما فرق, وصف على الجمر وهو شواء الأعراب، وقدير معطوف على منضج بتقدير مضاف أي: وطابخ قدير أي: مطبوخ في القدر ومعجل صفة قدير, وقول العيني قدير معطوف على شواء غير ظاهر وإن أقره شيخنا كما لا يخفى.
قوله: "إن بها أكتل إلخ" ضمير بها للأرض المذكورة قبل، وأكتل بفوقية مفتوحة، ورزام براء مكسورة فزاي اسما رجلين, وخويربين تثنية خويرب تصغير خارب وهو اللص كما قاله الدماميني والشمني. وفي شرح شواهد المغني للسيوطي أنه لص الإبل حال من ضمير ينقفان قدمت على عاملها أو من المستكن في بها, وقول البعض حال مما قبله لا يتمشى على مذهب الجمهور المانعين مجيء الحال من المبتدأ في الحال, أو الأصل وينقفان بضم القاف من النقف وهو كسر الرأس كما قاله الدماميني والشمني والسيوطي, فيحتاج الكلام إلى التجريد. والهام اسم جنس جمعي لهامة وهي الرأس فقول البعض والهام الرأس فيه تساهل. وإنما كانت أو في البيت بمعنى الواو لقوله خويربين بالتثنية ولو كانت على بابها لأحد الشيئين لقال خويربا بالإفراد. قوله: "أشرعت" بالبناء للمجهول أي: صوّبت نحو: العدو وكني بذلك عن الطعن وبالسلاسل عن الأسر. قوله: "وجعل منه وأرسلناه إلخ" فصله للاختلاف فيه فقال بعض الكوفيين والبصريين بمعنى الواو والفراء بمعنى بل فتكون للإضراب عن الإخبار بأنهم مائة ألف بناء على حزر الرأي: مع علمه تعالى
__________
866- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص22؛ وجمهرة اللغة ص929؛ وجواهر الأدب ص211؛ وخزانة الأدب 11/ 47، 240؛ والدرر 6/ 161؛ وشرح شواهد المغني 2/ 857؛ وشرح عمدة الحافظ ص628؛ ولسان العرب "صفف"، 15/ 16 "طها"؛ والمقاصد النحوية 4/ 146؛ وبلا نسبة في الاشتقاق ص233؛ ومغني اللبيب 2/ 460؛ وهمع الهوامع 2/ 141.
867- الرجز للأسدي في الأزهية ص116؛ وشرح شواهد المغني 1/ 199؛ ولرجل من بني أسد في الكتاب 2/ 149؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص288؛ ولسان العرب 1/ 349 "حزب"، 11/ 582 "كتل"، 14/ 55 "أوا"؛ ومغني اللبيب 1/ 63.
868- البيت من الطويل، وهو لجعفر بن علبة الحارثي في الدرر 6/ 119؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص45؛ وشرح شواهد المغني 1/ 203؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب 12/ 65؛ وهمع الهوامع 2/ 134.(3/158)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا مذهب الأخفش والجرمي وجماعة من الكوفيين.
تنبيهات: الأول أفهم قوله وربما أن ذلك قليل مطلقًا. وذكر في التسهيل أن أو تعاقب الواو في الإباحة كثيرًا, وفي عطف المصاحبة والمؤكد قليلًا، فالإباحة كما تقدم، والمصاحبة نحو: قوله عليه الصلاة والسلام: "فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد" والمؤكد نحو: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا} [النساء: 112] . الثاني: التحقيق أن أو موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء, وهو الذي يقوله المتقدمون وقد تخرج إلى معنى بل والواو. وأما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بزيادتهم إلى الإخبار عن تحقيق, وبعض البصريين للإبهام وقيل للشك مصروفًا للرائي كذا في المغني بزيادة. قال البعض: ويزيدون صفة موصوف محذوف معطوف على ما قبله أي: أو جماعة يزيدون ا. هـ. وفيه أن الموصوف بالجملة المحذوف ليس بعض اسم مجرور بمن أو في ويمكن جعل العطف من باب العطف على المعنى, أي: إلى جماعة يبلغون مائة ألف أو يزيدون فتأمل. قوله: "مطلقًا" أي: سواء كانت أو للإباحة أو لا.
قوله: "وذكر في التسهيل أن أو تعاقب الواو" أي: تجيء بمعنى الواو فتكون للجمع وقوله: في الإباحة أي: في صورة الإباحة أي: في الصورة التي يظن أن أو فيها للإباحة أي: لأحد الشيئين مع جواز الجمع بينهما وإن لم تكن أو في حالة كونها بمعنى الواو للإباحة؛ لأنها حينئذٍ للجمع وأو التي للإباحة لأحد الشيئين مع جواز الجمع بينهما كما سيذكره الشارح عن ابن هشام. وقوله كثيرًا أي: لأنه يكثر إرادة الجمع في نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين. هذا هو الذي أفهمه في هذه العبارة وبه يندفع اعتراضات نشأت من عدم فهم العبارة كفهمنا.
الاعتراض الأول ما ذكره البعض وأقره أن صاحب التسهيل لم يذكر الكثرة إلا في معاقبة أو للواو في الإباحة وهذا لم يرده المصنف هنا لذكره إياه فيما تقدم بقوله: أبح والذي أراده هنا وجعله قليلًا إنما هو القسمان الأخيران الموصوفان في التسهيل أيضًا بالقلة. الثاني ما ذكره شيخنا وأقره أن الإباحة معنى أو أصالة فلا ضرورة إلى جعلها في صور الإباحة بمعنى الواو ووجه اندفاع هذين أنهما مبنيان على أن أو في حال معاقبتها الواو في الإباحة لأحد الشيئين مع جواز الجمع بينهما وليس كذلك بل للجمع كما علمت. الثالث ما ذكره أيضًا البعض وأقره أن قوله: كثيرًا يوهم أن أو في الإباحة قد لا تعاقب الواو وليس كذلك, فكان الأولى أن يقول: تعاقب الواو في الإباحة لزومًا وقد تعاقبها في غيرها, ووجه اندفاع هذا الاعتراض أن المراد كما علمت أن الصورة التي يظن أن أو فيها للإباحة قد تعاقب فيها أو الواو بأن تكون للجمع وقد لا تعاقب بأن تكون للإباحة في الواقع أيضًا, فقول المعترض وليس كذلك ممنوع وكذا قوله لزومًا. هذا هو تحقيق المقام وعليك السلام.
قوله: "نحو: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا} " حمل بعضهم الخطيئة على الذنب الذي بين العبد وربه والإثم على مظالم العباد. قوله: "وقد تخرج إلى معنى بل والواو" أي: مجازًا. قوله:(3/159)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بقية المعاني فمستفادة من غيرها. الثالث: زعم قوم أن الواو تستعمل بمعنى أو في ثلاثة مواضع: أحدها في التقسيم كقولك: الكلمة اسم وفعل وحرف وقوله:
869- كَمَا النَّاسُ مَجْرومٌ عليه وجَارِمُ
وممن ذكر ذلك الناظم في التحفة وشرح الكافية. قال في المغني: والصواب أنها في ذلك على معناها الأصلي إذ الأنواع مجتمعة في الدخول تحت الجنس. ثانيها الإباحة. قاله الزمخشري وزعم أنه يقال: جالس الحسن وابن سيرين أي: أحدهما وأنه لهذا قيل: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} بعد ذكر ثلاثة وسبعة؛ لئلا يتوهم إرادة الإباحة. قال في المغني أيضًا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وأما بقية المعاني إلخ" ذكره في المغني قال: ومن العجب أنهم ذكروا من معاني صيغة أفعل التخيير والإباحة ومثلوه بنحو: خذ من مالي درهمًا أو دينارًا وجالس الحسن أو ابن سيرين, ثم ذكروا أن أو تفيدهما ومثلوه بالمثالين المذكورين ا. هـ. وأجيب بأن كلا من الصيغة وأو تدل على ما ذكر فحيث مثل بالمثالين للصيغة قطع النظر فيهما عن أو وحيث مثل بهما لأو قطع النظر فيهما عن الصيغة. وقال التفتازاني في تلويحه: أن التخيير والإباحة قد يضافان إلى صيغة الأمر, وقد يضافان إلى كلمة أو. والتحقيق أن كلمة أو لأحد الأمرين أو الأمور, وأن جواز الجمع وامتناعه إنما هو بحسب موقع الكلام ودلالة القرائن. قوله: "فمستفادة من غيرها" أي: معها؛ وذلك لأنها تفيد أحد الشيئين وغيرها يفيد امتناع الجمع إذا كانت للتخيير, وجوازه إذا كانت للإباحة وهكذا وقوله من غيرها أي: من القرائن.
قوله: "وممن ذكر ذلك الناظم إلخ" قال البعض: انظر نسبة هذا للناظم مع تصريحه بأن الواو في التقسيم أجود من أو فإنه يدل على أنها فيه ليست بمعنى أو ا. هـ. وقد يقال إن له في المسألة قولين. واعلم أن لكل من الواو وأو في التقسيم وجهًا لاجتماع الأقسام في الدخول تحت المقسم, وعدم اجتماعها في ذات واحدة خارجًا, وإن كانت الواو فيه أكثر. قوله: "قاله الزمخشري" وافقه الناظم وابن هشام في حواشيه على التسهيل راجعًا عما ذكره في المغني كما قاله الدماميني, وسبقهم إلى ذلك السيرافي في شرح الكتاب. قوله: "أي: أحدهما" أي: مع جواز الجمع بينهما أو الترك لكل كما هو مقتضى الإباحة. قوله: "لئلا يتوهم إرادة الإباحة" ويحتمل أن ذلك لئلا يتوهم إرادة التخيير.
__________
869- صدره:
ونَنْصُرُ مولانا ونَعْلَم أنَّه
والبيت من الطويل، وهو لعمرو بن براقة في أمالي القالي 2/ 122؛ والدرر 4/ 210؛ وسمط اللآلي ص749؛ وشرح التصريح 2/ 21؛ وشرح شواهد المغني 1/ 202، 500، 2/ 725، 778؛ والمؤتلف والمختلف ص67؛ والمقاصد النحوية 3/ 332؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 97؛ والجنى الداني ص166، 482؛ وجواهر الأدب ص133؛ وخزانة الأدب 10/ 207؛ والدرر 6/ 81؛ وشرح ابن عقيل ص371؛ ومغني اللبيب 1/ 65؛ وهمع الهوامع 2/ 38، 130.(3/160)
ومِثل أو القَصْد إما الثانِيَه ... في نحو إما ذي وإمّا النائِيَه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمعروف من كلام النحويين أن هذا أمر بمجالسة كل منهما, وجعلوا ذلك فرقًا بين العطف بالواو والعطف بأو. ثالثها: التخيير قاله بعضهم في قوله:
870- قالوا نَأَتْ فاخْتَرْ لَهَا الصَّبْرَ والبُكا ... فقلت البُكا أَشْفَى إذًا لغَلِيلِي
أي: أو البكا إذ لا يجمع بين الصبر والبكا. ويحتمل أن يكون الأصل من الصبر والبكا أي: أحدهما ثم حذف من كما في قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} ويؤيده أن أبا علي الفارسي رواه بمن ا. هـ. "ومثل أو في القصد الثانية في نحو" تزوج "إما ذي وإما النائيه" وجاءني إما زيد وإما عمرو.
تنبيهات: الأول ظاهر كلامه أنها تأتي للمعاني السبعة المذكورة في أو، وليس كذلك فإنها لا تأتي بمعنى الواو ولا بمعنى بل والعذر له أن ورود أو لهذين المعنيين قليل ومختلف فيه فالإحاطة إنما هي على المعاني المتفق عليها ولم يذكر الإباحة في التسهيل لكنها بمقتضى القياس جائزة. الثاني ظاهره أيضًا أنها مثل أو في العطف والمعنى وهو ما ذهب إليه أكثر النحويين. وقال أبو علي وابنا كيسان: وبرهان هي مثلها في المعنى فقط, ووافقهم الناظم وهو الصحيح، ويؤيده قولهم: إنها مجامعة للواو لزومًا والعاطف لا يدخل على العاطف. وأما قوله:
871- يا ليتما أُمُّنَا شَالَتْ نعامَتُها ... إيما إلى جَنَّة إيما إلى نار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "أن هذا أمر" أي: إذن. قوله: "قالوا نأت إلخ" من الطويل ودخله الثلم وهو حذف فاء فعولن, ويروى وقالوا ولا ثلم فيه حينئذٍ, وقوله نأت أي: بعدت, والغليل حرارة العطش, لكن المراد هنا مطلق الحرارة ليشمل حرارة
العشق. قوله: "رواه بمن" أي: بدل لها. قوله: "إما" ذهب سيبويه إلى أنها مركبة من أن وما, وذهب غيره إلى أنها بسيطة وهو الظاهر؛ لأن الأصل البساطة, وقوله: الثانية احتراز عن الأولى, فإنه لا خلاف في أنها غير عاطفة لاعتراضها بين العامل والمعمول نحو: قام إما زيد وإما عمرو لكن لا مانع من نسبة المعاني للأولى أيضًا لتلازمهما غالبًا, والنائية البعيدة. قوله: "ظاهر كلامه" أي: حيث أطلق القصد فشمل جميع المعاني المقصودة. قوله: "والعذر له" أي: في الإطلاق وعدم التقييد بما عدا المذكورين. قوله: "ظاهره أيضًا" أي: حيث أطلق القصد فشمل العطف إذ هو مما يقصد. قوله: "مثل أو في العطف والمعنى" ولعل الواو على هذا القول زائدة لازمة كما قيل بمثله في لكن كما مر.
قوله: "والعاطف لا يدخل على العاطف" أي: فالعاطف إنما هو الواو الداخلة على إما. قوله: "وأما قوله إلخ" إيراد على قوله لزومًا. قوله: "شالت نعامتها" كناية عن موتها؛ لأن النعامة
__________
870- البيت من الطويل، وهو لكثير عزة في ديوانه ص114؛ وأمالي القالي 2/ 64؛ وشرح شواهد المغني 2/ 581؛ والمقاصد النحوية 3/ 404؛ وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص480؛ ومغني اللبيب 2/ 308.
871- البيت من البسيط، وهو للأحوص في ملحق ديوانه ص221؛ ولسان
العرب 14/ 46 "أما"؛ ولسعد بن قرط في خزانة الأدب 11/ 86، 87، 88، 90، 92؛ والدرر 6/ 122؛ وشرح التصريح 2/ 146؛ وشرح شواهد المغني 1/ 186؛ وشرح عمدة الحافظ ص643؛ والمحتسب 1/ 284، 2/ 314؛ والمقاصد النحوية 4/ 153؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 382؛ وتذكرة النحاة ص120؛ والجنى الداني ص533؛ وجواهر الأدب ص414؛ ورصف المباني ص102؛ وشرح المفصل 6/ 75؛ ومغني اللبيب 1/ 59؛ وهمع الهوامع 2/ 135.(3/161)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فشاذ، وكذلك فتح همزتها وإبدال ميمها الأولى ياء، وفتح همزتها لغة تميم, وبها روي البيت المذكور, وقد يقال: إن قوله في القصد إشارة إلى ذلك أي: إنها مثلها في القصد أي: المعنى لا مطلقًا, سيما أنه لم يعدها في الحروف أول الباب. وقد نقل ابن عصفور اتفاق النحويين على أنها ليست عاطفة, وإنما أوردوها في حروف العطف لمصاحبتها لها. الثالث مقتضى كلامه أنه لا بد من تكرارها وذلك غالب لا لازم فقد يستغنى عن الثانية بذكر ما يغني عنها نحو: إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت، وقراءة أبي: "وَأَنَا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" [سبأ: 24] . وقوله:
872- فَإِمَّا أن تكونَ أخي بصِدْقٍ ... فأعْرِفُ منك غَثِّي من سَمِينِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باطن القدم ومن مات ارتفعت رجلاه وانتكس رأسه فظهرت نعامته. قوله: "وكذا فتح همزتها وإبدال ميمها إلخ" أي: شاذان أيضًا على سبيل الاجتماع وإلا ففتح همزتها لغة تميمية وقيسية وأسدية. تصريح فضمير ميمها يرجع إلى المفتوحة الهمزة كما في البيت لا ميم إما مطلقًا وإن ثبت الإبدال مع الكسر أيضًا كما في الدماميني عن المصنف. قوله: "أي: المعنى" فيه إشارة إلى أن القصد بمعنى المقصود, وجمل القصد على المعنى مبني على أن المراد بالقصد مقصود جميعهم ومقصود جميعهم المعنى لاختلافهم في العطف. قوله: "وقد نقل ابن عصفور اتفاق النحويين إلخ" أي: وإن كان هذا النقل غير مسلم لما مر في الشرح. قوله: "لمصاحبتها لها" أي: لبعضها وهو الواو. قوله: "مقتضى كلامه" أي: حيث قال الثانية في نحو: إلخ وهذا أولى مما ذكره البعض.
قوله: "لا بد من تكرارها" أي: إما لا بقيد كونها الثانية. قوله: "غثى من سميني" غثى من غثت الشاة غثا من باب ضرب أي: ضعفت. ويقال في الكلام الغث والسمين أي: الرديء والجيد, ولعل المعنى فأعرف بك الرديء والجيد مني لتبيينك لي الرديء وإبعادك لي عنه, والجيد وإعانتك لي عليه. ويوجد في بعض النسخ بين البيتين:
فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين
وروي مؤخرًا عنهما وهو المتجه. قال شيخنا: وهو ساقط من خط المؤلف ثم قال وأنشده
__________
872- البيتان من الوافر، وهما للمثقب العبدي في ديوانه ص211، 212؛ والأزهية ص140، 141؛ وخزانة الأدب 7/ 489، 11/ 80؛ والدرر 6/ 129؛ وشرح اختيارات المفضل ص1266، 1267؛ وشرح شواهد المغني 1/ 190، 191؛ ومغني اللبيب 1/ 61؛ وله أو لسحيم بن وثيل في المقاصد النحوية 1/ 192، 4/ 149؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص532؛ وجواهر الأدب ص415؛ والمقرب 1/ 232؛ وهمع الهوامع 2/ 135.(3/162)
وأَوِل لكن نَفْيًا أو نَهْيًا ولا ... نِداء أو أَمْرًا أو إثْباتًا تَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإلا فاطَّرِحْنِي واتَّخِذْنِي ... عدُوًّا أَتَّقِيكَ وتَتَّقِينِي
وقد يستغنى عن الأولى بالثانية كقوله:
873- تُلِمُّ بدار قَد تقَادَمَ عَهدُها ... وإمّا بأَمْوات أَلَمَّ خَيَلُها
أي: أما بدار. والفراء يقيس هذا فيجيز: زيد يقوم وإما يقعد, كما يجوز: أو يقعد. الرابع ليس من أقسام أما التي في قوله: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} ، بل هذه أن الشرطية وما الزائدة "وأول لكن نفيًا أو نهيًا" نحو: ما قام زيد لكن عمرو ولا تضرب زيدًا لكن عمرا.
تنبيه: يشترط لكونها عاطفة مع ذلك أن يكون معطوفها مفردًا, وأن لا تقترن بالواو كما مثل, وقد سبق ما في هذا الثاني. وهي حرف ابتداء إن سبقت بإيجاب نحو: قام زيد لكن عمرو لم يقم، ولا يجوز لكن عمرو خلافًا للكوفيين أو تلتها جملة. كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن دريد مع بيتين غير هذين:
لعمرك إنني وأبا رباح ... على طول التجاور منذ حين
ليبغضني وأبغضه وأيضًا ... يراني دونه وأراه دوني
فلو أنا على حجر إلخ, يريد أنهما لشدة العداوة لا يختلط دماؤهما, فلو ذبحا على حجر لافترق الدميان ا. هـ. ثم رأيت في الفارضي في باب النسب أن العرب تقول: إن دم المتباغضين لا يجتمع ا. هـ. قوله: "وقد يستغنى عن الأولى" أي: لفظًا لا تقديرًا دماميني. فقوله كما يجوز أو يقعد تشبيه في مطلق الجواز إذ لا يحتاج إلى تقدير مع أو بخلاف إما, ثم ذكر الدماميني أن ظاهر كلام بعضهم أن الفراء يجيز الاستغناء عن إما الأولى لفظًا وتقديرًا وإجراءها مجرى أو. قوله: "تلم" الضمير يرجع إلى النفس المذكورة في البيت قبله من ألم إذا نزل. وفي بعض النسخ تهاض بالبناء للمجهول من هاض العظم إذا كسره بعد جبره, وعهد الدار ما عهد فيها. قوله: "وقد سبق ما في هذا الثاني" أي: من الخلاف في شرح قوله وأتبعت لفظًا فحسب إلخ. قوله: "وهي إلخ" شروع في محترزات الشروط فكان الأولى التعبير بالفاء. قوله: "ولا يجوز لكن عمرو" أي: على أن عمرو معطوف كما في التوضيح, أما على أنه مبتدأ خبره محذوف فيجوز. قوله: "أو تلتها جملة" أي: أو سبقت بنفي, لكن تلتها جملة فلا ينافي أن المسبوقة بإيجاب لا يتلوها إلا الجملة.
__________
873- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ملحق ديوانه ص1902؛ وشرح شواهد المغني 1/ 193؛ وشرح عمدة الحافظ ص642؛ والمقاصد النحوية 4/ 150؛ وللفرزدق في ديوانه 2/ 71؛ وشرح المفصل 8/ 102؛ والمنصف 3/ 115؛ ولذي الرمة أو للفرزدق في خزانة الأدب 11/ 76، 78؛ والدرر 6/ 124؛ وبلا نسبة في الأزهية ص142؛ والجنى الداني ص533؛ ورصف المباني ص102؛ ومغني اللبيب 1/ 61؛ والمقرب 1/ 132؛ وهمع الهوامع 2/ 135.(3/163)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
874- إنَّ ابنَ وَرْقاءَ لا تُخْشَى بَوادِرُه ... لكنْ وَقائِعُهُ في الحَرْبِ تُنْتَظَرُ
أو تلت واوًا نحو: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 40] ، أي: ولكن كان رسول الله وليس المنصوب معطوفًا بالواو؛ لأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالإيجاب والسلب "ولا نداء أو أمرًا أو إثباتًا تلا" لا مبتدأ خبره تلا، ونداء وما بعده مفعول بتلا. وفي تلا ضمير هو فاعله يرجع إلى لا. والتقدير لا تلا نداء أو أمرًا أو إثباتًا، أي: للعطف بلا شرطان: أحدهما إفراد معطوفها والثاني أن تسبق بأمر أو إثبات اتفاقًا نحو: اضرب زيدًا لا عمرًا وجائني زيد لا عمرو, أو بنداء خلافًا لابن سعدان نحو: يابن أخي لا ابن عمي قال السهيلي: وأن لا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر فلا يجوز: جاءني زيد لا رجل وعكسه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ورقاء" اسم رجل، بوادره جمع بادرة وهي الحدة. تصريح.
قوله: "أي: ولكن كان رسول الله إلخ" حاصله أن لكن حرف استدراك لا عاطفة والواو هي العاطفة لجملة حذف بعضها على جملة وهذا مذهب المصنف وتقدم في الشرح بقية الأقوال. وقد يستشكل العطف بأن قضية كون لكن حرف ابتداء استئناف الجملة بعدها لا عطفها بالواو, ويجاب بأن المراد بكونها حرف ابتداء أنها غير عاطفة للجملة فلا ينافي عطفها بغيرها أفاده سم. قوله: "لأن متعاطفي الواو المفردين إلخ" بخلاف الجملتين فيجوز تخالفهما في ذلك نحو: قام زيد ولم يقم عمرو, وقد يقال محل عدم اختلاف متعاطفي الواو إيجابًا وسلبًا إذا لم يصحبها ما يقتضي الاختلاف كلكن فتأمل. قوله: "أي: للعطف بلا إلخ" فيه مسامحة فإن الشرط الأول لا يفيده كلام المصنف. قوله: "شرطان" بقي شرط ثالث وهو: أن لا تقترن بعاطف فإذا قيل: جاءني زيد لا بل عمرو فالعاطف بل ولا رد لما قبلها وليست عاطفة وإذا قلت ما جاءني زيد ولا عمرو فالعاطف الواو ولا تأكيد للنفي. وفي هذا المثال مانع آخر من العطف وهو تقدم النفي وقد اجتمعا في {وَلا الضَّالِّينَ} . مغني. قوله: "إفراد معطوفها" أي: ولو تأويلًا فيجوز: قلت زيد قائم لا زيد قاعد أخذًا من قول الهمع ولا يعطف بها جملة لا محل لها في الأصح.
قوله: "وأن لا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر" قال البعض: هو ظاهر فيما إذا كان المتناول والأعم الثاني لا الأول ا. هـ. ولك أن تقول جوازا: جاءني رجل لا زيد إذا جعلت لا بمعنى غير صفة لرجل لا إذا كانت عاطفة كما هو فرض الكلام، وقد علل الفارضي وغيره عدم جواز جاءني زيد لا رجل وعكسه بأن الرجل يصدق بزيد فيلزم التناقض. لا يقال المراد بالرجل غير زيد بقرينة العطف المقتضي للمغايرة فلا تناقض؛ لأنا نقول المغايرة التي يقتضيها العطف صادقة بالمغايرة الجزئية كالمغايرة التي بين العام والخاص والمطلق والمقيد فالتناقض غير منتف بحسب
__________
874- البيت من البسيط، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص306؛ والجني الداني ص589؛ والدرر 6/ 144؛ وشرح التصريح 2/ 147؛ وشرح شواهد المغني 2/ 703؛ واللمع ص180؛ ومغني اللبيب 1/ 292؛ والمقاصد النحوية 4/ 178؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 385؛ وهمع الهوامع 2/ 137.(3/164)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويجوز جاءني رجل لا امرأة. وقال الزجاجي: وأن لا يكون المعطوف عليه معمول فعل ماض فلا يجوز: جاءني زيد لا عمرو، ويرده قوله:
875- كَأَنَّ دِثارًا حَلَّقَتْ بِلَبُونِه ... عُقابُ تَنُوفَى لا عُقَابُ القواعِلِ
تنبيهات: الأول في معنى الأمر الدعاء والتحضيض. الثاني: أجاز الفراء العطف بها على اسم لعل كما يعطف بها على اسم أن نحو: لعل زيدًا لا عمرًا قائم. الثالث: فائدة العطف بها قصر الحكم على ما قبلها إما قصر إفراد كقولك: زيد كاتب لا شاعر ردا على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مدلول اللفظ, وكالمثالين المذكورين في الامتناع: قام زيد لا الناس وقام الناس لا زيد. نعم قال: التقى السبكي كما حكاه عنه ولده في شرح التلخيص يخطر لي جواز: قام الناس لا زيد إن أريد إخراج زيد من الناس على وجه الاستثناء، لكن لم أر أحدًا من النحاة عدلًا من حروف الاستثناء فاعرف ذلك.
قوله: "وقال الزجاجي وأن لا يكون إلخ" علل بأن العامل يقدر بعد العاطف ولا يصح أن يقال: لا جاء عمرو إلا على الدعاء ورد بأنه لو توقف صحة العطف على تقدير العامل بعد العاطف لامتنع ليس زيدًا قائمًا ولا قاعدًا ذكره البعض, ثم رأيته في المغني أي: لمنع لا من تقدير ليس بعد الواو. قوله: "كأن دثارًا إلخ" دثار بكسر الدال المهملة وفتح المثلثة اسم راع واللبون النوق ذات اللبن, وحلقت ذهبت وتنوفى بفتح الفوقية وضم النون وفتح الفاء جبل عال. والقواعل بالقاف ثم العين المهملة الجبال الصغيرة وكني بذلك عن عدم عود هذه اللبون.
قوله: "الدعاء" نحو: رحم الله أبا بكر لا أبا جهل وقوله والتحضيض نحو: هلا تضرب زيدًا لا عمرًا, قال ذلك أبو حيان وخالفه الرضي فقال: لا تجيء لا بعد الاستفهام والعرض والتمني والتحضيض ونحو: ذلك ولا بعد النهي ولا يعطف بها الاسمية ولا الماضي, فلا يقال: قام زيد لأقعد؛ لأنها موضوعة لعطف المفردات, وإنما جاز على قلة عطفها المضارع لمضارعته الاسم, ولا يجوز تكريرها كسائر حروف العطف. لا يقال: قام زيد لا عمرو ولا بكر كما تقول: قام زيد وعمرو وبكر، بل لو قصدت ذلك أدخلت الواو في المكرر, وكانت هي العاطفة ولا تأكيد لكنه قال في الكلام على بل قبل لا تجيء بل بعد التحضيض والتمني والترجي والعرض, والأولى أن يجوز استعمالها بعد ما يفيد معنى الأمر والنهي كالتحضيض والعرض ا. هـ. والظاهر أن العرض كالتحضيض عند أبي حيان، ثم القلب إلى جواز مجيء لا بعد الاستفهام أميل نحو: أقام زيد لا عمرو. قوله: "إما قصر إفراد إلخ" لم يذكر قصر التعيين مع أنها تكون له نحو: زيد كاتب لا
__________
875- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص94؛ وجمهرة اللغة ص949؛ والجنى الداني ص295؛ وخزانة الأدب 11/ 177، 178، 181، 184؛ والخصائص 3/ 191؛ وشرح التصريح 2/ 150؛ وشرح شواهد المغني 1/ 441، 2/ 616؛ ولسان العرب 8/ 342 "ملع"؛ ومغني اللبيب 1/ 242؛ والمقاصد النحوية 4/ 154؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 388؛ ومجالس ثعلب ص466؛ والممتع في التصريف 1/ 104.(3/165)
وبل كلكِنْ بعد مصحُوبَيْها ... كَلَمْ أكنْ في مَرْبعِ بل تَيْها
وانقل بها للثانِ حكمَ الأوَّلِ ... في الخبر المثبَتِ والأمر الجَلِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من يعتقد أنه كانت وشاعر، وإما قصر قلب كقولك: زيد عالم لا جاهل ردا على من يعتقد أنه جاهل. الرابع أنه قد يحذف المعطوف عليه بلا نحو: أعطيتك لا لتظلم أي: لتعديل لا لتظلم "وبل كلكن" في تقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها "بعد مصحوبيها" أي: مصحوبي لكن وهما النفي والنهي "كلم أكن في مربع تيها" المربع منزل الربيع، والتيهاء الأرض التي لا يهتدى بها، ونحو: لا تضرب زيدًا بل عمرًا "وانقل بها للثان حكم الأول" فيصير كالمسكوت عنه "في الخبر المثبت والأمر الجلي" كقام زيد بل عمرو وليقم زيد بل عمرو. وأجاز المبرد وعبد الوارث ذلك مع النفي والنهي فتكون ناقلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شاعر للمتردد في أي: الوصفين ثابت لزيد مع علمه بثبوت أحدهما لا على التعيين. قوله: "كقولك زيد كاتب لا شاعر" في تمثيله لقصر الإفراد بما ذكر ولقصر القلب بقولك: زيد عالم لا جاهل إشارة إلى ما قالوه من اشتراط إمكان اجتماع الوصفين في قصر الإفراد دون قصر القلب. قوله: "قد يحذف المعطوف عليه بلا إلخ" قال شيخنا: كان الأولى تأخيره إلى قول الناظم:
وحذف متبوع بدا هنا استبح
قوله: "وبل كلكن" اعترض بأنه إحالة على مجهول؛ لأنه لم يذكر أولًا معنى لكن وأجيب بأن وجه الشبه الذي ذكره الشارح مشهور في لكن فالإحالة على مشهور بين النحاة. قوله: "في تقرير إلخ" أي: تثبيته في ذهن السامع والحاصل أنها مع النفي والنهي تفيد أمرين: تأكيدي وهو تقرير ما قبلها وتأسيسي وهو إثبات نقيضه لما بعدها، ومع الخبر المثبت والأمر أمرين تأسيسين إزالة الحكم عما قبلها بحيث صار كالمسكوت عنه وجعله لما بعدها. قال الشمني: قال الرضي: وظاهر كلام الأندلسي وهو الظاهر أنها بعد النفي والنهي أيضًا تصير الحكم الأول كالمسكوت عنه ا. هـ. وفي كون هذا هو الظاهر نظر, وقد عد في المعنى من الأمور التي اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها قولهم بل حرف إضراب, قال وصوابه حرف استدراك وإضراب فإنها بعد النفي والنهي بمنزلة لكن سواء ا. هـ. قوله: "للثان" حذف ياؤه للضرورة. قوله: "فيصير" بالنصب بأن مضمرة في جواب الأمر وقوله: كالمسكوت عنه أي: أصالة وإن صار مسكوتًا عنه لعارض الإضراب فصح الإتيان بالكاف. ومعنى كون زيد في قولك: قام زيد بل عمرو كالمسكوت عنه صيرورته كأنه لم يثبت له قيام ولم ينف عنه.
قوله: "والأمر الجلي" أي: الظاهر واحترز به عن العرض والتحضيض كما في الغزي ومر خلافه عن الرضي. قوله: "ذلك" أي: النفل. قوله: "وعلى ذلك" أي: الجواز المذكور. وقوله بل قاعدًا أي: بالنصب على معنى بل ما هو قاعدًا. وأورد على المبرد وعبد الوارث أنه يلزمهما أن ما لا تعمل في قائمًا شيئًا؛ لأن شرط عملها بقاء النفي في المعمول وقد انتقل عنه. وأجيب بأن انتقاضه بعد مضي العمل لا يضر قياسًا على النصب بعد فاء السببية أو واو المعية الواقعين بعد(3/166)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لمعناها إلى ما بعدها، وعلى ذلك فيصح ما زيد قائمًا بل قاعدًا وبل قاعد، ويختلف المعنى. قال الناظم: وما جوزاه مخالف لاستعمال العرب: ومنع الكوفيون أن يعطف بها بعد غير النفي وشبهه ومنعهم ذلك مع سعة روايتهم دليل على قلته. ولا بد لكونها عاطفة من إفراد معطوفها كما رأيت، فإن تلاها جملة كانت حرف ابتداء لا عاطفة على الصحيح. وتفيد حينئذ إضرابًا عما قبلها إما على جهة الإبطال نحو: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] ، أي: بل هم عباد ونحو: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 70] ، وإما على جهة الانتقال من غرض إلى آخر نحو: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأعلى: 14] ، {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} [المؤمنون: 62] ، وادعى الناظم في شرح الكافية أنها لا تكون في القرآن إلا على هذا الوجه, والصواب ما تقدم.
تنبيهان: الأول لا يعطف ببل بعد الاستفهام؛ فلا يقال أضربت زيدًا بل عمرًا ولا نحوه. الثاني: تزاد قبلها لا لتوكيد الإضراب عن جعل الحكم للأول بعد الإيجاب كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النفي المنتقض بعدهما نحو:
وما أصاحب من قوم فأذكرهم ... إلا يزيدهم حبا إليّ هم
قوله: "وبل قاعد" أي: على أن قاعد خبر مبتدأ محذوف أي: بل هو قاعد. قوله: "ويختلف المعنى" لأن النصب يقتضي انتفاء القعود والرفع يقتضي ثبوته. قوله: "ومنع الكوفيون إلخ" تورك على النظم بأنه يوهم كثرة العطف ببل في الخبر المثبت والأمر الجلي؛ لأنه ذكره مع العطف بها بعد النفي والنهي من غير تفصيل فتأمل. قوله: "وشبهه" هو النهي. قوله: "وتفيد حينئذٍ" أي: حين إذ تلاها جملة وكلامه يفيد أنها في حال عطفها المفرد ليست للإضراب.
قال شيخنا: وفي شرح الفارضي خلافه ا. هـ. وفي المغني أنها للإضراب في الأمر والإيجاب. قوله: "نحو: وقالوا {اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَه} إلخ" أي: فبل في نحو ذلك للإضراب الإبطالي بناء على المضرب عنه المقول بالميم، أما إذا كان المضرب عنه القول فالإضراب انتقالي إذ الإخبار بصدور ذلك منهم ثابت لا يتطرق إليه الإبطال. قوله: "والصواب ما تقدم" أجيب عن الناظم بحمل كلامه على أنها لا تكون في القرآن بيقين إلا على وجه الانتقال, والآيتان الأوليان ليست بل فيهما للإضراب الإبطالي بيقين لاحتمال أنها للإضراب عن القول فتكون انتقالية كما مر. قوله: "الأول إلخ" هذا التنبيه يستفاد من النظم. قوله: "لا يعطف ببل" مثلها لكن ولا على ما مر.
قوله: "ولا نحوه" بالرفع أي: نحو: هذا التركيب نحو: هل ضربت زيدًا بل عمرًا. قوله: "تزاد قبلها لا" المراد بزيادتها كونها لا للعطف ولا لنفي ما بعدها كما قاله الشمني فلا ينافي أنها نافية للإيجاب قبلها. قوله: "لتوكيد الإضراب عن جعل الحكم للأول بعد الإيجاب" اعلم أن لا بعد(3/167)
وإنْ عَلى ضَميرِ رَفع متَّصل ... عَطَفْتَ فافصِل بالضميرِ المنفَصِل
__________
876- وَجْهُكَ البَدْرُ لا بَلِ الشَّمْسُ لو لم ... يُقْضَ للشَّمْسِ كَسْفَة أو أَفُولُ
ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفي, ومنع ابن درستويه زيادتها بعد النفي وليس بشيء كقوله:
877- وما هَجَرْتُكِ لا بَل زَادَنِي شَغَفًا ... هجْرٌ وبُعْدٌ تَراخَى لا إلى أجَلِ
"وإن على ضمير رفع متصل" مستترًا كان أو بارزًا "عطفت فافصل بالضمير المنفصل" نحو: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ} [الأنبياء: 54] ، "أو فاصل ما" إما بين العاطف والمعطوف عليه, وإما بين العاطف والمعطوف كالمفعول به في نحو: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} [الرعد: 23] ولا في نحو: {مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا} [الأنعام: 148] ، وقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإيجاب لنفي الإيجاب الذي قبلها وصيرورته نصا في النفي بعد صيرورته بحرف الإضراب لولاها كالمسكوت عنه يحتمل النفي وغيره، وعليه فلا يظهر قول الشارح لتوكيد الإضراب, إذ ليس ما أفادته معنى تأكيديا بل ذلك معنى تأسيسي أفاده الدماميني، وقوله: عن جعل متعلق بالإضراب، وقوله: بعد الإيجاب متعلق بتزاد ومثله قوله: الآتي بعد النفي. ومقتضى جعله بل في قوله: بل الشمس للإضراب, الذي قدم أنه مفاد بل الداخلة على جملة أنها في قوله: بل الشمس داخلة على جملة, أي: بل هو الشمس وليس بلازم كما يفيده ما مر عن شرح الفارضي والمغني، ولك منع الاقتضاء بحمل قوله سابقًا وتفيد حينئذٍ إضرابًا, على معنى أنها إذا تلاها جملة لا تكون إلا للإضراب بخلاف ما إذا تلاها مفرد فإنها للإضراب في الأمر والإيجاب دون النفي والنهي فافهم.
قوله: "كسفة أو أفول" الكسفة التغير إلى سواد والأفول الغيبوبة. قوله: "ضمير" قيد أول ولم يأخذ الشارح محترزه لظهوره. قوله: "فافصل بالضمير المنفصل" أي: لأن المتصل المرفوع كالجزء مما اتصل به, فلو عطف عليه كان كالعطف على جزء الكلمة, فإذا أكد بالمنفصل دل إفراده مما اتصل به بالتأكيد على انفصاله فحصل له نوع استقلال, ولم يجعل العطف على هذا التوكيد؛ لأن المعطوف في حكم المعطوف عليه فكان يلزم كون المعطوف تأكيدًا للمتصل وهو باطل.
قوله: "أو فاصل ما" قال الشيخ خالد: ما اسم نكرة في موضع جر نعت لفاصل بمعنى أي: فاصل كان، وجوز المكودي أن تكون ما زائدة ا. هـ. وإنما اكتفى بأي فاصل؛ لأن فصل الكلام قد يغني عما هو واجب نحو: أتى القاضي بنت الواقف؛ فلأن يغني عما هو غير واجب أولى. قوله:
__________
876- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في الدرر 6/ 135؛ وشرح التصريح 2/ 148؛ ومغني اللبيب 2/ 113؛ وهمع الهوامع 2/ 136.
877- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الدرر 6/ 138؛ وشرح التصريح 2/ 148؛ وشرح شواهد المغني 1/ 348؛ ومغني اللبيب 1/ 113؛ وهمع الهوامع 2/ 136.(3/168)
أو فاصِل ما وَبِلا فَصْل يَرِدْ ... في النَّظْم فاشِيا وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ
وعودُ حافِض لدى عطف على ... ضمير خفض لازمًا قد جُعلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اجتمع الفصلان في: {مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ} [الأنعام: 91] "وبلا فصل يرد في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد" من ذلك قوله:
878- وَرَجَا الأُخَيطِلُ من سَفاهَةِ رَأْيِهِ ... ما لم يكن وَأَبٌ له ليَنَالا
وقوله:
879- قلتُ إذ أَقْبلت وَزُهْرٌ تَهادَى ... كَنِعاجِ الفَلا تَعَسَّفْنَ رَمْلًا
وهو على ضعفه جائز في السعة نص عليه الناظم لما حكاه سيبويه من قول بعض العرب مررت برجل سواء والعدم, برفع العدم عطفًا على الضمير المستتر في سواء؛ لأنه مؤول بمشتق أي: مستو هو والعدم وليس بينهما فصل "وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازمًا قد جعلا" في غير الضرورة وعليه جمهور البصريين نحو: {فَقَالَ لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وضعفه اعتقد" أي: على مذهب البصريين وأجازه الكوفيون بلا ضعف قياسًا على البدل نحو: أعجبتني جمالك. والفرق على الأول أن الثاني في العطف غير الأول غالبًا, فلا بد من تقوية الأول بخلاف البدل. وكالبدل التأكيد إلا النفس والعين كما مر في محله. قوله: "ورجا الأخيطل" تصغير الأخطل. ومن في قوله من سفاهة رأيه تعليلية, وما مفعول رجا واللام في قوله: لينًا لا لام الجحود وألفه للتثنية. قوله: "وزهر" أي: ونسوة زهر كحمر جمع زهراء. وأصل تهادى تتهادى أي: تتبختر فحذفت إحدى التاءين والفلا اسم جنس جمعي للفلاة وهي الصحراء. والمراد بنعاج الفلا بقر الوحش تعسفن أي: أخذن على غير الطريق رملًا أي: في رمل وقيد بقوله تعسفن إلخ؛ لأنه أقوى في التبختر.
قوله: "وعود خافض" شامل للحرفي والاسمي, لكن لا يعاد الاسمي إلا إذا لم يلبس فإن ألبس نحو: جاءني غلامك وغلام زيد وأنت تريد غلامًا واحدًا مشتركًا بينهما لم يجز نعم يجوز إذا قامت قرينة تدل على المقصود, والذي ارتضاه الدماميني أن المعطوف الجار والمجرور على الجار والمجرور لا المجرور فقط على المجرور كما استظهره الرضي؛ لئلا يلزم إلغاء الجار واتصال الضمير بغير عامله في نحو: المال بيني وبينك ومررت بك وبه وكلاهما محذور راجع حاشية شيخنا. قوله: "وعليه" أي: اللزوم جمهور البصريين؛ لأن الجار والضمير المجرور كالشيء
__________
878- البيت من الكامل، وهو لجرير في ديوانه ص57؛ والدرر 6/ 149؛ وشرح التصريح 2/ 151؛ والمقاصد النحوية 4/ 160؛ وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 476؛ وأوضح المسالك 3/ 390؛ والمقرب 1/ 234؛ وهمع الهوامع 2/ 138.
879- البيت من الخفيف، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص498؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 101؛ وشرح عمدة الحافظ ص658؛ وشرح المفصل 3/ 76؛ واللمع ص184؛ والمقاصد النحوية 4/ 161؛ وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 79؛ والخصائص 2/ 386؛ وشرح ابن عقيل ص501؛ والكتاب 2/ 379.(3/169)
وَليْسَ عِندِي لازِمًا إذْ قد أَتَى ... في النَّظْم والنثر الصحيح مُثْبِتا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلِلأَرْضِ} [فصلت: 11] ، {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 12] ، {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ} [البقرة: 133] ، قال الناظم: "وليس" عود الخافض "عندي لازمًا" وفاقًا ليونس والأخفش والكوفيين "إذ قد أتى في النظم والنثر الصحيح مثبتًا" فمن النظم قوله:
880- فاذهبْ فما بك والأيامِ من عَجبِ
وقوله:
881- وما بينها والكعْبِ غَوطٌ نفَانِفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الواحد فإذا عطف بدون الجار فكأنه عطف على بعض الكلمة, وقيل غير ذلك كما بينه شيخنا. قوله: "وليس عندي لازمًا" اختاره أبو حيان وقال: ينبغي أن يقيد جواز العطف على الضمير المجرور بلا إعادة الجار بأن يكون الحرف ليس مختصا بجر الضمير احترازًا من الضمير المجرور بلولا على مذهب سيبويه, فإنه لا يجوز عطف الظاهر عليه بالجر أي: لا بإعادة الجار ولا بدونها أي: ولا عطف الضمير عليه إلا بإعادة الجار, فلو رفعت على توهم أنك قد نطقت بالضمير مرفوعًا ففي جوازه نظر ا. هـ. دماميني. قوله: " فاذهب إلخ" جواب شرط محذوف أي: إذا كنت فعلت الهجو والشتم المذكورين في صدر البيت أعني قوله:
فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا
فاذهب فإن ذلك ليس بعجيب من مثلك ومثل هذه الأيام. قوله: "وما بينها إلخ" صدره:
نعلق في مثل السواري سيوفنا
روي نعلق بنون المتكلم ومعه غيره مبنيا للفاعل, وسيوفنا بالنصب على المفعولية، وروي تعلق بتاء التأنيث مبنيا للمجهول وسيوفنا بالرفع على النيابة عن الفاعل, والسواري جمع سارية وهي الأسطوانة والواو في وما حالية وما مبتدأ خبره, غوط جمع غائط وهو المكان المطمئن الواسع وكني بذلك عن طول القامة, ونفانف صفته جمع نفنف وهو الهواء بين الشيئين ويقال للهواء
__________
880- صدره:
فاليوم قرَّبْت تهجونا وتشتِمُنا
والبيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الإنصاف ص464؛ وخزانة الأدب 5/ 123، 126، 128، 129، 131؛ والدرر 2/ 81، 6/ 151؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 207؛ وشرح ابن عقيل ص503؛ وشرح عمدة الحافظ ص662؛ وشرح المفصل 3/ 78، 79؛ والكتاب 2/ 392؛ واللمع في العربية ص185؛ والمقاصد النحوية 4/ 163؛ والمقرب 1/ 234؛ وهمع الهوامع 2/ 139.
881- صدره:
نُعلِّق في مثل السَّواري سُيوفَنَا
والبيت من الطويل، وهو لمسكين الدارمي في ديوانه ص53 "وفيه نتائف بدل نفانف"؛ والحيوان 6/ 494؛ والمقاصد النحوية 4/ 164؛ وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 465؛ وشرح عمدة الحافظ ص663؛ وشرح المفصل 3/ 79؛ ولسان العرب 7/ 365 "غوط".(3/170)
والفاء قد تُحذَف مع ما عَطَفَت ... والواو لا لَبْسَ وهي انْفَرَدَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو كثير في الشعر. ومن النثر قراءة ابن عباس والحسن وغيرهما: {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] ، وحكاية قطرب ما فيها غيره وفرسه قيل ومنه: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] ، إذ ليس العطف على السبيل؛ لأنه صلة المصدر وقد عطف عليه كفر ولا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته.
تنبيهان: الأول في المسلة مذهب ثالث وهو أنه إذا أكد الضمير جاز نحو: مررت بك أنت وزيد، وهو مذهب الجرمي والزيادي. وحاصل كلام الفراء فإنه أجاز مررت به نفسه وزيد، ومررت بهم كلهم وزيد. الثاني أفهم كلامه جواز العطف على الضمير المنفصل مطلقًا, وعلى المتصل المنصوب بلا شرط نحو: أنا وزيد قائمان، وإياك والأسد، ونحو: {جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [المرسلات: 38] ، "والفاء قد تحذف مع ما عطفت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشديد كذا في العيني، ومثل السواري صفة لمحذوف أي: في قامات مثل السواري طولًا, ومراده بالكعب كعب حامل تلك السيوف هكذا يظهر. قوله: "وغيرهما" كحمزة من السبعة. قوله: "تساءلون به" قال شيخنا بتخفيف السين ا. هـ. وأما ما قيل إن الواو للقسم لا للعطف فعدول عن الظاهر مع أنه إن كان قسم الطلب في قوله: واتقوا الله, ورد عليه أن قسم السؤال إنما يكون بالباء كما قاله الرضي وغيره وإن كان قسم خبر محذوف تقديره والأرحام أنه لمطلع على ما تفعلون, كما قيل كان زيادة في التكلف. قوله: "قيل ومنه إلخ" وقيل خفض المسجد بباء محذوفة لدلالة ما قبلها عليها لا بالعطف فيكون مجموع الجار والمجرور معطوفًا على به وصوبه في المغني وكذا يقال في مثل هذه الآية. وأورد عليه أن حذف الجار وبقاء عمله شاذ إلا في مواضع تقدمت في حروف الجر ليس هذا منها, اللهم إلا أن يقال محل المنع إذا حذف غير تال لعاطف مسبوق بمثال الجار.
قوله: "لأنه" أي: السبيل صلة المصدر أي: فكذا ما عطف على السبيل. قوله: "حتى تكمل معمولاته" لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي. قوله: "إذا أكد الضمير جاز" أي: قياسًا على العطف على ضمير الفاعل إذا أكد, والجامع شدة الاتصال بما يتصلان به, وفرق الأول بأوجه: منها أن الضمير المجرور أشد اتصالًا من ضمير الفاعل بدليل أن ضمير الفاعل قد يجعل منفصلًا عند إرادة الحصر ويفصل بينه وبين الفعل, ولا يمكن الفصل بين الضمير المجرور وعامله كما ذكره السيوطي فلم يؤثر توكيده جواز العطف. قوله: "جواز العطف على الضمير المنفصل إلخ" أي: لأن كلا من المذكورين ليس كالجزء فأجري مجرى الظاهر وقوله مطلقًا أي: مرفوعًا كان أو منصوبًا. قوله: "والفاء قد تحذف إلخ" هذه الأبيات الثلاثة كلام يتعلق بحروف العطف فكان ينبغي أن تذكر قبل ذكر أحكام المعطوف, وأن تكون إلى جانب قوله واخصص بفاء البيت ا. هـ. نكت. قوله: "إذ لا لبس" أي: وقت عدم اللبس فإذ ظرفية لا تعليلية كما يشير إليه قول الشارح هو قيد فيهما.(3/171)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والواو إذ لا لبس" هو قيد فيهما، أي: تختص الفاء والواو بجواز حذفهما مع معطوفهما لدليل مثاله في الفاء: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَت} ، أي: فضرب فانفجرت وهذا الفعل المحذوف معطوف على فقلنا. ومثاله في الواو قوله:
882- فما كان بيْنَ الخير لو جاء سالِمًا ... أبو حُجُرٍ إلا ليالٍ قلائِلُ
أي: بين الخير وبيني، وقولهم: راكب الناقة راكب الناقة طليحان أي: والناقة،
ومنه: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أي: والبرد.
تنبيهان: الأول أم تشاركهما في ذلك كما ذكره في التسهيل ومنه قوله:
883- فما أدْرِي أَرُشْدٌ طِلابُها
أي: أم غي. وإنما لم يذكرها هنا لقلته فيها. الثاني قد يحذف العاطف وحده، ومنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "أن اضرب إلخ" الصواب حذف أن أو إبدال, فانفجرت بفانبجست؛ لأن الآية التي فيها فانفجرت هكذا فقلنا: اضرب إلخ, والآية التي فيها أن هكذا: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} [الأعراف: 160] ، وقوله بعد في غالب النسخ معطوف على فقلنا: يدل على أنه أراد آية فقلنا: اضرب إلخ, فكان عليه أن يحذف أن ويقول فقلناك اضرب إلخ, وقد وجد ذلك في بعض النسخ. قوله: "أي: فضرب فانفجرت" قال البهاء السبكي: طوى ذكر فضرب هنا لسرعة الامتثال, حتى إن أثره وهو الانفجار لم يتأخر عن الأمر, ثم قيل فضرب كله محذوف. وقال ابن عصفور: حذف ضرب وفاء فانفجرت والفاء الباقية فاء فضرب ليكون على المحذوف دليل ببقاء بعضه. دماميني. قوله: "معطوف على فقلنا" فيه مسامحة ظاهرة. قوله: "بين الخبر" خبر كان مقدم وقوله: أبو حجر بضم الحاء والجيم. قوله: "طليحان" أي: ضعيفان فكون الخبر مثنى دليل على حذف المعطوف. ويحتمل أن يكون الأصل أحد طليحين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه, كما قاله الموضح في شرح بانت سعاد وحينئذٍ لا شاهد فيه, لكن قال في المغني: هذا لا يتأتى في نحو: غلام زيد ضربتهما.
قوله: "أي: أم غي" إنما يلزم تقدير ما ذكر بناء على أن الهمزة دائمًا لا تكون إلا معادلة بين
__________
882- البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص120؛ وشرح التصريح 2/ 153؛ وشرح عمدة الحافظ ص648؛ والمقاصد النحوية 4/ 167؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 396.
883- تمامه:
دعاني إليها القلب إني لأمره ... سَمِيع فما أدري أَرُشْدٌ طِلابُها
والبيت من الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في تخليص الشواهد ص140؛ وخزانة الأدب 11/ 251؛ والدرر 6/ 102؛ وشرح أشعار الهذليين 1/ 43؛ وشرح عمدة الحافظ ص655؛ وشرح شواهد المغني ص26، 142؛ ومغني اللبيب ص13؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 2/ 132.(3/172)
بِعَطْفِ عامِلٍ مُزالٍ قَدْ بَقِي ... مَعْمُولُهُ دَفْعًا لِوَهْمٍ اتُّقِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله:
884- كيفَ أصبحتَ كيف أمسيتَ مِمَّا ... يَغْرِسُ الوُدَّ في فؤادِ الكريمِ
أراد كيف أصبحت وكيف أمسيت. وفي الحديث: "تصدق رجل ديناره من درهمه من صاع بره من صاع تمره" وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع: أكلت خبزًا لحمًا تمرًا، أراد خبزًا ولحمًا وتمرًا, ولا يكون ذلك إلا في الواو وأو "وهي" أي: الواو "انفردت" من بين حروف العطف "بعطف عامل مزال" أي: محذوف "قد بقي معموله" مرفوعًا كان نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35، الأعراف: 19] ، أي: وليسكن زوجك، أو منصوبًا نحو: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9] أي: وألفوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شيئين إما مصرح بهما كما تقدم أو بأحدهما كالبيت فإن طلابها حاصل فلا يسأل عن حصوله وإنما يسأل هل هو رشد أو غي. وقد أسلفنا في مبحث أم تنظير ابن هشام في ذلك فتنبه. بقي أن الزمخشري أجاز حذف ما عطفت عليه أم فقال في أم كنتم شهداء: يجوز كون أم متصلة على أن الخطاب لليهود وحذف معادلها أي: أتدعون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء, وجوز ذلك الواحدي أيضًا, وقدر أبلغكم ما تنسبون إلى يعقوب من إيصاء بنيه باليهودية أم كنتم شهداء نقله في المغني وأقره. قوله: "قد يحذف العاطف وحده" أي: على قول الفارسي وابن عصفور ومنعه ابن جني والسهيلي. وإنما جاز حذف حرف الاستفهام اتفاقًا؛ لأن للاستفهام هيئة تخالف هيئة الإخبار. قوله: "ومنه قوله إلخ" خرج المانع الأمثلة على بدل الإضراب كما في الدماميني ويحتمل بعضها الاستئناف كالبيت.
قوله: "إلا في الواو وأو" كذا في نسخ وفي نسخ أخرى إسقاط قوله وأو والأولى هي الموافقة لقوله في التسهيل ويشاركها أي: الواو في ذلك أو، ومثله الدماميني بقول عمر رضي الله تعالى عنه: صلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء. وقال في المغني: حكى أبو الحسن: أعطه درهمًا درهمين ثلاثة، وخرج على إضمار أو ويحتمل البدل المذكور ا. هـ. قال الدماميني: وظاهره أن الفاء لا تشاركهما في ذلك وقد قيل في علمته النحو بابا بابا إن تقديره بابا فبابا, ويشهد لذلك قولهم: ادخلوا الأول فالأول. قوله: "بعطف عامل إلخ" أو رد عليه ابن هشام أن الفاء تعطف عاملًا حذف وبقي معموله نحو: اشتريته بدرهم فصاعدًا؛ لأن تقديره فذهب الثمن صاعدًا. قوله: "أي: وليسكن زوجك" فيه أن اجتماع حذف الفعل ولام الأمر شاذ فلا يحسن تخريج التنزيل عليه كذا في التصريح, قال سم ويمكن أن يقال: إن من قدر ذلك أراد بيان معنى المقدر لا نفسه أي: ويسكن والجملة حينئذٍ خبرية لفظًا إنشائية معنى. قوله: "تبوؤا الدار" أي
__________
884- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 134؛ والخصائص 1/ 290، 2/ 280؛ والدرر 6/ 155؛ وديوان المعاني 2/ 225؛ ورصف المباني ص414؛ وشرح عمدة الحافظ ص641؛ وهمع الهوامع 2/ 140.(3/173)
وحَذْفَ مَتْبوع بدا هنا اسْتَبِح ... وعطفُكَ الفعْلَ على الفِعْلِ يَصِحّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإيمان، أو مجرورًا نحو: ما كل بيضاء شحمة ولا سوداء تمرة، أي: ولا كل سوداء. وإنما لم يجعل العطف فيهن على الموجود "دفعا لوهم اتقي" أي: حذر وهو أنه يلزم في الأول رفع فعل الأمر للاسم الظاهر، وفي الثاني كون الإيمان متبوأ وإنما يتبوأ المنزل، وفي الثالث العطف على معمولي عاملين. ولا يجوز في الثاني أن يكون الإيمان مفعولا معه لعدم الفائدة في تقييد الأنصار بمصاحبة الإيمان إذ هو أمر معلوم "وحذف متبوع" أي: معطوف عليه "بدا" أي: ظهر "هنا" أي: في هذا الموضع وهو العطف بالواو والفاء؛ لأن الكلام فيهما "استبح" كقول بعضهم: وبك وأهلًا وسهلًا جوابًا لمن قال له: مرحبًا بك، والتقدير ومرحبًا بك وأهلًا ونحو: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} [الزخرف: 5] ، أي: أنهملكم فنضرب، ونحو: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [سبأ: 9] ، أي: أعموا فلم يروا. وأما حذفه مع أو في قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نزلوها وأما تبوأ له فبمعنى هيأ له. قوله: "أي: وألفوا الإيمان" أي: فالعطف من عطف الجمل وجعله قوم من عطف المفردات بتضمين الفعل الأول معنى فعل يتسلط به على المعطوف أي: آثروا الدار والإيمان والوجهان في:
وزججن الحواجب والعيونا
قوله: "وهو أنه يلزم إلخ" كذا في التوضيح وفيه أن هذه اللوازم المذكورة متحققة على تقدير العطف على الموجود لا متوهمة حتى يقال دفعًا لوهم اتقى, بل كان المناسب إذا كان المراد هذا أن يقال دفعًا لأمر اتقى, إلا أن يقال المراد بالوهم الخطأ. قوله: "يلزم في الأول إلخ" قد يقال يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل, ورب شيء يصح تبعًا ولا يصح استقلالًا ا. هـ. مغني فلا يشترط لصحة العطف صحة وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه. قوله: "متبوأ" أي: منزولًا. قوله: "على معمولي عاملين" مختلفين العاملان ما وكل والمعمولان بيضاء وشحمة. قوله: "في تقييد الأنصار" كذا في نسخ وهو الموافق لما عليه المفسرون من أن الآية واردة في الأنصار. وفي نسخ المهاجرين وهي غير موافقة إلا أن تقرأ بفتح الجيم أي: المهاجر إليهم.
