والفتح والكسر أجز في السين من ... نحو عسيت وانتقا الفتح زكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه بمنزلة المفعول، والجزء الثاني بمنزلة الفاعل، والفاعل لا يحذف، وكذا ما أشبهه. ا. هـ. وفيه نظر "والفتح والكسر أجز في السين من" عسى إذا اتصل بها تاء الضمير أو نوناه كما في "نحو عسيت" وعسينا وعسين "وانتقا الفتح زكن" انتقا بالقاف مصدر انتقى الشيء أي اختاره وزكن علم أي اختيار الفتح علم لأنه الأصل وعليه أكثر القراء في قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} [محمد: 22] وقرأ نافع بالكسر.
خاتمة: قال في شرح الكافية: قد اشتهر القول بأن كاد إثباتها نفي ونفيها إثبات حتى جعل هذا المعنى لغزًا:
أنحوي هذا العصر ما هي لفظة ... جرت في لساني جرهم وثمود
إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاقتصار في عساك على الكاف يمنع كونه في موضع نصب لمنع الاقتصار في علك على الكاف كونه في موضع نصب ولا قائل به للاتفاق على أنه في موضع نصب اسم علّ ويدفع بأن عسى فعل وجنس الفعل يرفع الفاعل وينصب المفعول ولعلّ حرف وجنس الحرف لا يرفع الفاعل ولا ينصب المفعول فالذي يشبه الفاعل والذي يشبه المفعول هو مرفوع عسى ومنصوبها لا مرفوع لعلّ ومنصوبها. قوله: "والجزء الثاني" أي من معمولي عسى وهو الخبر. قوله: "وفيه نظر" لأنه لا يلزم من كون شيء بمنزلة شيء أن يعطي سائر أحكامه على أنه ورد حذف المرفوع في قولهم إن مالًا وإن ولدًا بل عهد حذف الفاعل في مواضع يمكن قياس ما هنا عليها. قوله: "والكسر" لأن كسر سين عسى بوزن رضى لغة فاحفظه. قوله: "أو نوناه" فيه تغليب نون الإناث على نا. قوله: "لأنه الأصل" أي الغالب. قوله: "فهل عسيتم" استدل به بعضهم على أن عسى خبر لأن الاستفهام لا يدخل على الإنشاء والجواب أنه محمول على المعنى كما قال الزمخشري والمعنى هل قاربتم أن تفسدوا في الأرض بمعنى أتوقع إفسادكم فأدخل هل مستفهمًا عما هو متوقع عنده والاستفهام للتقرير وإثبات أن المتوقع كائن وأنه صائب في توقعه كذا في يس. وحاصله أن المراد من عسى مجرد المقاربة فهي في معنى الخبر. قوله: "بأن كاد إثباتها نفي إلخ" اعلم أن ظاهر هذا المشهور أن كاد إثباتها نفي لها نفسها ونفيها إثبات لها نفسها. والرد الآتي مبني على حمله على هذا الظاهر وحمله كثير على أن اذ إثباتها للخبر ونفيها إثبات للخبر ورده على هذا الحمل بأن الخبر بمقتضى كاد منفي على كل حال فالشق الأول مسلم والثاني غير مسلم. قوله: "أنحوي هذا العصر إلخ" قائله المعري، وجرهم وثمود قبيلتان من العرب وأراد باللسان اللغة وقد أجابه الشهاب الحجازي بقوله:
لقد كاد هذا اللغز يصدي فكرتي ... وما كدت منه أشتفي بورود
فهذا جواب يرتضيه أولو النهي ... وممتنع عن فهم كل بليد(1/394)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومراد هذا القائل كاد. ومن زعم هذا فليس بمصيب بل حكم كاد حكم سائر الأفعال، وأن معناها منفي إذا صحبها حرف نفي وثابت إذا لم يصحبها. فإذا قال قائل: كاد زيد يبكي فمعناه قارب زيد البكاء، فمقاربة البكاء ثابتة ونفس البكاء منتف، وإذا قال: لم يكد يبكي فمعناه لم يقارب البكاء، فمقاربة البكاء منتفية، ونفس البكاء منتف انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة، ولهذا كان قوله ذي الرمة:
265- إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح
صحيحًا بليغًا لأن معناه إذا تغير حب كل محب لم يقارب حبي التغير، وإذا لم يقاربه فهو بعيد منه، فهذا أبلغ من أن يقول: لم يبرح لأنه قد يكون غير بارح وهو قريب من البراح بخلاف المخبر عنه بنفي مقاربة البراح. وكذا قوله تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40] ، هو أبلغ في نفي الرؤبة من أن يقال: لم يرها لأن من لم ير قد يقارب الرؤبة بخلاف من لم يقارب. وأما قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] ، فكلام تضمن كلامين مضمون كل واحد منهما في وقت غير وقت الآخر. والتقدير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ونفس البكاء إلخ" أي لأن القرب من الفعل يستلزم انتفاءه إذ لو حصل لكان الموصوف متلبسًا به لا قريبًا منه كذا قيل وقد يمنع الاستلزام وعبارة المغني لأن الأخبار بقرب الشيء يقتضي عرفًا عدم حصوله وإلا كان الاخبار حينئذٍ بحصوله لا بمقاربته إذ لا يحسن عرفًا أن يقال لمن صلى قارب الصلاة وإن كان ما صلى حتى قارب الصلاة. ا. هـ. ويمكن حمل الأول على هذا. قوله: "قول ذي الرمة" بضم الراء وتشديد الميم قطعة الحبل البالية واسمه غيلان قيل: لقب ذا الرمة لأنه أتى مية صاحبته وعلى كتفه قطعة حبل بالية فاستسقاها فقالت له: اشرب يا ذا الرمة فلقب به وقيل غير ذلك. قوله: "النأي" أي البعد. والرسيس يطلق على أول الشيء وعلى الشيء الثابت كما في القاموس. ومن بيانية لرسيس الهوى أو للهوى ويشير إلى الأول قول الشارح لم يقارب حبي ولو جرى على الثاني لقال: لم يقارب رسيس حبي ويبرح يذهب. قوله: "وأما قوله تعالى إلخ" جواب عما يقال لو كان خبر كاد المنفية منفيًّا بالأولى لكان قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا} [البقرة: 71] ، الآية متناقضًا ويوضح جوابه قول الرضي: قد يكون مع كاد المنفية قرينة تدل على ثبوت مضمون الخبر بعد انتفائه وانتفاء قربه فتكون تلك القرينة هي الدالة على ثبوت مضمونه في وقت بعد وقت انتفائه وانتفاء قربه لا لفظ كاد، ولا تنافي بين انتفاء الشيء في وقت ثبوته في وقت آخر وذلك كما في: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] . قوله: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ضمير يفعلون عائد لضمير كادوا كما هو القاعدة من رجوع ضمير من الخبر إلى الاسم. قال يس: ولا مانع من كون مرجع الضمير ضميرًا. قوله: "فكلام إلخ"
__________
265- البيت من الطويل، وهو في ديوان ذي الرمة ص1192؛ وخزانة الأدب 9/ 309-312؛ وشرح المفصل 7/ 124، ولسان العرب 6/ 97 "رسس".(1/395)
إن وأخواتها:
لإن أن ليت لكن لعل ... كأن عكس ما لكان من عمل
كإن زيدًا عالم بأني ... كفء ولكن ابنه ذو ضغن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فذبحوها بعد أن كانوا بعداء من ذبحها غير مقاربين له. وهذا واضح والله أعلم.
إن وأخواتها:
"لإن" و"أن" و"ليت" و"لعل" و"كأن عكس ما لكان" الناقصة "من عمل" فتنصب المبتدأ اسمًا لها وترفع الخبر خبرًا لها "كإن زيدا عالم بأني كفء ولكن ابنه ذو ضغن" أي حقد. وقس الباقي هذه اللغة المشهور. وحكى قوم منهم ابن سيده أن قومًا من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كلامًا واحدًا لأن قوله وما كادوا يفعلون حال من فاعل فذبحوها فيكون المجموع جملة واحدة. قوله: "كل واحد منهما إلخ" أي ولا تناقض بين انتفاء الشيء في وقت وثبوته في وقت آخر.
إن وأخواتها:
قوله: "فتنصب المبتدأ" أل في المبتدأ والخبر للجنس فإن من المبتدأ ما لا تنصبه كلازم التصدير إلا ضمير الشأن وكواجب الابتداء نحو طوبى للمؤمن ومن الخبر ما لا ترفعه كالطلبي والإنشائي. قال الدماميني: ومن هنا يعلم أن جملتي نعم وبئس خبريتان لا إنشائيتان لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه} [النساء: 58] ، ولقوله تعالى: {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون} [التوبة: 9] ، وسيأتي في ذلك كلام في باب نعم وبئس إن شاء الله تعالى. ا. هـ. أشار بقوله: وسيأتي إلخ إلى ما ذكره هناك وسنذكره إن شاء الله تعالى من قول جماعة كابن الحاجب إن نعم وبئس لإنشاء المدح والذم واعتراض الدماميني عليه بما هو متجه ولمن يجعلهما للإنشاء تأويل الآيتين بإضمار القول كما قيل به في قول الشاعر:
إن الذين قتلتم أمس سيدهم ... لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
أو جعلهما واردين على الاستعمال الثاني في نعم وبئس وشبههما وهو استعمالهما أخبارًا كما سيأتي في باب نعم وبئس. قال في المغني: ينبغي أن يستثنى من منع الأخبار هنا بالطلب خبر أن المفتوحة المخففة فإنه يجوز أن يكون جملة دعائية كما في قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [النور: 9] ، على القراءة بتخفيف النون بعدها جملة فعلية. وقولهم أما أن جزاك الله خيرًا على فتح الهمزة. ا. هـ. وحذف أحدهما لقرينة جائز على قلة إلا الاسم الذي هو ضمير الشأن فإن حذفه كثير وعليه خرج المصنف حديث: "إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون". والتزم حذف الخبر في ليت شعري مردفًا باستفهام نحو ليت شعري هل قام زيد أي ليت شعري جواب أو بجواب هذا الاستفهام حاصل. وقيل: جملة الاستفهام هي الخبر على تقدير مضاف أي ليت مشعوري جواب هذا الاستفهام. وتختص ليت أيضًا بجواز اتصال ومعموليها بها سادة مسد معموليها نحو ليت أنك قائم وقيل: الخبر محذوف تقديره حاصل مثلًا وقاس الأخفش لعل على ليت فجوز لعل أن زيدًا قائم. قوله: "وحكى قوم إلخ" ظاهره أن ذلك لغة وبه صرح(1/396)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العرب تنصب بها الجزأين معًا من ذلك قوله:
266- إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافًا إن حراسنا أسدا
267- يا ليت أيام الصبا رواجعا
وقوله:
268- كأن أذنيه إذا تشوفا ... قادمة أو قلما محرفا
تنبيهات: الأول لم يذكر الناظم في تسهيله أن المفتوحة نظرًا إلى كونها فرع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعضهم ومنع الجمهور ذلك وأولوا ما ثبت منه بأن الجزء الثاني حال والخبر محذوف والتقدير في أن حراسنا أسدًا تلقاهم أسدًا، وفي يا ليت ألخ أقبلت رواجعًا، وفي كأن أذنيه إلخ يحكيان قادمة بل التأويل في الثالث متعين لئلا يلزم الاخبار بالمفرد عن المثنى. قوله: "جنح الليل" بالضم والكسر طائفة منه، والخطاء بالكسر والمد لكن قصره الشاعر للوزن جمع خطوة بالفتح كركوة وركاء كما في الصحاح. وهي نقل القدم. وجعلها بالضم جمع خطوة بالضم ما بين القدمين كما زعمه الشمني فتبعه شيخنا والبعض غير مناسب في البيت.
قوله: "كأن أذنيه" أي الحمار والتشوف التطلع، والعامل في إذا معنى التشبيه في كأن، والقادمة واحدة قوادم الطير وهي مقادم ريشه وهي عشر في كل جناح. ا. هـ. شمني. قوله: "نظرًا إلى كونها إلخ" وإنما ذكر كأن مع أن أصلها إن المكسورة أدخلت عليها الكاف التشبيهية ففتحت الهمزة لانتساخ هذا الأصل بإدخال الكاف وجعل المجموع كلمة واحدة بدليل عدم احتياج الكاف إلى متعلق وعدم كون مدخولها في موضع جر عند الجمهور بخلاف أن المفتوحة
__________
266- البيت من الطويل، وهو لعمر بن أبي ربيعة في الجني الداني ص394؛ والدرر 2/ 167؛ وشرح شواهد المغني ص122؛ ولم أقع عليه في ديوانه، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب 4/ 167، 10/ 242؛ ومغني اللبيب ص37.
267- الرجز لرؤبة في شرح المفصل 1/ 104؛ وليس في ديوانه، وللعجاج في ملحق ديوانه 2/ 306؛ وشرح شواهد المغني 2/ 690؛ وبلا نسبه في الأشباه والنظائر 4/ 262؛ والجني الداني ص492؛ وجواهر الأدب ص358؛ وخزانة الأدب 10/ 234، 235؛ والدرر 2/ 170؛ ورصف المباني ص298؛ وشرح عمدة الحافظ ص434؛ وشرح المفصل 1/ 104؛ والكتاب 2/ 142؛ ومغني اللبيب 1/ 285؛ وهمع الهوامع 1/ 134.
268- الرجز لمحمد بن ذؤيب في خزانة الأدب 10/ 237، 240؛ والدرر 2/ 168؛ وللعماني في سمط اللآلي ص876؛ وشرح شواهد المغني ص515؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص173؛ والخصائص 2/ 430؛ وديوان المعاني 1/ 36؛ ومغني اللبيب 1/ 193؛ وهمع الهوامع 1/ 134.(1/397)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المكسورة، وهو صنيع سيبويه حيث قال: هذا باب الحروف الخمسة. الثاني أشار بقوله عكس ما لكان إلى ما لهذه الأحرف من الشبه بكان في لزوم المبتدأ والخبر والاستغناء بهما، فعملت عملها معكوسًا ليكونا معهن كمفعول قدم وفاعل أخر تنبيهًا على الفرعية، ولأن معانيها في الأخبار فكانت كالعمد والأسماء كالفضلات فأعطيا إعرابيهما. الثالث معنى إن وأن التوكيد، ولكن الاستدراك والتوكيد، وليست مركبة على الأصح. وقال الفراء:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فليس أصلها منسوخًا بدليل جواز العطف بعدها على معنى الابتداء كما يعطف بعد المكسورة قاله في الهمع. قوله: "في لزوم المبتدأ والخبر" بيان لوجه الشبه، واحترز باللزوم عن ألا وأما الاستفتاحيتين لدخولهما على الجملتين، وقوله: والاستغناء بهما إلخ احتراز عن لولا الامتناعية لاحتياجهما معها إلى جواب وإذا الفجائية لاحتياجها معهما إلى سبق كلام. قوله: "معكوسًا" ليس من جملة المفرع إذ المشابهة لا تنتج العكس ولذلك احتاج إلى تعليله بقوله ليكونا إلخ فينبغي جعله معمولًا لمحذوف أي وعملت عملًا معكوسًا ليكونا إلخ. قوله: "تنبيهًا على الفرعية" أي بإعطائها الفرع الذي هو تقدم شبه المفعول وتأخر شبه الفاعل ولم يحتج لذلك في ما وأخواتها المحمولة على ليس لعدم احتياج فرعيتها إلى تنبيه لعدم اتفاق العرب على إعمالها واشتراط شروط في عملها يبطل بفقدان واحد منها.
قوله: "ولأن معانيها في الأخبار" قال سم: وقد يقال: وكان وأخواتها كذلك. ا. هـ. قال الأسقاطي: هو كذلك لكن هذا الوجه عارضه في كأن وأخواتها أصالتها فأعطيت الأصل وهو تقديم المرفوع على المنصوب بخلافه في إن وأخواتها. ا. هـ. بقي أن الدماميني اعترض على العلتين بجريانهما في ما الحجازية وأخواتها مع منصوبها لم يقدم على مرفوعها وقد أسلفنا قريبًا دفعه عن العلة الأولى فتأمل. قوله: "فأعطيا" أي الأخبار والأسماء. وقوله إعرابيهما أي العمد والفضلات. وفي الكلام توزيع. قوله: "التوكيد" أي تقوية النسبة وتقريرها في ذهن السامع إيجابية أو سلبية على الصحيح، وتوكيد النسبة تارة يكون لدفع الشك فيها وتارة يكون لدفع انكارها وتارة يكون لا ولا، فالأول مستحسن والثاني واجب والثالث لا ولا، قاله في التصريح فالثالث عربي إلا أنه غير بليغ ولذا لم يذكره أهل المعاني قاله الروداني. قال سم: ولا ينافي كون المفتوحة للتوكيد أنها بمعنى المصدر وهو لا يفيد التوكيد لأن كون الشيء بمعنى الشيء لا يلزم أن يساويه في كل ما يفيده فاندفع ما لأبي حيان. قوله: "الاستدراك" هو تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم منه ثبوته أو إثبات ما يتوهم منه نفيه هذا هو التعريف السالم من التكلف المحتاج إليه في تصحيح تعريفه بقولهم تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه وهو جعل نفيه بالجر عطفًا على ضمير ثبوته هذا. وذكر شيخنا السيد عن الدماميني ويس أن رفع التوهم ليس لازمًا للكن بل هو أغلبي فقط لأنها قد لا تكون لرفع التوهم نحو زيد قائم لكنه ضاحك فالتعريفان المذكوران مبنيان على الغالب، وفسر بعضهم الاستدراك كما في الروداني بمخالفة حكم ما بعد لكن لحكم ما قبلها مع التوهم أولًا وهذا أعم. قوله: "والتوكيد" أي على قلة نحو لم جاء زيد لأكرمته لكنه لم يجىء إذا(1/398)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أصلها لكن أن فطرحت الهمزة للتخفيف ونون لكن للساكنين. كقوله:
269- ولست بآتيه ولا أستطعه ... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
وقال الكوفيون: مركبة من لا وإن الكاف الزائدة لا التشبيهية وحذفت الهمزة تخفيفًا.
ومعنى ليت التمني في الممكن والمستحيل لا في الواجب فلا يقال: ليت غدًا يجيء. وأما قوله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْت} [البقرة: 94، الجمعة: 6] مع أنه واجب فالمراد تمنيه قبل وقته وهو الأكثر. ولعل الترجي في المحبوب نحو: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] ، والإشفاق في المكروه نحو: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} [هود: 12] ، وقد اقتصر على هذين في شرح الكافية وزاد في التسهيل أنها تكون للتعليل والاستفهام فالتعليل نحو: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} [طه: 44] والاستفهام نحو: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عدم المجيء معلوم من لو. قوله: "لكن أن" بفتح الهمزة كما في الهمع وسم. قوله: "ونون لكن للساكنين إلخ" أنشد البيت ليدفع بما دل عليه من عهد حذف نون لكن للساكنين ما يقال هلا كان المحذوف النون الأولى من أن لأن الضرر حصل بها ويدفع أيضًا بلزوم الاجحاف حينئذٍ فافهم.
قوله: "ولست بآتيه إلخ" هذا حكاية لكلام ذئب دعاه المخاطب ليرافقه ويؤاخيه. فقوله: ولست بآبيه أي ما دعوتني إليه والفضل الزيادة. قوله: "من لا وإن" أي المكسورة الهمزة كما هو صريح كلام يس وشخينا السيد. قوله: "والكاف الزائدة" أي المفتوحة أصالة لكن كسرت اتباعًا للهمزة كما قاله يس وقال شيخنا السيد: كسرتها كسرة نقل من الهمزة. قوله: "لا التشبيهية" لأن المعنى على الاستدراك لا التشبيه. قوله: "وحذفت الهمزة" أي بعد نقل حركتها إلى الكاف على ما قاله شيخنا السيد وقد مر. قوله: "وليت" ويقال لت بإبدال الياء تاء وإدغامها في التاء. همع. قوله: "في الممكن" أي غير المتوقع أي المنتظر وقوعه بخلاف الممكن في الترجي فمنتظر وقوعه. قوله: "وهو الأكثر" أي التمني في المستحيل. قوله: "والإشفاق" وهو توقع المخوف. قوله: "فلعلك تارك إلخ" أورد أن ترك بعض ما يوحى إليه غير ممكن لعصمته. وأجيب بأن المراد بالممكن في قوله وتختص لعل بالممكن الممكن عقلًا وإن استحال عادة أو شرعًا كذا في حاشية البعض. وفيه نظر لأن ترك النبي بعض ما يوحى إليه مستحيل عقلًا لأن دليل استحالته
__________
269- البيت من الطويل، وهو للنجاشي الحارثي في ديوانه ص111، والأزهية ص296؛ وخزانة الأدب 10/ 418، 419، وشرح أبيات سيبويه 1/ 195؛ وشرح التصريح 1/ 196؛ وشرح شواهد المغني 2/ 701؛ والكتاب 1/ 27؛ والمنصف 2/ 229؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 132، 261؛ والإنصاف 2/ 684؛ وأوضح المسالك 1/ 671؛ وتخليص الشواهد ص269؛ والجني الداني ص592؛ وخزانة الأدب 5/ 265؛ ورصف المباني ص277، 360؛ وسر صناعة الأعراب 2/ 440؛ وشرح المفصل 9/ 142؛ واللامات ص159؛ ولسان العرب 13/ 391 "لكن"؛ ومغني اللبيب 1/ 291؛ وهمع الهوامع 2/ 156.(1/399)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَزَّكَّى} [عبس: 3] ، وتابع في الأول الأخفش وفي الثاني الكوفيين وتختص لعل بالممكن وليست مركبة على الأصح، وفيها عشر لغات مشهور، وكأن التشبيه وهي مركبة على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عقلي كما قرر في فن الكلام. قوله: "لعله يزكى" أي يزكى أي ما يدريك جواب هذا السؤال.
قوله: "وتختص لعل إلخ" لا يرد قول فرعون لعلي أطلع إلى إله موسى لأنه في زعمه الباطل ممكن هذا. وقد اختلف في لعل الواقعة في كلامه تعالى لاستحالة ترقب غير الموثوق بحصوله في حقه تعالى فقيل: إنها باعتبار حال المخاطبين، فالرجاء والإشفاق متعلق بهم كما أن الشك في أو كذلك. وفي شرح المناوي على الجامع الصغير إن لعل في كلام الله تعالى وكلام رسوله للوقوع. ا. هـ. وفيه نظر ظاهر وكلعل عسى ويؤخذ من التصريح كما قال الروداني أن معنى عسى ولعل في القرآن أمر بالترجي أو الإشفاق. وفي حاشية الكشاف للتفتازاني لعل موضوعة لتوقع محبوب وهو الترجي أو مكروه وهو الإشفاق والتوقع بوجهيه قد يكون من المتكلم وقد يكون من المخاطب وقد يكون من غيرهما كما تشهد به موارد الاستعمال وقد وردت في القرآن للاطماع مع تحقق حصول المطمع فيه لكن عدل عن طريق التحقيق إلى طريق الاطماع دلالة على أنه لا خلف في اطماع الكريم وأنه كجزمه بالحصول. ولما كان ما بعد لعل الاطماعية محقق الحصول وصالحًا لكونه غرضًا مما قبلها زعم ابن الأنباري وجماعة أن لعل قد تكون بمعنى كي ورده المصنف يعني الزمخشري بأن عدم صلوحها لمجرد معنى العلية يأباه، ألا تراك تقول دخلت على المريض كي أعوده ولا يصح لعل وقد لا تصلح لعل لشيء من هذه المعاني كما في قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة: 21 وغيرها] ، أما كونها ليست للإشفاق فظاهر أو لترجي الله فلاستحالته أو لترجي المخلوقين فلأنهم لم يكونوا حال الخلق عالمين بالتقوى حتى يرجوها، أو للإطماع فلأنه إنما يكون فيما يتوقعه المخاطب ويرغب فيه من جهة المتكلم والتقوى ليست كذلك بل هي مستعارة لحالة شبيهة بالترجي لتردد حال العباد بين التقوى وعدمها كتردد المترجي بين حصول المرجو وعدمه أو مجاز في الطلب. نعم إن قلنا بأن لعل قد تأتي للتعليل صح حملها في الآية عليه عند من لا يمنع تعليل فعله تعالى بالغرض العائد إلى العباد فإن منعه بعيد جدًا لمخالفته كثيرًا من النصوص. ا. هـ. باختصار.
قوله: "وفيها عشر لغات" قال في التسهيل: وقد يقال في لعل عل ولعن وعن ولأن وأن ورعن ورغن ولغن أي بغين معجمة في هذين ولعلت. قال شيخنا: وزاد بعضهم لغتين وغلّ وغن بالمعجمة فيهما، وفي الهمع زيادة لونّ ولعا ورعل بمهملة. ونقل البعض زيادة على وأل بفتح اللام في هذين، فإن أراد فتح اللام مشددة لزمه التكرار لتقدم عل المشددة اللام في كلامه وإن أراد فتحها مخففة ورد عليه قول الشارح في آخر الباب. خاتمة لا يجوز تخفيف لعل على اختلاف لغاتها. ا. هـ. فإن هذا الكلام وإن قاله الشارح في مقام تخفيف حروف الباب بالسكون يفيد ظاهره ثبوت التشديد في جميع لغات لعل. وبالجملة فزيادة هذين محتاجة إلى تحرير ونقل صريح ولم أقف عليه ومجموع اللغات بهما سبع عشرة. قوله: "وكأن التشبيه" أي المؤكد. وقيد البطليوسي(1/400)
وراع ذا الترتيب إلا في الذي ... كليت فيها أو هنا غير البذي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيح، وقيل بإجماع. من كاف التشبيه وأن، فأصل كأن زيدًا أسد إن زيدًا كأسد، فقدم حرف التشبية اهتمامًا به ففتحت همزة أن لدخول الجار "وراع ذا الترتيب" وهو تقديم اسمها وتأخير خبرها وجوبًا "إلا في" الموضع "الذي يكون الخبر فيه ظرفًا أو مجرورًا "كليت فيها أو هنا غير البذي" للتوسع في الظروف والمجرورات. قال في العمدة: ويجب أن يقدر العامل في الظرف بعد الاسم كما يقدر الخبر وهو غير ظرف.
تنبيهان: الأول حكم معمول خبرها حكم خبرها فلا يجوز تقديمه إلا إذا كان ظرفًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كونها للتشبيه بما إذا كان خبرها اسمًا أرفع من اسمها أو أحط وليس صفة من صفاته نحو كأن زيدًا ملك وكأن زيدًا حمار فإن كان خبرها فعلًا أو ظرفًا أو جارًا ومجروًا أو صفة من صفات اسمها كانت للظن نحو كأن زيدًا قام أو قائم أو عندك أو في الدار لأن زيدًا نفس القائم ونفس المستقر والشيء لا يشبه بنفسه.
فائدة: قال الرضي أولى ما قيل في كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل أن التقدير كأنك تبصر بالدنيا أي تشاهدها كما في قوله تعالى: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُب} [القصص: 11] ، والجملة بعد المجرور بالباء حال بدليل رواية ولم تكن ولم تزل. وقولهم كأني بالليل وقد أقبل وكأني بزيد وهو ملك وأما قولهم كأنك بالشتاء مقبل وكأنك بالفرج آت فالأولى فيه أن ما بعد المجرور هو الخبر والمجرور متعلق به. قوله: "لدخول الجار" أو تخفيفًا لثقل الكلمة بالتركيب. قوله: "وراع ذا الترتيب" أي المعلوم من الأمثلة السابقة لضعف العمل بالحرفية. قوله: "إلا في الذي إلخ" إن قلت حيث توسع في الظرف والمجرور فهلا جاز تقديم خبرها عليها نفسها إذا كان ظرفًا أو مجرورًا. قلت لم يجز لأن لها الصدر كما في الحاجبية قالوا ليعلم من أول الأمر اشتمال الكلام على التأكيد أو التشبيه أو الاستدراك أو التمني أو الترجي سوى أن المفتوحة فليس لها الصدر. فإن قلت: فحينئذٍ لم لم يجر تقدم خبرها عليها. قلت: يوجه بالحمل على المكسورة فإنها فرعها. فإن قلت: فلم أمتنع خبر ما الحجازية على اسمها وإن كان ظرفًا أو مجرورًا كما تقدم. قلت: يوجه بأن هذا أقوى لأنها تشبه الأفعال لفظًا من حيث كونها على ثلاثة أحرف فصاعدًا ومبنية على الفتح ومعنى لأنها بمعنى أكدت وشبهت وتمنيت إلخ ولأنها مشبهة بفعل متصرف وهو كان وما مشبهة بفعل جامد وهو ليس والفعل المتصرف أقوى سم باختصار ووجه استثناء أن المفتوحة من لزوم الصدر أنها تستدعي سبق بعض كلامها فلا ترد لكن لأنها تستدعي سبق كلام تام فلا ينافي صدارتها في كلامها فاعرفه.
قوله: "غير البذي" أي فاحش اللسان. قوله: "بعد الاسم" هذا يؤدي إلى أن المتقدم على الاسم معمول الخبر لا الخبر بناء على أن الخبر هو العامل مع أن كلامه في تقديم الخبر إلا أن يقال جعل المثالين من تقديم الخبر باعتبار الظاهر وقطع النظر عن المتعلق المحذوف. قوله: "وهو غير ظرف" كما في قولهم إن مالًا وإن ولدًا. قوله: "فلا يجوز تقديمه" أي على الاسم ويجوز(1/401)
وهمز إن افتح لسد مصدر ... مسدها وفي سوى ذاك اكسر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو جارًّا ومجرورًا، نحو إن عندك زيدًا مقيم وإن فيك عمرًا راغب، ومنه قوله:
270- فلا تلحني فيها فإن بحبها ... أخاك مصاب القلب جم بلابلة
وقد صرح به في غير هذا الكتاب ومنعه بعضهم الثاني محل جواز تقديم الخبر إذا كان ظرفًا أو مجرورًا في غير نحو إن عند زيد أخاه وليت في الدار صاحبها لما سلف "وهمز إن افتح" وجوبًا "لسد مصدر مسدها" مع معموليها لزومًا بأن وقعت في محل فاعل نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} [العنكبوت: 51] ، أو مفعول غير محكي بالقول نحو:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقديمه مطلقًا على الخبر كما يأتي في قوله: وتصحب الواسط معمول الخبر ويفرق بأن في تقديمه على الاسم فعلًا لها من معموليهما معًا. قوله: "فلا تلحني" أي تلمني، جم كثير بلا بله وساوسه وهمومه. قوله: "ومنعه بعضهم" الوجه خلافه لأنه يجوز تقديمه في ما وهذه أقوى بدليل جواز تقديم الخبر إذا كان ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا هنا وامتناعه هناك أفاده سم. وما علل به المنع من أن تقديم المعمول يؤذن بجواز تقديم العامل والعامل هنا لا يتقدم نظر فيه شيخنا بأنه أغلبي كما مر لا كلي. قوله: "محل جواز تقديم الخبر إلخ" إذا حمل الجواز على مقابل الامتناع صدق بالوجوب فلا يحتاج إلى التقييد.
قوله: "في غير نحو إلخ" أي من كل تركيب لابس فيه الاسم ضميرًا يعود على شيء في الخبر فيجب التقديم فرارًا من عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة. وقد يمتنع نحو إن زيدًا لفي الدار لامتناع تقديم الخبر المصحوب باللام. وأما التمثيل لممتنع التقديم بنحو إن صاحب الدار فيها فنوقش بأن امتناع التقديم فيه مذهب الكوفيين وأما البصريون فأجازوه لأن الاسم وإن تأخر لفظًا متقدم رتبة فكذا ما أضيف هو إليه. قوله: "وجوبًا" أبقى الشارح الأمر هنا على ظاهره لأن التأويل في الثاني أعني قوله وفي سوى ذاك أكسر بجعله شاملًا للكسر الواجب والجائز على طريق استعمال صيغة الأمر في حقيقتها ومجازها أولى من التأويل هنا وإبقاء الثاني على ظاهره. قوله: "لسد مصدر" هو مصدر خبرها إن كان مشتقًا والكون إن كان جامدًا. قوله: "لزومًا" متعلق بسد. قوله: "في محل فاعل" أي ولو لفعل مقدر نحو: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} [الحجرات: 5] ، أي ثبت أنهم صبروا على قول الكوفيين أن المرفوع بعد لو فاعل ثبت مقدرًا واختاره المحققون. وقال أكثر البصريين هي مبتدأ محذوف الخبر وجوبًا ونحو اجلس ما إن زيدًا جالس أي ما ثبت بناء على أن ما المصدرية لا توصل بالجملة الاسمية وهو الأصح. فقول البعض: إن ما المصدرية لا تدخل إلا على الفعل إجماعًا فأن ومعمولاها بعدها فاعل لمقدر إجماعًا غير صحيح. قوله: "مفعول" أي به أوله نحو جئت أني أجلك أو معه نحو يعجبني جلوسك وأنك تحدثنا وتقع
__________
270- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 231؛ وخزانة الأدب 8/ 453، 455؛ والدرر 2/ 172؛ وشرح شواهد المغني 2/ 969؛ وشرح ابن عقيل ص178؛ والكتاب 2/ 133؛ ومغني اللبيب 2/ 693؛ والمقاصد النحوية 2/ 309؛ والمقرب 1/ 108؛ وهمع الهوامع 1/ 135.(1/402)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم} [الأنعام: 81] ، أو نائب عن الفاعل نحو: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ} [الجن: 1] ، أو مبتدأ نحو: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} [فصلت: 39] ، أو خبر عن اسم معني غير قول ولا صادق عليه خبرها نحو اعتقادي أنك فاضل، بخلاف قولي إنك فاضل، واعتقاد زيد أنه حق، أو مجرور بالحرف نحو: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَق} [الحج: 62] أو الإضافة نحو {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23] ، أو معطوف على شيء من ذلك نحو: {الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} [البقرة: 47] ، أو مبدل منه نحو: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال: 7] .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مستثنى نحو يعجبني أمورك إلا أنك تشتم الناس، لا مفعولًا فيه ولا مفعولًا مطلقًا ولا حالًا ولا تمييزًا كذا في الدماميني وغيره. قوله: "غير محكي" أي بالقول وكان عليه أن يزيد وغير خبر في الأصل ليخرج نحو ظننت زيدًا أنه قائم إلا أن يقال تركه لاستفادته من التنبيه الآتي قريبًا.
قوله: "أو مبتدأ" أي في الحال كما في الآية أو في الأصل نحو كان عندي أنك فاضل. قوله: "نحو ومن آياته إلخ" هذا مذهب الخليل ونقل المطرزي عن سيبويه أن اسم الحدث المرفوع بعد الظرف فاعل له وإن لم يعتمد الظرف على شيء قال ومنه: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْض} [فصلت: 39] ، أفاده في التصريح.
قوله: "أو خبر عن اسم معنى إلخ" حاصله أن المخبر عنه إذا كان اسم معنى فإما أن يكون قولًا أو غيره وعلى كل إما أن يكون خبر إن صادقًا على اسم المعنى أي يصح حمله عليه أو لا. وتكلم الشارح على ثلاثة وسكت عما إذا كان قولًا وخبر إن صادقًا عليه نحو قولي إنه حق لعلم وجوب كسرها بالأولى لأنها إذا كانت تكسر مع واحد من كون اسم المعنى قولًا وصدق خبر إن عليه فمعهما أولى. نعم في صورة كون اسم المعنى قولًا إذا كان خبر إن قولًا واتحد قائل القولين جاز الفتح والكسر نحو قولي إني أحمد الله كما سيأتي فإن اختلف القائل وجب الكسر نحو قولي إن زيدًا يحمد الله. قوله: "عليه خبرها" أي على المعنى خبر إن. قوله: "اعتقادي أنك فاضل" أي معتقدي فضلك ولم يجز الكسر على أن تكون مع معموليها جملة مخبرًا بها عن المبتدأ لعدم الرابط. قوله: "واعتقاد زيد أنه حق" لم يصح الفتح على معنى اعتقاد زيد كون اعتقاده حقًّا لاختلاف الضمير ومرجعه لأن الاعتقاد الواقع عليه الضمير في قولنا اعتقاد زيد أنه حق غير الاعتقاد المجعول مبتدأ الراجع إليه الضمير بحسب الظاهر لأن هذا هو المتعلق بكون ذلك حقًّا فاستفده. قوله: "ذلك بأن الله هو الحق" أي متلبس بحقية الله. قوله: "أو الإضافة" أي إن كان المضاف إليها مما لا يضاف إلا إلى المفرد بدليل ما سيأتي، فاندفع اعتراض سم. وغيره بأن الفتح لا يجب عند كل إضافة لوجوب الكسر إذا كان المضاف إلى أن مما لا يضاف إلا إلى الجملة كحيث، وجواز الفتح والكسر إذا كان مما يضاف إلى المفرد والجملة.
قوله: "مثل ما أنكم" ما زائدة. قوله: "وأني فضلتكم" عطف خاص على عام. قوله: "أنها(1/403)
فاكسر في الابتدا وفي بدء صلة ... وحيث إن ليمين مكملة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: إنما قال: لسد مصدر ولم يقل: لسد مفرد لأنه قد يسد المفرد مسدها. ويجب الكسر نحو ظننت زيدًا إنه قائم "وفي سوى ذاك اكسر" على الأصل "فاكسر في الابتدا" أما حقيقة نحو: {إِنَّا فَتَحْنَا لَك} [الفتح: 1] ، أو حكمًا كالواقعة بعد ألا الاستفاحية نحو: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّه} [يونس: 62] ، الواقعة بعد حيث نحو اجلس حيث إن زيدًا جالس والواقعة خبرًا عن اسم الذات نحو زيد إنه قائم، والواقعة بعد إذ نحو جئتك إذ إن زيدًا غائب "وفي بدء صلة" نحو: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ} [القصص: 76] ، بخلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لكم" أي استقرارها لكم وهو بدل اشتمال من إحدى الطائفتين. قوله: "نحو ظننت زيدًا إنه قائم" فإن فيه واجبة الكسر لعدم سد المصدر مسدها إذ لا يصح ظننت زيدًا قيامه. قوله: "اكسر" أي أدم الكسر. قوله: "في الابتدا" أي ابتداء جملتها إما حقيقة بأن لا يسبقها شيء له تعلق بتلك الجملة أو حكمًا بأن يسبقها ذلك، ومن القسم الأول الواقعة بعد كلا بناء على قول الجمهور إنها حرف ردع وزجر لا غير حتى أجازوا أبدًا الوقف عليها والابتداء بما بعدها، وحتى قال جماعة منهم حتى سمعت كلا في سورة فاحكم بأنها مكية لأن أكثرها ما نزل التهديد والوعيد بمكة لأن أكثر العتو كان بها. وقال أبو حاتم تكون بمعنى ألا الاستفتاحية ووافقه على ذلك الزجاج وغيره وعليه تكون من القسم الثاني. وقال النضر بن شميل: تكون حرف تصديق كأن. وقال الكسائي تكون بمعنى حقًّا وضعف بأنه لم يسمع فتح أن بعدها وهو واجب بعد حقًا وما بمعناه قال مكي وهي حينئذٍ اسم كمرادفها ولتنوينها في قراءة بعضهم "كلا سيكفرون بعبادتهم" وقال غيره: اشتراك اللفظ بين الاسمية والحرفية قليل مخالف للأصل ومحوج لتكلف علة لبنائها وخرج التنوين في الآية على أنه بدل من حرف الإطلاق المزيد في رؤوس الآي ثم وصل بنية الوقف أفاده في الهمع. قوله: "بعد ألا الاستفتاحية" أي التي يستفتح بها الكلام لتنبيه المخاطب على ذلك الكلام لتأكد مضمونه عند المتكلم. ا. هـ. دماميني وفي المغني ألا تكون للتنبيه فتدل على تحقق ما بعدها ويقول المعربون فيها حرف استفتاح فيبينون مكانها ويهملون معناها. ا. هـ. ويقال فيها هلا بإبدال الهمزة هاء. ا. هـ. همع. وهل هي بسيطة أو مركبة من همزة الاستفهام ولا النافية قولان.
قوله: "والواقعة بعد حيث" أي عقب حيث فخرج نحو جلست حيث اعتقاد زيد أنه مكان حسن فإن هذه واجبة الفتح كما علم مما مر. هذا والصحيح جواز الفتح عقب حيث. أما على القول بجواز إضافتها إلى المفرد فظاهر. وأما على المشهور من وجوب إضافتها إلى الجملة فلأنه يقدر تمام الجملة من خير أو فعل وقيل يكتفي بإضافتها إلى صورة الجملة وإذ مثل حيث في جواز الفتح فيما يظهر. قوله: "والواقعة خبرًا عن اسم الذات" لم يصح الفتح لتأول المفتوحة بمصدر ولا يخبر به عن اسم الذات إلا بتأويل وهو ممتنع مع أن على ما ذكره المصرح وإن كان للبحث فيه مجال. وما نقل عن السيد من جواز الاخبار بالمصدر المؤول عن اسم الذات من غير تأويل الظاهر أنه مفروض في بعض التراكيب نحو عسى زيد أن يقوم وعمرو إما أنه قائم أو قاعد، فقول البعض: الظاهر على كلام السيد جواز الفتح غير ظاهر فتأمل. قوله: "وفي بدء صلة" أي(1/404)
أو حكيت بالقول أو حلت محل ... حال كزرته وإني ذو أمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حشو الصلة نحو جاء الذي عندي أنه فاضل، ولا أفعله ما أن في السماء نجمًا؛ إذ التقدير ما ثبت أن في السماء نجمًا "وحيث إن ليمين مكمله" يعني وقعت جوابًا له سواء مع اللام أو دونها نحو: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1، 2] {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [الدخان: 1-3] ، "أو حكيت بالقول" نحو: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّه} [مريم: 30] ، فإن لم تحك بل أجرى القول مجرى الظن وجب الفتح، ومن ثم روي بالوجهين قوله:
271- أتقول إنك بالحياة ممتع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لموصول اسمي أو حرفي وقد مثل الشارح لهما ومثل الصلة الصفة نحو مررت برجل إنه فاضل. قوله: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوء} أي تثقل والاستشهاد مبني على أن ما موصولة ويصح كونها نكرة موصوفة. قوله: "بخلاف حشو الصلة" أي بحسب اللفظ فلا ينافي كونها في الصدر باعتبار الرتبة في جاء الذي عندي أنه فاضل والمراد باللفظ ما يشمل المقدر ليدخل في الحشو لا أفعله ما أن في السماء نجمًا.
قوله: "سواء مع اللام" أي ولا فرق معها بين وجود فعل القسم أو لا. وقوله: أو دونها أي مع حذف فعل القسم فلا يعارض. هذا ما يأتي من جواز الوجهين عند عدم اللام وذكر فعل القسم، على أن من فتح في هذه الصورة الآتية لم يجعلها جواب القسم كما سيذكره الشارح وكلامنا هنا فيما إذا كانت جوابًا. فبان لك أن كلام المصنف والشارح شامل لثلاث صور وإن لم يمثل الشارح إلا لصورتين، وأن قول البعض الكلام هنا في قسم لم يصرح بفعله بقرينة قول الشارح فيما يأتي أو فعل قسم ظاهر غير ظاهر لأنه يلزم عليه عدم تعرض المصنف هنا وفينا يأتي لحكم صورة ذكر فعل القسم مع ذكر اللام وما استند إليه من القرينة لا يشهد له كما لا يخفى ولا يشهد له أيضًا قول الشارح فيما يأتي والتقييد إلخ لما ستعرفه. هذا وفي التصريح أن ابن كيسان حكى عن الكوفيين جواز الوجهين إذا حذف الفعل ولم تذكر اللام نحو والله إن زيدًا قائم وأنهم يفضلون الفتح في هذا المثال على الكسر وأن أبا عبد الله الطوال منهم يوجبه ولم يثبت لهم سماع بذلك. ا. هـ. وفي شرح الجامع أن القول بجواز الفتح في نحو هذا المثال لم يؤيده سماع وليس له وجه بل هو غلط وأطال في بيان ذلك كما نقله شيخنا ولعدم سماع الفتح حكي في التوضيح إجماع العرب على تعين الكسر في الصور الثلاث.
قوله: "أو حكيت بالقول" الباء للآلة. قوله: "فإن لم تحك بل أجرى القول مجرى الظن" أي بالفعل بأن عمل عمله وجعل بمعناه بالفعل فلا منافاة بين إيجاب الشارح الفتح في هذه
__________
271- تمام البيت:
وقد استبحت دم امرئ مستسلم
وهو من الكامل، وهو للفرزدق في المقاصد النحوية 2/ 314؛ وليست في ديوانه؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص229.(1/405)
وكسروا من بعد فعل علقا ... باللام كاعلم إنه لذو تقى
بعد إذا فجاءة أو قسم ... لا لام بعده بوجهين نمي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"أو حلت محل حال" أما مع الواو "كزرته وإني ذو أمل" {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] وقوله:
272- ما أعطياني ولا سألتهما ... إلا وإني لحاجزي كرمي
أو بدونه نحو: {إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام} [الفرقان: 20] ، "وكسروا" أيضًا "من بعد فعل" قلبي "علقا" عنها "باللام كاعلم إنه لذو تقى" {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: 1] ، وأنشد سيبويه:
273- ألم تر إني وابن أسود ليلة ... لنسري إلى نارين يعلو سناهما
"وبعد إذا فجاءة أو" فعل "قسم" ظاهر "لا لام بعده بوجهين نمي" أي نسب نظرًا لموجب كل منهما صلاحية المقام لهما على سبيل البدل، فمن الأول قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة وبين تجويز المرادي الفتح والكسر عند صلاحية القول للحكاية به ولإجرائه مجرى الظن قبل اختيار أحدهما وارتكابه بالفعل قال لأن الحكاية بالقول مع استيفائه شروط إجرائه مجرى الظن جائزة. قوله: "أو حلت محل حال" لم تفتح حينئذٍ لأن وقوع المصدر حالًا وإن كثر سماعي، على أن السماع إنما ورد في المصدر الصريح لا المؤوّل، ولأن المصدر المنسبك من أن المفتوحة الناصبة لمعرفة معرفة والحال نكرة ولا بد من كون إن في ابتداء الحال ليخرج نحو خرج زيد وعندي أنه فاضل. قوله: "كما أخرجك" ما مصدرية. قوله: "إلا أنهم" أي المرسلين ولكسر إن في الآية سبب آخر وهو قوع اللام في خبرها. قوله: "علقا عنها باللام" أي لام الابتداء واحترز عن غير اللام من المعلقات الآتية. قوله: "ليلة" ظرف لتسري وقوله سناهما أي ضوءهما. قوله: "بعد إذا" حال من الضمير في نمى الراجع إلى همز إن. قوله: "ظاهر" أي حقيقة أو حكمًا بأن كان مقدرًا جائز الذكر بأن كان حرف القسم الباء الموحدة دون الواو والتاء الفوقية. قوله: "نمى" أي همز إن بقطع النظر عن كونه مفتوحًا أو مكسورًا. قوله: "نظرًا لموجب كل منهما" موجب الكسر مع إذا اعتبار إن ومعموليها جملة بلا احتياج إلى تقدير خبر، ومع فعل القسم اعتبار ذلك جملة جواب القسم، وموجب الفتح مع إذا اعتبار ذلك مفردًا مبتدأ مع تقدير الخبر ومع فعل
__________
272- البيت من المنسرح، وهو لكثير عزة في ديوانه ص273؛ وتخليص الشواهد ص344؛ والكتاب 3/ 145؛ والمقاصد النحوية 2/ 308؛ وبلا نسبة في الدرر 134؛ وشرح ابن عقيل ص180؛ وشرح عمدة الحافظ ص227، والمقتضب 2/ 346؛ وهمع الهوامع 1/ 246.
273- البيت من الطويل، وهو للشمردل بن شريك اليربوعي في شرح أبيات سيبويه 2/ 141؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص373؛ والكتاب 3/ 149؛ ولسان العرب 14/ 403 "سنا"؛ والمقاصد النحوية 2/ 222.(1/406)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
274- وكنت أرى زيدًا كما قيل سيدًا ... إذا إنه عبد القفا واللهازم
يروى بالكسر على معنى فإذا هو عبد القفا، وبالفتح على معنى فإذا العبودية أي حاصلة، كما تقول: خرجت فإذا الأسد. قال الناظم: والكسر أولى لأنه لا يحوج إلى تقدير. لكن ذهب قوم إلى أن إذا هي الخبر، والتقدير فإذا العبودية، أي ففي الحضرة العبودية وعلى هذا فلا تقدير في الفتح أيضًأ فيستوي الوجهان. ومن الثاني قوله:
275- أو تحلفي بربك العلي ... أني أبو ذيالك الصبي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القسم اعتبار تقدير الخافض كما سيبينه الشارح، وقوله لصلاحية علة النظر وضمير لهما إلى الموجبين.
قوله: "وكنت أرى" بضم الهمزة بمعنى أظن لغلبة استعماله بالضم في معنى أظن كما قاله يس وإن جاز في الذي بمعنى أظن الفتح أيضًا وتتعدى إلى مفعولين سواء فتحت أو ضمت، فزيدًا مفعوله الأول وسيدًا مفعوله الثاني كما قاله المصرح والعيني ووجه تعدية المضموم إلى مفعولين مع أنه مضارع أرى المتعدي إلى ثلاثة استعماله بمعنى أظن المتعدي إلى اثنين من باب الاستعمال في اللازم كما قاله الغزي، إذ معنى أراني زيد عمرًا فاضلًا جعلني زيد ظانًا عمرًا فاضلًا، ويلزم هذا المعنى ظن المتكلم عمرًا فاضلًا لكن في شرح المتن للمرادي أن من الأفعال المتعدية إلى ثلاثة أرى بالبناء للمفعول مضارع أريت بمعنى أظننت كذلك وكذا في شرحه للتسهيل وزاد فيه عن سيبويه وغيره أن أريت بمعنى أظننت لم ينطق له بمبني للفاعل كما لم ينطق بأظننت التي أريت بمعناها قال ولا يكون المفعول الأول لأريت هذه ومضارعها إلا ضمير متكلم كأريت وأرى ونرى، وقد يكون ضمير مخاطب كقراءة من قرأ: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} [الحج: 2] ، بضم التاء ونصب الناس اهـ يس، والقفا مؤخر العنق واللهازم جمع لهزمة بالكسر طرف الحلقوم وخصهما بالذكر لأن القفا موضع الصفع واللهازم موضع اللكز. وقوله كما قيل أي ظنًا موافقًا لما يقوله الناس من أنه سيد. قوله: "لكن ذهب قوم إلخ" يحتمل أنه من كلام الناظم وأنه من كلام الشارح وعلى كل ليس المقصود به منازعة قول الناظم والكسر أولى إلخ حتى يرد عليه اعتراض غير واحد كالبعض بأنه لا ينهض على المصنف لأن مذهبه أن إذا حرف بل دفع ما يتوهم من أن أولوية الكسر متفق عليها. قوله: "هي الخبر" أي لكونها ظرف مكان بقرينة قوله أي ففي الحضرة العبودية وإن ذهب بعضهم إلى أنها ظرف زمان وأنها خبر أي ففي الوقت العبودية. قوله: "أو تحلفي" أو بمعنى إلى
__________
274- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 338؛ وتخليص الشواهد ص348؛ والجني الداني ص378، 411؛ وجواهر الأدب ص352، وخزانة الأدب 10/ 265؛ والخصائص 2/ 399؛ والدرر 2/ 180؛ وشرح التصريح 1/ 218؛ وشرح شذور الذهب ص269؛ وشرح ابن عقيل ص181؛ وشرح عمدة الحافظ ص828؛ وشرح المفصل 4/ 97/ 8/ 61؛ والكتاب 3/ 144؛ والمقاصد النحوية 2/ 224؛ والمقتضب 2/ 351؛ وهمع الهوامع 1/ 138.
275- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص188؛ وشرح التصريح 1/ 219؛ والمقاصد النحوية 2/ 2321؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 340؛ وتلخيص الشواهد ص348؛ والجني الداني ص413؛ وشرح ابن عقيل ص 182؛ وشرح عمدة الحافظ ص 231؛ ولسان العرب 15/ 450 "ذا"، واللمع في العربية ص 304.(1/407)
مع تلوفا الجزا وذا يطرد ... في نحو خير القول إني أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويروى بالكسر على جعلها جوابًا للقسم، وبالفتح على جعلها مفعولًا بواسطة نزع الخافض أي على أني. والتقييد بكون القسم بفعل ظاهر للاحتراز عما مر قريبًا في المكسورة. وبقوله لا لام بعده عما بعده اللام من ذلك حيث يتعين فيه الكسر نحو: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُم} [التوبة: 56] ، و: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} [المائدة: 53] ، وقد اتضح لك أن من فتح إن لم يجعلها جواب القسم؛ لأن الفتح متوقف على كون المحل مغنيًا فيه المصدر على أن وصلتها، وجواب القسم لا يكون كذلك، فإنه لا يكون إلا جملة، ويجوز الوجهان أيضًا "مع تلوفا الجزا" نحو: {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيم} "الأنعام: 54] ، جواب: {مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ} [الأنعام: 54] ، قرئ بالكسر على جعل ما بعد الفاء جملة تامة أي فهو غفور رحيم، وبالفتح على تقديرها بمصدر هو خبر مبتدأ محذوف أي فجزاؤه الغفران، أو مبتدأ خبره محذوف أي فالغفران جزاؤه، والكسر أحسن في القياس. قال الناظم: ولذلك لم يجئ الفتح في القرآن إلا مسبوقًا بأن المفتوحخة "وذا"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو إلا وذيالك تصغير ذلك على غير قياس. قوله: "على جعلها مفعولًا إلخ" أي سادًا مسد الجواب. قوله: "للاحتراز عما مر" أي بعض ما مر وهو الصورتان اللتان مثل لهما عند قول المصنف:
وحيث إن ليمين مكمله
وهما صورة عدم ذكر فعل القسم مع عدم ذكر اللام وصورة عدم ذكر فعل القسم مع ذكر اللام لوجوب الكسر حينئذٍ. قوله: "عما بعده اللام" أي عن فعل القسم الظاهر الذي بعده اللام وقوله من ذلك أي مما مر أي حالة كونه بعض ما مر من الصور الثلاث الداخلة تحت قول المصنف سابقًا:
وحيث إن ليمين مكمله
كما قدمناه. قوله: "وقد اتضح لك" أي من قوله يروى بالكسر إلخ. قوله: "لم يجعلها جواب القسم" أي بل مفعولًا كما تقدم ولا يضر عدم الجواب لأن الجار والمجرور يقوم مقامه ويؤدي مؤاده. قوله: "ويجوز الوجهان أيضًا" أشار بذلك إلى أن الظرف معطوف على بعد إذا بحذف حرف العطف. قوله: "مع تلو فالجزا" مثل فاء الجزاء ما يشبهها كما في قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه} [الأنفال: 41] . قوله: "هو خبر مبتدأ محذوف" هو أولى مما بعده لأن نظائره أكثر نحو: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوس} [فصلت: 49] ، أي فهو يئوس. قوله: "أحسن في القياس" لعدم إحواجه إلى تقدير. قوله: "إلا مسبوقًا بأن المفتوحة" أي كقوله: {أَلَمْ(1/408)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحكم أيضًا "يطرد في" كل موضع وقعت أن فيه خبر قول وكان خبرها قولًا والقائل واحد كما في "نحو خير القول إني أحمد" الله، فالفتح على معنى خير القول حمد الله، والكسر على الأخبار بالجملة لقصد الحكاية، كأنك قلت: خير القول هذا اللفظ، أما إذا انتفى القول الأول فالفتح متعين، نحو عملي أني أحمد الله، أو القول الثاني أو لم يتحد القائم فالكسر، نحو قولي إني مؤمن وقولي إن زيدًا يحمد الله.
تنبيه: سكت الناظم عن مواضع يجوز فيها الوجهان: الأول أن تقع بعد واو مسبوقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّم} [التوبة: 63] ، وقوله: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّه} [الحج: 4] ، بخلاف ما لم تسبق بأن المفتوحة فواجبة الكسر نحو: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ} [طه: 74] ، {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين} [يوسف: 90] ، ولذلك لم يفتح: {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيم} [الأنعام: 54] ، إلا من فتح: {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ} [الأنعام: 54] ، ونافع ممن فتح أنه من عمل وكسر فإنه غفور رحيم كذا في البيضاوي. قوله: "وذا الحكم" أي جواز الوجهين. قوله: "خبر قول" أي ما بمعنى القول سواء كان من مادة القول أو الكلام أو نحوهما وكذا يقال في قوله وكان خبرها قولًا. قوله: "خبر القول" إنما كان المخبر عنه هنا قولان لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه. قوله: "فالفتح" إذا فتحت فالقول على حقيقته من المصدرية وإذا كسرت فهو بمعنى المقول. قاله في التصريح ولا بد في كل حال من جعل أل للعهد أي قولي أو القول مني لئلا يلزم الاخبار بخاص عن عام. قوله: "قول حمد الله" أي اللغوي بأي عبارة كانت. قوله: "على الإخبار بالجملة" ولم تحتج إلى رابط لأنها عين المبتدأ قال الشارح في شرح التوضيح ومثل سيبويه هذه المسألة بقوله أول ما أقول إني أحمد الله، وخرج الكسر على أنه من باب الإخبار بالجملة وعليه جرى أكثر النحويين وقيل الكسر على أن الجملة مقول القول محكية به والخبر محذوف كأنك قلت أول قولي هذا اللفظ ثابت وليس بمرضي، ثم أطال في بيان ذلك وعلل في شرح الجامع رده بأن مفهوم الكلام عليه أن غير أول القول من بقيته غير ثابت وليس مرادًا اللهم إلا أن يدعي زيادة أول والبصريون لا يجيزونها.
قوله: "لقصد الحكاية" أي حكاية لفظ الجملة أي الإتيان بها بلفظها وليس المراد أنها مقول القول كما اتضح مما نقلناه عن شرح التوضيح للشارح وإن زعم شارح الجامع أنها مقول القول. قوله: "نحو عملي أني أحمد الله" محل وجوب الفتح في هذا المثال إذا لم يرد بالعمل المعمول اللساني وهو المنطوق وتجعل الإضافة للعهد فإن كان كذلك جاز الكسر وكان هذا التركيب مثل قولي إني أحمد الله في جواز الوجهين وفاقًا لحفيد الموضح وابن قاسم الغزي. وقال في شرح الجامع مؤيدًا وجوب الفتح أن البصريين يمنعون حكاية الجمل بما يرادف القول كالكلام فما لا يرادفه مما أريد به معناه كما في هذا المثال على الوجه المذكور أولى بالمنع فعلى قواعدهم يجب الفتح في المثال حينئذٍ. ا. هـ. وأقره شيخنا والبعض وفيه نظر إذ ليس الكلام على(1/409)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بمفرد صالح للعطف عليه نحو: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: 119] ، قرأ نافع وأبو بكر بالكسر إما على الاستئناف أو العطف على جملة أن الأولى والباقون بالفتح عطفًا على أن لا تجوع. الثاني أن تقع بعد حتى فتكسر بعد الابتدائية نحو مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه، وتفتح بعد الجارة والعاطفة نحو عرفت أمورك حتى أنك فاضل. الثالث أن تقع بعد أما نحو أنك فاضل فتكسر إن كانت أما استفتاحية بمنزلة ألا، وتفتح إن كانت بمعنى حقًّا كما تقول حقًّا أنك ذاهب ومنه قوله:
276- أحقًّا أن جيرتنا استقلوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكسر من حكاية الجمل حتى يتجه ما ذكر بل من الأخبار بالجملة فاعرفه. قوله: "سكت الناظم" أي لم يصرح بذلك وإلا فهي داخلة في كلامه. قوله: "بعد واو" ليست الواو قيدًا. قوله: "صالح للعطف عليه" احتراز عن نحو إن لي مالًا وإن عمرًا فاضل فما لا غير صالح لعطف إن الثانية عليه لصيرورة المعنى أن لي مالًا وفضل عمرو. قوله: "فتكسر بعد الابتدائية" أي التي تبتدأ بها الجمل وتستأنف وهي بمعنى فاء السببية. وبحث البعض في عد هذا من مواضع جواز الوجهين بأن المراد جوازهما في تركيب واحد، والتركيب هنا مختلف. وهو بحث قوي وإن كان يمكن دفعه بأن اتحاد ما قبل إن في التركيبين هنا كاف. هذا وما ذكره الشارح من وجوب الكسر بعد الابتدائية قال شيخنا السيد مخالف لما لابن الحاجب حيث قال إذا وقعت إن بعد حتى الابتدائية فإن قلنا لا يجوز في المبتدأ الواقع بعدها أن يحذف خبره وجب كسرها وإن قلنا يجوز حذفه وإثباته جاز الكسر والفتح.
قوله: "حتى أنك فاضل" الأظهر أنها فيه عاطفة، ومثال الجارة أصاحبك حتى إنك تعصى. قوله: "فتكسر" قدم الكسر لأنه الكثير. قوله: "أما استفتاحية" أي حرف استفتاح على ما مر قريبًا في ألا بسيطًا. وقيل مركب من همزة الاستفهام وما النافية، وفي الهمع أن همزتها تبدل هاء وعينًا وأن ألفها تحذف في الأحوال الثلاثة وأن همزتها تحذف مع ثبوت الألف. ا. هـ. قال الدماميني: وأجاز المصنف الفتح على أن المصدر المؤول مبتدأ خبره محذوف كأنه قيل أما معلوم أنك فاضل. ا. هـ. وهو يستلزم جواز الفتح بعد ألا الاستفتاحية ونقل عن بعضهم. قوله: "بمعنى حقًّا" الذي
__________
276- تمام البيت:
فنيتنا ونيتهم فريق
وهو من الوافر، وهو للمفضل النكري في الأصمعيات ص200؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 208؛ وله أو لعامر بن أسحم بن عدي في الدرر 5/ 120؛ وشرح شواهد المغني 1/ 170؛ ولرجل من عبد القيس أو للمفضل بن معشر البكري في تخليص الشواهد ص351؛ والمقاصد النحوية 2/ 235؛ وللعبدي في خزانة الأدب 10/ 277؛ والكتاب 3/ 136؛ وبلا نسبة في الجني الداني ص391؛ ولسان العرب 10/ 301 "فرق" ومغني اللبيب 1/ 54، 68؛ وهمع الهوامع 2/ 71.(1/410)
وبعد ذات الكسر تصحب الخبر ... لام ابتداء نحو إني لوزر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي أفي حق هذا الأمر؟ الرابع أن تقع بعد لا جرم نحو: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} [النحل: 23] فالفتح عند سيبويه على أن جرم فعل وأن وصلتها فاعل، أي وجب أن الله يعلم ولا صلة، وعند الفراء على أن لا جرم بمنزلة لا رجل ومعناه لا بد، ومن بعدها مقدرة والكسر على ما حكاه الفراء من أن بعضهم ينزلها اليمين فيقول: لا جرم لآتينك "وبعد ذات الكسر تصحب الخبر" جوازًا "لام ابتداء نحو إني لوزر" أي ملجأ، وكان حق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صوبه في المغني أنها بمعنى أحقًّا وأنها كلمتان همزة الاستفهام وما التامة بمعنى شيء وذلك الشيء هو الحق وموضع ما على هذا نصب على الظرفية الاعتبارية كما نصب حقًّا عليها في البيت الآتي على قول سيبويه. وقال المبرد: حقًّا مصدر لحق محذوفًا وأن وصلتها فاعل. وقال ابن خروف: أما هذه حرف بسيط وهي مع أن ومعموليها كلام تركب من حرف واسم كما قال الفارسي في يا زيد كذا في شرح التوضيح للشارح. وفي المغني عن بعضهم أنها اسم وأنها عند هذا البعض وابن خروف بمعنى حقًّا. قوله: "واستقلوا" أي نهضوا مرتحلين.
قوله: "ولا صلة" الذي في الدماميني عن سيبويه أن لا نافية رد على الكفرة، ثم رأيت الوجهين في المغني. قوله: "من أن بعضهم" أي العرب. قوله: "فيقول لا جرم لآتينك" فأجيبت باللام كما يجاب بها القسم قال شيخنا: وهو صريح في أن لآتينك جواب لا جرم وهو أظهر من جعل البعض لآتيتك جواب قسم محذوف قام مقامه لا جرم، وانظر ما اعرابها على ما حكاه الفراء هل هو كما يقول سيبويه فيكون الجواب مغنيًا عن الفاعل، أو كما يقول الفراء فيكون الجواب مغنيًا عن خبر لا الأقرب الثاني لكون الحاكي هو الفراء، وزاد في الأوضح في مواضع جواز الوجهين أن تقع في موضع التعليل نحو: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيم} [الطور: 28] ، قرىء بالفتح على تقدير لام العلة وبالكسر على أنه تعليل مستأنف مثل: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُم} [التوبة: 103] . قوله: "وبعد ذات الكسر" الظرف متعلق بتصحب قدم لإفادة الحصري أي لا بعد ذات الفتح ولا غيرها من أخوات المكسورة ونحوهن فالحصر إضافي فلا ينافي أنها تصحب المبتدأ وكذا خبره المقدم نحو لقائم زيد على الأصح قيل والفعل نحو ليقوم زيد: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون} [المائدة: 62] ، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم} [التوبة: 128] ، والمشهور أنها في ذلك لام القسم وأنها لا تدخل على الجملة الفعلية إلا في باب إن. قاله في المغني.
قوله: "تصحب الخبر لام ابتداء" بشروط أربعة: تأخره عن الاسم، وكونه مثبتًا، وغير ماض متصرف، وغير جملة شرطية بأن كان مفردًا أو مضارعًا ولو مقرونًا بحرف تنفيس خلافًا للكوفيين أو ماضيًا غير متصرف أو ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا أو جملة اسمية وأول جزأيها أولى باللام، فقولك أن زيدًا لوجهه حسن أولى من أن زيدًا وجهه لحسن بل في البسيط أنه شاذ لا عدم تقدم معمول الخبر عليه خلافًا لابن الناظم بدليل: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِير} [العاديات: 11] ، وسميت لام الابتداء لدخولها على المبتدأ أو على غيره بعد إن المكسورة العاملة فيما أصله المبتدأ. قوله:(1/411)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذه اللام أن تدخل على أول الكلام لأن لها الصدر، لكن لما كانت للتأكيد وإن للتأكيد كرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد فزحلقوا اللام إلى الخبر.
تنبيه: اقتضى كلامه أنها لا تصحب خير غير إن المكسورة وهو كذلك، وما ورد من ذلك يحكم فيه بزيادتها، فمن ذلك قراءة بعض السلف: {إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الفرقان: 20] ، بفتح الهمزة وأجازه المبرد، وما حكاه الكوفيون من قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وكان حق هذه اللام إلخ" أي كما أن حق إن وأخواتها ذلك لأن لها أيضًا الصدارة إلا أن هذا لم يكن مانعًا من تقدم لام الابتداء بحسب الأصل لجواز أن يكون تقدمها كتقدم حرب العطف وألا الاستفتاحية لا يفوت صدارة ما بعدها فاندفع اعتراض البعض على قوله لأن لها الصدر بأنه قد يعارض بأن إن وأخواتها لها أيضًا الصدر. قوله: "بين حرفين لمعنى واحد" أورد عليه أمران: الأول هلا جمع بينهما على طريق التأكيد اللفظي وأجاب سم بأن التأكيد اللفظي إعادة اللفظ بعينه أو مرادفه وذلك مفقود هنا وفيه نظر وإن أقره شيخنا والبعض وغيرهما لوجود الترادف لاتحاد المعنى كما صرح به الشارح وقد عدوا من التوكيد اللفظي بالمرادف في الحروف قول الشاعر:
وقلن على الفردوس أول مشرب ... نعم جير إن كانت أبيحت دعائره
وسيأتي هذا للشارح في باب التوكيد فافهم. الثاني أنهم جمعوا بينهما في لهنك قائم بإبدال الهمزة هاء سواء قيل إن اللام للقسم أو للابتداء. لأن كلًا منهما لتأكيد النسبة كان وهن وأيضًا اجتمع حرفا تأكيد في لقد قام زيد فإن قد لتحقيق النسبة وهو التأكيد وحرفا تنبيه في ألا يا ليتك تقوم، وقد يدفع إيراد لهنك بأن الاجتماع سهله زوال صورة ما له الصدر بإبدال همزته هاء كما في الروداني. قوله: "فزحلقوا اللام" بالقاف والفاء، أي أخروا ولم يزحلقوا إن لأنها قويت بالعمل وحق العامل التقدم، وإنما ادعى أن الأصل في إن زيدًا لقائم لأن زيدًا قائم ولم يدع أن الأصل إن لزيدًا قائم لئلا يفصل بين إن ومعموليها معًا بما له صدر الكلام، ولنطقهم باللام مقدمة على أن في قولهم لهنك ولأن صدارتها بالنسبة لما قبل إن دون ما بعدها، دليل الأول أنها تمنع من تسلط فعل القلب على إن ومعموليها ولهذا كسرت في نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُه} [المنافقون: 1] ، ودليل الثاني أن عمل أن يتخطاها تقول إن في الدار لزيدًا وإن زيدًا لقائم وأن عمل العامل بعدها يتخطاها تقول إن زيدًا طعامك لآكل كذا في المغني.
قوله: "اقتضى كلامه" لتقديمه الظرف. قوله: "لا تصحب خبر غير إن المكسورة" إنما لم تدخل اللام على خبر غيرها لأنها تدخل على الجملة ولا تغير معناها ولا حكمها بخلاف أخواتها فليت تحدث في الخبر التمني ولعل الترجي وكأن التشبيه ولكن تصير الجملة لا تستعمل إلا بعد كلام وأن المفتوحة تصير جملة في تأويل المصدر قاله يس. قوله: "بزيادتها" أي مع كونها مفيدة للتأكيد فالمنسلخ عنها كونها لام الابتداء فقط. قوله: "بفتح الهمزة" أي شذوذًا فلا يشكل بما(1/412)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
277- ولكنني من حبها لعميد
ومنه قوله:
278- أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
279- فقال من سئلوا أمسى لمجهودا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقدم من وجوب كسر إن في صدر الحال. قوله: "لعميد" من عمده العشق بكسر الميم أي هده. قوله: "ومنه قوله" أعاد من لاختلاف النوع ولدفع توهم أنه مما حكاه الكوفيون. وقيل إن اللام داخلة على مبتدأ مقدر أي لهي عجوز فلا تكون من الداخلة على خبر غير إن المكسورة. قوله: "شهربه" أي فانية ومن تبعيضية إن قدر مضاف أي بلحم عظم الرقبة وبمعنى بدل إن لم يقدر. قوله: "فقال من سألوا" بالبناء للفاعل والعائد محذوف أي من سألوه أو للمفعول وهذا أقرب لمساعدة الرسم له لأن الهمزة مكتوبة بصورة الياء ولو كان مبنيًّا للفاعل لكتبت بصورة الألف ولعدم إحواجه إلى تقدير وإن كان في الأول مراعاة لفظ من وهو أكثر من مراعاة معناها فادعاء
__________
277- صدر البيت:
يلومونني في حب ليلى عواذلي
وهو من الطويل، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 38؛ والإنصاف 1/ 209؛ وتخليص الشواهد ص357؛ والجني الداني ص132، 618؛ وجواهر الأدب ص87؛ وخزانة الأدب 1/ 16، 10/ 361، 363، والدرر 2/ 185؛ ورصف المباني ص235، 279؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 380؛ وشرح شواهد المغني 2/ 605؛ وشرح ابن عقيل ص184؛ وشرح المفصل 8/ 62، 64؛ وكتاب اللامات ص158؛ ولسان العرب 13/ 391 "لكن"؛ ومغني اللبيب 1/ 233، 292؛ والمقاصد النحوية 2/ 247؛ وهمع الهوامع 1/ 140.
278- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص170؛ وشرح التصريح 1/ 174؛ وشرح المفصل 3/ 130، 8/ 23؛ وله أو لعنتره بن عروس في خزانة الأدب 10/ 323، والدرر 2/ 187؛ وشرح شواهد المغني 2/ 604؛ والمقاصد النحوية 1/ 535، 2/ 251؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 210؛ وتخليص الشواهد ص358؛ وجمهرة اللغة ص1121؛ والجني الداني ص128؛ ورصف المباني ص336؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 378؛ 381؛ وشرح ابن عقيل ص185؛ وشرح المفصل 7/ 75؛ ولسان العرب 1/ 510 "شهرب"؛ ومغني اللبيب 1/ 230؛ 323؛ وهمع الهوامع 1/ 140.
279- صدر البيت:
مروا عجالًا فقالوا كيف صاحبكم
وهو من البسيط وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص429؛ وجواهر الأدب ص87؛ وخزانة الأدب 10/ 327، 11/ 332؛ والخصائص 1/ 316، 2/ 382؛ والدرر 2/ 188؛ ورصف المباني ص238؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 379؛ وشرح ابن عقيل ص185؛ وشرح المفصل 8/ 64، 87؛ ومجالس ثعلب ص155؛ والمقاصد النحوية 2/ 310؛ وهمع الهوامع 1/ 141.(1/413)
ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ... ولا من الأفعال ما كرضيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
280- وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها ... لكالهائم المقصى بكل مراد
وقوله:
281- أمسى أبان دليل بعد عزته ... وما أبان لمن أعلاج سودان
"ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا" ذي إشارة واللام نصب بالمفعولية وما من قوله ما قد نفيا في موضع رفع بالفاعلية، أي لا تدخل هذه اللام على منفي إلا ما ندر من قوله:
282- وأعلم أن تسليما وتركا ... للامتشابهان ولا سواء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البعض أولوية الأول غير مسلم وصدر البيت:
مروا عجالى فقالوا كيف سيدكم
قوله: "من ليلى" أي من أجل حبها والهائم الذاهب لا يدري أين يتوجه والمقصي بضم الميم وفتح الصاد المهملة المبعد والمراد بفتح الميم المذهب. قوله: "أبان" بالصرف نظرًا إلى أن وزنه فعال وبمنعه نظرًا إلى أن وزنه أفعل منقول من أبان ماضي يبين وهو الأصح والأعلاج جمع علج بكسر العين الرجل الغليظ من كفار العجم. وسودان جمع أسود. وذهب الكوفيون كما في شرح الجامع إلى أن اللام بمعنى إلا فلا شاهد فيه وهذا المعنى هو المناسب هنا لأن المقام للذم وللبصريين أن يجعلوا التنوين في سودان للتعظيم والنفي منصبًا على القيد فيناسب الذم. قوله: "ولا يلي" ليس المراد بالولي التبعية من غير فاضل وإلا اقتضى جواز التبعية مع الفصل بين اللام وما نفي بأداة النفي مع أنه ممتنع، وإنما لم يلها لأن غالب أدواة النفي مبدوءة باللام فلو وليتها لزم توالي لامين وهو مكروه وحمل الباقي، وللتنافي بين اللام التي هي لتأكيد الإثبات وبين حرف النفي.
قوله: "ذي إشارة إلخ" كان الأولى بل الصواب أن يقول ذي اسم إشارة في محل نصب على المفعولية واللام بدل أو عطف بيان أو صفة. قوله: "وأعلم إن" بالكسر تسليمًا أي على
__________
280- البيت من الطويل وهو لكثير عزة في ديوانه ص443؛ وتذكرة النحاة ص429؛ وجواهر الأدب ص87؛ وخزانة الأدب 10/ 328؛ والدرر 2/ 188؛ وشرح شواهد المغني 2/ 605؛ والمقاصد النحوية 2/ 249؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص357؛ ومغني اللبيب 1/ 223؛ وهمع الهوامع 1/ 141.
281- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في جواهر الأدب ص88؛ والدرر 2/ 189؛ وشرح شواهد المغني 2/ 604؛ ومغني اللبيب 1/ 232، 233؛ وهمع الهوامع 1/ 141.
282- البيت من الوافر، وهو لأبي حزام العكلي في خزانة الأدب 10/ 330، 331، والدرر 2/ 184؛ وسر صناعة الإعراب ص377؛ وشرح التصريح 1/ 222؛ والمقاصد النحوية 2/ 244؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 345؛ وجواهر الأدب ص85؛ وتخليص الشواهد ص356؛ وشرح ابن عقيل ص186؛ والمحتسب 1/ 143؛ وهمع الهوامع 1/ 140.(1/414)
وقد يليها مع قد كإن ذا ... لقد سما على العدا مستحوذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"ولا" يليها أيضًا "من الأفعال ما كرضيا" ماض متصرف غير مقرون بقد، فلا يقال: إن زيدًا لرضي، وأجازه الكسائي وهشام، فإن كان الفعل مضارعًا دخلت عليه: متصرفًا كان نحو إن زيدًا ليرضى، أو غير متصرف نحو إن زيدًا ليذر الشر. وظاهر كلامه جواز دخول اللام على الماضي إذا كان غير متصرف نحو إن زيدًا لنعم الرجل، أو لعسى أن يقوم، وهو مذهب الأخفش والفراء؛ لأن الفعل الجامد كالاسم، والمنقول عن سيبويه أنه لا يجيز ذلك، فإن اقتران الماضي المتصرف بقد جاز دخول اللام عليه كما أشار إليه بقوله: "وقد يليها مع قد كإن ذا لقد سما على العدا مستحوذا" لأن قد تقرب الماضي من الحال فأشبه حينئذ المضارع، وليس جواز ذلك مخصوصًا بتقدير اللام للقسم خلافًا لصاحب الترشيح وقد تقدم أن الكسائي وهشامًا يحيزان أن زيدًا لرضي، وليس ذلك عندهما إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الناس وقيل: المراد تسليم الأمر وتركًا أي للتسليم للامتشابهان أي متقاربان ولا سواء أي ولا متساويان وكان حقه أن يقول لا سواء ولا متشابهان لكنه اضطر فقدم وأخر وسواء اسم مصدر بمعنى الاستواء فلذلك صح وقوعه خبرًا عن اثنين فقول البعض سواء في الأصل مصدر فيه مسامحة قال في التصريح وتبعه غير واحد. وفيه أي في البيت شذوذ من وجهين دخول اللام على الخبر المنفي وتعليق الفعل عن العمل حيث كسرت إن وكان القياس أن لا يعلق لأن الخبر المنفي ليس صالحًا للام وسوغ ذلك كما قيل إنه شبه لا بغير فأدخل عليها اللام. ا. هـ. وقد يقال: كيف يحكم بشذوذ التعليق وكسر إن مع وجود موجبهما وهو لام الابتداء وإن كان وجوده هنا شاذًّا إلا أن يقال جعل ذلك شاذًّا من حيث ترتبه على الشاذ. قوله: "من الأفعال" بيان لما تقدم عليه مشوب بتبعيض، وقوله: ماض إلخ بدل أو عطف بيان لقوله ما كرضيا وأشار به إلى وجه الشبه. قوله: "فلا يقال إن زيدًا لرضي" أي على أن اللام للابتداء فيقال على أنها للقسم. قوله: "وأجازه الكسائي وهشام" أي على إضمار قد كما في المغني وسيأتي في الشرح وفي الأوضح بدل الكسائي الأخفش ويمكن الجمع. قوله: "دخلت" عليه أن لشبهه بالاسم كما تقدم. قوله: "أو غير متصرف" أي تصرفًا تامًا وإلا فقد جاء ليذر أمر نحو: {فَذَرْهُم} الآية. قوله: "إذا كان غير متصرف" دخل في ظاهر عمومه ليس مع أنه يمتنع دخول اللام عليها. قال الشاطبي: ولعله لم يحترز عنها اتكالًا على علة امتناع دخول اللام على أدوات النفي. وقال ابن غازي وتبعه البعض بل على أنه داخل في قوله ما قد نفيا وفيه نظر ظاهر إذ ليست ليس مما قد نفي لأنها للنفي. قوله: "كالاسم" أي الجامد في عدم التصرف. قوله: "مستحوذًا" أي غالبًا. قوله: "فأشبه حينئذٍ المضارع" أي المشبه للاسم ومشبه المشبه مشبه. قوله: "وليس جواز ذلك" أي دخول اللام على قد بقطع النظر عن كونها لام الابتداء لئلا يعارضه قوله بتقدير اللام للقسم. قوله: "خلافًا لصاحب الترشيح" خطاب بن يوسف الماردي حيث ذهب إلى أن لام الابتداء لا تدخل على الماضي المقترن بقد وإذا سمع دخول اللام عليه قدرت لام جواب القسم فالتقدير في إن زيدًا لقد قام إن زيد والله لقد قام.(1/415)
وتصحب الواسط معمول الخبر ... والفصل واسما حل قبله الخبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لإضمار قد، واللام عندهما لام الابتداء، أما إذا قدرت اللام للقسم فإنه يجوز بلا شرط. ولو دخل على أن والحالة هذه ما يقتضي فتحهخا فتحت مع هذه اللام نحو علمت أن زيدًا لرضي "وتحصب" هذه اللام أعني لام الابتداء أيضًا "الواسط" بين اسم إن وخبرها "معمول الخبر" بشرط كون الخبر صالحًا لها نحو إن زيدًا لعمرًا ضارب، فإن لم يكن الخبر صالحا لم يجز دخولها على معموله المتوسط، نحو إن زيدًا عمرًا ضرب؛ لأن دخولها على المعمول فرع دخولها على الخبر، وبشرط أن لا يكون ذلك المعمول حالًا، فإن كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وقد تقدم أن الكسائي إلخ" قيل هو رد لكلام صاحب الترشيح. وحاصله أن الكسائي وهشامًا ذهبا إلى أن قد المضمرة مجوزة لدخول لام الابتداء فقد الظاهرة بالأولى. وأنت خبير بأن هذا معارضة مذهب بمذهب وهي لا تصلح ردًّا، فالأولى جعله تذكيرًا بمخالفتهما صاحب الترشيح. قوله: "واللام عندهما إلخ" جملة حالية وقوله أما إذا قدرت مقابل قوله واللام عندهما إلخ. وقوله بلا شرط أي بلا شرط إضمار قد لأن لام القسم تدخل على الماضي مطلقًا. قوله: "والحالة هذه" أي تقدير اللام للقسم وقوله فتحت مع هذه اللام أي لما مر من أن كسر إن إنما يكون بعد الفعل المعلق بلام الابتداء لا بغيرها من بقية المعلقات كلام القسم. قوله: "الواسط" أي المتوسط من وسط الشيء كوعد أي توسطه. وقوله بين اسم إن وخبرها جرى على ظاهر المتن ولو حمل الواسط على المتوسط بين الألفاظ الواقعة بعد إن لكان أولى ليدخل نحو إن عندك لفي الدار زيدًا جالس مما وقع فيه المعمول المقرون باللام بعد معمول آخر قبل الاسم والخبر وقوله معمول الخبر بدل أو عطف بيان أو حال. والمراد بمعمول الخبر عند المصنف ما يشمل المفعول به والمفعول المطلق نحو إن زيدًا لضربا ضارب، والمفعول له نحو إن زيدًا لا جلالًا قادم ونازع أبو حيان في الأخيرين. قوله: "بشرط إلخ" الشروط أربعة: واحد في المتن وهو التوسط وذكر الشارح شرطين يمكن أخد أولهما من المتن بجعل أل في الخبر للعهد أي الخبر الذي سبق أنه يصح اقترانه باللام. والشرط الرابع أن لا تدخل اللام على الخبر فلا يجوز أن زيدًا لعمر الضارب وأجازه بعضهم قاله الشارح على الأوضح كذا ذكره شيخنا. قال البعض وظاهره أن الرابع لم يذكره الشارح وليس كذلك بل صرح به بقوله تنبيه إذا دخلت اللام إلخ. ا. هـ. وهو غفلة عجيبة فإن الشارح لم يتعرض في التنبيه المذكور لامتناع دخول اللام على الخبر ومعموله معًا أصلًا كما ستعرفه.
قوله: "لم يجز دخولها على معموله إلخ" جوزه الأخفش والفراء محتجين بأن المانع قام بالخبر لكونه فعلًا ماضيًا والمعمول ليس كذلك، ورجحه الموضح قال بدليل إجازة البصريين تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ مع حكمهم بامتناع تقديم نفس الخبر لأن المانع من تقديمه الإلباس وذلك لا يوجد في المعمول. قوله: "فرع دخولها على الخبر" أي وهي لا تدخل عليه فكذا معموله. قوله: "حالًا" مثله التمييز والفرق بينهما وبين المفعول أنه ينوب عن الفاعل فيصير عمدة وإذا قدم صار مبتدأ واللام تدخل عليه بخلافهما أفاده المصرح وسم. قوله:(1/416)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حالًا لم يجز دخولها عليه، فلا يجوز أن زيدًا لراكبًا منطلق. واقتضى كلامه أنها لا تصحب المعمول المتأخر، فلا يجوز أن زيدًا ضارب لعمرًا "و" تصحب أيضًا "الفصل" وهو الضمير المسمى عمادًا نحو: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران: 62] ، إذا لم يعرب هو مبتدأ "و" تحصب "اسمًا" لأن "حل قبله الخبر" نحو إن عندك لبرًّا، وإن لك لأجرًا، وفي معنى تقدم الخبر تقدم معموله نحو إن في الدار لزيدًا قائم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"لا تصحب المعمول المتأخر" أي لأن المعمول من تمام الخبر فإذا دخلت عليه مع تقدمه كان كدخولها على الخبر لكونه في موضعه بخلافه مع التأخر وكالمتأخر المتقدم على الاسم فلا يقال إن لعندك زيدًا جالس.
قوله: "وتصحب الفصل" قيل هو حرف لا محل له من الإعراب وعليه أكثر النحاة كما في الروداني فتسميته ضميرًا مجاز علاقته المشابهة في الصورة. وسمي ضمير الفصل لفصله بين الخبر والصفة في نحو زيد هو القائم، وعمادًا لاعتماد المتكلم عليه في رفع الاشتباه بين الخبر والصفة. وقيل: هو اسم لا محل له من الإعراب كما أن اسم الفعل كذلك. وقيل محله محل ما قبله. وقيل محل ما بعده ففي نحو زيد هو القائم محله رفع باتفاق القولين الأخيرين وفي نحو كان زيد هو القائم محله رفع على أولهما ونصب على ثانيهما، وفي نحو إن زيدًا هو القائم بالعكس وإنما يكون على صيغة ضمير الرفع مطابقًا لما قبله غيبة وحضورًا وغيرهما بين مبتدأ وخبر في الحال أو في الأصل معرفتين أو ثانيهما كالمعرفة في عدم قبول أل كأفعل من، وفي بعض هذه الشروط خلاف بسطه في المغني، وفائدته الاعلام من أول الأمر بأن ما بعده لا صفة وتأكيد الحكم لما فيه من زيادة الربط وقصر المسند على المسند إليه. قال التفتازاني في حاشية الكشاف وهذا إنما يتأتى فيما الخبر فيه نكرة وإلا فتعريف الخبر بلام الجنس يفيد قصره على المبتدأ وإن لم يكن معه ضمير فصل مثل زيد الأمير وعمرو الشجاع وتعريف المبتدأ بلام الجنس يفيد قصره على الخبر وإن كان معه ضمير الفصل نحو الكرم هو التقوى. وقال في المطول التحقيق أنه قد يكون للتخصيص أي قصر المسند على المسند إليه نحو زيد هو أفضل من عمرو وزيد هو يقاوم الأسد. وقد يكون لمجرد التأكيد إذا كان في الكلام ما يفيد قصر المسند على المسند إليه نحو: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاق} [الذاريات: 58] أي لا رزاق إلا هو أو قصر المسند إليه على المسند نحو الكرم هو التقوى أي لا كرم إلا التقوى. ا. هـ. قال الناظم وجاز دخول لام الابتداء عليه لأنه مقو للخبر لرفعه توهم السامع كون الخبر تابعًا فنزل منزلة الجزء الأول من الخبر أي إذا كان الخبر جملة اسمية.
قوله: "إذا لم يعرب هو مبتدأ" فإن أعرب مبتدأ كان جزءًا من الخبر فتكون داخلة عليه وكان غير ضمير فصل كما في التصريح. قوله: "حل قبله الخبر" في هذا البيت إيطاء لكن في بعض النسخ تنكير خبر الثاني وهو دافع للإيطاء على الأصح. قوله: "وفي معنى تقدم الخبر تقدم(1/417)
ووصل ما بذي الحروف مبطل ... إعمالها وقد يبقى العمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: إذا دخلت اللام على الفصل أو على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر، فلا يجوز أن زيدًا لهو القائم، ولا إن لفي الدار لزيدًا، ولا إن في الدار لزيدًا لجالس "ووصل ما" الزائدة "بذي الحروف مبطل إعمالها" لأنها تزيل اختصاصها بالأسماء وتهيئها للدخول على الفعل فوجب إهمالها لذلك، نحو إنما زيد قائم، وكأنما خالد أسد، ولكنما عمرو جبان، ولعلما بكر عالم "وقد ينقى العمل" وتجعل ما ملغاة وذلك مسموع في ليت لبقاء اختصاصها كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معموله" مثله تقدم معمول الاسم نحو إن في الدار لساكنًا رجل. قوله: "أو على الاسم المتأخر" أي عن الخبر أو عن معموله كما يفيده التمثيل. قوله: "ووصل ما الزائدة" فخرجت الموصولة والموصوفة والمصدرية نحو إن ما عندك حسن وإن ما فعلت حسن وتكتب مفصولة من أن بخلاف ما الزائدة. واعلم أن إنما وأنما يفيدان الحصر وقد اجتمعا في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد} [الأنبياء: 108] ، أي ما يوحى إليّ إلا قصر الإله على الوحدة فالحصر الأول من قصر الصفة على الموصوف قصر قلب نزل المخاطبون المشركون منزلة من اعتقد إيحاء الإشراك إلى نبينا صلى الله عليه وسلّم حيث أصروا عليه والثاني من قصر الموصوف على الصفة قلب أيضًا والإتيان به مبالغة في الرد وإلا فمجرد ثبوت الوحدة ناف للتعدد والاعتراض على إفادة إنما لحصر بفواته عند التأويل بالمصدر مدفوع بأن الحصر من اللفظ المصرح به ولا يضر فواته بالتأويل كفوات التأكيد لأنه أمر تقديري. ثم قيل: الحصر من اجتماع إن وهي للإثبات وما وهي للنفي فصرف الإثبات للمذكور والنفي لغيره. وقيل: لاجتماع مؤكدين إن وما الزائدة واعترض هذا بأن اجتماع مؤكدين لا يستلزم الحصر وإلا لوجد في إن زيدًا لقائم مثلًا والأول بأنه ينافي ما قدمنا من أن ما الملحقة بأن وإن زائدة. وقد يجاب عن اعتراض الثاني بأن اجتماع مؤكدين على وجه تركبهما أقوى لشدة التلاصق فيه وعن اعتراض الأول بأن ما هذه نافية أصالة لكن انسلخ عنها النفي بعد التركيب فصارت زائدة بدليل عدم ذكر منفيها هذا ما ظهر لي فاعرفه واعترض في المغني الأول أيضًا بأن إن ليست للإثبات بل لتوكيد الكلام إثباتًا نحو إن زيدًا قائم أو نفيًا نحو إن زيدًا ليس بقائم. قال الشمني: فيه بحث لأن إن لتوكيد النسبة التي بين اسمها وخبرها وهي لا تكون إلا ثبوتًا وإن كان نفس خبرها نفيًا.
قوله: "مبطل إعمالها" أي وجوب إعمالها فلا ترد ليت. قوله: "تزيل اختصاصها بالأسماء" أي ما عدا ليت كما سيأتي. قوله: "فوجب إهمالها" أي ما عدا ليت ووجوب الإهمال هو مذهب سيبويه والجمهور كما يؤخذ مما يأتي في الشرح وقوله لذلك يغني عنه التفريع. قوله: "وقد يبقي العمل" قد للتقليل بالنسة لغير ليت وللتحقيق بالنسبة لليت لأن إعمالها كثير بل أوجبه بعضهم كما سيأتي ففي كلامه استعمال المشترك في معنييه. قوله: "ملغاة" أي عن الكف. قوله: "قالت" أي زرقاء اليمامة ولفظ مقولها: ليت الحمام ليه إلى حمامتيه أو نصف قديه تم الحمام ميه. وقصتها أنها كانت لها قطاة ومر بها سرب من القطا بين جبلين فقالت ما ذكر. ثم(1/418)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
283- قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد
يروى بنصب الحمام على الأعمال ورفعه على الإهمال. وأما البواقي فذهب الزجاج وابن السراج إلى جوازه فيها قياسًا، ووافقهم الناظم ولذلك أطلق في قوله: وقد يبقى العمل، ومذهب سيبويه المنع لما سبق من أن ما أزالت اختصاصها بالأسماء وهيأتها للدخول على الفعل نحو: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد} [الأنبياء: 108] ، {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} [الأنفال: 6] ، وقوله:
284- فوالله ما فاقتكم قاليا لكم ... ولكن ما يقضى فسوف يكون
وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إن القطا وقع في شبكة صياد فعد فإذا هو ستة وستون فإذا ضم إليها نصفها مع قطاتها كانت مائة. قوله: "أو نصفه" أو بمعنى الواو. قوله: "قياسًا" قال الدماميني: ظاهر كلام الزجاجي في الجمل أنه مسموع من العرب وذلك أنه قال في باب حروف الابتداء: ومن العرب من يقول إنما زيدًا قائم ولعلما بكرًا قائم فيلغي ما وينصب بأن وكذلك أخواتها هذا كلامه. ا. هـ. قوله: "ومذهب سيبويه" أي والجمهور وصححه ابن الحاجب كما في النكت. قوله: "لما سبق إلخ" للمصنف ومن وافقه أن يقول يكفي في صحة الأعمال الاختصاص بحسب الأصل ولا يضر عروض زواله، ولذلك نظائر كثيرة كجواز إعمال إن المخففة من الثقيلة على قلة مع تعليلهم إعمالها بكثرة بزوال اختصاصها بالأسماء كما في وإن كانت لكبيرة أفاده سم. قوله: "ولكن ما يقضى إلخ" الصواب التمثيل بدله بقول امرء القيس:
ولكنما أسعى لمجد مؤثل
لأن ما في البيت الذي ذكره موصول اسمي بدليل عود الضمير في يقضي عليها.
__________
283- البيت من البسيط، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص24، والأزهية ص89، 114؛ والأغاني 11/ 31؛ والإنصاف 2/ 479؛ وتخليص الشواهد ص362؛ وتذكرة النحاة ص353؛ وخزانة الأدب 10/ 252، 253؛ والخصائص 2/ 460؛ والدرر 1/ 216، 2/ 204؛ ورصف المباني ص299، 316، 318؛ وشرح التصريح 1/ 225؛ وشرح شذور الذهب ص362؛ وشرح شواهد المغني 1/ 75، 200، 2/ 690؛ وشرح عمدة الحافظ ص233؛ وشرح المفصل 8/ 85؛ والكتاب 2/ 137؛ واللمع ص320 ومغني اللبيب 1/ 63، 286، 308؛ والمقاصد النحوية 2/ 254؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 349؛ وخزانة الأدب 6/ 157؛ وشرح قطر الندى ص151؛ ولسان العرب 3/ 347 "قدد" والمقرب 1/ 110؛ وهمع الهوامع 1/ 65.
284- البيت من الطويل، وهو للأفوه الأودي في الدرر 2/ 40؛ وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أمالي 1/ 99؛ وأوضح المسالك 1/ 348؛ وشرح التصريح 1/ 225؛ وشرح قطر الندى ص149؛ ومعجم البلدان 2/ 220 "الحجاز" والمقاصد النحوية 2/ 315؛ وهمع الهوامع 1/ 110.(1/419)
وجائز رفعك معطوفًا على ... منصوب إن بعد أن تستكملا
__________
285- أعد نظرا يا عبد قيس لعلما ... أضاءت لك الناء الحمار المقيدا
بخلاف ليت فإنها باقية على اختصاصها بالأسماء، ولذلك ذهب بعض النحويين إلى وجوب الأعمال في ليتما، وهو يشكل على قوله في شرح التسيهل: يجوز إعمالها وإهمالها بإجماع "وجائز" بالإجماع "رفعك معطوفًا على منصوب إن" المكسورة "بعد أن تستكملا" خبرها نحو إن زيدًا آكل طعامك وعمرو، ومنه:
286- فمن يك لم ينجب أبوه وأمه ... فإن لنا الأم النجيبة والأب
وليس معطوفًا حينئذ على محل الاسم مثل ما جاءني من رجل وامرأة بالرفع؛ لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "أعد إلخ" غرض الشاعر هجو عبد قيس بأنه يفعل بالحمار الفاحشة. وأضاء قد يستعمل متعديًا كما في البيت. قوله: "ولذلك" أي لبقائها على اختصاصها بالأسماء. قوله: "وهو يشكل إلخ" قد يقال لم ينظر المصنف إلى هذا الخلاف لكونه واهيًا فحكى الإجماع. قوله: "معطوفًا على منصوب إن" ظاهره أن المعطوف عليه هو اسم إن فيكون الرفع باعتبار محله قبل إن بناء على القول بعدم اشتراط وجود الطالب للمحل ونسب إلى الكوفيين وبعض البصريين وهو الأقرب إلى عبارة المصنف وسيأتي بقبة الأوجه. ولو قال: رفعك تالي عاطف لكان جاريًا على سائر الأوجه الآتية. وفي التسهيل أن النعت والتوكيد وعطف البيان كعطف النسق عند الجرمي والزجاج والفراء تقول إن زيدًا قائم الفاضل أو أبو عبد الله أو نفسه بالنصب والرفع. قال سم فيما كتبه بهامش شرح التسهيل للدماميني هو ظاهر إن قلنا إن الرفع على العطف على محل اسم إن فإن قلنا على الابتداء وإنه من عطف الجمل فالقياس امتناع ما عدا النسق فليتأمل. وقاس الرضي البدل ومثل له بقوله إن الزيدين قد استحسنتهما شمائلهما بالرفع. وقيل: الرفع مخصوص بعطف النسق. قال في الهمع وهو الأصح. قال في شرح الجامع: ولم يقيد العطف بالواو لأن لا كذلك تقول: إن زيدًا قائم لا عمرًا أو لا عمرو. ا. هـ. والظاهر أن الفاء وثم واو وحتى كذلك.
قوله: "بعد أن تستكملا" متعلق برفعك أو معطوفًا لا بجائز خلافًا للمكودي لما فيه من الفصل بالمبتدأ وهو أجنبي من الخبر. قوله: "لم ينجب" أي يلد ولدًا ناجيًا. وقوله النجيبة من وضع فعيل موضع مفعل أي المنجبة، أو الأصل النجيبة أبناؤها فحذف المضاف واتصل الضمير. قوله: "وليس معطوفًا إلخ" أي كما هو ظاهر كلام المصنف. ويمكن أن تسميته معطوفًا عليه
__________
285- البيت من الطويل، وهو للفرزدق في ديوانه 1/ 180؛ والأزهية ص88؛ والدرر 2/ 208؛ وشرح شواهد الإيضاح ص116؛ وشرح شواهد المغني ص693؛ وشرح المفصل 8/ 75؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص319؛ وشرح شذور الذهب ص361؛ وشرح قطر الندى ص151؛ وشرح المفصل 8/ 54؛ ومغني اللبيب ص287؛ 288؛ وهمع الهوامع 1/ 143.
286- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 353؛ وتخليص الشواهد ص370؛ والدرر 6/ 179؛ وشرح التصريح 1/ 227؛ والمقاصد النحوية 2/ 265؛ وهمع الهوامع 2/ 144.(1/420)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرفع في مسألتنا الابتداء، وقد زال بدخول الناسخ، بل إما مبتدأ محذوف والجملة ابتدائية عطف على محل ما قبلها من الابتداء أو مفرد معطوف على الضمير في الخبر إن كان فاصل كما في المثال والبيت، فإن لم يكن فاصل نحو إن زيدًا قائم وعمرو تعين الوجه الأول. وقد أشعر قوله وجائز أن النصب هو الأصل والأرجح، أما إذا عطف على المنصوب المذكور قبل استكمال إن خبرها تعين النصب وأجاز الكسائي الرفع مطلقًا تمسكًا بظاهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مجاز علاقته المشابهة الصورية. قوله: "مثل ما جاءني إلخ" ظاهره أن رجلًا إعرابه محلي وهو القول الأصح لعدم لزوم اجتماع حركتي إعراب وقيل: تقديري ويلزم عليه ما ذكر لكن مر في أول الابتداء دفعه. قوله: "وقد زال بدخول إلخ" لم يشترط بعض البصريين بقاء الطالب لذلك المحل ونسب إلى الكوفيين أيضًا كما مر وعليه لا إشكال في العطف على محل اسم إلا من جهة لزوم الفصل بين التابع والمتبوع بأجنبي وهو الخبر وذلك ممنوع كما في الروداني. قوله: "ابتدائية" أي استئنافية. قوله: "على محل ما قبلها من الابتداء" من باب لما على تقدير مضاف أي ذات الابتداء أي الجملة الابتدائية أي المستأنفة. وفي عبارته أمران: الأول كان ينبغي حذف محل لأن الابتدائية لا محل لها. الثاني القصور لعدم شمولها البيت لأن الجملة فيه جواب الشرط الجازم فهي في محل جزم لا ابتدائية، وكذا ما عطف عليها. قوله: "تعين الوجه الأول" أي كونه من عطف الجمل أي عند الجمهور وإلا فبعضهم يجيز العطف على الضمير المستتر بلا فصل بقلة فعلية يجوز الوجه الثاني.
قوله: "تعين النصب" أي لما يلزم على الرفع من العطف قبل تمام المعطوف عليه إن جعل من عطف الجمل ومن تقدم المعطوف على المعطوف عليه إن عطف المرفوع على الضمير في الخبر. قال سم: لم لا يجوز الرفع قبل الاستكمال على أنه مبتدأ حذف خبره ويكون من قبيل الاعتراض بين اسم إن وخبرها لا العطف. وأقول مقتضى التعليل بما ذكر جواز الرفع بالعطف على محل اسم إن بناء على عدم اشتراط بقاء طالب المحل. وقال الرضي: إنما منعوا رفع المعطوف قبل الاستكمال لأن العامل في خبر المبتدأ هو المبتدأ وفي خبر إن هو إن فيكون قائمان من قولك إن زيدًا وعمرو قائمان خبرًا عن إن وعمرو معًا فيعمل عاملان مستقلان في معمول واحد ولا يجوز ذلك. ا. هـ. ومقتضى هذا التعليل تخصيص المنع بما إذا كان الخبر للاسمين معًا وبه صرح ابن هشام في شرح بانت سعاد كما سيأتي قريبًا ومقتضى إطلاق الموضح وغيره والتعليل السابق وبحث سم فيه شمول المنع لغير ذلك نحو إن زيدًا وعمرو قائم وهو الذي حققه الروداني. وصنيع الشارح فيما يأتي أقرب إلى هذا فتدبر.
قوله: "وأجاز الكسائي إلخ" موضع الخلاف حيث يتعين جعل الخبر للاسمين جميعًا نحو إن زيدًا وعمرو ذاهبان، فإن لم يتعين ذلك نحو إن زيدًا وعمرو في الدار اتفاقًا، قاله الموضح في شرح بانت سعاد وهو مخالف لما أطلقه هنا كذا في التصريح ومثل إن زيدًا وعمرو في الداران زيدًا وعمر وقائم وقد رد الفاضل الروداني كلام الموضح في شرح بانت سعاد وحقق أن نحو إن(1/421)
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} [المائدة: 69] ، وقراءة بعضهم: "إن الله وملائكتُه يصلون" [الأحزاب: 65] ، برفع ملائكته. وقوله:
287- فمن يك أمسى بالمدينة رحلة ... فإني وقيار بها لغريب
وخرج ذلك على التقديم والتأخير أو حذف الخبر من الأول كقوله:
288- خليلي هل طب فإني وأنتما ... وإن لم تبوحا بالهوى دنفان
ويتعين الأول في قوله:
فإني وقيار بها لغريب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيدًا وعمرو في الدار أو قائم من محل الخلاف فتنبه. قوله: "مطلقًا" أي سواء قبل الاستكمال وبعده وسواء ظهر إعراب المعطوف عليه أو خفي فالإطلاق في مقابلة التقييد السابق والتقييد اللاحق وإن جعله البعض في مقابلة اللاحق فقط. قوله: "رحله" أي منزله. وقيار اسم فرس الشاعر وقيل اسم جمل. وقوله: فإني إلخ دليل الجواب أي فأنا لا يمسى فيها رحلي لأني إلخ. قوله: "على التقديم والتأخير" أي تقديم المعطوف وتأخير الخبر والقصد العكس والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن إلخ والصابئون والنصارى كذلك ومن آمن في محل رفع بالابتداء وخبره فلا خوف إلخ والجملة خبر إن وخبر الصابئون محذوف أي كذلك كما علم. ويجوز أن يكون من آمن إلخ خبر الصابئون وخبر إن محذوف لدلالة خبر الصابئون عليه فالحذف على هذا من الأول لدلالة الثاني وعلى الأول من الثاني لدلالة الأول وهو الكثير كما في المغني والعائد على كل محذوف أي من آمن منهم. وأورد بعضهم على التخريج على التقديم والتأخير أنه يستلزم العطف قبل تمام المعطوف عليه ومجرد ملاحظة التقديم والتأخير لا يدفع ذلك وقد يقال: بل يدفعه التقدم المعطوف عليه بتمامه حينئذٍ في النية هذا. وقال الروداني: اعتبار التقديم والتأخير وأمثاله إنما يرجع إليه في التخريج المسموع ولا يجوز لأحد اليوم أن يتكلم بمثل ذلك ويدعي أنه نوى التقديم والتأخير. قوله: "هل طب" مثلث الطاء كما في القاموس.
__________
287- البيت من الطويل، وهو لضابئي بن الحارث بن البرجمي في الأصمعيات ص184؛ والإنصاف ص94 وتخليص الشواهد ص385؛ وخزانة الأدب 9/ 326، 312، 313، 320؛ والدرر 6/ 182؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 369؛ وشرح التصريح 1/ 228؛ وشرح شواهد المغني ص867؛ وشرح المفصل 8/ 86؛ والشعر والشعراء ص358؛ والكتاب 1/ 75؛ ولسان العرب 5/ 125 "قير"؛ ومعاهد التنصيص 1/ 186؛ والمقاصد النحوية 2/ 318؛ ونوادر أبي زيد ص20؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 103؛ وأوضح المسالك 1/ 358؛ ورصف المباني ص267؛ وسر صناعة الإعراب ص372؛ ومجالس ثعلب ص316، 598؛ وهمع الهوامع 2/ 144.
288- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 361؛ وتخليص الشواهد ص374؛ وشرح التصريح 1/ 229؛ وشرح شواهد المغني 2/ 866؛ ومغني اللبيب 2/ 475؛ والمقاصد النحوية 2/ 274.(1/422)
وألحقت بإن لكن وأن ... من دون ليت ولعل وكأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأجل اللام في الخبر، والثاني في ملائكته لأجل الواو في يصلون إلا أن قدرت للتعظيم مثلها في {رَبِّ ارْجِعُون} [المؤمنون: 99] ووافق الفراء الكسائي فيما خفي فيه إعراب المعطوف عليه نحو إنك وزيد ذاهبان، وإن هذا وعمرو عالمان تمسكًا ببعض ما سبق قال سيبويه: وأعلم أن ناسًا من العرب يغلطون فيقولون إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان "وألحقت بإن" المكسورة فيما تقدم من جواز العطف بالرفع بعد الاستكمال "لكن" باتفاق كقوله:
289- وما قصرت بي في التسامي خؤلة ... ولكن عمي الطيب الأصل والخال
"وأن" المفتوحة على الصحيح إذا كان موضعها موضع الجملة بأن تقدمها علم أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ويتعين الأول إلخ" نظر فيه سم بجواز أن تقدم اللام داخلة على مبتدأ محذوف أي لهو غريب وقد يقال الأصل والظاهر عدم التقدير وكلام الشارح مبني عليه. قوله: "إلا إن قدرت للتعظيم" بحث فيه بأنه لم يسمع إنا قائمون على التعظيم بل لا بد من المطابقة اللفظية على حد: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُون} [الحجر: 23] ، كما في المغني. قوله: "فيما خفي" أي في تركيب خفي إلخ أي لكونه مبنيًّا أو مقصورًا مثلًا. قال سم: انظر لو خفي إعراب المعطوف دون المعطوف عليه. ويحتمل أنه عنده كذلك. وقال الروداني: قضية التعليل بالاحتراز من تنافر اللفظ أن خفاء إعراب المعطوف كذلك فيجوز عنده العطف بالرفع في أن زيدًا والفتى ذاهبان. ا. هـ. قوله: "وأعلم" بهمزة المتكلم والقصد بنقل ما ذكره الرد به على الفراء والكسائي ولا يخفى أنه من باب رد دعوى بدعوى. وقوله يغلطون من باب فرح. واعترض بأنه كيف يسند الغلط إلى العرب. وأجيب بأنه لا مانع من ذلك لما سبق من أن الحق قدرة العربي على الخطأ إذا قصد الخروج عن لغته والنطق بالخطأ. وقيل مراد سيبويه بالغلط مجرد توهم أن ليس في الكلام إن وهذا هو ما يدل عليه بقية كلامه كما بسطه في المغني. ويحتمل أن مراده بالغلط شدة الشذوذ. قوله: "باتفاق" ولهذا قدم المصنف لكن على أن.
قوله: "في التسامي" أي العلو والعراقة في النسب، خؤولة أي ولا عمومة بدليل ما بعده. قال العيني هي إما مصدر أو جمع خال كالعمومة وفيه ما فيه. قوله: "وأن المفتوحة على الصحيح" اختلف فيه إن ولكن لعدم نقلهما الجملة إلى باب المفرد فأشبها الحروف الزائدة للتأكيد بخلافها. قوله: "إذا كان موضعها موضع الجملة" لأنها حينئذٍ بمنزلة المكسورة وذلك بأن وقعت في محل الجملة بحسب الأصل لسدها ومعموليها بعد العلم مسد مفعوليه وهما أصلهما المبتدأ والخبر وخرج بذلك نحو أعجبني إن زيدًا قائم وعمرًا فيتعين النصب لأنها ليست في
__________
289- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 355؛ وتخليص الشواهد ص370؛ والدرر 6/ 186؛ وشرح التصريح 1/ 227؛ والمقاصد النحوية 2/ 316؛ وهمع الهوامع 2/ 144.(1/423)
وخففت أن فقل العمل ... وتلزم اللام إذا ما تهمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معناه نحو: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] ، "من دون ليت ولعل وكأن" حيث لا يحوز في المعطوف مع هذه الثلاث إلا النصب تقدم المعطوف أو تأخر لزوال معنى الابتداء معها وأجاز الفراء الرفع معها أيضًا متقدمًا ومتأخرًا بشرطه السابق وهو خفاء الإعراب "وخففت إن" المكسورة "فقل العمل" وكثر الإهمال لزوال اختصاصها حينئذ نحو: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس: 32] ، وجاز إعمالها استصحابًا للأصل نحو: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}
ـــــــــــــــــــــــــــــ
موضع الجملة ولذلك جاز دخول لام الابتداء وكسر إن في نحو علمت إن زيدًا لقائم وامتنع ذلك في نحو أعجبني إن زيدًا قائم كما قاله الدماميني نقلًا عن ابن الحاجب. قوله: "أو معناه" أي دال معناه كأذان في الآية الشريفة أي إعلام. قوله: "ورسوله" أي بالرفع وقرئ شاذًّا ورسوله بالنصب عطفًا على لفظ اسم إن كما في الفارضي. قوله: "لزوال معنى الابتداء" أي معنى الجملة ذات الابتداء لأن الكلام قبل هذه الثلاثة للاخبار عن المسند إليه بالمسند وبعدها لتمني المسند للمسند إليه أو ترجيه أو تشبيهه به. وقيل لأن هذه الثلاثة تغير معنى الجملة بنقلها من الخبر إلى الإنشاء فيلزم عليه عطف الخبر على الإنشاء لكن هذا التعليل لا يتم على القول بجواز عطف الخبر على الإنشاء ولا على أن العطف على الضمير في خبر إن ولهذا قال في متن الجامع: يرفع مطلقًا تالي العاطف إن نسق على ضمير الخبر وبعد إن وأن ولكنَّ إن قدر مبتدأ إلخ، وكذا لا يتم على أن العطف على محل الاسم، هذا وقد لزم مما تقرر أن الكلام مع كأن إنشاء لا خبر وقد يتوقف فيه فتأمل. ثم رأيت صاحب المغني صرح بأن كان للأخبار ورأيت الدماميني نقل قولًا آخر عن بعضهم أنها لإنشاء التشبيه.
قوله: "بشرطه السابق" راجع إلى قوله متقدمًا فقط كما هو صريح قول الهمع وأجازه أي الرفع الفراء في ليت وأختيها بعد الخبر مطلقًا وقبله بشرطه المذكور عنه. قوله: "وخففت إن" أي بشرط أن لا يكون اسمها ضميرًا وأن يكون خبرها صالحًا لدخول اللام ويستثنى الخبر المنفي لأنه وإن لم تدخل عليه اللام لا يتوهم معه أن إن نافية نقله يس عن ابن هشام. قوله: "فقل العمل" إنما قل هنا وبطل فيما إذا كفت بما على مذهب سيبويه مع أن العلة في الموضعين زوال الاختصاص بالأسماء لأن المزيل هناك أقوى لأنه لفظ أجنبي زيد وهو ما بخلافه هنا فإنه نقصان بعض الكلمة، ومحل ما ذكر إن وليها اسم فإن وليها فعل كما في الأمثلة الآتية وجب الإهمال ولا يدعي الاعمال وإن اسمها ضمير الشأن والجملة الفعلية خبرها. قاله زكريا. قوله: "نحو وإن كل لما إلخ" أي على قراءة تخفيف الميم أما على قراءة التشديد فلا شاهد فيه لأن إن عليها نافية ولما بمعنى إلا. واعرابه على التخفيف كل مبتدأ واللام لام الابتداء وما زائدة وجميع خبر ومحضرون نعته وجمع على المعنى ولدينا متعلق به أو جميع مبتدأ ثان ومحضرون خبره والجملة خبر الأول وهذا أولى لما يلزم على الأول من دخول لام الابتداء على خبر المبتدأ، والمسوّغ للابتداء بجميع العموم أو الإضافة تقديرًا والرابط على جعل جميع مبتدأ ثانيًا إعادة المبتدأ بمعناه(1/424)
وربما استغني عنها إن بدا ... ما ناطق أراده معتمدًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[هود: 111] "وتلزم اللام إذا ما تهمل" لتفرق بينها وبين أن النافية ولهذا تسمى اللام الفارقة، وقد عرفت أنها لا تلزم عند الأعمال لعدم اللبس.
تنبيه: مذهب سيبويه أن هذه اللام هي لام الابتداء. وذهب الفارسي إلى أنها غيرها اجتلبت للفرق، ويظهر أثر الخلاف في نحو قوله عليه الصلاة والسلام: "قد علمنا إن كنت لمؤمنًا "، فعلى الأول يجب كسر إن، وعلى الثاني يجب فتحها "وربما استغني عنها" أي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه على هذا بمعنى كل وعلى الأول بمعنى مجموع.
قوله: "وإن كلا لما إلخ" أي على قراءة تخفيف الميم أما على قراءة التشديد فلا شاهد فيه لما مر ولعل نصب كلا حينئذٍ بمحذوف تقديره أرى ثم رأيته في المغني. واعرابه على التخفيف كلا اسم إن واللام الأولى لام الابتداء وما زائدة للفصل بين اللامين أو موصولة خبر إن وليوفينهم جواب قسم محذوف وجملة القسم وجوابه صلة ما والتقدير وإن كلا للذين والله ليوفينهم. قال في المغني: لكن الصلة في المعنى جملة الجواب فقط وإنما جملة القسم مسوقة لمجرد التأكيد فلا يقال: جملة القسم إنشائية والصلة لا تكون إلا خبرية. ا. هـ. وقيل ما نكرة موصوفة بقول مقدر حذف وأقيم معموله وهو جملة القسم مقامه أي وإن كلا لخلق مقول فيهم والله ليوفينهم ولا حاجة لتقدير القول كما علم مما مر عن المغني وكذا الإعراب على التخفيف مع تشديد النون. وأما على تشديد النون والميم معًا فقال ابن الحاجب: أحسن ما قيل فيه أن لما هي الجازمة حذف فعلها تقديره لما يهملوا، واعترضه في المغني بأن لما تفيد توقع منفيها وإهمال الكفار غير متوقع. وأجاب الدماميني بأن توقع منفيها غالب لا لازم ولو سلم فالكفار يتوقعون الإهمال ولا يشترط في التوقع أن يكون من المتكلم. ثم قال في المغني: والأولى عندي أن يقدر لما يوافوا أعمالهم لدلالة ليوفينهم إلخ عليه ولتوقع التوفية.
قوله: "وتلزم اللام" أي عند عدم القرينة على المراد بدليل ما يأتي فلا تنافي بين قوله وتلزم اللام وقوله وربما استغنى إلخ وينبغي كما بحثه الروداني أن محل لزوم اللام إذا قصد البيان وأنه إذا قصد الإجمال لم تلزم لأن الإجمال من مقاصد البلغاء. قوله: "إذا ما تهمل" أي أو تعمل مع حصول اللبس بأن كان إعراب الاسم خفيًّا نحو إن هذا أو الفتى لقائم كما يؤخذ من قول الشارح لعدم اللبس وصرح به الدماميني. قوله: "وذهب الفارسي إلخ" قال الدماميني: حجته دخولها على الماضي المتصرف نحو إن زيد لقام وعلى منصوب الفعل المؤخر عن ناصبه نحو: {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِين} [الأعراف: 102] ، وكلاهما لا يجوز مع المشددة. ا. هـ. وقد يجاب بأن المخففة ضعفت بالتخفيف فتوسع معها ما لم يتوسع مع غيرها فتأمل. قوله: "يجب فتحها" أي لطلب العامل ولا معلق لأن اللام الفارقة على الثاني ليست من المعلقات وظاهر هذا الكلام دخول اللام الفارقة على خبر أن المفتوحة المخففة مع أنها لا تلتبس بأن النافية حتى يحتاج للفرق. وقد يقال إنها دخلت بعد إن المكسورة للفرق فلما دخل الفعل فتحت الهمزة(1/425)
والفعل إن لم يك ناسخًا فلا ... تلفيه غالبا بإن ذي موصلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عن اللام "إن بدا" أي ظهر "ما ناطق أرادة معتمدًا" على قرينة إما لفظية كقوله:
290- إن الحق لا يخفى على ذي بصيرة
أو معنوية كقوله:
291- أنا ابن أباة الضيم من آل مالك ... وإن مالك كانت كرام المعادن
"والفعل إن لم يك ناسخًا" للابتداء وهو كان وكاد وظن وأخواتها "فلا تلفيه" أي لا تجده "غالبًا بأن ذي" المخففة من الثقلية "موصلًا" وإن كان ناسخًا وجدته موصلًا بها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأبقيت اللام، فالكسر وقصد الفرق سابقان على دخول الطالب لفتح الهمزة أو يقال: لام الفرق قد تدخل مع عدم الاحتياج إلى الفرق كما تدخل بعد المكسورة عند قيام القرينة والاستغناء عن اللام.
قوله: "وربما استغني عنها" ليس المراد بالاستغناء عدم الاحتياج إلى اللام حتى يعترض بأن التعبير بربما يقتضي أن اللام قد لا يستغنى عنها مع القرينة بل المراد به ترك اللام ولا شك أنه مع القرينة يجوز ترك اللام وذكرها. قوله: "إن الحق إلخ" القرينة اللفظية فيه لفظ لا فإنه يبعد معها أن يراد بأن النفي إذ لو أريد ما ذكر لجيء بالإثبات بدلًا عن نفي النفي الصائر إلى الإثبات، وفيه أيضًا قرينة معنوية وهي أنه لو أريد بأن النفي ونفي النفي إثبات لكان المعنى الحق يخفى على ذي بصيرة وفساده ظاهر. وينبغي أن تكون القرينة المعتمد عليها هذه القرينة المعنوية لأن لا مبعدة للنفي لا مانعة منه فتأمل. قوله: "أنا ابن أباة إلخ" القرينة هنا دلالة مقام المدح على أن الكلام إثبات فلأجلها لم يقل كانت لكرام، وأما عدم قوله لكانت كرام فلما مر من امتناع أن يلي اللام فعل متصرف خال من قد وما قيل من أن هذا الامتناع مخصوص بأن العاملة دون المهملة يرده تصريح أبي حيان في ارتشافه باستوائهما في ذلك وبأن اللام لو دخلت في هذا البيت لدخلت على كرام فاعرف ذلك. والأباة جمع آب كقضاة وقاض من أبي إذا امتنع. والضيم الظلم. ومالك اسم قبيلة. ولهذا قال كانت، وصرفها مراعاة للحي قاله المصرح. قوله: "غالبًا" ظرف زمان أو مكان متعلق بالنفي والمعنى انتفى في غالب الأزمنة أو في غالب التراكيب وجود الفعل موصلًا بأن إذا لم يكن ناسخًا، ومفهوم ذلك أن وجود الفعل الناسخ موصلًا بأن لم ينتف في الغالب
__________
290- عجزه:
وإن هو لم يعدم خلاف معاند
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في شواهد المغني 2/ 604؛ ومغني اللبيب 1/ 232.
291- البيت من الطويل، وهو للطرماح واسمه الحكم بن حكيم، في ديوانه ص512؛ والدرر 2/ 193؛ والمقاصد النحوية 2/ 276؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 367؛ وتخليص الشواهد ص378؛ وتذكرة النحاة ص43؛ والجني الداني ص134؛ وشرح ابن عقيل ص191؛ وشرح عمدة الحافظ ص237؛ وشرح قطر الندى ص165؛ وهمع الهوامع 1/ 141.(1/426)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كثيرًا نحو: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم: 51] ، {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [الشعراء: 186] ، وأكثر منه كونه ماضيًا نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} [البقرة: 143] ، {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56] ، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] ، ومن النادر قوله:
292- شلت يمينك إن قتلت لمسلما
ولا يقاس عليه، نحو إن قام لأنا وإن قعد لزيد خلافًا للأخفش والكوفيين، وأندر منه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيصدق بالكثرة ولو جعل متعلقًا بالمنفي لكان المفهوم أن وجود الفعل الناسخ موصلًا بأن غالبي مع أن القوم إنما ذكروا الكثرة لا الغلبة أفاده سم.
قوله: "موصلًا" اسم مفعول من أوصل الرباعي المتعدي وثلاثيه اللازم وصل بمعنى اتصل وإن كان وصل يستعمل متعديًا أيضًا، فقول البعض تبعًا لما نقله شيخنا عن الغزي اسم مفعول من أوصل بمعنى اتصل فاسد. قوله: "وجدته موصلًا إلخ" بشرط كونه غير ناف ليخرج ليس وغير منفي ليخرج زال وأخواتها وغير صلة ليخرج دام ودخول اللام مع الفعل الناسخ على ما كان خبرًا في الأصل نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة} [البقرة: 143] ، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِين} [الأعراف: 102] ، ومع غير الناسخ على معموله فاعلًا كان أو مفعولًا ظاهرًا أو ضميرًا منفصلًا فالفاعل بقسميه نحو: إن يزينك لنفسك وأن يشينك لهبه. والمفعول الظاهر نحو إن قتلت لمسلمًا وأما المفعول الضمير فكما لو عطف على قولك إن قتلت لمسلمًا قولك وإن أهنت لإياه لكن إنما تدخل على المفعول دون الفاعل إذا كان الفاعل ضميرًا متصلًا كما رأيت أو مستترًا نحو زيد إن ضرب لعمرًا. قوله: "وأكثر منه" أي من كون مدخولها مضارعًا المفهوم من الأمثلة أو من نحو وأن يكاد إلخ. والحاصل أن الأقسام أربعة كثير وأكثر ويقاس عليهما اتفاقًا، ونادر وفي القياس عليه خلاف، وأندر ولا يقاس عليه اتفاقًا. وسبب ذلك أن إن المشددة مختصة بالمبتدأ والخبر فلما ضعفت بالتخفيف وزال اختصاصها بهما عوضوها كثرة الدخول على فعل يختص بهما وهو الناسخ مراعاة لحقها الأصلي في الجملة وكان الماضي أكثر لشبهها بعض الماضي كقيل في عدد الحروف والهيئة والبناء على الفتح ولما انتفى في الثالث اختصاص مدخولها بالمبتدأ والخبر كان نادرًا، ولما انتفى الاختصاص والشبه في الأخير كان أندر.
قوله: "شلت" بفتح الشين من باب فرح والضم لغة رديئة. قوله: "خلافًا للأخفش والكوفيين" تبع في هذا العزو التوضيح والتسهيل، والذي في الهمع والمغني أن الكوفيين لا يجيزون تخفيف إن المكسورة ويؤولون ما ورد مما يوهم ذلك بأن إن نافية واللام إيجابية بمعنى إلا ولذلك رد عليهم بقوله تعالى: {وَإِنَّْ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} [هود: 111] في قراءة من خفف إن
__________
292- البيت من الكامل، وهو لعاتكة بنت زيد العدوية.(1/427)
وإن تخفف أن فاسمها استكن ... والخبر اجعل جملة من بعد أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كونه لا ناسخًا ولا ماضيًا، كقولهم: إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه "وإن تخفف أن" المفتوحة "فاسمها" الذي هو ضمير الشأن "استكن" بمعنى حذف من اللفظ وجوبًا ونوى وجوده لا أنها تحملته لأنها حرف، وأيضًا فهو ضمير نصب وضمائر النصب لا تستكن.
وأما بروز اسمها وهو غير ضمير الشأن في قوله:
293- فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ... طلاقك لم أبخل وأنت صديق
وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولما وإن أجيب عنهم بأن لهم أن يجعلوا نصب كلا بأرى محذوفًا واللام بمعنى إلا كما هو رأيهم في مثلها وما مزيدة للفصل بين اللامين أو موصولة أو نكرة على ما مر، ويمكن الاعتذار بأن ذكر الكوفيين مع الأخفش نظرًا إلى موافقتهم له صورة لقياسهم أيضًا على إن قتلت لمسلمًا وإن كان قياسهم عليه على وجه أن إن نافية واللام بمعنى إلا، وقياس الأخفش عليه على وجه أن إن مخففة واللام لام الابتداء فمراد الشارح خلافًا لمن ذكروا في مطلق القياس على إن قتلت لمسلمًا. قوله: "الذي هو ضمير الشأن" أي فقط عند ابن الحاجب وهو أو غيره عند المصنف والجمهور فكان المناسب حذف القيد ليجري في حل كلام المصنف على مذهبه. ومما يتعين فيه تقدير ضمير الشأن قول الشاعر:
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل
قال ابن الحاجب في شرح المفصل ولولا أن ضمير الشأن مقدر لم يستقم تقديم الخبر هنا فالذي سوّغ التقديم كون الجملة واقعة خبرًا لا كون إن بطل عملها فصار ما بعدها مبتدأ وخبرًا لأنهم يعتبرون مع التخفيف ما يعتبرونه مع التشديد من امتناع تقديم خبرها. ا. هـ. باختصار. قوله: "وأما بروز إلخ" وارد على قوله فاسمها الذي هو ضمير الشأن استكن. وحاصل الإيراد أنه وجد في كلامهم اسم أن المخففة غير ضمير الشأن وغير مستكن. قوله: "فلو أنك إلخ" يصف هذا الشاعر نفسه بكثرة الجود حتى لو سأله الحبيب الفراق لأجابه كراهة رد السائل. وخص يوم الرخاء بالذكر لأن الإنسان ربما يفارق الأحباب في الشدة. وجملة وأنت صديق حالية قيد بها لأن الإنسان لا يعز عليه فراق عدوه. وصديق فعيل بمعنى اسم المفعول أي مصادقة بفتح الدال أو من إجراء فعيل بمعنى فاعل مجرى فعيل بمعنى مفعول. وفي المصباح يقال: امرأة صديق وصديقة. قوله:
__________
293- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الأزهية ص62؛ والأشباه والنظائر 5/ 238، 262؛ والإنصاف 1/ 205؛ والجني الداني ص218؛ وخزانة الأدب 5/ 426، 427، 10/ 381، 382؛ والدرر 2/ 198؛ ورصف المباني ص115، وشرح شواهد المغني 1/ 105؛ وشرح ابن عقيل ص193؛ وشرح المفصل 8/ 71؛ ولسان العرب 4/ 81؛ وشرح شواهد المغني 1/ 105؛ وشرح ابن عقيل ص193؛ وشرح المفصل 8/ 71؛ ولسان العرب 4/ 81 "حرر"، 10/ 194 "صدق"، 13/ 30 "أنن"؛ ومغني اللبيب 1/ 31؛ والمقاصد النحوية 2/ 31؛ والمنصف 3/ 128؛ وهمع الهوامع 1/ 143.(1/428)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
294- بأنك ربيع وغيث مريع ... وأنك هناك تكون الثمالا
فضرورة "والخبر اجعل جملة من بعد أن" نحو علمت أن زيد قائم، فأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف وزيد قائم جملة في موضع رفع خبرها.
تنبيه: أن المفتوحة أشبه بالفعل من المكسورة لأن لفظها كلفظ عض مقصودًا به الماضي أو الأمر. والمكسورة لا تشبه إلا الأمر كجد فلذلك أو ثرت أن المفتوحة المخففة ببقاء عملها على وجه يبين فيه الضعف وذلك بأن جعل اسمها محذوفًا لتكون بذلك عاملة كلا عاملة. ومما يوجب مزيتها على المكسورة أن طلبها لما تعمل فيه من جهة الاختصاص ومن جهة وصليتها بمعمولها ولا تطلب المكسورة ما تعمل فيه إلا من جهة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"مريع" بفتح الميم أي كثير العشب من مرع الوادي بتثليث الراء أي كثر عشبه كأمرع فوصف الغيث به من وصف الحال بوصف المحل، وبضمها من أراع الشيء أي نما وكثر كراع يريع ريعًا أفاده في القاموس. والثمال بكسر المثلثة الغياث.
قوله: "فضرورة" أي من وجهين عند ابن الحاجب كون اسمها غير ضمير الشأن وكونه مذكورًا. ومن الوجه الثاني فقط عند الناظم. قوله: "والخبر اجعل جملة" أي إن حذف الاسم سواء كان ضمير شأن أو لا على مذهب المصنف فإن ذكر الاسم جاز كون الخبر جملة وكونه مفردًا وقد اجتمعا في قوله بأنك ربيع إلخ. قوله: "من بعد أن" من وضع الظاهر موضع المضمر للضرورة. قوله: "تنبيه أن المفتوحة إلخ" هذا جواب عما قيل لماذا أعملوا أن المفتوحة وأهملوا المكسورة غالبًا وكان اللائق التسوية أو العكس لئلا يلزم مزية الفرع عن الأصل. وحاصل الجواب أن الفرع قد يميز على الأصل لمعنى فيه لا يوجد في الأصل. قوله: "لا تشبه إلا الأمر" قد يقال: بل تشبه نحو قيل وبيع أيضًا إلا أن يقال صيغة المجهول محولة عن صيغة المعلوم لا أصلية. قوله: "فلذلك" أي لكونها أشبه بالفعل إلخ أوثرت أي خصت، وقوله على وجه إلخ ليس من جملة التفريع إذ لا ينتجه ما قبل التفريع فهو متعلق بمحذوف دل عليه السياق أي وعملت على وجه إلخ أي لئلا يظهر بالكلية مزية الفرع على أصله، وبه يجاب عما قيل لم أعملوا المفتوحة في محذوف غالبًا والمكسورة في مذكور، وأجاب بعضهم بأن ذلك إعطاء للأصل الأصل والفرع الفرع بوذها أيضًا يجاب عما قيل لم أعملوا المفتوحة في ضمير والمكسورة في ظاهر. قوله: "من
__________
294- البيت من المتقارب، وهو لكعب بن زهير في الأزهية ص62؛ وتخليص الشواهد ص380؛ وليس في ديوانه؛ وهو لجندب بنت عجلان في الحماسة الشجرية 1/ 309؛ وخزانة الأدب 10/ 384؛ وشرح أشعار الهذليين 2/ 585؛ وشرح التصريح 1/ 232؛ والمقاصد النحوية 2/ 282؛ ولعمرة بنت عجلان أو لجنوب بنت عجلان في شرح شواهد المغني 1/ 106؛ وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 207؛ وأوضح المسالك 1/ 370؛ وخزانة الأدب 5/ 427؛ وشرح قطر الندى ص156؛ وشرح المفصل 8/ 75؛ ولسان العرب 13/ 30 "أنن"، ومغني اللبيب 1/ 31.(1/429)
وإن يكن فعلًا ولم يكن دعا ... ولم يكن تصريفه ممتنعا
فالأحسن الفصل بقدر أو نفي أو ... تنفيس أو لو وقليل ذكر لو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاختصاص فضعفت بالتخفيف وبطل عملها بخلاف المفتوحة "وإن يكن" صدر الجملة الواقعة خبر أن المفتوحة المخففة "فعلًا ولم يكن" ذلك الفعل "دعا ولم يكن تصريفه ممتنعًا فالأحسن" حينئذ "الفصل" بين أن وبينه "بقد" نحو: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} [المائدة: 113] وقوله:
295- شهدت بأن قد خط ما هو كائن ... وأنك تمحو ما تشاء وتثبت
"أو نفي" بلا أو لن أو لم نحو: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة: 71] ، {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} [البلدة: 5] ، {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [البلد: 7] ، "أو" حرف "تنفيس" نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُون} [المزمل: 20] ، وقوله:
296- واعلم فعلم المرء ينفعه ... أن سوف يأتي كل ما قدرا
"أو لو" نحو: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} [الجن: 16] ، "وقليل" في كتب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جهة الاختصاص" أي بالأسماء وقوله وصليتها أي كونها حرفًا موصولًا بمعمولها.
قوله: "وبطل عملها" أي في الغالب كما سبق. قوله: "صدر الجملة إلخ" أشار به إلى أن الضمير في يكن إلى الخبر بتقدير مضاف أي صدر الخبر ولو عبر الشارح بذلك لكان أحسن وإن كان المآل واحدًا أو دفع بذلك ما يوهمه ظاهر عبارته أن الخبر نفس الفعل. فإن قلت: الظاهر أن الحرف الفاصل بين أن والفعل جزء من الخبر فهو الصدر لا الفعل. قلت المراد صدر ما بعد هذا الحرف من التركيب الإسنادي. قوله: "دعا" أي ذا دعاء قصد به الدعاء. قوله: "فالأحسن حينئذٍ الفصل" أي للفرق بين المخففة والمصدرية التي تنصب المضارع. ولما كانت المصدرية لا تقع قبل الاسمية ولا الفعلية التي فعلها جامد أو دعاء لم يحتج لفاصل معها. وأفعل التفضيل ليس على بابه كما يدل عليه تعبير الموضح بالوجوب فعدم الفصل قبيح لكن ينبغي أن يكون محل قبحه إذا لم يكن هناك فارق بين المخففة والمصدرية غير الفصل كوقوع أن بعد العلم وإلا لم يقبح كما في الروداني، ويظهر أن ترك الفصل عند وجود فارق آخر خلاف الأولى وأن من الفارق غير الفصل ظهور رفع المضارع كما في أن تهبطين.
قوله: "وبينه" أي الفعل. قوله: "بلا" أي مع الماضي والمضارع وكذا لو. واستشكل الفصل
__________
295- البيت من الطويل.
296- البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في الدرر 4/ 30؛ وشرح شواهد المغني 2/ 828؛ وشرح ابن عقيل ص195؛ ومعاهد التنصيص 1/ 377؛ ومغني اللبيب 2/ 398؛ والمقاصد النحوية 2/ 313؛ وهمع الهوامع 1/ 248.(1/430)
وخففت كأن أيضًا فنوي ... منصوبها وثابتا أيضًا روي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النحاة "ذكر لو" وإن كان كثيرًا في لسان العرب. وأشار بقوله فالأحسن الفصل إلى أنه قد يرد والحالة هذه بدون فاصل كقوله:
297- علموا أن يؤملون فجادوا ... قبل أن يسألوا بأعظم سؤال
وقوله:
298- إني زعيم يا نويـ ... ـقة إن أمنت من الرزاح
ونجوت من عرض المنو ... ن من العشي إلى الصباح
إن تهبطين بلاد قو ... م يرتعون من الطلاح
أما إذا كانت جملة الخبر اسمية أو فعلية فعلها جامد أو دعاء فلا تحتاج إلى فاصل كما هو مفهوم الشرط من كلامه نحو: {وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] ، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] "والخامسة أنْ غضب الله عليها" [النور: 9] ، "وخففت كأن أيضًا" حملًا على أن المفتوحة "فنوي منصوبها" وهو ضمير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بلا بأنه لا فائدة فيه لأن أن المخففة لا تحتاج بعد العلم إلى تمييزها عن المصدرية لأن المصدرية لا تقع بعد العلم وأما بعد الظن فيقعان لكن لا تميز لا بينهما لوقوعها بعد كل منهما فلا يتم تعليل الفصل بالفرق بين المخففة والمصدرية وكذا استشكل الفصل بعد العلم بغير لا كقد والسين بأنه لا فائدة فيه لعدم وقوع المصدرية بعد العلم. والجواب أن كون الفصل للتفرقة المذكورة باعتبار الغالب وفي شرح الجامع أن الفصل بالمذكورات إما لئلا تلتبس بالمصدرية أو ليكون كالعوض من تخفيفها ولا إشكال عليه. قوله: "أن لا تكون" أي على قراءة تكون بالرفع على أن أن مخففة. قوله: "زعيم" أي كفيل والرزاح بضم الراء وكسرها الهزال والمنون الموت، وإضافة عرض إليه من إضافة الصفة للموصوف أي المنون العرض أي العارض. والطلاح بالكسر جمع طلحة بالفتح شجرة من شجر الغضي. قوله: "فلا يحتاج إلى فاصل" أن لما علمت من أن هذه الجمل لا تقع بعد أن الناصبة للمضارع.
قوله: "أن غضب الله" أي في قراءة نافع أن بسكون النون وغضب بصيغة الماضي مقصودًا به الدعاء فهي قراءة سبعية وما في التصريح مما يخالف ذلك سبق قلم. قوله: "فنوى منصوبها
__________
297- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 372؛ وتخليص الشواهد ص383؛ والجني الداني ص219؛ والدرر 2/ 197؛ وشرح التصريح 1/ 233؛ وشرح ابن عقيل ص196؛ وقطر الندى ص155؛ والمقاصد النحوية 2/ 294؛ وهمع الهوامع 1/ 143.
298- الأبيات من مجزوء الكامل، وهي للقاسم بن معن في المقاصد النحوية 2/ 279؛ وبلا نسبة في الأزهية ص65؛ وخزانة الأدب 8/ 42؛ ورصف المباني ص113؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 448؛ وشرح المفصل 7/ 9؛ ولسان العرب 2/ 532 "طلح"، 9/ 198 "صلف" 13/ 136 "أنن".(1/431)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشأن كثيرًا "وثابتا أيضا روي" وهو غير ضمير الشأن قليلًا كمنصوب أن. فمن الأول قوله:
299- وصدر مشرق النحر ... كأن ثدياه حقان
وقوله:
300- ويومًا توافينا بوجه مقسم ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلخ" أي حذف وعلم من ذلك أنها واجبة الإعمال لأنه أثبت لها منصوبًا منويًّا تارة وثابتًا أخرى قاله يس لكن جوز الدماميني في قوله: كأن ظبية إلخ على رواية رفع ظبية أن يكون الرفع لإهمال كأن بتخفيفها. قوله: "كثيرًا" راجع لكل من قوله فنوى وقوله وهو ضمير الشأن فيفيد أن منصوبها قد يثبت وذكر هذا المصنف بقوله وثابتًا إلخ وأنه قد ينوي وهو غير ضمير الشأن وسيمثل له الشارح بالشاهد الثاني هذا هو المناسب لما عليه المصنف من أن اسم كأن المخففة المحذوف قد يكون ضمير الشأن وقد يكون غيره ولما سيذكره الشارح أن الخبر في الشاهد الثاني مفرد إذ لو وجب كون الاسم المحذوف ضمير الشأن لم يجز أن يكون الخبر عند حذف الاسم مفردًا لأن ضمير الشأن لا يخبر عنه بمفرد بخلاف ما لو أرجح كثيرًا لقوله فنوى فقط فإن مفاد كلام الشارح على هذا أن اسمها المنوي لا يكون إلا ضمير الشأن وهذا خلاف مذهب المصنف ومناف لقول الشارح بعد وأن يكون مفردًا كما في الثاني فافهم. قوله: "قليلًا" راجع لقوله وثابتًا إلخ. قوله: "كمنصوب أن" التشبيه في مطلق الثبوت والذكر فلا ينافي أن ثبوت منصوب أن ضرورة كما مر بخلاف ثبوت منصوب كأن فإنه ليس بضرورة. قوله: "فمن الأول" أي المحذوف لا بقيد كونه ضمير الشأن بدليل الشاهد الثاني فإن المحذوف فيه غير ضمير الشأن كما سيصرح به بل ضمير المرأة على أن الدماميني قال لا يظهر لي تعين كون الاسم في الشاهد الأول ضمير الشأن إذ يجوز أن يكون ضميرًا عائدًا إلى المتقدم الذكر أي كأن النحر ثدياه حقان.
قوله: "مشرق النحر" أي مضيء العنق ثدياه أي الصدر أي الثديان فيه حقان أي في الاستدارة. ويجوز أن يكون ثدياه اسم كأن على لغة من يلزم المثنى الألف وحقان خبرها ولا شاهد فيه حينئذٍ. قوله: "توافينا" أي تقابلنا، والمقسم الحسن من القسام وهو الحسن، تعطو أي
__________
299- البيت من الهزج، وهو بلا نسبة في الإنصاف 1/ 197؛ وأوضح المسالك 1/ 378؛ وتخليص الشواهد ص389؛ والجني الداني ص575؛ وخزانة الأدب 10/ 392، 394، 398، 399، 400، 440، والدرر 2/ 99؛ وشرح التصريح 1/ 134؛ وشرح شذور الذهب ص369؛ وشرح ابن عقيل ص197؛ وشرح قطر الندى ص158؛ وشرح المفصل 8/ 82؛ والكتاب 2/ 135، 140؛ ولسان العرب 13/ 30، 32 "أنن"؛ والمقاصد النحوية 2/ 305؛ والمنصف 3/ 128؛ وهمع الهوامع 1/ 143.
300- البيت من الطويل، وهو لعلباء بن أرقم في الأصمعيات ص157؛ والدرر 2/ 200؛ وشرح التصريح 1/ 234؛ والمقاصد النحوية 4/ 384؛ ولأرقم بن علباء في شرح أبيات سبيويه 1/ 525؛ ولزيد بن أرقم في=(1/432)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على رواية من رفع فيهما وعلى رواية النصب هما من الثاني. وقد عرفت أنه لا يلزم في خبرها عند حذف الاسم أن يكون جملة كما في أن، بل يجوز جملة في البيت الأول وأن يكون مفردًا كما في الثاني.
تنبيه: إذا كان خبر كأن المخففة جملة اسمية لم يحتج إلى فاصل كما في البيت الأول، وإن كانت فعلية فصلت بقدم أو لم نحو: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: 24] وكقوله:
301- لا يهولنك اصطلاء لظى الحر ... ب فمحذورها كأن قد ألما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تأخذ وعداه بإلى وإن كان يتعدى بنفسه لتضمنه معنى الميل. وقال الدماميني: أي تتطاول إلى الشجر لتتناول منه كذا في القاموس. ا. هـ. والجملة صفة لظبية، إلى وارق السلم أي مورق هذا الشجر، يقال: ورق يرق وأورق يورق أي صار ذا ورق. قوله: "هما من الثاني" وعليه فالخبر في البيت الثاني محذوف أي هذه المرأة على عكس التشبيه للمبالغة ويروى ظبية بالجر أيضاً على أن الأصل كظبية وزيدت أن بين الكاف ومجرورها.
قوله: "وقد عرفت" أي من التمثيل بالبيت الثاني وقوله كما في أن راجع للمنفي لا للنفي. قوله: "وأن يكون مفرداً كما في الثاني" لكون الاسم فيه غير ضمير الشأن إذ التقدير كأنها أي المرأة ظبية، وبما قررناه لك يندفع ما أورد هنا مما هو ناشىء عن عدم التأمل في أطراف كلام الشارح. قوله: "وإن كانت فعلية" أي فعلها غير جامد وغير دعاء قياساً على ما مر. قوله: "فصلت بقد أو لم" للفرق بين كأن المخففة وأن الناصبة للمضارع الداخلة عليها كاف الجر. قوله: "لا يهولنك" أي لا يفزعنك. واللظى النار فهي إما استعارة لمشقات الحرب أو إضافتها إلى الحرب من إضافة المشبه به للمشبه واصطلاء النار التدفي بها فهو ترشيح للاستعارة أو التشبيه والمراد باصطلاء الحرب تعاطيها والتلبس بها ومحذورها هو الموت، كأن قد ألما أي نزل أي فالموت لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= الإنصاف 1/ 202؛ ولكعب بن أرقم في لسان العرب 12/ 482 "قسم"؛ ولباغث بن صريم اليشكري في تخليص الشواهد ص390؛ وشرح المفصل 8/ 83؛ والكتاب 2/ 134؛ وله أو لعلباء بن أرقم في المقاصد النحوية 2/ 301؛ ولأحدهما أو لأرقم بن علباء في شرح شواهد المغني 1/ 111؛ ولأحدهما أو لرشد بن شهاب اليشكري أو لابن أصرم اليشكري في خزانة الأدب 10/ 411؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 377؛ وجواهر الأدب ص197؛ والجني الداني ص222، 522، ورصف المباني ص117، 211؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 683؛ وسمط اللآلي ص829؛ وشرح عمدة الحافظ ص241، / 331؛ وشرح قطر الندى ص157؛ والكتاب 3/ 165؛ والمحتسب 1/ 308؛ ومغني اللبيب 1/ 33؛ والمقرب 1/ 111، 2/ 204؛ والمنصف 3/ 128؛ وهمع الهوامع 1/ 143.
301- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 379؛ وسر صناعة الإعراب ص419؛ وشرح التصريح 1/ 235؛ وشرح شذور الذهب ص369؛ والمقاصد النحوية 2/ 306.(1/433)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة: لا يجوز تخفيف لعل على اختلاف لغاتها. وأما لكن فتخفف فتهمل وجوبًا نحو: "ولكنْ الله قتلهم" [الانفال: 17] ، وأجاز يونس والأخفش إعمالها حينئذ قياسًا.
وحكي عن يونس أنه حكاه عن العرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بد منه قوله: "فتهمل وجوبًا" لزوال اختصاصها بالأسماء لدخول المخففة على الجملتين.
تم الجزء الأول، ويليه الجزء الثاني وأوله: لا التي لنفي الجنس.(1/434)
الفهرس:
3 مقدمة المؤلف
11 خطبة الكتاب
29 الكلام وما يتألف منه
71 المعرب والمبني
154 النكرة والمعرفة
186 العلم
202 اسم الإشارة
212 الموصول
257 المعرف بأداة التعريف
275 الابتداء بأداة التعريف
331 كان وأخواتها
363 فصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس
379 أفعال المقاربة
396 إن وأخواتها(1/435)
المجلد الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
لا التي لنفي الجنس:
عمل إن اجعل للا في نكرة ... مفردة جائتك أو مكررة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
لا التي لنفي الجنس:
اعلم أنه إذا قصد بلا نفي الجنس على سبيل الاستغراق اختصت بالاسم لأن قصد الاستغراق على سبيل التنصيص يستلزم وجود من لفظًا أو معنى ولا يليق ذلك إلا بالأسماء النكرات فوجب للا عند ذلك القصد عمل فيما يليها وذلك العمل إما رفع وإما نصب وإما جر فلم يكن جرًا لئلا يعتقد أنه بمن المنوية فإنها في حكم الموجودة لظهورها في بعض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا التي لنفي الجنس:
أي لنفي الخبر عن الجنس الواقع بعدها نصا. ونفيه عن الجنس يستلزم نفيه عن جميع أفراده، وتسمى لا التبرئة بإضافة الدال إلى المدلول لتبرئة المتكلم وتنزيهه الجنس عن الخبر، والمراد بكونها لنفي الجنس نصا كونها له في الجملة لأن لا العاملة عمل إن إنما تكون نصا في نفي الجنس إذا كان اسمها مفردا فإن كان مثنى نحو لا رجلين أو جمعا نحو لا رجال كانت محتملة لنفي الجنس ولنفي قيد الاثنينية أو الجمعة كما أوضحه السعد في مطوله. وأما لا العاملة عمل ليس فإنها عند إفراد اسمها لنفي الجنس ظهورا لعموم النكرة مطلقا في سياق النفي ولنفي وحدة مدخولها المفرد بمرجوحية فتحتاج إلى قرينة، ولهذا يجوز بعدها أن تقول بل رجلان أو رجال، فإن ثني اسمها أو جمع كانت في الاحتمال مثل لا العاملة عمل إن إذا ثني اسمها أو جمع، فالاختلاف بين العاملة عمل إن والعاملة عمل ليس إنما هو عند إفراد الاسم. فاحفظ هذا التحقيق ولا تلتفت إلى ما وقع في كلام البعض وغيره يخالفه. والمهملة كالعاملة عمل ليس. ولا يرد على كون العاملة عمل ليس ليست لنفي الجنس نصا عند إفراد اسمها أن الجنس منفي نصاً في:
تعز فلا شيء على الأرض باقيا
مع عملها عمل ليس لأن التنصيص فيه لقرينة خارجية.
قوله: "على سبيل الاستغراق" أي نصا وقوله: اختصت بالاسم أي النكرة بدليل قوله: ولا يليق ذلك إلخ. قوله: "لأن قصد الاستغراق على سبيل التنصيص يستلزم وجود من" وذلك لأن الموضوع لنفي الجنس نصا على سبيل الاستغراق لفظة لا متضمنة معنى من قاله سم. قوله: "وجود من" أي الاستغراقية كما في التصريح وهو الموافق لقول الشارح ولا يليق ذلك إلخ ويعبر عنها بالزائدة. وفي سم أنها البيانية. قال شيخنا وهذا إن صح فوجهه أن أصل لا رجل لا شيء من رجل. قوله: "ولا يليق ذلك" أي وجود من لفظا أو معنى وقوله إلا بالأسماء النكرات أي(2/3)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأحيان كقوله:
302- فقام يذود الناس عنها بسيفه ... وقال ألا لا من سبيل إلى هند
ولم يكن رفعًا لئلا يعتقد أنه بالابتداء فتعين النصب ولأن في ذلك إلحاقًا للا بأن خففت في تضمن بعده ساكن فلما ناسبتها حملت عليها في العمل. وقد أشار إلى عملها على وجه يؤذن بذلك فقال: "عمل إن اجعل للا في نكرة مفردة جاءتك" نحو لا غلام رجل قائم "أو مكررة" نحو لا حول ولا قوة إلا بالله، وهو مع المفردة على سبيل الوجوب ومع المكررة على سبيل الجواز كما ستراه.
تنبيه: شروط إعمال لا العمل المذكور على ما أفهمه كلامه تصريحًا وتلويحًا سبعة:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنها التي تدخل عليها من المذكورة. قوله: "فوجب إلخ" تفريع على قوله اختصت بالاسم وإنما وجب ذلك لأن حق المختص بقبيل أن يعمل فيه. قوله: "بمن المنوية" أي تضمنا لا تقديرا كما يفهم من الدماميني وذكره يس. قوله: "لظهورها في بعض الأحيان" أي ضرورة كما في حاشية شيخنا السيد. قوله: "يذود" أي يطرد. قوله: "لئلا يعتقد أنه بالابتداء" يرد عليه أنه يخشى من هذا الاعتقاد في العاملة عمل ليس أيضا ولم يراعوه إلا أن يقال اعتناؤهم بالعاملة عمل ليس أقل من اعتنائهم بالعاملة عمل إن لأن العاملة عمل إن أقوى عملا من العامل عمل ليس للإجماع على إعمالها دون إعمال العاملة عمل ليس. قوله: "ولأن في ذلك إلخ" عطف على مقدر مفهوم مما سبق والتقدير فتعين النصب لدفع الاعتقادين المذكورين ولأن إلخ أو لسلامته مما ذكر ولأن إلخ. قوله: "لتأكيد النفي" يعني للنفي المؤكد بمعنى أنها تفيد نفيا أكيدا قويا وهذا لا يقتضي وجود النفي أولا بغيرها فلا اعتراض عليه. قوله: "وإن لتأكيد الإثبات" أي إثبات المنسوب للمنسوب إليه ولو كان المنسوب نفيا كما في القضية المعدولة المحمول نحو إن زيدا ليس في الدار فاندفع الاعتراض بأنها لتوكيد النسبة مطلقا إثباتا أو نفيا. قوله: "حملت عليها في العمل" ولذلك كانت منحطة عنها فلم تعمل إلا بالشروط الآتية ولم تقدم خبرها على اسمها ظرفا أو مجرورا.
قوله: "يؤذن بذلك" أي بالحمل. قوله: "شروط إعمال لا إلخ" شمل الإعمال في عبارته إعمال النصب في المضاف والشبيه به، وحينئذٍ فعده من الشروط كون النفي للجنس وكونه نصا صريحا في أن لا لنفي الجنس نصا سواء بني اسمها أو نصب وهو كذلك خلافا للتاج السبكي
__________
302- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 13؛ وتخليص الشواهد ص396؛ والجني الداني ص292 والدرر 2/ 221؛ وشرح التصريح 1/ 229؛ وشرح ابن عقيل ص255؛ ولسان العرب 15/ 434 "ألا" 15/ 468 "لا" ومجالس ثعلب ص176؛ والمقاصد النحوية 2/ 322؛ وهمع الهوامع 1/ 146.(2/4)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن تكون نافية، وأن يكون منفيها الجنس، وأن يكون نفيه نصًا، وأن لا يدخل عليها جار، وأن يكون اسمها نكرة وأن يتصل بها، وأن يكون خبرها أيضًا نكرة فإن كانت غير نافية لم تعمل. وشذ إعمال الزائدة في قوله:
303- لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها ... إذن للأم ذوو أخسابها عمرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حيث خص إفادتها ذلك بما إذا بني اسمها. ولابن الهمام حيث ذهب إلى أن المبنية أيضا ليست نصا في العموم وأنه يجوز لا رجل بل رجلان كما جاز ذلك في رافعة الاسم، وكما جاز لا رجال بل رجلان اتفاقا. فإن قيل تقدم عن سم أن الموضوع لنفي الجنس نصاً على سبيل الاستغراق لا المضمنة معنى من وتضمنها مفقود عند عملها في المضاف وشبهه وإلا لبنيا، قلت لا نسلم الفقد كما صرح به غير واحد كالروداني وإنما أعربا لمعارضة الإضافة وشبهها شبه الحرف. قوله: "سبعة" الثلاثة الأول فهمت من الترجمة: أما الأولان ففهمهما منها ظاهر. وأما الثالث فلأنه متى أطلق نفي الجنس انصرف إلى نفيه نصاً قاله سم وعدم دخول جار عليها من قوله عمل إن اجعل للا لأن عملها عمل إن إنما هو مع عدم دخول الجار لما هو معلوم أن الجار إنما يتعلق بالأسماء فإذا دخل على لا لم يكن متعلقا بها بل بالاسم بعدها فيكون الاسم بعدها معمولا للجار لا لها فلا عمل لها حينئذٍ. وتنكير الاسم والخبر من قوله في نكرة والاتصال من قوله الآتي وبعد ذاك الخبر اذكر لإفادته عدم جواز الفصل بينها وبين اسمها بالخبر، وبالأولى عدم جوازه بغيره قاله بعضهم. وبحث فيه بأنه إنما يفيد قوله وبعد ذاك الخبر اذكر عدم تقدم الخبر على الاسم. وهذا لا يستلزم امتناع الفصل بينها وبين الاسم لجواز أن يكون امتناع تقدم الخبر على الاسم لوجوب الترتيب لا لامتناع الفصل. قوله: "وأن يكون نفيه نصا" أي أن يقصد المتكلم نفيه نصا ولا شك في سبق هذا القصد على المشروط الذي هو عملها عمل إن فلا يرد أن يكون النفي نصا فرع عن العمل المذكور لأن السامع إنما يفهمه من هذا العمل فلا يكون شرطا لسبق الشرط على المشروط. قوله: "وشذ إعمال الزائدة" أي لعدم اختصاصها فحقها الإهمال. قوله: "لو لم تكن إلخ" وجه كونها زائدة أن معنى البيت لو لم يكن لغطفان ذنوب للاموا عمر أي امتنع لومهم عمر بن هبيرة الفزاري الذي كان يهجو قبيلة غطفان لثبوت الذنوب لها المستفاد من النفي المأخوذ من لو المسلط على النفي المأخوذ من لم لأن نفي النفي إثبات فلم يستفد من لا نفي أصلا فتعين أن تكون زائدة. وإنما أفاد البيت امتناع لومهم لأن لو تدل على امتناع جوابها كشرطها على ما هو المشهور. وقال الروداني الصواب جعلها نافية والمعنى لو كان لغطفان ذنوب للاموا عمر لأن ذنوبهم كلا ذنوب بالنسبة إلى ذنوبه فما بالك بأنهم يلومونه حين
__________
303- البيت من البسيط، وهو للفرزدق في ديوانه 1/ 230؛ وخزانة الأدب 4/ 30، 32، 50؛ والدر 2/ 226؛ وشرح التصريح 1/ 227؛ والمقاصد النحوية 2/ 322؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 3؛ والخصائص 2/ 26؛ ولسان العرب 9/ 269 "غطف" وهمع الهوامع 1/ 147.(2/5)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإن كان لنفي الوحدة أو لنفي الجنس لا على سبيل التنصيص علمت عمل ليس كما مر، وإن دخل عليها جاز خفض النكرة نحو جئت بلا زاد وغضبت من لا شيء، وشذ جئت بلا شيء بالفتح، وإن كان الاسم معرفة أو منفصلًا أهملت ووجب تكرارها نحو لا زيد في الدار ولا عمرو، ولا في الدار رجل ولا امرأة، وأما نحو: قضية ولا أبا حسن لها و:
304- لا هيثم الليلة للمطي
وقوله:
305- يكدن ولا أمية في البلاد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لم يذنبوا يعني أنهم يلومونه على كل حال كان لها ذنوب أو لا مثل لو لم يخف الله لم يضعه. ا. هـ. وما ذكره محتمل لا متعين فالتصويب في غير محله.
قوله: "أو لنفي الجنس" أي مطلقا عن قيد الوحدة وإلا فالتي لنفي الوحدة لنفي الجنس أيضا لكن في ضمن الفرد المقيد بالوحدة على ما أفاده البعض. ولك أن تقول إنها لنفي الفرد بقيد الوحدة فتدبر. قوله: "عملت عمل ليس" أي أو أهملت وكررت. قوله: "خفض النكرة" أي ولا ملغاة معترضة بين الجار ومجروره وعن الكوفيين أن لا حينئذٍ اسم بمعنى غير مجرور بالحرف وما بعده مجرور بإضافة لا إليه. قوله: "بلا شيء بالفتح" وجه بأن الجار دخل بعد التركيب فأجرى المركب مجرى الاسم الواحد فمحله جر بالباء ولا خبر للا حينئذٍ لصيرورتها فضلة قاله في التصريح. قوله: "وإن كان الاسم معرفة" سكت عن محترز تنكير الخبر لعلمه من محترز تنكير الاسم بالمقايسة. قوله: "ووجب تكرارها" أي عند الجمهور أما في المعرفة فجبرا لما فاتها من نفي الجنس، وأما في الانفصال فتنبيها بالتكرير على كونها لنفي الجنس لأن نفي الجنس تكرار للنفي في الحقيقة أفاده الدماميني، ومنه يعلم أن إلغاءها لا يخرجها عن كونها لنفي الجنس في النكرات وأجاز المبرد وابن كيسان عدم التكرار في الموضعين. قوله: "قضية ولا أبا حسن لها" أي هذه قضية ولا أبا حسن قاض لها وهو نثر من كلام عمر في حق علي رضي الله تعالى عنهما كما في شرح الجامع لا شطر بيت ولهذا لم يذكره العيني في شواهده وصار مثلا يضرب عند الأمر العسير، فقول البعض هو من كلام علي وهو من الكامل ودخله الوقص في جزئيه الأول والثاني خبط فاحش. قوله: "ولا هيثم" كلام آخر لقائل آخر والواو عاطفة من كلام الشارح، وهيثم
__________
304- الرجز لبعض بني دبير في الدرر 2/ 213؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص250؛ والأشباه والنظائر 3/ 82، 8/ 98؛ وتخليص الشواهد 179؛ وخزانة الأدب 4/ 57، 59؛ ورصف المباني ص260؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 59؛ وشرح شواهد الإيضاح ص105؛ وشرح المفصل 2/ 102؛ 4/ 123؛ والكتاب 2/ 296؛ والمقتضب 4/ 362؛ وهمع الهوامع 1/ 145.
305- صدره:
أرى الحاجات عند أبي حبيب والبيت من الوافر، وهو لعبد الله بن زبير في ملحق ديوانه ص147، وخزانة الأدب 4/ 61، 62؛ والدرر 2/ 211؛ وشرح المفضل 2/ 102، 104؛ والكتاب 2/ 297 ولفاضلة بن شريك في الأغاني 12/ 66؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 569؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص261؛ وشرح شذور الذهب ص273؛ والمقتضب 4/ 362؛ والمقرب 1/ 189.(2/6)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فمؤول، وعدم التكرار في قوله:
306- أشاء ما شئت حتى لا أزال لما ... لا أنت شائية من شأننا شاني
ضرورة. ا. هـ. واعلم أن اسم لا على ثلاثة أضرب: مضاف، ومشبه بالمضاف وهو ما بعده شيء من تمام معناهم ويسم مطولا وممطولا أي ممدودا، ومفرد وهو ما سواهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالمثلثة اسم سارق أو راع أو حاد أقوال. وهذا شطر بيت من الرجز. قوله: "فمؤول" أي بأنه على تقدير مضاف لا يتعرف بالإضافة كلفظ مثل أو بجعله اسم جنس لكل من اتصف بالمعنى المشهور به مسمى ذلك العلم، والمعنى قضية ولا فيصل لها كما قالوا لكل فرعون موسى بتنوين العلمين على معنى لكل جبار قهار قاله الرضي، والثاني أولى من الأول لأنه معترض بأن العرب التزمت تجرد الاسم المستعمل هذا الاستعمال من أل فلم يقولوا ولا أبا الحسن مثلا ولو كانت إضافة مثل منوية لم يحتج إلى ذلك الالتزام لعدم منافاة أل حينئذٍ تنكير اسم لا في الحقيقة، وبأن العرب أخبروا عن الاسم المذكور بمثل كما في قوله:
يبكي على زيد ولا زيد مثله
ولو كانت إضافة مثل منوية لكان التقدير ولا مثل زيد مثله وهو فاسد وإن كان يجاب عن الأول بأن أل في أبي الحسن وإن كانت للمح إلا أن الأصل فيها أن تكون علامة لفظية للتعريف وتعريف العلمية وإن كان أقوى منها إلا أنه معنوي فلو وجدت أل مع علامة التنكير وهي لا للزم القبح ظاهرا وعن الثاني بأن الفساد في موضع لمقتض لا يستلزم الفساد في موضع ليس فيه ذلك المقتضى، نعم ذلك يستلزم عدم الاطراد فتأمل. وأما التأويل بإرادة مسمى هذا الاسم فغير مناسب إذ ليس كل مسمى بهدا الاسم بتلك المزية لأنها ليست للاسم حتى تلزم مسماه. قوله: "حتى لا أزال" الأظهر أن حتى ابتدائية بمعنى فاء السببية فالفعل بعدها مرفوع وإن اقتصر شيخنا والبعض تبعا للتصريح على كونها غائية بمعنى إلى والفعل بعدها منصوب. وقوله شاني أي باغضا خبر لا أزال وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة ولما متعلق به وما موصولة أو موصوفة والرابط محذوف أي شائيته. ومن شأننا متعلق بشائية على ما في الشواهد الكبرى والظاهر أنه حال من ما أو صفة. قوله: "ومشبه بالمضاف" من حيث إن كلا منهما اتصل به شيء من تمام معناه. قوله: "وهو ما بعده شيء من تمام معناه" أي بعمل غير الجر أو عطف فلا اعتراض بشموله المضاف والمنعوت مع أنه قسم من المفرد، على أن سم نقل عن الرضي في النداء أن الموصوف بالجملة من الشبيه بالمضاف، بل صرح صاحب الهمع في النداء بأن الموصوف بمفرد أو جملة أو ظرف من شبه
__________
306- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 7؛ والدرر 2/ 224؛ وشرح التضريح 1/ 227؛ والمقاصد النحوية 2/ 325؛ وهمع الهوامع 1/ 148.(2/7)
فانصب بها مضافًا أو مضارعه ... وبعد ذاك الخبر اذكر رافعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"فانصب بها مضافًا" نحو لا صاحب بر ممقوت "أو مضارعه" أي مشابهه نحو لا طالعًا جبلًا ظاهر "وبعد ذاك" المنصوب "الخبر اذكر" حال كونك "رافعه" حتمًا. وأما الرافع فقال الشلوبين لا خلاف في أن لا هي الرافعة له عند عدم تركيبيها، فإن ركبت مع الاسم المفرد فمذهب الأخفش أنها أيضًا هي الرافعة له. وقال في التسهيل إنه الأصح، ومذهب سيبويه أنه مرفوع بما كان مرفوعًا به قبل دخولها ولم تعمل إلا في الاسم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المضاف، والمراد بالتمام المتمم.
قوله: "فانصب بها مضافاً" قال سم إنما لم يبن لتعذر التركيب فيما فوق اثنين وإنما بنى ظريف في لا رجل ظريف لأن الصفة وموصوفها واحد في المعنى. ا. هـ. وهذا ظاهر على القول بأن بناء اسمها المفرد لتركبه معها، أما على القول بأنه لتضمنه معنى من فإعراب المضاف لمعارضة الإضافة التي هي من خصائص الأسماء شبه الحرف وحمل المشبه به عليه. ودخل في المضاف ما فصل باللام الزائدة من المضاف إليه نحو لا أباً لك ولا أخاً لك ولا غلامي لك ولا يدي لك بناه على مذهب سيبويه والجمهور أن مدخول لا مضاف حقيقة إلى المجرور باللام الزائدة لئلا تدخل لا على ما ظاهره التعريف والخبر محذوف والإضافة غير محضة فهي مثل مثلك لأنه لم يقصد نفي أب معين مثلاً بل هو دعاء بعدم الأب وكل من يشبهه أي لا ناصر لك والإضافة غير المحضة ليست محصورة في إضافة الوصف العامل إلى معموله فلم تعمل لا في معرفة، ولو سلم أن الاسم معرفة فهو نكرة صورة، ويؤيد مذهبهم وروده بصريح الإضافة عن العرب شذوذاً، وأوله جماعة كالفارسي وابن الطراوة واختاره السيوطي بأن مدخول لا مفرد لكن جاء أباك وأخاك على لغة القصر وحذف تنوينه للبناء وحذفت نون غلامي ويدي للتخفيف شذوذاً واللام ومجرورها خبر. وفيه أن المنصوص عليه أن الجار هنا لا يكون غير اللام وعلى القصر لا بد من التزام جواز كونه غير اللام إذ لا وجه لمنع لا أبا فيها أو عليها على لغة القصر ومنهم من جعل اللام ومجرورها صفة وجعل الاسم شبيها بالمضاف لأن الصفة من تمام الموصوف وجعل حذف التنوين والنون للشبه به. قوله: "أو مضارعه" جوز البغداديون ترك تنوينه حملا له في هذا على المضاف كما حمل عليه في الإعراب وخرج ابن هشام على قولهم حديث: "لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت". قال الدماميني ويمكن تخريجه على مذهب البصريين الموجبين تنوينه أيضا بجعل مانع اسم لا مفردا مبنيا والخبر محذوف أي لا مانع مانع لما أعطيت واللام للتقوية وكذا القول في ولا معطي لما منعت. قوله: "وأما الرافع له" معادلها محذوف أي أما الرافع فلا خلاف فيه وأما الرافع إلخ. قوله: "لا خلاف" أي بين البصريين إذ الكوفيون لا يقولون برفع إن للخبر فلا أولى بذلك أفاده الدماميني. قوله: "فمذهب الأخفش إلخ" دليله أن ما استحقت به العمل باق والتركيب لا يبطله.
قوله: "ومذهب سيبويه أنه مرفوع إلخ" مقتضاه أنه مرفوع بالمبتدأ قبل دخول الناسخ وهو(2/8)
وركب المفرد فاتحا كلا ... حول ولا قوة والثان اجعلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: أفهم قوله وبعد ذاك الخبر اذكر أنه لا يجوز تقديم خبرها على اسمها وهو ظاهر "وركب" الاسم "المفرد" وهو ما ليس مضافًا لا مشبهًا به مع لا تركيب خمسة عشر "فاتحًا" له من غير تنوين وهذه الفتحة فتحة بناء على الصحيح وإنما بني والحالة هذه لتضمنه حرف الحر لأن قولنا: لا رجل في الدار مبني على جواب سؤال سائل محقق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم بعد دخول الناسخ. وفي التصريح أن العامل فيه الرفع لا مع اسمها لأن موضعهما رفع بالابتداء عند سيبويه والذي يتجه كما أشار إليه ابن قاسم حمل عبارة التصريح ونحوها على التسمح وأن العامل في الحقيقة هو النكرة فقط التي هي المبتدأ قبل دخول الناسخ لكن لما كانت لا كجزء منها نسبوا ذلك إلى المجموع تسمحاً وبه يندفع الاستشكال بأنه لو كانت لا مع اسمها في محل رفع مبتدأ لزم أن المخبر عنه مجموعهما فلا يكون للنفي تسلط على الخبر فيكون معنى لا رجل قائم غير الرجل قائم ولي مراداً. وورد أن المبتدأ لا يكون مجموع اسم وحرف غير سابك. فإن قلت كون النكرة مبتدأ زال بدخول الناسخ فهي الآن ليست مبتدأ فلا ترفع الخبر. قلت يجاب بما ذكره المصنف في شرح تسهيله وشرح كافيته أن لا عامل ضعيف فلم تنسخ عمل الابتداء لفظاً وتقديراً بل هو باق تقديراً قال ولهذا أتبعنا اسمها رفعاً باعتبار محله ولم نفعل ذلك في اسم إن لقوتها ونسخها عمل الابتداء لفظاً ومحلاً. فتلخص أن ما في الشارح هو التحقيق وأن ما يخالفه ينب غي إرجاعه إليه بالتأويل هذا. وقد وجه سيبويه عدم عمل لا في الخبر بضعف شبهها بأن حالة التركيب لأنها صارت كجزء كلمة وإنما عملت في الاسم لقربه. وقال في المغني الذي عندي أن سيبويه يرى أن المركبة لا تعمل في الاسم أيضاً لأن جزء الشيء لا يعمل وأما لا رجل ظريفاً بالنصب فإنه عنده مثل يا زيد الفاضل بالرفع. ا. هـ. أي أن النصب بالتبعية على اللفظ كما أن الرفع في الفاضل كذلك. قال في شرح الجامع ويظهر أثر الخلاف بين الأخفش وسيبويه في نحو لا رجل ولا امرأة قائمان فعلى قول الأخفش يمتنع لما فيه من اعمال عاملين لا الأولى ولا الثانية في معمول واحد وعلى قول سيبويه يجوز لأن العامل واحد. ا. هـ. بإيضاح وسيأتي عند كلامنا على قول الناظم أو مركباً ما يرده. قوله: "تقديم خبرها" ولو ظرفاً أو جاراً أو مجروراً وكذا معمول خبرها وهل يتقدم معمول الخبر على نفس الخبر الأقرب عندي نعم ويرشحه قوله:
تعز فلا إلفين بالعيش متعا
قوله: "فاتحاً له" فتحاً ظاهراً أو مقدراً كما في المبني ولو على الفتح قبل دخول لا نحو لا خمسة عشر عندنا وفي قوله فاتحاً قصور سيشير الشارح إليه لعدم شموله المثنى والمجموع على حده لأنهما يبنيان على الياء وجمع المؤنث السالم لأنه يبنى على الكسر كالفتح ويمكن أن يكون اقتصاره على الفتح لكونه الأصل أو مراعاة لمذهب المبرد الآتي قريباً وفي المثنى والجمع على حده ومذهب ابن عصفور الآتي قريباً في جمع المؤنث السالم. قوله: "على الصحيح" وقيل فتحة إعراب وحذف التنوين تخفيفاً. قوله: "لتضمنه حرف الجر" اعترض بأن المتضمن ذلك إنما(2/9)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو مقدر سأل فقال هل من رجل في الدار، وكان من الواجب أن يقال لا من رجل في الدار ليكون الجواب مطابقًا للسؤال، إلا أنه لما جرى ذكر من في السؤال استغنى عنه في الجواب فحذف فقيل: لا رجل في الدار فتضمن من فبني لذلك، وبني على الحركة إيذانًا بعروض البناء، وعلى الفتح لخفته. هذا إذا كان المفرد بالمعنى المذكور غير مثنى أو مجموع جمع سلامة وهو المفرد "كلا حول ولا قوة" إلا بالله. وجمع التكسير مثل لا غلمان لك. أما المثنى والمجموع جمع سلامة لمذكر فيبنيان على ما ينصبان به وهو الباء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هو لا نفسها، ورده الروداني بأنه دعوى بلا دليل ولا نظير إذ ليس في العربية حرف دال على معناه متضمن معنى حرف آخر والتضمن إنما عهد في الأسماء فالصواب أن المتضمن معنى من إنما هو النكرة وهو وجيه فينبغي حمل من قال بتضمن لا معنى من على التسمح فافهم. قوله: "مبني" أي مرتب على جواب سؤال وكان الصواب إسقاط جواب لأن لا رجل إلخ مرتب على السؤال لا الجواب لأنه نفس الجواب كذا قال البعض ويمكن دفعه بأن المراد موضوع ومذكور لأجل إجابة سؤال إلخ. قوله: "أو مقدر" أي مفروض وإنما فرض لأن الكلام بعد السؤال أوقع في النفس. قوله: "من الواجب" أي المستحسن.
قوله: "فتضمن من فبني لذلك" كلامه يوهم أن تضمن معنى من مختص بالمبني وليس كذلك كما أسلفناه وحينئذٍ فإعراب المضاف وشبهه لمعارضة الإضافة وشبهها شبه الحرف كما مر. وقول البعض كلامه كالصريح في أن تضمن معنى من ليس مختصا بالمبني غير مسلم واعترض على تعليل البناء بذلك بأن تضمن معنى الحرف هنا عارض بدخول لا والتضمن المقتضى للبناء يشترط فيه أن يكون بأصل الوضع ولهذا علل سيبويه وكثير البناء بتركيب الاسم مع لا تركيب خمسة عشر وأشار إليه الناظم بقوله وركب إلخ وإن نقل يس عن ابن هشام أن التركيب أيضا لا يصلح علة لأصل البناء بل للفتح لاقتضائه التخفيف وبأن هذا التضمن أشبه بالتضمن الذي لا يقتضي البناء كتضمن الحال معنى في والتمييز معنى من بدليل ورود التصريح بمن في قوله فقام يذود الناس إلخ. ويجاب عن الأول بأن اشتراط كون التضمن بأصل الوضع إنما هو في البناء الأصلي لا العارض والحاصل أن البناء على ثلاثة أنواع: أصلي وهو المشروط فيه ذلك وهو الذي حصر ابن مالك سببه في شبه الحرف. وعارض واجب ومن أسبابه التضمن العارض والتركيب وتوارد أسباب موانع الصرف. وعارض جائز ومن أسبابه إضافة المبهم إلى المبنى وإضافة الظرف إلى الجملة المصدرة بماض. فاحفظ هذا التحقيق ينفعك في مواطن كثيرة وعن الثاني بأن التصريح بمن ضرورة كما مر فلا يعتبر فليس هذا التضمن كتضمن الحال معنى في والتمييز معنى من. قوله: "لخفته" ولأنه إعراب هذا النوع نصبا. قوله: "وهو المفرد" أي في باب الإعراب والضمير للغير. قوله: "فيبنيان إلخ" لم يعارض التثنية والجمع هنا سبب البناء مع معارضتهما إياه في اللذين والذين على القول بإعرابهما لأن سبب البناء وارد هنا على التثنية والجمع والوارد له قوة وهناك بالعكس ولا يخفى أن القائل بإعراب اللذين والذين يقول بأن تثنية(2/10)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كقوله:
307- تعز فلا إلفين بالعيش متعا ... ولكن لوراد المنون تتابع
وقوله:
308- يحشر الناس لا بنين ولا آ ... باء إلا وقد عنتهم شئون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللذين وجمع الذين حقيقيان فقول البعض إنهما غير حقيقيين إنما يأتي على مذهب القائل ببنائهما وليس الكلام فيه.
قوله: "تعز" أي تسل وتصبر. قوله: "وقد عنتهم" أي أهمتهم والشؤون جمع شأن وهو الخطب. قال في التصريح والجملة أي جملة وقد عنتهم شؤون في موضع رفع خبر لا ولا يضر اقترانه بالواو لأن خبر الناسخ يجوز اقترانه بالواو كقول الحماسي: فأمسى وهو عريان، وقولهم ما أحد إلا وله نفس أمارة، وليست حالاً خلافاً للعيني لأن واو الحال لا تدخل على الماضي التالي إلا كما قاله الموضح في باب الحال. ا. هـ. قال الروداني قوله لأن خبر الناسخ إلخ فيه أن هذا غير مسلم على إطلاقه. وحاصل ما في التسهيل والهمع أن الخبران كان جملة بعد إلا لم يقترن بالواو إلا بعد ليس وكان المنفية دون غيرهما من النواسخ وبغير إلا يقترن بالواو بعد كان وجميع أخواتها لا بعد جميع النواسخ هذا عند الأخفش وابن مالك وغيرهما لا يجيز اقتران الخبر بالواو أصلاً، وحملوا ما ورد من ذلك على أنه حال والفعل تام لا ناقص أو محذوف الخبر ضرورة فظهر أن جملة وقد عنتهم شؤون لا يصح أن تكون خبر لا وأيضاً هذه الجملة بعد إلا الإيجابية وسيأتي في باب الاستثناء أن لا النافية للجنس لا تعمل في موجب وصرح في المغنى بأن من شروط عملها أي لا يبطل نفيها. كما الحجازية فالصواب أن الجملة حال كما قال العيني. وقد نقل الشارح في باب الحال جواز اقتران الماضي التالي إلا بالواو وخبر لا محذوف قبل إلا فلم يبطل نفيها إلا بعد استيفاء عملها نحو ما زيد قائماً إلا في الدار. ا. هـ. وكتب على قوله وقولهم ما أحد إلخ ما نصه فيه أن ما لإبطال نفيها بإلا ليست ناسخاً ولو سلم أنه جاء على مذهب يونس الذي لا يشترط عدم إبطاله بإلا فخبر هذا الناسخ لا يقترن بالواو لما تقدم فأحد مبدأ محذوف الخبر والجملة بعد إلا حال لا أنه اسم ما وخبرها محذوف قبل إلا كما مر في لا بنين لأن خبر ما لا يجوز حذفه. ا. هـ. وقال الشارح في شرحه على التوضيح الجملة صفة للنكرة عند الزمخشري. قال في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] ،
__________
307- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 10؛ وتخليص الشواهد ص395؛ والدرر 2/ 222؛ وشرح التصريح 1/ 229؛ وشرح شذور الذهب ص109؛ والمقاصد النحوية 2/ 333؛ وهمع الهوامع 1/ 146.
308- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 11؛ وتخليص الشواهد ص296؛ والدرر 2/ 223؛ وشرح التصريح 1/ 239؛ وشرح شذور الذهب ص110؛ والمقاصد النحوية 2/ 334؛ وهمع الهوامع 1/ 146.(2/11)
مرفوعًا أو منصوبًا أو مركبًا ... وإن رفعت أولا لا تنصبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وذهب المبرد إلى أنهما معربان. وأما السلامة لمؤنث فيبنى على ما ينصب به وهو الكسر، ويجوز أيضًا فتحه، وأوجبه ابن عصفور، وقال الناظم: الفتح أولى وقد روي بالوجهين قوله:
309- إن الشباب الذي مجد عواقبه ... فيه تلذ ولا لذات للشيب
وقوله:
310- لا سابغات ولا جأواء باسلة ... تقي المنون لدى استيفاء آجال
"والثان" وهو المعطوف مع تكرر لا كقوة من لا حول ولا قوة إلا بالله "اجعلا مرفوعًا" كقوله:
311- لا أم إن كان ذاك ولا أب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن ولها إلخ جملة وقعت صفة للنكرة وتوسط الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف وتابعه على ذلك أبو البقاء وهو عند غيرهما حال.
قوله: "وذهب المبرد إلى أنهما معربان" لبعدهما بالتثنية والجمع عن مشابهة الحرف ولو صح هذا لأعرب يا زيدان ويا زيدون ولا قائل به قاله الشارح في شرحه على التوضيح ومثله في التصريح وتظهر ثمرة الخلاف في نحو لا بنين كراما لكم فعنده لا يجوز بناء الصفة على الفتح وعند الجمهور يجوز. قوله: "وهو الكسر" أي بلا تنوين لأن تنوينه وإن كان للمقابلة لا للتمكن مشبه لتنوين التمكن وجوز بعضهم تنوينه قياسا لا سماعا نظرا إلى أن التنوين للمقابلة وهو منقوض بنحو يا مسلمات بلا تنوين قاله الرضى. قوله: "وقد روي بالوجهين" ثبوتهما عن العرب يبطل تعيين أحدهما. قوله: "للشيب" بفتح الشين على ما يتبادر من صنيع العيني فهو على حذف مضاف أي لذي الشيب، وضبطه الشارح على الأوضح بالكسر جمع أشيب وهو أنسب ببقية القوافي. قوله: "لا سابغات" أي دروعا سابغات أي واسعة. والجأواء كحمراء فاؤها جيم وعينها همزة الجماعة التي يعلوها الجأو أي السواد لكثرة الدروع. وباسلة نعت لجأواء من البسالة وهي الشجاعة. قوله: "والثاني" مفعول أول لا جعل لكن سكن الياء ضرورة وحذفها للساكنين. قوله:
__________
309- البيت من البسيط، وهو لسلامة بن جندل في ديوانه ص91؛ وتخليص الشواهد ص400، وخزانة الأدب 4/ 27 والدرر 2/ 224؛ وشرح التصريح 1/ 228؛ والشعر والشعراء ص278؛ والمقاصد النحوية 2/ 326؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 9؛ وشرح شذور الذهب ص111؛ وشرح ابن عقيل ص201؛ وهمع الهوامع 1/ 146.
310- البيت من البسيط وهو في تخليص الشواهد ص396؛ والدرر 2/ 226؛ وشرح قطر الندى ص167، وهمع الهوامع 1/ 146.
311- صدره:
هذا العمر كم الصغار بعينه
=(2/12)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"أو منصوبًا" كقوله:
312- لا نسب اليوم ولا خلة
"أو مركبًا" كالأول نحو: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254] ، في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"أو منصوبا" هذا أضعف الأوجه بل قيل ضرورة كما في التوضيح. قوله: "اليوم" خبر لا الأولى وخبر الثاني محذوف لدلالة خبر الأولى أي ولا خلة اليوم تمام قيل:
اتسع الخرق على الراقع ... تسع الفتق على الراتق
وعلى هذا القالي وابن الوردي وغيرهما بل قيل هو الصواب لأن القافية قافية. قوله: "أو مركبا" يجوز على هذا عند سيبويه أن يقدر بعدهما خبر واحد لهما معا أي لا حول ولا قوة موجودان لنا لأن لا حول عنده في موضع رفع مبتدأ ولا قوة في محل رفع معطوف على المبتدأ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= والبيت من الكامل وهو من أكثر الشواهد النحوية المختلف عليها، فهو لرجل من مذحج في الكتاب 2/ 292؛ وهو لضمرة بن جابر في خزانة الأدب 2/ 38، 40؛ وهو لرجل من مذحج أو لضمرة بن ضمرة، أو لهمام أخي جساس ابني مرة في تخليص الشواهد ص405، وهو لرجل من بني عبد مناف، أو لابن أحمر، أو لضمرة بن ضمرة أو لرجل من مذحج أو لهمام بن مرة، أو لرجل من بني عبد مناة في الدرر 6/ 175، وهو لهني بن أحمر أو لزرافة الباهلي في لسان العرب 6/ 16 "حيس"؛ وهو لرجل من مذحج أو لهمام بن مرة أو لرجل من بني عبد مناة أو لابن أحمر أو لضمرة بن ضمرة في شرح التصريح 1/ 241؛ ولابن أحمر في المؤتلف والمختلف ص38؛ والمقاصد النحوية 2/ 339؛ ولرجل من مذحج أو لهمام أخي حسان بن مرة أو لضمرة بن ضمرة أو لابن أحمر في شرح شواهد المغني ص921؛ ولهمام بن مرة في الحماسة الشجرية 1/ 256؛ ولعامر بن جوين الطائي أو منقذ بن مرة الكناني في حماسة البحتري ص78؛ ولرجل من بني عبد مناة بن كنانة في سمط اللآلي ص288؛ وبلا نسبة جواهر الأدب ص241، 245؛ والأشباه والنظائر 4/ 162؛ وأمالي ابن الحاجب ص593، 847؛ وأوضح المسالك 2/ 16؛ ورصف المباني ص267، وشرح ابن عقيل ص202؛ وشرح المفصل 2/ 292؛ وكتاب اللامات ص106، واللمع في العربية ص129، ومعني اللبيب ص593؛ والمقتضب 4/ 370.
312- عجزه:
اتسع الخرق على الراقع
والبيت من السريع، وهو لأنس بن العباس بن مرداس في تخليص الشواهد ص405، والدرر 6/ 175، 313، وشرح التصريح 1/ 241؛ وشرح شواهد المغني 2/ 601؛ والكتاب 2/ 285، 309؛ ولسان العرب 5/ 115 "قمر" 10/ 238 "عتق"؛ والمقاصد النحوية 2/ 351؛ وله أو لسلامان بن قضاعة في شرح أبيات سيبويه 1/ 583، 587؛ ولأبي عامر جد العباس بن مرداس في ذيل سمط الآلي ص37، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 412، وأوضح المسالك 2/ 20؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص75، 967؛ وشرح شذور الذهب ص112؛ وشرح ابن عقيل ص202؛ وشرح المفصل 2/ 101، 135، 9/ 967، واللمع في العربية ص128، ومغني اللبيب 1/ 226؛ وهمع الهوامع 2/ 144، 211.(2/13)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قراءة أبي عمرو وابن كثير. فأما الرفع فإنه على أحد ثلاثة أوجه: العطف على محل لا مع اسمها فإن محلهما رفع بالابتداء عند سيبويه، وحينئذ تكون لا الثانية زائدة بين العاطف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالمقدر خبر عن مجموعهما نحو زيد وعمرو قائمان فيكون الكلام جملة واحدة ويجوز أن يقدر لكل خبر على حدته أي لا حول موجود لنا ولا قوة موجودة لنا فيكون الكلام جملتين وكذا يجوز عند غيره أن يقدر لهما معاً خبر واحد مرفوع بلا الأولى والثانية لأنهما وإن كانتا عاملتين إلا أنهما متماثلتان فيجوز أن يعملا في اسم واحد عملاً واحداً كما في إن زيداً وإن عمراً قائمان، وأن يقدر لكل خبر على حدته كذا في التصريح والدماميني وكتب عليه سم قوله فالمقدر خبر عن مجموعهما ظاهره أنه خبر عن مجموع المبتدأين اللذين كل منهما مجموع لا واسمها، وفيه أن الاخبار عن مجموع لا واسمها يستلزم عدم تسلط النفي على الخبر وذلك مناف لكون لا لنفي الجنس بمعنى نفي الخبر عن جنس الاسم فلا بد من تأويل هذا الكلام كأن يراد أن الخبر للاسمين المتصلين بلا لا لهما مع لا. ا. هـ. ببعض تصرف. وكتب الروداني قوله متماثلتان أي لفظاً ومعنى فلا يرد أن زيد من جلس وقعد زيد ليس فاعلاً بهما بل بأحدهما لعدم تماثل الفعلين لفظاً هذا والحق المتجه أن رفع الخبر في ذلك وفي نحو إن زيداً وإن عمراً قائمان إنما هو بمجموع الحرفين لا بكل إذ لا يعقل معمول لعاملين لا متماثلين ولا مختلفين لاستحالة أثر بين مؤثرين مطلقاً، ولأن قائمان لكونه مثنى لا يخبر به عن كل من الاسمين لكونه مفرداً بل عن مجموعهما فلزم كونه معمولاً لمجموع الحرفين وكذا نحو زيد أو وعمرو قائمان، فالرافع للخبر مجموع الاسمين مثل الزيدان قائمان، ولا فرق إلا أن التثنية في الأول بحرف العطف. وفي الثاني بالصيغة ولا أثر له. ا. هـ. واقتصر في المغني على تقدير خبرين عند غير سيبويه. قوله: "فأما الرفع" أي رفع الثاني مع فتح الأول. قوله: "على محل لا مع اسمها إلخ" فالعطف من عطف المفردات والخبر المحذوف مثنى خبر عنهما معا. وفي عبارة الشارح هنا وفيما يأتي التسمح المتقدم بيانه، والمحل في الحقيقة للاسم فقط باعتباره قبل دخول لا فلا تغفل.
قوله: "فإن محلهما إلخ" نقل سم عن الدماميني أن الأمر كذلك عند سيبويه في المضاف وشبهه وهذا أيضا فيه التسمح المتقدم، وفيه بعد نظر عندي لأنه يلزم عليه عدم عمل هذا المبتدأ في شيء عند سيبويه لأن رفع الخبر بلا عنده كغيره إذا كان اسمها مضافا أو شبهه كما مر إلا أن يقال النافي والمنفي كالشيء الواحد فعمل أحدهما كأنه عمل الآخر ونظيره غير قائم الزيدان فتأمل. قوله: "زائدة بين إلخ" فيه أن لا على هذا الوجه من جملة المعطوف عليه فلا تسلط لها على المعطوف فكيف تكون لا الثانية زائدة؟ والجواب أن في الكلام تسمحا كما مر إيضاحه والمحل للاسم فقط باعتباره قبل دخول لا والعطف عليه فقط بهذا الاعتبار ومن أحاط بما قدمناه لم يشكل عليه هذا الجواب وإن أشكل على البعض. قال الروداني والفرق بين لا الزائدة ولا الملغاة أن الزائدة هي التي لا عمل لها أصالة والملغاة هي التي لها عمل أصالة لكن أهملت. ا. هـ. وظاهره أن الزائدة باقية على كونها للنفي وينافيه قولهم الحرف الزائد هو الذي لا معنى له ولا(2/14)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمعطوف لتأكيد النفي، أو بالابتداء وليس للا عمل فيه، أو أن لا الثانية عاملة عمل ليس. وأما النصب فبالعطف على محل اسم لا، وتكون لا الثانية زائدة بين العاطف والمعطوف كما مر "وإن رفعت أولا" إما الابتداء أو على إعمال لا عمل ليس، فالثاني وهو المعطوف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يختل الكلام بسقوطه إلا أن يكون أغلبيا. والأوجه الفرق بأن الزائدة يسغنى الكلام عنها بخلاف الملغاة فتأمل. قوله: "أو بالابتداء وليس للا عمل فيه" أي بل هي ملغاة عن العمل في الاسم وإن كانت نافية للجنس لوجود شرط جواز إلغائها وهو تكرير لا قاله الدماميني. وظاهر صنيع الشارح حيث جعل الرفع على هذا الوجه بالابتداء دون العطف كما في الوجه الذي قبله أن يكون المرفوع مبتدأ مستقلا ليس معطوفا على مبتدأ تقدم فيكون العطف الجمل. ويجب على هذا أن يقدر لكل خبر لئلا يلزم توارد عاملين وهما لا والمبتدأ عند غير سيبويه والمبتدأ الأول والمبتدأ الثاني المستقل عند سيبويه على معمول واحد هو الخبر، هذا ما ظهر لي. قوله: "أو أن لا الثانية إلخ" وعليه يقدر لكل من لا الأولى ولا الثانية خبر والعطف من عطف الجمل، ولا يصح أن يكون المقدر واحدا خبرا عنهما لامتناع توارد عاملين على معمول واحد ولزوم كون الخبر مرفوعا منصوبا.
قوله: "وأما النصب فبالعطف إلخ" وعلى هذا يجب عند سيبويه أن يقدر لكل خبر على حدته فيكون الكلام جملتين ويمتنع عنده أن يقدر لهما خبر واحد لأن الخبر بعد لا الأولى مرفوع عنده بما كان مرفوعا به قبل دخول لا والخبر بعد الثانية مرفوع بلا الأولى لأن لا الأولى ناصبة لما بعد لا الثانية ولا الناصبة عاملة في الخبر عنده كغيره فيلزم ارتفاع الخبر بعاملين مختلفين وهو لا يجوز. وأما عند غيره فيقدر لهما خبر واحد لأن العامل واحد وهو لا الأولى كذا في شرح الجامع بإيضاح. ومثله في التصريح وفيه عندي نظر أما أولا فلأن مقتضى جعل النصب بالعطف على محل الاسم ولا الثانية زائدة أن العطف من عطف المفردات والكلام جملة واحدة والمقدر خبر واحد مرفوع بما كان مرفوعا به قبل لا عند سيبويه وبلا الأولى عند غيره. وأما ثانيا فلأنه يبعد رفع ما بعد الثانية بالأولى مع عدم رفعها ما بعدها وتعليل ذلك بأن الأولى ناصبة للاسم بعد الثانية أي لفظا فتكون عاملة في الخبر بعد الثانية يرده إناطة عمل لا في الخبر وعدمه بالتركيب وعدمه كما في عبارة الشارح السابقة وعبارة الهمع وغيرهما. ولا في مبحثنا مركبة فلا عمل لها في الخبر عند سيبويه مطلقا مع أن المتبادر من الناصبة الناصبة لاسمها بأن كان مضافا أو شبهه لا مطلق الناصبة ولو للمعطوف على اسمها فاعرف ذلك. وزاد في التصريح أنه يجوز أن يقدر لكل خبر عند غير سيبويه وفي هذه الزيادة من النظر ما فيها فتأمل.
قوله: "على محل اسم لا" أي أو على لفظه وإن كان مبينا لمشابهة حركته حركة الإعراب في العروض ومثل ذلك جائز مطلقا عند سيبويه وفي الضرورة عند الأخفش كما في شرح التوضيح للشارح لكن الحركة على هذا اتباعية والإعراب مقدر رفعا أو نصبا فتدبر. قوله: "أما رفعه" وعليه بالخبر واحد إن قدرت لا الثانية زائدة وما بعدها معطوفا سواء جعلت لا الأولى(2/15)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"لا تنصبا" لأن نصبه إنما يكون بالعطف على منصوب لفظًا أو محلًا، وهو حينئذ مفقود، بل يتعين أما رفعه، كقوله:
313- فما هجرتك حتى قلت معلنة ... لا ناقة لي في هذا ولا جمل
وإما بناؤه على الفتح كقوله:
314- فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به أبدا مقيم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مهملة أو عاملة عمل ليس ويجب خبر إن إن قدرت لا الأولى مهملة والثانية عاملة عمل ليس أو بالعكس ولا يصح على هذا بقسميه أن يكون الخبر واحدا لئلا يلزم كون الخبر الواحد مرفوعا ومنصوبا وتوارد عاملين على معمول واحد، فإن جعلتهما معا عاملتين عمل ليس جاز لك تقدير خبرين وكذا تقدير خبر واحد ولا ضرر على ما مر في حالة بنائهما معا على الفتح فتنبه. واقتصر في المغني على تقدير خبرين عند جعلهما عاملتين عمل ليس. قوله: "واما بناؤه على الفتح" وعلى هذا يتعين خبر إن عند الجميع إن جعلت الأولى عاملة عمل ليس لئلا يلزم المحذور إن السابقان وكذا إن جعلت مهملة عند غير سيبويه لذلك وأما عند سيبويه فيجوز خبر إن، وكذا يجوز خبر واحد عن مجموع المبتدأين إن كان سيبويه لا يوجب كون لا مع اسمها مبتدأ مستقلا غير معطوف على مبتدأ قبله، فإن كان يوجب ذلك وجب خبر إن، هكذا ظهر لي، ثم رأيت في كلام الدماميني ما ظاهره وجوب خبرين مطلقا حيث قال الخامس لا حول ولا قوة برفع الأول على إلغاء لا أو إعمالها عمل ليس وفتح الثاني للتركيب والكلام جملتان. ا. هـ. قوله: "فلا لغو إلخ" اللغو القول الباطل والتأثيم قولك لآخر أثمت والضمير للجنة. قوله: "في نحو لا حول إلخ" أي من كل تركيب تكررت فيه لا وسبق الثانية عطف وكان كل من الاسمين مفردا صالحا لعمل لا فإن لم تتكرر لا فسيأتي حكمه في قول المصنف والعطف إن لم تتكرر لا إلخ أو لم يسبق الثانية عطف فالكلام جملتان مستقلتان، أو كان أحد الاسمين غير مفرد فإن كان الأول ففيه أيضا خمسة أوجه بإبدال فتح الأول بنصبه نحو لا غلام رجل ولا امرأة فيها، وهذا ما في التنبيه الأول
__________
313- البيت من البسيط، وهو للراعي النميري في ديوانه ص198، وتخليص الشواهد ص405؛ وشرح التصريح 1/ 241؛ وشرح المفصل 2/ 111، 113؛ والكتاب 2/ 295؛ ولسان العرب15/ 254 "لقا"؛ ومجلس ثعلب ص35، والمقاصد النحوية 2/ 336؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 15؛ واللمع ص128.
314- البيت من الوافر، وهو لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص54؛ وتخليص الشواهد ص406، 411؛ والدرر 6/ 178، وشرح التصريح 1/ 241؛ ولسان العرب 12/ 6 "أثم"؛ والمقاصد النحوية 2/ 346؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 19؛ وجواهر الأدب ص93، 245؛ وخزانة الأدب 4/ 494؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 415؛ وشرح الذهب ص115؛ وشرح ابن عقيل ص203؛ ولسان العرب 13/ 526 "فوه" اللمع ص129؛ وهمع الهوامع 2/ 144.(2/16)
ومفردا نعتا لمبني يلي ... فافتح أو انصبن أو ارفع تعديل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فحاصل ما يجوز في نحو لا حول ولا قوة إلا بالله خمسة أوجه: فتحهما، وفتح الأول مع نصب الثاني، وفتح الأول مع رفع الثاني ورفعهما، ورفع الأول مع فتح الثاني.
تنبيهان: الأول أفهم كلامه أمه إذا الأول منصوبًا جاز في المعطوف أيضًا الأوجه الثلاثة: الفتح، والنصب، والرفع، نحو لا غلام رجل ولا امرأةَ ولا امرأةً ولا امرأةٌ.
الثاني محل جواز الأوجه الثلاثة في المعطوف إذا كان صالحًا لعمل لا، فإن لم يكن صالحًا تعين رفعه نحو لا امرأة فيها ولا زيد، ولا غلام رجل فيها ولا عمرو "ومفردًا نعتًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإن كان الثاني تعين رفعه أو نصبه نحو لا امرأة ولا غلام رجل فيها، وإن كان غير صالح لعمل لا تعين الرفع وهذا ما في التنبيه الثاني. قوله: "خمسة أوجه" أي إجمالا وثلاثة عشر تفصيلا لأن ما بعد الأولى إما مبني على الفتح أو مرفوع بالابتداء أو على إعمال لا عمل ليس وما بعد الثانية كذلك أو مرفوع بالعطف على محل لا مع اسمها فهذه اثنا عشر، والثالث عشر بناء ما بعد الأولى على الفتح ونصب ما بعد الثانية وهي بالقسمة العقلية عشرون حاصلة من ضرب أربعة ما بعد الأولى الفتح والنصب والرفع بوجهيه في خمسة ما بعد الثانية هذه الأربعة والرفع بالعطف على محل لا مع اسمها يسقط منها نصب ما بعد الأولى مضروبا في خمسة ما بعد الثانية ورفع ما بعد الأولى بوجهيه مع نصب ما بعد الثانية. إذا سمعت ما تلوناه عليك عرفت أن قول شيخنا والبعض تبعا للتصريح واثنا عشر تفصيلا لم يوافق القسمة الواقعية ولا العقلية. قوله: "أفهم كلامه" يعني قوله:
وإن رفعت أولا لا تنصبا
لأنه علق منع النصب على رفع الأول فأفهم أنه إذا كان مفتوحا أو منصوبا بأن كان مضافا أو شبهه جاز فيه الأوجه الثلاثة. قوله: "صالحا لعمل لا" بأن كان نكرة. قوله: "تعين رفعه" أي بالابتداء أو بالعطف على محل لا مع اسمها لا باعمال لا عمل ليس لأن العاملة عمل ليس تختص أيضا بالنكرات. قوله: "ومفردا" مفعول مقدم لا فتح لأن فاءه زائدة للتحسين فلا تمنع من عمل ما بعدها فيما قبلها فقوله أجز فيه إلخ حل معنى لا حل إعراب ونعتا عطف بيان أو بدل ولمبني صفة نعتا ويلي صفة ثانية. هذا ومن النعت المذكور قولهم لا ماء ماء باردا عندنا فماء الثاني نعت للأول فيجوز فيه الثلاثة لأنه يوصف بالاسم الجامد إذا وصف بمشتق نحو مررت برجل رجل صالح ويسمى نعتا موطئا ولا بد من تنوين باردا لأن العرب لا تركب أربعة أشياء، ولا يصح أن يكون ماء الثاني توكيدا لفظيا ولا بدلا لأنه مقيد بالوصف والأول مطلق فليس مرادفا حتى يكون توكيدا ولا مساويا حتى يكون بدلا كما في التوضيح وشرحه قاله شيخنا وقيل هو تأكيد لفظي وقد جوزوا التأكيد مع الوصف كقوله تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق: 16] ، وقال في النكت يجوز كونه عطف بيان أو بدلا لجواز كونهما أوضح من المتبوع ووجه الروداني جواز كونه توكيدا أو بدلا بأنه لا مانع من اعتبار كون وصف الثاني طارئا بعد التوكيد أو الإبدال(2/17)
وغير ما يلي وغير المفرد ... لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لمبني يلي" منعوته أجز فيه الأوجه الثلاثة "فافتح" على نية تركيب الصفة مع الموصوف قبل دخول لا مثل خمسة عشر، نحو لا رجل ظريف فيها "أو انصبن" مراعاة لمحل اسم لا نحو لا رجل ظريفًا فيها "أو ارفع تعدل" مراعاة لمحل لا مع المنعوت، نحو لا رجل ظريف فيها "وغير ما يلي" منعوته "وغير المفرد" وهو المضاف والمشبه به "لا تبن" لتعذر موجب البناء بالطول "وانصبه" نحو لا رجل فيها ظريفًا ولا رجل صاحب بر فيها ولا رجل طالعًا جبلًا ظاهر "أو الرفع اقصد" نحو رجل فيها ظريف ولا رجل صاحب بر فيها ولا رجل طالعًا جبلًا ظاهر. وكذا يمتنع البناء ويجوز الأمران الآخران إذا كان المنعوت غير مفرد نحو لا غلام سفر ماهرًا أو ماهر فيها وقد يتناوله وقوله وغير المفرد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو يكون وصف الأول محذوفا لدلالة وصف الثاني عليه وفيه بحث لأن ما ذكره من الوجهين إنما يصلح توجيها للتوكيد لا الإبدال لأن حاصل الوجه الأول اتحاد اللفظين إطلاقا وحاصل الثاني اتحادهما تقييدا ومثل جاءني رجل رجل أو رجل عاقل رجل عاقل إنما هو من التوكيد اللفظي لا من الإبدال.
قوله: "فافتح" جرى على الغالب وإلا فقد يكون مبنيا على غير الفتح كالياء في النعت المثنى أو المجموع على حده وهل يقال عند بناء النعت إن مجموع النعت والمنعوت في محل نصب أو يحكم بالمحل على كل اختار يس على التصريح الثاني واستظهره بعضهم وفارقت صفة لا صفة المنادى المبني حيث لم تبن لأن الصفة هنا هي المنفية في المعنى بخلاف صفة المنادى فإنها ليست المنادى في المعنى كما قاله سم. قوله: "على نية" أي لنية تركيب الصفة مع الموصوف. فيه أن هذا خلاف ما مشى عليه سابقا من أن بناء الاسم لتضمنه معنى من إلا أن يقال ما تقدم في أصل البناء وما هنا في كونه على الفتح فلا مخالفة لكن يمنع من هذا قوله بعد التعذر موجب البناء لأن المراد به التركيب فالأولى أن يقال مشى في كل من الموضعين على قول من القولين في علة البناء إشارة إلى الخلاف فيها هذا. وجوز بعضهم أن تكون فتحة الصفة إعرابية باعتبار المحل لكن حذف تنوينها للتشاكل وعلى قياس ما مر وما يأتي أن تكون اتباعية. قوله: "قبل دخول لا" أي لئلا يلزم تركيب ثلاثة أشياء. قوله: "أو انصبن" مفعوله محذوف وكذا ارفع ولا تنازع لأن الناظم لا يرى التنازع في المتقدم. قوله: "مراعاة لمحل اسم لا" أو اتباعا للحركة البنائية. قوله: "وغير المفرد إلخ" وفارق صفة المنادى المضافة حيث يتعين فيها النصب لتعينه ولو باشرتها يا وعدم تعينه لو باشرت النعت هنا لا لجواز رفعه عند التكرار. قوله: "لتعذر موجب البناء" أي مقتضيه وهو التركيب وقوله بالطول غير ظاهر بالنسبة إلى غير ما يلي لأن الفاصل لاحظ له في البناء حتى يكون المانع لبناء المجموع الذي هو منه الطول لأنه خبر والخبر لا يينى في هذا الباب وكان ينبغي أن يزيد أو بالفصل أفاده سم. قوله: "وكذا يمتنع البناءإلخ" هذا مفهوم قول المصنف لمبنيّ. قوله: "أو ماهر فيها" بالرفع على القطع قيل أو بالعطف على محل لا مع اسمها لأن موضعهما رفع بالابتداء عند سيبويه في غير البناء أيضا كما تقدم وقد(2/18)
والعطف إن لم تتكرر لا احكما ... له بما للنعت ذي الفضل انتمى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"والعطف إن لم تتكرر لا" معه "احكما له بما للنعت ذي الفضل انتمى" من جواز النصب والرفع دون البناء كقوله:
315- فلا أب وابنا مثل مروان وابنه
بنصب ابن ويجوز رفعه ويمتنع بناؤه على الفتح. وأما ما حكاه الأخفش من نحو لا رجل وامرأة بالفتح فشاذ، وما ذكره في معطوف يصلح لعمل لا فإن لم يصلح تعين رفعه نحو لا رجل وهند فيها.
تنبيه: حكم البدل الصالح لعمل لا حكم النعت المفصول نحو لا أحد رجلًا وامرأة فيها، ولا أحد رجل وامرأة فيها. فإن لم يصلح له تعين الرفع نحو لا أحد زيد وعمرو فيها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد أسلفنا ما فيه فتنبه. قوله: "وقد يتناوله قوله وغير المفرد" أي بأن يراد وغير المفرد من نعت أو منعوت وفيه أنه يمنعه قوله أو الرفع اقصد إلا أن يراد برفع المنعوت غير المفرد رفعه على اعمال لا عمل ليس أو إلغائها. قوله: "دون البناء" أي لوجود الفصل بحرف العطف. قوله: "مثل مروان" إما صفة والخبر محذوف فمثل مرفوع أو منصوب أو خبر فهو مرفوع فقط. قوله: "بالفتح" أي فتح البناء. قوله: "فشاذ" وخرجه بعضهم على أن الأصل ولا امرأة فحذفت لا وأبقى البناء بحاله على نية لا. قوله: "حكم البدل إلخ" مثل عطف البيان وأما التوكيد فقال الرضي إن كان لفظيا فالأولى كونه على لفظ المؤكد مجردا عن التنوين وجاز الرفع والنصب. ا. هـ. أي وأما المعنوي فلا يجوز تأكيد المنفي المبني به أي لأنه نكرة وألفاظ التوكيد المعنوي معارف وفي تأكيد النكرة بالمعرفة قولان وعلى الجواز يتعين الرفع إذ لا تعمل لا في معرفة فاحفظه وجوز الأندلسي بناء البدل إذا كان مفردا نكرة نحو لا رجل صاحب لي قال الرضي وقوله أقرب إذا لم يفصل عن المنفي المبني لأنه لا يقصر عن النعت الذي يبنى جوازا بل يربو عليه من حيث كونه المقصود وتعليل امتناع بنائه بأنه على نية تكرار العامل فهناك فاصل مقدر يقتضي جوازه لا امتناعه لأن العامل المقدر هو لا وهي تقتضي الفتح.
قوله: "رجلا" أي منه أي من الأحد فوجه الضمير المشترط في بدل البعض والنصب إما
__________
315- عجزه:
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا
والبيت من الطويل، وهو للربيع بن ضبع الفزاري في شرح شواهد المغني ص413، 414، وخزانة الأدب 4/ 67، 68؛ وشرح التصريح 1/ 243؛ وشرح شواهد الإيضاح ص207؛ والمقاصد النحوية 2/ 355؛ وللفرزدق أو لرجل من عبد مناة في الدرر 6/ 172؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 419، 2/ 593، 847، وأوضح المسالك 2/ 22، وجواهر الأدب ص241، وشرح قطر الندى ص168؛ وشرح المفصل 2/ 101، 110؛ والكتاب 2/ 285؛ واللامات ص105؛ واللمع ص130؛ والمقتضب 4/ 372؛ وهمع الهوامع 2/ 143.(2/19)
وأعط لا مع همزة استفهام ... ما تستحق دون الاستفهام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وأغط لا" هذه "مع همزة استفهام ما تستحق" من الأحكام "دون الاستفهام" على ما سبق بيانه. وأكثر ما يكون ذلك إذا قصد بالاستفهام معها التوبيخ والإنكار، كقوله:
316- ألا طغان ألا فرسان عادية ... إلا تجشؤكم حول التنانير
وقوله:
317- لا ازعواء لمن ولت شبيبته ... وآذنت بمشيب بعده هرم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اتباع للمحل أو للفظ. قوله: "رجل" بالرفع بدل من محل لا مع اسمها. قوله: "تعين الرفع" أي على الإبدال من محل لا مع اسمها فالعامل فيه الابتداء. قوله: "نحو لا أحد زيد" منه بدلا البعض والاشتمال المضافان إلى ضمير المبدل منه فإن لم يضافا إلى ضميره بل جر ضميره بعدهما بالحرف كانا من الصالح. قوله: "هذه" الأولى حذفه لشمول الإعطاء للعاملة عمل ليس أيضا. قوله: "مع همزة استفهام" هذا باعتبار ما كان وهي الآن همزة توبيخ وإنكار كذا في الشيخ يحيى والروداني وكلامهما بالنسبة لغير صورة الاستفهام عن النفي واستعمال الهمزة في غير الاستفهام الحقيقي مجاز كما سنوضحه في باب العطف. قوله: "من الأحكام" كالإعمال عمل إن وجواز الإلغاء إذا تكررت وجواز رفع المعطوف ونصبه بلا تكرار لا وجواز تثليث النعت والمعطوف بعد لا الثانية بالشروط السابقة. قوله: "وأكثر ما يكون ذلك" أي الإعطاء المذكور. قوله: "التوبيخ" أي على الفعل الماضي والإنكار أي على الحال ويصح جعل كليهما على كليهما والمراد بالإنكار عده منكرا قبيحا لا الجحد والنفي. قوله: "ألا طعان" أي موجد وألا فرسان أي موجودون على رواية من نصب عادية نعتا لفرسان، أما على رواية من رفعها فهي خبر لا الثانية، والفرسان بضم الفاء جمع فارس وعادية يروى بالعين المهملة من العدو وهو إسراع السير أو العدوان وهو الظلم كناية عن القوة والشجاعة بالمعجمة من الغدو ضد الرواح. وقوله إلا تجشؤكم أي الناشئ من كثرة الأكل والاستثناء منقطع والتنور ما يخبر فيه. من شرح شواهد المغني للسيوطي مع زيادة. قوله: "ألا ارعواء" أي انكفاف والشبيبة وهو لغة حداثة السن. وعند الأطباء كون الحيوان في زمان تكون حرارته الغريزية قوية قالوا وهو سن الوقوف ويكون من نحو
__________
316- البيت من البسيط، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص179 "الحاشية"، وتخليص الشواهد ص414، والجني الداني ص384؛ وخزانة الأدب 4/ 69، 77، 79؛ وشرح شواهد المغني 1/ 210؛ والكتاب 2/ 306؛ والمقاصد النحوية 2/ 362؛ ولخداش بن زهير في شرح أبيات سيبويه 1/ 588؛ ولحسان أو لخداش في الدرر 2/ 230؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص80؛ وشرح عمدة الحافظ ص318؛ ومغني اللبيب 1/ 68، 2/ 350؛ وهمع الهوامع 1/ 147.
317- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 25؛ وتخليص الشواهد ص414؛ والدرر 2/ 232؛ وشرح التصريح 1/ 245؛ وشرح شواهد المغني 1/ 212؛ وشرح ابن عقيل ص206؛ وشرح عمدة الحافظ ص319؛ ومغني اللبيب 1/ 68؛ والمقاصد النحوية 2/ 360؛ وهمع الهوامع 1/ 147.(2/20)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويقل ذلك إذا كان مجرد استفهام عن النفي حتى توهم الشلوبين أنه غير واقع، كقوله:
318- لا اصطبار لسلمى أم لها جلد ... إذا ألاقي الذي لا قاه أمثالي
أما إذا قصد بالاستفهام التمني وهو كثير كقوله:
319- ألا عمر ولى مستطاع رجوعه ... فيرأب ما أثأت يد الغفلات
فعند الخيل وسيبويه أن ألا هذه بمنزلة أتمنى فلا خبر لها، وبمنزلة ليت فلا يجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثلاثين إلى نحو خمس وثلاثين أو أربعين سنة. والمشيب قيل الشيب وقيل دخول الرجل في حد الشيب والشيب بياض الشعر والهرم كبر السن. شمني مع زيادة. قال الدماميني وآذنت إن كان حالا على تقدير قد فلا إشكال أو عطفا على الصلة فارتباط الصلة المعطوفة بعود الضمير منها على الشبيبة المضافة إلى ضمير الموصول مع أنه يمكن جعل الصلة مجموع الجملتين فيكفي ضمير شبيبته في الربط لأن مجموعهما حينئذٍ كجملة واحدة اهـ. باختصار.
قوله: "ويقل ذلك" أي الإعطاء المذكور وقوله عن النفي متعلق باستفهام وتجرده خلوّه من التوبيخ والإنكار. وقرر البعض العبارة بما لا ينبغي فاحذره. قوله: "لسلمى" هي زوجته. وقوله الذي لاقاه أمثالي يعني الموت وأم تحتمل الاتصال فيكون المطلوب بها وبالهمزة التعيين والانقطاع فتكون إضرابا عن الاستفهام عن عدم الصبر إلى الاستفهام عن الصبر. دماميني. قوله: "أما إذا قصد بالاستفهام" أي مع لا إذ المجموع هو الدال على التمني على المذهبين الآتيين. وقوله بالاستفهام أي بالهمزة التي للاستفهام باعتبار ما كان وإلا فالآن قد انسلخ عنها الاستفهام كما انسلخ النفي عن لا أفاده الروداني. قوله: "فيرأب" أي يصلح منصوب في جواب التمني أثأث أخربت. قوله: "بمنزلة أتمنى فلا خبر لها" أي لا لفظا ولا تقديرا كما قاله الدماميني كما أن أتمنى كذلك إذ لا خبر للفعل وبحث فيه الروداني بأن كونها بمنزلة أتمنى إن أوجب أن لا يكون لها خبر أوجب أيضا أن لا يكون لها اسم فإن أتمنى كما لا خبر له لا اسم له وذلك باطل. قال والحق
__________
318- البيت من البسيط، وهو لقيس بن الملوح في ديوانه ص178؛ وجواهر الأدب ص245؛ والدرر 2/ 229؛ وشرح التصريح 1/ 244؛ وشرح شواهد المغني 1/ 42، 213؛ والمقاصد النحوية 2/ 358؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 24؛ وتخليص الشواهد ص415، والجني الداني ص384؛ وخزانة الأدب 4/ 70؛ وشرح ابن عقيل ص207؛ وشر عمدة الحافظ ص320، 384؛ ومغني اللبيب 1/ 15؛ وهمع الهوامع 1/ 147.
319- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 26؛ وتخليص الشواهد ص415؛ والجني الداني ص384؛ وخزانة الأدب 4/ 70، وشرح التصريح 1/ 245؛ وشرح شواهد المغني ص800؛ وشرح ابن عقيل ص208؛ وشرح عمدة الحافظ ص318؛ ومغني اللبيب ص69، 381؛ والمقاصد النحوية 2/ 361.(2/21)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مراعاة محلها مع اسمها، ولا إلغاؤها إذا تكررت، وخالفهما المازني والمبرد، ولا حجة لهما في البيت؛ إذ لا يتعين كون مستطاع خبرًا أو صفة ورجوعه فاعلًا، بل يجوز كون مستطاع خبرًا مقدمًا ورجوعه مبتدأ مؤخرًا والجملة صفة ثانية ولا خبر هناك.
تنبيه: تأتي ألا لمجرد التنبيه وهي الاستفتاحية، فتدخل على الجملتين نحو: {أَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنهما إن أراد بأنه لا خبر لها أنه يحذف ولا يذكر فمسلم وإلا فتسليط التمني على مجرد الاسم دون معنى فيه لا يعقل والمعقول إنما هو تمني المعنى في الاسم فيلزم كون ذلك المعنى خبرا. ا. هـ. وقد يقال كما حصلت الفائدة المطلوبة بقوله أتمنى ماء حصلت بما هو بمنزلته فلم يحتج إلى خبر فلا يرد قوله وإلا فتسليط إلخ. والحاصل أن ألا ماء كلام تام حملا على معناه وهو أتمنى ماء كما قاله الدماميني والاسم هنا بمنزلة المفعول به وأتمنى له مفعول به فلا يرد قوله إن أوجب كونها بمنزلة أتمنى إلخ. قوله: "وخالفهما المازني والمبرد" فجعلاها كالمجردة من الهمزة واستدلا بالبيت لأن مستطاع إما خبر للا أو صفة لاسمها ورفع مراعاة لمحل لا مع اسمها والخبر على هذا محذوف أي راجع، وعلى كل فرجوعه نائب فاعل مستطاع وأيا كان يبطل المذهب الأول. قال في الهمع والفرق بين المذهبين من جهة المعنى أن التمني واقع على الاسم على الأول وعلى الخبر على الثاني. قوله: "ولا حجة لهما" أي للمازني والمبرد. قوله: "خبرا" أي حتى يمنع قول الخليل وسيبويه لا خبر لها، وقوله أو صفة أو حتى يمنع قولهما لا تجوز مراعاة محلها مع اسمها ففي كلامه لف ونشر مرتب.
قوله: "ورجوعه" أي على الوجهين فاعلا أي نائب فاعل. قوله: "والجملة صفة ثانية" أي في محل نصب اتباعا لمحل اسم لا المفرد أو للفظه لمشابهة حركته البنائية حركة الإعراب في عروضها بعروض لا وزوالها بزوالها فكأنها عاملة لها قاله الشمني. وما ذكر من كون الجملة صفة ثانية يشكل عليه ما صرح به الرضي في المنادى أن الموصوف بالجملة من الشبيه بالمضاف وحينئذٍ فلو كان من الموصوف بالجملة لوجب نصبه إلا أن يخرج على ما أجازه المصنف من ترك تنوين الشبيه بالمضاف مع إعرابه. ا. هـ. سم أو يقال هو من وصف المنفي لا من نفي الموصوف فيكون الوصف متأخرا عن البناء كما يقال في صورة النداء من وصف المنادى لا من نداء الموصوف، وهذا الإشكال وارد على كلام المازني والمبرد أيضا لأن جملة ولي صفة لعمر كما نبه عليه الشارح بقوله صفة ثانية، وسيأتي في باب النداء جواز جعل نحو يا حليما لا يعجل من المفرد وجعله من الشبيه بالمضاف. وبحث الروداني في كون مستطاع رجوعه صفة ثانية بأنه كمكابرة مقتضى العقل إذ لا يشك عاقل تأمل في أن المتمني إنما هو استطاعة رجوع عمر ولي، فيكون مستطاع خبرا ولا يعقل أن المتمني هو العمر المدبر المستطاع رجوعه. قوله: "لمجرد التنبيه" أي فتدل على تحقق ما بعدها وتقويه لتركبها في الأصل من همزة الإنكار الإبطالي ولا النافية ونفي النفي يستلزم الثبوت فهو كدعوى الشيء ببينة كذا في المغني والدماميني عليه. قال الشمني قال التفتازاني لكن بعد التركيب صارت كلمة تنبيه تدخل على ما لا تدخل عليه لا مثل(2/22)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [يونس: 62] ، {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8] ، وللعرض والتحضيض فتختص بالفعلية نحو: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] ، {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 13] ، وقوله:
320- ألا رجلا جزاه الله خيرًا ... يدل على محصلة تبيت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ألا إن زيدا قائم وكذا الكلام في أما والأكثر على أنهما حرفان موضوعان لا تركيب فيهما. ا. هـ. قوله: "ألا يوم يأتيهم" مثال لدخولها على الفعلية لأن ألا داخلة في الحقيقة على ليس. قوله: "وللعرض" أي الطلب برفق والتحضيض أي الطلب بإزعاج وقد مثل لهما على اللف والنشر المرتب. قوله: "فتختص بالفعلية" أي ولو تقديرا كما في البيت، ويشترط في الجملة أن تكون خبرية فعلها مضارع أو مؤول به كما سيأتي. قوله: "ألا رجلا إلخ" بعده:
ترجل لمتى وتقم بيتي ... وأعطيها الأتاوة إن رضيت
قال الأزهري هما لأعرابي أراد أن يتزوج امرأة بمتعة، ورجلا منصوب بمحذوف أي ألا ترونني رجلا أو هو منصوب بما يفسره جزاه قاله البعض تبعا لغيره وفيه أن نصبه بما يفسره جزاه يخرج ألا عن كونها للعرض أو للتحضيض لكون الفعل انشائيا فلا يطلب ويصيرها استفتاحية فلا يكون البيت شاهدا لمدعى الشارح. ثم رأيته في الدماميني على المغني. ثم رأيت صاحب المغني اعترض أيضا جعله من الاشتغال بأن طلب رجل هذه صفته أهم من الدعاء له فالحمل عليه أولى وبأن شرط منصوب الاشتغال أن يقبل الرفع بالابتداء ورجلا نكرة. وأجيب بأن النكرة هنا موصوفة بقوله يدل على محصلة تبيت وباستلزامه الفصل بين الموصوف وصفته بالجملة المفسرة. وأجيب بأن ذلك جائز كقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] ، وبقي وجه ثالث وهو قول يونس ألا للتمني ونون الاسم ضرورة ويروى بالجر على تقدير من وبالرفع على الابتداء. والمحصلة المرأة التي تحصل تراب المعدن واختارها لتكون عونا له على استخراج الذهب من تراب معدنه. وقوله تبيت بفتح التاء من بات يفعل كذا إذا فعله ليلا واسمه الضمير الذي فيه وخبره قوله في البيت الثاني ترجل لمتي إلخ. وقيل بضم التاء من أبات أي تبيتني عندها. وقيل معناه تكون لي بيتا أي امرأة بنكاح وقوله ترجل لمتى أي تسرح شعر رأسي. واللمة بكسر اللام هي في الأصل الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن فإذا بلغ المنكبين فهو جمة
__________
320- البيت من الوافر، وهو لعمرو بن قعاس "أو قنعاس" المرادي في خزانة الأدب 3/ 51، 53؛ والطرائف الأدبية ص73؛ وشرح شواهد المغني ص214، 215؛ وبلا نسبة في الأزهية ص164؛ وإصلاح المنطق ص431؛ وأمالي ابن الحاجب ص167، 412؛ وتخليص الشواهد ص415؛ وتذكرة النحاة ص43؛ والجني الداني ص382؛ وجواهر الأدب ص337؛ وتخليص الشواهد 4/ 89؛ 183، 195، 268، 11/ 193؛ ورصف المباني ص79؛ شرح شواهد المغني ص641؛ وشرح عمدة الحافظ ص317، وشرح المفصل 2/ 101؛ والكتاب 2/ 308؛ ولسان العرب 11/ 155 "حصل"؛ ومغني اللبيب ص69، 255، 600؛ والمقاصد النحوية 2/ 366، 3/ 352؛ ونوادر أبي زيد ص56.(2/23)
وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر ... إذا المراد مع سقوطه ظهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وليست الأولى مركبة على الأظهر، وفي الأخيرتين خلاف، وكلامه في الكافية يشعر بالتركيب "وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر" جوازًا عند الحجازيين ولزومًا عند التميميين والطائيين "إذا المراد مع سقوطه ظهر" بقرينة نحو: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ} [سبأ: 51] {قَالُوا لَا ضَيْرَ} [الشعراء: 50] ، فإن خفي المراد وجب ذكره عند الجميع ولا فرق بين الظرف وغيره. قال حاتم:
321- ورد جازرهم حرفًا مصرمة ... ولا كريم من الولدان مصبوح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بضم الجيم. وقوله وتقم بيتي بضم القاف أي تكنسه. والإتاوة بكسر الهمزة وبالفوقية الخراج كما قاله العيني ولعل المراد به هنا المهر.
قوله: "وليست الأولى" أي الاستفتاحية مركبة أي من همزة الاستفهام ولا النافية. قوله: "على الأظهر" أي من الخلاف بدليل تعبير التصريح بالأصح فما يوهمه قوله وفي الأخيرتين خلاف من أنه لا خلاف في تركيب الأولى غير مراد. ولعل وجه صنيعه أنه لم يظهر له ترجيح في الأخيرتين بخلاف الأولى لكن في التصريح أن الأصح البساطة في الثلاث. قوله: "يشعر بالتركيب" إلا أنهما انسلخا عن المعنى الأصلي. قوله: "إسقاط الخبر" ومنه لا سيما ولا إله إلا الله فلفظ الجلالة بدل من الضمير المستكن في الخبر المحذوف وهو موجود لا خبر لا لوجوب تنكيره ولأن خبرها خبر في الأصل لاسمها ولا يصح أن يكون لفظ الجلالة خبر إله لتعريفه وتنكير إله، ولما قال ابن الحاجب من أن المستثنى من مذكور لا يكون خبرا عن المستثنى منه لأنه لم يذكر إلا لبيان ما قصد بالمستثنى منه واحترز بقوله من مذكور من نحو وما محمد إلا رسول الله. وقيل بدل من محل لا مع اسمها وقيل من محل اسمها قبل دخولها وسنتكلم على القولين في الاستثناء. فإن قلت البدل هو المقصود بالنسبة وهي بالنظر إلى المبدل منه سلبية فيفيد التركيب ضد المطلوب. قلت النسبة إنما وقعت للبدل بعد نقض النفي بإلا فالبدل هو المقصود بالنفي المعتبر في المبدل منه لكن بعد نقضه ونفي النفي إثبات أفاده الدماميني. قوله: "إذا المراد" بإذا الشرطية أو إذا التعليلية والشرط أولى لإيهام التعليل ظهور المراد في كل تركيب وقعت فيه لا وليس كذلك. قوله: "فلا فوت" أي لهم بدليل وأخذوا من مكان قريب قالوا لا ضير أي علينا بدليل وأنا إلى ربنا لمنقلبون. قوله: "قال حاتم" نوزع في نسبته إلى حاتم. والحرف الناقة المهزولة وقيل المسنة. والمصرمة بفتح الراء المشددة التي يعالج ضرعها لينقطع لبنها ليكون
__________
321- البيت من البسيط، وهو لحاتم بن عبد الله الطائي في ملحق ديوانه ص294؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 573؛ ولأبي ذؤيب الهذلي في ملحق شرح أشعار الهذلين ص1307؛ وشرح شواهد الإيضاح ص205؛ وشرح المفصل 1/ 107؛ ولرجل جاهلي من بني النبيت في المقاصد النحوية 2/ 368، 369؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص422؛ ورصف المباني ص266، 267؛ وشرح ابن عقيل ص 209؛ والكتاب 2/ 299؛ ولسان العرب 4/ 452 "صرر"؛ والمقتضب 4/ 370.(2/24)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: ندرس من هذا الباب حذف الاسم وإبقاء الخبر، من ذلك قولهم: لا عليك، يريدون لا بأس عليك. ا. هـ.
خاتمة: إذا اتصل بلا خبر أو نعت أو حال وجب تكراراها نحو: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] ، {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35] ، وجاء زيد لا خائفًا ولا آسفًا. وأما قوله:
322- وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا ... حياتك لا نفع ومؤتك فاجع
وقوله:
323- بكت جزعًا واسترجعت ثم آذنت ... ركائبها أن لا إلينا رجوعها
وقوله:
324- قهرت العدا لا مستعينًا بعصبة ... ولكن بأنواع الخدائع والمكر
فضرورة والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أقوى لها. والولدان جمع وليد من صبي وعبد. والمصبوح اسم مفعول من صبحته أي سقيته الصبوح وهو الشراب صباحا. وقد لفق الشارح عجز بيت إلى صدر بيت آخر كما بينه العيني. قوله: "ندر في هذا الباب إلخ" كما ندر حذفهما معا في قولك لا في جواب القائل أعلى بأس. قوله: "إذا اتصل بلا خبرإلخ" وتكون حينئذٍ مهملة. قوله: "وجب تكرارها" ما لم يكن الخبر أو النعت أو الحال جملة فعلية نحو زيد لا يقوم ومررت برجل لا يكرم أخاه وجاء زيد لا يركب فرسا. قوله: "نفع" أي لا نافية ويحتمل أنها عاملة عمل ليس والخبر محذوف أي لا نفع فيها فلا شاهد فيه.
__________
322- البيت من الطويل، وهو للضحاك بن هنام في الاشتقاق ص350؛ وخزانة الأدب 4/ 38؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 521؛ ولأبي زيد الطائي في حماسة البحتري ص116؛ ولرجل من سلول في الكتاب 2/ 305؛ وبلا نسبة في الأزهية ص162؛ والدرر 2/ 235؛ وشرح المفصل 2/ 112؛ والمقتضب 4/ 360؛ وهمع الهوامع 1/ 148.
323- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب 4/ 34؛ والدر 2/ 233؛ ورصف المباني ص261؛ وشرح المفصل 2/ 112؛ والكتاب 2/ 298؛ والمقتضب 4/ 361؛ والمقرب 1/ 189؛ وهمع الهوامع 1/ 148.
324- البيت من الطويل. وهو بلا نسبة في الجني الداني ص299؛ والدرر 2/ 235، 4/ 11؛ وهمع الهوامع 1/ 48، 245.(2/25)
ظن وأخواتها
انصب بفعل القلب جزأي ابتدا ... أعني رأى خال علمت وجدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأول بقوله: "انصب بفعل القلب جزأي ابتدا" يعني المبتدأ والخبر "أعني" بفعل القلب "رأى" بمعنى علم وهو الكثير كقوله:
325- رأيت الله أكبر كل شيء ... محاولة وأكثرهم جنودًا
وبمعنى ظن وهو قليل. وقد اجتمعتا في قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 6] ، أي يظنون ونعلمه، فإن كانت بصرية أو من الرأي أو بمعنى أصاب رئته تعدت إلى واحد. وأما الحلمية فستأتي و"خال" بمعنى ظن كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أعطى ويبطل الثاني لأنها لا يجوز الغاؤها وباب ظن يجوز فيه الإلغاء. ا. هـ. همع. وللأخفش ومن وافقه اختيار الثاني ودفع هذا الإبطال بأن من باب ظن ما لا يجوز الغاؤه كهب وتعلم وأفعال التصيير كما يأتي فلتكن سمع مثل ما ذكر فتدبر. قوله: "لقيام معانيها" أي التضمنية. قوله: "جزأي ابتدا" أي جزأي جملة ذات ابتداء وعبارته توهم جواز كون المفعول الثاني جملة انشائية وليس كذلك ولهذا قال في تسهيله ولهما أي للمفعولين من التقديم والتأخير ما لهما مجردين أي عن هذه الأفعال ولثانيهما من الأقسام والأحوال ما لخبر كان. ا. هـ. قال الدماميني فمن الأحوال أنه لا يكون جملة طلبية ولهذا قال ما لخبر كان ولم يقل ما لخبر المبتدأ وأما قول أبي الدرداء وجدت الناس أخبر تقله، فعلى إضمار القول أي وجدت الناس مقولا في حق كل واحد منهم أخبر تقله كما أول قول الشاعر:
وكوني بالمكارم ذكريني
بأنه خبر معنى أي تذكرينني. قوله: "رأى بمعنى علم إلخ" يستثنى منه أرى المبني للمفعول فإنه استعمل بمعنى أظن ولم يستعمل بمعنى أعلم وإن استعمل في الأكثر أريت بمعنى أعلمت نقله اللقاني عن الرضي. قوله: "يرونه" أي يظنون البعث ممتنعا ونعلمه واقعا لأن العرب تستعمل البعد في الانتفاء والقرب في الحصول. قال الشيخ يحيى لا يخفى أنهم جازمون بالبعد فحمله على الظن مشكل إلا أن يحمل الظن على ما يشمل الاعتقاد الجازم المخالف للواقع. قوله: "أو من الرأي" بمعنى الاعتقاد الناشىء عن اجتهاد يقال رأى أبو حنيفة حل كذا أي اعتقد حله فيتعدى إلى واحد ولا يرد رأى أبو حنيفة كذا حلالا لجواز أن يكون بمعنى ظن أو علم لكن صرح بعضهم كما في الدماميني بأن رأى الاعتقادية متعدية إلى اثنين. وقال الرضي لا دلالة في قولك رأى أبو حنيفة حل كذا على أن رأى التي من الرأي متعدية إلى واحد دائما لجواز أن تتعدى تارة إلى مفعولين كرأى أبو حنيفة كذا حلالا وتارة إلى واحد هو مصدر ثاني هذين المفعولين مضافا إلى أولهما كرأى أبو حنيفة حل كذا كما قد تستعمل علم المتعدية لاثنين هذا
__________
325- البيت من الوافر، وهو لخداش بن زهير في المقاصد النحوية 2/ 371؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص425؛ وشرح ابن عقيل ص210؛ وشرح قطر الندى ص170؛ والمقتضب 4/ 97.(2/27)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
326- إخالك إن لم تغضض الطرف ذا هوى ... يسومك ما لا يستطاع من الوجد
وبمعنى علم وهو قليل كقوله:
327- دعاني الغواني عمهن وخلتني ... لي اسم فلا أدعى به وهو أول
فإن كان بمعنى تكبر أو ظلع هي لازمة و"علمت" بمعنى تيقنت كقوله:
328- علمتك الباذل المعروف فانبعثت ... إليك بي واجفات الشوق والأمل
وقوله:
329- علمتك منانًا فلست بآمل ... نداك ولو ظمآن غرثان عاريا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاستعمال. ا. هـ. وهذا صريح في جواز استعمال أفعال هذا الباب متعدية إلى واحد هو مصدر ثاني الجزأين مضافا إلى أولهما من غير تقدير مفعول ثان لأن هذا المصدر هو المفعول به في الحقيقة كما صرح به الرضي غير مرة فليجز الاقتصار عليه في العبارة. وفي الدماميني ما يخالف ذلك وعلله بأن المضاف إليه غير مقصود لذاته بل لغيره وهذه الأفعال مستدعية في المعنى لشيئين ينعقد منهما المعنى المراد فشرطوا استقلال كل منهما بنفسه فلا يكون أحدهما كالتتمة للآخر وهو قابل للبحث وما قدمناه عن الرضي أوجه فتأمل.
قوله: "أصاب رئته" بالهمز عضو ذو شعبتين في القلب. قوله: "إخالك" بكسر الهمزة على غير قياس وقد تفتح وذا هوى مفعوله الثاني، تغضض الطرف أي تكفه، يسومك أي يكلفك والضمير المستتر للهوى. قوله: "دعاني" أي سماني الغواني جمع غانية وهي المرأة المستغنية بجمالها عن الحلي والحلل، وخلتني الياء مفعول أول وجملة لي اسم مفعوله الثاني. وقوله فلا أدعى يظهر أنه على تقدير همزة الاستفهام الإنكاري أي أفلا أدعى به وهو اسم لي وجملة وهو أول حال وقد عمل خال هنا في ضميرين لشيء واحد وهو خاص بأفعال القلوب فلا يقال ضربتني كما سنبسطه. قوله: "أو ظلع" من باب نفع كما في المصباح أي عرج. قوله: "المعروف" بالنصب مفعول الباذل أو الجر بإضافة الباذل إليه فانبعثت أي انطلقت واجفات
__________
326- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 45؛ والدرر 2/ 248؛ وشرح التصريح 1/ 249؛ وهمع الهوامع 1/ 150.
327- البيت من الطويل، وهو للنمر بن تولب في ديوانه ص370؛ وتخليص الشواهد ص437؛ والدرر 2/ 247، 266؛ وشرح شواهد المغني 2/ 629؛ والمقاصد النحوية 2/ 395؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص213؛ وهمع الهوامع 1/ 150.
328- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في شرح ابن عقيل ص211؛ والمقاصد النحوية 2/ 419.
329- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الدرر 2/ 86؛ وهمع الهوامع 1/ 121.(2/28)
ظن حسبت وزعمت مع عد ... حجا درى وجعل اللذ كاعتقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبمعنى ظننت وهو قليل نحو: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 60] ، فإن كانت من قولهم علم الرجل إذا انشقت شفته العليا فهو أعلم فهي لازمة. وأما التي بمعنى عرف فستأتي و"وجدا" بمعنى علم نحو: {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] ، ومصدرها الوجود، فإن كانت بمعنى أصاب تعدت إلى واحد ومصدرها الوجدان. وإن كانت بمعنى استغنى أو حزن أو حقد فهي لازمة. و"ظن" بمعنى الرجحان كقوله:
330- ظننتك إن شبت لظى الحرب صاليًا ... فعردت فيمن كان عنها معردا
وبمعنى اليقين وهو قليل نحو: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46] ، وأما التي بمعنى اتهم فستأتي و"حسبت" بمعنى ظننت كقوله تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273] ، {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف: 18] ، وبمعنى تيقنت وهو قليل كقوله:
331- حسبت التقى والجود خير تجارة ... رباحًا إذا ما المرء أصبح ثاقلًا
وفي مضارعها لغتان: فتح السين وهو القياس وكسرها وهو الأكثر في الاستعمال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشوق أي دواعيه وأسبابه.
قوله: "منانا" أي معددا للنعم. والندى الجود. والغرثان بفتح الغين المعجمة فسكون الراء بعدها ثاء مثلثة الجائع. قوله: "علم الرجل" بالفتح فالكسر وأما علمه بفتحتين فمتعد إلى واحد بمعنى شق شفته العليا كذا في القاموس. قوله: "شفته العليا" أما مشقوق السفلى فأفلح. قوله: "ومصدرها الوجود" وقيل الوجدان. قوله: "ومصدرها الوجدان" بكسر الواو كما في القاموس قيل والوجود أيضا. قوله: "فهي لازمة" ومصدر الأولى وجد بتثليث الواو، ومصدر الثانية وجد بفتحها ومصدر الثالثة موجدة. ا. هـ. سم أي بفتح الميم وكسر الجيم. قوله: "إن شبت" بفتح الشين وضمها كما في القاموس أي اتقدت، صاليا هو اسم فاعل من صلى النار كرضى قاسى حرها، فعردت بالعين المهملة فالراء المشددة أي انهزمت. قوله: "وظنوا أنهم ملاقوا ربهم" التلاوة: {الَّذِينَ يَظُنُّون أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46] ، ولعله لم يرد نظم القرآن. قوله: "ثاقلا" أي ميتا. قوله: "وفي مضارعها لغتان" بخلاف التي بمعنى عد فهي بفتح السين ومضارعها بالضم ومصدرها
__________
330- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 42؛ وشرح التصريح 1/ 248؛ والمقاصد النحوية 2/ 381.
331- البيت من الطويل، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص246؛ وأساس البلاغة ص46 "ثقل"، والدرر 2/ 247؛ وشرح التصريح 1/ 249؛ ولسان العرب 11/ 88؛ والمقاصد النحوية 2/ 284؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 44؛ وتخليص الشواهد ص435؛ وشراح ابن عقيل ص213؛ وشرح قطر الندى ص247؛ وهمع الهوامع 1/ 149.(2/29)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومصدرها الحسبان بكسر الحاء والمحسبة، فإن كان بمعنى صار أحسب -أي ذا شقرة أو حمرة أو بياض كالبرص- فهي لازمة "وزعمت مع عد" بمعنى الرجحان، فالأول كقوله:
332- زعمتني شيخًا ولست بشيخ ... إنما الشيخ من يدب دبيبًا
ومصدرها الزعم. قال السيرافي هو قول مقرون باعتقاد صح أم لا. وقال الجرجاني هو قول مع علم. وقال ابن الأنباري إنه يستعمل في القول من غير صحة، ويقوي هذا قولهم زعم مطية الكذب أي هذه اللفظة مركب الكذب، فإن كانت بمعنى تكفل أو رأس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حسب بالفتح وحسبان بالضم والكسر وحساب وحسبة وحسابة بكسرهن كذا في القاموس، فقول البعض مصدرها الحسبان فيه قصور. قوله: "والمحسبة والمحسبة" أي بفتح السين وكسرها. قوله: "مع عد" حال من مفعول أعني.
قوله: "يدب" بكسر الدال أي يمشي متمهلا. قوله: "ومصدرها الزعم" بتثليث الزاي كما في القاموس. قوله: "قال السيرافي إلخ" ساق كلام السيرافي دليلا لقوله للرجحان لكن قد يقال الاعتقاد هو الحكم الجازم فالدليل مناف للمدلول إلا أن يجاب بأن المراد بالاعتقاد الظن كهو في قول المصنف وجعل اللذ كاعتقد أو بالرجحان ما عدا اليقين فيشمل الجزم لا عن دليل المسمى اعتقادا وساق كلام الجرجاني وكلان ابن الأنباري ليقابل بكل منهما القول الأول أما مقابلته بكلام الجرجاني فلاشتراط الجرجاني في الزعم العلم المستلزم للصحة والجزم والدليل، وأما مقابلته بكلام ابن الأنباري فلاشتراط ابن الأنباري عدم الصحة وإطلاقه القول عن قيد اقترانه بالاعتقاد، فلعم أن بين القول الأول وقول الجرجاني التباين بناء على أن المراد بالاعتقاد في الأول الظن أو بالرجحان ما قابل اليقين كما مر وأن بين الأول وقول ابن الأنباري العموم والخصوص من وجه نعم إن حمل كلام ابن الأنباري على أن الزعم يستعمل في القول من غير صحة غالبا كما في كلام كثير فلا ينافي أنه قد يستعمل في القول الصحيح كما في قول أبي طالب يخاطبه صلى الله عليه وسلّم:
ودعوتني وزعمت أنك ناصح ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
كان بينه وبين كلام السيرافي العموم والخصوص المطلق. وأما بين قول الجرجاني وقول ابن الأنباري فالتباين لاشتراط الصحة في أولهما لأن المعلوم لا بد أن يكون صحيحا كما عرفت واشتراط عدمها في ثانيهما على ما مر والمراد الصحة وعدمها في الواقع وإن خالفه الاعتقاد. وتقرير البعض كلام الشارح على غير هذا الوجه ناشىء عن عدم التأمل. قوله: "فإن كانت بمعنى
__________
332- البيت من الخفيف، وهو لأبي أمية أوس الحنفي في الدرر 1/ 214 "سقط من الطبعة، وهو في الفهرس بقم 575" وشرح التصريح 1/ 248؛ وشرح شواهد المغني ص922؛ والمقاصد النحوية 2/ 297؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 38؛ وتخليص الشواهد ص428، وشرح شذوذ الذهب ص464؛ وشرح قطر الندى ص172؛ ومغني اللبيب ص594.(2/30)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تعدت لواحد تارة بنفسها وتارة بالحرف، وإن كانت بمعنى سمن أو هزل فهي لازمة.
تنبيه: الأكثر تعدي زعم أن وصلتها نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: 7] ، وقوله:
333- وقد زعمت أني تغيرت بعدها ... ومن ذا الذي يا عز لا يتغير
والثاني كقوله:
334- فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ... ولكنما المولى شريكك في العدم
فإن كانت بمعنى حسب تعدت لواحد و"حجا" بمعنى ظن، كقوله:
335- قد كنت أحجوا ابا عمرو أخا ثقة ... حتى ألمت بنا يومًا ملمات
فإن كانت بمعنى غلب في المحاجاة أو قصد أو رد تعددت إلى واحد، وإن كانت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تكفل إلخ" عبارة الهمع فإن كانت بمعنى كفل تعدت إلى واحد والمصدر الزعامة أو بمعنى رأس تعدت تارة إلى واحد وأخرى بحرف الجر. ا. هـ. وفي القاموس الزعم الكفيل وقد زعم به زعما وزعامة ثم قال والزعامة الشرف والرياسة. قوله: "وتارة بالحرف" أي الباء في الأولى وعلى في الثانية. قوله: "هزل" هو بمعنى أصابه الهزال مما لزم البناء للمجهول وأما هزل المبني للفاعل فضد الجد كما في الصحاح. قوله: "إلى أن" أي المشددة والمخففة منها بدليل الأمثلة، وكزعم في أكثرية التعدي إلى أن وصلتها تعلم كما سيذكره الشارح وبعكسهما هب فإن تعديه إلى أن وصلتها قليل حتى منعه الجوهري والحريري كذا في المغني والدماميني.
قوله: "والثاني" أي عد. قوله: "المولى" أي الصاحب مفعول ثان وشريكك مفعول أول أي مخالطك في حال الغنى. والعدم كقفل: الفقر. قوله: "بمعنى حسب" أي بفتح السين. قوله: "ثقة" بالنصب صفة أخا فمعنى ثقة موثوقا به أو الخفض بإضافته إليه فمعنى ثقة وثوق والملمات الحوادث النازلة بالشخص. قوله: "في المحاجاة" في القاموس حاجيته محاجاة وحجاء فحجوته فاطنته فغلبته. قوله: "أو رد" أي أو
__________
333- البيت من الطويل، وهو لكثير عزة في ديوانه ص328؛ والأغاني 9/ 26؛ وتخليص الشواهد ص428؛ وخزانة الأدب 5/ 222؛ 314؛ وشرح التصريح 1/ 248؛ المقاصد النحوية 2/ 380؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 40؛ وشرح شذور الذهب ص465.
334- البيت من الطويل، وهو للنعمان بن بشير ي ديوانه ص29؛ وتخليص الشواهد ص431؛ والدرر 2/ 238؛ وشرح النصريح 1/ 248؛ والمقاصد النحوية 2/ 377؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 36؛ وخزانة الأدب 3/ 57؛ وشراح ابن عقيل ص214؛ وهمع الهوامع 1/ 148.
335- البيت من البسيط، وهو لتميم بن مقبل في تخليص الشواهد ص440؛ وشرح التصريح 1/ 248؛ والمقاصد النحوية 2/ 376؛ ولم أقع عليه في ديوانه، وله أو لأبي شبل الأعرابي في الدرر 2/ 237؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 35؛ وشرح شذور الذهب ص463؛ وشرح ابن عقيل ص215؛ ولسان العرب 2/ 315 "ضربج"، 14/ 167 "حجا"؛ وهمع الهوامع 1/ 148.(2/31)
وهب تعلم والتي كصيرا ... أيضًا بها انصب مبتدا وخبرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بمعنى أقام أو بخل فهي لازمة و"درى" بمعنى علم كقوله:
336- دريت الوفي العهد يا عرو فاعتبط ... فإن اغتباطًا بالوفاء حميد
والأكثر فيه أن يتعدى إلى واحد بالباء تقول دريت بكذا، فإن دخلت عليه همزة النقل تعدى إلى واحد نفسه وإلى آخر بالباء نحو: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يونس: 16] ، وتكون بمعنى ختل أي خدع فتتعدى لواحد نحو دريت الصيد أي ختلته "وجعل اللذ كاعتقد" في المعنى نحو: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 19] ، فإن كانت بمعنى أوجد أو وجب تعدت إلى واحد نحو: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] ، وتقول جعلت للعامل كذا والتي بمعنى أنشأ قد مضى الكلام عليها في بابها وأما التي بمعنى صير فستأتي "وهب" بلفظ الأمر بمعنى ظن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ساق أو حفظ أو كتم كما في التسهيل. قوله: "دريت" التاء المفتوحة كما في شرح التوضيح للشارح نائب فاعل وهو المفعول الأول والوفي مفعول ثان مضاف للعهد أو ناصب له أو رافع له والنصب أرجحها والرفع أضعفها وعرو منادى مرخم عروة فاغتبط أي دم على الاغتباط وهو تمني مثل حال المغبوط من غير أن يزول عنه.
قوله: "والأكثر فيه إلخ" عطف على مقدر أي هذا الاستعمال قليل والأكثر إلخ أي الكثير إذ لا كثرة في الاستعمال الأول. قوله: "فإن دخلت عليه همزة النقل إلخ" محله إذا لم يدخل على الفعل استفهام فإن دخل عليه تعدى إلى ثلاثة مفاعيل نحو قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة: 3] ، فالكاف مفعول أول والجملة بعدها سدت مسد المفعولين قاله شيخ الإسلام. ولا يبعد عندي منع التقييد وجعل الجملة سادة مسد الثاني المتعدي إليه بالحرف لما في الهمع والمغني أنها تسد مسد المفعول المتعدي إليه بالحرف فتكون في محل نصب بإسقاط الجار كما في فكرت أهذا صحيح أم لا. قوله: "كاعتقد" أي ظن كما يدل عليه عد الشارح وغيره له مما يدل على الرجحان كما سيأتي إلا أن يراد بالرجحان ما عدا اليقين فيشمل الجزم لا عن دليل كما قد يراد بالظن ذلك كما في الأطول. ثم قضية المتن أن اعتقد يتعدى إلى اثنين وقد نقل في الهمع عن السكاكي زيادة أفعال منها اعتقد وتوهم. قوله: "وجعلوا الملائكة" قال الناظم في شرح الكافية أي اعتقدوا. قال ابن الناظم. أي ظنوا. وقال الزمخشري أي صيروا كذا في شرح الغزى فالتمثيل بالآية مبني على غير ما ذكره الزمخشري. قوله: "تعدت إلى واحد" أي بنفسها فلا ينافي أن جعل بمعنى أوجب يتعدى إلى ثان بحرف الجر كما في المثال.
__________
336- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في 2/ 33؛ الدرر 2/ 245؛ وشرح التصريح 1/ 247؛ وشرح شذور الذهب ص466؛ وشرح ابن عقيل ص212، 218؛ وشرح قطر الندى ص171؛ والمقاصد النحوية 2/ 372؛ وهمع الهوامع 1/ 149.(2/32)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كقوله:
337- فقلت أجرني أبا خالد ... وإلا فهبني امرأ هالكا
أي اعتقدني و"تعلمْ" بمعنى اعلمْ، كقوله:
338- تعلم شفاء النفس قهر عدوها ... فبالغ بلطف في التحيل والمكر
والكثير المشهور استعمالها في أن وصلتها كقوله:
339- فقلت تعلم أن للصيد غرة ... وإلا تضيعها فأنك قتله
وقوله:
تعلم رسول الله أنك مدركي
وفي حديث الدجال "تعلموا أن ربكم ليس بأعور" أي اعلموا فإن كانت بمعنى تعلم الحساب ونحوه تعدت لواحد. فقد بان لك أن أفعال القلوب المذكورة على أربعة أنواع: الأول ما يفيد في الخبر يقينًا وهو ثلاثة: وجد وتعلم ودرى. والثاني ما يفيد فيه رجحانًا وهو خمسة: جعل وحجا وعد وزعم وهب. والثالث ما يرد للأمرين والغالب كونه لليقين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "بمعنى ظن" احتراز عن هب أمرا من الهبة وهب أمرا من الهيبة. قوله: "أي اعتقدني" بمعنى ظنني كما عبر به في الهمع أو أراد بالظن في قوله سابقا بمعنى ظن ما قابل اليقين فلا منافاة في كلامه. قوله: "غرة" أي غفلة وقوله وإلا تضيعها أي هذه الوصية فإنك قاتله أي مدركه ومصيبه. قوله: "بمعنى تعلم الحساب" أي حصل علمه في المستقبل بتعاطي أسبابه بخلاف التي بمعنى اعلم فهي أمر بتحصيل العلم في الحال بما يذكر من المتعلق بالالتفات إلى سماع المتكلم فحصل الفرق واندفع الاعتراض بأن معنى اعلم موجود في نحو تعلم الحساب لأنه أمر بالعلم فأي
__________
337- البيت من المتقارب، وهو لعبد الله بن همام السلولي في تخليص الشواهد ص442؛ وخزانة الأدب 9/ 36؛ والدرر 2/ 243؛ وشرح التصريح 1/ 248؛ وشرح شواهد المغني 2/ 923؛ ولسان العرب 1/ 804 "وهب"؛ ومعاهد التنصيص 1/ 285؛ والمقاصد النحوية 2/ 378؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 37؛ وشرح شذور الذهب ص467؛ وشرح ابن عقيل ص216؛ ومغني اللبيب 2/ 594؛ وهمع الهوامع 1/ 149.
338- البيت من الطويل وهو لزياد بن سيار في خزانة الأدب 9/ 129؛ والدرر 2/ 246؛ وشرح التصريح 1/ 247؛ وشرح شواهد المغني 2/ 923؛ والمقاصد النحوية 2/ 274؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 31؛ وشرح شذر الذهب ص468؛ وشرح ابن عقيل ص212؛ وهمع الهوامع 1/ 149.
339- البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص134؛ وشرح التصريح 1/ 247؛ ولسان العرب 13/ 13 "أذن"؛ والمقاصد النحوية 2/ 374؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 32.(2/33)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو اثنان رأى وعلم. والرابع ما يرد لهما والغالب كونه للرجحان وهو ثلاثة: ظن وخال وحسب.
تنبيه: إنما قال أعني رأى إلى آخره إيذانًا بأن أفعال القلوب ليست كلها تنصب مفعولين إذ منها ما لا ينصب إلا مفعولًا واحدًا نحو عرف وفهم، ومنها لازم نحو جبن وحزن. وهذا شروع في النوع الثاني من أفعال الباب وهي أفعال التصيير "والتي كصيرا" من الأفعال في الدلالة على التحويل نحو جعل واتخذ وتخذ ووهب وترك ورد "أيضًا بها انصب" بعد أن تستوفي فاعلها "مبتدا وخبرا" نحو:
340- فصيروا مثل كعصف مأكول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فرق أفاده سم. قوله: "في الخبر" أي في ثبوته للمخبر عنه سم. قوله: "كصيرا" تضعيف صار أخت كان وربما أتى بالهمزة بدل التضعيف فقيل أصار كما في التسهيل. وأما صير بمعنى نقل تضعيف صار اللازم بمعنى انتقل فليست من أفعال هذا الباب. قوله: "نحو جعل إلخ" إنما قال نحو لإدخال ما زاده كثير من حذاق النحاة كما في الغزى وهو ضرب العامل في المثل نحو: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً} [النحل: 112] {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [يس: 13] ، لكن الذي اختاره المصنف في تسهيله عدم عده من أفعال هذا الباب وعليه فهو بمعنى ذكر متعد لواحد والمنصوب الآخر بيان أو بدل وما زاده بعضهم من نبذ في نحو: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [البقرة: 101] ، فكتاب الله مفعول أول ووراء مفعول ثان ولا يصح أن يكون ظرفا لنبذ لأن الظرف لا بد أن يكون حاويا لفاعل العامل فيه وذلك متعذر هنا كذا نقله غير واحد كالبعض عن ابن هشام وأقره، وهو يقتضي أن ما كان بمعنى نبذ كرمى وطرح مثلها في ذلك، وأن الظرفية للعامل لا تصح في نحو خلفت زيدا ورائي وأجلست عمرا أمامي وهو بعيد جدا، ثم رأيت الفاضل الروداني قال ينبغي أن لا يشك في بطلان هذه الدعوى إذ لا شك في صحة أبصرت الهلال في السماء وبين السحاب مع عدم احتواء الظرف على الفاعل. فالحق أن الظرف تارة يحوي الفاعل كدعوت الله في المسجد، وتارة يحوي المفعول كالذي مر، وتارة يحويهما معا كضربت زيدا في السوق فلا نسلم الحاق نبذ بأفعال التصيير.
قوله: "ووهب" وهو بهذا المعنى لازم المضي. قوله: "فصيروا مثل كعصف مأكول" هو عجز بيت من السريع الموقوف، فلام مأكول ساكنة وكاف كعصف قيل زائدة ومثل مضاف إلى
__________
340- الرجز لرؤية في ملحق ديوانه ص181؛ وخزانة الأدب 10/ 168، 175، 184، 189؛ وشرح التصريح 1/ 252؛ وشرح شواهد المغني 1/ 503؛ والمقاصد النحوية 2/ 402؛ ولحميد الأرقط في الدرر 2/ 250؛ والكتاب 1/ 408؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 52؛ والجني الداني ص90؛ وخزانة الأدب 7/ 73؛ ورصف المباني ص201؛ وسر صناعة الإعراب ص296؛ ولسان العرب 9/ 247 "عصف"؛ ومغني اللبيب 1/ 180؛ والمقتضب 4/ 141، 350؛ وهمع الهوامع 1/ 150.(2/34)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ونحو: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] ، ونحو: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] ، وكقوله:
341- تخذت غراز إثرهم دليلًا
وما حكاه ابن الأعرابي من قولهم وهبني الله فداءك ونحو: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99] ، وقوله:
342- وربيته حتى إذا ما تركته ... أخا القوم واستغنى عن المشح شاربه
ونحو: {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة: 109] ، وقوله:
343- فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عصف وفيه قطع الجار عن العمل بلا كاف فالأولى أنها اسم بمعنى مثل تأكيد لمثل الأولى أو مضافة إلى عصف ومضاف إليها مثل. وأجيب كما في الروداني بأنه نظير لا أبا لك حيث جر الضمير بالمضاف وزيدت اللام عند الجمهور. والعصف زرع أكل حبه وبقي تبنه وقيل ورق الزرع. قوله: "غراز" بضم الغين المعجمة وفتح الراء ثم زاي اسم واد ومنع من الصرف لقصد البقعة، أثرهم أي عقب رحيلهم ودليلا بالدال المهلمة. قوله: "فداءك" بالمد والقصر وقد يفتح المقصور كذا في القاموس. قوله: "فرد" الضمير يرجع إلى الحدثان في البيت قبله وهو قوله:
رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا
والحدثان بالكسر كما في القاموس، وحدثان الأمر ابتداؤه، وحدثان الدهر كما هنا تجدد مصائبه. وفي العيني ما يقتضي أنه محرك مثنى لأنه فسره بالليل والنهار، وعليه فالضمير في فرد للمقدار. وسمدن بفتح الميم كما يستفاد من القاموس أي حزن. وقال العيني بالبناء للمفعول، ثم قال والسامد الساكت والحزين الخاشع. ا. هـ. ففي كلامه تناف لأن فاعلا إنما يصاغ من المبني
__________
341- عجزه:
وفروا في الحجاز ليعجزوني
والبيت من الوافر، وهو لأبي جندب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 354؛ وشرح التصريح 1/ 252؛ ولسان العرب 5/ 370 "عجز"، والمقاصد النحوية 2/ 200؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 51.
342- البيت من الطويل، وهو لفرعان بن الأعرف في الدرر 2/ 251؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1445؛ ولسان العرب 3/ 122 "جعد"؛ والمقاصد النحوية 2/ 398؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص217؛ وهمع الهوامع 1/ 150.
343- البيت من الوافر، وهو لعبد الله بن الزبير في ملحق ديوانه ص143، 144؛ وتخليص الشواهد ص443؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص941؛ والمقاصد النحوية 2/ 417؛ ولأيمن بن خريم في ديوانه ص126؛ ولفضالة بن شريك في عيون الأخبار 3/ 76؛ ومعجم الشعراء ص309؛ وللكميت بن معروف في ديل الأمالي ص115؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص217.(2/35)
وخص بالتعليق والإلغاء ما ... من قبل هب والأمر هب قد ألزما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وخص بالتعليق" وهو إبطال العمل لفظا لا محلا "والإلغاء" وهو إبطال لفظا ومحلا "ما" ذكر "من قبل هب" من أفعال القلوب وهو أحد عشر فعلا وذلك لأن هذه الأفعال لا تؤثر فيما دخلت عليه تأثير الفعل في المفعول لأن متناولها في الحقيقة ليس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للفاعل. قوله: "وخص بالتعليق إلخ" المناسب لما قبله من قوله: والتي كصيرا
أيضا انصب مبتدأ وخبرا
أن يكون خص فعل أمر ولما بعده من قوله والأمر هب قد ألزما أن يكون خص ماضيا مبنيا للمجهول ويرجح الأول قوله اجعل كل ماله زكن. وقوله وانو ضمير الشأن، وقوله وجوز الإلغاء وقوله والتزم التعليق بناء على أن الرواية في هذين بصيغة الأمر كما هو المشهور. ثم التخصيص إضافي أي بالنسبة لهب وما بعده فلايرد جريان التعليق في نحو فكر وأبصر أو التخصيص بالنظر إلى مجموع الإلغاء والتعليق والباء داخلة على المقصور. ومما خص به الأفعال القلبية المتصرفة أيضا جواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متصلين متحدين معنى نحو: {أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7] ، وظننتني داخلا، وظننتك داخلا وهل يجوز وضع نفس مكان الضمير الثاني نحو ظننت نفسي عالما. قال ابن كيسان نعم والأكثرون لا وألحق بها في ذلك رأي البصرية والحلمية بكثرة، وعدم وفقد ووجد بقلة ولا يجوز ذلك في بقية الأفعال فلا يجوز ضربتني مثلا بالاتفاق وعلله سيبويه بالاستغناء عنه بالنفس نحو: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} [النحل: 44، القصص: 16] ، وقيل لئلا يكون الفاعل مفعولا وقيل لئلا يجتمع ضميران. أحدهما مرفوع والآخر منصوب وهما لشيء واحد وقيل لأن الغالب في غير أفعال القلوب تغاير الفاعل والمفعول، فلو قالوا ضربتني مثلا لربما سبق إلى الفهم ما هو الغالب من التغاير ولم تقو حركة المضمر على دفع ذلك، وأما أفعال القلوب فمفعولها ليس المنصوب الأول في الحقيقة بل مصدر الثاني مضافا إلى الأول فجاز فيها ذلك، وأيضا ليس الغالب فيها المغايرة لأن علم الإنسان بصفات نفسه وظنه إياها أكثر فإن كان أحد الضميرين منفصلا جاز في كل فعل نحو ما ضربت إلا إياك ويمتنع الاتحاد في هذا الباب وفي غيره إن أضمر الفاعل متصلا مستترا مفسرا بالمفعول فلا يجوز زيدا ظن قائما ولا زيدا ضرب تريد ظن نفسه وضرب نفسه، أما مع الانفصال والبروز فجائز نحو ما ظن زيدا قائما إلا هو وما ضرب عمرا إلا هو هذا حاصل ما في الهمع مع زيادة من الدماميني. وفي المغني وغيره أنه يجب فيما أوهم كون الفاعل والمفعول ضميرين متصلين متحدين معنى تقدير نفس نحو: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 25] ، {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} [القصص: 32] ، {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: 37] ، أي إلى نفسك وقس.
قوله: "وذلك" أي تخصيص ما ذكر من قبل هب بالتعليق والإلغاء ثابت لأن إلخ. قوله: "تأثير الفعل" أي تأثيرا كتأثير الفعل غيرها في المفعول وذلك لأنك إذا قلت ضربت زيدا كان متعلق الضرب الذات لا الحدث بخلاف أفعال هذا الباب فإن متعلقها الأحداث كقيام زيد في قولك علمت زيدا قائما فمراده بمتناولها متعلقها. وقيل وجه التخصيص أن أفعال القلوب ضعيفة(2/36)
كذا تعلم ولغير الماض من ... سواهما اجعل كل ما له زكن
وجوز الإلغاء لا في الابتدا ... وانو ضمير الشان أو لام ابتدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هو الأشخاص وإنما متناولها الأحداث التي تدل عليها أسامي الفاعلين والمفعولين، فهي ضعيفة العمل بخلاف أفعال التصيير، وإنما لم يدخل التعليق والإلغاء هب وتعلم وإن كانا قلبيين لضعف شبههما بأفعال القلوب من حيث لزوم صيغة الأمر كما أشار إليه بقوله: "والأمر هب قد ألزما كذا تعلم" ألزما ماض مجهول فيه ضمير مستتر يعود على هب نائب عن الفاعل والألف للإطلاق، والأمر نصب بالمفعولين، والجملة خبر المبتدأ وهو هب "ولغير الماض" وهو المضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول والمصدر "من سواهما" أي سوى هب وتعلم من أفعال الباب "اجعل كل ما له" أي للماضي "زكن" أي علم من الأحكام من نصب مفعولين هما في الأصل مبتدأ وخبر، نحو ظن زيدًا قائمًا، ويا هذا ظن زيدًا قائمًا، وأنا ظان زيدًا قائمًا، ومررت برجل مظنون أبوه قائمًا، وأعجبني ظنك زيدًا قائمًا، ومن جواز الإلغاء في القلبي وتعليقه على ما ستراه "وجوز الإلغاء لا في" حال "الابتدا"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من حيث خفاء معانيها لكونها باطنية. قوله: "التي تدل" أي دلالة تضمنية. قوله: "أسامي" أي الواقعة مفاعيل ثانية غالبا. قوله: "بخلاف أفعال التصيير" فإن متناولها الذات فهي قوية في العمل. قوله: "لضعف شبههما بأفعال القلوب" أي غيرهما أي فلا يضم إليه وإلى ضعفهما الحاصل لغيرهما أيضا من أفعال القلوب وهو ما ذكره الشارح آنفا ضعف آخر وهو دخول الإلغاء والتعليق لئلا يجتمع على الكلمة ثلاث مضعفات، فلا يقال إن تعليل الشارح يقتضي ثبوت التعليق والإلغاء فيهما بالأولى. قوله: "كذا تعلم" قال الدماميني هذا مذهب الأعلم وذهب غيره إلى أنها تتصرف وهو الصحيح حكى ابن السكيت تعلمت أن فلانا خارج قال سم وقياس تصرفها أن يدخلها الإلغاء والتعليق. قوله: "ألزما ماض مجهول إلخ" يلزم على هذا الإعراب تقديم معمول الخبر الفعلي وفيه خلاف والبصريون يجيزونه ولو رفع الأمر على أنه مبتدأ أول وهب مبتدأ ثان وقد ألزما خبر المبتدأ الثاني والرابط محذوف تقديره ألزمه لسلم من ذلك.
قوله: "ولغير الماض" مفعول ثان لأجعل ومن سواهما حال لازمة من غير أتى به لبيان الواقع أي اجعل كل الأحكام التي علمت للماضي ثابتة لغير الماضي حالة كونه جائيا من سوى هب وتعلم. قوله: "وهو المضارع إلخ" نبه بالحصر على أن دخول الصفة المشبهة وأفعل التفضيل وفعل التعجب غير مراد لأن الأولى لا تصاغ إلا من لازم والأخيرين لا ينصبان مفعولين وما نقله البعض عن البهوتي وأقره من التعليل بأنهما لا يصاغان من فعل قلبي لا يخفى بطلانه إذ لا يمنع أحد زيد أعلم من عمرو وما أعلم زيدا. قوله: "ومن جواز الإلغاء" أي في غير المصدر أما فيه فيجب الإلغاء إذا تقدم عليه مفعولاه أو أحدهما لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه كما سيأتي أو المراد بالجواز ما قابل الامتناع فيصدق بالوجوب. قوله: "في القلبي" قيد به لإخراج أفعال التصيير الداخلة في قوله سابقا من أفعال الباب. قوله: "وتعليقه" إن عطف على جواز فلا(2/37)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالفعل بل في حال توسطه أو تأخره، وصدق ذلك بثلاث صور: الأولى أن يتوسط الفعل بين المفعولين، والإلغاء والإعمال حينئذ سواء كقوله:
344- شجاك أظن ربع الظاعنين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إشكال أو على الإلغاء فالمراد بالجواز ما قابل الامتناع فيصدق بالوجوب فلا ينافي ما سيأتي من أن التعليق لازم عند وجود المعلق لا جائز أو المراد بجوازه جواز الإتيان بسببه وهو المعلق. قوله: "بل في حال توسطه أو تأخره" لكن يقبح الإلغاء إذا أكد الفعل بمصدر لمنافاة تأكيده لإلغائه ويقل إذا أكد باسم إشارة أو ضمير عائدين إلى المصدر المفهوم منه نحو زيد ظننت ذاك أي الظن منطلق وزيد ظننته أي الظن منطلق، ورأيت بخط الشنواني على هامش شرح التسهيل للدماميني نقلا عن سم ما نصه ذكر المرادي أن لجواز الإلغاء هنا قيدين أهملهما المصنف: أحدهما أن لا تدخل لام الابتداء على الاسم فإن دخلت نحو لزيد قائم ظننت وجب الإلغاء. الثاني أن لا ينفى الفعل فإن نفى امتنع فيمتنع نحو زيد قائم لم أظن لبناء الكلام على النفي، ولم يتعرض المصنف ولا غيره من أتباعه لهذا الذي ذكره المرادي وهو محل نظر إذ قد يدفع الأول بأنه لا حاجة لاستدراكه لأنه من باب التعليق إذ الظاهر أن تأخير الفعل مع وجود المعلق لا يمنع من التعليق ويدفع الثاني بمنعه وقد يؤيد. ا. هـ. أي يؤيد منعه بعدم منافاة بناء الكلام على النفي للإلغاء وبقول الشاعر:
وما إخال لدينا منك تنويل
على ما فيه وما نقله المرادي نقله السيوطي في نكته عن أبي حيان شيخ المرادي. قال سم وينبغي أن يكون كاللام غيرها من المعلقات. ا. هـ. وقد تصرف البعض في عبارة السيوطي بلا فهم صحيح فوقع في الخلل حيث قال عقب الشرط الأول فلا يجوز لزيد قائم ظننت ولا لزيد ظننت قائم. قوله: "وصدق ذلك" أي قول المصنف لا في الابتدا لأن المراد بالابتداء أن لا يسبق على الفعل شيء كما هو صريح صنيع الشارح بعد. قوله: "سواء" أي لأن العامل اللفظي لما ضعف بالتوسط قاومه العامل المعنوي الذي هو الابتداء وقيل الأعمال أقوى لأن اللفظي أقوى وإن توسط ورجحه في التوضيح وكل من التعليلين لا يجري في نحو قول الشاعر شجاك إلخ على تقرير الشارح الآتي إذ ليس فيه على تقريره عامل معنوي كما ستعرفه وإنما يجريان في نحو زيد ظننت قائم. قوله: "شجاك" أي أحزنك ربع الظاعنين أي منزل الراحلين. قوله: "يروى برفع ربع إلخ" مفاد كلام الشارح تعين الإلغاء على رفع ربع وتعين الأعمال على نصبه وأن جوازهما عند عدم
__________
344- عجزه:
ولم تعبأ بعذل العاذلينا
والبيت من الوافر، وهو بلا نسبة في تخليص الشواهد ص446؛ والدرر 2/ 261؛ وشرح شواهد المغني 2/ 806؛ ومغني اللبيب 1/ 378؛ والمقاصد النحوية 2/ 419؛ وهمع الهوامع 1/ 153.(2/38)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يروى برفع ربع على أنه فاعل شجاك أي أحزنك، وأظن لغو وبنصبه على أنه مفعول أول لأظن، وشجاك المفعول الثاني مقدم. الثانية أن يتأخر عنهما والإلغاء حينئذ أرجح كقوله:
345- آت الموت تعلمون فلا ير ... هبكم من لظى الحروب اضطرام
الثالثة أن يتقدم عليهما ولا يبتدأ به بل يتقدم عليه شيء نحو متى ظننت زيدًا قائمًا والأعمال حينئذ أرجح. وقيل واجب. ولا يجوز إلغاء المتقدم خلافًا للكوفيين والأخفش
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التزام واحد بعينه من الرفع والنصب وهو كلام صحيح لا ينبغي أن يقع فيه خلاف بين بصري وكوفي. وأما قول المصنف في تسهيله وإلغاء ما بين الفعل ومرفوعه جائز لا واجب خلافا للكوفيين فالظاهر عندي أن مراده بمرفوع الفعل ما يصلح مرفوعا له لا المرفوع له بالفعل، وكيف يدّعي أحد جواز الإلغاء مع فرض ما قبل العامل فعلا وما بعده مرفوعا به على الفاعلية. وبما ذكرناه يعلم ما في كلام البعض فافهم ولا تغفل. قوله: "وأظن لغو" فهو مع فاعله جملة معترضة كما في المغني والجملة المعترضة تقع بين الفعل وفاعله والمبتدأ وخبره فاعتراض البعض بأنه يلزم على الإلغاء المذكور الفصل بين الفعل ومرفوعه بأجنبي مدفوع.
قوله: "وشجاك المفعول الثاني" أي جملة في محل نصب مفعول ثان وجعل الدماميني وغيره شجا في البيت اسما مضافا إلى الكاف لا فعلا ماضيا، والشجا الحزن. والمعنى أن سبب حزنك ربع الأحبة الظاعنين أي المرتحلين باعتبار ما تثيره عندك رؤيته خاليا منهم من لوعة الفراق وتذكر أوقات الأنس الفائتة. قوله: "أن يتأخر عنهما" وجملته حينئذٍ استئنافية كما في المغني. قوله: "فلا يرهبكم" بفتح الياء والهاء أو بضم الياء وكسر الهاء أي يخفكم اضطرام أي اشتعال. قوله: "بل يتقدم عليه شيء" أي سواء صلح لأن يكون معمول الخبر كمتى في المثال أو لم يصلح كأني في البيت الآتي كما يدل عليه قول الشارح الآتي نعم يجوز إلخ. وإنما جوّز تقدم ذلك الإلغاء لتنزيله منزلة تقدم معمول الفعل وفي كلام شيخنا وغيره تقييد الشيء المتقدم بأن لا يكون معمولا للفعل فإن كان معمولا له كمتى في المثال إن جعل معمولا للفعل لا للخبر امتنع الإلغاء عند البصريين لأن المتقدم على ظن حينئذٍ معمولها فهي في الحقيقة في الابتداء بخلاف معمول الخبر لأنه أجنبي من الفعل إذ معمول المعمول ليس بمعمول. قوله: "وقيل واجب" لأن العبرة في الابتداء بالفعل بوقوعه قبل المفعولين وإن سبقه شيء غيرهما. قوله: "ولا يجوز إلغاء المتقدم" هذا بيان لمفهوم قوله لا في الابتداء ودخول على المتن، والمراد المتقدم على المفعولين وغيرهما بأن لا يتقدم عليه شيء كما يدل عليه كلامه قبل لكن ينافيه تمثيله بعد لموهم إلغاء المتقدم بالبيتين الآتيين لأن الفعل فيهما مسبوق بشيء وإنما يكون هذا التمثيل مناسبا
__________
345- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في تخليص الشواهد ص445؛ والمقاصد النحوية 2/ 402.(2/39)
في موهم إلغاء ما تقدما ... والتزم التعليق قبل نفي ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وانو ضمير الشأن" ليكون هم المفعول الأول، والجزءان جملة في موضع المفعول الثاني "أو" انو "لام ابتدا" لتكون المسألة من باب التعليق "في موهم إلغاء ما تقدما" كقوله:
346- أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما إخال لدينا منك تنويل
وقوله:
347- كذاك أدبت حتى صار من خلقي ... أني رأيت ملاك الشيمة الأدب
فعلى الأول التقدير إخاله ورأيته أي الشأن، وعلى الثاني لملاك وللدينا. فالفعل عامل على التقديرين. نعم يجوز أن يكون ما في البيتين من باب الإلغاء لتقدم ما في الأول وإني في الثاني على الفعل، ولكن الأرجح خلافه كما عرفت، فالحمل على ما سبق أولى "والتزم التعليق" عن العمل في اللفظ إذا وقع الفعل قبل شيء له الصدر كما إذا وقع "قبل نفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لو حمل تقدم الفعل على تقدمه على المفعولين وإن سبق بشيء غيرهما مما يتعلق بالجملة ويمكن أن يعمم في قول المصنف وانو إلخ بأن يراد انو وجوبا وذلك إذا لم يسبق الفعل بشيء وباعتبار هذا القسم اتجه الدخول على المتن بقوله ولا يجوز إلخ، أو استحسانا وذلك إذا سبق بشيء غير مفعوليه وإن اقتصر الشارح في التمثيل على القسم الثاني وقد يؤيد هذا قوله نعم يجوز إلخ فتأمل.
قوله: "وآمل" من عطف المرادف ولا يكون إلا بالواو كما قاله زكريا وغيره. قوله: "تنويل" أي إعطاء. قوله: "كذاك" أي مثل الأدب المذكور. وقوله ملاك الشيمة بكسر اليم وفتحها ما يقوم به. والشيمة بالكسر الخلق. قوله: "فالفعل عامل على التقديرين" لكنه على تقدير ضمير الشأن عامل في محل كل من المفعولين على حدته أعني ضمير الشأن المقدر والجملة بعده وعلى تقدير لام الابتداء عامل في محل الجملة السادة مسد المفعولين. قوله: "نعم يجوز إلخ" استدراك على ما يوهمه التمثيل بالبيتين من أنه لا يصح أن يكون من باب الإلغاء. قوله: "كما عرفت" أي من قوله والإعمال حينئذٍ أرجح وقيل واجب. قوله: "فالحمل على ما سبق" أي حمل البيتين على نية ضمير الشأن أو لام الابتداء. قوله: "نفي ما" أي ما النافية فلا حاجة لقول الشارح النافية. قوله: "لقد علمت ما هؤلاء ينطقون" جملة هؤلاء ينطقون لفظها واحد قبل التعليق وبعده وإنما
__________
346- البيت من البسيط، وهو لكعب بن زهير في ديوانه ص62، وخزانة الأدب 11/ 311؛ والدرر 1/ 172، 2/ 259؛ وشرح التصريح 1/ 258؛ وشرح عمدة الحافظ ص258؛ والمقاصد النحوية 2/ 412؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 67؛ وشرح ابن عقيل ص220؛ وهمع الهوامع 1/ 53، 153.
347- البيت من البسيط وهو لبعض الفزاريين في خزانة الأدب 9/ 139، 143، 10/ 335؛ والدرر 2/ 257؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 133؛ وأوضح المسالك 2/ 65؛ وتخليص الشواهد ص449؛ وشرح التصريح 1/ 258؛ وشرح ديوان الحماسة للمزروقي ص1146؛ وشرح عمدة الحافظ ص249؛ وشرح ابن عقيل ص221؛ والمقاصد النحوية 2/ 411، 3/ 89؛ والمقرب 1/ 117؛ وهمع الهوامع 1/ 153.(2/40)
وإن لا لام ابتداء أو قسم ... كذا والاستفهام ذا له انحتم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما" النافية نحو: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: 65] ، "وإن ولا" النافيتين في جواب قسم ملفوظ أو مقدر نحو علمت والله أن زيد قائم، وعلمت أن زيد قائم، وعلمت والله لا زيد في الدار ولا عمرو، وعلمت لا زيد في الدار ولا عمرو ,"لام ابتداء أو" لام جواب "قسم كذا" نحو: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} [البقرة: 102] ، وكقوله:
348- ولقد علمت لتأتين منيتي ... إن المنايا لا تطيش سهامها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفرق بينهما أن المحل للجملة السادة مسد المفعولين بعد التعليق ولكل من جزأيها قبله قاله يس. قوله: "وإن" أي سواء كانت عاملة أو مهملة وإن لم يمثل الشارح إلا للمهملة. قوله: "ولا" أي سواء كانت عاملة عمل إن أو عمل ليس أو مهملة وإن اقتصر الشارح في التمثيل على المهملة وقيدها شارح اللباب بالنافية للجنس.
قوله: "في جواب قسم" قيل الصحيح أنه ليس بقيد لكن في المغني ما يظهر به وجه التقييد حيث نقل فيه أن الذي اعتمده سيبويه أن لا النافية إنما يكون لها الصدارة حيث وقعت في صدر جواب القسم. وقال في محل آخر لا النافية في جواب القسم لها الصدر لحلولها محل ذوات الصدر كلام الابتداء وما النافية. ا. هـ. وإن كلا. قوله: "علمت والله إن زيد قائم" جواب القسم مع الفعل المقدر وهو أقسم في محل نصب سد مسد المفعولين. وقولهم جواب القسم لا محل له إذا لم يضم إلى غيره كما هنا ولا يضر وقوع المعلق بالكسر في غير صدر الجملة المعلقة، أما على القول بعدم اشتراط ذلك فظاهر وأما على الاشتراط فلأن المقصود بالقسم تأكيد الجواب فهو معه كالشيء الواحد فالمتقدم عليه كالمتقدم على القسم هذا ما قالوه. ولقائل أن يقول العلم إنما تعلق بمضمون جملة الجواب فقط فهي التي في محل نصب سدت مسد المفعولين ولا يرد أن جملة الجواب لا محل لها لجواز أن يكون لها محل باعتبار التعليق ولا يكون لها باعتبار الجواب كما جوز المصرح في قول الناظم في باب إعراب الفعل وستره حتم نصب أن الجملة حالية معترضة ولها محل من حيث إنها حالية ولا محل لها من حيث أنها معترضة ولا منافاة أو يخصص قولهم جملة الجواب لا محل لها بما إذا لم يتسلط عليها عامل فاعرفه.
قوله: "لام ابتداء" مبتدأ خبره كذا أي كنفي ما وإن ولا. قوله: "نحو ولقد علموا إلخ" اللام الأولى لام القسم ولا شاهد فيها والثانية لام الابتداء وفيها الشاهد، ومن مبتدأ أول وخلاق
__________
348- البيت من الكامل، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص308؛ وتخليص الشواهد ص453؛ وخزانة الأدب 9/ 159، 161؛ والدرر 2/ 263؛ وشرح شواهد المغني 2/ 828؛ والكتاب 3/ 110؛ والمقاصد النحوية 2/ 405؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 61؛ وخزانة الأدب 10/ 334؛ وسر صناعة الإعراب ص400؛ وشرح شذور الذهب ص471؛ وشر قطر الندى ص176؛ ومغني اللبيب 2/ 401، 407؛ وهمع الهوامع 1/ 154.(2/41)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"والاستفهام ذا" الحكم "له انحتم" سواء كان بالحرف نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109] ، أم بالاسم سواء كان الاسم مبتدأ نحو: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} [الكهف: 12] ، {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا} [طه: 71] ، أم خبرًا نحو علمت متى السفر، أم مضافًا إليه المبتدأ نحو علمت أبو من زيد أم فضلة نحو: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] ، فأي نصب على المصدر بما بعده أي ينقلبون منقلبًا أي انقلاب، وليس منصوبًا بما قبله لأن الاستفهام له الصدر فلا يعمل فيه ما قبله.
تنبيهات: الأول إذا كان الواقع بين المعلق والمعلق غير مضاف نحو علمت زيدًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مبتدأ ثان مجرور بمن الزائدة وله خبره والجملة خبر من، وجملة من اشتراه إلخ في محل نصب سدت مسد المفعولين. قوله: "ولقد علمت لتأتين إلخ" اللام الأولى للتأكيد والثانية لام جواب القسم كما قاله العيني وجملة القسم المقدرة وجوابه في محل نصب سدت مسد المفعولين على ما قيل وفيه ما مر ولك جعل اللام الأولى لام جواب قسم آخر بأن يكون أقسم على العلم وأقسم على الإتيان. قوله: "والاستفهام" أي ولو بهل على الصحيح كما بسطه الدماميني. قوله: "ذا الحكم" أي التعليق لالتزامه لقوله انحتم. قوله: "وإن أدري إلخ" أي ما أدري جواب هذا السؤال، وما توعدون مبتدأ خبره ما قبله أو فاعل بقريب لاعتماده على استفهام أو ببعيد على التنازع والجملة على كل في محل نصب بأدري. قوله: "أحصى" فعل ماض وقيل اسم تفضيل على غير قياس لأنه من رباعي. ورده في المغني بأن الأمد ليس محصيا بل محصى وشرط التمييز المنصوب بعد أفعل كونه فاعلا في المعنى كزيد أكثر مالا واللام على الأول زائدة وعلى الثاني للتعدية. قوله: "أم مضافا إليه المبتدأ" أي أو الخبر نحو علمت صبيحة أي يوم سفرك. قوله: "أبو من" أبو اسم استفهام مبتدأ مضاف إلى من فقول الشارح أو مضافا إليه المبتدأ هو بالنظر للأصل وإلا فاسم الاستفهام بعد الإضافة هو أبو كما مر. لا يقال ما له الصدر لا يعمل فيه ما قبله فكيف عمل أبو في من لأنا نقول محل ذلك إذا لم يكن العامل جارا.
قوله: "فأي نصب على المصدر إلخ" عبارة الفارضي فأي اسم استفهام مفعول مطلق منصوب بينقلبون وهو مقدم من تأخير لأن الأصل ينقلبون أي منقلب يعني أي انقلاب فقدم لأن له صدر الكلام. قوله: "منقلبا أي انقلاب" يوهم أن أيا صفة لمصدر محذوف وهو ينافي ما أسلفه من كونها استفهامية لأن الاستفهامية لا تكون صفة كما أن الصفة لا تكون استفهامية كما نص عليه الشمني. قوله: "فلا يعمل فيه ما قبله" ما لم يكن حرف جر نحو ممن أخذت وبم جئت وعم تسأل وعلى أي حال أتيت أو مضافا نحو غلام من أنت. قوله: "جاز نصبه" أي على أنه مفعول أول والجملة بعده مفعول ثان وهذه الصورة مستثناة من كون التعليق واجبا وليس من ذلك أرأيت زيدا أبو من هو بمعنى أخبرني عن زيد لأن زيدا منصوب بنزع الخافض وجوبا(2/42)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من هو جاز نصبه وهو الأجود لكونه غير مستفهم به ولا مضاف إلى مستفهم به، وجاز أيضًا رفعه لأنه المستفهم عنه في المعنى، وهذا شبيه بقولهم أن أحدًا لا يقول ذلك، فأحدًا هذا لا يستعمل إلا بعد نفي وهنا قد وقع قبل النفي لأنه والضمير في لا يقول شيء واحد في المعنى، الثاني من المعلقات أيضًا لعل نحو: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} [الأنبياء: 111] ، ذكر ذلك أبو علي في التذكرة. ولو الشرطية كقوله:
349- وقد علم الأقوام لو أن حاتمًا ... أراد ثراء المال كان له وفر
وإن التي في خبرها اللام نحو علمت أن زيدًا لقائم، ذكر ذلك جماعة من المغاربة، والظاهر أن المعلق إنما هو اللام لا إن، إلا أن ابن الخباز حكى في بعض كتبه إنه يجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والجملة بعده مستأنفة ولا تعليق، فإن وقع بعد التاء كاف فهي حرف خطاب. قال الشهاب في حواشي البيضاوي: استعمال أرأيت بمعنى أخبرني مجاز ووجه المجاز أنه لما كان العلم بالشيء وابصاره سببا للإخبار عنه استعمل رأي التي بمعنى علم أو أبصر في الإخبار والهمزة التي للاستفهام عن الرؤية في طلب الاخبار لاشتراكهما في مطلق الطلب ففيه مجازان. ا. هـ. باختصار.
قوله: "وهو الأجود" وعليه فالتعليق ليس إلا عن المفعول الثاني، وقد نقل الدماميني عن صاحب الانتصاف أنه قال التعليق عن أحد المفعولين فيه خلاف وعن صاحب التقريب أنه استشكل وقوع الجملة الاستفهامية مفعولا ثانيا بأنه لا معنى لقولك علمت زيدا جواب هذا الاستفهام ويمكن دفعه بتقدير متعلق بدل جواب. قوله: "أيضا" لعل أيضا مقدمة من تأخير ويختص تعليقها بدرى فلا تعلق غيره كما في الجامع وشرحه. ومنها كم الخبرية أيضا كما قاله الزمخشري وأيده صاحب المغني في الجملة السادسة من الباب الخامس، بل قال الدماميني إنما سكت عنها النحويون استغناء بتصريحهم بأن لها الصدر كالاستفهامية إذ كل ما له الصدر يعلق، نعم لا تعلق على ما حكاه الأخفش عن بعض العرب من عدم التزام صدارتها وقال إنه لغة رديئة. قوله: "لو أن حاتما" أي ومعمولاها فاعل ثبت محذوفا وثراء المال بالفتح والمد كثرته والوفر الكثير. قوله: "في خبرها" أو اسمها المتأخر نحو علمت. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} [آل عمران: 13] ، أو معمول خبرها نحو علمت أن زيدا لفي الدار قائم. قوله: "والظاهر أن المعلق إنما هو اللام" يفيد أن المعلق لا يشترط أن يكون في صدر الجملة المعلق عنها وقد يقال أن اللام حقها في الأصل صدر الجملة لكن زحلقت عنه كراهة توالي حرفي توكيد كما مر فهي مصدرة حكما نقله شيخنا.
__________
349- البيت من الطويل، وهو لحاتم الطائي في ديوانه ص202؛ والأغاني 17/ 276، 295؛ وأمالي الزجاجي ص209؛ وخزانة الأدب 4/ 213؛ والدرر 2/ 264؛ والشعر والشعراء 1/ 253؛ ولسان العرب 4/ 548 "عذر" 4/ 110 "ثرا"؛ وهمع الهوامع 1/ 154؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص789؛ وشرح شذور الذهب ص473.(2/43)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
علمت أن زيدًا قائم بالكسر مع عدم اللام وأن ذلك مذهب سيبويه، فعلى هذا المعلق إن، الثالث قد عرفت أن الإلغاء سبيله عند وجود سببه الجواز، والتعليق سببه الوجوب، وأن الملغي لا عمل له ألبته والمعلق عامل في المحل حتى يجوز العطف بالنصب على المحل كقوله:
350- وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ... ولا موجعات القلب حتى تولت
يروى بنصب موجعات بالكسر عطفًا محل قوله ما البكا. ووجه تسميته تعليقا أن العامل ملغى في اللفظ عامل في المحل فهو عامل لا عامل فسمي معلقًا أخذًا من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فعلى هذا المعلق إن" أي ولا يحتاج إلى ما سبق من اشتراط وجود اللام في خبرها لأن إن أيضا لها الصدارة قال سم. لعل التعليق هنا جائز لا واجب فيستثنى من وجوب التعليق ونقل عن غيره أنه واجب فلا استثناء ولك أن تقول معنى تجويز سم التعليق هنا أنه لا يتعين كسر إن وتعليق الفعل بها بل يجوز الفتح وجعل الفعل غير معلق. ومعنى إيجاب غيره التعليق أنه يتعين ما دام كسر إن فلا خلاف في الحقيقة. قوله: "الجواز" أي في غير المصدر أما إذا كان الملغى مصدرا متوسطا أو متأخرا فالغاؤه واجب لأن المصدر لا يعمل في متقدم نحو زيد قائم ظني غالب وزيد ظني غالب قائم، وفي غير اقتران المفعول الأول المقدم على عامله بلام الابتداء فالإلغاء حينئذٍ واجب على ما مر. قوله: "والمعلق عامل في المحل" أي في محل الجملة بعد أن كان عاملا في لفظ كل من الجزأين أو في محله. قوله: "حتى يجوز إلخ" حتى ابتدائية تفريعية فالفعل بعدها واجب الرفع. ويستفاد من جواز العطف بالنصب على المحل أن المعلق إنما يمنع العمل بالنسبة للجملة التي اتصل بها لا بالنسبة لتوابعها وأن العطف على المحل جائز لا واجب. قوله: "كقوله وما كنت إلخ" قال الدماميني ليس بقاطع لاحتمال أن تكون ما زائدة والبكاء مفعول به أو أن الأصل ولا أدري موجعات القلب فيكون من عطف الجمل. ا. هـ. ولا يخفى كفاية الظواهر في أمثال هذه المقامات.
قوله: "ولا موجعات" عطف على محل ما البكا، ولا بد من تقدير ما هي بعد موجعات القلب أو اعتبار أن موجعات القلب في معنى الجملة أي ولا موجعات لقلبي وإلا لزم عمل أدري في مفعول واحد وهو لا يجوز على ما مر فيشترط على المشهور في المعطوف على المحل أن يكون جملة في الأصل لفظا نحو علمت لزيد قائم وبكرا قاعدا أو تقديرا نحو الذي مرّ على الوجه الأول فيه أو معنى نحو علمت لزيد قائم وغير ذلك من أموره لأنه بمعنى وزيدا متصفا بغير
__________
350- البيت من الطويل، وهو لكثير عزة في ديوانه ص95؛ وخزانة الأدب 9/ 144؛ وشرح التصريح 1/ 257؛ وشرح شذور الذهب ص475؛ وشرح شواهد المغني ص813، 824؛ وشرح قطر الندى ص178؛ ومغني اللبيب ص419؛ والمقاصد النحوية 2/ 408؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 64.(2/44)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المرأة المعلقة التي لا مزوجة ولا مطلقة. ولهذا قال ابن الخشاب لقد أجاد أهل هذه الصناعة في هذا اللقب لهذا المعنى. الرابع قد ألحق بأفعال القلوب في التعليق أفعال غيرها نحو: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: 19] {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ، بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 6] ، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} [الأعراف: 184] ، {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [الذاريات: 12] ، {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} [يونس: 53] ، ومنه ما حكاه سيبويه من قولهم: أما ترى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك ونحو الذي مر على الوجه الثاني فيه فلا يجوز علمت لزيد قائم وعمرا بدون تقدير. وبهذا التحقيق يعلم ما في كلام البعض. قوله: "من المرأة المعلقة" أي المفقود زوجها فقوله لا مزوجة أي بحسب الصورة. قوله: "ولهذا" أي لشبه المعلق بالمرأة المذكورة. قوله: "بأفعال القلوب" أي الناصبة للمفعولين، وقوله أفعال غيرها أي غير أفعال القلوب الناصبة لهما بأن كان فعلا غير قلبي كما في الأمثلة غير أو لم يتفكروا إلخ أو فعلا قلبيا غير ناصب لهما بل لواحد فقط كنسى وعرف ولم يمثل له الشارح أولا لشيء أصلا أصلا كما في أو لم يتفكروا ويختص التعليق في القسم الأول أعني غير القلبي بالاستفهام بخلاف القلبي هذا هو المناسب لتمثيل الشارح والمغني بقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} [الأعراف: 184] ، بناء على الظاهر كما قاله الشمني أن ما فيه لكن في التسهيل والهمع تخصيص تعليق هذه الأفعال الملحقة بالاستفهام وعليه يكون الوقف على قوله أو لم يتفكروا وما بعده استئناف. قال الشمني وقيل ما استفهامية بمعنى النفي أي أي شيء بصاحبكم من الجنون أي ليس به شيء منه. ا. هـ. وعليه لا مخالفة فتأمل.
فائدة: الجملة بعد المعلق سادة مسد المفعولين إن كان يتعدى إليهما ولم ينصب الأول فإن نصبه سدت مسد الثاني نحو علمت زيدا أبو من هو وإن لم يتعد إليها فإن كان يتعدى بحرف الجر فهي في موضع نصب بإسقاط الجار نحو فكرت أهذا صحيح أم لا وإن كان يتعدى إلى واحد سدت مسده نحو عرفت أيهم زيد فإن كان مفعوله مذكورا نحو عرفت زيدا أبو من هو فقال جماعة الجملة حال. ورد بأن الجملة الإنشائية لا تكون حالا. وقال آخرون بدل فقيل بدل كل بتقدير مضاف أي عرفت شأن زيد، وقيل بدل اشتمال ولا حاجة إلى تقدير. وقال الفارسي مفعول ثان لعرفت بتضمينه معنى علمت واختاره أبو حيان كذا في الهمع ومثله في المغني وزاد أن القول الأخير رد بأن التضمين لا ينقاس، وهذا التركيب مقيس ورجح في محل آخر القول بالبدلية قال وعلى تضمين عرف معنى علم هل يقال الفعل معلق أم لا؟ قال جماعة من المغاربة إذا قلت علمت زيد لا أبوه قائم أو ما أبوه قائم فالعامل معلق عن الجملة عامل في محلها النصب على أنه مفعول ثان وخالف بعضهم لأن حكم الجملة في مثل هذا أن تكون في موضع نصب وأن لا يؤثر العامل في لفظها وإن لم يوجد معلق نحو علمت زيد أبوه قائم.
قوله: "أو لم يتكفروا إلخ" ما نافية على ما مر والجنة الجنون وتفكر لازم علق بما عن(2/45)
لعلم عرفان وظن تهمه ... تعدية لواحد ملتزمه
ولرأى الرؤيا انم ما لعلما ... طالب مفعولين من قبل انتمى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي برق ههنا "لعلم عرفان وظن تهمه تعدية لواحد ملتزمه" نحو: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78] ، أي لا تعرفون. وتقول سرق مالي وظننت زيدًا: أي اتهمته. واسم المفعول منه مظنون وظنين، قال الله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] أي بمتهم. وقد نبهت على استعمال بقية أفعال القلوب في غير ما يتعدى فيه إلى مفعولين كما رأيت. وإنما خص هو علم وظن بالتنبيه؛ لأنهما الاصل إذ غيرهما لا ينصب المفعولين إلا إذا كان بمعناهما. وأيضًا فغيرهما عند عدم نصب المفعولين يخرج عن القلبية غالبًا بخلافهما "ولرأي" التي مصدرها "الرؤيا" وهي الحلمية "انم" أي انسب "ما لعلما طالب مفعولين من قبل انتمى" أي انتسب. ما موصول صلته انتمى في موضع مفعول لا نم، وطالب حال من علم ولرأي متعلق بانم، ولعلما متعلق بانتمى، وكذلك من قبل، والتقدير أنسب لرأي التي مصدرها الرؤيا الذي انتسب لعلم متعدية إلى مفعولين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المجرور إذ الأصل أو لم يتفكروا فيما ذكر. قوله: "لعلم عرفان" من إضافة الدال للمدلول أي لهذه المادة الدالة على العرفان بأي صيغة كانت وكذا يقال فيما بعده، والجار والمجرور خبر تعدية، وملتزمة نعت تعدية، أو ملتزمة الخبر والجار والمجرور متعلق به. قوله: "تعدية لواحد ملتزمه" للفرق في المعنى بين علم العرفانية وعلم المتعدية إلى اثنين بأن الأولى تتعلق بنفس الشيء وذاته كعلمت زيدا أي عرفت ذاته، والثانية باتصاف الشيء بصفة كعلمت زيدا قائما أي عرفت اتصاف زيد بالقيام كالفرق بين عرف وعلم، فمعنى علمت أن زيدا قائم علمت اتصاف زيد بالقيام لا علمت حقيقة القيام المضاف إلى زيد في نفسه، ومعنى عرفت أن زيدا قائم عرفت القيام في نفسه لا اتصاف زيد به وبين المعنيين فرق ظاهر. هذا ما ذهب إليه ابن الحاجب وغيره. وقال الرضي: لا فرق بينهما في المعنى. والفرق في العمل إنما هو باختيار العرب ولا مانع من تخصيصهم أحد المتساويين معنى بحكم لفظي. قوله: "واسم المفعول منه" أما اسم المفعول من ظن التي للرجحان فمظنون فقط وأراد اسم المفعول في المعنى فلا يرد أن ظنينا ليس على وزن اسم المفعول. قوله: "في غير ما" أي التركيب أو ما واقعة على المعنى وفي في فيه سببية. قوله: "بالتنبيه" أي على استعمالهما في غير ما يتعديان فيه إلى المفعولين. قوله: "غالبا" احتراز من نحو وجد بمعنى حزن وحقد وحجا بمعنى بخل.
قوله: "بخلافهما" أي عند نصبهما مفعولا واحدا الذي نبه عليه المتن وإن عم ظاهر الشرح لزومهما أيضا فلا يرد علم إذا انشقت شفته العليا فإنه لازم. قوله: "التي مصدرها الرؤيا" حل معنى لا حل إعراب وما يلزمه من تغيير إعراب المتن مغتفر لأنه غير ظاهر. قوله: "وهي الحلمية" بضم الحاء نسبة إلى الحلم بضم فسكون وبضمتين كما في القاموس مصدر حلم بفتح اللام أي رأى في منامه. قوله: "من قبل" أي قبل ذكر علم العرفانية، وهو ظرف لغو متعلق بانتمى كما(2/46)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من الأحكام، وذلك لأنها مثلها من حيث الإدراك بالحس الباطن. قال الشاعر:
351- أبو حنش يؤرقني وطلق ... وعمار وآونه ثالا
أراهم رفقتي حتى إذا ما ... تجافى الليل وانخزل انخزالا
إذا أنا كالذي يجري لورد ... إلى آل فلم يدرك بلالا
فهم من أراهم مفعول أول، ورفقتي مفعول ثانٍ. وإنما قيد بقوله طالب مفعولين من قبل لئلا يعتقد أنه أحال على علم العرفانية. فإن قلت ليس في قوله الرؤيا نص على المراد إذ الرؤيا تستعمل مصدر الرأي مطلقًا حلمية كانت أو يقظية. قلت الغالب والمشهور كونها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سيذكره الشارح أتى به لمجرد الإيضاح ويصح كونه مستقرا حالا من علم. قوله: "من الأحكام" أي إلا التعليق والإلغاء خلافا للشاطبي كما في التصريح وغيره. قوله: "أبو حنش يؤرقني إلخ" أبو حنش وطلق وعمار وأثالة أشخاص فقوله، أثالا مرخم في غير النداء للضرورة. يؤرقني أي يسهرني وآونة جمع أوان وهو الحين أي الزمن كذا في القاموس. وقول البعض وأوان جمع آن مخالف للمنصوص مع كونه يرده أن فعالا ليس من صيغ الجموع وهو منصوب على الظرفية فصل به بين العاطف والمعطوف أعني أثالا. وإذا الأولى ظرفية شرطية والثانية فجائية، والليل الزمن المعروف ويجوز أن يكون أراد به النوم ومعنى تجافى زال وكذا معنى انخزل، واللام في لورد تعليلية والورد بالكسر المنهل أي الماء الذي يورد، والآل بالمد قال في المصباح هو الذي يشبه السراب. ا. هـ. والصراف كما في القاموس ما تراه نصف النهار كأنه ماء. وقال في القاموس الآل السراب أو خاص بما في أول النهار. ا. هـ. والبلال بالكسر ما يبل به الحلق من ماء وغيره وأراد به هنا الماء. وبحث الدماميني في الاستشهاد بذلك بأن القصد أنه رأي ذواتهم لا كونهم رفقته لأنه محقق ليس الكلام فيه، وجعل رفقتي حالا وضعف بأن رفقتي معرفة والحال لا يكون معرفة. وأجيب بأن الرفقة بمعنى المرافقين فهو بمعنى اسم الفاعل وإضافته غير محضة. ولك أن تقول المحقق كونهم رفقته في اليقظة لا كونهم رفقته في المنام الذي كلام الشاعر فيه فلا يرد البحث.
قوله: "وإنما قيد بقوله إلخ" ظاهر صنيعه أن من قبل ظرف مستقر حال وهو يخالف ما قدمه من أنه لغو متعلق بانتمى. قوله: "أو يقظية" في تعبيره باليقظة دون البصرية إشعار بأن الرؤيا قد تكون مصدرا لرأي العلمية والبصرية. هذا ومذهب الحريري والمصنف أن الرؤيا لا تكون إلا مصدر الحلمية وعليه لا إشكال. قوله: "الغالب إلخ" أي وأما الرؤية بالتاء فالغالب كونها مصدر
__________
351- البيت من الوافر، وهو لابن أحمر في ديوانه ص129؛ والحماسة البصرية 1/ 262؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 487؛ والكتاب 2/ 270؛ ولسان العرب 6/ 289 "حنش"؛ والمقاصد النحوية 2/ 421؛ وبلا نسبة في الأزمنة والأمكنة 1/ 240؛ والإنصاف 1/ 354؛ وتخليص الشواهد ص455؛ والخصائص 2/ 278؛ وشراح ابن عقيل ص223.(2/47)
ولا تجز هنا بلا دليل ... سقوط مفعولين أو مفعول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر للحلمية "ولا تجز هنا" في هذا الباب "بلا دليل سقوط مفعولين أو مفعول" ويسمى اقتصارًا. أما الثاني فبالإجماع وفي الأول وهو حذفهما معًا اقتصارًا خلاف: فعن سيبويه والأخفش المنع مطلقًا كما هو ظاهر إطلاق النظم. وعن الأكثرين الجواز مطلقًا تمسكًا بنحو: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم: 35] ، أي يعلم: {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح: 12] وقولهم من يسمع يخل، وعن الأعلم الجواز في أفعال الظن دون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رأي البصرية ورأي العلمية. قال في القاموس الرؤية النظر بالعين وبالقلب. قوله: "في هذا الباب" لانعدام الفائدة بانعدامهما أو انعدام أحدهما أما في الثاني فظاهر وأما في الأول فلأن الشخص لا يخلو عن ظن أو علم بخلاف المفعول في غيره فيجوز حذفه بدليل وبلا دليل لحصول الفائدة مطلقا وينبغي أن محل امتناع الحذف إذا أريد الاخبار بحصول مطلق ظن أو علم، أما إذا أريد ظننت ظنا عجيبا أو عظيما أو نحو ذلك أو أريد إعلام السامع بتجدد الظن أو العلم أو إبهام المظنون أو المعلوم لنكتة فينبغي الجواز أفاده الروداني. ومما يجوز الحذف أيضا تقييد الفعل بظرف أو جار ومجرور نحو ظننت في الدار أو ظننت لك لحصول الفائدة حينئذٍ نص عليه في التسهيل.
قوله: "ويسمى اقتصارا" أي يسمى الحذف بلا دليل اقتصارا للاقتصار على نسبة الفعل إلى الفاعل بتنزيله منزلة اللازم في صورة حذف المفعولين وعلى أحد المفعولين لتنزيله منزلة المتعدي إلى واحد في صورة حذف أحدهما. فعلم أن الاقتصار للتنزيل المذكور ولا ينافي ذلك نص البيانيين على أن المنزل منزلة اللازم لا مفعول له لأن نظرهم إلى المعاني الحاصلة في الحال ونظر النحاة إلى الألفاظ بحسب الوضع تعديا ولزوما ووافق في المعنى البيانيين، ويحتمل أن الاقتصار لا للتنزيل بل مع ملاحظة المفعولين من غير إقامة دليل عليهما والمتجه عندي ضعف القول بالمنع على احتمال التنزيل وضعف القول بالجواز على احتمال الملاحظة وأن الأولى الجمع بين القولين بتوزيعهما على الاحتمالين فاحفظه. قوله: "أما الثاني فبالإجماع" إنما أجمع هنا واختلف فيما بعده لأن المفعول حقيقة مضمون المفعولين كقيام زيد في ظننت زيدا قائما فحذف أحدهما كحذف جزء الكلمة وحذف الكلمة بتمامها كثير بخلاف حذف جزئها. ومثله يقال في الحذف لدليل. وإنما أجمع على منع حذف أحدهما اقتصارا. واختلف في حذف أحدهما اختصارا لأن المحذوف لدليل كالمذكور ولهذا أجمع على جواز حذفهما اختصارا واختلف في حذفهما اقتصارا.
قوله: "مطلقا" أي في أفعال العلم وأفعال الظن فهو في مقابلة تفصيل الأعلم الآتي. قوله: "فهو يرى" أي ما يعتقده حقا وقد يقال كما في الروداني أن قوله تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ} [النجم: 35] ، يشعر بالمفعولين فحذفهما لدليل. قوله: "وظننتم ظن السوء" أي ظننتم انقلاب الرسول والمؤمنين إلى أهلهم منتفيا أبدا، وظن السوء مفعول مطلق. ولي في كون الحذف هنا لغير دليل نظر لأن قوله تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ(2/48)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أفعال العلم. أما حذفهما لدليل ويسمى اختصارًا فجائز إجماعًا نحو: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 22] وقوله:
352- بأي كتاب أم بأية سنة ... ترى حبهم عارًا علي وتحسب
وفي حذف أحدهما اختصارًا خلاف: فمنعه ابن ملكون وأجازه الجمهور من ذلك، والمحذوف الأول قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 180] ، في قراءة يحسبن بالياء آخر الحروف، أي ولا يحسبن الذي يبخلون ما يبخلون به هو خيرًا. ومنه -والمحذوف الثاني- قوله:
353- ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني منزلة المحب المكرم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ} [الفتح: 12] ، يشعر بالمفعولين أو بما سد مسدهما وهو أن لن ينقلب إلخ. قوله: "من يسمع يخل" أي مسموعه حقا وجعله جماعة كالرضي من الحذف لدليل. قال الروداني وينبغي أن لا يختلف في أنه الحق لظهور أن يسمع دليل على المفعول الأول وحال التخاطب دليل على الثاني. وما قيل لا دلالة فيه على الثاني قطعا مكابرة لمقتضى الذوق السليم. ا. هـ. ومنهم من تخلص عن ذلك بحمل جعله من الحذف لغير دليل على أن المعنى من يسمع خبرا يحصل له خيلة أي ظن بتنزيله منزلة اللازم. قوله: "وعن الأعلم الجواز في أفعال الظن" لكثرة فيها. ا. هـ. تصريح.
قوله: "تزعمون" التقدير تزعمونهم شركائي أو تزعمون أنهم شركائي جريا على الأكثر من تعدي زعم إلى أن وصلتها، ولا يرد أن الكلام في حذف المفعولين لا في حذف ما يسد مسدهما لأن ما يسد مسدهما بمنزلتهما. قوله: "وتحسب" جعل الواو بمعنى أو أبلغ في المعنى قاله الروداني. قوله: "ابن ملكون" ضبطه بعضهم بضم الميم فحرره. قوله: "هو خيرا" هو ضمير فصل والمفعول الأول محذوف قدره الشارح فيما يأتي ما يبخلون به ويصح تقديره بخلهم. قوله: "بالياء آخر الحروف" أما على قراءة الفوقية فالفعل استوفى مفعوليه مع تقدير مضاف أي ولا تحسبن بخل الذين يبخلون إلخ. قوله: "ولقد نزلت إلخ" كون البيت منه مبني على أن مني
__________
352- البيت من الطويل، وهو للكميت في خزانة الأدب 9/ 137؛ والدرر 2/ 253؛ وشرح التصريح 1/ 259؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص692؛ والمحتسب 1/ 183؛ والمقاصد النحوية 2/ 413، 3/ 112؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 69؛ وشرح ابن عقيل ص225؛ وهمع الهوامع 1/ 152.
353- البيت من الكامل، وهو لعنترة في ديوانه ص191؛ وأدب الكاتب ص613؛ والأشباه والنظائر 2/ 405؛ والاشتقاق ص38؛ والأغاني 9/ 212؛ وجمهرة اللغة ص591؛ وخزانة الأدب 3/ 227، 9/ 136؛ والخصائص 2/ 216؛ والدرر 2/ 254؛ وشرح شذور الذهب ص486؛ وشرح شواهد المغني 1/ 480؛ ولسان العرب 1/ 289 "حبب"؛ والمقاصد النحوية 2/ 414؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 70؛ وشرح ابن عقيل ص225؛ والمقرب 1/ 117؛ وهمع الهوامع 1/ 152.(2/49)
وكتظن اجعل تقول إن ولي ... مستفهمًا به ولم ينفصل
بغير ظرف أو كظرف أو عمل ... وإن ببعض ذي فصلت يحتمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي فلا تظني غيره واقعًا مني "وكتظن" عملًا ومعنى "اجعل" جوازًا "تقول" مضارع قال المبدوء بتاء الخطاب، فانصب به مفعولين "إن ولي مستفهمًا به" من حرف أو اسم "ولم ينفصل" عنه "بغير ظرف أو كظرف" وهو الجار والمجرور "أو عمل" أي معمول "وإن ببعض ذي" المذكورات "فصلت يحتمل" فمن ذلك حيث لا فصل قوله:
354- علام تقول الرمح يثقل عاتقي ... إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
متعلق بنزلت وهو الظاهر، أما على أنه مفعول ثان لتظن أي فلا تظني غيره كائنا مني فليس منه فقول الشارح أي لا تظني غيره واقعا مني موهم خلاف المراد والتاء مكسورة كما في التصريح ولعل ضمير غيره للنزول المفهوم من نزلت. والمحب المكرم بوزن اسم المفعول فيهما كما في التصريح. قوله: "وكتظن" مفعول ثان لا جعل ومفعوله الأول تقول. قوله: "عملا ومعنى" أي عند الجمهور وقيل عملا فقط وتظهر ثمرة الخلاف كما بحثه صاحب التصريح في الإلغاء والتعليق فيجريان فيه على الأول دون الثاني. قوله: "جوازا" فلذا تجوز الحكاية مع استيفاء الشروط الآتية لكن إذا حكي به كان بمعنى التلفظ كما في الروداني. قوله: "مضارع قال" وألحق به السيرافي. قلت بالخطاب والكوفيون قل بالأمر كما في التصريح. قوله: "بتاء الخطاب" أي لا بقيد الإفراد والتذكير. دماميني. قوله: "مستفهما به" أي عن الفعل أو عن غيره مما يتعلق به كما في الدماميني وغيره وإن اقتضى كلام بعضهم كالمصرح اشتراط كون الاستفهام عن الفعل فالثاني نحو علام تقول البيت فإن الاستفهام عن سبب القول لا عن القول ونحو:
متى تقول القلص الرواسما
البيت فإن متى ظرف ليدنين. قوله: "أي معمول"المراد به ما يعم المفعولين معا نحو أزيدا قائما تقول ومعمول المعمول نحو أهندا تقول زيدا ضاربا، والمعمول غير المفعول كالحال نحو أراكبا تقول زيدا آتيا أفاده سم. قوله: "وإن ببعض ذي" أي منفردا أو مجتمعا مع أحد أخويه أو معهما فالفصل بكلها كالفصل ببعضها على ما بحثه سم، قال لأن الأصل في ضم الجائز إلى الجائز الجواز، قال يس والأقرب أنه احتراز عن الفصل بكلها، قال ويشهد له النهي عن تتبع الرخص في الشرعيات وعلى هذا يندفع أن قوله وإن ببعض ذي إلخ حشو لأنه لم يفد زيادة على ما قبله. قوله: "علام تقول إلخ" ما استفهامية حذفت ألفها لدخول الجار عليها وأطعن بضم العين وفتحها يدل عليه قول القاموس طعنه بالرمح كمنعه ونصره طعنا ضربه ووخزه. ا. هـ. قيل والطعن في
__________
354- البيت من الطويل، وهو لعمرو بن معد يكرب في ديوانه ص72؛ وخزانة الأدب 2/ 436؛ والدرر 2/ 274؛ وشرح التصريح 1/ 263؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص159؛ وشرح شواهد المغني ص418؛ ولسان العرب 11/ 575 "قول"؛ والمقاصد النحوية 2/ 436؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 76؛ ومغني اللبيب ص143؛ وهمع الهوامع 1/ 157.(2/50)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
355- متى تقول القلص الرواسما ... يدنين أم قاسم وقاسما
ومنه -مع الفصل بالظرف- قوله:
356- أبعد بعد تقول الدار جامعة ... شملي بهم أم تقول البعد محتومًا
ومنه -مع الفصل بالعمول- قوله:
357- أجهالًا تقول بني لؤي ... لعمر أبيك أم متجاهلينا
فإن فقد شرط من هذه الأربعة تعين رفع الجزأين على الحكاية نحو قال زيد عمرو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السن من باب منع وفي المصباح طعنه بالرمح ضربه وطعن في المفازة ذهب وفي السن كبر وفي الأمر أخذ فيه ودخل وطعن فيه بالقول وعليه طعنا وطعانا قدح وعاب وباب الكل نصر، وجاء الأخير من باب منع في لغة وأجاز الفراء فتح عين المضارع في الكل لمكان حرف الحلق. ا. هـ. بالمعنى، وإذا الأولى ظرف ليثقل والثانية ظرف للم أطعن والمعنى بأي حجة أحمل السلاح إذا لم أقاتل عند كر الخيل.
قوله: "القلص" بضمتين جمع قلوص الناقة الشابة، الرواسم جمع راسمة من الرسم وهو التأثير في الأرض لشدة الوطء كذا في القاموس. قوله: "أبعد بعد إلخ" هذا مثال الفصل بالظرف الزماني ومثال الفصل بالظرف المكاني أعندي تقول زيدا جالسا. قوله: "شملي" مصدر شملهم الأمر كفرح ونصر شملا وشملا وشمولا إذا عمهم كما في القاموس. وفي شواهد العيني هو الاجتماع. وفي المصباح جمع الله شملهم أي ما تفرق من أمرهم، وفرق شملهم أي ما اجتمع
__________
355- الرجز لهدبة بن خشرم في ديوانه ص130؛ وتخليص الشواهد ص456؛ وخزانة الأدب 9/ 336؛ والدرر 2/ 273؛ والشعر والشعراء 2/ 695؛ ولسان العرب 11/ 575 "قول"، 12/ 456 "فغم"؛ والمقاصد النحوية 2/ 427؛ وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص488؛ وشرح ابن عقيل 227؛ وهمع الهوامع 1/ 157.
356- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 232؛ وأوضح المسالك 2/ 77؛ وتخليص الشواهد ص457؛ والدرر 2/ 275؛ وشرح التصريح 1/ 263؛ وشرح شذور الذهب ص489؛ وشرح شواهد المغني 2/ 969؛ ومغني اللبيب 2/ 692؛ والمقاصد النحوية 2/ 438؛ وهمع الهوامع 1/ 157.
357- البيت من الوافر، وهو للكميت بن زيد في خزانة الأدب 9/ 183، 184؛ والدرر 2/ 276؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 132؛ وشرح التصريح 1/ 263؛ وشرح المفصل 7/ 78، 79؛ والكتاب 1/ 123؛ والمقاصد النحوية 2/ 429؛ وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أمالي المرتضى 1/ 363؛ وأوضح المسالك 2/ 78؛ وتخليص الشواهد ص457؛ وخزانة الأدب 2/ 439؛ وشرح شذور الذهب ص490؛ وشرح ابن عقيل ص228؛ والمقتضب 2/ 349؛ وهمع الهوامع 1/ 157.(2/51)
وأجري القول كظن مطلقا ... عند سليم نحو قل ذا مشفقا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منطلق، ويقول زيد عمرو منطلق، وأنت تقول زيد منطلق، وأأنت تقول زيد منطلق.
تنبيه: زاد السهيلي شرطًا آخر وهو أن لا يتعدى باللام نحو أتقول لزيد عمرو منطلق، وزاد في التسهيل أن يكون حاضرًا. وفي شرحه أن يكون مقصودًا به الحال. هذا كله في غير لغة سليم "وأجرى القول كظن مطلقا" أي ولو مع فقد الشروط المذكورة "عند سليم نحو قل ذا مشفقا" وقوله:
358- قالت وكنت رجلا فطينًا ... هذا لعمر الله إسرائينا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من أمرهم. قوله: "وأأنت تقول زيد منطلق" إنما يتعين فيه الرفع إذا جعل فاعل محذوف يفسره المذكور جاز العمل اتفاقا لتوفر الشروط كذا في التوضيح. واستشكله في التصريح بما نقله عن الموضح في الحواشي من أن الحكم إنما هو للمذكور وأما المضمر فلا عمل له إلا في المشتغل عنه خاصة والعمل فيما عداه لهذا الظاهر وهو لم يتصل بالاستفهام لكن هذا غير متفق عليه فقد صرح بعضهم بأن الحكم للمضمر وذكر الظاهر لمجرد التفسير. قوله: "باللام" لأنها تبعده من الظن. قوله: "أن يكون حاضرا" وعليه فيشترط في الاستفهام أن لا يكون بهل لأنها تخصص المضارع بالاستقبال والذي عليه الأكثر عدم اشتراط الحضور فالاستفهام على إطلاقه، واستدل لما عليه الأكثر بنحو قوله:
فمتى تقول الدار تجمعنا
بنصب الدار على أنه المفعول الأول وتجمعنا في موضع الثاني فقد عمل تقول مع استقباله لأن متى ظرف مستقبل متعلق به. وبحث فيه الموضح والدماميني وغيرهما بأنا لا نسلم تعلق متى بتقول بل هي متعلقة بتجمعنا فالمستقبل هو الجمع وأما الظن فحال وكون الاستفهام عن القول غير شرط كما مر حتى يتوجه نظر الشيخ خالد بأن الفعل على هذا البحث ليس هو المسؤول عنه. قال الدماميني: فإن قيل المسؤول عنه هو ما يلي أداة الاستفهام فالجواب أن ذلك في الهمزة وأم وهل على ما فيه لأنها أحرف لا موضع لها من الإعراب فأما الأسماء فإنها ترتبط بعواملها أو معمولاتها فذلك هو المسؤول عنه. قوله: "وفي شرحه أن يكون إلخ" ظاهر العبارة أن هذا شرط آخر غير ما ذكره في التسهيل وليس كذلك بل هو تفسير له فيؤول كلام الشارح بأن المعنى وفسره في شرحه بأن يكون إلخ. قوله: "وأجري القول كظن مطلقا عند سليم" وهو يعملونه باقيا على معناه أو لا يعملونه حتى يضمنوه معنى الظن؟ قولان اختار ثانيهما ابن جني، وعلى الأول الأعلم وابن خروف وصاحب البسيط، واستدلوا بقوله قالت وكنت إلخ. ا. هـ. سم، ووجه الاستدلال
__________
358- الرجز لأعرابي في المقاصد النحوية 2/ 425؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص456؛ والدرر 2/ 272؛ وسمط الآلي ص681؛ وشرح التصريح 1/ 264؛ وشرح ابن عقيل ص229؛ ولسان العرب 13/ 323 "فطن"، 459، 460 "يمن"؛ والمعاني الكبير ص646؛ وهمع الهوامع 1/ 157.(2/52)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: على هذه اللغة تفتح أي بعد قلت وشبهه. ومنه قوله:
359- إذا قلت أني آيب أهل بلدة ... وضعت بها عنه الولية بالهجر
خاتمة: قد عرفت أن القول إنما ينصب المفعولين حيث تضمن معنى الظن، وإلا فهو وفروعه مما يتعدى إلى واحد، ومفعوله إما مفرد وهو على نوعين: مفرد في معنى الجملة نحو قلت شعرًا وخطبة وحديثًا، ومفرد يراد به اللفظ نحو: {يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60] ، أي يطلق عليه هذا الاسم، ولو كان مبنيا للفاعل لنصب إبراهيم خلافًا لمن منع هذا النوع. وممن أجازه ابن خروف والزمخشري. وإما جملة فتحكى به فتكون في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنه ليس المعنى على الظن لأن هذه المرأة رأت عند هذا الشاعر ضبا فقالت هذا إسرائين لأنها تعتقد في الضباب أنها من مسخ بني اسرائيل قال ابن عصفور ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون هذا مبتدأ وإسرائين على تقدير مضاف أي مسخ بني إسرائين فحذف المضاف الذي هو الخبر وبقي المضاف إليه على جره بالفتحة لأنه غير منصرف للعلمية والعجمة لأنه لغة في إسرائيل. ا. هـ. تصريح. قوله: "هذا" إشارة إلى ضب صاده الأعرابي قائل هذا البيت والضمير في قالت إلى امرأته إسرائينا أي من ممسوخ بني إسرائين لغة في إسرائيل ومعناه عبد الله.
قوله: "على هذه اللغة" مقتضاه عدم الفتح على غير لغة سليم وإن أجرى القول مجرى الظن وهو المنقول عن الكوفيين لقوة إجرائه مجرى الظن عند سليم دون غيرهم، والمنقول عن البصريين الفتح إذا أجرى مجرى الظن على لغة سليم وغيرها. قوله: "تفتح أن" أي جواز لما مر أن الحكاية جائزة حتى مع استيفاء الشروط، وقوله وشبهه أي من بقية تصرفات القول. قوله: "آيب أهل بلدة" أي إلى أهل بلدة اسم فاعل من أبت إلى بني فلان أتيتهم ليلا كذا في شواهد العيني. وفي القاموس أنه بمعنى رجع وضمير عنه يعود إلى الجمل، والولية بفتح الواو وكسر اللام وتشديد التحتية البرذعة. والهجر بفتح الهاء وسكون الجيم ضرورة والأصل فتحها نصف النهار عند اشتداد الحر كما في التصريح وغيره. قوله: "حيث تضمن معنى الظن" المناسب لقوله سابقا وكتظن عملا ومعنى أن يقول حيث كان بمعنى الظن لإيهام عبارته أن القول في هذه الحالة مستعمل في معناه الأصلي أيضا. قوله: "وهو على نوعين" بقي ثالث وهو المفرد الذي مدلوله لفظ نحو قلت كلمة إذا كنت تلفظت بلفظة زيد مثلا صرح به الرضي.
قوله: "لمن منع هذا النوع" وجعل إبراهيم في الآية منادى أو خبرا لمبتدأ محذوف. قوله: "وإما جملة" أي ملفوظ بجميع أجزائها أولا كما في: {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [الذاريات: 25] ، أي سلمنا سلاما وعليكم سلام. قوله: "فتحكي به" يقتضي اعتبار كونها متلفظا بها قبل هذا
__________
359- البيت من الطويل، وهو للحطيئة في ديوانه ص225؛ وتخليص الشواهد ص459؛ وخزانة الأدب 2/ 440؛ وشرح التصريح 1/ 262؛ والمقاصد النحوية 2/ 432؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 72.(2/53)
أعلم وأرى:
إلى ثلاثة رأى وعلما ... عدوا إذا صارا أرى وأعلما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
موضع مفعوله. والله أعلم.
أعلم وأرى:
"إلى ثلاثة" من المفاعيل "رأى وعلما" المتعديين إلى مفعولين "عدو إذا" دخلت عليهما همزة النقل و"صار أرى وأعلما" لأن هذه الهمزة تدخل على الفعل الثلاثي فيتعدى بها إلى مفعول كان فاعلًا قبل، فيصير متعديًا إن كان لازمًا، نحو جلس زيد وأجلست زيدًا، ويزاد مفعولًا إن كان متعديًا: نحو لبس زيد جبة، وألبست زيدًا جبة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكلام وإلا لم يكن القول حكاية لها وهو كذلك وأما الحكاية به لما لم يتلفظ به قبل وكقول المصنف قال محمد إلخ فعلى طريق المجاز كما مر. واعلم أن الأصل في الحكاية بالقول أن يحكى لفظ الجملة كما سمع وتجوز على المعنى بإجماع، فإذا قال زيد: عمرو منطلق فلك أن تقول: قال زيد عمرو منطلق أو المنطلق عمرو كذا في الهمع. وقال الرضي: فلك أن تقول حكاية عمن قال زيد قائم قال فلان قام زيد وإذا قال زيد: أنا قائم وقلت لعمرو: أنت بخيل فلك أن تقول: قال زيد أنا قائم وقلت لعمرو أنت بخيل رعاية للفظ المحكي وأن تقول: قال زيد هو قائم وقلت لعمرو هو بخيل بالمعنى اعتبار بحال الحكاية فإن زيدا وعمرا فيه غائبان. ا. هـ. وصريح صدر عبارته جواز تغيير الاسمية بالفعلية وهو ما رأيته بخط الشنواني. والظاهر أن العكس كذلك قال في الهمع وتحكى الجملة الملحونة بالمعنى فتقول في قول زيد عمرو قائم بالجر قال زيد عمرو قائم بالرفع وهل تجوز حكايتها باللفظ قولان صح ابن عصفور المنع قال لأنهم إذا جوزوا المعنى في المعربة فينبغي أن يلتزموه في الملحونة. ا. هـ. والوجه عند الجواز إذا كان قصد الحاكي حكاية اللحن. قوله: "في موضع مفعوله" أي المفعول به عند الجمهور والمفعول المطلق النوعي عند غيرهم.
أعلم وأرى:
كذا في نسخ وفي نسخ أخرى أرى وأعلم ووجهت هذه بأن فيها موافقة الترجمة لما بعدها في الترتيب ووجهت الأولى بأن المخالفة ليتعادل كل من أرى وأعلم إذ لا مزية لإحداهما على الأخرى فليست إحداهما تابعة في العمل للأخرى فليست إحدى النسختين أحسن كما زعمه يس وتبعه البعض. وأصل أرى أرأى قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت الهمزة بعد نقل حركتها إلى الساكن قبلها. قوله: "رأى" ولو حلمية نحو: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} [الأنفال: 43] . قوله: "على الفعل الثلاثي" قيد بذلك لأن غير الثلاثي لا تدخل عليه همزة النقل. قوله: "إن كان متعديا" أي لواحد أو اثنين بقرينة التمثيل. قوله: "وما حقق" قدر المتعلق حقق دون كان أو استقر مثلا لأنه الذي يشعر به قول المصنف(2/54)
وما لمفعولي علمت مطلقا ... للثان والثالث أيضًا حققا
وإن تعديا لواحد بلا ... همز فلاثنين به توصلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ورأيت الحق غالبًا، وأراني الله الحق غالبًا، وعلمت الصدق نافعًا، وأعلمني الله الصدق نافعًا "وما" حقق "لمفعولي علمت" ورأيت من الأحكام "مطلقًا للثان والثالث" من مفاعيل أعلم وأرى "أيضًا حققا" فيجو حذفهما معًا اختصارًا إجماعًا، وفي حذف أحدهما اختصارًا ما سبق. ويمتنع حذف أحدهما اقتصارًا إجماعًا، وفي حذفهما معًا اقتصارًا الخلف السابق. ويجوز إلغاء العامل بالنسبة إليهما نحو عمرو أعلمت زيدًا قائم ومنه البركة أعلمنا الله مع الأكابر. وقوله:
360- وأنت أراني الله أمنع عاصم ... وأرأف مستكفى وأسمح واهب
وكذلك يعلق بالفعل عنهما نحو: أعلمت زيدًا لعمرو قائم، وأريت خالدًا لبكر منطلق. وأما المفعول الأول فلا يجوز تعليق الفعل عنه ولا إلغاؤه. ويجوز حذفه اختصارًا واقتصارًا "وإن تعديا" أي رأى وعلم "لواحد بلا همز" بأن كانت رأى بصرية وعلم عرفانية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للثان والثالث أيضا حققا. قوله: "مطلقا" حال من ضمير حقق متعلق قوله بمفعولي أو حققا متعلق قوله للثان والثالث، أو صفة لمفعول مطلق أي تحقيقا مطلقا أي عن التقييد بحكم بخصوصه من الأحكام المتقدمة ويحتمل على جعله مرتبطا بحققا متعلق قوله للثان والثالث أن الإطلاق عن التقييد ببعض الأحوال كبناء أعلم ونحوه للمجهول ردا على من اشترطه لجواز الإلغاء والتعليق في هذا الباب ليكون بمنزلة ظننت لفظا في طلب مفعولين. قوله: "للثان والثالث" أي لأن أصلهما المبتدأ والخبر كمفعولي علمت ورأيت.
قوله: "فيجوز حذفهما معا" أي مع ذكر الأول أو حذفه بل يجوز حذف الثلاثة ولو اقتصارا ففي التصريح أما حذف الثلاثة فالصواب كما قال الناظم جواز مطلقا لحصول الفائدة إذ الاعلام قد يخلو عنه الشخص فلا يكون كحذف مفعولي ظننت وحينئذٍ فالمتن مخصوص بغير الحذف. قوله: "وفي حذف أحدهما اختصارا ما سبق" أي من الخلاف ووجه القول بالمنع ما في حذف أحدهما من الاقتصار على ما هو كجزء الكلمة كما أوضحناه في الباب السابق. قوله: "وفي حذفهما معا إلخ" قال سم قضيته أن المانع هناك مانع هنا وهو غير لازم لحصول الفائدة هنا بذكر الأول بخلافه هناك على أن الفائدة تحصل بدون ذكر الأول أيضا كما علمت مما مر عن ابن مالك. قوله: "وأنت أراني الله إلخ" الأصل أراني الله إياك أمنع عاصم فلما قدم المفعول الثاني أبدل بضمير الرفع وجعل مبتدأ، والعاصم الحافظ. قوله: "مستكفي" بفتح الفاء كما في العيني أي مطلوبا منه الكفاية. قوله: "ويجوز حذفه" أي مع حذفهما أو ذكرهما وكذا مع حذف
__________
360- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 80؛ والدرر 2/ 277؛ وشرح التصريح 1/ 266؛ وشرح شواهد المغني ص679؛ والمقاصد النحوية 2/ 446؛ وهمع الهوامع 1/ 158.(2/55)
والثان منهما كثاني اثني كسا ... فهو به في كل حكم ذو ائتسا
وكأرى السابق نبا أخبرا ... حدث أنبأ كذاك خبرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"فلاثنين به" أي بالهمز "توصلا" لما عرفت، فتقول: أريت زيدًا الهلال، وأعلمته الخبر "والثان منهما" أي من هذين المفعولين "كثاني اثني" مفعولي "كسا" وبابه من كل فعل يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر نحو كسوت زيدًا جبة وأعطيته درهمًا "فهو" أي الثاني من هذين المفعولين "به" أي بالثاني من مفعولي باب كسا "في كل حكم ذو ائتسا" أي ذو اقتداء، فيمتنع أن يخبر به عن الأول، ويجوز الاقتصار عليه وعلى الأول ويمتنع الإلغاء. نعم يستثنى من إطلاقه التعليق، فإن أعلم وأرى هذين يعلقان عن الثاني لأن أعلم قلبية وأرى إن كانت بصرية هي ملحقة بالقلبية في ذلك ومن تعليق أرى عن الثاني قوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة: 260] ، "وكأرى السابق"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أحدهما فقط اختصارا على الخلاف. قوله: "فلاثنين به توصلا" اعترض بأن المسموع تعدية علم بمعنى عرف إلى اثنين بالتضعيف نحو: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] ، لا بالهمزة. وأجيب بأن في كلام الشاطبي دلالة على سماع تعديتها بالهمزة إلى اثنين، ولو سلم عدم السماع فالقياس على نحو ألبست زيدا جبة جائز. وتوصلا إما ماض مبني للمجهول أو فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف ويرجح هذا وجود الفاء بدون احتياج إلى تقدير قد عقبها بخلاف الأول. قوله: "لما عرفت" أي في أول الباب. قوله: "اثني مفعولي" الإضافة بيانية. قوله: "فهو به إلخ" أتى به دفعا لما قد يتوهم من أن التشبيه في بعض الأحكام فقط لكن لو قال بدل هذا الشطر:
ومن يعلق ههنا فما أسا
لكان أحسن كما ستعرفه. قوله: "في كل حكم ذو ائتسا" منه عدم صحة كونه جملة كالمشبه به وكأن هذا حكمة اقتصار الناظم على الثاني لأنه لو شبه المفعولين لمفعولي كسا لتوهم أنه من تشبيه المجموع بالجميع وأنه في غير امتناع كون الثاني جملة بدليل أن الأول لا يكون جملة قاله سم. قوله: "ويجوز الاقتصار عليه وعلى الأول" ويجوز حذفهما معا كما في التصريح وغيره. قوله: "ويمتنع الإلغاء" تقول زيدا الهلال أريت وزيدا الكتابة أعلمت بالاعمال وجوبا، كما تقول: زيدا درهما أعطيت. وإنما امتنع الإلغاء لامتناع الأخبار بالثاني عن الأول. قوله: "ومن تعليق أرى عن الثاني" أي بناء على أن الرؤية هنا بصرية وهو الظاهر، وقيل علمية فلا شاهد فيها لما نحن بصدده وفي التمثيل بالآية لتعليق الفعل بحث لاحتمال أن تكون كيف بمعنى الكيفية لأن كيف تستعمل اسما معربا مجردا عن الاستفهام بمعنى كيفية كما قيل به في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} [الفجر: 6] ، ويكون مضافا إلى الفعل بعده بتأويله بالمصدر كما في يوم ينفع فالمعنى أرني كيفية إحيائك الموتى، فظهر أن أرني كيفية إحيائك تفسير لكيف برديفه لا تأويله بالمصدر وإن سبك جملة تحيي بإحياء لكونها مضافا إليها أفاده الروداني وتقرير(2/56)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل فيما عرفت من الأحكام "نبا" وأخبرا" و "حدث" و"أنبأ" و"كذاك خبرا" لتضمنها معناه كقوله:
361- نبت زرعة والشفاهة كاسمها ... يهدي إلي غرائب الأشعار
وكقوله:
362- وما عليك إذا أخبرتني دنفا ... وغاب بعلك يومًا أن تعوديني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصرح وتبعه غير واحد كالبعض البحث بأن جملة كيف تحيي الموتى يحتمل كونها في تأويل مصدر مفعول أرني أي أرني كيفية إحيائك الموتى كما قال الكوفيون وابن مالك في قوله تعالى: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} [ابراهيم: 45] ، أن التقدير كيفية فعلنا بهم فليست الآية من باب التعليق يرد عليه أن الكيفية ليست مصدرا.
قوله: "نبا وأخبرا إلخ" قال شيخ الإسلام اعلم أن نبأ وأنبأ وحدث وأخبر وخبر لم تقع تعديتها إلى ثلاثة مفاعيل في كلام العرب إلا وهي مبنية للمفعول. ا. هـ. وقد وقع في القرآن تعدية نبأ مبنية للفاعل إليها واحد صريح واثنين سد مسدهما أن المكسورة المعلقة باللام ومعمولاها في قوله تعالى: {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ} [سبأ: 7] ، الآية، إلا أن يقال مراد شيخ الإسلام ثلاثة مفاعيل صريحة، وفي الدماميني من ألحق هذه الأفعال بأعلم ليس قائلا بأن الهمزة والتضعيف فيها للنقل إذ لم يثبت في لسانهم ما ينقل عنه ما ذكر وإنما هو من باب التضمين أي تضمينها معنى أعلم، وفي قول الشارح لتضمنها معناه إشارة إلى ذلك، وفي التصريح عن الناظم أن أولى من اعتبار التضمين حمل الثاني منها على نزع الخافض والثالث على الحال وعندي فيه نظر إذ الحال قيد في عاملها على معنى في فيكون التقدير أخبرت زيدا بعمرو في حال كونه قائما فيعطى الكلام تقييد الأخبار بحال قيام عمرو ولا يعطى ما المخبر به من أحوال عمرو مع أن هذا هو المطلوب دون ذاك وانظر ما المانع من كون الهمزة والتضعيف للنقل عن فعل مقدر فإن له نظائر كثيرة فاعرفه. قوله: "نبئت زرعة إلخ" التاء نائب فاعل وهي المفعول الأول وزرعة مفعول ثان وجملة يهدي إلى إلخ مفعول ثالث وجملة والسفاهة كاسمها أي قبيحة اعتراضية عرض الشاعر فيها بذم زرعة الذي كان يسفه عليه في أشعاره. قوله: "وما عليك إلخ" ما للاستفهام الإنكاري أي أي شيء عليك وقوله أن تعوديني أي في أن تعوديني متعلق بما تعلق به عليك. وقول البعض أن
__________
361- البيت من الكامل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص54؛ وتخليص الشواهد ص467؛ وخزانة الأدب 6/ 315، 333، 334؛ وشرح التصريح 1/ 265؛ والمقاصد النحوية 2/ 439؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص222؛ وشرح عمدة الحافظ ص252.
362- البيت من البسيط، وهو لرجل من بني كلاب في الدرر 2/ 279؛ وشرح التصريح 1/ 265؛ والمقاصد النحوية 2/ 443؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص468؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1423؛ وشرح ابن عقيل ص223.(2/57)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكقوله:
363- أو منعتم ما تسألون فمن حد ... دثتموه له علينا الولاء؟
وكقوله:
364- وأنبئت قيسًا ولم أبله ... كما زعموا خير أهل اليمن
وكقوله:
365- وخبرت سوداء الغميم مريضة ... فأقبلت من أهلي بمصر أعودها
تنبيه: دخول همزة النقل وصوغ الفعل للمفعول متقابلان بالنسبة إلى ما ينشأ عنهما، فدخول الهمزة على الفعل يجعله متعديًا إلى مفعول لم يكن متعديًا إليه بدونها، وصوغه للمفعول يجعله قاصرًا عن مفعول كان متعديًا إليه قبل الصوغ، فالذي لا يتعدى إن دخلته همزة النقل تعدى إلى واحد، والمتعدي إلى ثلاثة إذا صغته للمفعول صار متعديًا إلى اثنين، وذو الاثنين يصير متعديًا إلى واحد، وذو الواحد يصير غير متعد، فإن كان المصوغ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تعوديني مفعول لعليك فاسد. قوله: "ما تسألون" بالبناء للمجهول كما قاله شيخنا. قوله: "ولم أبله" أي أجر به كما زعموا أي بلوا كالبلو الذي زعموه. قوله: "سوداء الغميم" سوداء لقب امرأة كانت تنزل بموضع من بلاد غطفان يسمى الغميم بفتح الغين المعجمة واسمها ليلى. وقوله بمصر صفة لأهلي أي الكائنين بمصر وجملة أعودها حال من تاء فأقبلت. قوله: "فالذي لا يتعدى إلخ" تفريع على قوله فدخول الهمزة إلخ ولم يقل والذي يتعدى إلى واحد إن دخلته همزة النقل تعدى إلى اثنين والذي يتعدى إلى اثنين إن دخلته همزة النقل تعدى إلى ثلاثة لتقدم ذلك أول الباب
__________
363- البيت من الخفيف، وهو للحارث بن حلزة في ديوانه ص27؛ وتخليص الشواهد ص468؛ والدرر 2/ 280؛ وشرح التصريح 1/ 265؛ وشرح القصائد السبع ص469؛ وشرح القصائد العشر ص387؛ وشرح المعلقات السبع ص225؛ وشرح المعلقات العشر ص122؛ وشرح المفصل 7/ 66؛ والمعاني الكبير 2/ 1011؛ والمقاصد النحوية 2/ 445؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص686؛ وشرح ابن عقيل ص223؛ وشرح عمدة الحافظ ص253؛ وهمع الهوامع 1/ 159.
364- البيت من المتقارب، وهو للأعشى في ديوانه ص75؛ وتخليص الشواهد ص467؛ والدرر 2/ 278؛ وشرح التصريح 1/ 265؛ ومجالس ثعلب 2/ 414؛ والمقاصد النحوية 2/ 440؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص234؛ وشرح عمدة الحافظ ص251؛ وهمع الهوامع 1/ 159.
365- البيت من الطويل، وهو للعوام بن عقبة "أو عتبة" في الدرر 2/ 278؛ وشرح التصريح 1/ 265؛ والمقاصد النحوية 2/ 442؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص467؛ وخزانة الأدب 11/ 369؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1414؛ وشرح ابن عقيل ص335؛ وشرح عمدة الحافظ ص252؛ وهمع الهوامع 1/ 159.(2/58)
الفاعل:
الفاعل الذي كمرفوعي أتى ... زيد منيرًا وجهه نعم الفتى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للمفعول من باب أعلم لحق بباب ظن، وإن كان من باب ظن لحق بباب كان، وكالمصوغ للمفعول في ذلك المطاوع. ا. هـ.
خاتمة: أجاز الأخفش أن يعامل غير علم ورأى من أخواتهما القلبية الثنائية معاملتهما في النقل إلى ثلاثة بالهمزة، فيقال على مذهبه أظننت زيدًا عمرًا فاضلًا؟ وكذلك أحسبت وأخلت وأزعمت. ومذهبه في ذلك ضعيف لأن المتعدي بالهمزة فرع من المتعدي بالتجرد وليس في الأفعال متعد بالتجرد إلى ثلاثة فيحمل عليه متعد بالهمزة وكان مقتضي هذا أن لا ينقل علم ورأى إلى ثلاثة لكن ورد السماع بنقلهما فقبل، ووجب أن لا يقاس عليهما ولا يستعمل استعمالهما إلا ما سمع، ولو ساغ القياس على علم أو رأى لجاز أن يقال ألبست زيدًا عمرًا ثوبًا، وهذا لا يجوز إجماعًا، والله أعلم.
الفاعل:
"الفاعل" في عرف النحاة هو الاسم "الذي" أسند إليه فعل تام أصلي الصيغة أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما ذكر القسم الأول مع تقدمه هناك أيضا توطئة لقوله والمتعدي إلى ثلاثة إلخ. قوله: "لحق بباب ظن" أي في التعدي إلى اثنين لا في سائر الأحكام كما هو ظاهر فلا يقال المفعولان في باب ظن لا يجوز حذفهما اقتصارا لعدم الفائدة كما تقدم بخلافه هنا. قوله: "المطاوع" هو الدال على أثر فاعل فعل آخر ككسرته فانكسر فمطاوع المتعدي إلى ثلاثة متعد إلى اثنين كأعلمته الصدق نافعا فعلمه نافعا، ومطاوع المتعدي إلى اثنين متعد إلى واحد كعلمته الحساب فتعلمه، ومطاوع المتعدي إلى واحد لازم ككسرته فانكسر. قوله: "الثنائية" أي التعدية إلى اثنين أما غير الثنائية من القلبية كفهم وحزن فلا يعامل معاملة علم ورأى في النقل إلى ثلاثة بالهمزة اتفاقا وإن كان منه ما ينقل بها إلى اثنين كفهم وإلى واحد كحزن. قوله: "بالتجرد" أي من الهمزة والتضعيف. قوله: "فيحمل" أي يقاس بالنصب في جواب النفي. قوله: "ووجب أن لا يقاس عليهما" لأن الخارج عن القياس لا يقاس عليه. قوله: "لجاز أن يقال ألبست إلخ" فيه أن نحو ما ذكر لا يجوز ولو جوزنا القياس على أعلم وأرى لأن ليس متعد لواحد فالهمزة إنما تعديه إلى الثاني فقط فكان الأولى أن يقول لجاز أن يقال أكسوت زيدا عمرا جبة.
الفاعل:
قوله: "في عرف النحاة" وأما في اللغة فمن أوجد الفعل. قوله: "أسند إليه فعل" أي على وجه الإثبات أو النفي أو التعليق أو الإنشاء فدخل الفاعل في لم يضرب وإن ضرب زيد وهل قام زيد والمتبادر من الإسناد الإسناد أصالة فخرج من التوابع البدل والمعطوف بالحرف لأن الإسناد فيهما تبعي قال يس على أنا لا نسلم الإسناد في البدل بناء على أن عامله مقدر من جنس الأول.(2/59)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مؤول به "كمرفوعي" الفعل والصفة من قولك "أتى زيد منيرًا وجهه نعم الفتى" فكل من زيد والفتى فاعل لأنه أسند إليه فعل تام أصلي الصيغة، إلا أن الأول متصرف والثاني جامد، ووجهه فاعل لأنه أسند إليه مؤول بالفعل المذكور وهو منيرًا: فالذي أسند إليه فعل يشمل الاسم الصريح كما مثل والمؤول به نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} [العنكبوت: 51]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال شيخنا أي فالمذكور لم يسند إليه أصلا وكلامنا فيه لا في المقدر. ا. هـ. وأما بقية التوابع فلا إسناد فيها والمراد الإسناد ولو غير تام فيدخل فاعل المصدر وفاعل اسم الفاعل. قوله: "تام" قال الشرح في شرحه على التوضيح لا حاجة إلى هذا القيد لأن المخرج به وهو اسم كان خرج بقيد أسند إليه فعل لأن اسم كان لم يسند إليه كان لأن معناه ليس منسوبا إليه وإنما هو منسوب إلى مضمون الجملة. ا. هـ. وفيه نظر يعلم مما قدمناه في باب كان وأخواتها. قوله: "أصلي الصيغة" المراد بأصالتها عدم تحويلها إلى صيغة ما لم يسم فاعله لا عدم التصرف فيها مطلقا حتى يعترض بخروج فاعل نعم وفاعل شهد بفتح فسكون أو بكسر أو بكسرتين لأن الفعل فيهما ليس أصلي الصيغة لأن الصيغة الأصلية بفتح فكسر، نعم لو قال على طريقة فعل لكان أوضح والصيغة كما قال اللقاني كيفية تعرض لحروف الكلمة باعتبار حركاتها وسكناتها وتقدم بعضها على بعض.
قوله: "أو مؤول به" أي الفعل كما مشى عليه الشارح فيما يأتي ومعنى كونه مؤولا بالفعل كونه بمعناه وحالا محله فدخل اسم الفعل. قوله: "كمرفوعي أتى" فاعلي أتى ونعم واحدا كما أشار إليه الشارح لأن الرافع في كل فعل. قوله: "الصريح" المراد به ما قابل المؤول بقرينة المقابلة فدخل فيه الضمير في نحو قاما وقم. قوله: "والمؤول به" أي لوجود سابك ولو تقديرا وهو هنا أن المفتوحة وأن الناصبة للفعل وما دون كي ولو فلا يؤول الفاعل بالاسم من غير سابك عند البصريين وإنما يقدر منه أن الساكنة النون لعدم ثبوت تقدير غيرها كذا في التصريح واستثنى الدماميني باب التسوية إن جعلنا سواء في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 6] ، خبرا وما بعده فاعلا وظاهر كلام الشارح أن الفاعل لا يكون جملة وهو كذلك على مذهب البصريين المختار. وقيل تقع فاعلا مطلقا نحو يعجبني يقوم زيد وظهر لي أقام زيد بدليل. {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ} [يوسف: 35] ، {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} [إبراهيم: 45] ، ولا حجة فيهما أما الأول فلاحتمال أن يكون فاعل بدا ضميرا مستترا فيه راجعا إلى المصدر المفهوم منه والتقدير ثم بدا لهم بداء كما جاء مصرحا به في قوله:
بدا لي من تلك القلوص بداء
وجملة ليسجننه جواب قسم محذوف ومجموع القسم وجوابه مفسر لذلك البداء ولا يمنع من هذا كون القسم إنشاء لأن المفسر هنا في الحقيقة المعنى المتحصل من الجواب الذي هو خبر وهذا المعنى هو سجنه عليه الصَّلاة والسَّلام فهذا هو البداء الذي بدا لهم كذا في المغني. وأما الثاني فلما يأتي. وقيل تقع إن علق عنها فعل قلبي بمعلق. وقال الدماميني تبعا للمغني إن(2/60)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والتقييد بالفعل يخرج المبتدأ، وبالتام نحو اسم كان، وبأصلي الصيغة النائب عن الفاعل، وذكر أو مؤول به لإدخال الفاعل المسند إليه صفة كما مثل أو مصدر أو اسم فعل أو ظرف أو شبهه.
تنبيه: للفاعل أحكام أعطى الناظم منها بالتمثيل البعض وسيذكر الباقي: الأول الرفع وقد يجر لفظه بإضافة المصدر نحو: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ} [البقرة: 251] ، أو اسمه نحو: "من قبلة الرجل امرأته الوضوء"، أو بمن أو الباء الزائدتين نحو: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ} [المائدة: 19] ، ونحو: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان التعليق بالاستفهام كالمثال الثاني والآية الثانية لأن الإسناد حينئذٍ في الحقيقة إلى مضاف محذوف لا إلى الجملة إذ المعنى ظهر لي جواب أقام زيد وهذا التقدير لا بد منه دفعا للتناقض إذ ظهور الشيء مناف للاستفهام عنه. ا. هـ. فالأقوال أربعة وصرح بعضهم بأن إسناد الفعل إى الجملة عند من جوزه إنما هو باعتبار مضمونها. قوله: "يخرج المبتدأ" أورد عليه أنه يدخل في قوله أو مؤول به فإن زيد من زيد قائم أسند إليه مؤول بالفعل. وأجاب سم بأن المتبادر من قوله أسند إليه فعل أو مؤول به ما يكون المسند فيه ما ذكر فقط ولا كذلك زيد قائم فإن المسند اسم الفاعل مع الضمير المستتر فيه. قوله: "وبأصلي الصيغة النائب عن الفاعل" ومن يسميه فاعلا بحذف هذا القيد كما أن من يسمى اسم كان فاعلا يحذف قيد التمام وكلام الشارح مبني على الصحيح أن صيغة المجهول فرع صيغة المعلوم أما على القول بأنها صيغة أصلية فيحتاج إلى إبدال قولنا أصلي الصيغة بقولنا على طريقة فعل. قوله: "صفة" المراد بها ما يشمل اسم الفاعل واسم التفضيل وأمثلة المبالغة والصفة المشبهة ومن الصفة الجامد المؤول بالمشتق كأسد بمعنى شجاع. قوله: "أو مصدر" لعله أراد به ما يشمل اسم المصدر، فالمصدر نحو أعجبني ضرب زيد الأمير واسمه نحو أعجبني عطاء المال عمرو، واسم الفعل نحو هيهات نجد، والظرف نحو أعندك زيد، وشبهه هو الجار والمجرور نحو: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} [إبراهيم: 10] ، وهذا إن بحسب الظاهر وإلا ففي الحقيقة العامل في الفاعل متعلق الظرف وشبهه. قوله: "أحكام" أي سبعة بحسب ما ذكره المصنف والشارح لكن من أحكامه ما لم يذكراه كوحدته فلا يتعدد فالفاعل في نحو اختصم زيد وعمرو المجموع إذ هو المسند إليه فلا تعدد إلا في أجزائه لكن لما لم يقبل المجموع من حيث هو مجموع الإعراب جعل في أجزائه. وأما قوله:
فتلقفها رجل رجل
فالأصل فتلقفها الناس رجلا رجلا أي متناوبين فحذف الفاعل وأقيم الحال مقامه. قوله: "بإضافة المصدر" أي بالمصدر المضاف أو الباء سببيه ليجري كلامه على الأصح من أن العامل المضاف وما ذكره الشارح من تسمية المجرور بالمصدر أو الحرف الزائد فاعلا هو المشهور. وذهب بعضهم إلى أن المجرور بالمصدر وبالحرف الزائد أو شبهه لايسمى فاعلا اصطلاحا. قوله:(2/61)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
366- ألم يأتيك والأنباء تنمى ... بما لاقت لبون بني زياد
ويقضي حنيئذ بالرفع على محله حتى يجوز في تابعه الجر حملًا على اللفظ والرفع حملًا على المحل نحو ما جاءني من رجل كريم وكريم. وما جاءني من رجل ولا امرأة ولا امرأة، فإن كان المعطوف معرفة تعين رفعه نحو ما جاءني من عبد ولا زيد لأن شرط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"بمن أو الباء الزائدتين" مثلهما اللام الزائدة نحو: "هيهات هيهات لما توعدون". قوله: "بما لاقت" فالباء زائدة وما فاعل يأتيك وجملة الأنباء تنمى أي تشيع حالية. قوله: "على محله" جرى على أحد القولين مبني على عدم اختصاص المحلي بالمبنيات والجمل. وأيد بعدم لزوم اجتماع حركتي إعراب في آخر الكلمة وهذا قول الأكثر والثاني أنه تقديري لا محلي بناء على اختصاص المحلي بهما. وأيد بقول الرضي معنى كون الكلمة معربة بكذا محلا أنها في موضع لو كان فيه اسم معرب كان إعرابه كذا لاقتضائه أن المحلي لا يكون في المعرب. كما هنا وفرقهم بين المحلي والتقديري بأن المانع في المحلي قائم بجملة الكلمة وفي التقديري بالحرف الأخير منها لقيام المانع هنا بالحرف الأخير. ويمكن إجراء كلام الشارح على هذا القول بأن يراد بالمحلي ما قابل اللفظي. قوله: "حتى يجوز" حتى ابتدائية فالفعل مرفوع بعدها لكن جواز رفع التابع مخصوص بالفاعل المجرور بالحرف الزائد دون المجرور بالمصدر قاله البعض، ثم فرق بفرق أحسن منه أن يقال الفرق ضعف الجار في الأول لكونه حرفا زائدا وقوته في الثاني، لكن في حاشية شيخنا أن ما أضيف إليه المصدر أو اسمه يجوز في تابعه الرفع والجر ولو كان معرفة. ا. هـ. وهذا هو الذي سيصرح به المصنف في باب المصدر بقوله:
وجر ما يتبع ما جرّ ومن ... راعى في الاتباع المحل فحسن
فانظر من أين أتى للبعض ما قاله. قوله: "فإن كان المعطوف" أي على المجرور بمن وكذا إذا كان المعطوف نكرة والعطف ببل أو لكن لأنهما بعد النفي والنهي لإثبات الحكم لما بعدهما
__________
366- البيت من الوافر، وهو لقيس بن زهير في الأغاني 17/ 131؛ وخزانة الأدب 8/ 359، 361، 362، والدرر 1/ 162؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 340؛ وشرح شواهد الشافية ص408؛ وشرح شواهد المغني ص328، 808؛ والمقاصد النحوية 1/ 230؛ ولسان العرب 14/ 14 "أتى"؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص103؛ والأشباه والنظائر 5/ 280؛ والإنصاف 1/ 30؛ وأوضح المسالك 1/ 76؛ والجني الداني ص50؛ وجوهر الأدب ص50؛ وخزانة الأدب 9/ 524؛ والخصائص 1/ 333، 337؛ ورصف المباني ص149؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 87، 2/ 631؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 184؛ وشرح المفصل 8/ 24، 10/ 104؛ والكتاب 3/ 316؛ ولسان العرب 5/ 75 "قدر" 14/ 324 "رضي" 14/ 434 "شظي"، 15/ 492 "يا"؛ والمحتسب 1/ 67، 215؛ ومغني اللبيب 1/ 108، 2/ 387؛ والمقرب 1/ 50، 203؛ والممتع في التصريف 2/ 537؛ والمنصف 2/ 81، 114، 115؛ وهمع الهوامع 1/ 52.(2/62)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جر الفاعل بمن أن يكون نكرة بعد نفي أو شبهه. الثاني كونه عمدة لا يجوز حذفه لأن الفعل وفاعله كجزأي كلمة لا يستغنى بأحدهما عن الآخر، وأجاز الكسائي حذفه تمسكًا بنحو قوله:
367- فإن كان لا يرضيك حتى تردني ... إلى قطري لا إخالك راضيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نعم إن قصد ببل نقل النفي لما بعدها كما جوزه المبرد وعبد الوارث جاز الجر فيما يظهر. قوله: "جر الفاعل بمن" بخلاف الباء واللام الزائدتين. قوله: "كونه عمدة لا يجوز حذفه" عد الشارح هنا كونه عمدة وكونه لا يجوز حذفه حكما واحدا وعدهما في باب النائب عن الفاعل حكمين وهو ظاهر ولعل وجه ما هنا أن العمدية لازمة لعدم جواز الحذف غالبا فتأمل. قوله: "لا يجوز حذفه" أي بدون رافعه أما معه فيجوز لدليل كما في التسهيل. ويستثنى من عدم جواز حذفه خمسة أبواب: بناء الفعل للمجهول نحو ضرب عمرو، والمصدر نحو ضربا زيدا أو اطعام في يوم بناء على ما ذكروه من عدم تحمله الضمير لجموده، وذهب السيوطي إلى أنه في مثل ذلك يتحمل لأن الجامد إذا أول بمشتق تحمل، وضربا زيدا في معنى اضرب وإطعام في معنى أن يطعم وهذا تأويل بمشتق والفعل المؤكد بالنون في نحو: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ} [القصص: 78] ، وكون الفاعل فيه محذوفا لعلة فهو كالثابت لا يمنع كونه محذوفا بل يقرره فلا معنى لاعتراض البعض بذلك والتعجب نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] ، أي بهم فحذف فاعل الثاني، والاستثناء المفرغ نحو ما قام إلا زيد الأصل ما قام أحد إلا زيد وفي استثناء هذين نظر أما التعجب فلاحتمال أن الفاعل ضمير استتر حين حذفت الباء لا محذوف، ولو سلم أنه محذوف فهو فضلة لفظا فكان المحذوف غير فاعل، ثم رأيت شيخنا السيد نقل في باب التنازع عن الدماميني ما نصه على مذهب سيبويه والبصريين يجوز أحسن وأجمل بزيد على أن يكون الأصل أحسن به ثم حذفت الباء لدلالة الثانية عليها ثم اتصل الضمير واستتر كما استتر الثاني في قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] . ا. هـ. وهو نص فيما قلناه أولا فللَّه الحمد. وأما الاستثناء المفرغ فلأن الفاعل اصطلاحا هو ما بعد إلا وهو مذكور كون الأصل ما قام أحد الا زيد هو بالنظر إلى المعنى ونظر النحاة إلى الألفاظ. قال يس وبقي سادس وهو ما قام وقعد إلا زيد لأنه من الحذف لا من التنازع لأن الإضمار في أحدهما يفسد المعنى لاقتضائه نفي الفعل عنه وإنما هو منفي عن غيره مثبت له. ا. هـ. وقد يقال يضمر في أحدهما مع الإتيان بإلا أخرى فلا يرد ما قاله فتأمل.
قوله: "لأن الفعل وفاعله إلخ" مقتضاه أنه لا يجوز حذف الفعل مع أنه يجوز لقرينة، فالأولى أن يعلل بأن مدلول الفعل عرض قائم بمدلول الفاعل فلو حذف لزم شبه قيام العرض
__________
367- البيت من الطويل، وهو لسوار بن المضرب في شرح التصريح 1/ 272؛ والمقاصد النحوية 2/ 451؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 90؛ وخزانة الأدب 10/ 479؛ والخصائص 2/ 433؛ وشرح المفصل 1/ 80، والمحتسب 2/ 192.(2/63)
وبعد فعل فاعل فإن ظهر ... فهو وإلا فضمير استتر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأوله الجمهور على أن التقدير فإن كان هو أي ما نحن عليه من السلامة. الثالث وجوب تأخيره عن رافعه، فإن وجد ما ظاهره تقدم الفاعل وجب تقدير الفاعل ضميرًا مستترًا، وكون المقدم إما مبتدأ كما في نحو زيد قام وإما فاعلًا محذوف الفعل كما في نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] ، ويجوز الأمران في نحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: 6] ، و {أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} [الواقعة: 59] ، والأرجح الفاعلية لما سيأتي في باب الاشتغال، وإلى هذا الثالث الإشارة بقوله: "وبعد فعل" أي وشبهه "فاعل" فاعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بنفسه. هكذا ينبغي تقرير هذا التعليل لا كما قرره البعض. قوله: "تمسكا بنحو قوله فإن كان إلخ" أي حيث حذف اسم كان كان وهو فاعل مجازا وفاعل يرضيك أيضا وإن لم يتعرض له الشارح في التأويل اكتفاء بالتعرض لاسم كان. وحتى للغاية بمعنى إلى كما في العيني. وقطري بفتح القاف والطاء رجل خارجي. قوله: "على أن التقدير فإن كان هو" أي فالفاعل ضمير مستتر عائد على معلوم من المقام لا محذوف. قوله: "وجوب تأخيره" أي عند البصريين دون الكوفيين ولهذا يجيزون فاعلية زيد في زيد قام كما سيذكره الشارح. قوله: "كما في نحو وإن أحد إلخ" أي على الأصح من أن جملة الشرط لا تكون إلا فعلية وجوّز الكوفيون كونها اسمية فأجازوا كون أحد مبتدأ مخبرا عنه بالفعل بعده وسوغ الابتداء به وقوعه بعد الشرط ونعته بالجار والمجرور بعده.
قوله: "لما سيأتي" من أن الأصل في الاستفهام أن يكون عما يتجدد والمفيد لذلك أصالة الفعل فالغائب دخول الاستفهام على الجملة الفعلية واعترض ترجيح الفاعلية في الآية الثانية بأن مرجح الفعلية فيها وهو الاستفهام عارضه مرجح الاسمية وهو عطف أم نحن الخالقون لاقتضائه اسمية المعطوف عليه ليتناسب المتعاطفان فتساقطا. ودفعه الروداني بأن مرجح الفعلية أقوى لأنه أمر معنوي كما عرفت بخلاف مرجح الاسمية فإنها مجرد مناسبة لفظية فلا تعارض لأنه لا يكون إلا بين متساويين. قوله: "وبعد فعل فاعل" أي بعد كل فعل فاعل فالنكرة للعموم كما في علمت نفس ويستثنى الفعل المكفوف بما كقلما وكثر ما وطالما كذا قالوا. قال الشاطبي وهو غير متعين في قلما لأنها تستعمل للنفي المحض فيمكن أن تكون حرفا نافيا كما فلا تطلب فاعلا وقوله تستعمل للنفي المحض أي غالبا وقد تستعمل لإثبات الشيء القليل كما قاله الرضي وعندي أن ما مصدرية هي وما بعدها في تأويل مصدر فاعل ثم رأيته في المغني عن بعضهم وذكر فيه أن الفعل المكفوف بما لا يليه إلا جملة فعلية صرح بفعلها وأن إيلاؤها فعلا مقدرا يفسره المذكور في قول الشاعر:
صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يدوم
ضرورة. وقيل هو من تقديم الفاعل على فعله للضرورة. ويستثنى أيضا الفعل المؤكد كما في "أتاك أتاك اللاحقون" وكان الزائدة على الصحيح قاله ابن هشام. قوله: "أي وشبهه" وإنما خص الفعل بالذكر لأنه الأصل ويحتمل أن المراد الفعل اللغوي أي وبعد مفهوم فعل إلخ فلا اقتصار في(2/64)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مبتدأ خبره في الظرف قبله، أي يجب أن يكون الفاعل بعد الفعل "فإن ظهر" في اللفظ نحو قام زيد والزيدان قاما "فهو" ذاك "وإلا" أي وإن لم يظهر في اللفظ "فضمير" أي فهو ضمير "استتر" نحو قم وزيد قام وهند قامت لما مر من أن الفعل وفاعله كجزأي كلمة، ولا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها، وأجاز الكوفيون تقدم الفاعل مع بقاء فاعليته تمسكًا بقول الزباء:
368- ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلًا يحملن أم حديدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كلامه. قوله: "فاعل مبتدأ" والمسوغ للابتداء بالنكرة وقوع الخبر ظرفا مختصا إذ المراد باختصاصه كما مر في محله عن الشمني أن يكون ما أضيف إليه الظرف صالحا لأن يبتدأ به وهو هنا كذلك، لأن المراد كما أسلفناه وبعد كل فعل وكل فعل صالح لأن يبتدأ به فهو مختص بالمعنى المذكور وإن كان عاما فلا تغفل.
قوله: "فإن ظهر" أي الفاعل في المعنى أي داله والمراد بالفاعل في المعنى المحكوم عليه بالفعل فهو ذاك أي الفاعل في الاصطلاح فلا اتحاد بين الشرط والجزاء معنى كذا قال المرادي. وفيه أن مرجع الضمير الفاعل في قوله وبعد فعل فاعل والمراد به الاصطلاحي إذ هو المتكلم عليه هنا ولأنه الواجب التأخير عن الفعل. اللهم إلا أن يرتكب الاستخدام ثم التقسيم إلى ظاهر وضمير فيما عدا مواضع حذف الفاعل فلا اعتراض على قوله وإلا فضمير استتر بأنه لا يلزم من عدم ظهوره استتاره لجواز أنه محذوف فاعرفه فإنه أحسن مما ارتكبه غير واحد هنا. قوله: "لما مر إلخ" علة لقوله أي يجب أن يكون الفاعل إلخ. قوله: "وأجاز الكوفيون تقدم الفاعل إلخ" فلا يضر عندهم عدم تميز المبتدأ من الفاعل في نحو زيد قام. وتظهر ثمرة الخلاف في التثنية والجمع فنحو الزيدان قام والزيدون قام جائز عند الكوفيين ممتنع عند البصريين وفي كلام الدماميني ما يفيد أن من المانعين للتقدم من يخص منعه بالاختيار حيث قال نص الأعلم وابن عصفور في قول الشاعر:
صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يدوم
على رفع وصال بيدوم وقدم للضرورة وهو ظاهر كلام سيبويه فقد تحقق تقديم الفاعل على رافعه في الجملة. ا. هـ. وكذا في التصريح. قوله: "تمسكا بقول الزباء" ملكة الجزيرة حيث رفع مشيها فاعلا للحال أعني وئيدا ولا يجوز كونه مبتدأ لعدم وجود خبر له وما للجمال مبتدأ وخبر والوئيد صفة مشبهة من التؤدة وهي التأني والجندل الحجر وإنما لم يجعل مشبها فاعلا للجار
__________
368- الرجز للزباء في أدب الكاتب ص200، والأغاني 15/ 256؛ وأوضح المسالك 2/ 86؛ وجمهرة اللغة ص724، 1237؛ وخزانة الأدب 7/ 295؛ والدرر 2/ 281؛ وشرح التصريح 1/ 371؛ وشرح شواهد المغني 2/ 912؛ وشرح عمدة الحافظ ص179؛ ولسان العرب 3/ 443 "وأد"؛ ومغني اللبيب 2/ 581؛ وللزباء أو الخنساء في المقاصد النحوية 2/ 448؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 159.(2/65)
وجرد الفعل إذا ما أسندا ... لاثنين أو جمع كفاز الشهدا
وقد يقال سعدا وسعدوا ... والفعل للظاهر بعد مسند
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأوله البصريون على أن مشيها مبتدأ محذوف الخبر والتقدير مشيهًا يكون أو يوجد وئيدًا. وقيل ضرورة وقد روي مثلثًا: الرفع على ما ذكرنا، والنصب على المصدر أي تمشي مشيها، والخفض بدل اشتمال من الجمال "وجرد الفعل" من علامة التثنية والجمع "إذا ما أسندا لاثنين" كفاز الشهيدان ويفوز الشهيدان "أو جمع كفاز الشهدا" ويفوز الشهداء وفازت الهندات وتفوز الهندات. هذه اللغة المشهورة "وقد يقال" على لغة قليلة "سعدا" الزيدان ويسعدان الزيدان "وسعدوا" العمرون ويسعدون العمرون. وسعدن الهندات ويسعدن الهندات. ومن ذلك قوله:
369- تولى قتال المارقين بنفسه ... وقد أسلماه مبعد وحميم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمجرور لاعتماده على الاستفهام لأن الجار والمجرور على هذا التقدير رافع للاسم الظاهر فلا ضمير فيه يرجع إلى ما فتخلو الجملة الخبرية عن رابط والتقدير تكلف. قوله: "محذوف الخبر" أي وجوبا لسد الحال مسده وأورد عليه المغني أنه تخريج على شاذ لعدم استكمال شروط حذف الخبر وسد الحال مسده لأن هذه الحال تصلح خبرا عن المبتدأ. قوله: "وقيل ضرورة" قائل ذلك وهو بعض البصريين لا يطلق منع تقديم الفاعل بل يخصه بالسعة كما مر فلا يقال هذا القول لا يظهر لأن البصريين يمنعون مطلقا والكوفيون يجيزون مطلقا. قوله: "على ما ذكرنا" أي من الوجهين. قوله: "وجرد الفعل" هذا هو الحكم الرابع ومثل الفعل الوصف كما قاله ابن هشام ففي قوله الفعل ما تقدم في قوله وبعد فعل. قوله: "لاثنين" أي لدال اثنين أو جمع أي دال جمع ولو بطريق العطف فيهما على الصحيح نحو ما قاما زيد وعمرو، وقاموا زيد وعمرو وبكر. ومنع أبو حيان أن يقال على هذه اللغة جاءوني من جاءك لأنها لم تسمع في ذلك، وضعفه في المغني بأنه إذا كان سبب لحاق الواو بيان جمعية الفاعل كان لحاقها هنا أولى لخفاء الجمعية قال وقد جوز الزمخشري في: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 87] ، كون من فاعلا والواو علامة. قوله: "على لغة قليلة" في الدماميني ينبغي على هذه اللغة ترك العلامة جوازا في قولك قام اليوم أخواك ووجوبا في قولك ما قام إلا أخوك كما يفعل في علامة التأنيث أي على أحد القولين في الفصل بإلا كما يأتي وإنه إذا قيل قاما وقعدا أخواك فإنه يتصل بكل من الفعلين ألف إلا أنها في المهمل ضمير وفي المعمل علامة، وجوز في المغني في قوله تعالى:
__________
369- البيت من الطويل، وهو لعبد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص196؛ وتخليص الشواهد ص473؛ والدرر 2/ 282؛ وشرح التصريح 1/ 277؛ وشرح شواهد المغني 2/ 784، 790؛ والمقاصد النحوية 2/ 461؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 106؛ والجني الداني ص175؛ وجواهر الأدب ص109؛ وشرح شذور الذهب ص227؛ وشرح ابن عقيل ص239؛ ومغني اللبيب 2/ 367، 371؛ وهمع الهوامع 1/ 160.(2/66)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
370- نسيا حاتم وأوس لدن فا ... ضت عطاياك يابن عبد العزيز
وقوله:
371- نصروك قومي فاززت بنصرهم ... ولو أنهم خذلوك كنت ذليلا
وقوله:
372- يلومونني في اشتراء النخـ ... ـيل أهلي فكلهم يعذل
وقوله:
373- رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر
ويعبر عن هذه اللغة بلغة أكلوني البراغيث، وعليها حمل الناظم قوله عليه الصلاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا} كثير منهم تنازع العاملين في الظاهر وجعل الواو فيهما علامة وتقدير ضمير مستتر في المهمل. قال وهذا أعني وجوب استتار الضمير في فعل الغائبين من غرائب العربية. ا. هـ. قيل مما جاء على هذه اللغة قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: ُ"أَوَمخرجي هم" والمناسب أن يكون هم مبتدأ مؤخرا ومخرجي خبرا مقدما فيكون على اللغة الفصحى التي هي لغته صلى الله عليه وسلّم وقد قال الناظم سابقا:
والثان مبتدأ وذا الوصف خبر ... إن في سوى الإفراد طبقا استقر
قوله: "تولى" أي مصعب بن الزبير. والمارقين الخارجين. أسلماه أي خذلاه وأسلماه إلى عدوه. والمبعد قال في التصريح اسم مفعول من الإبعاد والمراد به الأجنبي من للنسب. ا. هـ. والظاهر أنه يصح كونه اسم فاعل من أبعد بمعنى تباعد مرادا به غير الصاحب والحميم القريب كما في التصريح أو الصاحب الذي يهتم بصاحبه كما في غيره والبيت رثاء فيه بعد موته. قوله: "أكلوني البراغيث" عبر بأكلوني مع أن حقها أكلتني أو أكلنني لأن الواو للعقلاء سواء كانت ضميرا أو علامة جمع تشبيها لها بهم من حيث فعلها فعلهم من الجور والتعدي المعبر عنه
__________
370- البيت من الخفيف.
371- البيت من الكامل.
372- البيت من المتقارب، وهو لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص48؛ والدرر 2/ 283؛ وشرح التصريح 1/ 276؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 363؛ وأوضح المسالك 2/ 100؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 629؛ وشرح شواهد المغني 2/ 783؛ وشرح ابن عقيل ص239؛ وشرح المفصل 3/ 87، 7/ 7؛ ومغني اللبيب 2/ 365؛ والمقاصد النحوية 2/ 460؛ وهمع الهوامع 1/ 160.
373- البيت من الطويل، وهو لمحمد بن عبد الله العتبي في الأغاني 14/ 191؛ وتخليص الشواهد ص474؛ والمقاصد النحوية 2/ 473؛ ولمحمد بن أمية في العقد الفريد 3/ 43؛ وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص229؛ وشرح ابن عقيل ص240.(2/67)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والسلام: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" أخرجه مالك في الموطأ. ثم قال لكنني أقول في حديث مالك أن الواو فيه علامة إضمار لأنه حديث مختصر. رواه البزار مطولًا مجردًا فقال: "إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم" وحكى بعض النحويين أنها لغة طيئ، وبعضهم أنها لغة أزدشنوءة "والفعل" على هذه اللغة ليس مسندًا لهذه الأحرف بل هو "الظاهر بعد مسند" وهذه أحرف دالة على تثنية الفاعل وجمعه كما دلت التاء في قامت هند على تأنيث الفاعل. ومن النحويين من يحمل ما ورد من ذلك على أنه خبر مقدم ومبتدأ مؤخر. ومنهم من يحمله على إبدال الظاهر من المضمر وكلا الحملين غير ممتنع فيما سمع من غير أصحاب هذه اللغة. ولا يجوز حمل جميع ما جاء من ذلك على الإبدال أو التقديم والتأخير؛ لأن الأئمة المأخوذ عنهم هذا الشأن اتفقوا على أن قومًا من العرب يجعلون هذه الأحرف علامات للتثنية والجمع، وذلك بناء منهم على أن من العرب من يلتزم مع تأخير الاسم الظاهر الألف في فعل الاثنين، والواو في جمع المذكر، والنون في فعل جمع المؤنث، فوجب أن تكون عند هؤلاء حروفًا وقد لزمت للدلالة على التثنية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالأكل مجازا كذا في شرح الجامع والمغني. قوله: "يتعاقبون" أي تأتي طائفة عقب طائفة. قوله: "ثم قال لكنني أقول إلخ" تبع فيه المرادي. قال الشيخ يحيى هذا كلام السهيلي وأما الناظم فاستدل به على تلك اللغة فالشارح خلط الكلامين. قوله: "لأنه حديث مختصر" أي من الراوي يعني أن الراوي اختصر اللفظ النبوي الذي هو الحديث المطول بحذف صدره واللفظ النبوي: "إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" فالواو في يتعاقبون ضمير يرجع إلى ملائكة السابق، وقوله ملائكة بالليل إلخ بيان لما أجمل في ملائكة السابق وهكذا الحال بعد الاختصار فالواو في المتختصر عائدة على ملائكة الأولى المحذوفة قاله البهوتي دافعا به بحث سم بأن اللفظ المختصر يتعين كون الواو فيه حرفا لإسناد الفعل إلى الظاهر أي فلا يتم الجواب بالاختصار ولا يخفى ما في كلام البهوتي من البعد فتأمل.
قوله: "رواه البزار" ومثل ما رواه البزار في صحيح البخاري. قوله: "مجردا" أي من علامة الجمع الموجودة مع الاسم الظاهر لعدم إسناده إلى الظاهر بل إلى الضمير. قوله: "فقال إن لله ملائكة إلخ" لم يذكر تمام الحديث لأخذه مما سبق. قوله: "أزدشنوءة" حي من اليمن ويقال أيضا أسد شنوءة بالسين المهملة بدل الزاي، وقد وجد هكذا في بعض نسخ الشارح. قوله: "للظاهر" أو الضمير المنفصل في نحو ما قاما إلا هما وإنما قاما هما. قوله: "حمل جميع ما جاء إلخ" أي ما سمع من أصحاب هذه اللغة وما سمع من غيرهم. قوله: "كما لزمت التاء إلخ" الفرق بينها وبين علامتي التثنية والجمع على مذهب جمهور العرب أنهما قد يتوهم فاعليتهما لوجود الفاعل على صورتهما بخلافها وأيضا الاحتياج إلى تاء التأنيث أتم لأن الفاعل قد لا يعلم منه التأنيث إذ اللفظ قد يكون بصورة المذكر والمراد منه مؤنث وبالعكس بخلاف لفظ التثنية(2/68)
ويرفع الفاعل فعل أضمرا ... كمثل زيد في جواب من قرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والجمع كما لزمت التاء للدلالة على التأنيث؛ لأنها لو كانت أسماء للزم إما وجوب الإبدال أو التقديم والتأخير، وإما إسناد الفعل مرتين واللازم باطل اتفاقًا "ويرفع الفاعل فعل أضمرا" أي حذف من اللفظ أما جوازًا كما إذا أجيب به استفهام محقق "كمثل زيد في جواب من قرا" إذا جعل التقدير قرأ زيد. ومنه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 27] ، أي خلقهن الله أو مقدر كقراءة ابن عامر وشعبة {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ} [النور: 36] ، وقراءة ابن كثير: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ} [الشورى: 3] ، وقراءة بعضهم: {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] وقوله:
374- لِيُبك يزيد ضارع لخصومه ... ومختبط مما تطيح الطوائح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والجمع فإنه لا احتمال فيه ولا إبهام قاله سم. قوله: "للزم" أي عند هؤلاء الأقوام المخصوصين. قوله: "وأما إسناد الفعل مرتين" أي إن جعل كل من الضمير والظاهر فاعلا. قوله: "واللازم باطل اتفاقا" لقائل أن يقول لا نسلم هذه الدعوى وأي مانع من القول بأحد هذه اللوازم عند أصحاب هذه اللغة فلو قال وهو بعيد لكان أولى. فإن قلت كيف يتصور إسناد الفعل الواحد إلى فاعلين. قلت لا مانع من ذلك عقلا إذا اتحد الفاعلان في المعنى كما هنا لأن مدلول الضمير والاسم الظاهر واحد. قوله: "ويرفع الفاعل فعل" هذا هو الحكم الخامس. قوله: "استفهام محقق" أي ملفوظ بداله وإن كان في حيز شرط لم يوجد مدلوله في الخارج كما في: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وقوله أو مقدر أي غير ملفوظ بداله. قوله: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ} له: نائب فاعل والآصال: جمع أصل بضمتين جمع أصيل وهو المساء ويجمع آصال على أصائل.
قوله: "وقراءة بعضهم" هذه القراءة شاذة بخلاف ما قبلها ولذلك أبهم القارئ. قوله: "مضارع" أي مسكين لخصومة علة للفعل المحذوف ومختبط أي محتاج وما مصدرية أي من أجل إطاحة الأشياء المطيحة أي المهلكة وكان القياس أن يقول المطيحات لكنه وضع فاعل
__________
374- البيت من الطويل، وهو للحارث بن نهيك في خزانة الأدب 1/ 303؛ وشرح شواهد الإيضاح ص94؛ وشرح المفصل 1/ 80؛ والكتاب 1/ 288؛ وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص362؛ ولنهشل بن حري في خزانة الأدب 1/ 303؛ ولضرار بن نهشل في الدرر 2/ 286؛ ومعاهد التنصيص 1/ 202؛ وللحارث بن ضرار في شرح أبيات سيبويه 1/ 110؛ ولنهشل أو للحارث، أو لضرار أو لمزرد بن ضرار أو للمهلهل في المقاصد النحوية 2/ 454؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 345؛ 7/ 24، وأمالي ابن الحاجب ص447، 789؛ وأوضح المسالك 2/ 93؛ وتخليص الشواهد ص478؛ وخزانة الأدب 8/ 139؛ والخصائص 2/ 353، 424؛ وشرح المفصل 1/ 80؛ والشعر والشعراء ص105، 106؛ والكتاب 1/ 366، 389، ولسان العرب 2/ 536 "طوح"، والمحتسب 1/ 230؛ ومغني اللبيب ص620؛ والمقتضب 3/ 282؛ وهمع الهوامع 1/ 160.(2/69)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ببناء الأفعال للمفعول، والأسماء المذكورة رفع بالفاعلية لأفعال محذوفة، كأنه قيل: من يسبح؟ ومن يوحي؟ ومن زينه؟ ومن يبكيه؟ فقيل: يسبح رجال، ويوحي الله، وزينه شركاؤهم، ويبكيه ضارع. وهذا أولى من تقدير هذه المرفوعات أخبار مبتدآت محذوفة لاعتضاد التقدير الأول بما رجحه، أما الآية الأولى فلثبوته فيما يشبهها وهو: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9] ، وفيما هو على طريقتها وهو: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79] ، {قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم: 3] وأما البواقي فبالرواية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
موضع مفعل اضطرارا. قوله: "لأفعال محذوفة" أي قياسا على الأصح إلا إذا توهم كون المذكور نائب فاعل فلا يجوز يوعظ في المسجد رجل على أن رجل فاعل فعل محذوف. قوله: "لاعتضاد التقدير الأول" لا يقال يعارض هذا كون جملة الاستفهام اسمية لاقتضاء ذلك كون الجواب كذلك للتناسب لأنا نقول قال السيد جملة السؤال فعلية حقيقة وإن كانت اسمية صورة لأن قولك من قام أصله أقام زيد أم عمرو أم بكر إلخ لا أزيد قائم أم عمرو أم بكر إلخ لأن الاستفهام للفعل أولى فاختصر وأتى بلفظ من الدالة إجمالا على تلك الذوات المفصلة ولتضمنها معنى الاستفهام وجب تقديمها على الفعل فصارت الجملة اسمية في الصورة فنبه بإيراد الجواب جملة فعلية على أصل السؤال فالمطابقة حاصلة باعتبار الحقيقة ولم يترك هذا التنبيه إلا لمانع هنا منه كما في آية: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 63] ، فإن قصد الاختصاص هنا أوجب تقديم المسند إليه. ا. هـ. وفيه كما قال الروداني تبعا لحفيد السعد أن المسؤول عنه بالهمزة ما يليها ففي أخلق الله المشكوك فيه إنما هو صدور الخلق من خالقه أو أن الفعل المحقق صدوره من الله هل هو خلق أو غيره فعلى الأول يقال أخلق الله أم لم يخلق وعلى الثاني أخلق الله أم أرسل، وتقول أقام زيد أم لم يقم وأقام زيد أم ضرب ويقال إذا سئل عن الفاعل آلله خالق أم غيره وأزيد قائم أو عمرو فلا نسلم أن من خلق بمعنى أخلق لأنهم لا يشكون في صدور الخلق ولا في أن الفعل الصادر هو الخلق لا غيره وإنما السؤال عن الخالق أهو الله أم غيره فمن خلق حينئذٍ في معنى آلله خلق أم غيره فهو جملة اسمية لفظا ومعنى قال في الأطول ونكتة ترك المطابقة على هذا أن في رعايتها بإيراد الجواب جملة اسمية إيهام قصد التقوية وهو لا يليق بالمقام. ا. هـ. أي لأن التقوية شأن ما يشك فيه أو ينكر واعتبار ذلك هنا غير مناسب للمقام.
قوله: "فلثبوته فيما يشبهها" وجه الشبه أن كلا سؤال عن خلق السموات والأرض. فإن قلت هذا معارض بالمثل فيقال الدليل على أنه مبتدأ وقوعه كذلك كقوله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 63] ، {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا} [الأنعام: 64] . قلت وقوعه فاعلا أكثر والقليل لا يعارض الكثير. قوله: "وفيما هو على طريقتها" من حيث أن كلا سؤال عن شيء ولكون التناسب بين الآية الأولى والآية التي شبهها بها أتم منه بين الأولى وآية قال من يحيي العظام عبر في الأول بالشبه دون الثاني. قوله: "وأما البواقي" أي وأما اعتضاد التقدير(2/70)
وتاء تأنيث تلي الماضي إذا ... كان لأنثى كأبت هند الأذى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأخرى وهي رواية البناء للفاعل. نعم في غير ما ذكر يكون الحمل على الثاني أولى لأن المبتدأ عين الخبر، فالمحذوف عين الثابت فيكون الحذف كلا حذف، بخلاف الفعل فإنه غير الفاعل أو أجيب به نفي كقوله:
375- تجلدت حتى قيل لم يعر قلبه ... من الوجد شيء قلت بل أعظم الوجد
أي بل عراه أعظم الوجد، أو استلزمه فعل قبله كقوله:
376- أسقى الإله عدوات الوادي ... وجوفه كل ملث غادي
كل أجش خالك السواد
أي سقاها كل أجش. وإما وجوبًا كما إذا فسر بما بعد الفاعل من فعل مسند إلى ضميره أو ملابسه نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] وهلا زيد قام أبوه، أي وإن استجارك أحد استجارك، وهلا لابس زيد قام أبوه إلا أنه لا يتكلم به لأن الفعل الظاهر كالبدل من اللفظ بالفعل المضمر فلا يجمع بينهما "وتاء تأنيث تلي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأول في البواقي إلخ. قوله: "فبالرواية الأخرى" أي بالحمل عليها. قوله: "نعم في غير ما ذكر" أي في غير ما أجيب به استفهام محقق أو مقدر وقد عضد تقدير كونه فاعلا مرجح وغير ما ذكر كزيد في جواب من القائم فجعله خبرا أولى من جعله فاعلا وأما تمثيل البعض بدنف في جواب كيف زيد فغير ظاهر لتعين كونه خبرا لا رجحانه فقط. قوله: "أو أجيب به نفي" عطف على قوله أجيب به استفهام والظاهر أن المراد النفي بالجملة الفعلية كما في الشاهد فإن كان بالجملة الاسمية فلا يترجح كون المرفوع فاعلا كما لو قيل:
تجلدت حتى قيل لا وجد عنده ... فقلت مجيب القول بل أعظم الوجد
فالأرجح أن التقدير عندي أعظم الوجد هذا ما ظهر لي. قوله: "أسقى الإله إلخ" العدوات بضمتين جمع عدوة العين وكسرها مع سكون الدال فيهما جانب الوادي والملث بالمثلثة من ألث المطر دام أياما، والغادي الآتي في الغداة، والأجش بالجيم والشين المعجمة السحاب الذي معه رعد شديد. وحالك السواد شديده والشاهد في قوله كل أجش فإنه فاعل فعل محذوف استلزمه أسقى تقديره سقى ما ذكر كل إلخ على الإسناد المجازي لأن إسقاء الله عدوات الوادي وجوفه الماء يستلزم سقي الماء عدوات الوادي وجوفه ولا يقدح في ذلك استعمال أسقى بمعنى سقى أيضا هكذا ينبغي تقرير هذا المحل لا كتقرير البعض له بما لا يناسب. قوله: "وإما وجوبا" عطل على قوله إما جوازا. قوله: "أو ملابسة" أي الضمير عطف على قوله ضميره وقد مثل للأمرين على
__________
375- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 92؛ وتخليص الشواهد ص478؛ وشرح التصريح 1/ 273؛ والمقاصد النحوية 2/ 453.
376- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص173؛ والمقاصد النحوية 2/ 475؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص477؛ والخصائص 2/ 425؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 384؛ والكتاب 1/ 289؛ والمحتسب 1/ 117.(2/71)
وإنما تلزم فعل مضمر ... متصل أو مفهم ذات حر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الماضي إذا كان لأنثى" لتدل على تأنيث الفاعل وكان حقها أن لا تلحقه لأن معناها في الفاعل إلا أن الفاعل لما كان كجزء من الفعل جاز أن يدل ما اتصل بالفعل على معنى في الفاعل، كما جاز أن يتصل بالفاعل علامة رفع الفعل في الأفعال الخمسة وسواء في ذلك التأنيث الحقيقي "كأبت هند الأذى" والمجازي كطلعت الشمس "وإنما تلزم" هذه التاء من الأفعال "فعل" فاعل "مضمر متصل" سواء عاد على مؤنث حقيقي كهند قامت والهندان قامتا، أو مجازي كالشمس طلعت والعينات نظرتا "أو" فعل فاعل ظاهر متصل "مفهم ذات حر" أي فرج، وهو المؤنث الحقيقي، كقامت هند وقامت الهندان وقامت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللف والنشر المرتب. قوله: "وتاء تأنيث إلخ" هذا هو الحكم السادس والإضافة من إضافة الدال للمدلول. قوله: "تلي الماضي" أي وجوبا أو جوازا على التفصيل الآتي وكالماضي الوصف نحو أقائمة هند. وقوله لأنثى أي مسندا لأنثى والمراد بالأنثى المؤنث حقيقة أو مجازا أو تأويلا كالكتاب مرادا به الصحيفة أو حكما كالمضاف إلى المؤنث.
قوله: "لتدل على تأنيث الفاعل" أي من أول الأمر فلا يقال الدلالة حاصلة بتاء التأنيث التي في الفاعل على أنه قد يخلو الفاعل المؤنث من التاء كهند وقد تلحق المذكر كطلحة. وأيضا في عدم الاكتفاء بتاء الاسم إجراء الباب على وتيرة واحدة. قوله: "تأنيث الفاعل" لو قال تأنيث مرفوع الفعل ليدخل في ذلك نائب الفاعل واسم كان لكان أحسن إلا أن يقال قيد بالفاعل لكون الكلام فيه. قوله: "لما كان كجزء إلخ" فإن قلت يلزم لحاق التاء لما هو كحشو الكلمة فهلا ألحقت بالفاعل لأنه الآخر. قلت لما كان بعض أفراد الفاعل تأنيثه لفظي كفاطمة لحقت التاء الفعل لئلا يلزم اجتماع علامتي تأنيث في كلمة واحدة ولم يكتف في هذا البعض بتائه لما ذكرناه قريبا. قوله: "وسواء في ذلك" أي في تلو تاء التأنيث الماضي. قوله: "التأنيث الحقيقي" معنى حقيقية التأنيث حقيقية إطلاق المؤنث على الشيء. ومعنى مجازيته مجازية إطلاق المؤنث عليه.
قوله: "فعل مضمر" أي فعل فاعل مضمر مستترا كان أو بارزا كما يؤخذ من تمثيل الشارح. ويستثنى من كلامه نحو قمت وقمن فإن تاء التأنيث لا تلحق فيما ذكر فضلا عن لزومها لعدم الحاجة إليها، ونحو نعمت امرأة هند لأن الفاعل وإن كان ضمير مؤنث متصلا يعود على التمييز كما في الدماميني وغيره لكن لا تلزم التاء في فعله بل تجوز لما ستعرفه في قول المصنف والحذف في نعم الفتاة إلخ وإنما لزمت مع المضمر لخفاء حاله. ثم هذا اللزوم باق إذا عطف عليه مذكر نحو هند قامت هي وزيد كما يلزم في نحو قامت هند وزيد، وكما يلزم التذكير في عكسه نحو قام زيد وهند وقولهم يغلب المذكر على المؤنث عند الاجتماع خاص بنحو هند وزيد قائمان. قوله: "أو فعل فاعل ظاهر إلخ" يستثنى منه كفى المجرور فاعله بالباء نحو كفى بهند لأنه في صورة الفضلة وهي لا يؤنث لها الفعل. قوله: "ظاهر متصل" أي بفعله فيكون المصنف حذف قيد الاتصال من الثاني لدلالة الأول عليه. قوله: "حر" بكسر الحاء أصله حرح بدليل تصغيره على حريح وجمعه على أحراح حذفت لامه اعتباطا وجعل كيد ودم. وقد يعوض(2/72)
وقدح يبيح الفصل ترك التاء في ... نحو أتى القاضي بنت الواقف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهندات، فيمتنع هند قام، والهندان قاما، والشمس طلع، والعينات نظرا، وقام هند، وقام الهندان، وقام الهندات. وقد أفهم أن التاء لا تلزم في غير هذين الموضعين فلا تلزم في المضمر المنفصل نحو هند ما قام إلا هي وما قام إلا أنت، ولا في الظاهر المجازي التأنيث نحو طلع الشمس ولا في الجمع غير ما ذكر على ما سيأتي بيانه.
تنبيهان: الأول يضعف إثبات التاء مع المضمر المنفصل. الثاني تساوي هذه التاء في اللزوم وعدمه تاء مضارع الغائبة والغائبتين "وقد يبيح الفصل" بين الفعل وفاعله الظاهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منها راء ويدغم فيها عين الكلمة. قوله: "أي فرج" المراد به كما في يس المحل المعد للوطء فيه ولو دبرا فقط كما في الطير، وبه يجاب عن إيراد أن الحر خاص بفرج المرأة مع أن الحكم عام لذات الفرج مطلقا. نعم قال في النكت يرد عليه اسم الجنس الذي واحده بالتاء كشاة وبقرة وحمامة فإن التاء تلحق المسند إليه لزوما سواء كان ذكرا أو أنثى بلا خلاف. قال ابن عصفور وهذا بخلاف الإخبار عنه فإنه بحسب ما يراد من المعنى. ا. هـ.
قوله: "وهو المؤنث الحقيقي" أي تأنيثا معنويا فقط كزينب أو معنويا ولفظيا كفاطمة ويسثتنى من ذلك المجرد من التاء الذي لا يتميز مذكره عن مؤنثه كبرغوث فإنه لا يؤنث وإن أريد به مؤنث كما أن المؤنث بالتاء الذي لا يتميز مذكره عن مؤنثه كنملة يؤنث وإن أريد به مذكر قاله أبو حيان. والحاصل أن يراعى اللفظ لعدم معرفة حال المعنى في الواقع. قوله: "فلا تلزم في المضمر المنفصل" أي بل تجوز مع ضعف كما سيذكره المصنف والشارح وهذا محترز قوله مضمر متصل أما محترز الاتصال مع الظاهر فذكره المصنف بقوله وقد يبيح الفصل إلخ وقول الشارح ولا في الظاهر المجازي التأنيث أي بل تجوز مع رجحان محترز قوله مفهم ذات حر. قوله: "ولا في الجمع غير ما ذكر" نحو قام الهنود وذكر هذا في حيز التفريع يدل على أن قوله فلا تلزم في المضمر إلخ تفريع على كلام المصنف وعلى اقتصار الشارح في التمثيل على جمع المؤنث السالم لا تفريع على كلام المصنف وحده ولا تفصيل لقوله وقد أفهم أن التاء لا تلزم في غير هذين الموضعين لأن عبارة المصنف لا تفهم عدم اللزوم في غير الجمع المذكور. قوله: "تنبيهان الأول إلخ" قيل لا حاجة إلى ذكر هذا الأول لعلمه من قول المصنف:
والحذف مع فصل بالأفضلا
وهو ممنوع لأن من أفراد الضمير المنفصل ما لم يعلم ضعف لحاق التاء لفعله من قول المصنف والحذف إلخ نحو إنما قام أنت وإنما قام هي. قوله: "في اللزوم" أي بأحد السببين المتقدمين وقوله وعدمه أي بسبب أحد الأمور الآتية فيستفاد من كلامه مساواة تاء المضارع لتاء التأنيث فيما سيأتي أيضا فلا قصور فيه كما توهمه البهوتي وتبعه البعض. قوله: "الغائبة والغائبتين" لا المخاطبة والمخاطبتين لأن تاءهما للخطاب لا للتأنيث والظاهر أن تاء الغائبات كتاء الغائبة والغائبتين فكان عليه أن يزيد ذلك. قوله: "وقد يبيح الفصل" أي بغير إلا بدليل ما يأتي وفي(2/73)
والحذف مع فصل بإلا فضلا ... كما زكا إلا فتاة ابن العلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحقيقي التأنيث "تزك التاء" كما "في نحو أتى القاضي بنت الواقف" وقوله:
377- لقد ولد الأخيطل أم سوء
وقوله:
378- إن امرء غره منكن واحدة ... بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور
والأجود الإثبات "والحذف مع فصل بإلا فضلا" على الإثبات "كما زكا إلا فتاة ابن العلا" إذ معناه ما زكا أحد إلا فتاة ابن العلا، ويجوز ما زكت نظرًا إلى اللفظ، وخصه الجمهور بالشعر كقوله:
379- ما برئت من ريية وذم ... في حرنا إلا بنات العم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التعبير بقد والإباحة إشعار بأن الإثبات أجود. قوله: "كما في نحو" أي كالفصل الذي في نحو أو كالترك الذي في نحو وإنما أتى الشارح بقوله كما دفعا لتوهم كون الظرف قيدا. قوله: "والأجود الإثبات" بل قيل واجب وفرض كلامه فيما إذا كان المسند إليه حقيقي التأنيث وهل الحكم كذلك إذا كان المسند إليه مجازي التأنيث أو الأجود الحذف نقل الدماميني عنهم الثاني قال إظهارا لفضل الحقيقي على غيره ثم قال والذي يظهر لي خلاف ذلك فإن الكتاب العزيز قد كثر فيه الإتيان بالعلامة عند الإسناد إلى ظاهر غير حقيقي كثرة فاشية فقد وقع فيه من ذلك ما ينيف على مائتي موضع ووقع فيه مما تركت فيه العلامة في الصورة المذكورة نحو خمسين موضعا، وأكثرية أحد الاستعمالين دليل أرجحيته فينبغي أن إثبات العلامة أحسن ونازعه سم بأن كثرة الإثبات في القرآن يحتمل أن تكون لاقتضاء المقام إياها.
قوله: "مع فصل بالأفضلا" وقيل واجب ومثل إلا سوى وغير وإن كان مذكرا لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه ويدل على أنهما مثل إلا قوله إذ معناه إلخ قاله سم. قوله: "إذ معناه ما زكا أحد" أي
__________
377- عجزه:
على باب استها صلب وشام
والبيت من الوافر، وهو لجرير في ديوانه ص283؛ وشرح شواهد الإيضاح ص338، 405؛ وشرح التصريح 1/ 279؛ وشرح المفصل 5/ 92؛ ولسان العرب 1/ 259 "صلب"؛ وشرح شواهد الإيضاح ص338؛ والمقاصد النحوية 2/ 468؛ وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 175؛ وأوضح المسالك 2/ 112؛ وجواهر الأدب ص113؛ والخصائص 2/ 414؛ والمقتضب 2/ 148؛ 3/ 349؛ والممتع في التصريف 1/ 218.
378- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الإنصاف 1/ 174؛ وتخليص الشواهد ص481؛ والخصائص 2/ 414؛ والدرر 6/ 271؛ وشرح شذور الذهب ص224؛ وشرح المفصل 5/ 93؛ ولسان العرب 5/ 11 "غرر"؛ واللمع ص116؛ والمقاصد النحوية 2/ 476؛ وهمع الهوامع 2/ 171.
379- الوجز بلا نسبة في الدرر 6/ 272؛ وشرح التصريح 1/ 279؛ وشرح شذور الذهب ص226؛ والمقاصد النحوية 2/ 471؛ وهمع الهوامع 2/ 171.(2/74)
والحذف قد يأتي بلا فصل ومع ... ضمير ذي المجاز في شعر وقع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
380- فما بقيت إلا الضلوع الجراشع
قال الناظم والصحيح جوازه في النثر أيضًا، وقد قرئ: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25] ، {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 29] ، "والحذف قد يأتي" مع الظاهر الحقيقي التأنيث "بلا فصل" شذوذًا، حكى سيبويه قال فلانة "ومع ضمير ذي" التأنيث "المجاز" الحذف "في شعر وقع" أيضًا كقوله:
381- فإما تريني ولي لمة ... فإن الحوادث أودى بها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالمسند إليه بالنظر إلى المعنى الذي هو أولى من النظر إلى اللفظ مذكر. قوله: "الجراشع" كقنافذ جمع جرشع كقنفذ أي الضلوع المنتفخة الغليظة فتكون الخفيفة قد ذهبت. والجمع في هذا البيت وفي آية: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25] ، وإن كان للتكسير إلا أن جواز الإثبات معه يفيد جوازه مع واجب الإثبات عند عدم الفصل بالأولى فاندفع ما اعترض به البعض. قوله: "وقد قرىء إلخ" القراءتان المذكورتان في الآيتين ليستا سبعيتين. قوله: "مع الظاهر الحقيقي التأنيث" لعله لم يقل ومع ضميره لأنه لم يسمع. قوله: "بلا فصل" أي لا بإلا ولا بغيرها. قوله: "ذي التأنيث المجاز" التأنيث بمعنى إطلاق لفظ المؤنث فالمعنى ومع ضمير الفاعل ذي الإطلاق المجاز أي الذي يطلق عليه المؤنث مجازا. ولا يخفى أن الإطلاق يوصف بالمجاز حقيقة لما تقرر في محله من أن المجاز يطلق بالاشتراك على اللفظ المخصوص وعلى إطلاقه، فقول البعض التأنيث لا يوصف بالمجاز كما هو ظاهر، فلو قال ومع ضمير المؤنث ذي المجاز لكان أولى ممنوع. قوله: "فإما تريني" إن شرطية أدغمت في ما الزائدة وجملة ولي لمة حالية واللمة بكسر اللام شعر الرأس دون الجمة. أودى بها أي أهلكها ولم يقل أودت بها لأجل التأسيس وهو ألف قبل الروي بحرف متحرك كما في عالم لوجوب توافق القوافي في التأسيس كذا قال العيني وتبعه غيره، وهو إنما يتم لو كان الروي هاء الضمير وهم يأبون كونه رويا كما قرر في محله فينبغي أن يقال لأجل الردف وهو حرف لين يتلوه الروي وهو هنا
__________
380- صدره:
طوى النحز والإجراز ما في غروضها
والبيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص1296؛ وتخليص الشواهد ص482؛ وتذكرة النحاة ص113؛ وشرح المفصل 2/ 87؛ والمحتسب 2/ 207؛ والمقاصد النحوية 2/ 477؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص243.
381- البيت من المتقارب، وهو للأعشى في ديوانه ص221 "مع تغيير فيه"؛ وخزانة الأدب 11/ 430، 431، 432، 433، وشرح أبيات سيبويه 1/ 477، وشرح شواهد الإيضاح ص346؛ وشرح المفصل 5/ 95، 9/ 41؛ والكتاب 2/ 46؛ ولسان العرب 2/ 132 "حدث" 15/ 385 "ودي" والمقاصد النحوية 2/ 466؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص764؛ وأوضح المسالك 2/ 110؛ ورصف المباني ص103، 316؛ وشرح المفصل 9/ 6.(2/75)
والتاء مع جمع سوى السالم من ... مذكر كالتاء مع إحدى اللبن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
382- فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
"والتاء مع جمع سوى السالم من مذكر" والسالم مؤنث كما مر "كالتاء مع" المؤنث المجازي وهو ما ليس له فرج حقيقي مثل "إحدى اللبن" أعني لبنة، فكما تقول سقطت اللبنة وسقط اللبنة تقول قامت الرجال وقام الرجال، وقامت الهنود وقام الهنود،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الباء لوجوب توافق القوافي في الردف أيضا.
قوله: "فلا مزنة" هي السحابة البيضاء. ودقت ودقها أي أمطرت كإمطارها. وأبقل إبقالها أي أنبتت البقل كإنباتها. وقيل التذكير أبقل على اعتبار المكان والتأنيث في إبقالها على اعتبار البقعة، ولا مانع من إعادة ضميرين على جائز التذكير والتأنيث: أحدهما باعتبار تذكيره والآخر باعتبار تأنيثه، وممن نص على أن البيت من هذا القبيل البهاء السبكي في عروس الأفراح فقول التصريح التذكير في أبقل باعتبار المكان يأباه الهاء في إبقالها غير مسلم ونص الدماميني في حاشية المغني على أنه لا يجوز تذكير ضمير حقيقي التأنيث باعتبار التأويل، وأنه لا يقال هند قام مثلا على تأويل هند بشخص. قوله: "والتاء مع جمع" أشار به إلى أن اللزوم السابق مختص بغير الجمع المذكور والمراد بالجمع ما دل على جماعة، فدخل اسم الجمع كالنساء واسم الجنس الجمعي كالبقر فإن حكمهما كذلك قاله سم. قال ابن جني إذا أنثت الجمع أعدت الضمير إليه مؤنثا وإن ذكرته أعدت الضمير مذكرا، فتقول ذهبت الرجال إلى إخوتها، وذهب الرجال إلى إخوتهم كذا في يس. والظاهر أن هذا على سبيل الأولوية لا الوجوب كما يعلم مما مر في القولة السابقة. قوله: "سوى السالم إلخ" قال شيخنا قال الشاطبي ما حاصله: إن الجمع السالم إذا لزم فيه تغيير الواحد أو غلب أو جاء على شكل السالم وليس في شروطه كأرضين جاز فيه الوجهان، وكذلك ما جاء من هذا النحو بالألف والتاء نحو لذات حكم التاء معه التخيير. ا. هـ. وفي كلام الشارح في التنبيه الآتي ما يؤيده. قوله: "والسالم من مؤنث" أي من جمع مؤنث حقيقي التأنيث فخرج نحو طلحات وتمرات فيجوز الوجهان في نحوهما كما قاله المصنف في تسهيله في الأول والشاطبي في الثاني. قوله: "حقيقي" لا حاجة إليه إذ الفرج لا ينقسم إلى حقيقي ومجازي.
__________
382- البيت من المتقارب، وهو لعامر بن جوين في تخليص الشواهد ص483؛ وخزانة الأدب 1/ 45، 49، 50؛ والدرر 6/ 268؛ وشرح التصريح 1/ 278؛ وشرح شواهد الإيضاح ص339؛ 460؛ وشرح شواهد المغني 2/ 943؛ والكتاب 2/ 46؛ ولسان العرب 7/ 111 "رأض"، 11/ 60 "بقل"؛ والمقاصد النحوية 2/ 464؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 352؛ وأوضح المسالك 2/ 108؛ وجواهر الأدب ص113؛ والخصائص 2/ 411؛ والرد على النحاة ص91؛ ورصف المباني ص166؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 557؛ وشرح ابن عقيل ص244؛ وشرح المفصل 5/ 94؛ ولسان العرب 1/ 357 "خضب" والمحتسب 2/ 112؛ ومغني اللبيب 2/ 656؛ والمقرب 1/ 303؛ وهمع الهوامع 2/ 171.(2/76)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقامت الطلحات وقام الطلحات. فإثبات التاء لتأوله بالجماعة، وحذفها لتأوله بالجمع وكذا تفعل باسم الجمع كنسوة، ومنه: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} [يوسف: 30] .
تنبيه: حق كل جمع أن يجوز فيه الوجهان إلا أن سلامة نظم الواحد في جمعي التصحيح أوجبت التذكير في نحو قام الزيدون، والتأنيث في نحو قامت الهندات. وخالف الكوفيون فجوزوا فيهما الوجهين، ووافقهم في الثاني أبو علي الفارسي، واحتجوا بقوله: {آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: 90] ، {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة: 12] ، وقوله:
383- فبكى بناتي شجوهن وزوجتي ... والظاعنون إلي ثم تصدعوا
وأجيب بأن البنين لم يسلم فيهما نظم الواحد، وبأن التذكير في جاءك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "تقول قامت الرجال إلخ" لكن حذف التاء أجود فيما ذكر من جمع التكسير مطلقا والجمع بالألف والتاء لمذكر واسم الجمع واسم الجنس الجمعي على ما للدماميني. والذي للسيوطي استواء الأمرين في الأربعة وتقدم رجحان الإثبات في المجازي وحينئذٍ فقول الناظم كالتاء مع إحدى اللبن أي في أصل الجواز فلا يرد اختلافهما في الرجحان. قوله: "وقام الهنود" إنما لم يعتبر التأنيث الحقيقي الذي كان في المفرد لأن المجازي الطارىء أزال الحقيقي كما أزال التذكير الحقيقي في رجال قاله الدماميني. قوله: "لتأوله بالجماعة" أي وهي مؤنث مجازي قال في شرح الشذور وليس لك أن تقول التأنيث في نحو النساء والهنود حقيقي لأن الحقيقي الذي له فرج والفرج لآحاد الجمع لا للجمع وإنما أسندت الفعل إلى الجمع لا إلى الآحاد. ا. هـ. وفيه عندي نظر لما تقرر من أن الحكم على الجمع من باب الكلية وحينئذٍ فالفعل مسند في الحقيقة إلى آحاد الجمع إلا أن يكون كلامه باعتبار الظاهر فاعرفه. قوله: "وكذا تفعل باسم الجمع" قيده في التصريح بالمعرب وقال إن المبني نحو الذين لا يقال فيه قالت الذين وإن قيل إنه جمع الذي. ا. هـ. أي اسم جمع الذي. وكاسم الجمع اسم الجنس الجمعي كبقر ونخل كما مر. قوله: "أن يجوز فيه الوجهان" أي لتأتي التأويلين المتقدمين فيه. قوله: "أوجبت التذكير إلخ" أي لأن الواحد كالمذكور حينئذٍ وعند الإسناد إلى الواحد يجب ما ذكر. قوله: "وخالف الكوفيون" وعليه يحمل قول بعضهم وقيل إنه الزمخشري:
إن قومي تجمعوا وبقتلي تحدثوا ... لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنث
أي وجوبا أو جوازا. قوله: "شجوهن" أي لشجوهن أي حزنهن. وتصدعوا تفرقوا. قوله: "لم يسلم فيهما نظم الواحد" أي لأنه تغير شكله وحذفت لامه واعترض على هذا الجواب بأن
__________
383- البيت من الكامل، وهو لعبدة بن الطبيب في ديوانه ص50؛ وشرح اختيارات المفصل ص701؛ نوادر أبي زيد ص 23؛ ولأبي ذؤيب في المقاصد النحوية 2/ 472؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 116؛ والخصائص 3/ 295؛ وشرح التصريح 1/ 280.(2/77)
والحذف في نعم الفتاة استحسنوا ... لأن قصد الجنس فيه بين
والأصل في الفاعل أن يتصلا ... والأصل في المفعول أن ينفصلا
وقد يجاء بخلاف الأصل ... وقد يجي المفعول قبل الفعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للفصل، أو لأن الأصل النساء المؤمنات أو لأن أل مقدرة باللاتي وهو اسم جمع "والحذف في نعم الفتاة" وبئس الفتاة "استحسنوا" أي رأوه حسنًا "لأن قصد الجنس فيه بين" فالمسند إليه الجنس، وأل في الفتاة جنسية خلافًا لمن زعم أنها عهدية، ومع كون الحذف حسنًا الإثبات أحسن منه "والأصل في الفاعل أن يتصلا"، بالفعل لأنه كجزء منه، ألا ترى أن علامة الرفع تتأخر عنه في الأفعال الخمسة "والأصل في المفعول أن ينفصلا" عنه بالفاعل لأنه فضلة "وقد يجاء بخلاف الأصل" فيتقدم المفعول على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قضيته جواز التذكير في نحو جاءت الحبليات ودفع بظهور أن التغيير المشترط في التكسير هو الاعتباطي كما في بنات لا التصريفي فإنه لكونه عن علة كلا تغيير. قوله: "وبأن التذكير في جاءك إلخ" اعترض على الأجوبة الثلاثة عن التذكير في جاءك أما الأول فلما تقدم من أن الراجح في الفصل بغير إلا الإثبات وقد أجمعت السبعة على الحذف فيلزم إجماع السبعة على مرجوح. وأما الثاني فلما يلزم عليه من حذف الفاعل وهو غير جائز عند البصريين. وأما الثالث فلأن أل في نحو المؤمن والكافر معرفة لكون الوصف للثبات والدوام لا للتجدد فهو صفة مشبهة ويمكن دفعه عن الأول بأنه مشترك الإلزام إذ الظاهر أن الكوفيين أيضا يرجحون الإثبات على أن بعضهم التزم أن السبعة قد تجمع على الوجه المرجوح وعن الثاني بقيام الصفة مقام الموصوف وعن الثالث بأن الصفة هنا لا يبعد أن يراد بها التجدد كما يشعر به قصة الآية. قوله: "في نعم الفتاة" قال السيوطي مثله نعم فتاة هند.
قوله: "لأن قصد إلخ" مقتضاه جواز الوجهين في نحو صارت المرأة خيرا من الرجل لما ذكر وهو كذلك وليس من ذلك ما قامت امرأة لأن المرأة هنا لم يرد بها الجنس بل المراد واحدة، والعموم لأفراد الجنس إنما جاء من النافي بخلاف ما قامت من امرأة فبالخيار لأن دخول من أفاد معنى الجنس قاله الشاطبي. ونقل ابن هشام أن الأكثر في المؤنث المقرون بمن الزائدة أن لا تلحقه علامة التأنيث كذا في يس. قوله: "والأصل" أي الغالب والراجح وهذا شروع في الحكم السابع. قوله: "والأصل في المفعول أن ينفصلا" تصريح بما علم من الجملة الأولى. وقال سم وكل هذا لا يغني عنه ما قبله لاحتمال أن يكون الأصل في كل منهما الاتصال كما نقل عن الأخفش. ا. هـ. ونوقش بأنه لا يتأتى اتصالهما معا حتى يكون الأصل في كل منهما الاتصال ويمكن دفعه بأن معنى كون الأصل في كل منهما الاتصال أن الأصل اتصال أحدهما أيا كان منهما لا اتصال الفاعل بعينه واتصال المفعول بعينه فتدبر. والمراد بالمفعول المفعول به أو مطلق المفعول. ولا يقدح في ذلك امتناع مجيء المفعول معه بخلاف الأصل لأن الأصل قد يلزم. وقوله وقد يجاء بخلاف الأصل لا يفيد أن المجيء بخلاف الأصل في كلها. قوله: "وقد يجاء إلخ" أفاد بقد أمرين: أن ذلك قليل وأنه قد لا يجيء المفعول قبل الفاعل، وعدم مجيئه قبله(2/78)
وأخر المفعول إن لبس حذر ... أو أضمر الفاعل غير منحصر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفاعل إما جوازًا وإما وجوبًا، وقد يمتنع ذلك كما سيأتي "وقد يجي المفعول قبل الفعل" وفاعله وهو أيضًا على ثلاثة أوجه: جائز نحو: {فَرِيقًا هَدَى} [الأعراف: 30] ، وواجب نحو من أكرمت، وممتنع ويمنعه ما أوجب تأخره أو توسطه على ما سيأتي بيانه "وأخر المفعول" عن الفاعل وجوبًا "إن لبس حذر خفاء الإعراب وعدم القرينة إذ لا يعلم الفاعل من المفعول والحالة هذه إلا بالرتبة كما في نحو ضرب موسى عيسى وأكرم ابني أخي، فإن أمن اللبس لوجود جاز التقديم نحو ضرب موسى سلمى، وأضنت سعدى الحمى.
تنبيه: ما ذكره الناظم هو ما ذهب إليه ابن السراج وغيره وتظافر عليه نصوص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إما للاقتصار على أحد الجائزين أو لكونه ممتنعا كما في أكرمتك. فقول الشارح وقد يمتنع ذلك أي تقدم المفعول على الفاعل ليس من زيادته على المتن، والحاصل أن ارتكاب الأصل قد يكون واجبا نحو أكرمتك، وقد يكون جائزا نحو ضرب زيد عمرا، وقد يكون ممتنعا نحو ضربني زيد ومخالفة الأصل في الأول ممتنعة وفي الثاني جائزة وفي الثالث واجبة. قوله: "وقد يجي" قصره على لغة من يقول جايجي وشايشي بالقصر.
قوله: "وواجب" في مسألتين: أن يكون المفعول مما له الصدر نحو من أكرمت؟ أيا ما تدعوا، وغلام من أكرمت وغلام أي رجل تضرب أضرب، وأن يقع عامله بعد الفاء وليس له منصوب غيره مقدم عليها نحو: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] ، {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9] ، بخلاف نحو أما اليوم فاضرب زيدا كذا في التوضيح. قوله: "ما أوجب تأخره" كالحصر فيه نحو إنما ضرب زيد عمرا، والتباسه نحو ضرب موسى عيسى، أو توسطه ككونه ضميرا متصلا والفاعل اسم ظاهر نحو ضربني زيد، ويمنع أيضا تقدم المفعول على العامل كون المفعول أن المشددة ومعموليها إلا أن يسبقها أما نحو أما أنك فاضل فعرفت وكونه أن المخففة ومعموليها، وكونه معمول فعل تعجبي أو واقع صلة حرف مصدري ناصب بخلاف غير الناصب فيجوز عجبت مما زيدا تضرب. ومنهم من أطلق في المنع ولم يقيد بالناصب، أو مجزوم إلا إذا قدم على الجازم أيضا فيمتنع لم زيدا أضرب، ويجوز زيدا لم أضرب وكذا المنصوب بلن أما المنصوب بأن أو كي فمن الواقع صلة حرف مصدري ناصب وهو لا يجوز تقدم معموله عليه مطلقا وأما المنصوب بإذن فالراجح منع تقدم معموله عليه وحده وأما تقدمه عليه وعلى إذن معا: فقال أبو حيان لا أحفظ فيه نصا للبصريين ومقتضى قواعدهم المنع وجوزه الكسائي أو مقرون بلام ابتداء غير مسبوقة بأن بخلاف المسبوقة بها فيمتنع عمرا ليرضى زيدا ويجوز إن زيدا عمرا ليرضى أو لام قسم أو قد أو سوف أو قلما أو ربما أو نون توكيد هذا ما في الهمع مع زيادة من الدماميني.
قوله: "وإن لبس حذر" أي إن خيف لبس المفعول بالفاعل. قوله: "بسبب خفاء الإعراب" بأن كان تقديريا أو محليا وتحت كل منهما أقسام كثيرة. قوله: "وعدم القرينة" عطف عام. قوله: "لوجود قرينة" أي لفظية كالمثال الأول أو معنوية كالمثال الثاني. قوله: "وتظافر" هكذا اشتهر(2/79)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المتأخرين، ونازع في ذلك ابن الحاج في نقده على ابن عصفور، فأجاز تقديم المفعول والحالة هذه محتجًا بأن العرب تجيز تصغير عمر وعمرو على عمير، وبأن الإجمال من مقاصد العقلاء، وبأنه يجوز ضرب أحدهما الآخر، وبأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز عقلًا وشرعًا، وبأنه قد نقل الزجاج أنه لا اختلاف في أنه يجوز في نحو: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} [الأنبياء: 15] أن تكون تلك اسم زال ودعواهم الخبر والعكس. قلت وما قاله ابن الحاج ضعيف لأنه لو قدم المفعول وأخر الفاعل والحالة هذ لقضى اللفظ بحسب الظاهر بفاعلية المفعول ومفعولية الفاعل فيعظم الضرر ويشتد الخطر، بخلاف ما احتج به فإن الأمر فيه لا يؤدي إلى مثل ذلك وهو ظاهر "أو أضمر الفاعل" أي وأخر المفعول عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالظاء المشالة والصواب تضافر بالضاد المعجمة يقال تضافر القوم أي تعاونوا كما في كتب اللغة. قوله: "محتجا بأن العرب" لو قال محتجا بأن العرب تجيز الإجمال وتقصده كتصغير عمر وعمرو على عمير ونحو ضرب أحدهما الآخر لكان أحسن وأخصر. قوله: "وبأن الإجمال إلخ" مبني على أن لا فرق بين اللبس والإجمال والحق الفرق وأن الأول تبادر فهم غير المراد والثاني احتمال اللفظ للمراد وغيره من غير تبادر لأحدهما وأن الأول مضر دون الثاني وتصغير عمر وعمرو على عمير وضرب أحدهما الآخر من الثاني. قوله: "وبأن تأخير البيان إلخ" هذا في المجمل لا في الملتبس. قوله: "يجوز في نحو فما زالت إلخ" أي فلم يبالوا بالتباس الاسم بالخبر فكذلك التباس الفاعل بالمفعول.
قوله: "قلت إلخ" حاصله بالنسبة لغير الوجه الأخير أن ما استدل به ابن الحاج من باب الإجمال وما نحن فيه من باب الالتباس. والثاني ضار لتبادر غير المراد فيه دون الأول لعدم تبادر شيء فيه قال سم قال يس وهذا الجواب لا يجدي الناظم نفعا لما سيأتي له في باب التعدي واللزوم من أن الحذف مع إن وأن يطرد مع أمن اللبس. واحترز بأمن اللبس من نحو رغبت في أن تفعل أو عن أن تفعل فلا يحذف الجار للالتباس فسمى ما لا يتبادر منه شيء التباسا. ا. هـ. وقد يقال لا يلزم من شمول اللبس للإجمال عند المصنف في بعض الأبواب شموله له عنده في بقية الأبواب لكن ينظر ما الفارق. ثم قال سم وأما بالنسبة للوجه الأخير فهو أنه لا يلزم من إيراد الزجاج الوجهين في الآية جواز مثل ذلك في نحو ضرب موسى عيسى لأن التباس الفاعل بالمفعول ليس كالتباس اسم زال بخبرها. ا. هـ. وكأن وجهه أن الاسم والخبر أصلهما المبتدأ والخبر والمبتدأ عين الخبر في المعنى بخلاف الفاعل والمفعول. ورد شيخنا ذلك بأن الناظم لا يفرق بين الاسم والخبر وبين الفاعل المفعول، قال ويظهر أن المصنف لا يسلم للزجاج ما نقله ويؤيد منعه أن النحويين منعوا تقديم الخبر على المبتدأ في غير النسخ إذا خيف الالتباس أي فلتكن حالة النسخ كحالة عدم النسخ. قوله: "لا يؤدي إلى مثل ذلك" أي لأن اللازم عليه إما الإجمال وهو لا يضر أو الإلباس الغير الضار. قوله: "أي وأخر المفعول إلخ" المراد بوجوب تأخيره عن الفاعل عدم جواز توسطه بينه وبين الفعل فيصدق بوجوب تأخره عنهما كالمثال الأول وجواز تقدمه(2/80)
وما بإلا أو بإنما انحصر ... أخر وقد يشبق إن قصد ظهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفاعل أيضًا: وجوبًا إن وقع الفاعل ضميرًا "غير منحصر" نحو أكرمتك وأهنت زيدًا "وما بإلا أو بإنما انحصر" من فاعل أو مفعول ظاهرًا كان أو مضمرًا "أخر" عن غير المحصور منهما: فالفاعل المحصور نحو ما ضرب عمرًا إلا زيد أو إلا أنا، وإنما ضرب عمرًا زيد أو أنا؛ والمفعول المحصور نحو ما ضرب زيد إلا عمرًا، وما ضربت إلا عمرًا وإنما ضرب زيد عمرًا وإما ضربت عمرًا "وقد يسبق" المحصور فاعلًا كان أو مفعولًا غير المحصور "إن قصد ظهر" بأن كان الحصر بإلا وتقدمت مع المحصور بها نحو ما ضرب إلا زيد عمرًا، وما ضرب إلا عمرًا زيد؛ ومن الأول قوله:
384- فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا ... عشية إناء الديار وشامها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليهما كالمثال الثاني وهذا حكمة تعداد المثال فالوجوب إضافي بالنسبة إلى التوسط. قوله: "إن وقع الفاعل ضميرا" أي متصلا إذ لو أخر لزم أن لا يكون متصلا والفرض أنه متصل.
قوله: "غير منحصر" على صيغة اسم الفاعل أي منحصرا فيه غيره كما يدل عليه قوله انحصر. قوله: "انحصر" أي فيه وقوله عن غير المحصور أي فيه وكذا يقال فيما بعد وما ذكر من قصر الصفة على الموصوف إلا أنه إذا كان المحصور فيه الفاعل فالصفة المقصورة مضروبية المفعول وإذا كان المفعول فالصفة المقصورة ضاربية الفاعل، فقولك ما ضرب عمرا إلا زيد لقصر مضروبية عمرو على زيد أي أنه لم يحصلها لعمرو إلا زيد وقولك ما ضرب زيد إلا عمرا لقصر ضاربية زيد على عمرو أي أنه لم يتعد أثرها إلا إلى عمرو. قوله: "وما ضربت إلا عمرا" كان الأولى بل الصواب أن يقول وما ضرب زيد إلا إياك لأن العموم السابق في قوله ظاهرا كان أو مضمرا في المحصور فيه وكذا يقال في إنما ضربت عمرا وفي نسخ إسقاط قوله وما ضربت إلا عمرا. قوله: "وقد يسبق إلخ" قد يقال لم أجيز هنا تقديم المحصور فيه مع إلا ومنع في باب المبتدأ والخبر حتى حكموا بشذوذ قوله:
وهل إلا عليك المعول
وأجاب شيخنا السيد بأن الفرق أن الفعل أقوى في العمل فاحتمل معه تقديم المحصور وبأن اللازم فيه تقديم أحد المعمولين على الآخر لا تقدم المعمول على العامل ولا كذلك المبتدأ والخبر. قوله: "عشية إلخ" منصوب على الظرفية والآناء كالإبعاد وزنا ومعنى. والوشام بكسر الواو جمع وشيمة وهي الكلام الشر والعداوة ووشامها فاعل هيجت.
__________
384- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص999؛ والدرر 2/ 289؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 131؛ وتخليص الشواهد ص478؛ وشرح ابن عقيل ص248؛ والمقاصد النحوية 2/ 493؛ والمقرب 1/ 55؛ وهمع الهوامع 1/ 161.(2/81)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
385- ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم ... ولا جفا قط إلا جبأ بطلا
ومن الثاني قوله:
386- تزودت من ليلى بتكليم ساعة ... فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها
وقوله:
387- ولما أبى إلا جماعا فؤاده ... ولم يشل عن ليلى بمال ولا أهل
فإن لم يظهر القصد بأن كان الحصر بإنما أو بإلا ولم تتقدم مع المحصور امتنع تقديمه لانعكاس المعنى حينئذ وذلك أوضح.
تنبيه: الذي أجاز تقديم المحصور بإلا مطلقا هو الكسائي محتجًا بما سبق. وذهب بعض البصريين إلى منع تقديم المحصور مطلقًا. واختاره الجوزلي والشلوبين حملًا لإلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "جبأ" بضم الجيم وتشديد الموحدة والهمزة: الجبان "ولما أبى إلا جماحا" أي إسراعا وجواب لما في بيت بعده. قوله: "الذي أجاز" أي قبل المصنف وعبارته توهم أنه تقدمت إشارة إلى أن هناك قائلا بالجواز مطلقا غير المصنف والقصد الآن تعيينه مع أنه لم يتقدم إشارة إلى ذلك فكان الظاهر إسقاط لفظ الذي ويكون التنبيه بمعناه اللغوي. قوله: "مطلقا" أي فاعلا كان أو مفعولا.
قوله: "وذهب بعض البصريين إلخ" قال الفاكهي هو الأصح. ا. هـ. وعليه فما تقدم من الأبيات شاذ أو مؤول بتقدير عامل للمنصوب والمرفوع غير المحصورين كأن يقدر قبل ما هيجت درى، وقبل كلامها زاد وقوله إلى منع تقديم المحصور أي بإلا مطلقا أي فاعلا كان أو مفعولا، ووجه الدماميني هذا المذهب بأنه إذا قدم المحصور فيه بإلا كأن قيل ما ضرب إلا زيد عمرا فإن أريد أن زيدا وعمرا مستثنيان معا والتقدير ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا أفاد أن الضرب إنما
__________
385- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 129؛ وتخليص الشواهد ص487؛ وتذكرة النحاة ص335؛ والدرر 2/ 290؛ وشرح التصريح 1/ 284؛ والمقاصد النحوية 2/ 490؛ وهمع الهوامع 1/ 161.
386- البيت من الطويل، وهو للمجنون في ديوانه ص194؛ والدرر 2/ 287؛ وشرح التصريح 1/ 282؛ والمقاصد النحوية 2/ 481؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 122؛ وتخليص الشواهد ص486؛ والدرر 3/ 172؛ وشرح ابن عقيل ص248؛ وهمع الهوامع 1/ 161، 230.
387- البيت من الطويل، وهو لدعبل بن علي الخزاعي في ملحق ديوانه ص349؛ والدرر 2/ 281؛ وشرح التصريح 1/ 282؛ والمقاصد النحوية 2/ 480؛ وللحسين بن مطيرفي ديوانه ص182؛ وسمط الآلي ص502؛ ولابن الدمينة في ديوانه ص194؛ وللمجنون في ديوانه ص181؛ وبلا نسبة في أمالي القالي 1/ 223؛ وأوضح المسالك 2/ 121؛ وتذكرة النحاة ص334؛ والحماسة البصرية 2/ 173؛ والزهرة ص87؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1392؛ وهمع الهوامع 1/ 161.(2/82)
وشاع نحو خاف ربه عمر ... وشد نحو زان نوره الشجر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على إنما. وذهب الجمهور من البصريين والفراء وابن الأنباري إلى منع تقديم الفاعل المحصور. وأجازوا تقديم المفعول المصحور لأنه في نية التأخير "وشاع" في لسان العرب تقديم المفعول الملتبس بضمير الفاعل عليه "نحو خاف ربه عمر" وقوله:
388- جاء الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر
لأن الضمير فيه وإن عاد على متأخر في اللفظ إلا أنه متقدم في الرتبة "وشذ" في كلامهم تقديم الفاعل الملتبس بضمير المفعول عليه "نحو زان نوره الشجر" لما فيه من عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة. قال الناظم: والنحويون إلا أبا الفتح يحكمون بمنع هذا، والصحيح جوازه؛ واستدل على ذلك بالسماع. وأنشد على ذلك أبياتًا منها قوله:
389- ولو أن مجدًا أخلد الدهر واحدًا ... من الناس أبقى مجده الدهر مطعما
وقوله:
390- وما نفت أعماله المرء راجيًا ... جزاء عليها من سوى من له الأمر
وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقع من زيد لعمرو ولم يحصل من غيره لغيره وهذا غير ما يفيده تأخير المحصور فيه لأن مفاده أن ضرب عمرو محصور في زيد وهذا لا ينافي أن الضرب حصل من غير زيد لغير عمرو، ولزم محذور آخر وهو استثناء شيئين بأداة واحدة بغير عطف وهو ممنوع مطلقا كما ستعرفه في باب الاستثناء وإن أريد أن عمرا مقدم معنى وليس مستثنى لم يلزم المحذوران المذكوران لكن يلزم عمل ما قبل إلا فيما بعدها مما لم يذكروا جواز عمل ما قبل إلا فيه في قولهم لا يعمل ما قبل إلا فيما بعدها إلا إن كان مستثنى نحو ما قام إلا زيد أو مستثنى منه نحو ما قام إلا زيدا أحد أو تابعا له نحو ما قام أحد إلا زيدا فاضل. ا. هـ. وللكسائي اختيار الشق الثاني وزيادة المحصور المقابل للمحصور فيه فيما جوزوا عمل ما قبل إلا فيه فتدبر. قوله: "في نية التأخير" أي فتقديمه كلا تقديم. قوله: "جاء الخلافة" الضمير يرجع إلى الممدوح وهو عمر بن عبد العزيز وقوله أو
__________
388- البيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه ص416؛ والأزهية ص114؛ وخزانة الأدب 11/ 69؛ والدرر 6/ 118؛ وشرح التصريح 1/ 283؛ وشرح شواهد المغني 1/ 196؛ ومغني اللبيب 1/ 62، 71؛ والمقاصد النحوية 2/ 485، 4/ 145؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 124؛ والجني الداني 230؛ وشرح ابن عقيل ص499؛ وشرح عمدة الحافظ ص627؛ وشرح قطر الندى ص184؛ وهمع الهوامع 2/ 134.
389- البيت من الطويل، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص243؛ والاشتقاق ص88؛ وتخليص الشواهد ص489؛ وتذكرة النحاة ص 364؛ وشرح الشواهد المغني 2/ 875؛ ومغني اللبيب 2/ 492؛ والمقاصد النحوية 2/ 497؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص738، 796؛ وشرح ابن عقيل ص251.
390- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص364.(2/83)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
391- جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمار
وقوله:
392- كسا حلمه ذا الحلم أثواب سودد ... ورقى نداه ذا الندى في ذرى المجد
وقوله:
393- جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
وذكر لجوازه وجهًا من القياس. وممن أجاز ذلك قبله وقبل أبي الفتح الأخفش من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كانت يروى بأو بمعنى الواو وبإذ، وقوله قدرا أي مقدرة. قوله: "وشذ" أي على مذهب الجمهور لا على مذهبه لما ستعلمه. قوله: "والصحيح جوازه" أي نظما ونثرا.
قوله: "أبا الغيلان" بكسر الغين المعجمة، وعن بمعنى بعد. وقوله كما يجزي أي جزي. وسنمار بكسر السن والنون وتشديد الميم اسم لرجل رومي بنى قصرا عظيما بظهر الكوفة للنعمان بن امرىء القيس ملك الحيرة، فلما فرغ من بنائه ألقاه من أعلاه لئلا يبني لغيره مثله، فضربت به العرب المثل في سوء المجازاة. قوله: "جزاء الكلاب العاويات" قيل هو الضرب والرمي بالحجارة. وقيل هو دعاء عليه بالأبنة لأن الكلاب إنما تتعاوى عند طلب السفاد، وعدي بن حاتم الطائي صحابي فلا يليق به هذا الهجو. قوله: "وجها من القياس" يعني أنه قاسه على المواضع التي يجوز فيها عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة وستأتي قريبا. وأجيب بأنها مخالفة للقياس فلا يقاس عليها أفاده في التصريح ونقل شيخنا عن الهمع أن هذا الوجه هو أن المفعول كثر تقدمه على الفاعل فجعل لكثرته كالأصل. وعبارة الشارح على التوضيح اكتفاء بتقديم المفعول في الشعور لأن الفعل المتعدي إشعارا به فعاد الضمير على متقدم شعورا ومن في كلام الشارح على
__________
391- البيت من البسيط، وهو لسيط بن سعد في الأغاني 2/ 119؛ وخزانة الأدب 1/ 293، 294؛ والدرر 1/ 219؛ ومعجم ما استعجم ص516؛ والمقاصد النحوية 2/ 495؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص489؛ وتذكرة النحاة ص364؛ وخزانة الأدب 1/ 280؛ وشرح ابن عقيل ص252؛ وهمع الهوامع 1/ 66.