قوله: "وحذف متبوع بدا هنا استبح" لم يذكر ذلك مع أم وقد قيل في أم حسبتم أن تدخلوا الجنة إن أم متصلة فالتقدير: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره أم حسبتم. ومر عن الزمخشري والواحدي تجويز ذلك في أم كنتم شهداء, وأسلف الشارح أن المعطوف عليه بلا قد يحذف نحو: أعطيتك لا لتظلم أي: لتعدل لا لتظلم. قوله: "وبك وأهلًا" الواو الأولى لعطف جميع الكلام على كلام المتكلم الأول كالواو في وعليكم السلام جوابًا لمن قال: السلام عليكم, والثانية لعطف أهلًا على مرحبًا المقدر عطف مفرد على مفرد وهي محل الاستشهاد كذا في التصريح, وقوله: والثانية إلخ مبني على أن العامل في الجميع واحد أي: صادفت كذا وكذا ومنهم من جعل ذلك من عطف الجمل وقدر لكل واحد ما يناسبه، وسيبويه يجعل مرحبًا وأهلًا منصوبين على(3/174)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
885- فَهَل لكَ أو من والِد لكَ قَبْلَنا
أي: فهل لك من أخ أو من والد فنادر.
تنبيهان: الأول قال في التسهيل: ويغني عن المعطوف عليه المعطوف بالواو كثيرًا وبالفاء قليلًا. الثاني: قال فيه أيضًا وقد يتقدم المعطوف بالواو وللضرورة. وقال في الكافية: ومتبع بالواو قد يقدم موسطًا أي: يلتزم ما يلزم. وظاهره جوازه في الاختيار على قلة. قال في شرحها قد يقع أي: المعطوف قبل المعطوف عليه إن لم يخرجه التقديم إلى التصدير أو إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر نقل ذلك شيخنا عن الطبلاوي. قوله: "قال في التسهيل إلخ" تفصيل لما أجمله المتن دفع به توهم المساواة.
قوله: "وقد يتقدم المعطوف بالواو" خالف هشام في التخصيص بالواو وأجراه في الفاء وثم وأو ولا قاله السيوطي.
فائدة: فصل الواو والفاء من المعطوف بهما ضرورة وفصل غيرهما سائغ بقسم وظرف سواء كان المعطوف اسمًا نحو: قام زيد ثم والله عمرو وما ضربت زيدًا لكن في الدار عمرًا، أم فعلًا نحو: قام زيد ثم في الدار قعد أو بل والله قعد ا. هـ. همع. وألحق أبو حيان الحال بالظرف؛ لأنها مفعول فيه في المعنى وبنى عليه إعرابه أشد من قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200] ، حالًا من ذكر المعطوف على كذكركم قال: لأن المعنى اذكروا الله ذكرًا كذكركم آباءكم أو ذكرًا أشد فأشد في الأصل صفة ذكرًا, فلما قدم عليه أعرب حالًا منه، وجوز وجهًا آخر وهو أن يكون ذكرًا مصدرًا لاذكروا, ويكون كذكركم آباءكم في موضع نصب على الحال من ذكرًا وأشد معطوف على كذكركم فتكون حالًا معطوفة على حال, وعدل كما قاله إلى هذين الوجهين عن كون ذكرًا تمييزًا لاقتضائه أن الذكر ذاكر, ومنهم من التزمه على الإسناد المجازي من وصف الشيء بوصف صاحبه نحو: جده أجد. وفي الكشاف أن أو أشد ذكرًا في موضع جر عطف على ضمير المخاطبين في كذكركم مثل ذكر قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرًا, أو في موضع نصب عطف على آباءكم أي: أو أشد ذكرًا من آبائكم على أن ذكرًا من فعل المعلوم أو المجهول قال التفتازاني: وتحقيقه أن المصدر عبارة عن أن مع الفعل والفعل قد يؤخذ مبنيًا للفاعل, وقد يؤخذ مبنيا للمفعول, والمعنى على الأول أو قوم أشد ذاكرية, وعلى الثاني أو قوم أشد مذكورية واختار ابن الحاجب أن أشد ذكرًا حال من محذوف والعطف من عطف الجمل والتقدير: أو اذكروه حال كونكم أشد ذكرًا.
قوله: "للضرورة" تخصيصه بالضرورة مذهب البصريين ومذهب الكوفيين جوازه اختيارًا
__________
885- عجزه:
يُوَسِّمُ أولادَ العِشارِ ويُفْضِلُ
والبيت من الطويل، وهو لأمية بن أبي عائذ الهذلي في الدرر 6/ 156؛ وشرح أشعار الهذليين 2/ 537؛ وشرح عمدة الحافظ ص670؛ والمقاصد النحوية 4/ 182؛ وللهذلي في همع الهوامع 2/ 140.(3/175)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مباشرة عامل لا يتصرف أو تقدم عليه ولذا قلت: موسطًا أن يلتزم ما يلزم، فلا يجوز وعمرو زيد قائمان لتصدر المعطوف وفوات توسطه، ولا ما أحسن وعمرًا زيدًا، ولا ما وعمرًا أحسن زيدًا لعدم تصرف العامل. ومثال التقديم الجائز قول ذي الرمة:
886- كَأَنَّا عَلَى أولادِ أَحْقَبَ لاحَها ... وَرَمَى السَّفى أنْفاسَها بِسِهامِ
جَنوبٌ دوَتْ عنها التَّناهِي وأَنْزَلَتْ ... بها يومَ رَبَّابِ السَّفيرِ خِيامُ
أراد لاحها جنوب ورمى السفى. ومنه قول الآخر:
887- وأنت غَرِيم لا أظنُّ قَضاءَهُ ... ولا العَنَزِيُّ القارِظُ الدَّهْرَ جائِيًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بقلة. قوله: "إن لم يخرجه التقديم إلخ" أي: ولم يكن المعطوف مخفوضًا فلا يجوز: مررت وزيد بعمرو, ولم يكن العامل مما لا يستغنى بواحد فلا يقال اختصم وعمرو زيد خلافًا لثعلب كذا في السيوطي والدماميني. قوله: "أو تقدم عليه" عطف على مباشرة أي: أو يخرجه التقديم إلى تقدمه على عامل لا يتصرف كالمثال الأخير وفي نسخ أو التقدم عليه وهي ظاهرة. قوله: "وفوات توسطه" عطف لازم. قوله: "كأنا على أولاد" أي: حمر أولاد أحقب أي: أولاد فحل من الحمير أحقب أي: في موضع الحقيبة منه وهو مؤخره بياض لاحها بالحاء المهملة أي: غيرها. والسفي بفتح السين المهملة والفاء قال في القاموس: هو التراب, والهزال وكل شجر له شوك واحدته سفاة ا. هـ. والمعنى الأول والثالث يناسبان هنا. وأما قول البعض هو شوك مخصوص فمع كونه مخالفًا لما في القاموس هو غير مناسب لقوله بسهام؛ لأن معناه بشوك كالسهام كما قاله هو وسيأتي، أنفاسها أي: الأولاد على حذف مضاف أي: محل أنفاسها، بسهام متعلق برمي أي: بشوك كالسهام، جنوب فاعل لاحها والجنوب ريح معلومة. دوت بالدال المهملة قال في القاموس: دوي الماء أي: علاه ما تسفيه الريح ا. هـ. فقول البعض أي: جفت فيه نظر. وأما ذوي بالمعجمة ففي القاموس ذوي البقل كرمي ورضي ذويًا كصلى ذبل وأذواه الحر ا. هـ. عنها أي: عن الجنوب أي: من أجلها، التناهي فاعل ذوت وهي جمع تنهية وهي الموضع الذي ينتهي الماء إليه ويحبس فيه، وأنزلت بها أرجع البعض الضمير لأولاد أحقب وعليه فأنزلت عطف على لاحها ولعل المعنى عليه وحملت فوقها الخيام, ويحتمل رجوعه إلى الجنوب فتكون الباء في بها سببية. قال البعض: والمراد بيوم رباب السفير يوم شدة الحر ا. هـ. وفي القاموس الرباب كرمان وشداد الجماعة، وذكر للسفير معاني أنسبها هنا الرياح يسفر بعضها بعضًا. وفي البيت من عيوب القافية الإقواء.
قوله: "ومنه قول الآخر" قال بعضهم: هو من كلام ذي الرمة فكان الموافق الإتيان بالضمير
__________
886- البيتان من الطويل، وهما لذي الرمة في ديوانه ص1071، وشرح أبيات سيبويه 1/ 483؛ والكتاب 2/ 99، 100؛ ولسان العرب 12/ 210 "سهم"؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص862.
887- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 347.(3/176)
واعْطِف على اسم شِبه فِعل فِعْلا ... وعكسًا استَعمِل تَجِده َسْهلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أراد لا أظن قضاءه جائيًا هو ولا العنزي "وعطفك الفعل على الفعل يصح" بشرط اتحاد زمانيهما سواء اتحد نوعهما نحو: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} [الفرقان: 49] {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} [محمد: 36] أم اختلفا نحو: قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود: 98] ، {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي} [الفرقان: 10] الآية "واعطف على اسم شبه فعل فعلا" نحو: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19] ، {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العائد على ذي الرمة بدل التعبير بالآخر. قوله: "وأنت" بكسر التاء؛ لأن الخطاب لمحبوبته, والعنزي بفتح العين المهملة والنون بعدها زاي نسبة إلى عنزة قبيلة, وهو أحد رجلين خرجا يجنيان القرظ فلم يرجعا أصلًا فضرب بهما المثل. قوله: "وعطفك الفعل إلخ" قال ابن هشام: قال بعض الطلبة: لا يتصور لعطف الفعل على الفعل مثال؛ لأن نحو: قام زيد وقعد عمرو المعطوف فيه جملة لا فعل وكذا قام وقعد زيد؛ لأن في أحد الفعلين ضميرًا. قلت له: فإذا قلت: يعجبني أن تقوم وتخرج ولم تقم وتخرج ويعجبني أن يقوم زيد ويخرج عمرو فيا لها خجلة وقع فيها ا. هـ. سيوطي. ووجهه أن الفعل المعطوف منصوب أو مجزوم فلولا أن العطف للفعل وحده لم يتأت نصبه أو جزمه ا. هـ سم. قوله: "بشرط اتحاد زمانيهما" أي: مضيًا أو حالًا أو استقبالًا.
قوله: "سواء اتحد نوعهما" أي: المتعاطفين بأن كانا ماضيين أو مضارعين أو أمرين. قوله: "نحو: يقدم قومه إلخ" فأوردهم معطوف على يقدم؛ لأنه بمعنى يوردهم كما قاله أبو البقاء. قال شيخ الإسلام زكريا: ويحتمل أن يكون أوردهم معطوفًا على اتبعوا أمر فرعون فلا اختلاف في اللفظ, ويرد عليه وإن أقره شيخنا والبعض أن زمني المتعاطفين حينئذٍ مختلفان لمضي زمن الاتباع واستقبال زمن الإيراد فلم يوجد شرط عطف الفعل على الفعل, إلا أن يراد بالنار ما يشمل نار القبر ومتباعدان جدا فلا وجه حينئذٍ للفاء فتدبر. ثم يحتمل أن يكون العطف في الآية من عطف الجملة على الجملة لا الفعل على الفعل وكذا في كثير من الأمثلة لكن لا يضر الاحتمال إذا كان المقصود التمثيل لا الاستشهاد. قوله: "تبارك الذي إلخ" الشاهد في ويجعل على قراءة الجزم عطفًا على جعل الذي هو في محل جزم.
قوله: "فالمغيرات صبحًا" ظاهره أن أثرن معطوف على مغيرات وبه صرح في التصريح مع أنهم قالوا: إن المعطوفات إذا تكررت تكون على الأول على الأصح ويجاب بأن ذلك مقيد بما إذا لم يكن العاطف مرتبًا, فإن كان مرتبًا فالعطف على ما يليه, كما نقل عن الكمال ابن الهمام وإذا عطف بمرتب أشياء, ثم عطف بغير مرتب شيء فهو على ما يليه, كما يؤخذ من كلام المغني في أول الجملة الرابعة من الجمل التي لا محل لها, وينظر بكل تقدير محل أثرن من الإعراب, فإنه لا جائز أن يكون الجر لعدم دخوله الأفعال ولا جائز أن يكون غيره لعدم وجوده, إذ الفرض أنه معطوف على مجرور فقط إلا أن يقال محل قولهم الجر لا يدخل الأفعال إذا كان ذلك على(3/177)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العاديات: 3] . لاتحاد جنس المتعاطفين في التأويل، إذ المعطوف في المثال الأول في تأويل المعطوف عليه وفي الثاني بالعكس "وعكسًا استعمل تجده سهلا" كقوله:
888- أُمَّ صَبِيٍّ قَدْ حَبَى أو دَارِجِ
889- يَقْصِدُ في أَسْوُقِهَا وجَائِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سبيل الاستقلال أما على سبيل التبع كما هنا فيدخل, فإن قلت: صرحوا بأن الجملة الفعلية تقع في محل جر فلِمَ لم تكن جملة فأثرن في محل جر؟ قلت: الفرض أن المعطوف الفعل وحده كما صرحوا به لا الجملة بأسرها ا. هـ. دنوشري. وأجاب الإسقاطي بأن الذي يظهر أن أثرن لا محل له من الإعراب لعطفه على ما لا محل له وهو صلة أل, وما فيها من إعراب ليس بطريق الأصالة حتى يراعى في الفعل المعطوف بل بطريق العارية من أل الموصولة؛ لكونها على صورة الحرف نقلوا إعرابها إلى صلتها فجاز أن يعطف عليها ما لا محل له نظرًا لأصلها.
قوله: "إذ المعطوف في المثال الأول في تأويل المعطوف عليه" أي: لأن صافات حال والأصل في الحال الإفراد فيقبضن مؤول بقابضات, وهذا على سبيل الأولوية إذ يجوز كون المؤول هو المعطوف عليه, وكذا يقال في نظائره وفي الكلام حذف مضاف أي: في تأويل مثل المعطوف عليه, وكذا يقال فيما بعده. قوله: "وفي الثاني بالعكس" أي: لأن المعطوف عليه صلة وحقها أن تكون جملة فالمغيرات مؤول باللاتي أغرن. قوله: "أم صبي إلخ" صدره:
يا رب بيضاء من العواهج
جمع عوهج وهو الطويل العنق من الظباء والنعام والنوق، والمراد هنا المرأة التامة الخلق. ويجوز في أم الجر عطف بيان لبيضاء باعتبار اللفظ والرفع عطف بيان لبيضاء باعتبار المحل أو خبر محذوف، والنصب بتقدير أمدح والمؤول هو الأول؛ لأنه وصف والأصل فيه الإفراد على ما ارتضاه الشارح بعد وسيأتي ما فيه, والدارج المقارب بين خطاه وقد يشكل جر دارج مع عطفه على الفعل وحده إلا أن ينزل منزلة العطف على الجملة. قوله: "يقصد إلخ" صدره:
بات يعشيها بعضب باتر
ضمير يعشيها للمرأة؛ لأنه في وصف رجل يعاقب امرأته بالعضب الباتر أي: السيف القاطع.
__________
888- صدره:
يا رب بيضاء من العَواهِج
والرجز لجندب بن عمرو في خزانة الأدب 4/ 238؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 394؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 641؛ وشرح التصريح 2/ 152؛ ولسان العرب 2/ 331 "كهج"؛ والمقاصد النحوية 4/ 173.
889- صدره:
بات يُعَشِّيها بعَضْبٍ باتِرِ
والرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 140، 143، وشرح ابن عقيل ص
506؛ ولسان العرب 11/ 600، "كهل"، 15/ 62 "عشا"؛ والمقاصد النحوية 4/ 174.(3/178)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجعل منه الناظم {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: 31] ، وقدر الزمخشري عطف مخرج على فالق، وجعل ابن الناظم تبعًا لأصله المعطوف في البيتين في تأويل المعطوف عليه، والذي يظهر عكسه؛ لأنه المعطوف عليه وقع نعتًا والأصل فيه أن يكون اسمًا.
خاتمة: في مسائل متفرقة: الأولى يشترط لصحة العطف صلاحية المعطوف أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل، فالأول نحو: قام زيد وعمرو، والثاني نحو: قام زيد وأنا، فإنه لا يصلح قام أنا ولكن يصلح قمت والتاء بمعنى أنا، فإن لم يصلح هو أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل، أضمر له عامل يلائمه وجعل من عطف الجمل, وذلك كالمعطوف على الضمير المرفوع بالمضارع ذي الهمزة أو النون أو تاء المخاطب أو بفعل الأمر نحو: أقوم أنا وزيد، ونقوم نحن وزيد، وتقوم أنت وزيد واسكن أنت وزوجك الجنة أي: وليسكن زوجك، وكذلك باقيها، وكذلك المضارع المفتتح بتاء التأنيث نحو: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] ، قال الناظم: قال الشيخ أبو حيان: وما ذهب إليه مخالف لما تضافرت عليه نصوص النحويين والمعربين من أن زوجك معطوف على الضمير المستكن في اسكن المؤكد بأنت. الثانية لا يشترط في صحة العطف صحة وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه لصحة قام زيد وأنا وامتناع قام أنا وزيد. الثالثة: لا يشترط صحة تقدير العامل بعد العاطف لصحة اختصم زيد وعمرو وامتناع اختصم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويقصد من القصد ضد الجور في محل جر صفة ثانية لعضب في تأويل قاصد؛ لأنه وصف والأصل فيه الإفراد وجعله العيني حالًا ويرده جر المعطوف. والأسوق جمع ساق. قوله: "والذي يظهر عكسه إلخ" أقول هذا إنما يتم في البيت الثاني أما في الأول فلا؛ لأن ما علل به معارض بوجود قد في الأول بل وجودها فيه أقوى مما علل به؛ لأنها تبعد كون الفعل في تأويل الاسم, فالوجه أن المؤول في البيت الأول الثاني, وفي الثاني الأول فعليك بالإنصاف. قوله: "فإنه لا يصلح قام أنا" أي: هذا التركيب بعينه فلا يرد أنه يصلح أن يقال إنما قام أنا فأنا قد باشرت العامل.
قوله: "من أن زوجك معطوف على الضمير المستكن في اسكن" أي: ويغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل, وكذا يقال في بقية الأمثلة المتقدمة والبدل أيضًا على هذين القولين نحو: ادخلوا أولكم وآخركم, فيقدر عامل على الأول ويكون من إبدال الجمل بعضها من بعض ولا يحتاج إليه على الثاني. قوله: "لا يشترط في صحة العطف صحة وقوع المعطوف" أي: بنفسه وهذا مستفاد من قوله في المسألة الأولى, أو ما هو بمعناه فإنه يفيد أنه لا يشترط صحة وقوعه بنفسه هكذا ينبغي تقرير الاعتراض لا كما قرره البعض. قوله: "منعه البيانيون" قال السيد: منع(3/179)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيد واختصم عمرو. الرابعة: في عطف الخبر على الإنشاء وعكسه خلاف منعه البيانيون والناظم في شرح باب المفعول معه من كتاب التسهيل وابن عصفور في شرح الإيضاح, ونقله عن الأكثرين وأجازه الصفار تلميذ ابن عصفور وجماعة مستدلين بنحو: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا} [البقرة: 25] ، في سورة البقرة: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 47] ، في سورة الصف. قال أبو حيان: وأجاز سيبويه جاءني زيد ومن عمرو والعاقلان على أن يكون العاقلان خبرًا لمحذوف، ويؤيده قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البيانيين إنما هو في الجمل التي لا محل لها بخلاف التي لها محل, فإن ذلك جائز فبها وكفاك حجة قاطعة على جوازه قوله تعالى: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] ، وليس مختصا بالجمل المحكية بالقول إذ لا يشك من له مسكة في حسن قولك: زيد أبوه صالح وما أفسقه ووجه الجواز أن الجمل التي لها محل واقعة موقع المفردات, فليست النسب بين أجزائها مقصودة بالذات فلا التفات إلى اختلاف تلك النسب بالخبرية والإنشائية بخلاف ما لا محل لها ا. هـ. شمني.
قوله: "وأجازه الصفار إلخ" قال البهاء السبكي: أهل البيان متفقون على منعه وكثير من النحاة جوزه ولا خلاف بين الفريقين؛ لأنه عند مجوزه يجوز لغة ولا يجوز بلاغة ا. هـ. شمني. وفيه عندي نظر وإن أقره شيخنا والبعض؛ لأن
عدم جوازه بلاغة عند المجوزين ينافيه استدلالهم على جوازه بالآيتين فافهم. قوله: "بنحو: وبشر إلخ" أي: لأنه معطوف على أعدت للكافرين وهو خبر. وأجيب بأن الكلام منظور فيه إلى المعنى فكأنه قيل: والذين آمنوا وعملوا
الصالحات لهم جنات فبشرهم بذلك. قوله: " {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} في سورة الصف" أي: لأنه معطوف على نصر من الله وفتح قريب وهو خبر. وأجيب بأن بشر معطوف على تؤمنون بمعنى آمنوا ولا يقدح في ذلك تخالف الفاعلين بالإفراد وعدمه؛ لأنك تقول قوموا واقعد يا زيد.
قوله: "على أن يكون العاقلان خبرًا لمحذوف" أي: لا على الاتباع لعدم شرطه من اتحاد المعنى والعمل كما مر, وعن الرضي منع جمع النعتين اتباعًا وقطعًا في مثل هذا كما في سم, ثم رأيت ما يؤيده في المغني وعبارته. وأما ما نقله أبو حيان عن سيبويه فغلط عليه، وإنما قال: واعلم أنه لا يجوز من عبد الله وهذا زيد الرجلين الصالحين رفعت أو نصبت؛ لأنك لا تثني إلا من أثبته وعلمته ولا يجوز أن تخلط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة. وقال الصفار: لما منعها سيبويه من جهة النعت علم أن زوال النعت يصححها فتصرف أبو حيان في كلام الصفار فوهم فيه, ولا حجة فيما ذكر الصفار إذ قد يكون للشيء مانعان ويقتصر على ذكر أحدهما؛ لأنه الذي اقتضاه المقام ا. هـ. والذي أوقع أبا حيان في الغلط توهمه أن مراد الصفار النعت الصناعي الذي هو تابع فصحح المسألة بجعل الوصف خبر مبتدأ محذوف وهذا غلط ظاهر, فإن سيبويه مصرح بامتناع المسألة مع الوصف المقطوع حيث قال: رفعت أو نصبت, وإنما مراد الصفار أن الوصف إذا زال بالكلية بأن قيل من عبد الله وهذا زيد كان التركيب جائزًا لفقد ما بنى سيبويه عليه المنع, فثبت حينئذٍ جواز عطف الخبر على الإنشاء, وجوابه قول المغني ولا حجة إلخ قاله الدماميني.(3/180)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
890- وإنَّ شِفائِي عَبْرَةٌ مُهَراقَةٌ ... وهل عِنْدَ رَسْمٍ دارِسٍ من مُعَوَّلِ
وقوله:
891- تُناغِي غَزَالًا عِنْدَ دارِ ابْنِ عامِرٍ ... وكُحْلِ أَماقِيكِ الحِسانِ بإِثْمِدِ
الخامسة: في عطف الجملة الاسمية على الفعلية وبالعكس ثلاثة أقوال: أحدها الجواز مطلقًا وهو المفهوم من قول النحويين في نحو: قام زيد وعمرو أكرمته أن نصب عمرو أرجح؛ لأن تناسب الجملتين أولى من تخالفهما. والثاني المنع مطلقًا. والثالث: لأبي علي يجوز في الواو فقط. السادسة: في العطف على معمولي عاملين أجمعوا على جواز العطف على معمولي عامل واحد نحو: إن زيدًا ذاهب وعمرًا جالس، وعلى معمولات عامل واحد. نحو: أعلم زيدًا عمرًا بكرًا جالسًا، وأبو بكر خالدًا سعيدًا منطلقًا، وعلى منع العطف على معمول أكثر من عاملين نحو: إن زيدًا ضارب أبوه لعمرو وأخاك غلامه بكر. وأما معمولًا عاملين فإن لم يكن أحدهما جارًا؛ فقال الناظم هو ممتنع إجماعًا نحو: كان آكلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "عبرة" بالفتح الدمع مهراقة بفتح الهاء التي زادوها على غير قياس أي: مراقة والرسم الأثر والدارس المنمحي, والمعول مصدر ميمي بمعنى التعويل أي: البكاء برفع صوت أو اسم مكان أو اسم مفعول محذوف الصلة من عولت على فلان اعتمدت عليه, كذا في الشمني وبه يعرف ما في كلام البعض وبحث في الاستشهاد بالبيت بأن الاستفهام فيه إنكاري فهو خبر معنى وحينئذٍ لا شاهد فيه. قوله: "تناغي غزالًا" التاء للخطاب أي: تكلمه بما يسره. والأماقي جمع موق وهو طرف العين مما يلي الأنف. واللحاظ بفتح اللام طرفها مما يلي الأذن والإثمد بكسر الهمزة والميم حجر يكتحل به, وقد يقال كحل معطوف على أمر مقدر يدل عليه المعنى أي: فافعل كذا وكحل إلخ وحينئذٍ لا شاهد فيه. قوله: "مطلقًا" أي: بالواو وغيرها. قوله: "على معمول أكثر من عاملين" إضافة معمول إلى أكثر جنسية بدليل المثال فإن فيه العطف على ثلاث معمولات لثلاثة عوامل. قوله: "وأما معمولًا عاملين إلخ" الأصح في هذه المسألة ما ذهب إليه سيبويه من المنع مطلقًا لقيام العاطف مقام العامل, والحرف الواحد لا يقوى على قيامه مقام عاملين لضعفه. وما أوهم ذلك يؤول بتقدير عامل بعد العاطف فيكون إما من عطف الجمل كما في قولهم في الدار زيد
__________
890- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص9؛ وخزانة الأدب 3/ 448؛ 5/ 277، 280، 11/ 292؛ والدرر 5/ 139؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 257، 260؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 449؛ وشرح شواهد المغني 2/ 772؛ والكتاب 2/ 142؛ ولسان العرب 11/ 485 "عول"، 709 "هلل"؛ والمنصف 3/ 40؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 274، 11/ 29؛ والدرر 6/ 154؛ وشرح شواهد المغني 2/ 872؛ ومغني اللبيب 2/ 350؛ وهمع الهوامع 2/ 77، 140.
791- البيت من الطويل، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص 134؛ وشرح شواهد المغني 2/ 872، 873؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب 2/ 483.(3/181)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
طعامك عمرو وتمرك بكر وليس كذلك، بل نقل الفارسي الجواز مطلقًا عن جماعة, قيل منهم الأخفش وإن كان أحدهما جارًا فإن كان مؤخرًا نحو: زيد في الدار والحجرة عمرو أو وعمرو الحجرة فنقل المهدوي أنه ممتنع إجماعًا، وليس كذلك بل هو جائز عند من ذكرنا، وإن كان الجار مقدمًا نحو: في الدار زيد والحجرة عمرو أو وعمرو الحجرة فالمشهور عن سيبويه المنع، وبه قال المبرد وابن السراج وهشام، وعن الأخفش الإجازة وبه قال الكسائي والفراء والزجاج. وفصل قوم منهم الأعلم فقالوا: إن ولي المخفوض العاطف جاز وإلا امتنع. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والحجرة عمرو أو من عطف المفردات لكن لا من العطف على معمولي عاملين بل على معمولي عامل واحد كما في ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة بنصب تمرة وشحمة. بقي أنهم لم يتعرضوا للعطف على معمولات عاملين نحو: إن زيدًا ضارب عمرًا وبكرًا قاتل خالدًا ونحو: إن زيدًا ضارب أبوه عمرًا وأخاك غلامه بكرًا، والظاهر أنه كالعطف على معمولي عاملين فتأمل.
فائدة: قال الرضي: كل ضمير راجع إلى المعطوف بالواو وحتى مع المعطوف عليه بطابقهما مطلقًا نحو: زيد وعمرو جاآني ومات الناس حتى الأنبياء وفنوا فالضمير للمعطوف والمعطوف عليه. وأما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] ، فالضمير للكنوز لدلالة يكنزون على الكنوز وقوله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] ، أي: يرضوا أحدهما؛ لأن إرضاء أحدهما إرضاء للآخر ونحو: زيد وعمرو قام على حذف الخبر من الأول؛ لدلالة خبر الثاني أو العكس، ويجوز تخريج الآية الثانية على هذا الوجه باحتماليه، ويجوز تقديم الخبر نحو: زيد قام وعمرو على الحذف من الثاني لدلالة خبر الأول وفي الموضعين ليس المبتدأ وحده عطفًا على المبتدأ, إذ لو كان كذلك لقيل قاما. وأما الفاء وثم فإن كان الضمير في الخبر عن المعطوف بهما مع المعطوف عليه فقال بعضهم: يجب حذف الخبر من أحدهما نحو: زيد فعمرو قام، وزيد ثم عمرو قام، ويجوز تقديم الخبر على الحذف من الثاني نحو: زيد قام فعمرو أو ثم عمرو قالوا ولا تجوز المطابقة؛ لأن تفاوتهما بالترتيب يمتنع اشتراكهما في الضمير, وأجاز الباقون مطابقة الضمير وهو الحق نحو: زيد ثم عمرو قاما إذ الاشتراك في الضمير لا يدل على انتفاء الترتيب حتى يناقض الفاء, وثم إذ يقال قام الرجلان مع ترتبهما, والإضمار كالإظهار في هذا وإن لم يكن الضمير في الخبر وجبت المطابقة اتفاقًا نحو: جاءني زيد فعمرو فقمت لهما وجاءني زيد ثم عمرو وهما صديقان، وأما لا وبل وأو وأم وأما ولكن فمطابقة الضمير معها وعدمها بحسب قصد المتكلم فإن قصدت أحدهما وذلك واجب في الاخبار وجب إفراد الضمير نحو: زيد لا عمرو جاءني وزيد بل عمرو قام، وأزيد أم عمرو أتاك، وزيد أو هند جاءني إذ المعنى أحدهما جاءني ويغلب المذكر كما رأيت, وتقول في غير الإخبار جاءني إما زيد وإما عمرو فأكرمته وأزيدًا ضربت أم عمرًا فأوجعته، وما جاءني زيد لكن عمرو فأكرمته، وإن قصدتهما معًا وجبت المطابقة نحو: زيد لا عمرو جاءني مع أني دعوتهما وزيد أو(3/182)
البدل:
التابع المقصود بالحكم بِلا ... واسطة هو المسَمَّى بَدَلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البدل:
"التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى" في اصطلاح البصريين "بدلا" وأما الكوفيون فقال الأخفش: يسمونه بالترجمة والتبيين. وقال ابن كيسان يسمونه بالتكرير، فالتابع جنس والمقصود بالحكم يخرج النعت والتوكيد وعطف البيان وعطف النسق سوى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عمرو جاءني وقد ذهبت إليهما قال تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] ، وليست أو بمعنى الواو كما قيل والمعنى أن يكن غنيًا أو فقيرًا فلا بأس, فإن الله أولى بالغني والفقير, لكن يجوز في أو التي للإباحة المطابقة وإن كان المراد أحدهما نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين وباحثهما؛ لأنها لجواز الجمع بين الأمرين تشبه الواو ا. هـ. ملخصًا.
البدل:
قوله: "التابع إلخ" هذا معنى البدل اصطلاحًا وأما معناه لغة فالعوض. قال بعضهم: كيف يستقيم للناظم تعريف البدل بحد جامع مانع مع قوله في عطف البيان وصالحًا لبدلية يرى؟ أجيب بأن جواز الأمرين باعتبار قصدين فإن قصد بالحكم الأول وجعل الثاني بيانًا له, فهو عطف البيان وإن قصد به الثاني وجعل الأول كالتوطئة له فهو البدل. وحاصل الجواب أن الحيثية ملحوظة في تعريف كل منهما. قوله: "المقصود" أي: وحده دون المتبوع هذا هو المناسب لإخراج الشارح به ما عطف نسقًا بغير بل, ولكن بعد الإثبات مما قصد فيه التابع والمتبوع معًا. فإن قلت: يخرج عن ذلك بدل البداء؛ لأن متبوعه أيضًا مقصود كما يأتي, قلت: المراد المقصود قصدًا مستمرا ومتبوع بدل البداء وإن قصد أولًا, لكن صار بالإبدال كالمسكوت عنه فقصده لم يستمر وبما قررناه يعلم ما في كلام البعض. قوله: "بالحكم" أي: المنسوب إلى متبوعه نفيًا أو إثباتًا ا. هـ. تصريح. قوله: "بلا واسطة" المراد بها حرف العطف وإلا فالبدل من المجرور قد يكون بواسطة نحو: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} [الأحزاب: 21] ، ا. هـ. زكريا ونحو: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا} [المائدة: 114] . قوله: "بالترجمة" أي: عن المراد بالمبدل منه والتبيين له, قال البعض: وهو مبني على أن عطف البيان هو البدل ا. هـ. والظاهر أن هذا البناء غير لازم؛ لأن البدل لا يخلو عن بيان وإيضاح, وإن لم يكن المقصود منه بالذات ذلك فتأمل. وقوله بالتكرير أي: للمراد من المبدل منه, ولا يخفى أن هذه الأسماء الثلاثة لا تظهر في البدل المباين فافهم.
قوله: "يخرج النعت والتوكيد وعطف البيان" فإنها ليست مقصودة بالحكم وإنما هي مكملات للمقصود بالحكم. قوله: "وعطف النسق إلخ" قال في التوضيح: وأما النسق فثلاثة أنواع: أحدها ما ليس مقصودًا بالحكم كجاء زيد لا عمرو وما جاء زيد بل عمرو أو لكن عمرو(3/183)
مُطابقًا أو بَعْضًا أو ما يَشْتَمِل ... عَلَيه يُلفى أو كَمَعْطوفٍ بِبَل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المعطوف ببل ولكن بعد الإثبات. وبلا واسطة يخرج المعطوف بهما بعده "مطابقًا أو بعضًا أو ما يشتمل عليه يلفى أو كمعطوف ببل" أي: يجيء البدل على أربعة أنواع: الأول بدل كل من كل وهو بدل الشيء مما يطابق معناه نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ} [الفاتحة: 6 و7] ، وسماه الناظم البدل المطابق لوقوعه في اسم الله تعالى نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} [إبراهيم: 1] ، في قراءة الجر، وإنما يطلق كل على ذي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالثاني ليس بمقصود في الأمثلة الثلاثة, أما الأول فواضح؛ لأن الحكم السابق منفي عنه وأما الأخيران؛ فلأن الحكم السابق هو نفي المجيء والمقصود به إنما هو الأول. النوع الثاني ما هو مقصود بالحكم هو وما قبله فيصدق عليه أنه مقصود بالحكم لا أنه المقصود بالحكم, وذلك كالمعطوف بالواو نحو: جاء زيد وعمرو وما جاء زيد ولا عمرو وهذان النوعان خارجان بما يخرج به النعت والتوكيد والبيان وهو الفصل الأول. النوع الثالث ما هو مقصود بالحكم دون ما قبله, وهذا هو المعطوف ببل بعد الإثبات نحو: جاءني زيد بل عمرو وهذا النوع خارج بقولنا بلا واسطة ا. هـ.
قوله: "ولكن بعد الإثبات" صريح في أن لكن تعطف بعد الإثبات والذي تقدم أنها لا تعطف إلا بعد النفي أو النهي, نعم تقدم أنها تعطف بعد الإثبات على رأي: الكوفيين فيمكن أنه جرى هنا على مذهبهم. قوله: "مطابقًا" مفعول ثان ليلفي مقدم عليه والأول جعل نائب فاعله. قوله: "أو بعضًا" شرط صحته صحة الاستغناء عنه بالمبدل منه, فيجوز جدع زيد أنفه ولا يجوز: قطع زيد أنفه؛ لأنه لا يقال قطع زيد على معنى قطع أنفه ا. هـ. دماميني قال شيخنا: ومثله في ذلك بدل الاشتمال كما يأتي فعلى هذا لا بد في كل من بدل البعض وبدل الاشتمال من دلالة ما قبله عليه ا. هـ. أي: إجمالًا كما يأتي, وقد يتوقف في عدم جواز قطع زيد فإن غاية أمره الإجمال وهو من مقاصد البلغاء وأي: فرق بين قطع زيد أنفه, وأكلت الرغيف ثلثه فتأمل. قوله: "أو ما يشتمل" بالبناء للفاعل وعليه متعلق به أي: أو بدلًا يشتمل على المبدل منه أو المعنى أو بدلًا يشتمل هو أي: المبدل منه عليه أو المعنى أو بدلًا يشتمل هو أي: العامل عليه, فكلامه محتمل للمذاهب الثلاثة الآتية في كلام الشارح, كذا قال البعض. وفيه أنه يلزم على الأخيرين جريان الصلة على غير ما هي له مع خوف اللبس فتدبر.
قوله: "أو كمعطوف ببل" أي: بعد الإثبات وهذا التشبيه إنما يتم في بدل الإضراب دون بدلي الغلط والنسيان؛ لأن بدل الإضراب هو المشارك للمعطوف ببل في قصد المتبوع أولًا قصدًا صحيحًا, ثم الإضراب عنه إلى التابع بخلاف بدلي الغلط والنسيان كما ستعرفه إلا أن يقال التشبيه في مجرد كون الثاني مباينًا للأول, بمعنى أنه ليس عينه ولا بعضه ولا مشتملًا عليه. قوله: "مما يطابق معناه" أي: يطابق معناه معناه فقبل ضمير يطابق مضاف مقدر والمراد المطابقة بحسب الماصدق بأن يكون البدل والمبدل منه واقعين على ذات واحدة, فلا يرد أنهما كثيرًا ما يتغايران بحسب المفهوم نحو: جاء زيد أخوك, ثم التغاير الذي تقتضيه المطابقة ظاهر إن اختلفا مفهومًا وإلا(3/184)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أجزاء وذلك ممتنع هنا. والثاني بدل بعض من كل وهو بدل الجزء من كله قليلًا كان ذلك الجزء أو مساويًا أو أكثر نحو: أكلت الرغيف ثلثه أو نصفه أو ثلثيه. ولا بد من اتصاله بضمير يرجع للمبدل منه مذكور كالأمثلة المذكورة وكقوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [المائدة: 71] أو مقدر نحو: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 91] أي: منهم. والثالث بدل الاشتمال وهو بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه بطريق الإجمال كأعجبني زيد علمه أو حسنه أو كلامه، وسرق زيد ثوبه أو فرسه، وأمره في الضمير كأمر بدل بالبعض فمثال المذكور ما تقدم من الأمثلة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جعل التغاير باعتبار اللفظ وبهذا يعرف ما في كلام البعض. قوله: "في قراءة الجر" أما في قراءة الرفع, فالاسم مبتدأ خبره الموصول بعده أو خبر مبتدأ محذوف أي: هو الله ا. هـ. غزي. قوله: "وذلك" أي: المذكور من الأجزاء أو التجزي المفهوم من قوله: ذي أجزاء ممتنع هنا أي: في اسم الله تعالى؛ لأن مسماه لا يقبل التجزي. قوله: "قليلًا" أي: بالنسبة للبعض المتروك وكذا يقال فيما بعده أما بالنسبة للمبدل منه فقليل أبدًا. قوله: "ولا بد من اتصاله بضمير إلخ" بخلاف البدل المطابق فإنه لا يحتاج لرابط لكونه نفس المبدل منه في المعنى, كما أن الجملة التي هي نفس المبتدأ في المعنى لا تحتاج لرابط هذا, وقال المصنف في شرح كافيته: اشترط أكثر النحويين مصاحبة بدل البعض والاشتمال لضمير عائد على المبدل منه, والصحيح عدم اشتراطه لكن وجوده أكثر ا. هـ. وصحح غيره ما ذكره الشارح من الاشتراط في البدلين.
قوله: "ثم عموا إلخ" قال حفيد الموضح: إن جعلت كثيرًا بدلًا من الضميرين المتصلين أعني الواوين لزم منه توارد عاملين على معمول واحد, وإن جعلته بدلًا من أحدهما وبدل الآخر محذوف فهو متوقف على جواز حذف البدل ا. هـ. وأجاب المصرح بأن كثيرًا بدل من الواو الأولى فقط والثانية عائدة على كثير؛ لأنه مقدم رتبة, والأصل والله أعلم. ثم عموا كثير منهم وصموا, ويلزم عليه الفصل بين البدل والمبدل منه بأجنبي وهو ممنوع فتأمل. قوله: "نحو: ولله على الناس إلخ" أي: بناء على أن من استطاع بدل من الناس وتقدم ما فيه مع بيان أوجه أخرى في باب إعمال المصدر. قوله: "وهو بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه بطريق الاجمال كأعجبني زيد علمه أو حسنه أو كلامه وسرق زيد ثوبه أو فرسه" كذا في نسخ وعليها كتب شيخنا وغيره. وفي نسخ أخرى وهو ما دل على معنى اشتمل عليه متبوعه, أو دل على ما استلزم معنى اشتمل عليه متبوعه فالأول: كأعجبني زيد علمه أو حسنه أو كلامه والثاني نحو: سرق زيد ثوبه أو فرسه وكتب عليها سم ما نصه لعل المراد أن الثوب دل على الملبوس المستلزم للبس الذي اشتمل عليه المتبوع والفرس دل على المركوب المستلزم للركوب المشتمل عليه المتبوع, ثم التمثيل بسرق زيد ثوبه لبدل الاشتمال يقتضي حسن الاقتصار على المبدل منه؛ لأن ذلك شرط في صحته ا. هـ.
قوله: "يشتمل عامله على معناه إلخ" أي: يدل عليه دلالة إجمالية لكونه لا يناسب نسبته(3/185)
وذا للإضرابِ اعْزُ إنْ قَصْدًا صَحِب ... ودون قَصْد غَلَطٌ به سُلِبْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومثله قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] ، ومثل المقدر قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ} [البروج: 4] ، أي: النار فيه، وقيل الأصل ناره ثم نابت أل عن الضمير, والرابع البدل المباين وهو ثلاثة أقسام أشار إليها بقوله: "وذا للإضراب اعز إن قصدًا صحب ودون قصد غلط به سلب" أي: تنشأ أقسام هذا النوع الأخير من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى ذات المبدل منه ففي قولك: أعجبني زيد علمه الإعجاب لا يناسب نسبته إلى ذات زيد التي هي مجموع لحم وعظم ودم فيفهم السامع أن المتكلم قصد نسبته إلى صفة من صفاته كعلمه أو حسنه. وفي قولك: سرق زيد ثوبه إنما يفهم السامع أن المتكلم قصد نسبته إلى شيء يتعلق به كثوبه أو فرسه, فقد دل العامل المنسوب إلى المبدل منه في الظاهر على ذلك البدل إجمالًا هذا هو المراد بالاشتمال كما حققه سعد الدين ويرد عليه أنه لا يطرد؛ لأن بعض صور بدل الاشتمال قد لا يدل العامل فيه على البدل الدلالة المذكورة كما في: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ} [البروج: 4] ، بناء على أن النار بدل اشتمال من الأخدود كما سيذكره الشارح. وقال ابن غازي معنى اشتمال العامل على البدل أن معنى العامل متعلق بالبدل وإن تعلق في اللفظ بغيره, وأورد عليه أن بدل البعض كذلك فيلزم أن يسمى بدل اشتمال. وقد يقال وجه التسمية لا يوجبها. بقي ههنا بحث وهو أن الدلالة على بدل الاشتمال بما سبقه إجمالية كما مر ولا يجوز أن تكون على التعيين على ما نقله الدماميني عن المبرد وأقره, وعبارته: لا نقول من بدل الاشتمال قتل الأمير سيافه وبنى الوزير وكلاؤه؛ لأن شرط بدل الاشتمال أن لا يستفاد مما قبله معينًا بل تبقى النفس مع ذكر ما قبله متشوفة إلى بيان الإجمال الذي فيه, وهنا الأول غير مجمل إذ يستفاد عرفًا من قولك: قتل الأمير أن القاتل سيافه وكذا في أمثاله فلا يجوز مثل هذا الابدال أصلًا ا. هـ.
فعلى هذا يشكل هذا التابع من أي: التوابع فتأمل. وعلم مما مر ما نقله الدماميني عن المبرد من أن نحو: ضربت زيدًا عبده ليس بدل اشتمال بل بدل غلط؛ لأن ما قبل البدل لا يدل عليه؛ لأن ضربت زيدًا مفيد بغير احتياج إلى شيء آخر لمناسبة العامل المبدل منه. قوله: "قتل أصحاب الأخدود" هو شق في الأرض وأصحابه ثلاثة شق كل واحد منهم شقا عظيمًا في الأرض وملأه نارًا, وقالوا: من لم يكفر ألقي فيه ومن كفر ترك ا. هـ. تصريح. ومنه يؤخذ أن أل في الأخدود للجنس؛ لأن الأخاديد ثلاثة لا واحد. قوله: "وقيل الأصل ناره إلخ" وقيل أراد بالأخدود النار مجازًا لاشتماله عليها وقيل النار على حذف مضاف أي: أخدود النار والبدل على هذين بدل كل وقيل: النار بدل إضراب أفاده زكريا.
قوله: "وذا للإضراب إلخ" أي: أنسب هذا البدل الشبيه بالمعطوف ببل للإضراب, كأن تقول بدل إضراب إن صحب البدل قصد المتبوع أي: قصدًا صحيحًا كما قاله سم. قوله: "ودون قصد" منصوب على الظرفية لمحذوف أي: وإن وقع دون قصد أي: دون قصد صحيح بأن لا يقصد أصلًا بل يسبق إليه اللسان أو يقصد, ثم يتبين فساد قصده كما قاله سم, وغلط خبر مبتدأ محذوف على حذف مضاف أي: فهو بدل غلط والهاء عائدة على البدل وسلب في موضع الصفة(3/186)
كَزُرْهُ خالدًا وقَبِّله اليَدا ... واعْرِفْهُ حَقَّه وخُدْ نَبْلًا مُدَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كون المبدل منه قصد أولًا؛ لأن البدل لا بد أن يكون مقصودًا كما عرفت في حد البدل، فالمبدل منه إن لم يكن مقصودًا ألبتة, وإنما سبق اللسان إليه, فهو بدل الغلط أي: بدل سببه الغلط؛ لأنه بدل عن اللفظ الذي هو غلط لا أنه نفسه غلط، وإن كان مقصودًا فإن تبين بعد ذكره فساد قصده فبدل نسيان أي: بدل شيء ذكر نسيانًا, وقد ظهر أن الغلط متعلق باللسان والنسيان متعلق بالجنان، والناظم وكثير من النحويين لم يفرقوا بينهما فسموا النوعين بدل غلط وإن كان قصد كل واحد من المبدل منه والبدل صحيحًا فبدل الإضراب ويسمى أيضًا بدل البداء. ثم أشار إلى أمثلة الأنواع الأربعة على الترتيب بقوله: "كزره خالدًا وقبله اليدا واعرفه حقه وخذ نبلا مدى" فخالدًا بدل كل من كل، واليدا بدل بعض، وحقه بدل اشتمال، ومدى يحتمل الأقسام الثلاثة المذكورة وذلك باختلاف التقادير، فإن النبل اسم جمع للسهم، والمدى جمع مدية وهي السكين, فإن كان المتكلم إنما أراد الأمر بأخذ المدى فسبق لسانه إلى النبل فبدل غلط، وإن كان أراد الأمر بأخذ النبل ثم بان له فساد تلك الإرادة وأن الصواب الأمر بأخذ المدى فبدل نسيان، وإن كان أراد الأول ثم أضرب عنه إلى الأمر بأخذ المدى وجعل الأول في حكم المسكوت عنه فبدل إضراب وبداء, والأحسن أن يؤتى فيهن ببل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لغلط بمعنى بدل الغلط ونائب فاعله ضمير يعود للحكم المفهوم من السياق أي: سلب ببدل الغلط الحكم عن الأول, وأثبت للثاني وجرى على هذا المرادي. ويصح رجوع الضمير للغلط بمعنى الخطأ أي: رفع بهذا البدل الغلط في نسبة الحكم للأول. والصفة على الاحتمال الأول جارية على غير ما هي له بخلافها على الثاني, والأقرب عليه أن الغلط مبتدأ وسلب خبره فتأمل.
قوله: "لأن البدل إلخ" علة لمحذوف أي: لا من كون البدل مقصودًا أولًا؛ لأن البدل إلخ. قوله: "أي: بدل سببه الغلط" أي: بذكر الأول فالإضافة في بدل الغلط من إضافة المسبب إلى السبب وإن كانت في بدل الكل وبدل البعض للبيان, وقوله: لا أنه نفسه غلط أي: كما يتوهم من قولهم بدل الكل وبدل البعض. قوله: "بدل البداء" بفتح الموحدة والدال المهملة مع المد أي: الظهور سمي بذلك؛ لأن المتكلم بدا له ذكره بعد ذكر الأول قصدًا. قوله: "اليدا" بدل بعض من الضمير والضمير الواجب في بدل البعض مقدر أي: اليد منه أو الأصل يده, ثم نابت أل عن الضمير على القولين المتقدمين. قوله: "وذلك" أي: احتمال الأقسام الثلاثة. قوله: "فإن النبل إلخ" محط بيان التقادير المختلفة قوله: فإن كان المتكلم إلخ, وإنما قدم قوله: فإن النبل إلخ, لتوقف اختلاف التقادير على تغاير النبل والمدى. قوله: "جمع مدية" بضم الميم وقد تكسر نقله شيخنا عن الشارح, والظاهر أن جمع مكسورة الميم بالكسر. قوله: "وهي السكين" قيد غيره بالعظيمة. قوله: "والأحسن أن يؤتى فيهن" أي: في أوجه المثال المتقدمة ببل؛ لئلا يتوهم أن المتكلم أراد الصفة أي: نبلًا حادا كما يقال رأيت رجلًا حمارًا أي: بليدًا كما في التصريح ومعلوم أنه إذا أتى فيهن(3/187)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهات: الأول زاد بعضهم بدل كل من بعض كقوله:
892- كأَنِّي غَداةَ البَينِ يومَ تَحمَّلوا ... لدى سَمُرات الحَيِّ ناقِفُ حَنْظَلِ
ونفاه الجمهور وتأولوا البيت. الثاني رد السهيلي رحمه الله تعالى بدل البعض وبدل الاشتمال إلى بدل الكل, فقال: العرب تتكلم بالعام وتريد الخاص، وتحذف المضاف وتنويه, فإذا قلت: أكلت الرغيف ثلثه إنما يريد أكلت بعض الرغيف, ثم بينت ذلك البعض، وبدل المصدر من الاسم إنما هو في الحقيقة من صفة مضافة إلى ذلك الاسم. الثالث اختلف في المشتمل في بدل الاشتمال: فقيل هو الأول، وقيل الثاني،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ببل خرج مدى عن كونه بدلًا وصار عطف نسق.
قوله: "كأني غداة البين إلخ" الغداة أول النهار والبين الفراق وتحملوا ترحلوا والسمرات بفتح السين المهملة وضم الميم جمع سمرة, وهي شجرة الطلح, وناقف الحنظل بنون ثم قاف ففاء من يخرج حب الحنظل, أراد أنه في تلك الغداة دمعت عينه كثيرًا كما تدمع عين ناقف الحنظل لحرارته. قوله: "وتأولوا البيت" بأن اليوم بمعنى الوقت فهو من بدل الكل سم. قوله: "العرب تتكلم بالعام وتريد الخاص" أي: على طريق المجاز المرسل ومراده بالعام والخاص ما يشمل الكل والجزء وهذا إشارة إلى رد بدل البعض إلى بدل الكل وقوله وتحذف المضاف وتنويه أي: على طريق المجاز بالحذف وهذا إشارة إلى رد بدل البعض وبدل الاشتمال إلى بدل الكل, وقوله: فإذا قلت إلخ, راجع للوجهين قبله. وقوله: إنما تريد أكلت بعض الرغيف أي: على وجه إطلاق اسم الكل وإرادة الجزء مجازًا مرسلًا, أو على وجه تقدير المضاف مجازًا بالحذف, وقوله: وبدل المصدر إلخ راجع لقوله وتحذف إلخ. فإن قلت: كلام السهيلي على الوجه المذكور يقتضي أن رد بدل الاشتمال لا يكون على طريق المجاز المرسل مع أنه لا مانع منه بأن يطلق اسم المحل ويراد الحال فيه وهو الصفة. قلت: المجاز المرسل المذكور في رد بدل الاشتمال لا يطرد؛ لأنه وإن تأتى في نحو: نفعني زيد علمه لا يتأتى في نحو: سرق زيد فرسه.
قوله: "وبدل المصدر" أي: سواء كان باقيًا على مصدريته أو مرادًا منه غير معناه المصدري كالعلم في نفعني زيد علمه إذ الظاهر أنه بمعنى معلومه. واقتصر على المصدر؛ لأنه الغالب في بدل الاشتمال وإلا فقد يكون غير مصدر كما في سرق زيد ثوبه أو فرسه. قوله: "من صفة" أي: من هذا اللفظ كما قاله شيخنا, فمضافة بالنصب على الحال, والمراد هذا اللفظ وما في معناه كوصف وحال. فإذا قلت: أعجبني زيد علمه إنما تريد أعجبني صفة زيد فبينت بقولك علمه تلك الصفة المحذوفة. قوله: "اختلف في المشتمل إلخ" قال البعض: الظاهر أن المراد بالاشتمال مطلق التعلق والارتباط وإلا لم يتأت الاطراد في شيء من الأقوال ا. هـ. وفيه أن الاشتمال بالمعنى
__________
892- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص9؛ وخزانة الأدب 4/ 376، 377؛ والدرر 6/ 60؛ ولسان العرب 9/ 339 "نقف"؛ والمقاصد النحوية 4/ 201.(3/188)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقيل العامل وكلامه هنا يحتمل الأولين. وذهب في التسهيل إلى الأول. الرابع: رد المبرد وغيره بدل الغلط, وقال: لا يوجد في كلام العرب نظمًا ولا نثرًا. وزعم قوم منهم ابن السيد أنه وجد في كلام العرب كقول ذي الرمة:
893- لَمْيَاءُ في شَفَتَيهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ
فاللعس بدل غلط؛ لأن الحوة السواد واللعس سواد يشوبه حمرة، وذكر بيتين آخرين. ولا حجة له فيما ذكره لإمكان تأويله. الخامس: قد فهم من كون البدل تابعًا أنه يوافق متبوعه في الإعراب، وأما موافقته إياه في الإفراد والتذكير والتنكير وفروعها فلم يتعرض لها هنا، وفيه تفصيل: أما التنكير وفرعه وهو التعريف فلا يلزم موافقته لمتبوعه فيهما، بل تبدل المعرفة من المعرفة نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ, اللهِ} [إبراهيم: 1] ، في قراءة الجر، والنكرة من النكرة نحو: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} [النبأ: 32] ، والمعرفة من النكرة نحو: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} [الشورى: 52] والنكرة من المعرفة نحو: {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} [العلق: 15 و16] ، وأما الإفراد والتذكير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المذكور يوجد في بدل البعض وبدل الكل إلا أن يقال وجه التسمية لا يوجبها فتأمل. وانحط كلامه في التصريح على أن الراجح الثالث واختاره الموضح وتقدم الكلام عليه.
قوله: "يحتمل الأولين" ظاهره أنه لا يحتمل الثالث كاحتماله لهما, ولعل وجهه أن لفظ البدل يشعر بالمبدل منه إشعارًا قريبًا بخلاف العامل فيكون الضمير المستتر في قوله أو ما يشتمل عليه للبدل والبارز للمبدل منه الذي أشعر به لفظ البدل إشعارًا قريبًا, أو بالعكس وظاهره أيضًا أن الاحتمالين على السواء وليس كذلك كما يفيده ما أسلفناه من البحث في جعل البعض كلام المصنف محتملًا للمذاهب الثلاثة. قوله: "لمياء" فعلاء من اللمى كالفتى وهو سمرة في باطن الشفة وهو مستحسن. قوله: "لإمكان تأويله" كأن يقال لعس مصدر وصفت به الحوة أي: حوة لعساء. هذا وقد قيل كل من الحوة, واللعس حمرة تضرب إلى سواد, وعليه فلعس بدل كل من كل فلا شاهد فيه. قوله: "قد فهم من كون البدل تابعًا إلخ" أي: لما علمت سابقًا من أن التابع هو المشارك لما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد. قوله: "وفيه تفصيل" أي: فيما ذكر من الموافقة. قوله: "بل تبدل المعرفة من المعرفة إلخ" محط الإضراب القسمان الأخيران, وإنما أتى بالقسمين الأولين تتميمًا للأقسام.