392- البيت من الطويل وهو بلا نسبة في تخليص الشواهد ص490؛ وتذكرة النحاة ص364؛ والدرر 1/ 218؛ وشرح المغني 2/ 875؛ وشرح ابن عقيل ص251؛ ومغني اللبيب 2/ 492؛ والمقاصد النحوية 2/ 499؛ وهمع الهوامع 1/ 66.
393- البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص191؛ والخصائص 1/ 294؛ وله أو لأبي الأسود الدؤلي في خزانة الأدب 1/ 277، 278، 281، 287؛ والدرر 1/ 217؛ وللنابغة أو لأبي الأسود أو لعبد الله بن همارق في شرح التصريح 1/ 283؛ والمقاصد النحوية 2/ 487؛ ولأبي الأسود الدؤلي في ملحق ديوانه ص401؛ وتخليص الشواهد ص490؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 125؛ وشرح شذور الذهب ص178؛ وشرح ابن عقيل ص252؛ ولسان العرب 15/ 108؛ وهمع الهوامع 1/ 66.(2/84)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البصريين والطوال من الكوفيين. وتأول المانعون بعض هذه الأبيات بما هو خلاف ظاهرها. وقد أجاز النحاة ذلك في النثر وهو الحق والإنصاف لأن ذلك إنما ورد في الشعر.
تنبيهات: الأول لو كان الضمير المتصل بالفاعل المتقدم عائدًا على ما اتصل بالمفعول المتأخر نحو ضرب أبوها غلام هند امتنعت المسألة إجماعًا، كما امتنع في الدار. وقيل فيه خلاف. واختلف في نحو ضرب أباها غلام هند فمنعه قوم وأجازه آخرون، وهو الصحيح لأنه لما عاد الضمير على ما اتصل بما رتبته التقديم كان كعوده على ما رتبته التقديم. الثاني كما يعود الضمير على متقدم رتبة دون لفظ ويسمى متقدمًا حكمًا كذلك يعود على متقدم معنى دون لفظ، وهو العائد على المصدر المفهوم من الفعل: نحو أدب ولدك في الصغر ينفعه في الكبر، أي التأديب؛ ومنه: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] ، أي العدل. الثالث يعود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة سوى ما تقدم في ستة مواضع: أحدها الضمير المرفوع بنعم وبئس: نحو نعم رجلًا زيد، وبئس رجلًا عمرو، بناء على أن المخصوص مبتدأ لخبر محذوف أو خبر لمبتدأ محذوف. الثاني أن يكون مرفوعًا بأول المتنازعين المعمل ثانيهما كقوله:
394- جفوني ولم أجف الأخلاء إنني ... لغير جميل من خليلي مهمل
على ما سيأتي في بابه. الثالث أن يكون مخبرًا عنه فيفسره خبره نحو: {إِنْ هِيَ إِلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحل الأول بيانية والقياس عليه بمعناه المعروف وأما على الوجهين الأخيرين فمن تبعيضية والقياس بمعنى النظر أي من أوجه النظر والرأي. قوله: "وممن أجاز ذلك إلخ" اختار هذا المذهب أيضا الرضي. قوله: "والطوال" بضم الطاء وتخفيف الواو. قوله: "وتأول المانعون بعض إلخ" قالوا في قوله جزى إلخ الضمير عائد إلى الجزاء المفهوم من جزى أو لشخص غير عدي.
قوله: "في الشعر" أي للضرورة. قوله: "امتنعت المسألة إجماعا" أجمع هنا واختلف في نحو زان نوره الشجر لاختلاف العامل هنا في مرجع الضمير وملابسه واتحاده في زان نوره الشجر فهو طالب للمرجع أيضا فكأنه متقدم رتبة وقوله كما امتنع إلخ أي لما مر من اختلاف العامل. قوله: "في نحو ضرب أباها غلام هند" أي من كل ما اتصل فيه المفعول المتقدم بضمير يعود على ما اتصل بالفاعل المتأخر. قوله: "بناء على أن المخصوص إلخ" أما على أنه
__________
394- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 77، 5/ 282؛ وأوضح المسالك 2/ 200؛ وتخليص الشواهد ص515؛ وتذكرة النحاة ص359؛ والدرر 1/ 219، 5/ 318؛ وشرح التصريح 2/ 874؛ وشرح قطر الندى ص197؛ ومغني اللبيب 2/ 489؛ والمقاصد النحوية 3/ 14؛ وهمع الهوامع 1/ 66، 2/ 109.(2/85)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الأنعام: 29؛ المؤمنون: 37] ، الرابع ضمير الشأن والقصة نحو: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 97] . الخامس أن يجر برب وحكمه حكم ضمير نعم وبئس في وجوب كون مفسره تمييزًا وكونه مفردًا، كقوله:
395- ربه فتية دعوت إلى ما ... يورث المجد دائبًا فأجابوا
ولكنه يلزم أيضًا التذكير فيقال ربه امرأة لا ربها، ويقال نعمت امرأة هند. السادس أن يكون مبدلًا منه الظاهر المفسر له: كضربته زيدًا. قال ابن عصفور: أجازه الأخفش ومنعه سيبويه. وقال ابن كيسان: هو جائز بإجماع. ا. هـ.
خاتمة: قد يشتبه الفاعل بالمفعول وأكثر ما يكون ذلك إذا كان أحدهما اسمًا ناقصًا والآخر اسمًا تامًَّا، وطريق معرفة ذلك أن تجعل في موضع التام إن كان مرفوعًا ضمير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مبتدأ خبره الجملة قبله فهو مما عاد فيه الضمير على متقدم رتبة. قوله: "على ما سيأتي في بابه" أي من الخلاف فالبصريون يجيزونه والكوفيون يمنعونه. قوله: "أن يكون مخبرا عنه فيفسره خبره" كان الأولى أن يقول مخبرا عنه بخبر يفسره والمراد غير ضمير الشأن لئلا يتكرر مع ما بعده والأصح أن الضمير في الآية عائد على معلوم من السياق لا على الحياة الدنيا المخبر بها وإلا كان التقدير أن حياتنا الدنيا إلا حياتنا الدنيا وهو ممنوع إلا أن يجاب بأن الضمير راجع إلى الموصوف بقطع النظر عن صفته. قوله: "ضمير الشأن والقصة" المراد بالشأن والقصة الحديث كما تقدم في باب المبتدإ وهو ضمير غيبة يفسره جملة خبرية بعده مصرح بجزأيها ويؤتى به للدلالة على قصد المتكلم استعظام السامع حديثه ويذكر باعتبار الشأن ويؤنث باعتبار القصة. وإنما يؤنث إذا كان في الجملة بعده مؤنث عمدة وتأنيثه حينئذٍ أولى نحو إنها هند حسنة إنها قمر جاريتك، {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} [الحج: 46] ، ولا يفسر بجملة فعلية إلا إذا دخل عليه ناسخ وبقية الكلام عليه سلفت في باب كان وأخواتها. قوله: "وكان مفردا إلخ" أجاز الكوفيون مطابقته للتمييز في التأنيث والتثنية والجمع وليس بمسموع. مغني. قوله: "دائبا" أي دائما. قوله: "ولكنه يلزم أيضا التذكير" أي فيخالف ضمير نعم من هذه الجهة.
قوله: "قد يشتبه الفاعل" أي في الواقع بالمفعول أي في الواقع. قوله: "وأكثر ما يكون ذلك" أي الاشتباه. قوله: "اسما ناقصا" أراد به الاسم الموصول لعدم دلالته على معناه إلا بصلته وما أشبهه مما لا يتضح معناه إلا بضميمة كما الموصوفة وبالتام ما عداه وقيل أراد بالناقص خفي
__________
395- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 19؛ والدرر 4/ 128؛ وشرح التصريح 2/ 4؛ وشرح شذور الذهب ص172؛ وشرح شواهد المغني ص874؛ ومغني اللبيب ص491؛ والمقاصد النحوية 3/ 259؛ وهمع الهوامع 2/ 27.(2/86)
النائب عن الفاعل:
ينوب مفعول به عن فاعل ... فيما له كنيل خير نائل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المتكلم المرفوع، وإن كان منصوبًا ضميره المنصوب، وتبدل من الناقص اسمًا بمعناه في العقل وعدمه، فإن صحت المسألة بعد ذلك فهي صحيحة قبله وإلا فهي فاسدة، فلا يجوز أعجب زيد ما كره عمرو إن أوقعت ما على ما لا يعقل؛ لأنه لا يجوز أعجبت الثوب، ويجوز نصب زيد لأنه لا يجوز أعجبني الثوب، فإن أوقعت ما على أنواع من يعقل جاز رفعه؛ لأنه يجوز أعجبت النساء وتقول أمكن المسافرَ السفرُ بنصب المسافر لأنك تقول أمكنني السفر، ولا تقول أمكنت السفر والله أعلم.
النائب عن الفاعل:
"ينوب مفعول به عن فاعل" حذف لغرض: إما لفظي كالإيجاز وتصحيح النظم، أو معنوي كالعلم به والجهل والإبهام والتعظيم والتحقير والخوف منه أو عليه. وسيأتي أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإعراب وبالتام ظاهره. قوله: "وطريق معرفة ذلك" أي الفاعل الصواب والمفعول الصواب. قوله: "إن كان مرفوعا" أي في عبارة المتكلم أعم من أن يكون رفعه صوابا أو خطأ. قوله: "اسما بمعناه" أي الناقص. وقوله في العقل إما أن تكون في بمعنى من بيانا للمعنى أو متعلقة بمحذوف صفة ثانية للاسم مفسرة للصفة الأولىءَ مماثلا له في العقل وعدمه. وإنما ذكره دفعا لتوهم أن المراد بكونه بمعناه ترادفهما. قوله: "ويجوز نصب زيد" المراد بالجواز ما قابل الامتناع فيصدق بالوجوب فلا اعتراض بأن نصب زيد واجب وقوله جاز رفعه أي ونصبه. قوله: "على أنواع من يعقل" أراد بالأنواع ما يشمل الأفراد. قوله: "وتقول أمكن إلخ" هذا من غير الأكثر لأن الفاعل والمفعول اسمان تامان.
النائب عن الفاعل:
هذه العبارة أولى وأخصر من قول كثير المفعول الذي لم يسم فاعله لصدقه على دينارا من أعطى زيد دينارا، وعدم صدقه على الظرف وغيره مما ينوب عن الفاعل وإن أجيب بأن المفعول الذي لم يسم فاعله صار كالعلم بالغلبة على ما ينوب مناب الفاعل من مفعول وغيره. قوله: "لغرض" المراد بالغرض هنا السبب الباعث لا الفائدة المترتبة على الفعل المقصودة منه لأنه لا يظهر في جميع ما ذكره من الأغراض. قوله: "كالعلم به" نحو: {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] ، وقوله والجهل نظر فيه ابن هشام بأن الجهل إنما يقتضي أن لا يصرح باسمه الخاص به لا أن يحذف بالكلية ألا ترى أنك تقول سأل سائل وسام سائم. وقد يقال لا يشترط في الغرض من الشيء أن لا يحصل من غيره. فاعرفه قال شيخنا وتبعه البعض: جعل الشارح الجهل من الغرض المعنوي تبع فيه الناظم وهو غير ظاهر، والظاهر ما في التوضيح من جعله مقابلا للغرض اللفظي والمعنوي. ا. هـ. وعندي أن الظاهر ما مشى عليه الناظم والشارح فتأمل. وقوله(2/87)
فأول الفعل اضممن والمتصل ... بالآخر اكسر في مضي كوصل
واجعله من مضارع منفتحا ... كينتحي المقول فيه ينتحى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ينوب عن الفاعل أشياء غير المفعول به لكن هو الأصل في النيابة عنه "فيما له" من الأحكام كالرفع والعمدية ووجوب التأخير وغير ذلك "كنيل خير نائل" فخير نائب عن الفاعل المحذوف إذ الأصل نال زيد خير نائل، نعم النيابة مشروطة بأن يغير الفعل عن صيغته الأصلية إلى صيغة تؤذن بالنيابة "فأول الفعل" الذي تبنيه للمفعول "اضممن" مطلقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والإبهام أي على السامع كقول مخفي صدقته تصدق اليوم على مسكين ويأتي فيه تنظير ابن هشام. وقوله والتعظيم أي تعظيم الفاعل بصون اسمه عن لسانك أو عن مقارنة المفعول نحو خلق الخنزير. وقوله والتحقير أي تحقير الفاعل نحو طعن عمر وقتل الحسين. ومن المعنوي كراهة السامع سماع لفظ الفاعل قال ابن هشام وهذا من تطفل النحويين على صناعة البيان. ا. هـ. وأراد بالبيان ما يشمل علم المعاني لأن ما ذكر من تعلقات علم المعاني. قوله: "وسيأتي أنه ينوب إلخ" إشارة إلى سؤال وجواب منشؤهما اقتصار المصنف هنا على المفعول به. قوله: "فيما له من الأحكام" لا يعترض بأن من جملتها أنه إذا قدم أعرب مبتدأ والنائب إذا كان ظرفا أو مجرورا وقدم لا يعرب مبتدأ وأنه يؤنث الفعل له، والنائب إذا كان أحدهما لا يؤنث الفعل له لأن كلامه هنا في النائب المفعول به لا مطلق النائب. قوله: "كالرفع إلخ" وكوجوب ذكره واستحقاقه الاتصال بالعامل وكونه كالجزء منه وتأنيث الفعل لتأنيثه على التفصيل السابق وإغنائه عن الخبر في نحو أمضروب العبدان وتجريد العامل من علامة التثنية والجمع على اللغة الفصحى. قوله: "ووجوب التأخير" صرح بالوجوب هنا فقط للخلاف فيه دون الأولين. وقول البعض للخلاف في الأولين سبق قلم. قوله: "نائل" اسم مصدر بمعنى النوال أي العطاء. نعم النيابة إلخ استدراك على قوله:
ينوب مفعول به عن فاعل
فيما له. دفع به توهم نيابته عنه من غير تغيير لصيغته مع أن نائب الفاعل لا يرتفع إلا بالفعل المغير أو اسم المفعول، وفي ارتفاعه بالمصدر المؤول بأن والفعل المبني للمجهول خلاف فقيل بالمنع مطلقا لأن ما يرفع الفاعل من فعل أو وصف لا يكون على صيغة ما يرفع المفعول والمصادر لا تختلف صيغها فلا تصلح لذلك ولأنه قد يلبس بالمصدر الرافع للفاعل. وقيل بالجواز مطلقا والأصح الجواز حيث لا لبس كعجبت من أكل الطعام بتنوين أكل ورفع الطعام بخلاف الملبس كعجبت من ضرب عمرو، وعلى جواز ذلك يجوز أيضا إضافة المصدر لنائب فاعله فيكون في محل رفع كما يجوز جعل ما أضيف إليه المصدر في محل نصب على المفعولية والفاعل حذف من غير نيابة شيء عنه وعلى المنع يتعين إضافة المصدر لما بعده على أنه في محل نصب على المفعولية أفاده في شرح الجامع. قوله: "عن صيغته الأصلية" هذا كالصريح في أن المبني للمفعول فرع المبني للفاعل وهو مذهب الجمهور وقيل كل أصل. قوله:(2/88)
والثاني التالي تا المطاوعه ... كالأول اجعله بلا منازعه
وثالث الذي بهمز الوصل ... كأول اجعلنه كاستحلي
واكسر أو اشمم فاثلاثي أعل ... عينًا وضم جا كبوع فاحتمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"و" الحرف "المتصل" بالآخر" منه" اكسر في مضي كوصل" وخرج "واجعله" أي المتصل بالآخر "من مضارع منفتحًا كينتحي المقول فيه" عند البناء للمفعول "يُنتحى و" الحرف "الثاني التالي تا المطاوعة" وشبهها من كل تاء مزيده "كالأول اجعله بلا منازعه" تقول تدحرج الشيء وتغوفل عن الأمر باتباع الثاني للأول في الضم "وثالث" الفعل "الذي" بدئ "بهمز الوصل كالأول اجعلنه كاستخلي" الشراب، واستخرج المال فتتبع الثالث أيضًا للأول في الضم "واكسر أو اشمم فا" فعل "ثلاثي أعل عينًا" واويا أو يائيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"اضممن" أي ولو تقديرا كنيل وقوله مطلقا أي ماضيا أو مضارعا. قوله: "اكسر" أي ولو تقديرا كرد وطلب كسره ظاهر إذا لم يكن مكسورا في الأصل، فإن كان مكسورا في الأصل فأما أن يقال يقدر أن الكسر الأصلي ذهب وأتى بكسر بدله، أو يقال المراد اكسر إذا لم يكن مكسورا في الأصل وكذلك يقال في قوله:
واجعله من مضارع منفتحا
والكسر هو الكثير في لسان العرب ومنهم من يسكنه ومنهم من يفتحه في المعتل اللام ويقلب الياء ألفا، فيقول في رؤى زيد رأى بفتح الهمزة وقلب الياء ألفا فتحصل في الماضي المعتل اللام ثلاث لغات قاله المصرح. قوله: "منفتحا" أي ولو تقديرا كيقال. قوله: "كينتحي" من الانتحاء وهو الاعتماد. وقيل الاعتراض والمقول بالجر نعت له أو بالضم على الاستئناف. قوله: "والثاني" أتى به ليفيد أن هذا في الماضي لأن تالي تاء الطاوعة لا يكون ثانيا في المضارع بل ثالثا فيه لزيادة حرف المضارعة قبلها فالتالي لتاء المطاوعة في المضارع باق على ما كان عليه في المبني للفاعل وسماها تاء المطاوعة مع أن التي للمطاوعة هي المبنية بنفسها لاختصاص تلك التاء بهذه البنية فسميت باسمها كذا في الشاطبي والمطاوعة حصول الأثر من الأول للثاني نحو علمته فتعلم وكسرته فتكسر. قوله: "من كل تاء مزيدة" أي زيادة معتادة لتخرج التاء من قولهم ترمس الشيء بمعنى رمسه أي دفنه فلا يضم ثاني الفعل معها إذا بني للمجهول كما في التصريح وإنما كانت غير معتادة لأن الأصل في التوصل إلى الساكن المصدر به الكلمة أن يكون بالهمزة. قوله: "تدحرج الشيء وتغوفل عن الأمر" فيه مع قوله تاء المطاوعة وشبهها لف ونشر مرتب. وفي التمثيل بالأول نظر لأنه لا يبني للمفعول به إلا المتعدي. قوله: "وثالث الفعل" أي الماضي الزائد على أربعة أحرف لأن همزة الوصل لا تلحق المضارع والماضي الثلاثي والرباعي.
قوله: "كالأول" أي كالحرف الأول. قوله: "فتتبع" بالنصب في جواب الأمر. قوله: "أو اشمم" بنقل حركة الهمزة إلى الواو. قوله: "أعل عينا" أي غيرت عينه فخرج المعتل الذي لم(2/89)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فقد قرئ وقيل: {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ} [هود: 44] ، بهما والإشمام هو الإتيان على الفاء بحركة بين الضم والكسر، وقد يسمى روما "وضم جا" في بعض اللغات "كبوع" وحوك "فاحتمل" كقوله:
396- ليت وهل ينفع شيئًا ليت ... ليت شبابًا بوع فاشتريت
وكقوله:
397- حوكت على نيرين إذ تحاك ... تختبط الشوك ولا تشاك
تنبيه: أشار بقوله فاحتمل إلى ضعف هذه اللغة بالنسبة للغتين الأوليين، وتعزى لبني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تغير عينه نحو عور وصيد واعتور فإنه إذا بني للمفعول سلك به مسلك الصحيح وقوله واويا كان أي كقيل أو يائيا أي كغيض، وأصل قيل قول نقلت كسرة الواو لاستثقالها عليها إلى القاف بعد سلب حركتها فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها كما في ميزان وأصل غيض غيض نقلت كسرة الياء كذلك. قوله: "والإشمام" أي هنا ويطلق عند القراء على الإشارة بالشفتين إلى الرفع أو الضم عند الوقف على نحو نستعين ومن قبل وعلى الإنحاء بالكسرة نحو الضمة فتميل الياء الساكنة نحو الواو وعلى خلط الصاد بالزاي في الصراط وأصدق، وقوله بين الضم والكسر بأن يؤتى بجزء من الضمة قليل سابق وجزء من الكسرة كثير لاحق ومن ثم تمحضت الياء قاله العلوي فالبينية على وجه الإفراز لا الشيوع وفي الأشباه والنظائر للسيوطي عن صاحب البسيط وغيره أن الحركات ست الثلاث المشهورة وحركة بين الفتحة والكسرة وهي التي قبل الألف الممالة وحركة بين الفتحة والضمة وهي التي قبل الألف المفخمة في قراءة ورش نحو الصلاة والزكاة والحياة وحركة بين الكسر والضمة وهي حركة الإشمام في نحو قيل وغيض على قراءة الكسائي.
قوله: "وضم" سوغ الابتداء به وقوعه في معرض التفصيل. قوله: "ليت إلخ" ليت الثانية مراد بها لفظها فاعل ينفع وليت الثالثة تأكيد للأولى التي لها الاسم والخبر، وشيئا مفعول مطلق لا مفعول به وفاقا للموضح وخلافا للعيني. قوله: "حوكت على نيرين" أي نسجت على طاقين
__________
396- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص171؛ والدرر 4/ 26، 6/ 260؛ وشرح التصريح 1/ 295؛ وشرح شواهد المغني 2/ 819؛ والمقاصد النحوية 2/ 524؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص92؛ وأوضح المسالك 2/ 155؛ وتخليص الشواهد ص495؛ وشرح ابن عقيل ص256؛ ومغني اللبيب 2/ 632؛ وهمع الهوامع 1/ 248، 2/ 165.
397- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 156؛ وتخليص الشواهد ص495؛ والدرر 6/ 261؛ وشرح النصريح 295؛ وشرح ابن عقيل ص255؛ والمقاصد النحوية 2/ 526؛ والمنصف 1/ 250؛ وهمع الهوامع 2/ 165.(2/90)
وإن بشكل خيف لبس يجتنب ... وما لباع قد يُرى لنحو حب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فقعس وبني دبير "وإن بشكل" من هذه الأشكال "خيف ليس يجتنب" ذلك الشكل ويعدل إلى شكل آخر لا لبس فيه، فإذا أسند الفعل الثلاثي المعتل العين بعد بنائه للمفعول إلى ضمير متكلم أو مخاطب: فإن كان يائيا كباع من البيع اجتنب كسره وعدل إلى الضم أو الإشمام لئلا يلتبس بفعل الفاعل: نحو بعت العبد فإنه بالكسر ليس إلا وإن كان واويا كسام من السوم اجتنب ضمه وعدل إلى الكسر أو الإشمام لئلا يلتبس بفعل الفاعل: نحو سمت العبد فإنه بالضم ليس إلا.
تنبيه: ما ذكره من وجوب اجتناب الشكل الملبس على ما هو ظاهر كلامه هنا وصرح به في شرح الكافية لم يتعرض له سيبويه، بل ظاهر كلامه جواز الأوجه الثلاثة مطلقًا، ولم يلتفت للالتباس لحصوله في نحو مختار وتضار. نعم الاجتناب أولى وأرجح "وما لباع" ونحوه من جواز الضم والكسر والإشمام "قد يرى لنحو حب" ورد من كل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لتقوى، والضمير للرداء وهو يذكر ويؤنث وقوله إذ تحاك أي إذ حيكت. قوله: "وبني دبير" بالتصغير. قوله: "من هذه الأشكال" ظاهره أن الإشمام شكل ولا مانع منه وإن منعه البعض لأن المراد بالشكل الكيفية الحاصلة للفظ لكن الإشمام لا يخاف به لبس فكان الأحسن أن يقول من شكلي الضم والكسر. قوله: "خيف لبس" أي بين الفعل المبني للفاعل والفعل المبني للمفعول. قوله: "يجتنب" أي حيث لا قرينة على المراد كما هو معلوم من نظائره فلا اعتراض على إطلاقه على أن اللبس إنما يتحقق عند عدم القرينة. قوله: "أو مخاطب" أو نون الإناث كما في شرح الجامع. قوله: "فإن كان يائيا" ينبغي أن يكون مثله الواوي الذي مضارعه بفتح العين نحو خفت فيضم أو يشم عند إرادة بنائه للمفعول لئلا يلتبس بالمبني للفاعل فإنه بالكسر ليس إلا. ثم رأيت في سم ما يؤيده. قوله: "نحو بعت العبد" مثال لفعل الفاعل وكذا قوله بعد نحو سمت العبد. قوله: "فإنه" أي فعل الفاعل بالكسر إلخ. قوله: "وإن كان واويا" أي مضارعه على غير يفعل بفتح العين كما علم مما مر. قوله: "على ما هو ظاهر كلامه" إنما قال ظاهر لاحتمال أن يراد يجتنب جوازا أو استحسانا. قوله: "لحصوله في نحو مختار وتضار" أي في الاسم والفعل إذ الأول يحتمل اسم الفاعل فتكون ألفه منقلبة عن ياء مكسورة واسم المفعول فتكون منقلبة عن ياء مفتوحة. والثاني يحتمل البناء للفاعل فتكون الراء الأولى قبل الإدغام مكسورة والبناء للمفعول فتكون مفتوحة، ورد بأنهما من باب الإجمال لا من باب اللبس الذي كلا منافيه.
قوله: "وما لباع إلخ" قال سم وتبعه غيره هذا شامل لمسألة اللبس المتقدمة فيجتنب الشكل الملبس في المضاعف كالضم في رد لإلباسه بالأمر فيعدل إلى الكسر أو الإشمام وإنما لم يعدل إلى أحدهما في قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا} [الأنعام: 28] ، لأن وقوعه بعد لو قرينة تدفع اللبس بالأمر لأنه لا يقع بعد أداة الشرط. ا. هـ. ولا يخفى ما في كون المترتب على الضم في رد إلباسا لأنه إجمال فافهم. بقي أن ظاهر كلامه يوهم أن الذي يكسر هناك يكسر هنا وكذلك(2/91)
وما لفا باع لما العين تلي ... في اختار وانقاد وشبه ينجلي
وقابل من ظرف أو من مصدر ... أو حرف جر بنيابة حري
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فعل ثلاثي مضاعف مدغم، لكم الأفصح هنا الضم حتى قال بعضهم: لا يجوز غيره. والصحيح الجواز، فقد قرأ علقمة: "ردت إلينا" "ولو ردوا" "وما لفا باع" ونحو من جواز الأوجه الثلاثة ثابت "لما العين تلي في" كل فعل على وزن افتعل أو انفعل نحو "اختار وانقاد وشبه ينجلي" فتقول اختور وانقود، واختير وانقيد بضم التاء والقاف وكسرهما والإشمام وتحرك الهمزة بحركتهما "وقابل" للنيابة "ومن ظرف أو من مصدر أو" مجرور "حرف جر بنيابة حري" أي حقيق وما لأفلا: فالقابل للنيابة من الظروف والمصادر هو المتصرف المختص: نحو صيم رمضان، وجلس أمام الأمير: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: 13] ، بخلاف اللازم منهما نحو عند وإذا وسبحان ومعاذ لامتناع الرفع، وأجاز الأخفش جلس عندك، وبخلاف المبهم نحو صيم رمضان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإشمام والضم وليس كذلك إلا في الإشمام فمن يكسر هناك يضم هنا ومن يضم هناك يكسر هنا. ومن ثم كان الضم هنا أفصح اللغات فالإشمام فالكسر وكان الأمر في باع بالعكس أفاده الشاطبي. قوله: "لما العين تلي" أي للحرف الذي تليه العين. قوله: "على وزن افتعل أو نفعل" ولو مضاعفين كاشتد وانهل فإن اللغات الثلاث تجري في ذلك أيضا كما قاله الشاطبي وإن أوهم كلام المصنف خلافه حيث اقتصر على التمثيل بالمعتل. قوله: "وتحرك الهمزة بحركتهما" أي من ضم أو كسر أو اشمام وإن أوهم كلام المصنف لزوم الضم مطلقا لأنه أطلق أولا أن الفعل يضم أوله واقتصر هنا على جريان الأوجه الثلاثة فيما قبل العين قاله الشاطبي. قوله: "وقابل من ظرف إلخ" إسناد الفعل عند نيابة المفعول به حقيقة وعند نيابة غيره من الظرف والمجرور والمصدر مجاز عقلي كما عليه الدماميني وغيره. ونازع فيه السيد الصفوي وكذا الروداني فإنه حقق أن الإسناد في الثلاثة أيضا حقيقة. قوله: "أو من مصدر" مراده به ما يشمل اسم المصدر كما يؤخذ من تمثيل الشارح فيما يأتي بسبحان.
قوله: "أو مجرور حرف جر" أجرى المتن على مذهب البصريين من أن نائب الفاعل المجرور فقط مع أن مذهب المصنف على مقتضى ظاهر كلامه في الكافية والتسهيل أنه مجموع الجار والمجرور ونقل ترجيحه عن ابن هشام فكان الأنسب إجراء كلامه هنا عليه، لكن في الروداني ما نصه وقول التسهيل أو جار ومجرور منتقد بأنه لم يذهب أحد إلى أن الجار والمجرور معا هو النائب. ا. هـ. وكذا في الهمع عن أبي حيان. قوله: "هو المتصرف المختص" المتصرف من الظروف ما يفارق النصب على الظرفية والجر بمن ومن المصادر ما يفارق النصب على المصدرية والمختص من الظروف ما خصص بشيء من أنواع الاختصاص كالإضافة والصفة والعلمية ومن المصادر ما كيون لغير مجرد التوكيد. قوله: "لامتناع الرفع" تعليل لقوله بخلاف اللازم منهما. قوله: "جلس عندك" أي بالنصب على الظرفية ويكون حينئذٍ في محل رفع فليست(2/92)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجلس مكان وسير سير، لعدم الفائدة، فامتناع سير على إضمار السير أحق خلافًا لمن أجاز. فأما قوله:
398- وقالت متى يبخل عليك ويعلل ... يسؤك وإن يكشف غرامك تدرب
فمعناه ويعتلل هو أي الاعتلال المعهود، أو اعتلال عليك، فحذف عليك لدلالة عليك الأول عليه، كما هو شأن الصفات المخصصة وبذلك يوجه: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} [سبأ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الدال مضمومة كما توهم إذ الأخفش لا يقول بخروجه عن ملازمة الظرفية وإنما الخلاف في نيابته عن الفاعل وعدمها فالأخفش يجوز نيابة الظرف غير المتصرف مع بقائه على النصب صرح به الدماميني. قوله: "لعدم الفائدة" لدلالة الفعل على المبهم من المصدر والزمان وضعا وعلى المبهم من المكان التزاما. قوله: "فامتناع سير" أي بالبناء للمجهول على إضمار السير أي إضمار ضمير يعود على السير المبهم المفهوم من سير أحق أي بالمنع من سير سير لأن الضمير أكثر إبهاما من الظاهر أما على إضمار ضمير يعود على سير مخصوص مفهوم من غير العامل فجائز كما في بلى سير لمن قال ما سير سير شديد كما في الهمع، ويدل عليه كلام الشارح بعد.
قوله: "خلافا لمن أجازه" يعني ابن درستويه ومن معه كما يأتي. قوله: "ويتعلل" أي يعتذر أو يتجنى لمجيء الاعتلال بالمعنيين، وقوله وأن يكشف غرامك أي حرارة غرامك بالوصال تدرب من باب فرح أي تعتد أي يصر لك ذلك عادة، والمراد أنها لا تقطع وصاله دائما عادة، والمراد أنها لا تقطع وصاله دائما فيحمله ذلك على اليأس والسلو، ولا تصله دائما فيتعود ذلك ويطلبه كل حين كذا قال العيني ومقتضاه أن تدرب بالدال المهملة. وضبطه الدماميني والشمني بالذال المعجمة أي يحتد لسانك. قوله: "أي الاعتلال المعهود" أي بين المتكلم والمخاطب لا المفهوم من الفعل لعدم إفادة النائب حينئذٍ ما لم يفده الفعل كذا قال الشمني: أي فالضمير الذي هو نائب فاعل عائد إلى مصدر مختص بأل العهدية مفهوم جنسه من الفعل لا مبهم. وقوله أو اعتلال عليك أي فالضمير الذي هو نائب فاعل عائد إلى مصدر مختص بصفة محذوفة لدلالة ما قبل مفهوم جنسه من الفعل لا مبهم، فالموصوف مرجع الضمير لا الضمير حتى يرد ما قيل إن الضمير لا يوصف فلا يتم قوله كما هو شأن الصفات المخصصة. قوله: "كما هو" أي الحذف جواز الدليل شأن الصفات المخصصة كما في قوله تعالى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] ، أي نافعا بدليل: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [الأعراف: 9] .
قوله: "وبذلك" أي بكون الضمير عائدا على مختص بالعهد أو الصفة فيكون التقدير وحيل
__________
398- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص42، وشرح التصريح 1/ 289؛ وشرح شواهد المغني ص92، 883، ولعلقمة في ديوانه ص83 ولأحدهما في المقاصد النحوية 2/ 506؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 142؛ ومغني اللبيب ص516.(2/93)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
54] وقوله:
399- فيا لك من ذي حاجة حيل دونها ... وما كل ما يهوى امرؤ هو نائله
والقابل للنيابة من المجرورات هو الذي لم يلزم الجار له طريقة واحدة في الاستعمال، كمذ ومنذ ورب وحرف القسم والاستثناء، ونحو ذلك، ولا دل على تعليل كاللام والباء وعن إذا جاءت للتعليل. فأما قوله:
400- يغضي حياء ويغضي من مهابته ... فلا يكلم إلا حين يبتسم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هو أي الحول المعهود أو حول بينهم إلا أن الصفة هنا مذكورة. ومثل ذلك يقال في قول الشاعر حيل دونها فلا يكون فيهما دليل لمن أجاز نيابة ضمير المصدر المبهم المفهوم من الفعل لكن يحتاج إلى جعل المرجع الموصوف مقدما على الضمير وإن تأخرت الصفة، أو جعله المصدر المفهوم من الفعل لا بقيد كونه مبهما بقرينة صفته، أو جعل تقدم مفهم جنسه وهو الفعل كتقدمه، وإنما احتيج إلى ذلك لئلا يلزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة فتأمل. ولا يصح كون الظرف نائبا لأن بين ودون غير متصرفين كما في التصريح. نعم يتجه أن يكون بينهم ودونها نائب فاعل بناء على قول الأخفش بجواز إنابة غير المتصرف. قوله: "فيالك من ذي حاجة" يا للنداء واللام للاستغاثة ومن ذي حاجة متعلق بمحذوف أي أستغيثك من أجل ذي حاجة وجعل العيني اللام للاستغاثة ويا للتنبيه لا للنداء لا يخفى ما فيه. قوله: "كمذ ومنذ إلخ" مثال للمنفي فمذ ومنذ مختصان بجر الزمان ورب بالنكرات وحروف القسم بالمقسم به وحروف الاستثناء بالمستثنى. قوله: "ونحو ذلك" كحتى المختصة بالظاهر الذي هو غاية لما قبلها. قوله: "ولا دل على تعليل" لأنه مبني على سؤال مقدر فكأنه من جملة أخرى وبهذا يعلل منع نيابة المفعول لأجله والحال والتمييز. وأما علة منع نيابة المفعول معه والمستثنى فوجود الفاصل بينهما وبين الفعل وفي المقام بحث وهو أن كون المفعول له والحال مبنيين على سؤال مقدر دون المفعول به لم يتضح وجهه وإن شاع عندهم، لأنه كما يجوز أن يقدر كيف جئت ولم جئت في قولك جئت راكبا محبة يجوز أن يقدر من ضربت في قولك ضربت زيدا، ثم هو اعتبار ضعيف لا ينبغي جعله سببا لمنع نحو يقام لإجلال زيد ويهتز من اشتياقه مما هو كلام مفيد فتأمل.
قوله: "إذا جاءت" أي الثلاثة للتعليل فإن لم تجىء له بأن كانت لغيره لم يمتنع إنابة مجرورها. قوله: "يغضي حياء" الضمير يرجع إلى زين العابدين علي بن الحسين رضي الله تعالى
__________
399- البيت من الطويل، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص78؛ وشرح التصريح 1/ 290؛ والمقاصد النحوية 2/ 510؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 144.
400- البيت من البسيط، وهو للحزين الكناني "عمرو بن عبد وهيب" في الأغاني 15/ 263؛ ولسان العرب 13/ 114 "حزن"، والمؤتلف والمختلف ص89؛ وللفرزدق في ديوانه 2/ 179؛ وأمالي المرتضى 1/ 68؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1622؛ وشرح شواهد المغني 2/ 732؛ ومغني اللبيب 1/ 320؛ المقاصد النحوية 2/ 513، 3/ 273؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 146؛ وشرح المفصل 2/ 53.(2/94)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالنائب فيه ضمير المصدر كذلك على ما مر، لا قوله من مهابته.
تنبيهات: الأول ذكر ابن إياز أن الباء الحالية في نحو خرج زيد بثيابه لا تقوم مقام الفاعل، كما أن الأصل الذي ينوب عنه كذلك وكذلك المميز إذا كان معه من، كقولك: طبت من نفس فإنه لا يقوم مقام الفاعل أيضًا، وفي هذا الثاني نظر، فقد نص ابن عصفور على أنه لا يجوز أن تدخل من على المميز المنتصب عن تمام الكلام. الثاني ذهب ابن درستويه والسهيلي وتلميذه الرندي إلى أن النائب في نحو مر بزيد ضمير المصدر، لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عنهما. والإغضاء إدناء الجفون بعضها من بعض. واستقرب الروداني جعل النائب ضميرا عائدا على الطرف المفهوم التزاما من يغضي لأن الإغضاء خاص بالطرف. قوله: "كذلك" أي كالمذكور من الآية والبيتين. وقوله على ما مر أي على الوجه الذي مر في ويعتلل لكن الصفة هنا مذكورة. قوله: "لا تقوم" على حذف مضاف أي لا يقوم مدخولها وقوله كما أن الأصل يعني الحال التي تعلقت بها الباء. قوله: "إذا كان معه من" مقتضاه أنه إذا لم يكن معه من يقوم مقام الفاعل وهو قول والصحيح خلافه فليجعل التقييد لكون الكلام في المجرور بالحرف. قوله: "وفي هذا الثاني" أي في مثاله لأن مناقشته إنما هي في المثال أما الحكم وهو عدم نيابة التمييز المجرور بمن عن الفاعل فقد سلمه. قوله: "فقد نص ابن عصفور إلخ" بل سيأتي في قول الناظم:
واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى كطب نفسا تفد
وغيرهما هو تمييز المفرد كقفيز بر ورطل زيت. قوله: "المنتصب عن تمام الكلام" أراد بتمام الكلام متممه الذي يحصل به فائدته وهو الفاعل وعن متعلقه بمحذوف أي المحول عن تمام الكلام أي الفاعل فاندفع قول شيخنا والبعض أن كل تمييز ينتصب عن تمام الكلام أي بعده فكان الظاهر أن يقول المحول عن الفاعل. قوله: "ذهب ابن درستويه إلخ" اعلم أنه لا خلاف في إنابة المجرور بحرف زائد وأنه في محل رفع كما في ما ضرب من أحد. فإن جر بغير زائد ففيه أقوال أربعة: أحدها وعليه الجمهور أن المجرور هو النائب في محل رفع. ثانيها وعليه ابن هشام أن النائب ضمير مبهم مستتر في الفعل وجعل مبهما ليحتمل ما يدل عليه الفعل من مصدر أو زمان أو مكان إذ لا دليل على تعيين أحدها. ثالثها وعليه الفراء أن النائب حرف الجر وحده في محل رفع كما يقول بأنه وحده بعد الفعل الله لمبني للفاعل في محل نصب نحو مررت بزيد. رابعها وعليه ابن درستويه والسهيلي والرندي أن النائب ضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل ويتفرع على هذا الخلاف جواز تقديم الجار والمجرور على الفعل وامتناعه. فعلى الأول والثالث يمتنع وعلى الثاني والرابع يجوز. ا. هـ. همع باختصار. ولا يبعد عندي جواز تقديمه حتى على الأول والثالث لأن علة المنع إلباس الجملة الفعلية بالاسمية وهي مفقودة هنا وكالمجرور الظرف(2/95)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المجرور؛ لأنه لا يتبع على المحل بالرفع، ولأنه يتقدم نحو: {كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] ، ولأنه إذا تقدم لم يكن مبتدأ، وكل شيء ينوب عن الفاعل فإنه إذا تقدم كان مبتدأ، ولأن الفعل لا يؤنث له في نحو مر بهند. ولنا: سير بزيد سيرًا، وأنه إنما يراعى محل يظهر في الفصيح، نحو ليست بقائم ولا قاعدًا بالنصب، بخلاف مررت بزيد الفاضل بالنصب، ومر بزيد الفاضل بالرفع؛ لأنك تقول لست قائمًا ولا تقول في الفصيح مررت زيدًا، ولا مر زيد، على أن ابن جني أجاز أن يتبع على محله بالرفع والنائب في الآية ضمير راجع إلى ما رجع إليه اسم كان وهو المكلف، وامتناع الابتداء لعدم التجرد وقد أجازوا النيابة في نحو لم يضرب من أحد، مع امتناع من أحد لم يضرب. وقالوا في كفى بالله شهيدًا إن المجرور فاعل مع امتناع كفت بهند. الثالث مذهب البصريين أن النائب إنما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فاعرفه. قوله: "الرندي" بضم الراء وسكون النون نسبة إلى رندة قرية من قرى الأندلس.
قوله: "ضمير المصدر" أي الضمير الراجع إلى المصدر المفهوم من الفعل المستتر فيه كذا في التصريح فنائب الفاعل عند ابن درستويه ومن معه ضمير مصدر مبهم لأنه المفهوم من الفعل ويؤيده الرد عليهم بسير بزيد سيرا فهؤلاء هم المراد بمن في قول الشارح سابقا، فامتناع سير على إضمار السير أحق خلافا لمن أجازه. ا. هـ. وبهذا يعرف ما في كلام البعض هنا من الخلل. قوله: "لأنه لا يتبع إلخ" فلا يقال مر بزيد الظريف ولا ذهب إلى زيد وعمرو برفع التابع فيهما مراعاة لمحل النائب كما في تابع الفاعل المجرور بحرف الجر الزائد وبالمصدر المضاف. قوله: "ولأنه يتقدم" أي على عامله ولو كان نائب فاعل لم يتقدم عليه كما أن أصله وهو الفاعل لا يتقدم على عامله. وفيه أنهم إن أرادوا أنه يتقدم مع كونه نائب فاعل منع وإن أرادوا لا مع كونه نائب فاعل لم يفد لأن الفاعل نفسه يتقدم لا مع كونه فاعلا ونائبه غير المجرور يتقدم لا مع كونه نائبه فكان الأولى أن يتركوا هذا التعليل فتأمله فإنه وجيه.
قوله: "ولنا" أي المقوي لنا معشر الجمهور. وقوله سير بزيد سيرا رد لدعواهم من أصلها لأن العرب لم تنب المصدر الظاهر مع وجود المجرور فالأولى عدم إنابة ضميره. وقوله وإنه إنما يراعى إلخ رد أول للدليل الأول. وقوله على أن ابن جني رد ثان له، وقوله يظهر في الفصيح احتراز من نحو تمرون الديار. وقوله والنائب في الآية رد للدليل الثاني. وقوله ضمير إلخ أي لا عنه بل المجرور في محل نصب على المفعولية. وقوله وهو المكلف أي المعلوم من السياق أي لا كل كما هو مبنى كلام الثلاثة. وقوله وامتناع الابتداء لعدم التجرد أي من العوامل اللفظية الأصلية رد أول للدليل الثالث. وقوله وقد أجازوا أي هؤلاء رد ثان له وإنما أحازوا ذلك لأن من زائدة وهم إنما يمنعون نيابة المجرور بأصلي لكن هذا الرد لا يتجه عليهم لأنهم لم يدعوا أن كل نائب فاعل يصح تقديمه على أنه مبتدأ بل قالوا إذا تقدم أي صح أن يقدم يكون مبتدأ ويمكن جعله تنظيرا في عدم جواز التقدم على الابتداء لا ردا ثانيا حتى يرد ما ذكر. وقوله مع امتناع من أحد أي لأن من(2/96)
ولا ينوب بعض هذي إن وجد ... في اللفظ مفعول به وقد يرد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هو المجرور لا الحرف ولا المجموع، فكلام الناظم على حذف مضاف لكن ظاهر كلامه في الكافية والتسهيل أن النائب المجموع "ولا ينوب بعض هذي" المذكورات أعني الظرف والمصدر والمجرور "إن وجد في اللفظ مفعول به" بل يتعين إنابته. هذا مذهب سيبويه ومن تابعه، وذهب الكوفيون إلى جواز إنابة غيره مع وجوده مطلقًا "وقد يرد" ذلك كقراءة أبي جعفر: "ليجزي قوما بما كانوا يكسبون" [الجاثية: 14] ، وقوله:
401- لم يعن بالعلياء إلا سيدًا ... ولا ذا الغي إلا ذو هدى
وقوله:
402- وإنما يرضي المنيب ربه ... ما دام معنيا بذكر قلبه
ووافقهم الأخفش، لكن بشرط تقدم النائب كما في البيتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا تزاد إلا بعد النفي لا لوقوع أحد في الإثبات لأن نفي ضميره مسوغ كقوله:
إذا أحد لم يعنه شأن طارق
نص عليه ابن مالك كما في التصريح. وقوله وقالوا في كفى بالله رد للدليل الرابع وإنما امتنع كفت بهند ومررت بهند لكون المسند إليه في صورة الفضلة وإنما قيل: "وما تسقط من ورقة. وما تحمل من أنثى" لأن جر الفاعل بمن كثير فضعف كونه في صورة الفضلة قاله سم. قوله: "لا الحرف" أي خلافا للفراء ومذهبه في غاية الغرابة إذ الحرف لاحظ له في الإعراب أصلا. قوله: "إن وجد في اللفظ" احتراز عما لو وجد في المعنى بأن كان الفعل يطلب المفعول له لكن لم يذكر في اللفظ فلا يمتنع إنابة غيره سم. قوله: "مفعول به" ولو منصوبا بإسقاط الجار فيمتنع إنابة غيره مع وجوده فلو اجتمع منصوب بنفس الفعل ومنصوب بإسقاط الجار نحو اخترت زيدا الرجال امتنع إنابة الثاني عند الجمهور وجوزها الفراء ووافقه في التسهيل. قوله: "مطلقا" أي تقدم النائب على المفعول به أو تأخر. قوله: "وقد يرد" أي ورد ضرورة أو شذوذا. قوله: "المنيب" من الإنابة وهي الرجوع إلى الله تعالى بفعل الطاعات وترك المعاصي. قوله: "كما في البيتين" ويؤول هو والجمهور الآية السابقة بأن النائب فيها ضمير مستتر يعود إلى الغفران المفهوم من يغفروا. وغاية ما فيه إنابة المفعول الثاني وهو جائز ويحمل الجمهور البيتين على الضرورة. قال في شرح الجامع والحق أنه إن كان الغير أهم في الكلام كان أولى بالنيابة من
__________
401- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص173؛ والدرر 2/ 292؛ وشرح التصريح 1/ 291؛ والمقاصد النحوية 2/ 521؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 50؛ وتخليص الشواهد ص497؛ وشرح ابن عقيل 1/ 259؛ وهمع الهوامع 1/ 162.
402- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 149؛ وشرح التصريح 1/ 291؛ وشرح قطر الندى ص189؛ والمقاصد النحوية 2/ 519.(2/97)
وباتفاق قد ينوب الثان من ... باب كسا فيما التباسه أمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: إذا فقد المفعول به جازت نيابة كل واحد من هذه الأشياء. قيل ولا أولوية لواحد منهما. وقيل المصدر أولى وقيل المجرور. وقال أبو حيان ظرف المكان "وباتفاق قد ينوب" المفعول "الثان من باب كسا فيما التباسه أمن" نحو كسى زيدًا جبة، وأعطى عمرًا درهم، بخلاف ما لم يؤمن التباسه نحو أعطيت زيدًا عمرًا، فلا يجوز اتفاقًا أن يقال فيه أعطى زيدًا عمرو، بل يتعين فيه إنابة الأول لأن كل منهما يصلح لأن يكون آخذًا.
تنبيه: فما ذكره من الاتفاق نظر. فقد قيل بالمنع إذا كان نكرة والأول معرفة حكى ذلك عن الكوفيين. وقيل بالمنع مطلقًا. وقوله: وقد ينوب الإشارة بقدر إلى أن ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المفعول به. مثلا إذا كان المقصود الأصلي وقوع الضرب أمام الأمير أقيم ظرف المكان مقام الفاعل مع وجود المفعول به كما أفاده السيد.
قوله: "وقيل المصدر أولى" لأنه أشرف جزأي مدلول العامل. وقوله وقيل المجرور أي لأنه مفعول به بواسطة الجار. وقوله وقال أبو حيان إلخ أي لأن في إنابة المجرور خلافا ودلالة الفعل على المكان لا بالوضع بل بالالتزام كدلالته على المفعول به فهو أشبه بالمفعول به من المصدر وظرف الزمان لدلالة الفعل وضعا على الحدث والزمان كذا في الهمع. وبحث فيه سم بأن شرط إنابة المصدر وظرف الزمان اختصاصهما والفعل لا يدل على الحدث والزمان المختصين لكن هذا البحث لا يمنع أولوية ظرف المكان لأن غايته عدم دلالة الفعل أصلا على الحدث والزمان المختصين ودلالته التزاما على المكان فلم يخرج عن كونه أشبه بالمفعول به منهما. قوله: "من باب كسا" هو كل فعل نصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ولم ينصب أحدهما بإسقاط الجار فبالأول خرج باب ظن وبالثاني خرج نحو اخترت الرجال زيدا. قوله: "فيما التباسه أمن" أي في تركيب أمن فيه التباس. قال سم قد يتوهم أنه لو كان المفعول الثاني مؤنثا وأنيب مناب الفاعل وأنث الفعل لذلك أن اللبس يندفع وليس كذلك لأن غاية ما يدل عليه تأنيث الفعل أن المؤنث هو النائب ولا يلزم من كونه النائب أنه المفعول الثاني لجواز أنه الأول.
قوله: "فلا يجوز اتفاقا" إن قيل هلا جاز ذلك ومنع من تقديمه ويكون ذلك دافعا للالتباس كما قيل بمثله في ضرب موسى عيسى وصديقي صديقك فإنهم احترزوا من اللبس بالرتبة. أجيب بأنه هنا يمكن الاحتراز بالكلية بإقامة غير الثاني بخلاف الموضعين المذكورين فإنه لا طريق إلى دفع اللبس إلا بحفظ الرتبة قاله سم وأقوى من جوابه أن يقال لما كانت إنابة الثاني توهم فاعليته معنى لكون الأصل إنابة ما هو فاعل معنى كان ذلك معارضا لتأخره لزوما فضعفت دلالته على كون المتأخر هو المأخوذ بخلاف الموضعين المذكورين لعدم المعارض فيهما. قوله: "فقد قيل بالمنع إذا كان إلخ" وجهه أن النائب عن الفاعل مسند إليه كالفاعل والمعرفة أحق بالإسناد إليها من النكرة لكن هذا إنما يقتضي أولوية إنابة المعرفة لا وجوبها. قوله: "وقيل بالمنع مطلقا" أي سواء كان الأول معرفة أو نكرة طرد اللباب.(2/98)
في باب ظن وأرى المنع اشتهر ... ولا أرى منعًا إذا القصد ظهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قليل بالنسبة إلى إنابة الأول. أو أنها للتحقيق. ا. هـ. "في باب ظن و" باب "أرى المنع" من إقامة المفعول الثاني "اشتهر" عن النحاة وإن أمن اللبس، فلا يجوز عندهم ظن زيدًا قائم، ولا أعلم زيدًا فرسك مسرجًا "ولا أرى منعًا" من ذلك "إذا القصد ظهر" كما في المثالثين، وفاقًا لابن طلحة وابن عصفور في الأول، ولقوم في الثاني، فإن لم يظهر القصد تعينت إنابة الأول اتفاقًا، فيقال في ظننت زيدًا عمرًا وأعلمت بكرًا خالدًا منطلقًا، ظن زيد عمرًا، وأعلم بكر خالدًا منطلقًا. ولا يجوز ظن زيدًا عمرو، ولا أعلم بكرًا خالد منطلقًا لما سلف.
تنبيهات: الأول يشترط لإنابة المفعول الثاني مع ما ذكره أن لا يكون جملة. فإن كان جملة امتنعت إنابته اتفاقًا. الثاني أفهم كلامه أنه لا خلاف في جواز إنابة المفعول الأول في الأبواب الثلاثة. وقد صرح به في شرح الكافية. وأما الثالث في باب أرى، فنقل ابن أبي الربيع وابن هشام الخضراوي وابن الناظم الاتفاق على منع إنابته. والحق أن الخلاف موجود، فقد أجازه بعضهم حيث لا لبس وهو مقتضى كلام التسهيل: نحو أعلم زيدًا فرسك مسرج. الثالث احتج من منع إنابة الثاني في باب ظن مطلقًا بالإلباس فيما إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "لما سلف" أي لنظير ما سلف لأن السالف هو قوله لأن كلا منهما يصلح لأن يكون آخذا فيقال هنا لأن كلا منهما يصلح لأن يكون مظنونا أنه الآخر في باب ظن ولأن يكون معلما ومعلما به في باب أرى. قوله: "يشترط لإنابة المفعول الثاني" أي لظن لأنه الذي يتصور وقوعه جملة بخلاف ثاني كسا وأرى لعدم تصور ذلك فيه. وكباب ظن في امتناع إنابة الجملة غيره على الصحيح إلا إذا كانت محكية بالقول لأنها لكون المقصود لفظها في حكم المفرد نحو: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 11] أو مؤولة بالمفرد نحو فهم كيف قام زيد. وفي إنابة المفعول الثاني إذا كان ظرفا أو مجرورا مع وجود المفعول الأول المذاهب الثلاثة في إنابة غير المفعول مع وجوده. وعلى الجواز فالنائب المجرور دون متعلقه بل لا يتصور له متعلق حينئذٍ على ما ارتضاه سم قال وفي كلام الشاطبي ما يؤيده. ا. هـ. وفيه نظر والظاهر أن له متعلقا وأن هذا المتعلق هو النائب في الحقيقة كما أنه المفعول الثاني في الحقيقة على الأصح فتدبر. قوله: "مع ما ذكره" أي من أمن اللبس. قوله: "فافهم كلامه" قيل وجه الإفهام أنه حكى خلافا في إنابة الثاني في بابي ظن وأرى والاتفاق على إنابته في باب كسا وسكت عن الأول في الثلاثة فيعلم أنه لا خلاف في إنابته، وفيه أنه لا خلاف في إنابته، وفيه أنه سكت عن الثالث في باب أرى أيضا مع أنه لا اتفاق على إنابته إلا أن يقال لم يسكت عنه لأنه ثاني مفعولي ظن وقد ذكر حكمه.
قوله: "وهو مقتضى كلام التسهيل" ظاهر كلامه أن المصنف أهمله هنا وهو ما قاله الموضح ورده المصرح بأنه ثاني مفعولي ظن وقد ذكر حكمه. قوله: "احتج من منع إلخ" لا ينهض هذا الاحتجاج على المصنف لشرطه عدم اللبس قاله سم. وقوله مطلقا أي من غير قيد(2/99)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كانا نكرتين أو معرفتين وبعود الضمير على متأخر لفظ ورتبة إن كان الثاني نكرة نحو ظن قائم زيدًا؛ لأن الغالب كونه مشتقا. واحتج من منع إنابته مطلقًا في باب أعلم، وهم قوم معهم الخضيراوي والأبدي وابن عصفور بأن الأول مفعول صريح، والآخران مبتدأ وخبر، شبهًا بمفعولي أعطي، وبأن السماع إنما جاء بإنابة الأول كقوله:
403- ونبئت عبد الله بالجو أصبحت ... كرامًا مواليها لئيما صميمها
الرابع حكى ابن السراج أن قومًا يجيزون إنابة خبر كان المفرد، وهو فاسد لعدم الفائدة ولاستلزامه إخبارًا عن غير مذكور ولا مقدر؛ وأجاز الكسائي نيابة التمييز، فأجاز في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومن غير شرط. وقوله فيما إذا كانا نكرتين أو معرفتين: مثال الأول ظننت أفضل منك أفضل من زيد، ومثال الثاني ظننت صديقك زيدا. قوله: "ويعود الضمير إلخ" وذلك لأن رتبة نائب الفاعل التقدم والاتصال بالفعل فإذا قلت ظن قائم زيدا لزم عود الضمير في قائم على زيد المتأخر لفظا وهو ظاهر ورتبة لأنه وإن كان مفعولا أول ورتبته التقديم لكن لما أنيب الثاني صار رتبة الأول التأخير وقد يقال هذه العلة تنتفي عند تأخير النائب وتقديم المفعول الأول، فهلا قال بالمنع عند تقديم النائب والجواز عند تأخيره مع أنه قد يقال المفعول الأول من حيث كونه مفعولا أول رتبته التقديم وهذا كاف في جواز عود الضمير عليه مع تأخره لفظا. وسكت عن القسم الرابع وهو ما إذا كان الثاني معرفة والأول نكرة لعدمه.
قوله: "بأن الأول مفعول صريح" أي ليس أصله مبتدأ ولا خبرا بل هو مفعول به حقية واقع عليه الإعلام. وفي بعض النسخ صحيح وهو بمعنى صريح. وقوله والآخران مبتدأ وخبر أي في الأصل شبها أي في نصبهما بمفعولي أعطى أي فإطلاق المفعولية عليهما مجاز قاله في التصريح ورد سم هذه الحجة بأنها لا تقتضي المنع بل أولوية إنابة الأول وهذه الحجة والتي بعدها يفيدان أن امتناع إنابة الثالث أيضا قال الإسقاطي ولا تجرى هذه الحجة في باب ظن كما توهم لعدم المفعول الصريح. قوله: "ونبئت عبد الله" اسم قبيله وقوله بالجو متعلق بمحذوف صفة لعبد الله أي الكائنة بالجو والجو أرض اليمامة وجملة أصبحت مفعول ثالث ومواليها فاعل كراما والموالي العبيد والصميم الخالص والمراد رؤساء القبيلة وأعيانها كذا في التصريح. قوله: "إنابة خبر كان المفرد" نحو كين قائم وظاهر التقييد بالمفرد أن خبرها الجملة متفق على عدم إنابته وليس كذلك لثبوت الخلاف عن الفراء والكسائي كما في الهمع. قوله: "لعدم الفائدة" إذ معنى كين قائم حصل كون لقائم ومعلوم أن الدنيا لا تخلو عن حصول كون لقائم. قوله: "ولاستلزامه" عطف سبب على مسبب وقوله عن غير مذكور هو الاسم وقد يمنع الاستلزام بأن الخبر لما ناب عن الاسم انسلخ عن كونه خبرا وصار محدثا عنه بالفعل المجهول كما انسلخ عمرو في ضرب
__________
403- البيت من الطويل، وهو للفرزدق في شرح التصريح 1/ 293؛ والكتاب 1/ 39؛ والمقاصد النحوية 2/ 522؛ وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 153؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 426.(2/100)
وما سوى النائب مما علقا ... بالرافع النصب له محققًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
امتلأت الدار رجالًا امتلئ رجال، وإلى ذلك أشار في الكافية بقوله:
وقول قوم قد ينوب الخبر ... بباب كان مفردًا لا ينضر
وناب تمييز لدى الكسائي ... لشاهد عن القياس نائي
واعلم أنه كما لا يرفع رافع إلا فاعلًا واحدًا، كذلك لا يرفع رافع النائب عنه إلا نائبًا واحدًا "وما سوى" ذلك "النائب مما علقا بالرافع" له "النضب له محققا" إما لفظًا إن لم يكن جارا ومجرورا، أو محلا أن يكنه.
تنبيه: قال في الكافية:
ورفع مفعول به لا يلتبس ... مع نصب فاعل رووا فلا تقس
أي قد حملهم ظهور المعنى على إعراب كل من الفاعل والمفعول به بإعراب الآخر، كقولهم خرق الثوب المسار. وقوله:
404- مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوآتهم هجر
ولا يقاس على ذلك. ا. هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عمر وعن كونه مفعولا وصار محدثا عنه بالفعل المجهول فتدبر.
قوله: "وما سوى النائب" أي وتابعه مما علقا بالرافع أي تعلق به من حيث كونه معمولا له وقوله بالرافع له أي لذلك النائب وقوله النصب له أي لما سوى النائب مبتدأ وخبر ونصبه برافع النائب على الصحيح فيكون متجددا وقيل برافع الفاعل المحذوف فيكون مستصحبا وقيل بفعل مقدر تقديره في أعطى زيد درهما قبل أو أخذ. قوله: "إن لم يكن جارا ومجرورا إلخ" اعترض عليه غير واحد كالبعض بأنه كان الأولى أن يقول لفظا إن كان مما يظهر إعرابه أو محلا أو تقديرا إن لم يكن كذلك ليدخل المبني والمقدر. وأجاب الروداني بأن المراد باللفظي أن يتوصل إليه العامل بنفسه وبالمحل أن يتوصل إليه بواسطة حرف الجر كما قالوا بمثل ذلك في قول الناظم في باب الاشتغال بنصب لفظه أو المحل فدخل ما ذكر ومقابلة لفظا بمحلا ظاهرة في إرادة ذلك فافهم. قوله: "ورفع مفعول به إلخ" مقتضاه أن المنصوب فاعل والمرفوع مفعول فيكون فيه نقض للقاعدة وجعل الشاطبي المرفوع فاعلا والمنصوب مفعولا اصطلاحا وإن كان المعنى على خلافه هذا. ومن العرب من يرفعهما معا ومنهم من ينصبهما معا عند ظهور المراد. قوله: "تعين رفع
__________
404- البيت من البسيط، وهو للأخطل في ديوانه ص178؛ وتخليص الشواهد ص247؛ والدرر 3/ 5؛ وشرح شواهد المغني 2/ 972؛ ولسان العرب 5/ 195 "نجر"؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 337؛ وأمالي المرتضى 1/ 466؛ ورصف المباني ص390؛ والمحتسب 2/ 118؛ ومغني اللبيب 2/ 699؛ وهمع الهوامع 1/ 165.(2/101)
اشتغال العامل عن المعمول:
إن مضمر اسم سابق فعلا شغل ... عنه بنصب لفظه أو المحل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة: إذا قلت: زيد في رزق عمرو عشرون دينارًا تعين رفع عشرين على النيابة، فإن قدمت عمرًا فقلت: عمرو زيد في رزقه عشرون جاز رفع العشرين ونصبه، وعلى الرفع فالفعل خال من الضمير فيجب توحيده مع المثنى والمجموع، ويجب ذكر الجار والمجرور لأجل الضمير الراجع إلى المبتدأ. وعلى النصب فالفعل متحمل للضمير فيبرز في التثنية والجمع، ولا يجب ذكر الجار والمجرور.
اشتغال العامل عن المعمول:
"إن مضمر اسم سابق فعلًا شغل بنصب لفظه أو المحل" أي حقيقة باب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عشرين على النيابة" أي عند الجمهور المانعين إنابة غير المفعول مع وجوده. قوله: "جاز رفع العشرين" أي على النيابة والرابط للخبر المبتدأ الضمير المجرور وقوله ونصبه أي على المفعولية بالفعل ونائب الفاعل ضمير يعود على المبتدإ هو الرابط. قوله: "فيبرز في التثنية والجمع" فيقال العمران زيدا في رزقهما عشرين، والعمرون زيدوا في رزقهم عشرين وإن شئت حذفت المجرور.
اشتغال العامل عن المعمول:
المقصود بالذكر هو المشتغل عنه ووسطوا ذكره بين المرفوعات والمنصوبات لأن بعضه من المرفوعات وبعضه من المنصوبات وأركان الاشتغال ثلاثة: مشغول وهو العامل نصبا أو رفعا ويشترط فيه أن يصلح للعمل فيما قبله فيشمل الفعل المتصرف واسم الفاعل واسم المفعول دون الصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل والحرف والفعل غير المتصرف كفعل التعجب لأنه لا يفسر في هذا الباب إلا ما يصلح للعمل فيما قبله نعم يجوز الاشتغال مع المصدر واسم الفعل على القول بجواز تقدم معمولهما عليهما ومع ليس على القول بجواز تقدم خبرها عليها كما سيأتي وأن لا يفصل بينه وبين الاسم السابق كما سيأتي. ومشغول عنه وهو الاسم السابق الذي شأنه أن يعمل فيه العامل أو مناسبه الرفع أو النصب لو سلط عليه ويشترط فيه أن يكون متقدما فليس من الاشتغال نحو ضربته زيدا بل الاسم إن نصب كان بدلا من الضمير أو رفع كان مبتدأ خبره الجملة قبله وأن يكون قابلا للإضمار فلا يصح الاشتغال عن حال وتمييز ومصدر مؤكد ومجرور بما لا يجر المضمر كحتى وأن يكون مفتقرا لما بعده فليس من الاشتغال نحو في الدار زيد فأكرمه وأن يكون مختصا لا نكرة محضة ليصح رفعه بابتداء وإن تعين نصبه لعارض كصور وجوب النصب فليس من الاشتغال قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [الحديد: 27] ، بل المنصوب معطوف على ما قبله بتقدير مضاف أي وحب رهبانية وابتدعوها صفة كما في المغني وأن يكون واحدا لا متعددا على ما فيه من الخلاف الآتي قريبا. قيل قد يكون الاسم المشغول عنه ضميرا منفصلا كقوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} ونحو لأن(2/102)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاشتغال أن يسبق اسم عاملًا مشتغلًا عنه بضميره أو ملابسه لو تفرغ له هو أو مناسبه لنصبه لفظًا أو محلًّا، فيضمر للاسم السابق عند نصبه عامل مناسب للعامل الظاهر مفسر به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفعل اشتغل بعمله في الياء المحذوفة بعد نون الوقاية تخفيفا والتقدير وإياي ارهبو فارهبون ونقل عن السعد في حواشي الكشاف أنه ليس منه لمكان الفاء بل إياي منصوب بفعل مضمر يدل عليه فارهبون فهو من باب مطلق التفسير الذي هو أعم من الاشتغال وفي كلام الروداني تضعيف الاحتجاج بوجود الفاء حيث قال إضافة مضمر إلى اسم لأدنى ملابسة أي مضمر يلاقي اسما متقدما في ذات واحد فيدخل ما إذا كان الشاغل والمشغول عنه ضميرين لذات واحد نحو وإياي فارهبون فإن تقديره إن كنتم ترهبون أحدا فإياي ارهبوا ارهبون فالفاء الشرطية من حلقة عن الصدر فسقط ما قيل إن ما بعد الفاء الشرطية لا يعمل فيما قبلها وما لا يعمل لا يفسر عاملا. ا. هـ. أي لأن الفاء إنما تمنع إذا كانت في محلها. ومشغول به ويشترط أن يكون ضميرا معمولا للمشغول أو من تتمة معموله كزيدا ضربته أو مررت به أو ضربت غلامه أو مررت بغلامه. ويجوز حذف الضمير الشاغل بقبح لما فيه من القطع بعد التهيئة.
قوله: "إن مضمر اسم" المتبادر من الاسم الاسم الواحد لأنه نكرة في سياق الإثبات ففيه تنبيه على أن شرط المشغول عنه أن يكون اسما واحدا فلا يجوز أن يقال زيدا درهما أعطيته إياه لأنه لم يسمع وأجازه الأخفش إذ أجاز أن يعمل الفعل المقدر في أكثر من واحد كما في المثال. وعن الرضي أنه يجوز أن يتوالى اسمان أو أكثر لعاملين مقدرين أو عوامل كزيد أخاه غلامه ضربته أي لابست زيدا أهنت أخاه ضربت غلامه ويرد على من اشترط كون الاسم واحدا أن من الاشتغال اتفاقا زيدا وعمرا وبكرا ضربتهم إلا أن يقال المعطوف تابع والاسم المتبوع واحد فاعرفه وقوله فعلا مثله اسم الفاعل واسم المفعول كما أشار إلى ذلك الشارح بقوله عاملا وسكت المصنف عنهما هنا لذكرهما بعد بقوله وسوِّ في ذا الباب إلخ وقوله شغل أي ذلك المضمر والمراد بشغل المضمر الفعل ما هو أعم من شغله إياه بنفسه أو بملابسه كما أشار إلى ذلك الشارح بقوله أو ملابسة أي ملابس ضمير الاسم. وقوله بنصب ظاهره وظاهر قول الشارح لنصبه أن العامل إذا اشتغل برفع ذلك المضمر نحو إن زيد قام يكرم لا يكون من باب الاشتغال وكلام الشارح في الخاتمة كالتوضيح يقتضي أنه منه وهو المنقول عن شرح التسهيل للمصنف وأبي حيان ويؤيده ما في شرح الجامع وهو المتجه وحينئذٍ ففي الضابط قصور فزيد في المثال مرفوع بفعل محذوف يفسره المذكور وإن كان لا يعمل قام في زيد لو فرضناه فارغا من الضمير لأن عدم عمله فيه لعارض تقدمه المانع من رفع الفعل المتأخر عند له على الفاعلية لا لذاته بدليل أنه لو تأخر عن الفعل لعمل فيه فلا يقال ما لا يعمل لا يفسر عاملا فافهم والجمهور على اشتراط اتحاد جهة نصب المشغول به والمشغول عنه. ونقل الأخفش عن العرب أزيدا جلست عنده وهو يقتضي عدم الاشتراط لأن زيدا مفعول به وعنده مفعول فيه وصححه الدماميني.
قوله: "لو تفرغ له هو أو مناسبه" ظاهره يقتضي أن المناسب أيضا مشتغل وليس كذلك إلا(2/103)
فالسابق انصبه بفعل أضمرا ... حتمًا موافق لما قد أظهرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على ما سيأتي بيانه، فالضمير في عنه وفي لفظه للاسم السابق، والباء في بنصب بمعنى عن، وهو بدل اشتمال من ضمير عنه بإعادة العامل، والألف واللام في المحل بدل من الضمير، والتقدير إن شغل مضمر اسم سابق فعلًا عن نصب لفظ ذلك الاسم السابق: أي نحو زيدًا ضربته أو محله نحو هذا ضربته "فالسابق انصبه" إما وجوبًا وإما جوازًا راجحًا أو مرجوحًا أو مستويًا، لا أن يعرض ما يمنع النصب على ما سيأتي بيانه "بفعل أضمرا حتمًا" أي إضمارًا حتمًا أي واجبًا، أو هو خال من الضمير في أضمر أي محتومًا. وذلك لأن الفعل الظاهر كالبدل من اللفظ به فلا يجمع بينهما "موافق" ذلك الفعل المضمر "لما قد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن يقال المراد بالتفرغ التسلط. قوله: "لنصبه" أي لصلح في حد ذاته لنصبه وإن لم يصلح باعتبار العارض فيشمل قسم وجوب الرفع لأن الراجح أنه من باب الاشتغال كما سيأتي فقول المصنف بنصب لفظه أو المحل يعني به النصب باعتبار حالته الذاتية وإن منع منه مانع عرض ويخرج ما امتنع عمله فيما قبله لذاته كفعل التعجب واسم التفضيل والصفة المشهبة واسم الفعل لا يقال يرد عليه قول المصنف الآتي في الوصف: إن لم يك مانع حصل ومثلوا للمانع بوقوع الوصف صلة مع امتناع عمل الصلة فيما قبلها لا لذاتها لأنا نقول اشتراط المصنف عدم المانع للنصب بما يفسره الوصف لا لعده من الاشتغال كما يعلم مما يأتي أفاده سم. قوله: "والباء في بنصب إلخ" ويحتمل أن تكون سببية متعلقة بشغل وضمير لفظه للمضمر والمراد بنصب لفظ الضمير تعدي الفعل إليه بلا واسطة حرف الجر كزيدا ضربته وبنصب محله تعديه إليه بواسطته كزيدا مررت به ولا يرد على هذا أنه يلزم التكرار في قوله الآتي:
وفصل مشغول بحرف جر
لأن ما يأتي أعم مما هنا لأنه يشمل ما لو كان حرف الجر داخلا على ضمير الاسم السابق وهو ما هنا وما لو كان داخلا على مضاف إلى الضمير ولو بواسطة ولا تكرار مع ذكر الأعم قاله سم. قوله: "بإعادة العامل" أي بمعناه لا بلفظه. قوله: "بدل من الضمير" أي على مذهب الكوفيين وإن اختار المصنف خلافه. قوله: "إما وجوبا إلخ" أشار بهذا التفصيل إلى أن الأمر في كلام الناظم للإباحة المقابلة للمنع الصادقة بالإيجاب. قوله: "ما يمنع النصب" كوقوع الاسم بعد إذا الفجائية وليتما. قوله: "أو هو حال" عطف على مقدر متصيد من الكلام السابق تقديره هو وصف المحذوف أو هو حال أي حال سببي أي محتوما إضماره لكن فيه حذف مرفوع السببي وهو غير جائز ولعل هذا مراد سم بقوله أي محتوما فيه شيء لا يخفى. قوله: "كالبدل" أي العوض فالمراد البدل اللغوي فلا اعتراض وقوله من اللفظ أي التلفظ. قوله: "فلا يجمع بينهما" أي لأن الجمع ينافي العوضية وأما قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] ، فليس من باب الاشتغال بل رأيت الثاني تأكيد للأول أو المفعول الثاني لرأيت الأول محذوف لدلالة ما بعده عليه والتقدير إني رأيت أحد(2/104)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أظهرا" إما لفظًا ومعنى كما في نحو زيدًا ضربته، إذ تقديره ضربت زيدًا ضربته، وإما معنى دون لفظ كما في نحو زيدًا مررت به، إذ تقديره جاوزت زيدًا مررت به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عشر كوكبا ساجدين لي والشمس والقمر مفعول لمحذوف يفسره المذكور بعد والجمع على هذا في رأيتهم وساجدين للتعظيم.
قوله: "لما قد أظهرا" ولا محل لجملة الظاهر على الصحيح لأنها مفسرة لكن كون المفسر ظاهر في اشتغال المنصوب الذي كلامنا الآن فيه وأما في اشتغال المرفوع فلا لأن المفسر الفعل وحده لا الجملة بدليل أن المفسر المحذوف فعل لا جملة فليكن مفسره كذلك. وقال الشلوبين جملة التفسير بحسب ما تفسره فهي في نحو زيدا ضربته لا محل لها وفي نحو: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الفتح: 29] في محل نصب إذ لو صرح بالموعود به المفسر بجملة لهم إلخ لكان منصوبا وفي نحو: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] ، ونحو زيد الخبز يأكله بنصب الخبز في محل رفع ولهذا يظهر الرفع إذا قلت آكله وقال:
فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن
بجزم نؤمنه موافقة للفعل المحذوف وضعف الاحتجاج بالبيت بأنه من تفسير الفعل بالفعل وكلامنا في تفسير الجملة بالجملة. قال ابن هشام وكأن الجملة المفسرة عنده عطف بيان أو بدل. ولم يثبت الجمهور وقوع البيان أو البدل جملة ولم يثبت جواز حذف المعطوف عليه عطف البيان. واختلف في المبدل منه وقال أبو علي الفعل المذكور والفعل المحذوف في نحو قوله:
لا تجزعي إن منفسا أهلكته
مجزومان محلا وجزم الثاني ليس على البدلية إذ لم يثبت حذف المبدل منه بل على تكريران: أي إن أهلكت منفسا إن أهلكته وساغ إضماران وإن لم يسغ إضمار لام الأمر إلا في ضرورة لاتساعهم فيها ولقوة الدلالة عليها بتقديم مثلها. واستغنى بجواب إن الأولى عن جواب الثانية كما استغنى في نحو أزيدا ظننته قائما بثاني مفعولي ظننت المذكورة عن ثاني مفعولي ظننت المقدرة انظر المغني وفي حاشية الدماميني عليه أنه لا يتعين كون قائما ثاني مفعولي ظننت المذكورة بل يجوز كونه ثاني مفعولي المقدرة بل هو الأولى لأن المقدرة هي المقصودة بالذات والثانية إنما أتى بها لضرورة التفسير. قوله: "وإما معنى" أي وإما موافقة له في المعنى. قال سم بقي أن لا يوافقه لفظا ولا معنى لكن يكون لازما للمذكور كزيدا ضربت أخاه فإن ضرب أخي زيد ملزوم أي عرفا لإهانة زيد. ا. هـ. ويمكن أن يراد بالموافقة في المعنى أن يدل الملفوظ به وضعا أو لزوما عرفيا على معنى المقدر فالأول كما في زيدا مررت به فالمقدر جاوزت والمجاوزة والمرور والمتعدي بالباء بمعنى واحد بخلاف المتعدي بعلى فإنه بمعنى المحاذاة. والثاني كما في زيد ضربت أخاه أي أهنت وزيدا ضرب عدوه أي أكرمت، وكما في زيدا مررت(2/105)
والنصب حتم إن تلا السابق ما ... يختص بالفعل كإن وحيثما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: يشترط في الفعل المفسر أن لا يفصل بينه وبين الاسم السابق، فلو قلت زيدًا أنت تضربه لم يجز للفصل بأنت "والنصب حتم إن تلا" أي تبع الاسم "السابق ما" أي شيئًا "ويختص بالفعل" وذلك كأدوات الشرط "كإن وحيثما" وأدوات التخصيص، وأدوات الاستفهام غير الهمزة نحو إن زيدًا لقيته فأكرمه وحيثما عمرًا لقيته فأهنه، وهلا بكرًا ضربته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بغلامه أي لابست. قوله: "في الفعل" أي دون الوصف وقوله: أن لا يفصل أي بغير الظرف لما سيذكره الشارح من أن الفصل بالظرف كلا فصل وأنه لا يضر فصل الوصف. قوله: "لم يجز" أي فيتعين الرفع وأجاز الكسائي النصب مع الفصل قياسا على الوصف وسيأتي الفرق. قوله: "يختص بالفعل" الباء داخلة على المقصور عليه. قوله: "وأدوات الاستفهام غير الهمزة" فجميعها إلا الهمزة يختص بالفعل إذا رأته في حيزها وإنما خصوا هل يذكر ذلك لأن الاستفهام أصل تضمني في وضع غيرها وطارىء عليها بالتطفل على الهمزة. أما الهمزة فتدخل على الاسم وإن كان الفعل في حيزها لكن الغالب دخولها على الفعل وإنما لم تختص كأخواتها لأنها أم الباب وهم يتوسعون في الأمهات، ولكونها أم الباب اختصت بجواز الحذف والدخول على النافي وواو العطف وفائه وثم والشرط وإن كما في الهمع. وأنا لا أرى بأسا بدخول هل أيضا على الشرط. وإنما كانت إما لأن دلالتها على الاستفهام بذاتها ودلالة غيرها عليه بالتضمين أو التطفل، ولأنها أعم موردا لأنها ترد لطلب التصديق نحو أقام زيد، ولطلب التصور نحو أزيد قائم أم عمرو، ونحو أقائم زيد أم قاعد، وهل لا تكون إلا لطلب التصديق وبقية الأدوات لا تكون إلا لطلب التصور، فإن قلت المسند إليه في نحو أزيد قائم أو عمرو، والمسند في نحو أقائم زيد أم قاعد متصوران للمتكلم قبل استفهامه، فكيف يطلب تصورهما وإنما المطلوب له في الأول التصديق بنسبة القيام إلى أحد الشخصين على التعيين وفي الثاني التصديق بنسبة أحد الوصفين على التعيين إلى زيد لأن هذين التصديقين غير حاصلين عند المتكلم إذ الحاصل عنده في الأول التصديق بنسبة القيام إلى أحد الشخصين لا بعينه وفي الثاني التصديق بنسبة أحد الوصفين لا بعينه إلى زيد. قلت لما كان الاختلاف بين التصديقين الأولين والأخيرين باعتبار تعيين المسند إليه أو المسند في الأولين وعدم التعيين في الأخيرين وكان أصل التصديق حاصلا توسعوا فحكموا بأن التصديق حاصل، وأن المطلوب صور المسند إليه أو المسند أو قيد من قيودهما نقله الدماميني على الله لمغني واستحسنه وذكر في محل آخر أن هل أتت لطلب التصور ندورا كما في قوله عليه الصَّلاة والسَّلام لجابر بن عبد الله: "هل تزوجت بكرا أم ثيبا" ثم أورد على قولهم بقية الأدوات لطلب التصور أم المنقطعة المقدرة ببل والهمزة أو الهمزة فقط فإنها لطلب التصديق وممن عد أم من أدوات الاستفهام السكاكي في المفتاح وأبو حيان وغيره من النحاة، ثم قال لكني أستشكل عدهم أم منها أم المتصلة فلأن مدخولها معطوف على مدخول الهمزة فمشاركته له في كونه مستفهما عنه بقضية العطف، ألا ترى أنك إذا أبدلت أم بأو كان ما بعد أو مستفهما عنه كما كان مع أم وإن كان المطلوب مع أم التعيين دون أو كما بسطه في المغني في بحث أم ولم يقل أحد بأن(2/106)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأين زيدًا وجدته. ولا يجوز رفع الاسم السابق على أنه مبتدأ لأنه لو رفع الحالة هذه لخرجت هذه الأدوات عما وضعت له من الاختصاص بالفعل نعم قد يجوز رفعه بالفاعلية لفعل مضمر مطاوع للظاهر كقوله:
405- لا تجزعي إن منفس أهلكته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو من أدوات الاستفهام وأما المنقطعة فلا نسلم أن الاستفهام جزء معناها أو أحد معنييها. ا. هـ. ببعض إيضاح. قال الشمني لعلهم إنما عدوا أم من أدوات الاستفهام لأن المتصلة ملازمة للاستفهام الحقيقي أو المجازي سابقا عليها أو المنقطعة مصاحبة في الغالب له متأخرا عنها ولم يريدوا أنها موضوعة للاستفهام. ا. هـ. ولم يعدها منها الزمخشري في المفصل وابن الحاجب وشراح كلامهما ثم قال الدماميني. فإن قيل السائل بقوله من جاءك مثلا قد حصل التصديق بأن أحدا جاء المخاطب وهذا التصديق غير التصديق بأن زيدا مثلا جاء فهو بسؤاله يطلب التصديق الثاني فتكون من لطلب التصديق على قياس ما سبق في نحو أزيد قائم أو عمرو. قلت فرق بينهما لأن السائل بمن جاءك لم يتصور خصوص زيد أو غيره بهذا السؤال فإذا أجيب بزيد مثلا أفاده تصور خصوصه واختلف بحسبه التصديق أيضا بخلاف نحو أزيد قائم أو عمرو إذ لا يفيد جوابه تصور التصور السائل الشخصين قبله بل مجرد تصديق. ا. هـ. ببعض إيضاح وستأتيك بقية مباحث الاستفهام في باب العطف.
قوله: "وحيثما عمرا إلخ" التمثيل بهذه الأمثلة مجاراة لما يقتضيه ظاهر إطلاق المتن من جواز دخول ما يختص بالفعل كالأدوات المذكورة على الاسم المنصوب المقدر قبله فعل في النثر والنظم وسيجيء أنه لا يليها في النثر إلا الفعل الصريح ما لم تكن أداة الشرط إذا مطلقا أوان والفعل ماض. قوله: "ولا يجوز رفع" كان الأولى فاء التفريع لتفرعه على قول المصنف والنصب حتم إلخ. قوله: "على أنه مبتدأ" ينبغي جواز الرفع بالابتداء عند من أجاز وقوع المبتدأ بعد أدوات الشرط والتخصيص والاستفهام. قوله: "والحالة هذه" أي كونه مبتدأ. قوله: "نعم قد يجوز إلخ" استدراك على قول المصنف والنصب حتم إلخ أفاد به تقييده بما إذا لم يقدر فعل برفع الاسم ولو قال فيجوز إلخ تفريعا على قوله ولا يجوز رفع الاسم السابق على أنه مبتدأ لكان أقرب. قال سم يمكن أن يستفاد ذلك أي جواز الرفع بالفاعلية من كلام المصنف بأن يقال المراد بتحتم النصب امتناع الرفع على الابتداء أخذا من قوله ما يختص بالفعل إذ يفهم منه أن وجوب النصب ليس إلا لتحصيل الفعل فلو حصل مع الرفع كفى لوجود المقصود. ا. هـ.
قوله: "مطاوع" قيد به لأن كلامه فيما إذا كان العامل الظاهر ناصبا لضمير الاسم السابق. قوله: "لا تجزعي" أي لا تخافي الفقر إن منفس بضم الميم وكسر الفاء أي مال نفيس يصف الشاعر نفسه بالكرم ولما لامته امرأته على اتلاف ماله جزعا من الفقر قال لها لا تجزعي إلخ.
__________
405- قاله النمر بن تولب من قصيدة من الكامل.(2/107)
وإن تلا السابق ما بالابتدا ... يختص بالرفع التزمه أبدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في رواية منفس بالرفع. وقوله:
406- فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب ... لعلك تهديك القرون الأوائل
التقدير إن هلك منفس أهلكته، وإن لم تنتفع بعلمك لم ينفعك علمك.
تنبيه: لا يقع الاشتغال بعد أدوات الشرط والاستفهام إلا في الشعر. وأما في الكلام فلا يليهما إلا صريح الفعل إلا إذا كانت أداة الشرط إذا مطلقًا أو إن والفعل ماض فيقع في الكلام فتسوية الناظم بين أن وحيثما مردودة "وإن تلا" الاسم "السابق ما بالابتدا يختص"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عيني. قوله: "فإن أنت إلخ" أي إن لم تتعظ بعلمك بموت صاحب لك فانتسب إلى أجدادك لتجدهم ماتوا جميعا فتقيس نفسك عليهم فتتعظ فلعل تعليلية أفاده السيوطي في شرح شواهد المغني. قوله: "وإن لم تنتفع بعلمك" أي فلما حذف الفعل برز الضمير وانفصل. قوله: "لا يقع الاشتغال إلخ" قال الروداني أي لا يقع وقوعا حسنا لأنه يقع بعدهما في النثر أيضا لكنه قبيح. قوله: "والاستفهام" أي غير الهمزة بقرينة ما تقدم إذ الاشتغال بعدها جائز نظما ونثرا. وسكت الشارح عن أدوات التخصيص مع أنها كأدوات الشرط والاستفهام لا تدخل في النثر إلا على الفعل الصريح فكان الأولى ذكرها. قوله: "وأما في الكلام" أي النثر وقوله فلا يليهما إلا صريح الفعل أي في باب الاشتغال كما فرضه الشارح فلا ينافي إيلائها الاسم اتفاقا إذا لم تر الفعل في حيزها نحو أين زيد. ويستثنى من كلامه أما فإن الاسم يليها ولو كان في حيزها فعل نحو: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17] ، بنصب ثمود على الاشتغال بمقدر بعده أي وأما ثمود فهدينا هديناهم أو هو جار على القول بأنها ليست أداة شرط كما نقل عن أبي حيان أفاده سم ويس. قوله: "إلا إذا كانت أداة الشرط إذا" أي لأنها لا تجزم قال الروداني مثل إذا في ذلك كل شرط لا يحزم كلو نحو: "لو ذات سواء لطمتني" لو غيرك قالها يا أبا عبيدة. قوله: "مطلقا" أي سوار كان الفعل ماضيا أو مضارعا. قوله: "أو إن" لأنها أم أدوات الشرط وهم يتوسعون في الأمهات.
قوله: "والفعل ماض" أي لفظا نحو إن زيدا لقيته فأكرمه أو معنى نحو إن زيد لم تلقه فانتظره، والفرق أنها لما جزمت المضارع لفظا قوي طلبها فلا يليها غيره بخلاف الماضي فإنها لم تجزمه لفظا إما لكونه ماضيا عرفا أو مضارعا مجزوما بغيرها فضعف طلبها له فيليها غيره ظاهرا قاله المصرح. قوله: "فتسوية الناظم إلخ" أجيب بأن التسوية بينهما في وجوب النصب وفي مطلق الاختصاص بالفعل وإن كان أحدهما أقوى من الآخر وعبارة الناظم لا تقتضي غير
__________
406- البيت من الطويل، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص255؛ وخزانة الأدب 3/ 34؛ والدرر 1/ 200؛ وشرح التصريح 1/ 105؛ وشرح شواهد المغني 1/ 151؛ والمعاني الكبير ص1211؛ والمقاصد النحوية 1/ 8، 291؛ وهمع الهوامع 2/ 114؛ وبلا نسبة في شرح التصريح 1/ 105؛ وهمع الهوامع 1/ 63.(2/108)
كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد ... ما قبل معمولا لما بعد وجد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كإذا الفجائية وليتما "فالرفع التزمه أبدا" على الابتداء، وتخرج المسألة عن هذا الباب إلى باب المبتدأ والخبر، نحو خرجت فإذا زيد يضربه عمرو وليتما بشر زرته، فلو نصبت زيدًا وبشرًا لم يجز لأن إذا المفاجأة وليت المقرونة بما لا يليهما فعل ولا معمول فعل. ومما يختص بالابتداء أيضًا واو الحال في نحو خرجت وزيدًا يضربه عمرو فلا يجوز وزيدًا يضربه عمرو بنصب زيد و"كذا" التزم رفع الاسم السابق "إذا الفعل" المشتغل عنه "تلا" أي تبع "ما" أي شيئًا "لم يرد ما قبل معمولا لما بعد وجد" كأدوات الشرط، والاستفهام، والتحضيض، ولام الابتداء، وما النافية، وكم الخبرية، والحروف الناسخة، والموصول،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك. قوله: "ما بالابتدا" أي بذي الابتداء. قوله: "فالرفع التزمه أبدا" أي على الصحيح وللرد على المقابل أكيد بقوله أبدا. قوله: "وتخرج المسألة عن هذا الباب إلخ" أي لأنه يعتبر في الاشتغال أن يكون الاسم المتقدم بحيث لو تفرغ له العامل أو مناسبه لنصبه وما يجب رفعه ليس بهذه الحيثية وقد تبع الشارح في ذلك التوضيح والمتجه ما اقتضاه إطلاق كلام الناظم من عده منه لأن العامل صالح للعمل في الاسم السابق لذاته والمنع من عمله لعارض كما تقدم عن سم.
قوله: "وليتما بشر زرته" فلا يجوز نصب بشر على الاشتغال لامتناع تقدير الفعل الناصب بناء على عدم إزالة ما اختصاص ليت بالجمل الاسمية وجوزه ابن أبي الربيع بناء على الإزالة. قال في المغني والصواب أن انتصابه بليت لأنه لم يسمع ليتما قام زيد مثلا. قوله: "إذا المفاجأة" من إضافة الدال للمدلول ولا يصح النصب على الوصفية إلا بتكليف. قوله: "لا يليهما فعل" أي ظاهر ولا معمول فعل أي مقدر فالمراد أنه لا يليهما فعل ظاهر ولا مقدر. قوله: "ومما يختص بالابتداء" فصله عما قبله لأن اختصاص واو الحال بالابتداء ليس في جميع الأحوال بل في حالة كون الواقع بعد الاسم مضارعا مثبتا. قوله: "في نحو خرجت إلخ" أي من كل فعل مضارع مثبت بعد اسم مصحوب بواو الحال وقوله فلا يجوز إلخ أي لما يأتي في الحال من أن الجملة المضارعية المثبتة الواقعة حالا يمتنع فيها الربط بالواو ومما يختص بالابتداء لام الابتداء أيضا إذا كان بعد الاسم مدخولها فعل ماض متصرف لم يقترن بقد نحو إني لزيد ضربته. قوله: "ما لم يرد إلخ" أي شيئا لم يرد ما قبله معمولا لما وجد بعده. قوله: "كأدوات الشرط إلخ" أي وكأدوات الاستثناء نحو ما زيد إلا يضربه عمرو برفع زيد لا غير كما في التسهيل وشروحه وكلا النافية في جواب القسم ولهذا قال سيبويه في قول الشاعر:
آليت حب العراق الدهر أطعمه
إن نصب حب بإسقاط على لا بالاشتغال وإن كان مقيسا دون إسقاط الخافض لأن أطعمه بتقدير لا أطعمه بخلاف حرف التنفيس على الرجح فيجوز النصب في نحو زيد سأضربه أو سوف أضربه كما في الهمع. قوله: "والتحضيض" مثله العرض. قوله: "وكم الخبرية" قيد بالخبرية لدخول الاستفهامية في قوله والاستفهام.(2/109)
واختير نصب قبل فعل ذي طلب ... وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والموصوف، تقول زيد إن زرته يكرمك، وهل رأيته، وهلا كلمته، وهكذا إلى آخرها بالرفع. ولا يجوز النصب لأن هذه الأشياء لا يعمل ما بعدها فيما قبلها فلا يفسر عاملًا فيه لأنه بدل من اللفظ به "واختير نصب" أي رجح على الرفع في ثلاثة أحوال: الأول أن يقع اسم الاشتغال "قبل فعل ذي طلب" وهو الأمر والنهي والدعاء نحو زيدًا اضربه، أو ليضربه عمرو، أو لا تهنه واللهم عبدك ارحمه، أو لا تؤاخذه، وبكرًا غفر الله له. وإنما وجب الرفع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فائدة: كم في قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ} [البقرة: 211] ، استفهامية فإن جعلت كناية عن جماعة مثلا وحذف تمييزها لفهم المعنى ومن زائدة وآية مفعولا ثانيا فكم مبتدأ أو مفعول لآتينا مقدرا بعده لأن الاستفهام له الصدارة على طريقة الاشتغال وإن جعلت كم كناية عن آية ومن بيانية لم يجز واحد من الوجهين لعدم الراجع حينئذٍ إلى كم وتعين كونها مفعولا ثانيا مقدما وجوز الزمخشري كونها خبرية والجملة بيان لكثرة الآيات المسؤول عنها المحذوفة والأصل سل بني اسرائيل عن الآيات التي آتيناهم. لخصته من المغني والدماميني. قوله: "وهكذا إلى آخرها" نحو زيد لأنا ضاربه، وزيد ما ضربته، زيد كم ضربته، زيد إني ضربته، زيد الذي ضربته، زيد رجل ضربته. قوله: "ولا يجوز النصب" أي على وجه الاشتغال وقوله لا يعمل ما بعدها فيما قبلها لأن لها الصدر ولو عمل ما بعدها فيما قبلها لزم وقوعها حشوا وقوله فلا يفسر عاملا فيه أي على الوجه المعتبر في هذا الباب وهو كون المشغول عوضا عن العامل المقدر فلو نصبت بمقدر وقصدت الدلالة عليه بالملفوظ فقط دون التعويض جاز ولم تكن المسألة من باب الاشتغال فالمجعول دليلا دون تعويض لا يلزم صلاحيته للعمل فيما قبله ولهذا صرح المصنف بأن دلوي في:
يأيها الماتح دلوي دونكما
مفعول لفعل محذوف يفسره دونك مع أن اسم الفعل لا يعمل فيما قبله ويترتب على ذلك جواز إظهار المحذوف بخلاف الاشتغال سم إيضاح وزيادة. قوله: "لأنه بدل من اللفظ به" أي لأن ما بعدها من العامل المذكور بدل من اللفظ بالعامل المحذوف أي وشأن البدل موافقة المبدل منه فلا بد من جواز عمل المذكور فيما قبله كالمحذوف. قوله: "ذي طلب" أي بنفس الفعل أو بواسطة حرف طلب فعل كان أو طلب ترك باللفظ والمعنى كان الطلب أو بالمعنى فقط بدليل أمثلة الشارح ولا إشكال في الاشتغال في نحو زيدا لتضربه أو لا تضربه لما في الروداني عن شرح المقرب أن لام الأمر ولا يعمل ما بعدهما فيما قبلهما فيفسر العامل ولا يلزم من عدم تقديم الفعل عليهما كونهما مما يلزم الصدر كما لم يلزم ذلك في نحو لم ولن فما يفيده كلام التصريح ومن تبعه كالبعض مما يخالف ذلك غير سديد وإنما اختير النصب لأن وقوع هذه الأشياء إخبارا للمبتدأ قليل بل قيل بمنعه.
قوله: "وإنما وجب الرفع إلخ" مقتضاه أن أحسن في التعجب دال على الطلب حتى(2/110)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في نحو زيد أحسن به لأن الضمير في محل رفع. وإنما اتفق السبعة عليه في نحو الزانية والزاني فاجلدوا لأن تقديره عند سيبويه مما يتلي عليكم حكم الزانية والزاني. ثم استؤنف الحكم، وذلك لأن الفاء لا تدخل عنده في الخبر في نحو هذا، ولذا قال في قوله:
407- وقائلة خولان فانكح فتاتهم
إن التقدير هذه خولان. وقال المبرد الفاء لمعنى الشرط، ولا يعمل الجواب في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
احتيج إلى الجواب عنه مع أن الصحيح أنه ماض جيء به على صورة الأمر ولا دلالة له على الطلب. وقد يقال الاحتياج إلى الجواب عنه باعتبار كونه على صورة الأمر وإنما أجاب الشارح بما ذكره لا بمنع دلالته على الطلب لاستلزام ما ذكره منع دلالته على الطلب ومن قال كالزمخشري إنه أمر حقيقة وفيه ضمير المخاطب والباء للتعدية فامتناع نصب زيد عنده لا لما ذكره الشارح بل لأن فعل التعجب لجموده لا يعمل فيما قبله فلا يفسر عاملا. قوله: "لأن الضمير" أي المجرور بالباء في محل رفع أي وإنما ينصب الاسم السابق إذا لم يكن ضميره في محل رفع. قوله: "وإنما اتفق السبعة إلخ" دفع للاعتراض بلزوم إجماع السبعة على الوجه المرجوح. وحاصل الدفع أن هذا ليس مما نحن فيه بل الاسم المرفوع عند سيبويه مبتدأ خبره محذوف والجملة بعده مستأنفة فالكلام جملتان وعند المبرد مبتدأ خبره الجملة بعده ودخلت الفاء لما في المبتدإ من معنى الشرط فلهذا لم يجز نصب الاسم إذ لا يعمل الجواب في الشرط فكذا ما أشبهه وما لا يعمل لا يفسر عاملا. وقال ابن السيد وابن بابشاذ مما نحن فيه والرفع يختار في العموم كالآية. قال البعض وذكر السعد أنه لا يمتنع إجماع السبعة على المرجوح كقوله تعالى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة: 9] ، لأن المختار جمعت لكون الفاعل مؤنثا غير حقيقي بلا فاصل. ا. هـ. أي ولا يمنع من اختيار التأنيث عطف مذكر على الفاعل كما تقدم. قوله: "ثم استؤنف" فيه إشارة إلى أن الفاء استئنافية لا عاطفة لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر.
قوله: "لا تدخل عنده" وأجاز الأخفش وجماعة زيادتها في الخبر مطلقا وقيد الفراء وجماعة الجواز بكون الخبر أمرا أو نهيا تصريح. قوله: "في نحو هذا" أي من كل تركيب لم يكن المبتدأ فيه موصولا بفعل أو ظرف أو موصوفا بأحدهما على ما تقدم. قوله: "وقائلة" أي
__________
407- عجزه:
وأكرومة الحيين خلو كما هيا
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الأزهية ص243؛ وأوضح المسالك 2/ 163؛ والجني الداني ص71؛ وخزانة الأدب 1/ 315، 455، 4/ 369، 8/ 19، 11/ 367؛ والدرر 2/ 36؛ والرد على النحاة ص104؛ ورصف المباني ص386، وشرح أبيات سيبويه 1/ 413؛ وشرح التصريح 1/ 299؛ وشرح شواهد الإيضاح ص86؛ وشرح شواهد المغني 1/ 468، 2/ 873؛ وشرح المفصل 1/ 100، 8/ 95؛ والكتاب 1/ 129، 143؛ ولسان العرب 14/ 239 "خلا" ومغني اللبيب 1/ 165؛ والمقاصد النحوية 2/ 529؛ وهمع الهوامع 1/ 110.(2/111)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط فكذلك ما أشبهه، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا. وقال ابن السيد وابن بابشاذ: يختار الرفع في العموم كالآية، والنصب في الخصوص كزيدًا اضربه "و" الثاني أن يقع "بعد ما إيلاؤه الفعل غلب" أي بعد ما الغالب عليه أن يليه فعل فإيلاؤه مصدر مضاف إلى المفعول الثاني والفعل مفعول أول لأنه الفاعل في المعنى. والذي يليه الفعل غالبًا أشياء: منها همزة الاستفهام نحو: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} [القمر: 24] ، فإن فصلت الهمزة فالمختار الرفع نحو أأنت زيدًا تضربه، إلا في نحو أكل يوم زيدًا تضربه لأن الفصل بالظرف كلا فصل وقال ابن الطراوة: إن كان الاستفهام عن الاسم فالرفع نحو أزيد ضربته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ورب قائلة وخولان بفتح الخاء المعجمة قبيلة باليمن. والفتاة الشابة. قوله: "لمعنى الشرط" أي لما في المبتدأ من معنى الشرط وهو التعليق أو العموم فالمعنى من زنت ومن زنى فاجلدوا إلخ. قوله: "ولا يعمل الجواب في الشرط" فهم الجماعة أن المراد في اسم الشرط. ولهذا قال اللقاني لعل الجمهور لا يوافقونه على ذلك لأن إذا من أسماء الشرط وهي منصوبة عندهم بجوابها ولم يفرقوا بين كونه بالفاء وعدمه. ا. هـ. ومثل إذا بقية أدوات الشرط التي هي ظروف فلا وجه لتخصيص الإيراد بإذا ويحتمل عندي أن المراد في فعل الشرط يعني أن الاسم المرفوع قام مقام كل من أداة الشرط وفعله فلم يجز أن يعمل فيه ما بعد الفاء المشبه لجواب الشرط لأن الجواب لا يعمل في فعل الشرط فكذا لا يعمل مشبه الجواب فيما قام مقام فعل الشرط فتأمل فإنه وجيه. وحاصل كلام الشارح أن المانع من الاشتغال عند سيبويه كونهما من جملتين وعند المبرد كون الاسم السابق في معنى الشرط وما بعده في معنى الجواب.
قوله: "ابن السيد" بكسر السين وسكون الياء، وبابشاذ كلمة أعجمية مركبة يتضمن معناها الفرح والسرور قاله في التصريح. قوله: "في العموم" أي ذي العموم لشبهه بالشرط. قوله: "أن يليه فعل" فيه إشارة إلى أن في عبارة المصنف تأخير المفعول الذي هو فاعل في المعنى وتقديم المفعول الذي بخلافه ولهذا فرع عليه قوله فإيلاؤه إلخ. قوله: "لأنه الفاعل في المعنى" أي لأنه الذي يلي الأشياء الآتية. قوله: "منها همزة الاستفهام" بخلاف بقية أدوات الاستفهام فيجب النصب معها كما تقدم سم. قوله: "فإن فصلت إلخ" أي هذا إن اتصلت بالاسم المشتغل عنه فإن فصلت إلخ. وقوله فالمختار الرفع أي لأن الاستفهام حينئذٍ عن الضمير رفعت ما بعده أو نصبت فيترجح الرفع لأنه لا يحوج إلى تقدير، هذا إن لم تجعل الضمير فاعل فعل مقدر برز وانفصل حين حذف بل جعلته مبتدأ وإلا وجب النصب بالفعل المقدر كما صرح به الدماميني ونقله شيخنا السيد عن سم لأن الاستفهام حينئذٍ عن الفعل الواقع على ما بعد الضمير والرفع يفيد أنه عن مجرد الفعل فقول التصريح وأقره شيخنا والبعض المختار النصب إذا جعل فاعل فعل مقدر برز وانفصل فيه نظر ولا ترد صورة الفصل على الناظم لأن البعدية ظاهرة في الاتصال. قوله: "إلا في نحو إلخ" أي مما فصل فيه بظرف أو جار ومجرور. قوله: "فالرفع" أي واجب بدليل قوله(2/112)
وبعد عاطف بلا فصل على ... معمول فعل مستقر أولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أم عمرو، وحكم بشذوذ النصب في قوله:
408- أثعلبة الفوارس أم رياحًا ... عدلت بهم طهية والخشابا
ومنها النفي بما أولًا أو إن: نحو ما زيدًا رأيته، ولا عمرًا كلمته، وإن بكرًا ضربته. وقيل ظاهر كلام سيبويه اختيار الرفع ابن الباذش وابن خروف: يستويان. ومنها حيث المجردة من ما نحو اجلس حيث زيدًا ضربته "و" الثالث أن يقع "بعد عاطف بلا فصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وحكم بشذوذ إلخ وإنما وجب لأن الاستفهام عن تعيين المفعول أما الفعل فمحقق فلا تعلق للهمزة به والحق عدم الوجوب لأن السؤال عن الاسم إنما يوجب دخول الهمزة عليه فقط لا مع رفعه مبتدأ بدليل أن السؤال في نحو أزيدا ضربت أم عمرا بلا ضمير إنما هو عن الاسم مع أنه واجب النصب إجماعا.
قوله: "أثعلبة إلخ" ثعلبة ورياحا وطهية والخشاب قبائل، ومراده مدح الأولين وذم الآخرين. وثعلبة منصوب بفعل مقدر من معنى العامل المذكور تقديره أحقرت ثعلبة إلخ. والفوارس صفة لثعلبة ورياحا بالياء التحتية. وطهية بضم الطاء المهملة منصوب على المفعولية إن كان عدلت بمعنى ساويت وبنزع الخافض والباء بدلية إن كان بمعنى ملت أي ملت بدلهم إلى طهية. والخشابا بخاء معجمة مكسورة وشين معجمة وباء موحدة. قوله: "النفي بما إلخ" قيد بالثلاثة لأن لم ولما ولن لا يليها الاسم إلا ضرورة ويجب نصبه عند ذلك لاختصاصها بالفعل. قوله: "ولا عمرا كلمته" مقتطع من كلام أي لا زيدا رأيته ولا عمرا كلمته لأن لا الداخلة على الماضي غير الدعائية يجب تكرارها كذا نقله شيخنا عن الدنوشري وأقره هو والبعض وعندي أنه يقوم مقام تكرار لا الإتيان بدل الأولى بما النافية كما في المثال لأنها مثلها في الدلالة على النفي وفي الصورة إذ كل منهما لفظ ثنائي آخره ألف لينة فافهم. قوله: "اختيار الرفع" لعله لأن مرجح عدم التقدير أقوى عنده من مرجح غلبة الدخول على الفعل. وأما ما علل به البعض هنا من أن المذكورات تدخل على الأسماء والأفعال على السواء فيرجع إلى مرجح عدم الإضمار فغير صحيح لأنه يصادم جعل الشارح وغيره المذكورات مما يغلب دخولها على الفعل. قوله: "ابن الباذش" بكسر الذال المعجمة تصريح.
قوله: "يستويان" لأن لكل مرجحا يساوي عنده مرجح الآخر. قوله: "وبعد عاطف" أي ولو غير الواو كما في الشاطبي. وقوله بلا فصل أي بينه وبين اسم الاشتغال صفة لعاطف. قوله:
__________
408- البيت من الوافر، وهو لجرير في ديوانه ص814؛ والأزهية ص114؛ وأمالي المرتضى 2/ 57؛ وجمهرة اللغة ص290؛ وخزانة الأدب 11/ 69؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 288؛ وشرح التصريح 1/ 300؛ والكتاب 1/ 102، 3/ 183؛ ولسان العرب 1/ 355 "خشب"، 15/ 17 "طها" والمقاصد النحوية 2/ 532؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 166؛ والرد على النحاة ص105.(2/113)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على معمول فعل مستقر أولا" سواء كان ذلك المعمول منصوبًا نحو لقيت زيدًا وعمرًا كلمته، أو مرفوعًا نحو قام زيد وعمرًا أكرمته، وإنما رجح النصب طلبًا للمناسبة بين الجملتين؛ لأن من نصب فقد عطف فعلية على فعلية، ومن رفع فقد عطف اسمية على فعلية، وتناسب المتعاطفين أحسن من تخالفهما. واحترز بقوله بلا فصل من نحو قام زيد وأما عمرو فأكرمته، فإن الرفع فيه أجود لأن الكلام بعد أما مستأنف مقطوع عما قبله، وبقوله فعل مستقر أولًا من العطف على جملة ذات وجهين وستأتي.
تنبيهان: الأول تجوز الناظم في قوله على معمول فعل إذ العطف حقيقة إنما هو على الجملة الفعلية كما عرفت. الثاني لترجيح النصب أسباب أخر لم يذكرها ههنا: أحدها أن يقع اسم الاشتغال بعد شبيه بالعاطف على الجملة الفعلية نحو أكرمت القوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"نحو قام زيد وعمرا أكرمته" الفرق بينه وبين عكسه وهو عمرو أكرمته وقام زيد حيث ترجح الرفع مع أن طلب التناسب بين المتعاطفين يقتضي ترجح النصب فيه أيضا أن النصب فيه يأتي على صورة النصب الضعيف في زيدا ضربته إذا لم يأت بعدها شيء لعدم تقدم مرجحه فتأتي الفعلية بعد استقرار الضعف في الصورة ولا كذلك قام زيد وعمرا أكرمته لأن تقديم الفعلية تقديم لما يستدعي النصب ويمهد له هذا ما أفاد البعض أن ابن هشام استقر رأيه عليه بعد أن كان يقول باستواء الصورتين في ترجح النصب واقتصر الروداني على ما يخالفه فقال كما يترجح النصب لمشاكلة جملة سابقة يترجح لمشاكلة جملة لاحقة نحو زيدا ضربته وأكرمت عمرا. ا. هـ. وكذا في شرح الجامع عن ابن هشام وهو الذي رأيته في مغنيه ولو قيل بتساوي الرفع والنصب في هذه الصورة لكان له وجه فتدبر. قوله: "طلبا للمناسبة إلخ" ولم يعارضه أن الأصل عدم التقدير لضعفه بكثرة الحذف في العربية وقلة تخالف المتعاطفين جدا بل نقل في المغني عن الإمام الرازي أن التخالف قبيح. فاندفع ما قيل إن في الرفع تخلصا من تقدير العامل فلكل مرجح فينبغي التساوي ووجه اندفاعه أن اعتبار التخلص من التخالف أقوى من اعتبار التخلص من التقدير لأن التقدير خطبه سهل والتخالف قليل قبيح لكن محل ذلك ما لم يقتضي الحال تخالفهما كقصد إفادة التجدد في الفعلية والثبوت في الاسمية كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193] . قوله: "فإن الرفع فيه أجود" ما لم يرجح النصب مرجح كوقوع الاسم قبل ذي طلب كأكرم زيدا وأما عمرا فأهنه. قال الرضي ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها إلا مع أما لكونها في غير محلها أو إذا كانت زائدة. قال الدماميني ويمتنع أن يقدر الفعل قبل الفاء لأنه لا يفصل بينها وبين أما بأكثر من جزء واحد.
قوله: "مستأنف إلخ" يقال هذا حينئذٍ خارج بقوله بعد عاطف لأن الواو حينئذٍ ليست عاطفة فلا حاجة لقوله بلا فصل ويمكن دفعه بأنه أتى به دفعا لتوهم أن المراد عاطف ولو صورة فيكون الشارح إنما أخرج هذا بقوله بلا فصل لأنه أصرح في إخراجه. قوله: "تجوز الناظم" أي(2/114)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حتى زيدًا أكرمته، وما قام بكر لكن عمرًا ضربته، فحتى ولكن حرفا ابتداء أشبها العاطفين، فلو قلت أكرمت خالدًا حتى زيد أكرمته، وقام بكر لكن عمرو ضربته تعين الرفع لعدم المشابهة؛ إذ لا تقع حتى العاطفة إلا بين كل وبعض، ولا تقع لكن إلا بعد نفي وشبه. ثانيها أن يجاب به استفهام منصوب كزيدًا ضربته جوابًا لمن قال: "يهم ضربت؟ أو من ضربت؟ "، ومثل المنصوب المضاف إليه نحو غلام زيد ضربته جوابًا لمن قال: غلام أيهم ضربت؟. ثالثها أن يكون رفعه يوهم وصفًا مخلًّا بالمقصود ويكون نصبه نصًّا في المقصود كما في: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] إذ النصب نص في عموم خلق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بتقدير المضاف أي على جملة معمول فعل. قوله: "بعد شبيه بالعاطف" إعطاء لشبه العاطف على الجملة الفعلية حكم العاطف عليها من ترجح النصب بعده طلبا للمناسبة بين المتعاطفين. قال الشارح في شرح التوضيح وإنما لم تكن حتى ولكن في المثالين الآتيين عاطفتين لدخولهما على الجمل والعاطف منهما إنما يدخل على المفردات ووجه الشبه بالعاطف في حتى أن ما بعدها بعض مما قبلها وفي لكن وقوعها بعد النفي ومثل لكن بل. قوله: "حتى زيدا أكرمته" محل كون زيدا منصوبا بفعل مقدر إذا لم يجعل معطوفا على القوم وأكرمته تأكيد أي لأكرمت زيدا الذي تضمنه أكرمت القوم لشمولهم زيدا لا لأكرمت القوم وإن أوهمه كلام بعضهم لاختلافهما مفعولا. قوله: "تعين الرفع" الحق أنه لا يتعين بل يترجح كما يفيده قول المصنف الآتي:
والرفع في غير الذي مد رجح
إذ لا وجه لتعينه غايته أنه حينئذٍ مثل زيد ضربته أفاده سم. قوله: "استفهام منصوب" أي مستفهم به إذ هو الموصوف بالنصب وإنما ترجح النصب ليطابق الجواب السؤال ولهذا لو رفع اسم الاستفهام كما لو قيل أيهم ضربته برفع أي ترجح الرفع في الجواب أفاده يس. قوله: "ومثل المنصوب المضاف إليه" أي إلى المنصوب وتسميته منصوبا باعتبار ما كان وإلا فهو بعد الإضافة مجرورة. قوله: "إذ النصب نص إلخ" اعترضه الرضي بأن المعنى على الوصف بالمخلوقية رفعت أو نصبت جعلت على الرفع خلقناه صفة أو خبرا إذ لا يصح أن يراد كل ما وقع عليه الشيء لأنه تعالى لم يخلق جميع الممكنات غير المتناهية لأن الخلق الإيجاد وغير المتناهي لا يدخل تحت الوجود فلا بد على كل حال من تقييد الشيء بكونه مخلوقا فالمعنى على النصب وعلى الرفع مع كون خلقناه خبرا كل شيء مخلوق خلقناه بقدر وعلى الرفع مع كون خلقناه صفة كل شيء خلقناه كائن بقدر والمعنيان متحدان. وأجاب السعد بأن الشيء اسم للموجود أو مقيد به فلا يرد أنه لم يخلق ما لا يتناهى مع وقوع لفظ الشيء عليه على أنه لو سلم التقييد بالمخلوق فلا نسلم اتحاد المعنيين لظهور الفرق بأن المعنى الأول يفيد أن كل شيء مخلوق مخلوق له تعالى بخلاف الثاني فإن مفاده أن كل شيء مخلوق له تعالى كائن بقدر والمحكوم عليه في الأول أعم منه في الثاني مفهوما بل وما صدقا عند المعتزلة كذا في شرح(2/115)
وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا ... به عن اسم فاعطفن مخيرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأشياء خيرها وشرها بقدر وهو المقصود، وفي الرفع إيهام كون الفعل وصفًا مخصصًا وبقدر هو الخبر، وليس المقصود إيهامه وجود شيء لا يقدر لكونه غير مخلوق، ولم يعتبر سيبويه مثل هذا الإيهام مرجحًا للنصب، وقال النصب في الآية مثله في زيدًا ضربته قال: وهو عربي كثير، وقد قرئ بالرفع لكن على أن خلقناه في موضع الخبر للمبتدأ والجملة خبر إن وبقدر حال، وإنما كان النصب نصًّا في المقصود لأنه لا يمكن حينئذ جعل الفعل وصفًا لأن الوصف لا يعمل فيما قبله فلا يفسر عاملًا فيه ومن ثم وجب الرفع في قوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [القمر: 52] ، "وإن تلا المعطوف" جملة ذات وجهين غير تعجبية بأن تلا "فعلا مخبرًا به" مع معموله "عن اسم" غير ما التعجبية "فاعطفن مخيرا" في الاسم الاشتغال بين الرفع والنصب على السواء بشرط أن يكون في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجامع ببعض زيادة وحينئذٍ فجعل الجملة صفة غير مقصودة لإيهامه ما ذكره الشارح.
قوله: "وفي الرفع إيهام كون الفعل إلخ" إنما قال إيهام لأن الكلام عند رفع كل كما يحتمل كون الفعل وصفا وبقدر خبرا يحتمل كون الفعل خبرا وبقدر حالا من الهاء كما سيذكره الشارح. قوله: "لكونه غير مخلوق" أي له تعالى وهذا مذهب المعتزلة في أفعال العباد الاختيارية والشر. قوله: "ولم يعتبر سيبويه مثل هذا الإيهام مرجحا للنصب" أي لأنه يدفعه المقام فلا ينظر إليه ويلزم عليه مرجوحية قراءة الأكثر والوجه اعتباره مرجحا وأورد الروداني أن إيهام الوصفية حاصل مع النصب أيضا لأنه يجوز كون خلقناه صفة وكل شيء منصوب بخلقناه مقدرا لا من باب الاشتغال والأصل خلقنا كل شيء خلقناه مثل وفعلت فعلتك التي فعلت ثم حذف العامل جواز الدلالة المتأخر عليه وحينئذٍ لا مرجح للنصب وقد يدفع بأن احتمال الوصفية على النصب ضعيف عن احتمالها على الرفع. قوله: "ومن ثم" أي من أجل أن الصفة لا تعمل فيما قبلها فلا تفسر عاملا وقوله وجب الرفع أي لتأتي الوصفية التي بها استقامة المعنى إذ النصب يقتضي أنهم فعلوا في الزبر أي صحف الأعمال كل شيء مع أنهم لم يفعلوا فيها شيئا إذ لم يوقعوا فيها فعلا بل الكرام الكاتبون أوقعوا فيها الكتابة. فإن قلت يستقيم المعنى على النصب إذا جعل الظرف نعتا لكل شيء لأن المعنى حينئذٍ فعلوا كل شيء مثبت في صحائف أعمالهم وهو معنى مستقيم. قلت هو وإن كان مستقيما خلاف المعنى المقصود حالة الرفع إذ المراد فيه أن كل ما فعلوه مثبت في صحائف أعمالهم بحيث لا يغادر صغيرة ولا كبيرة كما في آية: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر: 53] .
قوله: "وإن تلا المعطوف" أي غير المفصول بأما أما المفصول بها نحو زيد قام وأما عمرو فأكرمته فالمختار رفعه ما لم يرجح النصب مرجح كوقوع الاسم قبل الطلب نظير ما مر قاله شارح الجامع. قوله: "جملة ذات وجهين" يعني اسمية الصدر فعلية العجز كما في التسهيل لكن هذا خلاف المعنى المشهور لذات الوجهين وهو ما كانت صغرى باعتبار وكبرى باعتبار نحو أبوه غلامه منطلق في قولنا زيد أبوه غلامه منطلق.(2/116)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الثانية ضمير الاسم الأول، أو عطفت بالفاء نحو زيد قام وعمرو أكرمته في داره، أو فعمرًا أكرمته برفع عمرو ونصبه، فالرفع مراعاة للكبرى والنصب مراعاة للصغرى، ولا ترجيح لأن في كل منهما مشاكلة، بخلاف ما أحسن زيدًا وعمرو أكرمته عنده فإنه لا أثر للعطف فيه، فإن لم يكن في الثانية ضمير الاسم الأول ولم تعطف بالفاء فالأخفش والسيرافي يمنعان النصب، والفارسي وجماعة منهم الناظم يجيزونه. وقال هشام: الواو كالفاء وهو ما يقتضيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "بشرط أن يكون في الثانية إلخ" هذا الشرط لجواز نصب الاسم المشغول عنه لأن جملته حينئذٍ تكون معطوفة على الخبر فلا بد فيها من رابط كالخبر. والتمثيل بما ذكر مبني على عود الضمير الثاني إلى الاسم الأول ولا يضر احتمال عوده إلى الثاني لأن المثال يكفي فيه الاحتمال فسقط ما للبعض كغيره هنا من المقال. قوله: "أو عطفت بالفاء" في هذا العطف حزازة ولو قال أو عطف بالفاء أو قال أو تكون الثانية معطوفة بالفاء لكان مستقيما وإنما قامت الفاء مقام الضمير لأنها لإفادتها السببية تربط إحدى الجملتين بالأخرى كالضمير. قوله: "لأن في كل منهما مشاكلة" ولأن سلامة الرفع من الحذف والتقدير عارضها ترتب النصب على أقرب المشاكلين. شرح الجامع. قوله: "مشاكلة" أي للمعطوف عليه. قوله: "عنده" لا حاجة إليه إن رجع الضمير لزيد لأنه ليس مبتدأ بل هو مفعول ولا معنى له إن رجع الضمير للمبتدأ أعني ما والحامل له على ذكره مراعاة قوله سابقا بشرط أن يكون في الثانية ضمير الاسم الأول إلخ. قوله: "فإنه لا أثر للعطف فيه" أي على الجملة الصغرى يعني أنه لا يصح العطف عليها لأنه يلزم عليه تسلط ما التعجبية على الجملة المعطوفة وهو لا يصح لعدم قصد التعجب بها فالراجح الرفع على العطف على مجموع الجملة الاسمية بناء على خبريتها أو جواز عطف الخبر على الإنشاء ويجوز النصب على العطف المذكور وإن لم يكن فيه تناسب المتعاطفين.
قوله: "يمنعان النصب" أي بناء على أن العطف على الصغرى لعدم الرابط كما في التصريح فلا ينافي عزو المصنف في تسهيله إلى الأخفش ومن وافقه ترجيح الرفع لا وجوبه لأنه مبني على أن العطف على الكبرى لفوات التناسب في النصب حينئذٍ فاعرفه. قوله: "يجيزونه" أي مع كون العطف على الصغرى كما صرح به الدماميني وسم قال الإسقاطي فيكون مستثنى مما يحتاج إلى الرابط كما يدل عليه قول المصرح بعد ذكره أن هذا المذهب الثاني ظاهر كلام سيبويه ما نصه: ونقل ابن عصفور أن سيبويه وغيره لم يشترطوا ضميرا واستدل لذلك بإجماع القراء على نصب: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} [الرحمن: 7] ، وهي معطوفة على يسجدان من: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] ، وليس فيها ضمير يعود على النجم والشجر. ا. هـ. ووجه الاستثناء أنهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل. ا. هـ. كلام الإسقاطي وأقره شيخنا وغيره. فعلم أن الخلاف معنوي لا لفظي وأن بناء البعض الجواز في القول الثاني على أن العطف على الكبرى وإن فات التناسب فيكون الخلف لفظيا مصادم للمنقول وعزوه إلى التوضيح أن الخلف لفظي تقول باطل. بل قول الموضح عقب مذهب الأخفش والسيرافي وهو المختار يدل على أنه معنوي وظهر أن(2/117)
والرفع في غير الذي مر رجح ... فما أبيح افعل ودع ما لم يبح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كلام الناظم.
تنبيه: شبه العاطف في هذا أيضًا كالعاطف، وشبه الفعل كالفعل، فالأول نحو أنا ضربت القوم حتى عمرًا ضربته، والثاني نحو هذا ضارب زيدًا وعمرًا يكرمه برفع عمرو ونصبه على السواء فيهما "والرفع في غير الذي مر" أنه يجب معه النصب أو يمتنع أو يكون راجحًا أو مساويًا "رجح" على النصب، لسلامة الرفع من الإضمار الذي هو خلاف الأصل، فرفع زيد بالابتداء في قولك: زيد ضربته أرجح من نصبه بإضمار فعل، ونصبه عربي جيد خلافًا لمن منعه. وأنشد ابن الشجري على جوازه قوله:
409- فارسًا ما غادروه ملحمًا ... غير زميل ولا نكس وكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تفريعا على ما ذكره مما مر نصه فلا حاجة إلى استثناء مثل ذلك من اشتراط وجود الرابط ولا إلى بيان وجه استثنائه خلافا لسم باطل مبني على باطل نعوذ بالله من التساهل. قوله: "وقال هشام" هذا القول أخص من قول الفارسي ومن معه لشمول قولهم العطف بغير الفاء والواو كثم. قوله: "الواو كالفاء" رد بأن الواو إنما تكون للجمع في المفردات ولذا لم يجوزوا هذان يقوم ويقعد لكن ستعلم في باب العطف أن كونها للجمع في المفردات فقط أحد قولين.
قوله: "وهو ما يقتضيه كلام الناظم" أي حيث أطلق في المعطوف بل إطلاقه يقتضي أن ثم مثلا كالفاء. قوله: "شبه العاطف" وهو حتى ولكن وبل الابتدائيات. قوله: "في هذا" أي في جواز الأمرين على السواء إذا سبقه جملة ذات وجهين ولا يأتي لصحة النصب هنا اشتراط الضمير أو الفاء إذ لا عطف هنا حتى يحتاج إلى الرابط. قوله: "أيضا" أي كما في الموضع الثالث من مواضع اختيار النصب. قوله: "وشبه الفعل" أي الوصف الناصب للمفعول بخلاف ما لم ينصبه فالرفع أرجح فقولك مثلا هذا قائم الأب وعمر ويكرمه هو أرجح من قولك هذا قائم الأب وعمرا يكرمه لأن مشابهة هذا الوصف للفعل غير تامة. قوله: "برفع عمرو ونصبه إلخ" في تساوي الرفع والنصب في المثال الثاني بحث لأنه إذا نصب عمرو أفاد الكلام أن عمرا مفعول به الإكرام وإذا رفع أفاد أنه فاعل الإكرام إلا إذا برز الضمير لجريان الخبر على غير من هو له وقيل هذا ضارب زيدا وعمرو يكرمه هو فعند عدم الإبراز كما في عبارة الشارح لا يتحد معنى الرفع والنصب حتى يتخير المتكلم بينهما بل يتعين عليه الوجه الذي يفيد مقصوده وحينئذٍ لا يكون الوصف في مثال الشارح كالفعل الذي خير المصنف فيه المتكلم بين الرفع والنصب لاتحاد المعنى ووجود التناسب على كل ولو نبه الشارح على الإبراز مع الرفع أو مثل بنحو هذا ضارب زيدا وعمرا أكرمته في داره لكان أولى.
__________
409- البيت من الرمل، وهو لعلقمة الفحل في ديوانه ص133؛ وله ولامرأة من بني الحارث في شرح شواهد المغني 2/ 664؛ والمقاصد النحوية 2/ 539؛ ولامرأة من بني الحارث في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1107، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص501؛ وشرح ابن عقيل ص267؛ ومغني اللبيب 2/ 577.(2/118)
وفصل مشغول بحرف جر ... أو بإضافة كوصل يجري
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه قراءة بعضهم: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [الرعد: 23] ، بنصب جنات. ثم إذا عرفت ما أوردناه من القواعد "فما أبيح" لك فيما يرد عليك من الكلام أن ترده إليه وتخرجه عليه "افعل ودع ما لم يبح" لك فيه ذلك "وفضل مشغول" من ضمير الاسم السابق "بحرف جر" مطلقًا "أو بإضافة" وإن تتابعت أو بهما معًا "كوصل يجري" في جميع ما تقدم. فالأحكام الخمسة الجارية مع اتصال الضمير بالمشغول تجري مع انفصاله منه بما ذكر. فيجب النصب في نحو زيدًا مررت به أو بغلامه، أو حبست عليه أو على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "في غير" متعلق برجح على ما قال الشيخ خالد أنه الظاهر. قوله: "فارسا ما غادروه" أي تركوه وما زائدة، ملحما بالحاء المهملة المفتوحة أي غشيه الحرب فلم يجد له مخلصا غير زميل بضم الزاي وتشديد الميم أي غير جبان، ولا نكس بكسر النون وسكون الكاف أي ضعيف، وكل بفتح الواو وكسر الكاف من وكل أمره إلى غيره لعجزه ويحتمل أنه بفتح الكاف فعل. فإن قلت شرط الاسم المشتغل عنه أن يكون مختصا كما مر وفارسا نكرة محضة. أجيب بأن ما وإن كانت زائدة وهي قائمة مقام الوصف أي فارسا أي فارس. قوله: "فما أبيح إلخ" فائدته دفع توهم أن ما خالف المختار من الوجوه السابقة لا يقاس عليه بل يقتصر فيه على السماع نقله سم عن الشاطبي. قوله: "فيما يرد إلخ" حال من ما التي هي مفعول مقدم لا فعل وقول البعض حال من ما على رأي سيبويه أو من ضميره في الخبر على رأي غيره مبني على زعم أن ما مبتدأ وهو خروج عن الظاهر المستقيم إلى التعسف السقيم. وقوله أن ترده إليه نائب فاعل أبيح كما أشار إليه شيخنا وصرح به البعض لكن يلزم عليه حذف المتن نائب فاعل أبيح وهو لا يجوز فالذي ينبغي جعله بدل اشتمال من الضمير في أبيح وضمير ترده وتخرجه إلى ما أبيح وإليه وعليه ما أوردناه من القواعد والمعنى فافعل الحكم من رفع ونصب الذي أبيح لك رده إلى ما أوردناه عليك من القواعد وتخريجه عليه حالة كون ذلك الحكم كائنا فيما يرد على لسانك من الكلام ولو قال الشارح فما أبيح لك بمقتضى تلك القواعد افعل ودع ما لم يبح بمقتضاها لكان أخصر وأوضح وأولى.
قوله: "وفصل مشغول" أي عامل مشغول وقوله من ضمير متعلق بفصل وقوله مطلقا أي غير مقيد بحرف بخصوصه وقوله أو بإضافة أي بمضاف أو ذي إضافة قوله أو بهما معا فيه إشارة إلى أن أو في كلام المصنف مانعة خلو فتجوز الجمع واعترض الشاطبي كلام المصنف بأن الفصل لا يتقيد بما ذكر إذ يجوز زيدا ضربت راغبا فيه وزيدا أكرمت من أكرمه. ا. هـ. وحينئذٍ فليست أو مانعة جمع ولا مانعة خلو. قوله: "في جميع ما تقدم" أي من الأحكام الخمسة فلا يرد أن المقدر في الوصل مقدر من لفظ المذكور وفي الفصل من معناه أو لازمه كما مر والمراد التشبيه في مطلق ثبوت الأحكام الخمسة فلا يرد أن النصب في الوصل أحسن منه في الفصل كما سيذكره. قوله: "أو حبست عليه إلخ" أتى بهذا إشارة إلى أنه لا فرق في حرف الجر بين الباء وغيرها فهو مراعاة لقوله السابق بحرف جر مطلقا.(2/119)
وسو في ذا الباب وصفا ذا عمل ... بالفعل إن لم يك مانع حصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غلامه، أو أكرمت أخاه، أو غلام أخيه أكرمك، كما يجب في نحو إن زيدًا أكرمته ويمتنع النصب ويتعين الرفع في نحو خرجت فإذا زيد مر به أو بغلامه، أو حبس عليه أو على غلامه، أو يضرب أخاه أو غلام أخيه عمرو، كما وجب الرفع في نحو فإذا زيد يضربه عمرو، وقس على ذلك بقية الأمثلة.
تنبيه: النصب في نحو زيدًا ضربته أحسن منه في نحو زيدًا ضربت أخاه، وفي نحو زيدًا ضربت أخاه أحسن منه في نحو مررت بأخيه "وسو في ذا الباب وصفا ذا عمل" وهو اسم الفاعل والمفعول بمعنى الحال أو الاستقبال "بالفعل" في جواز تفسير ناصب الاسم السابق، نحو أزيدًا أنت ضاربه، أو مكرم أخاه، أو محبوس عليه، تريد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "بقية الأمثلة" الأولى بقية الأحكام إلا أن يكون اسم الإشارة راجعا إلى ما ذكر من أمثلة الحكمين فالمراد بقية أمثلة الأحكام أي ويختار النصب في نحو زيدا مر به أو بغلامه أو أكرم أخاه أو غلام أخيه كما يختار في زيدا اضربه ويستوي الأمران في نحو زيد قام وعمرو مررت به في داره كما يستويان في زيد قام وعمرو أكرمته في داره ويترجح الرفع في زيد مررت به كما يترجح في زيد ضربته. قوله: "أحسن منه في نحو زيدا ضربت أخاه" لأن المقدر في الأول من لفظ المذكور ومعناه. وفي الثاني من لازم معناه فقط ولعدم الفصل فيه بين العامل وضمير الاسم المشغول عنه بخلاف الثاني. وقول البعض بين العامل وشاغله سهو ولم يقل وأحسن منه في نحو زيدا مررت بأخيه لانفهامه بالأولى كما ستعرفه. قوله: "وفي نحو زيدا ضربت أخاه أحسن إلخ" لأن الفصل فيه أقل من الفصل في الثاني ولم يتعرض لزيدا مررت به مع زيدا ضربت أخاه، والمنقول عن أبي حيان أن النصب في الأول أحسن منه في الثاني لاتحاد الفعلين المذكور والمقدر في المعنى واتحاد متعلقهما وهما الظاهر والضمير في المعنى في الأول دون الثاني لاختلاف الفعلين معنى واختلاف متعلقهما معنى فيه. قوله: "وسوّ في ذا الباب وصفا" أي في الجملة إذ لا يتأتى وجوب النصب لأنه لا يكون إلا إذا وقع الاسم بعدما يختص بالفعل وإلى هذا الإشارة بقول الشارح في جواز إلخ ويرشد إليه كما قاله سم قول المصنف السابق والنصب حتم إلخ إذ المختص بالفعل لا يتصور في الاسم ولا فرق في الوصف بين المفرد والمثنى والمجموع جمع تصحيح كزيدا أنتما ضارباه أو أنتم ضاربوه أو أنتن ضارباته وكذا جمع التكسير عند بعضهم كزيدا أنتم ضرابه أو أنتم ضواربه. قوله: "ذا عمل" أي فيما قبله سم فتخرج الصفة المشبهة. قوله: "وهو اسم الفاعل" أراد به ما يشمل مثال المبالغة. قوله: "في نحو أزيدا أنت ضاربه" قال سم ينبغي أن يكون خبر المبتدأ الوصف المحذوف وحينئذٍ فرفع المذكور لكونه مفسرا للمحذوف المرفوع وقائم مقامه. ا. هـ. وقال الدماميني أجاز صاحب البسيط في المثال أن يكون نصب زيد بإضمار فعل وأن يكون بتقدير اسم الفاعل لصحة اعتماده وهو مبتدأ وأنت مرتفع به أو اسم الفاعل المقدر خبر لأنت مقدم وضاربه عل هذا التقدير خبر مبتدأ آخر. ا. هـ. يعني(2/120)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحال أو الاستقبال، كما تقول أزيدًا تضربه أو تكرم أخاه أو تمر به أو تحبس عليه. وإنما امتنع زيدًا أنت تضربه بخلاف أنت ضاربه لاحتياج الوصف إلى ما يعتمد عليه، بخلاف الفعل فإن كان الوصف غير عامل لم يجز أن يفسر عاملًا، فلا يجوز أزيدًا أنت ضاربه، أو محبوس عليه أمس وإنما يكون الوصف العامل كالفعل في التفسير "إن لم يك مانع حصل" يمنعه من ذلك كوقوعه صلة لأل لامتناع عمل الصلة فيما قبلها. وما لا يعمل لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقدير اسم الفاعل بوجهيه ولأجل أولهما جيء بالاستفهام.
قوله: "أو محبوس عليه" نائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو إن نظر إلى الموصوف المحذوف أي شخص محبوس أي مقصور وأنت إن نظر إلى المبتدأ الذي هو أنت وليس نائب الفاعل الضمير المجرور بعلى وإلا لم لم يكن في محل نصب. قوله: "بخلاف أنت ضاربه" أي بخلاف زيدا أنت ضاربه بدون استفهام هذا هو المتبادر من عبارته وحينئذٍ لا يرد على قوله لاحتياج الوصف إلى ما يعتمد عليه قول سم. قد يقال يكفي الاعتماد على الاستفهام. ا. هـ. وإيضاح وجه عدم وروده أن مراد الشارح توجيه منع زيدا أنت تضربه وجواز زيدا أنت ضاربه بلا استفهام فيهما بقرينة قوله وإنما امتنع زيدا أنت تضربه ثم هذه المخالفة كما قاله سم لا تنافي قوله سوّ لأن المعنى أن الوصف العامل كالفعل العامل من غير نظر لمادة مخصوصة. بقي شيء آخر وهو أن الوصف لا يفصل من معموله بأجنبي كما صرحوا به في الكلام على قوله تعالى: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي} [مريم: 46] ، حينئذٍ لو لم يشتغل الوصف بالضمير وسلط على الاسم المتقدم لم ينصبه للفصل فلم يصدق ضابط الاشتغال على ما نحن فيه. ويجاب بأن المراد كما مر أنه لو سلط عليه لصلح بذاته لأن يعمل وإن عرض ما يمنع العمل والفصل عارض أو يقال أخذا من كلامهم هنا وكلامهم على قوله تعالى: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي} [مريم: 46] ، الفصل الممنوع وقوع الأجنبي بعد العامل مع تأخر المعمول عنهما كما في الآية بخلاف وقوعه قبل العامل مع تقدم المعمول عليهما كما في أزيدا أنت ضارب لأن المعمول وإن تقدم لفظا متأخر رتبة فكأنه لا فصل فتدبر.
قوله: "إن لم يك مانع حصل" قد يقال هذا الشرط معلوم من تسوية المصنف الوصف بالفعل إذ الفعل لا يكون مفسرا لناصب الاسم السابق إلا إذا فقد المانع. وأجيب بأنه إنما صرح به اهتماما بجانب الاسم لأنه أضعف من الفعل في العمل ولئلا يتوهم من السكوت عنه مع تقييد الوصف بكونه ذا عمل أنه ليس بشرط وقد مر عن سم أن قول المصنف: إن لم يك مانع حصل شرط لنصب الاسم السابق بما يفسره الوصف لا لعده من الاشتغال حتى يقال قد تقدم أن مدار الاشتغال على صلاحية العامل في ذاته لأن ينصب الاسم السابق لو سلط عليه وإن عرض مانع من ذلك وصلة أل عاملة لذاتها وعدم عملها لعارض وقوعها صلة فلا موقع لهذا الشرط فعلم سقوط استشكال البعض بذلك وعدم الاحتياج إلى ما تكلفه من الجواب بأن الصلة متممة للموصول فهي(2/121)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يفسر عاملًا. ومن ثم امتنع تفسير الصفة المشبهة. فلا يجوز زيدًا أنا الضاربه، ولا وجه الأب زيد حسنة.
تنبيه: يتعين الرفع في زيد عليكه، أو زيد ضربا إياه لأنهما غير صفة. نعم يجوز النصب عند من يجوز تقديم معمول اسم الفعل وهو الكسائي، ومعموم المصدر الذي لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كالجزء منه فكان منع العمل للذات. قوله: "ومن ثم" أي من أجل أن ما لا يعمل فيما قبله لا يفسر عاملا. قوله: "امتنع تفسير الصفة المشبهة" ظاهره ولو مع الظرف وإن جاز عملها فيه مع تقدمه ولا مانع من استثنائه ولا يرد على إخراجها من قول المصنف وصفا ذا عمل لأن الكلام في الاشتغال على العموم أو بالنظر للمفعول به الذي هو الأصل في الباب. ا. هـ. سم. قوله: "يتعين الرفع في نحو زيد عليكه" أي على أن زيد مبتدأ خبره الفعل النائب عنه اسم الفعل والمصدر قاله في التصريح قال شيخنا علم من قوله خبره الفعل النائب إلخ سقوط استشكال بعضهم رفع الاسم بأنه لا يصح أن يكون اسم الفعل أو المصدر خبره لأن اسم الفعل لا محل له على الراجح والمصدر منصوب. ا. هـ. وهو ظاهر بالنسبة إلى المصدر أما بالنسبة إلى اسم الفعل فالظاهر أنه هو ومعموله خبر ولا يرد عليه ما ذكره من أن اسم الفعل لا محل له لأن المحل على ما قلنا لمجموع اسم الفعل ومعموله والمنفي محلية اسم الفعل وحده فاعرفه ومراده بتعين الرفع امتناع النصب بمحذوف يفسره المذكور على طريق الاشتغال فلا ينافي جواز نصبه بمحذوف مدلول عليه بالمذكور لا على طريق الاشتغال إما فعل كالزم واضرب إذ لا يشترط توافق المفسر والمفسر اسمية وفعلية على ما قيل ويؤيده ما مر عن صاحب البسيط، واما اسم فعل ومصدر على مذهب من يجوز عمل اسم الفعل والمصدر محذوفين.
قوله: "نعم يجوز النصب" أي على الاشتغال بفعل محذوف أو اسم فعل ومصدر محذوفين على ما مر ومحل جوز النصب إذا لم يمنع منه مانع كما هو ظاهر فيتعين في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ} [محمد: 8] ، كون الذين مبتدأ وتعسا مصدر لفعل محذوف هو الخبر أي تعسهم الله تعسا ودخلت الفاء في الخبر مع أن فعل الصلة ماض لجواز ذلك على قلة نحو: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} [البروج: 10] ، ولا يصح نصبه على الاشتغال بمحذوف يفسره تعسا لوجود المانع وهو الفاء لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها فلا يفسر في باب الاشتغال عاملا قاله الدماميني. وتعليله بوجود الفاء أولى من تعليل المغني بأن اللام متعلقة بمحذوف استؤنف للتبيين لا بالمصدر لأنه لا يتعدى باللام وليست التقوية لأنها لازمة ولام التقوية غير لازمة يعني فالضمير من جملة أخرى غير جملة التفسير فقد رد الدماميني دعوى لزومها بقول ابن الحاجب في شرح المفصل إنها تسقط فيقال سقيا زيدا ورعيا إياه فعلى كونها لام التقوية يجوز الاشتغال في نحو زيدا سقيا له كما عليه جماعة منهم أبو حيان وإن خالفهم في المغني بناء على تعليله السابق وكاسم الفعل والمصدر على هذا المذهب ليس على القول بجواز تقدم خبرها فيصح الاشتغال معها عليه نحو زيدا لست مثله أي باينت زيدا.(2/122)
وعلقة حاصلة بتابع ... كعلقة بنفس الاسم الواقع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ينحل بحرف مصدري وهو المبرد والسيرافي "وعلقة" بين العامل الظاهر والاسم السابق "حاصلة بتابع" سببي له جار متبوع أجنبي منه، وهو الشاغل نعتًا أو عطف نسبق بالواو أو عطف بيان "كعلقة بنفس الاسم" السببي "الواقع" شاغلًا، فكما تقول زيدًا أكرمت أخاه أو محبه فتكون العلقة بين زيدًا وأكرمت عمله في سببه، كذلك تقول زيدًا أكرمت رجلًا يحبه، أو أكرمت عمرًا وأخاه أو عمرًا أخاه فتكون العلقة عمله في متبوع سببه المذكور، ويجوز أن يكون المراد بالعلقة الضمير الراجع إلى الاسم السابق فتكون الباء بمعنى في أي أن وجود الضمير في تابع الشاغل كاف في الربط كما يكفي وجوده في نفس الشاغل، وإن كان الأصل أن يكون متصلًا بالعامل منفصلًا عنه بحرف جر ونحو.
تنبيه: لو جعلت أخاه من قولك زيدًا أكرمت عمرًا بدلًا امتنعت المسألة نصبت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "الذي لا ينحل إلخ" هو الواقع بدلا من اللفظ بفعله كضربا في المثال واحترز مما ينحل فإنه لا يجوز عمله فيما قبله اتفاقا لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول فلا تفسر عاملا قاله الشارح على التوضيح. قوله: "وعلقة بين العامل الظاهر إلخ" يعني أن ارتباط بينهما الذي لا بد منه في الاشتغال ليكون العامل متوجها للاسم السابق في المعنى كما يحصل بسبب نفس الشاغل للعامل لكونه ضمير الاسم السابق أو مضافا لضميره يحصل بتابع الشاغل الأجنبي لاشتمال ذلك التابع على ضمير الاسم السابق فالعلقة بمعنى الارتباط والباء في قوله بتابع وبالاسم سببية لأن كلا من التابع والاسم سبب باعتبار عمل العامل فيه أو في متبوعه في حصول الارتباط بين العامل والاسم السابق وسيذكر الشارح وجها آخر. قوله: "سببي له" أي للاسم السابق. قوله: "نعتا" أي لذلك المتبوع ومراده تقسيم التابع، وبقي البدل وسيذكر الشارح أنه لا يصح مجيئه هنا والتوكيد وهو أيضا لا يصح مجيئه هنا لأن الضمير المتصل به عائد على المؤكد أبدا فلا يكون رابطا للعامل بالاسم السابق والتوكيد بالمرادف لا ضمير فيه أصلا نعم يرد عليه أن العلقة تكون في غير ما ذكره كصلة الشاغل نحو هندا ضربت تبغضه أو يبغضها وصلة المعطوف على الشاغل نحو زيدا لقيت عمرا والذي يحبه أي يحب زيدا وصفة المعطوف على الشاغل نحو زيدا لقيت عمرا ورجلا يحبه وبيان المعطوف على الشاغل نحو زيدا ضربت رجلا وعمرا أخاه وحينئذٍ فالتقسيم غير مستوف ولو حمل التابع على التابع اللغوي لدخل ما ذكر. قوله: "أو عطف نسق بالواو" أي بشرط أن لا يعاد معه العامل كما في التسهيل وإلا لم يحصل به الربط لخروجه عن تبعية الشاغل بكونه من جملة أخرى. قوله: "بنفس الاسم السببي" كان الأحسن حذف السببي ليشمل الضمير في نحو زيد ضربته كما في سم. قوله: "فتكون العلقة بين زيدا وأكرمت عمله" أي مسبب عمله وفي كلامه إشارة إلى أن في كلام المصنف حذفا أي بالعمل في متبوع تابع سببي وبالعمل في نفس الاسم ولا حاجة إلى ذلك كما يعلم مما قدمناه في قوله وعلقة بين العامل الظاهر إلخ. قوله: "فتكون الباء بمعنى في" لو قال بمعنى مع لكان أولى.(2/123)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو رفعت؛ لأن البدل في نية تكرير العامل فتخلو الأولى عن الرابط. نعم يجوز ذلك إن قلنا إن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه، وكذا تمتنع إذا كان العطف بغير الواو لإفادة الواو معنى الجمع، بخلاف غيرها من حروف العطف.