قوله: "مفازًا" أي: مكان فوز أو فوزًا وعلى هذا مشى الشارح بعد وسيأتي ما فيه وقوله
__________
893- عجزه:
وفي اللِّثاثِ وفي أنيهابها شَنَبُ
والبيت من البسيط، وهو لذي الرمة في ديوانه ص32؛ والخصائص 3/ 291؛ والدرر 6/ 56؛ ولسان العرب 1/ 507 "شنب"، 6/ 207 "لعس" 14/ 207 "حواء"؛ والمقاصد النحوية 4/ 203؛ وهمع الهوامع 2/ 126.(3/189)
ومن ضمير الحاضِرِ الظاهِرِ لا ... تُبْدِله إلا ما إحاطَة جَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأضدادهما: فإن كان بدل كل وافق متبوعه فيها ما لم يمنع مانع من التثنية والجمع ككون أحدهما مصدرًا نحو: {مَفَازًا، حَدَائِقَ} [النبأ: 32] ، أو قصد التفصيل كقوله:
894- وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَين رِجْلٍ صَحيحَة ... ورِجل رَمَى فِيها الزمانُ فَشَلَّتِ
وإن كان غيره من أنواع البدل لم يلزم موافقته فيها" ومن ضمير الحاضر" متكلمًا كان أو مخاطبًا "الظاهر لا تبدله" أي: يجوز إبدال الظاهر من الظاهر ومن ضمير الغائب كما ذكره في أمثلته، ولا يجوز أن يبدل الظاهر من ضمير المتكلم أو المخاطب "إلا ما إحاطة جلا" أي: إلا إذا كان البدل بدل كل فيه معنى الإحاطة نحو: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأعنابًا عطف على مفازًا كما في الجلالين. قوله: "بالناصية" هي ناصية أبى جهل, وقوله: كاذبة من المجاز العقلي. قوله: "ككون أحدهما مصدرًا" نظر فيه بأن المراد المطابقة في المعنى, وهي حاصلة؛ لأن المصدر يدل على الاثنين والجماعة ورده بعضهم بأن مرادهم المطابقة في اللفظ, كما يدل عليه التعبير بالتثنية والجمع. قوله: "مفازًا حدائق" أي: فلم يقل مفاوز وفيه أن بدل الكل عين المبدل منه, والذوات لا تكون نفس الحدث, ويجاب بأن ذلك على حد زيد عدل. قوله: "أو قصد التفصيل" عطف على كون وقد يقال المطابقة حاصلة معه؛ لأن البدل ليس كل واحد من شقي التفصيل على حدته بل مجموعهما وهو مطابق ولما كان المجموع لا يمكن ظهور أثر العامل فيه, وكان جعله في أحدهما دون الآخر تحكمًا جعل في كل منهما دفعًا للتحكم, فاندفع بحث الدماميني بأنه إذا كان مجموعهما هو البدل فما العامل في كل واحد منهما مع أنه بمفرده غير بدل قال, وهذا في البدل كقولهم في الخبر: الرمان حلو حامض. ونقل الطبلاوي عن سم أنه قال: الظاهر أن المسمى بالبدل اصطلاحًا هو الأول فقط, وإن كان البدل في المعنى هو المجموع فليتأمل. قوله: "فشلت" بفتح الشين المعجمة أي: بطلت حركتها. قوله: "ومن ضمير الحاضر" أي: البارز؛ لأن ضمير الحاضر المستتر لا يبدل منه مطلقًا فإن ورد ما يوهم ذلك قدر للثاني فعل من جنس الفعل المذكور نحو: تعجبيني جمالك ويكون من إبدال الجملة.
قوله: "أي: يجوز إبدال الظاهر إلخ" بيان للمفهوم, وقوله: ولا يجوز إلخ بيان للمنطوق, وإنما لم يجز إبدال الظاهر من ضمير الحاضر لعدم فائدته؛ لأن ضمير الحاضر في غاية الوضوح. قوله: "ومن ضمير الغائب" أي: البارز أخذًا من أمثلتهم وإن لم يحضرني الآن التصريح به, فلا يجوز إبدال الظاهر من ضمير الغائب المستتر, فلا يقال: هند أعجبتني جمالها على الإبدال كما لا يقال: تعجبيني جمالك على الإبدال. قوله: "إلا ما إحاطة جلا" قال البعض: أي: إلإبدل كل أظهر إحاطة وشمولًا والتقييد ببدل الكل مستفاد من التعبير بالإحاطة ومن المقابلة ا. هـ. وهو صريح في أن ما
__________
894- البيت من الطويل، وهو لكثير عزة في ديوانه ص99؛ وأمالي المرتضى 1/ 46؛ وخزانة الأدب 5/ 211، 218؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 542؛ والكتاب 1/ 433؛ والمقاصد النحوية 4/ 204؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 3/ 68؛ ومغني اللبيب ص472؛ والمقتضب 4/ 290.(3/190)
أوِ اقْتَضَى بعضًا أوِ اشْتِمالا ... كأنَّكَ ابْتِهاجَكَ اسْتَمَالا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَآَخِرِنَا} [المائدة: 114] ، وقوله:
895- فَما بَرِحَتْ أَقْدامُنا في مَقامِنا ... ثلاثَتُنا حتى أُزِيرُوا المَنائِيا
فإن لم يكن فيه معنى الإحاطة فمذاهب: أحدها المنع وهو مذهب جمهور البصريين, والثاني الجواز وهو قول الأخفش والكوفيين. والثالث: أنه يجوز في الاستثناء نحو: ما ضربتكم إلا زيدًا وهو قول قطرب "أو اقتضى بعضًا" أي: كان بدل بعض نحو: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ} [الأحزاب: 21] وقوله:
896- أَوعَدَنِي بالسِّجنِ والأداهِمِ ... رِجْلي فَرِجْلِي شَثْنَةُ المَناسِمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واقعة على بدل كل ويبطله العطف الآتي في كلام المصنف, وقول الشارح أي: إلا إذا كان البدل بدل كل لا يدل على وقوع ما على بدل كل؛ لاحتمال أن يكون مراده أن هذا القيد ملحوظ بعدما والمعنى إلا ظاهرًا كان بدل كل وجلا إحاطة, بل هذا الاحتمال هو الظاهر الذي ينبغي حمل عبارته عليه لما عرفت فلا تغفل. قوله: "لأولنا وآخرنا" أي: لجميعنا؛ لأن عادة العرب التعبير بالطرفين وإرادة الجميع.
قوله: "فما برحت أقدامنا إلخ" قاله عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلّم- من قصيدة قالها في شأن يوم بدر وما جرى له يومه من قطع رجله ومبارزته هو وحمزة وعلي, وهم المراد من قوله: ثلاثتنا ومات رضي الله تعالى عنه بالصفراء, وهم راجعون كذا في العيني، والشاهد في: ثلاثتنا فإنه بدل من نا في مكاننا, وأزيروا مبني للمجهول وضميره للكفار, والمنائيا جمع منية على غير قياس؛ لأن قياسه المنايا وأصله المنايي بياءين ففعل فيه ما يأتي في التصريف. قوله: "أحدها المنع" لعدم الفائدة إذ ضمير الحاضر في غاية الوضوح كما مر. قوله: "نحو: ما ضربتكم إلا زيدًا" نظر فيه سم بأن زيدًا ليس بدل كل من ضمير المخاطبين بل بدل بعض ويظهر لي أنه لا يوجد مثال يكون فيه المستثنى بدل كل من المستثنى منه فتأمل. قوله: "أو اقتضى بعضًا إلخ" سكت عن بدل الإضراب فاقتضى عدم الجواز فيه لكن صرح الجامي بجواز ذلك كما نقله شيخنا.
قوله: "نحو: لقد كان لكم إلخ" أورد عليه أنه يلزم عليه انقسام الصحابة إلى من يرجو الله ومن لا يرجوه, وليس كذلك ولذا زعم الأخفش أنه بدل كل، والجواب أن الخطاب لمن سبق خطابه بقوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 18] ، إلخ فوصفهم بالتعويق وغيره من صفات الذم, والموصوفون بذلك هم المخالطون لهم من المنافقين وليس الخطاب للصحابة فقط حتى يرد ما ذكر، نقله الدنوشري عن شرح اللباب. قوله: "والأداهم" جمع أدهم وهو القيد
__________
895- البيت من الطويل، وهو لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في المقاصد النحوية 4/ 188؛ ولبعض الصحابة في شرح عمدة الحافظ ص588؛ وبلا نسبة في المقاصد النحوية.
896- الرجز للعديل بن الفرخ في خزانة الأدب 5/ 188، 189، 190؛ والدرر 6/ 62، والمقاصد النحوية 4/ 190؛ ولا نسبة إصلاح المنطق ص226، 294؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 124؛ وشرح التصريح 2/160؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص21؛ وشرح شذور الذهب ص572؛ وشرح ابن عقيل ص510؛ وشرح المفصل 3/ 70؛ ولسان العرب 3/ 463 "وعد"، 12/ 210 "رهم"؛ ومجالس ثعلب ص274؛ وهمع الهوامع 2/ 127.(3/191)
وبَدَلُ المُضمَّنِ الهَمْزَ يَلِي ... همزًا كَمَن ذا أَسَعِيدٌ أم عَلِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"أو اشتمالا" أي: كان بدل اشتمال "كأنك ابتهاجك استمالا" وقوله:
897- بَلَغْنا السَّماءَ مَجْدُنا وسَناؤُنا ... وإنَّا لنَرْجُو فَوقَ ذلك مَظْهرا
تنبيه: قال في التسهيل: ولا يبدل مضمر من مضمبر ولا من ظاهر وما أوهم ذلك جعل توكيدًا إن لم يفد إضرابًا ا. هـ "وبدل" المبدل منه "المضمن" معنى "الهمز"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والشثنة الغليظة والمناسم جمع منسم بفتح الميم وسكون النون وكسر السين وهو خف البعير استعير هنا لقدم الإنسان. قوله: "ابتهاجك" أي: فرحك استمالًا السين والتاء زائدتان أو للصيرورة أي: أملت القلوب إليك أو صيرتها مائلة إليك قال سم: وجرى في قوله استمالًا على الأكثر من مراعاة البدل وإلا لقال استملت. قوله: "وسناؤنا" السناء بالمد كما في البيت الشرف وبالقصر النور. وقوله: مظهرًا جعله شيخنا مصدرًا ميميا بمعنى الظهور ولا يبعد أنه اسم مكان مرادًا به الجنة؛ لأن قائل هذا البيت النابغة الجعدي الصحابي.
قوله: "ولا يبدل مضمر من مضمر" أي: مطلقًا؛ لأنه لم يسمع، ونحو: قمت أنت ومررت بك أنت توكيد اتفاقًا, وكذلك رأيتك إياك عند الكوفيين والناظم ا. هـ. توضيح. قوله: "ولا من ظاهر" أي: ولا يبدل مضمر من ظاهر عكس مسألة المتن. ومقتضى إطلاقه المنع في كل بدل وفي جمع الجوامع. وشرحه للسيوطي ومنع ابن مالك بدل المضمر من الظاهر بدل كل قال؛ لأنه لم يسمع ولو سمع لكان توكيدًا لا بدلًا, وأجازه الأصحاب نحو:
رأيت زيدًا إياه, وفي جواز بدل البعض والاشتمال خلف, فقيل يجوز نحو: ثلث التفاحة أكلت التفاحة إياه وحسن الجارية أعجبتني الجارية هو وقيل يمتنع. قال أبو حيان: وهو كالخلاف في إبدال مضمر من مضمر ومقتضاه ترجيح المنع ا. هـ. يس. قوله: "إن لم يفد إضرابًا" نحو: إياك إياي قصد زيد فإن دعوى التأكيد في مثل هذا لا تتأتى ا. هـ. دماميني ونحو: عمرًا إياي قصد زيد فعلم أن قوله إن لم يفد إضرابًا قيد في كل من عدم إبدال المضمر من المضمر وعدم إبدال المضمر من الظاهر فاعرفه.
قوله: "وبدل المضمن إلخ" خرج ما صرح معه بأداة الاستفهام أو الشرط فلا يلي البدل ذلك نحو: هل أحد جاءك زيد أو عمرو وكذا إن تضرب أحدًا رجلًا أو امرأة أضربه ا. هـ. سم عن شروح التسهيل ولعل عدم وجوب ذكر الحرف في صورة التصريح لقوة المصرح به فلا يحتاج إلى ذكر ثانيًا بخلاف المضمن. قوله: "معنى الهمزة" مقتضاه أن الهمز بالجر مضاف إليه وجعله
__________
897- البيت من الطويل، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص68؛ وخزانة الأدب 3/ 169، 7/ 419؛ وشرح التصريح 2/ 161؛ ولسان العرب 4/ 523، 529 "ظهر"؛ والمقاصد النحوية 4/ 193؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 406.(3/192)
ويُبْدَل الفعلُ من الفعلِ كمَن ... يَصِل إلينا يَسْتَعِن بنا يُعَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المستفهم به "يلي همزًا" مستفهمًا به وجوبًا "كمن ذا أسعيد أم علي" وكم مالك أعشرون أم ثلاثون؟ وما صنعت أخيرًا أو شرا؟ وكيف جئت أراكبًا أو ماشيًا؟
تنبيه: نظير هذه المسألة بدل اسم الشرط نحو: من يقم إن زيد وإن عمرو أقم معه وما تصنع إن خيرًا أو شرا تجز به, ومتى تسافر إن ليلًا أو نهارًا أسافر
معك "ويبدل الفعل من الفعل" بدل كل من كل، قال في البسيط باتفاق كقوله:
898- مَتَى تَأْتِنا تُلمِمْ بِنا في دِيارِنا ... تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا ونَارًا تَأَجَّجَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ خالد منصوبًا مفعولًا ثانيًا للمضمن. قوله: "بل همزًا مستفهمًا به وجوبًا" ليوافق المبدل منه في تأدية المعنى. قوله: "أسعيد أم علي" فسعيد بدل من من بدل تفصيل. قوله: "بدل اسم الشرط" فإنه يلي حرف الشرط الذي تضمنه المبدل منه وهو بدل تفصيل, وقد يتخلف كل من التفصيل وإعادة حرف الشرط, ففي الكشاف أن يومئذٍ بدل من إذا في قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] ، وكذا قال أبو البقاء, ولهذا اقتصر في النظم على الاستفهام, وكذا فعل في التسهيل مع كثرة جمعه فيه على أن مسألة الشرط لا تخلو عن إشكاله؛ لأنك إذا قلت: من يقم إن زيد وإن عمر وكان اسم الشرط مبتدأ فيكون البدل كذلك ضرورة فيلزم دخول إن الشرطية على المبتدأ وهو غير جائز في الأصح, وإن جعلنا ما بعد إن فاعلًا بمحذوف امتنعت المسألة لتخالف العامل؛ ولأن إن لا يضمر الفعل بعدها إلا إذا كان هناك ما يفسره نحو: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} وجوابه: أن إن إنما جيء بها بيان المعنى لا للعمل فلا يلزم المحذور ا. هـ. تصريح.
فائدة: اجتمعت مع جماعة كثيرة من أهل العلم في بعض المحافل فأورد بعضهم سؤالًا في قوله -صلى الله عليه وسلّم: "أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه"، حاصله أنهم جوزوا أن يكون أمة بالرفع على البدلية من أي: مع أن بدل المضمن معنى الشرط يجب أن يلي حرف الشرط كما أن بدل المضمن حرف الاستفهام يجب أن يلي حرف الاستفهام فسكت جميع الحاضرين, فعند ذلك أجبت بأن محل وجوب إيلاء بدل المضمن معنى الشرط حرف الشرط إذا وقع البدل بعد فعل الشرط أخذًا من الأمثلة التي ذكروها, فأعجبهم ذلك غاية الإعجاب. وقد خرج مما مر جواب آخر وهو أن ذلك قد يتخلف كما في آية الزلزلة.
قوله: "ويبدل الفعل من الفعل" قال ابن هشام: ينبغي أن يشترط لإبدال الفعل ما اشترط لعطف الفعل على الفعل وهو الاتحاد في الزمان دون الاتحاد في النوع حتى يجوز إن جئتني
__________
898- البيت من الطويل، وهو لعبد الله بن الحر في خزانة الأدب 9/ 90، 99؛ والدرر 6/ 69؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 66؛ وسر صناعة الإعراب ص678؛ وشرح المفصل 7/ 53؛ وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 66؛ ورصف المباني ص32، 335؛ وشرح قطر الندى ص90؛ وشرح المفصل 10/ 20؛ والكتاب 3/ 86؛ ولسان العرب 5/ 242 "نور"؛ والمقتضب 2/ 63؛ وهمع الهوامع 2/ 128.(3/193)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبدل اشتمال على الصحيح "كمن يصل إلينا يستعن بنا يعن" ومنه: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [الفرقان: 68] وقوله:
899- إنَّ عَلَيَّ اللهَ أنْ تُبايِعا ... تؤخذ كرهًا أو تجيء طائعًا
ولا يبدل بدل بعض: وأما بدل الغلط فقال في البسيط: جوزه سيبويه وجماعة من النحويين والقياس يقتضيه.
تنبيه: تبدل الجملة من الجملة نحو: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تمش إليّ أكرمك. قوله: "تلمم بنا" في كونه بدل كل من كل نظر فإن الإتيان المجيء, والإلمام النزول, وما تمحل به البعض من أن المراد بإتيانهم النزول بهم مجازًا يزيفه أنه لا قرينة على ذلك, فالمتجه أنه بدل اشتمال. قوله: "كمن يصل إلينا" أي: معشر الكرام الذين لا يخيب قاصد الاستعانة بهم فاندفع ما قيل أن الشخص قد يصل ويستعين ولا يعان. قوله: "يستعن بنا" فيستعن بدل اشتمال من يصل؛ لأن وصول قاصد الاستعانة يشتمل على الاستعانة, فاندفع ما قيل إن الوصول قد لا يشتمل على الاستعانة. وجعله الشاطبي بدل إضراب أو غلط, فراجعه قال شيخنا: على القول بأن البدل من جملة أخرى وأنه على نية تكرار العامل فالقياس أن الجزم بشرط مقدر مع تقدير جواب آخر, والتقدير من يصل إلينا يعن من يستعن بنا يعن ا. هـ.
قوله: "يضاعف له العذاب" فهو بدل اشتمال من يلق أثامًا؛ لأن لقيّ الأثام أن يحصل له العذاب مضاعفًا, وهو يشتمل على المضاعفة فما نقله الغزي عن بعضهم من أن هذه الآية من بدل الكل؛ لأن لقيّ الآثام هو مضاعفة العذاب غير ظاهر. قوله: "أن عليّ الله إلخ" الخطاب لرجل تقاعد عن مبايعة الملك وعليّ خبران والله نصب بنزع الخافض وهو واو القسم وأن تبايعا اسم إن وتؤخذ بدل اشتمال من تبايعا وكرها مفعول مطلق بتقدير مضاف أي: أخذ كره أو حال أي: كارهًا وهذا أنسب بقوله: طائعًا وجعله صفة لمصدر محذوف يحوج إلى تكلف تقدير الموصوف, وتأويل كرهًا باسم مفعول؛ وبهذا يعلم ما في كلام العيني الذي درج عليه شيخنا والبعض. قوله: "ولا يبدل بدل بعض" نقل في التصريح أن الشاطبي أثبته ومثل له بنحو: إن تصلّ تسجد للرحمن يرحمك, لكن قال الفارضي: إنه يحتمل بدل الاشتمال؛ فإن الصلاة تشتمل على السجود ا. هـ. وفيه عندي وإن أقره شيخنا نظر؛ لأن الظاهر أنه ليس مرادهم بالاشتمال ما يعم اشتمال الكل على جزئه وإلا لزم أن كل بدل بعض بدل اشتمال. قوله: "والقياس يقتضيه" ومثله الشاطبي بنحو: إن تطعم زيدًا تكسه أكرمك.
قوله: "تبدل الجملة من الجملة إلخ" أي: إذا كانت الثانية أوفى من الأولى بتأدية المراد
__________
899- الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 203، 204؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 402؛ وشرح التصريح 1/ 161؛ وشرح ابن عقيل ص511؛ وشرح عمدة الحافظ ص591؛ والكتاب 1/ 156؛ والمقاصد النحوية 4/ 199؛ والمقتضب 2/ 63.(3/194)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشعراء: 132 و133] ، وقوله:
900- أَقُولُ لَه ارْحَل لا تُقِيمَنَّ عِنْدنا
وأجاز ابن جني والزمخشري والناظم إبدالها من المفرد كقوله:
901- إلى اللهِ أَشْكُو بالمدِينَةِ حاجَة ... وبالشامِ أُخْرَى كيفَ يَلتَقِيانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على ما قاله الدنوشري وأقره شيخنا. والفرق بين بدل الفعل وبدل الجملة أن الفعل يتبع ما قبله في إعرابه لفظًا أو تقديرًا, والجملة تتبع ما قبلها محلا إن كان له محل, وإلا فإطلاق التبعية عليها مجاز كذا في التصريح. قال في المغني: جوز أبو البقاء في قوله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253] ، كونه بدلًا من فضلنا بعضهم على بعض, ورده بعض المتأخرين بأن الجملة الاسمية لا تبدل من الفعلية ولم يقم دليل على امتناع ذلك ا. هـ. بقي إبدال الفعل من اسم يشبهه والعكس وإبدال مفرد من جملة وحرف من مثله أما الأول فجوزه ابن هشام نحو: زيد متق يخاف الله أو يخاف الله متق وأما الثاني فجوزه أبو حيان وجعل منه: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، قَيِّمًا} [الكهف: 1] ، فجعل قيمًا بدلًا من جملة ولم يجعل له عوجًا, وأما الثالث فأثبته سيبويه وجعل منه: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ} [المؤمنون: 35] ، الآية فجعل أن الثانية بدلًا من الأولى لا توكيدًا والظاهر ما مر في باب التوكيد أن هذا من توكيد الضمير مع إعادة ما اتصل به.
قوله: "نحو: أمدكم بما تعلمون إلخ" فجملة أمدكم بأنعام وبنين إلخ بدل من جملة أمدكم بما تعلمون, ولا يخفى أنها صلة الذي في قوله: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} [الشعراء: 132] ، فلا محل لها فإطلاق التبعية على ما بعدها مجاز لما مر عن التصريح, وقال الدماميني والشمني: إطلاقها عليه بالمعنى اللغوي لا الاصطلاحي ومثل بالآية في التصريح لبدل البعض وهو الظاهر؛ لأن ما يعلمونه أعم من المفصل المذكور بعده, إلا أن يقال المراد به خصوص المفصل فيكون عاما مرادًا به الخصوص. قوله: "أقول له ارحل لا تقيمن عندنا" التمثيل به لبدل الكل مبني على أن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده, ومثل به في التصريح لبدل الاشتمال وهو مبني على أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده. قال الدماميني: لا تتعين التبعية في البيت لجواز أن يكون مجموع الجملتين هو المقول وكل واحدة جزء المقول ا. هـ. قال في التصريح: وسكتوا عن اشتراط الضمير في بدل البعض في الاشتمال في الأفعال والجمل لتعذر عود الضمير عليها. قوله: "إبدالها من المفرد" إنما صح ذلك لرجوع الجملة في التقدير إلى المفرد كما في التصريح.
__________
900- عجزه:
وإلا فكُنْ في السِّرِّ والجَهْرِ مُسلِما
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 207، 8/ 463؛ وشرح التصريح 2/ 162؛ وشرح شواهد المغني 2/ 839؛ ومجالس ثعلب ص96؛ ومعاهد التنصيص 1/ 278؛ ومغني اللبيب 2/ 426؛ والمقاصد النحوية 4/ 200.(3/195)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أبدل كيف يلتقيان من حاجة وأخرى أي: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما. وجعل منه الناظم نحو: عرفت زيدًا أو من هو.
خاتمة في مسائل متفرقة من التسهيل وشرحه: الأولى قد يتحد البدل والمبدل منه لفظًا إذا كان مع الثاني زيادة بيان كقراءة يعقوب: "وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلَّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا" [الجاثية: 28] بنصب كل الثانية، فإنها قد اتصل بها ذكر سبب الجثو. الثانية الكثير كون البدل معتمدًا عليه، وقد يكون في حكم الملغى كقوله:
902- إنَّ السُّيوفَ غُدُوَّهَا ورَواحَها ... تَرَكَتْ هَوازِنَ مِثل قَرْنِ الأَعْضَبِ
الثالثة: قد يستغنى في الصلة بالبدل عن لفظ المبدل منه، نحو: أحسن إلى الذي صحبت زيدًا: أي: صحبته زيدًا. الرابعة: ما فصل به مذكور وكان وافيًا به يجوز فيه البدل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "أبدل كيف يلتقيان إلخ" الظاهر أنه بدل اشتمال وكذا في عرفت زيدًا أبو من هو. قوله: "تعذر التقائهما" أشار بذلك إلى أن الجملة في تأويل المفرد وإلى أن الاستفهام تعجبي قال الدماميني ويحتمل أن يكون كيف يلتقيان جملة مستأنفة نبه بها على سبب الشكوى. قوله: "أبو من هو" أبو مبتدأ ومن مضاف إليه وهو خبر والجملة بدل من زيدًا بدل اشتمال لا مفعول ثان؛ لأن عرف إنما يتعدى إلى مفعول واحد. قوله: "سبب الجثو" هو دعاء كل أمة إلى قراءة كتابها. قوله: "كون البدل معتمدًا عليه" أي: اعتمد عليه ما بعده في الحالة التي له من تذكير وتأنيث وغيرهما نحو: إن زيدًا عينه حسنة وإن هندًا جفنها فاتر بنصب العين والجفن، فأنث الخبر في الأول وذكر في الثاني, ولولا أن المعتمد عليه في ذلك هو البدل لوجب التذكير في الأول والتأنيث في الثاني ا. هـ. دماميني وفي كلام البعض أن الخبر عند اعتماد البدل للبدل وعند اعتماد المبدل منه للمبدل منه وفيه نظر, إلا أن يراد بكون الخبر للبدل أن البدل هو المخبر عنه في المعنى فتأمل. قوله: "تركت" فيه الشاهد فإنه خبر أنثه اعتمادًا على المبدل منه. والأعضب بعين مهملة فضاد معجمة فموحدة ولد البقرة إذا طلع قرنه, وقيل ما كسر قرنه وهو أنسب بالمقام.
قوله: "زيدًا" يصح نصبه بدلًا من الهاء المقدرة وجره بدلًا من الذي ورفعه خبر مبتدأ محذوف قاله الشارح على التوضيح. قوله: "ما فصل به مذكور" أي: مبدل منه مذكور. قال شيخنا نقلًا عن السيوطي: وكذا غير المفصل يجوز فيه القطع أيضًا نحو: مررت بزيد أخوك نص عليه سيبويه والأخفش ا. هـ. ونقل شيخنا السيد عن سم جواز قطع البيان والعطف, وتقدم جواز قطع
__________
901- البيت من الطويل، وهو للفرزدق في خزانة الأدب 5/ 208؛ وشرح التصريح 2/ 162؛ وشرح شواهد المغني 2/ 557، والمقاصد النحوية 4/ 201؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 408؛ والمحتسب 2/ 165؛ ومغني اللبيب 1/ 27، 426 والمقتضب 2/ 329؛ وهمع الهوامع 2/ 128.
902- البيت من الكامل, وهو للأخطل في ديوانه ص329؛ وخزانة الأدب 5/ 199، 201؛ ولسان العرب 1/ 609 "عضب"؛ وبلا نسبة في جهرة اللغة ص354.(3/196)
النداء:
مدخل
وللمُنادى النَّاء أو كالنَّاء يَا ... وأَيْ وآكَذا أيا ثُمَّ هَيَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والقطع نحو: مررت برجال قصير وطويل وربعة، وإن كان غير واف تعين قطعه إن لم ينو معطوف محذوف، نحو: مررت برجال طويل وقصير، فإن نوى معطوف محذوف فمن الأول، نحو: اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر بالنصب، التقدير وأخواتهما لثبوتها في حديث آخر. والله تعالى أعلم.
النداء:
فيه ثلاث لغات أشهرها كسر النون مع المد، ثم مع القصر، ثم ضمها مع المد. واشتقاقه من ندى الصوت وهو بعده، يقال: فلان أندى صوتًا من فلان إذا كان أبعد صوتًا منه "وللمنادى الناء" أي: البعيد "أو" من هو "كالناء" لنوم أو سهو، أو ارتفاع محل، أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النعت وهناك قول بجواز قطع التوكيد. قوله: "وكان وافيًا به" أي: مستوعبًا لأنواعه. قوله: "وربعة" بفتح الراء وسكون الموحدة وفتحها الذي بين الطويل والقصير. قوله: "تعين قطعه" أي: لأنه حينئذٍ بدل بعض من غير رابط كما في المغني وبهذا يتبين بطلان قول البعض محل التعيين إذا جعل بدل كل, فإن جعل بدل بعض جاز الاتباع على أنه لا يتصور إلا كونه بدل بعض؛
لأن الغرض أنه لم ينو معطوف محذوف فلا تكن من الغافلين. قوله: "فمن الأول" أي: ما كان فيه البدل وافيًا بالمبدل منه فيجوز فيها الأمران البدل والقطع.
النداء:
هو لغة الدعاء بأي: لفظ كان واصطلاحًا طلب الإقبال بحرف نائب مناب أدعو ملفوظ به أو مقدر والمراد بالإقبال ما يشمل الإقبال الحقيقي والمجازي المقصود به الإجابة كما في نحو: يا ألله ولا يرد يا زيد لا تقبل؛ لأن يا لطلب الإقبال لسماع النهي والنهي عن الإقبال بعد التوجه, واعترض نيابة حرف النداء عن أدعو؛ بأن أدعو خبر والنداء إنشاء, وأجيب بأن أدعو نقل إلى الإنشاء وإنما ينادى المميز وأما نحو: يا جبال ويا أرض فقيل: إنه من باب المجاز لتشبيه ما ذكر بالمميز في الانقياد واستعارته في النفس له على طريق الاستعارة بالكناية, ويا تخييل ولك أن تقول: من الجائز أن الله لما ذكر حال الخطاب تمييزًا فلم يقع النداء إلا لمميز، وهمزة النداء منقلبة عن واو مثل كساء كما في الغزي.
قوله: "ثم مع القصر" أي: ثم أشهرها كسر النون مع القصر أي: بالنسبة للثالث وقوله ثم ضمها مع المد أي: ثم أشهرها ضمنها مع المد وأفعل التفضيل هنا ليس على بابه وقدر بعضهم خبرًا في الموضعين أي: ثم كسرها مع القصر يلي الأول ثم ضمها مع المد يلي الثاني. هذا وقد أسلفنا في مبحث علامات الاسم نقلًا عن المصباح أن في النداء لغة رابعة وهي الضم مع القصر فتنبه. قوله: "واشتقاقه" أي: أخذه من ندى الصوت لتلاقيهما في المادة وإنما فسرنا الاشتقاق بالأخذ لاختلاف المأخوذ والمأخوذ منه معنى. قوله: "وللمنادى إلخ" في حاشية المغني(3/197)
والهَمْزُ للدَّانِي ووا لِمن نُدِبْ ... أو يا وغَيْرُ واو لدَى اللَّبِس اجْتُنِبْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
انخفاضه، كنداء العبد لربه وعكسه من حروف النداء "يا وأي" بالسكون وقد تمد همزتها "وآكذا أيا ثم هيا" وأعمها يا فإنها تدخل في كل نداء، وتتعين في الله تعالى "والهمز" المقصور "للداني" أي: القريب نحو: أزيد أقبل "ووا لمن ندب" وهو المتفجع عليه أو المتوجع منه، نحو: واولداه وارأساه "أو يا" نحو: يا ولداه يا رأساه "وغيروا" وهو يا "لدى اللبس اجتنب" أي: لا تستعمل يا في الندبة إلا عند أمن اللبس كقوله:
903- حَمَلتَ أَمْرًا عَظيِمًا فاصْطَبَرْتَ لَهُ ... وقُمْتَ فيهِ بأَمْرِ اللهِ يا عُمَرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للسيوطي ما نصه: حكى أبو حيان: أن بعضهم ذهب إلى أن حروف النداء أسماء أفعال تتضمن ضمير المنادي فعلى هذا استكملت الهمزة أقسام الكلمة؛ لأنها تأتي حرفًا للاستفهام وفعل أمر من وأي: بمعنى وعد ولها في ذلك نظائر ا. هـ. أي: كعلى والمنادي في عبارته بكسر الدال.
قوله: "الناء" بحذف الياء والاستغناء بالكسرة وكذا ما بعده. قوله: "أي: البعيد" قال شيخنا: الضابط في البعد وضده العرف ا. هـ. قيل إنما نودي البعيد بالأدوات الآتية المشتملة على حرف المد؛ لأن البعيد يحتاج في ندائه إلى مد الصوت ليسمع وهو ظاهر في غير أي: بقصر الهمز. قوله: "من هو كالناء" هذا حل معنى لا حل إعراب حتى يقال: إن الشارح حمل عبارة المتن على ما يمتنع عند البصريين وهو حذف الموصول وبعض الصلة مع أنه لا ضرورة إلى ذلك في عبارة المتن لجواز كون الكاف اسمية بمعنى مثل معطوفة على الناء. قوله: "أو ارتفاع محل" أراد به ما يعم المحل الحسي والمحل المعنوي الذي هو الرتبة بقرينة تمثيله لارتفاع محل المنادى بنداء العبد لربه. قوله: "ثم هيا" قيل هي فرع أيا بإبدال الهمزة هاء, وقيل: أصل فليست هاؤها بدلًا من همزة أيا وكلامه محتمل للقولين, وإن كان إلى الثاني أقرب, ولزيادة أحرفهما عن يا كان فيهما دلالة على زيادة بعد مناداهما عن منادى يا.
قوله: "وأعمها يا" أي: باعتبار المحال كما يدل عليه بقية كلامه. قوله: "تدخل في كل نداء" ولا يقدر عند الحذف سواها. قوله: "في الله تعالى" أي: لفظ الله تعالى مدلوله عن كل ما لا يليق, وكما تتعين في لفظ الجلالة تتعين في المستغاث وأيها وأيتها؛ لأن الأربعة لم يسمع نداؤها إلا بيا لا لبعدها حقيقة أو تنزيلًا؛ لأنه غير لازم. قوله: "ووا لمن ندب إلخ" قال الرضي: وقد يستعمل في النداء المحض وهو قليل ا. هـ. وقال في المغني: أجاز بعضهم استعمال وا في النداء الحقيقي. قوله: "وا ولداه" فوا حرف نداء وندبة وولدا منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة, والألف للندبة والهاء للسكت. قوله: "وهو يا" أخذ هذا الحصر من قوله:
قبل ووا لمن ندب أو يا. قوله: "وقمت فيه إلخ" فصدور ذلك بعد موت
__________
903- البيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه ص736؛ والدرر 3/ 42؛ وشرح التصريح 2/ 164، 181؛ وشرح شواهد المغني 2/ 792؛ وشرح عمدة الحافظ ص289؛ والمقاصد النحوية 4/ 229؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 9؛ وشرح قطر الندى ص222؛ ومغني اللبيب 2/ 372؛ وهمع الهوامع 1/ 180.(3/198)
وغَيْرُ مُنْدُوبٍ ومُضْمَر وما ... جا مُسْتَغاثًا قد يُعَرَّى فاعْلَما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن خيف اللبس تعينت وا.
تنبيهات: الأول من حروف نداء البعيد آي بمدى الهمزة وسكون الياء، وقد عدها في التسهيل فجملة الحروف حينئذ ثمانية. الثاني ذهب المبرد إلى أن أيا وهيا للبعيد، وأي والهمزة للقريب، ويا لهما. وذهب ابن برهان إلى أن أيا وهيا للبعيد والهمزة للقريب وأي للمتوسط ويا للجميع، وأجمعوا على أن نداء القريب بما للبعيد يجوز توكيدًا وعلى منع العكس "وغير مندوب ومضمر وما جا مستغاثًا قد يعرى" من حروف النداء لفظًا "فاعلما" نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29] ، {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرحمن:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عمر دليل على أنه مندوب وليس الدليل الألف؛ لأنها تلحق آخر المستغاث والمتعجب منه كما يأتي أفاده سم. قوله: "فإن خيف اللبس إلخ" فتقول عند قصد ندبة زيد الميت وبحضرتك من اسمه زيد: وازيد بالواو إذ لو أتيت بيا لتبادر إلى فهم السامع أنك قصدت النداء. قوله: "من حروف نداء البعيد آي إلخ" هذا مكرر مع قوله سابقًا, وقد تمد همزتها إلا أن يقال: أعاده ليؤيده بنقله عن التسهيل أو توطئة لقوله فجملة الحروف ثمانية. قوله: "ذهب المبرد إلخ" انظر ماذا يقول في آي وآ بمد الهمزة فيهما هل يجعلهما للبعيد أو للقريب أولهما فإن أراد بقوله: وأي والهمزة للقريب مقصورتين ومدودتين فلا إشكال, ونظير ذلك يقال فيما نقله عن ابن برهان.
قوله: "على أن نداء القريب بما للبعيد" أي: في غير صورة تنزيله منزلة البعيد بقرينة قوله: يجوز توكيدًا إذ عند التنزيل المذكور لا تأكيد فتلخص أنه يجوز نداء القريب بما للبعيد للتوكيد وللتنزيل, والمراد توكيد النداء إيذانًا بأن الأمر الذي يتلوه مهم جدا كما أفاده في الكشاف. قوله: "وعلى منع العكس" أي: لعدم تأتي التوكيد في صورة العكس, ومحل منعه إذا لم ينزل البعيد منزلة القريب وإلا جاز نداؤه بما للقريب إذ لا مانع منه حينئذٍ كما قاله سم. قوله: "قد يعرى من حروف النداء لفظًا" وإن لزم عليه حذف النائب والمنوب عنه, فقد قال الدماميني: لا نسلم أن العوضية تنافي الحذف بدليل إقام الصلاة ا. هـ. وقال بعضهم: يا للتنبيه لا عوض عن الفعل لكن لما وقعت في محل أشبهت العوض ا. هـ. أما حذف المنادى وإبقاء حرف النداء فذهب ابن مالك إلى جوازه قبل الأمر والدعاء, واستشهد على ذلك ووجه الدماميني جوازه قبل الأمر والدعاء بأنهما مظنة النداء, ووقوعه معهما كثير
فحسن التخفيف معهما بالحذف. وذهب أبو حيان إلى منعه وعلله بأن الجمع بين حذف فعل النداء وحذف المنادى إجحاف, ولم يرد بذلك سماع عن العرب، ويا في الشواهد للتنبيه كهي قبل ليت ورب وحبذا على ما صرح به في التسهيل, وعلله في شرحه بأن مولى يا أحد هذه الثلاثة قد يكون وحده ولا يكون معه منادى ثابت ولا محذوف.
قوله: "نحو: يوسف أعرض عن هذا" أشار بتعداد الأمثلة إلى أنه لا فرق بين أن يكون المنادى مفردًا أو مضافًا أو شبيهًا به ولا فرق في المفرد بين أن يكون مقصودًا للنداء لذاته كيوسف أو وصلة لنداء غيره كأي: ولا بين أن يكون معربًا قبل النداء كيوسف أو مبنيا قبله كمن(3/199)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
31] ، {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} [الدخان: 88] ، نحو: خيرًا من زيد أقبل، ونحو: من لا يزال محسنًا إلي، أما المندوب والمستغاث والمضمر فلا يجوز ذلك فيها؛ لأن الأولين يطلب فيهما مد الصوت والحذف ينافيه, ولتفويت الدلالة على النداء مع المضمر.
تنبيهان: الأول عد في التسهيل من هذا النوع لفظ الجلالة والمتعجب منه، ولفظه: ولا يلزم الحرف إلا مع الله والمضمر والمستغاث والمتعجب منه والمندوب، وعد في التوضيح المنادى البعيد وهو ظاهر. الثاني أفهم كلامه جواز نداء المضمر والصحيح منعه مطلقًا نحو: وشذ يا إياك قد كفيتك وقوله:
904- يا أَبْجَرَ ابْنَ أَبْجَرٍ يا أَنْتَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو معربًا قبله في بعض الأحوال ومبنيا في البعض الآخر كأي, هذا ما ظهر لي.
وأما ما ذكره البعض فلا يتم كما يؤخذ مما قررناه. فعلم أن المنادى في المثال الأخير وهو من مفرد؛ لأنه اسم موصول لا شبيه بالمضاف؛ لأنه لم يعمل فيما بعده ولم يعطف عليه ما بعده فهو مبني على ضم مقدر كما قاله سم. قوله: "أن أدوا إليّ عباد الله" أي: أدوا إليّ الطاعة يا عباد الله, وهذا أحد وجهين؛ الثاني: أن عباد الله مفعول أدوا كقوله: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ} ولا شاهد فيه حينئذٍ. قوله: "مع المضمر" أي: لقلة ندائه. قوله: "والمتعجب منه" نحو قولهم: يا للماء والعشب إذا تعجبوا من كثرتهما. قوله: "إلا مع الله" لأن نداءه على خلاف الأصل لوجود أل فيه, فلو حذف حرف النداء لم يدل عليه دليل أفاده سم. قوله: "والمتعجب منه"؛ لأنه كالمستغاث لفظًا وحكمًا.
قوله: "المنادى البعيد" أي: حقيقة أو تنزيلًا؛ لأن مد الصوت معه مطلوب ليسمع فيجيب والحذف ينافيه. قوله: "والصحيح منعه مطلقًا" ظاهره أن الخلاف جار في مطلق الضمير, وليس كذلك بل الخلاف في ضمير المخاطب فقط. وأما ضمير المتكلم والغائب فنداؤهما ممنوع اتفاقًا كما في التصريح فلا يقال: يا أنا ولا يا هو. ولا يرد أنه سمع يا هو يا من لا هو إلا هو؛ لأن هو في مثله اسم للذات العلية لا ضمير ا. هـ. ويمكن دفع الاعتراض بأن مصب تصحيح المنع في عبارته الإطلاق أي: والصحيح منع نداءه المضمر حالة كون المضمر مطلقًا عن التقييد بكونه ضمير متكلم أو غائب فيكون مقابل الصحيح المنع حالة كون الضمير مقيدًا بذلك, ويمكن أيضًا أن يفرض كلام الشارح كالمصنف في ضمير المخاطب فقط, ويكون معنى قول الشارح مطلقًا سواء كان ضمير رفع أو نصب, أخذا مما بعده أو يكون معناه نثرًا أو نظمًا أخذا مما بعده أيضًا فاعرف ذلك. قوله: "وشذ يا إياك قد كفيتك" جعل بعضهم يا فيه للتنبيه وإيا مفعول فعل
__________
904- الرجز للأحوص في ملحق ديوانه ص216؛ وشرح التصريح 2/ 164؛ والمقاصد النحوية 4/ 232؛ ولسالم بن دارة في خزانة الأدب 2/ 139، 143، 146؛ والدرر 3/ 27؛ ونوادر أبي زيد ص163؛ وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 325؛ وأوضح المسالك 4/ 11؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 359؛ وشرح عمدة الحافظ ص301، وشرح المفصل 1/ 127، 130؛ والمقرب 1/ 76؛ وهمع الهوامع 1/ 174.(3/200)
وذاكَ في اسمِ الجِنْس والمُشارِ لَهْ ... قَلَّ وَمَنْ يَمْنَعْهُ فَانْصُرْ عَاذِلَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وذاك" أي: التعري من الحروف "في اسم الجنس والمشار له قل ومن يمنعه" فيهما أصلًا ورأسًا "فانصر عاذله" بالذال المعجمة أي: لائمه على ذلك، فقد سمع في كل منهما ما لا يمكن رد جميعه، فمن ذلك في اسم الجنس قولهم: أطرق كرًا، وافتد مخنوق، وأصبح ليل. وفي الحديث: "ثوبي حجر" وفي اسم الإشارة قوله:
905- إذا هَمَلَتْ عَينِي لَها قالَ صاحِبِي ... بمثْلِكَ هَذا لَوْعَةٌ وغَرامُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
محذوف يفسره المذكور. قوله: "يا أبجر" بموحدة فجيم فراء قال في القاموس: الأبجر الذي خرجت سرته والعظيم البطن وقد بجر كفرح فيهما ا. هـ. وتمامه:
أنت الذي طلقت عام جعتا
وجعل بعضهم يا فيه للتنبيه وأنت الأولى مبتدأ وأنت الثانية تأكيدًا والموصول خبرًا. قوله: "أي: التعري" أي: المفهوم من يعري ولم يقل أي التعرية مع أنها مصدر يعرى؛ لأن التعري أوفق بتذكير اسم الإشارة. قوله: "في اسم الجنس" أي: المعين كما سيأتي في الشرح.
قوله: "والمشار له" اعترض بأن حقه أن يقول: والمشار به وأجيب بأن في كلامه حذف مضاف أي: ولفظ المشار له من حيث إنه مشار له, وهو اسم الإشارة وبأنه معطوف على الجنس أي: واسم المشار له أي: الاسم الدال عليه من حيث أنه مشار إليه. وظاهر كلامه جواز نداء اسم الإشارة مطلقًا وقيده الشاطبي بغير المتصل بالخطاب. قوله: "أصلًا ورأسًا" العطف للتوكيد والمراد أنه لا يحكم بالقلة فقط. وأما قول البعض المراد بمنعه أصلًا منع القياس عليه وبمنعه رأسًا منع وروده فهو مع ما فيه من التحكم مردود بما سيفيده
الشارح من اعتراف المانعين بالورود حيث قال: ومذهب البصريين المنع فيهما وحمل ما ورد على شذوذ أو ضرورة.
قوله: "أطرق كرًا" أصله يا كروان رخم بحذف النون وحذفت معها الألف لكونها لينًا زائدًا ساكنًا مكملًا أربعة. قال الناظم: ومع الآخر احذف الذي تلا إلخ, ثم قلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وتمامه: إن النعام في القرى. وهو مثل يضرب لمن تكبر وقد تواضع من هو أشرف منه، أي: اخفض يا كرًا عنقك للصيد فإن من هو أكبر وأطول عنقًا منك وهو النعام قد صيد. تصريح بزيادة. قوله: "وافتد مخنوق" مثل يضرب لكل مضطر وقع في شدة وهو يبخل بافتداء نفسه بماله ا. هـ. تصريح. قوله: "وأصبح ليل" مثل يضرب لمن يظهر الكراهة للشيء أي: صر صبحًا ا. هـ. تصريح. ولو قال: أي ائت بالصبح أو تبدل بالصبح لكان أوضح. قوله: "ثوبي حجر" قاله -صلى الله عليه وسلّم- حكاية عن موسى عليه الصَّلاة والسَّلام حين فر الحجر بثوبه حين وضعه عليه وذهب ليغتسل, وكان رخامًا كما في الفارضي. قوله: "إذا هملت عيني" أي: أسالت الدموع لها أي: لأجل
__________
905- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص1592؛ والدرر 3/ 24؛ وشرح التصريح 2/ 165؛ وشرح عمدة الحافظ ص297؛ والمقاصد النحوية 4/ 235؛ وهمع الهوامع 1/ 174؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 15؛ ومغني اللبيب 2/ 641. ش(3/201)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
906- إنَّ الأُلَى وَصَفُوا قَومِي لَهُم فَبِهِم ... هذا اعْتَصِمْ تَلقَ منْ عاداكَ مَخْذُولا
وقوله:
907- ذا ارْعِواءً فَلَيسَ بَعْدَ اشْتِعالِ الرْ ... رَأسِ شَيبًا إلى الصِّبا مِنِّ سَبِيلِ
وجعل منه قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 85] وكلاهما عند الكوفيين مقيس مطرد، ومذهب البصريين المنع فيهما وحمل ما ورد، على شذوذ أو ضرورة، ولحنوا المتنبي في قوله:
908- هَذِي بَرَزْتِ لَنا فَهِجْتِ رَسِيسًا
والإنصاف القياس على اسم الجنس لكثرته نظمًا ونثرًا، وقصر اسم الإشارة على السماع إذا لم يرد إلا في الشعر, وقد صرح في شرح الكافية بموافقة الكوفيين في اسم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المحبوبة وبمثلك خبر مقدم ولوعة مبتدأ مؤخر وهذا منادى وفيه الشاهد. قال البعض: ويحتمل أن يكون مبتدأ ولوعة بدل أو عطف بيان وحينئذٍ لا شاهد فيه ا. هـ. ومما يبعده تذكير اسم الإشارة مع تأنيث لوعة. قوله: "قومي لهم" قومي خبر إن ولهم متعلق بصلة الموصول, وهي وصفوا فيكون قد فصل بين العامل والمعمول بأجنبي للضرورة واعتصم أي: استمسك. قوله: "ذا ارعواء" أي: يا ذا ارعو ارعواء أي: انكف عن دواعي الصبا انكفافًا. قوله:
"وجعل منه قوله تعالى إلخ" لم يقل وقوله تعالى؛ لأن ما ذكره أحد أوجه منها أن هؤلاء بمعنى الذين خبر أنتم. قوله: "على شذوذ" أي: في النثر أو ضرورة في النظم. قوله: "ولحنوا المتنبي" قد يمنع التلحين بأن المتنبي كوفي, ومذهب الكوفيين جواز حذف حرف النداء من اسم الإشارة. قاله الدماميني. قوله:
"هذي" أي: يا هذي وجعله بعضهم مفعولًا مطلقًا أي: برزت هذه البرزة وحينئذٍ لا شاهد فيه. ورده الناظم بأنه لا يشار إلى المصدر على طريق المفعول المطلق إلا منعوتًا بذلك المصدر نحو: ضربته ذلك الضرب لكن تقدم في باب المفعول المطلق أن غير الناظم لا يشترط ذلك فهجت أي: أثرت رسيسًا أي: هما. وتمامه:
ثم انصرفت وما شفيت نسيسًا
بنون مفتوحة أي: بقية النفس. قوله: "إذ لم يرد إلا في الشعر" أي: لم يرد نصا إلا في
__________
906- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص298.
907- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في شرح ابن عقيل ص513؛ والمقاصد النحوية 4/ 230.
908- عجزه:
ثم انْثَنَيْتِ وما شَفيت نَسِيسًا
والبيت من الكامل، وهو للمتنبي في ديوانه 2/ 301؛ ومغني اللبيب 2/ 641؛ وبلا نسبة في المقرب 1/ 177.(3/202)
وابْن المُعَرَّفَ المنادى المفرَدا ... على الذي في رَفْعِهِِ قد عُهِدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجنس فقال وقولهم في هذا أصح.
تنبيه: أطلق هنا اسم الجنس وقيده في التسهيل بالمبنى للنداء, إذ هو محل الخلاف, فأما اسم الجنس المفرد غير المعين كقول الأعمى يا رجلًا خذ بيدي فنص في شرح الكافية على أن الحرف يلزمه. فالحاصل أن الحرف يلزم في سبعة مواضع: المندوب والمستغاث والمتعجب منه والمنادى البعيد والمضمر ولفظ الجلالة واسم الجنس غير المعين وفي اسم الإشارة واسم الجنس المعين ما عرفت "وابن المعرف المنادى المفردا على الذي في رفعه قد عهدا" أي: إذا اجتمع في المنادى هذان الأمران: التعريف والإفراد فإنه يبني على ما يرفع به لو كان معربًا. وسواء كان ذلك التعريف سابقًا على النداء نحو: يا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشعر فلا ترد الآية لقبولها التأويل. قوله: "إذ هو محل الخلاف" يقتضي أن غير المعين يلزمه الحرف اتفاقًا, وليس كذلك فقد صرح المرادي بأن بعضهم أجاز حذف الحرف معه أيضًا نحو: رجلًا خذ بيدي وأجاب بعضهم بجعل أل في الخلاف للعهد والمعهود الخلاف بين البصريين والكوفيين, فغير المعين يلزمه الحرف اتفاقًا منهما, وهذا لا ينافي حكاية قول فيه عن بعض النحاة وإنما يصح هذا الجواب إذا كان البعض المجيز من غير الفريقين فراجعه. قوله: "على أن الحرف يلزمه" أي: على الصحيح لما مر عن المرادي خلافًا لما يوهمه كلام الشارح من أن لزومه للحرف متفق عليه.
قوله: "وابن المعرف إلخ" إنما بني لوقوعه موقع الكاف الاسمية في نحو: أدعوك المشابهة لفظًا ومعنى لكاف الخطاب الحرفية ومماثلته لها إفرادًا وتعريفًا, وإنما احتيج إلى قولنا المشابهة لفظًا ومعنى لكاف الخطاب الحرفية؛ لأن الاسم لا يبنى إلا لمشابهة الحرف ولا يبنى لمشابهة الاسم المبني, وخرج بقولنا ومماثلته لها إفرادًا وتعريفًا المضاف والشبيه به؛ لأنهما لم يماثلا الكاف الاسمية إفرادًا والنكرة غير المقصودة؛ لأنها لم تماثلها تعريفًا. وجعل السيد علة البناء المشابهة لكاف ذلك في الخطاب والإفراد بلا واسطة, ويرد عليه وجود هذه العلة في النكرة غير المقصودة مع عدم بنائها وبني على حركة للإعلام بأن بناءه غير أصلي وكانت ضمة؛ لأنه لو بني على الكسر لالتبس بالمنادى المضاف إلى ياء المتكلم عند حذف يائه اكتفاء بالكسرة، أو على الفتح لالتبس به عند حذف ألفه اكتفاء بالفتحة. قاله الفاكهي. وأورد عليه أن المنادى المضاف للياء يجوز فيه الضم عند حذف يائه فلا يحصل الفرق، وأجيب بأنه قليل فلا ينظر إليه.
قوله: "المنادى" ليس بقيد بل بيان لموضوع المسألة؛ لأن الكلام في أحكام المنادى وأخره عن قوله المعرف ضرورة ا. هـ. غزي. قوله: "في رفعه" أي: رفع نظيره على ما قاله الغزي، أو المراد رفعه في غير النداء، أو المراد رفعه على فرض إعرابه، وإلى هذا يشير قول الشارح: على ما يرفع به لو كان معربًا، فاندفع ما يقال الرفع إعراب فينافي قوله وابن. قوله: "على ما يرفع به" من حركة ظاهرة أو مقدرة أو حرف. قوله: "سابقًا على النداء" كالعلم والصحيح بقاؤه على تعريفه(3/203)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيد أو عارضًا فيه بسبب القصد والإقبال وهو النكرة المقصودة نحو: يا رجل أقبل تريدك رجلًا معينًا. والمراد بالمفرد هنا أن لا يكون مضافًا ولا شبيهًا به كما في باب لا, فيدخل في ذلك المركب المزجي والمثنى والمجموع نحو: يا معد يكرب ويا زيدان ويا زيدون ويا هندان ويا رجلان ويا مسلمون، وفي نحو: يا موسى ويا قاضي ضمة مقدرة.
تنبيهات: الأول قال في التسهيل ويجوز نصب ما وصف من معرف بقصد وإقبال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالعلمية وازداد بالنداء وضوحًا. وقيل سلب تعريفه بالعلمية وتعرف بالنداء، ورده الناظم بنداء ما لا يمكن سلب تعريفه كلفظ الجلالة واسم الإشارة فإنهما لا يقبلان التنكير. فإن قلت: العلم إذا أريد إضافته نكر فما الفرق قلت: ليس المقصود من الإضافة إلا تعريف المضاف أو تخصيصه, فلو أضيف مع بقاء التعريف كانت الإضافة لغوًا, وليس المقصود من النداء التعريف بل طلب الإصغاء؛ فلا حاجة إلى تنكير المنادى إذا كان معرفة سم.
قوله: "بسبب القصد" أي: قصد المنكر بعينه وقوله والإقبال أي: إقبال المتكلم على المنادى أي: إلقائه الكلام نحوه, وليس المراد إقبال المنادى على المتكلم كما قد يتوهم لتأخره عن النداء فيلزم كون الكلمة حالة النداء غير معرفة وتوقف تعريفها على إقبال المنادى, حتى إنه إذا لم يقبل بقيت الكلمة على تنكيرها وهو باطل. والعطف من عطف اللازم قال الدماميني: التعريف لم يحصل بمجرد القصد والإقبال بل بهما مع كون الكلمة مناداة بدليل انتفائه في أنت رجل عالم مع وجود القصد والإقبال, وحينئذٍ فقول الشارح بسبب القصد والإقبال أي: مع كون الكلمة مناداة. قوله: "المركب المزجي" المراد به ما يشمل العددي كخمسة عشر؛ لأنه أيضًا من المفرد, نعم أجرى الكوفيون اثني عشر واثنتي عشرة مجرى المضاف كما سيأتي في الشرح. قوله: "والمثنى والمجموع" الظاهر كما قال البعض أن نحو: يا زيدان ويا زيدون من النكرة المقصودة لا من العلم؛ لأن العلمية زالت إذ لا يثنى العلم ولا يجمع إلا بعد اعتبار تنكيره؛ ولهذا دخلت عليهما أل فتعريفهما بالقصد والإقبال. قوله: "ويا قاضي" بحذف التنوين اتفاقًا لحدوث البناء وإثبات الياء, إذ لا موجب لحذفها. قاله الخليل. وذهب المبرد إلى أن الياء تحذف؛ لأن النداء دخل على اسم منون محذوف الياء فيبقى حذفها بحاله وتقدر الضمة فيها, ومحل الخلاف بينهما إذا لم يصر بحذف الياء ذا أصل واحد وإلا ثبتت الياء اتفاقًا كما في مراسم فاعل من أرى. قاله في التسهيل.
قوله: "ويجوز نصب ما وصف" أي: بمفرد معرف أو منكر أو بجملة أو بظرف أي: جوازًا برجحان بل أوجبه كثير ذاهبين إلى أنه من شبيه المضاف كما يفيده قول الهمع، أما الموصوفة بمفرد أو جملة أو ظرف فمن شبيه المضاف فتنصب وجوز الكسائي فيها البناء ا. هـ. وعلى هذا لا يختص الشبيه بالمضاف بما عمل فيما بعده أو عطف عليه ما بعده. ويؤخذ من التصريح أن الأحوال ثلاثة وأنه يجب النصب في حال ورود النداء على الموصوف وصفته بأن يطرأ النداء بعد الوصف بالصفة؛ لأنه حينئذٍ من شبيه المضاف، ويجب البناء في حال ورود الوصف بالصفة على(3/204)
وانْوِ انْضِمامَ ما بَنَوا قَبْلَ النِّدا ... وليُجْرَ مُجْرَى ذي بِناء جُدِّدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وحكاه في شرحه عن الفراء وأيده بما روي من قوله -صلى الله عليه وسلم- في سجوده: $"يا عظيمًا يرجى لكل عظيم" وجعل منه قوله:
909- أَدَارًا بِحُزْوَى هِجْتِ للعَينِ عَبْرَةً
الثاني: ما أطلقه هنا قيده في التسهيل بقوله غير مجرور باللام للاحتراز من نحو: يا لزيد لعمرو, ونحو: ياللماء والعشب، فإن كلا منهما مفرد وهو معرب. الثالث: إذا ناديت اثني عشر واثنتي عشرة قلت: يا اثنا عشر ويا اثنتا عشرة بالألف، وإنما بني على الألف؛ لأنه مفرد في هذا الباب كما عرفت. وقال الكوفيون: يا اثني عشر ويا اثنتي عشرة بالياء إجراء لهما مجرى المضاف "وانو انضمام ما بنوا قبل الندا" كسيبويه وحذام في لغة الحجاز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النداء بأن يطرأ بعد النداء فيكون المنادى الموصوف وحده وهو مفرد مقصود, ثم يرد الوصف ويجوز كل في احتمال الأمرين. واستشكل الدماميني جواز وصف المنادى المقصود بالجملة والظرف والنكرة مع أنه معرفة, والثلاثة لا يوصف بها إلا النكرات، قال: وغاية ما يتمحل له أن هذا المنادى كان قبل النداء نكرة فيصح وصفه بجميع ذلك ويقدر أنه وصف بها قبل النداء، ثم جاء النداء داخلًا على الموصوف وصفته جميعًا لا داخلًا على المنادى فقط, ثم وصف بعده ا. هـ. وجوابه المذكور إنما يتم على النصب. وأجاب في التصريح بأنه يغتفر في المعرفة الطارئة ما لا يغتفر في الأصلية ثم نقل عن الموضح أن الجملة أي: في نحو: يا عظيمًا يرجى لكل عظيم حال من الضمير المستتر في الوصف لا نعت في حالة النصب؛ لأنها حينئذٍ عاملة فيما بعدها, قال: فهو من الشبيه بالمضاف وفيه رد على ابن مالك حيث جعل الجملة نعتًا ا. هـ. قال شيخنا: وغرض الشارح بقوله ويجوز نصب إلخ التنبيه على أن كلام المصنف هنا مقيد بعدم الوصف.
قوله: "هجت" أي: أثرت والعبرة الدمع. قوله: "قيده في التسهيل" هذا التقييد مأخوذ من قول المصنف في الاستغاثة إذا استغيث اسم منادى خفضًا باللام فما هنا مقيد بما سيأتي أفاده سم. قوله: "إجراء لهما مجرى المضاف" أي: لشبههما به في الصورة. قوله: "وانو انضمام ما بنوا قبل الندا" فإن قيل المبنيات إنما يحكم على محلها فلا يقدر فيها, فالجواب أن المقدر هنا حركة بناء لا حركة إعراب ا. هـ. فارسي أي: وحركة البناء لا تكون محلية؛ لأنها ليست من مقتضيات العامل والحركة المحلية من مقتضياته فانحصرت في حركة الإعراب. قوله: "ما بنوا" أي: أو حكوا كما سيذكره الشارح. قوله: "في لغة الحجاز" راجع لحذام فقط أي: وأما في لغة تميم فهو معرب فيكون في حالة النداء مبنيا على الضم بناء
__________
909- عجزه:
فماءُ الهوى يَرْفَضُّ أو يَتَرَقْرَقُ
والبيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص456؛ وخزانة الأدب 2/ 190؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 488؛ والكتاب 2/ 199؛ والمقاصد النحوية 4/ 236، 579؛ وبلا نسبة في الأغاني 10/ 119؛ وأوضح المسالك 4/ 388؛ والمقتضب 4/ 203.(3/205)
والمُفْرَدَ المَنْكورَ والمضَافا ... وشِبْهَهُ انْصِبْ عادِمًا خِلافا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وخمسة عشر "وليجر مجرى ذي بناء جددا" ويظهر أثر ذلك في تابعه فتقول: يا سيبويه العالم برفع العالم ونصبه كما تفعل في تابع ما تجدد بناؤه نحو: يا زيد الفاضل، والمحكي كالمبني تقول يا تأبط شرا المقدام والمقدام "والمفرد المنكور والمضافا وشبهه انصب عادمًا خلافًا" أي: يجب نصب المنادى حتمًا في ثلاثة أحوال: الأول النكرة غير المقصودة كقول الواعظ:
يا غافلًا والموتْ يَطْلُبُهُ
وقول الأعمى: يا رجلًا خذ بيدي. وقوله:
910- أيا رَاكِبًا إمّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مجددًا. قوله: "وليجر مجرى ذي بناء جددا" يحتمل أن المراد يجري مجراه في كونه في محل نصب, وعلى هذا يرجع اسم الإشارة في قول الشارح, ويظهر أثر ذلك إلى ما ذكر من نية الضم ونصب المحل, ويحتمل أن المراد مجرى مجراه في جواز رفع تابعه ونصبه كما أشار إليه الفارضي, وعلى هذا كان ينبغي للشارح أن يسقط قوله: ويظهر أثر ذلك في تابعه ويقتصر على قوله: فتقول يا سيبويه العالم إلخ فتدبر.
قوله: "برفع العالم" أي: مراعاة للضم المقدر ونصبه أي: مراعاة لمحل المتبوع ولم يجر مراعاة لكسرة البناء؛ لأنها لأصالتها بعيدة عن حركة الإعراب بخلاف الضم فإنه لعروضه بيا أشبهت حركة الإعراب العارضة بالعامل المتأصلة في المتبوعية, وإطلاق الرفع على حركة التابع فيه مسامحة؛ لأن التحقيق أنها حركة اتباع. قوله: "والمحكي كالمبني" مقتضاه أن المحكي ليس بمبني وهو مذهب السيد؛ ولهذا جعل إعرابه تقديريا وهو أوجه مما في التصريح أنه مبني, ويمكن تفسير البناء في كلامه بما قابل الإعراب فيشمل الحكاية فيرجع الخلاف لفظيا فافهم. ومعنى كونه كالمبني أنه يبنى على ضم منوي ويرفع تابعه وينصب. قوله: "والمضافا" أي: لغير ضمير الخطاب أما المضاف إليه فلا ينادى, فلا يقال: يا غلامك لاستلزامه اجتماع النقيضين لاقتضاء النداء خطاب الغلام وإضافته إلى ضمير الخطاب عدم خطابه لوجوب تغاير المتضايفين وامتناع اجتماع خطابين لشخصين في جملة واحدة أفاده الدنوشري نقلًا عن المتوسط, وهو أولى مما ذكره البعض.
قوله: "يا غافلًا والموت يطلبه" قال البعض: الواو استئنافية ليصح كونه مثالًا للنكرة غير المقصودة إذ لو جعلت حالية لكان من أمثلة الشبيه بالمضاف لا مما نحن بصدده ا. هـ. وفيه أن المعنى على الحالية لا على الاستئناف فالأولى عندي أنه من شبيه المضاف لا من المفرد وإن درج عليه الشارح وغيره لما عرفته فتدبر.
قوله: "أيا راكبًا أما عرضت فبلغن" تمامه:
__________
910- عجزه:
نَدامَايَ من نجرانَ أنْ لا تَلاقِيا
=(3/206)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعن المازني أنه أحال وجود هذا النوع. الثاني: المضاف سواء كانت الإضافة محضة نحو: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} [آل عمران: 147، الحشر: 10] ، أو غير محضة نحو: يا حسن الوجه. وعن ثعلب إجازة الضم في غير المحضة. الثالث: الشبيه بالمضاف وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه نحو: يا حسنًا وجهه ويا طالعًا جبلًا ويا رفيقًا بالعباد ويا ثلاثة وثلاثين فيمن سميته بذلك، ويمتنع في هذا إدخال يا على ثلاثين خلافًا لبعضهم, وإن ناديت جماعة هذه عدتها، فإن كانت غير معينة نصبتهما أيضًا وإن كانت معينة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نداماي من نجران أن لا تلاقيا
أصل أما إن ما فأدغمت نون الشرطية في ميم ما الزائدة وعرضت أي: أتيت العروض وهي مكة والمدينة وما بينهما ونجران بلد باليمن. تصريح. قوله: "أحال وجود هذا النوع" أي: نداء غير المقصود مدعيًا أن نداء غير المعين لا يمكن. قوله: "وعن ثعلب إجازة الضم" فيه تورك على قول الناظم عاد ما خلافًا إلا أن يقال المراد خلافًا معتدًا به, أو عادما في الجملة. قوله: "ما اتصل به شيء من تمام معناه" أي: متممه بأن يكون معمولًا أو معطوفًا قبل النداء كما يفيده كلام التسهيل, وصرح به في التصريح أو نعتًا على ما مر من الخلاف فالموصول نحو: يا من فعل كذا من المفرد فيقدر ضمه كما في سم, والمعمول إما مرفوع أو منصوب أو مجرور؛ ولهذا عدد الأمثلة. قوله: "ويا طالعًا جبلًا" هو معرفة بدليل نعته بمعرفة, ولا يقال موصوفه المقدر نكرة؛ لأنه تنوسي بإقامته مقامه؛ ولذلك كان هو المنادى دون الموصوف المقدر قاله الشنواني. ثم نقل عن الرضي جواز تعريف نعت النكرة المقصودة وتنكيره وكذا عن الشيخ خالد قال: لكون التعريف مجددًا, قال: وينبغي أن نعت شبه
المضاف كذلك. قوله: "فيمن سميته بذلك" أي: حالة كونه مستعملًا فيمن سميته بمجموع المعطوف والمعطوف عليه فيجب نصبهما للطول بلا خلاف:
الأول لشبهه بالمضاف والثاني لعطفه على المنصوب.
قوله: "ويمتنع في هذا إدخال يا إلخ" أي: لأن ثلاثين جزء علم حينئذٍ كشمس من عبد شمس والمخالف نظر إلى الأصل المنقول عنه. قوله: "نصبتهما أيضًا" أي: وجوبًا أما الأول فلأنه نكرة غير مقصودة وأما الثاني فلعطفه على المنصوب. قوله: "وإن كانت" أي: الجماعة معينة إلخ قال الحفيد الظاهر أن هذا الحكم الذي قاله محله فيما إذا أريد بثلاثة ثلاثة معينة وبثلاثين ثلاثون معينة وإنما قلت ذلك؛ لأن المنادى إنما يبنى إذا كان مفرد المعين, وكذا لا يجوز في تابعه الوجهان إذا كان مع أل إلا إذا أريد به معين أما إذا أريد بالمجموع معين فلا يستحق كل منهما بناء بل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= والبيت من الطويل، وهو لعبد يغوث بن وقاص في الأشباه والنظائر 6/ 243؛ وخزانة الأدب 2/ 194، 195، 197؛ وشرح اختيارات المفضل ص767؛ وشرح التصريح 2/ 167؛ وشرح المفصل 1/ 128؛ والعقد الفريد 5/ 229؛ والكتاب 2/ 200؛ ولسان العرب 7/ 173 "عرض"؛ والمقاصد النحوية 4/ 206؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 413، 9/ 223؛ ورصف المباني ص137؛ وشرح شذور الذهب ص145؛ وشرح ابن عقيل ص515؛ وشرح قطر الندى ص203؛ والمقتضب 4/ 204.(3/207)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ضممت الأول وعرفت الثاني بأل ونصبته أو رفعته، إلا إن أعدت معه يا فيجب ضمه وتجريده من أل, ومنع ابن خروف إعادة يا وتخييره في إلحاق أل مردود.
تنبيه: انتصاب المنادى لفظًا أو محلا عند سيبوه على أنه مفعول به وناصبه الفعل المقدر، فأصل يا زيد عنده أدعو زيدًا، فحذف الفعل حذفًا لازمًا لكثرة الاستعمال ولدلالة حرف النداء عليه وإفادته فائدته، وأجاز المبرد نصبه بحرف النداء لسده مسد الفعل، فعلى المذهبين يا زيد جملة وليس المنادى أحد جزأيها فعند سيبويه جزآها أي: الفعل والفاعل مقدران، وعند المبرد حرف النداء سد مسد أحد جزأي الجملة أي: الفعل والفاعل مقدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الظاهر فيه نصبهما كما لو سمي رجل بثلاثة وثلاثين سم. قوله: "ضممت الأول" أي: لأنه نكرة مقصودة تصريح. قوله: "وعرفت الثاني" قال في التصريح وجوبًا؛ لأنه اسم جنس أريد به معين فوجب إدخال أداة التعريف عليه وهي أل ا. هـ. ولم يكتف بحرف النداء؛ لأنه لم يباشره وقضية التعليل امتناع يا زيد ورجل, وهو ما نقله السيوطي عن الأخفش. ونقل عن المبرد الجواز قال سم. وقياس قول المبرد الجواز في مسألتنا بدون أل. قوله: "ونصبته" أي: عطفًا على محل الأول أو رفعته أي: عطفًا على لفظه والوجهان مأخوذان من قول المصنف الآتي:
وإن يكن مصحوب أل ما نسقا ... ففيه وجهان ورفع ينتفى
قوله: "فيجب ضمه" قال شيخنا: أي: بناؤه على ما يرفع به فلا يرد أنه يبنى على الواو ا. هـ. ولو قال: فيجب بناؤه على الواو لكان أوضح. قوله: "وتجريده من أل"؛ لأنه لا يجمع بين يا وأل إلا مع لفظ الجلالة والجملة المحكية المصدرة بأل كما يأتي. قوله: "مردود" كان الظاهر مردودان ليطابق الخبر المبتدأ, وهو منع وتخيير ويمكن أن يقرأ تخيير بالنصب على أنه مفعول معه أو يقدر لواحد منهما خبر على حد: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض. وهذا الجواب أولى لإيهام ما قبله أن ابن خروف لو قال بأحد الأمرين ولم يجمع بينهما لم يرد عليه وليس كذلك فافهم. ووجه رد الأول أن الثاني ليس جزء علم حتى يمتنع دخول يا عليه، ووجه رد الثاني أنه اسم جنس أريد به معين فيجب تعريفه بأل لما تقدم لا أنه مخير فيه. وللبعض هنا كلام لا يساوي التعرض له ويؤخذ رده مما تقدم فتأمل. قوله: "وإفادته فائدته" هي طلب الإقبال, وعلم من كلامه أن شرط الحذف, وهو الدلالة وشرط وجوبه وهو سد الحرف مسده موجودان لكن سد مسده عند سيبويه في اللفظ وعند المبرد في اللفظ والعمل.
قوله: "نصبه بحرف النداء إلخ" في الهمع أنه على هذا مشبه بالمفعول به لا مفعول به. قوله: "يا زيد جملة" أي: مفيد مفاد الجملة وواقع موقعها وليس المراد أنه بنفسه جملة, كذا قال البعض وهو ظاهر على مذهب سيبويه وعلى أول الاحتمالين الآتيين في تقرير مذهب المبرد. قوله: "والفاعل مقدر" أي: محذوف تبعًا لحذف الفعل الذي استتر فيه ويحتمل أن المراد مستتر في يا؛ لأنها لما عملت عمله جاز أن يستتر فيها ما استتر في الفعل, ثم رأيت بعضهم ذكره مقتصرًا عليه(3/208)
ونحو زيدٍ ضُمَّ وافْتَحَنَّ مِنْ ... نَحْوِ أَزَيْدُ بْنَ سَعِيدٍ لا تَهِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمفعول ههنا على المذهبين واجب الذكر لفظًا أو تقديرًا إذ لا نداء بدون المنادى "ونحو زيد ضم وافتحن من نحو أزيد بن سعيد لا تهن" أي: إذا كان المنادى علمًا مفردًا موصوفًا بابن متصل به مضاف إلى علم نحو: يا زيد بن سعيد جاز فيه الضم والفتح، والمختار عند البصريين غير المبرد الفتح، ومنه قوله:
911- يا حَكَمُ بْنَ المُنْذِرِ بْنِ الجارُودْ ... سُرادِقُ المَجْدِ عَليكَ مَمْدودْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن الأول أوفق بكلامه في تقرير مذهب سيبويه, وعلى الثاني يكون يا زيد بنفسه جملة, وكذا على ما حكاه أبو حيان عن بعضهم: أن أحرف النداء أسماء أفعال متحملة لضمير المنادى بكسر الدال فتنبه. قوله: "أو تقديرًا" اعترضه شيخنا بأن التقدير ينافي وجوب الذكر, وأجاب البعض بأن المراد بالذكر الملاحظة, وكلام الشارح مبني على مذهب ابن مالك من جواز حذف المنادى قياسًا قبل الأمر والدعاء كما مر بيانه. قوله: "ونحو" مفعول ضم
ومفعول افتحن ضمير محذوف يعود على نحو: وتهن بفتح التاء مضارع وهن أي: ضعف وبضمها مضارع أهان والهاء مكسورة فيهما. قوله: "بابن متصل" أنت خبير بأن المراد بابن لفظه فهو حينئذٍ علم فكيف وصفه بالنكرة حيث قال: متصل مضاف فكان حقه أن يقول: متصلًا مضافًا بالنصب على الحال.
قوله: "مضاف إلى علم" أعم من أن يكون مفردًا أو غيره. حفيد سم. قوله: "جاز فيه الضم" أي: على الأصل والفتح إما على الاتباع لفتحة ابن إذ الحاجز بينهما ساكن فهو غير حصين وعليه اقتصر في التسهيل أو على تركيب الصفة مع الموصوف, وجعلهما شيئًا واحدًا كخمسة عشر وعليه اقتصر الفخر الرازي تبعًا للشيخ عبد القاهر, أو على اقحام ابن وإضافة زيد إلى سعيد؛ لأن ابن الشخص تجوز إضافته إليه لملابسته إياه حكاه في البسيط مع الوجهين السابقين، فعلى الوجه الأولى فتحة زيد فتحة اتباع وعلى الثاني فتحة بنية وعلى الثالث فتحة إعراب، وفتحة ابن على الأول والثالث فتحة إعراب وعلى الثاني فتحة بناء ا. هـ. تصريح ببعض تغيير. ونقل شيخنا عن حواشي الجامي أنه لا يتصور الرفع في تابع العلم الموصوف بابن إذا كان أي: العلم الموصوف بابن مفتوحًا, ثم نقل عن الطبلاوي ما نصه: واعلم أنه لا يجوز في تابع العلم الموصوف بابن إلا النصب نحو: يا زيد ابن عمرو العاقل بنصب العاقل كما جزم به العصام وصرح به غيره ا. هـ. ومقتضى النقل الأول تصور رفعه إذا ضم العلم الموصوف بابن ومقتضى الثاني عدم تصور رفعه مطلقًا, وكأن المانع من الرفع عند ضم ذلك العلم الفصل بين التابع والمتبوع فحرره.
قوله: "يا حكم بن المنذر إلخ" من الرجز المذيل شذوذًا كما قرر في محله والسرادق
__________
911- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص172؛ وللكذاب الحرمازي في شرح أبيات سيبويه 1/ 472؛ والشعر والشعراء 2/ 689؛ والكتاب 2/ 203؛ ولرؤبة أو للكذاب الحرمازي في شرح التصريح 2/ 169؛ ولسان العرب 10/ 158 "سردق" والمقاصد النحوية 4/ 210؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 22؛ ورصف المباني ص356؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 526؛ وشرح المفصل 2/ 5؛ والمقتضب 4/ 232.(3/209)
والضَّمُّ إنْ لَمْ يَلِ الابْنُ عَلَمَا ... أو يَلِ الابْنَ عَلَمٌ قَدْ حُتِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: شرط جواز الأمرين كون الابن صفة كما هو الظاهر، فلو جعل بدلًا أو عطف بيان أو منادى أو مفعولًا بفعل مقدر تعين الضم، وكلامه لا يوفي بذلك وإن كان مراده "والضم إن لم يل الابن علما ويل الابن علم قد حتما" الضم مبتدأ خبره قد حتما وإن لم يل شرط جوابه محذوف، والتقدير فالضم متحتم أي: واجب. ويجوز أن يكون قد حتما جوابه والشرط وجوابه خبر المبتدأ. واستغنى بالضمير الذي في حتم رابطًا؛ لأن جملة الشرط والجواب يستغنى فيهما بضمير واحد لتنزلهما منزلة الجملة الواحدة، وعلى هذا فلا حذف. ومعنى البيت أن الضم متحتم أي: واجب إذا فقد شرط من الشروط المذكورة كما في نحو: يا رجل ابن عمرو، ويا زيد الفاضل ابن عمرو، ويا زيد الفاضل لانتفاء علمية المنادى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بضم السين المهملة ما يمد فوق صحن الدار. قوله: "شرط جواز الأمرين" حاصل ما ذكره المصنف والشارح من الشروط ستة وشرط في التسهيل سابعًا, وهو أن يكون المنادى ظاهر الضم بأن يكون صحيح الآخر وسيذكره الشارح. وشرط النووي في شرح مسلم أن تكون البنوة حقيقية وشرط بعضهم في العلمين التذكير وغلطوه فنحو: يا زيد بن فاطمة كيا زيد بن عمرو كذا في الفارضي قال شيخنا: وينبغي أن يزاد كون لفظ ابن مفردًا لا مثنى ومجموعًا, ولا يخفى أخذ هذا من صنيع المصنف.
قوله: "وكلامه لا يوفى بذلك" أي: لأن ابنا في المثال محتمل للوصفية وغيرها. قوله: "ويل الابن علم" معطوف على يل الأول والواو فيه بمعنى؛ أو لأن انتفاء أحدهما كاف في تحتم الضم. قوله: "وعلى هذا فلا حذف" أي: للجواب بل هو مذكور لكن فيه حذف فاء الجواب للضرورة وفي الاحتمال الأول أيضًا ارتكاب ضرورة؛ لأن شرط حذف الجواب أن يكون الشرط فعلًا ماضيًا فحيث كان مضارعًا كان حذفه مخصوصًا بالشعر قاله الشيخ خالد. قوله: "ومعنى البيت أن الضم متحتم أي: واجب إذا فقد شرط من الشروط المذكورة" يعني الشروط الأربعة المشار إليها في قوله: والضم إلخ بدليل بقية كلامه, وليس مراده بالشروط المذكورة ما يعم هذه الأربعة وغيرها حتى يصح اعتراض البعض بأنه لم يعلم من البيت إلا وجوب الضم عند فقد شرط من شروط أربعة, فكيف قال من الشروط المذكورة. لا يقال مثال المصنف يفيد اشتراط إفراد العلم الموصوف بابن؛ لأنا نقول هذا إلى إفادة مثاله اشتراط افراد العلم المضاف إليه ابن أيضًا وهو باطل. وإذا أردت استيفاء محترزات الشروط الستة المذكورة متنًا وشرحًا, قلنا خرج بكون المنادى مفردًا نحو: يا عبد الله بن زيد، وبالعلم نحو: يا رجل ابن زيد، وبكونه بعده ابن نحو: يا زيد الفاضل، وبكونه متصلًا به نحو: يا زيد الفاضل ابن عمرو، وبكونه صفة له نحو: يا زيد ابن عمرو على أنه بدل، وبكونه مضافًا إلى علم نحو: يا زيدا ابن أخينا فيجب النصب في الأول والضم في
البقية.
قوله: "يا رجل ابن عمرو" في وجوب الضم في هذا المثال نظر؛ لأنه تقدم أنه يجوز نصب(3/210)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في الأولى، واتصال الابن به في الثانية والوصف به في الثالثة، ولم يشترط هذا الكوفيون كقوله:
912- فَما كَعْبُ بْنُ مامَةَ وابْنُ أَرْوَى ... بِأَجْوَدَ مِنْكَ يا عُمَرَ الجَوَادَا
بفتح عمر، وعلى هذه الثلاثة يصدق صدر البيت. ونحو: يا زيد ابن أخينا لعدم إضافة ابن إلى علم هو مراد عجز البيت.
تنبيهات: الأول لا إشكال أن فتحة ابن فتحة إعراب إذا ضم موصوفه, وأما إذا فتح فكذلك عند الجمهور. وقال عبد القاهر: هي حركة بناء؛ لأنك ركبته معه. الثاني: حكم ابنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النكرة المقصودة الموصوفة في قوله: ويجوز نصب ما وصف إلخ إلا أن يجعل وجوب الضم نسبيا بمعنى امتناع الفتح للاتباع أو للتركيب فتنبه. قوله: "ويا زيد الفاضل" يصدق هنا أنه لم يل الابن علمًا لصدق السالبة بنفي الموضوع سم, وقد أساء البعض التصرف فوجه بصدق السالبة بنفي الموضوع صدق لم يل الابن علمًا بيا زيد الفاضل ابن عمرو فتأمل. قوله: "واتصال الابن إلخ" أي: وانتفاء اتصال إلخ وكذا قوله والوصف به إلخ.
قوله: "ولم يشترط هذا" أي: كون الوصف ابنًا فأجازوا الفتح مع كل وصف نصب, قال في التصريح, بناء على أن علة الفتح التركيب وقد جاء نحو: لا رجل ظريف بفتحهما فجوزوا ذلك هنا ا. هـ. قوله: "فما كعب بن مامة" هو الذي آثر رفيقه بالماء ومات عطشًا. ومامة اسم أبيه قال شيخنا السيد وابن أروى أو سعدى هو الجواد الطائي المشهور ا. هـ. ورواية المغني والعيني وابن سعدى, قال السيوطي في شرح شواهده: هو أوس بن حارثة الطائي وسعدى أمه ا. هـ. وكذا قال العيني وبه يعرف ما في كلام شيخنا السيد المقتضى أنه حاتم والمراد بعمر عمر بن عبد العزيز كما قاله السيوطي وغيره. قوله: "بفتح عمر" خرّج على أن أصله يا عمرًا بالألف عند من يجيز إلحاقها في غير الندبة والاستغاثة والتعجب, أو أن أصله يا عمرًا بالتنوين للضرورة, ثم حذف لالتقاء الساكنين ا. هـ. زكريا وفي التخريج الثاني نظر ظاهر.
قوله: "فكذلك عند الجمهور" أي: لأن مذهبهم أن الفتح في الأول ليس للتركيب بل للاتباع أو لإضافته إلى ما بعد ابن. نعم إعرابية فتحة ابن علي الإضافة المذكورة غير ظاهرة؛ لأن ابن علي الإضافة مقحم بين المتضايفين ففتحته غير مطلوبة لعامل اللهم إلا أن يجعل مضافًا تقديرًا إلى مثل ما أضيف إليه ما قبله مقدرًا قبله يا أو أعني مثلًا فتأمل. قوله: "لأنك ركبته معه" أي
__________
912- البيت من الوافر، وهو لجرير في خزانة الأدب 4/ 442؛ والدرر 3/ 34؛ وشرح التصريح 2/ 169؛ وشرح شواهد المغني ص56؛ والمقاصد النحوية 4/ 254؛ واللمع ص194؛ والمقتضب 4/ 208؛ وبلا نسبة في
أوضح المسالك 4/ 23؛ وشرح ابن عقيل ص291؛ وشرح قطر الندى ص210؛ ومغني اللبيب ص19؛ وهمع الهوامع 1/ 176.(3/211)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيما تقدم حكم ابن فيجوز الوجهان نحو: يا هند ابنة زيد, خلافًا لبعضهم ولا أثر للوصف ببنت هنا فنحو: يا هند بنت عمرو واجب الضم. الثالث: يلتحق بالعلم يا فلان بن فلان ويا ضل بن ضل. ويا سيد بن سيد ذكره في التسهيل وهو مذهب الكوفيين. ومذهب البصريين في مثله مما ليس بعلم التزام الضم. الرابع: قال في التسهيل: وربما ضم الابن اتباعًا, يشير إلى ما حكاه الأخفش عن بعض العرب من يا زيد ابن عمرو بالضم اتباعًا لضمة الدال. الخامس: قال فيه أيضًا: ومجوز فتح ذي الضمة في النداء يوجب في غيره حذف تنوينه لفظًا وألف ابن في الحالتين خطأ وإن نون فللضرورة. السادس: اشترط في التسهيل لذلك كون المنادى ذا ضمة ظاهرة، وعبارته: ويجوز فتح ذي الضمة الظاهرة اتباعًا وكلامه هنا يحتمله، فنحو: يا عيسى ابن مريم يتعين فيه تقدير الضم إذ لا فائدة في تقدير الفتح وفيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتركيب خمسة عشر والظاهر في إعرابه على هذا القول أن يقال: زيد ابن منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء التركيبي, وحركة زيد على هذا حركة بنية. قوله: "ولا أثر للوصف ببنت هنا" الفرق بين ابنة وبنت أن ابنة هي ابن بزيادة التاء بخلاف بنت فإنها بعيدة الشبه, أو كثرة استعمال ابنة في مثل هذا التركيب دون بنت. وفي التصريح أن امتناع الفتح لتعذر الاتباع؛ لأن بينهما حاجزًا حصينًا وهو تحرك الباء الموحدة ا. هـ. وهو لا يأتي إلا على القول بأن الفتح للاتباع ومثل الوصف ببنت الوصف ببنيّ تصغير ابن.
قوله: "يلتحق بالعلم إلخ" أي: لكثرة استعمال المذكورات كالعلم. قوله: "ويا ضل ابن ضل" بضم الضاد المعجمة علم جنس لمن لا يعرف هو ولا أبوه. قوله: "ومجوز فتح ذي الضمة" مبتدأ خبره يوجب والمراد بالمجوز اجتماع الشروط المتقدمة. قوله: "في غيره" أي: غير النداء كجاء زيد بن عمرو. قوله: "وألف ابن" أي: إذا لم تقع ابتداء سطر كما في الدماميني عن ابن الحاجب ولم تكن البنوة مجازية, ولم يثن الابن ولم يجمع كما في الفارضي. وقوله في الحالتين أي: النداء وعدمه ومثل ابن ابنة نظير ما تقدم ومقتضى عبارته وجوب تنوين الموصوف ببنت في غير النداء, إذ لا يجوز فتحه في النداء وهو خلاف ما في الدماميني, حيث قال: فيه وجهان رواهما سيبويه عن العرب الذين يصرفون هندًا ونحوه, فيقولون: هذه هند بنت عاصم بتنوين هند وتركه لكثرة الاستعمال.
قوله: "وإن نون فللضرورة" كقوله:
جارية من قيس بن ثعلبة
ولا فرق في العالم في جميع ما ذكر بين الاسم والكنية واللقب على ما صرح به ابن خروف وجزم الراعي بوجوب تنوين المضاف إليه, وكتابة ألف ابن إذا كان الموصوف بابن مضافًا كما في: قام أبو محمد بن زيد واختاره الصفدي في تاريخه بعد نقل الخلاف, واختاره أيضًا المصنف إذا كان المضاف إليه ابن مضافًا. قوله: "يحتمله" بل هو أقرب إلى تمثيله بنحو: أزيد بن(3/212)
واضْمُمْ أو انْصِبْ ما اضْطِرَارًا نُوِّنا ... مما له استِحقاقٌ ضَمذٍ بُيِّنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خلاف ا. هـ "واضمم أو انصب ما اضطرارًا نونًا مما له استحقاق ضم بينا" فقد ورد السماع بهما، فمن الضم قوله:
913- سَلامُ اللهِ يا مَطَرٌ عَلَيهَا
وقوله:
914- ليتَ التَّحِيَّةَ كانَتْ لِي فَأَشْكُرَهَا ... مكانَ يا جَمَلٌ حُيِّيتَ يا رَجُلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سعيد. قوله: "وفيه خلاف" فقد أجاز الفراء تقدير الضمة والفتحة ا. هـ. دماميني فالضمة على الأصل والفتحة على الاتباع أو التركيب أو الإضافة إلى ما بعد ابن كما في: يا زيد بن سعيد. قوله: "واضمم أو انصب" في عبارته إشارة إلى بناء المنون اضطرارًا إذا ضم وإعرابه رجوعًا إلى الأصل في الأسماء إذا نصب. قال سم: وظاهره جواز الوجهين ولو فيما ضمه مقدر, ويفرق بين هذا وما تقدم بأن القصد ثم الاتباع للتخفيف ولا تخفيف مع التقدير ولا كذلك هذا ا. هـ. وإذا ضممت المنادى المفرد المنون ضرورة فلك في نعته الضم والنصب, وإن نصبته تعين نصب نعته فإن نون مقصور نحو: يا فتى للضرورة فإن نوى الضم جاز في نعته الوجهان أو النصب تعين نصب نعته كذا في شرح التسهيل للمرادي وغيره. قوله: "مما له استحقاق ضم بينا" يحتمل أن مما حال من ما واستحقاق مبتدأ, وله متعلق ببين مضمنًا معنى أثبت وبين خبره والجملة صلة ما, ومن الأوجه في هذه العبارة ما ذكره الشاطبي أن له هو الخبر وجملة بين بمعنى أظهر صفة لضم, قال: واحترز به من الضم المقدر فإنه لا يضطر إلى تنوينه فإن الحرف الذي قدرت فيه الضمة ساكن نحو: يا قاضي ويا فتى فإذا نون حذف لالتقائه ساكنًا مع التنوين فلم يفد التنوين في وزن الشعر شيئًا ا. هـ. قال شيخنا وتبعه البعض: وقد يقال فائدته تظهر فيما إذا اضطر إلى التحريك عند التقاء الساكنين فينون ثم يحرك أي: فالأولى أن بين بمعنى ذكرناه سابقًا. قوله: "ليت إلخ" قبله:
حيتك عزة بعد الهجر وانصرفت ... فحي ويحك من حياك يا جمل
وقوله: فأشكرها بالنصب جواب التمني. وقوله: مكان جعله العيني منصوب على الظرفية ولم
__________
913- عجزه:
وليس عليك يا مَطَرُ السَّلامُ
والبيت من الوافر، وهو للأحوص في ديوانه ص189؛ والأغاني 15/ 234؛ وخزانة الأدب 2/ 150، 152؛ 6/ 507؛ والدرر 3/ 21؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 605، 3/ 25؛ وشرح التصريح 2/ 171؛ وشرح شواهد المغني 2/ 766؛ والكتاب 2/ 202؛ وبلا نسبة في الأزهية ص164؛ والأشباه والنظائر 3/ 213؛ والإنصاف 1/ 311؛ وأوضح المسالك 4/ 28؛ والجنى الداني ص149؛ والدرر 5/ 182؛ ورصف المباني ص177، 355؛ وشرح شذور الذهب ص147؛ وشرح ابن عقيل ص517؛ ومجالس ثعلب ص92، 542؛ والمحتسب 2/ 93.
914- البيت من البسيط، وهو لكثير عزة في ديوانه ص453؛ والدرر 3/ 22؛ والشعر والشعراء 1/ 518؛ والمقاصد النحوية 4/ 214؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 173.(3/213)
وَبِاضْطِرارٍ خُصَّ جَمْعُ يا وَأَل ... إلا مَعَ اللهِ ومَحْكِيِّ الجُمَل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومن النصب قوله:
915- أَعَبْدًا حَلَّ في شَعَبَي غَرِيبًا
وقوله:
916- ضَرَبَتْ صَدْرَهَا إليَّ وقَالَتْ ... يا عَدِيًّا لقد وَقْتَكَ الأوَاقِي
واختار الخليل وسيبويه الضم. وأبو عمرو وعيسى ويونس والجرمي والمبرد النصب.
ووافق الناظم والأعلم الأولين في العلم والآخرين في اسم الجنس "وباضطرار خص جمع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يذكر متعلقه ولعل التقدير: أتمنى يا رجل حييت في مكان يا جمل حييت. قوله: "أعبدًا إلخ" لا حاجة لجعل نصب هذا ضرورة لما صرح به المصنف في التسهيل أن الموصوف يجوز نصبه, كما مر ونص الرضي على أن هذا من الشبيه بالمضاف فنصبه لذلك سم, وكونه من الشبيه بالمضاف أحد قولين كما مر بيان ذلك. وشعبي بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة والباء الموحدة. قوله: "ضربت صدرها إلخ" أي: متعجبة من نجاتي مع ما لقيت من الحروب، فإلي بمعنى مني, وعادة النساء الضرب على صدورهن عند رؤية مهول, وأصل أواقي وواقي جمع واقية من الوقاية وهي الحفظ, فأبدلت الواو الأولى همزة كما سيأتي في قول الناظم, وهمزًا أول الواوين رد إلخ.
قوله: "ووافق الناظم والأعلم إلخ" وجهه أن اسم الجنس أصل بالنظر إلى العلم والإعراب أصل بالنظر إلى البناء فلما اضطر الشاعر أعطى الأصل للأصل والفرع للفرع ا. هـ. حفيد قال السيوطي: والمختار عندي عكسه وهو اختيار النصب في العلم لعدم الإلباس فيه, والضم في النكرة المقصودة؛ لئلا تلتبس بالنكرة غير المقصودة إذ لا فارق مع التنوين للضرورة إلا الحركة لاستوائهما في التنوين ولم أقف على هذا الرأي لأحد ا. هـ. وفيه أن تعليله اختيار نصب العلم لا يتجه؛ لأنه كما لا إلباس في نصبه لا إلباس في ضمه فلا يتم التعليل إلا بضميمة كون الرجوع عند الضرورة
__________
915- عجزه:
ألُؤْمًا لا أبا لك واغتربا
والبيت من الوافر، وهو لجرير في ديوانه ص650؛ وإصلاح المنطق ص221؛ والأغاني 8/ 21؛ وجمهرة اللغة ص1181؛ وخزانة الأدب 2/ 183؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 98؛ وشرح التصريح 1/ 331، 2/ 171، 289؛ والكتاب 1/ 339، 344؛ ولسان العرب 1/ 503 "شعب"؛ ومعجم ما استعجم ص799، 861؛ والمقاصد النحوية 3/ 49، 4/ 506؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 221؛ ورصف المباني ص52.
916- البيت من الخفيف، هو للمهلهل بن ربيعة في خزانة الأدب 2/ 165؛ والدرر 3/ 22؛ وسمط اللآلي ص111؛ ولسان العرب 15/ 401 "وقي"؛ والمقاصد النحوية 4/ 211؛ والمقتضب 4/ 214؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص177؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 800؛ وشرح التصريح 2/ 370؛ وشرح شذور الذهب ص146؛ وشرح ابن عقيل ص517؛ وشرح المفصل 10/ 10؛ والمنصف 1/ 218؛ وهمع الهوامع 1/ 173.(3/214)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يا وأل" في نحو: قوله:
917- عَبَّاسُ يا المَلِكُ المُتَوَّجُ والَّذِي ... عَرَفَتْ له بَيتَ العُلا عَدْنانُ
وقوله:
918- فَيَالغُلامانِ اللَّذانِ فَرَّا ... إيَّاكُما أن تُعْقِبانَا شَرًّا
ولا يجوز ذلك في الاختيار خلافًا للبغداديين في ذلك "إلا مع الله" فيجوز إجماعًا للزوم أل له حتى صارت كالجزء منه فتقول: يا ألله بإثبات الألفين، ويا الله بحذفهما، ويا الله بحذف الثانية فقط "و" إلا مع "محكي الجمل" نحو: يا ألمنطلق زيد فيمن سمي بذلك، نص على ذلك سيبويه، وزاد عليه المبرد ما سمي به من موصول مبدوء بأل نحو: الذي والتي وصوبه الناظم. وزاد في التسهيل اسم الجنس المشبه به نحو: الأسد شدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى الأصل في الأسماء وهو الإعراب أولى فتدبر. قوله: "جمع يا" أي: مثلًا لظهور أن سائر حروف النداء كذلك سم. قوله: "المتوج" أي: الذي على رأسه تاج, ويجوز فيه الرفع والنصب ا. هـ. عيني وأراد بعدنان: القبيلة المعهودة بدليل التأنيث في قوله: عرفت, فقول البعض: تبعًا للعيني وعدنان أبو العرب غير مناسب هنا. قوله: "ولا يجوز ذلك في الاختيار"؛ لأن النداء معرف وأل معرفة ولا يجمع بين أداتي تعريف ا. هـ. تصريح وفي الحفيد أن النحويين مختلفون في نداء العلم الذي فيه أل كالحرث وأن ابن هشام اختار المنع, ثم بحث أنه لا مانع من ندائه؛ لأنهم إنما منعوا نداء ما فيه أل لئلا يجتمع معرفان, وذلك غير لازم هنا؛ لأن أل هنا غير معرفة إلا أن يكون المنع لأجل الصورة اللفظية إلا أنه ينتقض بنحو: يا المنطلق زيد ا. هـ. قال سم: ويؤيد الجواز ما يأتي عن المبرد فيما سمي به من موصول مبدوء بأل نحو: الذي والتي إلا أن يفرق بتأتي إسقاط أل في العلم لكونها زائدة عليه بخلاف نحو: الذي والتي مسمى بهما وفيه تأمل ا. هـ.
قوله: "نحو: يا ألمنطلق زيد" بقطع الهمزة؛ لأن المبدوء بهمزة الوصل فعلًا أو غيره إذا سمي به يجب قطع همزته كما أفاده في التصريح, قال البعض: وانظر ما الفرق بين هذا وبين يا الله حيث جوز فيه الشارح الأوجه الثلاثة ا. هـ. وأنت خبير بأن لاسم الجلالة خواص لا يشاركه فيها غيره فلا يبعد أن يكون منها جواز الأوجه الثلاثة. قوله: "نحو: الذي والتي" أي: مع الصلة إذ هو محل الخلاف, وأما مجرد الموصول المسمى به فوفاق قاله في التصريح أي: متفق على منع ندائه. قوله: "وصوبه الناظم" قال أبو حيان: والذي نص عليه سيبويه المنع, وفرق بينه وبين الجملة أن
__________
917- البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 32؛ والدرر 3/ 31؛ وشرح التصريح 2/ 173؛ والمقاصد النحوية 4/ 245؛ وهمع الهوامع 1/ 174.
918- الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص230؛ والإنصاف 1/ 326؛ والدرر 3/ 30؛ وخزانة الأدب 2/ 294؛ وشرح ابن عقيل ص518؛ وشرح عمدة الحافظ ص299؛ وشرح المفصل 2/ 9؛ واللامات ص53؛ واللمع في العربية ص196؛ والمقاصد النحوية 4/ 215؛ والمقتضب 4/ 243؛ وهمع الهوامع 1/ 174.(3/215)
والأَكْثَرُ اللَّهُمَّ بالتَّعْوِيض ... وشَذَّ يا اللَّهمَ في قَرِيض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أقبل، وهو مذهب ابن سعدان. قال في شرح التسهيل: وهو قياس صحيح؛ لأن تقديره: يا مثل الأسد أقبل, ومذهب الجمهور المنع "والأكثر" في نداء اسم الله تعالى أن يحذف حرف النداء ويقال: "اللهم بالتعويض" أي: بتعويض الميم المشددة عن حرف النداء "وشذ يا اللهم في قريض" أي: شذ الجمع بين يا والميم في الشعر كقوله:
919- إنِّي إذا ما حَدَثٌ أَلَمَّا ... أقول يا اللهمَّ يا اللَّهُمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التسمية فيها بشيئين كل منهما اسم تام, والذي بصلته بمنزلة اسم واحد كالحرث فلا يجوز نداؤه همع.
قوله: "نحو: يا الأسد شدة أقبل" قال شيخنا: وتبعه البعض الظاهر أنه من الشبيه بالمضاف فينصب؛ لأن شدة تمييز ا. هـ. وفيه أن شدة ليس تمييزًا للأسد تمييز مفرد حتى يكون الأسد عاملًا في شدة فيكون من الشبيه بالمضاف, بل هو تمييز نسبة عامله مثل المحذوفة التي بمعنى مماثل وحينئذٍ يكون التركيب من المضاف تقديرًا. ويكون نصب الأسد لحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه في الإعراب. قوله: "لأن تقديره يا مثل الأسد" أي: فالمنادى في الحقيقة لم تدخل عليه أل, واعترضه الشاطبي بلزوم جواز نحو: يا القرية؛ لأن تقديره يا أهل القرية, ولا يقول به الناظم وابن سعدان. قال سم:
ويمكن الفرق بأن وجه الشبه فيما نحن فيه دل على معنى المثلية وصير اللفظ في قوله: يا مثل الأسد, ولا كذلك ما أورد فتأمل. قوله: "ويقال اللهم بالتعويض" فهو منادى مبني على ضم ظاهر على الهاء في محل نصب حذفه منه حرف النداء, وعوض عنه الميم. قال شيخنا: ويحتمل أن يكون مبنيا على ضم مقدر على الميم لصيرورتها كالجزء منه ا. هـ. أي: فيكون جعل حركة البناء على الميم كجعل حركة الإعراب على الهاء في نحو: عدة وزنة بجامع العوضية, والمتجه الأول والفرق أن التعويض في نحو: عدة وزنة عن جزء الكلمة, فلصيرورة الهاء جزءًا وجه قوي, وفي اللهم عن كلمة مستقلة فليس لصيرورة الميم جزءًا أو كالجزء وجه قوي. قوله: "أي: بتعويض الميم المشددة إلخ" وإنما أخرت تبركًا بالبداءة باسم الله تعالى ا. هـ. سم ولا يجب أن يكون العوض في محل المعوض عنه بخلاف البدل, واختيرت الميم عوضًا عن يا للمناسبة بينهما. فإن يا للتعريف والميم تقوم مقام لام التعريف في لغة حمير كقوله:
يرمي ورائي بامسهم وامسلمه
وكانت مشددة ليكون العوض على حرفين كالمعوض. قوله: "إني إذا ما حدث إلخ"
__________
919- الرجز لأبي خراش الهذلي في الدرر 3/ 41؛ وشرح أشعار الهذلين 1346؛ والمقاصد النحوية 4/ 216؛ ولأمية بن أبي الصلت في خزانة الأدب 2/ 295؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص232؛ والإنصاف ص341؛ وأوضح المسالك 4/ 31؛ وجواهر الأدب ص96؛ ورصف المباني ص306؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 419، 2/ 430؛ وشرح ابن عقيل ص519؛ وشرح عمدة الحافظ ص300؛ ولسان العرب 13/ 469، 417 "أله"؛ واللمع في العربية ص197؛ والمحتسب 2/ 238؛ والمقتضب 4/ 242؛ ونوادر أبي زيد ص165؛ وهمع الهوامع 1/ 178.(3/216)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهات: الأول مذهب الكوفيين أن الميم في اللهم بقية جملة محذوفة, وهي: أمنا بخير، وليست عوضًا عن حرف النداء؛ ولذلك أجازوا الجمع بينهما في الاختيار. الثاني قد تحذف أل من اللهم كقوله:
920- لاهُمَّ إن كنْتَ قَبِلتَ حَجَّتِجْ
وهو كثير من الشعر. الثالث قال في النهاية: تستعمل اللهم على ثلاثة أنحاء: أحدها النداء المحض نحو: اللهم أثبنا. ثانيها أن يذكرها المجيب تمكينًا للجواب في نفس السامع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحدث الحادث من مكاره الدنيا وألمّ نزل ا. هـ. زكريا.
فائدة: لا يوصف اللهم عند سيبويه كما لا يوصف غيره من الأسماء المختصة بالنداء, وأجاز المبرد وصفه بدليل: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: 46] ، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26] ، ونحوهما وهو عند سيبويه على النداء المستأنف ا. هـ. دماميني وعلل بعضهم مذهب سيبويه بأن اللهم بالاختصاص والتعويض خرج عن كونه متصرفًا, وصار مثل حيهل إذ الميم بمنزلة صوت مضموم إلى اسم مع بقائهما على معنييهما بخلاف, مثل: سيبويه وخالويه حيث صار الصوت جزءًا من الكلمة. قوله: "بقية جملة محذوفة إلخ" رد بأنه يقال اللهم لا تؤمهم بخير, وبأنه كان يحتاج إلى العاطف في نحو: اللهم اغفر لي. قوله: "حجتج" بالجيم المبدلة من ياء المتكلم وفي بعض النسخ حجتي بالياء.
قوله: "على ثلاثة أنحاء" جمع نحو: بمعنى قسم أي: حالة كون هذه اللفظة كائنة على ثلاثة أقسام من الاستعمال كينونة ملابسة, وقوله: أحدها النداء أي: استعمالها في النداء؛ فصح كلام الشارح وتناسب, واندفع اعتراض البعض بأن المناسب لقوله: أحدها النداء أن يقول: ولهذه اللفظة ثلاثة معان, واعتراضه على قوله: ثانيها أن يذكرها المجيب بأن المناسب لما قبله أن يقول: ثانيها تمكين الجواب إلخ, وعلى قوله: ثالثها أن تستعمل دليلًا إلخ, بأن المناسب أن يقول: ثالثها الندرة إلخ فتأمل. قوله: "ثانيها أن يذكرها المجيب إلخ" قال شيخنا وتبعه البعض: إن اللهم في الموضعين الأخيرين خرجت عن النداء, والظاهر أن اللهم فيهما لا معربة ولا مبنية لعدم التركيب, وفيه نظر؛ لأنا لا نسلم خروجها في الموضعين عن النداء بالكلية لم لا يجوز أن تكون فيهما للنداء مع التمكين أو الندرة, وقد يشير إليه قول الشارح في الموضع الأول المقابل لهذين الموضعين أحدها النداء
__________
920- عجزه:
فلا يَزَالُ شاحجٌ يأتيك بجْ
والرجز لرجل من اليمانيين في الدرر 3/ 40؛ والمقاصد النحوية 4/ 570؛ وبلا نسبة في الدرر 6/ 229؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 177؛ وشرح التصريح 2/ 367؛ وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 287؛ وشرح شواهد الشافية ص215؛ وشرح المفصل 9/ 75، 10/ 50؛ ولسان العرب 10/ 103 "دلق"؛ ومجالس ثعلب 1/ 143؛ والمحتسب 1/ 75؛ والمقرب 2/ 166؛ والممتع في التصريف 1/ 355؛ ونوادر أبي زيد ص164؛ وهمع الهوامع 1/ 178، 2/ 157.(3/217)
فصل: تابع المنادى ذي الضم المضاف دون أل
تابع ذي الضَّمِّ المضافَ دونَ أل ... أَلزِمْهُ نَصْبًا كأَزَيدُ ذا الحِيَل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كأن يقول لك القائل: أزيد قائمك فتقول له: اللهم نعم أو اللهم لا. ثالثها: أن تستعمل دليلًا على الندرة وقلة وقوع المذكور نحو قولك: أنا أزورك اللهم إذا لم تدعني، ألا ترى أن وقوع الزيارة مقرونًا بعدم الدعاء قليل.
فصل:
"تابع" المنادى "ذي الضم المضاف دون أل ألزمه نصبًا" مراعاة لمحل المنادى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المحض، ولئن سلم خروجها عن النداء بالكلية فلا نسلم أنها لا معربة ولا مبنية لعدم التركيب؛ لأن خروج الكلمة عن معناها الأصلي لا يستلزم خروجها عما لها من إعراب أو بناء أو تركيب, فالمتجه عندي أنها باقية على تركيبها, وأنه يقال: اللهم منادى أي: ولو صورة مبني على ضم إلى آخر ما مر فتأمل. قوله: "إذا لم تدعني" بسكون الدال وضم العين المهملة.
فصل:
قوله: "تابع ذي الضم" لو قال: ذي البناء لشمل نحو: يا زيدان ابني عمرو ويا زيدون أصحاب بكر, والمراد الضم: لفظًا أو تقديرًا كيا سيبويه ذا الفضل. وخرج المنصوب فإن تابعه غير النسق والبدل منصوب مطلقًا نحو: يا أخانا الفاضل ويا أخانا الحسن الوجه ويا خيرًا من عمرو فاضلًا والمستغاث المجرور فإن تابعه يتعين جره كما صرح به الرضي, وأما المستغاث الذي في آخره زيادة الاستغاثة فلا ترفع توابعه كما صرح به أيضًا الرضي نحو: يا زيدًا وعمرًا ولا يجوز وعمرو؛ لأن المتبوع مبني على الفتح قاله سم. وأنا أقول: سيأتي في باب الاستغاثة من هذا الشرح تجويز نصب تابع المستغاث المجرور باللام مراعاة للمحل, وصرح به في الهمع أيضًا ويرد على نصب النسق المعرف الخالي من أل كعمرو, والبدل التابعين للمستغاث الذي في آخره زيادة الاستغاثة ما سيصرح به المصنف من أنهما كالمستقل بالنداء اللهم إلا أن يخص بغير صورة المستغاث المذكور, وهو بعيد ويرد على التعليل بأن المتبوع مبني على الفتح أنه قد يمنع لم لا يجوز أن يكون مبنيا على ضم مقدر, منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة, بل هذا هو الظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه, وحينئذٍ يجوز في تابعه الرفع والنصب فاعرفه.
قوله: "المضاف" بالنصب صفة لتابع ومحل وجوب نصب التابع المضاف إذا كانت إضافته محضة, وإلا جاز رفعه كما صرح به السيوطي, ويشير إليه الشارح, لكن إنما ينعت المنادى المضموم بمضاف إضافة غير محضة إذا كان نكرة مقصودة؛ لما مر أنه يجوز نعتها بالنكرة؛ لكون تعريفها طارئًا فلا يقال كيف ينعت المضموم المضاف إضافة غير محضة مع كون المنعوت معرفة والنعت نكرة ومثل المضاف الشبيه بالمضاف, فيتعين نصبه كما صرح به السيوطي, وجوز الرضي رفعه ويؤيده تجويز السيوطي رفع المضاف إضافة غير محضة؛ لأنها على تقدير الانفصال، فضارب(3/218)
وما سِواه ارفع أو انصِب واجْعَلا ... كمستقِلٍّ نسقًا وبدلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نعتًا كان "كأزيد ذا الحيل" أو بياتًا نحو: يا زيد عائد الكلب، أو توكيدًا نحو: يا زيد نفسه ويا تميم كلهم أو كلكم.
تنبيهان: الأول أجاز الكسائي والفراء وابن الأنباري الرفع في نحو: يا زيد صاحبنا، والصحيح المنع؛ لأن إضافته محضة، وأجازه الفراء في نحو: يا تميم كلهم وقد سمع، وهو محمول عند الجمهور على القطع أي: كلهم يدعى. الثاني: شمل قوله ذي الضم العلم والنكرة المقصودة والمبني قبل النداء؛ لأنه يقدر ضمه كما مر "وما سواه" أي: ما سوى التابع المستكمل للشرطين المذكورين وهما الإضافة والخلو من أل، وذلك شيئان: المضاف المقرون بأل، والمفرد "ارفع أو انصب" تقول: يا زيد الحسن الوجه والحسن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيد في تقدير ضارب زيدًا وضارب زيدًا شبيه بالمضاف. وقوله: دون أل حال من تابع أو من الضمير في المضاف, فقول البعض تبعًا للشيخ خالد حال من المضاف فيه تساهل وقصور.
قوله: "نعتًا إلخ" أشار به إلى أن المراد بالتابع ما عدا البدل والنسق بقرينة المقابلة. قوله: "كلهم أو كلكم" أشار به إلى أن الضمير في تابع المنادى يجوز أن يكون بلفظ الغيبة نظرًا إلى كون لفظ المنادى اسمًا ظاهرًا, والاسم الظاهر من قبيل الغيبة وبلفظ الخطاب نظرًا إلى كون المنادى مخاطبًا فعلمت أنه يجوز أيضًا: يا زيد نفسه ونفسك قاله الدماميني، ثم قال: ويجوز: يأيها الذي قام ويأيها الذي قمت, وقد توهم بعض الناس أنك إذا قلت: يأيها الذي قام وقعدت كان فيه التفات وليس كذلك؛ لأن الالتفات من خلاف الظاهر, وكلا الفريقين موافق للظاهر فالغيبة لظاهر لفظ الظاهر والخطاب لظاهر المنادى ا. هـ. ملخصًا، وفيه نظر؛ لأن مقتضى الظاهر إذا سلك أحد الطريقين في كلام أن لا يعدل إلى غيره فيه فتدبر. قوله: "الأول إلخ" عبارة السيوطي في جمع الجوامع وجوز الكوفيون وابن الأنباري رفع النعت المضاف إضافة محضة, والفراء رفع التوكيد والعطف نسقًا ا. هـ. بزيادة من شرحه.
قوله: "لأن إضافته محضة" أي: لغلبة الاسمية على صاحب، وفيه إشارة إلى أن ما إضافته غير محضة يجوز رفعه وبه صرح السيوطي كما مر. قوله: "على القطع" قضيته جواز قطع التوكيد وهو كذلك على قول. قوله: "والمبني قبل النداء" يوهم صنيعه أن المبني قبل النداء قسم مباين للقسمين قبله العلم والنكرة المقصودة وليس كذلك فلو قال ولو مبنيين قبل النداء لكان أحسن، مثال العلم المبني قبل النداء يا سيبويه ومثال النكرة المقصودة المبنية قبل النداء: يا من خلقني أي: يا إلهًا خلقني. قوله: "أي: ما سوى التابع" أي: من تابع المضموم خاصة.
قوله: "المضاف المقرون بأل" أي: تابع ذي الضم المضاف المقرون بأل والمفرد وكذا الشبيه بالمضاف على ما مر عن الرضي والمضاف إضافة غير محضة على ما مر عن السيوطي وأشار إليه الشارح. ووجه جواز الأمرين في الأول والثالث والرابع إلحاقها بالمفرد؛ لأن غير المحضة ومنها إضافة المقرون كلا إضافة، فإن قلت فلم لم يلحق الشبيه والمضاف إضافة غير(3/219)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الوجه، ويا زيد الحسن والحسن، ويا غلام بشر وبشرًا، ويا تميم أجمعون وأجمعين، فالنصب اتباعًا للمحل، والرفع اتباعًا للفظ؛ لأنه يشبه المرفوع من حيث عروض الحركة.