خاتمة: إذا وقع فعل ضمير اسم سابق نحو أزيد قام أو غضب عليه، أو ملابسًا لضمير نحو أزيد قام أبوه فقد يكون ذلك الاسم السابق واجب الرفع بالابتداء كخرجت فإذا زيد قام، وليتما عمرو قعد إذا قدرت ما كافة، أو بالفاعلية نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] ، وهلا زيد قام. وقد يكون راجح الابتدائية على الفاعلية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ونحوه" أي كالمضاف. قوله: "في نية تكرير العامل" يعني أن عامل البدل فعل مقدر فهو مع البدل جملة أخرى في الحقيقة وإن كانوا يسمون الكلام المشتمل على المبدل منه والبدل جملة واحدة اعتبارا بظاهر اللفظ. وقال الروداني عامل البدل وإن كان مقدرا لكنه غير مقصود بالإسناد حتى يكون جملة ونظيره قمت قمت في تأكيد الضمير فقط فإن الفعل غير مقصود بالإسناد وعزا الدماميني القول بأن البدل على نية تكرار العامل إلى الأخفش والرماني والفارسي وأكثر المتأخرين وعزا القول بأن عامله العامل في متبوعه إلى سيبويه والمبرد والسيرافي والزمخشري وابن الحاجب ومال إليه. قوله: "فتخلو الأولى عن الرابط" فلا يصح أن تكون خبرا إن رفعت لعدم الرابط بين المبتدأ والخبر ولا مفسرة لناصب الاسم السابق إن نصبت لعدم الرابط بين الاسم السابق والعامل. قوله: "معنى الجمع" أي معنى مطلق الجمع فالاسمان أو الأسماء معها بمنزلة اسم مثنى أو مجموع فيه ضمير. ا. هـ. دماميني.
قوله: "إذا رفع فعل ضمير اسم" أي على الفاعلية أو النيابة عن الفاعل ولذا مثل بمثالين وقوله نحو أزيد قام أبوه كان عليه أن يزيد أو ضرب أبوه. قوله: "فقد يكون إلخ" كالصريح في أن ما ذكر من باب الاشتغال وبه صرح في التسهيل ويصرح به قول صاحب الهمع أيضا الاشتغال في الرفع كالنصب فيجب كون الرفع بإضمار فعل في نحو إن زيد قام ويترجح في نحو أزيد قام ويجب كونه بالابتداء إلخ. ا. هـ. بتصرف. لا يقال ضابط الاشتغال لا يصدق على ما ذكر لأن العامل لو فرغ عن الضمير لا يعمل في الاسم المتقدم لأن الفاعل ونائبه لا يجوز تقديمهما. لأنا نقول المنع من الله لعمل لعارض أن الفاعل ونائبه لا يتقدمان لا لذات العامل. قوله: "إذا قدرت ما كافة" أما إذا قدرتها زائدة غير كافة كان الرفع جائزا لا واجبا لجواز الإعمال والإلغاء حينئذٍ وكالكافة في وجوب الرفع المصدرية لكن الرفع بعد المصدرية بالفاعلية لفعل محذوف يفسره المذكور لأنه يجب أن يليها فعل ظاهر أو مقدر على المشهور. قوله: "أو بالفاعلية" لو قال أو بفعل لكان أحسن إذ الفاعلية ليست رافعة إلا أن تحمل الباء على السببية وأعم ليدخل نائب الفاعل في نحو إن زيد ضرب بالبناء للمفعول. قوله: "وإن أحد من المشركين استجارك" أورد عليه اللقاني أن أداة الشرط إنما تطلب فعلا رافعا أو ناصبا وكون استجارك تفسيرا لا يتعين لجواز(2/124)
تعدي الفعل ولزومه:
غلامة الفعل المعدى أن تصل ... ها غير مصدر به نحو عمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نحو زيد قام، وذلك عند المبرد وتابعيه وغيرهم يوجب ابتدائيته لعدم تقدم طلب الفعل، وقد يكون راجح الفاعلية على الابتدائية نحو زيد ليقم، ونحو قام زيد وعمرو وقعد، ونحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: 6] ، و {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَه} [الواقعة: 59] . وقد يستويان نحو زيد قام وعمرو قعد عنده، والله أعلم.
تعدي الفعل ولزومه:
"علامة الفعل المعدى" إلى مفعول به فأكثر، ويسمى أيضًا واقعًا لوقوعه على المفعول به، ومجاوزًا لمجاوزته الفاعل إلى المفعول به، أمران: الأول صحة "أن تصل ها"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن يكون نعتا والتقدير إن وجدت أحدا. وأجاب يس بأن مراد الشارح بتعين الرفع على الفاعلية امتناع الرفع بالابتداء لا امتناع النصب بعامل مقدر وأجاب الروداني بأنه لا يمنع أحد مثل ذلك في غير الآية إذا لم يرد به الاشتغال. وأما ما نحن فيه من الآية ومن إرادة معنى الاشتغال في غيرها فيمتنع لأن التلاوة رفع أحد وفي غير القرآن لا يكون نصب أحد بوجدت من الاشتغال. قوله: "على الفاعلية" أي بفعل مقدر يفسره المذكور. قوله: "عند المبرد ومتابعيه" ينبغي أن يزاد الكوفيون فإنهم قائلون بجواز تقدم الفاعل على رافعه فيكون جواز الاشتغال في ذلك عندهم أقيس من جوازه عند من قال لا يتقدم قاله الدماميني. قوله: "وغيرهم" وهم جمهور البصريين. قوله: "لعدم تقدم طلب الفعل" أي من نفي أو استفهام. قوله: "نحو زيد ليقم" إنما ترجحت الفاعلية فيه فرارا من الإخبار بالجملة الطلبية المختلف فيها وفيه كما قال المصرح إن ذلك يستدعي حذف الفعل المقرون بلام الأمر وهو شاذ فكيف يكون راجحا وفي نحو قام زيد وعمرو قعد ترجحت الفاعلية طلبا للتناسب بين المتعاطفين وفي نحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: 6] ، لأن الغالب أن همزة الاستفهام يليها الفعل وكذا في: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} [الواقعة: 59] ، لكن فيه كلام تقدم في باب الفاعل. قوله: "نحو زيد قام وعمرو قعد عنده" إنما استوى الأمران فيه لأن في كل منها مشاكلة المعطوف عليه فالرفع على الابتدائية مراعاة للكبرى وعلى الفاعلية مراعاة للصغرى والشرط المتقدم موجود وهو اشتمال الثانية على ضمير الاسم السابق.
تعدي الفعل ولزومه:
من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الفعل المتعدي أي بنفسه بحسب الوضع لأنه المراد عند الإطلاق لا المتعدي بحرف الجر ولا المتعدي بنفسه بواسطة إسقاط الخافض. والفعل اللازم وإنما جعلنا الإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف لأن الذي سيذكره صراحة المتعدي واللازم. وفي هذا الباب ذكر المفعول به. قوله: "إلى مفعول به" أما بقية المفاعيل فيعمل فيها المتعدي واللازم. قوله: "أمران الأول إلخ" فيه تغيير اعراب المتن إلا أن يقال هو حل معنى لا حل إعراب(2/125)
فانصب به مفعوله إن لم ينب ... عن فاعل نحو تدبرت الكتب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ضمير راجع إلى "غير مصدر به" والثاني أن يصاغ منه اسم مفعول تام وذلك "نحو عمل" فإنك تقول منه: الخير عمله زيد فهو معمول، بخلاف نحو خرج فإنه لا يقال منه زيد خرجه عمرو، ولا هو مخروج بل هو مخروج به أو إليه فلا يتم إلا بالحرف. والاحتراز بهاء غير المصدر من هاء المصدر فإنها تتصل باللازم والمتعدي نحو الخروج خرجه زيد، والضرب ضربه عمرو.
تنبيه: هذه الهاء تتصل بكان وأخواتها، والمعروف أنها واسطة أي لا متعدية ولا لازمة، ولعله جعلها من المتعدي نظرًا إلى شبهها به، وربما أطلق على خبرها المفعول "فانصب به مفعوله إن لم ينب" ذلك المفعول "عن فاعل نحو تدبرت الكتب" فإن ناب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لكن لا يخفى ما في تحميل الشارح كلام المصنف، الأمر الثاني من التكلف الذي لا حاجة إليه ولا دليل عليه. قوله: "أن تصل" أي ولو بحسب الأصل فلا يرد على عكس التعريف الأفعال اللازمة للبناء للمفعول لأنها صالحة لذلك بحسب الأصل فهي متعدية واستعمالها لازمة للبناء للمفعول عارض بعد الوضع قاله الروداني. والمراد أن تصل من غير توسع بحذف الجار كما هو المتبادر فلا يرد على طرد التعريف الليلة قمتها والنهار صمته والدار دخلتها. وأما إيراد الصديق كنته فسيذكر الشارح جوابه وأورد لزوم الدور لتوقف معرفة المتعدي على معرفة الصحة المذكورة والعكس. وأجيب بأن الصحة المذكورة تعرف بقبول النفس وصل الهاء إذ لا تقبل النفس قمته بإعادة الضمير إلى غير المصدر كما تقبل ضربته كذلك فلا تتوقف معرفة الصحة على معرفة المتعدي أفاده سم. قوله: "ها ضمير إلخ" الإضافة بيانية، وخرج بها هاء السكت فإنها تتصل بالقسمين.
قوله: "أن يصاغ منه" أي صحة أن يصاغ من مصدره ليوافق مذهب البصريين. قوله: "تام" أي مستغن عن حرف الجر زاد في التسهيل باطراد لإخراج نحو تمرون الديار فإنه يصح أن يصاغ منه اسم مفعول فيقال الدار ممرورة لكن لا باطراد. قوله: "هذه الهاء" أي هاء غير المصدر. قوله: "والمعروف أنها" أي في حال نقصانها أما في حال تمامها فهي من قسم اللازم تارة والمتعدي تارة أخرى. قوله: "إلى شبهها به" أي في عمل الرفع والنصب والظاهر أن موضوع كلام المصنف الفعل التام بقرينة قوله فانصب به مفعوله وإلا لقال مفعوله أو خبره ولتقدم الكلام على الأفعال الناقصة فتكون أل في الفعل في عبارة المصنف فتدبر. قوله: "مفعوله" أي المفعول به لما مر. قوله: "إن لم ينب عن فاعل" أي ولم يضمن معنى فعل لازم وإلا كان لازما أو في حكم اللازم كما سيأتي في الخاتمة وكان الأولى التنبيه على هذا لأن ما ذكره من عدم نصب المفعول إذا ناب عن الفاعل علم من باب النائب عن الفاعل واعترض اللقاني كلام المصنف بأن مقتضاه أن فعل المجهول متعد وفيه نظر لأن التعدي إلى شيء نصبه إياه ومرفوعه ليس منصوبا لفظا ولا محلا وهو مدفوع بأنه متعد بحسب الأصل ومرفوعه منصوب بحسب الأصل بناء على الأصح أن(2/126)
ولازم غير المعدى وحتم ... لزوم أفعال السجايا كنهم
كذا افعلل والمضاهي اقعنسسا ... وما اقتضى نظافة أو دنسا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عنه رفعته به كما سلف "ولازم غير المعدى" غير المعدى مبتدأ ولازم خبره: أي ما سوى المعدى هو اللازم إذ لا واسطة، ويسمى قاصرًا أيضًا لقصوره على الفاعل، وغير واقع، وغير مجاوز لذلك "وحتم لزوم أفعال السجايا" وهي الطبائع. والمراد بأفعال السجايا ما دل على معنى قائم بالفاعل لازم له "كنهم" بكسر الهاء الرجل إذا كثر أكله، وشجع، وجبن، وحسن، وقبح، وطال، وقصر، وما أشبه ذلك و"كذا" ما وازن "افعلل" نحو اقشعر واشمأز، واطمأن، وما ألحق به وهو افوعل نحو اكوهد الفرخ إذا ارتعد "و" كذا المضاهي" أي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صيغة المجهول فرع صيغة المعلوم. قوله: "إذ لا واسطة" أي على ما يستفاد من كلامه هنا حيث قدم الخبر وإلا فالجمهور على أن كان وأخواتها واسطة كما تقدم والمصنف في التسهيل على أن ما يتعدى تارة بحرف الجر مع شيوع كل من اللغتين كشكرته وشكرت له ونصحته ونصحت له واسطة وهو الأصح من مذاهب ثلاثة فيه ثانيها متعد والحرف زائد. ثالثها لازم وحذف الحرف توسع ولا يرد ما تعدى ولزم مع اختلاف المعنى كفغر فاه بمعنى فتحه. وفغر فوه بمعنى انفتح وكزاد ونقص لأنه لا يخرج عن القسمين. قوله: "لذلك" أي للازم ذلك إذ عدم الوقوع على المفعول به وعدم المجاوزة إليه لازمان للقصور المذكور. قوله: "لازم له" أي غالبا أو بشرط عدم المانع فلا يرد أن كثرة الأكل والحسن يزولان عند المرض أفاده سم.
قوله: "إذا كثر أكله" أي كان كثرة الأكل سجية له فلا يرد ما قاله ابن هشام كثرة الأكل عرض لا سجية لكن فسر الجوهري وابن سيده النهم باشتداد الشهوة للأكل وفي القاموس النهم محركة وسجابة إفراط الشهوة في الطعام وأن لا تمتلىء عين الآكل ولا يشبع. نهم كفرح وعنى فهو نهم ونهيم ومنهوم اهـ. فلعل قول الشارح أي كثر أكله قول آخر أو تفسير باللازم وفي التمثيل لأفعال السجايا بنهم المكسور العين ما يفيد أن أفعال السجايا لا يلزم أن تكون مضمومة العين وفي التصريح خلافه. بقي أن اللازم لا يصاغ منه اسم مفعول كما مر فكيف قيل منهوم اللهم إلا أن يقال هذا شاذ. قوله: "وطال" أصله طول بضم الواو كما نقله شيخنا عن الشارح. قوله: "واشمأز" نقل الروداني أنه جاء متعديا قالوا اشمأز الشيء أي كرهه. قوله: "وما ألحق به" أي وكذا ما وازن ألحق بافعلل في الزنة والإلحاق جعل مثال أنقص من آخر موازنا له ليصير مساويا له في عدد الحروف والحركات المعينة والسكنات وفي التكسير والتصغير وغيرهما من الأحكام وربما اختلف المعنى بالزيادة للإلحاق كما في حوقل وكوثر فإنهما مخالفان لمعنى حقل وكثر وقد لا يكون لأصل الملحق معنى في كلامهم كما في كوكب وزينب فإنه لا معنى لككب وزنب وإنما كان افوعل ملحقا بافعلل لزيادة حرف فيه غير الألف وهو الواو بخلاف افعلل. قوله: "وهو افوعل" لو قال كافوعل لكان شاملا لنحو ابيضض.
قوله: "اكوهد" أصله كهد أي أسرع. ا. هـ. فارضي. قوله: "إذا ارتعد" يعني لأمه لتزقه. قوله:(2/127)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المشابه في الوزن افعنلل نحو احرنجم، يقال احرنجمت الإبل أي اجتمعت، وما ألحق به وهو وزنًا افعنلل بزيادة إحدى اللامين نحو "اقعنسسا" يقال اقعنسس البعير إذا امتنع من الانقياد، وافعنلي نحو احرنبي الديك إذا انتفش للقتال، واستلقى الرجل إذا نام على ظهره.
وقد جاء منه المتعدي نحو اسرندي واغرندي: أي علا وركب في قول الراجز:
410- قد جعل النعاس يسرنديني ... أدفعه عني ويغرنديني
تنبيه: يجوز في اقعنسس أن يكون مفعولًا للمضاهي، والأولى أن يكون فاعلًا له والمفعو محذوف: أي والمضاهية اقعنسس لما عرفت أنه محلق باحزنجم "و" كذلك حتم أيضًا لزوم "ما اقتضى" من الأفعال "نظافة أو دنسًا" نحو نظف، وطهر، ووضوء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"افعنلل" أي أصلي اللامين. وقوله وما ألحق به عطف على افعنلل فيكون المشبه به افعنلل أصل اللامين وافعنلل زائد إحداهما وهل الزائد الثانية أو الأولى قولان وافعنلى والمشبه الأفعال لهذه الصيغ في الوزن نحو احرنجم واقعنسس واحرنبى فاعتراض البعض بأن ظاهر الشارح أنه معطوف على افعنلل فيكون من المشبه به وحينئذٍ فأين المشبه فكان الظاهر أن يقول بدل قوله وما ألحق به والذي شابه افعنلل وزنان أو يحذف قوله وهو وتكون الجملة مستأنفة معقودة من مبتدأ وخبر لبيان المشبه والمضاهي في غاية السقوط إذ لا داعي إلى جعل المشبه والمضاهي بكسر الهاء ما ألحق بافعنلل أصلي اللامين من الوزنين الأخيرين بل تمثيل الشارح المضاهي افعنلل بنحو احرنجم والمضاهي افعنلل زائد إحدى اللامين بنحو اقعنسس والمضاهي افعنلل نحو احرنبي صريح فيما قلنا من أن المشبه والمضاهي بكسر الهاء الأفعال المشبهة للصيغ الثلاث في الوزن وإياك أن تتوهم أن كلام الشارح في التنبيه يأباه فإن كلامه إنما هو بالنظر لبعض تلك الأفعال مع بعض لا بالنظر لها مع تلك الصيغ فاحفظ ما تلوناه عليك. قوله: "وهو وزنان افعنلل" لو قال كافعنلل لكان شاملا لنحو احونصل. قوله: "وقد جاء منه المتعدي" أي شذوذا فلا يرد على المتن أفاده المصرح. قوله: "واغرندى" بالغين المعجمة مرادف اسرندى كما في المغني فقول الشارح أي علا وركب راجعان لكل منهما. قوله: "أن يكون مفعولا للمضاهي" أي على طريق عكس التشبيه. قوله: "والمفعول محذوف" أي على رأي المصنف من جواز حذف عائد أل الموصولة. قوله: "ما اقتضى" أي أفاد. قوله: "نحو نظف إلخ" أي بضم العين فيما عدا دنس فإنه بكسرها لا غير وورد فتح العين أيضا في طهر وكسرها وفتحها أيضا في نجس وقذر. هذا مجموع ما في القاموس والمصباح ومختار الصحاح وبه يعلم ما وقع للبعض من القصور والدعوى
__________
410- الرجز بلا نسبة في جمهرة اللغة ص1215؛ والخصائص 2/ 258؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 690؛ وشرح التصريح 1/ 311؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 113؛ وشرح شواهد الشافية ص47؛ وشرح شواهد المغني 2/ 885؛ ولسان العرب 3/ 212 "سرد"؛ 3/ 325 "غرند"؛ ومغني اللبيب 2/ 520؛ والممتع في التصريف 1/ 185؛ والمنصف 1/ 86، 3/ 11.(2/128)
أو عرضًا أو طاوع المعدى ... لواحد كمده فامتدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ودنس، ونجس، وقذر "أو عرضًا" وهو ما ليس حركة جسم من معنى قائم فاعل غير ثابت فيه، كمرض وكسل، ونشط، وفرح، وحزن، ونهم إذا شبع "أو طاوع المعدى لواحد كمده فامتدا" ودحرجت الشيء فتدحرج. أما مطاوع المتعدي لأكثر من واحد فإنه متعد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التي تحتاج إلى بينة.
قوله: "أو عرضا" زاد في المغني أو لونا كأحمر وأخضر وأدم واحمارّ وأسوادّ أو حلية كدعج وكحل وشنب وسمن وهزل وزاد أيضا كون الفعل على فعل بالفتح أو فعل بالكسر ووصفهما ليس إلا على فعيل كذل وقوي وكونه على أفعل بمعنى صار كذا كأغدّ البعير أي صار ذا غدة وكونه على استفعل كذلك كاستحجر الطين أي صار حجرا. قوله: "ما ليس حركة جسم" أما ما هو حركته فمنه لازم كمشى ومتعد كمد. ويدخل في التعريف فهم وعلم من أنهما متعديان فإن أخرجتهما منه بجعلهما ثابتين أو منزلين منزلة الثابت أشكلا على تعريف أفعال السجايا أفاده الدنوشري أي لدخولهما فيها حينئذٍ مع أنهما متعديان. وذكر ما اقتضى عرضا بعد ذكر ما أقضى نظافة أو دنسا من ذكر العام بعد الخاص لأن النظافة والدنس من العرض وأفاد الشارح بتعريف العرض بما ذكره أنه ليس المراد بالعرض هنا العرض بالمعنى العام المقابل للجوهر حتى يرد أن الفعل من حيث هو عرض ولم يذكر في تعريف السجية السابق هذا القيد أعني ليس حركة جسم لظهوره ثم أفاده سم. قوله: "غير ثابت فيه" أي غير دائم فيه وبهذا القيد فارقت هذه الأفعال أفعال السجايا. قوله: "كمرض وكسل إلخ" وكلها بكسر العين قاله الشارح. قوله: "أو طاوع إلخ" المطاوعة قبول فاعل فعل أثر فاعل فعل آخر يلاقيه اشتقاقا، وإن شئت قلت حصول الأثر من الأول للثاني مع التلاقي اشتقاقا والقيد الأخير لإخراج نحو ضربته فثألم وقد يتخلف معنى الثاني عن معنى الأول لتوقفه على شيء من جانب فاعل الثاني لم يحصل كعلمته فيجوز أن يقال فما تعلم بخلاف نحو كسرته فلا يجوز أن يقال فما انكسر لعدم توقفه على شيء من جانب المنكسر كذا قالوا وهو مبني على ما زعموه من كون علمته موضوعا لما هو من جانب المعلم فقط وفيه بحث لأنه يلزم عليه أن لا يكون تعلم من قولك علمته فتعلم مطاوع علم لأنه حينئذٍ مثل أضجعته فنام مما يفضي فيه كثيرا الأول إلى الثاني بلا مطاوعة وكذا علمته فما تعلم يلزم أن يكون مثل أضجعته فما نام لأن الحقيقة المنفية ليست حينئذٍ لازمة للمثبتة ولا مستلزمة لها والإجماع على أن تعلم مطاوع علم إثباتا ونفيا فالوجه أن علم لما هو من جانب المعلم والمتعلم معا ولا يلزم التناقض في علمته فما تعلم لاحتمال التجوز بعلمته في عالجت تعليمه وأنه يجوز أن يقال كسرته فما انكسر على هذا التجوز ولا وجه لمنعه فلا فرق حينئذٍ بين علمته وكسرته في صحة المعنى المجازي في النفي دون المعنى الحقيقي فاحفظه وقضية كلام المصنف أن الفعل ومطاوعه لا يجوز أن يكونا لازمين معا أو متعديين معا إلى مفعول أو مفعولين وعليه الجمهور. وزعم أبو علي أنهما جاءا لازمين سمع في شعرهم منهوى ومنغوى من هوى وغوى وهما لازمان ورد بأنهما ضرورة وقيل مطاوعان لأهويته وأغويته وضعف بأن انفعل لأفعل(2/129)
وعد لازمًا بحرف جر ... وإن حذف فالنصب للمنجز
نقلًا وفي أنَّ وأنْ يطرد ... مع أمن لبس كعجبت أن يدوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كما مر "وعد لازمًا بحرف جر" نحو ذهبت بزيد بمعنى أذهبته، وعجبت منه، وغضبت عليه "وإن حذف" حرف الجر "فانصب للمنجر" وجوبًا وشذ إبقاؤه على جره في قوله:
411- أشارت كليب بالأكف الأصابع
أي إلى كليب. وحيث حذف الجار في غير أن وأن فإنما يحذف "نقلا" لا قياسًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شاذ، وزعم ابن بري أنهما يقعان متعديين إلى اثنين نحو استعطيته درهماً فأعطاني درهماً وإلى واحد نحو استنصحته فنصحني ورد بأن هذا ليس من باب المطاوعة بل من باب الطلب والإجابة كما في المغني.
قوله: "وعد لازماً" المراد باللازم ولو بالنسبة إلى ما يتعدى إليه بحرف الجر فيدخل المتعدي إلى المفعول الثاني بحرف الجر. قوله: "بمعنى أذهبته" فيه إشارة إلى أن الباء والهمزة على حد سواء وهو الراجح وقيل الباء تفيد مع التعدية المصاحبة بخلاف الهمزة واعترض بنحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] . وأجيب بأن المراد تفيد المصاحبة ما لم يمنع مانع منها كما في الآية فإن استحالة الذهاب عليه تعالى منع من المصاحبة ثم هذه التعدية التي تعاقب عليها الباء الهمزة وبها يصير الفاعل مفعولاً هي التعدية الخاصة بالباء، أما التعدية العامة التي هي إيصال معنى الفعل إلى الاسم فيشترك فيها جميع حروف الجر ففي تمثيل الشارح إشارة إلى أن المراد بالتعدية في المتن ما يشمل الخاصة والعامة. قوله: "فالنصب للمنجر" وناصبه عند البصريين الفعل وعند الكوفيين إسقاط الجار. يس. قوله: "وشذ إبقاؤه إلخ" ويطرد في رب نحو: وليل كموج البحر. قوله: "أشارت إلخ" صدره:
إذا قيل أي الناس شر قبيلة أشارت إلخ
والأصل أشارت إلى كليب الأكف بالأصابع فدخله الحذف والقلب وقيل الياء بمعنى مع فتكون الإشارة بالمجموع وروى كليب بالرفع على أنه خبر لمحذوف أي هي كليب فيكون جمع بين العبارة والإشارة وكليب قبيلة جرير والبيت للفرزدق من قصيدة يهجو بها جريراً. قوله: "فإنما يحذف نقلاً" جعل الشارح نقلاً متعلقاً بمحذوف من مادة حذف فيكون في المعنى راجعاً
__________
411- صدره:
إذا قيل أي الناس شر قبيلة
والبيت من الطويل، وهو للفرزدق في ديوانه 1/ 420؛ وتخليص الشواهد ص504؛ وخزانة الأدب 9/ 113، 115؛ والدرر 4/ 191؛ وشرح التصريح 1/ 312؛ وشرح شواهد المغني 1/ 12؛ ومغني اللبيب 2/ 542؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 178؛ وخزانة الأدب 10/ 41؛ والدرر 5/ 185؛ وشرح ابن عقيل ص374؛ ومغني اللبيب 1/ 61، 2/ 643؛ وهمع الهوامع 2/ 36، 81.(2/130)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مطردًا، وذلك على نوعين: الأول وارد في السعة نحو سكرته، ونصحته، وذهبت الشام، والثاني مخصوص بالضرورة. كقوله:
412- آليت حب العراق الدهر أطعمه
وقوله:
413- كما عسل الطريق الثعلب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لقوله حذف لا للنصب ولا لهما معا والمتجه عندي ما صنعه الشارح وإن قال شيخ الإسلام الوجه رجوعه إليهما معا بقرينة قوله وفي أن وأن يطرد إلخ ولأن الحذف هو اللائق بأن يوصف بكونه سماعيا لأنه متبوع النصب ولصحة ما يفيده هذا الوصف من أن نقيض الحذف وهو عدم الحذف قياسي بخلاف النصب فإنه تابع للحذف ولا يصح ما يفيده وصفه بكونه سماعيا من أن نقيض النصب عند الحذف وهو الجر قياسي فافهم. قوله: "مطردا" صفة لازمة. قوله: "الأول وارد في السعة" ظاهر تمثيله أن المراد الورود مع الفصاحة وعدم الندرة وحينئذٍ يبقى عليه نوعان الوارد في السعة مع الفصاحة والندرة كقوله تعالى: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16] ، أي على صراطك والوارد في السعة مع الضعف والندرة سمع مررت زيدا. قوله: "نحو شكرته ونصحته" مبني على القول بأنهما لازمان قال حفيد الموضح جعل الحذف مع أن وأن قياسا دون نصح وشكر غير ظاهر لأن المراد بقياسية الحذف معهما جواز حذف حرف الجر معهما من أي تركيب سمع شخصه أو لم يسمع وهذا بعينه في نصح وشكر.
قوله: "وذهبت الشام" الحذف مع ذهب خاص بالشام فإن ذكر غير الشام لم يحذف حرف الجر اختيارا فلا يقال ذهبت المسجد أو الدار مثلا بخلاف دخل، ومثل ذهبت الشام توجهت مكة ومطرنا السهل والجبل وضربت فلانا الظهر والبطن قاله في شرح التسهيل وكلام الشارح يفيد أن الشام مفعول به وقيل إنه منصوب على الظرفية شذوذا لأن اطراد الظرفية المكانية في المكان المبهم وكذا الخلاف في المنصوب بدخلت. قوله: "مخصوص بالضرورة" فلا يجوز لنا استعماله نثرا ولو في منصوبه المسموع وقاله الروداني. قوله: "آليت" بفتح التاء أي أقسمت
__________
412- البيت من البسيط، وهو للمتلمس جرير بن عبد المسيح.
413- البيت بتمامه:
لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب
وهو من الكامل، وهو لساعدة بن جؤية الهذلي في تخليص الشواهد ص503؛ وخزانة الأدب 3/ 83، 86؛ والدرر 3/ 76؛ وشرح أشعار الهذليين ص1120؛ وشرح التصريح 1/ 312؛ وشرح شواهد الإيضاح ص155؛ وشرح شواهد المغني ص885؛ والكتاب 1/ 36، 214؛ ولسان العرب 7/ 428 "وسط"، 11/ 446 "عسل"؛ والمقاصد النحوية 2/ 544؛ ونوادر أبي زيد ص15؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص180؛ وأوضح المسالك 2/ 179؛ وجمهرة اللغة ص842؛ والخصائص 3/ 319؛ ومغني اللبيب ص11؛ وهمع الهوامع 1/ 200.(2/131)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي على حب العراق وفي الطريق "و" حذفه "في أنَّ وأنْ يطرد" قياسًا "مع أمن لبس كعجبت أن يدوا" {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 63، 69] ، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18] ، أي من أن يدوا أي يعطوا الدية، ومن أن جاءكم، وبأنه، فإن خيف اللبس امتنع الحذف كما في رغبت في أن تفعل أو عن أن تفعل لأشكال المراد بعد الحرف. وأما قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] ، فيجوز أن يكون الحذف فيه لقرينة كانت، أو أن الحذف لأجل الإبهام ليرتدع من يرغب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خطاب لملك هجاه الشاعر فحلف أن لا يأكل الشاعر حب العراق كناية عن عدم سكناه. وقوله أطعمه بفتح الهمزة والعين وحذف لا النافية أي لا آكله. قوله: "كما عسل" بالإهمال والفتحات أي اضطرب وصدر البيت:
لَدِنٌ بهزِّ الكف يعسل متنه
فيه كما سعل، يصف رمحا بأنه لدن أي لين والباء في بهز سببية وقوله يعسل متنه أي يضطرب ويهتز صدره. وقوله فيه أي مع هز الكف. قوله: "وحذفه في أنّ وأن" أي معهما وظاهره اختصاص اطراد الحذف بما ذكر وليس كذلك إذ منه كما في التسهيل نحو دخلت المسجد ونحو اعتكفت يوم الجمعة ونحو جئتك إكراما ونحو: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: 19] ، وليت شعري هل قام زيد مما علق فيه العامل عن الجملة والتقدير فلينظر في جواب أيها أزكى إلخ وليت شعري بجواب هل إلخ حاصل وفي كلام شيخنا والبعض أن الحذف في القسم الأخير واجب وتقدم فيه إعراب آخر ومنه أيضا كما سينبه عليه الشارح نحو جئت كي تكرمني على جعل كي مصدرية مقدرا قبلها لام التعليل لا تعليلية مقدرا بعدها أن. وفي الدماميني عن ابن عصفور أن الأخفش الأصغر وابن الطراوة ذهبا في الفعل المتعدي إلى اثنين أحدهما بنفسه والآخر بالجار أنه يجوز حذف الجار إن تعين الجار وتعين موضوعه لطول الفصل بالمفعولين فيجوز عندهما بريت القلم السكين وقبضت الدراهم زيدا ومنه: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155] ، قال ابن عصفور ويحتمل أن قومه مفعول وسبعين بدل والمجرور محذوف أي من بني إسرائيل ويكون المراد بقومه نخبة قومه والذي في التسهيل عن الأخفش المذكور جواز حذف الجار متى تعين من غير اشتراط تعدي الفعل إلى مفعولين. قوله: "لإشكال المراد بعد الحذف" أي عدم فهمه فيكون إجمالا فهو مبني على مذهب المصنف من شمول اللبس للإجمال وأنه مانع كاللبس وكذا إيراد الآية مبني على هذا أيضا لأنها من الإجمال وقد مر غير مرة أن الحق أن بينهما فرقا وأن الإجمال ليس معيبا ما لم يكن المقصود التعيين ويمكن حمل مذهب المصنف على صورة قصد فتنبه.
قوله: "فيجوز إلخ" حاصل الجواب الأول أنه لا إجمال في الآية لأن قرينة سبب النزول تدل على الحرف المحذوف ولا يرد عليه اختلاف العلماء في المقدر هل هو في أو عن لأنه لاختلافهم في سبب النزول فالخلاف في الحقيقة في القرينة قاله في المغني. وحاصل الثاني أن(2/132)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيهن لجمالهن، ومن يرغب عنهن لدمامتهن وفقرهن. وقد أجاب بعض المفسرين بالتقديرين.
تنبيهان: الأول إنما اطرد حذف حرف الجر مع أن وأن لطولهما بالصلة. الثاني اختلفوا في محلهما بعد الحذف: فذهب الخليل والكسائي إلى أن محلهما جر تمسكًا بقوله:
414- وما زرت ليلى أن تكون حبيبة ... إلي ولا دين بها أنا طالبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإجمال مقصود في الآية لعموم الفائدة وإنما يمتنع الإجمال إذا لم يقصد لنكتة. قوله: "لقرينة كانت" أي حين النزول يفهم منها المراد وهو في عند القائلين أن سبب النزول يدل على معنى في فقط وعن عند القائلين أنه يدل على معنى عن فقط وقيل إن المقول في شأنهم كانوا فرقتين فرقة ترغب فيهن لما لهن وفرقة ترغب عنهن لدمامتهن وهذا لا ينافي وجود القرينة إذ لا مانع من قيام قرينة في حق كل تناسبه. قوله: "لأجل الإبهام" أي لأجل قصد المتكلم الإبهام على السامع والبلغاء تقصد الإبهام إذا ناسب المقام. قوله: "لدمامتهن" بالمهملة أي قبحهنّ ومنه ما وراء الخلق الدميم إلا الخلق الذميم. قوله: "وقد أجاب بعض المفسرين بالتقديرين" أي تقدير في وتقدير عن فكان المناسب أن يقول كما في المرادي وقد أجاز بعض المفسرين التقديرين إذ ليس هذا الجواب عن إيراد الآية كذا قال البعض ويمكن أن يكون مراد الشارح بالتقديرين الجوابين فلا إشكال في تعبيره بأجاب فافهم.
قوله: "لطولهما بالصلة" أورد أن الموصول الاسمي طويل بالصلة ولا يحذف معه الجار وأجيب بأن العلة النحوية غير مطردة وبأنهم فروا في الموصول الحرفي من دخول الحرف على الحرف في الظاهر بخلاف الاسمي. قوله: "فذهب الخليل إلخ" كذا في البسيط والتسهيل لكن قال شيخنا وغيره الصواب ذكر سيبويه مكان الخليل والخليل مكان سيبويه كما في المغني والتصريح. ا. هـ. وعبارة المغني بعد نقل النصب عن سيبويه وأكثر النحويين وجوز سيبويه أن يكون المحل جرا فقال بعد ما حكى قول الخليل ولو قال إنسان إنه جر لكان قولا قويا. ا. هـ. فليس في كلام سيبويه تعيين الجر كما يوهمه جعله مذهبا له فافهم. قوله: "تمسكا بقوله إلخ" أي حيث جر المعطوف على أن تكون ومعنى البيت وما زرت ليلى لأن تكون حبيبة لي ولا لدين أنا طالبها به وإنما زرتها لضرورة نزلت بي ففي العبارة قلب ويحتمل أن الباء بمعنى على نحو: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] ، أي دين عليها قاله الدماميني ويحتمل أنها بمعنى من متعلقة بطالب.
__________
414- البيت من الطويل، وهو للفرزدق في ديوانه 1/ 84؛ والإنصاف ص395؛ وتخليص الشواهد ص511؛ والدرر 5/ 183؛ وسمط اللآلي ص572؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 103؛ وشرح شواهد المغني ص885؛ والكتاب 3/ 29؛ ولسان العرب 1/ 336 "خطب"؛ والمقاصد النحوية 2/ 556؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب ص526؛ وهمع الهوامع 2/ 81.(2/133)
والأصل سبق فاعل معنى كمن ... من ألبسن من زاركم نسج اليمن
ويلزم الأصل لموجب عرا ... وترك ذاك الأصل حتما قد يرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بجر دين. وذهب سيبويه والفراء إلى أنهما في موضع نصب وهو الأقيس. ومثل إن وأن في حذف حرف الجر قياسًا كي المصدرة نحو جئتك كي تقوم أي لكي تقوم "والأصل" في ترتيب مفعولي الفعل المتعدي إلى اثنين ليس أصلهما المبتدأ والخبر "سبق فالع" أي أن سبق الفاعل "معني" منهما المفعول معنى "كمن من" قولك "البسن من زاركم نسج اليمن" فإن من هو اللابس فهو الفاعل في المعنى، ونسج اليمن هو الملبوس فهو المفعول في المعنى. ويجوز العدول عن هذا الأصل فيقدم ما هو مفعول في المعنى على ما هو فاعل في المعنى. فيقال ألبسن نسج اليمن من زاركم "و" قد "يلزم الأصل" المذكور "لموجب عرى" أي وجد، وذلك كخوف اللبس نحو أعطيت زيدًا عمرًا، وكون الثاني محصورًا كما أعطيت زيدًا إلا درهمًا، أو ظاهرًا والأول ضمير متصل نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] ، "وترك ذاك الأصل" لمانع وجد "حتمًا قد يرى" أي قد يرى واجبًا، وذلك كما غذا كان الذي هو الفاعل في المعنى محصورًا نحو ما أعطيت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وهو الأقيس" أي الأقوى قياسا لأن قائله قاس على ما إذا كان المجرور غير أنّ وأن فإنه ينتصب لضعف حرف الجر عن أن يعمل محذوفا، وقائل القول الأول قاس على مجرور رب مع أن من النحاة من يجعل الجر عند حذف رب بواو رب لا برب فأفعل التفضيل على بابه ولعل القائل بالنصب يجيب عن البيت بأن جرّ دين بالعطف على توهم اللام.
قوله: "كي المصدرية" فيحذف معها ما يدخل عليها من حروف الجر وهو اللام فقط كما في المغني. قوله: "سبق فاعل معنى" أي وسبق ما لا يجر على ما قد يجر نحو اخترت زيدا الرجال فالأصل تقديم زيد لأن الفعل يتعدى إليه بنفسه بخلاف الرجال فإن الفعل قد يصل إليه بالحرف فنقول اخترت زيدا من الرجال قال المصنف في الشرح يعني ابن مالك في شرح التسهيل ولذا يقال اخترت قومه عمرا ولا يقال اخترت أحدهم القوم إلا على قول من أجاز ضرب غلامه زيدا دماميني. قوله: "من ألبسن" بضم السين أمرا للجماعة ليطابق من زاركم ويجوز فتحها على أن الميم للتعظيم أو أن المأمور بالإلباس واحد من الجماعة المزورين ونسج بمعنى منسوج. قوله: "وقد يلزم الأصل" التقليل بالنسبة إلى عدم اللزم. قوله: "نحو أعطيت زيدا عمرا" توقف سم في جواز تقديمهما مرتبين على الفعل وفي جواز تقديم الثاني على الفعل واستظهر البعض الجواز وعلله بعدم اللبس أي والحاصل في الصورة الثانية إجمال لا لبس وحينئذٍ فالمراد بلزوم الأصل تقديم الثاني على الأول متأخرين معا عن الفعل أو متقدمين معا عليه فتأمل. قوله: "محصورا" أي فيه. قوله: "أو ظاهرا والأول ضمير" اعترضه حفيد الموضح بأنه يجوز تقديم الثاني على الفعل. وأجيب بأن لزوم الأصل إضافي بالنسبة إلى امتناع تقديم الثاني على الأول لا مع الفعل.(2/134)
وحذف فضلة أجز إن لم يضر ... كحذف ما سبق جوابًا أو حصر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الدرهم إلا زيدًا، أو ظاهرًا والثاني ضميرًا متصلًا نحو الدرهم أعطيته زيدًا، أو ملتبسًا بضمير الثاني نحو أسكنت الدار بانيها. فلو كان الثاني ملتبسًا بضمير الأول كما في نحو أعطيت زيدًا ما له جاز وجاز، على ما عرف في باب الفاعل.
تنبيه: حكم المبتدأ مع خبره إذا وقعا مفعولين كحكم الفاعل في المعنى مع المفعول في المعنى في هذه الأمور الثلاثة: فجواز تقديمه في نحو ظننت زيدًا قائمًا، ووجوبه في نحو ظننت زيدًا عمرًا، وامتناعه في نحو ظننت في الدار صاحبها "وحذف فضلة" وهي المفعول من غير باب ظن "أجز" اختصارًا أو اقتصارًا "إن لم يضر" حذفها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "أي قد يرى واجبا" إشارة إلى أن حتما مفعول ثان ليرى مقدم ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنه حال من ضمير يرى مقدمة ويجوز أيضا أن يكون صفة مصدر محذوف أي تركا حتم أو حالا من ترك على مذهب سيبويه ويرى على هذه الثلاثة بمعنى يعتقد كما في رأى الشافعي حل كذا بناء على القول بأن رأى بمعنى اعتقد متعدية إلى واحد كما مر في محله. قوله: "كما إذا كان الذي هو الفاعل في المعنى محصورا" أي فيه قال سم ما ملخصه: انظر إذا تعارض خوف اللبس وكون الفاعل في المعنى محصورا فيه نحو ما أعطيت عمرا إلا زيدا إذا كان زيد هو الفاعل في المعنى فإنه إن قدم لخوف اللبس انعكس الحصر وإن قدم عمر لأجل الحصر في زيد حصل اللبس ويمكن أن يقال يراعى الحصر مع القرينة الدافعة للبس. ا. هـ. أي كأن يقال ما أعطيت عمرا عبدي إلا زيدا ويظهر لي أن من مراعاة الحصر مع دفع اللبس تقديم إلا مع المحصور فيه كأن يقال ما أعطيت إلا زيدا عمرا، بقي ما إذا تعارض خوف اللبس وعود الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة كأعطيت المرأة زوجها وجها إذا كان زوجها هو الفاعل في المعنى والظاهر فيه أيضا مراعاة الضمير مع القرينة الدافعة للبس كأن يقال أعطيت المرأة الرقيقة زوجها وهذا أولى من قول الروداني الظاهر أنه يعدل عن التركيب المؤدي إلى ذلك فيقال في هذا زوج الجارية أعطيته إياها، وفيما قبله عمرو ما أعطيته إلا لزيد أو نحو ذلك مما يؤدي المراد بلا محذور. قوله: "جاز وجاز" أي جاز تقديم الثاني تأخيره لأنه عند تقديمه يعود الضمير على متقدم رتبة.
قوله: "كحكم الفاعل إلخ" ولم يتعرض لهما الناظم لعلم حكمهما من باب المبتدأ والخبر. قوله: "وهي المفعول من غير باب ظن" لو قال وهي ما عدا مفعولي باب ظن مما ليس بعمدة لكان أعم وكان التخصيص بالمفعول لكون الكلام فيه أما مفعول ظن فيجوز حذفه اختصارا لا اقتصارا كما تقدم في قوله:
ولا تجز هنا بلا دليل
إلخ. قوله: "أجز" مراده بالجواز عدم الامتناع فيصدق بالوجوب نحو ضربت وضربني زيد سم. قوله: "أو اقتصارا" لا يقال هذا لا يأتي في المفعول به لأن الفعل المتعدي يدل عليه إجمالا فلا يكون حذفه إلا لدليل لأنا نقول المراد دليل يدل على خصوصه لا ما يدل عليه إجمالا،(2/135)
ويحذف الناصبها إن علما ... وقد يكون حذفه ملتزما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كما هو الاصل، ويكون ذلك لغرض: إما لفظي كتناسب الفواصل نحو: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] ، ونحو: {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: 3] ، وكالإيجاز في نحو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] ، وإما معنوي كاحتقاره في نحو: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ} [المجادلة: 21] ، أي الكافرين، أو استهجانه كقول عائشة رضي الله عنها: ما رأيت منه ولا رأى مني، أي العورة. فإن ضر الحذف امتنع وذلك "كحذف ما سيق جوابًا" لسؤال سائل كضربت زيدًا لمن قال: من ضربت؟ "أو حصر" نحو ما ضربت إلا زيدًا. وإنما ضربت زيدًا، أو حذف عامله نحو إياك والأسد.
تنبيه: قوله: يضر هو بكسر الضاد مضارع ضار يضير ضيرًا بمعنى ضر يضر ضرًّا قال الله تعالى: {لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120] أي لم يضركم "ويحذف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبهذا يعلم ما في كلام الشاطبي هنا فافهم. ومن الحذف اقتصارا حذف مفعول الفعل المنزل منزلة اللازم على رأي النحاة، ورأي البيانيين ووافقهم في المغني أنه لا مفعول له أصلا. وعبارة المغني بعد ذكر رأي النحاة والتحقيق أن يقال إنه تارة يتعلق الغرض بالاعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه أو من أوقع عليه فيجاء بمصدره مسندا إليه فعل كون عام فيقال حصل حريق أو نهب، وتارة يتعلق بالاعلام بإيقاع الفاعل للفعل فيقتصر عليهما ولا يذكر المفعول ولا ينوى إذ المنوي كالثابت ولا يسمى محذوفا لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له ومنه: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258] ، وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله فيذكران وهذا النوع الذي إذا لم يذكر مفعوله قيل محذوف نحو: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] ، {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 41] . ا. هـ. باختصار. قوله: "لغرض" أي حكمة فلا يشكل في جانب الله تعالى. اسقاطي. قوله: "كتناسب الفواصل" جمع فاصلة وهي رأس الآية. تصريح.
قوله: "لمن يخشى" الأصل يخشاه أي القرآن ويحتمل أن لا حذف وأن المفعول تنزيلا. قوله: "وكالإيجاز إلخ" أي وكتصحيح النظم وهو كثير. قوله: "فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا" أي الإتيان بسورة من مثله ودعاء شهدائكم بدليل ما قبل. قوله: "أو استهجانه" أي استقباح التصريح به أي وكالعلم به أو الجهل به أو تعظيمه أو الخوف منه وبالجملة يحذف المفعول لما يحذف له الفاعل من الأغراض اللفظية والمعنوية. قوله: "كحذف ما سيق" أي مفعول سيق مع الفعل والفاعل لكن لما كان محط الجواب المفعول اقتصر عليه أي وكحذف المفعول في الاشتغال نحو زيدا ضربته وفي التنازع نحو ضربني وضربته زيد وكحذف مفعول أكرمته في نحو جاء الذي أكرمته في داره لأن حذفه يوهم أن العائد الضمير في داره. قوله: "هو بكسر الضاد إلخ" قال يس نقلا عن ابن هشام ويجوز ضمها على أن الفعل أجوف واوي أو على أنه مضعف وقف عليه في القافية بالتخفيف لكن الكسر أنسب. ا. هـ. قوله: "أي لم يضركم" المناسب أي لا(2/136)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الناصبها" أي ناصب الفضلة "إن علما" بالقرينة، وإذا حذف فقد يكون حذفه جائزًا نحو قالوا خيرًا "وقد يكون حذفه ملتزمًا" كما في باب الاشتغال والنداء والتحذير والإغراء بشرطه، وما كان مثلًا: نحو الكلاب على البقر، أي ارسل الكلاب، أو أجرى مجرى المثل نحو: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء: 171] .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يضركم.
قوله: "ويحذف الناصبها" وإذا حذف فالأصل تقديره في مكانه الأصلي إلا لمانع أو مقتض فالأول نحو أيهم رأيته إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله ونحو: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17] ، فيمن نصب إذ لا يلي أما فعل ونحو في الدار زيد فيجب تأخير متعلق الظرف عن زيد أن قدرته فعلا لأن الخبر الفعلي لا يتقدم على المبتدأ في مثل هذا ونحو إن خلفك زيدا فيجب تأخير المتعلق قدرته اسما أو فعلا لأن مرفوع إن لا يسبق منصوبها بخلاف كان خلفك زيد فيجوز تقديم المتعلق ولو قدرته فعلا لأن خبر كان يجوز تقديمه مع كونه فعلا إذ لا تلتبس الجملة الاسمية بالفعلية. والثاني كتأخير متعلق باء البسملة الشريقة لإفادة الحصر كذا في المغني وناقش الدماميني التعليل بعدم الالتباس بأنك إذا قلت كان يقوم زيد فالالتباس حاصل فيما دخل عليه الناسخ لاحتمال كون زيد فاعل يقوم والجملة خبر ضمير الشأن دخلت عليه كان فاستتر فيها وكونه مبتدأ مؤخرا خبره يقوم وافتراق الجملتين بتقوّي الحكم وعدمه قبل دخول الناسخ لا يزيله دخوله، فالالتباس حاصل بعده أيضا، على أن ابن عصفور رجح منع التقدم في نحو كان زيد يقوم. قال لأن الذي استقر في باب كان أنك إذا حذفتها عاد اسمها وخبرها إلى المبتدأ والخبر ولو أسقطتها في المثال لم يرجعا إلى ذلك. وأجاب الشمني بأن احتمال كون اسم كان ضمير الشأن بعيد. وقد قال ابن هشام لا ينبغي الحمل على ضمير الشأن متى أمكن غيره ولا يخفى ما في قوله وكونه مبتدأ مؤخرا خبره يقوم فتأمل. قوله: "إن علما" اشترط في حذف الناصب علمه دون حذف الفضلة لأنه أحد ركني الإسناد وعمدتيه فلا يستغنى الإسناد عنه حتى يحذف بلا دليل بخلاف الفضلة.
قوله: "قالوا خيرا" أي أنزل خيرا بدليل ماذا أنزل. قوله: "كما في باب الاشتغال والنداء" إذ لا يجمع بين العوض والمعوض. قوله: "بشرطه" أي بشرط كل من التحذير والإغراء فشرط التحذير أن يكون بإياك نحو إياك والأسد أو بالعطف نحو رأسك والسيف أو بالتكرار نحو الأسد الأسد وشرط الإغراء العطف نحو المروءة والنجدة أو التكرار نحو أخاك أخاك. قوله: "الكلاب على البقر" أي بقر الوحش كما في التصريح والمراد خل الناس جميعا خيرهم وشرهم واسلك طريق السلامة. وقيل المراد إذا أمكنتك الفرصة فاغتنمها. قوله: "أو أجري مجرى المثل" الفرق بينه وبين المثل كما أفاده الدنوشري أن المثل مستعمل في غير ما وضع له للمشابهة بين ما وضع له وغيره على طريق الاستعارة التمثيلية وما أجري مجراه مستعمل فيما وضع له لكن أشبه المثل في كثرة الاستعمال وحسن الاختصار فأعطى حكمه في عدم التغيير. قوله: "انتهوا خيرا لكم" أي(2/137)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة: يصير المتعدي لازمًا في حكم اللازم بخمسة أشياء: الأول التضمين لمعنى لازم. والتضمين إشراب اللفظ معنى لفظ آخر وإعطاؤه حكمه لتصير الكلمة تؤدي مؤدى كلمتين نحو: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] ، أي يخرجون: {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28] ، أي تنب أذاعوا به أي تحدثوا، {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} [الأحقاف: 15] ، أي بارك لي. ومنه قول الفرزدق:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
انتهوا عن التثليث وائتوا خيرا لكم. قوله: "لازما" بأن ينسلخ عن التعدية بالكلية بحسب الظاهر وبحسب الحقيقة كما في الثاني والثالث. وقوله أو في حكم اللازم بأن يكون بحسب الظاهر لازما وأما باعتبار المعنى أو بعض المعنى فمتعد كما في الأول والرابع والخامس، فإن المضمن باعتبار دلالته على معنى الفعل المتعدي متعد، والضعيف عن العمل متعد في المعنى للمفعول وطالب له، وكذلك في الضرورة هذا ما ظهر.
قوله: "لمعنى لازم" بالإضافة أي لمعنى فعل لازم. قوله: "معنى لفظ آخر" ظاهره وجوب تغاير المعنيين وهو غير ظاهر في نحو قوله تعالى: {أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف: 100] ، فإن تعدية أحسن بالباء لتضمينه معنى لطف والإحسان هو اللطف فالأولى أن يقال التضمين إلحاق مادة بأخرى في التعدي أو الزوم لتناسب بينهما في المعنى أو اتحاد كذا قيل. قوله: "لتصير الكلمة إلخ" فيكون اللفظ مستعملا في مجموع المعنيين مرتبطا أحدهما بالآخر فيكون مجازا لا في كل منهما على حدته حتى يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز المختلف فيه نقله البعض عن ابن كمال باشا. وانظر ما علاقة المجاز على هذا، لا يقال العلاقة الجزئية لأنا نقول نقل الناصر اللقاني في حواشيه على المحل عن السعد التفتازاني أنه لا بد في اعتبار الجزئية من كون تركب الكل من الأجزاء حقيقيا لا اعتباريا كما هنا والأقرب عندي أنه مستعمل في كل من المعنيين على حدته وإن لزم عليه الجمع المذكور فتختلف العلاقة باختلاف المعنيين فتكون تارة المشابهة بينهما وتارة تكون غيرها. ويؤيده ما نقل عن ابن عبد السلام وجزم به الدماميني وغيره أنه مستعمل في حقيقته ومجازه. وهذا هو التضمين النحوي وفي كونه مقيسا خلاف. ونقل أبو حيان في ارتشافه عن الأكثرين أنه ينقاس. وأما البيان فهو تقدير حال يناسبها المعمول بعدها لكونها تتعدى إليه على الوجه الذي وقع عليه ذلك المعمول ولا تناسب العامل قبلها لكونه لا يتعدى إلى ذلك المعمول على الوجه المذكور وهو قياسي اتفاقا لكونه من حذف العامل لدليل هذا ما درج عليه السعد ومتابعوه. وقال ابن كمال باشا الحق أن التضمين البياني هو التضمين النحوي وإنما جاء الوهم للسعد من عبارة الكشاف حيث قدر خارجين عن أمره فتوهم أنه تقدير لعامل آخر وليس كذلك بل هو تفسير للفعل المضمن.
قوله: "أي يخرجون" اقتصار على بيان المعنى الطارىء لأنه المحتاج للبيان وكذا ما بعده إلا قوله أي صرفه بالقتل فهو بيان للمعنيين. قوله: "أي تنب" أي تبعد. قوله: "وأصلح لي في ذريتي أي بارك" جعله ابن الحاجب من باب فلان يعطي ويمنع ويصل ويقطع، أي من تنزيل(2/138)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
415- كيف تراني قاليًا مجني ... قد قتل الله زيادًا عني
أي صرفه بالقتل. ومنه قول الآخر:
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا
أي تكفلت. وهو كثير جدًّا. الثاني التحويل إلى فعل بالضم لقصد المبالغة والتعجب، نحو ضرب الرجل وفهم، بمعنى ما أضربه وأفهمه: الثالث مطاوعته المتعدي لواحد كما مر. الرابع الضعف عن العمل إما بالتأخير نحو: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] ، {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] ، أو بكونه فرعًا في العمل نحو: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [آل عمران: 3] ، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107، البروج:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المتعدي منزلة اللازم كأنه قيل يفعل الإعطاء والمنع والوصل والقطع وإذا قصد هذا المعنى ثم ذكر خصوص متعلقه أتى به مجرورا بفي كأنه محل له فالمعنى في الآية أوقع الصلاح في ذريتني. دماميني. قوله: "ومنه" أي من التضمين من حيث هو لا بقيد كون المضمن فعلا متعديا صار بالتضمين لازما، ولهذا فصله بمن فاندفع ما قاله شيخنا وأقره البعض أن البيت ليس مما نحن فيه لأن الفعل فيه متعد إلى واحد وصار بالتضمين متعديا إلى ثان بحرف الجر. قوله: "كيف تراني قاليا مجني" بكسر الميم وفتح الجيم أي في أي حالة تراني باغضا ترسي، ثم أجاب بقوله وقد قتل الله إلخ أي ذلك في حال قتل الله زيادا عني لأمني حينئذٍ. وقيل المراد بالمجن المحل فالمعنى في أي حالة تراني باغضا محلي لست قاليا له لأن الله قال زيادا عني، فالاستفهام على هذا إنكاري وأراد بزياد زياد بن أبيه الذي استلحقه معاوية بن أبي سفيان بنسبه واعترف بأنه أخوه لأبيه. قوله: "ومنه قول الآخر" فصله بمن مع أنه مما نحن فيه ليناسب ما قبله في الفصل بمن. قوله: "لقصد المبالغة والتعجب" خرج به التحويل إلى فعل بالضم لا لهذا القصد بل لنقل ضمة العين إلى الفاء في نحو قلته وطلته على قول سيبويه إن الأصل فعل بفتح العين فلما سكن آخره للضمير ولزم حذف عينه حوّل إلى فعل بالضم لتنتقل ضمته إلى فائه فيعلم أن عينه واو كما حوّلوا نحو باع إلى فعل بالكسر ليدل على أن عينه ياء فإن هذا التحويل لا يقضي باللزوم أما على قول ابن الحاجب أن الصحيح أن الضم لبيان بنات الواو لا للنقل فالقيد لبيان الواقع.
قوله: "الضعف عن العمل إلخ" فالعامل فيما يذكر متعد في المعنى إلى ما بعد اللام الزائدة لكنه بحسب الظاهر لازم فهو مما في حكم اللازم كما قدمناه فزيادة اللام لا تنافي الفعل لازما بحسب الظاهر مع أن لام التقوية ليست زائدة محضة ولا معدية محضة كما في المغني
__________
415- الرجز للفرزدق في الخصائص 2/ 310؛ والمحتسب 1/ 52؛ ومغني اللبيب 2/ 686؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 247، 2/ 109، 179؛ وشرح الشواهد المغني 2/ 962.(2/139)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
16] ، الخامس الضرورة كقوله:
416- تبلت فؤادك في المنام خريدة ... تسقي الضجيع ببارد بسام
ويصير اللازم متعديًا بسبعة أشياء: الأول همزة النقل كما أسلفته. الثاني تضعيف العين نحو فرح زيد وفرحت زيدًا. وقد اجتمعا في قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آل عمران: 3] ، الثالث المفاعلة تقول في جلس زيد ومشى وصار جالست زيدًا وماشيته وسايرته. الرابع استفعل للطلب أو بالنسبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فسقط اعتراض البعض. قوله: "تبلت" بالفوقية فالموحدة أي أصابت. ويقال أقبل بالهمزة، والخريدة المرأة الحسناء، والضجيع بمعنى المضاجع، ببارد أي بريق بارد بسام أي بسام محله والشاهد في قوله ببارد فإن الفعل يتعدى إليه بنفسه فجعله الشاعر لازما بالنسبة إليه للضرورة ويحتمل عندي أنه ضمنه معنى تشفي فعداه بالباء وجوز الدماميني أن يكون المراد تسقي الضجيع ريقها بفم بارد ريقه فيكون المفعول محذوفا والباء للاستعانة. قوله: "ويصير اللازم متعديا" كان عليه أن يقول أو في حكم المتعدي لأن السادس والسابع يصيرانه في حكم المتعدي لا متعديا. قوله: "همزة النقل" قال في المغني الحق أن دخولها قياسي في اللازم دون المتعدي. وقيل قياسي فيه وفي المتعدي إلى واحد. وقيل النقل بالهمزة كله سماعي. ا. هـ. قوله: "كما أسلفته" أي في باب أعلم وأرى ويحتمل أن المراد كهذا اللفظ. قوله: "تضعيف العين" ما لم تكن همزة نحو نأى فيمتنع تضعيفها لئلا يؤدي إلى إدغام الهمزة أو الإدغام فيها، وقلّ في غيرها من باقي حروف الحلق كدهنه وبعده كذا في التسهيل وشرحه. قال في المغني التضعيف سماعي في اللازم وفي المتعدي لواحد ولم يسمع في المتعدي لاثنين. وقيل قياسي في الأولين. ا. هـ.
فائدة: قال الزمخشري والسهيلي وغيرهما التضعيف يقتضي التكرار والتمهل بخلاف الهمزة وقيل لا يقتضي ذلك بل هو كالهمزة: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان: 32] ، والظاهر الأول وأن محله حيث لا قرينة وجملة واحدة قرينة فهو محل وفاق. ثم رأيت في الكشاف ما يصرح به حيث قال في تفسير هذه الآية نزل ههنا بمعنى أنزل لا غير كخبر بمعنى أخبر وإلا كان متدافعا. قوله: "الثالث المفاعلة" أي ألف المفاعلية كما عبر به في المعنى أو دلالته على المفاعلة أو اشتقاقه من المفاعلة وقول البعض أي المشتق منها سهو عن كون المعدود الأشياء التي يصير بها اللازم متعديا لا الأفعال المتعدية. قوله: "الرابع استفعل" أي كون الفعل على استفعل أو صوغه على استفعل كما عبر به في المغني والشارح في الخامس. قوله: "للطلب
__________
416- البيت في الكامل، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص107؛ والأغاني 4/ 137، 215؛ والجني الداني ص51؛ والدرر 3/ 7؛ وشرح شواهد المغني 1/ 332؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب 1/ 109؛ وهمع الهوامع 1/ 167.(2/140)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للشيء كاستخرجت المال، واستحسنت زيدًا، واستقبحت الظلم، وقد ينقل ذا المفعول الواحد إلى اثنين نحو استكتبته، واستغفرت الله الذنب. ومنه قوله:
استغفر الله ذنبًا لست أحصيه
وإنما جاز استغفرت الله من الذنب لتضمنه معنى استتبت أي طلبت التوبة. الخامس صوغ الفعل على فعلت بالفتح أفعل بالضم لإفادة الغلبة تقول كرمت زيدًا أكرمه أي غلبته في الكرم السادس التضمين نحو: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: 235] ، أي لا تنووا لأن عزم لا يتعد إلا بعلى: تقول: عزمت على كذا لا عزمت كذا. ومنه رحبتكم الطاعة، وطلع بشر اليمن: أي وسعتكم وبلغ اليمن. السابع إسقاط الجار توسعًا نحو: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 150] أي عن أمره {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5] أي عليه. وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو النسبة" احترز عن استفعل للصيرورة فإنه لازم كاستحجر الطين. قوله: "كاستخرجت المال" مثال للطلب وما بعده مثالان للنسبة أي نسبة الحسن ونسبة القبح ونسبة القبح فأصل استحسنت زيدا واستقبحت الظلم حسن زيد وقبح الظلم وكلاهما لازم فصار بنقلهما إلى استفعل متعديين. قوله: "وقد ينقل" أي استفعل ذا المفعول الواحد أي الفعل صاحب المفعول الواحد أي وقد لا ينقل كاستفهمت الخبر أي طلبت فهمه. ومثل استفعل التضعيف فقد ينقل كما في علم وقد لا ينقل كما مني كسر وأما همزة النقل فتنقل كل ما دخلت عليه ولا يرد توافق نحو رتح الباب وأرتجه أي أغلقه لأن الهمزة ليست للنقل. قوله: "نحو استكتبته إلخ" الأصل كتب الكتاب وغفر الله الذنب فنقلتهما صيغة استفعل إلى التعدي لاثنين. قوله: "ومنه قوله أستغفر الله ذنبا" قال سم انظر هذا مع قولهم في باب لا: إن هذا على معنى من. ا. هـ وقد يقال يجوز أن تكون السين والتاء ناقلة للفعل من التعدي إلى واحد إلى التعدي إلى اثنين ويجوز أن لا تكونا إذ لا يلزم من وجودهما نقله إليه كما أشار إليه الشارح بقد فما هنا مبني على الأول
وجعل أستغفر الله ذنبا بمعنى أطلب غفر الله وما في باب لا مبني على الثاني وجعل أستغفر الله بمعنى أستثيب كما يشير إليه قول الشارح وإنما جاز إلخ فلا تنافي فتأمل. ونقل الدماميني عن ابن الحاجب وغيره أن أستغفر يتعدى للثاني تارة بنفسه وتارة بمن.
قوله: "السادس التضمين" قال في المغني ويختص التضمين عن بقية المعديات بأنه قد ينقل الفعل إلى أكثر من درجة ولذلك عدي ألوت بقصر الهمزة بمعنى قصرت إلى مفعولين بعد ما كان قاصرا وذلك في نحو قولهم لا آلوك نصحا لما تضمن معنى لا أمنعك. وعدى أخبر وخبر وحدّث وأنبأ ونبأ إلى ثلاثة لما تضمنت معنى أعلم وأرى بعد ما كانت متعدية إلى واحد بنفسها وإلى آخر بالجار نحو: "أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم، نبئوني بعلم". ا. هـ. قوله: "رحبتكم الطاعة وطلع بشر اليمن" بضم العين فيهما، قال في المغني ولا ثالث لهما أي ليس ثم فعل مضموم العين عدى بالتضمين إلى المفعول غير هذين. قوله:(2/141)
التنازع في العمل:
إن عاملان اقتضيا في اسم عمل ... قبل فللواحد منهما العمل
__________
417- كما عسل الطريق الثعلب
أي من الطرق. وليس انتصابهما على الظرفية، خلافًا للفارسي في الأول، وابن الطراوة في الثاني لعدم الإبهام. والله أعلم.
التنازع في العمل:
"إن عاملان" فأكثر "اقتصيا" أي طلبا "في اسم عمل" متفقًا أو مختلفًا "قبل" أي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"كما عسل الطريق الثعلب" قال الفارضي في إسناد العسلان إلى الثعلب تجوز لاختصاصه بالذئب نص عليه السيوطي في المزهر. قوله: "لعدم الإبهام" أي الذي هو شرط في نصب اسم المكان على الظرفية كما سيأتي وإنما كان الإبهام معدوما لأن المرصد بالمكان الذي يرصد فيه والطريق اسم للمكان المستطرق. قاله في المغني.
التنازع في العمل:
التنازع لغة التجاذب واصطلاحا أن يتقدم عاملان على معمول كل منهما طالب له من جهة المعنى. غزي. قوله: "إن عاملان" أي مذكوران كما صرح به في التصريح فلا تنازع بين محذوفين نحو زيدا في جواب من ضربت وأكرمت ووجه الروداني كون زيدا في المثال ليس من التنازع بأن الجواب على سنن السؤال، وضربت وأكرمت لم يتنازعا من لتقدمها بل عمل فيها الأول وعمل الثاني في ضميرها محذوفا فهو مثل ضربت زيدا وأكرمت زيدا ولا تنازع في ذلك فحينئذٍ يكون الجواب كالسؤال التقدير ضربت زيدا وأكرمت زيدا فذكر مفعول أحد العاملين المقدرين وحذف مفعول الآخر من باب دلالة الأوائل على الأواخر أو العكس لا من باب التنازع فاعرفه ولا بين محذوف ومذكور كقولك في جواب هذا السؤال أكرمت زيدا، ولا بد أن يكون بين العاملين ارتباط بالعاطف مطلقا قال في المغني أو عمل أولهما في ثانيهما نحو: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} [الجن: 7] . ا. هـ. وفيه تسمح لا يخفى أو كون ثانيهما جوابا للأول جواب السؤال أو الشرط نحو: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] ، {آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] ، أو نحو ذلك من أوجه الارتباط كما في المغني فلا يجوز قام قعد أخوك. قوله: "اقتضيا" أي وجوبا على ما ذهب إليه جماعة من أنه يشترط في التنازع وجوب توجه العاملين فلا تنازع في نحو: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} [الجن: 4] ، لاحتمال عمل كان في ضمير الشأن فلا تكون متوجهة إلى سفيهنا ولم يشترط ذلك آخرون فجوزوا التنازع في المثال على تقدير عدم عملها في ضمير الشأن وهذا هو الأظهر وإن استظهر الدماميني الأول. نعم لا تنازع في قام أظن زيد. لا على الأول لعدم وجوب التوجه
__________
417- راجع التخريج رقم 413.(2/142)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حال كونهما قبل ذلك الاسم "فللواحد منهما العمل" اتفاقا والاحتراز بكونهما مقتضيين للعمل من نحو:
418- أتاك أتاك اللاحقون
إذ الثاني توكيد، وإلا فسد اللفظ إذ حقه حينئذ أن يقول أتاك أتوك أو أتوك أتاك، ومن نحو:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لاحتمال أن تكون أظن ملغاة فلا توجه لها إلى زيد، ولا على الثاني لأنها إذا لم تقدر ملغاة وقدرت متوجهة إليه تعين إعمالها في ضميره وليس هناك ضمير أفاده الدماميني.
قوله: "في اسم" أي ظاهر أو ضمير منفصل مرفوع أو منصوب أو متصل مجرور نحو زيد إنما قام وقعد هو، ونحو ما ضربت وأكرمت إلا إياك، ونحو وثقت وتقويت بك على خلاف في الأخيرين. وفي اسم متعلق بعمل قدم عليه مع أنه مصدر للضرورة هذا ما قال الشيخ خالد أنه الظاهر خلافا لقول المكودي متعلق باقتضيا. قوله: "اتفاقا" أي ممن لا يجوز عمل العاملين معا فلا يرد عليه أن الفراء يقول بعملهما معا إذا اتفقا في طلب المرفوع كما سيأتي. قوله: "أتاك أتاك اللاحقون" بفتح الكاف بقرينة تمام الشطر وهو احبس احبس لأن كتابتهما بلا ياء نص في أنهما خطاب لمذكر فيكون ما قبلهما كذلك ومفعول احبس محذوف احبس نفسك كما قاله العيني. قوله: "إذ الثاني توكيد" أي فهو بمنزلة حرف زيد للتوكيد فلا فاعل له أصلا قال المرادي في شرح التسهيل. ويحتمل قوله أتاك أتاك أن يكون من التنازع ويكون قد أضمر مفردا كما حكى سيبويه ضربني وضربت قومك بالنصب أي ضربني من ثمت، وقد أجاز أبو علي التنازع في قوله:
فهيهات هيهات العقيق وأهله
قال ارتفع العقيق بهيهات الثانية وأضمرت في الأولى أو بالأولى وأضمرت في الثانية. وأجاز ابن أبي الربيع في نحو قام قام زيد أن يكون زيد فاعلا بالثاني وأضمر في الأول وأن يكون فاعلا بالأول والثاني توكيد لا فاعل له، وأجاز المصنف فيه أن ينسب العمل لهما لكونهما شيئا واحدا في اللفظ والمعنى فكأن العامل واحد. ا. هـ. مع زيادة من الدماميني.
قوله: "وإلا فسد اللفظ" أي من جهة الصناعة النحوية. قوله: "وإلا فسد المعنى" أي المعنى المراد إذ المعنى المراد كفاني إلخ ومعنى فساده إفادة الكلام خلافه فاندفع ما قيل تعليله لا ينتج مدعاه من فساد المعنى وعلل بعضهم الفساد بلزوم التناقض لأنه على التنازع يكون ولم
__________
418- البيت بتمامه:
فأين إلى أن النجاة ببغلة ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس
وهو من الطويل، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 267؛ وأوضح المسالك 2/ 194؛ وخزانة الأدب 5/ 158؛ والخصائص 3/ 103، 109؛ والدرر 5/ 323، 6/ 44؛ وشرح ابن عقيل ص487؛ وشرح قطر الندى ص290؛ والمقاصد النحوية 3/ 9؛ وهمع الهوامع 2/ 111، 125.(2/143)
والثان أولى عند أهل البصرة ... واختار عكسًا غيرهم ذا أسره
__________
419- كفاني ولم أطلب قليل من المال
فإن الثاني لم يطلب قليل، وإلا فسد المعنى إذ المراد كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك، وبكونهما قبل من نحو زيد قام وقعد لأن كل واحد منهما أخذ مطلوبه أعني ضمير الاسم السابق فلا تنازع هكذا مثل الناظم وغيره وعللوا؛ وفي كل من المثال والتعليل نظر: أما المثال فظاهر، وأما التعليل فلقصور العلة لأن ذلك يقتضي أن لا يمتنع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أطلب معطوفا على كفاني ليحصل الربط المعتبر هنا فيلزم كونه مثبتا لطلب القليل لوقوع النفي في حيز لو المفيدة امتناع جوابها وما عطف عليه لامتناع شرطها ونفي النفي إثبات والحال أنه نفاه أولا بقوله:
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة
لاقتضاء لو النفي كما عرف والسعي لأدنى معيشة هو نفس طلب القليل أو مستلزم له فعلم من ذلك أن تجويز بعض النحاة كون البيت من التنازع إذا جعلت الواو استئنافية غير مسلم لفوات الربظ المعتبر هنا إذا جعلت الواو استئنافية أفاده الفارضي وصاحب المغني. وقال الكوفيون والفارسي إن البيت من التنازع وإعمال الأول ووجهه جماعة منهم ابن الحاجب بأنه على تقدير الواو للحال وعليه الارتباط حاصل بلا تناقض فإنك لو قلت دعوته أجابني غير متوان أفادت لو انتفاء الدعاء والإجابة دون انتفاء عدم التواني حتى يلزم إثبات التواني ونظر فيه في المغني بما نوقش فيه نعم يرد أن النفي إذا دخل على كلام مقيد توجه إلى تقييده إلا أن يقال هذا أغلبي ولعل الشارح لاحظ ما ذكر فعلل عدم التنازع بمخالفة المراد دون التناقض. قوله: "ولم أطلب الملك" يدل على هذا المحذوف قوله:
ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
هذا ولا يخفى أن ما ذكره الشارح في توجيه البيت إنما يخرجه عن فساد المعنى وأما فساد اللفظ فباق لما فيه من العطف قبل استكمال المعطوف عليه إلا أن يجوز ذلك في الشعر قاله يس. قوله: "أما المثال فظاهر" لأن كلا من الفعلين لم يطلب الاسم لأن يعمل فيه لأن الفعل لا يطلب الاسم المتقدم عليه بل ضميره فالمثال خارج بقوله اقتضينا في اسم عمل. قوله: "فلقصور
__________
419- صدره:
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة
والبيت من الطويل وهو لامرئ القيس في ديوانه ص39؛ والإنصاف 1/ 84؛ وتذكرة النحاة ص339؛ وخزانة الأدب 1/ 327، 462؛ والدرر 5/ 322؛ وشرح شذور الذهب ص296؛ وشرح شواهد المغني 1/ 342، 2/ 642؛ وشرح قطر الندى ص199؛ والكتاب 1/ 79؛ والمقاصد النحوية 3/ 35؛ وهمع الهوامع 2/ 110؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 880؛ ومغني اللبيب 1/ 256؛ والمقتضب 4/ 76؛ والمقرب 1/ 161.(2/144)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقديم مطلوبهما إذا طلبا نصبًا وعاملان في كلامه رفع بفعل مضمر يفسره اقتضيا، وعمل مفعول به وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة.
تنبيهات: الأول مراده بالعاملين فعلان متصرفان، أو اسمان يشبهانهما، أو اسم وفعل كذلك: فالأول نحو: {آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] ، والثاني كقوله:
420- عهدت مغيثا من أجرته
والثالث نحو: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العلة" أي إفهامها ما لا يصح. وقوله أن لا يمتنع تقديم مطلوبهما أي على سبيل التنازع إذا طلبا نصبا كما في زيدا ضربت وأكرمت أي لعدم أخذ كل منهما مطلوبه يعني والحال أنه ممتنع على وجه التنازع لأخذ الأول المعمول بمجرد وقوعه عقبه فلا يكون للثاني طلبه كما قاله بعضهم، أو لأنه يلزم عليه تقدم ما في حيز حرف العطف عليه وهو ممتنع في غير الهمزة من نحو أفلم يسيروا كما قاله الدماميني فخرّج المثال على أن زيدا إنما طلبه أول العاملين وأما الثاني فطالب لضميره لكن حذف لكونه فضلة يجوز ذكره وحذفه وذهب جماعة منهم الرضي كما هو صريح عبارته لا ظاهرها وإن زعمه البعض إلى جواز التنازع في المتقدم المنصوب وأجازه الفارسي في المتوسط نحو شربت زيدا وأكرمت ودعوى البعض أن ثم قولا بجواز التنازع في المتقدم ولو مرفوعا مع كونها في غاية البعد تحتاج إلى سند فإن كان سنده فيها عبارة التوضيح لإيهامها ما ذكره قلنا من تأمل كلام شارحه علم أن الخلاف في المنصوب والله أعلم. قوله: "وعمل مفعول به" أي للفعل المقدر. قوله: "يشبهانهما" أي في العمل لا في التصرف بدليل التمثيل بهاؤم اقرأوا وقول الشاعر:
لقيت ولم أنكل عن الضرب مسمعا
وفي شرح التوضيح للشارح المراد بالاسم المشبه للفعل اسم الفاعل واسم المفعول واسم الفعل والمصدر. ا. هـ. ويظهر أن اسم المصدر كالمصدر. قوله: "أو اسم وفعل كذلك" أي اسم يشبه الفعل وفعل متصرف. قوله: "نحو آتوني أفرغ عليه قطرا" فأعمل الثاني ونوى الضمير في الأول وإنما حذفه لكونه فضلة يجب حذفه عند إهمال الأول كما سيأتي. قوله: "عهدت" بالبناء للمجهول وتاء الخطاب. قوله: "هاؤم اقرأوا كتابيه" هاء اسم فعل بمعنى خذ والميم علامة الجمع والأصل هاكم أبدلت الكاف واوا ثم الواو همزة وفي إعراب القرآن للسمين زعم القتيبي
__________
420- عجز:
فلم اتخذ إلا فناءك موئلا
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 189؛ وتخليص الشواهد ص513؛ وشرح التصريح 1/ 316؛ والمقاصد النحوية 3/ 2.(2/145)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
421- لقيت ولم أنكل عن الضرب مسمعا
ولا تنازع بين حرفين، ولا بين حرف وغيره، ولا بين جامدين، ولا جامد وغيره. وعن المبرد إجازته في فعلي التعجب نحو: ما أحسن وأجمل زيدًا، وأحسن به وأجمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن الهمزة بدل من الكاف فإن عنى أنها تحل محلها فصحيح وإن عنى البدل الصناعي فليس بصحيح. ا. هـ. قوله: "ولم أنكل" أي أعجز وبابه دخل وطرب مسمعا بكسر الميم الأولى اسم رجل. قوله: "ولا تنازع بين حرفين" لضعف الحرف ولفقد شرط صحة الإضمار في المتنازعين إذ الحروف لا يضمر فيها وعندي فيه نظر لأن المراد بالإضمار في هذا الباب ما يشمل اعتبار الضمير ولو مع حذفه كما في ضربت وضربني زيد وهذا يتأتى في الحروف كما في: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20] ، وقد نقل الدماميني عن شرح المفصل لابن الحاجب ما نصه وقالوا في لعل وعسى زيد أن يخرج أنه على إعمال الثاني لصحة عسى زيد أن يخرج وذلك يستلزم حذف معمولي لعل للقرينة. وقالوا لو أعمل الأول لقيل لعل وعسى زيدا خارج وليس بواضح إذ لا يقال عسى زيد خارجا وهذا أيضا يستلزم حذف منصوب عسى. ا. هـ. قال الدماميني وانظر من الذي قال هذا من النحاة فإن المعروف من كلامهم كون العاملين من الفعل وشبهه وكيف وجب إذا أعمل الأول أن يقال خارج مع أن خبر لعل يقترن بأن كثيرا، وانظر أيضا أي محذور يلزم في حذف منصوب عسى وقد قال الشاعر:
يا أبتا علك أو عساكا
وقد وقع في المسائل الدمشقيات الدائرة بين أبي علي الفارسي وأبي الفتح بن جني ما قد يشهد لأن التنازع قد يقع في الحروف. ا. هـ. قال يس وأما فإن لم تفعلوا فالعامل لم، ولم والفعل في محل جزم بأن. قوله: "ولا بين جامدين" أي فعلين جامدين. وقوله ولا جامد أي فعل جامد فلا يرد هاؤم اقرءوا كتابيه ولا البيت. قال الروداني ينبغي تقييده بما إذا تقدم الجامد لأنه حينئذٍ يلزم الفصل بين الجامد ومعموله أما لو تأخر فلا مانع إذ لا فصل سواء أعملت الأول أو الثاني نحو أعجبني ولست مثل زيد. قوله: "وعن المبرد إجازته في فعلي التعجب" أي سواء أعملت الثاني أو الأول ويغتفر الفصل بين فعل التعجب ومعموله لامتزاج الجملتين بحرف العطف واتحاد ما يقتضي العاملان، ورجح هذا القول الرضي. همع. قوله: "نحو ما أحسن إلخ" هذا في إعمال
__________
421- صدره:
لقد علمت أولى المغيرة أنني
والبيت من الطويل، وهو للمرار الأسدي في ديوانه ص464؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 60؛ والكتاب 1/ 193؛ وللمرار الأسدي أو لزغبة بن مالك في شرح شواهد الإيضاح ص136؛ وشرح المفصل 6/ 64؛ والمقاصد النحوية 3/ 40، 501؛ ولمالك بن زغبة في خزانة الأدب 8/ 128، 129؛ والدرر 5/ 255؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص412؛ واللمع ص217؛ والمقتضب 1/ 14؛ وهمع الهوامع 2/ 93.(2/146)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعمرو، واختاره في التسهيل. الثاني قد يكون التنازع بين أكثر من عاملين. وقد يتعدد المتنازع فيه من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين" وقول الشاعر:
422- طلبت فلم أدرك بوجهي فليتني ... قعدت ولم أبغ الندى عند سائب
الثالث اشترط في التسهيل في المتنازع فيه أن يكون غير سببي مرفوع فنحو زيد قام وقعد أخوه. وقوله:
423- وعزة ممطول معنى غريمها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الثاني وتقول على إعمال الأول ما أحسن وأجمله زيدا وأحسن وأجمل به بعمرو، وإنما جيء على إعمال الثاني مع الأول المهمل بالضمير المجرور بالباء بناء على الصحيح أنه عمدة لأنه فاعل ويجب تركه عند القائلين أنه فضلة. قوله: "واختاره في التسهيل" شرط في شرحه للجواز إعمال الثاني تخلصا من الفصل المذكور. دماميني.
قوله: "من ذلك" أي ما تعدد فيه المتنازع وهي الأفعال الثلاثة والمتنازع فيه وهو الظرف أعني دبر والمفعول المطلق أعني ثلاثا وثلاثين وأعمل الأخير إذ لو أعمل الأول لأضمر عقب الثاني والثالث فيه إياها ولو أعمل الثاني لأضمر ذلك عقب الثالث وقد يدعى أنه أعمل غير الأخير بناء على جواز حذف الفضلة مطلقا كما اختاره في التسهيل قاله سم. قوله: "طلبت إلخ" المتنازع طلبت وأدرك وأبغ والمتنازع فيه الندى وعند. قوله: "أن يكون غير سببي مرفوع" أي للزوم إسناد أحدهما إلى السببي والآخر إلى ضميره فيلزم خلو رافع ضمير السببي من رابطه بالمبتدأ. واعترض بأنه يكفي في الربط رفعه لضمير السببي المضاف إلى ضمير المبتدأ كما اكتفى المصنف تبعا للأخفش والكسائي بضمير الأزواج المرتبطات بالمبتدأ في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 234] ، أي أزواجهم وبأن الفساد المتقدم حاصل في نحو قولك زيد ضربت وأهنت أخاه، مع أن المتنازع فيه سببي منصوب ولا فساد في نحو قولك زيد أكرمه وأحسن إليه أخوه مع أن المتنازع فيه سببي مرفوع فلا معنى لتقييد المنع بالمرفوع والجواز بالمنصوب بل مدار الجواز على وجود ضمير المبتدأ مع كل من العاملين سواء كان السببي مرفوعا أو منصوبا ومدار المنع على عدم وجوده مع كل منهما مرفوعا كان السببي أو منصوبا وكوجود ضمير المبتدأ مع كل العطف بالفاء نحو زيد يقوم فيقعد أبوه.
قوله: "مبتدأ" أي ثان وقوله والعاملان أي مع ضميريهما لأن الخبر المجموع لا العامل
__________
422- البيت من الطويل، وهو للحماسي في حاشية يس على التصريح 1/ 316؛ وبلا نسبة الأشباه والنظائر 7/ 270.
423- صدره:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه
=(2/147)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
محمول على أن السببي مبتدأ، والعاملان قبله خبران عنه أو غير ذلك مما يمكن بخلاف السببي المنصوب كما مر، ولم يذكر هذا الشرط أكثر النحويين، وأجاز بعضهم في البيت التنازع "والثان" من المتنازعين "أولى" بالعمل من الأول "عند أهل البصرة" لقربه "واختار عكسًا" من هذا وهو أن الأول أولى لسبقه "غيرهم ذا أسره" أي غير البصريين وهم الكوفيون، مع اتفاق الفريقين على جواز إعمال كل منهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وحده أي والجملة في المثال خبر المبتدأ الأول ويلزم على هذا الإعراب بالنسبة إلى المثال أي زيد إلخ تقدم الخبر الفعلي على المبتدأ والجمهور على منعه وقول البعض يلزم عليه تقديم معمول الخبر الفعلي سهو. قوله: "أو غير ذلك" عطف على أن السببي، ومن الغير كون ممطول خبرا ومعنى حال من غريمها وغريمها نائب فاعل ممطول. قوله: "بخلاف السببي المنصوب" نحو زيد ضربت وأكرمت أخاه ومنع الشاطبي التنازع فيه وعلله بأنك إذا أعملت الأول فلا بد من ضمير يعود على السببي وضمير السببي لا يتقدم عندهم عليه ولهذا قال في التصريح الوجه امتناع التنازع في السببي مطلقا. قوله: "كما مر" كان الأولى حذفه لأنه لم يتقدم له تمثيل السببي المنصوب. قوله: "والثان من المتنازعين أولى بالعمل من الأول عند أهل البصرة لقربه" قال يس ولو كان أضعف من الأول في العمل. ا. هـ. ثم كل مما قبله أولى من سابقه كما قاله سم للعلة المذكورة وعللت أيضا أولوية الثاني بسلامته من العطف قبل تمام المعطوف عليه ومن الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي وإن اغتفر ذلك هنا للضرورة. قوله: "وهو أن الأول أولى لسبقه" ثم كل مما يليه أولى من لاحقه للعلة المذكورة وهناك قول ثالث هما سواء، ومحل الخلاف ما لم يوجد مرجح لأحدهما ففي بل نحو ضربت بل أكرمت عمرا يجب إعمال الثاني وبالعكس في لا نحو ضربت لا أكرمت زيدا نقله في النكت عن صاحب البسيط واستحسنه وعللت أيضا أولوية الأول بسلامته من عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة إن أعمل الثاني وأضمر في الأول ضمير الرفع كما هو رأي البصريين، أو حذف الضمير من الأول إن أعمل الثاني وحذف من الأول ضمير الرفع كما هو رأي الكسائي. أو عمل العاملين في معمول واحد إن اتفق العاملان في طلب المرفوع، وتأخير ضمير الأول إن اختلفا كما هو رأي الفراء كما سيأتي في الشرح.
قوله: "ذا أسره" ضبطه الشيخ خالد بفتح الهمزة وفسره الغزي بالجماعة القوية، لكن في القاموس الأسرة بالضم الدرع الحصينة، ومن الرجل الرهط الأدنون. قوله: "على جواز إعمال كل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= والبيت من الطويل، وهو لكثير عزة في ديوانه ص143؛ وخزانة الأدب 5/ 223؛ والدرر 5/ 326؛ وشرح التصريح 1/ 318؛ وشرح شواهد الإيضاح ص90؛ وشرح المفصل 1/ 8؛ والمقاصد النحوية 3/ 3؛ وهمع الهوامع 2/ 111؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 282، 7/ 255؛ والإنصاف 1/ 90؛ وأوضح المسالك 2/ 195؛ وشرح شذور الذهب ص541؛ ولسان العرب 14/ 334 "ركا"؛ ومغني اللبيب 2/ 417.(2/148)
وأعمل المهمل في ضمير ما ... تنازعاه والتزم ما التزما
كيخسنان ويسيء ابناكا ... وقد بغى واعتديا عبداكا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: سكتوا عن الأوسط عند تنازع الثلاثة، وحكى بعضهم الإجماع على جواز إعمال كل منها. ومن إعمال الأول قوله:
424- كساك ولم تستكسه فاشكرن له ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر
ومن إعمال الثالث قوله:
425- جئ ثم حالف وقف بالقوم إنهم ... لمن أجاروا ذوو عز بلا هون
"وأعمل المهمل" منها وهو الذي لم يتسلط على الاسم الظاهر مع توجهه إليه في المعنى "في ضمير ما تنازعاه والتزم" في ذلك "ما التزما" من مطابقة الضمير للظاهر ومن امتناع حذف هذا الضمير حيث كان عمدة. وسواء في ذلك كان الأول هو المهمل "كيحسنان ويسيء ابناكا" أم الثاني "و" ذلك نحو "قد بغى واعتديا عبداكا" وهذا المثال الثاني متفق على جوازه، والأول منعه الكوفيون لأنهم يمنعون الإضمار قبل الذكر في هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منهما" أي إذا لم يستلزم إعمال الثاني أن يضمر في الأول ضمير رفع فإن الكوفيين يمنعونه كما سيأتي فلا منافاة بين ما هنا وبين ما يأتي فلا تغفل. قوله: "ومن إعمال الأول" أي بدليل الإضمار في الثاني والثالث. قوله: "ومن إعمال الثالث" أي بدليل تعدية الثالث بالحرف وحذف الضمير من الأولين ولم يمثل لاعمال الثاني لأنه لم يحفظ إعماله في كلام العرب كما قاله المرادي. قوله: "في ذلك" أي في حال إعمال المهمل في الضمير. قوله: "من مطابقة الضمير للظاهر" في التسهيل أن هذه المطابقة أغلبية لإجازة سيبويه ضربني وضربت قومك بالنصب أي ضربني من ذكر، وسيذكره الشارح لكن صرح الدماميني نقلا عن سيبويه بقبحه فيكون المراد التزام ذلك في الفصيح ومحل المطابقة ما لم يستوفيه المذكر والمؤنث وإلا أضمر مفردا مذكرا لا غير نحو أجريح وقتيل هذا أو الزيدان أو الزيدون. قوله: "كيحسنان إلخ" المثالان من تنازع الوصفين قولك أقائم هما وذاهب الزيدان، وأقائم وذاهب هما الزيدان، وأقائم أنتما، وذاهب أنتما وأقائم وذاهب أنتما أنتما، فأنتما الأول في المثال الأخير مضمر الثاني المهمل وأنتما الثان فاعل الأول المعمل وبعكسه المثال قبله كذا يؤخذ من الدماميني على المغني. قوله: "وهذا المثال الثاني متفق على جوازه" قال شيخنا هذا ينافي ما سيأتي عن الفراء من إعمالهما معافى الظاهر عند اتفاقهما في طلب المرفوع. ا. هـ. ويجاب بما قدمناه من أن المراد اتفاق من لا يجوز عمل العاملين معا فتدبر.
قوله: "والأول منعه الكوفيون" أي من حيث اشتماله على إضمار ضمير الرفع في الأول
__________
424- البيت من الطويل، وهو لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص166، 309؛ وإنباه الرواة 1/ 58؛ ودرة الغواص ص157؛ وحماسة البحتري ص149؛ وسمط اللآلي ص166؛ وشرح التصريح 1/ 316.
425- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص338.(2/149)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الباب فذهب الكسائي ومن وافقه إلى وجوب حذف الضمير من الأول والحالة هذه للدلالة عليه تمسكًا بظاهر قوله:
426- تعفق بالأرطى لها وأرادها ... رجال فبذت نبلهم وكليب
وقال الفراء: إن اتفق العاملان في طلب المرفوع فالعمل لهما ولا إضمار، نحو يحسن ويسيء ابناكا، وإن اختلفا أضمرته مؤخرًا نحو ضربني وضربت زيدًا هو. والمعتمد ما عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قبل الذكر لا من حيث اشتماله على إعمال الثاني بدليل كلامه بعد، فلا ينافي هذا قوله سابقا مع اتفاق الفريقين على جواز إعمال كل منهما. قوله: "قبل الذكر" أي لفظا ورتبة. قوله: "فذهب الكسائي إلخ" تفصيل لمحذوف أي واختلفوا في كيفية إعمال الثاني مع طلب الأول الرفع. قيل ما وقع فيه أشنع مما فر منه لأن حذف الفاعل أشنع من الإضمار قبل الذكر وهذا هو المشهور عنه وفي شرح الإيضاح ما حكي عن الكسائي من أنه يحذف الفاعل في نحو ضربني وضربت الزيدين باطل بل هو عنده مستتر في الفعل مفرد في الأحوال كلها قاله يس. قوله: "تمسكا بظاهر قوله تعفق" أي استتر. وضبطه الشارح في شرحه على التوضيح بالغين المعجمة، وفي التصريح أنه بالعين المهملة بالأرطى شجر، لها أي للبقرة الوحشية، فبذت بتشديد الذال المعجمة أي غلبت، والنبل السهام، وكليب جمع كلب كعبيد جمع عبد، ووجه التمسك به أنه لم يضمر في واحد من تعفق وأراد فلم يقل تعفقوا على إعمال الثاني ولا أرادوها على إعمال الأول وإنما قال بظاهر لإمكان تأويله بما سيأتي في الشرح. قوله: "في طلب المرفوع" الظاهر أن مثله اتفاقهما في طلب المنصوب ويرشد إليه عبارة الهمع ونصها وقال الفراء كلاهما يعملان فيه إن اتفقا في الإعراب المطلوب.
قوله: "فالعمل لهما" أورد عليه أن العوامل كالمؤثرات فلا يجوز اجتماع عاملين على معمول واحد إلا أن يريد أن العمل لمجموعهما كما في زيد وعمرو قائمان وفيه نظر للفرق بأن كلا من الفعلين يستقل برفع زيد وكل من الاسمين لا يستقل برفع هذا الخبر فليتأمل. قوله: "ولا إضمار" أي على أحد نقلين عنه، ونقل عنه أنه يجوز الإضمار مؤخرا في حال طلبهما المرفوع أيضا فتقول قام وقعد أخواك هما. قوله: "أضمرته مؤخرا" أي إن كان الأول هو الطالب المرفوع كما في المثال على ما هو قضية كلام التسهيل والتصريح فإن كان الأول هو الطالب للمنصوب فإن أعملته فمرفوع الثاني ضمير فيه وإن أهملته فلا إضمار فيه وما نقله الشارح عن الفراء إذا اختلفا هو ما نقله المصنف عنه والذي نقله الجمهور عنه وجوب إعمال الأول حينئذٍ كما في
__________
426- البيت من الطويل، وهو لعلقمة الفحل في ديوانه ص38؛ والرد على النحاة ص95؛ وشرح التصريح 1/ 421؛ ولسان العرب 10/ 354، 14/ 353 "زبي"؛ والمقاصد النحوية 3/ 15؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 201؛ وتذكرة النحاة ص357؛ وجمهرة اللغة ص936؛ والمقرب 1/ 251.(2/150)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البصريون وهو ما سبق لأن العمدة يمتنع حذفها، ولأن الإضمار قبل الذكر قد جاء في غير هذا الباب نحو ربه رجلًا ونعم رجلًا، وقد سمع أيضًا في هذا الباب، من ذلك ما حكاه سيبويه من قول بعضهم: ضربوني وضربت قومك. ومنه قوله:
427- جفوني ولم أجف الأخلاء إنني ... لغير جميل من خليلي مهمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهمع. قوله: "نحو ضربني وضربت زيدا هو" فهو فاعل ضربني لا توكيد لمستتر في الفعل لأنه يمنع أن فيه ضميرا مستترا كما مر. قوله: "والمعتمد ما عليه البصريون" أي من وجوب إضمار ضمير الرفع في الأول عند إعمال الثاني. قوله: "لأن العمدة يمتنع حذفها" اعترض اللقاني هذا الدليل بأنه لا يفيد وجوب الإضمار بخصوصه بل هو أو الإظهار، ويمكن أن يجاب بأنه اقتصر على جزء العلة لكفايته في الرد على مجوّز الحذف وهو الكسائي والجزء الثاني لزوم التكرار عند الإظهار وقد يقال التكرار لا يقتضي منع الإظهار بل ضعفه فقط على أنه عهد حذف الفاعل في مواضع معروفة تقدم بيانها فافهم.
قوله: "ولأن الإضمار" بهذا يرد على جميع الكوفيين بخلاف الدليل الذي قبله فيرد به على الكسائي ومن يقول بقوله فقط. قوله: "قد جاء في غير هذا الباب" أي فيقاس عليه هذا الباب وقد يعارض هذا الدليل بالمثل فيقال جاء حذف الفاعل في غير هذا الباب فيقاس عليه هذا الباب. وبحث فيه اللقاني أيضا بأن جواز الإضمار قبل الذكر في غير هذا الباب لغرض إيراد الشيء مجملا ثم مفصلا ليكون أوقع في النفس لا يفيد جوازه مطلقا ولك دفعه بأنه لا مانع من كون الغرض هنا أيضا الإجمال ثم التفصيل فتأمل. قوله: "وقد سمع" ترقّ من قياس الإضمار قبل الذكر في هذا الباب على الإضمار قبل الذكر في غيره إلى سماعه في هذا الباب فكأنه قال على أنه قد سمع إلخ أي سمع كثيرا نظما ونثرا وذلك علامة الاطراد فاندفع ما قيل للكسائي أن يقول سمع حذف الفاعل هنا أيضا كما في قوله تعفق إلخ على أن ما استدل به على حذف الفاعل هنا غير صريح كما ستعرفه أفاده يس. قوله: "وكمتا" أي ترى خيلا كمتا جمع أكمت من الكمتة وهي حمرة تضرب إلى سواد مدماة أي شديدة الحمرة مثل الدم متونها ظهورها استشعرت لون مذهب أي جعلته شعارا ولباسا لها. والمذهب بضم الميم المموه بالذهب ووجه الاستشهاد أنه أعمل الثاني وأضمر في الأول ضميره قبل الذكر، لكن هذا البيت لا يحتج به على الكسائي لأن الضمير في الأول وهو جري غير بارز فله أن يدعي خلوه منه ويحتج به على الفراء لاختلاف العاملين وعدم ذكر الضمير مؤخرا.
__________
427- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 77، 5/ 282؛ وأوضح المسالك 2/ 200؛ وتخليص الشواهد ص515؛ وتذكرة النحاة ص3059؛ والدرر 1/ 219، 5/ 218؛ وشرح التصريح 2/ 872؛ وشرح قطر الندى ص197؛ ومغني اللبيب 2/ 489؛ والمقاصد النحوية 3/ 14؛ وهمع الهوامع 1/ 66، 109.(2/151)
ولا تجيء مع أول قد أهملا ... بمضمر لغير رفع أوهلا
بل حذفه الزم إن يكن غير خبر ... وأخرنه إن يكن هو الخبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
428- هوينني وهويت الغانيات إلى ... أن شبت فانصرفت عنهن آمالي
وقوله:
429- وكمتا مدماة كأن متونها ... جرى فوقها واستشعرت لون مذهب
ولا حجة فيما تمسك به المانع لاحتمال أفراد ضمير الجمع. وقد أجاز ذلك البصريون في الأحوال كلها، تقول: ضربني وضربت الزيدين، كأنك قلت ضربني من، على ما لا يخفى "ولا تجيء مع أول قد أهملا بمضمر لغير رفع" وهو النصب لفظًا أو محلًّا "أوهلا" أي جعل أهلا "بل حذف الزم إن يكن غير خبر" في الأصل لأنه حينئذ فضلة فلا حاجة إلى إضمارها قبل الذكر فتقول: ضربت وضربني زيد، ومررت ومر بي عمرو. ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "لاحتمال إفراد ضمير الجمع" أي على تأوله بمن ذكر كما سيشير إليه أو تأوله بالجمع واعترض بأن الإفراد قبيح كما مر عن الدماميني فكيف ينفى عن الحجية ويمكن أن يقال احتمال البيت أمرا جائزا ولو مع قبح ينفي حجيته على ثبوت أمر آخر فتأمل، وقد روى كما في العيني تعفق بضم القاف على أنه مضارع حذفت منه إحدى التاءين مسندا إلى ضمير الرجال لأنهم في معنى الجماعة ولا شاهد فيه للكسائي حينئذٍ وقول العيني ومن تبعه كالبعض الضمير على هذه الرواية راجع إلى البقرة لا يلائم قوله لها إلا بتكلف. قوله: "وقد أجاز ذلك" أي الإفراد لا بقيد تعلقه بضمير الجمع لقوله في الأحوال كلها أي إسناد الفعل إلى الواحد والاثنين والجماعة لكن الإفراد في الاثنين والجماعة قبيح كما مر. قوله: "لفظا أو محلا" مراده بالمنصوب لفظا ما يصل إليه العامل بنفسه وبالمنصوب محلا ما يصل إليه بواسطة الحرف كما في التصريح فلا يرد أن إعراب المضمرات محليّ دائما لبنائها. قوله: "أو هلا" يقال أهلك الله للخير بتشديد الهاء وأوهلك أي جعلك أهلا له. قوله: "بل حذفه الزم" أي على ما اختاره المصنف هنا وكذا قوله وأخرنه إلخ كما سيتضح. قوله: "إن يكن غير خبر" حذف في الوصفين جواب إن التي فعلها مضارع وهو ضرورة قاله الشاطبي. قوله: "فلا حاجة إلى إضمارها" أي لفظا فلا ينافي أنها منوية
__________
428- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 283؛ وتخليص الشواهد ص515؛ والمقاصد النحوية 3/ 31.
429- البيت من الطويل، وهو لطفيل الغنوي في ديوانه ص23؛ وأمالي ابن الحاجب ص443؛ والإنصاف 1/ 88؛ والرد على النحاة ص97؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 183؛ وشرح المفصل 1/ 78؛ والكتاب 1/ 77؛ ولسان العرب 2/ 81 "كمت"، 4/ 413 "شعر"، 14/ 270 "دمي"؛ والمقاصد النحوية 3/ 24؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص515؛ وتذكرة النحاة ص344؛ والمقتضب 4/ 75.(2/152)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يجوز ضربته وضربني زيد، ولا مررت به ومر بي عمرو. وأما قوله:
430- إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب
فضرورة "وأخرنه إن يكن هو الخبر" لأنه منصوب فلا يضمر قبل الذكر، وعمدة الأصل فلا يحذف، فتقول: كنت وكان زيد قائمًا، إياه وظنني وظننت زيدًا عالمًا إياه. أما امتناع الإضمار مقدمًا فادعى الشارح الاتفاق عليه وفي دعواه نظر فقد حكى ابن عصفور ثلاثة مذاهب: أحدها جوازه كالمرفوع. وفي كلام والده في الكافية وشرحها ميل إلى جواز إضمار المنصوب مطلقًا مقدمًا، واحتج له وهو أيضًا ظاهر كلام التسهيل. وأما الحذف فمنعه البصريون وأجازه الكوفيون لأنه مدلول عليه بالمفسر وهو أقوى المذاهب لسلامته من الإضمار قبل الذكر ومن الفصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة إنما يهرب منه إذا كان الضمير ملفوظا به.
قوله: "وأخرنه" أي اذكره مؤخرا فكلامه متضمن لشيئين، ولهذا علل الشارح الأمرين على اللف والنشر المشوش. قوله: "وعمدة في الأصل فلا يحذف" يرد عليه أن خبر كان ومفعولي ظن يجوز حذفها لدليل ولهذا كان مذهب الكوفيين الآتي أقوى. قوله: "ثلاثة مذاهب" هي في منصوب كان وظن وأخواتهما كما يدل عليه كلام التوضيح لا في الإضمار مقدما كما قد يتوهم من عبارة الشارح، وزاد في التوضيح رابعا وهو الإظهار. قوله: "أحدها جوازه" أي الإضمار للمنصوب مقدما كالمرفوع ثانيها وجوب تأخيره وهو ما في النظم، ثالثها جواز حذفه وعليه الكوفيون. قوله: "ميل إلى جواز إلخ" وقضيته تجويز إضماره مؤخرا بالأولى سم. قوله: "مطلقا" أي عمدة كان في الأصل أو فضلة. قوله: "واحتج له" أي بشواهد من لسان العرب. قوله: "وأجازه الكوفيون" نقل المصرح عن أبي حيان أن شرطه عندهم أن يكون المحذوف مثل المثبت إفرادا وتذكيرا وفروعهما وإلا لم يجز حذفه نحو علمني وعلمت الزيدين قائمين، فلا بد أن يقول إياه متقدما أو متأخرا ولا ينافي هذا ما سيأتي من وجوب الإظهار إذا لم يطابق الضمير المفسر وإن زعمه سم لأن ما سيأتي مذهب البصريين والكلام في مذهب الكوفيين وهم لا يقولون بوجوب الإظهار حينئذٍ. قوله: "لأنه مدلول عليه بالمفسر" أي وحذف المعمول لدليل جائز حتى في باب كان وظن. قوله: "لسلامته من الإضمار قبل الذكر" أي إذا أضمر مقدما كما مال إليه في شرح الكافية ومن الفصل أي بين العامل الأول المهمل ومعموله إذا أضمر مؤخرا كما
__________
430- عجزه:
جمادًا فكن في الغيب أحفظ للود
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 281؛ وأوضح المسالك 2/ 203؛ وتخليص الشواهد ص514؛ والدرر 5/ 319؛ وشرح التصريح 1/ 322؛ وشرح شذور الذهب ص543؛ وشرح شواهد المغني 2/ 745؛ وشرح ابن عقيل ص279؛ ومغني اللبيب 1/ 333؛ والمقاصد النحوية 3/ 21؛ وهمع الهوامع 2/ 110.(2/153)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهات: الأول اقتضى كلامه أنه يجاء بضمير الفضلة مع الثاني المهمل نحو: ضربني وضربته زيد، ومر بي ومرت بهما أخواك لدخوله تحت قوله:
وأعمل المهمل في ضمير ما
تنازعاه. ولم يخرجه ومنه قوله:
431- إذا هي لم تستك بعود أراكة ... تنخل فاستاكت به عود إسحل
وأنه يجوز حذفه لمفهوم قوله والتزم ما التزما، وهذا لم يلتزم ذكره لأنه فضلة. ومنه قوله:
432- بعكاظ يغشي الناظريـ ... ـن إذا هم لمحوا شعاعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال به هنا. قوله: "إذا هي" أي المرأة والأراكة واحدة الأراك تنحل بالبناء للمجهول، والحاء المهملة على ما ذكره شيخنا السيد أي اختير، لكن التنخل بالمعجمة هو المفسر في القاموس وغيره بالاختيار وهو جواب إذا، والإسحل بكسر الهمزة فسكون السين المهملة ففتح الحاء المهملة شجر دقيق الأغصان يشبه الأثل يتخذ منه أيضا السواك كذا في العيني. والذي في القاموس والصحاح الإسحل بالكسر شجر يستاك به وضبطت الحاء بالقلم في نسخ القاموس الصحيحة بالكسر وهو الأقرب إلى قولهما بالكسر. والشاهد في تنحل واستاكت حيث تنازعا عود إسحل فأعمل الأول وأضمر في الثاني ضمير عود إسحل وذكره.
قوله: "بعكاظ" سوق كانت في الجاهلية تجتمع فيها قبائل العرب فيتبايعون ويتعاكظون أي يتفاخرون ويتناشدون الشعر. قال في الصحاح بناحية مكة شهرا، وقال في القاموس بصحراء بين نخلة والطائف وكان قيامها هلال ذي القعدة وتستمر عشرين يوما والباء في بعكاظ ظرفية وقوله يعشى بالعين المهملة كيعطى أي يسيء أبصارهم من العشا بالقصر وهو سوء البصر بالليل وقيل بالمعجمة كيرضى والضمير في شعاعه للسلاح. والشاهد في يعشى ولمحوا حيث تنازعا شعاعه
__________
431- البيت من الطويل، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص498؛ والرد على النحاة ص97؛ وشرح المفصل 1/ 79؛ والكتاب 1/ 78؛ ولطفيل الغنوي في ديوانه ص65؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 188؛ ولعمر أو لطفيل أو للمقنع الكندي في المقاصد النحوية 3/ 32؛ ولعبد الرحمن بن أبي ربيعة المخزومي أو لطفيل الغنوي في شرح شواهد الإيضاح ص89؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 444؛ والدرر 1/ 222؛ وهمع الهوامع 1/ 66.
432- البيت من مجزوء الكامل، وهو لعاتكة بنت عبد المطلب في الدرر 5/ 315؛ وشرح التصريح 1/ 320؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص743؛ والمقاصد النحوية 3/ 11؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 2847؛ وأوضح المسالك 2/ 199؛ وشرح شذور الذهب ص544؛ وشرح ابن عقيل ص280؛ ومغني اللبيب 2/ 611؛ والمقرب 1/ 251؛ وهمع الهوامع 2/ 109.(2/154)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وخص بعضهم حذفه بالضرورة كالبيت لأن في حذفه تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه لغير معارض. الثاني كلامه هنا مخالف للتسهيل من وجهين: الأول بحذف الفضلة من الأول المهمل، والثاني جزمه بتأخير الخير، ولم يجزم بهما في التسهيل بل أجاز التقديم. الثالث يشترط لحذف الفضلة من الأول المهمل أمن اللبس، فإن خيف اللبس وجب التأخير نحو استعنت واستعان على زيد؛ لأنه مع الحذف لا يعلم هل المحذوف مستعان به أو عليه. الرابع قوله غير خبر يوهم أن ضمير المتنازع فيه إذا كان المفعول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فأعمل الأول وأضمر في الثاني ضميره وحذفه. قوله: "وخص بعضهم حذفه بالضرورة" مقتضى التوضيح ترجيح هذا وأنه مذهب الجمهور فإنه قال وبعضهم يجيز حذف غير المرفوع لأنه فصلة كقوله بعكاظ إلخ. ولنا أن في حذفه تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه والبيت ضرورة. ا. هـ. قوله: "تهيئة العامل" يعني لمحوا للعمل أي في الاسم الظاهر وقوله لغير معارض دفع لما يقال التهيئة والقطع لازمان على إعمال الثاني مع الحذف أيضا والمعارض عليه لزوم الإضمار قبل الذكر ومن جعل التهيئة عبارة عن إيلاء العامل ما هو معمول له معنى استغنى عن قوله لغير معارض لفصل العامل الأول من المعمول بالعامل الثاني في حال إعمال الثاني مع الحذف. قال سم وكأنهم أي المجوزين اختيارا حذفه عند إعمال الأول لا يعدون التهيئة والقطع مانعا أو يقال إعمال العامل الآخر في المذكور دافع لتهيئة هذا فتأمله فإنه حسن. قوله: "بل أجاز التقديم" أي ذكر الضمير مقدما عمدة في الأصل أو فضلة فليس الإضراب راجعا لقوله والثاني جزمه بتأخير الخبر فقط حتى يكون في كلامه قصور كما توهمه البعض. قوله: "لحذف الفضلة من الأول المهمل" وكذا يشترط لجواز حذفها من الثاني المهمل على ما يظهر فلو ألبس لم يجز حذفه نحو استعان واستعنت به على زيد. قوله: "أمن اللبس" ولم يذكره الناظم لعلمه بطريق المقايسة على الأبواب السابقة ومن قوله سابقا:
وحذف فضلة أجز إن لم يضر
قوله: "وجب التأخير" وعلى ما قدمه عن التسهيل والكافية وشرحها يجوز التقديم. قوله: "نحو استعنت واستعان عليّ زيد" وجه اللبس أن المتبادر أن المحذوف بعد استعنت عليه بقرينة معمول الفعل الثاني مع أن المراد استعنت بزيد أما إذا أريد استعنت على زيد فالحذف جائز لعدم اللبس لأن المتبادر هو المراد أفاده سم. قوله: "لأنه مع الحذف لا يعلم إلخ" لو علله بما أسلفناه لكان مناسبا لأن تعليليه إنما ينتج الإجمال لا اللبس لكن مرّ أنهم قد يطلقون اللبس على ما يعم الإجمال وإن كان الصواب الفرق بينهما معنى وحكما كما تقدم بيانه وقوله هل المحذوف إلخ أي هل مدلول الضمير المحذوف المجرور بالحرف شخص مستعان به فيكون اللفظ المحذوف لفظ به أو شخص مستعان عليه فيكون اللفظ المحذوف لفظ عليه وليس المراد هل اللفظ المحذوف كما توهمه البعض. فاعترض بأن الأولى حذف مستعان إذ هو ليس من المحذوف. قوله: "يوهم إلخ" لأن من الغير المفعول الأول لأنه مبتدأ في الأصل. قوله: "بل لا(2/155)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأول في باب ظن يجب حذفه، وليس كذلك، بل لا فرق بين المفعولين في امتناع الحذف ولزوم التأخير نحو: ظننت منطلقة وظننتني منطلقًا هند إياها، فإياها مفعول أول الظنت ولا يجوز تقديمه، وفي حذفه ما سبق ولذلك قال الشارح لو قال بدله:
واحذفه إن لم يك مفعول حسب ... وإن يكن ذاك فأخره تصب
لخلص من ذلك التوهم. لكن قال المرادي قوله مفعول حسب يوهم أن غير مفعول حسب يجب حذفه وإن كان خبرًا، وليس كذلك لأن خبر كان لا يحذف أيضا، بل يؤخر كمفعول حسب، نحو زيد كانت وكنت قائمًا إياه. وهذا مندرج تحت قوله المصنف غير خبر. ولو قال:
بل حذفه إن كان فضلة حتم ... وغيرها تأخيره قد التزم
لأجاد. قلت وعلى هذا أيضًا من المؤاخذة ما على بيت الأصل من عدم اشتراطه أمن اللبس كما أسلفته، فكان الأحسن أن يقول:
واحذفه لا إن خيف لبس أو يرى ... لعمدة فجيء به مؤخرًا
الخامس قاس المازني وجماعة المتعدي إلى ثلاثة على المتعدي إلى اثنين وعليه مشى في التسهيل: فتقول على هذا عند إعمال الأول، أعلمني وأعلمته إياه إياه زيد عمرًا قائمًا، ويختار إعمال الثاني نحو أعلمني زيدًا عمرًا قائمًا إياه إياه وأعلمت وأعلمني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فرق بين المفعولين إلخ" لأن كلا منهما عمدة في الأصل ويمكن الجواب عن المصنف بأنه عبر بالملزوم وهو الخبر وأراد اللازم وهو العمدة وبأن المبتدأ كما قال بعضهم مفهوم بالأولى لأشرفيته والاتفاق على عمديته فهو أولى بالذكر. قوله: "وفي حذفه ما سبق" أي من المنع عند البصريين والجواز عند الكوفيين وكان عليه أن يحذف قوله ولا يجوز تقديمه ويقول وفي حذفه وإضماره مقدما ما سبق لأن صنيعه يشعر بأنه لا خلاف في عدم جواز إضماره مقدما وليس كذلك لوجود الخلاف في إضماره مقدما أيضا.
قوله: "ولذلك" أي لكونه لا فرق بين المفعولين. قوله: "لكن قال المرادي" استدراك على قوله لخلص من ذلك التوهم دفع به توهم أن هذه العبارة لا يرد عليها شيء أصلا. قوله: "أو يرى لعمدة" بكسر اللام أي منتسبا لعمدة أو بفتحها على أنها زائدة للضرورة وفي نسخ بالكاف. قوله: "قاس المازني إلخ" أي في أنه إذا أعمل الأول أضمر في الثاني ضمير المفعولين الثاني والثالث بجانبه لعودهما على متقدم في الرتبة وإذا أعمل الثاني أضمر في الأول ضميرها مؤخرا لما تقدم وأما المفعول الأول فهو فضلة محضة فلا يجاء بضميره مع الأول المهمل بل يجب حذفه ويجوز ذكره وحذفه مع الثاني المهمل كما سبق. قوله: "ويختار إعمال الثاني" أي عند البصريين لقربه(2/156)
وأظهر أن يكن ضمير خبرا ... لغير ما يطابق المفسرا
نحو أظن ويظناني أخا ... زيدًا وعمرًا أخوين في الرخا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيد عمرًا قائمًا إياه إياه "وأظهر أن يكن ضمير خبرا" أي في الأصل "لغير ما يطابق المفسرا" أي في الإفراد والتذكير وفروعها، لتعذر الحذف بكونه عمدة، والإضمار بعدم المطابقة فتعين الإظهار وتخرج المسألة من هذا الباب "نحو أظن ويظناني أخا زيدًا وعمرًا أخوين في الرخا" على إعمال الأول فزيدًا وعمرًا أخوين مفعولا لا أظن، وأخا ثاني مفعولي يظناني، وجيء به مظهرًا لتعذر إضماره؛ لأنه لو أضمر فإما أن يضمر مفردًا مراعاة للمخبر عنه في الأصل وهو الياء من يظناني، فيخالف مفسره وهو أخوين في التثنية وإما أن يثنى مراعاة للمفسر فيخالف المخبر عنه، وكلاهما ممتنع عند البصريين. وكذا الحكم لو أعملت الثاني نحو: يظناني وأظن الزيدين أخوين أخا. وأجاز الكوفيون الإضمار على وفق المخبر عنه نحو: أظن ويظناني إياه الزيدين أخوين، عند إعمال الأول وإهمال الثاني. وأجازوا أيضًا الحذف نحو أظن ويظناني الزيدين أخوين.
تنبيه: وجه كون هذه المسألة من هذا الباب هو أن الأصل أظن ويظنني الزيدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كما مر. قوله: "وأعلمت وأعلمني زيد عمرا قائما إياه إياه" لا يخفى أن إياه الأول ضمير المفعول الثاني وإياه الثاني ضمير المفعول الثالث ولم يذكر ضمير زيد الذي هو المفعول الأول لما تقدم. قوله: "وأظهر" أي ضمير المتنازع فيه أي ائت به اسما ظاهرا وقوله لغير ما يطابق المفسر أي لمبتدأ في الأصل غير مطابق للمفسر كالياء في يظناني في المثال المذكور.
قوله: "بعدم المطابقة" أي للمخبر عنه إن أتى به مطابقا للمفسر وللمفسران أتى به مطابقا للمخبر عنه وتخرج المسألة من هذا الباب حينئذٍ بالنسبة إلى المفعول الثاني لا بالنسبة إلى المفعول الأول لتنازعهما فيه فأعملنا في مثالنا الأول وأضمرنا في الثاني ضميره وهو الألف في يظناني. قوله: "وكذا الحكم لو أعملت الثاني نحو إلخ" صوره في عكس المثال مع أنه يمكن فيه وهو باق على حاله بأن يقال أظن ويظنني زيد وعمرو وأخا إياهما أخوين لأن ما ذكره أشبه في العمل بمثال المتن وأقصر مسافة. قوله: "على وفق المخبر عنه" أي وإن خالف المفسر ويؤيده أن الرضي كما نقله الإسقاطي لم يوجب المطابقة بين الضمير ومرجعه إذا أمن اللبس واستدل له بقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} [النساء: 11] ، ثم قال: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً} [النساء: 11] ، مع أن الضمير فيها للأولاد لظهور المقصود. قوله: "عند إعمال الأول وإهمال الثاني" فإن أعملت الثاني وأهملت الأول. قلت على ما يظهر أظن ويظنني الزيدان أخا إياهما إياهما. قوله: "وأجازوا أيضا الحذف" يعكر عليه ما تقدم نقله عن أبي حيان. قوله: "وجه كون هذه المسألة من هذا الباب هو أن الأصل إلخ" ظاهره أن كونها من هذا الباب إنما هو بالنسبة إلى المفعول الأول لا الثاني وبه صرح الموضح، واستظهر سم وغيره أنها منه بالنسبة إلى الثاني أيضا باعتبار كونه مطلوبا لكل من العاملين على أنه مفعول ثان بقطع النظر عن كونه مثنى أو مفردا وأطال في(2/157)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أخوين، فتنازع العاملان الزيدين فالأول يطلبه مفعولًا والثاني يطلبه فاعلًا، فأعملنا الأول فنصبنا به الاسمين، وأضمرنا في الثاني ضمير الزيدين وهو الألف، وبقي علينا المفعول الثاني يحتاج إلى إضماره، فرأيناه متعذرًا لما مر، فعدلنا به إلى الإظهار وقلنا أخا فوافق المخبر عنه، ولم تضره مخالفته لأخوين لأنه اسم ظاهر لا يحتاج إلى ما يفسره.
خاتمة: لا يتأتى التنازع في التمييز وكذا الحال خلافًا لابن معطي، وكذا نحو ما قام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إيضاح ذلك. قوله: "فعدلنا به" أي الإضمار أي عنه.
قوله: "لا يتأتى التنازع إلخ" لأن كلاً من الحال والتمييز لا يضمر لوجوب تنكيره. وقوله خلافاً لابن معطي حيث أجازه في الحال. قال الفارضي نحو زرني أزرك راغباً، على إعمال الثاني، وزرني أزرك في هذه الحالة راغباً، على إعمال الأول. ا. هـ. وفيه أن هذا مثل إعادة لفظ الحال ولا تنازع فيه. قوله: "وكذا نحو ما قام إلخ" لأنه إن أضمر في الفعل المهمل بدون إلا انعكس المعنى المراد من الإثبات على وجه الحصر إلى النفي وإن أضمر فيه مع إلا بأن يقال ما قام إلا هو وما قعد إلا زيد كما نقل عن ابن هشام فإن أراد مع حذف إلا هو ورد أن البصري لا يجيز حذف الفاعل هنا وهذا التركيب جائز عنده وإن أراد مع عدم حذفه فهو خلاف المسموع وصرح الرضي وغيره بأن هذا المنع خاص بالمرفوع أما المنصوب فلا يمتنع وقوع التنازع فيه نحو ما ضربت وأكرمت إلا زيداً. وفرق بأن المنصوب فضلة لا تتوقف صحة الكلام على تقدير ضميره بخلاف المرفوع. ولا يخفى أنه فرق غير نافع مع انعكاس المراد إن أضمر في الفعل المهمل بدون إلا ولزوم حذف الفضلة المحصور فيها إن أضمر مع إلا. وقد صرحوا بأن المحصور فيه لا يحذف ولو فضلة وأنه يقتضي الامتناع إذا كان المنصوب عمدة في الأصل نحو ما علمت وظننت إلا زيداً قائماً ولو سوى بين المرفوع والمنصوب في الامتناع أو الجواز لكان أحسن. ثم رأيت الله لروداني صحح تخريج التركيب على التنازع وسوى في جواز التنازع بين المرفوع والمنصوب وبين الحصر بإلا والحصر بإنما فقال الذي يفهمه المتأمل أن تخريج ذلك إنما هو على التنازع وبيانه أن القياس يقتضي أن يقال ما قام وقعد إلا زيد هو لأن العاملين فرغا لما بعد إلا فيعمل أحدهما في الظاهر والآخر في ضميره المنفصل لكن لما أمكن اتصال هذا الضمير بعامله الملغى مع ظهور معنى الحصر لوجود دليله حال اتصال الضمير تعين ذلك فاتصل بعامله ثم بسبب عوده إلى ما بعده لفظاً ورتبة يلزم أن يكون هو مقدماً لفظاً مؤخراً رتبة لأن رتبة الضمير وأصله أن يتأخر عن مرجعه ويلزم من كونه مؤخراً رتبة كونه موجباً محصوراً بإلا التي قبله بحسب رتبته وأصله فتأخيره الأصلي دليل على إيجابه وحصره وعروض تقديمه لأجل إصلاح اللفظ لا يعتد به مانعاً مما بالأصل من الحصر، وقولهم إذا قصد الحصر وجب انفصال الضمير إنما هو في الضمير الذي جاء على أصله وهو المتأخر لفظاً ورتبة ولم أقف على أحد يستشكل التنازع بعد إنما التي يجب انفصال الضمير بعدها أيضاً لإفادة الحصر مع أنها مثل إلا، قياس التنازع فيها أن يقال(2/158)
المفعول المطلق:
المصدر اسم ما سوى الزمان من ... مدلولي الفعل كأمن من أمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقعد إلا زيد وما ورد مما ظاهره جواز ذلك مؤول. ويجوز فيما عدا ذلك من المعمولات. والله تعالى أعلم.
المفعول المطلق:
زاد في شرح الكافية في الترجمة: وهو المصدر، وذلك تفسير للشيء بما هو أعم منه مطلقًا، كتفسير الإنسان بأنه الحيوان إذ المصدر أعم مطلقًا من المفعول المطلق؛ لأن المصدر يكون مفعولًا لا مطلقًا، وفاعلًا ومفعولًا به وغير ذلك، والمفعول المطلق لا يكون إلا مصدرًا نظرًا إلى أن ما يقوم مقامه مما يدل عليه خلف عنه في ذلك وأنه الأصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إنما قام وقعد زيد هو والاستعمال على خلافه وجوابه كما تقدم أن الحصر مدلول التأخير الأصلي ولا يفوت بعروض اتصال الضمير بعامله. ا. هـ. باختصار. قوله: "وما ورد إلخ" كقوله:
ما صاب قلبي وأضناه وتيمه ... إلا كواعب من ذهل بن شيبانا
فيؤول بأنه من الحذف لدليل لكن يلزم عليه حذف الفاعل. وأجيب بأنه سوّغ ذلك وجوده معنى باعتبار المذكور وفيه ما فيه فتأمل. قوله: "ويجوز فيما عدا ذلك من المعمولات" استثنى منها المفعول له. قال بعضهم وقياس جوازه في المفعول فيه جوازه في المفعول له فكما يقدر الضمير في المفعول فيه مقرنا بفي يقدر في المفعول له مقترنا باللام، وفرق الروداني بتوسعهم في الظروف دون غيرها ألا ترى أنه لو لم يقدر في، وقيل صمت وسرت اليوم على أن التقدير صمته لصح هذا التقدير للتوسع بخلاف المفعول له فلا يقال قمت وسرت خوفا إذ لا يجوز قمته أي الخوف لعدم التوسع فيه والنفس إلى جواز التنازع فيه أميل فتنبه.
المفعول المطلق:
قوله: "زاد في شرح الكافية إلخ" يحتمل أن مراده التورك على الناظم بأنه كان ينبغي أن يزيد هنا ذلك لتظهر مطابقة الترجمة للمترجم لأنه لا تصريح فيما سيذكره بأن المفعول المطلق أي شيء هو وإن كان يؤخذ ذلك من قوله المصدر إلخ بمعونة ذكره بعد الترجمة المشعر بأن المفعول المطلق ما ذكر وكونه منصوبا مفيدا للتوكيد أو مبنيا للنوع أو العدد يؤخذ من قوله بمثله إلخ وقوله توكيدا إلخ ويحتمل أن مراده استحسان اقتصار المصنف هنا على قوله المفعول المطلق وتوركه على زيادته في شرح الكافية وهذا هو الظاهر وإن جزم البعض بالاحتمال الأول. قوله: "وذلك تفسير للشيء إلخ" جوّزه المتقدمون بناء على أن المقصود التمييز في الجملة. قوله: "لا يكون" أي أصالة بدليل ما بعد. قوله: "نظرا إلى أن ما يقوم مقامه" أي المصدر أي يحل محله ويوضع في مكانه مما يدل عليه كلفظ كل وبعض المضافين إلى المصدر وكالعدد خلف عنه في ذلك أي في المفعولية المطلقة وأنه أي المصدر الأصل أي والاعتبار ليس إلا بالأصل. أما إذا(2/159)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واعلم أن المفاعيل خمسة: مفعول به وقد تقدم في باب تعدي الفعل ولزومه، ومفعول مطلق، ومفعول له، ومفعول فيه، ومفعول معه؛ وهذا أول الكلام على هذه الأربعة: فالمفعول المطلق ما ليس خبرًا من مصدر مفيد توكيد عامله أو بيان نوعه أو عدده فما ليس خبرًا مخرج لنحو المصدر المبين للنوع في قوله: ضربك ضرب ألم، ومن مصدر مخرج لنحو الحال المؤكدة نحو: {وَلَّى مُدْبِرًا} [النمل: 1، القصص: 31] ، ومفيد توكيد عامله إلخ مخرج لنحو المصدر المؤكد في قولك: أمرك سير سير، وللمسوق مع عامله لغير المعاني الثلاثة نحو: عرفت قيامك، ومدخل لأنواع المفعول المطلق ما كان منها منصوبًا لكونه فضلة نحو: ضربت ضربًا، أو ضربًا شديدًا، أو ضربتين، ومرفوعًا لكونه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نظرنا إلى أن القائم مقامه يعطى حكمه ويعتبر اعتباره كان بينهما العموم والخصوص الوجهي. قوله: "ما" أي اسم وقوله من مصدر بيان لما والمراد المصدر الصريح فلا يقع المؤول مفعولا مطلقا ولم يقل منصوب نظرا إلى أنه قد يرفع نائبا عن الفاعل كما سيذكره وفيه ما سيأتي وإنما خص النفي بالخبر دون غيره كالمبتدأ والفاعل لأنه الذي قد يجيء مبينا لنوع عامله كما في ضربك ضرب أليم أو عدده كما في ضربك ضربتان. قوله: "مفيدا إلخ" مما خرج به كراهتي في قولك كرهت كراهتي على أن كراهتي مفعول به لكرهت إذ هو حينئذٍ لا يؤكد ولا يبين نوع عامله ولا عدده فالاعتراض بأن التعريف صادق عليه غير متوجه.
قوله: "توكيد عامله" أي مصدر عامله الذي تضمنه ليتحد المؤكد والمؤكد إذ ذلك شرط في التأكيد اللفظي الذي هذا منه فمعنى قولك ضربت ضربا أحدثت ضربا ضربا هذا ما أفاده الدماميني والرضي. وبحث فيه بأنه يرفع التجوّز كالنفس والعين وردّ بأن التأكيد اللفظي قد يكون لرفع التجوّز ففي المختصر والمطول وأقره السيد أن نحو قطع اللص الأمير الأمير لرفع توهم التجوز فاعرفه. والمراد إفادته التوكيد من غير بيان نوع أو عدد وإلا فالتوكيد لازم للمفعول المطلق مطلقا وإن كان لا يقصد، وأوفى قوله أو بيان نوعه أو عدده لمنع الخلو لكن تجويزها الجمع بالنظر إلى القسمين الأخيرين كما في ضربت وضربني الأمير لا بالنظر إلى القسم الأول لتقييده بعدم بيان النوع والعدد فلا يجتمع مع واحد من القسمين الأخيرين وبهذا يعلم ما في كلام البعض. قوله: "فما ليس خبرا" لو قال فليس خبرا لكان أحسن إذ لا دخل لما في إخراج ما ذكر ولأن شأن الجنس أن لا يخرج به وقوله لنحو المصدر إلخ أي من كل ما هو خبر ولو غير مصدر. قوله: "لنحو الحال المؤكدة" يتبادر من نحو أن ثم شيئا آخر غير الحال المؤكدة لم يخرج إلا بقولنا من مصدر ولم نعثر عليه فلعله أشار بنحو إلى شيء آخر يخرج بقولنا من مصدر وإن خرج بما بعده أيضا كالجملة المحكية بالقول بناء على الصحيح أنها مفعول به فاعرفه.
قوله: "المصدر المؤكد" هو المصدر الثاني المؤكد للخبر ووجه خروجه أنه لم يؤكد عامله بل مثله ولا بين نوعه لأن الذي بين نوع عامله هو المصدر الأول. قوله: "أو مرفوعا إلخ"(2/160)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نائبًا عن الفاعل نحو: غُضب غَضب شديد. وإنما سمي مفعولًا مطلقًا لأن حمل المفعول عليه لا يحوج إلى صلة؛ لأنه مفعول الفاعل حقيقة، بخلاف سائر المفعولات فإنها ليس بمفعول الفاعل. وتسمية كل منها مفعولًا إنما هو باعتبار إلصاق الفعل به أو وقوعه لأجله أو فيه أو معه. فلذلك احتاجت في حمل المفعول عليها إلى التقيد بحرف الجر بخلافه، وبهذا استحق أن يقدم عليها في الوضع وتقديم المفعول به لم يكن على سبيل القصد بل على سبيل الاستطراد والتبعية. ولما كان المفعول المطلق هو المصدر مع ضميمه شيء آخر كما عرفت بدأ بتعريف المصدر لأن معرفة المركب موقوفة على معرفة أجزائه فقال: "المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل" أي اسم الحدث؛ لأن الفعل يدل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيه أنه بعد رفعه لا يسمى اصطلاحا مفعولا مطلقا بل نائب فاعل. قوله: "لأن حمل المفعول عليه" أي اطلاق لفظ المفعول على جزئياته أو المراد الإخبار بالمفعول عن جزئياته. قوله: "لا يحوج إلى صلة" أي بالحرف أو الظرف أو المراد لا يحوج إلى ذلك لغة فلا ينافي أنه مقيد عند النحاة بالإطلاق ولهذا قال في المغني المفعول إذا أطلق في اصطلاح النحاة إنما ينصرف إلى المفعول به لأنه أكثر دورانا في الكلام ولا يصدق على المصدر المكذور إلا مقيدا بقيد الإطلاقي. قوله: "لأنه مفعول الفاعل حقيقة" أي الفعل الذي يصح إسناده إليه وليس المراد أنه موجد له حتى يرد مات موتا والمراد بالإسناد ما يعم ما على جهة الإيجاب أو السلب فلا يرد لم يضرب زيد ضربا. قوله: "فإنها ليست بمفعول الفاعل" أورد عليه المفعول لأجله وبعض أفراد المفعول به نحو كرهت قيامي ولك أن تقول المراد مفعول الفاعل من حيث أنه فاعل لذلك الفعل المذكور فيخرج ما ذكر فتأمل. قوله: "باعتبار إلصاق الفعل به" وإن لم يكن موجودا قبل ذلك الفعل نحو خلق الله السموات فالسموات مفعول به وإن كان وجودها بذلك الفعل لا قبله ومن جعلها مفعولا مطلقا كالشيخ عبد القاهر بناه على ما التزمه من أن المفعول به ما كان موجودا فأوجد الفاعل فيه شيئا آخر وغيرهم لا يلتزمون ذلك. قوله: "إلى التقييد بحرف الجر" أي أو الظرف كما في المفعول معه أو أراد بحرف الجر عامله مطلقا. قوله: "والتبعية" أي لبيان تعدي الفعل ولزومه وبعضهم قدمه على سبيل القصد لكثرته، والعطف قال شيخنا عطف سبب أو تفسير مراد.
قوله: "مع ضميمة شيء آخر" أي كونه غير خبر ومفيد تأكيد عامله أو بيان نوعه أو عدده كلما أشار إلى ذلك المصنف بقوله توكيدا إلخ. قوله: "المصدر إلخ" لا يقال يدخل في هذا التعريف اسم المصدر لأنا نقول اسم المصدر ليس مدلوله الحدث بل لفظ المصدر كما صرح به الشيخ خالد ونقله الدماميني عن ابن يعيش وغيره وأقره أفاده سم. وقيل مدلوله الحدث كالمصدر لكن دلالته عليه بطريق النيابة عن المصدر وعلى هذا يخرج اسم المصدر من تعريف المصدر بأن تقيد الدلالة على الحدث في تعريفه بالأصالة. قوله: "اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل"(2/161)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على الحدث والزمان، فما سوى الزمان من المدلولين هو الحدث "كأمن من" مدلولي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صرح السيد والرضي بأن المفعول المطلق هو الأثر الناشىء عن تأثير فاعل الفعل المذكور أي إيقاعه الذي معناه أمر اعتباري وهو تعلق القدرة بالمقدور وذلك الأثر نفس الحركات والسكنات كما صرح به التفتازاني في شرح العقائد ويطلق المصدر على كل منهما. وأنت خبير بأن ما قالاه لا يظهر في نحو الحسن والقبح والموت مما ليس فيه تأثير فاعل الفعل المذكور وأنه يقتضي أن المصدر المستعمل في التأثير كأثرت تأثيرا وأوقعت إيقاعا لا يسمى مفعولا مطلقا والوجه خلافه. والحاصل أن المصدر يطلق بالاشتراك وقيل بالحقيقة والمجاز على ثلاثة: على التأثير وهو متعلق بالفاعل وعلى الأثر الحاصل عنه وهو متعلق بالفاعل باعتبار الصدور منه، وبالمفعول باعتبار الوقوع عليه، وعلى نحو الضاربية والمضروبية: أي الكون ضاربا والكون مضروبا، ويسمى نحو الضاربية بالمصدر المبني للفاعل ونحو المضروبية بالمصدر المبني للمفعول. والثاني أعني الأثر هو المختلف في كونه مخلوقا للعباد أولا بيننا وبين المعتزلة كما في شرح العقائد للتفتازاني وهو المكلف به على ما صرح به ابن أبي شريف في حواشي المحلي وابن قاسم في آياته. ولي فيه بحث وهو أن الثاني يتوقف حصوله على الأول فيكون أيضا مكلفا به لأن ما لا يتم المكلف به إلا به فهو مكلف به ويمكن دفعه بأن مراده أن المكلف به أولا وبالذات الفعل بالمعنى الحاصل بالمصدر فلا ينافي التكليف بالفعل بالمعنى المصدري ثانيا وبالتبع. وكونه أمرا اعتباريا لا وجود له خارجا لا يمنع التكليف به تبعا فتأمل.
قوله: "من مدلولي الفعل" أورد أبو حيان أن من المصادر ما لا فعل له وبالعكس. وأجيب بأن ما لم يوضع يقدر. يس. قوله: "اسم الحدث" المراد بالحدث المعنى القائم بالغير. قوله: "لأن الفعل يدل على الحدث والزمان" أي على مجموعهما مطابقة بناء على مذهب الجمهور من عدم دخول النسبة في مفهوم الفعل بل الدال عليها جملة الكلام ويدل على أحدهما تضمنا وعلى الفاعل والمكان التزاما. وأما على مذهب آخرين كالسيد من أن النسبة إلى الفاعل المعين جزء مفهوم الفعل فدلالته على مجموع الحدث والزمان تضمن وفي المقام بحث أبداه الشاطبي فقال دلالة الفعل على الحدث بالمادة وعلى الزمان بالصيغة فتكون دلالته على أحدهما خارجة عن الدلالات الثلاث أما خروجها عن المطابقة فلأن مجموع الحروف والصيغة لم يوضع لواحد من المعنيين. وأما خروجها عن التضمن فلأن دلالة اللفظ على جزء مسماه مشروطة بأن تكون نسبة ذلك اللفظ إلى جميع أجزاء المعنى نسبة واحدة كلفظ العشرة بالنسبة إلى كل من الخمستين وليس ما نحن فيه كذلك لأن دلالته على الزمان ليست من الجهة التي يدل بها على الحدث لما علمت من أن دلالته على الأول بالصيغة وعلى الثاني بالمادة وأما خروجها عن الالتزام فلأن دلالة الالتزام هي الدلالة على الخارج والزمان والحدث لم يخرجا عنه. ا. هـ. وأنا أقول نختار أنها من دلالة التضمن ونمنع اشتراط ما ذكره في دلالة التضمن وسند المنع نحو الرجل فإن دلالته على الذات وتعينها ليست من جهة واحدة فتفطن. واعترض قولهم الفعل يدل بمادته على(2/162)
بمثله أو فعل أو وصف نصب ... وكونه أصلًا لهذين انتخب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"أمن" وضرب من مدلولي ضرب "بمثله" ولو معنى دون لفظ "أو فعل أو وصف نصب" نحو: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} [الإسراء: 63] ، ويعجبني إيمانك تصديقًا: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [الذاريات: 1] ، "وكونه" أي المصدر "أصلًا" في الاشتقاق "لهذين" أي للفعل والوصف "انتخب" أي اختير، وهو مذهب البصريين وخالف بعضهم فجعل الوصف مشتقًّا من الفعل فهو فرع الفرع. وذهب الكوفيون إلى أن الفعل أصل لهما. وزعم ابن طلحة أن كلا من المصدر والفعل أصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحدث أو مادة الفعل تدل على الحدث بأنا لا نسلم أن مادته تدل على الحدث بقطع النظر عن صيغته وإلا لزم ضرب بكسر الضاد أو ضمها مع فتح الراء أو ربض أو برض مثلا على الحدث المخصوص ولا قائل به. والجواب أن المراد أنها تدل بشرط الصيغة مع أن صيغة الفعل ليست بخصوصها شرطا بل الشرط صيغته أو صيغة المصدر أو الوصف فاعرفه.
قوله: "بمثله" أي المفعول المطلق أي بمصدر مثله في اللفظ والمعنى أو في المعنى فقط وقوله نصب أي المفعول المطلق أو ضمير بمثله للمصدر من حيث هو وضمير نصب للمصدر بقيد كونه مفعولا مطلقا ففيه على هذا استخدام. قال زكريا وشرط نصب مثل المصدر له إرادة الحدث كما يأتي. قوله: "ولو معنى دون لفظ" أي على الأصح عند المصنف لأن ما ذهب إليه الجمهور من أن العامل في المماثل معنى فقط عامل مقدر من لفظ المصدر لا يطرد في نحو حلفت يمينا وكان على المصنف أو الشارح أن ينبه على اشتراط المماثلة في جانب الفعل والوصف أيضا ولعله تركه للمقايسة، هذا وقال شيخ الإسلام التحقيق إبقاء المماثلة على المماثلة في اللفظ والمعنى وأما نحو يعجبني إيمانك تصديقا فمن باب النيابة وستأتي في قوله قد ينوب عنه إلخ. قوله: "أو فعل" أي متصرف فخرج فعل التعجب وغير ناقص فخرج كان وأخواتها وغير ملغى عن العمل فلا يقال زيد قائم ظننت ظنا.
قوله: "أو وصف" أي متصرف اسم فاعل أو اسم مفعول أو بناء مبالغة لا اسم التفضيل ولا الصفة المشبهة وألحق ابن هشام الصفة المشبهة باسم الفاعل. قوله: "فإن جهنم إلخ" بحث في التمثيل بالآية بأن الجزاء بمعنى المجزى به بدليل حمله على جهنم فليس العامل مصدرا في الحقيقة، ولك أن تقول لا يتعين ذلك بل يصح إبقاء الجزاء على مصدريته بتقدير مضاف أي محل جزائكم أو بلا تقدير قصدا للمبالغة. قوله: "أصلا في الاشتقاق" معنى كونه أصلا فيه أن يكون هو المشتق منه والاشتقاق ردُّ لفظ إلى آخر لمناسبة بينهما في المعنى والحروف. قوله: "إلى أن الفعل" أي المضارع على الأصح بناء على ما هو التحقيق من أسبقيته زمانا لأن الماضي كان قبل وجوده مستقبلا وحين وجوده حالا وبعد وجوده ومضيه ماضيا وقيل الماضي لسبق زمانه على زمان المضارع بمضيه. وهذا القائل فرض زماني الفعلين في شيئين بخلاف الأول فإنه فرض الأزمنة في شيء واحد فهو أولى بالترجيح وأما الأمر فمقتطع عندهم من المضارع ويظهر على قول الكوفيين أن غير الأصل من المضارع والماضي مشتق من الأصل منهما. قوله:(2/163)
توكيدًا أو نوعًا يبين أو عدد ... كسرت سيرتين سير ذي رشد
وقد ينوب عنه ما عليه دل ... كجد كل الجد وافرح الجدل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
برأسه ليس أحدهما مشتقًّا من الآخر. والصحيح مذهب البصريين لأن من شأن الفرع أن يكون فيه ما في الأصل وزيادة، والفعل والوصف مع المصدر بهذه المثابة، إذ المصدر إنما يدل على مجرد الحدث، وكل منهما يدل على الحدث وزيادة "توكيدًا أو نوعًا يبين" المصدر المسوق مفعولًا مطلقًا "أو عدد" أي لا يخرج المفعول المطلق عن أن يكون لغرض من هذه الأغراض الثلاثة فالمؤكد "كسرت" سيرًا ويسمى المبهم ومبين العدد ويسمى المعدود، كسرت "سيرتين" و: {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة: 14] ، ومبين النوع كسرت "سير ذي رشد" أو سيرًا شديدا أو السير الذي تعرفه، ويسمى المختص هكذا فسره بعضهم والظاهر أن المعدود من قبيل المختص كما فعل في التسهيل. فالمفعول المطلق على قسمين: مبهم ومختص، والمختص على قسمين: معدود وغير معدود "وقد ينوب عنه" أي عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق "ما عليه" أي ما على المصدر "دل" وذلك ستة عشر شيئًا فينوب عن المصدر المبين "للنوع" ثلاثة عشر شيئًا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"إن كلا إلخ" انظر على هذا المذهب ما أصل الوصف.