تنبيهان: الأول شمل كلامه أولًا وثانيًا التوابع الخمسة، ومراده النعت والتوكيد وعطف البيان، وسيأتي الكلام على البدل وعطف النسق. الثاني: ظاهر كلامه أن الوجهين على السواء "واجعلا كمستقل" بالنداء "نسقًا" خاليًا عن أل "وبدلًا" تقول: يا زيد بشر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
محضة به إذا نوديا مستقلين قلت محافظة على إعرابهما الذي هو الأصل فألحقا به تابعين لمشابهتهما له مع حصول الإعراب لفظًا أو تقديرًا, وهذا في حالة رفعهما على القول بأنه اتباع لا إعراب كما سيأتي ولم يلحقا به مستقلين محافظة على الإعراب فروعي الإعراب في الحالين ا. هـ. سم ببعض تغيير، فإن قلت لم لم يجز في التابع المفرد البناء كما جاز في تابع اسم لا المفرد نحو: لا رجل ظريف فيها؟ قلت؛ لأن المنادى لفظًا ومعنى هو المتبوع ولا دخل ليا في التابع والمنفي بلا في الحقيقة هو التابع لا المتبوع غالبًا فكأن لا باشرت التابع وذلك؛ لأن معنى لا رجل ظريف فيها لا ظرافة في الرجال الذين فيها فالمنفي مضمون الصفة بناء على الغالب من انصباب النفي على القيد فحصل الفرق بين التابعين.
قوله: "والمفرد" دخل فيه نعت النكرة المقصودة معرفًا بأل أو لا فيجوز: يا رجل العاقل والعاقل ويا رجل عالم وعالمًا نعم إن نصبت رجلًا لجواز نصب النكرة المقصودة الموصوفة تعين نصب صفته. قوله: "ارفع" ظاهره أن رفع التابع المذكور إعراب. واستشكل بأنه لا عامل هناك يقتضي رفع التابع بل هناك ما يقتضي نصبه, وهو أدعو وأجيب بأن العامل فيه مقدر من لفظ عامل المتبوع مبنيا للمجهول, وهو مع ما فيه من التكلف يؤدي إلى التزام قطع التابع. وقال السيوطي في متن جمع الجوامع وشرحه: واعتقد قوم بناء النعت إذا رفع؛ لأنهم رأوا حركته كحركة المنادى حكاه في النهاية ا. هـ. والمتجه وفاقًا لبعضهم أن ضمة التابع اتباع لا إعراب ولا بناء وفي قول الشارح والرفع اتباعًا للفظ إشارة إليه, وعلى هذا يكون في التعبير بالرفع تسمح فاعرفه. قوله: "ويا غلام بشر" أي: بتنوين بشر؛ لأنه معرب بفتحة مقدرة منع من ظهورها ضمة الاتباع على ما حققناه. قوله: "أولا" أي: في قوله:
تابع ذي الضم وثانيًا أي: في قوله: وما سواه. قوله: "ومراده النعت إلخ" أي:
بقرينة إفراد البدل وعطف النسق بحكم يخصهما بعد ذلك فالآتي مخصص لما تقدم وقوله: والتوكيد أي: لفظيا أو معنويا.
قوله: "ظاهر كلامه إلخ" عليه قد يفرق بين هذا والنسق مع أل حيث رجح الرفع فيه كما يأتي بأن ذلك أقرب إلى الاستقلال فكانت الحركة الواجبة عند الاستقلال أولى سم وأقربية المنسوق مع أل إلى استقلاله بالنداء من حيث العاطف الذي هو كالعامل وإن بعد من حيث أل التي لا تجامع حرف النداء. قوله: "على السواء" كلام ابن المصنف يقتضي ترجيح النصب سم. قوله: "وبدلًا" لم يقيده أيضًا بالخلو من أل؛ لأنه لا يكون في النداء إلا خاليًا من أل؛ ولهذا قال(3/220)
وإنْ يَكنْ مصحوبَ أل ما نُسِقا ... ففِيهِ وجْهانِ ورَفْعٌ يُنْتَقَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالضم، وكذلك يا زيد وبشر، وتقول: يا زيد أبا عبد الله وكذلك يا زيد وأبا عبد الله، وهكذا حكمهما مع المنادى المنصوب؛ لأن البدل في نية تكرار العامل، والعاطف كالنائب عن العامل.
تنبيه: أجاز المازني والكوفيون: يا زيد وعمرا ويا عبد الله وبكرا "وإن يكن مصحوب أل ما نسقا ففيه وجهان" الرفع والنصب "ورفع ينتقى" أي: يختار وفاقًا للخليل وسيبويه والمازني لما فيه من مشاكلة الحركة ولحكاية سيبويه أنه أكثر، وأما قراءة السبعة: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] ، بالنصب فللعطف على فضلًا من: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا} [سبأ: 10] ، اختار أبو عمرو وعيسى ويونس والجرمي النصب؛ لأن ما فيه أل لم يل حرف النداء فلا يجعل كلفظ ما وليه وتمسكًا بظاهر الآية إذ إجماع القراء سوى الأعرج على النصب. وقال المبرد: إن كانت أل معرفة فالنصب وإلا فالرفع؛ لأن المعرف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السيوطي في جمع الجوامع وشرحه: لا يبدلان أي: النكرة المقصودة والإشارة ولا ذو أل من المنادى. قال سم: وكأن وجهه أن البدل على نية تكرار العامل وهو الحرف هنا وهو لا يدخل على ما فيه أل, لكن نقل الدماميني عن المصنف أن من البدل ما يرفع وينصب لشبهه بالتوكيد والنعت في عدم صلاحيته لتقدير حرف نداء قبله نحو: يا تميم الرجال والنساء وصحة هذه المسألة مبنية على أن عامل البدل عامل المبدل منه. قوله: "يا زيد بشر بالضم" أي: بلا تنوين وكذا يضم بشر بلا تنوين في صورة العطف.
قوله: "وهكذا حكمهما مع المنادى المنصوب" أي: إنهما معه كالمستقل بالنداء فيعاملان تابعين له بما يعاملان به مستقلين بالنداء. قوله: "لأن البدل في نية تكرار العامل" ظاهر على مذهب غير المصنف أما على ما ذهب إليه من أن العامل في المبدل عامل في المبدل منه كبقية التوابع فيوجه بأن البدل لما كان هو المقصود وكان المبدل منه في نية الطرح كان كالمباشر له العامل, ونظير ذلك ما وجه به رفع تابع أي في نحو: يأيها الرجل من أنه لما كان هو المقصود وأي صلة إليه وجب رفعه. قوله: "أجاز المازني" أي: قياسًا على المنسوق المقرون بأل وفرق الجمهور بما سيعلم من تعليل جواز الوجهين في المقرون. وفي تعبيره بالاجازة إشارة إلى أنهم يجيزون جعله كالمستقل هذا هو الظاهر وإن توقف شيخنا فقال: وهل المراد مع إجازتهم الضم أو الرفع ا. هـ.
قوله: "ما نسقا" ظاهره ولو مضافًا نحو: يا زيد والحسن الوجه ولا بعد فيه. قوله: "ففيه وجهان الرفع والنصب" لامتناع تقدير حرف النداء قبله فأشبه النعت. سيوطي. قوله: "ورفع" سوغ الابتداء به كون الكلام في معرض التقسيم كما في الفارضي.
قوله: "لما فيه من مشاكلة الحركة" أي: مع كونه أقرب إلى الاستقلال فكانت الحركة الواجبة عند الاستقلال أولى كما مر عن سم. قوله: "فللعطف على فضلًا" وقال ابن معطي: مفعول معه وضعفه ابن الخشاب وقيل
مفعول لمحذوف أي: وسخرنا له الطير. قوله: "فلا يجعل كلفظ ما وليه" أي: فلا(3/221)
وأيها مَصْحوبَ أل بعدُ صِفه ... يلزَم بالرَّفعِ لدى ذِي المعْرِفَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يشبه المضاف.
تنبيه: هذا الاختلاف إنما هو في الاختيار، والوجهان مجمع على جوازهما إلا فيما عطف على نكرة مقصودة نحو: يا رجل الغلام فلا يجوز فيه عند الأخفش, ومن تبعه إلا الرفع "وأيها مصحوب أل بعد صفه يلزم بالرفع لدى
ذي المعرفه" يجوز في ضبط هذا البيت أن يكون مصحوب منصوبًا فأيها مبتدأ ويلزم خبره, ومصحوب مفعول مقدم بيلزم, وصفة نصب على الحال من مصحوب أل وبالرفع في موضع الحال من مصحوب أل وبعد في موضع الحال مبني على الضم لحذف المضاف إليه وهو ضمير يعود إلى أي. والتقدير: وأيها يلزم مصحوب أل حال كونه صفة لها مرفوعة واقعة أو واقعًا بعدها. ويجوز أن يكون مصحوب مرفوعًا على أنه مبتدأ ويكون خبره يلزم والجملة خبر أيها والعائد على المبتدأ محذوف أي: يلزمها ويجوز أن يكون صفة هو الخبر. والمراد إذا نوديت أي: فهي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تطلب مشاكلته له. قوله: "إن كانت أل معرفة" أي: كما في الآية فالنصب أي: فالمختار النصب لما في الشرح من أن المعرف يشبه المضاف أي: من حيث تأثر ما فيه أل المعرفة بتعريف أل وتأثر المضاف بتعريف الإضافة أو تخصيصها. قوله: "وإلا فالرفع" أي: وإلا تكن للتعريف كالتي من بنية الكلمة نحو: اليسع والتي للمح الصفة نحو: الحرث فالمختار الرفع؛ لأن أل حينئذٍ كالمعدومة. قوله: "إلا الرفع" ترد عليه الآية إلا أن يمنع عطف والطير على جبال سم.
فائدة: إذا ذكر بعد نعت المنادى تابع كيا زيد الظريف صاحب عمرو فإن قدر الثاني نعتًا للمنادى نصب لا غير أو نعتًا لنعت المنادى لفظ به كما يلفظ بالنعت. دماميني. وقوله: لفظ به كما يلفظ بالتابع إن أراد على سبيل الأولوية للمشاكلة فذاك أو على سبيل الوجوب فممنوع عندي, ولم لا يجوز النصب مراعاة لمحل نعت المنادى فعليك بالإنصاف. قوله: "مصحوب أل" سيأتي أنه يقوم مقامه اسم الإشارة والموصول. قوله: "بالرفع" ظاهره ولو كان مضافًا نحو: يأيها الحسن الوجه ولا بعد فيه. قوله: "وبعد في موضع الحال" أي: من صفة لتقدمه عليها فلا يضر تنكيرها أو من مصحوب أل كما يشير إلى جواز الأمرين قوله: الآتي واقعة أو واقعًا, فالأول ناظر للأول والثاني للثاني.
قوله: "في موضع الحال مبني على الضم" هذا مبني على ما ذهب إليه بعضهم من جواز وقوع الظرف المقطوع عن الإضافة حالًا كما نبه عليه شيخنا. قوله: "مرفوعة" مقتضاه أن بالرفع نعت لصفة لا حال من مصحوب أل وإلا لقال مرفوعًا إلا أن يقال التأنيث باعتبار كون مصحوب أل صفة أو أنه أشار إلى جواز وجه آخر. قال البعض: لكن يرد عليه لزوم الفصل بين النعت ومنعوته بأجنبي ا. هـ. وفيه أن الفاصل هنا ليس أجنبيا بل هو العامل في بالرفع؛ لأن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف والعامل في الحال هو العامل في صاحبها فيكون يلزم عاملًا في مصحوب أل وفي الحال منه وفي صفة الحال فتدبر. قوله: "والعائد على المبتدأ" أي: الأول(3/222)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نكرة مقصودة مبنية على الضم وتلزمها ها التنبيه مفتوحة، وقد تضم لتكون عوضًا عما فاتها من الإضافة، وتؤنث لتأنيث صفتها نحو: يأيها الإنسان يأتيها النفس ويلزم تابعها الرفع، وأجاز المازني نصبه قياسًا على صفة غيره من المناديات المضمومة. قال الزجاج: لم يجز هذا المذهب أحد قبله ولا تابعه أحد
بعده، وعلة ذلك أن المقصود بالنداء هو التابع وأي وصلة إلى ندائه. وقد اضطرب كلام الناظم في النقل عن الزجاج فنقل في شرح التسهيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما العائد على المبتدأ الثاني فمستتر في يلزم, وكذا العائد على أيها في الإعراب الأول. قوله: "ويجوز أن يكون صفة هو الخبر" أي: والجملة خبر أي: وعائدها محذوف أي: صفة لها أو بعدها ويلزم إما بالياء التحتية فهو خبر بعد خبر أو بالتاء الفوقية فهو نعت صفة وبالرفع حال من فاعل يلزم وجعله مفعولًا بزيادة الياء تكلف مستغنى عنه, وإن اقتصر عليه الشيخ خالد وتبعه شيخنا والبعض.
قوله: "والمراد إذا نوديت أي: إلخ" لا يخفى أن ما ذكر إلى قوله: ويلزم تابعها الرفع لم يستفد من المتن لا منطوقًا ولا مفهومًا فكيف يراد منه. وما اعتذر به البعض من أنه مستفاد من ذكر أي: مبنية على الضم مقرونة بها مرادًا بها معين غير نافع في قوله: وقد تضم إلى قوله: ويلزم تابعها الرفع. قوله: "لتكون عوضًا إلخ" علة تلزمها. قوله: "عوضًا عما فاتها إلخ" كما عوضوا عنه ما في: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الاسراء: 110] ، وخص ها بالنداء؛ لأنه موضع تنبيه وما بالشرط؛ لأنها مبهمة فتوافق الشرط. دماميني. قوله: "وتؤنث" أي: على سبيل الأولوية لا الوجوب كما في الدماميني والهمع عن صاحب البديع.
قوله: "ويلزم تابعها الرفع" فيه ما قدمناه عند قول المصنف ارفع أو انصب فلا تغفل. قوله: "قال الزجاج إلخ" فيه نظر؛ لأن ابن الباذش ذكر أنه مسموع من لسان العرب؛ ولأنه قرشء شاذا: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وهي تعضد المازني قاله السندوبي.
قوله: "أن المقصود بالنداء هو التابع" ومع ذلك ينبغي أن لا يكون محله نصبًا؛ لأنه بحسب الصناعة ليس مفعولًا به بل تابع له ويؤيد ذلك قول ابن المصنف وسيذكره الشارح أيضًا أنه لو وصفت صفة أي: تعين الرفع سم وأنا أقول يرد عليه أن تابع ذي محل له محل متبوعه وحينئذٍ ينبغي أن يكون محل تابع أي: نصبًا وأن يصح نصب نعته، ويؤيده ما قدمناه عن الدماميني في يا زيد الظريف صاحب عمرو أنه إن قدر صاحب عمرو نعتًا للظريف لفظ به كما يلفظ بالنعت إن رفعًا فرفع وإن نصبًا فنصب, على ما بيناه سابقًا اللهم إلا أن يكون منع نصب نعت تابع أي: لعدم سماعه أصلًا نعم يصح ما بحثه من أنه ليس لتابع أي: محل نصب ولا يجوز نصب نعته على أن رفع التابع إعراب وأن عامله فعل مقدر مبني للمجهول أي: يدعي العاقل كما مر لكن ما بعد أي: على هذا ليس تابعًا لأي في الحقيقة فلا يظهر حمل كلامه على هذا مع قوله بل تابع له فتأمل.(3/223)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عنه هذا الكلام ونسب إليه في شرح الكافية موافقة المازني وتبعه ولده. وإلى التعريض بمذهب المازني الإشارة بقوله: لدى ذي المعرفة، وظاهر كلامه أنه صفة مطلقًا, وقد قيل عطف بيان. قال ابن السيد: وهو الظاهر. وقيل إن كان مشتقا فهو نعت وإن كان جامدًا فهو عطف بيان وهذا أحسن.
تنبيهات: الأول يشترط أن تكون أل في تابع أي جنسية كما ذكره في التسهيل فإذا قلت: يأيها الرجل فأل جنسية وصارت بعد للحضور كما صارت كذلك بعد اسم الإشارة. وأجاز الفراء والجرمي اتباع أي بمصحوب أل التي للمح الصفة نحو: يا أيها الحرث، والمنع مذهب الجمهور ويتعين أن يكون ذلك عطف بيان عند من أجازه. الثاني: ذهب الأخفش في أحد قوليه إلى أن المرفوع بعد أي خبر لمبتدأ محذوف, وأي موصولة بالجملة، ورد بأن بأنه لو كان كذلك لجاز ظهور المبتدأ بل كان أولى ولجاز وصلها بالفعلية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وأي: وصلة إلى ندائه" إنما آثروا أيا؛ لأنها لوضعها على الإبهام واحتياجها وضعًا إلى المخصص ألصق بما بعدها من غيرها ولما شابهها اسم الإشارة بكونه وضع مبهمًا مشروطًا إزالة إبهامه بالإشارة الحسية أو الوصف بعده قام مقامها في التوصل إلى نداء ما فيه أل. وأما ضمير الغائب فإنه وإن وضع مبهمًا مشروطًا إزالة إبهامه لكن بما قبله غالبًا, وهو المفسر, وأما الموصول فإنه وإن أزال إبهامه ما بعده لكنه جملة ا. هـ. دماميني عن الرضي باختصار، وأيضًا ضمير الغائب وكثير من الموصولات لا يباشرها حرف النداء. قوله: "إنه صفة له مطلقًا" أي: مشتقًا كان أو جامدًا لتأول الجامد بالمشتق كالمعين والحاضر؛ أو لأن كثيرًا من المحققين على أنه لا يشترط في النعت أن يكون مشتقًا أو مؤولًا به, بل الضابط دلالته على معنى في متبوعه كالرجل لدلالته على الرجولية.
قوله: "وقد قيل عطف بيان" ظاهره مطلقًا لتصح المقابلة. قوله: "جنسية" أي: لا زائدة لازمة كاليسع أو غير لازمة كاليزيد ولا التي للمح الأصل كالحرث ولا التي للعهد كالزيدين ولا الداخلة على العلم بالغلبة كالصعق والنجم، فعلم ما في كلام البعض من القصور. والمراد أنها جنسية بحسب الأصل أي: قبل دخول يا كما يدل عليه بقية كلامه فلا ينافي في أن مصحوبها بعد دخول يا معين حاضر كما سيذكره. قوله: "وصارت بعد للحضور" أي: بسبب وقوع مدخولها صفة لمنكر قصد به معين حاضر لا بسبب انقلاب أل عهدية حتى يرد أن المصرح به أنها غير عهدية أفاده سم. قوله: "أن يكون ذلك عطف بيان" أي: لا نعتًا؛ لأن العلم لا ينعت به هكذا ينبغي التعليل. قوله: "وأي: موصولة بالجملة" والتقدير: يا من هو الرجل. وقال الفارضي: التقدير يا لذي هو الرجل ا. هـ. قال شيخنا: والأول أولى؛ لأن يا لا تدخل على نحو: الذي على الراجح كما مر. قوله: "لجاز ظهور المبتدأ" أي: لأن هذا ليس من مظان وجوب حذف المبتدأ. وله أن يقول باب النداء باب حذف وتخفيف بدليل جواز الترخيم فيه دون غيره؛ فلهذا التزموا حذف المبتدأ(3/224)
وأيُّ هذا أيّها الذي وَرَدْ ... ووَصْفُ أيٍّ بِسِوى هذا يُرَدُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والظرف. الثالث: ذهب الكوفيون وابن كيسان إلى أن ها دخلت للتنبيه مع اسم الإشارة. فإذا قلت: يأيها الرجل تريد يأيها ذا الرجل, ثم حذف ذا اكتفاء بها. الرابع: يجوز أن توصف صفة أي, ولا تكون إلا مرفوعة مفردة كانت أو مضافة كقوله:
921- يأَيُّها الجاهِلُ ذو التَّنَزِّي ... لا تُوعِدَنِّي حَيَّةً بالنَّكْزِ
"وأي: هذا أيها الذي ورد" أيهذا مبتدأ وأيها الذي عطف عليه وسقط العاطف للضرورة وورد جملة خبر، ووحد الفاعل إما لكون الكلام على حذف مضاف, والتقدير لفظ: أيهذا وأيها الذي ورد أو هو من باب:
922- نَحْنُ بما عِندنا وأنْتَ بما ... عنْدَكَ راضٍ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: ولجاز وصلها إلخ وله أن يقول: التزموا فيها ضربًا من الصلة كما التزموا فيها ضربًا من الوصف على رأيكم. همع.
قوله: "يأيها الجاهل إلخ" التنزي نزع الإنسان إلى الشر. والنكز بفتح النون وسكون الكاف آخره زاي اللسع أي: لا توعدني باللسع حالة كونك مشبهًا للحية في ذلك. قوله: "وأيهذا إلخ" نحو: يأيهذا الرجل فأي: منادى مبني على الضم في محل نصب وها للتنبيه وذا صفة أي: في محل رفع والرجل صفة لذا أو عطف بيان مرفوع بضمة ظاهرة ونحو: يأيها الذي قام فالذي صفة أي في محل رفع, وهذا كله مبني على أن حركة التابع إعراب. وتقدم ما فيه قال شيخنا, ولعل مذهب المازني يجري هنا أيضًا فيجوز كون ذا والذي في محل نصب. قوله: "للضرورة" بل تقدم أن الواو العاطفة تحذف اختيارًا.
قوله: "من باب نحن بما عندنا إلخ" أي: من الحذف من الأول لدلالة الثاني, ويحتمل كلام المصنف العكس, وفي الأولى منهما عند احتمالهما وعدم تعيين القرينة أحدهما قولان قيل الحذف من الثاني؛ لأن الأواخر أليق بالحذف من الأوائل, وقيل من الأول لعدم الفصل. وتمام البيت "والرأي: مختلف" وهو كما قال شيخنا من المنسرح. قوله:
__________
921- الرجز لرؤبة في ديوانه ص63؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 471؛ وشرح المفصل 6/ 138؛ والمقاصد النحوية 4/ 219؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 169؛ وجمهرة اللغة ص825؛ والكتاب 2/ 192؛ والمقتضب.
922- تمامه:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف
والبيت من المنسرح، وهو لقيس بن الخطيم في ملحق ديوانه ص239؛ وتخليص الشواهد ص205؛ والدرر 5/ 314؛ والكتاب 1/ 75؛ والمقاصد النحوية 1/ 557؛ ولعمرو بن امرئ القيس الخزرجي في الدرر 1/ 147؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 279؛ وشرح شواهد الإيضاح ص128، ولدرهم بن زيد الأنصاري في الإنصاف 1/ 95؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 100، 6/ 65، 7/ 116؛ وأمالي ابن الحاجب 2/ 726؛ وخزانة الأدب 10/ 295، 476؛ وشرح ابن عقيل ص125؛ والصاحبي في فقه اللغة ص218؛ ولسان العرب 3/ 360 "قعد"؛ ومغني اللبيب 2/ 622؛ والمقتضب 3/ 112، 4/ 73؛ وهمع الهوامع 2/ 109.(3/225)
وذو إشارَة كأيٍّ في الصفه ... إن كان تَرْكُها يُفِيتُ المعرفه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: ورد أيضًا وصف أي في النداء باسم الإشارة وبموصول فيه أل كقوله:
923- أل أيها ذا الباخِعُ الوَجْدُ نَفْسَه ... لشيء نَحَتْهُ عن يَدَيهِ المقادِرُ
ونحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} [الحج: 6] ، ووصف أي بسوى هذا الذي ذكر "يرد" فلا يقال: يأيها زيد ولا يأيها صاحب عمرو.
تنبهان: الأول يشترط لوصف أي باسم الإشارة خلوه من كاف الخطاب كما هو ظاهر كلامه وفاقًا للسيرافي وخلافًا لابن كيسان فإنه أجاز يأيها ذاك الرجل. الثاني لا يشترط في اسم الإشارة المذكور أن يكون منعوتًا بذي أل وفاقًا لابن عصفور والناظم كقوله:
924- أيُّهذانِ كُلا زادَ كُما ... ودَعَانِي واغِلًا فيمَنْ وَغَل
واشترط ذلك غيرهما "وذو إشارة كأي في الصفة" في لزومها ولزوم رفعها كونها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"ألا أبهذا الباخع" أي: المهلك والوجد بالرفع فاعل الباخع ونفسه مفعول، ولا يصح جر الوجد بإضافة الباخع إليه لعدم جواز إضافة اسم الفاعل المتعدي إلى مرفوعه.
قوله: "ووصف أي بسوى هذا يرد" قال الشاطبي: حشو لا فائدة فيه ويجاب بأنه لما علم بقوله: وأي هذا إلخ, أن اللزوم ليس على ظاهره كان مظنة توهم شيء آخر فدفعه بهذا ا. هـ. طبلاوي واسم الإشارة في قوله: سوى هذا يرجع لما ذكر من مصحوب أل واسم الإشارة والموصول المقرون بأل. قوله: "خلوه من كاف الخطاب" أي: لأنه المقصود بالنداء كما تقدم فهو المخاطب ووصله بكاف المخاطب يقتضي أن المشار إليه غير المخاطب فيحصل التنافي. ولابن كيسان أن يجعل الخطاب في مثل: يا ذاك للمشار إليه فلا يحصل التنافي لكن يمنعه ما تقدم في باب اسم الإشارة من أن المخاطب بالكاف غير المشار إليه إلا أن يخصه بغير النداء فتأمل. قوله: "ودعاني" أي: أتركاني. والواغل من يدخل على القوم وهم يشربون ولم يدع.
قوله: "في لزومها إلخ" أي: لا في لزوم إفراد موصوفها, بل يراعى حال المشار إليه نحو: يا هذان الرجلان ويا هؤلاء الرجال. وأل في قوله: الصفة عهدية أي: الصفة المذكورة في أي إلا أنها تتناول اسم الإشارة مع أن اسم الإشارة لا يوصف باسم الإشارة, وكأنه ترك ذلك اتكالًا على ظهور أن اسم الإشارة لا يوصف باسم الإشارة فكأنه معلوم الانتفاء سم. قوله:
__________
923- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص1037؛ وشرح المفصل 2/ 7؛ ولسان العرب 8/ 5 "بخع"؛ والمقاصد النحوية 4/ 217؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 474؛ ولسان العرب 15/ 312 "نحا"؛
والمقتضب 4/ 259.
924- البيت من الرمل، وهو بلا نسبة في الدرر 3/ 33؛ وشرح شذور الذهب ص199؛ وشرح عمدة الحافظ ص281؛ ومجالس ثعلب ص52؛ والمقاصد النحوية 4/ 239، 240؛ وهمع الهوامع 1/ 175.(3/226)
في نحو سَعْدَ سَعْدَ الاوس يَنْتَصِبْ ... ثانٍ وضُمَّ وافْتَحَ أوَّلا تُصِبْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بأل على ما مر. نحو: يا ذا الرجل ويا ذا الذي قام هذا "إن كان تركها" أي: ترك الصفة "يفيت المعرفه" أي: بأن تكون هي مقصودة بالنداء واسم الإشارة قبلها لمجرد الوصلة إلى ندائها كقولك: لقائم بين قوم جلوس يا هذا القائم. أما إذا كان اسم الإشارة هو المقصود بالنداء بأن قدرت الوقوف عليه فلا يلزم شيء من ذلك، ويجوز في صفته حينئذ ما يجوز في صفة غيره من المناديات المبنيات على الضم "في نحو" يا "سعد سعد الاوس" وقوله:
925- يا تَيم تيمَ عَدِيِّ لا أبا لَكمُ
وقوله:
926- يا زَيد زيد اليَعْمُلاتِ الذُّبَّلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"على ما مر" لعل مراده على ما مر من اشتراط كون أل جنسية على الراجح. قوله: "نحو: يا ذا الرجل ويا ذا الذي قام" ونحو: يا هذا الرجل ويا هذا الذي قام ويا هؤلاء الكرام فها للتنبيه واسم الإشارة منادى مقدر فيه الضم وما بعده له صفة مرفوعة. قوله: "يفيت المعرفة" أي: يفوت على المخاطب بالمنادى. قوله: "بأن تكون هي" أي: الصفة. قوله: "هو المقصود بالنداء" بأن عرفه المخاطب بدون الوصف كما إذا وضع المتكلم يده عليه. قوله: "فلا يلزم شيء من ذلك" مقتضاه حتى كون الصفة مقرونة بأل فيقتضي صحة يا هذا رجل وليس كذلك, ويمكن تصحيح عبارته بجعل من بيانية وجعل الإشارة إلى مجموع ما مر من ذكر الصفة ورفعها وقرنها بأل, فالمعنى لا يلزم مجموع الثلاثة أي: بل بعضها وهو القرن بأل هكذا ينبغي الجواب لا كما أجاب البعض فتدبر.
قوله: "في نحو: سعد سعد الأوس" أي: من كل تركيب وقع فيه المنادى مفردًا مكررًا ووقع بعد المرة الثانية مضاف إليه. وسعد الأوس هو سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه كما في التصريح. قوله: "زيد اليعملات" بفتح الميم أضيف زيد إلى اليعملات؛ لأنه كان يحدو لها وهي
__________
925- عجزه:
لا يَلْفِيَنَّكُمْ في سوأةٍ عُمَرُ
والبيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه ص212؛ والأزهية ص238؛ والأغاني 21/ 349؛ وخزانة الأدب 2/ 298؛ 301، 4/ 99، 107؛ والخصائص 1/ 345؛ والدرر 6/ 29؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 142؛ وشرح شواهد المغني 2/ 855؛ وشرح المفصل 2/ 10؛ والكتاب 1/ 53، 2/ 205؛ واللامات ص101؛ ولسان العرب 14/ 11 "أبي"؛ والمقاصد النحوية 4/ 240؛ والمقتضب 4/ 229؛ ونوادر أبي زيد ص139؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 204؛ وأمالي ابن الحاجب 2/ 725؛ وجواهر الأدب ص199، 421 وخزانة الأدب 8/ 317، 10/ 191؛ ورصف المباني ص245؛ وشرح ابن عقيل ص522؛ وشرح المفصل 2/ 105، 3/ 21؛ ومغني اللبيب 2/ 457؛ وهمع الهوامع 2/ 122.
926- الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص99؛ وخزانة الأدب 2/ 302، 304؛ والدرر 6/ 28؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 27؛ وشرح شواهد المغني 1/ 433، 2/ 855؛ ولبعض بني جرير في شرح المفصل 2/ 10؛=(3/227)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"ينتصب ثان" حتمًا "وضم وافتح أولًا تصب" فإن ضممته؛ فلأنه منادى مفرد معرفة، وانتصاب الثاني حينئذ؛ لأنه منادى مضاف أو توكيد أو عطف بيان أو بدل أو بإضمار أعني. وأجاز السيرافي أن يكون نعتًا وتأول فيه الاشتقاق. وإن فتحته فثلاثة مذاهب: أحدها وهو مذهب سيبويه أنه منادى مضاف إلى ما بعد الثاني. والثاني مقحم بين المضاف والمضاف إليه. وعلى هذا قال بعضهم: يكون نصب الثاني على التوكيد وثانيها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جمع يعملة وهي الناقة القوية الحمولة. والذبل جمع ذابل بمعنى الضامر كركع جمع راكع ا. هـ. زكريا وعبارة القاموس وهي الناقة الشديدة النجيبة المعتملة المطبوعة على العمل, والجمل يعمل ولا يوصف بهما إنما هما اسمان ا. هـ. ولو قال زكريا جمع ذابلة كما عبر الشمني لكان أنسب باليعملات.
قوله: "لأنه منادى مضاف" فهو بتقدير يا والفرق بين هذا والبدل أن هذا يجوز معه ذكر حرف النداء, ولا يجوز ذلك في البدل, وإن قيل إنه على تقدير تكرار العامل إذ هو عند ذلك القائل كالتقدير المعنوي الذي لا يتكلم به.
شاطبي. قوله: "أو توكيد" قاله المصنف. قال أبو حيان: ولم يذكره أصحابنا؛ لأنه لا معنوي وهو ظاهر ولا لفظي لاختلاف جهتي التعريف؛ لأن الأول معرف بالعلمية أو النداء والثاني بالإضافة؛ لأنه لم يضف حتى سلب تعريف العلمية ا. هـ. قال ابن هشام: وثم مانع أقوى من ذلك وهو اتصال الثاني بما لم يتصل به الأول. قال سم: ولا يخفى أن كلا الأمرين إنما يرد على المصنف إذا سلم أنه مانع وإلا فقد يتمسك بظاهر تعريف التوكيد اللفظي فإنه صادق مع اختلاف جهتي التعريف ومع اتصال الثاني بما لم يتصل به الأول. قوله: "وتأول فيه الاشتقاق" أي: جعله مشتقا بتأوله بالمنسوب إلى الأوس وضعفه الشاطبي بأن النعت بالجامد على تأوله بالمشتق موقوف على السماع.
قوله: "والثاني مقحم" أي: زائد بناء على جواز إقحام الأسماء وأكثرهم يأباه وعلى جوازه ففيه فصل بين المتضايفين وهما كالشيء الواحد, وكان يلزم أن ينون الثاني لعدم إضافته ا. هـ. تصريح وعليه ففتحته غير إعراب؛ لأنها غير مطلوبة لعامل بل فتحته اتباع فيما يظهر، وإن كان يرد عليه أن بين المتبع والمتبع له حاجزًا حصينًا، لكن صرح الشارح بأن نصب الثاني توكيد ويوافقه تفسير الحفيد الإقحام بالتأكيد اللفظي, وعلى هذا فالفتحة فتحة إعراب ولا يبعد أن الفصل بالثاني مغتفر؛ لأنه كلا فصل لاتحاد الاسمين لفظًا ومعنى وأن عدم تنوين الثاني على هذا الوجه والذي قبله للمشاكلة فيندفع قول صاحب التصريح ففيه فصل إلخ. وقوله وكان يلزم إلخ فتأمل ولا يصح إعرابه بدلًا أو عطف بيان كما كان في صورة الضم؛ لأنهما ما يكونان بعد تمام الاسم الأول والأول لا يكمل إلا بالإضافة بخلاف صورة الضم فإن الاسم الأول فيهما غير مضاف.(3/228)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو مذهب المبرد أنه مضاف إلى محذوف دل عليه الآخر، والثاني مضاف إلى الآخر ونصبه على الأوجه الخمسة، وثالثها: أن الاسمين ركبا تركيب خمسة عشر ففتحتهما فتحة بناء لا فتحة إعراب ومجموعهما منادى مضاف وهذا مذهب الأعلم.
تنبيهات: الأول صرح في الكافية بأن الضم أمثل الوجهين، الثاني: مذهب البصريين أنه لا يشترط في الاسم المكرر أن يكون علمًا بل اسم الجنس نحو: يا رجل رجل قوم والوصف نحو: يا صاحب صاحب زيد كالعلم فيما تقدم، وخالف الكوفيون في اسم الجنس فمنعوا نصبه وفي الوصف فذهبوا إلى أنه لا ينصب إلا منونًا نحو: يا صاحبًا صاحب زيد، الثالث: إذا كان الثاني غير مضاف نحو: يا زيد زيد جاز ضمه بدلًا، ورفعه ونصبه عطف بيان على اللفظ أو المحل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "إلى محذوف" أي: مماثل لما أضيف إليه الثاني. قوله: "ونصبه" أي: الثاني على الأوجه الخمسة بل الستة وهي أن يكون منادى مستأنفًا أو منصوبًا بأعني أو عطف بيان أو بدلًا أو توكيدًا أو نعتًا وكأنه لم ينظر إلى السادس لضعفه. قوله: "أن الاسمين ركبا" قيل فيه تكلف تركيب ثلاثة أشياء ولا وجه له إذ المركب شيئان فقط قاله في التصريح, وقال الفارسي: الاسمان مضافان للمذكور وهو ضعيف لما فيه من توارد عاملين على معمول واحد. قوله: "ففتحتهما فتحة بناء" فيه أن فتحة الأول على القول بالتركيب فتحة بنية ويمكن تصحيح عبارته بأن المراد ففتحة مجموعهما الذي هو المركب وفتحته هي فتحة آخره, ولو قال ففتحة الثاني فتحة بناء لكان واضحًا. ثم هذا القول لا يشمله قول المصنف ينتصب ثان إلا أن يراد بالنصب ما يعم فتحة الإعراب وغيره. قوله: "أمثل الوجهين" أي: أحسنهما وأشار هنا إلى أمثليته بتقديمه. قوله: "بل اسم الجنس" مبتدأ خبره كالعلم.
قوله: "وخالف الكوفيون إلخ" عبارة الهمع وخالف الكوفيون فأوجبوا في اسم الجنس ضم الأول وفي الوصفين ضمه بلا تنوين أو نصبه منونًا. قوله: "جاز ضمه بدلًا" نقله المصنف عن الأكثر ورده بأنه لا يتحد لفظ بدل ومبدل منه إلا ومع الثاني زيادة بيان, وجوز الدماميني أن يكون منادى ثانيًا وأن يكون تأكيدًا لفظيا وقوله ضمه بدلًا أي: بناؤه على الضم ومن لازمه عدم التنوين. قوله: "عطف بيان" رده المصنف في شرح الكافية فقال: إنه توكيد على اللفظ أو المحل لا عطف بيان كما يقول أكثر النحويين؛ لأن الشيء لا يبين نفسه. قوله: "على اللفظ أو المحل" لف ونشر مرتب.(3/229)
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم:
واجعل مُنادًى صَحَّ إن يُضَفْ لِيَا ... كعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عبْدا عَبْدِيَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم:
"واجعل منادى صح" آخره "إن يضف ليا" المتكلم "كعبد عبدي عبد عبدا عبديا" والأفصح والأكثر من هذه الأمثلة الأول وهو حذف الياء والاكتفاء بالكسرة نحو: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 16] ، ثم الثاني: وهو ثبوتها ساكنة نحو: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} [الزخرف: 68] ، والخامس: وهو ثبوتها مفتوحة نحو: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الزمر: 53] ، وهذا هو الأصل، ثم الرابع: وهو قلب الكسرة فتحة والياء ألفًا نحو: {يَا حَسْرَتَا} [يس: 30] . وأما المثال الثالث وهو حذف الألف والاجتزاء بالفتحة فأجازه الأخفش والمازني والفارسي كقوله:
927- ولستُ براجِعٍ ما فات مِنِّي ... بلَهْفَ ولا بليتَ ولا لو انِّي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم:
أفرده بترجمة؛ لأن له أحكامًا تخصه, وتقدم أن الأصل في ياء المتكلم قيل السكون, وقيل الفتح وجمع بأن السكون أصل أوّل إذ هو الأصل في كل مبني والفتح أصل ثان إذ هو الأصل فيما وضع على حرف واحد. قوله: "صح آخره" بأن يكون آخره حرفًا غير لين أو لينًا قبله ساكن كدلو وظبي وهذا القيد يخرج نحو: مسلمي تثنية وجمعًا وجوز العصام حذف يائه لدلالة ياء التثنية والجمع على الإضافة وعدم التباسه بالمفرد عند الحذف, قال سم: وفيه نظر في الجمع لالتباسه حينئذٍ بالمفرد في صورة اثبات يائه ساكنة ا. هـ. ويشترط مع ما ذكره المصنف أن يكون غير وصف مشبه للفعل كما سيأتي. قوله: "عبدًا" ينبغي أن يكون منصوبًا بفتحة مقدرة على الدال لا بالفتحة الموجودة؛ لأنها لأجل الألف سم. قوله: "وهو حذف الياء والاكتفاء بالكسرة" نقل البعض عن الحفيد أنه قيد ذلك بأن يشتهر الاسم بالإضافة إلى الياء أولًا, فلا يقال في يا عدوي: يا عدو؛ لأنه لا دلالة على الياء. والذي في التوضيح وشرحه إنما هو اشتراط الاشتهار بالإضافة في الوجه السادس وهو الضم وهذا هو المتجه فافهم.
قوله: "والخامس" عطفه على الثاني بالواو إشارة إلى أنهما في مرتبة للقول بالأصالة في كل، وجعل السيوطي السكون أفصح من الفتح, ولعل وجهه أن السكون أخف من الفتح. قوله: "والياء ألفًا" أي: لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ لأن الألف أخف من الياء ا. هـ. تصريح. والظاهر أن هذه الألف اسم؛ لأنها منقلبة عن اسم وينبغي أن يحكم بأنها مضاف إليه, وأنها في محل جر سم.
قوله: "وهو حذف الألف" فيه جمع بين حذف العوض والمعوض وهو لا يجوز، ويجاب بأنها بدل الياء
__________
927- البيت من الوافر، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 63، 179؛ والإنصاف 1/ 390؛ وأوضح المسالك 4/ 37؛ وخزانة الأدب 1/ 131؛ والخصائص 3/ 135؛ ورصف المباني ص288؛ وسر صناعة الإعراب 1/ =(3/230)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أصله بقولي يا لهفا. ونقل عن الأكثرين المنع. قال في شرح الكافية وذكروا أيضًا وجهًا سادسًا وهو الاكتفاء عن الإضافة بنيتها وجعل الاسم مضمومًا كالمنادى المفرد. ومنه قراءة بعض القراء: "رَبُّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ" [يوسف: 33] ، وحكى يونس عن بعض العرب: يا أم لا تفعلي وبعض العرب يقولون: يا رب اغفر لي ويا قوم لا تفعلوا. أما المعتل آخره ففيه لغة واحدة وهي ثبوت يائه مفتوحة نحو: يا فتاي ويا قاضي.
تنبيهان: الأول ما سبق من الأوجه هو فيما إضافته للتخصيص كما أشعر به تمثيله، أما الوصف المشبه للفعل فإن ياءه ثابتة لا غير، وهي إما مفتوحة أو ساكنة نحو: يا مكرمي ويا ضاربي. الثاني: قال في شرح الكافية: إذا كان آخر المضاف إلى ياء المتكلم ياء مشددة كبني, قيل يا بني أو يا بني لا غير فالكسر على التزام حذف ياء المتكلم فرارًا من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفرق بين الإبدال والتعويض سم. على أنه قد يمنع عدم الجواز بدليل وأقام الصلاة وأجاب إجابًا.
قوله: "ونقل عن الأكثرين المنع" أي: ولا دلالة في البيت على الجواز لاحتمال أن المراد بهذه اللفظة ولا نداء. قوله: "وجهًا سادسًا" يظهر أن قائله يحذف الياء والكسرة ثم يعامله معاملة الاسم المفرد فيضم آخره ضمة مشاكلة للمفرد المبني فهو منصوب تقديرًا بفتحة مقدرة منع من ظهورها ضمة المشاكلة. وتعرفه بالإضافة المنوية كما اختاره المصنف لا محلا. وتعرفه بالقصد كما قيل, وإلا لم يكن لغة في المضاف. قال أبو حيان: والظاهر أن حكمه في الاتباع حكم المبني على الضم غير المضاف لا حكم المضاف للياء ا. هـ. أي: إنه يجوز في تابعه الوجهان وهو لا يظهر على أن تعرفه بالإضافة المنوية ونصبه مقدر فإن مقتضاه عدم جواز الوجهين في تابعه, وقد يوجه ما قاله أبو حيان, وإن قلنا تعرفه بالإضافة المنوية ونصبه مقدر بأنه عومل معاملة المفرد فأعطى حكمه, وإن لم يكن منه حقيقة أفاده سم, قال في التصريح وإنما يأتي هذا الوجه السادس فيما يكثر نداؤه مضافًا كالرب تعالى والأب والأم والابن حملًا للقليل على الكثير.
قوله: "أما المعتل آخره" بأن يكون آخره حرفًا لينًا قبله حركة مجانسة له وأما ما حذف لامه كأخ فلا ترد لامه خلافًا للمبرد, ووقع في عبارة البعض هنا خلل فاحذره. قوله: "وهي ثبوت يائه مفتوحة" وتسكين ورش محياي من إجراء الوصل مجرى الوقف. قوله: "فيما إضافته للتخصيص" كان الأولى للتعريف والمراد فيما إضافته محضة بقرينة المقابلة. قوله: "المشبه للفعل" أي: المضارع في كونه بمعنى الحال أو الاستقبال. قوله: "فإن ياءه ثابتة لا غير" قد يوجه بشدة طلبه لها لكونه عاملًا يشبه الفعل. قوله: "وهي إما مفتوحة أو ساكنة" أي: إن لم يكن الوصف مثنى أو مجموعًا على حده وإلا تعين الفتح نحو: يا ضاربي ويا ضاربي. قوله: "كبني"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= 521، 2/ 728؛ وشرح عمدة الحافظ ص512؛ وشرح قطر الندى ص205؛ ولسان العرب 9/ 321 "لهف"؛ والمحتسب 1/ 277؛ والمقاصد النحوية 4/ 248؛ والمقرب 1/ 181، 2/ 201؛ والممتع في التصريف 2/ 622.(3/231)
وفَتْحٌ أو كَسْرٌ وحَذْفُ اليا اسْتَمَرّ ... في يابن أمِّ يابنَ عَمِّ لا مَفَرّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
توالي الياآت مع أن الثالثة كان يختار حذفها قبل ثبوت الثنتين, وليس بعد اختيار الشيء إلا لزومه. والفتح على وجهين: أحدهما أن تكون ياء المتكلم أبدلت ألفًا ثم التزم حذفها؛ لأنها بدل مستقل. الثاني: أن ثانية ياءي بني حذفت ثم أدغمت أولاهما في ياء المتكلم ففتحت؛ لأن أصلها الفتح كما فتحت في يدي ونحوه ا. هـ. وقد تقدمت بقية الأحكام في باب المضاف إلى ياء المتكلم "وفتح أو كسر وحذف اليا" والألف تخفيفًا لكثرة الاستعمال "استمر في" قولهم "يابن أم" ويا ابنة أم و"يابن عم" ويا ابنة عم "لا مفر" أما الفتح ففيه قولان: أحدهما أن الأصل أما وعما بقلب الياء ألفا فحذفت الألف وبقيت الفتحة دليلًا عليها. الثاني أنهما جعلا اسمًا واحدًا مركبًا وبني على الفتح والأول قول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: تصغير ابن وأصله بنو بفتحتين, وإذا صغرته حذفت ألف الوصل ورددت اللام المحذوفة فيبقى بنيو فتقلب الواو ياء لاجتماع الواو والياء وسبق إحداهما بالسكون وتدغم الياء في الياء، وعلى القول بأن لامه ياء يكون فيه ما عدا القلب. قوله: "قيل يا بني" بكسر الياء أو يا بني بفتحها لا غير، أورد عليه شيخنا أن فيه لغة ثالثة قرئ بها في السبع وهي إسكان الياء مخففة, ووجهه أنه حذف ياء المتكلم ثم استثقلت الياء المشددة المكسورة فحذف الياء الثانية التي هي لام الكلمة وأبقى الأولى وهي ياء التصغير ساكنة. قوله: "على التزام حذف ياء المتكلم" أي: وإبقاء الياء الثانية على كسرها لأجل ياء المتكلم. قوله: "مع أن الثالثة" كان الأوضح؛ ولأن الثالثة؛ لأن هذا تعليل آخر لالتزام الحذف. قوله: "أبدلت ألفًا" أي: بعد قلب الكسرة التي قبلها فتحة. قوله: "ثم التزم حذفها" أي: وأبقيت الفتحة دليلًا عليها. قوله: "مستثقل" أي: حرف مستثقل وهو الياء أي: وبدل الثقيل ثقيل. قوله: "ففتحت؛ لأن أصلها الفتح" وعلى القول بأن أصلها السكون يوجه الفتح بأنه احتيج للتحريك؛ لئلا يلتقي ساكنان والفتح أخف سم. قوله: "بقية الأحكام" أي: بقية أحكام المضاف المذكور ككسر آخره وجوبًا إذا لم يكن واحدًا من الأمور الأربعة المتقدمة في قوله:
آخر ما أضيف لليا اكسر إذا
لم يك معتلًا إلخ وسلامة الألف مطلقًا إلى آخر ما مر أي: فلا نعيد تلك الأحكام هنا. قوله: "وفتح أو كسر" أي: للميم وأجاز قوم ضمها أيضًا سم. قوله: "وحذف اليا" أي: مع الكسر والألف أي: مع الفتح ففيه مع ما قبله لف ونشر مشوش لكن حذف الألف, إنما يأتي على قول الكسائي الآتي ومن وافقه لا على قول سيبويه والبصريين فلهذا أسقطه المصنف. قوله: "استمر" أي: اطرد، وفي نسخة اشتهر وأفرد الضمير مع رجوعه إلى الفتح أو الكسر وحذف الياء على التأول بالمذكور أو على حذف خبر أحد المتعاطفين لدلالة الآخر. قوله: "ويا ابنة عم" في التصريح أن بنتا كابنة.
قوله: "فحذفت الألف وبقيت الفتحة" قد تقدم منع الجمهور لهذا في غير هذه الصورة(3/232)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكسائي والفراء وأبي عبيدة وحكي عن الأخفش, والثاني قيل هو مذهب سيبويه والبصريين, وأما الكسر فظاهر مذهب الزجاج وغيره أنه مما اجتزى فيه بالكسرة عن الياء المحذوفة من غير تركيب. قال في الارتشاف: وأصحابنا يعتقدون أن: ابن أم وابنة أم وابن عم وابنة عم حكمت لها العرب بحكم اسم واحد وحذفوا الياء كحذفهم إياهم من أحد عشر إذا أضافوه إليها. وأما إثبات الياء والألف في قوله:
928- يابْنَ أُمِّي ويا شُقَيِّقَ نَفسِي
وقوله:
929- يا ابْنَةَ عَمَّا لا تلُومِي واهْجَعِي
فضرورة. أما ما لا يكثر استعماله من نظائر ذلك نحو: يابن أخي ويا ابن خالي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نحو: يا عبد وهم لا يمنعون ذلك هنا, والفرق ثبوت السماع الصحيح هنا سم, وقوله: قد تقدم أي: في قول الشارح ونقل عن الأكثرين المنع. قوله: "والثاني أنهما" أي: ابنا وما بعده. قوله: "وبني" أي: المجموع على الفتح فيكون نحو: يابن أم مبنيا على ضم مقدر كخمسة عشر، ونقل السيوطي عن الرضي أن مجموع الكلمتين مع تركيبهما وفتحهما مضاف إلى الياء المحذوفة. قوله: "من غير تركيب" هذا هو محل مخالفة ظاهر مذهب الزجاج لما في الارتشاف. قوله: "قال في الارتشاف إلخ" هذا مقابل قوله فظاهر مذهب الزجاج إلخ. قوله: "وحذفوا الياء" أي: وأبقوا الكسرة دليلًا عليها؛ لأن الكلام في الكسر. قوله: "ويا شقيق" تصغير شقيق. قوله: "فضرورة" وقال بعضهم: هما لغتان قليلتان, قيل وقلب الياء ألفًا أجود من إثباتها وإذا ثبتت الياء ففيها وجهان الإسكان والفتح فالحاصل خمسة أوجه، ونص بعضهم على أن الخمسة لغات، ومر قريبًا لغة سادسة وهي الضم. قوله: "فالياء فيه ثابتة لا غير" ساكنة أو مفتوحة ولا يجوز حذفها لبعدها عن المنادى تصريح أي: مع عدم سماع حذفها في غير يابن أم يا ابن عم فلا يرد أن البعد موجود فيهما أيضًا.
__________
928- عجزه:
أنت خلَّفْتني لدَهْرِ شديد
والبيت من الخفيف، وهو لأبي زبيد في ديوانه ص48؛ والدرر 5/ 57؛ وشرح التصريح 2/ 179؛ والكتاب 2/ 213؛ ولسان العرب 10/ 182 "شقق"؛ والمقاصد النحوية 4/ 222؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 40؛ وشرح قطر الندى ص207؛ وشرح المفصل 2/ 12؛ والمقتضب 4/ 250؛ وهمع الهوامع 2/ 54.
929- الرجز لأبي النجم في خزانة الأدب 1/ 364؛ والدرر 5/ 58؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 440؛ وشرح التصريح 2/ 179؛ وشرح المفصل 2/ 12؛ والكتاب 2/ 214؛ ولسان العرب 12/ 424 "عمم"؛ والمقاصد النحوية 4/ 224؛ ونوادر أبي زيد ص19؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 41؛ ورصف المباني ص159؛ وشرح قطر الندى ص208؛ والمقتضب 4/ 252؛ وهمع الهوامع 2/ 54.(3/233)
وفي النِّدا أبَتِ أمَّتِ عَرَض ... واكْسِرْ أو افْتَحْ ومِنَ اليا التَّا عِوَض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالياء فيه ثابتة لا غير، ولهذا قال في يابن أم يابن عم ولم يقل في نحو: يابن أم يابن عم.
تنبيه: نص بعضهم على أن الكسر أجود من الفتح وقد قرئ: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ} [طه: 94] بالوجهين "وفي الندا" قولهم يا "أبت" ويا "أمت" بالتاء "عرض" والأصل يا أبي ويا أمي "واكسر أو افتح ومن اليا التا عوض" ومن ثم لا يكادان يجتمعان، ويجوز فتح التاء وهو الأقيس وكسرها وهو الأكثر، وبالفتح قرأ ابن عامر وبالكسر قرأ غيره من السبعة.
تنبيهات: الأول فهم من كلامهم فوائد: الأولى أن تعويض التاء من ياء المتكلم في أب وأم لا يكون إلا في النداء. الثانية أن ذلك مختص بالأب والأم. الثالثة أن التعويض فيهما ليس بلازم فيجوز فيهما ما جاز في غيرهما من الأوجه السابقة فهم ذلك من قوله: عرض. الرابعة منع الجمع بين التاء والياء؛ لأنها عوض عنها وبين التاء والألف؛ لأن الألف بدل من الياء. وأما قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ولهذا قال في يابن أم يابن عم" ولا يرد يا ابنة أم يا ابنة عم؛ لأن ابنة هي ابن بزيادة التاء. قوله: "وفي الندا أبت أمت عرض" وكل منهما منصوب؛ لأنه معرب فإنه من أقسام المضاف بفتحة مقدرة على ما قبل التاء منع من ظهورها اشتغال المحل بالفتحة لأجل التاء؛ لاستدعائها فتح ما قبلها لا على التاء؛ لأنها في موضع الياء التي يسبقها إعراب المضاف إليها سم. قوله: "ومن الياء التا عوض" إنما عوض تاء التأنيث عن الياء إذا أضيف إليها الأب أو الأم؛ لأن كلا منهما مظنة التفخيم والتاء تدل عليه كما في علامة ا. هـ. حفيد. ووجهه في الكشاف بأن تاء التأنيث وياء الإضافة متناسبتان في أن كلا منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره, وفيما ذكر تصريح بأن التاء حرف لا اسم إذ لم تنقلب الياء إليها بخلاف الألف في نحو: يا عبدًا كما مر بيانه.
قوله: "ويجوز فتح التاء إلخ" كان الأولى والفتح أقيس والكسر أكثر؛ لأن جواز كل مستفاد من عبارة المصنف. قوله: "وهو الأقيس" لأن التاء عوض عن الياء وحركتها الفتح وتحركها بحركة أصلها هو الأصل ا. هـ. حفيد. قوله: "وهو الأكثر" أي: لأن الكسر عوض عن الكسر الذي كان يستحقه ما قبل الياء وزال حين مجيء التاء؛ لأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحًا. قوله: "لا يكون إلا في النداء" أخذ الحصر من تقديم الجار والمجرور. قوله: "مختص بالأب والأم" أي: لأنه لم يقل نحو: أبت أمت. قوله: "من الأوجه السابقة" أي: في المنادى المضاف لياء المتكلم. قوله: "فهم ذلك من قوله: عرض" نظر فيه سم بأن العروض لا ينافي اللزوم, وقد يقال شأن العارض عدم اللزوم. قوله: "وبين التاء والألف" مشى ابن الحاجب على جواز الجمع بينهما؛ لأنه جمع بين عوضين بخلاف ما قبله سم أي: فإن فيما قبله جمعا بين العوض والمعوض عنه وفي(3/234)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
930- أَيَا أَبَتِي لا زِلت فِينا فإنَّما ... لنَا أَمَلٌ في العيشِ ما دُمتَ عائِشا
فضرورة, وكذا قوله:
931- يا أَبَتا َعَلَّكَ أو عَسَاكَا
وهو أهون من الجمع بين التاء والياء لذهاب صورة المعوض عنه. وقال في شرح الكافية الألف فيه هي الألف التي يوصل بها آخر المنادى إذا كان بعيدًا أو مستغاثًا به أو مندوبًا، وليست بدلًا من ياء المتكلم، وجوز الشارح الأمرين. الثاني: اختلف في جواز ضم التاء في يا أبت ويا أمت فأجازه الفراء وأبو جعفر النحاس، ومنعه الزجاج، ونقل عن الخليل أنه سمع من العرب من يقول: يا أبت ويا أمت بالضم، وعلى هذا فيكون في ندائهما عشر لغات: الست السابقة في نحو: يا عبد، وهذه الأربعة, أعني تثليث التاء والجمع بينهما وبين الألف في نحو: يا أبتا على ما مر. الثالث: يجوز إبدال هذه التاء هاء وهو يدل على أنها تاء التأنيث قال في التسهيل وجعلها هاء في الخط والوقف جائز، وقد قرئ بالوجهين في السبع, ورسمت في المصحف بالتاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: بين عوضين تغليب؛ لأن الألف بدل عن الياء لا عوض عنها كما مر, ووقع للبعض خطأ فاحش في تقرير مذهب ابن الحاجب فانظره. قوله: "التي يوصل بها آخر المنادى إلخ" أي: بناء على القول بجواز ذلك في المنادى البعيد والمستغاث والمندوب.
قوله: "وجوز الشارح الأمرين" أي: كونها عوضًا عن الياء وكونها التي يوصل بها آخر المنادى. قوله: "على ما مر" أي: على القول الذي مر عن شرح الكافية أن هذه الألف هي التي يوصل بها آخر المنادى المتقدم وليست بدلًا عن ياء المتكلم, لا على القول بأنها بدل عن ياء المتكلم؛ لأن الجمع على هذا ضرورة كالجمع بين الياء والتاء لا لغة حتى تعد في اللغات, وإلا كانت إحدى عشرة لغة بزيادة الجمع بين الياء والتاء, وبهذا يعرف ما في كلام البعض. قوله: "إبدال هذه التاء هاء" أي: في الوقف. قوله: "على أنها تاء التأنيث" أي: بحسب الأصل. قوله: "ورسمت في المصحف بالتاء" أي: فرسمها بالتاء أولى كما قاله الدماميني.
__________
930- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في شرح التصريح 2/ 178؛ والمقاصد النحوية 4/ 251.
931- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص181؛ وخزانة الأدب 5/ 362، 367، 368؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 164؛ وشرح شواهد المغني 1/ 433؛ وشرح المفصل 7/ 123، 2/ 90؛ والكتاب 2/ 375؛ والمقاصد النحوية 4/ 252؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 336؛ والإنصاف 1/ 222؛ والجنى الداني ص446، 470؛ والخصائص 2/ 96؛ والدرر 2/ 159؛ ورصف المباني ص29، 249، 355؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 406، 2/ 493، 502؛ وشرح المفصل 2/ 12، 3/ 118، 120، 8/ 78، 9/ 33؛ واللامات ص135؛ ولسان العرب 14/ 349 "روي"؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص130؛ والمقتضب 3/ 71؛ ومغني اللبيب 1/ 151، 2/ 699؛ وهمع الهوامع 1/ 132.(3/235)
أسماء لازمت النداء:
وَفُلُ بعض ما يخصُّ بالنِّدا ... لُؤمانْ نَومانُ كذا واطَّرَدَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أسماء لازمت النداء:
"وفل بعض ما يخص بالندا" أي: لا يستعمل في غير النداء, ويقال للمؤنثة: يا فلة, واختلف فيهما فمذهب سيبويه أنهما كنايتان عن نكرتين، ففل كناية عن رجل وفلة كناية عن امرأة، ومذهب الكوفيين أن أصلهما فلان وفلانة فرخما، ورده الناظم بأنه لو كان مرخمًا لقيل فيه فلا ولما قيل في التأنيث فلة. وذهب الشلوبين وابن عصفور وصاحب البسيط إلى أن فل وفلة كناية عن العلم نحو: زيد وهند بمعنى فلان وفلانة، وعلى ذلك مشى الناظم وولده. قال الناظم في شرح التسهيل وغيره: أن يا فل بمعنى يا فلان ويا فلة بمعنى يا فلانة، قال: وهما الأصل فلا يستعملان منقوصين في غير نداء إلا في ضرورة فقد وافق الكوفيين في أنهما كناية عن العلم, وأن أصلهما فلان وفلانة، وخالفهم في الترخيم ورده بالوجهين السابقين و"لؤمان" بالهمز وضم اللام، وملأم وملأمان بمعنى عظم اللؤم
وـــــــــــــــــــــــــــــ
أسماء لازمت النداء:
يجوز كون لازمت فعلًا ماضيًا كضاربت وكونه اسم فاعل كضاربة مضافًا إلى النداء أو منونًا ناصبًا النداء على المفعولية سم. قوله: "بعض ما يخص بالنداء" أشار إلى أن هناك ألفاظًا أخر تختص بالنداء كأبت وأمت. قوله: "أي: لا يستعمل في غير النداء" أشار به إلى أن الباء داخلة على المقصور عليه. قوله: "عن نكرتين" أي: من جنس الإنسان لا مطلقًا. قوله: "بأنه لو كان" أي: المذكور من فل وفلة مرخمًا أي: مرخم فلان وفلانة لقيل فيه أي: في بعضه وهو فل بقرينة ما بعده فلا؛ لأنه لا يحذف في الترخيم مع الآخر ما قبله من حرف مد زائد إلا إذا كان المرخم خماسيا فصاعدًا وفلان على أربعة أحرف فحق ترخيمه يا فلا. وقوله: ولما قيل في التأنيث فلة أي: بل كان يقال فلان, وكان الأخصر والأوضح أن يقول: ورده الناظم بأنهما لو كانا مرخمين لقيل في الأول فلا وفي الثاني فلان.
قوله: "وذهب الشلوبين إلخ" الفرق بين هذا المذهب ومذهب الكوفيين مع أنهما كنايتان عن العلم عند الكوفيين, أيضًا اعتبار الترخيم عندهم دون الشلوبين ومن معه. قوله: "كناية عن العلم" أي: الشخصي لمن يعقل وكأن الظاهر كنايتان. قوله: "وهما الأصل" المراد بالأصل هنا وفي قوله الآتي وأن أصلهما فلان وفلانة ما كانا عليه قبل تخفيفهما بحذف الألف والنون لا بالترخيم, والحاصل أن الشلوبين والناظم ومن وافقهما يقولون هما كنايتان عن العلم وأصلهما فلان وفلانة فدخلهما مجرد الحذف تخفيفًا لا ترخيمًا. والكوفيون يقولون هما كنايتان عن العلم وأصلهما فلان وفلانة فدخلهما خصوص الترخيم. وبهذا تعلم أن قول البعض فيما كتبه قبيل(3/236)
في سَبِّ الانْثَى وَزْنُ يا خَباثِ ... والأَمْرُ هكذا مِنَ الثلاثِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"نومان" بفتح النون بمعنى كثير النوم "كذا" أي: مما يختص بالنداء.
تنبيهان: الأول الأكثر في بناء مفعلان نحو: ملأمان أن يأتي في الذم، وقد جاء في المدح نحو: يا مكرمان حكاه سيبويه والأخفش، ويا مطيبان. وزعم ابن السيد أنه يختص بالذم, وأن مكرمان تصحيف مكذبان وليس بشيء. الثاني: قال في شرح الكافية: إن هذه الصفات مقصورة على السماع بإجماع وتبعه ولده، وهو صحيح في غير مفعلان فإن فيه خلافًا، أجاز بعضهم القياس عليه فتقول: يا مخبثان وفي الأنثى يا مخبثانة "واطردا في سب الأنثى وزن" يا فعال نحو: "يا خباث" يا لكاع يا فساق وأما قوله:
932- أُطَوِّفُ ما أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي ... إلى بيت قَعِيدتُهُ لَكاعِ
فضرورة "والأمر هكذا" أي: اسم فعل الأمر مطرد "من الثلاثي" عند سيبويه نحو:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الخاتمة أن مادة فلان مخالفة لمادة فل عند المصنف, كما أن الأمر كذلك على مذهب سيبويه الصحيح فيه نظر. قوله: "بالهمز" أي: الساكن. قوله: "أي: مما يختص بالنداء" بيان لوجه الشبه. قوله: "يا مكرمان" بفتح الراء زكريا، وهو العزيز المكرم. دماميني. قوله: "تصحيف مكذبان" أي: تحريفه وسماه تصحيفًا لقربه من التصحيف لقرب رسم الدال من رسم الراء وقرب رسم الباء من رسم الميم المخلوطة بما بعدها. قوله: "وليس بشيء" مع أنه يبقى عليه مطيبان إلا أن يمنع وروده.
قوله: "مقصورة على السماع" ويؤخذ ذلك من تعبيره بالاطراد فيما بعدها دونها. قوله: "وهو" أي: الاجماع. قوله: "فتقول يا مخبثان إلخ" قضيته عدم سماع مخبثان ويعكر عليه قول الهمع الذي سمع منه أي: من مفعلان ستة ألفاظ: مكرمان وملأمان ومخبثان وملكعان ومطيبان ومكذبان. قال: وحكى ابن سيده رجل مكرمان وملأمان وامرأة ملأمانة فمنهم من أجاز استعماله في غير النداء بقلة وخرجه أبو حيان على إضمار القول وحرف النداء, والأصل رجل مقول فيه يا مكرمان. قوله: "وزن يا فعال" أي: موازن ثاني يا فعال وكذا يقال في قوله الآتي: وشاع في سب الذكور وزن يا فعل وفي الإتيان بيا هنا, وفيما يأتي إشارة إلى اختصاص سب الأنثى والذكور المذكورين بالنداء. قوله: "قعيدته" سميت امرأة الرجل قعيدة للزومها البيت لكاع أي: خسيسة.
قوله: "فضرورة" وقيل التقدير: قعيدته يقال لها يا لكاع. قوله: "والأمر هكذا إلخ" وجه ذكره هنا مناسبته لنحو: خباث المتعلق بما هنا في وزنه وبنائه على الكسر وشروطه سم أي: فذكره هنا من باب الاستطراد وقوله: هكذا أي:
كخباث في الوزن لا في النداء. قوله: "أي: اسم فعل
__________
932- البيت من الوافر، وهو للحطيئة في ملحق ديوانه ص156، وجمهرة اللغة ص662؛ وخزانة الأدب 2/ 404، 405؛ والدرر 1/ 254؛ وشرح التصريح 2/ 180؛ وشرح المفصل 4/ 57؛ والمقاصد النحوية 1/ 473، 4/ 229؛ ولأبي الغريب النصري في لسان العرب 8/ 323 "لكع"؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 45؛ والدرر 3/ 39؛ وشرح شذور الذهب ص120؛ وشرح ابن عقيل ص76؛ والمقتضب 4/ 238؛ وهمع الهوامع 1/ 82، 178.(3/237)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نزال وتراك من نزل وترك.
تنبيهان: الأول أهمل الناظم من شروط القياس على هذا النوع أربعة شروط: الأول أن يكون مجردًا فأما غير المجرد فلا يقال منه إلا ما سمع نحو: دراك من أدرك. الثاني: أن يكون تاما فلا يبنى من ناقص. الثالث: أن يكون متصرفًا. الرابع: أن يكون كامل التصرف فلا يبنى من يدع ويذر. الثاني ادعى سيبويه سماعه من غير الثلاثي شذوذًا كقرقار من قرقر في قوله:
933- قالت له رِيحُ الصّبا قَرْقار
وعرعار من عرعر في قوله:
934- يَدْعُو وَلِيدهمْ بها عَرْعارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر" أي: فكلامه على حذف مضافين وقول شيخنا: فكلامه على حذف مضاف أي: ودال الأمر هو مع كونه لا يناسب صنيع الشارح يرد عليه أن دال الأمر أعم من اسم فعل الأمر.
قوله: "من الثلاثي" جعله الشارح مختصا بقوله: والأمر هكذا, مع أنه يعود لما قبله أيضًا فالوجه تعليقه باطرد سم, وعليه فالأمر معطوف على وزن وهكذا حال وعلى صنيع الشارح الأمر مبتدأ هكذا حال ومطرد خبر أو هكذا خبر أول ومطرد خبر ثان. قوله: "عند سيبويه" وقال المبرد: هو مسموع فلا يقال قوام ولا قعاد في قم واقعد, إذ ليس لأحد أن يبتدع صيغة لم تقلها العرب.
قال الأندلسي: ومنع المبرد قوي، فالأولى أن يتأول قول سيبويه هو مطرد على أنه أراد بالاطراد الشياع ا. هـ. دماميني وفي التوضيح مع شرحه والمبرد لا يقيس فيهما أي: في فعال سبا وفعال أمرًا أي: فلا يقال يا قباح قياسًا على فساق ولا قعاد قياسًا على نزال ا. هـ. ومنه يعلم أن الخلاف بين سيبويه والمبرد في فعال سبا وفعال أمرًا, والموافق لهذا أن يجعل قول الشارح عند سيبويه متعلقًا باطرد في كلام المتن ومطرد في كلام الشارح على التنازع وإن كان الأقرب إلى صنيع الشارح تعلقه بمطرد في كلامه فعلم ما في قول البعض أن عند سيبويه متعلق باطرد. قوله: "على هذا النوع" قال البعض: أي: على ما ورد منه أو المراد في هذا النوع وهو اسم الفعل ا. هـ. وهو موافق لقول شيخنا أي: نوع نزال ا. هـ. وقال شيخنا السيد: قوله: على هذا النوع أي: وكذا ما قبله أو يراد بالنوع ما هو على وزن فعال منادى أو اسم فعل ا. هـ. وهذا هو الموافق لما في التوضيح وشرحه فانظره.
قوله: "أن يكون مجردًا" أي: عن الزوائد, وفيه أن هذا معلوم من اشتراط المصنف كونه ثلاثيا؛ لأن الثلاثي عند النحاة لا يشمل المزيد. قوله: "متصرفًا" فخرج نحو: نعم وبئس. قوله: "ادعى سيبويه سماعه" أي: سماع اسم فعل الأمر المبني على الكسر لا بقيد كونه على وزن فعال. قوله: "كقرقار" أي:
صوت وعرعار أي: العب. قوله: "يدعو وليدهم" أي: صغيرهم بها عرعار
__________
933- الرجز لأبي النجم في خزانة الأدب 6/ 307، 309؛ ولسان العرب 5/ 89 "قرر"؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 4/ 51؛ والكتاب 3/ 276؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص77.
934 صدره:
مُتَكنِّفي جَنْبَي عكاظ كِلَيهما
والبيت من الكامل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص56؛ وخزانة الأدب 6/ 312؛ وشرح المفصل 4/ 52؛ ولسان العرب 4/ 561 "عرر"؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص197.(3/238)
وشاعَ في سَبِّ الذكورِ فُعَلُ ... ولا تَقِسء وجُرّ في الشعْرِ فُلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقاس عليه الأخفش. ورد المبرد على سيبويه سماع اسم الفعل من الرباعي. وذهب إلى أن قرقار وعرعار حكاية صوت، وحكاه عن المازني. وحكى المازني عن الأصمعي عن أبي عمرو مثله. والصحيح ما قاله سيبويه؛ لأن لو كان حكاية صوت لكان الصوت الثاني مثل الأول نحو: غاق غاق فلما قال عرعار وقرقار فخالف لفظ الأول لفظ الثاني علم أنه محمول على عرعر وقرقر "وشاع في سب الذكور" يا "فعل" نحو قولهم: يا فسق يا لكع يا غدر يا خبث "ولا تقس" عليه بل طريقه السماع، واختار ابن عصفور كونه قياسًا ونسب لسيبويه "وجر في الشعر فل" قال الراجز:
935- في لُجَّةٍ أمْسِكْ فُلانًا عن فُلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: هلموا للعرعرة وهي لعبة الصبيان ا. هـ. فارضي. ووليد فاعل يدعو كما قاله شيخنا السيد وانظر مرجع ضمير بها. قوله: "حكاية صوت" أي: قرقار حكاية صوت الرعد، وعرعار حكاية صوت الصبيان.
قوله: "لكان الصوت الثاني" أي: لكان اسم الصوت الثاني. وقوله: مثل الأول تصدق المماثلة بأن يقال عرعر وقرقر وبأن يقال عارعار وقارقار. قوله: "علم أنه" أي: ما ذكر محمول على عرعر وقرقر بصيغة الأمر أي: دال عليه دلالة اسم الفعل على الفعل. قوله: "يا فسق إلخ" هي غير منصرفة للوصفية والعدل عن فاسق وألكع وغادر وخبيث. قوله: "يا لكع" ذكر في القاموس من معاني اللكع اللئيم والعبد والأحمق والصغير الوسخ، قيل قد يرد في غير النداء كحديث: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس في الدنيا لكع ابن لكع" وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام في الحسن بن علي رضي الله عنهما: "أين لكع" أي: الصغير. وقيل هو في الحديثين ليس من المختص بالنداء, بل هو فيهما وصف منصرف غير معدول كحطم ومؤنثه لكعة. أما المختص بالنداء فغير منصرف؛ لأنه معدول عن ألكع ومؤنثه لكاع. قوله: "بل طريقه السماع" أي: والمسموع منه الألفاظ الأربعة المذكورة.
قوله: "في لجة" متعلق بتدافع الشيب في بيت آخر. واللجة بفتح اللام اختلاط الأصوات في الحرب. وقوله: أمسك فلانًا عن فل مقول لقول محذوف أي: في لجة مقول فيها أمسك فلانًا
__________
935- الرجز لأبي النجم في جمهرة اللغة ص407؛ وخزانة الأدب 2/ 389؛ والدرر 3/ 37؛ وسمط اللآلي ص257؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 439؛ وشرح التصريح 2/ 180؛ وشرح المفصل 5/ 119؛ وشرح شواهد المغني 1/ 450؛ والصاحبي في فقه اللغة 229؛ والطرائف الأدبية ص66؛ والكتاب 2/ 248، 3/ 452؛ ولسان العرب 2/ 355 "لجج"؛ 13/ 324, 325 "فلن"؛ والمقاصد النحوية 4/ 228؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 43؛ وشرح ابن عقيل ص527؛ وشرح المفصل 1/ 48؛ والمقتضب 4/ 238؛ والمقرب 1/ 182؛ وهمع الهوامع 1/ 177.(3/239)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب أن أصل هذا فلان وأنه حذف منه الألف والنون للضرورة كقوله:
936- دَرَسَ المَنا بِمُتالِعٍ فَأبانِ
أي: درس المنازل. وليس هو فل المختص بالنداء إذ معناهما مختلف على الصحيح، كما مر أن المختص بالنداء كناية عن اسم الجنس, وفلان كناية عن علم ومادتهما مختلفة. فالمختص مادته ف ل ى فلو صغرته قلت فلى، وهذا مادته ف ل ن فلو صغرته قلت فلين، وقد تقدم بيان ما ذهب إليه المصنف.
خاتمة: يقال في نداء المجهول والمجهولة يا هن ويا هنة، وفي التثنية والجمع يا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عن فل. أي: امنع فلانًا عن فلان. يصف الشاعر إبلًا أقبلت وقد أثارت أيديها الغبار، وشبه تزاحمها ومدافعة بعضها بعضًا بقوم في لجة يدفع بعضهم بعضًا, فيقال أمسك فلانًا عن فلان أي: احجز بينهم. قوله: "والصواب إلخ" اعتراض على قول المصنف: وجرّ في الشعر فل المقتضى أن فل المجرور في الشعر هو فل المحدث عنه وهو المختص بالنداء. قوله: "درس المنا إلخ" درس عفا، ومتالع بضم الميم وبالتاء الفوقية اسم موضع، وكذلك أبان بالموحدة. تصريح. وفي القاموس أن درس يأتي لازمًا بمعنى عفا, ومتعديًا يقال درسته الريح. قوله: "أن المختص" بدل من ما مر أو بيان. وقوله: كناية عن اسم الجنس أي: على قول سيبويه. قوله: "وفلان" أي: الذي هو أصل فل الواقع في البيت مجرورًا أي: وما ثبت لفلان ثبت لفل الواقع في البيت؛ لأن أصله فلان كما مر.
قوله: "فالمختص مادته ف ل ى" أي: بالفك في هذا وما بعده كما في النسخ الصحاح على عادة أهل التصريف إذا أرادوا بيان الحروف الأصول من غير نظر إلى كونه فعلًا أو غيره. قوله: "وقد تقدم بيان ما ذهب إليه المصنف" لعله يشير بهذا إلى الجواب عن الاعتراض على المصنف المذكور بقوله: والصواب إلخ. وحاصله أن هذا التصويب إنما يظهر على مذهب سيبويه؛ لأن اختلاف المعنى والمادة الذي ذكره إنما يأتي على مذهبه دون مذهب المصنف؛ لاتحاد فل وفلان عليه معنى لكون كل عنده كناية عن العلم ومادة لكون أصل فل عنده فلانًا كما مر. وكمذهبه في الاتحاد المذكور مذهب الكوفيين. فدعوى البعض أن المادة مختلفة عند المصنف باطلة فتنبه. قوله: "في نداء المجهول" أي: المجهول اسمه. قوله: "يا هن إلخ" أي: لكن هن في الأصل كناية عن اسم الجنس وإن استعمل كثيرًا كناية عما يستقبح ذكره أو عن الفرج خاصة كما مر في مبحث الأسماء الستة.
__________
931- عجزه:
فتقادمت بالحبس فالسُّوبانِ
والبيت من الكامل، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص138؛ والدرر 6/ 308؛ وسمط اللآلي ص13؛ وشرح التصريح 2/ 180؛ وشرح شواهد الشافية ص397؛ ولسان العرب 8/ 37 "تلع"، 13/ 5 "أبن"؛ والمقاصد النحوية 4/ 246؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 44؛ وهمع الهوامع 2/ 156.(3/240)
الاستغاثة:
إذا استُغيثَ اسمٌ منادًى خُفِضا ... باللامِ مَفْتوحًا كَيا للمُرْتَضَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هنان ويا هنتان ويا هنون يا هنات، وقد يلي أواخرهن ما يلي آخر المندوب نحو: يا هناه ويا هنتاه بضم الهاء وكسرها وفي التثنية والجمع يا هنانيه ويا هنتانيه ويا هنوناه ويا هناتوه. والله أعلم.
الاستغاثة:
"إذا استغيث اسم منادى" أي: نودي ليخلص من شدة أو يعين على مشقة "خفضا" غالبًا "باللام مفتوحًا" حال من اللام "كَيا للمرتضى" وقول عمر -رضي الله عنه: يا لله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ويا هنة" بسكون النون كما في الدماميني. قوله: "ويا هنون" جمع جمع المذكر السالم شذوذًا؛ لأن مفرده ليس علمًا ولا صفة, بل لم يستكمل شروط باب سنين. قوله: "بضم الهاء وكسرها" أي: الهاء الأخيرة كما في الفارضي, فالضم تشبيهًا بهاء الضمير والكسر على أصل التقاء الساكنين. واعلم أنه سيأتي للشارح في باب الندبة أن هذه الهاء لا تثبت وصلًا بل وقفًا ساكنة وربما ثبتت في الضرورة مضمومة ومكسورة. وأجاز الفراء إثباتها وصلًا بالوجهين. فقوله: هنا بضم الهاء وكسرها أي: على مذهب الفراء أو حيث ثبتت في الوصل لضرورة نظم، وإلا فهي ساكنة. قوله: "يا هنانية ويا هنتانيه" بقلب ألف الندبة ياء فيهما لمجانسة كسر نون التثنية, وفيه البحث الآتي. قوله: "ويا هناتوه" بقلب ألف الندبة واو المناسبة ضمة التاء. وبحث فيما ذكره بأن قلب الحركة أخف من قلب الحرف. فهلا قلبت كسرة نون التثنية في يا هنانيه ويا هنتانيه فتحة حفظًا للألف؟ وهلا قلبت ضمة التاء في يا هناتوه فتحة حفظًا للألف؟ كما فعل ذلك في يا هناه ويا هنتاه. والله أعلم.
الاستغاثة:
قوله: "إذا استغيث اسم" شامل للمضاف وشبهه. وأما النكرة غير المقصودة فتردد فيها الشاطبي، وإيقاع الاستغاثة على الاسم أي: اللفظ اصطلاحي، فإن المستغاث حقيقة المعنى أي: مدلول اللفظ أو التقدير مدلول اسم ا. هـ سم. قوله: "منادى" فائدته التنبيه على أن المستغاث اصطلاحًا لا يكون إلا منادى, ولو أطلق ربما فهم خلاف ذلك أو لم يفهم ذلك سم. قوله: "أو يعين على مشقة" أي: على دفعها والتعبير بالإعانة يقتضي مشاركة المستغيث للمستغاث في الدفع فحصل التغاير بين المتعاطفين. قوله: "غالبًا" من غير الغالب ما سيأتي في قوله: ولام ما استغيث عاقبت ألف. وقول الشارح: وقد يخلو منهما. قوله: "باللام" إنما اختيرت لمناسبة معناها للاستغاثة؛ لأن لامها للتخصيص أدخلت على المستغاث دلالة على أنه مخصوص من بين أمثاله بالنداء، وكذا المتعجب منه مخصوص من بين أمثاله باستحضار غرابته. قاله الدماميني.(3/241)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فخفضه للتنصيص على الاستغاثة وفتح اللام لوقوعه موقع المضمر لكونه منادى, وليحصل بذلك فرق بينه وبين المستغاث من أجله. وإنما أعرب مع كونه منادى مفردًا معرفة؛ لأن تركيبه مع اللام أعطاه شبهًا بالمضاف. وقد فهم من النظم فوائد: الأولى أن استغاث متعد بنفسه لقوله: إذا استغيث اسم، والنحويون يقولون مستغاث به قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [الأنفال: 9] ، وقد صرح في شرح الكافية بالاستعمالين. الثانية: أن المستغاث معرب مطلقًا. الثالثة: أنه يجوز اقترانه بأل وإن كان منادى؛ لأن حرف النداء لم يباشرها، فهم ذلك من تمثيله وهو مجمع عليه.
تنبيهات: الأول يختص المستغاث من حروف النداء بيا، يرشد إلى ذلك تمثيله وقوله بعد: إن كررت يا. الثاني ما أطلقه من فتح لام المستغاث هو مع غير ياء المتكلم فأما معها فتكسر نحو: يا لي. وقد أجاز أبو الفتح في قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وقول عمر" أي: لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي قال: يا الله للمسلمين كما في الدماميني. قوله: "للتنصيص على الاستغاثة" إذ لو قيل يا زيدًا أو يا زيد احتمل التركيب غير الاستغاثة من الندبة في الأول والنداء المحض في الثاني. ويرد على كونها للتنصيص على الاستغاثة قولك: يا للعلماء متعجبًا من كثرتهم إلا أن يجعل التنصيص إضافيا أي: بالإضافة إلى الندبة والنداء المحض فتدبر. قوله: "لوقوعه موقع المضمر" أي: الذي تفتح معه اللام فلا ترد ياء المتكلم، أو مراده بالمضمر كاف الخطاب؛ لأنها التي يقع موقعها المنادى. وقيل؛ لأن اللام بقية آل كما سيأتي. قوله: "لكونه منادى" أي: والمنادى واقع موقع الكاف. قوله: "وبين المستغاث من أجله" شامل للمنتصر عليه والمنتصر له. قوله: "أعطاه شبهًا بالمضاف" أي: لأن اللام ومجرورها كلمتان كالمتضايفين؛ أو لأن اللام أضافت معنى الفعل إلى مجرورها.
قوله: "متعد بنفسه" لو قال يتعدى بنفسه لكان أحسن؛ لأن النظم لا يفيد وجوب تعديه بنفسه, كما توهمه عبارة الشارح, وإنما يفيد جواز ذلك فاعرفه. قوله: "معرب مطلقًا" أي: مفردًا أو غيره ومحله كما قاله سم إن جر باللام وكان معربًا قبل النداء، فإن خلا من اللام كان كغيره من المناديات وإن كان مبنيا قبل النداء فهو باق على بنائه كيا لهذا. فهذا مبني على السكون في محل نصب. قوله: "لم يباشرها" أي: أل بل فصل بينهما اللام. قوله: "يختص المستغاث إلخ" أي: لأن الاستغاثة كالبعد لاحتياجها إلى مد الصوت؛ لأنه أعون على إسراع الإجابة المحتاج إليها، فلا يقال: إن يا للمنادى البعيد فيلزم أن لا يستغاث بالقريب إلا إن كان كالبعيد أفاده سم, بقي أنه يرد عليه أنه ورد المستغاث بالهمزة في قوله:(3/242)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
937- فَيا شَوق ما أَبْقَى ويالِي مِنَ النَّوَى ... ويا دَمْعُ ما أجْرَى ويا قلب ما أَصْبَى
أن يكون استغاث بنفسه وأن يكون استغاث لنفسه، والصحيح وفاقًا لابن عصفور أن يا لي حيث وقع مستغاث له، والمستغاث به محذوف بناء على ما سيأتي من أن العامل في المستغاث فعل النداء المضمر، فيصير التقدير يا أدعو لي وذلك غير جائز في غير ظننت وما حمل عليها، الثالث: اختلف في اللام الداخلة على المستغاث: فقيل هي بقية آل والأصل يا آل زيد، فزيد مخفوض بالإضافة، ونقله المصنف عن الكوفيين، وذهب الجمهور إلى أنها لام الجر، ثم اختلفوا: فقيل زائدة لا تتعلق بشيء وهو اختيار ابن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أعام لك ابن صعصعة بن سعد
إلا أن يقال هو ضرورة أو شاذ. قوله: "فيا شوق إلخ" يصح كسر شوق ودمع وقلب على حذف ياء المتكلم وإبقاء الكسرة دليلًا عليها، وضم الثلاثة على أنها نكرات مقصودة. وما تعجبية. والنوى البعد وما أصبى أي: ما أميلك إلى الهوى. قوله: "بناء على ما سيأتي إلخ" قيد بذلك ليتأتى المقتضى لكن المستغاث به في يا لي محذوفًا وهو لزوم عمل فعل في ضميري واحد على تقدير كون المستغاث به في يا لي هو المذكور, إذ لو بنينا على أن العامل حرف النداء لم يجب كون المستغاث به في يا لي محذوفًا؛ لأنه لا يلزم حينئذٍ على كون المستغاث به هو المذكور عمل فعل في ضميري واحد؛ لعدم الفعل العامل. قوله: "فيصير التقدير إلخ" تفريع على منفي محذوف معطوف على قوله محذوف أي: والمستغاث به محذوف لا مذكور فيصير إلخ. وقوله:
وذلك إلخ في معنى التعليل لهذا المنفي, ويصح جعل الفاء تعليلية له ولو قال:
إذ لو كان مستغاثًا به لكان التقدير إلخ لكان أوضح.
قوله: "يا أدعو لي" أي: فيلزم عمل فعل في ضميري واحد وهما الضمير المستتر في أدعو, والياء إذ هما لواحد وهو المتكلم والأولى حذف يا. قوله: "وذلك" أي: عمل الفعل في ضميري واحد غير جائز في غير ظننت وما حمل عليها أي: من أفعال القلوب. وما حمل عليها كنسيت وأبصرت وفقدت وعدمت. وأورد عليه أن عمل الفعل في ضميري واحد لازم على جعل الياء مستغاثًا له أيضًا إذ في قولك: ادعو قومي لي عمل أدعو في الضمير المستتر وفي الياء. وأجيب بأن المحذور عمله فيهما على وجه كون الثاني مفعولًا به وإذا جعلت الياء مستغاثًا له لم يكن مفعولًا به؛ لأن مدخول لام التعليل ليس مفعولًا به لعدم وقوع الفعل عليه بخلاف ما إذا جعلت مستغاثًا به. قوله: "والأصل يا آل زيد" أي: فحذفت همزة آل للتخفيف وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين، وضعفه الرضي بأن ذلك يقال فيما لا آل له نحو: يا للدواهي، وقد يرد بأن يعتبر لها آل يناسبها فافهم. قوله: "عن الكوفيين" استدلوا بقوله:
إذا الداعي المثوب قال يا لا
__________
937- البيت من الطويل، وهو للمتنبي في ديوانه 1/ 185؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب 1/ 208.(3/243)
وافْتَحْ مَعَ المعطوفِ إن كرَّرتَ يا ... وفي سوى ذلك بالكسْرِ ائْتِيَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خروف. وقيل ليست بزائدة فتتعلق، وفيما تتعلق به قولان: أحدهما بالفعل المحذوف وهو مذهب سيبويه واختاره ابن عصفور. والثاني تتعلق بحرف النداء وهو مذهب ابن جني. الرابع: إذا وصفت المستغاث جررت صفته نحو: يا لزيد الشجاع للمظلوم. وفي النهاية لا يبعد نصب الصفة حملًا على الموضع "وافتح" اللام "مع" المستغاث "المعطوف إن كررت يا" كقوله:
938- يَا لَقَومِي ويالأَمْثالِ قَومِي ... لأُناسٍ عُتُوُّهُمْ في ازْدِيادِي
"وفي سوى ذلك" التكرار "بالكسر ائتيا" على الأصل لأمن اللبس نحو:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن الجار لا يقتصر عليه، وأجيب بأن الأصل يا قوم لا فرار فحذف ما بعد لا النافية. دماميني. قوله: "فقيل زائدة" بدليل صحة إسقاطها، وعورض بأن الزيادة خلاف الأصل، وعلى هذا القول يكون المستغاث منصوبًا بفتحة مقدرة لاشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائدة. قوله: "بالفعل المحذوف" أي: الذي نابت عنه يا لكن بتضمينه معنى فعل يتعدى بالحرف كالتجئ في نحو: يا لزيد وأتعجب في نحو: يا للماء فلا يرد أن أدعو متعد بنفسه فكيف عدى باللام. قوله: "بحرف النداء" لنيابته مناب الفعل. قوله: "على الموضع" أي: موضع الموصوف؛ لأنه مفعول كما مر وليس له موضع رفع حتى يتبع بالرفع. وجزم الرضي بامتناع ما عدا الجر كما مر. قوله: "مع المعطوف" إطلاقه شامل للمعطوف بغير الواو ولا مانع منه إذ قد تقصد الإشارة إلى تأخر أو تراخي رتبة الثاني في النجدة.
قوله: "وفي سوى ذلك التكرار" المفهوم من كررت أي: في سوى تكرار يا مع المعطوف ائت بكسر لام المعطوف ولام غيره من المستغاث؛ لأجله كما قد يدل له قوله بعد: الثاني علم مما ذكر إلخ ولو أرجع الشارح اسم الإشارة إلى المعطوف, مع تكرار يا لشمل الكلام المستغاث من أجله في صورة تكرار يا أيضًا؛ لأن غير المعطوف المكرر معه يا شامل لغير المعطوف في صورة تكرار يا وصورة عدم تكرارها وللمعطوف الذي لم تكرر معه يا، وبهذا التحقيق يعلم ما في كلام شيخنا والبعض من الإيهام. قوله: "على الأصل" أي: في لام الجر الداخلة على المظهر. قوله: "لأمن اللبس" أي: أمن لبس المعطوف بالمستغاث له بسبب عطفه على المستغاث, وأمن لبس المستغاث له بالمستغاث بسبب تقدم ذكر المستغاث. ويفهم منه أن الإلباس قد يوجد إذا كررت يا، ووجهه أن المستغاث له قد يلي حرف النداء إذا حذف المستغاث ثم إنما يحسن تعليله المذكور على تعليل فتح لام المستغاث بخوف اللبس الذي أشار إليه سابقًا بقوله: وليحصل بذلك أي: بفتح لام المستغاث فرق بينه وبين المستغاث من أجله، وأما على تعليل الفتح بما أسلفه أيضًا الشارح من وقوع المستغاث موقع المضمر لكونه منادى, فإنما يحسن تعليل كسر لام المعطوف
__________
938- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 46؛ وشرح التصريح 12/ 181؛ وشرح قطر الندى ص218؛ والمقاصد النحوية 4/ 256.(3/244)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
939- يا للكُهُولِ وللشُّبَّانِ للعَجَبِ
تنبيهات: الأول يجوز مع المعطوف المذكور إثبات اللام وحذفها، وقد اجتمعا في قوله:
940- يا لَعِطافَنا ويا لَرِياحِ ... وأَبِي الحَشْرَجِ الفَتَى النَّفَّاحِ
الثاني: علم مما ذكر أن كسر اللام مع المستغاث من أجله واجب على الأصل, وهو ظاهر في الأسماء الظاهرة، وأما المضمر فتفتح معه إلا مع الياء نحو: يا لزيد لك، وإذا قلت: يا لك احتمل الأمرين. وقد قيل في قوله: فيا لك من ليل أن اللام فيه للاستغاثة. الثالث: فيما تتعلق به لام المستغاث من أجله خلاف: فقيل بحرف النداء. وقيل بفعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هنا بما علل به الفارضي حيث قال؛ لأنه بعد عن حرف النداء, فكأنه لم يقع موقع الضمير فردت اللام إلى أصلها وهو الكسر، وتعليل كسر لام المستغاث له بعدم وقوعه موقع المضمر.
قوله: "مع المعطوف المذكور" أي: مع المعطوف الذي هو مستغاث أعم من أن يكون مستغاثًا لعطفه على المستغاث من غير تكرار يا, أو لكون يا تكررت معه بقرينة قوله: وقد اجتمعا في قوله إلخ. قوله: "يا لعطافنا إلخ" عطاف ورياح براء مكسورة فتحتية مخففة وأبو الحشرج أسماء رجال يرثيهم الشاعر. والنفاح كثير النفح أي: الإعطاء كما في القاموس. وفيه أيضًا نفح الطيب فاح فعلم تسمح من فسر النفح بالرائحة الذكية. قوله: "احتمل الأمرين" أي: كون المخاطب مستغاثًا ومستغاثًا من أجله. قوله: "إن اللام فيه للاستغاثة" أي: وكل من لام المستغاث ولام المستغاث من أجله تسمى لام الاستغاثة, فهذا الذي قيل يؤيد ما ذكره من احتمال يا لك للأمرين.
قوله: "فقيل بحرف النداء إلخ" قال البعض تبعًا لشيخنا: لم يذهب أحد هنا إلى التعلق بفعل النداء؛ لئلا يلزم عمل الفعل في ضميري متكلم ا. هـ. أقول: هذا باطل؛ لأن العمل المذكور إنما يلزم إذا كان المستغاث من أجله ياء المتكلم, وهو في هذه الصورة غير مضر لما مر من أن العمل
__________
939- صدره:
يَبْكيكَ ناءٍ بعيدُ الدار مُغْتَربٌ
والبيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 47؛ وخزانة الأدب 2/ 154؛ والدرر 3/ 42؛ ورصف المباني ص220؛ وشرح التصريح 2/ 181؛ وشرح شواهد الإيضاح ص203؛ وشرح قطر الندى ص219؛ ولسان العرب 12/ 561، 12/ 563 "لوم"؛ والمقاصد النحوية 4/ 257؛ والمقتضب 4/ 256؛ والمقرب 1/ 184؛ وهمع الهوامع 1/ 180.
940- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب 2/ 155؛ والدرر 3/ 43؛ وشرح المفصل 1/ 131؛ والكتاب 2/ 216، 217؛ وكتاب اللامات ص89؛ والمقاصد النحوية 4/ 268؛ والمقتضب 2/ 257؛ وهمع الهوامع 1/ 180.(3/245)
ولامُ ما اسْتُغِيثَ عاقَبَتْ أَلِفْ ... ومثلُهُ اسم ذو تَعَجُّبٍ أُلِفْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
محذوف أي: أدعوك لزيد. وقيل بحال محذوفة أي: مدعو الزيد. الرابع: قد يجر المستغاث من أجله بمن كقوله:
941- يا للرِّجالِ ذَوِي الألبابِ مِنْ نَفَرٍ ... لا يَبْرَحُ السَّفَهُ المُرْدِي لَهُم دِينا
"ولام ما استغيث عاقبت ألف" فكما تقول: يا لزيد, تقول أيضا: يا زيدًا. ومنه قوله:
942- يا يَزِيدا لآمُلٍ نَيلَ عِزٍّ ... وغِنًى بعدَ فاقَة وهَوانٍ
ولا يجوز الجمع بينهما، فلا تقول: يا لزيدًا. وقد يخلو منهما كقوله:
943- ألا يا قَومِ للعَجَبِ العَجِيبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المذكور إنما يمتنع إذا كان على وجه كون الثاني مفعولًا به والمستغاث من أجله ليس مفعولًا به كما تقدم, وحينئذٍ لا مانع من القول بتعلق لام المستغاث من أجله بفعل النداء فاعرف ذلك. ثم رأيت السيوطي حكاه مع بقية الأقوال في متن جمع الجوامع وشرحه فللَّه الحمد. قوله: "بفعل محذوف" أي: مقدر بعد المستغاث والكلام على هذا جملتان بخلافه على الأول والثالث. قوله: "قد يجر المستغاث من أجله بمن" أي: إذا كان مستنصرًا عليه فإن كان مستنصرًا له تعين جره باللام وإذا جر الأول بمن وجب تعلقها بفعل من مادة التلخيص أو الإنصاف أو نحوهما أفاده الدماميني وسكت عليه شيخنا والبعض. وفيه أنه لا مانع من تعلقه بفعل الدعاء وجعل من سببية.
قوله: "عاقبت ألف" أي: ناوبتها من العقبة وهي النوبة، فالألف تجيء نوبة واللام نوبة أخرى، ووقف على ألف بالسكون مع أن الظاهر أنه مفعول به على لغة ربيعة. قوله: "يا زيدًا" صرح الرضي والجامي بأنه حينئذٍ مبني على الفتح وأن توابعه لا ترفع، ومقتضاه أن ألف الاستغاثة إذا لحقت المثنى والمجموع على حده صارا مبنيين على الياء, وتقدم تزييف ما قالاه، وأن الظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه أنه مبني على ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة, وأنه يجوز في تابعه الوجهان على ما مر، بل جزم البعض بأن ما قالاه سبق قلم وإن كان فيه بعد. قوله: "ولا يجوز الجمع بينهما" قال شيخنا وتبعه البعض: لأن اللام تقتضي الجر والألف الفتح فبين أثريها تناف؛ ولأنه لا يجمع بين العوض والمعوض ا. هـ. وفي كل من العلتين نظر: أما الأولى فلأن مقتضى اللام الجر ولو تقديرًا فلا ينافي ما تقتضيه الألف من الفتح. وأما الثانية؛ فلأنه قد يمنع كون الألف عوضًا عن اللام ويدعي أن كلا أصل فتأمل. قوله: "وقد يخلو منهما" فيعطي ما يستحقه لو كان منادى غير مستغاث. تصريح. قوله: "ألا يا قوم" بحذف ياء المتكلم والدلالة بالكسرة عليها. قوله: "في ذلك"
__________
941- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الدرر 3/ 44؛ والمقاصد النحوية 4/ 270؛ وهمع الهوامع 1/ 180.
942- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 49؛ والجنى الداني ص177؛ والدرر 4/ 126؛ وشرح التصريح 2/ 181؛ وشرح شواهد المغني 2/ 791؛ وشرح قطر الندى ص220؛ ومغني اللبيب 2/
371؛ والمقاصد النحوية 4/ 262.
943- عجزه وللغفلات تَعْرِضُ للأَريبِ
والبيت من الوافر، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك؛ وشرح التصريح 2/ 181؛ وشرح قطر الندى ص221؛ والمقاصد النحوية 4/ 263.(3/246)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"ومثله" في ذلك "اسم ذو تعجب ألف" بلا فرق كقولهم: يا للماء ويا للدواهي إذا تعجبوا من كثرتهما. ويقال: يا للعجب، ويا عجبًا لزيد، ويا عجب له.
تنبيه: جاء عن العرب في نحو: يا للعجب فتح اللام باعتبار استغاثته وكسرها باعتبار الاستغاثة من أجله وكون المستغاث محذوفًا.
خاتمة في مسائل متفرقة: الأولى إذا وقف على المستغاث أو المتعجب منه حالة إلحاق الألف جاز الوقف بهاء السكت. الثانية: قد يحذف المستغاث فيلي يا المستغاث من أجله لكونه غير صالح؛ لأن يكون مستغاثًا كقوله:
944- يا لأُناسٍ أَبَوا إلا مُثابَرَةً ... على التَّوَغُّلِ في بَغي وعُدْوانِ
أي: يا لقومي لأناس. الثالثة قد يكون المستغاث مستغاثًا من أجله نحو: يا لزيد لزيد. أي: أدعوك لتنصف من نفسك. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: المذكور في المتن من أحكام المستغاث، هذا هو الذي ينبغي، لا ما قاله البعض فانظره. وقوله: ذو تعجب أي: منه ذاتًا أو صفة, وظاهر كلامه أن الاستغاثة غير باقية بل التركيب مستعمل في محض التعجب, ويحتمل أنها باقية وأشرب اللفظ معها معنى التعجب, ويدل عليه ما في التنبيه الآتي.
قوله: "ويا عجبًا لزيد" لا يخفى أن زيدًا مستغاث من أجله ففي متعلق لامه الأقوال المتقدمة في متعلق لام المستغاث من أجله, والمعنى: أدعوك لزيد ليراك فعلم ما في كلام البعض. قوله: "باعتبار استغاثته" أي: الاستغاثة به مجازًا تشبيهًا له بمن يستغاث حقيقة قاله الدماميني أي: يا عجب احضر فهذا وقتك. قوله: "وكون المستغاث محذوفًا" والأصل يا لقومي للعجب، وعلى الوجهين المذكورين في الشرح فتح لام يا للدواهي وكسرها. قوله: "كقوله يا لأناس إلخ" المثابرة المواظبة والتوغل التعمق والبغي الظلم والعدوان التعدي الفاحش. وإنما كان ما ولي يا غير صالح لكونه مستغاثًا مع صحة نداء الناس في الجملة لكونهم مهجوّين بالوصف الذي وصفهم به فلم يقصدوا للاستنصار؛ لأن العاقل لا يهجو من يستنصر به. أفاده الدماميني.
__________
944- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الدرر 3/ 45؛ والمقاصد النحوية 4/ 271؛ وهمع الهوامع 1/ 181.(3/247)
النُّدْبَة:
ما للمُنادى اجْعَل لمَنْدوبٍ وما ... نُكِّرَ لم يُنْدَبْ ولا ما أُبْهِما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الندبة:
"ما للمنادى" من الأحكام "اجعل لمندوب" وهو المتفجع عليه لفقده حقيقة كقوله:
945- وقُمْتَ فيه بأَمْرِ اللهِ يا عُمَرا
أو لتنزيله منزلة المفقود كقول عمر وقد أخبر بجدب أصاب بعض العرب: واعمراه واعمراه. أو المتوجع له نحو:
946- فَوَاكَبِدا من حُبِّ من لا يُحِبُّنِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الندبة:
هي بضم النون مصدر ندب الميت إذا ناح عليه وذكر خصاله الحميدة ا. هـ. دماميني وأكثر من يتكلم بها النساء لضعفهن عن احتمال المصائب, قاله الأخفش فارضي. قوله: "ما للمنادى اجعل لمندوب" فيه إشارة إلى أنه في المعنى ليس بمنادى وهو كذلك؛ لأنه لم يطلب إقباله ومن ثم منعوا في النداء يا غلامك؛ لأن خطاب أحد المسميين يناقض خطاب الآخر, ولا يجمع بين خطابين. وأجازوا في الندبة وا غلامك تصريح. وقال الطبلاوي: المراد بالمنادى في قوله: ما للمنادى إلخ المنادى المخصوص ا. هـ. وفيه ميل إلى أن المندوب من المنادى وبه صرح الفارضي نقلًا عن ابن يعيش. والظاهر أنه لا ينافي كلام التصريح؛ لأن كون المندوب منادى باعتبار اللفظ فتدبر. ثم رأيت الرضي صرح بأن المندوب والمتعجب منه ليسا مناديين حقيقة بل هما مناديان مجازًا. قال: فإذا قلت: يا محمداه فكأنك تناديه وتقول له: تعال فإني مشتاق إليك، وإذا قلت: وا حزناه كأنك تناديه وتقول له: احضر حتى يعرفك الناس فيعذروني فيك، وإذا قلت: يا للماء كأنك تناديه وتقول له: احضر حتى يتعجب منك ا. هـ. ببعض تغيير.
قوله: "وهو المتفجع عليه" أي: بوا أو يا ليخرج نحو: تفجعت على زيد سم والتفجع إظهار الحزن. قوله: "بجدب" بالدال المهملة أي: قحط. قوله: "أو المتوجع له" أدرجه صاحب التصريح
__________
945- صدره:
حُمِّلتَ أمرًا عَظيمًا فاصْطَبَرْتَ له
والبيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه ص736؛ والدرر 3/ 42؛ وشرح التصريح 2/ 164، 181؛ وشرح شواهد المغني 2/ 792، وشرح عمدة الحافظ ص289؛ والمقاصد النحوية 4/ 229؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 9؛ وشرح قطر الندى ص222؛ ومغني اللبيب 2/ 372؛ وهمع الهوامع 1/ 180.
946- عجزه:
ومن زفرات ما لهُنَّ فناءُ والبيت من الطويل، وهو لمجنون ليلى في ديوانه ص35؛ والأغاني 2/ 37؛ وتزيين الأسواق ص123؛ وشرح عمدة الحافظ ص291؛ وبلا نسبة في شرح التصريح 2/ 181.(3/248)
ويُندَبُ المَوصولُ بالذِي اشْتَهَرْ ... كَبِئْرَ زَمزَمٍ يَلِي وا مَنْ حَفَرْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو المتوجع منه نحو: وامصيبتاه فيضم في نحو: وازيد وينصب في نحو: واأمير المؤمنين وواضاربًا عمرا. وإذا اضطر إلى تنوينه جاز ضمه ونصب كقوله:
947- وَافَقْعَسًا وأين مِنِّي فَقْعَسُ
ولا يندب إلا العلم ونحو: كالمضاف إضافة توضح المندوب كما يوضح الاسم العلم مسماه "وما نكر لم يندب" فلا يقال: وارجلاه خلافًا للرياشي في إجازته ندبة اسم الجنس المفرد. وندر واجبلاه "ولا" يندب "ما أبهما" وذلك
اسم الإشارة والموصول بما لا يعينه، فلا يقال: واهذاه، ولا وا من ذهباه؛ لأن غرض الندبة وهو الإعلام بعظمة المصاب مفقود في هذه الثلاثة "ويندب الموصول بالذي اشتهر" اشتهارًا يعينه ويرفع عنه الإبهام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وشارح الجامع في المتوجع منه؛ لأنهما قسماه إلى ما هو محل الألم كوا رأساه وإلى ما هو سبب الألم كوامصيبتاه. قوله: "ووا ضاربًا عمرًا" نظر في التمثيل به بأنه مناف لما سيأتي من أنه لا يندب المنكر, وكذا يقال في قوله الآتي: وفي المشبه به وا ثلاثة وثلاثينا, إلا أن يقال المراد المجعول علمًا كما صرح به الشارح في باب النداء. قوله: "ولا يندب إلا العلم إلخ" حاصله أنه ليس كل منادى يصح ندبه بل إنما يندب ما ليس نكرة ولا مبهمًا من علم ومضاف إلى معرفة توضح بها وموصول بما يعينه خال من أل نحو: وا زيداه وا غلام زيداه وا من حفر بئر زمزماه. وظاهر كلامه ندبة العلم ولو كان غير مشهور وفي الرضي لا يندب إلا المعروف علمًا كان أو لا, فلو كان علمًا غير مشهور لم يندب. قوله: "كما يوضح الاسم العلم مسماه" مراده بالاسم ما قابل الصفة لا ما قابل الكنية واللقب وحينئذٍ, فقوله: العلم من ذكر الخاص بعد العام كما هو المناسب. وفي نسخ سقوط لفظ مسماه وعليها يقرأ يوضح بالبناء للمفعول وهي التي كتب عليها البعض ما نصه: قوله كما يوضح الاسم العلم أي: بالصفة في نحو قولك: جاء زيد التاجر.
قوله: "اسم الجنس المفرد" خرج المضاف نحو: وا غلام زيداه فتجوز ندبته اتفاقًا لكنه أي: المضاف يشمل نحو: وا غلام رجلاه ولا يندب مثله على الصحيح والرياشي يجيزه وندبة كل نكرة، أو المنع إنما هو في المتفجع عليه أما المتوجع منه فإنك تقول: وا مصيبتاه وإن كانت المصيبة غير معروفة ا. هـ دماميني. فلو قال الشارح في إجازته ندبة النكرة كما في عبارة الهمع لكان أولى، وجعل البعض المتوجع له كالمتوجع منه فحرره. قوله: "اسم الإشارة" وكذا المضمر تصريح، وكذا أي: فلا يقال: وا أنتاه ولا وا أيها الرجلاه نقله شيخنا عن الشارح. قوله: "بعظمة المصاب" أي: المعين. قوله: "مفقود في هذه الثلاثة" فلذلك لا يندب إلا المعرفة السالمة من
__________
947- الرجز لرجل من بني أسد في الدرر 3/ 17؛ والمقاصد النحوية 4/ 272؛ وبلا نسبة في الدرر 3/ 41؛ ورصف المباني ص27؛ وشرح التصريح 2/ 182؛ ومجالس ثعلب 2/ 542؛ والمقرب 1/ 184؛ وهمع الهوامع 1/ 172، 179.(3/249)
ومُنْتَهى المَنْدوبِ صِلهُ بالألِفْ ... مَتْلُوُّها إن كان مِثْلَها حُذِفْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"كبئر زمزم يلي وا من حفر" في قولهم: وا من حفر بئر زمزماه، فإنه بمنزلة وا عبد المطلباه "ومنتهى المندوب" مطلقًا "صله" جوازًا لا وجوبًا "بالألف" المسماة ألف الندبة فتقول في المفرد: وا زيدًا ومنه قوله:
948- وقُمتَ فيه بأمْرِ اللهِ يا عُمَرَا
وفي المضاف يا غلام زيدًا وا عبد الملكا, وفي المشبه به وا ثلاثة وثلاثينا، وفي الصلة وا من حفر بئر زمزما، وفي المركب وا معد يكربا، وفي المحكي وا قام زيدًا فيمن اسمه قام زيد، وأجاز يونس وصل ألف الندبة بآخر الصفة نحو: وا زيد الظريفا ويعضده قول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإبهام وقد ينازع في دعوى الفقد بالنسبة إلى اسم الإشارة المصحوب بإشارة حسية تعين المشار إليه. قوله: "ويندب الموصول" الخالي من أل أي: عند الكوفيين وهو عند البصريين شاذ, واتفق الجميع على منع ندبة الموصول المبدوء بأل وإن اشتهرت صلته فلا يقال: وا الذي حفر بئر زمزماه إذ لا يجمع بين حرف الندبة وأل. تصريح. قوله: "بالذي اشتهر" متعلق بالموصول لا بيندب أي: بالذي اشتهر انتسابه إلى الموصول.
قوله: "كبئر زمزم" مثال لندبة الموصول بما اشتهر بملاحظة قوله: يلي وا من حفر فكأنه قال كوا من حفر بئر زمزماه. قال في التصريح: وأصل زمزم زمم أبدلت الميم الثانية زايًا قاله في الفردوس. قوله: "ومنتهى المندوب" أي: منتهاه حقيقة أو حكمًا كما في الموصول، فإن الألف تكون في آخر الصلة وهو آخر الموصول حكمًا. قوله: "مطلقًا" أي: مفردًا أو مضافًا أو شبيهًا به أو غيرها مما سيذكره. قوله: "صلة بالألف" ويكون المفرد مبنيا على ضم مقدر على قياس ما عولنا عليه في المستغاث الملحق بالألف وعلى ما صرح به الشاطبي حيث قال: إذا قلت وا زيداه فالضم مقدر في آخر الاسم وكذلك وا غلاماه في غلام المضاف إلى الياء الإعراب مقدر في آخره ا. هـ. وأطلق الناظم كالنحويين وصل المندوب بالألف لكنه في التسهيل قيد ذلك بأن لا يكون في آخره ألف وهاء فلا يجوز وا عبد اللاهاه ولا واجهجاهاه في عبد الله وجهجاه لاستثقال ألف وهاء بعد ألف وهاء وبالجواز صرح ابن الحاجب وغيره.
قوله: "في المفرد" لعله أراد به معنى أخص من معناه السابق في النداء الذي هو ما ليس مضافًا ولا شبيهًا به بدليل مقابلته بالأقسام الثلاثة الأخيرة, إلا أن يكون ذكرها بعده من ذكر الخاص بعد العام لنكتة كقلة ندبتها.
قوله: "وا قام زيدًا" اعلم أن وا قام زيد بلا ألف الندبة مبني على ضم مقدر منع من ظهوره ضمة الحكاية وكذا بالألف مبني على ضم مقدر, لكن هل مانع ظهوره فتحة المناسبة أو ضمة الحكاية المحذوفة لأجل الألف كل محتمل والأقرب الأول؛ لأن اعتبار الملفوظ به مانعًا
__________
948- راجع التخريج رقم 945.(3/250)
كذاك تَنوينُ الذي بِهِ كَمَل ... من صِلَةٍ أو غَيْرِها نِلتَ الأَمَل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعض العرب واجمجمتي الشاميتينا. وهذه الألف "متلوها" وهو منتهى المندوب "إن كان" ألفا "مثلها حذف" لأجلها نحو: وا موساه، وأجاز الكوفيون قلبه ياء قياسًا فقالوا: وا موسياه "كذاك" يحذف لأجل ألف الندبة "تنوين الذي به كمل" المندوب "من صلة أو غيرها" مما مر كما رأيت "نلت الأمل" لضرورة أن الألف لا يكون قبلها إلا فتحة على ما رأيت، والتنوين لاحظ له في الحركة. هذا مذهب سيبويه والبصريين. وأجاز الكوفيون فيه مع الحذف وجهين: فتحه فتقول: وا غلام زيدناه وكسره مع قلب الألف ياء فتقول: وا غلام زيدنيه. قال المصنف: وما رأوه حسن لو عضده سماع لكن السماع فيه لم يثبت. وقال ابن عصفور: أهل الكوفة يحركون التنوين فيقولون: وا غلام زيدناه وزعموا أنه سمع ا. هـ. وأجاز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أولى من اعتبار المحذوف وكذا في نحو: وا سيبويهاه مع إبدال ضمة الحكاية بكسر البناء الأصلي فتدبر. قوله: "وأجاز يونس إلخ" عزا جواز ذلك في الهمع إلى الكوفيين وابن مالك أيضًا. قوله: "بآخر الصفة إلخ" عبارة التصريح وأما لحاقها توابع المندوب, فقال ابن الخباز في النهاية: إنه لا خلاف في جواز لحاقها آخر الصفة إذا كانت ابنًا بين علمين نحو: وا زيد بن عمرا، وأما البدل والبيان والتوكيد فقياس قول سيبويه والخليل أن لا تلحق البيان والتوكيد, وعندي أنها تدخل آخر البدل؛ لأنه قائم مقام المبدل منه فتقول وا غلامنا زيداه، وتدخل العطف النسقي نحو: وا زيد وعمراه ا. هـ. وتدخل التوكيد اللفظي كما تقدم في قول عمر: وا عمراه وا عمراه ا. هـ. كلام التصريح، ومنه يعلم ما في كلام البعض من الخلل في غير موضع فانظره. قوله: "وا جمجمتي الشاميتينا" بضم الجيم تثنية جمجمة تطلق على عظم الرأس المشتمل على الدماغ وعلى القدح من خشب وهو المراد هنا، ضاع للقائل قدحان شاميان فندبهما. قوله: "متلوها" مبتدأ خبره الجملة الشرطية أو حذف وجواب الشرط على هذا محذوف, ولا فرق في حذف مثل الألف بين أن يكون جزء كلمة كما في المقصور أو كلمة كما في المضاف للياء على لغة من يقلبها ألفًا, وإذا كان متلوها همزة تأنيث لم تحذف كلمياء اسم امرأة, والكوفيون يحذفونها فتحذف الألف لالتقاء الساكنين.