قوله: "لأن من شأن الفرع أن يكون فيه ما في الأصل وزيادة" كالمفرد والمثنى والجمع. والزيادة في الفعل دلالته على الزمن وفي الوصف دلالته على الذات لا يقال يلزم مزية الفرع على أصله وهي ممنوعة لأنا نقول الفرع الممنوع مزيته على أصله هو ما كان أصله أعلى منه رتبة كجمع المؤنث بالنسبة لجمع المذكر وما هنا ليس كذلك أفاده الدنوشري. هذا وقد ناقش سم قولهم إن من شأن الفرع الزيادة على الأصل بأنه لا برهان يقتضي ذلك وأطال فراجعه. قوله: "يبين المصدر المسوق إلخ" أشار إلى رجوع ضمير يبين إلى المصدر بقيد كونه مفعولا مطلقا ويصح إعادته للمفعول المطلق في الترجمة. قوله: "أي لا يخرج إلخ" أخذ هذا الحصر من تقديم المعمول. قوله: "كسرت سير ذي رشد إلخ" ذهب بعضهم كالدماميني إلى أن المضاف من النيابة إذ يستحيل أن يفعل الإنسان فعل غيره، وإنما يفعل مثاله فالأصل سيرا مثل سير ذي رشد فحذف الموصوف ثم المضاف وهو حقيق بالقبول وإن رده البعض بما لا يسمع، غير أن هذا لا يرد على المصنف لأن مراده التمثيل للمصدر الواقع مفعولا مطلقا مبينا للنوع سواء كان أصليا أو نائبا والظاهر أن المعرف بأل العهدية كالمضاف في ذلك. قوله: "أن المعدود من قبيل المختص" لتخصصه بتحديده بالعدد المخصوص. قوله: "وقد ينوب إلخ" ظاهر كلامه أن المرادف منصوب بالفعل المذكور وهي مذهب المازني وعند الجمهور ناصبه فعل مقدر من لفظه تصريح. والأصح الأول لما مر.
قوله: "أي عن المصدر" أي المتأصل في المفعولية المطلقة وهو ما كان من لفظ عامله لا مطلق المصدر حتى يرد أن المفعول المطلق في افرح الجذل مصدر. قوله: "ثلاثة عشر" يظهر(2/164)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأول كليته "كجد كل الجد" ومنه: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129] ، وقوله:
433- يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
الثاني بعضيته نحو ضربته بعض الضرب. الثالث نوعه نحو رجع القهقرى، وقعد القرفصا. الرابع صفته نحو سرت أحسن السير وأي سير. الخامس هيئته نحو يموت الكافر ميتة سوء، السادس مرادفه نحو قمت الوقوف "وافرح الجدل" ومنه قوله:
434- يعجبه السخون والبرود ... والتمر حبا ما له مزيد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لي زيدا ملاقيه في الاشتقاق نحو: "وأنبتها نباتا حسنا"، واسم المصدر غير العلم نحو توضأ وضوء العلماء. قوله: "كليته" أي دال كليته كلفظ كل وجميع وعامة، وكذا قوله أو بعضيته أي دال بعضيته كبعض ونصف وشطر. قوله: "كجد" أمر من جد يجد بكسر الجيم وضمها أي اجتهد كذا في القاموس، وبه يعلم أن الأمر أيضا بكسر الجيم وضمها. قوله: "القرفصا" بضم القاف والفاء ممدودا أو بكسرهما مقصورا، أن يجلس على ألييه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه أو يجلس على ركبتيه منكبا ويلصق فخذيه ببطنه ويتأبط كفيه، وعد القهقرى والقرفصا من النائب عن المصدر مع أنهما مصدران لقهقر وقرفص لكونهما من غير العامل قاله سم وصحح الروداني أنهما إنما يكونان مصدرين إذا جريا على فعلهما نحو قهقر قهقرى وقرفص قرفصا أما بعد نحو رجع وقعد فهما اسمان لنوع مخصوص من الرجوع ونوع مخصوص من القعود.
قوله: "نحو سرت أحسن السير إلخ" أي سرت السير أحسن السير وسرت سيرا أيّ سير. ومن نيابة الصفة كما قاله الدماميني ضربت ضرب الأمير وسرت سير ذي رشد على ما مر بيانه، ومنه سرت طويلا بناء على أن التقدير سيرا طويلا، ويحتمل الظرفية أي زمانا طويلا والحالية أي سرته أي السير حال كونه طويلا ومثله: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [الشعراء: 90] ، أي إزلافا غير بعيد أو زمنا غير بعيد وأزلفته الجنة أي الإزلاف حال كونه أي الإزلاف غير بعيد، إلا أن هذه الحال مؤكدة من الجنة والتذكير باعتبار تأويل الجنة بالبستان أو غير ذلك كذا في المعنى. قوله: "هيئته" أي دال هيئته كفعلة. قوله: "ومنه" أي من المرادف أي مقارب المرادف لأن الحب ليس مرادفا للإعجاب بل لازم له ولهذا فصله عما قبله. قوله: "يعجبه السخون" ما
__________
433- صدره:
وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما
والبيت من الطويل، وهو للمجنون في ديوانه ص243؛ وشرح التصريح 1/ 328؛ والمقاصد النحوية 3/ 42؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 213؛ والخصائص 2/ 448؛ ولسان العرب 2/ 48 "شتت".
434- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص172؛ والمقاصد النحوية 3/ 45؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 1/ 112؛ واللمع في العربية ص133.(2/165)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السابع ضميره نحو عبد الله أظنه جالسًا ومنه: {لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 115] . الثامن المشار به إليه نحو ضربته ذلك الضرب. التاسع وقته، كقوله:
435- ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سخن من المرق والبرود ما برد منه، والسين والباء مفتوحتان. قوله: "عبد الله أظنه جالسا" الضمير للظن المفهوم من أظن وعبد الله مفعول أول وجالسا مفعول ثان فإن أرجع إلى عبد الله منصوبا على الاشتغال أو مرفوعا على الابتداء لم يكن مما نحن فيه قال الروداني وكان الأولى التمثيل برفعهما على إلغاء العامل المتوسط لتعين مصدرية الضمير على رفعهما بخلاف نصبهما كما مر. ا. هـ. ويعارضه ما مر من اشتراط عدم إلغاء ناصب المفعول المطلق فتأمل. ويرد على الشارح أن كلامه الآن في النائب المبين للنوع وهذه الهاء ليست منه لأن مرجعها وهو المصدر المفهوم من الفعل مجرد عن الوصف وأل العهدية والإضافة فلا تكون نائبة عن مبين النوع ولهذا اختار ابن هشام أنها نائبة عن المصدر المؤكد نعم إن أرجع الضمير إلى مبين للنوع كظني أو الظن المعهود لدلالة المقام صح كون الهاء نائبة عن مبين النوع وعدلنا إلى قولنا لدلالة المقام عن قول البعض تبعا لغيره لأن الضمير معرفة فلا يقوم مقام النكرة لما يرد عليه من أن قيامه مقام المعرفة لا يقتضي كونه مبينا للنوع ألا ترى أنه يقوم مقام المعرف بأل الجنسية ولا بيان فيه للنوع فتأمل. قوله: "لا أعذبه" الضمير للعذاب بمعنى التعذيب فصح كونه ضمير المصدر والمراد عذابا عظيما فصح كون الهاء نائبة عن مبين النوع فسقط ما قيل هنا. بقي شيء آخر وهو أنه لا بد في الآية من تقدير والأصل لا أعذب تعذيبا مثل التعذيب المذكور لأن نفس التعذيب الواقع على مرجع ضمير أعذبه الأول يستحيل وقوعه على أحد من العالمين سواه حتى ينفي والذي يمكن وقوعه على سواه إنما هو مثله وحينئذٍ فهذا الضمير في الحقيقة ليس نائبا عن المصدر الذي هو المفعول المطلق أصالة بل عن المصدر النائب عن صفة المصدر الذي هو المفعول المطلق أصالة فتنبه. قوله: "المشار به" أي وإن لم يكن متبوعا بالمصدر عند الجمهور نحو ضربته ذلك، وذهب الناظم إلا أن الاتباع شرط وإنما يكون اسم الإشارة نائبا عن المصدر الذي هو المفعول المطلق أصالة في مثل ما إذا قيل ضرب اللص فتقول ضربت ذلك الضرب أما لو قيل ضرب زيد اللص فقلت ضربت ذلك الضرب فالإشارة غير نائبة عن المصدر المذكور لأن فعل زيد لا تفعله أنت بل عن المصدر النائب عن صفة المصدر المذكور والأصل ضربت ضربا مثل ذلك الضرب. قوله:
__________
435- عجزه:
فبت كما بات السليم مسهدا
والبيت من الطويل، وهو للأعشى في ديوانه ص185؛ وخزانة الأدب 6/ 163؛ والخصائص 3/ 322؛ والدرر 3/ 61؛ وشرح المفصل 10/ 102؛ وشرح شواهد المغني 2/ 576؛ والمحتسب 2/ 121؛ ومغني اللبيب 2/ 624؛ والمقاصد النحوية 3/ 8؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 188.(2/166)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي اغتماض ليلة أرمد، وهو عكس فعلته طلوع الشمس إلا أنه قليل العاشر ما الاستفهامية نحو ما تضرب زيدًا. الحادي عشر ما الشرطة نحو ما شئت فاجلس. الثاني عشر آلته نحو ضربته سوطًا، وهو يطرد في آلة الفعل دون غيرها، فلا يجوز ضربته خشبة. الثالث عشر عدده نحو: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ، وزاد بعض المتأخرين اسم المصدر العلم نحو: بر برة وفجر فجار. وفي شرح التسهيل أن اسم المصدر لا يستعمل مؤكدًا ولا مبينًا. وينوب عن المصدر المؤكد ثلاثة أشياء: الأول مرادفه نحو شنأته، بغضا وأحببته مقة، وفرحت جذلًا. الثاني ملاقيه في الاشتقاق نحو: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17] ، {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [الزمل: 8] ، والأصل إنباتًا وتبتلًا. الثالث اسم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"إلا أنه قليل" أي ما نحن فيه من إنابة الظرف عند المصدر أما عكسه فكثير كما يأتي.
قوله: "نحو ما تضرب زيدا" أي أيّ ضرب تضربه وقوله نحو ما شئت فاجلس أي أيّ جلوس شئته فاجلس. قوله: "آلته" أي اسم آلته وقوله ضربته سوطا أي ضربة سوط. قوله: "في آلة الفعل" أي المعهودة له. قوله: "اسم المصدر العلم" يظهر لي أن الفرق بين اسم المصدر العلم وغير العلم أن الأول موضوع للفظ المصدر باعتبار تعينه ذهنا والثاني للفظه لا باعتبار التعين إن قلنا مدلول اسم المصدر لفظ المصدر أو الأول لحقيقة الحدث باعتبار تعينها ذهنا والثاني لها لا باعتبار التعين إن قلنا مدلول اسم المصدر الحدث كالمصدر وإنما الفرق بين المصدر واسمه اشتمال المصدر على حروف فعله ونقصان اسمه عن حروف فعله فتدبر. قوله: "برّ برّة وفجر فجار" يشكل على التمثيل فرقهم بين المصدر واسمه بأن الأول ما جمع حروف الفعل والثاني ما لم يجمعها لجمع كل من برّة وفجار حروف فعله إلا أن يدعى أن ذلك أغلبي أو أن مراد الشارح اسم المصدر ولو لغير الفعل المذكور كأبره وأفجره أي صيره بارّا وصيره فاجرا، لكن كان ينبغي على هذا أن يقول الشارح نحو أبرّ برّة وأفجر فجار فتأمل. قوله: "أن اسم المصدر" أي العلم كما في التصريح لا مطلقا لنصه في التسهيل على أن اسم المصدر غير العلم يقوم مقام المؤكد بل الظاهر أنه يقوم مقام المبين أيضا كما مر. وقوله لا يستعمل إلخ لا يرد عليه سبحان لأن مذهب المصنف عدم علميته. قوله: "ثلاثة أشياء" زاد الروداني الضمير واسم الإشارة. قوله: "شنأته بغضا" في القاموس شنأة كمنعه وسمعه شنأ ويثلث وشنأة ومشنأ ومشنأة وشنآنا أبغضه.
قوله: "ملاقيه في الاشتقاق" أي المجتمع معه في الاشتقاق أي في أصول مادة الاشتقاق وهي الباء والتاء واللام أو النون والباء والتاء. فاندفع اعتراض شيخ الإسلام بأن الأولى مشاركه في المادة لأن المصدر ليس مشتقا على المشهور كما توهمه عبارته. قوله: "نباتا" فيه أنه اسم مصدر غير علم لأنبت مثل عطاء لأعطى فهلا ذكره بعد في اسم المصدر غير العلم وقد يقال جعله من الملاقى في الاشتقاق إشارة إلى كفاية ملاحظة الملاقاة المذكورة في النيابة أو نظرا إلى ما قاله الموضح من أنه اسم عين للنبات ناب عن المصدر أفاده سم. لكن نص غير واحد على أن النبات(2/167)
وما لتوكيد فوحد أبدا ... وثن واجمع غيره وأفردا
وحذف عامل المؤكد امتنع ... وفي سواه لدليل متسع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر غير علم نحو: توضأ وضوءًا، واغتسل غسلًا، وأعطى عطاء "وما" سيق من المصادر "لتوكيد فوحد أبدا" لأنه بمنزلة تكرير الفعل والفعل لا يثنى ولا يجمع "وثن واجمع غيره" أي غير المؤكد وهو المبين "وأفردا" لصلاحيته لذلك أما العددي فباتفاق نحو: ضربته ضربة، وضربتين، وضربات. واختلف في النوعي فالمشهور الجواز نظرًا إلى أنواعه نحو سرت سير زيد: الحسن والقبيح، وظاهر مذهب سيبويه المنع، واختاره الشلوبين "وحذف عامل" المصدر "المؤكد امتنع" لأنه إنما جيء به لتقوية عامله وتقرير معناه، والحذف ينافي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر سمي به النابت كما سمي بالنبت. قوله: "غير علم" فلا يستعمل اسم المصدر العلم مؤكدا لأن معنى العلم زائد على معنى العامل قال المصنف ولأنه كاسم الفعل فلا يجمع بينه وبين الفعل دماميني. قوله: "نحو توضأ وضوءا إلخ" قال اللقاني لقائل أن يقول إن كان مراده باسم المصدر ما ليس جاريا على الفعل العامل فيه وإن كان جاريا على فعل آخر كما في: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] ، فكان ينبغي أن يدخل فيه تبتيلا وإن كان مراده ما ليس جاريا على فعل أصلا فما مثل به ليس كذلك لجريان الغسل مثلا على غسل إلا أن يجاب بأن مراده بما ليس جاريا على فعله ما نقص فيه بعض حروف فعله. ا. هـ. وأجاب بعضهم بأن المراد الأول لكن مع كونه صيغ لغير الثلاثي بوزن ما للثلاثي كما عرفوه بذلك وهو بمعنى جواب اللقاني، وما أجيب به إنما ينفع في عدم إدخال تبتيلا في اسم المصدر غير العلم لا في عدم إدخال نباتا من قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17] ، لصدق اسم المصدر بالمعنى المذكور عليه وقد مر آنفا الاعتذار عن عدم ذكره في أمثلة اسم المصدر فتنبه.
قوله: "لأنه بمنزلة تكرير الفعل" كان الأولى أن يقول لأن المقصود به الجنس من حيث هو كما أن المؤكد وهو المصدر الذي تضمنه الفعل كذلك وهو يصدق بالقليل والكثير لما تقدم من أنه مؤكد لمصدر عامله الذي تضمنه لا للعامل بتمامه فلا يكون بمنزلة تكرير الفعل. قوله: "غيره" تنازعه العاملان قبله وأعمل الثاني وحذف مفعول أفرد لدلالة ما قبله. قوله: "وأفردا" دفع به ما يتوهم من ظاهر الأمر في قوله وثن إلخ ولا يغني عنه مفهوم فوحد أبدا لصدقه بكون السلب كليا أي لا يوجد غيره دائما، ويؤيد هذا الاحتمال ظاهر الأمر المذكور. ا. هـ. فلا اعتراض بأن جواز الإفراد ظاهر لأنه الأصل. قوله: "لصلاحيته" أي المبين لذلك أي المذكور من التثنية والجمع لأن الجنس الواحد يتعدد بتعدد أنواعه وآحاده. قوله: "فالمشهور الجواز" ودليله قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] ، والألف زائدة تشبيها للفواصل بالقوافي. تصريح. قوله: "وحذف عامل المؤكد امتنع" وكذا يمتنع تأخيره عن مؤكده بخلاف عامل النوعي والعددي فلا يمتنع تأخيره عنهما قاله الروداني. قوله: "لتقوية عامله" أي تثبيت معناه في النفس لتكريره وقوله وتقرير معناه أي رفع توهم المجاز عنه لا يؤكد نقله الزركشي في البحر المحيط في الأصل ونقض(2/168)
والحذف حتم مع آت بدلا ... من فعله كندلا اللذ كاندلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك. ونازع في ذلك الشارح "وفي" حذف عامل "سواء لدليل متسع" عند الجميع كأن يقال: ما ضربت، فتقول: بلى ضربًا مؤلمًا، أو بلى ضربتين. وكقولك لمن قدم من سفر: قدومًا مباركًا، ولمن أراد الحج أو فرغ منه: حجًا مبرورًا، فحذف العامل في هذه الأمثلة وما أشبهها جائز لدلالة القرينة عليه وليس بواجب "والحذف حتم" أي واجب "مع"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بقوله تعالى: {وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النمل: 50] ، وقول الشاعر:
وعجت عجيجاً من جذام المطارف
وأجيب بأنه يرفع المجاز فيما يحتمل الحقيقة والمجاز كقتلت قتلاً لا فيما هو مجاز لا غير كذا في القسطلاني على البخاري فالمتعين للمجاز يؤكد كما في الآية والبيت، فقولهم المجاز لا يؤكد ليس على إطلاقه. قوله: "ونازع في ذلك الشارح" أي بما حاصله أن المؤكد قد لا يكون للتقوية والتقرير معاً بل قد يكون للتقرير فقط فلا ينافي الحذف لأنه إذا جاز أن يقرر معنى العامل المذكور جاز أن يقرر معنى المحذوف بالأولى وأن السماع ورد بحذف عامل المؤكد جوازا نحو أنت سيرا ووجوبا نحو سقيا ورعيا وأنت سيرا سيرا. ورد بأن الحذف مناف للتوكيد مطلقا لأن التوكيد يقتضي الاعتناء بالمؤكد والحذف ينافي ذلك فدعواه الأولوية مردودة، وما ذكره وإن كان من أمثلة المؤكد مستثنى من عموم قوله:
وحذف عامل المؤكد امتنع
لنكات تأتي كما يدل على ذلك قوله بعد والحذف حتم إلخ وفيه أن نحو أنت سيرا لا دليل على استثنائه لعدم تحتم حذف عامله فالجواب بالنسبة إليه لا ينهض مع أن الخليل وسيبويه يجيز أن الجمع بين الحذف والتأكيد كما مر. ورد ابن عقيل المنازعة بأن جميع الأمثلة التي ذكرها ليست من المؤكد بل المصدر فيها نائب مناب الفعل عوض منه دال على ما يدل عليه ويدل على ذلك أنه يمتنع الجمع بينهما ولا شيء من المؤكدات يمتنع الجمع بينه وبين المؤكد، وأنه لا خلاف في عدم عمل المصدر المؤكد واختلفوا في عمل المصدر الواقع موقع الفعل والصحيح أنه يعمل ولا يخفى أن دليله الأول لا يأتي في نحو أنت سيرا وأنه يلزم على كلامه زيادة أقسام المصدر على الثلاثة المذكورة في قوله توكيدا أو نوعا إلخ إلا أن يكون مراده أن تلك الأمثلة ليست من المؤكد الآن وإن كانت منه بحسب الأصل فتأمل. قوله: "متسع" أي اتساع مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله هذا هو المناسب لحل الشارح، ويحتمل أن المعنى والحذف في سواه متسع فيكون بمعنى متسع فيه وإنما جاز حذف العامل فيما ذكر لدلالة المصدر على معنى زائد على معنى العامل فأشبه المفعول به فجاز حذف عامله. قوله: "ما ضربت" ما نافية لا استفهامية بدليل الجواب وبلى لإثبات المنفي قبلها.
قوله: "حجا مبرورا" يقدر في الأول تحج وفي الثاني حججت. قوله: "والحذف حتم(2/169)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر "آت بدلا من فعله" لأنه لا يجوز الجمع بين البدل والمبدل منه، وهو على نوعين: واقع في الطلب. وواقع في الخبر، فالأول هو الواقع أمرًا أو نهيًا "كندلا اللذ كاندلا" في قوله:
436- على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب
فندلا بدل من اللفظ باندل. والأصل اندل يا زريق المال: أي اختطفته. يقال ندل الشيء إذا اختطفه ومنه: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] أي فاضربوا الرقاب. وتقول قيامًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلخ" في قوة الاستثناء من قوله وحذف عامل المؤكد امتنع. قوله: "بدلا من فعله" أي عوضا من اللفظ بفعله ولو المقدر في المصدر الذي لم يستعمل له فعل كويح وويل. وقال الدماميني والعامل المحذوف في هذا المصدر إما فعل مرادف لفعله المهمل على حد قعدت جلوسا عند الجمهور وإما فعله المهمل وإن لم يصح النطق به إذ لا يلزم من كونه عاملا محذوفا صحة النطق به وعلى الأول اقتصر الشارح في الخاتمة. قوله: "وواقع في الخبر" المراد بالخبر ما قابل الطلب فيشتمل الإنشاء الذي ليس من الطلب كحمدا وشكرا لا كفرا، وصبرا لا جزعا وعجبا، وطاعة وسمعا، نقله الدنوشري عن اللقاني وفي الهمع عن الشلوبين وابن مالك أن عجبا وحمدا وشكرا لا كفرا إنشاء وعن ابن عصفور أنها أخبار لفظا ومعنى. قوله: "فالأول هو الواقع" أي المصدر الواقع وإن لم يكن متعديا على ما يؤخذ من الأمثلة الآتية ومن تمثيل السيوطي في الهمع بخيبة خلافا لما وقع في كلام الشاطبي وتبعه البعض. وهذا النوع الأول مقيس على الصحيح بشرط أن يكون له فعل من لفظه وأن يكون مفردا منكرا بخلاف النوع الثاني الآتي فسماعي على الصحيح إلا ما سيذكره المصنف من الواقع تفصيلا ومكررا وذا حصر ومؤكدا للجملة وذات تشبيه فقياسي وكذا من السماعي ما كان من الأول لا فعل له من لفظه كويحه وويله أو لم يكن مفردا منكرا.
قوله: "والأصل اندل يا زريق" يقتضي أن زريقا اسم رجل وفي العيني أنه اسم قبيلة وعليه فالأصل اندلي أو أندلوا. ويمكن جعل صنيع الشارح على تأويل القبيلة بالجمع أو الحزب مثلا والجمع بأن الرجل أبو القبيلة وأنها سميت باسم أبيها. قوله: "وتقول إلخ" لو قال وكقولهم قياما
__________
426- قبله:
يمرون بالدهنا خفافًا عيابهم ... ويرجعن من دارين بجر الحقائب
البيتان من الطويل، وهما أو أحدهما لأعشى همدان في الحماسة البصرية 2/ 262، 263؛ ولشاعر من همدان في شرح أبيات سيبويه 1/ 371، 372؛ ولأعشى همدان أو للأحوص أو لجرير في المقاصد النحوية 3/ 46؛ وهما في ملحق ديوان الأحوص ص215؛ وملحق ديوان جرير ص1021؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص293؛ وأوضح المسالك 2/ 218؛ وجمهرة اللغة ص682؛ والخصائص 1/ 120؛ وسر صناعة الإعراب ص507؛ وشرح التصريح 1/ 331؛ وشرح ابن عقيل ص289؛ والكتاب 1/ 115؛ ولسان العرب 9/ 70 "خشف"، 11/ 653 "ندل".(2/170)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا قعودًا: أي قم ولا تقعد كذا أطلق الناظم وخص ابن عصفور الوجوب بالتكرار كقوله:
437- فصبرا في مجال الموت صبرا
أو دعاء نحو: سقيًا ورعيًا وجدعًا وكيًا أو مقرونًا باستفهام توبيخي نحو: أتوانيا وقد جد قرناؤك. وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا قعودا لكان أنسب. قوله: "أي قم ولا تقعد" فيه أن حذف مجزوم لا الناهية ممنوع فالأولى أن يجعل قياما منصوبا بفعل محذوف ولا قعودا معطوفا عليه أي افعل قياما لا قعودا ولا يخفى أن التخلص بهذا من المحذور السابق أقرب من تخلص أبي حيان منه بأن لا نافية للجنس وقعودا اسمها ونوّن شذوذا مع أنه يحتاج معه كما قال الدماميني إلى أن يقال إنه خبر بمعنى النهي. قوله: "بالتكرار" ليقوم التكرار مقام العامل. قوله: "أو دعاء" عطف على أمرا أي دعاء له أو عليه وقد مثل لهما. قوله: "نحو سقيا ورعيا إلخ" اعلم أن من هذه المصادر نحوها ما سمع مضافا نحو ويحك وويلك وبعدك وسحقك والنصب واجب عند الإضافة ولا يجوز الرفع لأنه حينئذٍ يكون مبتدأ لا خبر له ويجوز عند الإفراد النصب والرفع على الابتداء كذا في الهمع وأطلق في التسهيل جواز الرفع ولم يقيده بعدم الإضافة وهو الأقرب ولا نسلم إنه حينئذٍ يكون مبتدأ لا خبر له إذ لا مانع من تقديره وعبارة التسهيل مع زيادة من الدماميني وقد يرفع مبتدأ أو خبرا المفيد طلبا كقوله:
صبر جميل فكلانا مبتلى
أي صبر جميل أجمل أو أمرى صبر جميل وخبرا المكرر نحو سير سير والمحصور نحو ما زيد الأسير والمؤكد نفسه نحو له عليّ ألف اعتراف أي هذا اعتراف والمؤكد لغيره نحو زيد قائم حق والمفيد خبرا إنشائيا كقوله: عجب لتلك قضية وقيل لبعض العرب كيف أصبحت قال حمد الله وثناء عليه أي أمري عجب وشأني حمد الله وثناء عليه وقيل عجب مبتدأ ولتلك خبر والمفيد خبرا غير إنشائي. ا. هـ. أي نحو أفعل ذلك وكرامة أي ولك كرامة. والظاهر أن ما لتفصيل العاقبة كذلك ثم قال الدماميني وظاهر كلام سيبويه أن الرفع غير مطرد لأنه قال وقد جاء بعض هذه رفعا. ا. هـ. وفيه نظر لأن جاء في كلامه بمعنى ورد وسماع البعض لا ينافي قياس غيره عليه فالأوجه الاطراد كما يفيده كلام ابن عصفور قال في الهمع ورفع المعرف بأل أحسن من نصبه نحو الويل والخيبة لكن إدخال أل ليس مطردا في جميعها وإنما هو سماع نص عليه سيبويه فلا يقال السقي لك والرعي وقال الفراء والجرمي بقياسه. ا. هـ. وبقولهما أقول والمجرور بعد نحو سقيا ورعيا معمول لمحذوف مسوق للتبيين أي لك أعني أو لزيد أعني أو الجار والمجرور خبر
__________
437- عجزه:
فما نيل الخلود بمستطاع
والبيت من الهزج، وهو لقطري بن الفجاءة في تخليص الشواهد ص298؛ وشرح التصريح 1/ 331؛ والمقاصد النحوية 3/ 51؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 220.(2/171)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
438- ألؤمًا لا أبا لك واغترابا
والثاني ما دل على عامله قرينة وكثر استعماله، كقولهم عند تذكر النعمة: حمدًا وشكرًا لا كفرًا، وعند تذكر الشدة: صبرًا لا جزعًا، وعند ظهور معجب: عجبًا، وعند الأمتثال: سمعًا وطاعة، وعند خطاب مرضى عنه: أفعل ذلك وكرامة ومسرة، وعند خطاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لمحذوف تقديره إرادتي أو دعائي وعلى كل فالكلام جملتان كذا قالوا وهو متجه إذا كان المجرور مخاطبا نحو سقيا لك أما إذا لم يكن مخاطبا نحو سقيا فالمتجه عندي أن يجعل معمولا للمصدر واللام للتقوية فالكلام جملة واحدة كما نقل عن الكوفيين إذ لا يلزم حينئذٍ المحذور من اجتماع خطابين لشخصين في جملة واحدة على أن المحذور إنما يلزم في سقيا لك إن جعل سقيا نائبا عن اسق فإن جعل نائبا عن سقى على أن الخبر بمعنى الطلب فلا.
قوله: "وجدعا" بالدال المهملة يستعمل في قطع الأنف وفي قطع الأذن كما في يس. قوله: "أو مقرونا باستفهام توبيخي" في كلام غيره الاكتفاء في وجوب الحذف بالتوبيخ ولو مجردا عن الاستفهام ونوقش في جعل هذا الاستفهام من أقسام الطلب بأن الاستفهام مجازي لأنه خبر في المعنى وأجيب بأنه منها بحسب الصورة أو باعتبار استلزامه الطلب. قوله: "ألؤما إلخ" بضم اللام وسكون الهمزة أي أتلؤم لؤما وتغترب اغترابا وقوله. لا أبا لك جملة قصد بها الدعاء على المخاطب وقد تقدم إشباع الكلام فيها والاغتراب البعد عن الأوطان. قوله: "والثاني" أي الواقع في الخبر بالمعنى المتقدم وذلك خمسة أقسام كما في التوضيح الأول ما أشار إليه الشارح بقوله ما دل إلخ والأربعة ستأتي في المتن. قوله: "حمدا وشكرا لا كفرا" وجوب الحذف خاص باجتماع الثلاثة لجريان هذا التركيب مجرى الأمثال فلا اتجاه للاعتراض بأنه يقال حمدت الله حمدا وشكرته شكرا مع أن الكلام بذكر الفعل يكون خبرا لا إنشاء وكلامنا عند قصد الإنشاء وعنده يكون المصدر والفعل متعاقبين إذا ذكر أحدهما ترك الآخر كذا قال الدماميني نقلا عن الشلوبين.
قوله: "وما سيق إلخ" المتبادر أن ما مبتدأ ويحذف إلخ خبره فيوهم أن هذا قسيم للآتي بدلا من فعله مع أنه قسم منه فإن الآتي بدلا من فعله إما واقع في الطلب كندلا وإما واقع في الخبر وهذا الثاني إما مسموع ولم يتعرض له وإما مقيس وهو الواقع تفصيلا لعاقبة جملة تقدمت
__________
438- صدره:
أعبدًا حل في شعبي غريبًا
والبيت من الوافر وهو لجرير في ديوانه ص650؛ وإصلاح المنطق ص221؛ والأغاني 8/ 21؛ وجمهرة اللغة ص1181؛ وخزانة الأدب 2/ 183؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 98؛ وشرح التصريح 1/ 331، 2/ 171، 289؛ والكتاب 1/ 339، 344؛ ولسان العرب 1/ 503 "شعب"؛ ومعجم ما استعجم ص799، 861؛ والمقاصد النحوية 3/ 49، 4/ 506؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 221؛ ورصف المباني ص52.(2/172)
وما لتفصيل كإما منا ... عامله يحذف حيث عنا
كذا مكرر وذو حصر ورد ... نائب فعل لاسم عين استند
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مغضوب عليه: لا أفعل ذلك ولا كيدًا ولا همًّا، ولا فعلت ذلك ورغمًا وهو أنا "وما" سيق من المصادر "لتفصيل" أي لتفصيل عاقبة ما قبله "كإما منا" من قوله تعالى: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] ، "عامله يحذف حيث عنا" أي حيث عرض، لما ذكر من أنه بدل من اللفظ بعامله، والتقدير فإما تمنون وإما تفادون "كذا مكرر وذو حصر ورد" كل منهما "نائب فعل لاسم عين استند" نحو أنت سيرًا سيرًا، وإنما أنت سيرًا، ما أنت إلا سيرًا فالتكرار عوض من اللفظ بالفعل، والحصر ينوب مناب التكرير، فلو لم يكن مكررًا ولا محصورًا جاز الإضمار والإظهار، نحو أنت سيرًا وأنت تسير سيرًا. والاحتراز باسم العين عن اسم المعنى، نحو أمرك سير سير فيجب أن يرفع على الخبرية هنا لعدم الاحتياج إلى إضمار فعل هنا، بخلافه بعد اسم العين لأنه يؤمن معه اعتقاد الخبرية؛ إذ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو مكررا إلخ فالأولى جعل قوله وما لتفصيل إلخ عطفا على ندلا فيكون مثالا ثانيا وعليه فقوله عامله يحذف تأكيد لما استفيد من التمثيل به للآتي بدلا المتحتم حذف عامله أفاده يس عن ابن هشام. قوله: "لتفصيل عاقبة ما قبله" أي لتفصيل المرتب على مضمون ما قبله وقيد ابن الحاجب ما قبله بكونه جملة فلا يجب الحذف فيما لتفصيل عاقبة مفرد نحو لزيد سفر فإما يصح صحة أو يغتنم اغتناما. قوله: "والتقدير فأما تمنون إلخ" وفي بعض النسخ فأما تمنوا إلخ بحذف نون الرفع لغير ناصب وجازم على لغة قليلة. قوله: "كذا" أي مثل ما سيق إلخ. قوله: "فالتكرار عوض من اللفظ بالفعل" فيه أن العوض نفس المصدر لا تكراره بدليل جعلهم المكرر من إفراد المصدر الآتي بدلا من فعله كما مر إلا أن يقال لما كانت بدلية المصدر المكرر من فعله مشروطة بتكراره جعل التكرار بدلا تسمحا. قوله: "جاز الإضمار إلخ" هذا ظاهر بالنسبة إلى المصدر المبين دون المؤكد لامتناع إضمار عامله عند الناظم كما قال قبل:
وحذف عامل المؤكد امتنع
وبهذا يعلم ما في تمثيل الشارح إلا أن يكون جرى على رأي ابن الناظم. قوله: "والإظهار" أي إن لم يكن مستفهما عنه ولا معطوفا عليه وإلا تعين الإضمار لقيام الاستفهام أو العطف مقام التكرار نحو أأنت سيرا وأنت أكلا وشربا قاله المصرح. قوله: "والاحتراز باسم العين إلخ" الذي يتجه عندي أن هذا القيد لبيان الواقع لا للاحتراز إذ المصدر في أمرك سير سير ليس نائب فعل استند إلى اسم معنى، بل المصدر نفسه استند إلى اسم المعنى فهو خارج بقوله نائب فعل. قوله: "فيجب أن يرفع إلخ" هذا بيان مراد وإن لم يفهم من النظم إذ مفهومه أنه لا يحذف عامله وجوبا، وهذا صادق بجواز الحذف ووجوب الذكر مرفوعا إن جعل العامل المبتدأ أو منصوبا إن جعل فعلا.
قوله: "بخلافه" أي المصدر بعد اسم العين فإنه يحتاج إلى إضمار فعل لعدم صحة الخبرية،(2/173)
ومنه ما يدعونه مؤكدا ... لنفسه أو غيره فالمبتدا
نحو له علي ألف عرفا ... والثان كابني أنت حقا صرفا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المعنى لا يخبر به عن العين إلا مجازًا كقوله:
439- فإنما هي إقبال وإدبار
أي ذات إقبال وإدبار "ومنه" أي ومن الواجب حذف عامله لنفسه، وهو الوقاع بعد جملة هي نص في معناه. وسمي بذلك لأنه بمنزلة إعادة الجملة فكأنه نفسها "نحو له علي ألف عرفا" أي اعترفا، ألا ترى أنه له علي ألف هو نفس الاعتراف "والثان" وهو المؤكد لغيره، هو الواقع بعد جملة تحتمل غيره فتصبر به نصا. وسمي بذلك لأنه أثر في الجملة فكأنه غيرها لأن المؤثر غير المؤثر فيه "كابني أنت حقا صرفًا" فحقا رفع ما احتمله أنت ابني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله لأنه يؤمن معه إلخ لمحذوف أي وإنما جاز حذف العامل بعد اسم العين لأنه يؤمن إلخ قال يس ومقتضى التعليل أن مثل اسم العين اسم المعنى الذي لا يصح وقوع المصدر خبرا عنه نحو أملك سيرا سيرا وحينئذٍ ففي مفهوم قوله لاسم عين تفصيل. قوله: "إلا مجازا" مقتضى قوله أي ذات إقبال وإدبار أنه مجاز بالحذف ولا يتعين بل يجوز أن يكون مجازا مرسلا علاقته التعلق. قوله: "ومنه ما يدعونه مؤكدا" لا يشكل على قوله سابقا:
وحذف عامل المؤكد امتنع
لأن الامتناع عنده في غير الصور المشار إليها بقوله والحذف حتم إلخ التي منها مؤكد الجملة لقيام الجملة مقام العامل فكأنه مذكور. قوله: "هو الواقع بعد جملة" الأصح كما في التسهيل منع تقديمه كالذي بعده على الجملة ومنع التوسط بين جزءيها. قال الدماميني لأنها دليل العامل فيه فلا يفهم منها إلا بعد تمامها. قوله: "هي نص في معناه" إن أراد لا تحتمل غيره حقيقة فما بعده وهو المؤكد لغيره كذلك وإن أراد ولو مجازا فممنوع سم أي لاحتمال أن تكون للتهكم مجازا. ويجاب باختيار الشق الثاني على معنى أنها لا تحتمل غيره ولو مجازا احتمالا قريبا. قوله: "فكأنه نفسها" الأنسب بالتسمية أن يقول فكأنها نفسه لكنه راعى قوله لأنه بمنزلة إعادة الجملة ولو جمع لكان أحسن. قوله: "ألا ترى أن له عليّ ألف هو نفس الاعتراف" فيه تسمح والمراد أن التكلم بهذه العبارة نفس الاعتراف ولو قال ألا ترى أن له عليّ ألف نص في الاعتراف لكان أسلم وأوفق بما قبل. قوله: "لأنه أثر في الجملة" أي برفع احتمال الغير. قوله: "كابني أنت
__________
439- صدره:
ترتع ما رتعت حنى إذا ادكرت
والبيت من البسيط، وهو للخنساء في ديوانها ص383؛ والأشباه والنظائر 1/ 198؛ وخزانة الأدب 1/ 431، 2/ 34؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 282؛ والشعر والشعراء 1/ 354، والكتاب 1/ 337؛ ولسان العرب 7/ 305 "رهط"، 11/ 538 "قبل"، 14/ 410 "سوا"؛ والمقتضب 4/ 305؛ والمنصف 1/ 197؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 387، 4/ 68؛ وشرح المفصل 1/ 115؛ والمحتسب 2/ 43.(2/174)
كذاك ذو التشبيه بعد جمله ... كلي بكا بكاء ذات عضله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من إرادة المجاز و"كذاك" مما يلزم إضمار ناصبه المصدر المشعر بالحدوث "ذو التشبيه بعد جمله" حاوية معناه، وفاعله غير صالح ما اشتملت عليه للعمل فيه "كلي بكا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حقا" الذي يظهر لي أن حقا هنا بمعنى حقيقة ليكون رافعا لاحتمال المجاز، أما إذا كان حقا بمعنى ضد الباطل فهو غير رافع لصحة الإتيان به مع إرادة المجاز كأن يريد بنوّة العلم لكن هذا إنما يتجه على ما درج عليه الشارح من أن قولنا حقا لرفع احتمال المجازي. والذي في الرضي والدماميني أنه لرفع احتمال بطلان القضية أي عدم تحققها في الواقع. قال الرضي المؤكد لغيره في الحقيقة مؤكد لنفسه وإلا فليس بمؤكد لأن معنى التوكيد تقوية الثابت بأن تكرره وإذا لم يكن الشيء ثابتا فكيف يقوّى وإذا كان ثابتا فمكرره إنما يؤكد نفسه ثم قال معنى هذا المصدر تدل عليه الجملة السابقة نصا بحيث لا احتمال فيها لغيره من حيث مدلول اللفظ وجميع الأخبار من حيث اللفظ لا تدل إلا على الصدق وأما الكذب فليس بمدلول اللفظ بل هو نقيض مدلوله وأما قولهم الخبر يحتمل الصدق والكذب فليس مرادهم أن الكذب مدلول اللفظ الخبر كالصدق بل المعنى أنه يحتمل الكذب من حيث العقل أي لا يمتنع أن لا يكون مدلول اللفظ ثابتا. قال ويقوّي ذلك أنه لا يجوز لك أن تقول زيد قائم غير حق أو هو عبد الله قولا باطلا لأن اللفظ السابق لا يدل عليه. قال وإنما قيل لمثل هذا المصدر مؤكد لغيره مع أن اللفظ السابق دال عليه نصا لأنك إنما تؤكد بمثل هذا التوكيد إذا توهم المخاطب ثبوت نقيض الجملة السابقة في نفس الأمر وغلب في ذهنه كذب مدلولها فكأنك أكدت باللفظ النص محتملا لذلك المعنى ولنقيضه فلذلك قيل مؤكد لغيره وأما المؤكد لنفسه فلا يذكر لمثل هذا الغرض فسمي مؤكدا لنفسه. ا. هـ. وقال الدماميني بعد تمثيله للمؤكد لغيره بنحو زيد قائم حقا ما نصه فالجملة المذكورة قبل دخول المصدر كانت محتملة لأن يكون مضمونها ثابتا في الواقع فيكون حقا ولأن يكون مضمونها غير ثابت في الواقع فيكون غير حق فلما جاء المصدر المؤكد صارت به نصا في الواقع وسمي مؤكدا لغيره لأن الجملة غير هذا المصدر لفظا ومعنى. ا. هـ. فعلى ما قاله المراد بالحق ضد الباطل فاعرفه، ومثل أنت ابني حقا لا أفعله ألبتة أو أفعله التبة فالبتة مصدر حذف عامله وجوبا أي أبت البتة، والتاء للوحدة والبت القطع أي أقطع بذلك القطعة الواحدة أي لا أتردد بعد الجزم ثم أجزم مرة أخرى فيحصل قطعتان أو أكثر وكأن اللام للعهد أي القطعة المعلومة مني التي لا تردد معها فقولك لا أفعله محتمل لاستمرار النفي وانقطاعه ولفظ ألبتة محقق لاستمراره. وأل في البتة لازمة الذكر وقيل يجوز حذفها، ولم يسمع فيها إلا قطع الهمزة والقياس وصلها. قاله في التصريح.
قوله: "صرفا" أي خالصا نعت لحقا. قوله: "مما يلزم إلخ" بيان لوجه الشبه ويجوز رفعه بدلا مما قبله أو صفة له على تقدير مثل وهل النصب أرجح من الرفع أو هما مستويان قولان. قوله: "المشعر بالحدوث" أي التجدد أي الدال على أمر يتجدد لا على أمر راسخ ثابت. دماميني. قوله: "وفاعله" أي فاعل معنى المصدر كالياء في مثال المصنف وإرجاع الضمير إلى معنى المصدر المحدث عنه الذي هو الثاني يرد عليه أن مثال المصنف ومثالي الشارح لم تشتمل(2/175)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بكاء ذات عضله" أي ممنوعة من النكاح، ولزيد ضرب ضرب الملوك، وله صوت صوت حمار، فالمنصوب في هذه الأمثلة قد استوفى الشروط السبعة، بخلاف ما في نحو لزيد يد يد أسد لعدم كونه مصدرًا، ونحو له علم علم الحكماء، لعدم الإشعار بالحدوث، ونحو له صوت صوت حسن، لعدم التشبيه، ونحو صوت زيد صوت حمار لعدم تقدم جملة، ونحو له ضرب صوت حمار لعدم احتواء الجملة قبله على معناه، ونحو عليه نوح نوح الحمام لعدم احتوائها على صاحبه، فيجب رفعه في هذه الأمثلة ونحوها. وقد ينتصب في هذا الأخير لكن على الحال وبخلاف ما في نحو أنا أبكي بكاء ذات عضلة، وزيد يضرب ضرب الملوك حيث يتعين كون نصبه بالعامل المذكور في الجملة قبله لا بمحذوف لصلاحية المذكور للعمل فيه. وإنما لم يصلح المصدر المشتملة عليه الجملة في نحو لي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجملة فيها على فاعل معنى المصدر الثاني لأن فاعل البكاء الثاني والضرب الثاني والصوت الثاني ذات العضلة والملوك والحمار، ولم تشتمل الجملة على شيء من الثلاثة. ويجاب بأن معنى بكاء ذات عضلة بكاء مثل بكاء ذات عضلة وفاعل هذا البكاء المثل قد اشتملت عليه الجملة وكذا يقال في مثالي الشارح أفاده سم. قوله: "كلي بكاء بكاء ذات عضلة" قصر بكاء الأول للضرورة فلا يقال إن البكا بالقصر إسالة الدموع وبالمد رفع الصوت فلم تشتمل الجملة على معنى المصدر وينبغي أن يكون قوله كلي إلخ صفة لجملة أي بعد جملة في هذا الكلام ليكون إشارة إلى بقية الشروط أفاده يس عن الشاطبي. قوله: "وله صوت صوت حمار" هو مصدر صات يصوت إذا صاح فهو بمعنى التصويت لا اسم مصدر نائب مناب المصدر كما زعمه البعض. قوله: "لعدم الإشعار بالحدوث" لأنه من قبيل الملكات. قال في الهمع لم ينصب ذكاء الحكماء في له ذكاء ذكاء الحكماء لأن نصب صوت وشبهه إنما كان لسكون ما قبله بمنزلة يفعل مسندا إلى فاعل التقدير في له صوت هو يصوت فاستقام نصب ما بعده لاستقامة تقدير الفعل في موضعه وذلك لا يمكن في له ذكاء فلم يستقم النصب.
قوله: "لعدم احتوائها على صاحبه" أي لأن ضمير عليه للمنوح عليه لا للنائح فلم يكن في الجملة فاعل معنى المصدر بخلاف مثال المصنف فالفرق بينهما في غاية الظهور فدعوى البعض أن هذا المثال كمثال المصنف وأن الفرق بينهما تحكم في غاية العجب. قوله: "فيجب رفعه في هذه الأمثلة ونحوها" الذي يتجه له صحة النصب في نحو لزيد يد يد أسد أو علم علم الحكماء أو ضرب صوت حمار على الحال من الضمير المستتر في الخبر بتقدير مضاف أي مثل يد أسد إلخ أو على المفعولية لفعل محذوف أي تماثل يد أسد إلخ فتأمل. قوله: "لكن على الحال" أي بتقدير مثل فلا يرد أن نوح الحمام معرفة فلا يكون حالا وهو حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور في النكت والدماميني جواز نصبه على المصدرية على ضعف. قوله: "حيث يتعين" حيثية تعليل. قوله:(2/176)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بكا، ولزيد ضرب العمل؛ لأن شرط إعمال المصدر أن يكون بدلًا من الفعل أو مقدرًا بالحرف المصدري والفعل، وهذا ليس واحدًا منهما.
تنبيه: مثل له صوت صوت حمار قوله:
440- ما إن يمس الأرض إلا منكب ... منه وحرف الساق طي المحمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"لأن شرط إلخ" ذهب الناظم في تسهيله إلى أنه لا يشترط ذلك في عمله بل هو غالب فقط فعليه يصح أن يكون النصب بالمصدر المذكور في الجملة، بل قال الدماميني بعد ذكره إن كون المصدر المذكور منصوبا بالفعل المقدر مذهب الأكثر ما نصه: قال الرضي: وظاهر كلام سيبويه أن المنصوب أي في له صوت صوت حمار منصوب بصوت لا بفعل مقدر قال، وإنما انتصب لأنك مررت به في حال تصويت ومعالجة. ا. هـ. ومنه يؤخذ ما مر أن المراد بالصوت التصويت أي إحداث ما يسمع إخراجه لا نفس ما يسمع وإن زعمه المرادي في شرح التسهيل وجعله الداعي للجمهور إلى تقدير الناصب وعدم جعله منصوبا بصوت لأنه بمعنى ما يسمع ليس مقدرا بالحرف المصدري والفعل ولا بدلا من فعله بخلافه بمعنى التصويت فقد رده الدماميني. قال البعض وإنما لم يكن مقدرا بالحرف المصدري لوقوعه مبتدأ والأصل فيه الاسم الصريح ولذلك يؤول الحرف المصدري والفعل به. ا. هـ. وفيه نظر لاقتضائه منع عمل كل مصدر وقع مبتدأ وهو ممنوع ومفاد ما مر عن المرادي في شرح التسهيل في له صوت صوت حمار أنه يقدر بالحرف المصدري والفعل.
قوله: "ما أن يمس إلخ" ما نافية وإن زائدة وحرف الساق معطوف على منكب. والمحمل بكسر الميم الأولى وفتح الثانية علاقة السيف. والمعنى أن هذا الفرس مدمج الخلق كطي المحمل متجاف كتجافي المحمل وأنه بلغ في الضمور إلى أن لا يصل بطنه إلى الأرض إذا اضطجع وإنما يمس الأرض منكبه وحرف ساقه. والكلام مسوق للمدح فطي منصوب بمحذوف وجوبا على حد له صوت صوت حمار لكون الجملة بمنزلة له على كذا في التصريح وغيره. قوله: "تذر" أي السيوف. والجماجم جمع جمجمة بضم الجيمين عظم الرأي المشتمل على الدماغ وتطلق على الإنسان بتمامه مجازا وهو أليق بقوله هاماتها إذ هي جمع هامة وهي الرأس وضاحيا من ضحا يضحو إذا برز عن محله بله الأكف مصدر بمعنى ترك لفعل مهمل أقيم هو مقامه مضافا إلى المفعول على أحد الأوجه الآتية في بله، كأنها لم تخلق متعلق بضاحيا والضمير للهامات.
__________
440- البيت من الكامل، وهو لأبي كبير الهذلي في خزانة الأدب 8/ 194؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 324؛ وشرح أشعار الهذليين 3/1073؛ وشرح التصريح 1/ 334؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص90؛ وشرح شواهد الإيضاح ص147؛ وشرح شواهد المغني 1/ 227؛ والشعر والشعراء 2/ 676؛ والكتاب 1/ 359؛ والمقاصد النحوية 3/ 54؛ وللهذلي في الخصائص 2/ 309؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 246؛ والإنصاف 1/ 230؛ وأوضح المسالك 2/ 224؛ والمقتضب 3/ 203، 232.(2/177)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن ما قبله بمنزلة له طي قاله سيبويه:
خاتمة: المصدر الآتي بدلًا من اللفظ بفعله على ضربين: الأول ما له فعل وهو ما مر والثاني ما لا فعل له اصلًا كبله إذا استعمل مضافًا كقوله:
441- تذر الجماجم ضاحيًا هاماتها ... بله الأكف كأنها لم تخلق
في رواية خفض الأكف، فبله حينئذ منصوب نصب ضرب الرقاب. والعامل فيه فعل من معناه وهو اترك؛ لأن بله الشيء بمعنى ترك الشيء فهو على حد النصب في نحو شنأته بغضًا، وأحببته مقة. ويجوز أن ينصب ما بعد بله فيكون اسم فعل بمعنى اترك وهي إحدى الروايتين في البيت، وسيأتي في بابه. ومثل بله المضاف ويله، وويحه، وويسه، ووييه، وهي كنايات عن الويل، وويل كلمة تقال عند الشتم والتوبيخ، ثم كثرت حتى صارت كالتعجب يقولها الإنسان لمن يحب ولمن يبغض، ونصبها بتقدير ألزمه الله، وهو قليل، ولذلك لم يتعرض له هنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمعنى أن هذه السيوف تترك القوم بارزة رؤوسهم عن محالها منفصلة كأنها لم تخلق على الأبدان فتركا لذكر الأكف لأنها سهلة القطع بالنسبة إلى الرؤوس. قوله: "فيكون اسم فعل إلخ" وعلى هذا ففتحته بنائية. وبقيت رواية ثالثة وهو رفع ما بعدها على الابتداء خبره بله بمعنى كيف لأنها تستعمل اسم استفهام بمعنى كيف وفتحته على هذا أيضا بنائية. والمعنى عليه كيف الأكف لا تترك ضاحية عن الأيدي مع أنها أسهل من الرؤوس فعلى هذا بله في البيت للاستفهام التعجبي.
قوله: "ومثل بله إلخ" أي في وجوب حذف الناصب وكون ناصبه ليس من لفظه لا في النصب على المفعولية المطلقة لما سيذكره الشارح من أن تقدير عاملها ألزمه الله فتكون مفعولا به وفي كلام غيره أن نصبها بالمفعولية المطلقة وأن تقدير العامل احزن. قوله: "وهي كنايات عن الويل" أي عند بعض اللغويين وذكر الجوهري أن ويح كلمة رحمة وويل كلمة عذاب. وذكر شيخنا أن ويس كويح وويب كويل ومراد الشارح أنها كنايات عن الويل بالنظر لأصل الوضع فلا ينافي ما سيذكره الشارح من أنها صارت كالتعجب يقولها الإنسان لمن يحب ولمن يبغض. قوله: "تقال عند الشتم والتوبيخ" أي عند إرادتهما. قوله: "وهو قليل" أي هذا النوع الذي لا فعل له من لفظه.
__________
441- البيت من الكامل، وهو لكعب بن مالك في ديوانه ص245 ص245؛ وخزانة الأدب 6/ 211، 214، 217، والدرر اللوامع 3/ 187؛ وشرح شواهد المغني ص353؛ ولسان العرب 3/ 478 "بله"؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 217؛ وتذكرة النحاة ص500؛ والجني الداني ص425؛ وخزانة الأدب 6/ 232؛ وشرح التصريح 2/ 199؛ وشرح شذور الذهب ص513؛ وشرح المفصل 4/ 48؛ ومغني اللبيب ص115؛ وهمع الهوامع 1/ 236.(2/178)
المفعول له:
ينصب مفعولا له المصدر إن ... أبان تعليلًا كحد شكرًا ودن
وهو بما يعمل فيه متجذ ... وقتًا وفاعلًا وإن شرط فقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المفعول له:
ويسمى المفعول لأجله ومن أجله. وقدمه على المفعول فيه لأنه أدخل منه في المفعولية، وأقرب إلى المفعول المطلق بكونه مصدرًا. كما أشار إلى ذلك بقوله "ينصب مفعولا له المصدر" أي القلبي "إن أبان تغليلًا" أي أفهم كونه علة للحدث ويشترط كونه من غير لفظ الفعل "كجد شكرًا" أي لأجل الشكر فلو كان من لفظ كحيل محيلًا كان انتصابه على المصدرية "ودن" طاعة "وهو" أي المفعول له "بما يعمل فيه متحد وقتًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المفعول له:
أل فيه موصولة بدليل عود الضمير إليها، ومانع موصولية أل يرجع الضمير إلى الموصوف المحذوف. قال المرادي في شرح التسهيل ولا يجوز تعدده منصوبا أو مجرورا إلا بإبدال أو عطف. قال في الهمع ولذا امتنع في قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] ، تعلق الجار بالفعل إن جعل ضرارا مفعولا له وإنما يتعلق به إن جعل حالا. قوله: "لأنه أدخل منه إلخ" أي لكونه مفعول الفاعل حقيقة كما أسلفناه. فقوله وأقرب إلخ عطف علة على معلول ومن قدم المفعول فيه علله بأن احتياج الفعل إلى الزمان والمكان أشد من احتياجه إلى العلة. قوله: "وأقرب إلى المفعول المطلق" بل قال الزجاج والكوفيون إنه مفعول مطلق تصريح. قوله: "كما أشار إلى ذلك" أي إلى أقربيته بكونه مصدرا. قوله: "ينصب مفعولا له المصدر" أي بالفعل قبله على تقدير حرف العلة عند جمهور البصريين فعليه هو من المفعول به المنصوب بعد نزع الخافض. وقال الزجاج ناصبه فعل مقدر من لفظه والتقدير جئتك أكرمك إكراما وعليه فهو مفعول مطلق. وقال الكوفيون ناصبه الفعل المقدم عليه لأنه ملاق له في المعنى مثل قعدت جلوسا وعليه أيضا فهو مفعول مطلق، ولذا قال في التصريح: قال الزجاج والكوفيون إنه أي المفعول له مفعول مطلق. ا. هـ. قوله: "إن أبان تعليلا" ظاهر كلامه وكلام الشارح حيث قال فيما يأتي أي يشترط لنصب المفعول له إلخ أن هذه الشروط شروط لنصبه وأنه عند جره يسمى مفعولا له والجمهور على أنه حينئذٍ مفعول به وعليه فهذه الشروط لتحقق ماهية المفعول له ومعنى قوله أبان تعليلا أظهر علة الشيء أي الباعث على الفعل سواء كان غرضا نحو جئتك جبرا لخاطرك أو لا كقعدت عن الحرب جبنا. قوله: "ويشترط كونه من غير لفظ الفعل" أي وغير معناه ويغني عن هذا الشرط قول المصنف إن أبان تعليلا.
قوله: "أي لأجل الشكر" أي لأجل أن تكون شاكرا سم. قوله: "كحيل محيلا" بفتح الميم وكسر الحاء وسكون الياء مصدر ميمي. قوله: "طاعة" أشار به إلى أن دن مثال ثان بمعنى(2/179)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفاعلا" الجملة حالية. ووقتًا وفاعلًا نصب بنزع الخافض: أي يشترط لنصب المفعول له مع كونه مصدرًا قلبيًّا سيق للتعليل أن يتحد مع عامله في الوقت وفي الفاعل. فالشروط حينئذ خمسة: كونه مصدرًا فلا يجوز جئتك السمن والعسل. قاله الجمهور. وأجاز يونس أما العبيد فذو عبيد بمعنى مهما يذكر شخص لأجل العبيد فالمذكور ذو عبيد. وأنكره سيبويه. وكونه قلبيًّا: فلا يجوز جئتك قراءة للعمل، ولا قتلًا للكافر. وأجاز الفارسي جئتك ضرب زيد: أي لتضرب زيدًا. وكونه علة: فلا يجوز أحسنت إليك إحسانًا إليك لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أخضع حذف مفعوله، قال البعض لدلالة الأول عليه وفيه نظر ظاهر ولو جعل الشارح مفعوله المحذوف شكرا آخر لكان الحذف لدليل ثم كلام الشارح يقتضي أن المفعول له يجوز حذفه وهو ظاهر إذا دل عليه دليل. قوله: "بما يعمل" الباء بمعنى مع متعلقة بمتحد خالد. قوله: "نصب بنزع الخافض" كذا في بعض النسخ وفيه أن النصب به سماعي على الراجح وفي بعض النسخ نصب على التمييز أي المحول عن الفاعل وهي أولى. قوله: "أن يتحد مع عامله في الوقت" بأن يقع حدث الفعل في بعض زمان المصدر كجئتك طمعا أو يكون أول زمان الحدث آخر زمان المصدر كحبستك خوفا من فرارك أو بالعكس كجئتك اصلاحا لحالك قاله الرضي. قوله: "فالشروط حينئذٍ خمسة" بل ستة. سادسها ما ذكره الشارح سابقا بقوله ويشترط كونه من غير لفظ الفعل. قوله: "وأجاز يونس أما العبيد فذو عبيد" كان المناسب أن يقول وأجاز يونس كونه غير مصدر تمسكا بقولهم: أما العبيد فذو عبيد لأن هذا المثال ليس من عنديات يونس بل من كلام العرب. وقد يقال مراده وأجاز يونس كون أما العبيد إلخ من المفعول لأجله القياسي وجعله بعض النحاة مفعولا به لمحذوف أي مهما تذكر العبيد ولم يلتزم هذا البعض كيونس تقدير أما بمهما يكن من شيء بل قدره في كل مكان بما يليق به. وجعله الزجاج مفعولا له بتقدير مضاف أي مهما تذكره لأجل تملك العبيد.
قوله: "وأنكره سيبويه" أي أنكر القياس عليه قائلا إن رواية النصب خبيثة رديئة فلا يجوز التخريج عليها. قوله: "وكونه قلبيا" قال في التصريح لأن العلة هي الحاملة على إيجاد الفعل والحامل على الشيء متقدم عليه وأفعال الجوارح ليست كذلك. ا. هـ. وعزا هذا الشرط السيوطي في الهمع إلى بعض المتأخرين وعزاه الرضي إلى بعضهم معللا بما مر، ثم رده فقال: إن أراد وجوب تقدم الحامل وجودا فممنوع وإن أراد وجوب تقدمه إما وجودا أو تصوّرا فمسلم ولا ينفعه وينتقض ما قاله بجواز جئتك إصلاحا لأمرك وضربته تأديبا اتفاقا، فإن قال هو بتقدير مضاف أي إرادة إصلاح وإرادة تأديب قلنا فجوّز أيضا جئتك إكرامك لي وجئتك اليوم إكراما لك غدا بل جوّز سمنا ولبنا فظهر أن المفعول له هو الظاهر لا مضاف مقدر وأن المفعول له على ضربين ما يتقدم وجوده على مضمون عامله نحو قعدت جبنا فيكون من أفعال القلوب وما يتقدم على الفعل تصوّرا أي يكون غرضا ولا يلزم كونه فعل القلب نحو ضربته تقويما وجئته إصلاحا. ا. هـ. قوله: "وأجاز الفارسي جئتك ضرب زيد" أي مع أن المصدر ليس قلبيا ولعله لا يقول باشتراط اتحاده(2/180)
فاجرره بالحرف وليس يمتنع ... مع الشروط كلزهد ذا قنع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشيء لا يعلل بنفسه. وكونه متحدًا مع المعلل به في الوقت. فلا يجوز جئتك أمس طمعًا غدًا في معروفك، ولا يشترط تعيين الوقت في اللفظ بل يكفي عدم ظهور المنافاة، وفي الفاعل فلا يجوز جئتك إياي خلافًا لابن خروف.
تنبيه: قد يكون الاتحاد في الفاعل تقديريا كقوله تعالى: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرعد: 12] ؛ لأن معنى يريكم يجعلكم ترون. ا. هـ. "وإن شرط" من الشروط المذكورة ما عدا قصد التعليل "فقد فاجرروه بالحرف" الدال على التعليل وهو اللام أو ما يقوم مقامها، وفي بعض النسخ باللام أي أو ما يقوم مقامها، ففقد الأول كونه مصدرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مع العامل فاعلا أيضا حتى يجيز هذا المثال لعدم هذا الشرط أيضا فيه وربما يفهم ذلك قول الهمع شرط الأعلم والمتأخرون مشاركته لفعله في الوقت والفاعل نحو ضربت ابني تأديبا ثم قال ولم يشترط ذلك سيبويه ولا أحد من المتقدمين فجوزوا اختلافهما في الوقت واختلافهما في الفاعل. ا. هـ. وتقدم عن الرضي رد اشتراط كونه قلبيا. بقي أن التأديب هو الضرب كما صرح به الرضي فلا يصح أن يكون علة للضرب لأن الشيء لا يكون علة لنفسه لا يقال يندفع هذا بتقدير إرادة لأنا نقول يصير المعنى حينئذٍ أدبت ابني لإرادة التأديب أو ضربته لإرادة الضرب وفيه ركاكة لا تخفى لأن الباعث على الشيء ليس مجرد إرادته. والحاسم عندي لمادة الاعتراض مع قرب المسافة أن يحمل التأديب على التأدب الذي هو أثر التأديب بناء على عدم اشتراط الاتحاد وقتا وفاعلا أو على إرادة التأديب الذي هو هذا الأثر بناء على الاشتراط فاحفظه.
قوله: "وكونه علة" أي كونه مفهما العلة وما قيل من أن العلية محل الشروط فكيف تكون شرطا ممنوع كما ذكره يس بل محل الشروط ماهية المفعول له أو نصبه على ما مر. قوله: "خلافا لابن خروف" فإنه لم يشترط الاتحاد في الفاعل تمسكا بقوله تعالى: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرعد: 12] ، وسيذكر الشارح جوابه وجوّز ابن الضائع -بمعجمة ثم مهملة- تعدد الوقت بل قدمنا عن الهمع أن سيبويه والمتقدمين لم يشترطوا الاتحاد وقتا ولا الاتحاد فاعلا. قوله: "تقديريا" أي باعتبار التقدير والمعنى. قوله: "يجعلكم ترون" أي ففاعل الرؤية التي تضمنها يريكم وفاعل الطمع والخوف واحد وهو المخاطبون وفيه أن هذا خلاف الظاهر وأن العامل الذي تتعلق به الأحكام النحوية هو يريكم لا ترون وأنه لا يظهر كون الخوف والطمع علة للرؤية لأنهم لا يرون لأجل الخوف والطمع بل يريهم الله لأجل أن يخافوا ويطمعوا فاستدلال ابن خروف قوي جلي فإن كان ولا بد من التأويل فالأقرب أن يؤول الخوف والطمع بالإخافة والإطماع أو يجعلا حالين من المخاطبين على إضمار ذوي أو على التأويل باسمي فاعل. قوله: "ما عدا قصد التعليل" أي ما عدا كونه علة فأطلق السبب وأراد المسبب فلا يقال قصد التعليل ليس أحد الشروط المارة وإنما استثناه لأنه عند فقد التعليل لا يصلح للجر بحرف التعليل أيضا إذ لا تعليل.
قوله: "أو ما يقوم مقامها" هو الباء وفي ومن. زاد الشاطبي الكاف نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا(2/181)
وقل أن يصحبها المجرد ... والعكس في مصحوب أل وأنشدوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نحو: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] . والثاني وهو كونه قلبيا نحو: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151] ، بخلاف خشية إملاق. والثالث هو الاتحاد في الوقت نحو قوله:
442- فجئت وقد نضت لنوم ثيابها
والرابع وهو الاتحاد في الفاعل نحو:
443- وإني لتعروني لذكراك هزة
وقد انتفى الاتحادان في: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] ، "وليس يمتنع" جره باللام أو ما يقوم مقامها "مع" وجود "الشروط" المذكورة "كلزهد ذا قنع. وقل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَدَاكُمْ} [البقرة: 198] ، وفي شرح اللمحة لابن هشام أن حروف السبب سبعة هذه الخمسة وحتى نحو أسلم حتى تدخل الجنة وكي نحو جئتك كي تكرمني وأن الكاف وحتى وكي لا تدخل على المفعول له لأنها لا تكون للتعليل إلا مع الفعل المقرون بالحرف المصدري. ا. هـ. وينبغي زيادة على نحو: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 285، الحج: 37] . قوله: "وفي بعض النسخ باللام" واقتصر عليها لأنها الأصل. قوله: "وقد نضت" بتخفيف الضاد أي خلعت. قوله: "في نحو أقم الصلاة لدلوك الشمس" ففاعل الإقامة المخاطب وفاعل الدلوك أي الميل عن وسط السماء الشمس وزمنهما مختلف فزمن الإقامة متأخر عن زمن الدلوك وفيه مانع آخر وهو كون المصدر ليس قلبيا وفي المغني أن اللام في لدلوك بمعنى بعد وعليه فلا تعليل أيضا فلا تكون اللام لام التعليل. قوله: "كلزهد ذا قنع" فيه تقديم معمول الخبر الفعلي وهو جائز
__________
442- عجزه:
لدى الستر إلا لبسة المتفضل
والبيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص14؛ والدرر 3/ 78؛ وشرح شذور الذهب ص297؛ وشرح عمدة الحافظ ص453؛ ولسان العرب 15/ 329 "نضا"؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 226؛ والدرر 4/ 18؛ ورصف المباني ص223؛ وشرح قطر الندى ص227؛ والمقرب 1/ 161؛ وهمع الهوامع 1/ 194، 247.
443- عجزه:
كما انتفض العصفور بلله القطر
والبيت من الطويل، وهو لأبي صخر الهذلي في الأغاني 5/ 169، 170؛ والإنصاف 1/ 253؛ وخزانة الأدب 3/ 254، 255، 257، 260؛ والدرر 3/ 79؛ وشرح الهذليين 2/ 957؛ وشرح التصريح 1/ 326؛ ولسان العرب 2/ 155 "رمث"؛ والمقاصد النحوية 3/ 67؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 29؛ وأمالي ابن الحاجب 2/ 646؛ 648؛ وأوضح المسالك 2/ 227؛ وشرح شذور الذهب ص298؛ وشرح ابن عقيل ص361؛ وشرح قطر الندى ص228؛ وشرح المفصل 2/ 67؛ والمقرب 1/ 162؛ وهمع الهوامع 1/ 194.(2/182)
"لا أقعد الجبن عن الهيجاء ... ولو توالت زمر الأعداء"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن يصحبها" أي اللام "المجرد" من أل والإضافة كهذا المثال، حتى قال الجوزلي أنه ممنوع، والحقي جوازه، ومنه قوله:
444- من أمكم لرغبة فيكم جبر
"والعكس في مصحوب أل" وهو أن جره باللام كثير ونصبه قليل "وأنشدوا" شاهدًا لجوازه قول الراجز:
445- "لا أقعد الجبن عن الهيجاء ... ولو توالت زمر الأعداء"
تنبيهات: الأول أفهم كلامه أن المضاف يجوز فيه الأمران على السواء نحو: جئتك ابتغاء الخير، ولابتغاء الخير. الثاني أفهم أيضًا جواز تقديم المفعول له على عامله منصوبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عند الجمهور كما مر. قوله: "أي اللام" فيه أن النسخة التي شرح عليها بالحرف وحينئذٍ فكان المناسب أن يقول أي الحرف وتأنيث الضمير حينئذٍ باعتبار الكلمة. قوله: "أفهم كلامه أن المضاف إلخ" وجهه أنه لم يذكر فيه قلة ولا كثرة كما فعل في قسيميه، فدل على استواء الأمرين فيه. قوله: "منصوبا كان أو مجرورا" أما إفهامه جواز تقديم المجرور فظاهر، وأما إفهامه جواز تقديم المنصوب فلعله بطريق المقايسة.
المفعول فيه وهو المسمى ظرفا:
أي عند البصريين، واعترضهم الكوفيون بأن الظرف الوعاء المتناهي الأقطار، وليس اسم الزمان والمكان كذلك أفاده المصرح. وأجيب بأنهم تجوزوا في ذلك واصطلحوا عليه ولا مشاحة في الاصطلاح. قال المصرح وسماه الفراء محلا، والكسائي وأصحابه صفة. ا. هـ. ولعله باعتبار الكينونة فيه. قوله: "بكونه" أي المفعول المطلق أي معناه مستلزما له أي الظرف أي معناه في الواقع أي في نفس الأمر وإن لم يستلزم نفس المفعول المطلق نفس الظرف في الاصطلاح. قوله: "لا بواسطة حرف ملفوظ" أي ولا مقدر بل بواسطة نزع الخافض، والتقييد بالملفوظ ليفهم من مقابلته بالمفعول معه أن الفعل يتعدى إلى المفعول معه بواسطة حرف ملفوظ. إذ لو أسقط القيد لصدق قوله بخلافه بأن الفعل يتعدى إلى المفعول معه بواسطة حرف ملفوظ. قوله: "بخلافه" فإنه يصل إليه العامل بواسطة الواو. قوله: "وقت" أي ولو متخيلا كما في أمس قبل اليوم فإن التقدير أمس في الزمان قبل اليوم. ومعلوم أن الزمان ليس في زمان فكون أمس في زمان مجرد تخيل، وكما في الله قبل العالم،
__________
444- عجزه:
ومن تكونوا ناصريه ينتصر
والرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 229؛ وشرح التصريح 1/ 336؛ وشرح عمدة الحافظ ص399؛ والمقاصد النحوية 3/ 70.
445- الرجز بلا نسبة في الدرر 3/ 79؛ وشرح التصريح 1/ 336؛ وشرح ابن عقيل ص294؛ وشرح عمدة الحافظ ص398؛ والمقاصد النحوية 3/ 67؛ وهمع الهوامع 1/ 195.(2/183)
المفعول فيه وهو المسمى ظرفًا:
الظرف وقت أو مكان ضمنا ... في باطراد كهنا امكث أزمنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان أو مجرورًا كزهدًا ذا قنع ولزهد ذا قنع.
خاتمة: إذا دخلت أل على المفعول له أو أضيف إلى معرفة تعرف بأل أو بالإضافة خلافا للرياشي والجرمي والمبرد في قولهم إنه لا يكون إلا نكرة، وإن أل فيه زائدة وإضافته غير محضة.
المفعول فيه وهو المسمى ظرفًا:
وتقديمه على المفعول معه لقربه من المفعول المطلق بكونه مستلزمًا له في الواقع؛ إذ لا يخلو الحدث عن زمان ومكان، ولأن العامل يصل إليه بنفسه لا بواسطة حرف ملفوظ بخلافه "الظرف" لغة الوعاء واصطلاحًا "وقت أو مكان" أي اسم وقت أو اسم مكان "ضمنا" معنى "في" دون لفظها "بإطراد كهنا امكث أزمنًا" فهنا اسم مكان، وأزمنا اسم زمان، وهما مضمنان معنى في لأنهما مذكوران للواقع فيهما وهو المكث. والاحتراز بقيد ضمنًا في من نحو: {يَخَافُونَ يَوْمًا} [النور: 37] ونحو: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن من العالم الزمان فوجود الله تعالى في زمان قبل العالم الذي منه الزمان مجرد تخيل فتأمل.
قوله: "أي اسم وقت أو اسم مكان" قدر ذلك لأن المفعول فيه من صفات الألفاظ والمراد لفظ يدل على أحدهما ولو بالتأويل فيدخل ما عرضت دلالته على أحدهما أو جرى مجراه. فالأول نحو سرت عشرين يوما ثلاثين فرسخا. والثاني نحو أحقا أنك ذاهب كما في التوضيح. ودخل في التعريف ما استعمل تارة زمانا وتارة مكانا نحو أي وكل فإنهما بحسب ما يضافان إليه لأن المعنى أن الظرف لا يخرج عنهما لا أنه إما للزمان دائما وإما للمكان دائما قاله يس. وخرج ما ضمن معنى في باطراد وليس واحدا منهما نحو: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] ، أي في أن تنكحوهن على أحد التقديرين فإن النكاح ليس اسم زمان ولا مكان أفاده الشيخ خالد. قال البهوتي وأقره الإسقاطي وشيخنا والبعض. وقد يقال حيث ضمن هذا معنى في باطراد ينبغي أن يجعل ظرفا لأنه مكان اعتباري وأنا أقول: معنى كونه باطراد كما قاله شيخنا والبعض وغيرهما وسيأتي: أن يتعدى إليه سائر الأفعال والاطراد في نحو: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] ، ليس بهذا المعنى وحينئذٍ يكون خارجا بقيد الاطراد بمعناه المذكور فلا يتم كلام الشيخ خالد ولا كلام البهوتي. فتدبر. قوله: "ضمنا معنى في" هو الظرفية ومعنى تضمنه معناها إشارته إليه لكونه في قوة تقديرها وإن لم يصح التصريح بها في الظروف التي لا تتصرف كعند. قوله: "باطراد" بأن يتعدى إليه سائر الأفعال وأورد عليه أنه مخرج لأسماء المقادير فإنها إنما ينصبها أفعال السير، وما صيغ من الفعل فإنه إنما ينصبه ما اجتمع معه في مادته كما يأتي. وأجيب بأنهما مستثنيان من شرط الاطراد بدليل ما سيأتي.
قوله: "لأنهما مذكوران للواقع" أي حالة كونهما ظرفين للواقع فيهما. قوله: "من نحو(2/184)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الأنعام: 124] ، فإنهما ليسا على معنى في، فانتصابهما على المفعول به وناصب حيث يعلم محذوفًا لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به إجماعًا، وبمعنى في دون لفظها من نحو سرت في يوم الجمعة، وجلست في مكانك فإنه لا يسمى ظرفًا في الاصطلاح على الأرجح، وباطراد إذ من نحو دخلت البيت وسكنت الدار مما انتصب بالواقع فيه، هو اسم مكان مختص فإنه غير ظرف إذ لا يطرد نصبه مع سائر الأفعال، فلا يقال نمت البيت ولا قرأت الدار، فانتصابه على المفعول به بعد التوسع بإسقاط الخافض، هذا مذهب الفارسي والناظم، ونسبه لسيبويه، وقيل: منصوب على المفعول به حقيقة، وأن نحو دخل متعد بنفسه وهو مذهب الأخفش وقيل: على الظرفية تشبيهًا له بالمبهم، ونسبه الشلوبين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يخافون يوما" إذ المراد أنهم يخافون نفس اليوم لا أن الخوف واقع فيه. قوله: "ونحو الله أعلم إلخ" إذ المراد أنه تعالى يعلم المكان المستحق لوضع الرسالة فيه لا أن العلم واقع فيه. قوله: "فانتصابهما على المفعول به" أورد عليه أن في جعل حيث مفعولا به ضربا من التصرف. وفي التسهيل أن تصرفها نادر وحينئذٍ فلا ينبغي حمل التنزيل عليه، ولذا قال الدماميني: لو قيل إن المعنى يعلم الفضل الذي هو في محل الرسالة لم يبعد ولم يكن فيه إخراج حيث عن الظرفية. قوله: "وناصب حيث" أي محلا. قوله: "لا ينصب المفعول به" لا يقال ما لا يعمل لا يفسر عاملا لأنا نقول ذاك خاص بباب الاشتغال كما مر. قوله: "إجماعا" نوقش بوجود القول بعمل اسم التفضيل في المفعول به. فقد قال المصرح قال الموضح في الحواشي. قال محمد بن مسعود في كتابه البديع: غلط من قال إن اسم التفضيل لا يعمل في المفعول به لورود السماع بذلك كقوله تعالى: {هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} [الإسراء: 84] ، وليس تمييزا لأنه ليس فاعلا كما هو في زيد أحسن وجها، وقول العباس بن مرداس:
واضرب منا بالسيوف القوانسا
ا. هـ. وقال أبو حيان في الارتشاف: قال الدماميني بن مسعود أفعل التفضيل ينصب المفعول به قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [النجم: 30] . ا. هـ. وأجيب بأنه لم يلتفت إليه لشدة ضعفه وفيه نظر.
قوله: "من نحو سرت في يوم الجمعة" فإن هذا التركيب مضمن لفظ في بمعنى أنه مشتمل على لفظها ومصرح بلفظها فيه هذا هو المتبادر من تضمن لفظها وعليه جرى الشارح الأشموني فردّ على ابن الناظم كما سيأتي إيضاحه. قوله: "فلا يقال نمت البيت" قال ابن قاسم كما لا يقال ذلك لا يقال نمت فرسخا ولا قرأت مكانا فما الفرق. ا. هـ. ويظهر لي في الفرق أن الأفعال الداخلة على نحو الفرسخ والمكان كثيرة فنزل كثرتها منزلة الاطراد بخلاف الأفعال الداخلة على نحو البيت والمسجد فإنها قليلة دخل وسكن ونزل كما قاله الرضي. قوله: "بعد التوسع إلخ" أي فهو مفعول به مجازا كما في تمرون الديار. قوله: "وإن نحو دخل متعدّ(2/185)
فانصبه بالواقع فيه مظهرا ... كان وإلا فانوه مقدرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى الجمهور وعلى هذين لا يحتاج إلى قيد باطراد، وعلى الأول يحتاج إليه خلافًا للشارح.
تنبيهان: الأول تضمن الاسم معنى الحرف على نوعين: الأول يقتضي البناء وهو أن يخلف الاسم الحرف على معناه ويطرح غير منظور إليه كما سبق في تضمن متى معنى الهمزة وإن الشرطية، والثاني لا يقتضي البناء هو أن يكون الحرف منظورًا إليه لكون الأصل في الوضع ظهوره، وهذا الباب من هذا الثاني. الثاني الألف في ضمنا يجوز أن تكون للإطلاق وأن تكون ضمير التثنية، بناء على أن أو على بابها وهو الأظهر، أو بمعنى الواو وهو الأحسن لأن كل واحد منهما ظرف لا أحدهما. ا. هـ. "فانصبه بالواقع فيه" من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بنفسه" أي يتعدى بنفسه من غير توسع بإسقاط الجار لأنه يتعدى كذلك مرة وبالحرف أخرى وكثرة الأمرين فيه تدل على أصالتهما. قوله: "وعلى هذين لا يحتاج إلى قيد باطراد" بل لا يصح على رأي الشلوبين لأنه داخل في الظرف حقيقة غاية الأمر أنه من المبهم تنزيلا وإنما لم يحتج إليه على رأي الأخفش لخروج نحو دخلت البيت بقولنا ضمن معنى في. قوله: "وعلى الأول" أي كونه مفعولا به بعد التوسع يحتاج إليه لأنه مع كونه غير ظرف مضمن معنى في بمعنى أنه مشير إلى معنى في لكونه في قوة تقديرها كما مر خلافا للشارح ابن الناظم في دعواه عدم الاحتياج إليه على الأول أيضا لخروجه بقوله ضمنا معنى في لأنه عليه مضمن لفظ في بناء منه على أن المراد بالتضمن اللفظي ما هو أعم من أن يكون لفظها في التركيب أو ملاحظا فيه بأن كان موجودا ثم حذف، وقد علمت أن المتبادر من التضمن اللفظي كون التركيب مشتملا على لفظها كما درج عليه الشارح الأشموني فقيد باطراد محتاج إليه على القول الأول، فرد البعض تبعا لغيره على الشارح وجعله الحق مع ابن الناظم ناشئ عن عدم التدبر.
قوله: "أن يخلف الاسم الحرف على معناه" أي حالة كونه دالا على معناه بأن يصير الاسم مؤديا معنى الحرف بجوهره وقوله غير منظور إليه أي غير ملاحظ في نظم الكلام. قوله: "وهو أن يكون الحرف منظورا إليه" أي ملاحظا في نظم الكلام أي فلم يؤد الاسم معنى الحرف بل يشير إليه فقط، ومعناه باق فيه يؤديه هو محذوفه. قوله: "بناء على أن او على بابها إلخ" فيه لف ونشر مرتب. وفيه أن أو إذا كانت على بابها فهي للتنويع لا للشك فيجب فيها المطابقة فالألف للتثنية مطلقا. قوله: "وهو الأظهر" أي المتبادر إلى الذهن لأن الأصل بقاء أو على حالها. قوله: "بالواقع فيه" أي في جميعه إن استغرقه الواقع فيه أو في بعضه إن لم يستغرقه فالأول نحو صمت يوم الجمعة والثاني نحو صمت رمضان. وفي عبارة المصنف تسمح وسينبه عليه الشارح.
فائدة: قال الدماميني: الزمان أربعة أقسام: مختص معدود كرمضان والمحرم والصيف والشتاء فيقع جوابا لكم ولمتى، ولا معدود ولا مختص فلا يقع جوابا لواحد منها كحين ووقت، ومعدود(2/186)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فعل وشبهه "مظهرا كان" الواقع فيه نحو جلست يوم الجمعة أمامك، وأنا سائر غدًا خلف الركب "وإلا" أي وإن لم يكن ظاهرًا بل كان محذوفًا من اللفظ جوازًا أو وجوبًا "فانوه مقدرًا" فالجواز نحو يوم الجمعة لمن قال: متى قدمت وفرسخين لمن قال: كم سرت؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غير مختص فيقع جوابا لكم فقط نحو يمين وثلاثة أيام وأسبوع وشهر وحول، ومختص غير معدود فيقع جوابا ولمتى فقط نحو يوم الخميس وشهر المضاف إلى أحد أسماء الشهور كشهر رمضان وشهر ربيع الأول، فالذي يصلح جوابا لكم فقط أولها لمتى معرفة كان أو نكرة يستغرقه الحدث الذي تضمنه ناصبه إن لم يكن الحدث مختصا ببعض أجزاء ذلك الزمان فإذا قيل كم سرت فقلت شهرا وجب أن يقع السير في جميع الشهر ليله ونهاره. إلا أن يقصد المبالغة والتجوز، وكذا إذا قلت في جوابه المحرم مثلا فإن كان حدث الناصب مختصا ببعض جزاء الزمان استغرق جميع ذلك البعض كما إذا قلت شهرا في جواب كم صمت أو كم سريت، فالأول يعم جميع أيامه دون لياليه، والثاني بالعكس وكذا الأبد والدهر والليل والنهار مقرونة بأل. وأما أبدا فلاستغراق ما يستقبل لا لاستغراق جميع الأزمنة، تقول صام زيد الأبد فيشمل كل زمن من أزمنة عمره القابلة، للصوم إلى حين وفاته، ولا تقول صام أبدا وتقول لأصومنّ أبدا وما سوى ذلك جائز فيه التعميم والتبعيض كاليوم والليل وأسماء أيام الأسبوع وأسماء الشهور مضافا إليها لفظ شهر كشهر رمضان، بخلاف صورة عدم إضافته إليها كما مر ووجه ذلك كما قاله الصفار أن أسماء الشهور كالمحرم وصفر من المعدود فكل منها اسم للثلاثين يوما، فمعنى سرت المحرم سرت ثلاثين يوما فيصلح جوابا لكم، وكذا لفظ شهر بدون إضافته إلى اسم شهر من الشهور. وأما شهر المحرم فمعناه وقت المحرم فخرج لفظ شهر بإضافته عن كونه معدودا اسما لثلاثين يوما لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه وصار شهر المحرم بمنزلة يوم الجمعة ولم يخالف في ذلك إلا الزجاج فذهب إلى أن المحرم كشهر المحرم فجوز كون الحدث في جميعه وفي بعضه ومقتضى ما ذكر جواز إضافة لفظ شهر إلى جميع أسماء الشهور وهو قول أكثر النحويين. وقيل يختص ذلك بربيع الأول وربيع الثاني ورمضان. ا. هـ. باختصار وفي الهمع أن ما صلح جوابا لكم أو متى يكون الفعل في جميعه تعميما أو تقسيطا فإذا قلت سرت يومين فالسير واقع في كل منهما من أوله إلى آخره وقد يكون في بعض كل ولا يجوز أن يكون في أحدهما فقط، وكذا يحتمل الأمرين قولك سرت المحرم. ثم نقل عن ابن السراج أنه أنكر ورود جواب كم معرفة.
قوله: "من فعل وشبهه" من مصدر أو صفة ولو تأويلا نحو أنا زيد عند الشدائد وأنا عمرو عند القتال، فعند منصوب بزيد ويوم منصوب بعمرو لأنهما في تأويل المشهور أو المعروف قاله أبو حيان. قوله: "مظهرا كان" أي إن كان مظهرا فحذف الشرط لدلالة المقابلة والجواب لدلالة قوله فانصبه عليه. ويحتمل إن كان زائدة ومظهرا حال والأول أنسب بقوله وإلا إلخ. قوله: "مقدرا" حال مؤكدة. قوله: "نحو يوم الجمعة لمن قال متى إلخ" الفرق بين متى وكم أن متى يطلب بها تعيين الزمان خاصة وكم يطلب بها تعيين المعدود زمانا أو مكانا أو غيرهما فهي(2/187)
وكل وقت قابل ذاك وما ... يقبله المكان إلا مبهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والوجوب فيما إذا وقع خبرًا نحو زيدًا عندك، أو صلة نحو رأيت الذي معك، أو حالًا نحو رأيت الهلال بين السحاب، أو صفة نحو رأيت طائرًا فوق غصن، أو مشتغلًا عنه نحو يوم الجمعة سرت فيه، أو مسموعًا بالحذف لا غير كقولهم حينئذ الآن: أي كان ذلك حينئذ واسمع الآن.
تنبهان: الأول العامل المقدر في هذه المواضع سوى الصلة استقر أو مستقر، وأما الصلة فيتعين فيها تقدير استقر لأن الصلة لا تكون إلا جملة كما عرفت. الثاني الضمير في فانصبه للظرف وهو اسم الزمان أو المكان وفي فيه لمدلوله وهو نفس الزمان أو المكان. وأراد بالواقع دليله من فعل وشبهه لأن الواقع هو نفس الحدث وليس هو الناصب. والأصل فانصبه بدليل الواقع في مدلوله فتوسع بحذف المضاف من الأول والثاني لوضوح المقام. ا. هـ. "وكل" اسم "وقت قابل ذاك" والنصب على الظرفية: مبهمًا كان أو مختصًّا، والمراد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أعم منها وقوعا. قوله: "فيما إذا وقع خبرا إلخ" قال في التصريح لا يقع الظرف المقطوع عن الإضافة المبني على الضم صفة ولا صلة ولا حالا ولا خبرا. لا يقال مررت برجل أمام، ولا جاء الذي أمام، ولا رأيت الهلال أمام، ولا زيد أمام، لئلا يجتمع عليها ثلاثة أشياء: القطع والبناء والوقوع موقع شيء آخر. ا. هـ. يس محل المنع إذا لم يعلم المضاف إليه لعدم الفائدة حينئذٍ.
قوله: "نحو يوم الجمعة سرت فيه" لم يقل سرته لأن ضمير الظرف لا ينصب على الظرفية بل يجب جره بفي قاله المصرح. وسيأتي عن الشاطبي أنه قد ينصب على التوسع. قوله: "كقولهم حينئذٍ الآن" هذا مثل يذكر لمن ذكر أمرا تقادم عهده أي كان ما تقوله واقعا حين إذا كان كذا واسمع الآن ما أقول لك فهما من جملتين والمقصود نهي المتكلم عن ذكر ما يقوله وأمره بسماع ما يقال له. قوله: "الثاني الضمير إلخ" أشار به إلى أن الكلام على حذف مضافين كما سيصرح به الشارح آخرا لا إلى أن فيه استخداما كما زعمه البعض اغترارا بظاهر أول عبارة الشارح وغفلة عن آخر كلامه. نعم كلام المتن في حد ذاته محتمل له بأن يكون أعاد الضمير أولا على الظرف بمعنى اللفظ وثانيا على الظرف بمعنى مدلول اللفظ. قوله: "وفي فيه لمدلوله" أي للظرف بتقدير مدلوله ليوافق صريح آخر عبارته. قوله: "وأراد بالواقع دليله" يوهم أن المجاز لغوي لا بحذف المضاف فينافي ما بعد، إلا أن يقال المعنى أراد بقوله الواقع إلخ. قوله: "وكل اسم وقت" أي اسم ظاهر فلا يرد أنه يصدق على ضمير الظرف مع أنه لا ينصب على الظرفية بل على التوسع كما قاله الشاطبي وشمل كلامه على ما صيغ على مفعل مرادا به الزمان من فعله الناصب له نحو قعدت مقعد زيد مرادا به زمان العقود فإنه ينصب ظرف زمان كما ينصب ظرف مكان إذا أريد به المكان.
قوله: "تقول سرت حينا ومدة" فحينا ومدة تأكيد معنوي لزمن الفعل لأنه لا يزيد على ما دل عليه الفعل ومثله: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1] ؛ لأن الإسراء لا يكون إلا ليلا فالظرف(2/188)
نحو الجهات والمقادير وما ... صنع من الفعل كمرمى من رمى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالمبهم ما دل على زمن غير مقدر كحين ومدة ووقت، تقول: سرت حينًا ومدة ووقتًا. وبالمختص ما دل على مقدر معلومًا كان وهو المعروف بالعلمية كصمت رمضان واعتكفت يوم الجمعة، أو بأل كسرت اليوم وأقمت العام، أو بالإضافة كجئت زمن الشتاء ويوم قدوم زيد، أو غير معلوم هو النكرة نحو سرت يومًا أو يومين أو أسبوعًا أو وقتًا طويلًا "وما يقبله المكان إلا" في حالتين: الأولى أن يكون "مبهمًا" لا مختصًّا والمراد هنا بالمختص ما له صورة وحدود محصورة: نحو الدار والمسجد والبلد. وبالمبهم ما ليس كذلك "نحو الجهات" الست وهي أمام، ووراء، ويمين، وشمال، وفوق، وتحت، وما أشبهها في الشياع كناحية ومكان وجانب "و" نحو "المقادير" كفرسخ وبريد وغلوة، تقول: جلست أمامك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يكون مؤكدا كالمفعول المطلق إلا أن تأكيد الظرف لزمن عامله وتأكيد المفعول المطلق لحدث عامله. قوله: "ما دل على مقدر" منه المعدود كسرت يومين كما سيذكره الشارح. قوله: "واعتكفت يوم الجمعة" يقتضي أن العلم مجموع يوم الجمعة والذي في كلام غيره أن العلم الجمعة فالإضافة من إضافة المسمى إلى الاسم. قوله: "أو بالإضافة" ولم تضف العرب لفظ شهر إلا إلى رمضان والربيعين مع جواز ترك الإضافة أيضا معها. والراجح جواز الإضافة إلى غير الثلاثة قياسا عليها. قوله: "أو وقتا طويلا" فيه أنه جعل المختص ما دل على مقدر وهذا ليس كذلك فينبغي جعله من المبهم. قوله: "وما يقبله المكان إلا مبهما" وجه ابن الحاجب في أماليه عدم نصب المختص من الأمكنة على الظرفية كما انتصب المبهم منه وظرف الزمان مطلقا بأمور: منها أنه لو فعل ذلك فيه لأدى إلى الإلباس بالمفعول به كثيرا، ألا ترى أنك تقول اشتريت يوم الجمعة وبعت يوم الجمعة وما أشبه ذلك ولا يلبس، ولو استعملت الدار ونحوها هذا الاستعمال لالتبس بالمفعول به. ومنها أن ظرف الزمان المبهم والمختص كثير في الاستعمال فحسن فيه الحذف للكثرة وظرف المكان إنما كثر منه في الاستعمال المبهم دون المختص فأجرى المبهم لكثرته مجرى ظرف الزمان وبقي ما لم يكثر في الاستعمال على أصله.
قوله: "هنا" أي في ظرف المكان بخلافه في ظرف الزمان كما مرّ. قوله: "ما له صورة" أي هيئة وشكل يدرك بالحس الظاهر، وحدود أي نهايات من جهاته محصورة أي مضبوطة. قوله: "نحو الجهات الست" أي أسمائها وإنما كانت مبهمة لعدم لزومها مسمى بمخصوصه لأنها أمور اعتبارية أي باعتبار الكائن في المكان، فقد يكون خلفك أماما لغيرك وقد تتحوّل فينعكس الأمر لأنه ليس لها أمد معلوم فخلفك مثلا اسم لما وراء ظهرك إلى آخر الدنيا كذا في التصريح. قوله: "وما أشبهها في الشياع كناحية إلخ" ما مبتدأ وكناحية خبر والجملة مستأنفة لبيان نحو الجهات وما أفاده كلامه من صحة نصب ناحية ومكان وجانب ونحوها كجهة ووجه هو ما يفيده كلام الهمع ونقل الحفيد عن الرضي أنه قال يستثنى من المبهم جانب وما بمعناه من جهة ووجه وكنف وخارج الدار وداخلها وجوف البيت فلا ينتصب شيء منها على الظرفية بل يجب التصريح معه بالحرف. ا. هـ. قال الحفيد ومنه ظاهر وباطن ولذا يلحن من يقول ظاهر باب الفتوح. ا. هـ. والذي في(2/189)
وشرط كون ذا مقيسًا أن يقع ... ظرفًا لما في أصله معه اجتمع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وناحية المسجد وسرت فرسخًا "و" الثانية "ما صيغ من" مادة "الفعل" العامل فيه "كمرمى من" مادة "رمى" تقول: رميت مرمى زيد، وذهبت مذهب عمرو، وقعدت مقعد بكر، ومنه: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} [الجن: 9] ، "وشرط كون ذا" المصوغ من مادة الفعل "مقيسًا أن يقع ظرفًا لما في أصله معه اجتمع" أي لما اجتمع معه في أصل مادته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الدماميني نقلا عن المصنف عدم صحة نصب نحو داخل وخارج وظاهر وباطن وجوف، قال لأن فيها اختصاصا ما إذ لا تصلح لكل بقعة. ا. هـ. وهو يؤيد كلام الشارح فتدبر. قوله: "ونحو المقادير" جعلها من المبهم أحد مذاهب للنحاة والثاني أنها من المختص لأن الميل مثلا مقدار معلوم من المسافة وكذا الباقي، والثالث وصححه أبو حيان أنها شبيهة بالمبهم من حيث إنها ليست شيئا معينا في الواقع فإن الميل مثلا يختلف ابتداؤه وانتهاؤه وجهته بالاعتبار فهي مبهمة حكما ويحتمل أن المصنف جرى على هذا وأراد بالمبهم ما يشمل المبهم حكما وسيذكر الشارح هذه المذاهب الثلاثة على ما في بعض النسخ. وظاهر إعادة الشارح لفظ نحو قبل المقادير أن لها نحوا غير الجهات وما أشبهها وما صيغ من الفعل العامل فيه فلينظر ما هو، وكلام المصنف يكفي في صدقه وجود نحو بعض الأشياء التي ذكرها.
قوله: "كفرسخ إلخ" الفرسخ ثلاثة أميال، والبريد أربعة فراسخ، والغلوة بفتح الغين المعجمة مائة باع، والميل قدر مد البصر وهو عشر غلوات فهو ألف باع نقله شيخنا عن الشارح. وفسر جماعة الغلوة بمقدار رمية السهم. قوله: "والثانية ما صيغ" أي أن يكون اسم المكان ظرفا صيغ فتناسب الحالتان، وجرى الشارح في حل النظم على خلاف ما يتبادر منه من كون ما صيغ معطوفا على الجهات فيكون من المبهم لأن الظاهر من كلامه في شرح الكافية ونص عليه غيره أنه من المختص كما سيأتي، وعليه فما صيغ معطوف على مبهما والتقدير إلا في حال كونه مبهما أو مصوغا من الفعل. قوله: "من مادة الفعل" أي حروفه قال سم مما يدل على أن المراد من مادة الفعل لا من نفسه قوله الآتي لما في أصله معه اجتمع. ا. هـ. وإنما قدر لفظ مادة دون مصدر كما قدره غيره ليجرى على القولين فيما اشتق منه غير الفعل والمصدر هل هو الفعل أو المصدر. قوله: "الفعل العامل فيه" جعل الشارح أل في الفعل للعهد والمعهود الفعل العامل فيه ويلزم على ذلك ضياع الشرط الذي ذكره المصنف بعد، إذ يلزم من صوغه من مادة الفعل العامل فيه اجتماعه معه في المادة ثم الفعل ليس بقيد إذ العامل فيه قد يكون وصفا نحو أنا جالس مجلس زيد أو مصدرا نحو أعجبني جلوسك مجلس زيد. قوله: "تقول رميت إلخ" قال شيخنا البعض عدد الأمثلة إشارة إلى أنه لا فرق في المصوغ المذكور بين الصحيح والمعتل والمفرد والجمع وهو لا ينهض حكمة لتعداده مثال المفرد الصحيح.
قوله: "ظرفا" هذا زائد على المقصود اشتراطه وهو الاجتماع في المادة. وإنما أتى به ليعلق به قوله لما في أصله إلخ وإنما كان زائدا لأن الظرفية مفهومة من اسم الإشارة الراجع إلى ما صيغ الواقع على الظرف المصوغ بقرينة المقام، وبهذا يعلم ما في كلام البعض. قوله: "في أصل(2/190)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كما مثل. وأما قولهم: هو مني مزجر الكلب ومناط الثريا، وعمرو مني مقعد القابلة ومعقد الإزار ونحوه فشاذ؛ إذ التقدير هو مني مستقر في مزجر الكلب فعامله الاستقرار، وليس مما اجتمع معه في أصله، ولو أعمل في المزجر زجر وفي المناط ناط وفي المقعد قعد لم يكن شاذًّا.
تنبيهان: الأول ظاهر كلامه أن هذا النوع من قبيل المبهم، وظاهر كلامه في شرح الكافية أنه من المختص وهو ما نص عليه غيره. وأما النوع الذي قبله فظاهر كلام الفارسي أنه من المبهم كما هو ظاهر كلام النظام وصححه بعضهم. وقال الشلوبين: ليس داخلًا تحت المبهم وصحح بعضهم أنه شبيه بالمبهم لا مبهم. الثاني إنما استأثرت أسماء الزمان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مادته" الإضافة للبيان فالأصل في المتن بمعنى المادة لا المصدر حتى يرد عليه نحو سرني جلوسك مجلس زيد لأنه ظرف لأصله لا لما اجتمع معه في أصله وإنما لم يكتف في نصب هذا النوع على الظرفية بالتوافق المعنوي كما اكتفى به في المفعول المطلق نحو قعدت جلوسا لكون نصبه على الظرفية مخالفا للقياس لكونه مختصا فلم يتجاوز به السماع بخلاف نحو قعدت جلوسا. قاله في المغني. قوله: "هو مني مزجر الكلب ومناط الثريا" جعل الدماميني من متعلقه بمضاف محذوف تقديره في هذين المثالين بعده مني وفي المثالين الآتيين قربه مني، وهو لا يناسب ما هو فرض الكلام من كون مزجر وأخواته ظرفا والمناسب له ما في التصريح من أن من والظرف متعلقان باستقرار محذوف خبر عن هو أي هو مستقر مني في مزجر الكلب ومناط الثريا أي في مكان بعيد كبعد مزجر الكلب من زاجره وكبعد مناط الثريا أي مكان نوطها وتعلقها من الشخص، والأول ذم والثني مدح كما قاله الدماميني. قوله: "وعمرو مني مقعد القابلة ومعقد الإزار" أي في مكان قريب كقرب مكان القابلة أي المولدة من المولودة، وكقرب محل عقد الإزار من عاقده. قوله: "ولو أعمل إلخ" أي بأن قدر بعد المجرور زجر بالبناء للمفعول وناط وقعد، ويظهر على هذا أن من بمعنى إلى وأن خبر هو الفعل المقدر أي هوبالنسبة إلى زجر مزجر الكلب وناط مناط الثريا إلخ، بل جعل من بمعنى إلى محتاج إليه على غير هذا الاحتمال أيضا فيما يظهر وأما قول المصرح المعنى على هذا هو مستقر مني قعد مقعد القابلة وزجر إلخ فلا يظهر فتأمل.
قوله: "ظاهر كلامه أن هذا النوع من قبيل المبهم" لأن المتبادر أن ما صيغ من الفعل معطوف على الجهات فيكون من أنواع المبهم وقد يوجه ظاهر النظم بأنه أراد بالمبهم ما يشمل المبهم حكما كما مر وهذا منه لأن مجلس زيد مثلا وإن تعين بالإضافة فهو مبهم من جهة اختلافه بالاعتبار وعدم كونه محدودا أفاده سم. قال شيخنا والذي في غالب النسخ: تنبيه إنما استأثرت إلخ وإسقاط التنبيه الأول. قوله: "النوع الذي قبله" وهو المقادير. قوله: "ليس داخلا تحت المبهم" أي لاختصاصه بقدر معلوم. قوله: "إنه شبيه بالمبهم" أي من حيث إنه ليس(2/191)
وما يرى ظرفًا وغير ظرف ... فذاك ذو تصرف في العرف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بصلاحية المبهم منها والمختص للظرفية عن أسماء المكان لأن أصل العوامل الفعل ودلالته على الزمان أقوى من دلالته على المكان؛ لأنه يدل على الزمان بصيغته، وبالالتزام، ويدل على المكان بالالتزام فقط، فلم يتعد إلى كل أسمائه بل يتعدى إلى المبهم منها لأن في الفعل دلالة عليه في الجملة، وإلى المختص الذي صيغ من مادة العامل لقوة الدلالة عليه حينئذ. ا. هـ. "وما يرى" من أسماء الزمان أو المكان "ظرفًا" تارة "وغير ظرف" أخرى "فذاك ذو تصرف في العرف" النحوي كيوم ومكان تقول: سرت يوم الجمعة، وجلست
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شيئا معينا في الواقع فإن الميل مثلا يختلف ابتداؤه وانتهاؤه وجهته بالاعتبار فهي مبهمة حكما ويحتمل أن المصنف جرى على هذا وأراد بالمبهم ما يشمل حكما كما مر، ولاحتمال كلام المصنف هذا قال الشارح فيما تقدم كما هو ظاهر كلام الناظم ولم يقل كما هو صريح كلام الناظم. قوله: "بصيغته" أي بهيئته الموضوعة له مطابقة. وقوله وبالالتزام أي لأنه يدل على الحدث بمادته الموضوعة له مطابقة والحديث يستلزم الزمان فقد دل على الزمان ثانيا بواسطة دلالته على الحدث بخلاف المكان فإنه يدل عليه التزاما بواسطة دلالته على الحدث فقط.
قوله: "فلم يتعدّ" أي بنفسه. قوله: "في الجملة" أي من بعض الوجوه وهو الالتزام لأنه لا بد لحدث الفعل من مكان ما. قوله: "وإلى المختص" هذا جرى منه على ما جرى عليه أولا في حل النظم من أن ما صيغ من الفعل من المختص كما سلف.
قوله: "لقوة الدلالة عليه حينئذٍ" لدلالة الفعل بالالتزام على مكان حدثه والظرف المصوغ من مادة الفعل يدل على مكان حدث الفعل فقويت دلالة الفعل على مدلول الظرف بدلالة الظرف عليه ثانيا. قوله: "حينئذٍ" أي حين إذ صيغ من مادة العامل. قوله: "وغير ظرف" أي مما لا يشبه الظرف بدليل قوله وغير ذي التصرف إلخ. قوله: "فذاك ذو تصرف" أي ظرف ذو تصرف أي يسمى بذلك حالة كونه ظرفا لا مطلقا بدليل ما سبق، وكذا يقال فيما بعد. واعلم أن من المتصرف ما هو كثير التصرف كيوم وشهر ويمين وشمال وذات اليمين وذات الشمال وما هو متوسطه كغير الأربعة الأخيرة وغير فوق وتحت من أسماء الجهات بخلاف فوق وتحت فلا يستعملان غير ظرفين أصلا كما في التسهيل. قال الدماميني وأجاز بعض النحويين فيهما فتصرف في نحو فوقك رأسك وتحتك رجلاك برفعهما بخلاف ما فوق الرأس نحو فوقك قلنسوتك وما تحت الرجل نحو تحتك نعلاك تفرقة بينهما. والذي حكاه الأخفش عن العرب في فوقك رأسك وتحتك رجلاك هو النصب، لكن وقع لبعض رواة البخاري وفوقه عرش الرحمن برفع فوق، ويتوقد تحته نارا برفع تحت وإنما يخرّجان على التصرف فتأمله. ا. هـ. ببعض اختصار. وبين مجردة من التركيب وما والألف وما هو نادره كالآن وحيث ودون لا بمعنى رديء ووسط بسكون السين، فتصرف الأول كقوله عليه الصَّلاة والسَّلام حين سمع وجبة أي سقطة: "هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا فهو يهوي في النار الآن حين انتهى" فالآن مبتدأ خبره حين انتهى، وتصرف الثاني كقول الشاعر:(2/192)
وغير ذي التصرف الذي لزم ... ظرفية أو شبهها من الكلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مكانك، فهما ظرفان. وتقول: اليوم مبارك ومكانك طاهر، وأعجبني اليوم ومكانك، وشهدت يوم الجمل، وأحببت مكان زيد، فهما في ذلك غير ظرفين لوقوع كل منهما في الأول مبتدأ وفي الثاني فاعلًا، وفي الثالث مفعولًا به، وكذا ما أشبهها "وغير ذي التصرف" منهما هو "الذي لزم ظرفية أو شبهها من الكلم" أي غير المتصرف وهو الملازم للظرفية على نوعين: ما لا يخرج عنها أصلًا كقط وعوض، تقول: ما فعلته قط ولا أفعله عوض وما يخرج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم
وتصرف الثالث كقوله:
ألم تريا أني حميت حقيبتي ... وباشرت حد الموت والموت دونُها
برفع دون، وتصرف الرابع كقوله:
وَسْطُهُ كَالْيَرَاعِ أَوْ سُرُجِ الْمَجْـ ... ـدَلِ طَوْرًا يَحْبُوْ وَطَوْرًا يُنِيرُ
برفع وسط على الابتداء، ويروى بالنصب على الظرفية خبرا مقدما والكاف مبتدأ أما وسط بتحريك السين فظرف كثير التصرف ولهذا إذا صرح بفي فتحت السين كما نقله الصفار عن العرب، وقال الفراء إذا حسنت في موضعه بين كان ظرفا نحو قعدت وسط القوم وإن لم تحسن كان اسما نحو احتجم وسط رأسه ويجوز في كل منهما التسكين والتحريك، لكن السكون أحسن في الظرف، والتحريك أحسن في الاسم. وقال ثعلب يقال وسط بالسكون في متفرق الأجزاء نحو وسط القوم ووسط بالتحريك في غير متفرقها نحو وسط الرأي وقال جماعة الساكن ظرف والمتحرك اسم لا ظرف تقول جلست وسط الدار أي في داخلها وضربت وسطه أي منتصفه كذا في الهمع والدماميني. قوله: "في الأول" أي المقول الأول المشتمل على مثالي الزمان والمكان، وكذا يقال فيما بعد قاله سم. قوله: "وكذا ما أشبهها" أي الأمثلة السابقة وفي نسخ بضمير التثنية أي اليوم والمكان. قوله: "أي شبهها" معطوف على محذوف كما سيشير إليه الشارح أي أو لزم ظرفية أو شبهها، ولا يجوز عطفه على ظرفية في النظم لاقتضائه أن بعض الظروف يلزم شبه الظرفية إن جعلت أن تنويعية أو أن غير المتصرف هو ما يلزم أحد الأمرين الدائر فلا يكون فيه تعرض لما يلزم الظرفية بعينها إن جعلت أو للأحد الدائر واللزوم منصبا على الأحد الدائر. قوله: "وهو الملازم للظرفية" أي الحقيقية والمجازية بدليل تقسيمه إلى النوعين بعده. قوله: "كقط" ظرف يستغرق ما مضى من الزمان، وعوض ظرف يستغرق ما يستقبل منه ولا يستعملان إلا بعد نفي أو شبهه، والأفصح في قط فتح القاف وتشديد الطاء مضمومة واشتقاقها من قططته أي قطعته، فمعنى ما فعلته قط ما فعلته فيما انقطع ومضى من عمري، وبنيت لتضمنها معنى من وإلى إذ المعنى من يوم خلقت إلى الآن، وعلى حركة لئلا يلتقي ساكنان، وكانت ضمة تشبيها بالغايات، وقد يكسر على أصل التقاء الساكنين. وقد تتبع قافه طاءه في الضم وقد تخفف مع ضمها أو إسكانها وعوض معرب إن أضيف نحو لا أفعله عوض العائضين مبني إن لم(2/193)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عنها إلى شبهها وهو الجر بالحرف نحو: قبل وبعد ولدن وعند. فيقضي عليهن بعدم التصرف مع أن من تدخل عليهن؛ إذ لم يخرجن عن الظرفية إلا إلى ما يشبهها؛ لأن الظرف والجار والمجرور سيان في التعلق بالاستقرار والوقع خبرًا وصلة وحالًا وصفة. ثم الظرف المتصرف: منه منصرف نحو يوم وشهر وحول، ومنه غير منصرف وهو غدوة وبكرة علمين لهذين الوقتين قصد بهما التعيين أو لم يقصد. قال في شرح التسهيل: ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يضف على الضم أو الكسر أو الفتح، وسمى الزمان عوضا لأنه كلما مضى منه جزء جاء عوضه آخر أفاده في المغني.
قوله: "وهو الجر بالحرف" أي من فقط لكثرة زيادتها في الظروف فلم يعتد بدخولها على ما لا يتصرف. وجر متى بإلى وحتى وأين بإلى مع عدم تصرفهما شاذ قياسا. قوله: "نحو قبل وبعد إلخ" سيأتي الكلام على قبل وبعد وشبههما ولدن وعند ولدى وحيث وإذا وإذ ولما ومع في باب الإضافة وعلى مذ ومنذ في باب حروف الجر وعلى سحر في باب ما لا ينصرف. قوله: "مع أن من تدخل عليهنّ" قال الرضي ومن الداخلة على الظروف غير المتصرفة أكثرها بمعنى في نحو جئت من قبلك ومن بعدك {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت: 5] ، وأما جئت من عندك وهب لي من لدنك فلابتداء الغاية. ا. هـ. وفي التصريح عن الناظم أن من الداخلة على قبل وبعد وأخواتهما زائدة. قوله: "لأن الظرف والجار والمجرور إلخ" لا يخفى أن التعليل ينتج أعم من المدعي الذي هو جعل شبه الظرفية الجر بمن خاصة فكان الأولى التعليل بما قلناه آنفا. قوله: "ثم الظرف المتصرف منه متصرف إلخ" أي ومنه مبني على السكون كإذ عند إضافة اسم الزمان إليها نحو: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] ، أو على غيره كأمس عند الحجازيين. قوله: "وهو غدوة وبكرة" الأولى من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والثانية من طلوع الشمس إلى الضحوة. قوله: "علمين لهذين الوقتين" أي علمين جنسيين بمعنى أن الواضع وضعهما علمين جنسيين لهذين الوقتين أعم من أن يكونا من يوم بعينه أولا وهذا معنى قوله قصد بهما التعيين أو لم يقصد كما وضع لفظ أسامة علما للحقيقة الأسدية أعم من أن يقصد به واحد بعينه أولا فالتعيين المنفي قصده هو التعيين الشخصي لا النوعي إذ هو لا بد منه فلا اعتراض بأن عدم قصد التعيين يصيرهما نكرتين منصرفتين. ويؤيد ما ذكرناه قول الدماميني كما يقال عند قصد التعميم: أسامة شر السباع، وعند التعيين هذا أسامة فاحذره يقال عند قصد التعميم غدوة أو بكرة وقت نشاط وعند قصد التعيين لأسيرنّ الليلة إلى غدوة وبكرة. قال وقد يخلوان من العلمية فينصرفان ومنه: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] ، وحكى الخليل جئتك اليوم غدوة وجئتني أمس بكرة. والتعيين في هذا لا يقتضي العلمية حتى يمنع الصرف لأن التعيين أعم من العلمية فلا يلزم من استعمالهما في يوم معين أن يكونا علمين لجواز أن يشار بهما إلى معين مع بقائهما على كونهما من أسماء الأجناس النكرات بحسب الوضع، كما تقول رأيت رجلا وأنت تريد شخصا معينا فيحمل على ما أردته من المعين ولا يكون علما. ا. هـ. ببعض اختصار وقال في الهمع: ذكر(2/194)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثالث لهما، لكن زاد في شرح الجمل لابن عصفور ضحوة فقال: إنها لا تنصرف للتأنيث والتعريف. والظرف غير المتصرف منه وغير منصرف فالمنصرف نحو سحر، وليل ونهار، وعشاء، وعتمة، ومساء، وعشية، غير مقصود بها كلها التعيين. وغير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعضهم أن غدوة في الآية إنما نونت لمناسبة عشيا. ا. هـ.
قوله: "والتعريف" أي بالعلمية الجنسية. قوله: "والظرف غير المتصرف منه منصرف وغير منصرف" أي ومنه مبني على السكون كمذ ولدن أو على غيره كمنذ وما ركب من أسماء الزمان أو المكان كصباح صباح ويوم يوم وصباح مساء، فإن فقد التركيب وأضيف أحدهما إلى الآخر أو عطف عليه أعرب وتصرف، والمعنى مع التركيب والإضافة والعطف واحد في الجميع عند الجمهور أي كل صباح وكل يوم، وكل صباح ومساء، وخالف الحريري في صباح مساء ففرق فيه بأن المعنى مع الإضافة أنه يأتي في الصباح وحده كما يختص الضرب في قولك ضربت غلام زيد بالغلام وحده دون زيد بخلافه مع التركيب والعطف، وكبين بين فإن فقد التركيب أعرب وتصرف، ومنه: {مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} [العنكبوت: 25] ، {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] ، ومن قرأه منصوبا مرفوع المحل فحملا له على أغلب أحواله وهو كونه ظرفا منصوبا كما قيل بذلك في: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11] ، وقيل غير ذلك. ومن غير المتصرف بالتاء عند غير خثعم ذا وذات مضافين إلى زمان فيلتزمون نصبهما على الظرفية: نحو لقيته ذا صباح وذا مساء وذات يوم وذات ليلة أي وقتا ذا صباح ووقتا ذا مساء ومدة ذات يوم ومدة ذات ليلة أي وقتا صاحب هذا الاسم ومدة صاحبة هذا الاسم. وأما خثعم فيخرجونهما على الظرفية كما حكاه عنهم سيبويه فيقولون سير عليه ذو يوم وذات يوم بالرفع، وإنما منع غيرهم تصرفهما لقلة إضافة المسمى إلى الاسم واستقباح كل العرب تصرف صفات الأزمان القائمة مقام موصوفاتها إذا لم توصف، فيقبح عند الجميع سير عليه طويل أي زمن طويل دون سير عليه طويل من الدهر، ومن غير المتصرف بالتاء أيضا حوال وحوالي، وحول وحولي وأحوال وأحوالي وليس المراد حقيقة التثنية والجمع، ومنه بدل بمعنى مكان لا بمعنى بديل نحو خذ هذا بدل هذا أي مكانه، أما بمعنى بديل فاسم متصرف لا ظرف ومنه مكان بمعنى بدل فكل من لفظ مكان وبدل إذا استعمل في أصل معناه فهو متصرف وإن استعمل في معنى الآخر لزم طريقة واحدة قاله الدماميني وغيره. قال صاحب ديوان الأدب: ويستعمل حواليك مصدرا كلبيك لأن الحوال والحول كما يطلقان بمعنى جانب الشيء المحيط به يطلقان بمعنى القوة.
قوله: "فالمنصرف نحو سحر إلخ" فيه أن سحرا وليلا ونهارا ونحوها متصرفة. ومن خروج سحر عن الظرفية وشبهها قوله تعالى: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] ، فكيف جعلها من غير المتصرف. قوله: "غير مقصود بها كلها التعيين" فإن قصد بها التعيين فما وجد فيه علة أخرى كسحر وعتمة وعشية لم يصرف وإلا صرف ففي مفهومه تفصيل فلا اعتراض، والعلة الأخرى في سحر العدل عن السحر وفي عتمة وعشية التأنيث لكن منع صرف عتمة وعشية حينئذٍ(2/195)
وقد ينوب عن مكان مصدر ... وذاك في ظرف الزمان يكثر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المنصرف نحو سحر مقصودًا به التعيين ومن العرب من لا يصرف عشية في التعيين "وقد ينوب عن" ظرف "مكان مصدر" فينتصب انتصابه نحو جلست قرب زيد، أي مكان قربه. ولا يقاس على ذلك لقلته فلا يقال: آتيك جلوس زيد مكان جلوسه "وذاك في ظرف الزمان يكثر" فيقاس عليه. وشرطه إفهام تعيين وقت أو مقدار: نحو كان ذلك خفوق النجم وطلوع الشمس، وانتظرته نحو جزور ومقدار حلب ناقة، والأصل وقت خفوق النجم، ووقت طلوع الشمس ومقدار نحر جزور ومقدار حلب ناقة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
تنبيه: قد يحذف أيضًا المصدر الذي كان الزمان مضافًا إليه فينوب ما كان هذا المصدر مضافًا إليه من اسم عين، نحو لا أكلمه القارظين، ولا آتيه الفرقدين، والأصل مدة غيبة القارظين ومدة بقاء الفرقدين. ا. هـ.
خاتمة: مما ينوب عن الظرف أيضًا صفته وعدده، وكليته أو جزئيته، نحو جلست
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إحدى لغتين كما يأتي. قوله: "وغير المنصرف نحو سحر" أي وعشية وعتمة وإنما لم يذكرهما لأن صرفهما مع التعيين هو الفصيح ومنعهما الصرف معه لغة قليلة كما قاله الدماميني. وأشار إليه الشارح في عشية بقوله ومن العرب إلخ قال الدماميني ولا يقدح في تنكيرها وصرفهما قصد أزمنة معينة منهما لما تقدم من أن التعيين أعم من العلمية. وقوله ومن العرب إلخ إشارة إلى مثال آخر لغير المتصرف من غير المنصرف وفصله عما قبله لضعفه عنه كما عرفت. وقوله عشية، أي وعتمة فيكونان كغدوة وبكرة السابقتين إذ لا فرق، وفي بعض النسخ ومنهم من يصرف بحذف لا فيكون إشارة إلى اختلاف العرب في بعض مفهوم قوله غير مقصود بها كلها التعيين فافهم. قوله: "فينتصب انتصابه" فهو مفعول فيه بطريق النيابة. قوله: "ولا يقاس على ذلك لقلته" قال سم لك أن تقول هذا من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وذلك مقيس عند الناظم إذا كان المضاف إليه غير قابل لنسبة الحكم إليه كما هنا إذ لا يتصوّر كون الجلوس في القرب بالمعنى المصدري فلم حكم على هذا بأنه غير مقيس. قوله: "يكثر" أي لقوة دلالة الفعل على الزمن كما مر. قوله: "أو مقدار" أي من الزمن وإن لم يكن معينا. قوله: "خفوق النجم" أي غروب الثريا. وقوله وحلب ناقة بسكون اللام وتحرك: استخراج ما في الضرع من اللبن، مصدر حلب يحلب بضم لام المضارع وكسرها. والحلب بالتحريك اللبن المحلوب كذا في القاموس. قوله: "لا أكلمه القارظين" هما رجلان خرجا يجنيان القرظ فلم يرجعا فصارا مثلا. قوله: "وصفته وعدده إلخ" أي دوال هذه المذكورات.
فائدة: هل يجوز عطف الزمان على المكان وعكسه؟ قال في المغني أجاز الفارسي في قوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} [هود: 60] ، أن يكون يوم القيامة عطفا على محل هذه. ا. هـ. قال الدماميني: إن أريد بالدنيا الأزمنة السابقة ليوم القيامة فلا إشكال في(2/196)
المفعول معه:
ينصب تالي الواو مفعولًا معه ... في نحو سيري والطريق مسرعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
طويلًا من الدهر شرقي مكان وسرت عشرين يومًا ثلاثين بريدًا، ومشيت جميع اليوم البريد، أو كل اليوم كل البريد أو نصف اليوم نصف البريد، أو بعض اليوم بعض البريد.
المفعول معه:
"ينصب" الاسم الفضلة "تالي الواو" التي بمعنى مع التالية لجملة ذات فعل أو اسم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عطفه عليها لأن كلا منهما زمان، وإن أريد بها هذه الدار من حيث هي مكان ففيه عطف زمان على مكان. وفي الكشاف ما يقتضي منعه فإنه لما تكلم في تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: 25] ، قال فإن قلت: عطف الزمان على المكان وهو يوم حنين على المواطن؟ قلت معناه وموطن يوم حنين أو في أيام مواطن كثيرة، ويجوز أن يراد بالمواطن الوقت كمقتل الحسين. ا. هـ. ووجهه بعض الأفاضل بأن الفعل مقتض لظرف الزمان اقتضاءه لظرف المكان فلا يجوز جعل أحدهما تابعا للآخر، فلا يعطف عليه كما لا يعطف المفعول فيه على المفعول به ولا المفعول على الفاعل ولا المصدر على شيء من ذلك وبأن ظرف الزمان ينتصب على الظرفية مطلقا بخلاف ظرف المكان فإنه يشترط فيه الإبهام فلما اختلفا من هذه الجهة لم يجز عطف أحدهما على الآخر، وبعدم سماع عطف أحدهما على الآخر لكن جوّزه بعضهم لاشتراكهما في الظرفية تقول ضربت زيدا يوم الجمعة وفي المسجد أو في المسجد ويوم الجمعة، وعليه جرى جدي ابن المنير في الانتصاف مناقشا به صاحب الكشاف. ا. هـ. باختصار.
المفعول معه:
قوله: "الاسم الفضلة" قدر الموصوف معرفة وإن كان تالي الواو اسم فاعل مضافا إلى معموله فلا تفيده الإضافة تعريفا ولا تخصيصا كما سيأتي لأن المراد من اسم الفاعل هنا الثبوت لا الحدوث فتفيده الإضافة تعريفا لعدم عمله حينئذٍ فتكون إضافته معنوية أو الاستمرار الشامل للأزمنة الثلاثة فتفيده الإضافة تعريفا باعتبار دلالته على المضي لعدم علمه بهدا الاعتبار كما قرروا مثل ذلك في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] ، ذكره يس في حواشي المختصر. قوله: "تالي الواو" فيه إشارة إلى عدم جواز الفصل بين الواو والمفعول معه ولو بالظرف وإن جاز الفصل به بين الواو والعاطفة ومعطوفها لتنزل الواو هنا والمفعول معه منزلة الجار والمجرور ذكره يس. ويجب ذكر هذه الواو إذ لم يثبت في العربية حذف واو المفعول معه كما في المغني. قوله: "التي بمعنى مع" أي التي للتنصيص على مصاحبة ما بعدها لمعمول العامل السابق أي مقارنته في الزمان سواء اشتركا في الحكم كجئت وزيدا أولا كاستوى الماء والخشبة وبذلك فارقت واو العطف فإنها تقتضي المشاركة في الحكم ولا تقتضي المقارنة في الزمان وإن وجدت في نحو كل رجل وضيعته ذكره شارح الجامع، فلو لم يمكن التنصيص بها على المصاحبة(2/197)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يشبهه مما فيه معنى الفعل وحروفه "مفعولًا معه" كما "في نحو سيري والطريق مسرعه" وأنا سائر والنيل، وأعجبني سيرك والنيل، فالطريق والنيل نصب بالمفعول معه. وخرج بالاسم نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن، ونحو سرت والشمس طالعة، فإن تالي الواو في الأول فعل وفي الثاني جملة، وبالفضلة نحو اشترك زيد وعمرو، وبالواو نحو جئت مع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لنصب ما قبلها وصحة تسلط العامل على ما بعدها كما في ضربت زيدا وعمرا كانت للعطف اتفاقا كما قاله الدماميني. ومما خرج بالتي بمعنى مع بالمعنى السابق نحو أشركت زيدا وعمرا وخلطت البر والشعير فما بعد الواو في مثل هذا مفعول به لا مفعول معه لأن المعية في مثله مستفادة مما قبل الواو لا منها فإنها لمجرد العطف فتدبر.
قوله: "ذات فعل" هذا مفهوم من قوله الآتي بما من الفعل إلخ سم. قوله: "أو اسم يشبهه" أي في العمل ومنه اسم الفعل بدليل تمثيله به فيما يأتي. واستثنوا الصفة المشبهة وأفعل التفضيل فلينظر وجهه. ثم رأيت في المغني ما يؤخذ منه وجهه حيث قال: وقد أجيز في حسبك وزيدا درهم كون زيدا مفعولا معه وكونه مفعولا به بإضمار يحسب وهو الصحيح لأنه لا يعمل في المفعول معه إلا ما كان من جنس ما يعمل في المفعول به. قوله: "مما فيه معنى الفعل وحروفه" يشكل عليه تمثيله فيما يأتي بقدني فتأمل. وقد أشار المصنف إلى هذه الشروط بالمثال. قوله: "كما في نحو" أي كالتالي للواو في نحو إلخ فزاد الشارح لفظة كما دفعا لتوهم تقييد تالي الواو بالطريق وأن الإشارة بنحو إلى غير سيري من بقية العوامل، وغفل البعض عن هذه الدقيقة وعن بقاء إعطاء القيود بالمثال مع زيادة كما فقال كان الأظهر عدم زيادة كما، ويكون الظرف وهو قوله في نحو قيدا لينصب بناء على طريقة المصنف من إعطائه القيود بالمثال فيكون مشيرا إلى بقية القيود التي ذكرها الشارح. قوله: "سيري والطريق" يفيد أنه لا يشترط في نصب الاسم على أنه مفعول معه جواز عطفه من حيث المعنى على مصاحبه وهو كذلك خلافا لابن جني. ا. هـ. سم ومما لا يصح فيه العطف استوى الماء والخشبة إن كان استوى بمعنى ارتفع فإن كان بمعنى تساوى أي تساوى الماء والخشبة في العلو فهو مما يصح فيه العطف. قوله: "بالمفعول معه" أي بسبب كونه مفعولا معه ولم يقل نصبا لأن المصدر يخبر به عن الواحد وغيره.
قوله: "وتشرب اللبن" أي بنصب تشرب كما قيده بذلك ابن هشام وعليه فالمراد بالاسم في التعريف الاسم الصريح وقال حفيد الموضح ينبغي أن يكون ذلك في غير نصب تشرب وإلا فهو اسم تأويلا فينبغي أن يكون مفعولا معه وبه صرح بعضهم. ا. هـ. والأول ظاهر صنيع الشارح لأن ظاهره أن الواو في المثال بمعنى مع وهي إنما تكون بمعنى مع على النصب كما قاله شيخنا. قوله: "فإن تالي الواو في الأول فعل إلخ" فيه أن تالي الواو في الأول جملة أيضا وقد يقال لما كان أحد ركني الجملة في الأول غير ظاهر بل ضمير مستتر كان التالي بحسب الظاهر الفعل فقط وباعتبار الظاهر يندفع أيضا ما يقال إن مقدرة قبل الفعل فتالي الواو اسم في الحقيقة وبأن المراد(2/198)
بما من الفعل وشبهه سبق ذا ... النصب لا بالواو في القول الأحق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عمرو، وبكونها بمعنى مع نحو جاء زيد وعمرو قبله أو بعده، وبكونها تالية لجملة نحو كل رجل وضيعته، فلا يجوز فيه النصب خلافًا للصيمري، وبكون الجملة ذات فعل أو اسم يشبهه نحو هذا لك وأباك فلا يتكلم به خلافًا لأبي علي، وأما قولهم: ما أنت وزيدًا، وكيف أنت وقصعة من ثريد، وما أشبهه فسيأتي بيانه "بما من الفعل وشبهه سبق ذا النصب" ذا النصب رفع بالابتداء خبره في المجرور الأول وهو بما، وسبق صلة ما ومن الفعل متعلق بسبق: أي نصب المفعول معه إنما هو بما تقدم في الجملة قبله من فعل وشبهه "لا بالواو في القول الأحق" خلافًا للجرجاني في دعواه أن النصب بالواو؛ إذ لو كان الأمر كما ادعى لوجب اتصال الضمير بها فكان يقال جلست وك، كما يتصل بغيرها من الحروف العاملة نحو إنك ولك وذلك ممتنع باتفاق، وأيضًا فهي حينئذ حرف مختص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالاسم في التعريف الاسم الصريح كما مر. قوله: "وفي الثاني جملة" أي وإن كانت الواو الحالية تفيد المقارنة. قوله: "نحو جاء زيد وعمرو قبله أو بعده" قال البعض تبعا للمصرح هذا خارج بقوله فضلة فلو قال بدل جاء رأيت لكان أولى. ا. هـ. ويرد بأن المراد بالفضلة كما هو أحد معنييها ما يتم الكلام بدونه ولو مرفوعا كالمعطوف في المثال بدليل أنه لو أريد بالفضلة غير المرفوع لدخل في التعريف نحو اشترك زيد وعمرا بالنصب مع أن المقصود خروجه لفساده فتدبر. قوله: "نحو كل رجل وضيعته" أي إذا قدر الخبر مثنى كأن قيل كل رجل وضيعته مقترنان، أما إذا قدر مفردا معطوفا على ضميره ما بعد الواو كأن قيل كل رجل موجود وضيعته لم يخرج لصحة كون ما بعد الواو حينئذٍ مفعولا معه. قوله: "فلا يجوز فيه النصب" أي في هذا المثال الأخير. قوله: "للصيمري" بفتح الميم وضمها. قوله: "فلا يتكلم به" أي لفساده لتعين أن يقال هذا لك ولأبيك على رأي الجمهور ويجوز وأبيك على مذهب المصنف كما سيأتي في محله. قوله: "خلافا لأبي علي" فإنه أجاز مثل ذلك بناء على مذهبه من الاكتفاء بما فيه معنى الفعل كالتنبيه والإشارة والظرف ولهذا أجاز في قوله:
هذا ردائي مطويا وسربالا
أن سربالا نصب على المعية بهذا والجمهور على أنه نصب بمطويا لا غير كما سيأتي. قوله: "فسيأتي بيانه" أي في قوله وبعدما استفهام إلخ. قوله: "ذا النصب رفع بالابتداء" فيه مسامحة إذ المرفوع بالابتداء ذا والنصب بدل أو عطف بيان. قوله: "متعلق بسبق إلخ" أي بمعمول سبق لتعلق من بحال محذوفة من ضمير سبق العائد على ما أي حال كونه كائنا من الفعل وشبهه والعامل في صاحب الحال عامل فيها. قوله: "إنما هو بما تقدم إلخ" أي بواسطة الواو فهي معدية العامل إلى المفعول معه دماميني. قوله: "لوجب اتصال" يعني لصح اتصال الضمير إذ اللازم على تقدير أن الناصب الواو الصحة لا الوجوب ألا ترى أن إن واللام مثلا يدخلان على الظاهر والضمير، ولا ترد إلا الاستثنائية لما سيذكره الشارح في أوائل الاستثناء. قوله: "فهي حينئذٍ" أي(2/199)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالاسم غير منزل منزلة الجزء فحقه أن لا يعمل إلا الجر كحروف الجر، ولا بالخلاف خلافًا للكوفيين. وإنما قيل غير منزلة الجزء للاحتراز من لام التعريف فإنها اختصت بالاسم، ولم تعمل فيه لكونها كالجزء منه بدليل تخطي العامل لها. وتناول إطلاق الفعل الظاهر كما مثل، والمقدر كقوله:
446- فما لك والتلدد حول نجد ... وقد ضاقت تهامة بالرجال
أي ما تصنع والتلدد. ومن أعمال شبه الفعل قوله:
447- فحسبك والضحاك سيف مهند
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حين إذ عملت. قوله: "ولا بالخلاف" أي مخالفة ما بعدها لما قبلها معطوف على قول المتن لا بالواو فهو قول ثالث للكوفيين. وكان الأولى تأخيره وذكره قبيل قوله وتناول لأن ما بعده مرتبط بما قبله ومما ردّ به قول الكوفيين أن الخلاف معنى من المعاني ولم يثبت النصب بالمعاني وإنما ثبت الرفع بها كالابتداء والتجرد، وأن الخلاف لو نصب لقيل ما قام زيد بل عمرا بالنصب وهو لا يقال اتفاقا. وبقي قول رابع وهو أن المفعول معه مفعول به لفعل محذوف أي سرت ولابست النيل.
قوله: "خلافا للكوفيين" تبع في حكايته عنهم المصنف في التسهيل. قال الدماميني ما حكاه المصنف عن الكوفيين إنما هو قول بعضهم. وقال معظمهم والأخفش انتصابه على الظرف، وذلك أن الواو لما أقيمت مقام مع المنصوب على الظرفية والواو في الأصل حرف لا يحتمل النصب أعطى ما بعده إعرابه عارية كما أعطى ما يعد إلا التي بمعنى غير إعراب غير ولو كان الأمر كما قاله هؤلاء لجاز النصب في كل رجل وضيعته مطردا وليس كذلك. قوله: "وتناول إطلاق الفعل" وتناول أيضا الفعل المتعدي وهو الصحيح خلافا لمن شرط اللزوم لئلا يلتبس بالمفعول به والناقص ككان وهو الصحيح بناء على أنها مشتقة وأنها تدل على معنى سوى الزمان سم. قوله: "أي ما تصنع" يؤخذ منه أنه ليس المراد بالمقدر المحذوف بل ما يعمه والعامل الذي يؤول إليه معنى الكلام فإن تصنع لا يتأتى أن يكون محذوفا في هذا التركيب لأنه لا يتعلق به الجار المذكور ويحتمل أن التقدير ما ثبت لك أو ما كان لك فيكون العامل محذوفا وهذا ما ذكره
__________
446- البيت من الوافر، وهو لمسكين الدارمي في ديوانه ص66؛ وشرح المفصل 2/ 50؛ والكتاب 1/ 308؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 3/ 142؛ ورصف المباني ص422.
447- صدره:
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا
والبيت من الطويل، وهو لجرير في ذيل الأمالي ص140؛ وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 581؛ وسمط اللآلي ص899؛ وشرح شواهد الإيضاح ص374؛ وشرح شواهد المغني 2/ 900؛ وشرح عمدة الحافظ ص407، 667؛ وشرح المفصل 2/ 51؛ ولسان العرب 1/ 312 "حسب"، 12/ 395 "ميج"، 15/ 66 "عصا"؛ ومغني اللبيب 2/ 563؛ والمقاصد النحوية 3/ 84.(2/200)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
448- فقدني وإياهم فإن ألق بعضهم ... يكونوا كتعجيل السنام المسرهد
وقوله:
449- لا تحبسنك أثوابي فقد جمعت ... هذا ردائي مطويًّا وسربالا
فسربالا: نصب على المفعول معه والعامل فيه مطويا لا هذا، خلافًا لأبي علي في تجويزه الأمرين.
تنبيه: أفهم بقوله سبق أن المفعول معه لا يتقدم على عامله وهو اتفاق. فلا يجوز والطريق سرت، وفي تقدمه على مصاحبه خلاف والصحيح المنع. وأجاز ذلك ابن جني تمسكًا بقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصنف في التسهيل ويمكن إجراء كلام الشارح عليه بأن يكون قوله أي ما تصنع بيانا لحاصل المعنى لا للفعل المقدر. فإن قلت: لم اكتفى بتقدير الفعل فيما ذكر ولم يكتف به في هذا لك وأباك حيث منع فيه النصب؟ أجيب بقوة الداعي للفعل فيما ذكر وهو تقدم الاستفهام الغالب دخوله على الفعل ووجود الجار والمجرور الذي الأصل في العمل فيه الفعل بخلاف ذاك فإن الداعي فيه وجود الجار والمجرور فقط ذكره الفاكهي.
قوله: "فحسبك إلخ" أي بناء على أن حسب اسم فعل بمعنى يكفي والكاف مفعوله وسيف فاعله والجمهور على أنه صفة مشبهة بمعنى كما في مبتدأ وسيف خبره والضحاك مفعول به لمحذوف أي ويحسب الضحاك أي يكفيه من أحسب إذا كفى وفاعل يحسب ضمير يعود على سيف لتقدمه رتبة والواو عاطفة جملة على جملة لا مفعول معه لأن الصفة المشبهة لا تنصب المفعول معه كما مر فضمته على الأول بنائية وعلى الثاني اعرابية له. وروي كما في المغني جر الضحاك ورفعه أيضا فالجرّ قيل بإضمار حسب أخرى وقيل بالعطف والرفع على أن الأصل وحسب الضحاك فحذف حسب وخلفه المضاف إليه. قوله: "فقدني" أي يكفيني. كتعجيل خبر يكونوا أي كذوي تعجيل. والمسرهد السمين. قوله: "في تجويزه الأمرين" أي بناء على مذهبه السابق من الاكتفاء بالعامل المعنوي.
قوله: "وهو اتفاق" أي محل اتفاق وفيه أن الرضي جوّز تقديمه على العامل مع تأخره عن
__________
448- البيت من الطويل، وهو لأسيد بن أبي إياس الهذلي في شرح أشعار الهذليين 2/ 628؛ والمقاصد النحوية 3/ 84.
449- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 76؛ والدرر 3/ 154؛ وشرح التصريح 1/ 343؛ والمقاصد النحوية 3/ 86.(2/201)
وبعد ما استفهام أو كيف نصب ... بفعل كون مضمر بعض العرب
__________
450- جمعت وفحشًا غيبة ونميمة ... ثلاث خصال لست عنها بمرعوي
وقوله:
451- أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوأة اللقبا
على رواية من نصب السوأة واللقب. يعني أن المراد في الأول جمعت غيبة ونميمة مع فحش. وفي الثاني ولا ألقبه اللقب مع السوأة لأن من اللقب ما يكون لغير سوأة ولا حجة له فيهما لإمكان جعل الواو فيهما عاطفة قدمت هي ومعطوفها وذلك في البيت الأول ظاهر وأما في الثاني فعلى أن يكون أصله ولا ألقبه اللقب ولا أسوءه السوأة، ثم حذف ناصب السوأة "وبعد ما استفهام أو كيف نصب" الاسم على المعية "بفعل كون مضمر" وجوبًا "بعض العرب" فقالوا: ما أنت وزيدًا. ومنه قوله:
452- ما أنت والسير في متلف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصاحب نحو إياك والنيل سرت. قوله: "أكنيه" بفتح الهمزة أي أدعوه بكنيته. قوله: "قدمت هي ومعطوفها" أي ضرورة كما سيأتي في باب العطف. قوله: "فعلى أن يكون إلخ" فتكون السوأة مفعولا مطلقا وعطفه من عطف الجمل. وأما اللقب فمفعول به ثان لألقب، تقول لقبته لقبا وبلقب كسميته اسما وباسم. ودعوى البعض أن هذا غير ظاهر وأن الظاهر كونه مفعولا مطلقا غير ظاهرة بل كونه مفعولا به أظهر لاحواج المفعولية المطلقة إلى تأويل اللقب بالتلقيب. قوله: "بفعل كون" أي بفعل مشتق من لفظ الكون لكن إذا صلح الكلام لتقدير غير فعل الكون كتصنع وتلابس جاز تقديره. فإن قلت لم أكتفى بتقدير الفعل في نحو ما أنت وزيدا ولم يكتف به في نحو هذا لك وأباك. أجيب بقوة الداعي للفعل في نحو ما أنت وزيدا لوجود مقتضيين له: تقدم الاستفهام الذي هو أولى بالفعل، والضمير المنفصل الذي كان متصلا به على أنه فاعله بخلاف نحو هذا لك وأباك فإن فيه مقتضيا للفعل واحدا كما بيناه قريبا. قوله: "وجوبا" صرح غيره بل هو أيضا في شرح التوضيح بأنه جوازا وهو الحق. قوله: "فقالوا ما أنت وزيدا" وقالوا ما شأنك وزيدا
__________
450- البيت من الطويل، وهو ليزيد بن الحكم في خزانة الأدب 3/ 130، 134؛ والدرر 3/ 156؛ وشرح شواهد المغني 2/ 697؛ وشرح عمدة الحافظ ص637؛ والمقاصد النحوية 3/ 86، 262؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 141؛ والخصائص 2/ 383؛ وشرح التصريح 1/ 344، 2/ 137؛ وهمع الهوامع 1/ 220.
451- البيت من البسيط، وهو لبعض الفزارين في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1146؛ والمقاصد النحوية 2/ 411، 3/ 89؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 141.
452- عجزه:
يبرح بالذكر الضابط
والبيت من المتقارب، وهو لأسامة بن حبيب الهذلي في الدرر 3/ 157؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 128؛ وشرح أشعار الهذليين 3/ 1289؛ وشرح المفصل 2/ 52؛ والمقاصد النحوية 3/ 93؛ وللهذلي في لسان العرب=(2/202)
والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق ... والنصب مختار لدى ضعف النسق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقالوا: كيف أنت وقصعة من ثريد، والأصل ما تكون وزيدًا، تكون وقصعة، فاسم كان مستكن وخبرها ما تقدم عليها من اسم استفهام، فلما حذف الفعل من اللفظ انفصل الضمير.
تنبيهان: الأول من ذلك أيضًا قوله:
453- أزمان قومي والجماعة كالذي ... لزم الرحالة أن تميل مميلا
فالجماعة نصب على المعية بفعل كون مضمر، والتقدير أزمان كان قومي والجماعة، كذا قدره سيبويه. الثاني في قوله بعض العرب إشارة إلى أن الأرجح في مثل ما ذكره الرفع بالعطف "والعطف إن يمكن بلا ضعف" من جهة المعنى أو من جهة اللفظ "أحق" وأرجح من النصب على المعية، كما في نحو جاء زيد وعمرو، وجئت أنا وزيد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي ما يكون شأنك. قوله: "ما أنت والسير في متلف" بفتح الميم اسم مكان أي طريق قفر يتلف فيه سالكه. وهو شطر بيت من المتقارب المثلوم وأنشده في الهمع وما أنت ولا ثلم عليه. قوله: "فاسم مكان مستكن" صريح في أنها ناقصة ولا يتعين بل يصح أن تكون تامة فكيف حال وما مفعول مطلق ذكره يس. قوله: "من ذلك" أي من إضمار ناصب المفعول معه ولما لم يكن هنا استفهام فصله عما قبله.
قوله: "أزمان قومي" جمع زمن وقومي اسم كان المحذوفة أو فاعلها وكالذي خبرها أو حال أي كالراكب الذي. والرحالة بكسر الراء سرج من جلد لا خشب فيه كانوا يتخذونه للركض الشديد أن تميل أي بسبب أن تميل. والضمير للرحالة ولعل لا مقدرة أي بسبب أن لا تميل، ويحتمل أن التقدير خوف أن تميل على أنه تعليل لكان قومي فيكون الضمير للجماعة بل هذا أقرب. ومميلا مصدر بمعنى ميلا. ورأيت بخط الشنواني بهامش الدماميني أن المراد بالبيت وصف ما كان من استواء الأمور واستقامتها قبل قتل عثمان رضي الله تعالى عنه. ا. هـ. قوله: "والتقدير أزمان كان قومي" تقدير كان هنا متعين، وتحتمل النقصان والتمام كما مر وتعينها هنا يرجح تقديرها في باقي الأمثلة ولأنها أعم الأفعال. ا. هـ. دماميني. وفيه أنه لا مانع هنا من تقدير نحو ثبت ووجد فتأمل. قوله: "وأرجح من النصب" لعدم الخلاف في جوازه بخلاف النصب إذ القائل بأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= 4/ 532 "عبر" وبلا نسبة في رصف المباني ص421؛ وشرح عمدة الحافظ ص404؛ والكتاب 1/ 203؛ وهمع الهوامع 3/ 93.
453- البيت من الكامل، وهو للراعي النميري في ديوانه ص134؛ والأزهية ص71؛ وخزانة الأدب 3/ 145، 148؛ والدرر 2/ 89؛ وشرح التصريح 1/ 195؛ والكتاب 1/ 305؛ والمقاصد النحوية 2/ 99؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 266؛ وشرح عمدة الحافظ ص405؛ والمقرب 1/ 160؛ وهمع الهوامع 1/ 122، 2/ 156.(2/203)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35، الأعراف: 19] ، برفع ما بعد الواو على العطف لأنه الأصل، وقد أمكن بلا ضعف، ويجوز النصب على المعية في مثله "والنصب" على المعية "مختار لدى ضعف النسق" إما من جهة المعنى كما في نحو قولهم: لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، فإن العطف فيه ممكن على تقدير لو تركت الناقة ترأم فصيلها وترك فصيلها يرضعها لرضعها، لكن فيه تكلف وتكثير عبارة فهو ضعيف، فالوجه النصب على معنى لو تركت الناقة مع فصيلها. ونحو قوله:
454- إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ ... فدعه وواكل أمره واللياليا
وقوله:
455- فكونوا أنتم وبني أبيكم ... مكان الكليتين من الطحال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النصب سماعي كما سيأتي في الخاتمة لا يجيزه ولصيرورة العمدة في النصب وإن قصد عدم التنصيص عليها وبقاء الاحتمال تعين الرفع أفاده الدماميني. قوله: "وزوجك" عطف على المستتر في اسكن وعمل فعل الأمر في الاسم الظاهر إنما يمتنع إذا لم يكن تابعا أما إذا كان تابعا فلا لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع فلا حاجة لما قيل إنه فاعل لمحذوف أي وليسكن زوجك الجنة على أنه يلزم عليه حذف الفعل المقرون بلام الأمر وهو شاذ. قوله: "لأنه الأصل" أي الغالب في الواو. قوله: "ويجوز النصب على المعية" المحل لفاء التفريع.
قوله: "على تقدير لو تركت إلخ" أي لأن مجرد تركهما لا يتسبب عنه الرضاع لاحتمال نفرتها من ولدها أو تباعدهما بخلاف تركها ترأم فصيلها من باب سمع أي تعطف عليه وتركه يرضعها أي يتمكن من رضاعها فإنه يتسبب عن ذلك رضاعه إياها بالفعل. قوله: "وتكثير عبارة" أي تكثير للعبارة المقدرة والعطف من عطف السبب على المسبب. قوله: "على معنى لو تركت الناقة مع فصيلها" أي معية في الحس والمعنى لئلا يرد احتمال كونه معها وهي نافرة منه فلا يرضعها فتفطن. قوله: "إذا أعجبتك" أي أوقعتك في عجب. ومعنى قوله وواكل أمره واللياليا على العطف اترك أمره لليالي واترك الليالي لأمره وهذا وجه التعسف الذي سيذكره. قوله: "مكان
__________
454- البيت من الطويل، وهو لأفنون التغلبي في حماسة البحتري ص164؛ ولمويلك العبدي في حماسة البحتري ص215؛ وبلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 99.
455- البيت من الوافر، وهو لشعبة بن قمير في نوادر أبي زيد ص141؛ وهو للأقرع بن معاذ في سمط اللآلي ص914؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 243؛ والدرر 3/ 154، 158؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 126، 2/ 640؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 429؛ وشرح التصريح 1/ 345؛ وشرح قطر الندى ص233؛ وشرح المفصل 2/ 48؛ والكتاب 1/ 298؛ واللمع ص143؛ ومجالس ثعلب ص125؛ والمقاصد النحوية 3/ 102؛ وهمع الهوامع 1/ 220.(2/204)
والنصب إن لم يجز العطف يجب ... أو اعتقد إضمار عامل تصب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن في العطف تعسفًا في الأول وتوهينًا للمعنى في الثاني. وفي النصب على المعية سلامة منهما فكان أولى. وإما من جهة اللفظ كما في نحو جئت وزيدًا واذهب وعمرًا؛ لأن العطف على ضمير الرفع المتصل لا يحسن ولا يقوى إلا مع الفصل ولا فصل. فالوجه النصب لأن فيه سلامة من ارتكاب وجه ضعيف عنه مندوحة "والنصب" على المعية "إن لم يجز العطف" لمانع معنوي أو لفظي "يجب" فالمانع المعنوي كما في سرت والنيل، ومشيت والحائط، ومات زيد وطلوع الشمس، ما لا يصح مشاركة ما بعد الواو منه لما قبلها في حكمه، والمانع اللفظي كما في نحو ما لك وزيدًا وما شأنك وعمرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكليتين" بضم الكاف ويقال الكلوتين بضم الكاف مع الواو لحمتان حمراوان لاصقتان بعظم الصلب والطحال بكسر الطاء دم متجمد. قوله: "تعسفا في الأول" تعبيره هنا بالتعسف وفيما مر بالتكلف تفنن. قوله: "وتوهينا" أي تضعيفا للمعنى في الثاني وجهه اقتضاء كون بني الأب مأمورين وهو خلاف المقصود لأن المقصود أمر المخاطبين بأن يكونوا مع بني أبيهم وبحث فيه بأنه ينتج التعين لا الرجحان فقط وإلى تعين النصب مال أبو البقاء وتبعه المصرح.
قوله: "يجب" جواب الشرط والشرط وجوابه خبر المبتدأ وهذا أولى من جعل جواب الشرط محذوفا ويجب خبر المبتدأ لأن حذف الجواب مع كون الشرط مضارعا ضرورة كذا قال غير واحد. وفيه أن محل كونه ضرورة إذا لم يكن الشرط المضارع مجزوما بلم وإلا جاز حذف الجواب كما سيأتي لكونه ماضيا في المعنى. واعلم أن عبارة المصنف تحتمل أمرين. الأول كون أو للتخيير والمعنى إذا امتنع العطف كما في سرت والنيل وجب أحد أمرين: إما النصب على المعية وإما النصب بإضمار عامل. الثاني كون أو للتنويع والمعنى أن ما امتنع فيه العطف نوعان: نوع يجب فيه النصب على المعية نحو سرت والنيل ونوع لا يجوز فيه النصب على المعية بل ينصب بإضمار عامل نحو:
علفتها تبنا وماء باردا
وعلى هذا حل الشارح غير أنه زاد في النوع الثاني وجها وهو تأويل العامل بما يصلح للمعطوف والمعطوف عليه ويرد على الاحتمال الأول ما لا تصح فيه المعية نحو علفتها إلخ وعلى الثاني أن دعوى عدم صحة تقدير العامل في النوع الأول غير مسلمة لأنه يصح في نحو سرت والنيل أن التقدير سرت ولابست النيل. قوله: "مما لا يصح" أي من تركيب أو كلام لا يصح فيه ما ذكر ومنه: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس: 71] ، إذ لا يقال أجمع زيد الشركاء بل جمعهم، ويقال أجمع أمره وعلى أمره أي عزم، فنصب شركاءكم لكونه مفعولا معه أو بتقدير اجمعوا بوصل الهمزة ومنه: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9] ، إذ الإيمان لا يتبوّأ فنصبه لكونه مفعولا معه أو بتقدير أخلصوا مثلا أو بتأويل تبوءوا بلزموا.
قوله: "كما في نحو ما لك وزيدا" أي بناء على غير مذهب المصنف أما على مذهبه(2/205)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ممتنع عند الجمهور، فيتعين النصب على المعية. هذا حيث أمكن النصب على المعية كما رأيت. فأما إذا امتنع مع امتناع العطف وهو رابع الأقسام وذلك كما في نحو قوله:
456- علفتها تبنًا وماء باردا
وقوله:
457- إذا ما الغانيات برزن يومًا ... وزججن الحواجب والعيونا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيصح العطف لأنه لا يقول بوجوب إعادة الجار في العطف على الضمير المجرور وإنما لم يمنعوا النصب كما منعوه في هذا لك وأباك لما أسلفناه وفي التسهيل وشرحه للدماميني ما نصه والنصب في هذين المثالين ونحوهما بكان مضمرة قبل الجار والتقدير ما كان لك وزيدا وما كان شأنك وزيدا، أو بمصدر لابس منويا بعد الواو فالتقدير ما لك وملابستك زيدا وكذا في المثال الآخر وهذان التوجيهان أجازهما سيبويه لكن على الثاني يخرج المنصوب عن كونه مفعولا معه إلى كونه مفعولا به. فإن قلت ويلزم عليه إعمال المصدر منويا. قلت قد اعتذر عن ذلك بأن المصدر هنا في قوة الملفوظ به لوضوح الدلالة عليه على أن المصنف صرح بجواز إعمال المصدر منويا وأطنب في الاستدلال عليه وذكر جملة من الشواهد عليه، وإذا قدر الناصب مصدرا منويا احتمل أن يكون معطوفا على الخبر الذي هو كائن المحذوف الذي يتعلق به لك، فالمعنى ما ملابستك زيدا إذ المعطوف على الخبر خبر وهو معنى صحيح. ا. هـ. مع حذف. ومنه يعلم أن في تعين نصب زيدا في المثال على المعية نظرا إلا أن يجاب بما يأتي قريبا. قوله: "وما شأنك وعمرا" بحث فيه الدماميني بأنه يجوز الجر على حذف المضاف وهو شأن وابقاء المضاف إليه على جره كما في قوله:
أكل امرىء تحسبين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا
والرفع على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، فدعوى تعين النصب فيه على المعية ممنوعة ويجاب بأن تعين النصب فيه إضافي أي بالنسبة إلى الجر على العطف على الضمير. قوله: "ممتنع عند الجمهور" أي جمهور البصريين لا النحويين لأن الكوفيين وبعض البصريين لا يوجبون إعادة الجار كالناظم كذا قال البعض تبعا لغيره والذي في الدماميني أن أهل الأمصار انضموا في المنع إلى أكثر البصريين فصار المجموع أكثر من الكوفيين وبعض البصريين فصحت إرادة جمهور النحويين. قوله: "هذا" أي ما تقدم من الأقسام الثلاثة أو الإشارة للقسم
__________
456- رجز لم يعلم قائله.
457- البيت من الوافر، وهو للراعي النميري في ديوانه ص269؛ والدرر 3/ 158؛ وشرح شواهد المغني 2/ 775؛ ولسان العرب 2/ 287 "زحج" والمقاصد النحوية 3/ 91؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 212، 7/ 233؛ والإنصاف 2/ 610؛ وأوضح المسالك 2/ 247؛ وتذكرة النحاة ص617؛ وحاشية يس 1/=(2/206)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن العطف ممتنع لانتقاء المشاركة والنصب على المعية ممتنع، لانتفاء المصاحبة في الأول، وانتفاء فائدة الإعلام بها في الثاني فأول العامل المذكور بعامل يصح انصبابه عليهما، فأول علفتها بأنلتها، وزججن بزين كما ذهب إليه الجرمي والمازني والمبرد وأبو عبيدة والأصمعي واليزيدي "أو اعتقد إضمار عامل" ملائم لما بعد الواو ناصب له "تصب" أي وسقيتها ماء وكحلن العيون. إلى هذا ذهب الفراء والفارسي ومن تبعهما.
تنبيه: بقي من الأقسام قسم خامس وهو تعين العطف وامتناع النصب على المعية نحو كل رجل وضيعته، واشترك زيد وعمرو، وجاء زيد وعمرو قبله أو بعده. ا. هـ.
خاتمة: ذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن هذا الباب سماعي. وذهب غيره إلى أنه مقيس في كل اسم استكمل الشروط السابقة وهو ما اقتضاه إيراد الناظم وهو الصحيح. والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأخير والأول أولى. قوله: "لانتفاء المشاركة" أي مشاركة الماء للتبن في العلف والعيون للحواجب في التزجيج الذي هو تدقيقها وتطويلها كما في التصريح وغيره. قوله: "وانتفاء فائدة الإعلام بها في الثاني" قال سم فيه نظر قال البعض كشيخنا تبعا لبعضهم: وجهه أن المقصود مصاحبة العيون للحواجب المزججة لا لمطلق الحواجب وفي الاعلام بها فائدة. ا. هـ. وأنت خبير بأن قوله والعيونا لم يقع إلا بعد إفادة تزجيج الحواجب فلا محصل له إلا مصاحبة العيون لتلك الحواجب المزججة وهذا معلوم مما قبله فلا فائدة للإعلام به.
قوله: "فأول العامل إلخ" أي ويكون ذلك مجازا مرسلا لا من باب التضمين كما زعمه البعض. قوله: "أو اعتقد إلخ" عطف على يجب من عطف الإنشاء على الإخبار للضرورة أو جريا على القول بجوازه والرابط لجملة اعتقد إلخ بالمبتدأ على جعل يجب خبرا عن النصب محذوف تقديره عامل له. قوله: "نحو كل رجل إلخ" المراد بنحو ما ذكر كل تركيب فقد فيه قيد من القيود السابقة. قوله: "وهو ما اقتضاه إيراد الناظم" حيث بوّب له مع الأبواب القياسية ولم ينبه على كونه سماعيا.
فائدة: قال الفارضي إذا اجتمعت المفاعيل قدم المفعول المطلق ثم المفعول به الذي تعدى إليه العامل بنفسه ثم الذي تعدى إليه بواسطة الحرف ثم المفعول فيه الزماني ثم المكاني ثم المفعول له ثم المفعول معه كضربت ضربا زيدا بسوط نهارا هنا تأديبا وطلوع الشمس. ا. هـ باختصار. والظاهر أن هذا الترتيب أولى لا واجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= 342؛ والخصائص 2/ 432؛ والدرر 6/ 180؛ وشرح التصريح 1/ 346؛ وشرح شذور الذهب ص313؛ وشرح ابن عقيل ص504؛ وشرح عمدة الحافظ ص635؛ وكتاب الصناعتين ص182؛ ولسان العرب 1/ 422 "رغب"؛ ومغني اللبيب 1/ 357؛ وهمع الهوامع 1/ 222، 2/ 130.(2/207)
الاستثناء:
ما استثنت إلا مع تمام ينتصب ... وبعد نفي أو كنفي انتخب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاستثناء:
الاستثناء هو الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها لما كان داخلًا أو منزلًا منزلة الداخل، فالإخراج جنس. وبإلا إلى آخره يخرج التخصيص ونحوه. وما كان داخلًا يشمل الداخل حقيقة والداخل تقديرًا وهو المفرغ. والقيد الأخير لإدخال المنقطع على ما ستراه "ما استثنت إلا مع" كلام "تمام" أي غير مفرغ موجبًا كان أو غير موجب "ينتصب" إلا أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاستثناء:
السين والتاء زائدتان وهو من المثنى بمعنى العطف لأن المستثنى معطوف عليه بإخراجه من حكم المستثنى منه أو بمعنى الصرف لأنه مصروف عن حكم المستثنى منه. قوله: "الاستثناء هو الإخراج إلخ" أظهر لأن الاستثناء في الترجمة بمعنى المستثنى بدليل ذكره في المنصوبات والاستثناء المعرف بالمعنى المصدري. قوله: "لما كان داخلا" أي في مفهوم اللفظ لغة وإن كان خارجا من أول الأمر في النية أو المراد بإخراج مكان داخلا إظهار خروج ما يتوهم دخوله فلا ينافي ما قالوه أنه يجب ملاحظة خروج المستثنى من أول الأمر بحيث يكون المستثنى منه مستعملا فيما عدا المستثنى والاستثناء قرينة على ذلك لئلا يلزم التناقض بإدخال الشيء ثم إخراجه، والكفر ثم الإيمان في لا إله إلا الله. قوله: "فالإخراج جنس" لشمول المعرف وغيره كالإخراج بالصفة وبدل البعض والشرط والغاية نحو: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، أكلت الرغيف ثلثه اقتل الذمي إن حارب و {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] قاله المصرح. قوله: "يخرج التخصيص" أراد به التخصيص بالوصف والإضافة لشيوعه فيهما وبنحوه التقييد بالغاية والشرط والحال والبدل ونحوها فلا يقال إن الاستثناء من التخصيص. قوله: "يشمل الداخل حقيقة إلخ" قال سم الوجه أن يقال الداخل حقيقة لفظا أو تقديرا فإن المستثنى المفرغ داخل حقيقة إلا أن الدخول تقديري من حيث إن المستثنى منه الذي هو محل الدخول مقدر لا ملفوظ. قوله: "ما استثنت إلا" أي الاستثنائية أما الوصفية فستأتي في الشرح.
فائدة: قال في الهمع الاستثناء في حكم جملة مستأنفة فلا يقدم معمول تالي إلا عليها فيمتنع ما أنا زيدا إلا ضارب ولا يؤخر معمول متلوها عنها فيمتنع ما ضرب إلا زيد عمرا، وما ضرب إلا عمرا زيد، وما مر إلا زيد بعمرو إلا على إضمار عامل يفسره ما قبله، ويستثنى من هذا المستثنى منه وصفته فيجوز تأخيرهما نحو ما قام إلا زيدا أحد، وما مررت بأحد إلا زيدا خير من عمرو، وأجاز الكسائي تأخير المعمول مرفوعا كان أو منصوبا أو مجرورا، واستدل بقوله:
فما زادني إلا غراما كلامها(2/208)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الانتصاب مع الموجب متحتم اتفاقًا، سواء كان المستثنى متصلًا وهو ما كان بعضًا من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وما كف إلا ماجد ضرّ بائس
وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا} [يوسف: 109، النحل: 43] ، إلى قوله: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [آل عمران: 184، النحل: 44] ، ووافقه ابن الأنباري في المرفوع والأخفش في الظرف والمجرور والحال نحو ما جلس إلا زيد عندك، وما مر إلا عمرو بك، وما جاء إلا زيد راكبا واختاره أبو حيان. ا. هـ. باختصار وقوله ويستثنى من هذا المستثنى منه وصفته أي وما فرغ له العامل نحو ما ضرب إلا زيد. قوله: "مع تمام أي غير مفرغ" في تفسير الشارح إشارة إلى أن التمام بمعنى التام أي مع العامل التام ولا حاجة إلى ذلك إذ يصح إبقاء التمام على مصدريته أي مع ذكر المستثنى منه أي ولو بالضمير المستتر. قوله: "موجبا كان" أي العامل التام وعلى هذا التعميم يكون قوله الآتي وبعد نفي إلخ تفصيلا لما أجمل هنا ويجوز أن يقيد ما هنا بالإيجاب بقرينة ما يأتي فيكون مقابلا له وهو أظهر، والمراد بالانتصاب على الأول ما يعم الواجب والجائز، وعلى الثاني الواجب. قوله: "متحتم اتفاقا" فيه نظر فإن الاتباع جائز في لغة حكاها أبو حيان وخرّج عليها قراءة بعضهم شذوذا فشربوا منه إلا قليل منهم وسيأتي أنه في تأويل لم يكونوا مني بدليل: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} [البقرة: 249] ، قال شيخنا الظاهر أن الوجوب إضافي بالنسبة لامتناع الاتباع فلا يرد أنه يجوز في الاسم بعد إلا في التام الموجب رفعه على أنه مبتدأ مذكور الخبر أو محذوفه ويكون المستثنى حينئذٍ الجملة كما قاله الفارضي وغيره. ا. هـ. وظاهر اطلاقه جريان ما ذكر في المتصل والمنقطع ولا بعد فيه بل يأتي ما يؤيده، وعبارة الدماميني: اعلم أن المستثنى المنقطع قد يكون مفردا كما تقدم وقد يكون جملة نحو: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ، إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} [الغاشية: 22-24] ، قال ابن خروف من بمتدأ ويعذبه الله الخبر والجملة في موضع نصب على الاستثناء المنقطع. قلت وأهمل الأكثرون عدّ هذه الجملة في الجمل التي لها محل من الإعراب وينبغي أن تعد على هذا. ا. هـ. أقول ممن عدها منها صاحب المغني فإنه قال والحق أنها تسع والذي أهملوه الجملة المستثناة والجملة المسند إليها ومثل الأولى بالآية ونقل كلام ابن خروف فيها وبقراءة بعضهم: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا} [البقرة: 229] ، على قول الفراء إن قليل مبتدأ حذف خبره أي لم يشربوا ثم قال وأما الثانية فنحو: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6، يس: 10] ، إذا أعرب سواء خبرا وأنذرتهم مبتدأ ونحو تسمع بالمعيدي خير من أن تراه إذا لم يقدر الأصل أن تسمع بل قدر تسمع قائما مقام السماع كما أن الجملة بعد الظرف في نحو: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} [الكهف: 47] ، وفي نحو: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] ، في تأويل المصدر وإن لم يكن معهما حرف سابك. ا. هـ. ومتى كان ما بعد إلا جملة فإلا بمعنى لكن ولو كان الاستثناء متصلا كما في الدماميني عن توضيح الناظم لكن إن نصب تالي إلا فهي كلكن المشددة وإن رفع فكالمخففة.
قوله: "سواء كان المستثنى متصلا" هكذا في نسخ وعليه فتعريفاه للمتصل والمنقطع(2/209)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المستثنى منه أو منقطعًا وهو ما لم يكن كذلك. وسواء كان متقدمًا على المستثنى منه أو متأخرًا عنه، تقول: قام القوم إلا زيدًا، وخرج القوم إلا بعيرًا، وقام إلا زيدًا القوم. وخرج إلا بعيرًا القوم. وهكذا تقول مع عامل النصب والجر.
تنبيه: ناصب المستثنى هو إلا، لا ما قبلها بواسطتها، ولا مستقلا، ولا استثنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ظاهران لا تحتاج صحتها إلى تقدير، لكن الأشهر جعل الاتصال والانقطاع وصفين للاستثناء لا المستثنى. وفي نسخ سواء كان الاستثناء متصلا وهو الموافق للأشهر، لكن عليه تحتاج صحة تعريفه للمتصل إلى تقدير أي وهو ذو ما كان بعضا أي وهو الاستثناء صاحب المستثنى الذي كان بعضا وكذا تعريفه المنقطع والصحيح أن الاستثناء حقيقة في المتصل مجاز في المنقطع لتبادر المتصل منه إلى الفهم عند التجرد عن القرائن وهذا شأن الحقيقة وقيل مشترك لفظي فيهما وقيل معنوي. قوله: "ما كان بعضا من المستثنى منه" أولى من قول غيره ما كان من جنس المستثنى منه لأنه يصدق على قام القوم إلا حمارا وجاء بنوك إلا ابن زيد مع أنهما من المنقطع. وتأويل الجنس بالنوع إنما يدفع ورود الأول لا الثاني ولأنه يخرج عنه نحو أحرقت زيدا إلا يده مما كان فيه المستثنى جزءا من المستثنى منه مع أنه من المتصل، ويعلم من هذا أن المراد بالبعض في التعريف ما يشمل الفرد والجزء. واعترض على تعريف المنقطع بما ذكر بأنه لا يشمل الاستثناء في قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] ، وقوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [البقرة: 188] ، فإن المستثنى فيهما بعض من المستثنى منه ومن جنسه مع أن الاستثناء منقطع، فينبغي أن يقال إن الاستثناء المتصل أن يحكم على ما بعد إلا مثلا وهو بعض مما قبلها بنقيض ما حكم به على ما قبلها فإن فقد أحد القيدين كان منقطعا ففقد القيد الأول نحو قام القوم إلا حمارا وفقد الثاني نحو الآيتين فإنه لم يحكم على الموتة الأولى بذوقهم لها في الجنة الذي هو نقيض عدم ذوقهم لها فيها، ولا على التجارة عن التراضي بعدم منع أكلها بالباطل الذي هو نقيض منع أكلها بالباطل أفاده الشهاب القرافي، وأسهل منه أن يقال في تعريف المتصل إخراج شيء دخل فيما قبل إلا مثلا بها.
قوله: "أو منقطعا" شرطه أن يناسب المستثنى منه فلا يجوز قام القوم إلا ثعبانا وأن لا يسبق ما هو نص في خروجه فلا يجوز صهلت الخيل إلا الإبل بخلاف صوتت الخيل إلا الإبل نقل شيخنا الأول عن الحلبي والثاني عن الشارح، وصرح به الدماميني. قوله: "لا ما قبلها بواسطتها" هذا رأي السيرافي وعزاه ابن عصفور وغيره إلى سيبويه والفارسي وجماعة من البصريين. وقال الشلوبين هو مذهب المحققين وعدل عن قوله في التسهيل لا بما قبلها معدي بها لأن التعدية إنما هي معروفة في الفعل وشبهه فلا تتناول عبارته بحسب الظاهر نحو قولك القوم إخوتك إلا زيدا كذا في الدماميني وإنما قال بحسب الظاهر لأنه إذا أول إخوتك المنتسبين لك بالأخوة كان من(2/210)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مضمرًا، خلافًا لزاعمي ذلك على ما أشعر به كلامه وصرح باختياره في غير هذا الكتاب. وقال إنه مذهب سيبويه والمبرد والجرجاني، مشى عليه ولده لأنها حرف مختص بالأسماء غير منزل منها منزلة الجزء. وما كان كذلك فهو عامل فيجب في إلا أن تكون عاملة ما لم تتوسط بين عامل مفرغ ومعموله، فتغلى وجوبًا إن كان التفريغ محققًا نحو ما قام إلا زيد، وجوازًا إن كان مقدرًا نحو ما قام أحد إلا زيد فإنه في تقدير ما قام إلا زيد؛ لأن أحدًا مبدل منه والمبدل منه في حكم الطرح، وإنما لم تعمل الجر لأن عمل الجر بحروف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شبه الفعل. وقوله ولا مستقلا معطوف على محل بواسطتها وهو النصب على الحال.
قوله: "على ما أشعر به كلامه" حيث قال ما استثنت إلا وسيقول وألغ إلا إلخ بناء على أن المراد إلغاؤها عن العمل، وظاهر كلامه أن الخلاف في عامل المنقطع أيضا ويؤخذ من كلام ابن الحاجب أن عامله إلا بالاتفاق فإنه قال بعد ذكر الأقوال وهذا كله في المتصل، وأما المنقطع فإن العامل فيه إلا وعملها فيه عمل لكن ولها خبر يقدر بحسب المعنى، ومنهم من يجيز إظهاره، ومنهم من يقول إنه حينئذٍ كلام مستأنف. ا. هـ. لكن قال الدماميني بعد نقله كلام ابن الحاجب هذا ما نصه: وقال الرضي أما المنقطع فمذهب سيبويه أنه أيضا منتصب بما قبل إلا من الكلام كما انتصب المتصل به فما بعد إلا عنده مفرد سواء كان متصلا أو منقطعا فهي وإن لم تكن حرف عطف إلا أنها كلكن العاطفة للمفرد على المفرد في وقوع المفرد بعدها فلهذا وجب فتح أن بعدها نحو زيد غني إلا أنه شقي. والمتأخرون لما رأوها بمعنى لكن قالوا إنها الناصبة بنفسها نصب لكن لاسمها وخبرها في الأغلب محذوف نحو جاءني القوم إلا حمارا أي لكن حمارا لم يجىء قالوا وقد يجيء خبرها ظاهرا نحو قوله تعالى: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ} [يونس: 98] ، وقال الكوفيون إلا في المنقطع بمعنى سوى وانتصاب المستثنى بعدها كانتصابه في المتصل وتأويل البصريين أولى لأن المستثنى المنقطع يلزم مخالفته لما قبله نفيا وإثباتا كما في لكن وفي سوى لا يلزم ذلك لأنك تقول لي عليك ديناران سوى الدينار الفلاني، وذلك إذا كان صفة وأيضا لكن للاستدراك وإلا في المنقطع كذلك لأنها ترفع توهم المخاطب دخول ما بعدها في حكم ما قبلها مع أنه ليس بداخل. ا. هـ. مع بعض حذف. قوله: "مختص بالأسماء" اعترض بأنها دخلت على الفعل في نحو نشدتك الله فعلت كذا. وأجيب بأنها داخلة على الاسم تأويلا، إذ المعنى لا أسألك إلا فعلك كذا. قوله: "فيجب في إلا إلخ" لو قال فهي عاملة لاتضحت نتيجة القياس الذي ركبه من الكل الأول التي أشار إليها بقوله فيجب في إلا إلخ. قوله: "ما لم تتوسط" أي لأن العامل حينئذٍ طالب لما بعدها وهو أقوى منها فقدم عليها سم. قوله: "إن كان التفريغ محققا" لعدم شيء في اللفظ يشتغل به العامل.
قوله: "وجوازا إلخ" أي لأن ما يشتغل به العامل في نية الطرح كما سيأتي فالرفع باعتبار التفريغ المقدر والنصب باعتبار وجود ما يشتغل به لفظا ويرد عليه أنه لا يتأتى أن يكون العامل(2/211)
إتباع ما اتصل وانصب ما انقطع ... وعن تميم فيه إبدال وقع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تضيف معاني الأفعال إلى الأسماء، وتنسبها إليها وإلا ليست كذلك، فإنها لا تنسب إلى الاسم الذي بعدها شيئًا بل تخرجه من النسبة، فلما خالفت الحروف الجارة لم تعمل عملها. وإنما لم تجز اتصال الضمير بها لأن الانفصال ملتزم في التفريغ المحقق والمقدر، فالتزم مع عدم التفريغ ليجري الباب على سنن واحد. ا. هـ "وبعد نفي" ولو معنى دون لفظ "أو كنفي" وهو النهي والاستفهام المؤول بالنفي وهو الإنكاري "انتخب" أي اختير "إتباع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مفرغا إلا على القول بأن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه، والصحيح أن العامل فيه مقدر فلا تفريغ للعامل المذكور لا محقق ولا مقدر، وتفريغ العامل المقدر محقق ويمكن دفعه بأنه لما كان عامل البدل غير ظاهر وكان العامل المذكور طالبا في المعنى للبدل وكان المبدل منه في نية الطرح كان العامل المذكور باعتبار عدم ظهور عامل البدل وكون المبدل منه في نية الطرح مفرغا للبدل. قوله: "وتنسبها إليها" عطف تفسير على تضيف. قوله: "تخرجه من النسبة" أي نسبة الجملة قبله مثبتة أو منفية وهل يصير في حكم المسكوت عنه أو الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي قولان يحتمل كلام الشارح كلا منهما خلافا لبعضهم والصحيح الثاني وعليه فهل هو منطوق أو مفهوم قولان.
قوله: "فلما خالفت الحروف الجارة إلخ" يرد عليه الجر بخلا وعدا فكان الأولى أن يقول ما في شرحه على التوضيح وإنما لم تعمل الجر لموافقتها الفعل معنى كما. قوله: "وإنما لم يجز اتصال الضمير بها إلخ" دفع لما يقال لو كانت إلا عاملة لجاز اتصال الضمير بها لأن الضمير يتصل بعامله. قوله: "لأن الانفصال ملتزم إلخ" أي لعدم عملها في حال التفريغ. قوله: "ولو معنى دون لفظ" تعرض الشارح للنفي لفظا ومعنى والنفي معنى فقط ولم يذكر النفي لفظا فقط نحو: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، لأنه نهي في المعنى ويمكن إدراجه في النهي بأن يراد به النهي ولو معنى فقط كما في الآية فإن النفي فيها بمعنى النهي وكما في قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ} [الأنفال: 16] ، فإنه شرط في معنى النهي أي لا تولوا الأدبار إلا متحرفين فتأمل. ومن النفي معنى فقط {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] ، أي لا يريد الله إلا ذلك وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين أي لا تسهل إلا عليهم لكن هذه الأمثلة من التفريغ الذي ليس الكلام فيه الآن وقلّ رجل يقول ذلك إلا زيد أي لا رجل يقول ذلك إلا زيد. وأما لو فالنفي فيها ضمني لا قصدي فإذا قلت لو جاءني إخوتك إلا زيدا لأكرمتهم تعين النصب وأما {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ، فإلا بمعنى غير كما نقله يس عن ابن هشام وسيجيء في الشرح.
قوله: "وهو الإنكاري" مراده به ما يشمل التوبيخي والفرق بينهما أن المستفهم عنه في الأول غير واقع ومدعيه كاذب، وفي الثاني واقع ومدعيه صادق وإن كان ملوما فالمراد بكون الثاني في معنى النفي أنه في معنى نفي الابتغاء واللياقة، ويقال للأول الإبطالي أيضا. قوله:(2/212)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما اتصل" لما قبل إلا في إعرابه فمثاله بعد النفي لفظًا ومعنى: ما قام أحد إلا زيد، وما رأيت أحدًا إلا زيدًا، وما مررت بأحد إلا زيد. ومثاله بعد النفي معنى دون لفظ قوله:
458- وبالصريمة منهم منزل خلق ... عاف تغير إلا النؤي والوتد
فإن تغير بمعنى لم يبق على حاله. ومثال شبه النفي لا يقم أحد إلا زيد، وهل قام أحد إلا زيد، {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135] .
تنبيهات: الأول المستثنى عند البصريين والحالة هذه بدل بعض من المستثنى منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"انتخب اتباع ما اتصل" أي إن لم يطل الفصل بين التابع والمتبوع ولم يكن ردا لكلام تضمن استثناء ولم يتقدم المستثنى على المستثنى منه كما سيأتي في المتن، وإلا كان المختار النصب نحو ما جاءني أحد حين كنت جالسا هنا إلا زيدا لأن اختيار الاتباع ليتشاكل المستثنى والمستثنى منه ومع طول الفصل لا يتبين ذلك، ونحو ما قاموا إلا زيدا ردا لقول قائل قاموا إلا زيدا. ليتطابق الكلامان ودعوى بعضهم تعين النصب في هذه الصورة مردودة كما أفاده الدماميني بل نازع أبو حيان في اختيار النصب فيها وفي الصورة قبلها كما في الهمع ونحو ما قام إلا زيدا أحد. وإذا انتقض النفي أو النهي بإلا كانا في حكم الإثبات فينصب ما بعد إلا الثانية نحو ما شرب أحد إلا الماء إلا زيدا، ولا تأكلوا إلا اللحم إلا عمرا، وما مررت بأحد إلا قائما إلا بكرا، فهذا ونحوه بمنزلة ما لا نفي فيه ولا نهي إذا المعنى شربوا الماء إلا زيدا وكلوا اللحم إلا عمرا ومررت بهم قائمين إلا بكرا قاله الدماميني، وظاهر المتن والشرح اختيار الاتباع على البدلية في صورة نصب المستثنى منه أيضا نحو ما ضربت أحدا إلا زيدا وبه صرح في المغني قال الدماميني ومقتضى التعليل بتشاكل المستثنى والمستثنى منه تساوي البدلية والنصب على الاستثناء في هذه الصورة. قوله: "وبالصريمة" أي في الرملة المنصرمة من معظم الرمل. والخلق بفتحتين البالي، والعافي الدارس، والنؤى بنون مضمومة وهمزة ساكنة حفيرة حول الخباء تصنع لمنع دخول ماء المطر. والوتد معروف.
قوله: "ومن يغفر الذنوب" أي أيّ موجود، أي ليس موجود يغفر الذنوب إلا الله فاندفع ما قيل إن الكلام في الاستثناء من كلام تام وما في الآية مفرغ. قوله: "الأول المستثنى" أي وحده على المشهور وقال غير واحد من المحققين المستثنى مع إلا لأن البدل يحل محل الأول فيقال ما قام إلا زيد ولا يقال ما قام زيد وحينئذٍ لا يرد الاعتراض الذي سيذكره الشارح ولا يخرج على هذا القول عن كونه بدل بعض لأن إلا زيد بمعنى غير زيد، وغير زيد بعض أحد لصدق أحد بزيد
__________
458- البيت من البسيط، وهو للأخطل في ديوانه ص114؛ وشرح التصريح 1/ 349؛ وشرح شواهد المغني 2/ 670؛ وشرح عمدة الحافظ ص380؛ والمقاصد النحوية 3/ 103؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 255؛ ومغني اللبيب 1/ 276.(2/213)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعند الكوفيين عطف نسق قال أبو العباس ثعلب: كيف يكون بدلًا وهو موجب ومتبوعه منفي. وأجاب السيرافي بأنه بدل منه في عمل العامل فيه، وتخالفهما في النفي والإيجاب لا يمنع البدلية لأن سبيل البدل أن يجعل الأول كأنه لم يذكر والثاني في موضعه. وقد يخالف الموصوف والصفة نفيًا وإثباتًا نحو مررت برجل لا كريم ولا لبيب. الثاني إذا تعذر البدل على اللفظ أبدل على الموضوع نحو ما جاءني من أحد إلا زيد ولا أحد فيها إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وغيره هذا هو الأظهر ونقل شيخنا عن الشارح ما يفيد أنه على هذا بدل كل من كل وتوجيهه أن غير زيد نفس المنفي عنه القيام في الواقع وإن كان بعض مدلول لفظ أحد لغة. قوله: "بدل بعض" ولا يحتاج هنا إلى ضمير رابط لأن إلا قرينة على أن الثاني كان بعض ما يتناوله الأول لولاها قاله الدماميني. قوله: "عطف نسق" أي لأن إلا عندهم من حروف العطف في الاستثناء خاصة. ا. هـ. تصريح ورد الجمهور مذهبهم باطراد نحو ما قام إلا زيد وليس لنا حرف عطف يلي العامل باطراد. وأجاب ابن هشام بأنه ليس تاليها في التقدير إذ الأصل ما قام أحد إلا زيد قال الدماميني لكن يلزم عليه جواز حذف المعطوف عليه باطراد والفرض أنه غير مطرد.
قوله: "قال أبو العباس إلخ" اعتراض على مذهب البصريين واعترض أيضا بأن بدل البعض لا بد فيه من ضمير يربطه بالمبدل منه وهو مفقود في نحو ما قام أحد إلا زيد وجوابه أن خصوص ربطه بالضمير غير واجب إنما الواجب مطلق ربطه وهو حاصل في المثال بإلا لدلالتها على إخراج الثاني من الأول وكونه بعضا منه كما مر عن الدماميني. قوله: "وهو موجب ومتبوعه منفي" أي ويجب تطابق البدل والمبدل منه إثباتا ونفيا ومحصل الجواب منع ذلك والسؤال والجواب مبنيان على القول بأن البدل هو المستثنى وحده دون القول بأنه هو مع إلا وهو المفهوم من قول الرضي كما جاز في نحو مررت برجل لا ظريف ولا كريم أن يجعل حرف النفي مع الاسم بعده صفة والإعراب على الاسم، كذلك يجوز في ما جاء القوم إلا زيد أن يجعل قولنا إلا زيد بدلا والإعراب على الاسم. ا. هـ. ونقله الدماميني عن بعض الفضلاء وأيده. قوله: "في عمل العامل" أي مماثل العامل لما عرفت أي بقطع النظر عن النفي والإثبات فقولهم هو المقصود بالنسبة أي نسبة مثل العامل بقطع النظر عن النفي والإثبات. قوله: "كأنه لم يذكر" أي ولا تعلق للنفي والإثبات بذلك. قوله: "وقد يتخالف الموصوف والصفة" الظاهر أنه تأييد لمنع وجوب توافق البدل والمبدل منه بأن لتخالفهما في ذلك نظيرا وهو تخالف الصفة والموصوف فسقط ما ذكره البعض ومثلهما المعطوف والمعطوف عليه نحو قام زيد لا عمرو. قوله: "إذا تعذر البدل على اللفظ إلخ" التمثيل بلا أحد فيها إلا زيد يدل على أنهم أرادوا باللفظ ما يشمل المحل المجدد بدخول العامل الموجود فإن المنفي في المثال التبعية للنصب محلا لا لفظا قاله سم. قوله: "أبدل على الموضع" قال البهوتي انظر ما الحكمة في ارتكاب هذا التكلف مع أن القاعدة أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، ومثلوا له بنحو قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35، الأعراف: 19] ، كما مر بيانه أي فهلا جاز جرما بعد إلا في المثال الأول(2/214)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيد، وما زيد شيئًا إلا شيء لا يعبأ به برفع ما بعد إلا فيهن، ونحو: ليس زيد بشيء إلا شيئًا بنصه لأن من والباء لا يزادان في الإيجاب، وما ولا لا يقدران عاملتين بعده كما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والأخير ونصبه في الثاني والثالث بناء على هذه القاعدة ويرده تصريح بعض المحققين بأن ذلك ليس قاعدة مطردة في كل محل بل معناه قد يغتفر إلخ.
قوله: "ولا أحد فيها إلا زيد" برفع زيد مراعاة لمحل لا مع اسمها قبل دخول الناسخ أما الأول فمال إليه في المغني ووجهه بأنهما في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه ويصح إحلال البدل محلهما فيقال زيد فيها واستشكله الدماميني، وأسلفنا في باب لا تأويل كلام سيبويه بما يرجعه إلى الثاني وأما الثاني فنقله في المغني عن الأكثرين واستشكل بعدم صحة إحلال البدل محل المبدل منه وأجاب الشلوبين بأن هذا الكلام على توهم ما فيها أحد إلا زيد وهذا يمكن فيه الإحلال بأن يقال ما فيها إلا زيد وهذا القول الثاني إنما يأتي على عدم اشتراط وجود طالب المحل وذهب كثير إلى أنه بدل من الضمير المستكن في الخبر والأقوال الثلاثة تأتي في رفع الاسم الشريف من كلمة التوحيد لكن على الأول يذكر الخبر عند الإحلال فيقال الله موجود كما في المغني وعلى الثاني يكون الإحلال لكون المعنى ما في الوجود إله إلا الله وهذا يمكن فيه الإحلال وقيل رفع الاسم الشريف على الخبرية وضعفه في المغني بما نقل الدماميني جوابه ومر في باب لا كلام في ذلك وقد ينصب على الاستثناء من الضمير المستكن في الخبر المقدر.
فائدة: قال في المغني يجوز في نحو ما أحد يقول ذلك إلا زيد بدلا من أحد وهو المختار أو بدلا من ضميره ونصبه على الاستثناء فرفعه من وجهين ونصبه من وجه. ونحو ما رأيت أحدا يقول ذلك إلا زيدا نصبه من وجهين ورفعه من وجه ومن مجيئه مرفوعا قوله:
في ليلة لا نرى بها أحدا ... يحكى علينا إلا كواكبها
اهـ. وقوله وهو المختار أي لأن الإبدال من صاحب الضمير أرجح لأنه الأصل ولأنه لا يحوج إلى التأويل الذي في الإبدال من الضمير وهو أن صحة الإبدال من الضمير لشمول النفي للضمير معنى لأن معنى ما أحد يقول ذلك، ما يقول أحد ذلك، ولا بد من جعل رأي في مثاله الثاني علمية على تقييد سيبويه جواز الإبدال من الضمير يكون صاحبه مبتدأ في الحال أو في الأصل. وقال الرضي أنا لا أرى بأسا مع غير الابتداء ونواسخه أيضا بالإبدال من ضمير راجع إلى ما يصلح للإبدال منه إذا شمل النفي عامل ذلك الضمير نحو ما كلمت أحدا ينصفني إلا زيد لأن المعنى ما أنصفني أحد كلمته إلا زيد بخلاف لا أوذي أحدا يوحد الله إلا زيدا فلا يجوز الإبدال من ضمير يوحد لأن التوحيد ليس بمنفي بل الأذى فقط. ا. هـ. دماميني وشمني. قوله: "إلا شيء" بالرفع لمراعاة محل شيئا قبل دخول الناسخ بناء على عدم اشتراط وجود الطالب للمحل وعلى اشتراطه يجعل شيء خبر مبتدأ محذوف أي هو شيء لا يعبأ به وإلا حينئذٍ بمعنى لكنّ. قوله: "لا يزادان في الإيجاب" أي على غير مذهب الأخفش والمراد لا يزادان قياسا فلا يرد بحسبك درهم وكفى بالله لقصوره على السماع.(2/215)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقدم في موضعه. الثالث أفهم قوله انتخب أن النصب جائز، وقد قرئ في السبع: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66] ، {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 81] ، بالنصب. ا. هـ. "وانصب" والحالة هذه أعني وقوع المستسنى بعد نفي أو شبهه "ما انقطع" تقول: ما قام أحد إلا حمارًا، ما مررت بأحد إلا حمارًا، هذه لغة جميع العرب سوى تميم، وعليها قراءة السبعة: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157] ، "وعن تميم فيه إبدال وقع" كالمتصل فيجيزون ما قام أحد إلا حمار، وما مررت بأحد إلا حمار. ومنه قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "إلا امرأتك بالنصب" كلامه مبني على أن النصب على الاستثناء من أحد وفر الزمخشري من تخريج قراءة الأكثر على اللغة المرجوحة وإن جوّزه بعضهم فجعل النصب على الاستثناء من أهلك والرفع على الاستثناء من أحد فاعترض بلزوم تناقض لاقتضاء النصب كون المرأة غير مسري بها والرفع كونها مسري بها لأن الالتفات بعد الإسراء. وردّ بأن إخراجها من أحد لا يقتضي أنها مسرى بها بل إنها معهم فيجوز أن تكون سرت بنفسها وقد روي أنها تبعتهم أنها والتفتت فرأت العذاب فصاحت فأصابها حجر فقتلها وقال في المغني الذي أجزم به أن قراءة الأكثر لا تكون مرجوحة وأن الاستثناء من أهلك على القراءتين بدليل سقوط ولا يلتفت منكم أحد في قراءة ابن مسعود وأن الاستثناء منقطع لسقوطه في آية الحجر ولأن المراد بالأهل المؤمنون وإن لم يكونوا من أهل بيته ووجه الرفع أنه على الابتداء وما بعده الخبر كما في آية لست عليهم بمسيطر.
قوله: "تقول ما قام أحد إلا حمارا" نقل عن القرافي أن أحدا إذا كان في سياق النفي لا يختص بمن يعقل وعليه فلا يظهر ما ذكر مثالا للمنقطع. واعلم أن إلا في المنقطع بمعنى لكن عند البصريين كما مر بيانه. قوله: "وعن تميم فيه إبدال وقع" وعلى لغتهم قرأ بعضهم ما لهم به من علم إلا اتباع الظن بالرفع وجعل منها الزمخشري {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ} [النمل: 65] ، فأعرب من فاعلا والله بدلا على لغة تميم في المستثنى المنقطع، واعترض بأنه تخريج لقراءة السبعة على لغة مرجوحة وجعل ابن مالك الاستثناء متصلا بتقدير متعلق الظرف يذكر لا استقر وجعل غيرهما من مفعولا والغيب بدل اشتمال منه والله فاعلا. قوله: "كالمتصل" التشبيه في مجرد جواز الإبدال وإن كان برجحان في المتصل ومرجوحية في المنقطع. قوله: "فيجيزون ما قام أحد إلا حمار" فحمار بدل غلط صرح به الرضي، وقال سم بدل كل بملاحظة معنى إلا، إذ معنى إلا حمار غير حمار وغير حمار يصدق على الأحد. ا. هـ. وفيه أنه كيف يكون الأعم بدل كل من كل نعم إن أريد من العام خاص كما يأتي نظيره صح فتدبر. قوله: "اليعافير" جمع يعفور وهو ولد البقرة الوحشية والعيس جمع عيساء وهي الإبل التي يخالط بياضها صفرة. قوله:(2/216)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
459- وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس
وقوله:
460- عشية لا تغني الرماح مكانها ... ولا النبل إلا المشرفي المصمم
وقوله:
461- وبنت كرام قد نكحنا ولم يكن ... لنا خاطب إلا السنان وعامله
تنبيه: شرط جواز الإبدال عندهم والحالة هذه أن يكون العامل يمكن تسلطه على المستثنى كما في الأمثلة والشواهد. فإن لم يمكن تسلطه وجب النصب اتفاقًا نحو ما زاد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"عشية" منصوب على الظرفية بأجاهد في البيت السابق مكانها أي مكان الحرب والمشرفي نسبة إلى مشارف وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف يقال: سيف مشرفي ولا يقال: مشارفي لأن الجمع لا ينسب إليه لا يقال: جعافري قاله العيني وفي المصباح مشارف الأرض أعاليها الواحد مشرف وزان جعفر. ا. هـ. فعلم أن المنسوب إليه جمع واقع على القرى المذكورة وأن القياس في النسبة إلى مشارف مشرفي لأن القياس في النسبة إلى الجمع أن تنسب إلى مفرده فقول البعض نسبة إلى مشارف على غير قياس فاسد. والمصمم اسم فاعل الماضي حده.
قوله: "وعامله" أي السنان وهو ما يليه. قوله: "شرط جواز الإبدال إلخ" يشعر بهذا الشرط قوله فيه إبدال لأن من شأن البدل أن يصح وقوعه موقع المبدل منه من حيث هو مقصود بالحكم سم. قوله: "يمكن تسلطه على المستثنى" بحث فيه شيخنا بما حاصله إن كان المراد مع إلا بأن يقال ما قام إلا حمار وليس بها إلا اليعافير لم يوافق ظاهر قوله إذ لا يقال زاد النقص ولا نفع
__________
459- الرجز لجران العود في ديوانه ص97؛ وخزانة الأدب 10/ 15، 18؛ والدرر 3/ 162؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 140؛ وشرح التصريح 1/ 353؛ وشرح المفصل 2/ 117، 3/ 37، 7/ 21؛ والمقاصد النحوية 3/ 107؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 91؛ والإنصاف 1/ 271؛ وأوضح المسالك 2/ 261؛ والجني الداني ص164؛ وجواهر الأدب ص165؛ وخزانة الأدب 4/ 121، 123، 124، 7/ 363، 9/ 258، 314؛ ورصف المباني ص417، وشرح شذور الذهب ص344؛ وشرح المفصل 2/ 80؛ والصاحبي في فقه اللغة ص136؛ والكتاب 1/ 263؛ 2/ 322؛ ولسان العرب 6/ 198 "كنس" 15/ 433 "ألا"؛ ومجالس ثعلب ص452؛ والمقتضب 2/ 319، 347، 414؛ وهمع الهوامع 1/ 225.
460- البيت من الطويل، وهو لضرار بن الأزور في تذكرة النحاة ص330؛ وخزانة الأدب 3/ 318؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 128؛ والمقاصد النحوية 3/ 109؛ وللحصين بن الحمام برواية "المصمما" مكان "المصمم" في شرح اختيارات المفصل 1/ 329؛ وبلا نسبة في الكتاب 2/ 325.
461- البيت من الطويل، وهو للفرزدق في المقاصد النحوية 3/ 110.(2/217)
وغير نصب سابق في النفي قد ... يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المال إلا ما نقص، وما نفع زيد إلا ما ضر؛ إذ لا يقال زاد النقص ولا نفع الضرر، وحيث وجد شرط الإبدال فالأرجح عندهم النصب. ا. هـ "وغير نصب" مستثنى "سابق" على المستثنى منه "في النفي قد يأتي" على قلة بأن يفرغ العامل له ويجعل المستثنى منه تابعًا له كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الضرر وإن كان المراد بدون إلا أشكل علينا البيت إذ لا يقال ليس بها اليعافير لفساد المعنى ويمكن دفعه باختيار الشق الثاني وأن المراد إمكان التسلط ولو في مادة أخرى فافهم. قوله: "وجب النصب" أي على الاستثناء المنقطع من المذكور قبل إلا كهذا المال وزيد لا على المفعولية والاستثناء مفرغ كما زعمه الشلوبين لأنه لا مناسبة بين النقصان والزيادة كذا قيل وبحث فيه الدماميني بأن مراتب النقص متفاوتة فإذا أخذ من المال مرة ثم مرة أخرى فهو في المرة الأخرى يزيد في النقص على المرة الأولى قال وماذا يفعلون في نحو مال زيد أنقص من مال عمرو وكيف يفهمون أن أنقص صيغة تفضيل مع أن اسم التفضيل ما اشتق من فعل الموصوف بزيادة على غيره. ا. هـ. أي فيجوز أن يكون هذا المال زاد نقص غير بسبب أخذه من هذا الغير مثلا بعد الأخذ منه أولا والمراد بوجوب النصب امتناع الإبدال فيجوز رفعه على الابتداء والخبر محذوف تقديره في المثال لكن النقص شأنه أو على الخبرية لمحذوف والتقدير لكن شأنه النقص فسقط اعتراض البعض على حكاية الشارح الاتفاق على وجوب النصب.
قوله: "نحو ما زاد إلخ" ونحو: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود: 43] ، فمن رحم في محل نصب لأنك لو حذفت المستثنى منه وسلطت لا على المستثنى لم يصح كذا في الدماميني وهو مبني على أن الاستثناء في الآية منقطع أي لكن من رحمه الله يعصمه وقيل متصل أي إلا الراحم وهو الله تعالى أو لا مكان من رحمهم الله تعالى وهم المؤمنون وهو السفينة. قوله: "إلا ما نقص" ما مصدرية كما يؤخذ من كلام الشارح بعد. قوله: "إذ لا يقال زاد النقص" الظاهر أن انتفاء قول ذلك إذا كانت زاد متعدية وأنه يقال إذا كانت لازمة فتأمل. قوله: "وغير نصب سابق" أي نصبه على الاستثناء فيشمل الغير نصبه على الاتباع وهذا البيت تقييد لقوله:
وبعد نفي أو كنفي انتخب
اتباع ما اتصل. قوله: "مستثنى سابق إلخ" قال سم انظر ولو منقطعا نحو ما جاء إلا حمار أحد فيراد بأحد معنى يقع على الحمار لتصح البدلية ونحو ما جاء إلا حمار القوم فيراد بالقوم مركوب القوم وهو الحمار حرره. ا. هـ. بأدنى تغيير وجزم البعض بالتعميم ويضعفه بعد التكلف المتقدم. قوله: "على المستثنى منه" أي بدون عامله لامتناع تقديمه عليهما عند المصنف وأما قوله:
خلا الله لا أرجو سواك وإيما ... أعد عيالي شعبة من عيالكا
فضرورة بخلاف تقديمه على أحدهما فقط فجائز نحو جاء إلا زيدا القوم والقوم إلا زيدا(2/218)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
462- لأنهم يرجون منه شفاعة ... إذا لم يكن إلا النبيون شافع
قال سيبويه: وحدثني يونس أن قومًا يوثق بعربيتهم يقولون: ما لي إلا أبوك ناصر.
تنبيه: المستثنى منه حينئذ بدل كل من المستثنى، وقد كان المستثنى بدل بعض منه، ونظيره في أن المتبوع أخر فصار تابعًا ما مررت بمثلك أحد. ا. هـ. "ولكن نصبه" على الاسثناء "اختر إن ورد" لأنه الفصيح الشائع. ومنه قوله:
463- وما لي إلا آل أحمد شيعة ... وما لي إلا مذهب الحق مذهب
بنصب آل ومذهب الأول. واحترز بقوله في النفي عن الإيجاب فإنه يتعين النصب كما تقدم.
تنبيه: إذا تقدم المستثنى على صفة المستثنى منه ففيه مذهبان: أحدهما لا يكترث بالصفة بل يكون البدل مختارًا كما يكون إذا لم تذكر الصفة وذلك كما في نحو ما فيها أحد إلا أبوك صالح كأنك لم تذكر صالحًا. وهذا رأي سيبويه. والثاني أن لا يكترث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ضربت نعم إن قدم عليهما وتوسط بين جزءي الكلام نحو القوم إلا زيدا جاءوا إذا جعل زيدا مستثنى من الضمير في جاءوا فقيل: يمنع مطلقا ويجوز مطلقا وقيل: إن كان العامل متصرفا وأجاز الكسائي تقديم المستثنى أول الكلام دماميني. قوله: "في النفي" أي أو شبه النفي ولم يصرح به اكتفاء بعلمه من قوله وبعد نفي أو كنفي إلخ. قوله: "قد يأتي على قلة" وهل يقاس على هذه اللغة أولا قولان وإلى القياس عليها الكوفيون والبغداديون وابن مالك كما قاله السيوطي. قوله: "بدل كل" أي من كل لأن العامل فرغ لما بعد إلا، والمؤخر عام أريد به خاص فصح إبداله من المستثنى. قوله: "إن ورد" أي السابق أي أردت وروده منك بالتكلم به أو المراد إن ورد من العرب. وحينئذٍ فمعنى اختيار نصبه الحكم بأن نصبه أرجح وإلا فما ورد عن العرب يتبع نصبا أو اتباعا. قوله: "بل يكون البدل مختارا" فيه أنه يلزم عليه تقديم البدل على النعت والواجب العكس إلا أن يكون مبنيا على مذهب من يرى عدم وجوب الترتيب بين التوابع قاله الدنوشري. قوله:
__________
462- البيت من الطويل، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص241؛ والدرر 3/ 162؛ وشرح التصريح 1/ 355؛ والمقاصد النحوية 3/ 114؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 268؛ وشرح ابن عقيل ص309؛ وهمع الهوامع 1/ 225.
463- البيت من الطويل، وهو للكميت في الإنصاف ص275؛ وتخليص الشواهد ص82؛ وخزانة الأدب 4/ 314، 319، 9/ 138؛ والدرر 3/ 161؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 135؛ وشرح التصريح 1/ 355؛ وشرح شذور الذهب ص341؛ وشرح قطر الندى ص246؛ ولسان العرب 1/ 502 "شعب"؛ واللمع في العربية ص152؛ والمقاصد النحوية 3/ 111؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 266؛ وشرح ابن عقيل ص308؛ ومجالس ثعلب ص62؛ والمقتضب 4/ 398.(2/219)
وإن يفرع سابق إلا لما ... بعد يكن كما لو إلا عدما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بتقديم الموصوف بل يقدر المستثنى مقدمًا بالكلية على المستثنى منه فيكون نصبه راجحًا وهو اختيار المبرد والمازني. قال في الكافية وشرحها: وعندي أن النصب والبدل مستويان لأن لكل مرجحًا فتكافأا. ا. هـ "وإن يفرغ سابق إلا" من ذكر المستثنى منه "لما يعد" أي لما بعد إلا وهو الاستثناء من غير التمام قسيم قوله أولًا ما استثنت إلا مع تمام "يكن كما لو إلا عدما" فأجر ما بعدها على حسب ما يقتضيه حال ما قبلها من إعراب، ولا يكون هذا الاستثناء المفرغ إلا بعد نفي أو شبهه. فالنفي نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران: 144] ، {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 99] ، وشبه النفي نحو: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171] ، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"لأن لكل مرجحا" فمرجح البدل تقدم الموصوف ومرجح النصب على الاستثناء تأخر الصفة.
قوله: "سابق" تنوينه متعين لاختلال الوزن بالإضافة فتجويز الشيخ خالد لها سهو وقوله إلا مفعول سابق وقوله من ذكر المستثنى منه متعلق بيفرغ وكذا قوله لما بعد ويرد على الشارح أن ذكر المستثنى منه ليس وصفا للسابق فكيف يفرغ منه فكان ينبغي أن يقول من ارتباطه بالمستثنى منه لفظا ويمكن الجواب بجعل كلامه من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم وقوله وهو أي تفريغ العامل السابق. قوله: "يكن" أي السابق أو ما بعد كما لو إلا عدما أي عند غير الكسائي أما هو فيجيز النصب في نحو ما قام إلا زيد بناء على مذهبه من جواز حذف الفاعل قاله سم عند الكلام على شرح قول المصنف واستثن مجرورا إلخ وما في قوله كما لو إلا عدما يجوز أن تكون مصدرية ولو زائدة ويجوز العكس أي يكن كعدم إلا أي كذي عدم إلا في الحكم. وقول البعض إن الكلا على تقدير مضاف أي كحكم عدم إلا ليس بشيء. قال الشيخ خالد وإلا مرفوع بفعل محذوف يفسره عدم. ا. هـ. وهو ظاهر على قراءة عدم بالبناء للمجهول أما على قراءته بالبناء للمعلوم والفاعل ضمير مستتر فيه يعود إلى السابق أو ما بعد فإلا منصوب على المفعولية لا مرفوع على نيابه الفاعل. قوله: "حال ما قبلها" أي حال اللفظ قبلها ولو غير عامل كالخبر في نحو: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة: 99] ، فحال هذا اللفظ وهي خبريته تقتضي رفع ما بعد إلا مبتدأ وكالفعل في نحو ما قام إلا زيد فحال هذا اللفظ وهي كونه فعلا لم يذكر له فاعل قبل إلا تقتضي رفع ما بعد إلا فاعلا وقس: وقوله من إعراب بيان لما يقتضيه ولو حذف حال لكان أخصر وأقرب. ثم لا تنافي بين كون تالي إلا في التفريغ مستثنى وكونه فاعلا أو مبتدأ مثلا في نحو ما قام إلا زيد وما زيد إلا قام لأن الأول بالنظر إلى المعنى لأن تالي إلا مستثنى من مقدر في المعنى إذ المعنى ما قام أحد إلا زيد شيء إلا قائم. والثاني بالنظر إلى اللفظ نقله الدماميني عن الشولبين.
قوله: "وما على الرسول إلا البلاغ" الواو جزء من الآية الممثل بها فتكون واو العطف مقدرة هنا كما في نظائره الآتية لا من كلام الشارح لعطف مثال على مثال لأن الآية التي فيها(2/220)
وألغ إلا ذات توكيد كلا ... تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] ، {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف: 35] ، ولا يقع ذلك في إيجاب، فلا يجوز قام إلا زيد. وأما {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] فمحمول على المعنى أي لا يريد.
تنبيهات: الأول الضمير في يكن يجوز أن يكون عائدًا على سابق: أي يكون السابق في طلبه لما بعد إلا كما لو عدم إلا، وأن يعود على ما من قوله لما بعد أي يكون ما بعد إلا في تسلط ما قبل إلا عليه كما لو عدم إلا. الثاني يصح التفريغ لجميع المعمولات إلا المصدر المؤكد، فلا يجوز ما ضربت إلا ضربًا. وأما {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا} [الجاثية: 32] فمتأول. الثالث قوله سابق أحسن من قوله في التسهيل عامل لأن السابق يكون عاملًا وغير عامل كما في الأمثلة. ا. هـ. "وألغ إلا ذات توكيد" وهي التي يصح طرحها والاستغناء عنها لكون ما بعدها تابعًا لما بعد إلا قبلها بدلًا منه وذلك إن توافقا في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لفظ المبين بالواو بخلاف التي ليس فيها لفظ المبين فإنها بدون الواو لكن نسخ الشارح بلفظ المبين. قوله: "ولا يقع ذلك في إيجاب" جوزه ابن الحاجب فيه إذا كان فضلة وحصلت فائدة نحو قرأت إلا يوم كذا فإنه يجوز أن تقرأ في جميع الأيام إلا يوم كذا بخلاف ضربت إلا زيدا إذ من المحال أن تضرب جميع الناس إلا زيدا. قوله: "فلا يجوز قام إلا زيد" لأن المعنى قام جميع الناس إلا زيدا وهو بعيد ولا قرينة في الغالب على إرادة جماعة مخصوصة وقد يقال مثل ذلك قد يوجد في النفي نحو ما مات إلا زيد. وأجيب بأنه قليل فأجرى الحكم فيه طردا للباب. وقد يؤخذ من التعليل أنه يجوز إذا قامت قرينة على إرادة جماعة مخصوصة بأن يكون المعنى قام غير زيد من الجماعة المعهودة وقد يقال هو قليل فلا يلتفت إليه طردا للباب نظير ما مر.
قوله: "لجميع المعمولات" أي المعمولات بالأصالة أما التوابع فلا تفريغ لها إلا البدل وأجازه الزمخشري وأبو البقاء والرضي في الصفات أيضا قاله سم. قوله: "إلا المصدر المؤكد" أي لأن فيه تناقضا بالنفي أولا والإثبات ثانيا ومثله الحال المؤكدة وكان عليه أن يستثني المفعول معه فلا يقال ما سرت إلا والنيل. قوله: "فمتأول" أي بكونه مصدرا نوعيا أي إلا ظنا ضعيفا فاختلف المثبت والمنفي فلا تناقض. قوله: "كما في الأمثلة" فإنه عامل فيما عدا، {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة: 99] ، وغير عامل في: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة: 99] ؛ لأن الخبر لا يعمل في المبتدأ على الراجح نعم إن جعل المستثنى فاعلا بالمجرور لاعتماده على النفي كان عاملا. قوله: "وألغ إلا إلخ" أطلق هنا فدل على أن هذا الحكم يكون في الإيجاب والنفي وشبهه. قوله: "والاستغناء عنها" عطف لازم على ملزوم. قوله: "بدلا منه" أي بدل كل من كل كمثال الناظم أو بعض من كل نحو ما أعجبني إلا زيدا لا وجهه أو اشتمال نحو ما أعجبني إلا زيد إلا علمه أو إضراب نحو ما أعجبني إلا زيد إلا عمرو أي بل عمرو أفاده في التصريح. فقول الشارح إن توافقا في المعنى قاصر لاختصاصه ببدل الكل مع أنه يجوز كونه(2/221)
وإن تكرر لا لتوكيد فمع ... تفريغ التأثير بالعامل دع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المعنى، ومعطوفًا عليه إن اختلفا فيه فالأول "كلا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا" فالعلا بدل كل من الفتى، وإلا الثانية زائدة لمجرد التأكيد، والتقدير إلا الفتى العلا. والثاني نحو قام القوم إلا زيدًا وإلا عمرًا، فعمرًا عطف على زيد وإلا الثانية لغو، والتقدير قام القوم إلا زيدًا وعمرًا. ومن هذا قوله:
464- وما الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها
أي وطلوع الشمس. وقد اجتمع البدل والعطف في قوله:
465- ما لك من شيخك إلا عمله ... إلا رسيمه وإلا رمله
أي إلا عمله رسيمه ورمله. فرسيمه بدل ورمله معطوف، وإلا المقرونة بكل منهما مؤكدة "وإن تكرر لا لتوكيد" بل لقصد استثناء بعد استثناء فلا يخلو إما أن يكون ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عطف بيان كما بينه الرضي. قوله: "ومعطوفا عليه" أي بالواو خاصة كما في التسهيل. قوله: "إن اختلفا فيه" إلا إذا كنت غالطا أو أردت الإضراب. ا. هـ. يس أي فلا عطف بل يجب الإبدال. قوله: "فالعلا بدل كل من الفتى" والفتى نصب على الاستثناء أو جر بدلا من الهاء بدل بعض وعليه فكون العلا بدلا من الفتى مبني على جواز الإبدال من البدل. واستشكل سم كون العلا بدلا إذا نصبنا الفتى على الاستثناء بأن الصحيح أن العامل في البدل نظير العامل في المبدل منه فلا تكون إلا مؤكدة للاحتياج إليها للعمل في البدل والفرض أنها مؤكدة، فينبغي أن يجعل العلا عطف بيان إذا نصبنا الفتى على الاستثناء ليندفع هذا الإشكال ويجوز جعل العلا عطف بيان إذا جررنا الفتى بدلا من الهاء وعليه يندفع الاعتراض بالبناء على الضعيف من جواز الإبدال من البدل. والحاصل أن جعل العلا عطف بيان يدفع الاعتراض على بدلية العلا المبني على جر الفتى بدلا من الضمير والاعتراض عليها المبني على نصب الفتى على الاستثناء. قوله: "والتقدير إلا الفتى العلا" صريح في أنه لو عبر بذلك لكان العلا بدلا فعلى أن العامل في البدل نظير العامل في المبدل منه يكون العامل في العلا حينئذٍ إلا مقدرة. فعلم أن إلا قد تعمل مقدرة أي حيث نصبنا الاسم على الاستثناء قاله سم وسنذكر في حذف إلا مزيد كلام. قوله: "ثم غيارها" بكسر الغين المعجمة أي غيابها من غارت الشمس أي غابت. قوله: "مالك من شيخك" أي جملك. والرسيم والرمل نوعان من السير. قوله: "فرسيمه بدل" أي بدل بعض لأن المراد بالعمل مطلق السير.
__________
464- البيت من الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 70؛ ولسان العرب 5/ 35 "غور" والمقاصد النحوية 3/ 115؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص310؛ وشرح المفصل 2/ 41.
465- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 272؛ والدرر 3/ 167؛ ورصف المباني ص89؛ وشرح التصريح 1/ 356؛ وشرح ابن عقيل ص311؛ والكتاب 2/ 341؛ والمقاصد النحوية 3/ 117؛ وهمع الهوامع 1/ 227.(2/222)
في واحد مما بإلا استثني ... وليس عن نصب سواه مغني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مع تفريغ أو لا. "فمع تفريغ التأثير بالعامل" المفرغ "دع" أي اتركه باقيًا "في واحد مما بإلا استثني وليس عن نصب سواه" أي سوى ذلك الواحد الذي أشغلت به العامل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وإن تكرر إلخ" لم يتعرض المصنف والشارح لما إذا لم تكرر وتعدد المستثنى. قال الدماميني ما ملخصه مع الإيضاح: لا ينصب على الاستثناء بأداة واحدة دون عطف شيئان وموهم ذلك: إن كان في الإيجاب فالأول مستثنى والثاني معمول عامل مضمر، وإن كان في غيره فكذلك أو الأول بدل مثال الإيجاب أعطيت القوم الدراهم إلا زيدا الدنانير فزيد منصوب على الاستثناء والدنانير مفعول لمحذوف أي أعطيته الدنانير أو أخذ الدنانير، ومثال غيره ما أعطيت أحدا شيئا إلا زيدا درهما فزيدا مستثنى أو بدل ودرهما مفعول لمحذوف، وما ضرب أحد إلا بكر خالدا فبكران رفعته كان بدلا من أحد وإن نصبته كان مستثنى وخالدا مفعول لمحذوف فتعدد المستثنى قد يكون مع تعدد المستثنى منه وقد يكون مع اتحاده وجوّز ابن السراج كون الاسمين بدلين في نحو ما أعطيت أحدا أحدا إلا زيدا عمرا وما ضرب أحد أحدا إلا زيد بكرا ورده المصنف بأن البدل لم يعهد تكرره إلا في بدل البداء وبأن حق بدل البعض أن يقترن بالضمير وجعلوا في باب الاستثناء اقترانه بإلا مغنيا عن الضمير. والاسم الثاني غير مقترن بإلا لفظا ومن النحاة من لا يجيز هذه التراكيب مطلقا ويحكم بفسادها على كل وجه أما مع العطف فقد يمتنع أيضا كما في الأمثلة المتقدمة لأن العطف فيها يفسد المعنى وقد يجوز كما في ما جاءني أحد إلا زيد وعمرو فالعطف في هذا المثال هو المصحح له فيما يظهر ولا يظهر حمل الثاني على أنه معمول لمضمر أي وجاءني عمرو. ا. هـ. وفي حاشية المغني للدماميني أن جماعة أجازوا نصب شيئين بأداة واحدة دون عطف وعليه مشى صاحب الكشاف في مواضع منها: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] ، الآية. فقال إن المستثنى الظرف والحال معا وأن الحصر في كل منهما مقصود أي لا تدخلوا في وقت من الأوقات على حال من الأحوال إلا في هذا الوقت على هذا الحال. ا. هـ.
قوله: "لا لتوكيد" عطف على محذوف أي لتأسيس لا لتوكيد كما أشار إليه الشارح بالإضراب. قوله: "بالعامل المفرع" حمل العامل على ما قبل إلا تبعا للموضح وحمله المرادي على إلا أي اترك تأثير إلا النصب في واحد أي لا تجعلها مؤثرة في واحد ويؤيد الأول قوله مما بإلا إذ لو كان العامل هو إلا لكان القياس أن يقول مما به وإن أمكن أن يقال أظهر للضرورة ويؤيده أيضا أن المصنف عليه يكون ذاكرا هنا حكم الواحد بخلافه على الثاني فإنه يكون ساكتا هنا عن حكم الواحد المتروك تأثير إلا فيه وإن كان يعلم من قوله فيما مر وأن يفرع سابق إلا إلخ ويؤيد الثاني عدم إحواجه إلى تقدير في دع. قوله: "باقيا في واحد" دفع به إيهام المتن أن المراد اترك التأثير في واحد واجعله مؤثرا في البقية هذا إن أريد بالعامل ما قبل إلا كما مشى عليه الشارح فإن أريد به إلا كان الكلام على ظاهره أي اترك تأثير إلا النصب في واحد أي لا تجعلها مؤثرة النصب في واحد واجعلها مؤثرة النصب في البقبة.(2/223)
ودون تفريغ مع التقدم ... نصب الجميع احكم به والتزم
وانصب لتأخير وجئ بواحد ... منها كما لو كان دون زائد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"مغني" فتقول ما قام إلا زيد إلا عمرًا إلا بكرًا. وما ضربت إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا، وما مررت إلا بزيد إلا عمرًا إلا بكرًا، ولا يتعين لإشغال العالم واحد بعينه بل أيها أشغلته به جاز، والأول أولى "ودون تفريغ مع التقدم" على المستثنى منه "نصب الجميع" على الاستثناء "احكم به والتزم" نحو قام إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا القوم، وما قام إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا أحد "وانصب لتأخير" عنه، أما في الإيجاب فمطلقًا نحو قام القوم إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا، وأما في غير الإيجاب فكذلك "و" لكن "جيء بواحد منها" معربًا بما يقتضيه الحال "كما لو كان دون زائد" عليه. ففي الاتصال تبدل واحدًا على الراجح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وليس عن نصب إلخ" مغنى اسم ليس والخبر محذوف أي موجودا أو الاسم ضمير مستتر يرجع إلى الواحد أو إلى التأثير ومغنى خبر وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة لا يقال ظاهر كلامه أنه لا يجوز رفع سوى الواحد وليس كذلك بل يجوز على قصد بدل البداء لأنا نقول إلا في هذه الحالة لمجرد التأكيد وليس الكلام الآن فيها. قوله: "والأول أولى" أي لقربه من العامل تصريح. قوله: "ودون تفريغ مع التقدم" قال جماعة كالبعض الظرفان تنازعهما الفعلان بعدهما. ا. هـ. وهو إنما يصح على مذهب من يجيز التنازع في المعمول المتقدم ونصب الجميع مفعول لمحذوف يفسره المذكور أي امض نصب الجميع ولا يصح نصبه بالتزم لأن ما بعد الواو لا يعمل فيما قبلها ولما كان ما ذكر لا يستلزم الوجوب قال والتزم. قوله: "وما قام إلا زيدا إلخ" لا يعارض هذا قوله فيما مر وغير نصب سابق إلخ لأن ما مر في غير تكرر المستثنى وبحث سم جواز إعراب واحد بما يقتضيه العامل وجعل المستثنى منه المؤخر بدلا من هذا الواحد نظير ما مر في ما لي إلا أبوك ناصر ونصب ما عدا هذا الواحد على الاستثناء. قال وحينئذٍ فقول المصنف نصب الجميع إلخ ينبغي أن يكون باعتبار الأغلب والأشهر واعترض بأنه يلزم عليه أمران الفصل بين التابع والمتبوع بأجنبي واستعمال اللغة الضعيفة في غير المحل الذي ثبتت فيه. قوله: "وانصب" أي الجميع وجوبا إذا كان الكلام موجبا وجوازا بمرجوحية في واحد ووجوبا في البقية إذا كان الكلام منفيا وكان الاستثناء متصلا وجوازا برجحان في واحد ووجوبا في البقية إذا الكلام منفيا وكان الاستثناء منقطعا هذا ما درج عليه الشارح في تقرير المتن. قوله: "أما في الإيجاب فمطلقا" أي في جميعها بقرينة ما بعد وقد جعل الشارح قول المصنف وانصب لتأخير شاملا لصورة الإيجاب وصورة النفي فيكون قوله: وجيء بواحد بيانا للراجح في بعض الصور الداخلة في قوله وانصب لتأخير ويجوز أن يخص بصورة الإيجاب فيكون قوله: وجيء بواحد مقابلا له تأمل.
قوله: "بواحد" أي فقط وأجاز الأبدي اتباع الجميع بناء على جواز تعدد البدل بدون عطف. قوله: "كما لو كان" قال المكودي في موضع الحال من واحد لتخصيصه بالصفة أو هو صفة بعد صفة وما زائدة ولو مصدرية أو العكس وكان تامة ودون زائد حال من الضمير في كان(2/224)
كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي ... وحكمها في القصد حكم الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وتنصب ما سواه "كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي" إلا بكرًا فعلي بدل من الواو فإنه لا يتعين للإبدال واحد لكن الأولى أول، ويجوز أن يكون امرؤ هو البدل وعلي منصوب، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة، وفي الانقطاع ينصب الجميع على اللغة الفصحى نحو ما قام أحد إلا حمارًا إلا فرسًا إلا جملًا ويجوز الإبدال على لغة تميم "وحكمها" أي حكم هذه المستثنيات سوى الأول "في القصد حكم الأول" فإن كان مخرجًا لوروده على موجب فهي مخرجة، وإن كان مدخلًا لوروده على غير موجب فهي أيضًا مدخلة.
تنبيه: محل ما ذكر إذا لم يمكن استثناء بعض المستثنيات من بعض كما رأيت. أما إذا أمكن ذلك كما في نحو له علي عشرة إلا أربعة إلا اثنين إلا واحدًا، فقيل الحكم كذلك، وأن الجميع مستثنى من أصل العدد. والصحيح أن كل عدد مستثنى متلوه فعلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والكلام على تقدير مضاف أي وجيء بواحد كحال وجوده دون زائد عليه ويلزم على ما قاله المكودي تشبيه الواحد بحال وجوده دون زائد عليه وفيه تسمح فالأولى جعل الجار والمجرور خبر محذوف والجملة حال من واحد أو صفة له أي وجوده مثل وجوده دون زائد عليه أو صفة لمفعول مطلق محذوف أي مجيئا كوجوده إلخ ويمكن جعل ما اسما واقعا على الواحد ولو زائدة والجملة بعدها صلة أو صفة. قوله: "تبدل واحدا على الراجح" وأما على اللغة المرجوحة فتنصب الجميع. قوله: "كلم يفوا" الواو واو الجماعة فاعل وهو المستثنى منه والأصل يوفيون حذفت النون للجازم والواو لوقوعها بين عدوّتيها الياء والكسرة فصار يفيوا نقلت ضمة الياء إلى الفاء بعد سلب حركتها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين.
قوله: "ويجوز الإبدال" أي في واحد فقط. قوله: "في القصد" أي المعنى المقصود من إدخال وإخراج كما بينه الشارح. فإن قلت مقتضى تعريف الاستثناء بالإخراج أنه دائما إخراج ومقتضى ما هنا أنه قد يكون إدخالا. قلت لا منافاة لأن كل استثناء إخراج مما قبله من الإثبات والنفي لكن إذا كان ما قبله نفيا كان هو مستلزما للإدخال في النسبة الثبوتية أي مستلزما لاتصال المستثنى بالنسبة الثبوتية والتفصيل إلى إخراج وإدخال باعتبار هذا اللازم فافهم. قوله: "محل ما ذكر" أي من أن حكمها في القصد حكم الأول هذا ما يفيده ظاهر صنيع الشارح وجعل المصنف في تسهيله عدم إمكان استثناء بعضها من بعض قيد فيما ذكر من التفصيل في إلا المتكررة لا للتوكيد. قوله: "والصحيح أن كل عدد مستثنى من متلوه" فلو لم يمكن استثناء تال من متلوه لكونه أكثر من متلوه نحو له عليّ عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة فمذهب السيرافي أن الأربعة كالثلاثة في الإخراج من العشرة فيكون المقرّ به ثلاثة. وزعم الفراء أن المقرّ به في هذه الصورة أحد عشر لأنك أخرجت من العشرة ثلاثة فبقي سبعة وزدت على السبعة أربعة بقولك بعد ذلك إلا أربعة جريا على قاعدة أن الاستثناء الأول إخراج والثاني إدخال. ورد بأن هذه القاعدة فيما إذا أمكن استثناء كل من متلوه لا مطلقا ولهذا قال بعضهم: إن قول الفراء هذا أعجوبة من الأعاجيب.(2/225)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأول يكون مقرًّا بثلاثة وعلى الثاني بسبعة، وعليه فطريق معرفة ذلك أن تجمع الأعداد الواقعة في المراتب الوترية وتخرج منها مجموع الأعداد الواقعة في المراتب الشفعية أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويمكن أن يتكلف له وجه بجعل الثاني مستثنى من مفهوم عشرة إلا ثلاثة وكأنه قيل له عليّ سبعة لا غيرها ألا أربعة فتأمل. قوله: "فطريق معرفة ذلك" أي كونه مقرا بسبعة في المثال.
قوله: "في المراتب الوترية" كالأولى والثالثة فالمراد بها ما يشمل المستثنى منه والشفعية كالثانية والرابعة هذا ولم يتكلم المصنف والشارح على عكس المسألة المذكورة وهو تعدد ما يصلح للاستثناء منه مع اتحاد فنقول إذا ورد الاستثناء بعد جمل عطف بعضها على بعض ففيه مذاهب: أحدها وهو الأصح أنه يعود للكل إلا لدليل يخصصه بالبعض كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] ، الآية فقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160] ، عائد إلى فسقهم وعدم قبول شهادتهم معا دون الجلد لما قام عليه من الدليل سواء اختلف العامل الذي في الجمل أم لا بناء على أن العامل في المستثنى هو إلا لا الأفعال السابقة وسواء سيقت الجمل لغرض واحد أو لا كان عطفها بالواو أو بغيرها. ثانيها إن اتحد العامل فللكل أو اختلف فللأخيرة فقط إذ لا يمكن عمل العوامل المختلفة في مستثنى واحد وهو مبني على أن عامل المستثنى الأفعال السابقة دون إلا. ثالثها إن سيقت لغرض واحد نحو حبست داري على أعمامي ووقفت بستاني على أخوالي إلا أن يسافروا فللكل وإلا فللأخيرة فقط نحو أكرم العلماء وأعتق عبيدك إلا الفاسق منهم. رابعها إن عطفت بالواو فللكل أو بالفاء أو بثم فللأخيرة فقط. خامسها للأخيرة فقط واختاره أبو حيان وأما الوارد بعد مفردين وهو بحيث يصلح للكل منهما فإنه للثاني فقط كما جزم به ابن مالك نحو غلب مائة مؤمن من مائتي كافر إلا اثنين فإن تقدم الاستثناء على أحدهما تعين للأول نحو: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ} [المزمل: 3] ، فإلا قليلا صالح لكونه من الليل ومن نصفه فاختص بالليل لأن الأصل في الاستثناء التأخير وكذا لو تقدم عليهما معا ولم يكن أحدهما مرفوعا لفظا أو معنًى نحو استبدلت إلا زيدا أصحابنا بأصحابكم فإن كان أحدهما كذلك اختص به مطلقا أولا كان أو ثانيا نحو ضرب إلا زيدا أصحابنا أصحابكم وملكت إلا الأصاغر أبناءنا عبيدنا، وضرب إلا زيدا أصحابكم أصحابنا وملكت إلا الأصاغر عبيدنا أبناءنا فالأبناء في المثالين فاعل معنى لأنهم المالكون فإن لم يصلح إلا لأحدهما فقط تعين له نحو طلق نساءهم الزيدون إلا الحسنيات وأصبى الزيدون نساؤهم إلا ذوي النهى واستبدلت إلا زيدا إماءنا بعبيدنا. ا. هـ. همع ببعض تصرف. وقوله كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] ، الآية أي وكما في قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة: 249] ، فإنه استثناء من جملة: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} [البقرة: 249] ، لا من جملة: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] ، لاقتضائه أي من اغترف غرفة بيده ليس منه وليس كذلك لإباحة الاغتراف باليد لهم والذي حرم عليهم الكرع في الماء والشرب بالفم وسهل الفصل بالجملة الثانية كونها مفهومة من الأولى فالفصل بها كلا فصل كذا في المغني والدماميني عليه وما ذكره في الوارد بعد(2/226)
واستثن مجرورًا بغير معربًا ... بما لمستثنى بإلا نسبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تسقط آخر الأعداد مما قبله، ثم ما بقي مما قبله وهكذا فما بقي فهو المراد. ا. هـ "واستثن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مفردين إذا لم يمكن تشريكهما وإلا عاد لهما معا ومثل له الدماميني بنحو اهجر بني زيد وبني عمرو إلا من صلح فمن صلح مستثنى من بني زيد وبني عمرو جميعا.
فائدة: يقع تالي إلا خبرا لما قبلها نحو ما زيد إلا قائم أو يقوم أو أبوه قائم ويمتنع ما زيد إلا قام كما في الهمع والتسهيل أو حالا منه نحو ما جاءني زيد إلا ضاحكا أو يضحك أو قد ضحك أو يده على رأسه وجعل منه نحو: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الحجر: 11] ، وما أنعمت عليه إلا شكر قال الدماميني وهو لا ينطبق على المراد إذ الغرض من قولك ما أنعمت عليه إلا شكر أنك مهما أنعمت عليه شكر فهو كالشرط والجزاء في ترتب الثاني على الأول وليس المراد أنك لم تنعم عليه إلا في حال شكره أو في حال عزمه على الشكر حتى تكون حال مقارنة أو منتظرة ثم أجاب باختيار الثاني على أن المعنى ما أنعمت عليه إلا مقدرا شكره بعد ذلك من الله تعالى وإذا كان المقدر هو الله تعالى لزم وقوع المقدر فيفيد الكلام حينئذٍ ما أراده المتكلم من استعقاب انعامه شكر المنعم عليه وجوز الزمخشري أن يقع تاليها صفة لما قبلها نحو ما مررت برجل إلا قائم وما مررت بأحد إلا زيد خير منه أو يقوم. وجعله الأخفش وأبو علي والمصنف في الأول صفة بدل محذوف أي إلا رجل قائم وفي الثاني حالا قاله الدماميني ومما جعله الزمخشري من التفريغ في الصفات نحو: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] ، فجعل ليؤمنن به جواب قسم محذوف والجملة صفة موصوف محذوف مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله تقديره وإن من أهل الكتاب أحد وجعل غيره تالي إلا خبرا لمحذوف موصوف بالجار والمجرور تقديره وإن أحد من أهل الكتاب. وأورد عليه أنه يلزمه حذف موصوف الظرف وهو مخصوص بالشعر كحذف موصوف الجملة. وأجاب الدماميني بأن الاختصاص إذا لم يكن المنعوت بعض مجرور بمن كما في الآية أو بفي ورده الشمني بأنه يشترط تقدم المجرور على المنعوت كما في التسهيل وغيره. قوله: "بغير" بمعنى غير بيد لكنها تخالفها من أربعة أوجه أنها لا تقع صفة ولا يستثنى بها إلا في الانقطاع ولا تضاف إلى غير أن وصلتها ولا تقطع عن الإضافة ويقال فيها ميد بالميم وظاهر كلامه في التسهيل أنها اسم لكنه قال في توضيحه المختار عندي إنه حرف استثناء بمعنى لكن ولا دليل على اسميتها قاله الدماميني. وبقي خامس وهو أنها لا تقع مرفوعة ولا مجرورة بل منصوبة كما في المغني تقول فلأن كثير المال بيد أنه بخيل وقيل تأتي بمعنى من أجل أيضا كما في حديث: "أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد بن بكر" وقال ابن مالك وغيره هي فيه بمعنى غير على حدّ قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب
كذا في المغني أي من تأكيد المدح بما يشبه الذم كما بسطه الدماميني. قال السيوطي هذا حديث غريب لا يعرف له سند فتأمل. وأجرى الشاطبي في غير التفاصيل السابقة في تكرار(2/227)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مجرورًا بغير معربا بما لمستثنى بإلا نسبا" مجرورًا مفعول باستثن، وبغير متعلق باستثن، ومعربًا حال من غير، وبما متعلق بمعربًا، وما موصول صلته نسب، ولمستثنى متعلق بنسب، وبإلا متعلق بمستثنى. والمعنى أن غيرا يستثنى بها مجرور بإضافتها إليه وتكون هي معربة بما نسب للمستثنى بإلا من الإعراب فيما تقدم فيجب نصبها في نحو قام القوم غير زيد. وما نفع هذا المال غير الضرر عند الجميع، وفي نحو ما قام أحد غير حمار عند غير تميم، وفي نحو ما قام غير زيد أحد عند الأكثر. ويترجح في هذا المثال عند قوم وفي نحو ما قام أحد غير حمار عند تميم ويضعف في نحو ما قام أحد غير زيد، ويمتنع في نحو ما قام غير زيد.
تنبيهات: الأول أصل غير أن يوصف بها إما نكرة نحو: {صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 36] ، أو شبهها نحو: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] ، فإن الذين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلا لتوكيد أو لغيره لكن لا يظهر أن يقال في غير بالإلغاء إذا تكررت لتوكيد فإذا قلت قام القوم غير زيد وغير عمرو فعمرو مجرور بغير لا بالعطف فليست ملغاة قاله سم. قوله: "متعلق باستثن" الوجه أن يقال تنازعه استثن ومجرورا. ا. هـ. سم. قوله: "معربا" وقد تبنى على الفتح في الأحوال كلها عند إضافتها إلى مبني كما في التسهيل وأجاز الفراء بناءها على الفتح في نحو ما قام غير زيد لتضمنها معنى إلا قاله الفارضي. وفي التصريح تفارق غير إلا في خمس مسائل: إحداها أن إلا تقع بعدها الجمل دون غير. الثانية أنه يجوز أن يقال عندي درهم غير جيد على الصفة ويمتنع عندي درهم إلا جيد. الثالثة أنه يجوز أن يقال قام غير زيد ولا يجوز قام إلا زيد. الرابعة أنه يجوز أن يقال ما قام القوم غير زيد وعمرو بجر عمرو على لفظ زيد ورفعه حملا على المعنى لأن المعنى ما قام إلا زيد وعمرو ولا يجوز مع إلا مراعاة المعنى. الخامسة أنه يجوز ما جئتك إلا ابتغاء معروفك بالنصب ولا يجوز مع غير إلا بالجر نحو ما جئتكك لغير ابتغاء معروفك وما ذكره من منع مراعاة المعنى مع إلا هو مذهب الجمهور وجوّزها المصنف مع إلا أيضا كما سيأتي.
قوله: "فيجب نصبها في نحو قام القوم غير زيد" أي على اللغة المشهورة أما على لغة جواز الاتباع مع الإيجاب والتمام كما تقدم فينبغي أن يجوز رفع غير قاله سم. قوله: "عند قوم" كما أسلفه المصنف حيث قال فيما تقدم وغير نصب سابق إلخ. قوله: "وفي نحو ما قام أحد غير حمار" معطوف على قوله في هذا المثال. قوله: "ويمتنع في نحو ما قام غير زيد" أي عند غير الكسائي فإنه أجاز في نحو ما قام إلا زيد النصب بناء على مذهبه من جواز حذف الفاعل كما مر عن سم. قوله: "أصل غير إلخ" أي وضعها الأصلي على أن يوصف بها لأنها في معنى اسم الفاعل فتفيد مغايرة مجرورها لموصوفها إما بالذات نحو مررت برجل غير زيد أو بالوصف نحو دخلت بوجه غير الذي خرجت به. قال الرضي: والأصل الأول والثاني مجاز. قوله: "أو شبهها" من المعرفة المراد بها الجنس كالموصول في المثال فإنه مبهم باعتبار عينه. قوله: "فإن(2/228)
ولسوى سوى سواء اجعلا ... على الأصح ما لغير جعلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جنس لا قوم بأعيانهم، وأيضًا فهي إذا وقعت بين ضدين ضعف إبهامها، فلما ضمنت معنى إلا حملت عليها في الاستثناء، وقد تحمل إلا عليها فيوصف بها بشرط أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الذين جنس إلخ" حاصله أن غير متوغلة في الإبهام فلا بد لوقوعها صفة لمعرفة في الآية من تأويل فأما أن يراعى أصلها من التوغل في الإبهام ويعتبر كون موصوفها كالنكرة في المعنى فيتطابق الصفة والموصوف في مطلق التنكير وهذا هو الذي أشار إليه الشارح بقوله فإن الذين إلخ وحاصله التأويل في الموصوف بتقريبه إلى النكرة وإما أن يراعى ضعف إبهامها في هذه الحالة لوقوعها بين ضدين ويعتبر كونها حينئذٍ كالمعرفة فيتطابق الصفة والموصوف في مطلق التعريف وهذا هو الذي أشار إليه الشارح بقوله وأيضا إلخ وحاصله التأويل في الصفة بتقربيها إلى المعرفة هذا هو المتبادر من كلام الشارح. وأما قول البعض مراده بقوله وأيضا فهي إذا وقعت إلخ أفاد أن غير إذا وقعت بين ضدين تتعرف بالإضافة فيصح أن تقع صفة للمعرفة أي ولو كانت تلك المعرفة مشبهة للنكرة فيبعده قوله ضعف إبهامها دون أن يقول زال إبهامها فافهم. بقي شيء آخر وهو أن في غير ثلاثة أقوال قيل لا تتعرف مطلقا. وقيل تتعرف مطلقا. وقيل تتعرف إذا وقعت بين ضدين كما في: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ} [الفاتحة: 7] ، الآية فعلى هذين القولين تكون في الآية صفة وعلى الأول تكون بدلا بدل نكرة من معرفة وحينئذٍ لا تحتاج إلى التأويل الذي ذكره الشارح إلا لو قيل إنها لا تتعرف مطلقا وأنها في الآية صفة ولم نعثر عليه.
قوله: "فلما ضمنت معنى إلا" مرتبط بقوله أصل غير إلخ وأعربت حينئذٍ لمعارضة الشبه بالإضافة للمفرد على أن بعضهم يبنها حينئذٍ كما تقدم. وعبارة الرضي في توجيه حمل غير على إلا وحمل إلا على غير نصها: أصل غير أن تكون صفة مفيدة لمغايرة مجرورها لموصوفها ذاتا أو صفة وأصل إلا مغايرة ما بعدها لما قبلها نفيا أو إثباتا، فلما اجتمع ما بعد إلا وما بعد غير في معنى المغايرة حملت إلا على غير في الصفة فصار ما بعد إلا مغايرا لما قبلها ذاتا أو صفة من غير اعتبار مغايرته له نفيا أو إثباتا وحملت غير على إلا في الاستثناء فصار ما بعدها مغايرا لما قبلها نفيا أو إثباتا من غير اعتبار مغايرته له ذاتا أو صفة إلا أن حمل غير على إلا أكثر من حمل إلا على غير لأن غير اسم والتصرف في الأسماء أكثر منه في الحروف فلذلك تقع غير في جميع مواقع إلا انتهت وبها يتضح كلام الشارح. قوله: "فيوصف بها" أي مع بقائها على حرفيتها كما صرح به غير واحد بل حكى عليه السعد في حاشية الكشاف الإجماع كما قاله الدماميني قال ولو ذهب ذاهب إلى أنها تصير حينئذٍ اسما لكن لا يظهر اعرابها إلا فيما بعدها لكونها على صورة الحرف لم يبعد كما قيل في لا في نحو قولك زيد لا قائم ولا قاعد إنه بمعنى غير وجعل إعرابه على ما بعده بطريق العارية على ما صرح به السخاوي. ا. هـ. ونظير ذلك أيضا أل الموصولة فيعرب ما بعدها مضافا إليه مجرورا بكسرة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة إعراب إلا الظاهر فيه وينبني على ذلك كما قاله الدماميني أن الوصف بمجموع إلا وما بعدها على حرفيتها وبها وحدها على اسميتها فيكون ذكر ما بعدها لبيان ما تعلقت به المغايرة.(2/229)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يكون الموصوف جمعًا أو شبهه، وأن يكون نكرة أو شبهها، فالجمع نحو: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ، وشبه الجمع كقوله:
466- لو كان غيري سليمي الدهر غيره ... وقع الحوادث إلا الصارم الذكر
فالصارم صفة لغير. ومثال شبه النكرة قوله:
467- أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة ... قليل بها الأصوات إلا بغامها
فالأصوات شبيه بالنكرة لأن تعريفه بأل الجنسية، لكن تفارق إلا هذه غيرًا من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "بشرط أن يكون الموصوف جمعا إلخ" فلا يوصف بها مفرد محض ولا معرفة محضة والمراد بشبه الجمع ما كان مفردا في اللفظ دالا على متعدد في المعنى كغيري في المثال الآتي ويشبه النكرة ما أريد به الجنس كالمعرّف بأل الجنسية. وإنما اشترط كون الموصوف جمعا أو شبهه مراعاة لأصلها وهو الاستثناء وكونه نكرة أو شبهها مراعاة لمعنى غير المتوغلة في التنكير. قوله: "سليمى" أي يا سليمى والدهر نصب على الظرفية المستقرة خبرا للفعل قبله أو على المفعولية لمحذوف أي يقاسي هذا الدهر أي شدائده وجواب لو غيره والصارم السيف القاطع. والذكر والمذكر من السيوف ما كان ذا ماء ورونق كما قاله الشمني. قوله: "صفة لغيري" فيه تسمح إذ الصفة إلا لكن لما ظهر إعرابها فيما بعدها صار كأنه هي وفي النكت عن التسهيل أن الوصف إلا مع ما بعدها وقد أسلفنا قريبا تحقيق ذلك فتأمله. قوله: "أنيخت" أي الناقة والمراد بالبلدة الأولى صدرها وبالثانية الأرض التي أناخها فيها. والبغام بضم الموحدة وتخفيف الغين المعجمة حقيقة صوت الظبي فاستعاره لصوت الناقة. فإن قلت الصفة في البيت مخصصة مع أن ما بعد إلا مخالف لما قبلها إذ ما بعدها مفرد وما قبلها جمع وسيأتي عن المغني أن الصفة عند التخالف مؤكدة: قلت أجاب الدماميني بأن البغام هنا متعدد بحسب المعنى فلا تخالف. واعلم أنه دخل تحت كلام الشارح أربع صور: أن يكون الموصوف جمعا حقيقيا ونكرة حقيقية كما في الآية. وأن يكون شبيها بالجمع ونكرة حقيقية كما في البيت الأول والعكس كما في البيت الثاني وأن يكون شبيها بالجمع شبيها بالنكرة كالمفرد المعرف بأل الجنسية ولم يمثل له الشارح.
__________
466- البيت من البسيط، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص62؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 44؛ وشرح شواهد المغني 1/ 218؛ والكتاب 2/ 333؛ ولسان العرب 15/ 432 "إلا"؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص296؛ ومغني اللبيب 1/ 72.
467- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص104؛ وخزانة الأدب 3/ 418، 420؛ والدرر 3/ 168؛ وشرح شواهد الإيضاح ص242؛ والكتاب 2/ 332؛ ولسان العرب 3/ 95 "بلد" 12/ 51 "بغم"؛ وبلا نسبة في شرحك شواهد المغني 1/ 218، 394، 2/ 729؛ ومغني اللبيب 1/ 72؛ والمقتضب 4/ 409؛ وهمع الهوامع 1/ 229.(2/230)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجهين: أحدهما أنه لا يجوز حذف موصوفها فلا يقال: جاءني إلا زيد، ويقال: جاءني غير زيد ونظيرها في ذلك الجمل والظروف فإنها تقع صفات ولا يجوز أن ينوب عن موصوفاتها. ثانيهما أنه لا يوصف بها إلا حيث يصح الاستثناء فيجوز عندي درهم إلا دانق يجوز لأنهم إلا دانقًا، ويمتنع إلا جيد لأنه يمتنع إلا جيدًا. ويجوز عندي درهم غير جيد، هكذا قال جماعات. وقد يقال إنه مخالف لقولهم في: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "لكن تفارق إلخ" استدراك على قوله وقد تحمل إلا عليها.
قوله: "ولا يجوز حذف موصوفها" أي لأن الوصف بها خلاف الأصل بخلاف غير. قوله: "في ذلك" أي في عدم جواز حذف موصوفها. قوله: "ولا يجوز أن تنوب عن موصوفاتها" أي إلا فيما إذا كان الموصوف بعض اسم متقدم مجرور بمن أو في كقولهم منا ظعن ومنا أقام كما سيأتي في النعت. قوله: "إلا حيث يصح الاستثناء" قال سم يمكن أن يوجه بأن غيرا إنما حملت على إلا لتضمنها معنى الاستثناء فلا تحمل إلا عليها إلا حيث يصح الاستثناء. قوله: "إلا دانق" بكسر النون وفتحها ويقال أيضا داناق وهو سدس درهم وعلى الوصفية يكون مقرا بدرهم كامل وعلى الاستثناء يكون مقرا بدرهم إلا سدسا. ولما كان الدرهم يشبه الجمع من حيث اشتماله على الدوانق وصفه بإلا وبهذا يجاب أيضا عما يقال الوصف في هذا المثال مؤكد وسيأتي عن المغني أن الوصف عند مطابقة ما بعد إلا لما قبلها في الإفراد مثلا مخصص. قاله الدماميني. قوله: "لأنه يجوز إلا دانقا" أي بناء على جواز استثناء الجزء من الكلي وهو الراجح ومنعه ابن هشام ومن تبعه. قوله: "لأنه يمتنع إلا جيدا" أي لأن درهم نكرة في سياق الإثبات فعمومه للجيد وغيره بدلي والمستثنى منه لا يكفي شموله للمستثنى شمولا بدليا فلا يقال عندي رجل إلا زيدا وإن أجاز قوم الاستثناء من النكرة المثبتة إذا حصلت الفائدة. قوله: "وقد يقال إلخ" أشار بقد إلى إمكان دفعه وقد دفعه بعضهم بأن المراد بالاستثناء في قولهم لا يوصف بها إلا حيث يصح الاستثناء ما هو أعم من المتصل والمنقطع وإنما يمتنع في الآية والمثال المتصل لا المنقطع. قال الدماميني وهذا يقتضي إلغاء الشرط المذكور لكونه لم يحترز به عن شيء وهو كلام متين. وما أجيب به عنه من أن ذلك لا يضر لأن الأصل في القيود أن تكون لبيان الواقع لا يقاومه.
قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} أي فإنه لا يجوز في إلا هذه أن تكون للاستثناء وما بعدها بدلا لا من جهة المعنى ولا من جهة اللفظ: أما الأول فلأن التقدير حينئذٍ لو كان فيهما آلهة أخرج منهم الذات العلية لفسدتا وهو يقتضي عدم الفساد عند عدم الإخراج وليس بمراد بل المراد ترتيب الفساد على مجرد التعدد، ولهذا كان إلا الله من الصفة المؤكدة الصالحة للإسقاط إذ المعنى لو كان فيهما من الآلهة متعدد غير الواحد، ومن المعلوم مغايرة المتعدد للواحد والقاعدة أنه إن طابق ما بعد إلا موصوفها فالوصف مخصص نحو لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا وإن خالفه بإفراد أو غيره فالوصف مؤكد كالآية ويؤخذ هذا من قول النحاة إذا قيل له(2/231)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ، ومن أمثلة سيبويه لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا. وشرط ابن الحاجب في وقوع إلا صفة تعذر الاستثناء. وجعل من الشاد قوله:
468- وكل أخ يفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
الثاني انتصاب غير في الاستثناء كانتصاب الاسم بعد إلا عند المغارة واختاره ابن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عندي عشرة إلا درهما فقد أقرّ له بتسعة وإن قال إلا درهم فقد أقر له بعشرة لأن المعنى عشرة مغايرة لدرهم وكل عشرة مغايرة للدرهم. وأما الثاني فلأن آلهة جمع منكر في الإثبات فلا عموم لها شموليا فلا يصح الاستثناء منها كذا في المغني، وبمثل هذا الثاني يوجه عدم صحة الاستثناء في المثال أعني لو كان معنا رجل إلخ كما قاله سم. فإن قلت لو للامتناع وامتناع الشيء انتفاؤه فتكون النكرة في الآية والمثال في سياق النفي فتعم. قلت قال الدماميني العرب لا تعتبر مثل هذا النفي بدليل أنهم لا يقولون لو جاءني ديار أكرمته ولا لو جاءني من أحد أحسنت إليه، ولو كانت بمنزلة النافي لجاز ذلك كما يجوز ما فيها ديار وما جاءني من أحد. فإن قلت جوّز الزمخشري في تفسير سورة الحجر في قوله تعالى: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ، إِلَّا آَلَ لُوطٍ} [الذاريات: 32] ، أن آل لوط استثناء منقطع من قوم مجرمين وهو نكرة في الإثبات. قلت أجاب الدماميني بأن النكرة في الإثبات تعم إذا قامت قرينة العموم، والنكرة في هذه الآية كذلك بدليل آية لوط إنا أرسلنا إلى قوم لوط والقصة واحدة.
قوله: "ومن أمثلة سيبويه" أي لإلا الوصفية فهو تأييد للاعتراض وكذا قوله وشرط ابن الحاجب إلخ لأن ما ذكره ابن الحاجب عكس ما ذكره تلك الجماعات. قال الشمني قال الرضي: مذهب سيبويه جواز وقوع إلا صفة مع صحة الاستثناء. قال ويجوز في قولك ما أتاني أحد إلا زيدا أن تقول إلا زيدا بدلا أو صفة وعليه أكثر المتأخرين تمسكا بقوله وكل أخ إلخ. قوله: "وجعل من الشاذ قوله وكل أخ إلخ" أي لصحة الاستثناء فيه وجوّز فيه بعضهم أن لا تكون إلا صفة بل للاستثناء. وأتى بالفرقدين بالألف جريا على لغة من يلزم المثنى الألف وفيه تخلص مما يلزم على وصفية إلا من المخالفة للكثير من وجهين آخرين وصف المضاف والمشهور وصف المضاف إليه إذ هو المقصود وكل لإفادة الشمول فقط والفصل بين الموصوف
__________
468- البيت من الوافر، وهو لعمرو بن معد يكرب في ديوانه ص178؛ والكتاب 2/ 334؛ ولسان العرب 15/ 432 "ألا"؛ والممتع في التصريف 1/ 51؛ ولحضرمي بن عامر في تذكرة النحاة ص90؛ وحماسة البحتري ص151؛ والحماسة البصرية 2/ 418؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 46؛ والمؤتلف والمختلف ص85؛ ولعمرو أو لحضرمي في خزانة الأدب 3/ 421؛ والدرر 3/ 170؛ وشرح شواهد المغني 1/ 216؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 180؛ وأمالي المرتضى 2/ 88؛ والإنصاف 1/ 268؛ والجني الداني ص519؛ وخزانة الأدب 9/ 321، 322؛ ورصف المباني ص92؛ وشرح المفصل 2/ 89؛ والعقد الفريد 3/ 107، 133؛ وفصل المقال ص257؛ ومغني اللبيب 1/ 72؛ والمقتضب 4/ 409؛ وهمع الهوامع 1/ 229.(2/232)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عصفور، وعلى الحال عند الفارسي واختاره الناظم، وعلى التشبيه بظرف المكان عند جماعة واختاره ابن الباذش. الثالث يجوز في تابع المستثنى بها مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، تقول قام القوم غير زيد وعمرو وعمرًا، فالجر على اللفظ والنصب على المعنى لأن معنى غير زيد إلا زيدًا وتقول ما قام أحد غير زيد وعمرو بالجر وبالرفع لأنه على معنى إلا زيد. وظاهر كلام سيبويه أنه من العطف على المحل. وذهب الشلوبين إلى أنه من باب التوهم "ولسوى" بالكسر و"سوى" بالضم مقصورتين و"سواء" بالفتح والمد "اجعلا على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والصفة بالخبر وهو قليل. قوله: "كانتصاب الاسم بعد إلا" أي في أن نصب كل منهما على الاستثناء وإن كان العامل فيما بعد إلا هو إلا على الصحيح وفي غير ما في الجملة قبله من فعل أو شبهه وإنما نصبت على الاستثناء مع أن المستثنى هو الاسم الواقع بعدها لأنه لما كان مشغولا بالجر لكونه مضافا إليه جعل ما كان يستحقه من الإعراب المخصوص لولا ذلك على غير سبيل العارية والدليل على أن الحركة لما بعدها حقيقة جواز العطف على محله كما يأتي قاله الدماميني. وانظر إذا لم يكن في الجملة قبله فعل أو شبهه ما العامل نحو ما أحد أخوك غير زيد هل هو أعنى مقدرا فتكونن غير مفعولا به أو الجملة بتمامها كما قيل به في محل ما بعد خلا وعدا إذا جرا كما سيأتي كل محتمل.
قوله: "وعلى الحال عند الفارسي" فتؤول بمشتق أي قام القوم مغايرين لزيد في الفعل وأورد عليه أن مجرورها لا محل له حينئذٍ وقد نصبوا المعطوف عليه مراعاة لمحله. وقد يقال مذهب الفارسي والناظم أن ذلك من العطف على المعنى لا على المحل ومدار العطف على المعنى كون الكلام بمعنى كلام آخر فيه نصب ذلك الاسم وإن لم يكن له محل لا في الأصل ولا في الحال. قوله: "وعلى التشبيه بظرف المكان" بجامع الإبهام في كل. قوله: "ومراعاة المعنى" أي المؤدي بتركيب آخر مشتمل على إلا كما مر وهو بهذا المعنى لا يستلزم كون الاسم له محل. قوله: "ما قام أحد غير زيد" أي برفع غير بناء على اللغة الفصحى من الاتباع مع النفي والاتصال ولهذا اقتصر على الجر والرفع في عمرو وإن جاز فيه النصب أيضا نظرا إلى غير اللغة الفصحى من نصب المستثنى بإلا ونصب غير مع النفي والاتصال فتلخص أن في عمرو الجر والرفع على وجه الرجحان الذي نظر الشارح إليه فقط والنصب على وجه المرجوحية وحصل الجواب على اعتراض البعض كغيره على قوله بالجر والرفع بأنه كان عليه أن يقول بالنصب لما تقدم من جواز النصب بمرجوحية في نحو ذلك.
قوله: "أنه من العطف على المحل" أي محل مجرور غير بحسب الأصل وما كان يستحقه بواسطة حمل غير على إلا لما تقدم من أن الأصل في مجرور غير. والذي كان يستحقه لولا اشتغاله بالجر بمقتضى الإضافة أن يجري عليه الإعراب المخصوص الذي يقتضيه حمل غير على إلا فسقط ما قاله البعض وعلم أن مدار العطف على المحل كون المحل يستحق ذلك الإعراب في الحال أو بحسب الأصل بخلاف مراعاة المعنى كما سبق فحصل الفرق بينهما. قوله: "إلى أنه من باب التوهم"(2/233)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأصح ما لغير جعلا" من الأحكام فيما سبق لأنها مثلها لأمرين: أحدهما إجماع أهل اللغة على أن معنى قول القائل: قاموا سواك وقاموا غيرك واحد، وأنه لا أحد منهم يقول إن سوى عبارة عن مكان أو زمان. والثاني أن من حكم بظرفيتها حكم بلزوم ذلك وأنها لا تتصرف، والواقع في كلام العرب نثرًا ونظمًا خلاف ذلك فمن وقوعها مجرورة بالحرف قوله عليه الصلاة والسلام: "دعوت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوًّا من سوى أنفسها" وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أنتم في سواكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود" وقول الشاعر:
469- ولا ينطق الفحشاء من كل منهم ... إذا جلسوا منا ولا من سوائنا
وقوله:
470- وكل من ظن أن الموت مخطئه ... معلل بسواء الحق مكذوب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مداره على أن يكون ذلك الإعراب لذلك اللفظ مع لفظة أخرى فيعطى لذلك اللفظ مع غير تلك اللفظة على توهم أنه معها فتبين الفرق بين الثلاثة الذي هو ظاهر صنيع الشارح حيث قال أولا: ومراعاة المعنى، ثم قابله بقوله وظاهر إلخ هذا ما قاله سم. وقال الإسقاطي الذي يظهر من كلام الشارح أن العطف على المعنى عام يشمل العطف على المحل والعطف على التوهم وأن قوله وظاهر إلخ بيان للمراد من القسمين. ا. هـ. والإنصاف أن كلام الشارح محتمل لتقابل الثلاثة وللبيان بعد الإجمال. وفي الهمع أن العطف على المعنى هو العطف على التوهم إلا أنه إذا جاء في القرآن عبر عنه بالعطف على المعنى لا التوهم أدبا. واعلم أن تابع المستثنى بإلا كتابع المستثنى بغير في مراعاة المعنى على ما ذكره المصنف في التسهيل فيجوز جر تابع المستثنى بإلا مراعاة لكون إلا بمعنى غير والجمهور على منع ذلك في إلا. قوله: "من الأحكام" كوقوعها في الاستثناء المتصل والمنقطع وصفة لنكرة أو شبهها وقبولها تأثير العامل المفرغ قاله الدماميني.
قوله: "وأنه لا أحد منهم إلخ" عطف على إجماع عطف لازم على ملزوم. قوله: "أن من حكم بظرفيتها" أي من النحاة فلا ينافي ما قبله والمراد الخليل وسيبويه وأتباعهما لا ما يشمل الرماني والعكبري إذ هما لا يقولان بلزومها الظرفية مع قولهما بظرفيتها. وقوله بظرفيتها أي بكونها ظرف مكان بمعنى مكان كما سيأتي. قوله: "خلاف ذلك" أي خلاف ما حكم به من اللزوم. قوله: "ولا ينطق الفحشاء" أي نطق المفحشاء أو بالفحشاء فهو مفعول مطلق على حذف مضاف
__________
469- البيت من الطويل، وهو للمرار بن سلامة العجلي في خزانة الأدب 3/ 438؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 324؛ والكتاب 1/ 31؛ والمقاصد النحوية 3/ 126؛ ولرجل من الأنصار في الكتاب 1/ 408؛ وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 294؛ وشرح ابن عقيل ص315؛ والمقتضب 4/ 350.
470- البيت من البسيط، وهو لأبي دؤاد الأيادي في ديوانه ص294؛ والإنصاف ص295؛ وخزانة الأدب 3/ 438؛ وشرح المفصل 2/ 84؛ وبلا نسبة في الدرر 3/ 93؛ وهمع الهوامع 1/ 202.(2/234)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبالإضافة قوله:
471- فإنني والذي يحج له النا ... س بجدوى سواك لم أثق
ومن وقوعها مرفوعة بالابتداء قوله:
472- وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري
ومرفوعه بالناسخ قوله:
473- أأترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة إني إذًا لصبور
وبالفاعلية قوله:
474- ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا
وحكى الفراء أتاني سواك. ومنصوبة بإن قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو منصوب بنزع الخافض ويحتمل أنه ضمن ينطق معنى يذكر فعداه بنفسه فالفحشاء مفعول به ومن في قوله مناولا من سوائنا بمعنى في متعلقة بينطق. قوله: "مرفوعة بالابتداء" يحتمل أن تكون في البيت خبرا مقدما. قوله: "كريمة" أي خصلة كريمة وأو بمعنى الواو كما في العيني. وقال بعضهم لا مانع من إبقاء أو على حالها وأن يكون قول الشاعر فسواك بائعها راجعا لقوله وإذا تباع وقوله وأنت المشتري راجعا لقوله أو تشتري. والمعنى إذا وجد بيع للكريمة فلا يوجد منك بل من سواك وإذا وجد شراء لها فلا يوجد من غيرك بل منك. قوله: "إني إذا" أي إذا تركتها في هذه الحالة فحذف الجملة المضاف إليها وعوض عنها التنوين وليست إذا الناصبة كما قد يتوهم أفاده يس. قوله: "دناهم كما دانوا" أي جزيناهم كجزائهم والجملة جواب فلما في البيت قبله. قوله:
__________
471- البيت من المنسرح.
472- البيت من الكامل، وهو لابن المولى محمد بن عبد لله في الدرر 3/ 92؛ وشرح ديوان الحماسة ص1761؛ والمقاصد النحوية 3/ 125؛ وبلا نسبة في الأغاني 10/ 145؛ والحيوان 6/ 509؛ وشرح ابن عقيل ص315؛ وهمع الهوامع 1/ 202.
473- البيت من الطويل وهو لمجنون في ديوانه ص108؛ وجواهر الأدب ص282؛ والدرر 3/ 93؛ ومصارع العشاق 2/ 100؛ ولأبي دهبل في أمالي المرتضى 1/ 118؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 202.
474- البيت من الهزج، وهو للفند الزماني "شهل بن شيبان" في أمالي القالي 1/ 260؛ وحماسة البحتري ص56؛ وخزانة الأدب 3/ 431؛ والدرر 3/ 92؛ وسمط اللآلي ص940؛ وشرح التصريح 1/ 362؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص35؛ وشرح شواهد المغني 2/ 945؛ والمقاصد النحوية 3/ 122؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 281؛ وشرح ابن عقيل ص316؛ وهمع الهوامع 1/ 202.(2/235)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
475- لديك كفيل بالمنى لمؤمل ... وإن سواك من يؤمله يشقى
هذا تقدير ما ذهب إليه الناظم. وحاصل ما استدل به في شرح الكافية وغيره ومذهب الخليل وسيبويه وجمهور البصريين أن سوى من الظروف اللازمة لأنها يوصل بها الموصول نحو جاء الذي سواك. قالوا ولا تخرج عن الظرفية إلا في الشعر. وقال الرماني العكبري: تستعمل ظرفًا غالبًا، وكغير قليلًا، وهذا أعدل. ولا ينهض ما استدل به الناظم حجة لأن كثيرًا من ذلك أو بعضه لا يخرج الظرف عن اللزوم وهو الجر، وبعضه قابل للتأويل. ا. هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"لديك كفيل" أي عندك وجود كفيل أو الكلام من باب التجريد. وقوله يشقى أي يخيب أمله.
قوله: "أن سوى من الظروف" أي المكانية بمعنى مكان بمعنى عوض، فمعنى جاء الذي سواك في الأصل جاء الذي في مكانك أي حل فيه عوضك ثم توسعوا واستعملوا مكانك وسواك بمعنى عوضك وإن لم يكن ثم حلول فظرفيتها مجازية ولهذا لم يتصرفا أفاده في الهمع. قوله: "لأنها يوصل بها الموصول" فيه أنه لا يدل إلا على كونها تقع ظرفا لا على أنها ملازمة للظرفية وفيه أيضا أنه لا مانع أن تكون فيما ذكر خبر المحذوف والجملة صلة وإنما حذف صدر الصلة لطولها بالإضافة أو حالا معمولة لثبت مضمرا. قوله: "ولا تخرج عن الظرفية" المناسب لقول بعد لأن كثيرا من ذلك أو بعضه لا يخرج الظرف عن اللزوم وهو الجر أي بمن أن يكون المراد بالظرفية ما يشمل شبهها وهو الجر بمن لكن ينافي هذا قول السيوطي في نكته لا تكون إلا منصوبة على الظرفية وعليه فجرها بمن يرد عليهم فافهم. قوله: "إلا في الشعر" بهذا الاستثناء يندفع استدلال المصنف عليهم بالأبيات السابقة. قوله: "وهذا أعدل" أي لأنه لا يحوج إلى تكلف في موضع من المواضع. قوله: "لأن كثيرا من ذلك أو بعضه إلخ" الذي يظهر لي حل هذه العبارة أن أو بمعنى بل الإضرابية عن التعبير بكثير إلى التعبير ببعض لأن الذي لا يخرج الظرف عن اللزوم من ذلك وهو الجر بمن خاصة اثنان فقط مما تقدم وليسا بكثير ولعل الحامل له على التعبير أولا به أن بعضهم عبر به فأتى به ثم أضرب عنه إشارة إلى الاعتراض عليه فاحفظه. وأما قول البعض المراد كثرته في نفسه لأنه ذكر أربعة أدلة فيها الجر بالحرف فغفلة عن كون المراد الجر بمن خاصة لأنه الذي لا يخرج الظرف عن اللزوم. وأما قوله لعله أتى بقوله أو بعضه لعدم اطلاعه على ما استدل به المصنف واحتمال أن ما استدل به كثير جدا بحيث لا تعد الأدلة الأربعة كثيرة بالنسبة إليه فغفلة عن قول الشارح سابقا هذا تقرير ما ذهب إليه الناظم وحاصل ما استدل به في شرح الكافية وغيره فتدبر. قوله: "وبعضه قابل للتأويل" أي بكونه شاذا أو ضرورة.
__________
475- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في شرح ابن عقيل ص316؛ والمقاصد النحوية 3/ 135.(2/236)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهات: الأول حكى الفاسي في شرح الشاطبية في سوى لغة رابعة وهي المد مع الكسر. الثاني أفهم كلامه أنه يجوز في المعطوف على المستثنى بها اعتبار المعنى كما جاز في غير ويساعده قوله في التسهيل: تساويها مطلقًا سوى، بعد ذكره جواز اعتبار المعنى في العطف على مجرور غير. الثالث تفارق سوى غيرًا في أمرين: أحدهما أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "حكى الفاسي" لا حاجة لإسناده للفاسي مع حكاية أبي حيان وابن هشام له سم. قوله: "أفهم كلامه" أي حيث أثبت لسوى ما ثبت لغير ومن جملة ما ثبت لغير جواز اعتبار المعنى في العطف على مجرورها وإن لم يذكره المصنف هنا. قوله: "أن المستثنى بغير" مثله المستثنى بإلا. قوله: "نحو ليس غير" أي في قولك مثلا قبضت عشرة ليس غير وفيه أن المستثنى به هو ليس لا غير بل هي مستثنى فالمحذوف ما أضيف إليه غير لا المستثنى إلا أن يراد بالمستثنى ما أفيدت مخالفته لشيء والمضاف إليه غير أفيدت مخالفته لغيره، هذا ملخص ما قاله البعض. وفي الدماميني ما يدفع السؤال من أصله حيث قال يحذف المستثنى بشرط فهم المعنى وكون أداة الاستثناء إلا أو غيرا وتقدم ليس عليهما. قال الأخفش والمصنف أو لا يكون تقول قبضت عشرة ليس إلا أو ليس غير أي ليس المقبوض شيئا إلا إياها أو غيرها فأضمر اسم ليس عائدا على المقبوض المفهوم من قبضت وحذف خبرها للتفريغ. ا. هـ. باختصار نعم هذا الدفع إنما يتم في غير على أن في ليس ضميرا هو اسمها كما ذكره لا على أن اسمها وهو غير وسيأتي ذلك. بقي حذف أداة الاستثناء وقد قال ابن الحاجب وابن مالك في نحو ما قام وقعد إلا زيد أنه من باب الحذف لا التنازع خلافا لبعضهم والتقدير ما قام إلا زيد. وما قعد إلا زيد وقال في المغني قال السهيلي في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] ، الآية لا يتعلق الاستثناء بفاعل إذ لم ينه عن أن يصل {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأعراف: 89] ، بقوله ذلك ولا بالنهي لأنك إذا قلت أنت منهي عن أن تقوم إلا أن يشاء الله فلست بمنهي فقد سلطته على أن يقوم ويقول شاء الله ذلك. وتأويل ذلك أن الأصل إلا قائلا إلا أن يشاء الله وحذف القول كثير. ا. هـ. فتضمن كلامه حذف أداة الاستثناء والمستثنى جميعا والمتجه أن الاستثناء مفرغ كما عليه تأويل السهيلي وأن المستثنى مصدر تقديره إلا قولا مصحوبا بأن يشاء الله أو حال تقديرها إلا ملتبسا بأن يشاء الله أي بذكر أن يشاء الله. وقد علم أن ذكره لا يكون إلا مع إلا فطوى ذكرها لذلك وعليهما فالباء محذوفة من أن. وقال بعضهم يجوز أن يكون إلا أن يشاء الله كلمة تأبيد أي لا تقولنه أبدا كما قيل في: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأعراف: 89] ، لأن عودهم في ملتهم مما لا يشاؤه الله ويرده أنه يقتضي النهي عن قوله إني فاعل ذلك غدا قيده بالمشيئة أولا، وبهذا يرد أيضا قول من زعم أن الاستثناء منقطع وكذا تجويز الزمخشري رجوع الاستثناء إلى النهي على أن المعنى إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه مع أن من المعلوم أن كل أمر ونهي يستمر إلى إتيان نقيضه. ا. هـ. كلام المغني ببعض تصرف فعلي ما اختاره يكون المحذوف أداة الاستثناء وحدها كما قاله الشمني وجميع ما ذكره بعد كلام السهيلي سبقه(2/237)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المستثنى بغير قد يحذف إذا فهم المعنى نحو ليس غير بالضم وبالفتح وبالتنوين بخلاف سوى. ثانيهما أن سوى تقع صلة الموصول في فصيح الكلام كما سلف بخلاف غير. الرابع تأتي سوا بمعنى وسط وبمعنى تام فتمد فيهما مع الفتح نحو: {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 55] ، وهذا درهم سواء. وتأتي بمعنى مستو فتقصر مع الكسر نحو: {مَكَانًا سُوًى} [طه: 58] ، وتمد مع الفتح نحو مررت برجل سواء والعدم، ويخبر بها حينئذ عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إليه ابن الحاجب لكن ليس في كلامه أن إلا محذوفة فإنه قال الوجه الاستثناء مفرغ على أن الأعم المحذوف حال أو مصدر إلى أن قال وحذفت الباء من أن يشاء الله والتقدير إلا بأن يشاء الله أي إلا بذكر المشيئة وقد علم أن ذكر المشيئة في الإخبار عن فعل مستقبل هو ذكرها مع حرف الشرط وما في معناه نحو إن شاء الله إلا أن يشاء الله بمشيئة الله. ا. هـ. وهذا أولى وأسهل.
قوله: "بالضم" قال المبرد والمتأخرون هو ضم بناء لشبهها بالغايات كقبل وبعد فعلى هذا يحتمل أن تكون اسم ليس وأن تكون خبرها وقال الأخفش ضم إعراب لأنه ليس اسم زمان ولا اسم مكان بل هو ككل وبعض لكن حذف المضاف إليه ونوى لفظه قاله الدماميني. قوله: "وبالفتح" ظاهره أنه فتح بناء. ووجهه أن الأسماء المتوغلة في الإبهام كمثل وغير يجوز بناؤها على الفتح إذا إضيفت لمبني كالضمير، فعلى هذا تحتمل الاسمية والخبرية، ويصح جعله فتح اعراب لنية لفظ المضاف إليه المحذوف فعلى هذا تتعين للخبرية. قوله: "وبالتنوين" أي في شبهي الحالتين المذكورتين وشبهاهما الرفع والنصب والحركة عند التنوين اعرابية. قوله: "تقع صلة الموصول" أي في ظاهر اللفظ وإلا فهي في الحقيقة جزء صلة إن قدر قبلها مبتدأ ومعمول الصلة إن قدر قبلها ثبت كذا قال الدماميني. قوله: "كما سلف" فيه أنه لم يقيد فيما سلف بفصيح الكلام. قوله: "بخلاف غير" فيه نظر إذ الظاهر أن غيرا كسوى في الوقوع صلة على تقدير مبتدإ حذف لطول الصلة بالإضافة كذا قال بعضم. وقال الدماميني بعد أن ذكر أن سواك في جاء الذي سواك جزء الصلة إن قدر مبتدأ قبله ومعمول الصلة إن قدر ثبت قبله ما نصه: وعلى التقدير الأول أعني تقدير المبتدأ فلا اختصاص لسوى بذلك بل يجوز في غير مع أي بلا شرط نحو جاء أيهم غير جاهل ومع غير أي بشرط طول الصلة نحو جاء الذي غير ضارب أبوه عمرا ومع عدم الطول شاذا عند البصريين وقياسا عند الكوفيين. ا. هـ. وهو صريح في عدم الاكتفاء في طول الصلة بإضافتها ولكن أن تقول إن كان الفرق مبنيا على ظرفية سوى فظاهر وإلا فلا. قوله: "بمعنى وسط" اعترض بأنه ينافي ما قدمه عن أهل اللغة من أنه لا أحد منهم يقول إن سوى عبارة عن مكان أو زمان لأنها إذا كانت بمعنى وسط كانت عبارة عن مكان. وأجيب بأن محل ما قدمه عنهم إذا وقعت في تراكيب الاستثناء وما نحن فيه ليس كذلك وقد أسلفنا في باب الظرف الكلام على لفظ وسط.
قوله: "فتقصر مع الكسر" أي أو الضم وبهما قرىء قوله تعالى: {لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} [طه: 58] ، أي مستويا طريقنا إليه وطريقك إليه كما قاله المفسرون فتحقق التعدد(2/238)
واستثن ناصبًا بليس وخلا ... وبعدا وبيكون بعد لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الواحد فما فوقه نحو: {لَيْسُوا سَوَاءً} [آل عمران: 113] ؛ لأنها في الأصل مصدر بمعنى الاستواء. ا. هـ. "واستثن ناصبًا" للمستثنى "بليس وخلا وبعدا وبيكون بعد لا" النافية نحو قاموا ليس زيدًا، وخلا عمرًا، وعدا بكرًا، ولا يكون خالدًا. أما ليس ولا يكون فالمستثنى بهما واجب النصب لأنه خبرهما، واسمهما ضمير مستتر وجوبًا يعود على البعض المدلول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الذي يقتضيه الاستواء. قوله: "سواء والعدم" بجر سواء صفة لرجل والمختار في العدم النصب على المعية لضعف العطف لفظا لعدم الفصل كذا قالوا ويشكل عليه عندي أن الاستواء يقتضي متعددا فيكون العطف واجبا كما في اشترك زيد وعمرو وأما قولهم استوى الماء والخشبة بالنصب فليس الاستواء فيه بمعنى التماثل بل بمعنى الارتفاع أو الاستقرار على ما يظهر فتأمل. قوله: "عن الواحد فما فوقه" أي ويعطف على ضميرها في الأول شيء يتحقق به التعدد إذ الاستواء لا يعقل إلا بين متعدد فاندفع ما اعترض به هنا. قوله: "مصدر" أي اسم مصدر.
فائدة: أجيز في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: 6، يس: 10] ، كون سواء خبرا عما قبلها فما بعدها في تأويل المصدر فاعل لها لأن باب التسوية مما لا يحتاج إلى سابك أو خبرا عما بعدها فما بعدها في تأويل المصدر مبتدأ أو مبتدأ فما بعدها في تأويل المصدر خبر ولا يرد أن الاستفهام واجب التصدير فلا يكون فاعلا ولا مبتدأ مؤخرا ولا خبرا مؤخرا لأن هذه الهمزة سلخ عنها الاستفهام وجردت للتسوية. فإن قيل أم لأحد الأمرين وما يتعلق به سواء لا يكون إلا متعددا فالجواب أن أم هنا سلخ عنها الأحد وجردت للعطف والتشريك. فإن قيل يلزم على كون الهمزة للتسوية تكرارها مع سواء. فالجواب أن الاستواء المفهوم من الهمزة هو الاستواء الذي تضمنته حين كونها لحقيقة الاستفهام أي الاستواء في علم المستفهم والاستواء المستفاد من سواء هو الاستواء في الغرض المسوق له الكلام كأنه قيل المستويان في علمك مستويان في عدم النفع. وذهب الرضي إلى رأي آخر في المسألة وهو أن سواء خبر مبتدأ محذوف أي الأمران سواء وما بعد سواء بيان للأمرين والهمزة بمعنى إن الشرطية وأم بمعنى أو والجملة الاسمية دالة على الجزاء أي إن أنذرتهم أم لم تنذرهم. فالأمران سواء قال وإنما أفادت الهمزة فائدة إن لاستعمالها فيما لم يتيقن حصوله، وجعلت أم بمعنى أو لاستعمالهما في الأحد كذا في شرح الدماميني على المغني.
قوله: "بليس وخلا إلخ" والاستثناء بما ذكر لا يكون إلا مع التمام والاتصال وخلا في الأصل لازم وقد يضمن معنى جاوز فيتعدى بنفسه كما في خلا الاستثنائية والتزم ذلك فيها ليكون ما بعدها في صورة المستثنى بإلا ولذلك التزموا إضمار فاعله أما عدا فهو في الأصل يتعدى بنفسه وبعن ومعناه جاوز وترك كما في القاموس والأولى أن يكون بليس تنازعه استثن وناصبا نظير ما مر. قوله: "ولا يكون خالدا" أي لا تعدّ ولا تحسب فيهم خالدا فلا منافاة بين استقباله ومضى قاموا سم. قوله: "مستتر وجوبا" ليكون ما بعدها في صورة المستثنى بإلا كما مر(2/239)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه بكله السابق، فتقدير قاموا ليس زيدًا هو أي بعضهم، فهو نظير، {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} [النساء: 11] ، بعد {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] ، وقيل عائد على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السابق والتقدير ليس هو أي القائم. وقيل عائد على الفعل المفهوم من الكلام السابق والتقدير ليس هو: أي ليس فعلهم زيد، فحذف المضاف، ويضعف هذين عدم الاطراد لأنه قد لا يكون هناك فعل كما في نحو القوم أخوتك ليس زيدًا. وأما خلا وعدا ففعلان غير متصرفين لوقوعهما موقع إلا وانتصاب المستثنى بهما على المفعولية وفاعلهما ضمير مستتر، وفي مرجعه الخلاف المذكور.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقيل لأنه لو برز للزم الفصل بين أداة الاستثناء والمستثنى. قوله: "فهو نظير فإن كنّ نساء إلخ" أي في كون الضمير عائدا على البعض المفهوم من كلامه السابق إذ النون عائد على الإناث وهنّ بعض الأولاد المتقدم ذكرهم ومحط الفائدة قوله فوق اثنتين وذكر نساء توطئة له فلا يقال لا فائدة في قولنا فإن كانت الإناث نساء. قاله المصرح وقيل الضمير للأولاد وأنثه باعتبار الخبر. قوله: "على اسم الفاعل" لو قال على الوصف لكان أحسن ليشمل اسم المفعول في نحو قولك أكرمت القوم ليس زيدا إذ المرجع فيه اسم مفعول. قوله: "على الفعل" أي اللغوي وهو الحدث بواسطة تقدير مضاف كما ذكره الشارح. قوله: "والتقدير ليس هو أي ليس فعلهم إلخ" عبارة الدماميني والتقدير في مثل قاموا ليس زيدا ليس قيامهم قيام زيد فحذف المضاف الذي هو الخبر وأقيم المضاف إليه مقامه ثم قال ومما يرد عليهم أن تقديرهم لا يؤدي المقصود من الاستثناء وهو إخراج زيد من القوم والحكم عليه بعدم القيام على ما هو المختار وجعلهم أن التقدير ليس قيامهم قيام زيد لا يفيد ذلك.
قوله: "لأنه قد لا يكون إلخ" أجاب الدماميني بأن قائلي ذلك إنما خصوا الفعل بالذكر لأنهم إنما مثلوا بما اشتمل على الفعل تنبيها على كيفية التخريج في غيره فإذا لم يكن هناك فعل ملفوظ تصيد من الكلام ما يعود عليه الضمير ففي نحو القوم إخوتك ليس زيدا التقدير ليس هو أي المنتسب إليك بالأخوّة زيدا أو ليس انتسابهم انتساب زيد. قوله: "وأما خلا وعدا ففعلان غير متصرفين" لو قال فالمستثنى بهما جائز النصب وهما أيضا فعلان إلخ لحسنت المقابلة وسلم من إيهام أن ليس ولا يكون متصرفان. قوله: "على المفعولية" لأنهما متعلقان بمعنى جاوز. قوله: "ضمير مستتر" أي وجوبا. قوله: "وفي مرجعه الخلاف المذكور" والأصح منه أن مرجعه البعض المدلول عليه بكله السابق ونظر فيه الرضي بأنه لا يفيد المقصود لأن مجاوزة البعض لزيد في قولك قام القوم خلا زيدا لا يلزم منها مجاوزة الكل. وأجيب بأن البعض مبهم ومجاوزته إلا بمجاوزة الكل وبأن المراد بالبعض ما عدا المستثنى. ولي ههنا احتمال وهو أن يكون مرجع الضمير في خلا وعدا وحاشا نفس الاسم السابق، لكن التزم فيه التذكير والإفراد ليكون الاستثناء بها كالاستثناء بإلا ولجريان ذلك مجرى الأمثال التي لا تغير كما قالوه في حبذا زيد، حيث التزم تذكير اسم الإشارة وإفراده لذلك ولا يرد على هذا تنظير الرضى فاعرفه. قوله:(2/240)
واجرر بسابقي يكون إن ترد ... وبعد ما انصب وانجرار قد يرد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهان: الأول قيل موضوع جملة الاستثناء من هذه الأربع نصب على الحال. وقيل مستأنفة لا موضع لها، وصححه ابن عصفور. الثاني لا تستعمل يكون في الاستثناء مع غير لا من أدوات النفي. ا. هـ "واجرر بسابقي يكون" وهما خلا وعدا "إن ترد" الجر فإنه جائز وإن كان قليلًا، فمن الجر بخلا قوله:
476- خلا الله لا أرجو سواك وإنما ... أعد عيالي شعبة من عيالكا
ومن الجر بعدا قوله:
477- أبحنا حيهم قتلًا وأسرًا ... عدا الشمطاء والطفل الصغير
تنبيهان: الأول لم يحفظ سيبويه الجر بعدا، قيل ولا بخلا وليس كذلك، بل ذكر الجر بخلا. الثاني قيل يتعلقان حينئذ بما قبلهما من فعل أو شبهه على قاعدة حروف الجر. وقيل موضعهما نصب عن تمام الكلام وهو الصواب لعدم اطراد الأول، ولأنهما لا يعديان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"نصب على الحال" ولم تقترن بقد في ليس وخلا وعدا مع أن ذلك واجب إذا كانت جملة ماضوية لاستثناء أفعال الاستثناء، أو يقال محل ذلك الأفعال المتصرفة. قوله: "مستأنفة" أي غير متعلقة بما قبلها في الإعراب وإن تعلقت به في المعنى. قاله المصرح.
قوله: "وصححه ابن عصفور" علله بعدم الربط للحال ثم قال: فإن قيل إذا عاد الضمير على البعض المضاف لضمير المستثنى منه حصل الربط في المعنى فالجواب أن ذلك غير منقاس. قوله: "لا تستعمل بكون إلخ" أي كما لا يستعمل فيه غير يكون من تصاريف الكون ككان. قوله: "شعبة" أي فرقة. قوله: "أبحنا حيهم إلخ" يحتمل أن حيهم نصب بنزع الخافض أي في حيهم وقتلا مفعول به، ويحتمل أن حبهم مفعول به وقتلا تمييز محوّل عنه. والشمطاء التي يخالط سواد شعرها بياض والمراد بها العجوز. قوله: "حينئذٍ" أي حين إذ جر بهما، وقوله مما قبلهما أي في الرتبة وإن تأخر في اللفظ كما في الشاهد الأول. قوله: "على قاعدة حروف الجر" فموضع مجرورهما نصب بالفعل أو شبهه. قوله: "موضعهما" أي موضع مجرورهما وقوله عن تمام الكلام أي نصبا ناشئا عن تمام الكلام أي عن تمام الجملة قبلهما فتكون هي الناصبة ونظير ذلك نصب
__________
476- البيت من الطويل، وهو للأعشى في خزانة الأدب 3/ 314؛ وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص382؛ وحاشية يس 1/ 355؛ والدرر 3/ 164؛ وشرح التصريح 1/ 363؛ وشرح ابن عقيل ص317؛ ولسان العرب 14/ 242 "خلا"؛ والمقاصد النحوية 3/ 137؛ وهمع الهوامع 1/ 226، 232.
477- قبله:
تركنا في الحضيض بنات عوج ... عواكف قد خضعن إلى النسور
والبيتان من الوافر، وهما بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 285؛ والدرر 3/ 178؛ وشرح التصريح 1/ 363؛ وشرح ابن عقيل ص318؛ والمقاصد النحوية 3/ 132؛ وهمع الهوامع 1/ 222.(2/241)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأفعال إلى الأسماء: أي لا يوصلان معناها إليها، بل يزيلان معناها عنها، فأشبها في عدم التعدية الحروف الزائدة، ولأنهما بمنزلة إلا وهي غير متعلقة. ا. هـ "وبعد ما" المصدرية "انصب" حتمًا لأنهما تعينا بها للفعلية كقوله:
478- لا كل شيء ما خلا الله باطل
وقوله:
479- تمل الندامى ما عداني فإنني ... بكل الذي يهوى نديمي مولع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجملة تمييز النسبة كما في التصريح ولا متعلق للحرف على هذا. قوله: "لعدم اطراد الأول" لأنه لا يأتي في نحو القوم اخوتك خلا زيد وفيه ما مر عن الدماميني فاعرفه. قوله: "لا يعديان الأفعال إلخ" رده بعضهم بأنه لا يلزم أن يكون معنى التعدية إيصال الحرف معنى الفعل إلى الاسم على وجه الثبوت، بل يجوز أن يكون معناها جعل الاسم مفعولا لذلك الفعل وإيصال معنى الفعل إليه على الوجه الذي يقتضيه الحرف من ثبوت أو انتفاء، ألا ترى أن المفعول به في النفي نحو لم أضرب زيدا لم يخرجه انتفاء وقوع الفعل عليه عن كونه مفعولا.
قوله: "ولأنهما بمنزلة إلا" أي في المعنى ورد بأن ذلك لا يقتضي مساواتهما لها في جميع الأحكام ألا ترى أنهما يجران بخلاف إلا. قوله: "المصدرية" فيه أن الحرف المصدري لا يوصل بفعل جامد إلا أن يقال هما في الأصل متصرفان والجمود عارض فلم يكن مانعا من الوصل، أو يقال هما مستثنيان. وعلى كل فالمصدر المنسبك ملاحظ فيه جانب المعنى كما يؤخذ من تعبير الشارح في حل المعنى بمادة المجاوزة. قوله: "حتما" فيه أن هذا مناف لقول المصنف بعد وانجرار قد يرد إلا أن يجعل جريا على مذهب من لا يجيز الجر بهما بعد ما لأنه الراجح عند الشارح كما سيشير إليه فتأمل. قوله: "تمل" بالبناء للمجهول من الملل وهو السآمة. والندامى جمع
__________
478- عجزه:
وكل نعيم لا محالة زائل
والبيت من الطويل، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص256؛ وجواهر الأدب ص382؛ وخزانة الأدب 2/ 255، 257؛ والدرر 1/ 71؛ وديوان المعاني 1/ 118؛ وسمط اللآلي ص253؛ وشرح التصريح 1/ 29؛ وشرح شذور الذهب ص329؛ وشرح شواهد المغني 1/ 150، 153، 154، 392؛ وشرح المفصل 2/ 78؛ والعقد الفريد 5/ 273؛ ولسان العرب 5/ 351 "رجز"؛ والمقاصد النحوية 1/ 5، 7، 291؛ ومغني اللبيب 1/ 133؛ وهمع الهوامع 1/ 3؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص211؛ وأوضح المسالك 2/ 289؛ والدرر 3/ 166؛ ورصف المباني ص269؛ وشرح شواهد المغني 2/ 531؛ وشرح عمدة الحافظ ص263؛ وشرح قطر الندى ص248؛ والهمع ص154؛ وهمع الهوامع 1/ 226.
479- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 107؛ والجني الداني ص566؛ وجواهر الأدب ص382؛ والدرر 3/ 179؛ وشرح التصريح 1/ 110، 364؛ وشرح شذور الذهب ص339؛ والمقاصد النحوية 1/ 363؛ وهمع الهوامع 1/ 233.(2/242)
وحيث جرا فهما حرفان ... كما هما إن نصبا فعلان
وكخلا حاشا ولا تصحب ما ... وقيل حاش وحشا فاحفظهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وموضع الموصول وصلته نصب بالاتفاق: فقال السيرافي على الحال وهذا مشكل لتصريحهم في غير هذا الموضع بأن المصدر المؤول لا يقع حالًا كما يقع المصدر الصريح في نحو أرسلها العراك، وقيل على الظرف، وما وقتية نابت هي وصلتها عن الوقت، فالمعنى على الأول قاموا مجاوزين زيدًا، وعلى الثاني قاموا وقت مجاوزتهم زيدًا. وقال ابن خروف على الاستثناء كانتصاب غير في: قاموا غير زيد "وانجرار" بهما حينئذ "قد يرد" أجاز ذلك الجرمي والربعي والكسائي والفارسي لكن على تقدير ما زائدة لا مصدرية، فإن قالوه بالقياس ففاسد لأن ما لا تزاد قبل الجار بل بعده نحو: عما قليل، فبما رحمة، وإن قالوه بالسماع فهو من الشذوذ بحيث لا يحتج به "وحيث جرا فهما حرفان" بالاتفاق "كما هما إن نصبا فعلان" فالاتفاق وسواء في الحالين اقترنا بما أو تجردا عنها "وكخلا" في جواز المستثنى بها ونصبه "حاشا" تقول قام القوم حاشا زيد وحاشا زيدًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نديم. قوله: "على الحال" بتأويلها باسم الفاعل وتلك الحال فيها معنى الاستثناء. تصريح. قوله: "لا يقع حالا" أي لتعرفه بالضمير المشتمل عليه فلا تقول جاء زيد أن يقوم لتأوله بمصدر مضاف للضمير والحال لا تكون معرفة. وأما تعرف نحو العراك في قولهم أرسلها العراك ففي معنى التنكير لأنه بأل الجنسية قاله الدماميني ثم رأيت في المغني ما يدفع الإيراد عن السيرافي فإنه عد من اللفظ المقدر بشيء مقدر بآخر ما خلا وما عدا، وعلى قول السيرافي ما مصدرية وهي وصلتها حال فيها معنى الاستثناء ثم قال: قال ابن مالك فوقعت الحال معرفة لتأولها بالنكرة. ا. هـ. والتأويل خالين عن زيد ومتجاوزين زيدا. ا. هـ.
قوله: "كما يقع" راجع للمنفي. قوله: "وما وقتية" سميت وقتية لنيابتها هي وصلتها عن الوقت كما أشار إلى ذلك الشارح فالذي في محل النصب على الظرفية مجموع الموصول والصلة كما أفاده الشارح خلافا لمن قال هو ما فقط. قوله: "كانتصاب غير" أي على الاستثناء بناء على مذهبه. قوله: "حينئذٍ" أي حين إذ وقعا بعدما. قوله: "بالقياس" أي على زيادتها بعد بعض حروف الجر نحو فبما رحمة، وقد بين الفرق بين المقيس والمقيس عليه بقوله لأن ما إلخ، قوله: "بل بعده" أي بعد الجار. قوله: "فهو من الشذوذ بحيث إلخ" أي فهو من أمكنة الشذوذ في مكان لا يحتج به. قوله: "وحيث جرّا فهما حرفان" أجرى الظرف مجرى الشرط فأدخل الفاء كقوله تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ} [الأحقاف: 11] . قوله: "وسواء في الحالين إلخ" التعميم مبني على مذهب من يجيز الجر بهما مع ما المشار إليه بقول المصنف وانجرار قد يرد. قوله: "وكخلا حاشا" إذا جررت بالثلاثة قلت خلاي وحاشاي وعداي بدون نون الوقاية. وإن نصبت فبنون الوقاية ويجوز في خلاك وخلاه وحاشاك وحاشاه وعداك وعداه كون الضمير منصوبا ومجرورا.(2/243)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإذا جرت كانت حرف جر. وفيما تتعلق به ما سبق في خلا وإذا نصبت كانت فعلًا والخلاف في فاعلها وفي محل الجملة كما في خلا.