قوله: "وا موساه" فموساه مبني على ضم مقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين, والألف الموجودة للندبة والهاء للسكت, وإنما ألحق هاء السكت به دون الأمثلة المتقدمة؛ لأنه لاختتامه بألف غير ألف الندبة لا يعرف كون الألف الموجودة فيه ألف الندبة إلا بانضمام الهاء إليها, بخلاف الأمثلة المتقدمة فافهم. قوله: "تنوين الذي به كمل" وأما المندوب فلا تنوين فيه حتى يحكم بحذفه كذا قال البعض، وقد يرد عليه نحو: قام زيد مسمى به، ويدفع بأن التنوين فيه تنوين جزئه الأخير لا تنوين مجموعه, فهو داخل في تنوين ما كمل به المندوب. قوله: "كما رأيت" أي: في مثال الناظم بناء على صرف زمزم باعتبار أنه علم على القليب, وكذا على منع صرفه باعتبار أنه علم على البئر إذا أريد بالتنوين في كلامه ما يشمل المقدر فيما لا ينصرف, وفي بعض أمثلة الشارح السابقة هو يا غلام زيدًا ووا قام زيدًا فاقتصار البعض على قوله أي: في مثال(3/251)
والشَّكْلَ حَتْمًا أَولِهِ مُجانِسًا ... إن يَكُن الفَتْحُ بِوَهْم لابِسا
وواقِفًا زد هاء سكتٍ إن تُرِد ... وإن تَشَأ فالمَدَّ والها لا تَزِدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفراء وجهًا ثالثًا وهو حذفه مع إبقاء الكسرة وقلب الألف ياء فتقول: وا غلام زيديه "والشكل حتمًا أوله" حرفًا "مجانسًا" فأول الكسر ياء والضم واوًا "إن يكن الفتح بوهم لابسا" دفعا للبس فتقول في ندبة غلام مضافًا إلى ضمير المخاطبة وا غلامكيه وفي ندبته مضافًا إلى ضمير الغائب وا غلامهوه إذ لو قلت: واغلامكاه لالتبس بالمذكر، ولو قلت: وا غلامهاه، لالتبس بالغائبة. قال في شرح الكافية: وهذا الاتباع يعني والحالة هذه متفق على التزامه فإن كان الفتح لا يلبس عدل بغيره إليه وبقيت ألف الندبة بحالها. فتقول في رقاش وا رقشاه، وفي عبد الملك وا عبد الملكاه، وفيمن اسمه قام الرجل وا قام الرجلاه، هذا مذهب أكثر البصريين، وأجاز الكوفيون الاتباع نحو: وا رقاشيه وا عبد الملكيه وا قام الرجلوه.
تنبيه: أجاز الكوفيون أيضًا الاتباع في المثنى نحو: وا زيدانيه واختاره في التسهيل "وواقفا زد" في آخر المندوب "هاء سكت" بعد المد "إن ترد وإن تشأ" عدم الزيادة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الناظم تقصير. قوله: "هذا مذهب سيبويه إلخ" حاصله أن في التنوين أربعة مذاهب. قوله: "وقال ابن عصفور إلخ" رد لقول المصنف لكن السماع فيه لم يثبت لقول الكوفيين أنه سمع فالزعم في كلامه بمعنى القول إذ لا يليق نسبتهم إلى الكذب في حكايتهم السماع.
قوله: "والشكل حتمًا إلخ" معناه أن آخر المندوب إذا كان محركًا بالكسر أو الضم فإن ألف الندبة تقلب حرفًا مجانسًا للحركة, ولا تحذف الحركة ويؤتى بالحركة المناسبة لألف الندبة إن كانت هذه الحركة وهي الفتحة موقعة في اللبس، ومن إيلاء الشكل حرفًا مجانسًا نحو: وا قوميه وا قوموه وا قاموه في ندبة قومي وقاموا مسمى بها. قال الفارضي لو سميت بقاموا قلت في الندبة: وا قاموه فتحذف واو قاموا لالتقاء الساكنين وتقلب ألف الندبة واوًا؛ لأنها بعد ضمة ولو سميت بقومي قلت: وا قوميه فتحذف ياء قومي لالتقاء الساكنين وتقلب ألف الندبة ياء؛ لأنها بعد كسرة ا. هـ. وما قيل في قاموا يقال في قوموا فعلم أن مسألة ندبة نحو: قومي وقوموا مسمى بهما داخلة تحت قوله: والشكل إلخ لا زائدة عليه كما يقتضيه كلام البعض فافهم. قوله:
"حتمًا أوله" يعني إذا أريد زيادة ألف الندبة فيما ذكر أبدلت حتمًا من جنس الحركة قبلها, وإلا فلو قلت: وا غلامك فقط صح كما علم من أول الكلام ومما يأتي سم. قوله: "بوهم لابسًا" من لبست الأمر عليه إذا خلطته فلم يعرف وجهه والوهم بسكون الهاء ذهاب ظن الإنسان إلى غير المراد, يقال وهمت في الشيء بالفتح أهم بالكسر وهما بالإسكان إذا ذهب ذهنك إليه وأنت تريد غيره، فالمعنى إن يكن الفتح خالصًا المقصود بغيره بسبب وهم, وأما الوهم بالتحريك فهو الغلط, يقال وهم في الحساب يهم وهمًا بالفتح إذا غلط.
قوله: "وهذا الاتباع" أي: اتباع حرف الندبة للحركة. قوله: "والحالة هذه" أي: كون الفتح ملبسًا لا مطلقًا. قوله: "عدل بغيره" أي: عن غيره. قوله: "في رقاش" هو اسم امرأة. قوله: "بعد(3/252)
وقَائلٌ واعَبْدِيا واعَبْدَا ... من في النّدا اليا ذا سكونٍ أَبْدَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"فالمد والهاء لا تزد" بل اجعله كالمنادى الخالي عن الندبة، وقد مر بيان الأوجه الثلاثة. وأفهم قوله: وواقفًا أن هذه الهاء لا تثبت وصلًا, وربما ثبتت في الضرورة مضمومة ومكسورة, وأجاز الفراء إثباتها في الوصل بالوجهين. ومنه قوله:
949- ألا يا عَمْرُ عَمْرَاهُ ... وعمرو بنُ الزُّبيراهُ
"وقائل" في ندبة المضاف للياء "واعبديا وا عبدا من في الندا اليا ذا سكون أبدى" فقال يا عبدي وأما من قال يا عبد بالكسر أو يا عبد بالفتح أو يا عبد بالضم أو يا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المد" أي: ألفًا كوا زيداه أو ياء كوا غلامكيه أو واوًا كوا غلامهوه. قوله: "بل اجعله كالمنادى إلخ" قال سم: يدل على أنه جعل المد والهاء معمولين للاتزد وقد يلزم عليه التكرار مع قوله أولًا ما للمنادى اجعل لمندوب ا. هـ. ويدفع بأن المراد بما للمنادى ما ثبت له من البناء على الضم تارة والنصب تارة أخرى وجواز الضم والنصب إذا نون اضطرارًا ونحو ذلك: لا عدم زيادة الألف والهاء وإلا ناقضه ما ذكره بعده من جواز زيادة الألف والهاء في المندوب نعم عدم وجوب زيادة الهاء وقفًا معلوم من قوله: إن ترد فالتنبيه بعد ذلك عليه تصريح بما علم مفهومًا. وأما عدم وجوب زيادة الألف فلم يعلم مما مر بل قوله: ومنتهى المندوب صله بالألف يوهم الوجوب فالتنبيه عليه محتاج إليه، فتلخص أن قوله: وإن تشأ إلخ محتاج إليه بالنسبة إلى زيادة الألف غير محتاج إليه بالنسبة إلى زيادة الهاء. قوله: "وقد مر بيان الأوجه الثلاثة" أي: زيادة الألف فقط والجمع بين الألف والهاء والخلو عنهما معًا.
قوله: "وربما ثبتت في الضرورة" أي: وصلًا. قوله: "مضمومة" أي: تشبيهًا بهاء الضمير ومكسورة أي: لالتقاء الساكنين. زاد ابن فلاح ومفتوحة فارضي والفتح لخفته. قوله: "وأجاز الفراء إثباتها في الوصل" أي: اختيارًا. قوله: "ومنه" أي: من ثبوتها في الوصل ضرورة. والشاهد في الأول؛ لأن محل الوصل هو العروض وأما الضرب فمحل وقف فلا شاهد فيه. وقد يقال العروض هنا مصرعة فهي في حكم الضرب فتكون أيضًا محل وقف فلا شاهد في البيت أصلًا وقوله:
وعمرو بن الزبيراه
هذا هو الصواب دون ما في بعض النسخ:
ويا عمرو بن الزبيراه
لأن زيادة يا تخل بالوزن وتحريك الهاء وقفًا في البيت للروي. قوله: "وقائل" خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وأبدى صلة من واليًا مفعول أبدى وذا سكون حال من اليا. قوله: "وا عبديا" بفتح الياء لأجل ألف الندبة. قوله: "وا عبدًا" بحذف الياء لالتقاء الساكنين وهذا ونحوه منصوب
__________
949- البيت من الهزج، وهو بلا نسبة في الدرر 3/ 42؛ ورصف المباني ص27؛ وشرح ابن عقيل ص532؛ والمقاصد النحوية 4/ 273؛ والمقرب 1/ 184.(3/253)
الترخيم:
تَرْخيمًا احذفْ آخرَ المنادَى ... كيا سُعا فيمن دعا سُعادا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عبدا بالألف اقتصر على الثاني، ومن قال يا عبدي، بإثبات الياء مفتوحة اقتصر على الأول.
تنبيه: فتح الياء في ذي الوجهين المذكورين مذهب سيبويه وحذفها مذهب المبرد.
خاتمة: إذا ندب مضاف إلى مضاف إلى الياء لزمت الياء؛ لأن المضاف إليها غير مندوب نحو: وا ولد عبديا والله أعلم.
الترخيم:
"ترخيما احذف آخر المنادى" الترخيم في اللغة ترقيق الصوت وتليينه. يقال صوت رخيم أي: سهل لين. ومنه قوله:
950- لها بَشَرٌ مثلُ الحريرِ ومنطِقٌ ... رخيمُ الحواشي لا هُراءٌ ولا نَزْرُ
أي: رقيق الحواشي. وأما في الاصطلاح فهو حذف بعض الكلمة على وجه مخصوص. وهو على نوعين: ترخيم التصغير كقولهم في أسود سويد وسيأتي في بابه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بفتحة مقدرة منع من ظهورها الفتحة لأجل الألف وليس بمبني؛ لأنه مضاف سم. قوله: "اقتصر على الثاني" أي: وا عبدًا بغير عمل سوى الإتيان بألف الندبة على لغة من قلب الياء ألفًا وحذفها وأبقى الفتحة التي قبل الألف المحذوفة وبقلب الكسرة والضمة على لغتيهما فتحة لأجل ألف الندبة, وبحذف الألف المنقلبة عن ياء المتكلم لأجل ألف الندبة على لغة من قلب الياء ألفًا وأبقاها. قوله: "اقتصر على الأول" أي: يا عبديا بغير عمل سوى الإتيان بألف الندبة. قوله: "في ذي الوجهين" هو يا عبدي بسكون الياء ووجهاه وا عبديا وا عبدًا كما مر. قوله: "لزمت الياء" يمكن حذفها على تقدير سكونها لالتقاء الساكنين وإن لم يكن المضاف إليها مندوبًا سم.
الترخيم:
قوله: "ترقيق الصوت وتليينه" عبارة التصريح الترخيم لغة التسهيل والتليين فلم يقيد بالصوت. قوله: "أي: سهل لين" المناسب لعبارته قبل أن يقول أي: رقيق لين نعم هو مناسب لعبارة التصريح السابقة, ولقول القاموس رخم الكلام ككرم فهو رخيم لان وسهل كرخم كنصر. قوله: "رخيم الحواشي" لعل المراد بها الكلمات. وفي القاموس الحاشية جانب الثوب وغيره وقوله: لا
__________
950- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص577؛ وجمهرة اللغة ص1106؛ والخصائص 1/ 29؛ 3/ 302؛ وشرح شواهد الإيضاح ص333؛ وشرح شواهد الشافية ص491؛ وشرح المفصل 1/ 16؛ ولسان العرب 1/ 181 "هرأ"، 5/ 203 "نزر"؛ والمحتسب 1/ 334؛ والمقاصد النحوية 4/ 285؛ وبلا نسبة في أساس البلاغة ص482 "هرأ"؛ وتذكرة النحاة ص45؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 255؛ وشرح ابن عقيل ص533؛ وشرح المفصل 2/ 19.(3/254)
وجَوَّزنَهُ مُطلقًا في كلِّ ما ... أُنِّثَ بالها والذي قد رُخِّما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وترخيم النداء وهو مقصود الباب وهو حذف آخر المنادى "كيا سعا فيمن دعا سعادا" وإنما توسع في ترخيم المنادى؛ لأنه قد تغير بالنداء، والترخيم تغيير والتغيير يأنس بالتغيير فهو ترقيق.
تنبيه: أجاز الشارح في نصب ترخيمًا ثلاثة أوجه: أن يكون مفعولًا له أو مصدرًا في موضع الحال أو ظرفًا على حذف مضاف. وأجاز المرادي وجهًا رابعًا وهو أن يكون مفعولًا مطلقًا وناصبه احذف؛ لأنه يلاقيه في المعنى. وأجاز المكودي وجهًا خامسًا وهو أن يكون مفعولًا مطلقًا لعامل محذوف أي: رخم ترخيمًا "وجوزنه" أي: جوز الترخيم "مطلقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هراء إلخ الهراء بضم الهاء وتخفيف الراء الكلام الكثير والنزر بفتح النون وسكون الزاي القليل, وأراد أن كلامها متوسط لا كثير ممل ولا قليل مخل. قوله: "ترخيم التصغير" أي: حذف بعض الحروف لأجل التصغير. قوله: "وهو حذف آخر المنادى" أي: للتخفيف لا للإعلال ولم يقيد الآخر بكونه حرفًا فشمل كلامه الحرف والحرفين وعجز المركب. ويرد على التعريف أنه غير مانع لشموله نحو: يا يد ويا دم إذ في كل حذف آخر المنادى للتخفيف إلا أن يخرج باعتبار قيد الحيثية أي: من حيث هو آخر المنادى فاعرف ذلك.
قوله: "في ترخيم" في بمعنى الباء السببية. قوله: "فهو ترقيق" بيان للمناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي لكن كان المناسب ذكره عقب المعنى الاصطلاحي لظهور تفريعه عليه فتأمل. قوله: "أن يكون مفعولًا له" رد بأن الترخيم حذف آخر المنادى فيلزم تعليل الشيء بنفسه, وبأن المفعول له يشترط أن يكون قلبيا على الراجح ويمكن دفعهما بتقدير مضاف أي: لإرادة الترخيم لكن يلزم أن المعنى رخم لإرادة الترخيم مثل اضرب لإرادة الضرب وفيه ركاكة لا تخفى. قوله: "أو مصدرًا في موضع الحال" أي: من فاعل احذف أي: مرخمًا لا من المنادى؛ لأنه وإن كان المضاف بعض المضاف إليه فشرط اتيان الحال من المضاف إليه موجود فحال المضاف إليه لا يتقدم عليه. ثم هذه الحال مؤكدة.
قوله: "أو ظرفًا على حذف مضاف" أي: وقت ترخيم وهو وقت اجتماع شروط الترخيم. قوله: "لأنه" أي: احذف بقيد تعلقه بآخر المنادى أما الحذف من حيث هو فأعم من الترخيم. قوله: "مفعولًا مطلقًا لعامل محذوف" أي: ناب ذلك المفعول المطلق منابه في الدلالة على الطلب فيكون قوله: احذف إلخ من التأكيد اللفظي بالمساوى؛ لأن الحذف بقيد تعلقه بآخر المنادى مساوٍ في المعنى للترخيم فليس المفعول المطلق على هذا من باب المصدر المؤكد لعامله حتى يرد أن المصنف يمنع حذف عامل المؤكد, بل من باب الآتي بدلًا من فعله. وجوز الشيخ خالد وجهًا سادسًا وهو أن يكون ترخيمًا مفعولًا به لفعل شرط حذف مع أداته وحذفت الفاء من جوابه للضرورة, والتقدير: إن أردت ترخيمًا فاحذف آخر المنادى وفيه تكلف.
قوله: "مطلقًا" أي: عن التقييد الآتي في غير المؤنث بالهاء بقوله: إلا الرباعي إلخ لكن(3/255)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في كل ما أنت بالها" أي: سواء كان علمًا أو غير علم ثلاثيا أو زائدًا على الثلاثي كقوله:
951- أفاطِمُ مَهلًا بعْضَ هذا التَّدلُّلِ
وكقوله:
952- جاري لا تَسْتنكِري عَذِيري
ونحو: يا شا ادجني. أي: أقيمي بالمكان. يقال دجن بالمكان يدجن دجونًا أي: أقام به.
تنبيهات: الأول قيد في التسهيل ما أطلقه هنا بالمنادى المبني لإخراج النكرة غير المقصودة والمضاف فلا يجوز الترخيم في نحو قول الأعمى: يا جارية خذي بيدي لغير معينة. ولا في نحو: يا طلحة الخير. وأما قوله:
953- يا عَلقمَ الخيرِ قد طالَتْ إقامَتُنا
فنادر. الثاني شرط المبرد في ترخيم المؤنث بالهاء العلمية فمنع ترخيم النكرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المراد الإطلاق عن ذلك في الجملة وإلا لاقتضى جواز ترخيم المؤنث بالهاء ولو كان مضافًا أو مركبًا إسناديا, وليس كذلك أفاده سم. وإلى كون الإطلاق في الجملة أشار الشارح باقتصاره في بيان الإطلاق على ما ذكره ولم يقل مضافًا أو غيره صاحب إسناد أو غيره. قوله: "مهلًا" اسم مصدر أمهل منصوب بفعل حذف وأقيم هو مقامه والأصل أمهلي مهلًا قال العيني: ومعناه كفى. قوله: "عذيري" العذير بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة ما يعذر الإنسان فيه ا. هـ. فارضي وهو صادق بما يعذر الإنسان في تركه فهو أعم من قول الشارح على ما في كثير من النسخ. العذير بكسر الذال المعجمة الأمر الذي يحاوله الإنسان ويعذر على فعله. قوله: "يا شا ادجني" أي: يا شاة وهو مثال للثلاثي. قوله: "بالمنادى المبني" يشمل المبني قبل النداء كحذام مع أنه لا يرخم على الأصح والمختص بالنداء والمندوب والمستغاث مع أنها لا ترخم كما سيأتي. قوله:
__________
951- عجزه:
وإن كُنتِ قد أَزْمعت صَرمي فأَجْملي
البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص12؛ والجنى الداني ص35؛ وخزانة الأدب 11/ 222؛ والدرر 3/ 16؛ وشرح شواهد المغني 1/ 20؛ والمقاصد النحوية 4/ 289؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 67؛ ورصف المباني ص52؛ ومغني اللبيب 1/ 13؛ وهمع الهوامع 1/ 172.
952- الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 332؛ وخزانة الأدب 2/ 125؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 461؛ وشرح التصريح 2/ 185؛ وشرح شواهد الإيضاح ص355؛ وشرح المفصل 2/ 16، 20؛ والكتاب 2/ 231، 241؛ ولسان العرب 4/ 548 "عذر"؛ والمقاصد النحوية 4/ 277؛ والمقتضب 4/ 260؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 58؛ وشرح عمدة الحافظ ص296.
953- الشطر من البسيط.(3/256)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المقصودة والصحيح جوازه كما تقدم. الثالث: منع ابن عصفور ترخيم صلعمة بن قلعمة؛ لأنه كتابة عن المجهول الذي لا يعرف وإطلاق النحاة بخلافه، وليس كونه كناية عن المجهول بمانع؛ لأنه علم جنس. الرابع: إذا وقف على المرخم بحذف الهاء فالغالب أن تلحقه هاء ساكنة، فتقول في المرخم: يا طلحة فقيل هي هاء السكت وهو ظاهر كلام سيبويه. وقيل هي التاء المحذوفة أعيدت لبيان الحركة وإليه ذهب المصنف. قال في التسهيل: ولا يستغنى غالبًا في الوقف على المرخم بحذفها عن إعادتها أو تعويض ألف منها. وأشار بالتعويض إلى قوله:
954- قِفي قَبلَ التفرُّقِ يا ضُباعا
فجعل ألف الإطلاق عوضًا عن الهاء ونص سيبويه وابن عصفور على أن ذلك لا يجوز إلا في الضرورة. وأشار بقوله: غالبًا إلى أن بعض العرب يقف بلا هاء ولا عوض. حكى سيبويه يا حرمل بالوقف بغير هاء. قال أبو حيان: أطلقوا في لحاق هذه الهاء. ونقول إن كان الترخيم على لغة من لا ينتظر لم تلحق. هذا كلامه وهو واضح. الخامس: اختلف النحاة في قوله:
955- كِليني لَهُمْ يا أُميمةَ ناصِبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"لغير معينة" صلة قول. قوله: "كما تقدم" أي: في قوله أو غير علم مع تمثيله بجاري ويا شا.
قوله: "صلعمة بن قلعمة" الذي بخط الشارح صلمعة بن قلمعة بتقديم الميم على العين وكذا في القاموس. قوله: "لأنه علم جنس" ولهذا منع الصرف ا. هـ. دماميني. قوله: "بحذف الهاء" صلة المرخم. قوله: "لبيان الحركة" أي: حركة ما قبل المحذوف وهو في المثال المذكور الحاء المهملة. قوله: "لم تلحق" لأنه نقض لما عزموا عليه من جعله اسمًا تامًا حتى بنوه على الضم سم. قوله: "كليني" بكسر الكاف أي: دعيني من وكله وكلا وناصب بالجر صفة هم من النصب
__________
954- عجزه:
ولا يكُ مَوقفٌ منك الوداعا
والبيت من الوافر، وهو للقطامي في ديوانه ص31؛ وخزانة الأدب 2/ 367؛ والدرر 3/ 57؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 444؛ وشرح شواهد المغني 2/ 849؛ والكتاب 2/ 243؛ ولسان العرب 8/ 218 "ضبع"، 8/ 385 "ودع"؛ واللمع ص120؛ والمقاصد النحوية 4/ 295؛ والمقتضب 4/ 94؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 285، 286، 288، 293؛ والدرر 2/ 73؛ وشرح المفصل 7/ 91؛ ومغني اللبيب 2/ 452.
955- عجزه:
وليلٍ أُقاسيه بطيءِ الكواكبِ
والبيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص40؛ والأزهية ص237؛ وخزانة الأدب 2/ 321، 325، 3/ 272، 4/ 392، 5/ 74، 75، 11/ 22؛ والدرر 3/ 57؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 445؛ والكتاب 2/ 207، 3/ 382؛ وكتاب اللامات ص102؛ ولسان العرب 1/ 721 "كوكب"، 1/ 758 "نصب"، 6/ 6 "أسس"، =(3/257)
بِحَذْفِها وَفِّرْهُ بعدُ واحْظُلا ... تَرْخيمَ ما من هذه الها قد خَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بفتحك أميمة من غير تنوين فقال قوم: ليس بمرخم، ثم اختلفوا فقيل هو معرب نصب على أصل المنادى ولم ينون؛ لأنه غير منصرف، وقيل بني على الفتح؛ لأن منهم من يبني المنادى المفرد على الفتح؛ لأنها حركة تشاكل كل حركة إعرابه لو أعرب، فهو نظير لا رجل في الدار. وأنشد هذا القائل:
956- يا ريحَ من نحوِ الشمالِ هُبِّي
بالفتح. وذهب أكثرهم إلى أنه مرخم فصار في التقدير: يا أميم ثم أقحم التاء غير معتد بها، وفتحها؛ لأنها واقعة موقع ما يستحق الفتح وهو ما قبل هاء التأنيث المحذوفة المنوية وهو ظاهر كلام سيبويه. وقيل فتحت اتباعًا لحركة ما قبلها وهو اختيار المصنف "والذي قد رخما بحذفها" أي: بحذف الهاء "وفره بعد" أي: لا تحذف منه شيئًا بعد حذف الهاء ولو كان لينًا ساكنًا زائدًا مكملًا أربعة فصاعدًا، فتقول في عقنباة يا عقنبا بالألف، وأجاز سيبويه أن يرخم ثانيًا على لغة من لا يراعي المحذوف. ومنه قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو التعب قاله العيني وتابعه غيره كشيخنا والبعض وفيه أن الهم متعب لا تاعب إلا أن يكون التقدير: تاعب صاحبه, ثم رأيت في القاموس ما نصه وهمّ ناصب منصب على النسب وسمع نصبه الهم أتعبه, ثم قال: ونصبه المرض ينصبه أوجعه كأنصبه ا. هـ. فأفاد ثلاثة أوجه أخرى: وهي أن يكون ناصب من قبيل النسب كلابن وتامر وأن يكون اسم فاعل نصبه بمعنى أتعبه وأن يكون اسم فاعل نصبه بمعنى أوجعه.
قوله: "فقيل هو معرب" تشبيهًا بالمضاف لكنه شاذ. قوله: "لأنها" أي: الفتح وأنثه باعتبار الخبر وهو حركة. قوله: "يا ريح" قال ابن غازي: ولا يمكن دعوى إعراب ريح؛ لأنه لم ينون مع كونه منصرفًا بخلاف أميمة. قوله: "هبي" بضم الهاء أمر من هب. قوله: "ثم أقحم التاء" أي: زادها بين الميم وهاء التأنيث المحذوفة للترخيم. قوله: "غير معتد بها" أي: غير جاعلها تاء التأنيث التي كانت محذوفة للترخيم إذ لو اعتد بها لما كان مرخمًا. قوله: "لأنها واقعة إلخ" لو قال لاستحقاقها الفتح بوقوعها قبل هاء التأنيث لكان أوضح وأخصر.
قوله: "وقيل فتحت إلخ" أي: كفتحة دال يا زيد ابن عمرو اتباعًا لفتحة النون بل الاتباع هنا أولى؛ لأنه في كلمة؛ ولأنه اتباع متأخر لمتقدم. قوله: "وهو اختيار المصنف" لعل وجهه أن فيما اختاره المصنف مراعاة ملفوظ وهو حركة الميم وفيما قبله مراعاة محذوف وهو تاء التأنيث المحذوفة للترخيم المقتضية فتح ما قبلها. قوله: "وفره بعد" أي: بعد حذفها. قوله: "فتقول في عقنباة" أي: في ترخيمه وهو بفتح العين المهملة والقاف وسكون النون بعدها موحدة يقال عقاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= 8/ 172 "شبع"؛ والمقاصد النحوية 4/ 303؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص121؛ وجمهرة اللغة ص350، 982؛ ورصف المباني ص161؛ وشرح المفصل 2/ 107.
956- الرجز بلا نسبة في المقاصد النحوية 4/ 294.(3/258)
إلا الرُّباعِي فما فوقُ العَلَمْ ... دونَ إضافةٍ وإسنادٍ مُتَمّ
__________
957- أحارُ بنَ بدر قد وَلِيتَ وِلايَةً
يريد أحارثة. وقوله:
958- يا أَرْطُ إنَّكَ فاعل ما قُلتَهُ
أراد يا أرطاة "واحظلا" أي: امنع "ترخيم ما من هذه الها قد خلا. إلا الرباعي فما فوق" أي: فأكثر "العلم دون إضافة و" دون "إسناد متم" فهذه أربعة شروط: الأول أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عقنباة أي: حديدة المخالب. قوله: "أن يرخم ثانيًا" أي: إن بقي بعده ثلاثة أحرف سيوطي. قوله: "على لغة من لا يراعي المحذوف" أي: من لا ينتظره واعترض هذا التقييد أبو حيان بأن كون الشاعر رخم أولًا بحذف التاء على لغة من لا ينتظر يحتاج إلى وحي يسفر عنه, ولو قيل إن المؤنث بالتاء يجوز في ترخيمه حذف التاء فقط وهو الكثير وحذفها مع ما قبلها كما في منصور لكان قولًا نقله شيخنا ثم قال: وانظر على مذهب سيبويه بعد حذف الحرف الذي قبل الآخر هل تتعين لغة من لا ينوي أولًا ا. هـ. وكلام العيني صريح في عدم التعين فإنه ضبط حار في البيت بكسر الراء حيث قال: والشاهد في أحار بن بدر حيث أريد به حارثة فرخمه أولًا بحذف الهاء على لغة من لم ينو رد المحذوف, ثم رخمه ثانيًا بحذف التاء على لغة من نوى رد المحذوف, ويؤخذ من كون المقيد بلغة من لا ينتظر عند سيبويه هو الترخيم الأول أن قوله:
على لغة إلخ متعلق بأحار أو بمحذوف تقديره: إن رخم أولًا على لغة إلخ لا بقوله: أن يرخم ثانيًا. قوله: "ما قلته" بفتح التاء بقرينة قوله بعد:
والمرء يستحي إذا لم يصدق
قوله: "أراد يا أرطاة" علم منقول من اسم شجرة يدبغ بها قيل همزته زائدة وألفه أصلية ويعضده قولهم: مرطى, وقيل همزته أصلية وألفه زائدة للإلحاق بعرفجة ويؤيده قولهم: مأروط ا. هـ. ابن غازي. قوله: "العلم" بدل من الرباعي أو عطف بيان عليه ودون حال من الرباعي. قوله: "وإسناد" أي: في الغالب بدليل قوله الآتي: وقل ترخيم جملة. قوله: "متم" على زنة اسم المفعول نعت إسناد
__________
957- عجزه:
فكُنْ جُرَذًا فيها تخونُ وتَسْرِقُ
والبيت من الطويل، وهو لأنس بن زينم في لسان العرب 10/ 157 "سرق"؛ والمقاصد النحوية 4/ 296؛ وله أو لأنس بن أبي أنيس في الدرر 3/ 54؛ ولأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص177؛ والعقد الفريد 3/ 90؛ ولأنس بن أنيس، أو لابن أبي إياس الديلي، أو لأبي الأسود الدؤلي في أمالي المرتضى 1/ 384؛
وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 9/ 44؛ وهمع الهوامع 1/ 183.
958- عجزه:
والمرءُ يستحي إذا لم يَصْدُقِ
والبيت من الكامل، وهو لزميل من الحارث الفزاري في الأغاني 13/ 37؛ والدرر 3/ 55؛ والمقاصد النحوية 4/ 298؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 184.(3/259)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يكون رابعيا فصاعدًا، فلا يجوز ترخيم الثلاثي سواء سكن وسطه نحو: زيد أو تحرك نحو: حكم. هذا مذهب الجمهور. وأجاز الفراء والأخفش ترخيم المحرك الوسط. وأما الساكن الوسط فقال ابن عصفور: لا يجوز ترخيمه قولًا واحدًا. وقال في الكافية: ولم يرخم نحو: بكر أحد، والصحيح ثبوت الخلاف فيه، حكي عن الأخفش وبعض الكوفيين إجازة ترخيمه، وممن نقل الخلاف فيه أبو البقاء العكبري وصاحب النهاية وابن الخشاب وابن هشام. الثاني: أن يكون علمًا، وأجاز بعضهم ترخيم النكرة المقصودة نحو: يا غضنف في غضنفر قياسًا على قولهم: أطرق كراء، ويا صاح. الثالث: أن لا يكون ذا إضافة خلافًا للكوفيين في إجازتهم ترخيم المضاف إليه كقوله:
959- خُذُوا حِذْركُم يا آلَ عِكْرمَ واعلَموا
وهو عند البصريين نادر وأندر منه حذف المضاف إليه بأسره كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال سم: كأنه احتراز عن النسبة الإضافية والتوصيفية. قوله: " أن يكون رباعيا فصاعدًا" أي: لئلا يلزم نقص الاسم عن أقل أبنية المعرب بلا موجب. قوله: "ترخيم المحرك الوسط" أي: تنزيلًا لحركة الوسط منزلة الحرف الرابع ولهذا كان نحو سقر غير مصروف, وفرق الجمهور بأن حركة الوسط ثمت اعتبرت في حذف حرف زائد على الكلمة وهو التنوين وههنا في حذف حرف أصلي, وأيضًا ليس الحذف هنا واردًا على حرف بعينه بل على أي: حرف كان آخرًا فهو مظنة الاشتباه بخلاف عدم الصرف فإنه حذف التنوين لا غير. قوله: "وابن هشام" عبارة الهمع وابن هشام الخضراوي. قوله: "أن يكون علمًا" أي: شخصيا أو جنسيا؛ لأن العلم لكثرة ندائه يناسبه التخفيف بالترخيم. قوله: "قياسًا على قولهم إلخ" اعترضه شيخنا وتبعه البعض بأن أطرق كرا ويا صاح شاذان؛ لأن كلا اسم جنس خال من التاء فلا يقاس عليهما وفيه أن هذا اعتراض بمذهب الغير فإن من يجيز ترخيم النكرة المقصودة لا يقول بشذوذ أطرق كرا ويا صاح.
قوله: "ويا صاح" قال في شرح الكافية: وكثر دعاء بعضهم بعضًا بالصاحب فأشبه العلم فرخم بحذف يائه ا. هـ. وليس مراده بيان أنه مقيس بل بيان المسهل لترخيمه. قوله: "أن لا يكون ذا إضافة"؛ لأن الحذف من المضاف يمنع منه أن المتضايفين كالشيء الواحد فالحذف منه بمنزلة حذف حشو الكلمة والحذف من المضاف إليه يمنع منه أن تالي أداة النداء المضاف, فالحذف من المضاف إليه بمنزلة الحذف من غير المنادى والمراد بذي الإضافة المضاف حقيقة أو حكمًا
__________
959- عجزه:
أواصرنا والرِّحْمُ بالغيب تُذْكَرُ
والبيت من الطويل، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص214؛ وأسرار العربية ص239؛ والإنصاف 1/ 347؛ وخزانة الأدب 2/ 329، 330؛ والدرر 3/ 51 وشرح أبيات سيبويه 1/ 462؛ وشرح المفصل 2/ 20؛ والكتاب 2/ 271؛ ولسان العرب 3/ 333 "فرد"، 4/ 549 "عذر"؛ والمقاصد النحوية 4/ 290 وبلا نسبة في لسان العرب 12/ 233 "رحم"؛ 12/ 416 "عكرم"؛ وهمع الهوامع 1/ 181.(3/260)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
960- يا عَبْدَ هل تَذْكُرني ساعةً
يريد يا عبد هند يخاطب عبد هند اللخمي وذلك علم له. وتقدم أن ترخيم المضاف نادر أيضًا كما في نحو: يا علقم الخير. الرابع: أن لا يكون ذا إسناد فلا يجوز ترخيم برق نحره وتأبط شرا وسيأتي الكلام عليه.
تنبيه: أهمل المصنف من شروط الترخيم مطلقًا ثلاثة: الأول: أن
يكون مختصا بالنداء فلا يرخم نحو: فل وفلة. الثاني: أن لا يكون مندوبًا. الثالث: أن لا يكون مستغاثًا. وأما قوله:
961- كُلَّما نادى مُنادٍ منهم ... يا لِتيمِ اللهِ قلنا يا لِمال
فضرورة أو شاذ. وأجاز ابن خروف ترخيم المستغاث إذا لم يكن فيه اللام كقوله:
962- أعام لك ابنُ صَعصعةَ بنِ سَعْدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيدخل شبه المضاف فلا يرخم كما في الدنوشري. قوله: "وذلك علم له" أي: فهو داخل في العلم فيصح الاحتراز عنه بأن لا يكون ذا إضافة فلا يقال إن المضاف خارج بالعلم.
قوله: "أن لا يكون ذا إسناد" أي: إن لا يكون منقولًا عن الجملة؛ لأن الجملة محكية بحالها فلا تغير. قوله: "وسيأتي الكلام عليه" يشير إلى أن اشتراط عدم الإسناد أكثري كما سيأتي. قوله: "مطلقًا" أي: سواء كان بتاء التأنيث أو لا. قوله: "ثلاثة" زاد السيوطي أن لا يكون مبنيا قبل النداء فلا يرخم يا حذام وقد مر ذلك. قوله: "أن لا يكون مندوبًا" قال شيخنا: ظاهره ولو بدون ألف الندبة وهو مفهوم كلام الرضي ا. هـ. وإنما لم يرخم المندوب؛ لأن الغالب زيادة الألف في آخره لمد الصوت إظهارًا للتفجع فلا يناسبه الترخيم. قوله: "أن لا يكون مستغاثًا" أي: لا مجرورًا باللام لعدم ظهور أثر النداء فيه من النصب أو البناء على الضم فلم يرد عليه الترخيم الذي هو من خصائص المنادى ولا مفتوحًا بزيادة الألف؛ لأن الزيادة تنافي الحذف ولا مجردًا من اللام والألف إلحاقًا له بذي اللام والألف. قوله: "يا لمال" أي: يا لمالك. قوله: "أعام" أي: يا عامر وتقدم أن الاستغاثة مختصة بيا وأن الاستغاثة بغيرها شاذة فقوله: أعام فيه شذوذ من وجهين نداء
__________
960- عجزه:
في مَوْكبٍ أو رائدًا للقنيصْ
والبيت من السريع، وهو لعدي بن زيد في ديوانه ص69؛ والمقاصد النحوية 4/ 298؛ وبلا نسبة في شرح التصريح 2/ 184.
961- البيت من الرمل، وهو لمرة بن الوراغ في المقاصد النحوية 4/ 300؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص164؛ وشرح التصريح 2/ 184.
962- صدره:
تمناني ليلقاتي لقيطُ
والبيت من الوافر، وهو للأخوص "أو الأحوص" بن شريح في الكتاب 2/ 238؛ والمقاصد النحوية 4/ 300؛ وبلا نسبة في الدرر 3/ 50؛ وشرح التصريح 2/ 184؛ وهمع الهوامع 1/ 181.(3/261)
ومَعَ الآخِرِ احذفْ الذي تَلا ... إن رِيدَ لَينًا ساكنًا مُكمِّلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والصحيح ما مر "ومع" حذف الحرف "الآخر" في الترخيم "احذف" الحرف "الذي تلا" أي: الذي تلاه الآخر وهو ما قبل الآخر ولكن بشروط أربعة: الأول وإليه أشار بقوله: "إن زيد" أي: إن كان ما قبل الآخر زائدًا، فإن كان أصليا لم يحذف نحو: مختار ومنقاد علمين؛ لأن الألف فيهما منقلبة عن عين الكلمة، فتقول يا مختا ويا منقا. الثاني: أن يكون "لينًا" أي: حرف لين وهو الألف والواو والياء، فإن كان صحيحًا لم يحذف سواء كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المستغاث بغيريا وترخيمه ولعل قوله: لك خبر لمحذوف أي: ندائي لك أو استغاثة ثانية بعامر والتقدير: يا لك وابن صعصعة نعت لعامر وصدر البيت:
تمناني ليقتلني لقيط
وهو اسم رجل. قوله: "والصحيح ما مر" أي: من أنه لا يرخم المستغاث مطلقًا. قوله: "احذف" أي: وجوبًا كما في ابن عقيل وعن الفراء لو سمي بنحو: حمراء جاز حذف الهمزة فقط. قوله: "ولكن بشروط أربعة" تقدم ما يؤخذ منه شرط خامس عند غير سيبويه وهو أن لا يكون الآخر تاء التأنيث كما في أرطاة. قوله: "الأول" مبتدأ خبره محذوف دل عليه الكلام تقديره كونه زائدًا إذ لا جائز أن يكون قول المصنف: إن زيد خبرًا؛ لأنه لا يصلح للخبرية؛ ولأن الشارح جعله مقول القول ولا قول الشارح وإليه إلخ لاقترانه بالواو.
قوله: "إن زيد إلخ" يشمل نحو: هندات وحمدون وزيدين أعلامًا فترخم بحذف الآخر وما قبله ولا يجوز بقاء الألف في هندات علمًا؛ لأن تاءه ليست للتأنيث كذا في الفارضي وظاهر إطلاقه جواز ترخيم ما ذكر على لغة من ينتظر ومن لا ينتظر مع أن ترخيم هندات وزيدين على لغة من لا ينتظر يلبس بنداء المفرد الذي لا ترخيم فيه, وترخيم حمدون على اللغتين يلبس بذلك, ودعوى أن هذا الإلباس لا يلتفتون إليه يردها التفاتهم إليه في مواضع كثيرة من هذا الباب كما ستعرفه, ثم رأيت الفارضي قال: في موضع آخر ما نصه لو سمي بزيدين أو بما فيه ياء النسب كزيدي لزم ترخيمه على اللغة الأولى نحو: يا زيد بكسر الدال ولو رخم على الثانية لالتبس بمنادى لا ترخيم فيه ا. هـ. فهذا يدل على أن نحو: هندات وزيدين إنما يرخم على لغة من ينتظر ونحو: حمدون لا يرخم مطلقًا للإلباس وهذا هو الظاهر فتدبر.
قوله: "فتقول يا مختا ويا منقا" أي: خلافًا للأخفش حيث جوز يا مخت ويا منق بحذف الألف همع. قوله: "لينا" قال المكودي: حال من الضمير في زيد وهو مخفف لين ولا ينافي هذا الإعراب قول الشارح أن يكون لينًا؛ لأنه حل معنى ثم ما ذكر صريح في أن اللام مفتوحة وقول الشارح أي: حرف لين يقتضي أنه بكسرها إلا أن يجعل بيانًا لمعنى لينًا بفتحها واحترز به المصنف عن زائد ليس لينًا نحو: شمأل فالهمزة حرف زائد غير لين وكان الأولى للمصنف أن(3/262)
أَرْبعةً فصاعِدًا والخُلفُ في ... واوٍ وياءٍ بهما فَتحٌ قُفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
متحركًا نحو: سفرجل أو ساكنًا نحو: قمطر فتقول يا سفرج ويا قمط خلافًا للفراء في قمطر فإنه يجيز يا قم بحذف حرفين. والثالث: أن يكون "ساكنًا" فإن كان متحركًا لم يحذف نحو: هبيخ وقنور فتقول يا هبخ وقنوى. والرابع: أن يكون "مكملًا أربعة فصاعدًا" فإن كان ثالثًا لم يحذف خلافًا للفراء كما في نحو: ثمود وعماد وسعيد فتقول يا ثمو ويا عما ويا سعي فالمستكمل الشروط نحو: أسماء ومروان ومنصور وشملال وقنديل علمًا، فتقول فيها يا أسم ويا مرو ويا منص ويا شمل ويا قند، ومنه قوله:
963- يا أَسْم صَبرًا على ما كانَ من حَدَثٍ
وقوله:
964- يا مَرْو إنَّ مَطَيِتِّي مَحبوسةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يقول بدل لينًا مدا ليفيد اشتراط أن يكون قبله حركة من جنسه لفظًا كما في منصور أو تقديرًا كما في مصطفون علمًا, إذ أصله مصطفيون كما سيذكره الشارح ويستغنى عن قوله: ساكنًا. قوله: "فإن كان" أي: ما قبل الآخر. قوله: "نحو: سفرجل" اعترض إخراجه بهذا القيد بأنه خارج بقوله: قبل أن زيد؛ لأن الجيم أصلية. قوله: "نحو: قمطر" بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء المهملة هو الجمل القوي الضخم والرجل القصير ا. هـ. قاموس وفسره صاحب المصباح بما يصان فيه الكتب. قال: ويذكر ويؤنث وربما أنث بالهاء فقيل قمطرة. قوله: "بحذف حرفين" علل بأن الاقتصار على حذف الحرف الأخير يوجب عدم النظير وهو سكون آخر الاسم الصحيح لفظًا وتقديرًا على لغة التمام ولفظًا فقط على لغة الانتظار وفيه أنه على لغة التمام يضم. قوله: "ساكنًا" قال يس: المحققون لا يطلقون أحرف اللين على أحرف العلة إلا إذا كانت ساكنة, فقوله ساكنًا وصف كاشف ا. هـ. ونقل ابن غازي عن بعضهم أن المصنف جعل اللين ههنا شاملًا للمحرك فلذلك أخرجه بقوله: ساكنًا بخلاف قوله: في باب التكثير ما لم يك لينًا.
قوله: "هبيخ" بفتح الهاء والموحدة وتشديد التحتية آخره خاء معجمة الغلام الممتلئ أي: السمين. قوله: "وقنور" بفتح القاف والنون وتشديد الواو آخره راء الصعب اليبوس من كل شيء. قوله: "لم يحذف خلافًا للفراء" حيث جوز أن يقال يا عم ويا ثم ويا سع وقيل إنما قال بالحذف في ثمود فقط فرارًا من بقاء آخر الاسم واوًا بعد ضمة همع. قوله: "علمًا" أي: في حالة كون كل
__________
963- عجزه:
إن الحوادِثَ مَلقيُّ ومُنْتَظِرُ
والبيت من البسيط، وهو للبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص364؛ والكتاب 2/ 258؛ ولأبي زبيد الطائي في ملحق ديوانه ص151؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 435؛ وللبيد أو لأبي زبيد في شرح التصريح 2/ 186؛ والمقاصد النحوية 4/ 288؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 63.
964- عجزه:
ترجو الحياءَ ورَبُّها لم يَيأسِ
والبيت من الكامل، وهو للفرزدق في ديوانه 1/ 384؛ وخزانة الأدب 6/ 347؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 505؛ وشرح التصريح 2/ 186؛ والكتاب 2/ 257؛ واللمع ص199؛ والمقاصد النحوية 4/ 292؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 62؛ وشرح قطر الندى ص215؛ وشرح المفصل 2/ 22.(3/263)
والعَجُزَ احذفْ من مُركَّبٍ وقَل ... تَرْخيمُ جُملَةٍ وذا عمرو نَقَل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"والخلف في واو وياء" استكملا الشروط المتقدمة لكن "بهما فتح قفي" نحو: فرعون وغرنيق علمًا، فذهب الجرمي والفراء إلى أنه يحذف مع الآخر كالذي قبله حركة مجانسة، فيقال يا فرع ويا غرن. قال في شرح الكافية: وغيرهما لا يجيز ذلك، بل يقول يا غرني ويا فرعو.
تنبيه: يقال في ترخيم مصطفون ومصطفين علمين يا مصطف قولًا واحدًا، كما نبه عليه في شرح الكافية؛ لأن الحركة المجانسة فيهما مقدرة؛ لأن أصله مصطفيون ومصطفيين، وإليه أشار في التسهيل بقوله: مسبوق بحركة مجانسة ظاهرة أو مقدرة "والعجز احذف من مركب" تركيب مزج نحو: بعلبك وسيبويه، فتقول يا بعل ويا سيب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منهما علمًا أو هو راجع لقنديل وأما علمية ما قبله فظاهرة وقد يضعف هذا بخفاء علمية شملال أيضًا. قوله: "بهما فتح قفي" الباء للتعدية الخاصة متعلقة بقفي فالمعنى أتبعا الفتح أي: جعلاتا بعين للفتح. قوله: "وغرنيق" بضم الغين المعجمة وسكون الراء وفتح النون طير من طيور الماء طويل العنق تصريح. قوله: "علمًا" لما مر أنه إنما يرخم من الخالي من التاء العلم. قوله: "إلى أنه" أي: المذكور من الواو والياء المفتوح ما قبلهما وقوله كالذي قبله أي: كاللين الذي قبله إلخ.
قوله: "قولًا واحدًا" أي: بالنظر لحذف حرف اللين مع الآخر فلا ينافي ما سيأتي من أنه على لغة من لا ينتظر يتعين رد المحذوف فيقال يا مصطفى بالألف في ترخيم مصطفون ومصطفين ويا قاضي بالياء في ترخيم قاضون وقاضين لانتفاء سبب حذف الألف والياء لفظًا وتقديرًا وهو التقاء الساكنين وعلى لغة من ينتظر فيه وجهان الرد نظرًا لانتفاء السبب لفظًا وعدم الرد نظرًا لوجوده تقديرًا, فيقال على هذا الأخير يا مصطف بفتح الفاء ويمتنع يا مصطف بضم الفاء على كل حال إذ لا وجه له كما علم مما تقرر, والحاصل أنه لا بد من حذف حرف اللين مع الآخر فلا يقال يا مصطفو ولا يا مصطفى بالواو والياء على اللغتين والتفرقة بينهما إنما هي برد الألف وعدمه كذا قال شيخنا وغيره, وفيه أن الإلباس لازم على لغة من لا ينتظر فهلا قيل بمنعها هنا على قياس ما مر عن الفارضي ثم رأيت عن الرضي فيما يأتي ما يؤيده فاعرفه. قوله: "فيهما مقدرة" فليسا من محل الخلاف بل مما استجمع شروط الوفاق سم. قوله: "لأن أصله مصطفيون" كذا في الفارضي أيضًا قال شيخنا: وإنما جعله بالياء مع أنه واوي؛ لأن آخر المقصور يقلب ياء في المثنى والجمع على حده كما سيأتي
ا. هـ. فمراده بالأصل ما يستحقه عند التثنية والجمع فاندفع
قول البعض كان الصواب مصطفوون ومصطفوين؛ لأنه واوي لا يائي ا. هـ. وإنما كان واويا؛ لأنه من الصفوة.(3/264)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا تفعل في المركب العددي فتقول في خمسة عشر علمًا يا خمسة، ومنع الفراء ترخيم المركب من العدد إذا سمي به، ومنع أكثر الكوفيين ترخيم ما آخره ويه، وذهب الفراء إلى أنه لا يحذف منه إلا الهاء، فتقول يا سيبوي. وقال ابن كيسان: لا يجوز حذف الجزء الثاني من المركب بل إن حذفت الحرف أو الحرفين فقلت يا بعلب ويا حضرم لم أر به بأسًا. والمنقول أن العرب لم ترخم المركب وإنما أجازه النحويون قياسًا.
تنبيه: إذا رخمت اثنا عشر واثنتا عشرة علمين حذفت العجز مع الألف قبله، فتقول يا اثن ويا اثنت كما تفعل في ترخيمهما لو لم يركبا، نص على ذلك سيبويه، وعلته أن عجزهما بمنزلة النون ولذلك أعربا "وقل ترخيم" علم مركب تركيب إسناد، وهو المنقول من "جملة" نحو: تأبط شرا وبرق نحره "وذا عمرو" وهو سيبويه "نقل" أي: نقل ذلك عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ويا سيب" مشكل على ما صرح به أبو حيان والسيوطي والدماميني وغيرهم جازمين به من أنه يشترط في المرخم أن لا يكون مبنيًا قبل النداء إلا أن يستثنى المركب أو يبنى على لغة إعرابه إعراب ما لا ينصرف أو يكون الشارح ومن وافقه مخالفين في ذلك الاشتراط ا. هـ سم وهذا الإشكال يجري في نحو: خمسة عشر أيضًا. قوله: "وكذا تفعل في المركب العددي" والمنصوص أنك إذا رخمت خمسة عشر بحذف عجزه ثم وقفت فإنك تقف بالهاء على اللغتين وإذا رخمت بعلبك, ثم وقفت فعلى لغة من ينوي لك أن تقول يا بعله بهاء السكت وإن شئت لم تأت بالهاء ووقفت بإسكان الأخير وأما على لغة من لم ينو فيتحتم الوقف بالإسكان وذهب الأخفش إلى رد المحذوف من المركب المرخم عند الوقف ا. هـ. دماميني وقوله: فيتحتم إلخ يؤيد ما أسلفه الشارح عن أبي حيان في المؤنث بالتاء إذا وقف عليه بعد الترخيم سم.
قوله: "فتقول يا سيبوي" أي: على لغة من ينتظر أما على لغة من لا ينتظر فتقول يا سيبوا؛ لأن الياء تضم على هذه اللغة فتقلب ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها قاله الشارح على الأوضح. قوله: "لا يجوز حذف الجزء الثاني من المركب" أي: إن حصل لبس كأن يكون ثم من اسمه حضر ومن اسمه حضرموت قاله الشارح على الأوضح. قوله: "قياسًا" أي: على ما فيه تاء التأنيث؛ لأن الجزء الثاني يشبه تاء التأنيث من وجوه فتح ما قبله غالبًا وحذفه في النسب وتصغير صدره كما أن تاء التأنيث كذلك واحترزنا بغالبًا عن نحو: معد يكرب. قوله: "إذا رخمت اثنا عشر واثنتا عشرة" بالألف فيهما على الحكاية كما يصرح به قوله مع الألف. قوله: "بمنزلة النون" أي: المحذوفة التي عاقبتها عشر وعشرة ولذلك لا يضاف اثنا عشر واثنتا عشرة كما يضاف ثلاثة عشر وأخواته ونظر فيه ابن الحاجب بأن عشر وعشرة اسمان برأسهما ولا يلزم من معاقبتهما النون حذف الألف معهما كما تحذف مع النون كذا في الدماميني.
قوله: "وقل ترخيم جملة إلخ" الحاصل أن المحذوف للترخيم إما حرف نحو: يا سعا في يا سعاد وإما حرفان نحو: يا مرو وفي يا مروان وإما كلمة برأسها نحو: يا معدي في يا معد يكرب(3/265)
وإنْ نَوَيتَ بعدَ حذفِ ما حُذفْ ... فالباقيَ استَعْمِل بما فيه ألِف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العرب. قال المصنف: أكثر النحويين لا يجيزون ترخيم المركب المضمن إسنادًا كتأبط شرا، وهو جائز؛ لأن سيبويه ذكر ذلك في أبواب النسب فقال: تقول في النسب إلى تأبط شرا تأبطي؛ لأن من العرب من يقول يا تأبط. ومنع ترخيمه في باب الترخيم، فعلم بذلك أن منع ترخيمه كثير وجواز ترخيمه قليل. وقال الشارح: فعلم إن جواز ترخيمه على لغة قليلة.
تنبيه: عمرو اسم سيبويه، وسيبويه لقبه، وكنيته أبو بشر "وإن نويت بعد حذف ما حذف" ما مفعول نويت: أي: إذا نويت ثبوت المحذوف بعد حذفه للترخيم "فالباقي" من المرخم "استعمل بما فيه ألف" قبل الحذف، وتسمى هذه لغة من ينوي ولغة من ينتظر، فتقول يا حار بالكسر، ويا جعف بالفتح، ويا منص بالضم، ويا قمط بالسكون في ترخيم حارث وجعفر ومنصور وقمطر.
تنبيهان: الأول منع الكوفيون ترخيم نحو: قمطر مما قبل آخره ساكن على هذه اللغة، وحجتهم ما يلزم عليه من عدم النظير، وقد تقدم مذهب الفراء فيه. الثاني: يستثنى من قوله بما فيه ألف مسألتان: ذكرهما في غير هذا الكتاب: الأولى ما كان مدغمًا في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويا تأبط في يا تأبط شرا وإما كلمة وحرف نحو: يا اثن ويا اثنت في اثنا عشر واثنتا عشرة علمين والذي استظهره سم في ترخيم المركب الإسنادي إذا لم ينو المحذوف أنه إن كان الباقي جملة كما في تأبط فإن فاعله مستتر فيه قدر الضم في آخره, وإلا كما في قام من قام زيد ضم آخره لفظًا؛ لأنه كالمستقل والفعل الخالي من الضمير إذا سمي به يعرب لفظًا فإذا نودي ضم لفظًا. قوله: "وذا عمرو نقل" ذا مبتدأ وعمرو مبتدأ ثان خبره نقل والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط محذوف تقديره نقله أو ذا مفعول نقل بناء على الصحيح من جواز تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ. قوله: "أي: نقل ذلك عن العرب" أي: في باب النسب كما سيذكره الشارح فلا ينافي أنه منع ترخيمه في باب الترخيم. قوله: "لأن من العرب من يقول يا تأبط" هذا محل الاستشهاد.
قوله: "فعلم بذلك" أي: بمجموع كلامه في الموضعين. قوله: "وسيبويه لقبه" سيب بمعنى تفاح وويه بمعنى رائحة والإضافة في لغة العجم على قلبها في لغة العرب ولقب بذلك للطافته؛ لأن التفاح من لطيف الفواكه كذا في التصريح. قوله: "بعد حذف" بالتنوين. قوله: "بما فيه ألف" الباء للملابسة متعلقة باستعمل وما واقعة على حال ولا حاجة إلى جعل الباء بمعنى على. قوله: "من عدم النظير" وهو أن يكون الاسم المتمكن الصحيح الآخر ساكن الآخر ا. هـ. سم وللبصريين أن يقولوا المنوي كالثابت فليس الساكن هو الآخر في الحقيقة وكونه آخرًا لفظًا لا محذور فيه فتأمل. قوله: "ما كان مدغمًا" أي: الباقي الذي كان آخره مدغمًا. وقوله فيما يأتي الثانية ما حذف أي: باقي الاسم ذي الحرف الذي حذف ويحتمل أن التقدير الأولى الحرف الذي كان آخره(3/266)
واجْعَلْهُ إن لم تَنوِ مَحذوفًا كما ... لو كان بالآخِرِ وَضْعا تُمِّما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المحذوف وهو بعد ألف فإنه إن كان له حركة في الأصل حركته بها نحو: مضار ومحاج، فتقول فيهما يا مضار ويا محاج بالكسر إن كانا اسمي فاعل وبالفتح إن كانا اسمي مفعول، ونحو: تحاج تقول فيه يا تحاج بالضم؛ لأن أصله تحاجج، وإن كان أصلي السكون حركته بالفتح نحو: أسحار اسم بقلة، فإن وزنه أفعال بمثلين أولهما ساكن لا حظ له في الحركة، فإذا سمي به ورخم على هذه اللغة قيل يا أسحار بالفتح، فتحركه بحركة أقرب الحركات إليه وهو الحاء. وظاهر كلام الناظم في التسهيل والكافية تعين الفتح فيه على هذه اللغة. واختلف النقل عن سيبويه فقال السيرافي: يحتم الفتح، وقال الشلوبين: يختاره ويجيز الكسر. ونقل ابن عصفور عن الفراء أنه يكسر على أصل التقاء الساكنين وهو مذهب الزجاج. ونقل بعضهم أيضا أنه يحذف كل ساكن يبقى بعد الآخر حتى ينتهي إلى متحرك، فعلى هذا يقال يا أسح. الثانية: ما حذف لأجل واو الجمع كما إذا سمي بنحو: قاضون ومصطفون من جموع معتل اللام فإنه يقال في ترخيمه يا قاضي ويا مصطفى برد الياء في الأول والألف في الثاني لزوال سبب الحذف. هذا مذهب الأكثرين وعليه مشى في الكافية وشرحها، لكنه اختار في التسهيل عدم الرد "واجعله" أي: اجعل الباقي في المرخم "إن لم تنو محذوفًا كما لو كان بالآخر وضعًا تمما" أي: كالاسم التام الموضوع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مدغمًا الثانية الحرف الذي حذف والأول أنسب بالسياق. قوله: "وهو بعد ألف" ليس بقيد بل الياء كذلك كما في خويص تصغير خاص إذا سميت به كما في الدماميني؛ ولذا قال الشارح على الأوضح: بعد مدة فلو لم يكن قبل المدغم مدة كمحمر بقي على سكونه ا. هـ. أي: كبقاء قمطر على سكونه ولكن يلزم ما تقدم من عدم النظير إلا أن يقال ما مر وإنما خص الألف بالذكر هنا لكثرتها.
قوله: "نحو: مضار ومحاج" أي: علمين لما مر. قوله: "بالفتح" لأنه أقرب الحركات إليه أي: إلى السكون ووجهه أنه أخف الحركات فهو أقرب إلى السكون في الخفة؛ لأن السكون أخف من الحركات ا. هـ. سم وعبارة الشارح على الأوضح فتحركه بحركة أقرب المتحركات إليه وهو الحاء وضمير إليه عليها يرجع إلى الحرف الأخير كالراء من أسحار وهذه العبارة هي الواقعة في كثير من نسخ الشارح لكن مع إبدال المتحركات بالحركات فتؤول بالمتحركات كما في عبارته على التوضيح. قوله: "فعلى هذا يقال يا أسح" أي: بالفتح؛ لأن الكلام في لغة من ينتظر. قوله: "الثانية ما حذف" تقدم الكلام عليه. قوله: "لأجل واو الجمع" التقييد بالواو غير جيد؛ لأن الحكم كذلك فيما لو سمي بالجمع ذي الياء نحو: قاضين ومصطفين دماميني. قوله: "لزوال سبب الحذف" وهو التقاء الساكنين.
قوله: "لكنه اختار في التسهيل عدم الرد" فتقول يا قاض بالضم ويا مصطف بالفتح؛ لأن الساكن الأخير كالثابت لفظًا فالتقاء الساكنين موجود تقديرًا ولا خلاف في رد الياء والألف على لغة من لم ينو كما تقدم. قوله: "إن لم ينو محذوف" هكذا في نسخ بافتتاح ينو بتحتية وبنائه(3/267)
فقُل على الأوَّل في ثَمودَ يا ... ثَمُو ويا ثَمي على الثاني بيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على تلك الصيغة فيعطي آخره من البناء على الضم وغير ذلك من الصحة والإعلال ما يستحقه لو كان آخرًا في الوضع، فتقول يا حار ويا جعف ويا منص ويا قمط بالضم في الجميع كما لو كانت أسماء تامة لم يحذف منها شيء.
تنبيهان: الأول لو كان ما قبل المحذوف معتلا قدرت فيه الضمة على هذه اللغة فتقول في ناجية يا ناجي بالإسكان وهو علامة تقدير الضم ولو كان مضمومًا قدرت ضمًا غير ضمه الأول نحو: تحاج ومنص. الثاني يجوز في نحو: يا حار بن زيد على هذه اللغة ضم الراء وفتحها كما جاز ذلك في نحو: يا بكر بن زيد "فقل على" الوجه "الأول" وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للمجهول ورفع محذوف على النيابة عن الفاعل وفي نسخ إن لم تنو محذوفًا بافتتاح تنو بفوقية وبنائه للفاعل ونصب محذوفًا على المفعولية وهو أوفق بقوله: قبل وإن نويت بعد حذف ما حذف وتسمى هذه اللغة لغة من لا ينتظر. قوله: "كما" قال المكودي في موضع المفعول الثاني لأجله: والظاهر أن ما في قوله كما زائدة ولو مصدرية والتقدير ككونه متممًا بالآخر في الوضع ا. هـ. خالد وإنما كان هذا هو الظاهر مع أن الحقيق بجعله مزيدًا الثاني دون الأول لوقوعه في مركزه لكثرة زيادة ما بخلاف لو. قوله: "بالآخر" أي: آخره بعد الحذف سم. قوله: "من الصحة والإعلال" أي: إن كان آخره صحيحًا بقي على حاله وإلا أعل كما في ثمود فإنه يقال فيه ثمي بقلب الواو ياء والضمة كسرة.
قوله: "على هذه اللغة" أي: لغة التمام وأما على لغة الانتظار فيقال في ترخيم يا ناجية يا ناجي بالفتح كما في سم. قوله: "يا ناجي" مشكل مع قوله الآتي: والتزم الأول إلخ نعم إن خصصنا ما يأتي بالصفة وهذا بالعلم فلا إشكال ا. هـ. سم وأقره شيخنا والبعض. وفيه أن تخصيص ما يأتي بالصفة لا يوافق صنيع الشارح الآتي؛ لأنه جعل كلام المصنف فيما يأتي عاما للصفة وغيرها, والذي ينبغي عندي حمل ما هنا على ما إذا وجدت القرينة الدافعة للبس وما يأتي على ما إذا لم توجد ثم رأيت عن الرضي فيما يأتي ما يؤيده. قوله: "ولو كان" أي: ما قبل المحذوف مضمومًا قدرت إلخ أي: على هذه اللغة ومن نوى لم يقدر شيئًا وظاهر قول الشارح قدرت ضما أنه مبني على ضم مقدر والذي في التصريح أن نحو: تحاج ومنص على لغة التمام مبني على ضمة حادثة للبناء غير الضمة التي كانت قبل الترخيم بدليل أن هذه يجوز اتباعها, والضمة التي كانت قبل الترخيم لا يجوز اتباعها فلو قال الشارح وأتيت بضم غير ضمة الأول لوافق ما في التصريح, والأقرب عندي ما مشى عليه الشارح وإن ضعفه البعض تبعًا للتصريح؛ لأن تقدير ضمة أسهل من تكلف ذهاب الضمة الأصلية وحدوث ضمة أخرى للبناء. وما استدل به صاحب التصريح لا ينهض لجواز أن يكون رفع التابع اتباعًا للضمة المقدرة كما في يا سيبويه العالم برفع العالم لا للضمة الملفوظ بها فاحفظه.
قوله: "على هذه اللغة ضم الراء وفتحها" ومر أنها تكسر على لغة الانتظار ففي نحو: يا(3/268)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مذهب من ينتظر "في" ترخيم "ثموديا ثمو" بإبقاء الواو؛ لأنها محكوم لها بحكم الحشو فلم يلزم مخالفة النظير "و" قل "يا ثمي على" الوجه "الثاني بيا" أي: بقلب الواو ياء لتطرفها بعد ضمة كما تقول في جمع جرو ودلو الأجري والأدلي والألزم عدم النظير إذ ليس في العربية اسم معرب آخره واو لازمة قبلها ضمة فخرج بالاسم الفعل نحو: يدعو المعرب المبني نحو: هو وذو الطائية، ويذكر الضم نحو: دلو وغزو، وباللزوم نحو: هذا أبوك. وقل في ترخيم نحو: صميان وكروان على الأول يا صمي ويا كرو بفتح الياء والواو لما سبق، وعلى الثاني يا صما ويا كرا بقلبهما ألفا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما مع عدم المانع الذي سيأتي بيانه كما فعل برمي ودعا. وقل في ترخيم سقاية وعلاوة على الأول يا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حار بن زيد تثليث الراء. قوله: "وقل يا ثمي على الثاني بيا" يفهم من تقدير الشارح قل أن العطف من عطف الجمل ومن تقديره قل في الجملة الثانية وبإبقاء الواو في الجملة الأولى أن في كلام المصنف احتباكًا حيث حذف من كل من الجملتين نظير ما أثبته في الأخرى. قوله: "بقلب الواو ياء" أي: والضمة كسرة. قوله: "الأجرى والأدلى" أصلهما الأجرو والأدلو بضم الراء واللام فقلبوا الضمة كسرة والواو ياء. قوله: "إذ ليس في العربية إلخ" وذلك لمزيد الثقل بخلاف الياء التي قبلها كسرة وينظر ما الفرق بين الاسم والفعل حيث لم يجز في الأول وجاز في الثاني مع أنه أثقل وكذا يقال في المبني ا. هـ. دنوشري ويمكن أن يقال لما كان وضع الفعل دون الاسم على الثقل قبل النقل دون الاسم. قوله: "اسم معرب" فيه أن هذا منادى معرف مفرد فهو مبني وأجيب بأن له حكم المعرب لعروض بنائه. قوله: "نحو: يدعو" فإن جعل علمًا فهو أمر عارض.
قوله: "وبالمعرب المبني" أي: أصالة لما تقدم. قوله: "نحو: هو إلخ" وأما نحو: سنبو اسم بلد بالصعيد فالظاهر أنه غير عربي ومثل بمثالين إشارة إلى أنه لا فرق في الواو والتي قبلها ضمة بين أن تكون متحركة أو ساكنة. قوله: "نحو: هذا أبوك" فإن الواو فيه ليست لازمة فإنها تقلب ألفًا في النصب وياء في الجر ومما خرج باللزوم نحو: هزو بإبدال الواو ومن الهمزة فإنه يصح فيه الهمز بدل الواو بل هو الأصل فلا يلزمه الواو. قوله: "صميان وكروان" أي: علمين لما مر أن من شروط الترخيم العلمية أو التأنيث بالتاء وكذا يقال في الأمثلة الآتية والصميان في الأصل. هو التقلب والتوثب ويقال رجل صميان أي: شجاع زكريا. قوله: "لما سبق" أي: من الحكم على كل بأنه حشو ولم يقلبا ألفًا كما قلبا على الثاني؛ لأن شرط قلبهما أن لا يكون بعدهما ساكن وعلى هذا بعدهما ساكن تقديرًا لا على الثاني. قوله: "مع عدم المانع الذي سيأتي بيانه" أي: في قول الناظم:
من ياء أو واو بتحريك أصل
ألفًا ابدل بعد فتح متصل. إن حرك التالي إلخ فالمانع الآتي أن يكون بعدهما ساكن. قوله: "كما فعل برمى ودعا" فيه لف ونشر مرتب فرمى راجع إلى يا صمى ودعا راجع إلى يا كرافان(3/269)
والتَزَمِ الأولَ في كمُسْلِمَه ... وجَوِّز الوجهينِ في كمَسْلَمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سقاي ويا علا وبفتح الياء والواو، وعلى الثاني يا سقاء ويا علاء بقلبهما همزة لتطرفهما بعد ألف زائدة كما فعل برشاء وكساء. وقل في ترخيم لات مسمى به على الأول يا لا وعلى الثاني يا لاء بتضعيف الألف؛ لأنه لا يعلم له ثالث يرد إليه. وقل في ترخيم ذات على الأول يا ذا وعلى الثاني يا ذوا برد المحذوف. وقل في ترخيم سفيرج تصغير سفرجل على الأول يا سفير وعلى الثاني يا سفير عند الأكثرين, وقال الأخفش: يا سفيرل برد اللام المحذوف لأجل التصغير. وفروع هذا الباب كثيرة جدا وفيما ذكرناه كفاية "والتزم الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صمى ورمس يا ئيا اللام وكرا ودعا واو يا ها وكذا يقال فيما بعد. قوله: "وعلاوة" بكسر العين المهملة ما علقته على البعير بعد تمام الوقر ا. هـ. خالد. قوله: "برشاء وكساء" أصلهما رشاي وكساو. قوله: "بتضعيف الألف" أي: وقلب الثانية همزة كما سيأتي في بابه. قوله: "وعلى الثاني يا ذو ابرد المحذوف" هو اللام أي: وقلبه ألفًا وإرجاع العين إلى أصلها وهو الواو إذ أصل ذات ذوي أو ذوو على الخلاف حذفت اللام وعوض عنها تاء التأنيث كما قيل في بنت ثم قلبت الواو التي هي عين الكلمة ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها. فإن قيل لو كانت التاء عوضًا عن اللام ما جمع بينهما في التثنية والجمع حيث قيل ذواتا وذوات قلت لا نسلم الجمع فيهما, بل التاء في التثنية لمحض التأنيث كالتاء في كل مثنى مؤنث والتاء في الجمع هي التاء المزيدة مع الألف في جمع المؤنث واللام باقية على حذفها فلا جمع. هذا ما ظهر لي في هذا المحل وهو متين وإن أوهم بعض العبارات خلافه.
قوله: "برد اللام المحذوفة" أي: لأن حذفها كان بسبب عدم تأتي صيغة التصغير مع بقائها وبقاء الجيم فلما حذفت الجيم ردت اللام لتأتى الصيغة معها حينئذٍ وأما الجيم فسبب حذفها الترخيم وهو موجود فلا ترد. وقوله: لأجل التصغير متعلق بالمحذوفة. قوله: "والتزم الأول إلخ" كلامه هنا شامل للعلم والصفة وعليه درج الشارح وصرح الناظم في بعض كتبه بما قاله جماعة: إن هذا اللبس إنما يعتبر في الصفة لا في العلم وهو الذي دل عليه كلام سيبويه ووجهه أن اشتهار المسمى بعلمه مما يزيل اللبس في الغالب. قال الرضي: والحق أن كل موضع قامت فيه قرينة تزيل اللبس جاز الترخيم على الانتظار كان أولًا، وإلا فلا كذا في الدماميني وعليه فيمتنع الوجهان الترخيم على الانتظار والترخيم على عدمه إذا ألبس كل منهما فيمتنع ترخيم نحو: فتاة رأسًا فإنه على الوجهين يلتبس بيا فتى غير مرخم, قال يس: لكن قضية تجويز الناظم ترخيم المثنى والجمع بحذف زيادتيه كما مر جواز ترخيم ما ذكر, وإن كان فيه لبس ولعل الفرق أن هاء التأنيث وضعت لتمييز المؤنث فلا يليق حذفها عند اللبس لمنافاته الغرض من وضعها ولا كذلك ما عداها ا. هـ. قال البعض: وقد يقال علامة التثنية والجمع وضعت لتمييز المثنى والجمع عن المفرد فلا فرق ا. هـ. وقد أفدناك فيما تقدم أن تجويز ترخيم المثنى والجمع بحذف زيادته محمول على ما إذا رخما على لغة من ينتظر بدون لبس وحينئذٍ فلا إشكال فاعرفه.(3/270)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في" موضعين: الأول ما يوهم تقدير تمامه تذكير مؤنث "كمسلمة" وحارثة وحفصة فتقول فيه يا مسلم ويا حارث ويا حفص بالفتح؛ لئلا يلتبس بنداء مذكر لا ترخيم فيه. والثاني: ما يلزم بتقدير تمامه عدم النظير كطيلسان في لغة من كسر اللام مسمى به فتقول فيه يا طيلس بالفتح على نية المحذوف ولا يجوز الضم؛ لأنه ليس في الكلام فيعل صحيح العين إلا ما ندر من نحو: صيقل اسم امرأة و"عَذَابٍ بَيئس" في قراءة بعضهم، ولا فيعل معتلها بل التزم في الصحيح الفتح كضيغم وفي المعتل الكسر كسيد وصيب وهين وكحبليات وحبلوي وحمراوي فتقول فيها يا حبلى ويا حبلو ويا حمراو فتح الياء والواو على نية المحذوف, ولا يجوز القلب على نية الاستقلال لما يلزم عليه من عدم النظير وهو كون ألف فعلى وهمزة فعلاء مبدلتين وهما لا يكونان إلا للتأنيث.
تنبيه: ذكر الناظم هذا السبب الثاني في الكافية والتسهيل ولم يذكره هنا لعلة لأجل أنه مختلف فيه فاعتبره الأخفش والمازني والمبرد، وذهب السيرافي وغيره إلى عدم اعتباره وجواز الترخيم فيما تقدم والتمام "وجوز الوجهين في" ما هو "كمسلمة" بفتح الأول اسم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "تذكير مؤنث" ليس بقيد بل مثل إيهام تذكير المؤنث إيهام مجرد نداء مذكر لا ترخيم فيه كما صرحوا به فلو قال ما يوهم تقدير تمامه خلاف المراد لأجاد. قوله: "كمسلمة وحارثة" أي: لمؤنث أو مذكر فلا يجوز ترخيمهما على لغة من لا ينتظر لإيهامه تذكير المؤنث إن كانا لمؤنث ونداء مذكر لا ترخيم فيه إن كانا لمذكر وحفصة أي: لمؤنث فلا يجوز ترخيمها على لغة من لا ينتظر لإيهامه تذكير المؤنث ولا فرق في الثلاثة بين أن تكون أعلامًا أو نكرات مقصودة. وكالثلاثة في التزام الأول كل ما كانت التاء فيه للفرق أما ما ليست التاء فيه للفرق كحمزة وطلحة فيجوز فيه الوجهان.
قوله: "وعذاب بيئس في قراءة بعضهم" عبارة الفارضي وبعذاب بيئس بياء ساكنة قبل همزة مكسورة في قراءة شعبة عن عاصم. قوله: "ولا فيعل معتلها" أي: بفتح العين وذكره تتميمًا للفائدة وإن لم يكن له دخل في التعليل فاندفع ما قاله البعض. قوله: "وكحبليات" عطف على كطيلسان وأعاد الكاف لبعد العهد ولدفع توهم عطفه على ما قبله. قوله: "وحبلوي وحمراوي" أي: بكسر الواو وتشديد الياء فيهما نسبة إلى حبلى وحمراء فقول الشارح بفتح الياء والواو صوابه وكسر الواو إذ لا وجه لفتح الواو إلا أن تصحح عبارته بأن الواو معطوف على فتح لا على الياء هذا ما ظهر لي بعد التوقف, ثم رأيت في الفارضي ما يؤيده حيث قال والثاني كطيلسان وحبلوى علمين. فتقول يا طيلس ويا حبلو بفتح السين وكسر الواو على اللغة الأولى. قوله: "ولا يجوز القلب" فلا تقول يا حبلى بقلب الياء والواو ألفًا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما ولا يا حمراء بقلب الواو همزة لتطرفها بعد ألف زائدة. قوله: "لا يكونان إلا للتأنيث" أي: وما للتأنيث لا يكون مبدلًا ا. هـ سم. أي: بل مزيدتين للتأنيث. قوله: "فيما تقدم" أي: في الأمثلة المتقدمة كطيلسان وحبليات(3/271)
ولاضْطرارٍ رَخَّموا دونَ نِدا ... ما للنِّدا يَصلحُ نحوُ أَحمدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رجل لعدم المحذورين المذكورين، فتقول يا مسلم بفتح الميم وضمها.
تنبيه: الأكثر فيما جاز فيه الوجهان الوجه الأول وهو أن ينوي المحذوف كما نص عليه في التسهيل، وعبارته تقدير ثبوت المحذوف للترخيم أعرف من تقدير التمام بدونه "ولا
ضطرار رخموا دون ندا ما للندا يصلح نحو أحمدا" أي: يجوز الترخيم في غير النداء بشروط ثلاثة: الأول الاضطرار إليه فلا يجوز ذلك في السعة. الثاني: أن يصلح الاسم للنداء نحو: أحمد فلا يجوز في نحو: الغلام، ومن ثم خطئ من جعل من ترخيم الضرورة قوله:
965- أوالفامَكَّة من وُرْقِ الحَمى
كما ذكره ابن جني في المحتسب والأصل الحمام فحذف الألف والميم الأخيرة لا على وجه الترخيم لما ذكرناه ثم كسر الميم الأولى لأجل القافية. الثالث: أن يكون إما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ونحوهما. قوله: "وجوز الوجهين في كمسلمه" قد يقال ترخيمه على لغة التمام يلبس بنداء مسلم مسمى به ا. هـ سم وقد يجاب بأن التسمية به نادرة فلم تعتبر. قوله: "كمسلمة" أي: وحمزة وطلحة.
فائدة: أجاز الجمهور وصف المرخم ومنه قول الشاعر:
أحار بن عمرو البيت. ومنعه السيرافي والفراء وجعل ابن عمرو بدلًا واستقبحه ابن السراج ويجوز رفع تابعه على لغة التمام مراعاة للفظ وأما على لغة الانتظار فقال سم فيه نظر إذ لا ضم في اللفظ. قال يس: والذي يظهر الجواز؛ لأن الحرف الذي حقه الضم في حكم الثابت وهو يؤيد ما قدمناه عند قول الشارح ولو كان مضمومًا قدرت إلخ. قوله: "للترخيم" صلة المحذوف وقوله: أعرف أي: أشهر في لسان العرب وقوله: بدونه أي: المحذوف. قوله: "ومن ثم" أي: من أجل اشتراط صلاحية الاسم للنداء. قوله: "فحذف الألف إلخ" هذا الذي فعله الشاعر من حذف الحرفين وكسر الميم الأولى في غاية الشذوذ كما في ابن غازي وغيره. قوله: "لما ذكرناه" أي: من اشتراط الصلاحية للنداء فهو علة لقوله: لا على وجه الترخيم.
قوله: "الثالث أن يكون إلخ" اعترض بأن هذا الثالث لا يؤخذ من كلام المصنف فكيف
__________
965- الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 453؛ والدرر 3/ 49؛ وشرح ابن عقيل ص425؛ والكتاب 1/ 26، 110؛ ولسان العرب 15/ 293 "منى"؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص51؛ والمحتسب 1/ 78؛ والمقاصد النحوية 3/ 554، 4/ 285؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 294؛ والإنصاف 2/ 519؛ والخصائص 3/ 135؛ والدرر 6/ 244؛ ورصف المباني ص178؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 721؛ وشرح التصريح 2/ 189؛ وشرح المفصل 6/ 75؛ وهمع الهوامع 8/ 181، 2/ 157.(3/272)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زائدًا على الثلاثة أو بتاء التأنيث ولا تشترط العلمية ولا التأنيث بالتاء عينًا كما أفهمه كلامه ونص عليه في التسهيل ومنه قوله:
966- لَيسَ حَيٌّ على المنونِ بخالِ
أي: بخالد.
تنبيه: اقتضى كلامه أن هذا الترخيم جائز على اللغتين وهو على لغة التمام إجماع كقوله:
967- لنِعم الفَتَى تَعْشُو إلى ضوءِ نارِهِ ... طريفُ بنُ مالٍ لَيلةَ الجوعِ والخَصَرْ
أراد ابن مالك فحذف الكاف وجعل ما بقي من الاسم بمنزلة اسم له لم يحذف منه شيء؛ ولهذا نونه وأما على لغة من ينتظر فأجازه سيبويه ومنعه المبرد ويدل للجواز قوله:
968- ألا أَضْحَت حِبالُكم رِماما ... وأضحت منكَ شاسِعة أُماما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أوقعه في حيز أي: التفسيرية وزعم البعض أن هذا الشرط مستغنى عنه بالثاني باطل فراجعه تعرف. قوله: "ولا التأنيث بالتاء عينًا" المتبادر أن عينًا راجع إلى التأنيث بالتاء يعني أن خصوص التأنيث بالتاء لا يشترط بل الشرط إما التأنيث بالتاء أو الزيادة على ثلاثة أحرف فلا طائل تحت ما أطال به البعض. قوله: "كما أفهمه كلامه" أي: حيث أطلق ولم يشترط العلمية والتأنيث بالتاء. قوله: "ومنه" أي: من الزائد على الثلاث المرخم ضرورة وليس بعلم ولا مؤنث بالتاء. قوله: "تعشو" بتاء الخطاب أي: تسير في العشاء أي: الظلام والخصر بمعجمة فمهملة مفتوحتين شدة البرد وضبطه بمهملتين سهو ا. هـ. زكريا وكذا ضبطه بإعجام الخاء صاحب مختصر الصحاح, وقال: إنه من باب طرب. وأشار بقوله: وضبطه بمهملتين سهو إلى العيني وصاحب التصريح فإنهما ضبطاه بمهملتين وفسراه بشدة البرد.
قوله: "رمامًا" بكسر الراء جمع رمة بالضم وهي قطعة الحبل البالية والشاسعة البعيدة وأصل
__________
966- عجزه:
فلَوى ذَرْوَةً فجنبي ذِيالِ
والبيت من الخفيف، وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص109؛ والدرر 3/ 47؛ والمقاصد النحوية 4/ 461؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 181.
967- البيت من الطويل، وهو لامرئ المقيس في ديوانه ص142؛ وتذكرة النحاة ص420؛ والدرر 3/ 48؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 45؛ وشرح التصريح 2/ 190؛ والكتاب 2/ 254؛ والمقاصد النحوية 4/ 280؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 69؛ ورصف المباني ص239؛ وشرح ابن عقيل ص537؛ وهمع الهوامع 1/ 181.
968- البيت من الوافر وهو لجرير في ديوانه ص221؛ وخزانة الأدب 2/ 365؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 594؛ وشرح التصريح 2/ 190؛ والكتاب 2/ 270؛ والمقاصد النحوية 4/ 282؛ ونوادر أبي زيد ص31؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص240؛ والإنصاف 1/ 353؛ وأوضح المسالك 4/
70؛ وشرح عمدة الحافظ ص313.(3/273)
الاختصاص:
الاختصاصُ كنِداء دونَ يا ... كأيُّها الفَتَى بإثْرِ ارجُونِيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هكذا رواه سيبويه. ورواه المبرد:
وما عهدي كعهدك يا أماما
قال في شرح الكافية: والإنصاف يقتضي تقرير الروايتين ولا تدفع إحداهما بالأخرى واستشهد سيبويه أيضًا بقوله:
969- إنَّ ابنَ حارثَ أنْ اشْتَقْ لرُؤيتَهِ ... أو أَمْتَدِحهُ فإنَّ الناسَ قد عَلِموا
خاتمة: قال في التسهيل ولا يرخم في غيرها يعني في غير الضرورة منادى عار من الشروط إلا ما شذ من يا صاح وأطرق كرا على الأشهر، إذ الأصل صاحب وكروان فرخما مع عدم العلمية شذوذًا. وأشار بالأشهر إلى خلاف المبرد فإنه زعم أنه ليس مرخمًا، وإن ذكر الكروان يقال له كرا. والله أعلم.
الاختصاص:
"الاختصاص" قصر الحكم على بعض أفراد المذكور وهو خبر "كنداء" أي: جاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أماما أمامة اسم امرأة ولو رخم على لغة التمام لقيل أمام بالرفع. قوله: "يا أماما" أي: فهو من ترخيم المنادى لا من الترخيم للضرورة فلا شاهد فيه على هذه الرواية لسيبويه. قوله: "إن ابن حارث" أراد حارثة فرخمه بحذف التاء للضرورة على لغة من ينتظر ومفعول علموا محذوف تقديره قد علموا ذاك مني كما في العيني. قوله: "على الأشهر" راجع لأطرق كرا فقط كما يعلم مما بعده. قوله: "إذ الأصل صاحب" زعم ابن خروف أن الأصل صاحبي وأنه أجري مجرى المركب المزجي فرخم بحذف الكلمة الثانية, ثم أدركه ترخيم آخر بعد ذلك الترخيم فحذفت الباء من صاحب وهو تعسف لا داعي إليه. قوله: "مع عدم العلمية" أي: وعدم التاء.
الاختصاص:
الباعث عليه إما فخر نحو: على أيها الجواد يعتمد الفقير أو تواضع نحو: إني أيها العبد فقير إلى عفو الله أو بيان المقصود نحو: نحن العرب أقرى الناس للضيف. قوله: "قصر الحكم على بعض أفراد المذكور" أي: أولًا فإذا قيل لا عالم إلا زيد فقد قصرنا الحكم وهو ثبوت العلم على زيد وهو بعض أفراد المذكور أولًا وهو عالم وهذا معناه لغة وأما اصطلاحًا فهو تخصيص حكم
__________
969- البيت من البسيط، وهو لأوس بن حنباء في الدرر 3/ 48؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 527؛ وشرح التصريح 2/ 190؛ والكتاب 2/ 272؛ والمقاصد النحوية 4/ 283؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص241؛ والإنصاف 1/ 354؛ والمقرب 1/ 188؛ وهمع الهوامع 1/ 181.(3/274)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على صورة النداء لفظًا توسعًا كما جاء الخبر على صورة الأمر والأمر على صورة الخبر والخبر على صورة الاستفهام والاستفهام على صورة الخبر لكنه يفارق النداء في ثمانية أحكام: الأول أنه يكون "دون يا" وأخواتها لفظًا ونية. الثاني: أنه لا يقع في أول الكلام بل في أثنائه، وقد أشار إليه بقوله: "كأيها الفتى بإثر ارجونيا" الثالث: أنه يشترط أن يكون المقدم عليه اسمًا بمعناه. الرابع والخامس أنه يقل كونه علمًا وأنه ينصب مع كونه مفردًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
علق بضمير بما تأخر عنه من اسم ظاهر معرفة معمول لأخص واجب الحذف. قوله: "أي: جاء على صورة النداء" أشار به إلى أن وجه شبه الاختصاص بالنداء كونه على صورته أي: غالبًا فلا يرد أن المنصوب على الاختصاص المقرون بأل ليس على صورة المنادى. ولك أن تقول وجه الشبه أن كلا من الاختصاص والنداء يوجد معه الاسم تارة مبنيا على الضم وتارة منصوبًا وهذا أوجه من قول شيخنا السيد مجيئة على صورة النداء إنما هو في أيها وأيتها لا غير.
قوله: "كما جاء الخبر على صورة الأمر" نحو: أحسن بزيد فإن صورته صورة الأمر وهو خبر على المشهور إذ هو في تقدير ما أحسنه والأمر على صورة الخبر نحو: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} أي: ليرضعن والخبر على صورة الاستفهام نحو: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} أي: الله كاف عبده والاستفهام على صورة الخبر نحو:
عندك زيد على تقدير همزة الاستفهام. قوله: "في ثمانية أحكام" زاد عليها في التصريح أنه لا يكون نكرة ولا اسم إشارة ولا موصولًا ولا ضميرًا وأنه لا يستغاث به ولا يندب ولا يرخم وأن أيا هنا اختلف في ضمتها هل هي إعراب أو بناء وفي النداء بناء بلا خلاف وأن العامل المحذوف هنا فعل الاختصاص, وفي النداء فعل الدعاء وأن هذا العامل لم يعوض عنه هنا شيء وعوض عنه في النداء حرفه, وجميع الأحكام المذكورة راجعة إلى جهة اللفظ وأما الأحكام المعنوية التي يفترقان فيها فثلاثة: أحدها أن الكلام مع الاختصاص خبر ومع النداء إنشاء. والثاني أن الغرض من ذكره تخصيص مدلوله من بين أمثاله بما نسب إليه بخلاف النداء. والثالث أنه مفيد لفخر أو تواضع أو بيان المقصود.
قوله: "بل في أثنائه" أراد بالاثناء ما قابل الأول فيشمل ما وقع في وسط الكلام كما في نحن معاشر الأنبياء لا نورث لوقوعه بين المبتدأ والخبر وما وقع بعد فراغه كمثال الناظم لوقوع أيها الفتى بعد فراغ كلام تام وهو ارجوني. قوله: "كأيها الفتى باثر ارجونيا" وإعراب ذلك أن يقال: ارجوني فعل أمر للجماعة مبني على حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء مفعول وأي: مبني على الضم في محل نصب على المفعولية بأخص المحذوف وجوبًا وها للتنبيه والفتى مرفوع بضمة مقدرة على الألف نعتًا لأي: تابع للفظها فقط. قوله: "اسمًا بمعناه" كالياء في ارجوني فإنها بمعنى أيها الفتى أي: أن المراد منهما شيء واحد وهذا أوضح مما قاله البعض.
قوله: "وأنه ينصب" أي: لفظًا لا محلا فقط مع كونه مفردًا أي: معرفًا. قال في التوضيح: كما في هذا المثال يعني المثال المتقدم في عبارته وهو بك الله نرجو الفضل كما في شرحه ويستثنى من ذلك أي: كما في مثال الناظم فإن نصبها محلي فقط. ومما ذكرنا يعلم ما في كلام(3/275)
وقَدْ يُرَى ذا دونَ أيٍّ تِلو أَل ... كمِثلِ نَحنُ العُربَ أَسْخى من بَذَل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السادس: أنه يكون بأل قياسًا كما سيأتي أمثلة ذلك. السابع: أن أيا توصف في النداء باسم الإشارة وهنا لا توصف به. الثامن: أن المازني أجاز نصب تابع أي: في النداء ولم يحكوا هنا خلافًا في وجوب رفعه. وفي الارتشاف لا خلاف في تابعها أنه مرفوع. واعلم أن المخصوص وهو الاسم الظاهر الواقع بعد ضمير يخصه أو يشارك فيه على أربعة أنواع: الأول أن يكون أيها وأيتها فلهما حكمها في النداء وهو الضم، ويلزمهما الوصف باسم محلى بأل لازم الرفع نحو: أنا أفعل كذا أيها الرجل: واللهم اغفر لنا أيتها العصابة. والثاني أن يكون معرفا بأل وإليه الإشارة بقوله: "وقد يرى ذا دون أي تلو أل كمثل نحن العرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البعض من التخليط. قوله: "وهنا لا توصف به" الاقتصار على اسم الإشارة يدل على أنها توصف بالموصول سم. قوله: "ولم يحكوا هنا خلافًا إلخ" لعل وجهه أنه يتوسع في النداء ما لا يتوسع في الاختصاص لأنه أكثر منه دورانًا. وقوله في وجوب رفعه أي: مراعاة للفظ أي: وظاهر عبارته أن ضمته إعرابية والتحقيق أنها ضمة اتباع كما مر في النداء إذ لا مقتضى للرفع الإعرابي.
قوله: "بعد ضمير يخصه إلخ" شرحه على ظاهره البعض فقال: أي: يخص الاسم الظاهر كأنا أفعل كذا أيها الرجل أو يشارك فيه أي: يشارك الاسم الظاهر في الضمير غيره كنحن العرب أسخى من بذل وبنا تميمًا ا. هـ. وفيه أن الضمير دائمًا يخص الاسم الظاهر بمعنى أن المراد منه هو المراد من الاسم الظاهر كما صرحوا به وقد تقدم وحينئذٍ لا يصح هذا التقسيم اللهم إلا أن يراد بمشاركة غير الاسم الظاهر له في الضمير إمكانها لصلاحية نحن مثلًا في نفسها بقطع النظر عن المقام؛ لأن يراد بها ما يعم الأنبياء وغيرهم فتدبر. وقوله: يشارك فيه إما مبني للمفعول أو للفاعل وضميره المستتر فيه على كل راجع للاسم الظاهر كما علم فهذه الصفة المعطوفة جارية على غير الموصوف وإن كانت الصفة المعطوف عليها جارية عليه ولم يبرز الضمير الراجع إلى الاسم الظاهر لأمن اللبس. ويصح على بناء يشارك للمفعول جعل نائب فاعله قوله: فيه فيكون خاليًا من الضمير جاريًا على الموصوف. قوله: "أيها" أي: للمذكر مفردًا أو مثنى أو جمعًا وأيتها أي: للمؤنث مفردًا أو مثنى أو جمعًا كذا في الشاطبي.
قوله: "نحو: أنا أفعل كذا أيها الرجل إلخ" جملة الاختصاص في المثالين في موضع نصب على الحال والمعنى أنا أفعل ذلك مخصوصًا من بين الرجال, واللهم اغفر لنا مخصوصين من بين العصائب قاله الرضي. قوله: "العصابة" هي بكسر العين الجماعة الذين أمرهم واحد. قوله: "معرفًا بأل" قال ابن الحاجب: المعرف بأل ليس منقولًا عن النداء؛ لأن المنادى لا يكون ذا لام ونحو: أيها الرجل منقول عنه قطعًا والمضاف يحتمل الأمرين: أن يكون منقولًا عن المنادى ونصبه بياء مقدرة كما في أيها الرجل وأن ينتصب بفعل مقدر نحو: أعني أو أخص أو أمدح كما في المعرف بأل والنقل خلاف الأصل فالأولى أن ينتصب انتصاب نحن العرب ا. هـ. وقوله: ونصبه بياء مقدرة أي: مجردة عن معنى النداء وإلا كان منادى حقيقة لا منقولًا عن المنادى هذا والحق ما صرح به الشارح والموضح وغيرهما أن كل مخصوص منصوب بفعل مقدر تقديره أخص مثلًا(3/276)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أسخى من بذل" بالذال المعجمة أي: أعطى. والثالث أن يكون معرفًا بالإضافة كقوله -صلى الله عليه وسلم: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث". وقوله:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل
قال سيبويه: وأكثر الأسماء دخولًا في هذا الباب بنو فلان، ومعشر مضافة، وأهل البيت وآل فلان. والرابع أن يكون علمًا وهو قليل، ومنه قوله:
970- بِنا تَمِيمًا يُكْشَفُ الضَّبابُ
ولا يدخل في هذا الباب نكرة ولا اسم إشارة.
تنبيه: لا يقع المختص مبنيا على الضم إلا بلفظ أيها وأيتها، وأما غيرهما فمنصوب وناصبه فعل واجب الحذف تقديره: أخص. واختلف في موضع أيها وأيتها: فمذهب الجمهور أنهما في موضع نصب بأخص أيضًا, وذهب الأخفش إلى أنه منادى ولا ينكر أن ينادي الإنسان نفسه، ألا ترى إلى قول عمر -رضي الله عنه: كل الناس أفقه منك يا عمر، وذهب السيرافي إلى أن أيا في الاختصاص معربة وزعم أنها تحتمل وجهين: أن تكون خبرًا لمبتدأ محذوف والتقدير: أنا أفعل كذا هو أيها الرجل أي: المخصوص به. وأن تكون مبتدأ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وليس هناك يا مقدرة. قوله: "وقد يرى ذا" أي: المنصوب على الاختصاص ودون حال من ذا، وتلو مفعول ثان ليرى والكاف في كمثل زائدة. قوله: "العرب" منصوب بمحذوف والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر وكذا المنصوب في الحديث والبيت. كذا في المغني.
قوله: $"نحن معاشر الأنبياء" قال في التصريح: هذا الحديث بلفظ نحن قال الحفاظ غير موجود, وإنما الموجود في سنن النسائي الكبرى إنا معاشر الأنبياء ا. هـ. وقال شيخنا السيد: رواه البزار بلفظ نحن ورواه النسائي بلفظ إنا. قوله: "وأهل البيت" قيل منه إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت والصحيح كما في المغني أنه منادى حقيقة؛ لأن الاختصاص بعد ضمير الخطاب قليل كما يأتي. قوله: "يكشف الضباب" هو شيء كالغبار يكون في أطراف السماء. عيني. قوله: "ولا اسم إشارة" ولا موصول ولا ضمير قاله في الارتشاف. تصريح.
قوله: "إلا بلفظ أيها وأيتها" وجه الضم فيهما استصحاب حالهما في النداء بأن نقلا بحالهما عن النداء واستعملا في غيره كذا في الحواشي. وقال في المغني: وجه بنائهما على الضم مشابهتهما في اللفظ أيها وأيتها في النداء وإن انتفى هنا موجب بنائهما في النداء.
قوله: "هو أيها الرجل" لعل أيها على كلامه واقعة على الشخص مثلًا فتأمل. قوله: "أي
__________
970- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص169؛ وخزانة الأدب 2/ 413؛ والدرر 3/ 15؛ والكتاب 2/ 234؛ والمقاصد النحوية 4/ 302؛ وهمع الهوامع 1/ 171؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 2/ 18.(3/277)
التحذير والإغراء:
إيَّاكَ والشَّرَّ ونَحوَهُ نَصَبْ ... مُحَذِّرٌ بما استِثارُهُ وَجَبْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والخبر محذوف والتقدير أيها الرجل المخصوص أنا المذكور.
خاتمة: الأكثر في المختص أن يلي ضمير متكلم كما رأيت, وقد يلي ضمير مخاطب كقولهم بك الله نرجو الفضل، وسبحانك الله العظيم، ولا يكون بعد ضمير غائب.
التحذير الإغراء:
التحذير تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه والإغراء تنبيهه على أمر محمود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المخصوص به" تفسير للضمير أعني هو والضمير في به يرجع إلى الفعل المفهوم من إفعل كذا قوله: "أنا المذكور" خبر عن أيها ولا حاجة إلى زيادة قوله المذكور. قوله: "أن يلي ضمير متكلم" ولا يجوز أن يتقدم على الضمير كما قاله السيوطي وغيره. قوله: "ولا يكون بعد ضمير غائب" ولا بعد اسم ظاهر فلا يجوز بهم معشر العرب ختمت المكارم ولا بزيد العالم تقتدي الناس. تصريح.
التحذير والإغراء:
قال في النكت: جمعهما في باب واحد لاستواء أحكامهما وكان ينبغي تقديم الإغراء على التحذير؛ لأن الإغراء هو الأحسن معنى وعادة النحويين البداءة به كما يقولون نعم وبئس وتقول الناس الوعد والوعيد والثواب والعقاب ونحو: ذلك ولا ترى طباعهم العكس ا. هـ. ولك أن تقول إنما قدموا التحذير؛ لأنه من قبيل التخلية والإغراء من قبيل التحلية ثم هما وإن تساويا حكمًا مفترقان معنى فالإغراء التسليط على الشيء والتحذير الإبعاد عنه. ويشتمل التحذير على محذر بكسر الذال وهو المتكلم ومحذر بفتحها وهو المخاطب ومحذر منه وهو الشر مثلًا كذا في الغزي ومثله يجري في الإغراء. وقوله: وهو المخاطب اقتصر عليه مع أنه قد يكون المتكلم والغائب؛ لأن تحذيرهما شاذ كما سيأتي. قال شيخ الإسلام: التحذير يكون بثلاثة أشياء بإياك وأخواتها وبما ناب عنهما من الأسماء المضافة إلى ضمير المخاطب نحو: نفسك وبذكر المحذر منه نحو: الأسد وسيأتي بيانها في كلامه.
قوله: "تنبيه المخاطب" اقتصر على المخاطب مع أن التحذير يكون لغيره؛ لأن تحذيره هو الكثير المقيس فقصد الشارح تعريف هذا النوع منه فقط. قوله: "على أمر مكروه" ولو في زعم المحذر فقط أو المخاطب فقط. أفاده سم. قوله: "ليجتنبه إلخ" بقي تنبيه المخاطب على أمر مذموم ليفعله وتنبيهه على أمر محمود ليجتنبه, والظاهر عندي أن الأول من الإغراء والثاني من التحذير، وإنما لم يذكرهما الشارح؛ لأنهما لا ينبغي صدورهما من العاقل. بقي أن تعريف التحذير يشمل نحو: لا تؤذ أخاك ولا تعص الله، وظاهر ما نقلناه قريبًا عن شيخ الإسلام خلافه وتعريف الإغراء يشمل نحو: أحسن إلى أخيك وأطع الله واصبر، وفي كون كل ذلك ونحوه يسمى إغراء(3/278)
ودونَ عَطفٍ ذا لإيَّا انسُبْ وما ... سواهُ سَتْرُ فِعلِهِ لن يَلزما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ليفعله، وإنما ذكر ذلك بعد باب النداء؛ لأن الاسم في التحذير والإغراء مفعول به بفعل محذوف ولا يجوز إظهاره كالمنادى على تفصيل يأتي.
واعلم أن التحذير على نوعين: الأول أن يكون بإياك ونحوه. والثاني بدونه: فالأول يجب ستر عامله مطلقًا كما أشار إليه بقوله: "إياك والشر ونحوه" أي: نحو: إياك، كإياك وإياكما وإياكم وإياكن "نصب محذر بما" أي: بعامل "استتاره وجب" لأنه لما كثر التحذير بهذا اللفظ جعلوه بدلًا من اللفظ بالفعل، والأصل احذر تلاقي نفسك والشر، ثم حذف الفعل وفاعله ثم المضاف الاول وأنيب عنه الثاني فانتصب، ثم الثاني وأنيب عنه الثالث فانتصب وانفصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اصطلاحًا بعد. فتأمل. قوله: "محمود" فيه ما مر في نظيره وكان الأحسن في المقابلة أن يعبر بالمكروه والمحبوب أو بالمذموم والمحمود.
قوله: "بعد باب النداء" أي: حقيقة أو صورة ليشمل الاختصاص. قوله: "على تفصيل يأتي" حاصله أن محل الوجوب إذا كان التحذير بإيا ونحوه أو بغيره مع العطف أو التكرار. قوله: "يجب ستر عامله" أي: حذفه. قال البعض: مقدرًا بعد إياك إذ لا يتقدم الفعل مع انفصال الضمير وفيه أنهم ذكروا من أسباب الانفصال حذف الفعل وتأخره ولا مانع أن يكون سببه هنا الحذف, بل صرح به بعضهم فالفعل المقدر يجوز تقدمه مع انفصال الضمير وما ذكره من عدم جواز تقدمه مع انفصال الضمير, إنما هو في الفعل الملفوظ به فما علل به تقدير الفعل بعد إياك لا ينهض. والتعليل الصحيح ما في الدماميني ونصه: تقدير الفعل بعد إياك واجب إذ لو قدر مقدمًا للزم أن يكون أصله باعدك أي: باعد أنت إياك فيلزم تعدي الفعل الرافع لضمير الفاعل إلى ضميره المتصل وذلك خاص بأفعال القلوب وما حمل عليها ا. هـ. ثم يؤخذ من التعليل ما أفاده صنيع التصريح وصرح به شيخنا السيد من أن وجوب تقديره بعد إياك, إنما هو على جعل الأصل إياك باعد عن الأسد والأسد عنك. وأما على جعل الأصل احذر تلاقي نفسك والأسد وهو ما مشى عليه الشارح والموضح فلا يجب تقديره بعد إياك لانتفاء المحذور المذكور نظرًا إلى أن المفعول في الحقيقة تلاقي لا الضمير. هذا تحقيق المقام فاحتفظ عليه والسلام. فإن قلت المعطوف في حكم المعطوف عليه وإياك محذر والأسد محذر منه وهما متخالفان فكيف جاز العطف فالجواب أنه لا يجب مشاركة الاسم المعطوف للمعطوف عليه إلا في الجهة التي انتسب بها المعطوف عليه إلى عامله وهي هنا كونه مفعولًا به أي: مباعدًا وكذا الأسد مباعد إذ المعنى إياك باعد وباعد الأسد كما مر.
قوله: "مطلقًا" أي: سواء كان مع عطف أو تكرار أولًا. قوله: "جعلوه" أي: هذا اللفظ بدلًا أو عوضًا من اللفظ أي: من التلفظ بالفعل أي: ولا يجمع بين العوض والمعوض. قوله: "وأنيب عنه الثالث" ليس الثالث صفة لمحذوف تقديره المضاف الثالث وإن أوهمته عبارته إذ ليس ثم مضاف ثالث بل الثالث مضاف إليه فيجعل صفة لمحذوف تقديره الاسم الثالث. قوله: "فانتصب وانفصل" أي: بعد أن كان مجرورًا متصلًا. قوله: "ودون عطف" دون ظرف لغو متعلق بانسب(3/279)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"ودون عطف ذا" الحكم أي: النصب بعامل مستتر وجوبًا "لإيا انسب" سواء وجد تكرار كقوله:
971- فإيَّاكَ إيَّاكَ المراءَ فإنَّهُ ... إلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وللشرِّ جالِبُ
أم لم يوجد نحو: إياك من الأسد، والأصل باعد نفسك من الأسد، ثم حذف باعد وفاعله والمضاف، وقيل التقدير أحذرك من الأسد، فنحو: غياك الأسد ممتنع على التقدير الأول وهو قول الجمهور، وجائز على الثاني وهو رأي الشارح وظاهر كلام التسهيل ويعضده البيت. ولا خلاف في جواز إياك أن تفعل لصلاحيته لتقدير من. قال في التسهيل: ولا يحذف يعني العاطف بعد إيا إلا والمحذوف منصوب بإضمار ناصب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا قوله: لإيا وذا مفعول مقدم لانسب.
قوله: "والأصل" أي: أصل إياك من الأسد باعد نفسك إلخ. حاصله أنه إذا ذكر المحذر منه بلا عطف فعند الجمهور يتعين جره بمن بناء على أن العامل عندهم في إياك باعد؛ لأنه لا يتعدى إلى الثاني بنفسه وأما البيت فعلى حذف الجار ضرورة وعند ابن الناظم يجوز نصبه ولا تتعين من كما في البيت بناء على أن العامل عنده في إياك احذر ونحوه مما يتعدى إلى اثنين بنفسه كجنب، وعند الناظم على ما يؤخذ من التسهيل إما أن يجر بمن أو ينصب بفعل محذوف آخر تقديره دع أو نحوه ويجوز إظهاره، وأما نحو: إياك أن تفعل فجائز عند الجميع. قوله: "وقيل التقدير أحذرك من الأسد" لأن احذر يتعدى بمن كما يتعدى بنفسه. قال الحفيد: والحق أن يقال لا يقتصر على تقدير باعد ولا على تقدير احذر بل الواجب تقدير ما يؤدي الغرض إذ المقدر ليس أمرًا متعبدًا به لا يعدل عنه. قوله: "ممتنع على التقدير الأول" لأن باعد لا يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه كما مر وجعله منصوبًا بنزع الخافض والأصل من الأسد يرده أنه سماعي إلا مع إن وأن. ومحل الامتناع إذا لم يضمن معنى فعل يتعدى إلى مفعولين بنفسه كجنب وحذر وإلا جاز. قوله: "وهو قول الجمهور" مرجع الضمير الامتناع المفهوم من ممتنع.
قوله: "وجائز على الثاني" لأن احذر يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه كما يتعدى إليه بمن كما مر وينبني أيضًا على التقديرين أن الكلام على الأول انشائي وعلى الثاني خبري. قوله: "وظاهر كلام التسهيل" اعترضه شيخنا والبعض بأن مفاد ما سينقله عن التسهيل أن نصب الثاني بعامل آخر لا بناصب الأول، ولك دفعه بجعل الضمير في قوله: وهو رأي الشارح وظاهر كلام التسهيل إلى مجرد جواز النصب وإن اختلف تخريجه. قوله: "لصلاحيته لتقدير من" تعليل لجوازه
__________
971- البيت من الطويل، وهو للفضل بن عبد الرحمن في إنباه الرواة 4/ 76؛ وخزانة الأدب 3/ 63؛ ومعجم الشعراء ص310؛ وله للعرزمي في حماسة البحتري ص253؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص686؛ وأوضح المسالك 3/ 336؛ والخصائص 3/ 102؛ ورصف المباني ص137؛ وشرح التصريح 2/ 128؛ وشرح المفصل 2/ 25؛ والكتاب 1/ 279؛ وكتاب اللامات ص70؛ ولسان العرب 15/ 441 "أيا"؛ ومغني اللبيب ص679؛ والمقاصد النحوية 4/ 113، 308؛ والمقتضب 3/ 213.(3/280)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
آخر أو مجرور بمن وتقديرها مع أن تفعل كاف.
تنبيهان: الأول ما قدمته من التقدير في إياك والشر هو ما اختاره في شرح التسهيل وقال: إنه أقل تكلفًا وقيل الأصل اتق نفسك أن تدنو من الشر والشر أن يدنو منك، فلما حذف الفعل استغنى عن النفس فانفصل الضمير، وهذا مذهب كثير من النحويين منهم السيرافي واختاره ابن عصفور. وذهب ابن طاهر وابن خروف إلى أن الثاني منصوب بفعل آخر مضمر فهو عندهما من قبيل عطف الجمل. الثاني حكم الضمير في هذا الباب مؤكدًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على التقدير الأول وترك تعليله على الثاني لظهوره. قوله: "بإضمار ناصب آخر" فالتقدير في إياك الشر باعد كودع الشر. ومن كلام التسهيل هذا تعلم موافقة الناظم الجمهور في تقديرهم عامل إياك باعد إذ لو قدره الناظم احذر لم يحتج إلى تقدير ناصب آخر للشر كما فهم.
قوله: "وقيل الأصل اتق نفسك إلخ" وقيل الأصل باعد نفسك من الشر والشر منك وهو أقل تكلفًا من كون الأصل اتق نفسك إلخ, لا من كون الأصل احذر تلاقي نفسك والشر وبهذا القول صارت الأقوال في إياك والشر أربعة. قوله: "أن تدنو من الشر" بدل اشتمال. قوله: "والشر أن يدنو منك" وقد حصل الواجب من اشتراك المتعاطفين في معنى العامل وهو الاتقاء فلا يقال كيف تعاطفا, وأحدهما محذر والآحر محذر منه. قوله: "فانفصل الضمير" ويقدر الفعل بعده لا قبله وإلا كان الأصل أي: الثاني اتقك فيلزم تعدي الفعل الرافع لضمير الفاعل إلى ضميره المتصل وذلك خاص بأفعال القلوب وما حمل عليها ا. هـ. سم وقد يقال هلا نظر إلى كون الفعل إنما تعدى في الحقيقة إلى نفس المقدرة لا إلى الكاف كما مر نظيره إلا أن يفرق بأن المقدر هنا عين الضمير في المعنى بخلاف المقدر في النظير المار وكل هذا يجري في قوله سابقًا نحو: إياك من الأسد والأصل باعد نفسك من الأسد إلخ فتنبه.
قوله: "بفعل آخر مضمر" تقديره ودع الشر مثلًا. قوله: "حكم الضمير في هذا الباب" أراد بالضمير ما يشمل الضمير المنفصل البارز المنصوب والضمير المتصل المستتر المرفوع المنتقل إلى إياك بعد حذف الفعل. وقوله: حكمه في غيره قال الدماميني: فإذا قلت إياك فعندنا ضميران أحدهما هذا البارز المنفصل المنصوب وهو إياك والآخر ضمير رفع مستكن فيه منتقل إليه من الفاعل الناصب له, فإذا أكدت إياك قلت إياك نفسك وأنت بالخيار في تأكيده بأنت قبل النفس، وإن أكدت ضمير الرفع المستكن فيه قلت إياك أنت نفسك ولا بد من تأكيده بأنت قبل النفس حينئذٍ, وأما العطف فتقول في العطف على إياك إياك وزيدًا والشر وإن شئت قلت إياك أنت وزيدًا والشر، وتقول إن عطفت على المرفوع إياك أنت وزيد ويقبح بدون تأكيد أو فاصل على ما تقدم ا. هـ. قال شيخنا والبعض: وهذا مبني على انتقال الضمير من الفعل إلى إياك ونحوه, وهو خلاف ما تقدم في الشرح في قوله: ثم حذف الفعل وفاعله وعليه فليس معنا إلا ضمير واحد. وأجاب شيخنا السيد بأن حذف الفاعل أولًا مع فعله لا ينافي عوده ثانيًا عند مجيء ما يستكن فيه وهو إياك إذ هو في وقت حذفه لم يكن وهذا كله ظاهر على ما في كثير من النسخ من رفع زيد في قوله(3/281)
إلا مَعَ العَطفِ أو التَّكرارِ ... كالضَّيغمِ يا ذا السَّارِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو معطوفًا عليه حكمه في غيره نحو: إياك نفسك أن تفعل، وإياك أنت نفسك أن تفعل، وإياك وزيدًا أن تفعل، وإياك أنت وزيدًا أن تفعل "وما سواه" أي: ما سوى ما بإيا وهو النوع الثاني من نوعي التحذير. "ستر فعله لن يلزما إلا مع العطف" سواء ذكر المحذر نحو: ماز رأسك والسيف أي: يا مازن ق رأسك واحذر السيف، أم لم يذكر نحو: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13] ، "أو التكرار" كذلك "كالضيغم الضيغم" أي: الأسد الأسد "يا ذا الساري" ونحو: رأسك رأسك جعلوا العطف والتكرار كالبدل من اللفظ بالفعل، فإن لم يكن عطف ولا تكرار جاز ستر العامل وإظهاره، تقول نفسك الشر أي: جنب نفسك الشر، وإن شئت أظهرت، وتقول الأسد أي: احذر الأسد، وإن شئت أظهرت. ومنه قوله:
972- خَلِّ الطريقَ لمن يَبْنِي المَنارَ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإياك أنت وزيد أن تفعل أما على ما في بعضها من نصبه فالمراد بالضمير الضمير البارز فقط, وبحكمه جواز الفصل بأنت بينه وبين تأكيده ومعطوفه وترك الفصل, وحينئذٍ فلا اعتراض على الشارح أصلًا فاعرف ذلك.
قوله: "إلا مع العطف" أي: بالواو فقط كما يأتي. قوله: "سواء ذكر المحذر" بفتح الذال المعجمة. قال شيخنا: الظاهر أن مراده به المخاطب كما زمن ماز رأسك والسيف وذا الساري من الضيغم الضيغم يا ذا الساري لكن هذا خلاف ما اصطلحوا عليه من أن المحذر بفتح الذال الاسم المنصوب بفعل محذوف أو مذكور على التفصيل المعلوم من إيا أو ما جرى مجراه، وعليه قول المصنف: وكمحذر إلخ والدليل على أن مراده المخاطب أنه مثل لما لم يذكر فيه المحذر بناقة الله وسقياها مع أنه يصدق عليه أنه اسم منصوب إلخ ا. هـ. وتمثيله بقوله: كماز إلخ يشعر بأن المراد المخاطب بالنداء لا بالكاف فيكون نحو: رأسك رأسك مثالًا لما لم يذكر فيه المحذر. وقد علم من ذلك أن قول المصنف يا ذا الساري ليس تكملة بل من جملة المثال.
قوله: "أي: يا مازن ق رأسك واحذر السيف" هلا جعل تقديره كهو في إياك والشر أي: احذر تلاقي رأسك والسيف. قوله: "ناقة الله وسقياها" فيه ذكر المحذر منه مع العطف. قال البيضاوي: أي: ذروا ناقة الله وسقياها فلا تذودوها عنها. قال الشيخ: زاده في حاشيته عليه هذا إشارة إلى أن ناقة الله منصوب بعامل مضمر على التحذير وإضمار الناصب هنا واجب لمكان العطف ا. هـ. قوله: "كذلك" أي: سواء ذكر المحذر أولا. قوله: "ونحو: رأسك رأسك" فيه تنبيه على أنه قد يكتفي بذكر المحذر عن ذكر المحذر منه كعكسه.
قوله: "ومنه" أي: من الإظهار. قوله: "خل الطريق" الشاهد فيه حيث أظهر العامل؛ لأن المحذر منه وهو الطريق خال من التكرار والعطف. تصريح. والمنار بفتح الميم والنون حدود
__________
972- عجزه:
وابُرز ببرزَةَ حيث اضطركَ القَدَرُ
والبيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه 1/ 211؛ وشرح التصريح 2/ 195؛ والصاحبي في فقه اللغة ص186؛ والكتاب 1/ 254؛ ولسان العرب 5/ 310 "برز"؛ والمقاصد النحوية 4/ 307؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 78 والرد على النحاة ص75؛ وشرح المفصل 2/ 30.(3/282)