تنبيهان: الأول الجر بحاشا هو الكثير الراجح، ولذلك التزم سيبويه وأكثر البصريين حرفيتها ولم يجيزوا النصب، لكن الصحيح جوازه فقد ثبت بنقل أبي زيد وأبي عمر والشيباني والأخفش وابن خروف، وأجازه المازي والمبرد والزجاج. ومنه قوله:
480- حاشا قريشًا فإن الله فضلهم ... على البرية بالإسلام والدين
وقوله:
اللهم اغفر لي ولمن يسمع ... حاشا الشيطان وأبا الأصبغ
وقوله:
481- حاشا أبا ثوبان إن أبا ... ثوبان ليس ببكمة فدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وفيما تتعلق به" أي وجودا وعدما إذ ليس الخلاف السابق في العامل الذي تتعلق به بل في كونها لها متعلق أولا ولو قال وفي كونها تتعلق أوّلا ما سبق لكان أوضح. وقوله في فاعلها أي في مرجع فاعلها إذ لم يتقدم خلاف في نفس فاعلها. وقوله وفي محل الجملة أي وجودا وعدما إذ الخلاف السابق في جملة خلا قولان: أنها في محل نصب على الحال وأنها مستأنفة لا محل لها. قوله: "اللهم اغفر لي إلخ" هذا نثر وأبو الأصبغ بفتح الهمزة وإهمال الصاد وإعجام الغين اسم رجل كما في حاشية شيخنا السيد. قال في التصريح وجعله قرينا للشيطان تنبيها على التحاقه به في الخسة وقبح الفعل. فإن قلت سيأتي أن حاشا إنما يستثنى بها في مقام التنزيه، والغفران لا ينزه منه. قلت بولغ في قبح الشيطان وأبي الأصبغ وخستهما حتى كأن الغفران ينقص بمرتبتهما في القبح والخسة. قوله: "حاشا أبا ثوبان" قيل يحتمل أنه على لغة
__________
480- البيت من البسيط، وهو للفرزدق في ديوانه 1/ 215؛ والدرر 3/ 175؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص320؛ والمقاصد النحوية 3/ 137؛ وهمع الهوامع 1/ 232.
481- هذا هو أصل البيت فيها، وأكثر النحاة يركب صدر البيت على عجز بيت آخر منها فينشدونه هكذا:
حاشا أبي ثوبان إن به ... ضنا عن الملحاة والشنم
والبيت من الكامل، وهو للجميع الأسدي في الأصمعيات ص218؛ والجني الداني ص562؛ والدرر 3/ 176؛ وشرح اختيارات المفضل ص1508؛ وشرح شواهد المغني 1/ 368؛ وشرح المفصل 8/ 47؛ والمقاصد النحوية 3/ 129؛ وله وأو لسبرة بن عمرو والأسدي في لسان العرب 14/ 182 "حشا"؛ وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 280؛ وخزانة الأدب 4/ 182؛ وشرح المفضل 2/ 84؛ ولسان العرب 14/ 181 "حشا" والمحتسب 1/ 341؛ ومغني اللبيب 1/ 122؛ وهمع الهوامع 1/ 232.(2/244)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال المرزوقي في رواية الضبي: حاشا أبا ثوبان بالنصب. الثاني الذي ذهب إليه الفراء أنها فعل لكن لا فاعل له. والنصب بعده إنما هو بالحمل عن الأول، ولم ينقل عنه ذلك في خلا وعدا، على أنه يمكن أن يقول فيهما مثل ذلك. ا. هـ. "ولا تصحب ما" فلا يجوز قام القوم ما حاشا زيدًا. وأما قوله:
482- رأيت الناس ما حاشا قريشًا ... فإنا نحن أفضلهم فعالًا
فشاذ "وقيل" في حاش "حاش وحشا فاحفظهما" وهل هاتان اللغتان في حاشا الاستثنائية أو التنزيهية؟ الأول ظاهركلامه هنا وفي الكافية وشرحها، والثاني ظاهر كلامه في التسهيل وهو الأقرب.
تنبيه: حاشا على ثلاثة أوجه: الأول تكون استثنائية وقد تقدم الكلام عليها. والثاني تكون تنزيهية نحو حاش الله وليست حرفًا. قال في التسهيل: بلا خلاف، بل هي عند
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القصر فلا شاهد فيه لكن إن علم أن قائله ليس من أهل هذه اللغة صح الاستشهاد بل إذا لم يعلم أن قائله من أهلها صح لرجحان الحمل على الأشهر. والبكمة بالضم البكم وهو الخرس فالمراد بذي بكمة. والفدم بفتح الفاء وسكون الدال العي الثقيل. قوله: "لكن لا فاعل له" أي ولا مفعول كما قاله بعضهم وقوله بالحمل على إلا أي فيكون منصوبا على الاستثناء ومقتضى حمله على إلا أنه العامل للنصب فيما بعده.
قوله: "على أنه يمكن" أي مع أنه يمكن. قوله: "ولا تصحب ما" أي مصدرية كانت أو زائدة لأنها فعل جامد وما المصدرية لا توصل بجامد، وحملت الزائدة على المصدرية. وأما خلا وعدا فخرجا عن القاعدة سم. قوله: "رأيت الناس" قال الدماميني الظاهر أن مفعول رأيت الثاني محذوف أي دوننا ويحتمل أن يكون هو الجملة الاسمية والفاء زائدة على رأي الأخفش في مثل زيد فقائم. وقوله فعالا بفتح الفاء في الخير وبكسرها في الشر قاله شيخنا السيد. وقال الدماميني وغيره الفعال بفتح الفاء الكرم وبكسرها جمع فعل. واقتصر العيني على ضبطه بفتح الفاء وفسره بالكرم قال ويروى فأما الناس. قوله: "وهو الأقرب" أي لاتفاقهم على نفي حرفيتها فتكون أقبل للتصرف من الاستثنائية المتفق على أنها تكون حرفا بل التزمه بعضهم.
قوله: "تنزيهية" أي مدلولا بها على تنزيه ما بعدها من السوء قال الرضي وربما يريدون تبرئة شخص من سوء فيبتدئون بتنزيه الله تعالى ثم يبرئون من أرادوا تنزيهه على معنى أن الله تعالى منزه عن أن لا يطهر ذلك الشخص مما يعيبه. ا. هـ. فإن قلت إن معنى التنزيه موجود في حاشا الاستثنائية
__________
482- البيت من الوافر، وهو للأخطل في خزانة الأدب 3/ 387؛ والدرر 3/ 180؛ وشرح التصريح 1/ 365؛ وشرح شواهد المغني 1/ 368؛ والمقاصد النحوية 3/ 136؛ وبلا نسبة في الجني الداني ص565؛ وشرح ابن عقيل ص321؛ ومغني اللبيب 1/ 121؛ وهمع الهوامع 1/ 223.(2/245)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المبرد وابن جني والكوفيين فعل. قالوا لتصرفهم فيها بالحذف، ولإدخالهم إياها على الحرف. وهذان الدليلان ينفيان الحرفية ولا يثبتان الفعلية. قالوا والمعنى في الآية جانب يوسف المعصية لأجل الله، ولا يتأتى مثل هذا التأويل في {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] ، والصحيح أنها اسم مرادف للتنزيه منصوب انتصاب المصدر الواقع بدلًا من اللفظ بالفعل، بدليل قراءة ابن مسعود حاش الله بالإضافة، كمعاذ الله، وسبحان الله، وقراءة أبي السمال حاشًا لله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمتصرفة أيضا فلم خصوا هذه باسم التنزيهية. قلت قال الشمني التنزيهية هي التي يراد بها معنى التنزيه وحده وبهذا خرج الوجهان الآخران لأنهما يراد فيهما مع التنزيه معنى آخر. ا. هـ. يعني الاستثناء ولوجود معنى التنزيه في الاستثنائية إنما يستثنى بها حيث يكون الاستثناء فيما ينزه عنها الاستثنائية، نحو ضربت القوم حاشا زيدا نقله الشمني عن الرضي وأقرّه وذكره الدماميني أيضا لكن قال عقب ما تقدم ولذلك لا يحسن صلى الناس حاشا زيدا لفوات معنى التنزيه كذا قال ابن الحاجب. ا. هـ. وظاهر قوله لا يحسن أن الشرط المتقدم شرط للحسن لا للجواز فتأمل. قوله: "بالحذف" أي حذف ألفها الأولى تارة والثانية أخرى. قوله: "على الحرف" وهو اللام في نحو حاش لله. قوله: "ينفيان الحرفية" أي لأن شأن الحرف عدم التصرف أي ما لم يقم دليل على الحرفية فلا ترد سوف وعدم الدخول على الحرف. قوله: "ولا يثبتان الفعلية" أي التي هي مدعاهم لاحتمال الاسمية فدليلاهم قاصران. قوله: "في الآية" يعني {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} [يوسف: 51] .
قوله: "ولا يتأتى مثل هذا التأويل إلخ" إذ لا يصح أن يكون المعنى جانب يوسف البشرية لأجل الله بل المعنى على تنزيه الله عن العجز والتعجب من قدرته تعالى على خلق جميل مثله كما في الكشاف. قوله: "اسم مرادف للتنزيه" وهل هي مصدر لفعل لم ينطق به كما في بله وويح أو اسم مصدرا نظره ثم رأيت في الدماميني قال إذا قلنا بأنها اسم فهل هو مصدر أو اسم فعل صرح ابن الحاجب بالثاني قال ومعنى حاش لله برىء الله فاللام زائدة في الفاعل كما في: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون: 36] ، وفسرها الزمخشري ببراءة الله فتكون مصدرا وهو خلاف الظاهر ثم بحث الدماميني في كونه خلاف الظاهر. وأيضا هي على تفسير الزمخشري يحتمل أن تكون اسم مصدر فتأمل. هذا وتنوين حاشا في قراءة من نونه تنوين تنكير إن قلنا أنه اسم فعل وتنوين تمكين إن قلنا إنه مصدر أو اسم مصدر قاله الدماميني في شرح المغني وكونه تنوين تمكين هو ما درج عليه الشارح. قوله: "منصوبة انتصاب المصدر إلخ" والعامل فيها فعل من معناها. قوله: "بدليل" راجع لقوله اسم أي وكل من الإضافة والتنوين يمتنع في الحرف والفعل. قوله: "بالإضافة" أي لا بسبب كونها حرف جر لاختصاص ذلك بالاستثنائية خلافا لابن عطية في زعمه أنها في قراءة ابن مسعود حرف جر قاله في المغني. ويظهر لي أن حاش على هذه القراءة معربة لمعارضة الإضافة موجب البناء وقد يؤخذ من قول الشارح كمعاذ الله وسبحان الله. قوله: "أبي السمال" باللام كشداد. قوله: "لفظا ومعنى" أما لفظا فظاهر وأما معنى فلأن معنى(2/246)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالتنوين أي تنزيهًا لله، كما يقال رعيًا لزيد، والوجه في قراءة من ترك التنوين أن تكون مبنية لشبهها بحاشا الحرفية لفظًا ومعنى. الثالث أنها تكون فعلًا متعديًا متصرفًا، تقول: حاشيته بمعنى استثنيته. ومنه الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: "أسامة أحب الناس إلي ما حاشا فاطمة" ما نافية، والمعنى أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يستثن فاطمة. وتوهم الشارح أنها المصدرية الاستثنائية بناء على أنه من كلامه -صلى الله عليه وسلم- فاستدل به على أنه قد يقال قام القوم ما حاشا زيدًا ويرده أن في معجم الطبراني ما حاشى فاطمة ولا غيرها. ودليل تصرفه قوله:
483- ولا أرى فاعلًا في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد
وتوهم المبرد أن هذا مضارع حاشا الاستثنائية، وإنما تلك حرف أو فعل لتضمنه معنى الحرف كما مر. ا. هـ.
خاتمة: جرت عادة النحويين أن يذكروا لا سيما من أدوات الاستثناء مع، أن الذي بعدها منبه على أولويته بما نسب لما قبلها، ويجوز في الاسم الذي بعدها الجر والرفع مطلقًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التنزيهية الإبعاد والحرفية الإخراج وهما متقاربان.
قوله: "حاشيته إلخ" قال الدماميني يجوز أن يكون مأخوذا من لفظ حاشا حرفا أو اسما كقولهم: لوليت أي قلت لولا، ولا ليت أي قلت لا لا، وسوفت أي قلت سوف وسبحت وسبحلت أي قلت سبحان الله، ولبيت أي قلت لبيك، وهو كثير فيكون معنى حاشيت زيدا قلت حاشا زيدا. قوله: "والمعنى إلخ" مبني على أنه من كلام الراوي كما تدل عليه رواية الطبراني الآتية. قوله: "وتوهم الشارح أنها" أي ما حاشا التي في الحديث والتأنيث باعتبار أنها كلمة والمصدرية نعت لمحذوف أي ما المصدرية. وخبر إن مجموع المتعاطفين. ويحتمل عود الضمير على ما وعطف حاشا على الضمير. قوله: "بناء على أنه إلخ" وعلى هذا يكون المعنى أسامة أحب الناس إليّ إلا فاطمة فليس أحب إليّ منها فيحتمل أن تكون هي أحب إليه ويحتمل أن يتساويان في الحب. دماميني. قوله: "ويرده إلخ" وجه الرد أن لا في قوله ولا غيرها زائدة لتأكيد النفي فيتعين كون ما قبلها نافية وأن ذلك من كلام الراوي واحتمال أن لا نافية وغير مفعول لاستثنى محذوفا فيكون من كلام النبي بعيد لا يؤثر في الأدلة الظنية. قوله: "وإنما تلك إلخ" رد من الشارح لما توهمه المبرد. قوله: "لتضمنه معنى الحرف" أي الاستثنائي وهو إلا. قوله: "لا سيما" سي كمثل وزنا ومعنى وعينها واو قلبت ياء لاجتماعها ساكنة مع الياء قاله الدماميني.
__________
483- البيت من البسيط، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص20؛ وأسرار العربية ص208؛ والإنصاف 1/ 278؛ والجني الداني ص559؛ 563؛ وخزانة الأدب 3/ 403، 405؛ والدرر 3/ 181؛ وشرح شواهد المغني 1/ 368؛ وشرح المفصل 2/ 85، 8/ 48؛ ولسان العرب 14/ 181، 182 "حشا"، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص427؛ وشرح المفصل 8/ 49؛ ومغني اللبيب 1/ 121؛ وهمع الهوامع 1/ 223.(2/247)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والنصب أيضًا إذا كان نكرة. وقد روى بهن قوله:
484- ولا سيما يوم بدارة جلجل
والجر أرجحها، وهو على الإضافة، وما زائدة بينهما مثلها في أيما الأجلين، والرفع على أنه خبر لمضمر محذوف وما موصولة أو نكرة موصوفة بالجملة، والتقدير ولا مثل الذي هو يوم أو ولا مثل شيء هو يوم ويضعفه في نحو ولا سيما زيد، حذف العائد المرفوع مع عدم الطول وإطلاق ما على من يعقل، وعلى الوجهين ففتحة سيئ إعراب لأنه مضاف، والنصب على التمييز، كما يقع التمييز بعد مثل في نحو: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "مع أن الذي بعدها منبه على أولويته" أي كونه أولى بما نسب لما قبلها أي وذلك مناف للاستثناء لأنه إخراج وما بعد لا سيما داخل بالأولى، وقد وجه ذكرها هنا بأنه لما كان ما بعدها مخالفا بالأولوية لما قبلها أشبهت أدوات الاستثناء المخالف ما بعدها لما قبلها. قوله: "مطلقا" أي نكرة أو معرفة. قوله: "يوم بدارة جلجل" هي غدير ماء ويومها يوم دخول امرىء القيس خدر عنيزة وعقره مطيته للعذارى حين وردن الغدير يغتسلن فقد على ثيابهنّ وحلف لا يعطي واحدة منهنّ ثوبها حتى تخرج مجردة فتأخذه فأبين ذلك حتى تعالى النهار، فخرجن وأخذن ثيابهنّ وقلن له قد حبستنا وأجعتنا فذبح لهن ناقته قاله الشمني. قوله: "وهو على الإضافة وما زائدة بينهما" وهل هي لازمة أو يجوز حذفها نحو لا سي زيد زعم ابن هشام الخضراوي الأول ونص سيبويه على الثاني كذا في الهمع ويجوز أن تكون ما نكرة تامة والمجرور بعدها بدل منها أو عطف بيان. قوله: "لمضمر محذوف" أي ضمير محذوف وجوبا لما تقدم من أن لا سيما بمنزلة إلا وهي لا تقع بعدها الجملة غالبا. قوله: "بالجملة" تنازعه كل من موصولة وموصوفة. دماميني. قوله: "في نحو ولا سيما زيد" بخلاف نحو ولا سيما زيد المتقدم على أقرانه لوجود الطول. قوله: "ففتحة سي اعراب" لأنه اسم لا التبرئة مضاف للاسم على زيادة ما ولما على الوجه الثاني باحتماله لكنه لا يتعرف بالإضافة لتوغله في الإبهام كمثل فلهذا صح عمل لا فيه وخبرها محذوف أي موجود.
قوله: "كما يقع التمييز بعد مثل" أي الذي هو بمعناه فيكون تمييز مفرد. ومقتضى كلامه أن التمييز لشي. وفي كلام بعضهم أنه لما وأنها نكرة تامة بمعنى شيء مفسرة بالتمييز قاله سم.
__________
484- صدره:
ألا رب لك منهن صالح
والبيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص10؛ والجني الداني ص334، 443؛ وخزانة الأدب 3/ 444، 451؛ والدرر 3/ 183؛ وشرح شواهد المغني 1/ 412، 2/ 558؛ وشرح المفصل 2/ 86؛ والصاحبي في فقه اللغة ص155؛ ولسان العرب 14/ 411 "سوا"؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص193؛ ومغني اللبيب ص140، 313، 421؛ وهمع الهوامع 1/ 234.(2/248)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الكهف: 109] ، وما كافة عن الإضافة، والفتحة بناء مثلها في لا رجل. وأما انتصاب المعرفة نحو ولا سيما زيدًا فمنعه الجمهور، وتشديد يائها ودخول لا عليها ودخول الواو على لا واجب. قال ثعلب: من استعمله على خلاف ما جاء في قوله ولا سيما يوم فهو مخطئ. وذكر غيره أنها قد تخفف وقد تحذف الواو كقوله:
485- فه بالعقود وبالأيمان لا سيما ... عقد وفاء به من أعظم القرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وما نقله عن بعضهم رجح بأنه لو كان تمييزا لسي لكان معمولا لها فتكون شبيهة بالمضاف فتكون فتحته اعرابية وبأن الشيخ في قولنا مثلا أكرم العلماء وسيما شيخا لنا ليس نفس السي المنفي حتى يفسره بل هو غيره فتعين أنه تمييز ما وسي مضافة إليها. قوله: "وما كافة عن الإضافة" وعليه ففتحة سي بنائية وأما على قول غيره أنها نكرة تامة فإعرابية كما في الوجهين السابقين. قوله: "وأما انتصاب المعرفة إلخ" مقابل قوله سابقا والنصب أيضا إذا كان نكرة. قوله: "فمنعه الجمهور" وجوزه بعضهم موجها بأن ما كافة وأن لا سيما بمنزلة إلا الاستثنائية فما بعدها منصوب على الاستثناء المتصل لإخراجه عما قبل لا سيما من حيث عدم مساواة ما قبلها له وضعف بأن إلا لا تقترن بالواو. لا يقال جاء القوم وإلا زيدا ووجهه الدماميني بأن ما تامة بمعنى شيء والنصب بتقدير أعني أي ولا مثل شيء أعني زيدا.
قوله: "ودخول الواو" أي الاعتراضية كما في الرضي. قوله: "من استعمله على خلاف ما جاء إلخ" اعلم أن لا سيما تستعمل أيضا بمعنى خصوصا فيؤتى بعدها بالحال مفردة أو جملة وبالجملة الشرطية كما نص عليه الرضي وتكون منصوبة المحل على أنها مفعول مطلق مع بقاء سي على كونه اسم لا ويظهر أنه لا خبر لها كما في نحو ألا ماء بمعنى أتمنى ماء كما مر في محله قال الدماميني وما على هذا كافة. ا. هـ. نحو أحب زيدا ولا سيما راكبا فراكبا حال من مفعول الفعل المقدر وهو أخصه أي أخصه بزيادة المحبة في هذه الحال ونحو أحبه ولا سيما وهو راكب أو ولا سيما إن ركب وجواب الشرط مدلول عليه بالفعل المقدر أي إن ركب بزيادة المحبة، ويجوز أن يجعل بمعنى المصدر اللازم أي اختصاصا فيكون معنى لا سيما راكبا يختص بزيادة محبتي راكبا. فقول المصنفين ولا سيما والأمر كذا تركيب عربي خلافا للمرادي. قال الدماميني ونظير جعل لا سيما الذي بمعنى خصوصا منصوب المحل على المفعولية المطلقة مع بقاء سي على كونه اسم لا التبرئة نقل أيها الرجل من النداء إلى الاختصاص مع بقائه على حالته في النداء من ضم أي ورفع الرجل.
قوله: "قد تخفف" أي بحذف عينها وهي ياؤها الأولى على ما اختاره أبو حيان. وقال ابن
__________
485- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 88؛ وخزانة الأدب 3/ 447؛ والدرر 3/ 176؛ وشرح شواهد المغني ص413؛ ومغني اللبيب ص140؛ وهمع الهوامع 1/ 235.(2/249)
الحال:
الحال وصف فضلة منتصب ... مفهم في حال كفردا أذهب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهي عند الفارسي نصب على الحال، وعند غيره اسم للا التبرئة وهو المختار. الله أعلم.
الحال:
"الحال" يذكر ويؤنث. ومن التأنيث قوله:
486- إذا أعجتك الدهر حال من امرئ ... فدعه وواكل أمره واللياليا
وسيأتي الاستعمالان في النظم وهو اصطلاح النحاة "الحال وصف فضلة منتصب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جني المحذوف لامها وحركت العين بحركة اللام كذا في الهمع وفيه أيضا أن العرب أبدلت سينها تاء فوقية فقالوا لا تيما كما قرىء: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] ، ولامها كذلك فقالوا تاسيما. قوله: "وقد تحذف الواو" أما حذف لا فقال الدماميني حكى الرضي أنه يقال سيما بالتثقيل والتخفيف مع حذف لا ولم أقف عليه من غير جهته بل في كلام الشارح يعني المرادي أن سيما بحذف لا لم يوجد إلا في كلام من لا يحتج بكلامه. ا. هـ. باختصار. قوله: "فه" فعل أمر من وفي يفي، والهاء للسكت قال الدماميني والشمني فينطق بها وقفا ولا ينطق وتكتب بها وصلا. ا. هـ. وقد يقال هلا جاز النطق بها وصلا إجراء للوصل مجرى الوقف. قوله: "وهي عند الفارسي" أي إذا تجردت عن الواو وإلا وافق غيره لأن الحال المفردة لا تقترن بالواو قاله الدماميني. قوله: "نصب على الحال" أي ولا مهملة فمعنى قاموا لا سيما زيد قاموا غير مماثلين لزيد في القيام. والفارسي يكتفي بالتكرير المعنوي في لا المهملة الداخلة على الحال، وهو موجود هنا لأن معنى قاموا لا مساوين لزيد في القيام ولا أولى منه. فلا يقال إذا أهملت لا وجب تكرارها قاله الدماميني.
الحال:
يطلق لغة على الوقت الذي أنت فيه، وعلى ما عليه الشخص من خير أو شرّ. وألفها منقلبة عن واو لجمعها على أحوال وتصغيرها على حويلة. واشتقاقها من التحول. قوله: "يذكر ويؤنث" أي لفظه وضميره ووصفه وغيرها لكن الأرجح في الأول التذكير بأن يقال حال بلا تاء وفي غيره التأنيث. قوله: "وصف" أي صريح أو مؤول فدخلت الجملة وشبهها قاله المصرح. قوله: "منتصب" أي أصالة وقد يجر لفظه بالباء ومن بعد النفي لكن ليس ذلك مقيسا على الأصح، نحو:
__________
486- البيت من الطويل وهو لأفنون التغلبي في حماسة البحتري ص164؛ ولمويلك العبدي في حماسة البحتري ص215؛ وبلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 99.(2/250)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مفهم في حال كفردا أذهب" فالوصف جنس يشمل الحال وغيره، ويخرج نحو القهقرى في قولك: رجعت القهقرى، فإنه ليس بوصف إذ المراد بالوصف ما صيغ من المصدر ليدل على متصف، وذلك اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأمثلة المبالغة وأفعل التفضيل، وفضلة يخرج العمدة كالمبتدأ في نحو أقائم الزيدان، والخبر في نحو زيد قائم، ومنتصب يخرج النعت لأنه ليس بلازم النصب، ومفهم في حال كذا يخرج التمييز في نحو لله دره فارسًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فما رجعت بخائبة ركابٌ ... حكيمُ بن المسيب منتهاها
ونحو قراءة زيد بن ثابت: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [الفرقان: 18] ، بضم النون وفتح الخاء، فمن أولياء حال بزيادة من كذا في ابن عقيل على التسهيل وكذا في الدماميني عليه ثم قال: قال ابن هشام ويظهر لي فساده في المعنى لأنك إذا قلت ما كان لك أن تتخذ زيدا في حالة كونه خاذلا فأنت مثبت لخذلانه ناه عن اتخاذه وعلى هذا فيلزم أن الملائكة أثبتوا لأنفسهم الولاية فتأمله. ا. هـ. وفي تفسير البيضاوي وقرىء تتخذ بالبناء للمفعول من اتخذ الذي له مفعولان كقوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] ، ومفعوله الثاني من أولياء ومن للتبعيض. ا. هـ. وإنما قال الذي له مفعولان لأنه قد يتعدى لواحد نحو: {أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ} [الأنبياء: 21] ، ولم يجعل من زائدة في المفعول الثاني لأنها لا تزاد فيه. قوله: "مفهم في حال" أي في حال كذا فهو على نية الإضافة فيقرأ بلا تنوين كذا في شرح السندوبي نقلا عن البصير. قوله: "ويخرج نحو القهقرى" لأنه اسم للرجوع إلى خلف لا وصف، وقد مشى في الإخراج به على مذهب من يجوز الخروج بالجنس إذا كان بينه وبين الفصل عموم وخصوص من وجه كابن عصفور والسعد والفاكهي أو يقال معنى الإخراج بالجنس الدلالة به على عدم إرادة نحو القهقرى مثلا. قوله: "ما صيغ من المصدر إلخ" أو مؤول بما صيغ منه لتدخل الجملة وشبهها والحال الجامدة لتأول كل بالمشتق حتى في المسائل الست الآتية في الشرح على ما هو ظاهر كلام المصنف في شرح الكافية وصرح به ولده. نعم لا تدخل بهذه الزيادة الحال الجامدة في المسائل الست على ما هو الراجح عند الشارح من عدم تأولها بالمشتق وكان الأولى كما أفاده سم. أن يقول هو ما دل على معنى في متبوعه. قوله: "يخرج النعت" أي لكون المتبادر منه والمراد منتصب وجوبا.
قوله: "ويخرج التمييز" أي لأنه على معنى من لا في لأنه لبيان جنس المتعجب منه وقوله نحو لله دره فارسا أي من كل تمييز وقع وصفا مشتقا. قوله: "من حيث هو هو" الأقرب في هذه العبارة وإن لم يتنبه له البعض أن الضمير الأول لما والثاني تأكيد والخبر محذوف والمعنى من حيث اللفظ نفسه معتبر أي باعتبار نفس اللفظ وقطع النظر عما عرض له، أو الثاني راجع للحال خبر أي من حيث ذلك اللفظ حال لا من حيث توقف المعنى عليه ولو قال كبعضهم ما يستغنى(2/251)
وكونه منتقلًا مشتقًّا ... يغلب لكن ليس مستحقًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهان: الأول المراد بالفضلة ما يستغنى عنه من حيث هو هو. وقد يجب ذكره لعارض كونه سادًّا مسد عمدة، كضربي العبد مسيئًا، أو لتوقف المعنى عليه كقوله:
487- إنما الميت من يعيش كئيبًا ... كاسفا باله قليل الرجاء
الثاني الأولى أن يكون قوله كفردًا أذهب تتميمًا للتعريف لأن فيه خللين: الأول أن في قوله منتصب تعريفا للشيء بحكمه، والثاني أنه لم يقيد منتصب باللزوم وإن كان مراده ليخرج النعت المنصوب كرأيت رجلًا راكبًا، فإنه يفهم في حال ركوبه وإن كان ذلك بطريق اللوم لا بطريق القصد، فإن القصد إنما هو تقييد المنعوت "وكونه" أي الحال "منتقلا" عن صاحبه غير لازم له "مشتقًّا" من المصدر ليدل على متصف "يغلب لكن ليس" ذلك "مستحقًّا" له، فقد جاء غير منتقل كما في الحال المؤكد نحو زيد أبوك عطوفًا، {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33] ، والمشعر عاملها بتجدد صاحبها نحو: {وَخُلِقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكلام عنه من حيث هو كلام نحوي لكان أوضح. وإنما لم يقتصر على هو الأولى لأن قولك من حيث هو حيثية إطلاق ومن حيث هو هو حيثية تقييد بالنظر إلى الذات. قوله: "لأن فيه خللين" أي يزولان بجعله تتميما للتعريف هذا مقتضى كلامه. ولا يخفى أن الخلل الأول لا يزول بذلك لأنه لا ينفي كون منتصب جزما من التعريف فكان على الشارح أن يقول الأولى أن يكون منتصب خبر مبتدإ محذوف والجملة معترضة، وكفردا أذهب تتميما للتعريف لأن فيه خللين إلخ وإنما قال الأولى ولم يقل الصواب لإمكان دفع الأول وهو أن التعريف للشيء بحكمه يوجب الدور لأن الحكم فرع التصور والتصور موقوف على الحد بأنه يكفي الحكم التصور بوجه آخر غير الحدّ ودفع الثاني بما أشار إليه الشارح أولا من أن المراد منتصب وجوبا، وبأن المتبادر من قولنا مفهم في حال كذا كون الإفهام مقصودا واللفظ يحمل على المتبادر فيخرج النعت المذكور.
قوله: "ليخرج إلخ" تعليل للمنفي وهو التقييد فيكون النفي منصبا عليه أيضا. قوله: "وإن كان ذلك" أي الإفهام. قوله: "لكن ليس مستحقا" دفع به توهم أن يكون الغالب واجبا في الفصيح كما قاله سم وضمير ليس إما للكون فمستحقا بفتح الحاء وإما للحال فمستحقا بكسرها كما قال خالد. قوله: "كما في الحال المؤكدة" أي لمضمون الجملة قبلها كالمثال الأول أو لعاملها كالثاني أو لصاحبها في نحو لآمن من في الأرض كلهم جميعا لا في نحو جاءني القوم جميعا لأن اجتماعهم في المجيء ينتقل. قوله: "بتجدد صاحبها" أي حدوثه بعد أن لم يكن
__________
487- البيت من الخفيف، وهو لعدي بن الرعلاء الغساني في الأصمعيات ص152؛ والحماسة الشجرية 1/ 195؛ وخزانة الأدب 9/ 583؛ وسمط اللآلي ص8؛ 603؛ ولسان العرب 2/ 91 "موت"؛ ومعجم الشعراء ص252؛ ولصالح بن عبد القدوس في حماسة البحتري ص214؛ ومعجم الأدباء 12/ 9؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 936؛ وشرح قطر الندى ص234؛ ومغني اللبيب ص461.(2/252)
ويكثر الجمود في سعر وفي ... مبدي تأول بلا تكلف
كبعه مدا بكذا يدا بيد ... وكر زيد أسدا أي كأسد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] ، وقولهم: خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها. وقوله:
488- وجاءت به سبط العظام كأنما ... عمامته بين الرجال لواء
وغيرهما نحو دعوت الله سميعًا. قائمًا بالقسط. وجاء جامدًا "ويكثر الجمود في" الحال الدالة على "سعر" أو مفاعلة أو تشبيه أو ترتيب "وفي" كل "مبدي تأول بلا تكلف. كبعه" البر "مدا بكذا" أي مسعرًا، وبعه "يدًا بيد" أي مقايضة "وكر زيد أسدًا أي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومأخذ لزومها أنها مقارنة للخلق أي الإيجاد فهي خلقية جبلية لا تتغير ولا يرد عليه خلق الإنسان طفلا لأن انتقاله من طور إلى طور بمنزلة خلق له متجدد فتكون الحال الأولى لازمة للخلق الأول والثانية لازمة للخلق المتجدد. قوله: "الزرافة" بفتح الزاي أفصح من ضمها ويديها بدل بعض وأطول حال. وبعضهم قال يداها أطول على المبتدأ والخبر فالحال الجملة. قوله: "وجاءت به" أي جاءت أم الممدوح به سبط العظام بفتح السين وسكون الموحدة وإن جاز في غير هذا البيت كسرها أي حسن القد، وقوله:
كأنما عمامته بين الرجال لواء
أي راية صغيرة أي في الارتفاع والعلو على الرؤوس والمراد مدحه بطوله وعظم جسمه. قوله: "وغيرهما" أي غير المؤكدة والمشعر عاملها بحدوث صاحبها ولا ضابط لذلك الغير بل مرجعه السماع. قوله: "قائما بالقسط" حال من فاعل شهد وهو الله ولا شك أن قيامه بالعدل لازم، وأفرده بالحال مع ذكر غيره معه لعدم الإلباس فلا يرد أنه لا يجوز جاء زيد وعمرو راكبا قاله الزمخشري، وسكت عن نكتة تأخيره عن المعطوفين قال التفتازاني كأنها الدلالة على علوّ مرتبتهما ويجوز إعرابه بالنصب على المدح وشهد بمعنى علم.
قوله: "ويكثر الجمود إلخ" أي ويقل في غير المذكورات. قوله: "أو مفاعلة إلخ" كان الأولى أن يؤخر هذه الثلاثة عن قوله: "وفي مبدى تأول بلا تكلف" ويقول كالدال على مفاعلة إلخ. قوله: "مدا بكذا" مدا حال وبكذا صفة لمدا أكائنات بكذا هذا مقتضى قانون الإعراب وإن كان الحال المؤول بها هذا اللفظ مأخوذة من مجموع الموصوف والصفة وهكذا يقال في يدا بيد أي مع يد ويرد أن الشارح سيذكر الحال الموصوفة في الأحوال الجامدة غير المؤولة وهذا ينافي جعل المثال من الحال الجامدة المؤولة إلا أن يجعل مستثنى من الحال الموصوفة فتأمل. ا. هـ. ويجوز رفع مد على الابتداء وبكذا خبر والجملة حال بتقدير رابط أي مدمنه. قوله: "مسعرا"
__________
488- البيت من الطويل، وهو لبعض بني العنبر في خزانة الأدب 9/ 488؛ ولرجل من بني الجناب في المقاصد النحوية 3/ 211؛ وبلا نسبة في أمالي المرتضى 1/ 571؛ وشرح ابن عقيل ص323؛ ولسان العرب 7/ 309 "سبط".(2/253)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كأسد" أي مشبهًا لأسد. وأدخلوا رجلًا رجلًا: أي مترتبين.
تنبيهان: الأول قد ظهر أن قوله: "وفي مبدي تأول بلا تكلف" من عطف العام على الخاص، إذ ما قبله من ذلك خلافًا لما في التوضيح. الثاني تقع الحال جامدة غير مؤولة بالمشتق في ست مسائل وهي: أن تكون موصوفة نحو: {قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] ، {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] ، وتسمى حالًا موطئة أو دالة على عدد نحو: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] ، أو طور واقع فيه تفضيل نحو هذا بسرًا أطيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بفتح العين حال من المفعول الذي هو الهاء الراجعة إلى البر بناء على رجوع الهاء إلى البر كما يدل له قول الشارح على ما في نسخ كبعه أي البر. ومن المفعول المحذوف الذي تقديره البر بناء على رجوع الهاء إلى المشتري المعلوم من السياق كما يدل له قول الشارح على ما في نسخ أخرى كبعه البر، وبالمكسر حال من الفاعل الذي هو الضمير المستتر.
قوله: "أي مقايضة" بلفظ اسم الفاعل المضاف إلى الضمير الراجع إلى المشتري المعلوم من السياق، أو بلفظ المصدر كما في غالب النسخ على التأويل باسم الفاعل. قوله: "أي كأسد" على هذا يكون الأسد مستعملا في حقيقته والتجوّز إنما هو بالحذف، وعلى قول التوضيح كر زيد أسدا أي شجاعا يكون الأسد مستعملا في غير حقيقته وهو الشجاع فيكون التجوز لغويا بناء على ما اختاره السعد من تجويز الاستعارة فيما إذا وقع اسم المشبه به خبرا عن اسم المشبه أو حالا منه مثلا والأمران صحيحان. قوله: "وادخلوا رجلا رجلا" أي أو رجلين رجلين أو رجالا رجالا، وضابطه أن يأتي بعد ذكر المجموع تفصيل ببعضه مكررا والمختار أن كلا منهما منصوب بالعامل لأن مجموعهما هو الحال فهو نظير هذا حلو حامض. وقال ابن جني: الثاني صفة للأول بتقدير مضاف أي ذا رجل أو مفارق رجل أي متميزا عنه واستحسن بعضهم أن يكون نصب الثاني بعطفه على الأول بتقدير الفاء ولا يجوز توسط عاطف بينهما إلا الفاء قال الرضي: وثم، وجوز بعضهم الرفع على البدلية. قوله: "قد ظهر" أي من قوله: أي مسعرا فإنه تأويل للحال الدالة على سعر. قوله: "خلافا لما في التوضيح" من أن الحال الدالة على سعر من الجامد الذي لا يؤول، وعليه يكون المصنف تعرض للحال الجامدة المؤولة وغير المؤولة. قوله: "غير مؤولة بالمشتق" أي تأويلا بغير تكلف كما يدل عليه المقابلة. وقوله بعد وجعل الشارح هذا كله من المؤول بالمشتق إلى أن قال وفيه تكلف.
قوله: "فتمثل لها بشرا سويا" إن كان معنى تمثل تشخص وظهر فالحالية ظاهرة أو تصور فينبغي جعل النصب بنزع الخافض وهو الباء إذ التصور ليس في حال البشرية بل في حال الملكية كما قاله اللقاني، قيل تمثل لها في صورة شاب أمرد سوي الخلق لتستأنس به وتهيج شهوتها فتنحدر نطفتها إلى رحمها كما في البيضاوي. قوله: "موطئة" بكسر الطاء أي ممهدة لما بعدها فهو المقصود بالذات. قوله: "طور" أي حال واقع فيه تفضيل بالضاد المعجمة أي تفضيل له أو(2/254)
والحال إن عرف لفظًا فاعتقد ... تنكيره معنى كوحدك اجتهد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منه رطبًا، أو تكون نوعًا لصاحبها نحو هذا مالك ذهبًا، أو فرعًا له نحو هذا حديدك خاتمًا. {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} [الأعراف: 174] ، أو أصلًا له نحو هذا خاتمك حديدًا. و {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61] ، وجعل الشارح هذا كله من المؤول بالمشتق وهو ظاهر كلام والده في شرح الكافية وفيه تكلف. ا. هـ. "والحال إن عرف لفظًا فاعتقد تنكيره معنى كوحدك اجتهد" وكلمته فاه إلى فيّ. وأرسلها العراك، وجاءوا الجماء الغفير: فوحدك، وفاه، والعراك، والجماء: أحوال، وهي معرفة لفظًا لكنها مؤول بنكرة، والتقدير اجتهد منفردًا، وكلمته مشافهة، وأرسلها معتركة، وجاءوا جميعًا. وإنما التزم تنكيره لئلا يتوهم كونه نعتًا لأن الغالب كونه مشتقًّا وصاحبه معرفة. وأجاز يونس والبغداديون تعريفه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه. قوله: "طينا" حال من منصوب خلقت المحذوف لا من من، والأولى كما قاله اللقاني كونه منصوبا بنزع الخافض أي من طين لأن طينيته غير مقارنة لقوله بشرا. قوله: "من المؤول بالمشتق" أي مقروءا عربيا ومتصفا بصفات بشر سويّ ومعدودا ومطورا بطور البشر أو الرطب ومنوعا ومصنوعا ومتأصلا. قوله: "إن عرف لفظا" أي في لسان العرب فالإتيان بها معرفة لفظا مقصور على السماع كما قاله الشاطبي. قوله: "فاه إلى فيّ" ففاه حال كما ذكره الشارح لكن الحال المؤول بها هذا اللفظ مأخوذة من مجموع فاه إلى في. قال الدماميني وإلى في تبيين مثل لك بعد سقيا. ا. هـ. والأظهر عندي قياسا على ما مر في مدا بكذا أن إلى فيّ صفة لفاه أي الكائن إلى في أي الموجه إلى فيّ وما ذكره الشارح أحد أقوال: منها أن فاه معمول جاعلا ناب منابه في الحالية ويروى كلمته فوه إلى في فالحال جملة المبتدإ والخبر، قال الدماميني: ويجب الرفع إن قدمت الظرف لأن التبيين لا يتقدم. ا. هـ. ثم نقل عن سيبويه وأكثر البصريين جواز تقديم فاه إلى في على كلمته وعن الكوفيين، وبعض البصريين المنع، قال في التسهيل: ولا يقاس عليه خلافا لهشام. قال الدماميني: لخروجه عن القياس بالتعريف والجمود وعن الظاهر من الرفع بالابتداء وجعل الجملة حالا إذ الحال في الحقيقة مجموع فاه إلى فيّ وأجاز هشام أن يقال قياسا عليه جاورته منزله إلى منزلي وناضلته قوسه عن قوسي ونحو ذلك وينبغي لبقية الكوفيين أن يوافقوه لأنهم يرونه مفعولا لمحذوف اعتمادا على فهم المعنى وذلك مقيس. ا. هـ. باختصار.
قوله: "وأرسلها" أي الإبل وقوله معتركة أي مزدحمة، ولو قال أي معاركة كما قال ابن الخباز لكان أحسن لأن اسم فاعل العراك معارك لا معترك. وقيل العراك مفعول مطلق لمحذوف هو الحال أي تعارك العراك أو معاركة العراك وقيل للمذكور على حذف مضاف أي إرسال العراك. قوله: "الجماء" أي الجماعة الجماء من الجموم وهو الكثرة، والغفير من الغفر وهو الستر أي ساترين لكثرتهم وجه الأرض وحذفت التاء من الغفير وإن كان بمعنى غافر حملا له على فعيل بمعنى مفعول، أو التذكير باعتبار معنى الجمع. قوله: "مشافهة" بلفظ اسم الفاعل المضاف إلى الضمير على أنه حال من تاء الفاعل أو بلفظ المصدر الذي بمعنى اسم الفاعل على أنه حال من التاء. قوله: "لئلا يتوهم كونه نعتا" أي ولو(2/255)
ومصدر منكر حالًا يقع ... بكثرة كبغتة زيد طلع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مطلقًا بلا تأويل فأجازوا جاء زيد الراكب. وفصل الكوفيون فقالوا: إن تضمنت الحال معنى الشرط صح تعريفها لفظًا نحو عبد الله المحسن أفضل منه المسيء، فالمحسن والمسيء حالان، وصح مجيئهما بلفظ المعرفة لتأولهما بالشرط؛ إذ التقدير عبد الله إذا أحسن أفضل منه إذا أساء، فإن لم تتضمن الحال معنى الشرط لم يصح مجيئها بلفظ المعرفة، فلا يجوز جاء زيد الراكب إذ لا يصح جاء إن ركب.
تنبيه: إذا قلت رأيت زيدًا وحده، فمذهب سيبويه أن وحده حال من الفاعل. وأجاز المبرد أن يكون حالًا من المفعول. وقال ابن طلحة: يتعين كونه حالا من المفعول لأنه إذا أراد الفاعل يقول: رأيت زيدًا وحدي. وصحة مررت برجل وحده -وبه مثل سيبويه- تدل على أنه حال من الفاعل، وأيضًا فهو مصدر أو نائب المصدر، والمصادر في الغالب إنما تجيء أحوالًا من الفاعل. وذهب يونس إلى أنه منتصب على الظرفية لقول بعض العرب زيد وحده والتقدير زيد موضع التفرد "ومصدر منكر حالًا يقع بكثرة كبغتة زيد طلع" وجاء زيد ركضًا، وقتلته صبرًا. وهو عند سيبويه والجمهور على التأويل بالوصف. أي باغتًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مقطوعا عند اختلاف الحركة فلا يقال هذا لا يظهر إلا عند اتحاد حركتي الحال وصاحبها، أو يقال حملت حالة الاختلاف في الحركة على حالة الاتفاق فيها طردا للباب. قوله: "فالمحسن والمسيء إلخ" جعل الجمهور نصبهما بتقدير إذ كان أو إذا كان. قوله: "إن وحده حال من الفاعل" أي حالة كوني موحده أي مفرده بالرؤية فهو اسم مصدر أو حد مؤوّل باسم الفاعل أو حالة كوني متوحده أي متوحدا به أي منفردا برؤيته. فهو مصدر وحد يحد وحدا بمعنى انفرد. فعلم أنه إذا كان حالا من الفاعل جاز كونه مصدرا أو اسم مصدر نائبا عن المصدر كما يدل له قول الشارح وأيضا إلخ وعلم ما في كلام البعض من التسمح والقصور فتنبه. قوله: "من المفعول" أي حالة كونه منفردا فهو مصدر وحد يحد وحدا بمعنى انفرد. قوله: "يقول رأيت زيدا وحدي" أي ليطابق ما قبله في التكلم ويدفع بعدم تعين ذلك لصحة الغيبة الراجع إلى المفعول في الحالية من الفاعل أيضا على أنه من إضافة اسم المصدر إلى مفعوله الحقيقي أو المصدر إلى مفعوله بعد التوسع بحذف باء الجر كما مرت الإشارة إليه كما أنه على الحالية من المفعول من إضافة المصدر إلى فاعله.
قوله: "وبه مثل سيبويه" جملة معترضة. قوله: "تدل إلخ" أي لتعين كون الحال هنا من الفاعل لكون المجرور نكرة بلا مسوّغ من المسوّغات الآتية وبحث فيه الشنواني بأن مجيء الحال من النكرة المذكورة جائز بقلة كما سيأتي فمجرد الصحة لا تدل على ما ذكر. ويمكن دفعه بأن المراد الصحة الاطرادية عند الجميع وجواز مجيء الحال من النكرة المذكورة ليس مطردا عند الجميع لأن الخليل ويونس يقصرانه على السماع كما سيأتي. قوله: "أو نائب المصدر" أي اسم مصدر نائب مناب المصدر وقد فهمت وجه الاحتمالين. قوله: "على الظرفية" أي المكانية. قوله: "صبرا" هو أن يحبس ثم يرمى حتى يموت كما في القاموس. قوله:(2/256)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وراكضًا ومصبورًا: أي محبوسًا. وذهب الأخفش والمبرد إلى أن ذلك منصوب على المصدرة، والعامل فيه محذوف، والتقدير طلع زيد يبغت بغتة، وجاء يركض ركضًا، وقتلته يصبر صبرًا، فالحال عندهما الجملة لا المصدر، وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على المصدرية كما ذهبا إليه، لكن الناصب عندهم الفعل المذكور لتأوله بفعل من لفظ المصدر، فطلع زيد بغتة عندهم في تأويل بغت زيد بغتة. وجاء ركضًا في تأويل ركض ركضًا. وقتلته صبرا في تأويل صبرته صبرًا. وقيل: هي مصادر على حذف مصادر، والتقدير طلع زيد طلوع بغتة، وجاء مجيء ركض وقتلته قتل صبر. وقيل: هي مصادر على حذف مضاف. والتقدير طلع ذا بغتة، وجاء ذا ركض، وقتلته ذا صبر.
تنبيهان: الأول مع كون المصدر المنكر يقع حالًا بكثرة هو عندهم مقصور على السماع. وقاسه المبرد: فقيل مطلقًا، وقيل فيما هو نوع من عامله نحو جاء زيد سرعة وهو المشهور عنه. وقاسه الناظم وابنه في ثلاثة: الأول قولهم أنت الرجل علمًا فيجوز أنت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وهو" أي المصدر المذكور عند سيبويه والجمهور على التأويل بالوصف أي حال على التأويل بالوصف ثم قابل الحالية بما عدا القول الأخير وقابل التأويل بالوصف بالقول الأخير. ومحصل ما ذكره المصنف والشارح من الأقوال في المصدر المنصوب في نحو زيد طلع بغتة خمسة لا أربعة كما زعمه البعض تبعا لشيخنا. قوله: "وذهب الأخفش والمبرد إلخ" رد بلزوم حذف عامل المؤكد. قوله: "على حذف مصادر" أي نابت المذكورات عنها في المفعولية المطلقة. قوله: "على حذف مضاف" أي غير مصدر، ذلك المضاف هو الحال في الأصل فلما حذف المضاف ناب عنه المضاف إليه في الحالية كما تفيده عبارة المرادي. ونصها وقيل هي أحوال على حذف مضاف أي أتيته ذا ركض إلخ. قوله: "مقصور على السماع" لأن الحال نعت في المعنى والنعت بالمصدر غير مطرد فكذا ما في معناه. وقد يتوقف في ذلك بأن غاية أمره أنه مجاز ويكفي في صحة المجاز ورود نوعه على الصحيح وقد ورد هنا النوع. نعم يظهر على القول باشتراط ورود شخص المجاز.
قوله: "وقاسه المبرد" ظاهره أنه يقول بأنه منصوب على الحال وهو ينافي قوله قبل. وذهب الأخفش والمبرد إلخ فلعل له قولين أو المراد قاس وقوع المصدر في هذا الموضع وإن لم يكن نصبه على الحال عنده. قوله: "فقيل مطلقا إلخ" قال ابن هشام الذي يظهر أنه مطرد في النوعي وغيره كما يطرد وقوع المصدر خبرا فإن الحال بالخبر أشبه منه بالنعت ولكثرة ما ورد من ذلك. قال الدماميني إنما كان شبه الحال بالخبر أقوى لأن حكم الحال مع صاحبها حكم الخبر مع المخبر عنه أبدا فإنك إذا طرحت هو وجاء وضربت مثلا من قولك: هو الحق بينا، وجاء زيد راكبا، وضربت اللص مكتوفا، بقي الحق بين، وزيد راكب واللص مكتوف، ولا يمكن اعتبار مثل ذلك في الشبه النعتي. قوله: "فيما هو نوع من عامله" أي مدلول عامله. قوله: "قولهم أنت(2/257)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرجل أدبًا ونبلًا، والمعنى الكامل في حال علم وأدب ونبل. وفي الارتشاف يحتمل عندي أن يكون تمييزًا. الثاني نحو زيد زهير شعرًا. قال في الارتشاف: والأظهر أن يكون تمييزًا. الثالث نحو أما علما فعالم تقول ذلك لمن وصف عندك شخصًا بعلم وغيره منكرًا عليه وصفه بغير العلم. والناصب لهذه الحال هو فعل الشرط المحذوف. وصاحب الحال هو المرفوع به والتقدير مهما يذكر إنسان في حال علم فالمذكور عالم، ويجوز أن يكون ناصبها ما بعد الفاء وصاحبها الضمير المستكن فيه، وهي على هذا مؤكدة، والتقدير مهما يكن من شيء فالمذكور عالم في حال علم. فلو كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها نحو أما علما فهو ذو علم تعين الوجه الأول. فلو كان المصدر التالي لأما معرفًا بأل فهو عند سيبويه مفعول له. وذهب الأخفش إلى أن المنكر والمعرف كليهما بعد أما مفعول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرجل علما" أي ونحوه مما قرن فيه الخبر بأل الدالة على الكمال فعلما بمعنى عالما حال من الضمير في الرجل لتأوله بالمشتق إذ معناه الكامل والعامل فيها الرجل لما ذكر أفاده المصرح. قوله: "ونبلا" بالضم الفضل كالنبالة. قوله: "يحتمل عندي أن يكون تمييزا" أي محولا عن الفاعل وهو ضمير الرجل بمعنى الكامل بل هو أظهر كما في الذي بعده، بل يحتمل في الثالث أيضا، ونقل الشارح في شرحه على التوضيح عن ثعلب أنه مصدر مؤكد بتأول الرجل باسم فاعل مما بعده أي أنت العالم علما.
قوله: "نحو زيد زهير شعرا" أي من كل خبر مشبه به مبتدؤه، فشعرا بمعنى شاعرا حال والعامل فيه زهير لتأوله بمشتق إذ معناه مجيد، وصاحب الحال ضمير مستتر فيه قاله المصرح. قوله: "أن يكون تمييزا" أي محولا عن الفاعل وهو ضمير زهير بمعنى جيد. وقال في التصريح أي تمييزا لما انبهم في مثل المحذوفة وهي العاملة فيه وفيه نظر لأن تمييز المفرد عين مميزه ألا ترى أن المثل في قولك على التمرة مثلها زبدا نفس الزبد وليس المثل في المثال السابق نفس الشعر ثم رأيته في الدماميني. قوله: "نحو أما علما فعالم" أي من كل تركيب وقع فيه الحال بعد أما في مقام قصد فيه الرد على من وصف شخصا بوصفين وأنت تعتقد اتصافه بأحدهما دون الآخر. قوله: "ما بعد الفاء" اعترضه زكريا وتبعه شيخنا والبعض وغيرهما بأن ما بعد فاء الجزاء لا يعمل فيما قبلها وهو مدفوع بما مر عن الرضي وغيره من أن ذلك في غير الفاء الواقعة بعد أما لكونها مزحلقة عن مكانها فلا تغفل. قوله: "لا يعمل فيما قبلها" لجمود المضاف وعدم عمل المضاف إليه فيما قبل المضاف مع كونه أعني المضاف إليه مصدرا لا يتحمل ضميرا يكون صاحب الحال كذا قال سم. وقد يقال للشارح هلا جوزت عمل المضاف في هذا المثال فيما قبله لتأوله بالمشتق وهو صاحب. قوله: "مفعول له" أي والعامل فيه فعل الشرط كما مر أي مهما يذكر إنسان لأجل علم ولعل المعنى لأجل ذكر علم ليتحد الفاعل فتدبر. وظاهر كلامه أن سيبويه يوجب ذلك وقد حكى عنه كقول الأخفش فكان ينبغي أن يذكر عنه الوجهين. قاله الدماميني.(2/258)
ولم ينكر غالبًا ذو الحال إن ... لم يتأخر أو يخصص أو يبن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مطلق. وذهب الكوفيون على ما نقله ابن هشام إلى أن القسمين مفعول به بفعل مقدر، والتقدير مهما تذكر علمًا أو العلم فالذي وصف عالم. قال في شرح التسهيل: وهذا القول عندي أولى بالصواب وأحق ما اعتمد عليه في الجواب. الثاني أشعر كلامه أن وقوع المصدر المعرف حالًا قليل وهو كذلك، وذلك ضربان: علم جنس نحو قولهم جاءت الخيل بداد، ومعرف بأل نحو أرسلها العراك. والصحيح أنه على التأويل بمتبددة ومعتركة كما مر "ولم ينكر غالبًا ذو الحال" لأنه كالمبتدأ في المعنى فحقه أن يكون معرفة "إن لم يتأخر" عن الحال فإن تأخر كان ذلك مسوغًا لمجيئه نكرة نحو: فيها قائمًا رجل وقوله:
489- لمية موحشًا طلل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "مفعول مطلق" أي منصوب بعالم أي مهما يذكر شيء فالمذكور عالم علما. وفيه أن المعرف لا يكون مؤكدا ودعوى زيادة أل مخالفة للأصل. قاله زكريا.
قوله: "وهذا القول عندي أولى إلخ" وجه أولويته وأحقيته من القول بالحالية اطراده في التعريف والتنكير ومن القول بأنه مفعول له قلة نصب المحلى بأل مفعولا له. ومن القول بأنه مفعول مطلق كون المصدر المؤكد لا يعرف، ودعوى زيادة أل خلاف الأصل ومن هذين القولين مجيئه تارة غير مصدر نحو أما قريشا فأنا أفضلها. قوله: "بداد" علم جنس للتبديد بمعنى التفرق مبني على الكسر كحذام، ووقع حالا لتأوله بوصف نكرة أي متبددة هذا هو الصحيح كما سيذكره الشارح. قوله: "والصحيح أنه على التأويل إلخ" مقابله على ما أفاده أربعة أقوال: بقية الأقوال الخمسة المتقدمة في المصدر. قوله: "لأنه كالمبتدأ في المعنى" أي لكونه محكوما عليه معنى بالحال ولم يشبه بالفاعل فينكر كالفاعل مع أن الفاعل أيضا محكوم عليه لأن شبهه بالمبتدأ أقوى لتأخر المحكوم به مع كل بخلاف الفاعل. قوله: "كان ذلك مسوّغا لمجيئه نكرة" أي قياسا على المبتدأ إذا تأخر بناء على أن تأخيره للتسويغ، وتعليل بعضهم بعدم لبس الحال حينئذٍ بالوصف لأن الوصف لا يسبق الموصوف لا يناسب تعليل الشارح عدم تنكير صاحب الحال بأنه كالمبتدأ، ولا يناسب أيضا جعل الشارح تبعا للتوضيح تقديم حال النكرة عليها
__________
489- عجزه:
يلوح كأنه خلل
والبيت من مجزوء الوافر، وهو لكثير عزة في ديوانه ص506؛ وخزانة الأدب 3/ 211؛ وشرح التصريح 1/ 375؛ وشرح شواهد المغني 1/ 249؛ والكتاب 2/ 123؛ ولسان العرب 6/ 368 "وحش"؛ والمقاصد النحوية 3/ 163؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص147؛ وأوضح المسالك 2/ 310؛ وخزانة الأدب 6/ 43؛ والخصائص 2/ 492؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1664، 1825؛ وشرح قطر الندى ص236؛ ولسان العرب 11/ 220 "خلل"؛ ومغني اللبيب 1/ 85، 2/ 436، 659.(2/259)
من بعد نفي أو مضاهيه كلا ... يبغ امرؤ على امرئ مستشهدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
490- وبالجسم مني بينًا لو علمته ... شحوب وإن تستشهدي العين تشهد
"أو يخصص" إما يوصف كقراءة بعضهم {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ} [البقرة: 89] وقوله:
491- نجيت يا رب نوحًا واستجبت له ... في فلك ماخر في اليم مشحونا
وإما بإضافة، نحو: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10] ، وإما بمعمول. نحو عجبت في ضرب أخوك شديدًا "أو يبن" أي يظهر الحال "من بعد نفي أو مضاهيه"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مسوغا لمجيء الحال منها، وإنما يناسب ما في المغني والرضي من أن التقديم لدفع لبس الحال بالصفة إذا كان صاحبها منصوبا وطرد الباب في غير هذه الحالة. قال المصرح: وعلى هذا فالمسوّغ في المثال تقديم الخبر وفي البيت يعني لمية إلخ الوصف. ا. هـ. وقوله الوصف أي وتقديم الخبر وكالمثال البيت الثاني مع أنه يرد على هذا التعليل الموافق لما في المغني والرضي أنه يقتضي امتناع ما فيه لبس الحال بالوصف مع أنهم صرحوا بجواز الحال من النكرة المخصصة المقدمة ومنها رأيت غلام رجل قائما مع حصول اللبس فيه فتدبر. قوله: "لمية موحشا طلل" فيه أن صاحب الحال المبتدأ وهو مذهب سيبويه دون الجمهور فالأولى أن يجعل صاحب الحال الضمير في الخبر وحينئذٍ لا شاهد فيه، وكذا يقال في البيت بعده، وتمامه:
يلوح كأنه خلل
بالكسر جمع خلة بالكسر بطانة يغشى بها أجفان السيوف كما في التصريح والعيني: قال يس وعلى القول بجواز الحال من المبتدأ يكون عامل الحال غير عامل صاحبها إذ لا يصح أن يكون عاملها الابتداء لضعفه وعدم صلاحيته لأن تكون قيدا له. ا. هـ. ونقل حفيد السعد في حواشي المطول أن العامل في الحال من المبتدأ على هذا القول انتساب الخبر إلى المبتدأ لأنه معنى فعلي قابل للتقييد. قوله: "شحوب" مصدر شحب بالفتح يشحب بالضم أي تغير. وأما شحب بضم عين الماضي فمصدره شحوبة كما في شيخ الإسلام. وجملة لو علمته بكسر التاء معترضة وجواب لو محذوف أي لرحمتني. قوله: "كقراءة بعضهم" هي شاذة وقد يقال لا شاهد فيه ولا في البيت بعده لاحتمال أن يكون الحال من المستتر في الجار والمجرور. قوله: "ماخر" بالخاء المعجمة أي شاق للبحر. قوله: "أي يظهر الحال" كان عليه أن يقول أي يظهر ذو الحال لأن
__________
490- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في شرح ابن عقيل ص326؛ وشرح عمدة الحافظ ص422؛ والكتاب 2/ 123؛ والمقاصد النحوية 3/ 147.
491- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 312؛ وشرح التصريح 1/ 386؛ وشرح ابن عقيل ص327؛ والمقاصد النحوية 3/ 149.(2/260)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي مشابهه وهو النهي والاستفهام: فالنفي نحو: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] ، وقوله:
ما حم من موت حمى واقيًا
والنهي "كلا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلًا" وقوله:
492- لا يركنن أحد إلى الأحجام ... يوم الوغى متخوفًا لجمام
والاستفهام كقوله:
493- يا صاح هل حم عيش باقيًا فترى ... لنفسك العذر في إبغادها الأملا
واحترز بقوله غالبًا مما ورد فيه صاحب الحال نكرة من غير مسوغ، من ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكلام فيه وقد وجد كذلك في بعض النسخ. قوله: "والاستفهام" هل المراد الإنكاري أو الأعم قياسا على ما سبق في المبتدأ قيل وقيل. والأظهر الثاني. قوله: "نحو وما أهلكنا إلخ" فجملة: {وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] ، حال من قرية الواقعة بعد النفي على المشهور. وفيه مسوغ آخر وهو اقتران الجملة الحالية بالواو كما سيأتي ولا ينافي ذلك قول المصرح إنما يحتاج إلى هذا المسوغ في الإيجاب نحو: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة: 259 [، فعلم ما في كلام البعض. ومقابل المشهور قول الزمخشري أن الجملة في نحو الآيتين صفة والواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف لأنها في أصلها للجمع المناسب للإلصاق وإن لم تكن الآن عاطفة. والاعتراض عليه بأن الواو فصلت بينهما فكيف أكدت التصاقهما دفع بأن المراد اللصوق المعنوي لا اللفظي.
قوله: "ما حم" أي قدر، ومن موت متعلق بحمى أو واقيا، والحمى الشيء المحمي المحفوظ كما في القاموس وغيره وبه يعلم ما في قول البعض. والحمى ما به الحماية والحفظ، وواقيا حال من حمى وفيه مسوغ آخر وهو التخصيص بقوله من موت على جعله متعلقا بحمى. قوله: "الإحجام" أي التأخر. والوغى الحرب والحمام بالكسر الموت. قوله: "باقيا" حال من عيش. وقوله فترى جواب الاستفهام الإنكاري. قوله: "مما ورد فيه صاحب الحال إلخ" أي
__________
492- البيت من الكامل، وهو لقطري بن الفجاءة في ديوانه ص171؛ وخزانة الأدب 10/ 163؛ والدرر 4/ 5؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص136؛ وشرح ابن عقيل ص330؛ وشرح عمدة الحافظ ص423؛ والمقاصد النحوية 3/ 150؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 314؛ وشرح التصريح 1/ 377؛ وهمع الهوامع 1/ 240.
493- البيت من البسيط، وهو لرجل من طيئ في الدرر اللوامع 4/ 6؛ وشرح التصرح 1/ 377؛ وشرح عمدة الحافظ ص423؛ والمقاصد النحوية 3/ 153؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 316؛ وشرح ابن عقيل ص329؛ وهمع الهوامع 1/ 240.(2/261)
وسبق حال ما بحرف جر قد ... أبوا ولا أمنعه فقد ورد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قولهم: مررت بماء قعدة رجل. وقولهم: عليه مائة بيضًا. وأجاز سيبويه: فيها رجل قائمًا. وفي الحديث "وصلى وراءه رجال قيامًا" وذلك قليل.
تنبيه: زاد في التسهيل من المسوغات ثلاثة: أحدهما أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو نحو: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة: 259] ؛ لأن الواو ترفع توهم النعتية. ثانيها أن يكون الوصف بها على خلاف الأصل: نحو هذا خاتم حديدًا. ثالثها أن تشترك النكرة مع معرفة في الحال نحو هؤلاء ناس وعبد الله منطلقين "وسبق حال ما بحرف جر قد أبوا" سبق مفعول مقدم لأبوا، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، والوصول في موضع النصب على المفعولية: أي منع أكثر النحويين تقدم الحال على صاحبها المجرور بالحرف، فلا يجيزون في نحو مررت بهند جالسة مررت جالسة بهند. وعللوا منع ذلك بأن تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبه فحقه إذا تعدى لصاحبه بواسطة أن يتعدى إليه بتلك الواسطة، لكن منع من ذلك أن الفعل لا يتعدى بحرف الجر إلى شيئين فجعلوا عوضًا من الاشتراك في الواسطة التزام التأخير. قال الناظم: "ولا أمنعه" أي بل أجيزه وفاقًا لأبي علي وابن كيسان وابن برهان لأن المجرور بالحرف مفعول به في المعنى. فلا يمتنع تقديم حاله عليه كما لا يمتنع تقديم حال المفعول به، وأيضًا "فقد ورد"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قياسا عند سيبويه وسماعا عند الخليل ويونس قاله المصرح. قوله: "قعدة رجل" بكسر القاف أي مقدار قعدته. قوله: "لأن الواو ترفع توهم النعتية" يقتضي أن التعريف أو ما يقوم مقامه لرفع التباس الحال بالوصف والذي قدمه أنه لشبهه بالمبتدأ. وأجيب بأنه أشار إلى صحة التعليل بكل من العلتين وفيه ما مر.
قوله: "على خلاف الأصل" أي لجمودها فلا يتبادر الذهن إلى النعتية. قوله: "مع معرفة" أي أو نكرة مخصصة نحو هذا رجل صالح وامرأة مقبلين كما قاله الدماميني. قوله: "ما بحرف" أي غير زائد كما سيأتي. وفي مفهوم قوله بحرف تفصيل يأتي قريبا في الشرح حاصله أن الإضافة إن كانت محضة امتنع التقديم أو لفظية فلا وجعل الكوفيون المنصوب كالمجرور بالحرف فمنعوا تقديم الحال في نحو لقيت هندا راكبة لأن تقديمها يوهم كونها مفعولا وصاحبها بدلا. قوله: "في موضع النصب" أي إن نون حال وإلا كان في موضع جر بالإضافة وهذا أعم لشموله تقدم الحال على صاحبها وعلى عاملها أما على التنوين فلا يشمل إلا التقدم على الصاحب قاله يس. قوله: "أي منع أكثر النحويين" فيه صرف لقوله أبوا عن ظاهره من إرادة جميع النحاة، ويجاب عن تعبيره بذلك بأنه نزل الأكثر لقلة المخالف لهم منزلة الجميع سم. قوله: "بأن تعلق العامل بالحال" أي في المعنى والعمل ثان أي تابع لتعلقه بصاحبه في ذلك. قوله: "لا يتعدى بحرف الجر إلى شيئين" أي مع التصريح بالواسطة أو المراد لا يتعدى بدون اتباع اصطلاحي فلا يرد مررت برجل كريم. قوله: "التزام التأخير" أي ليكون الحال في حيز الجار. قوله: "وأيضا فقد ورد(2/262)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السماع به من ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] ، وقول الشاعر:
494- تسليت طرا عنكم بعد بينكم ... بذكراكم حتى كأنكم عندي
وقوله:
495- لئن كان برد الماء هيمان صاديًا ... إلي حبيبًا إنها لحبيب
وقوله:
496- غافلًا تعرض المنية للمر ... ء فيدعى ولات حين إباء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلخ" أورد عليه أن ما استدل به من الآية والأبيات محتمل للتأويل، وأجيب بأنه يكفي في الظنيات ظواهر الأدلة ما لم يردها صريح لا سيما مع مساعدة القياس أفاده المرادي.
قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} فكافة بمعنى جميعا حال من المجرور وهو الناس وقد تقدم عليه وأورد عليه أنه يلزم عليه تقديم الحال المحصور فيها وتعدى أرسل باللام والكثير تعديته بإلى. وأجيب عن الأول بأن تقديم الحال المحصور فيها مع إلا جائز لعدم اللبس قياسا على جواز تقديم الفاعل والمفعول المحصور فيهما مع إلا كما أشار إليه سابقا في قوله وقد يسبق أن قصد ظهر، على أنه يمكن أن يجعل المحصور إرساله والمحصور فيه كونه للناس كافة، وحينئذٍ فكل من المحصور والمحصور فيه في محله. وعن الثاني بأن التخريج على القليل إذا كان قياسا فصيحا كما هنا سائغ قاله سم بقي أن المصنف اعترف في تسهيله بضعف تقديم الحال المذكورة فكيف خرج الآية على الضعيف، ولهذا جعل الزمخشري كافة صفة مصدر محذوف أي إرساله كافة للناس، لكن اعترض بأن كافة مختص بمن يعقل وبالنصب على الحال كطرا وقاطبة. وأجيب بنقل السيد عبد الله في شرحه على اللباب عن عمر بن الخطاب أنه قال: قد جعلت لآل بني كاكلة على كافة بيت المسلمين لكل عام مائتي مثقال ذهبا إبريزا كتبه عمر بن الخطاب. ختمه كفى بالموت واعظا يا عمر. قال: وهذا الخط موجود في آل بني كاكلة إلى الآن. ا. هـ. وقد يقال هذا شاذ. قال التفتازاني: كافة في نحو جاء القوم كافة هو في الأصل اسم فاعل من كف بمعنى منع كأن الجماعة منعوا باجتماعهم أن يخرج منهم أحد. دماميني وشمني. قوله: "بعد بينكم" أي فراقكم وحتى ابتدائية. قوله: "هيمان صاديا" كلاهما بمعنى
__________
494- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 321؛ وشرح التصريح 379؛ وشرح عمدة الحافظ ص426؛ والمقاصد النحوية 3/ 160.
495- البيت من الطويل، وهو للمجنون في ديوانه ص49؛ وسمط اللآلي ص400؛ ولروة بن حزام في خزانة الأدب 3/ 212، 218؛ والشعر والشعراء ص627؛ وهو لكثير عزة في ديوانه ص522؛ والسمط ص400؛ والمقاصد النحوية 3/ 156؛ ولقيس بن ذريح في ديوانه ص62؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص330؛ وشرح عمدة الحافظ ص428.
496- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص428؛ وشرح قطر الندى ص25؛ والمقاصد النحوية 3/ 161.(2/263)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
497- فإن تك أذواد أصبن ونسوة ... فلن يذهبوا فرغًا بقتل حبال
وقوله:
498- مشغوفة بك قد شغفت وإنما ... حم الفراق فما إليك سبيل
وقوله:
499- إذا المرء أعيته المروءة ناشئًا ... فمطلبها كهلًا عليه شديد
والحق أن جواز ذلك مخصوص. وحمل الآية على أن كافة حال من الكف، والتاء للمبالغة لا للتأنيث، وقد ذكر ابن الأنباري الإجماع على المنع.
تنبيهات: الأول فصل الكوفيون فقالوا: إن كان المجرور ضميرًا نحو مررت ضاحكة بها، أو كانت الحال فعلًا نحو تضحك مررت بهند جاز، وإلا امتنع. الثاني محل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عطشان وهما حالان من ياء المتكلم، أو الثاني حال من ضمير هيمان فهو من الحال المتداخلة على هذا والمترادفة على الأول. قوله: "فإن تك أذواد" جمع ذود وهو من الإبل ما بين الثلاثة والعشرة، وأصبن خبرتك، وحبال اسم ابن أخي طليحة قائل هذا البيت، وفرغا بكسر الفاء وفتحها كما في شيخ الإسلام وإن اقتصر العيني ومن تبعه على الكسر أي هدرا حال من قتل. قوله: "إذا المرء" بنصب المرء على تقدير إذا أعيت المروءة المرء، وبالرفع على تقدير إذا عيي المرء. وعلى كل هو من باب الاشتغال إلا أن العامل في المرء على النصب يقدر من لفظ العامل المذكور وعلى الرفع يقدر مطاوعا للمذكور على حدّ:
لا تجزعي إن منفس أهلكته
أي هلك منفس، وناشئا شابا. قوله: "وحمل الآية إلخ" لا يخفى ما فيه من التعسف كما قاله الرضي فلا يرد على المصنف لأن الاحتمال البعيد لا يقدح في الأدلة الظنية قاله سم ونقل في التصريح هذا الحمل عن الزجاج ثم نقل رده عن المصنف فانظره. قوله: "والتاء للمبالغة" والمعنى إلا شديد الكف للناس أي المنع لهم من الشرك ونحوه. وقال الزمخشري: إلا إرساله كافة فجعل كافة نعت مصدر محذوف. ويعارضه نقل ابن برهان أن كافة لا تستعمل إلا حالا. قاله
__________
497- البيت من الطويل، وهو لطليحة بن خويلد في المقاصد النحوية 3/ 154؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص19؛ وشرح ابن عقيل ص331؛ وشرح عمدة الحافظ ص427.
498- البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص428؛ والمقاصد النحوية 3/ 162.
499- البيت من الطويل، وهو للمخبل السعدي في ملحق ديوانه ص324؛ وله أو لرجل من بني قريع في خزانة الأدب 3/ 219، 221؛ ولرجل من بني قريع في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1148.(2/264)
ولا تجز حالًا من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الخلاف إذا كان الحرف غير زائد، فإن كان زائدًا جاز التقديم اتفاقًا، نحو: ما جاء راكبًا من رجل. الثالث بقي من الأسباب الموجبة لتأخير الحال عن صاحبها أمران: الأول أن يكون مجرورًا بالإضافة نحو عرفت قيام زيد مسرعًا، وأعجبني وجه هند مسفرة، فلا يجوز بإجماع تقديم هذه الحال واقعة بعد المضاف، لئلا يلزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه، ولا قبله لأن المضاف إليه مع المضاف كالصلة مع الموصول، فكما لا يتقدم ما يتعلق بالصلة على الموصول كذلك لا يتقدم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف وهذا في الإضافة المحضة كما رأيت، أما غير المحضة نحو هذا شارب السويق ملتوتًا الآن أو غدًا فيجوز، قاله في شرح التسهيل. لكن في كلام ولده وتابعه عليه صاحب التوضيح ما يقتضي التسوية في المنع. الأمر الثاني أن تكون الحال محصورة نحو ما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين. الرابع كما يعرض للحال وجوب التأخير عن صاحبها كما رأيت كذلك يعرض لها وجوب التقديم عليه، وذلك كما إذا كان محصورًا نحو ما جاء راكبًا إلا زيد "ولا تجز حالًا من المضاف له" لوجوب كون العامل في الحال هو العامل في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصرح قال شيخنا: ولذلك غلط من يقول ولكافة المسلمين. قوله: "جاز" قال شيخنا والبعض لعله لعدم ظهور الإعراب في صاحبها في الأول وفيها في الثاني فلا حاجة حينئذٍ لتعويض لزوم التأخير عن تسلط العامل بالواسطة لضعفها بخفاء العمل. قوله: "فإن كان زائدا جاز التقديم" استثنى منه بعضهم الزائد الممتنع الحذف أو القليله نحو أحسن بزيد مقبلا وكفى بهند جالسة فلا يجوز تقديم الحال فيهما. قوله: "أمران" زاد بعضهم كون صاحبها منصوبا بكأن أو ليت أو لعل أو فعل تعجب أو ضميرا متصلا بصلة أل نحو القاصدك سائلا زيد أو بصلة الحرف المصدري نحو أعجبني أن ضربت زيدا مؤدبا. قوله: "الآن أو غدا" قيد بذلك لتكون الإضافة غير محضة. قوله: "فيجوز" لأن غير المحضة في نية الانفصال فالمضاف إليه فيها مفعول به وتقديم حاله عليه جائز. قال الدماميني وليس كل إضافة لا تعرف غير محضة بل غير المحضة هي التي في تقدير الانفصال وهو في نحو مثلك مفقود فاعتراض أبي حيان بامتناع التقديم في نحو هذا مثلك متكلما مع أن الإضافة فيه غير محضة سهو. قوله: "أن تكون الحال محصورة" أي محصورا فيها ويستثنى منه المحصور بإلا إذا تقدمت مع إلا كما مر. قوله: "كما إذا كان محصورا" أي فيه وكما إذا كان صاحب الحال مضافا إلى ضمير ما يلابسها نحو جاء زائر هند أخوها.
قوله: "ولا تجز حالا إلخ" دخل عليه السندوبي بقوله وتقع الحال من الفاعل والمفعول والمجرور والخبر وكذا من المبتدإ على مذهب سيبويه ولا تأتي من المضاف إليه إلا في مسائل عند المصنف نبه عليها بقوله: ولا تجز حالا إلخ. قوله: "لوجوب كون العامل إلخ" أي لأن الحال وصاحبها كالنعت والمنعوت وعاملهما واحد وما ذكره من وجوب ذلك هو مذهب الجمهور وذهب سيبويه إلى عدم وجوب ذلك لأن الحال أشبه بالخبر وعامله غير عامل المبتدأ(2/265)
أو كان جزء ما له أضيفا ... أو مثل جزئه فلا تحيفا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صاحبها وذلك يأباه "إلا إذا اقتضى المضاف عمله" أي عمل الحال وهو نصبه نحو: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [يونس: 4] ، وقوله:
500- تقول ابنتي إن انطلاقك واحدًا ... إلى الروع يومًا تاركي لا أباليا
ونحو هذا شارب السويق ملتوتًا. وهذا اتفاق كما ذكره في شرحي التسهيل والكافية "أو كان" المضاف "جزء ما له أضيفا" نحو: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} [الحجر: 47] ، {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} "أو مثل جزئه لا تحيفا" والمراد بمثل جزئه ما يصح الاستغناء به عنه نحو: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] ، وإنما جاز مجيء الحال من المضاف إليه في هذه المسائل الثلاث ونحوها لوجود الشرط المذكور، أما في الأولى فواضح، وأما في الأخيرتين فلأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على الصحيح واختاره المصنف في تسهيله فقال وقد يعمل فيها غير عامل صاحبها خلافا لمن منع. قوله: "وذلك يأباه" أي الوجوب المذكور يأبى جواز مجيء الحال من المضاف إليه لأن المضاف من حيث إنه مضاف لا يعمل النصب. قوله: "أي عمل الحال" أي العمل فيه بأن كان ذلك المضاف عامل الحال وقيل المراد عمل المضاف إليه أي العمل فيه من حيث إنه كالفعل لا من حيث إنه مضاف بأن كان المضاف مما يعمل عمل الفعل وإلا فغلام مثلا من غلام زيد عامل في المضاف إليه لكن عمل الحرف المنوي لا عمل الفعل. وقيل المراد عمل المضاف بناء على أن اقتضاءه العمل إنما هو إذا دل على الحدث كالمصدر بناء على أن المتبادر من اقتضائه العمل اقتضاؤه ذلك لذاته ولا يمكن ذلك إلا فيما فيه معنى الحدث قاله سم ومآل الأوجه الثلاثة واحد.
قوله: "إليه مرجعكم جميعا" مرجع مصدر ميمي بمعنى الرجوع والقياس فتح عينه كمذهب. قوله: "إلى الروع" بفتح الراء وهو الخوف والمراد سببه وهو الحرب. قوله: "وهذا اتفاق" أي مجيء الحال من المضاف إليه عند اقتضاء المضاف العمل المذكور. قوله: "فلا تحيفا" أي لا تمل عن ذلك إلى زيادة عليه أو نقص عنه. قوله: "ما يصح الاستغناء به عنه" إشارة لوجه الشبه المقتضى لصحة مجيء الحال من المضاف إليه. قوله: "ونحوها" قيل الصواب إسقاطه إذ لم يبق غير الثلاثة يجوز فيه مجيء الحال من المضاف إليه. وأجاب البهوتي بأنه تجوّز باسم المسألة عن المثال تسمية للجزئي باسم كليه ويرده وصف المسائل بالثلاث لأن الأمثلة السابقة أكثر من ثلاثة إلا أن يقال نزل الأمثلة التي ذكرها لكل مسألة منزلة مثال واحد لاتحادها نوعا وفيه بعد. قوله: "لوجود الشرط المذكور" أي في قوله لوجوب كون العامل في
__________
500- البيت من الطويل، وهو لمالك بن الريب في ديوانه ص43؛ والمقاصد النحوية 3/ 165؛ ولسلامة بن جندل في ديوانه ص198؛ والشعر والشعراء 1/ 279؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص332؛ وعيون الأخبار 1/ 343.(2/266)
والحال إن ينصب بفعل صرفا ... أو صفة أشبهت المصرفا
فجائز تقديمه كمشرعا ... ذا راحل ومخلصًا زيد دعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العامل في الحال عام في صاحبها حكمًا؛ إذ المضاف والحالة هذه في قوة الساقط لصحة الاستغناء عنه بصاحب الحال وهو المضاف إليه.
تنبيه: ادعى المصنف في شرح التسهيل الاتفاق على منع مجيء الحال من المضاف إليه فيما عدا المسائل الثلاث المستثناة، نحو: ضربت غلام هند جالسة وتابعه على ذلك ولده في شرحه. وفيما ادعياه نظر فإن مذهب الفارسي الجواز، وممن نقله عنه الشريف أبو السعادات ابن الشجري في أماليه "والحال" مع عامله على ثلاثة أوجه: واجب التقديم عليه، وواجب التأخير عنه، وجائزهما كما هو كذلك مع صاحبه على ما مر. فالحال "إن ينصب بفعل صرفا أو صفة أشبهت" الفعل "المصرفا" وهي ما تضمن معنى الفعل وحروفه وقبل علامات الفرعية، وذلك اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة "فجائز تقديمه" على ذلك الناصب له وهذا هو الأصل. فالصفة "كمسرعًا ذا راحل" ومجردًا زيد مضروب. وهذا تحملين طليق. فتحملين في موضع نصب على الحال، وعاملها طليق وهو صفة مشبهة "و" الفعل نحو: "مخلصًا زيد دعا" وخاشعًا أبصارهم يخرجون. وقولهم: شتى تؤوب الحلية والاحتراز بقوله صرفًا وأشبهت المصرفا مما كان العامل فيه فعلًا جامدًا ما أحسنه مقبلًا، أو صفة تشبه الجامد وهو اسم الفضيل نحو هو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحال إلخ. قوله: "وفيما ادعياه نظر إلخ" يؤيد النظر تعليل المنع بوجوب كون العامل في الحال هو العامل في صاحبها لأن تعليله بذلك يقتضي أن من لم يقل بوجوب ما ذكر وهو غير الجمهور لا يقول بالمنع. قوله: "بفعل صرفا" أي إن لم يقع صلة لحرف مصدري ولا تاليا للام الابتداء أو القسم إلا امتنع التقديم كما سيأتي. قوله: "أو صفة" أي لم تقع صلة لأل أي أو مصدر نائب عن فعله فإنه يجوز تقديم حاله عليه أيضا. قوله: "وقبل علامات الفرعية" أي العلامات الدالة على الفرعية كالتثنية والجمع والتأنيث والمراد قبلها قبولا مطلقا فلا يرد أفعل التفضيل فإنه إنما يقبلها إذا عرّف بأل أو أضيف كما سيأتي لكن يرد فعيل كقتيل فإنه إنما يقبلها إذا لم يجر على موصوفه مع أنه يجوز تقديم الحال عليه فلعله مستثنى.
قوله: "فجائز تقديمه" أي وإن كانت الحال جملة مصدرة بالواو خلافا لمن منع فيها. قوله: "وعاملها طليق" لا يقال معمول الصفة المشبهة يجب أن يكون سببيا مؤخرا لأنا نقول ذاك فيما عملها فيه بحق الشبه باسم الفاعل وعملها في الحال بسبب ما فيها من معنى الفعل قاله المصرح. قوله: "ومخلصا زيد دعا" فيه تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ جريا على القول بجوازه ورجحه الرضي. قوله: "شتى" جمع شتيت تؤوب الحلبة بالتحريك جمع حالب أي يرجعون متفرّقين. قوله: "نحو ما أحسنه مقبلا" فلا يجوز تقديم الحال على عاملها بل ولا على صاحبها ولو كان اسما ظاهرا كما في شرح العمدة. قوله: "تشبه الجامد" أي في عدم قبول(2/267)
وعامل ضمن معنى الفعل لا ... حروفه مؤخرًا لن يعملا
كتلك ليت وكأن وندر ... نحو سعيد مستقرا في هجر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أفصح الناس خطيبًا، أو اسم فعل نحو نزال مسرعًا، أو عاملًا معنويًّا هو ما تضمن معنى الفعل دون حروفه كما أشار إليه بقوله: "وعامل ضمن معنى الفعل لا حروفه مؤخرًا لن يعملا كتلك" و"ليت وكأن" والظرف والمجرور المخبر بهما، تقول تلك هند مجردة، وليت زيدًا أميرًا أخوك. وكأن زيدًا راكبًا أسد وزيد عندك أو في الدار جالسًا. وهكذا جميع ما تضمن معنى الفعل دون حروفه كحرف التنبيه والترجي والاستفهام المقصود به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
علامات الفرعية وفيه أن من الأفعال الجامدة ما يقبلها كنعم وبئس وعسى وليس إلا أن يكون مراده خصوص فعل التعجب وفعل الاستثناء. قوله: "خطيبا" هو حال من الضمير في أفصح. قوله: "أو اسم فعل" عطف على قوله فعلا جامدا، وظاهره أن هذا خارج بالقيد. وفيه أن اسم الفعل ليس فعلا ولا صفة فهو خارج من أصل الموضوع وكذا يقال في قوله أو عاملا معنويا. قوله: "وهو ما تضمن" أي لفظ تضمن فليس المراد بالعامل المعنوي نحو الابتداء والتجرد والعوامل المتضمنة ما ذكره عشرة ذكر المصنف والشارح منها تسعة وأسقطا النداء نحو:
يا أيها الربع مَبكيا بساحته
لما في مجيء الحال من المنادى من الخلاف فقد منعه بعضهم وإن كان الأصح كما في جامع ابن هشام الجواز وفي الهمع أن أبا حيان اختار أن اسم الإشارة وحرف التنبيه وليت ولعل وباقي الحروف لا تعمل في الحال ولا الظرف ولا يتعلق بها حرف إلا كأن وكاف التشبيه وأن بعضهم منع عمل كأن أيضا في الحال. وفي الأشباه والنظائر أن الأصح عدم عمل كان وأخواتها وعسى في الحال فتستثنى من العوامل اللفظية. قوله: "مؤخرا" أي ولا محذوفا كما صرح به في المغني غير مرة وإن استظهر الدماميني جواز زيد قائما جوابا لمن قال من في الدار أي زيد فيها قائما لقوة الدلالة على المحذوفة. قوله: "المخبر بهما" الظاهر أنه ليس بقيد بل الواقع نعتا مثلا كذلك نحو مررت برجل عندك قائما. قوله: "تلك هند مجردة" فمجردة حال من هند والعامل فيها اسم الإشارة لما فيه من معنى الفعل أعني أشير. قوله: "وليت زيدا أميرا أخوك" وسط الحال في هذا المثال وما بعده ليكون حالا من الاسم فيكون معمولا للناسخ على كلا المذهبين السابقين في إن وأخواتها إذ لو أخر لكان حالا من الخبر وهو على أحد المذهبين مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول الناسخ لا به، وكليت وكأن لعل كما سيذكره الشارح، ويظهر أن إنّ وأنّ ولكن كذلك.
قوله: "كحرف التنبيه" نحو: ها أنت زيد راكبا فراكبا حال من زيد أو من أنت على رأي سيبويه فالعامل في راكبا حرف التنبيه لتضمنه معنى أنبه ونحو هذا زيد قائما فالعامل في قائما حرف التنبيه لما مر. وقيل اسم الإشارة لتضمنه معنى أشير وقيل كلاهما لتنزلهما منزلة كلمة واحدة. فإن قلنا العامل حرف التنبيه جاز أن تقول ها قائما ذا زيد ولا يجوز على الوجهين الأخيرين كذا في يس عن ابن بابشاذ. وأورد على كلام الشارح أن الكلام في عامل ضمن معنى(2/268)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التعظيم نحو: يا جارتا ما أنت جاره. وأما نحو أما علمًا فعالم فلا يجوز تقديم الحال على عاملها في شيء من ذلك. وهذا هو القسم الثاني "وندر" تقديمها على عاملها الظرف والمجرور المخبر بهما "نحو سعيد مستقرا" عندك أو "في هجر" فما ورد من ذلك مسموعًا يحفظ ولا يقاس عليه. هذا هو مذهب البصريين. وأجاز ذلك الفراء والأخفش
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفعل لا في مطلق ما تضمن ذلك. وأنت خبير بأن المراد العامل ولو في الحال فقط. وحرف التنبيه يعمل في الحال على ما ذكره الشارح فلا خروج عما الكلام فيه. نعم يرد على من جعل حرف التنبيه عاملا في الحال عدم اتحاد الحال وصاحبها عاملا ولعله لا يقول بوجوب الاتحاد كما ذهب بعضهم. وفي التصريح وشرح الجامع أن إسناد العمل إلى الأشياء العشرة ظاهري وأن العامل في الحقيقة الفعل المدلول عليه بها كأشير وأنبه وفعل الشرط في أما علما فعالم إذ التقدير مهما يذكر إنسان في حال علم، وحينئذٍ فيتحد العامل في الحال وصاحبها بلا إشكال. وفي المغني المشهور لزوم اتحاد عامل الحال وصاحبها، وليس بلازم عند سيبويه، ويشهد له نحو أعجبني وجه زيد متبسما وصوته قارئا فإن عامل الحال الفعل وعامل صاحبها المضاف وقوله:
لمية موحشا طلل
فإن عامل الحال الاستقرار الذي تعلق به الظرف، وعامل صاحبها وهو طلل الابتداء: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون: 52] ، فإن عامل الحال حرف التنبيه أو اسم الإشارة وعامل صاحبها إن ومثله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام: 153] ، وقوله:
ها بينا ذا صريح النصح فاصغ له
فعامل الحال ها التنبيه وليست عامل صاحبها، ولك أن تقول لا أسلم أن صاحب الحال طلل بل ضميره المستتر في الظرف لأن الحال حينئذٍ من المعرفة. وأما البواقي فاتحاد العامل فيها موجود تقديرا إذ المعنى أشير إلى أمتكم وإلى صراطي وتنبه لصريح النصح. وأما مثالا الإضافة فصلاحية المضاف فيهما للسقوط تجعل المضاف إليه كأنه معمول للفعل وعلى هذا فالشرط في المسألة اتحاد العامل تحقيقا أو تقديرا. ا. هـ. باختصار. وقال الرضي في باب المبتدأ التزامهم اتحاد العامل في الحال وصاحبها لا دليل لهم عليه ولا ضرورة ألجأتهم إليه والحق أنه يجوز اختلاف العاملين على ما ذهب إليه المالكي. ا. هـ. قوله: "وأما" معطوف على حرف التنبيه. قوله: "نحو أما علما فعالم" أسلف الشارح أنه حال من مرفوع فعل الشرط الذي نابت عنه أما فهو العامل حقيقة ونسبة العمل لأما باعتبار نيابتها عنه. قوله: "هو القسم الثاني" أي ما يجب فيه تأخير الحال عن العامل. قوله: "وندر" أي شذ بدليل قول الشارح فما ورد إلخ وقال الموضح قلّ. قوله: "مستقرا" قال سم حال مؤكدة وهو صريح في أن المراد به الاستقرار العام وقال غيره أي ثابتا غير متزلزل فهو خاص إذ لو كان عاما لم يظهر. قال بعض المتأخرين قد يقال محل عدم ظهوره إذا كان له معمول يقع بدلا عنه وإلا جاز ظهوره وعندي أن هذا متعين إذ لا يشك أحد في جواز هذا ثابت(2/269)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مطلقًا. وأجازه الكوفيون فيما كانت الحال فيه من مضمر نحو أنت قائمًا في الدار. وقيل يجوز بقوة إن كان الحال ظرفًا. أو حرف جر. ويضعف إن كان غيرهما. وهو مذهبه في التسهيل. واستدل المجيز بقراءة من قرأ: "والسماوات مطوياتٍ بيمينه" [الزمر: 67] ، "ما في بطون هذه الأنعام خالصةً لذكورنا" [الأنعام: 139] ، بنصب مطويات وخالصة. وبقوله:
501- رهط ابن كور محقبي أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعة ابن حذار
وقوله:
502- بنا عاذ عوف وهو بادئ ذلة ... لديكم فلم يعدم ولاء ولا نصرا
وتأول ذلك المانع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا حاصل مثلا. قوله: "فيما كانت الحال فيه من مضمر" أي من مضمر مرجعه مضمر كما في المثال فإن قائما حال من الضمير المستكن في العامل الذي هو الجار والمجرور ومرجعه أنت وإن شئت جعلت كلام الشارح على حذف مضاف أي من مفسر مضمر بفتح السين والمآل واحد. ولعل وجه مذهبهم أنه لما كان مرجع صاحب الحال مماثلا له وكان متقدما كان كأن صاحب الحال متقدم فكأن العامل متقدم، بخلاف ما إذا لم يكن صاحب الحال ضميرا نحو أنت قائما في الدار أبوك، وما إذا لم يكن مرجعه ضميرا نحو زيد قائما في الدار فلا يجوزان عند الكوفيين. وقرر شيخنا عبارة الشارح بوجه آخر حيث قال فقائما حال من أنت عند الكوفيين القائلين بأن المبتدأ والخبر ترافعا فالعامل في الحال وصاحبها واحد متأخر عن الحال وهو الخبر. ا. هـ. وانظر ما وجه التخصيص بالضمير على هذا. قوله: "إن كان الحال ظرفا أو حرف جر" أي مع مجروره نحو زيد عندك أمامك أو في الدار أمامك إذا جعل عندك وفي الدار حالين من الضمير في الظرف بعدهما وقوله إن كان غيرهما كمثال المتن.
قوله: "واستدل المجيز" أي مطلقا. قوله: "بقراءة من قرأ" أي شذوذا. قوله: "رهط ابن كوز" بضم الكاف وآخره زاي مبتدأ خبره فيهم. ومحقبي أدراعهم حال من الضمير المستكن فيه أي جاعلين أدراعهم في حقائبهم جمع درع. ورهط الثاني معطوف على رهط الأول. وحذار بضم المهملة وتخفيف الذال المعجمة. والرهط ما دون العشرة من الرجال. قوله: "بنا عاذ عوف إلخ" فقدم الحال وهو بادىء ذلة على صاحبها أعني الضمير المستكن في لديكم الذي هو خبر هو. قوله: "وتأوّل ذلك المانع" أي بأن البيتين ضرورة وأن السماوات عطف على الضمير المستتر
__________
501- البيت من الكامل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص55؛ وجمهرة اللغة ص825؛ وشرح عمدة الحافظ ص437، 557؛ والمقاصد النحوية 3/ 170.
502- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 332؛ وشرح التصريح 1/ 385؛ والمقاصد النحوية 3/ 172.(2/270)
ونحو زيد مفردًا أنفع من ... عمرو معانًا مستجاز لن يهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهات: الأول محل الخلاف في جواز تقديم الحال على عاملها الظرف إذا توسط كما رأيت. فإن تقدم على الجملة نحو قائمًا زيد في الدار امتنعت المسألة إجماعًا، قاله في شرح الكافية. لكن أجاز الأخفش في قولهم فداء لك أبي وأمي أن يكون فداء حالًا والعامل فيه لك، وهو يقتضي جواز التقديم على الجملة عنده إذا تقدم الخير، وأجازه ابن برهان فيما إذا كان الحال ظرفًا {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} [الكهف: 44] ، فهنالك ظرف في موضع الحال والولاية مبتدأ ولله الخبر. الثاني أفهم كلامه جواز نحو في الدار قائمًا زيد وهو اتفاق. الثالث قد يعرض للعامل المتصرف ما يمنع تقديم الحال عليه ككونه مصدرًا مقدرًا بالحرف المصدري نحو سرني ذهابك غازيًا، أو فعلًا مقرونًا بلام الابتداء أو قسم نحو: لأصبر محتسبًا ولأقومن طائعًا أو صلة لأل، أو الحرف مصدري نحو أنت المصلي فذا ولك أن تتنفل قاعدًا قال الناظم وولده: أو نعتًا نحو مررت برجل ذاهبة فرسه مكسورًا سرجها. قال في المغني: هو وهم منهما فإنه يجوز أن يتقدم عليه فاصلًا بين النعت ومنعوته فتقول: مررت برجل مكسورًا سرجها ذاهبة فرسه. الرابع لم يتعرض هنا للقسم الثالث وهي الحال الواجبة التقديم وذلك نحو كيف جاء زيد "ونحو زيد مفردًا أنفع من عمرو معانًا" وبكر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في قبضته لأنها بمعنى مقبوضة ومطويات حال من السموات وبيمينه ظرف لغو متعلق بمطويات. والفصل المشروط للعطف على الضمير المستتر موجود هنا بقوله يوم القيامة. وأن خالصة حال من المستتر في صلة ما فهي العاملة في الحال وتأنيث خالصة باعتبار معنى ما لأنها واقعة على الأجنة. قوله: "لكن أجاز الأخفش" لما كان تقدم الحال على الجملة صادقا بتقدم الخبر وتأخره وبكون الحال ظرفا وغيره وكانت حكاية الإجماع غير مسلمة في تقدم الخبر وفي كونها ظرفا استدرك على حكاية الإجماع فقال لكن إلخ. قوله: "وهو اتفاق" لأن الحال متأخرة عن العامل حينئذٍ. قوله: "مقدرا بالحرف" أي مع الفعل واقتصر على الحرف لأنه المانع من تقديم الحال كما قاله الدماميني فإن كان المصدر غير مقدر بذلك جاز تقديم الحال عليه نحو قائما ضربا زيدا.
قوله: "أو فعلا مقرونا بلام الابتداء" أي في غير باب إن لتصريحهم هناك بجواز نحو إن زيدا مخلصا ليعبد ربه. قاله الدماميني. قوله: "أو صلة لأل" بخلاف غير أل فيجوز من الذي خائفا جاء لجواز تقديم معمول الصلة عليها لا على الموصول. قوله: "أو لحرف مصدريّ" أي ولو غير عامل نحو سرني ما فعلت محسنا. قوله: "فإنه يجوز أن يتقدم عليه إلخ" مثل الحال من معمول النعت في جواز التقدم على النعت غيرها من معمولات النعت كالمفعول به والظرف والمجرور. قوله: "مكسورا سرجها ذاهبة فرسه" الضمير عائد على متأخر لفظا متقدم رتبة فبطل ما قيل تقديم الحال في المثال وإن لم يمتنع من جهة أن عاملها نعت لجواز تقديم معمول النعت عليه لا على المنعوت فهو ممتنع من جهة تقديم المضمر على ما يفسره فاعرف ذلك. قوله: "نحو كيف جاء زيد" أي في أي حال سواء قلنا إنه ظرف شبيه باسم المكان غير مفتقر إلى(2/271)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قائمًا أحسن منه قاعدًا، مما وقع فيه اسم التفضيل متوسطًا بين حالين من اسمين، مختلفي المعنى أو متحديه، مفضل أحدهما في حالة على الآخر في أخرى "مستجاز لن يهن" على أن اسم التفضيل عامل في الحالين فيكون ذلك مستثنى مما تقدم من أنه لا يعمل في الحال المتقدمة عليه. وإنما جاز ذلك هنا لأن اسم التفضيل وإن انحط درجة عن اسم الفاعل والصفة المشبهة بعدم قبول علامات الفرعية، فله مزية على العامل الجامد لأن فيه ما في الجامد من معنى الفعل، ويفوقه يتضمن حروف الفعل ووزنه، فجعل موافقًا للعامل الجامد في امتناع تقديم الحال عليه إذا لم يتوسط بين حالين نحو هو أكفؤهم ناصرًا. وجعل موافقًا لاسم الفاعل في جواز التقديم عليه إذا توسط بين حالين. واعلم أن ما ذكره الناظم هو مذهب سيبويه والجمهور. وزعم السيرافي أن المنصوبين في ذلك ونحوه خبران لكان مضمرة مع إذ في المضي وإذا في الاستقبال. وفيه تكلف إضمار ستة أشياء. وبعد تسليمه يلزم إعمال أفعل في إذ وإذا فيكون واقعًا في مثل ما فر منه.
تنبيه: لا يجوز تقديم هذين الحالين على أفعل ولا تأخيرهما عنه، فلا تقول: زيد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التعلق كما هو مذهب سيبويه أو اسم غير ظرف كما هو مذهب الأخفش لأن الحال مطلقا على معنى في. هذا ما ظهر لي وبه يعرف ما في كلام البعض هنا تبعا للتصريح فتدبر. قوله: "مفردا" حال من الضمير في أنفع ومعانا حال من عمرو والعامل فيهما أنفع.
قوله: "مختلفي المعنى" أي كالمثال الأول وقوله أو متحديه أي كالمثال الثاني. قوله: "مستجاز" السين والتاء زائدتان أو للنسبة أي منسوب إلى الجواز ومعدود من الجائز. واعلم أن ما جاز بعد الامتناع يجب فلا يعترض عليه بأن اللائق التعبير بالوجوب بدل الاستجازة. قوله: "على العامل الجامد" يعني المعنوي كما يدل عليه ما بعده. قوله: "فجعل موافقا للعامل الجامد إلخ" لما كان شبهه بالجامد أقوى من شبهه باسم الفاعل خصت موافقته للجامد بما هو الغالب وهو حالة عدم توسطه. هذا ما قاله البعض وقد يمنع كون شبهه بالجامد أقوى. والأولى عندي أن يقال خصت موافقته للجامد بأغلب حاليه وهو عدم التوسط لأن ذلك أبلغ في إظهار انحطاط درجته عن اسم الفاعل والتحاقه بالجامد من العكس فتدبر. قوله: "خبران لكان مضمرة" صريح في أن كان ناقصة. والذي في التصريح وشرح الجامع عن السيرافي أنها تامة والمنصوبان حالان ونسب شارح الجامع القول بأنها ناقصة والمنصوبان خبران لها إلى بعض المغاربة. قوله: "إضمار ستة أشياء" هي إذ أو إذا وكان واسمها مع الأول والثاني. قوله: "فيكون واقعا في مثل ما فر منه" الذي فر منه هو عمل أفعل النصب في حال متقدمة عليه، وقد وقع في مثله وهو عمله في ظرف متقدم عليه. وقد يقال يتوسع في الظرف ما لا يتوسع في غيره. قوله: "لا يجوز تقديم إلخ" أي دفعا للبس. فإن قلت يندفع اللبس يجعل أحدهما تاليا لأفعل والآخر للضمير في منه. قلت يلزم الفصل بين أفعل ومن ولم يغتفروه إلا بالظرف والمجرور والتمييز لسماعه فيها ولم يسمع ذلك(2/272)
والحال قد يجيء ذا تعدد ... لمفرد فاعلم وغير مفرد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قائمًا قاعدًا أحسن منه، ولا زيد أحسن منه قائمًا قاعدًا "والحال" لشبهها بالخبر والنعت "قد يجيء ذا تعدد لمفرد فاعلم وغير مفرد" فالأولى نحو جاء زيد راكبًا ضاحكًا وقوله:
503- علي إذا ما جئت ليلى بخفية ... زيارة بيت الله رجلان حافيا
ومنع ابن عصفور هذا النوع ما لم يكن العامل فيه أفعل التفضيل. نحو هذا بسرًا أطيب منه رطبًا. ونقل المنع عن الفارسي وجماعة، فالثاني عندهم نعت للأول أو حال من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في الحال هكذا ينبغي الجواب. ونقل الدماميني عن بعضهم جواز ذلك فيجوز على هذا زيد أحسن قائما منه قاعدا. قال واختاره الرضي. قوله: "لشبهها بالخبر" أي في كونها محكوما بها في المعنى على صاحبها وإن كان الحكم في الخبر قصديا وفي الحال تبعيا والنعت أي في إفهام الاتصاف بصفة وإن كان قصديا في النعت وتبعيا في الحال إذ القصد بها تقييد الفعل وبيان كيفية وقوعه، وقدم شبهها بالخبر لأنه أشد من شبهها بالنعت. قال في المغني ومن ثم اختلف في تعددهما واتفق على تعدد النعت وعلل الدماميني الأشدية بأنك لو حذفت العامل من نحو جاء زيد راكبا انتظم من الحال وصاحبها مبتدأ وخبر تقول زيد راكب ولا ينتظم منهما منعوت ونعت. قوله: "قد يجيء ذا تعدد" أي جوازا ووجوبا، فالثاني بعد إما ولا نحو: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3] ، ونحو جاء زيد لا خائفا ولا آسفا. وجاء إفرادها بعد لا ضرورة كما في قوله:
قهرت العدا لا مستعينا بعصبة ... ولكن بأنواع الخدائع والمكر
والأول فيما عدا ذلك. قوله: "فاعلم" جملة اعتراضية أتى بها لرد قول ابن عصفور الآتي. شاطبي. قوله: "فالأولى" هي المتعددة لمفرد. وتكون بعطف نحو: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا} [آل عمران: 39] الآية، وبغير عطف كأمثلة الشارح. قوله: "رجلان" أي ماشيا حافيا أي غير منتعل، والحالان قال المصرح إما من فاعل الزيارة المحذوف والتقدير زيارتي بيت الله أو من ياء المتكلم المجرورة بعلى. ا. هـ. والأنسب الأول.
قوله: "ومنع ابن عصفور هذا النوع" أي قياسا على الظرف قال ابن الناظم: وليس بشيء أي للفرق الظاهر بينهما لأن وقوع الفعل الواحد في زمانين ومكانين محال وأما تقييده بقيدين فلا بأس به. قوله: "ما لم يكن العامل فيه أفعل التفضيل" أي المتوسط بين حالين على ما يؤخذ من التمثيل ليخرج زيد أحسن من إخوته متكلما ضاحكا. وإنما جوز ابن عصفور تعدد الحال لمفرد في نحو هذا بسرا إلخ لأن صاحب الحال وإن كان واحدا في المعنى متعدد في اللفظ والتعدد اللفظي يكفي عنده هذا ما ظهر لي. قوله: "نحو هذا بسرا أطيب منه رطبا" وجه كونه من هذا
__________
503- البيت من الطويل، وهو للمجنون في ديوانه ص233؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 335؛ المغني 2/ 859؛ ولسان العرب 11/ 268 "رجل"؛ ومغني اللبيب 2/ 461.(2/273)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الضمير فيه. والثانية قد يكون بجمع نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم: 33] ، ونحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} [الأعراف: 54] وقد يكون بتفريق نحو لقيت هندًا مصعدًا منحدرة وقوله:
504- لقي ابني أخويه خائفا ... منجديه فأصابوا مغنما
فعند ظهور المعنى يرد كل حال إلى ما يليق به كما في المثال والبيت، وعند عدم الظهور بجعل أول الحالين لثاني الاسمين وثانيهما للأول، نحو لقيت زيدًا مصعدًا منحدرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النوع كما قاله سم أن الحالين لمفرد في المعنى وإن تعدد في اللفظ والبسر مرتبة قبل الرطب وبعد البلح. قوله: "نعت للأول" أي بناء على الأصح من جواز نعت المشتق باعتبار دلالته على الذات. قوله: "أو حال من الضمير" أي ويكون حالا متداخلة. قوله: "بجمع" الباء بمعنى مع أو للملابسة والمراد بالجمع ما قابل التفريق فيشمل التثنية وذلك في صورة اتحاد الحال لفظا ومعنى لأن الجمع حينئذٍ أخصر سواء كان العامل واحدا وعمله في غير الحال كذلك نحو جاء زيد وعمرو راكبين أو عمله مختلف نحو ضرب زيد عمرا راكبين، أو كان العامل متعددا وعمله كذلك نحو جاء زيد وضربت عمرا راكبين أو العمل متحد نحو جاء زيد وذهب عمرو مسرعين، ويظهر أن العامل في الحال عند تعدد العامل مجموع العاملين أو العوامل لئلا يلزم اجتماع عاملين أو عوامل على معمول واحد ولذلك نظائر كثيرة تقدمت وهل الجمع في ذلك واجب أولا استظهر العلوي الوجوب ثم نقل عن الرضي أنه قال لا أمنع من التفريق كلقيت راكبا زيدا راكبا أو لقيت زيدا راكبا راكبا. قوله: "دائبين" أي دائمين بتغليب المذكر. قوله: "وقد يكون بتفريق" أي مع إيلاء كل حال صاحبها نحو لقيت مصعدا زيدا منحدرا أو تأخير الأحوال كما مثله الشارح.
قوله: "يجعل أول الحالين لثاني الاسمين" أي ليكون أول الحالين غير مفصول من صاحبه وهذا مذهب الجمهور. وذهب قوم إلى عكسه واختاره السيوطي مراعاة للترتيب. قال الدماميني وقياسا على ما هو أحسن عند أهل المعاني وهو اللف والنشر المرتب. ا. هـ. أي عند محققيهم لانسياق الذهن إلى الرتيب. ونقل الدماميني عن ابن هشام في حواشي التسهيل أنه فرّق بين النشر وتعدد الحال بأن النشر إنما يجوز عند الوثوق بفهم المعنى وردّ السامع ما لكل واحد من الأمور المتعددة إليه وليس هذا شرطا في تعدد الحال فوجب الحمل على الأقرب إلا عند قيام قرينة غيره ولم يتعرض الشارح لكون الجعل الذي ذكره واجبا أو أولى والذي في المغني وجوبه. قال الشمني أي بالنسبة إلى عكسه فلا ينافي ما في الرضي أنه ضعيف أي بالنسبة إلى جعل كل حال بجنب صاحبها. ا. هـ. باختصار. والأجود عدم العطف هنا لأنه ربما يوهم كون الأحوال لواحد
__________
504- البيت من الرمل، وهو بلا نسبة في شرح ابن عقيل ص337؛ وشرح عمدة الحافظ ص462؛ والمقاصد النحوية 3/ 215.(2/274)
وعامل الحال بها قد أكدا ... في نحو لا تعث في الأرض مفسدا
وإن تؤكد جملة فمضمر ... عاملها ولفظها يؤخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فمصعدًا حال من زيد، ومنحدرًا حال من التاء.
تنبيه: الظاهر أن قد في قوله قد يجيء للتحقيق لا للتقليل "وعامل الحال بها قد أكدا" أي الحال على ضربين: مؤسسة وتسمى مبنية وهي التي لا يستفاد معناها بدونها كجاء زيد راكبًا. ومؤكدة وهي التي يستفاد معناها بدونها وهي على ثلاثة أضرب: إما مؤكدة لعاملها وهي كل وصف وافق عامله إما معنى دون لفظ "في نحو لا تعث في الأرض مفسدًا" {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25] أو معنى ولفظًا نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} [النساء: 79] وقوله:
505- أصح مصيخا لمن أبدى نصيحته
ومؤكدة لصاحبها نحو لآمن من في الأرض كلهم جميعًا. ومؤكدة لمضمون جملة وقد أشار إليها بقوله: "وإن تؤكد جملة فمضمر عاملها" أي عامل الحال وجوبًا "ولفظها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في وقتين أو أوقات. ومن العطف بلا إيهام قول عمرو بن كلثوم:
وإنا سوف تدركنا المنايا ... مقدرة لنا ومقدرينا
أي لها. بقي ما إذا كانت الحال مفردة مع تعدد ما تصلح له نحو لقيت زيدا راكبا فالأقرب كونها للأقرب كما أشار إليه في التسهيل ومنع بعضهم هذه الصورة. قوله: "الظاهر أن قد إلخ" مقابله أن قد للتقليل النسبي. قوله: "أي الحال على ضربين مؤسسة" تفسير للنظم بما يفيده منطوقه ومفهومه فلا يقال المؤسسة لم تذكر في كلامه. قوله: "أما معنى دون لفظ" قدمه على قسيمه لكثرته وقلة الثاني ولذا لم يمثل له الناظم. قوله: "في نحو لا تعث" يقال عثا يعثو عثوا أو عثى يعثي عثى. وعلى الثاني جاءت الآية وأما مثال الناظم فيحتمل الضبطين قاله الشاطبي. قوله: "في الأرض" بحذف الياء لفظا ونقل فتحة الهمزة إلى اللام. قوله: "أصخ" أي استمع. قوله: "ومؤكدة لمضمون جملة" هو معنى المصدر المأخوذ من مسندها مضافا إلى المسند إليه فيها إن كان المسند مشتقا كقيام زيد في زيد قائم وقام زيد والكون المضاف إلى المسند إليه مخبرا عنه بالمسند إن كان المسند جامدا. وهذا هو الممكن هنا لما سيأتي من اشتراط جمود جزأي الجملة ككون زيد أخا في زيد أخوك عطوفا والتأكيد في الحقيقة للازم الكون أخا كما قاله الشنواني وهو العطف والحنو ففي عبارته حذف مضاف أي للازم مضمون جملة. قوله: "فمضمر عاملها" أي
__________
505- عجزه:
والزم توقي خلط الجد باللعب
والبيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 342؛ وشرح التصريح 1/ 387؛ وشرح عمدة الحافظ ص440؛ والمقاصد النحوية 3/ 185.(2/275)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يؤخر" عن الجملة وجوبًا أيضًا. ويشترط في الجملة أن تكون معقودة من اسمين معرفتين جامدين نحو زيد أخوك عطوفًا. وقوله:
506- أنا ابن دارة معروفًا بها نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار
والتقدير أحقه عطوفًا وأحق معروفًا.
تنبيه: قد يؤخذ من كلامه ما ذكر من الشروط تعريف جزأي الجملة من تسميتها مؤكدة لأنه لا يؤكد ما قد عرف، وجمودهما من كون الحال مؤكدة للجملة لأنه إذا كان أحد الجزأين مشتقًا أو في حكمه كان عاملًا في الحال فكانت مؤكدة لعاملها لا للجملة، ولذلك جعل في شرح التسهيل قولهم: زيد أبوك عطوفًا، وهو الحق بينا، من قبيل المؤكدة لعاملها وهي موافقة له معنى دون لفظ لأن الأب والحق صالحان للعمل، ووجوب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وصاحبها. قوله: "وجوبا" لأن الجملة كالعوض من العامل ولا يجمع بين العوض والمعوض. قوله: "يؤخر عن الجملة وجوبا" أي لضعف العامل بوجوب الحذف فيجب تأخيرها عما هو كالعوض منه وهو الجملة. قوله: "جامدين" أي جمودا محضا ليخرج الجامد الذي في حكم المشتق كما في أنا الأسد مقداما وزيد أبوك عطوفا كما سينبه عليه الشارح. قوله: "أنا ابن دارة" هي اسم أمه ويا للاستغاثة.
قوله: "والتقدير أحقه" بفتح الهمزة وضمها من حققت الأمر أو أحققته بمعنى تحققته أو أثبته، أو بمعنى أثبته. ومحل تقدير ما ذكر إن لم يكن المبتدأ أنا وإلا قدر نحو حقني أمرا أو أحق مبنيا للمفعول قاله يس. قوله: "قد يؤخذ من كلامه ما ذكر من الشروط إلخ" لم يتعرض الشارح لمأخذ اسمية الجزءين ولعله كون عامله مضمرا أو كون الحال مؤكدة للجملة لأنه إذا كان أحد الجزءين فعلا كان عاملا في الحال فلا يكون عاملها مضمرا ولا تكون الحال مؤكدة للجملة على قياس ما سيذكره في الجمود فتدبر. قوله: "لأنه لا يؤكد إلا ما قد عرف" أي على مذهب البصريين، وما قيل من أن المؤكد مضمون الجملة وهو لا يوصف بتعريف ولا تنكير رد بأن مضمون الجملة كما مر معنى المصدر المأخوذ إلخ وهو يوصف بالتعريف والتنكير بحسب تعريف المسند إليه وتنكيره. قوله: "فكانت مؤكدة لعاملها" أورد عليه أن مجرد كون العامل مشتقا حقيقة أو حكما لا يستلزم كون الحال مؤكدة له وإنما يستلزمه اشتمال العامل على معنى الحال فكان الأولى أن يقول فكانت غير مؤكدة لمضمون الجملة ليكون شاملا للمؤسسة وللمؤكدة لعاملها أو صاحبها. قوله: "ولذلك" أي لكون أحد الجزءين إذا كان مشتقا أو في حكم المشتق كان عاملا
__________
506- البيت من البسيط، وهو لسالم بن دارة في خزانة الأدب 1/ 468، 2/ 145، 3/ 265، 266؛ والخصائص 2/ 268، 317، 340، 3/ 60؛ والدرر 4/ 11؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 547؛ وشرح المفصل 2/ 64؛ والكتاب 2/ 79؛ والمقاصد النحوية 3/ 186؛ وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص320؛ وشرح ابن عقيل ص338؛ وهمع الهوامع 1/ 245.(2/276)
وموضع الحال تجيء جمله ... كجاء زيد وهو ناوٍ رحله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تأخير الحال من كونها تأكيدًا، ووجوب إضمار عاملها من جزمه بالإضمار "وموضع الحال تجيء جمله" كما تجيء موضع الخبر والنعت وإن كان الأصل فيها الإفراد، ولذلك ثلاثة شروط: أحدهما أن تكون خبرية. وغلط من قال في قوله:
507- اطلب ولا تضجر من مطلب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جعل في شرح التسهيل إلخ. قوله: "من قبيل المؤكدة لعاملها" هو في المثال الأول أبوك المتأول بالعاطف وفي الثاني الحق المتأول بالبين. قوله: "لأن الأب والحق صالحان للعمل" لتأول الأول بالعاطف وكون الثاني صفة فتأول الثاني بالبين لتكون الحال مؤكدة لا لصحة العمل، ولم يجعل الأخ كالأب لضعف دلالته على العطف والحنو بالنسبة إلى الأب. قوله: "ووجوب تأخير الحال" يقتضي صنيعه أن هذا من الشروط وليس كذلك بل من الأحكام وكذا يقال في قوله ووجوب إضمار عاملها. قوله: "من كونها تأكيدا" رد بأن المؤكدة لعاملها تأكيد ولا يجب تأخيرها. قوله: "وموضع الحال" أي المفردة فلا ينافي أن الجملة حال حقيقة بدليل تقسيمهم الحال إلى مفرد وجملة كالخبر والنعت.
فائدة: يجوز في قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} [آل عمران: 146] ، أن يكون ربيون نائب فاعل قاتل وأن يكون ربيون فاعلا بالظرف لاعتماده على ذي الحال وهو ضمير النبي المستتر في قاتل والظرف حال وأن يكون مبتدأ خبره الظرف والجملة حال. ويختلف المعنى على الأول والأخيرين قيل وإذا قرئ قتل بالتشديد وجب ارتفاع ربيون بالفعل لأن قتل الواحد لا تكثير فيه ويرد بأن النبي هنا متعدد لا واحد بدليل كأين وإنما أفرد الضمير بحسب لفظها كذا في المعنى. قوله: "أن تكون خبرية" تغليبا لشبهه بالنعت في كونه قيدا مخصصا على شبهه بالخبر في كونه محكوما به لأن الغرض من الإتيان بها تقييد عاملها بحيث يتخصص وقوع مضمونه بوقت وقوع مضمونها والإنشائية إما طلبية أو إيقاعية كبعث واشتريت فالطلبية لا يتيقن حصول مضمونها فكيف يخصص بوقته حصول مضمون العامل والإيقاعية غير منظور فيها إلى وقت يحصل فيه مضمونها والمقصود بها إنما هو مجرد الإيقاع وهو مناف لقصد وقت الوقوع كذا في الدماميني نقلا عن الرضي نعم إن جعلت الإنشائية مقولا لقول مقدر هو الحال صح كالنعت إذ ليست الإنشائية حالا حينئذٍ نقله الشمني عن السيد وغيره. قال أبو حيان ويستثنى من الخبرية التعجبية إن قلنا إن التعجب خبر فلا تقع حالا فلا يقال مررت بزيد ما أحسنه. قوله: "اطلب ولا تضجر من مطلب" أي طلب وبعده:
وآفةُ الطالبِ أن يَضّجَرَا أما ترَى الحبلَ بِتِكْرَارِه فِي الصَّخْرَة الْصماء قَد أَثَّرَا
__________
507- عجزه:
فآفة الطالب أن يضجرا
والبيت من السريع، وهو لبعض المولدين في الدرر 4/ 12؛ وشرح التصريح 1/ 389؛ المقاصد النحوية 3/ 217؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 347؛ ومغني اللبيب 2/ 398؛ وهمع الهوامع 1/ 246.(2/277)
وذات بدء بمضارع ثبت ... حوت ضميرًا ومن الواو خلت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن لا ناهية والواو للحال. والصواب أنها عاطفة، مثل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] ، الثاني أن تكون غير مصدرة بعلم استقبال. وغلط من أعرب سيهدين من قوله تعالى: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] حالًا. الثالث أن تكون مرتبطة بصاحبها على ما سياتي "كجاء زيد وهو ناوٍ رحله" مثال لما استكملت الشروط "وذات بدء بمضارع ثبت حوت ضميرًا" يربطها "ومن الواو خلت" وجوبًا لشدة شبهه باسم الفاعل، تقول: جاء زيد يضحك، وقدم الأمير تقاد الجنائب بين يديه. ولا يجوز جاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "إن لا ناهية" ليس هذا محل الغلط بل قوله والواو للحال ولو اقتصر عليه لكان أولى، فتضجر على هذا الغلط مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المحذوفة تخفيفا، وكذا على أن لا ناهية والواو عاطفة جملة على جملة وهو ما استصوبه الشارح كما يفيده قوله عاطفة مثل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] ، وإن اقتضى كلام البعض خلافه، ويحتمل أن تكون لا نافية والواو عاطفة مصدر منسبك من أن والفعل أي عاطفة عدمه المفهوم من لا على مصدر متصيد من الأمر السابق أي ليكن منك طلب وعدم ضجر فالفتحة فتحة إعراب والعطف كالعطف في قولك ائتني ولا أجفوك بالنصب أفاده في التصريح. قوله: "بعلم استقبال" أي علامته كالسين ولن لأنها لو صدرت بعلم استقبال لفهم استقبالها بالنظر لعاملها فتفوت المقارنة وللتنافي بين الحال والاستقبال بحسب اللفظ وإن لم يكن هناك تناف بحسب المعنى لأن المنافي للاستقبال الحال الزمانية لا النحوية المرادة هنا. ويرد على التعليل الأول أن يقال هلا جوزتم تصديرها بعلم الاستقبال وجعلتم المصدرة به حالا منتظرة فتأمل. وقد ظهر باشتراط عدم تصدير الحال بعلم الاستقبال بطلان قول من قال إن الجملة الشرطية تقع حالا. قال المطرزي لا تقع جملة الشرط حالا لأنها مستقبلة فلا تقول جاء زيد إن يسأل يعط. فإن أردت صحة ذلك قلت وهو إن يسأل يعط فتكون الحال جملة اسمية وظهر أيضا وجه استشكال الناس قول سيبويه أن لا مختصة بنفي المستقبل مع قوله إن المضارع المنفي بلا يقع حالا. ا. هـ. دماميني باختصار وتصحيح بعضهم وقوع الشرط حالا في نحو: {كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 176] ، بانسلاخ الشرط حينئذٍ عن أصله إذ معنى الآية فمثله كمثل الكلب على كل حال يبعده وجود الجواب في الآية فتأمل. قوله: "مرتبطة بصاحبها" أي بالضمير أو بالواو أو بهما والأصل الضمير بدليل الربط به وحده في الحال المفردة والخبر والنعت قاله الدماميني.
قوله: "وذات بدء بمضارع" فإن بدئت بمعمول المضارع جاز الربط بالواو ولذلك جوّز البيضاوي إعراب {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} حالا من فاعل نعبد. قوله: "لشدة شبهه باسم الفاعل" بخلاف الماضي فليس شبهه به شديدا لأنه وإن أشبهه في وقوعه صفة وصلة وحالا يزيد(2/278)
وذات واو بعدها انو مبتدا ... له المضارع اجعلن مسندا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويضحك، ولا قدم وتقاد "وذات واو بعدها انو مبتدا له المضارع اجعلن مسندا" أي إذا جاء من كلامهم ما ظاهره أن جملة الحال المصدرة بمضارع مثبت تلت الواو حمل على أن المضارع خبر مبتدأ محذوف، من ذلك قولهم: قمت وأصك عينه: أي وأنا أصك.
وقوله:
508- فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت وأرهنهم مالكا
وقوله:
509- علقتها عرضًا وأقتل قومها
أي وأنا أرهنهم مالكًا، وأنا أقتل قومها. وقيل: الواو عاطفة لا حالية والفعل بعدها مؤول بالماضي.
تنبيهان: الأول: تمتنع الواو في سبع مسائل: الأولى ما سبق. الثانية الواقعة بعد عاطف نحو: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4] ، الثالثة المؤكدة لمضمون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المضارع بكونه على حركاته وسكناته وكالماضي الجملة الاسمية. قوله: "وذات واو" مبتدأ خبره جملة انو والرابط محذوف أي انو فيها. وأما الضمير في بعدها فعائد على الواو ويجوز نصب ذات على الاشتغال بعامل مقدر من معنى المذكور أي اقصد ذات واو إن جوزناه مع حذف الشاغل. قوله: "حمل على أن المضارع" أي جملة المضارع. قوله: "فلما خشيت إلخ" أي لما خفت سيوفهم نجوت وأبقيت في أيديهم مالكا. قوله: "علقتها" بالبناء للمجهول أي حبيت فيها عرضا أي تعليقا عرضا أي عارضا أي غير مقصود لي. قوله: "والفعل بعدها مؤول بالماضي" أي على سبيل الأولوية لمناسبة المتعاطفين فقط وإلا فيجوز عطف المضارع على الماضي من غير تأويل ولم يؤول الأول بالمضارع لأن تأويل الثاني في وقت الحاجة. قوله: "الواقعة بعد عاطف" أي الجملة الاسمية الواقعة إلخ أي فرارا من اجتماع حرفي عطف صورة قاله المصرح. قوله: "أو هم قائلون" من
__________
508- البيت من المتقارب، وهو لعبد الله بن همام السلولي في إصلاح المنطق ص231، 249؛ وخزانة الأدب 9/ 36؛ والدرر 4/ 15؛ والشعر والشعراء 2/ 655؛ ولسان العرب 13/ 188؛ ومعاهد التنصيص 1/ 285؛ والمقاصد النحوية 3/ 190؛ وبلا نسبة في الجني الداني ص164؛ ورصف المباني ص420؛ وشرح ابن عقيل ص340؛ والمقرب 1/ 155؛ وهمع الهوامع 1/ 246.
509- عجزه:
زعمًا لعمر أبيك ليس بمزعم
والبيت من الكامل، وهو لعنترة في ديوانه ص191؛ وجمهرة اللغة ص816؛ وخزانة الأدب 6/ 131؛ وشرح التصريح 1/ 392؛ ولسان العرب 12/ 267 "زعم"؛ والمقاصد النحوية 3/ 188؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 356؛ ومجالس ثعلب 1/ 241.(2/279)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجملة نحو: الحق لا شك فيه، {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] ، الرابعة الماضي التالي إلا، نحو ما تكلم زيد إلا قال خيرًا. ومنه: {إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الحجر: 11] ، الخامسة الماضي المتلو بأو نحو لأضربنه ذهب أو مكث. ومنه قوله:
510- كن للخليل نصيرًا جار أو عدلا ... ولا تشح عليه جاد أو بخلا
السادسة المضارع المنفي بلا نحو: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} [المائدة 84] ، {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: 20] ، وقوله:
511- ولو أن قومًا لارتفاع قبيلة ... دخلوا السماء دخلتا لا أحجب
فإن ورد بالواو أول على إضمار مبتدأ على الأصح كقراءة ابن ذكوان {فَاسْتَقِيمَا وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القيلولة وهي نصف النهار. قوله: "المؤكدة لمضمون الجملة" أي لأن المؤكد عين المؤكد فلو قرن بالواو لزم عطف الشيء على نفسه صورة وقد يشعر صنيع الشارح هنا وفيما بعد بأن المؤكدة لمضمون الجملة لا تكون إلا اسمية والظاهر أنها تكون فعلية نحو هو الحق لا شك فيه. قوله: "لا ريب فيه" في كونه مؤكدا نظر إلا إذا جعلت أل في الكتاب للكمال. والمعنى ذلك الكتاب البالغ غاية الكمال فإن هذا يستلزم انتفاء كونه محلا للريب والشك كما في البيضاوي. قوله: "الماضي التالي إلا" أي لأن ما بعد إلا مفرد حكما كما مر وذهب بعضهم إلى جواز اقترانه بالواو تمسكا بقوله:
نعم امرؤٌ لَمْ تَعْرُ نَائِبَةٌ ... إلا وَكَانَ لِمُرْتَاع بِهَا وَزَرَا
وحكم الأول بشذوذه. قوله: "الماضي المتلو بأو" أي لأنه في تقدير فعل الشرط إذ المعنى إن ذهب وإن مكث وفعل الشرط لا يقترن بالواو فكذا المقدر به. قوله: "المضارع المنفي بلا" قال الدماميني وإنما امتنعت الواو في المضارع المنفي بما أولا لأنه في تأويل اسم الفاعل المخفوض بإضافة غير وهو لا تدخل عليه الواو وأورد عليه أن هذا التوجيه جار في المنفي بلم أو لما فما وجه صحة الواو فيهما دون لا وما. ويمكن دفعه بأن مضى المنفي بلم أو لما في المعنى قربه من الفعل الماضي الجائز الاقتران بالواو وأبعده من الشبه باسم الفاعل المذكور بخلاف المنفي بما أو لا فتدبره فإنه نفيس. قوله: "وما لنا لا نؤمن بالله" أي أيّ شيء ثبت لنا حالة كوننا غير مؤمنين. قوله: "أول على إضمار مبتدأ على الأصح" مقابله عدم التقدير وجعل الواو الحالية مباشرة للمضارع شذوذا وهذا قول ابن عصفور وجعل الواو للعطف وهذا قول الجرجاني ويرد على الأول وروده في التنزيل والثاني لزم عطف الخبر على الإنشاء حيث يكون السابق جملة طلبية نحو: {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ} [يوسف: 89] ، بتخفيف النون قاله الدماميني
__________
510- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الدرر 4/ 114؛ وشرح عمدة الحافظ ص449؛ والمقاصد النحوية 3/ 202؛ وهمع الهوامع 1/ 246.
511- البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 191.(2/280)
وجملة الحال سوى ما قدما ... بواو أو بمضمر أو بهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَتَّبِعَانِّ} [يونس: 89] ، وقوله:
512- وكنت ولا ينهنهني الوعيد
وقوله:
513- أكسبته الورق البيض أبا ... ولقد كان ولا يدعى لأب
نص على ذلك في التسهيل وفي كلام خلافه. السابعة المضارع المنفي بما كقوله:
514- عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة ... فما لك بعد الشيب صبا متيما
الثاني تلزم الواو مع المضارع المثبت إذا اقترن بقد نحو: {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الصف: 5] ، ذكره في التسهيل "وجملة الحال سوى ما قدما" يجوز ربطها "بواو" وتسمى هذه الواو واو الحال، وواو الابتداء، وقدرها سيبويه والأقدمون بإذ، ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبه يعلم كلام ما في شيخنا والبعض من القصور.
قوله: "ولا تتبعان" أي بتخفيف النون. قوله: "وكنت" أي وجدت وقوله ولا ينهنهني أي يزجرني. قوله: "أكسبته الورق إلخ" أي أظهرت الدراهم نسبه وقد كان وهو مجهول النسب وكان في البيت تامة. قوله: "المضارع المنفي بما" كذا في التوضيح وغيره وجزم به في التسهيل وجوز بعضهم فيه الاقتران. قال أبو حيان: والقياس كون إن بمنزلة ما قاله الدماميني. قوله: "عهدتك ما تصبو" أي تميل إلى الجهل، والمتيم من تيمه الحب أي استعبده وأذله. قوله: "تلزم الواو مع المضارع إلخ" تقييد لإطلاق المتن وإنما تلزم مع ذلك قيل لأن قد أضعفت شبهه باسم الفاعل لعدم دخولها عليه وهذا التوجيه إنما ينتج الجواز كما أفاده سم ونازع السعد فيما ذكره الشارح فقال التقدير في الآية وأنتم قد تعلمون ومثل ما ذكر في لزوم الواو الجملة الفاقدة للضمير نحو جاء زيد وما طلعت الشمس. قوله: "يجوز ربطها بواو إلخ" الجواز منصب على التقييد بالواو أو بالضمير أو بهما فلا ينافي كون مطلق الربط واجبا قال الدماميني هذه الواو مستعارة من العطف لربط جملة الحال بعاملها كاستعار الفاء من العطف لربط الجزاء بالشرط وإنما خصت الواو
__________
512- صدره:
تفاني مصعب وبنو أبيه
والبيت من الوافر، وهو لمالك بن رقية في شرح التصريح 1/ 392؛ والمقاصد النحوية.
513- البيت من الرمل، وهو لمسكين الدارمي في ديوانه ص22؛ وسمط اللآلي ص352؛ وشرح التصريح 1/ 392؛ والمقاصد النحوي 3/ 193.
514- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 354؛ والدرر 4/ 14؛ وشرح التصريح 1/ 392؛ وهمع الهوامع 1/ 246.(2/281)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يريدون أنها بمعناها إذ لا يرادف الحرف الاسم بل إنها وما بعدها قيد للعامل السابق "أو بمصمر" يرجع إلى صاحب الحال "أو بهما" معًا وسوى ما قدم هو الجملة الاسمية وجملة الماضي مثبتتين كانتا أو منفيتين وجملة المضارع المنفي، ويستثنى من ذلك ما تقدم التنبيه عليه وهو الاسمية الواقعة بعد عاطف والمؤكدة، وجملة الماضي التالي إلا، والمتلو بأو والمضارع المنفي بلا أو بما على ما مر، فلم يبق من أنواع المضارع المنفي سوى المنفي بلم أو لما. وأما المنفي بلن فلا يمكن هنا وأمثلة ذلك الجملة الاسمية غير ما تقدم: جاء زيد والشمس طالعة، ومنه: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 14] ، جاء زيد يده على رأسه. ومنه: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 38] ، أي متعادين. وقوله:
515- ثم راحوا عبق المسك بهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنها للجمع والغرض اجتماع جملة الحال مع العامل. قوله: "واو الابتدا" لأنها تدخل كثيرا على المبتدإ وإن لم تلزمه أو لوقوعها في ابتداء الحال. قوله: "بل إنها إلخ" أي فالمراد تشبيه واو الحال بإذ فيما ذكر لا بيان معناها. قوله: "على ما مر" أي من الخلاف في امتناع اقتران المنفي بلا بالواو والخلاف موجود في المنفي بما أيضا كما أسلفناه لكنه لم يبينه سابقا فيه. قوله: "سوى المنفي بلم أو لما" الفرق بينه وبين المنفي بلا أو ما أنه ماض في المعنى لأن كلا من لم ولما يقلبه إلى الماضي فساغ ربطه بالواو كالماضي لفظا.
قوله: "فلا يمكن هنا" أي لما تقدم من أن شرط الجملة الحالية أن لا تصدر بعلم استقبال. قوله: "وأمثلة ذلك" أي الربط بالواو أو بالضمير أو بهما معا. قوله: "غير ما تقدم" أي الجملة الاسمية الواقعة بعد عاطف والمؤكدة لمضمون جملة. قوله: "والشمس طالعة" فإن قلت الحال وصف لصاحبها وهذا لا يظهر في المثال. قلت التقدير موافقا طلوع الشمس مثلا. قوله: "ونحن عصبة" حال من الذئب أو من ضمير يوسف مرتبطة بالواو فقط لأن الضمير فيها أعني نحن لا يصلح لصاحب الحال وهو الذئب أو ضمير يوسف. قوله: "ومنه قلنا اهبطوا إلخ" قيل الخطاب لآدم وحوّاء وإبليس والحية والأمر عليه ظاهر. وقيل لآدم وحوّاء فقط بدليل آية قلنا اهبطا وصححه الزمخشري، وعليه فالجمع والتعادي باعتبار ما فيهما من الذرية التي كالذر كذا قيل، وفيه أن تعادي الذرية ليس مقارنا للهبوط حتى تكون الحال مقارنة ولا هما مقدران التعادي ولا ذريتهما مقدرون التعادي حتى تكون الحال مقدرة وهو مبني على ما ذكره البعض من أن المقدر للحال
__________
515- عجزه:
يلحفون الأرض هداب الأزر
والبيت من الرمل، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص55؛ وجمهرة اللغة ص555؛ ولسان العرب 9/ 314 "لحق"، 10/ 234 "عبق"؛ والمقاصد النحوية 3/ 208؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص456.(2/282)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
516- ولولا جنان الليل ما آب عامر ... إلى جعفر سرباله لم يمزق
وجاء زيد ويده على رأسه. ومنه: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] ، وهكذا النفي وأمثلته مع جملة الماضي غير ما تقدم: جاء زيد وقد طلعت الشمس، ومنه قوله:
517- نجوت وقد بل المرادي سيفه
جاء زيد قد علته سكينة، ومنه {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] ، {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ، قَالُوا} [آل عمران: 168] ، وهكذا النفي، وأمثلته مع المضارع المنفي بلم أو لما: جاء زيد ولم يقم عمرو. ومنه قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المقدرة هو حال صاحبها وقد أسلفنا في باب الاستثناء عن الدماميني ما هو صريح في عدم وجوب ذلك وجواز كون المقدر هو الله تعالى، وعليه يصح كون الحال هنا مقدرة بلا إشكال أي اهبطوا حال كونكم مقدرا تعاديكم من الله تعالى فتأمل. قوله: "عبق" مصدر عبق به الطيب يعبق من باب فرح أي لصق به. قوله: "جنان الليل" بفتح الجيم أي ظلامه، وآب رجع. قوله: "وأمثلته" أي الربط بأقسامه الثلاثة. قوله: "غير ما تقدم" أي الماضي التالي إلا والمتلوّ بأو. قوله: "نجوت وقد بل المرادي سيفه" تمامه:
من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
والمراد بضم الميم نسبة إلى مراد قبيلة كما قاله يس في آخر باب الإضافة وهو عبد الرحمن بن ملجم قاتل عليّ رضي الله تعالى عنه وكرّم الله وجهه. قوله: "بربع الدار" الربع المنزل فالإضافة للبيان ومعارفها ما يعرف منها عامرا آهلا، والساريات عطف على البلى وهو السحب التي تسري ليلا، والهواطل المتتابعة المطر وأتت الحال من المضاف إليه لأن المضاف كجزء المضاف إليه في صحة الإسقاط. قوله: "المنفي بلم أو لما" كان المناسب إسقاط قوله أو لما
__________
516- البيت من الطويل، وهو لسلامة بن جندل في ديوانه ص176؛ والأصمعيات ص135؛ ولسان العرب 13/ 92 "جنن"؛ والمقاصد النحوية 3/ 210؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 22.
517- البيت من الطويل، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص115؛ وشرح عمدة الحافظ من 452؛ والمقاصد النحوية 3/ 203.(2/283)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
518- ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
جاء زيد لم يضحك. ومنه قوله:
519- كأن فتات العهن في كل منزل ... نزلن به حب الفنا لم يحطم
جاء زيد ولم يضحك. ومنه: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: 93] .
تنبيهات: الأول مذهب البصريين -إلا الأخفش- لزوم قد مع الماضي المثبت مطلقًا ظاهرة أو مقدرة، والمختار وفاقًا للكوفيين والأخفش لزومها مع المرتبط بالواو فقط. وجواز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اكتفاء بقوله الآتي وهكذا المنفي بلما قيل ولعل الحامل له على لك أنه أخذ المضارع المنفي بلم أو لما فيما سبق قسما واحدا مقابلا لبقية الأقسام فجمع بينهما هنا. قوله: "بأن أموت" الباء زائدة وقول العيني الباء للسببية غير ظاهر. قوله: "كأن فتات العهن" بضم الفاء أي ما تفتت وتناثر من القطن أو الصوف الذي علق بهوادج نسوتهم، وحب الفنا بفتح الفاء والقصر عنب الذئب والضمير في نزلن لنسوتهم. لم يحطم أي لم يكسر ووجه الشبه الحمرة وقيد بقوله لم يحطم لأنه إذا حطم ظهر لون غير الحمرة. قوله: "سقط النصيف" هو الخمار. قوله: "لزوم قد مع الماضي المثبت" أي لأنها تقربه إلى الزمن الحاضر فتشعر بمقارنة زمن الحال لزمن عاملها ولولاها لتوهم مضي زمن الحال بالنسبة إلى زمن عاملها فتفوت المقارنة هذا ملخص ما قاله الدماميني. وقد ينازع في ذلك الإشعار إذ لا يلزم من تقريبه إلى الزمن الحاضر مقارنته لزمن العامل ثم رأيته في حاشيته على المغني ناقش بمثل ذلك ثم قال وإنما المفهم للمقارنة جعله قيدا للعامل فلا فرق بين وجود قد وعدمها كما ذهب إليه الكوفيون وخرج بالمثبت المنفي فلا يقترن بقد فيما يظهر. قوله: "مطلقا" أي سواء ربط بالواو
__________
518- البيت من الكامل، وهو لعنترة في ديوانه ص221؛ والأغاني 10/ 303؛ وحماسة البحتري ص43؛ وخزانة الأدب 1/ 129؛ والشعر والشعراء 1/ 259؛ والمقاصد النحوية 3/ 198.
519- البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص12؛ ولسان العرب 2/ 65 "فتت" 15/ 165 "فنى"؛ والمقاصد النحوية 3/ 194.
520- عجزه:
فتناولته واتقتنا باليد
والبيت من الكامل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص93؛ والشعر والشعراء 1/ 176؛ والمقاصد النحوية 3/ 201.(2/284)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إثباتها وحذفها في المرتبط بالضمير وحده أو بهما معًا تمسكًا بظاهر ما سبق الأصل عدم التقدير لا سيما مع الكثرة. نعم في ذلك أربع صور مرتبة في الكثرة هي: جاء زيد وقد قام أبوه، ثم جاء زيد قد قام أبوه، ثم جاء زيد وقام أبوه، ثم جاء زيد قام أبوه، وجعل الشارح الثالثة أقل من الرابعة وهو خلاف ما في التسهيل. الثاني تمتنع قد مع الماضي الممتنع ربطه بالواو وهو تالي إلا والمتلو بأو. وندر قوله:
521- متى يأت هذا الموت لم يلف حاجة ... لنفسي إلا قد قضيت قضاءها
الثالث قد يحذف الرابط لفظًا فينوي نحو مررت بالبر قفيز بدرهم: أي منه. وقوله:
نصف النهار الماء غامرة
أي والماء غامره. الرابع الأكثر في الاسمية الجائز فيها الأوجه الثلاثة: الربط بالواو والضمير معًا، ثم الواو وحدها، ثم الضمير وحده، وليس انفراد الضمير مع قلته بنادر خلافًا للفراء والزمخشري لما تقدم، ومثل هذه الاسمية في ذلك على ما يظهر جملة المضارع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو بالضمير أو بهما. قوله: "بظاهر ما سبق" أي من قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] ، {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ، قَالُوا} [يوسف: 16] ، {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا} [آل عمران: 168] .
قوله: "نعم في ذلك إلخ" استدراك على قوله وجواز إثباتها وحذفها إلخ لدفع توهم مساواة الصور في الكثرة واسم الإشارة يرجع إلى الماضي المثبت الواقع حالا. قوله: "وجعل الشارح الثالثة أقل من الرابعة" قال ابن هشام هو الصواب ولعل وجهه احتمال العطف في الثالثة احتمالا قريبا. قوله: "الثاني تمتنع قد إلخ" في الرضي أنهما قد يجتمعان بعد إلا نحو ما لقيته إلا وقد أكرمني. قوله: "لم يلف" أي لم يجد وقضاءها بالمد. قوله: "نصف النهار" أي انتصف، الماء غامره الضمير يرجع إلى غائص لطلب اللؤلؤ انتصف النهار وهو غائص وصاحبه لا يدري حاله، ولما لم يكن الضمير لصاحب الحال الذي هو النهار لم يصلح رابطا. قوله: "أي والماء غامره" الذي يظهر لي أن تقدير الواو هنا والضمير فيما قبله إشارة إلى جواز تقدير كل، إذ يجوز تقدير الرابط هنا ضميرا أي غامره فيه وتقديره فيما قبله واوا أي وقفيز بدرهم، ويظهر لي أيضا أن تقدير الواو أرجح حملا على الكثير في ربط الجملة الاسمية وهو الربط بالواو فاعرف ذلك. ثم رأيت ما يؤيد ما ظهر لي أولا للدماميني وما يؤيد ما ظهر لي ثانيا للشمني. قوله: "الجائز فيها إلخ" هي ما عدا الواقعة بعد عاطف والمؤكدة لمضمون الجملة. قوله: "ثم الضمير وحده" قال سم هلا كان الربط بالضمير أقوى لإيهام العطف. قوله: "مع قلته" أي بالنسبة للربط بالواو وللربط بالواو
__________
521- البيت من الطويل، وهو لقيس بن الخطيم في ديوانه ص49؛ وخزانة الأدب 7/ 35؛ وشرح ديوانه الحماسة للمرزوقي 1/ 186؛ والمقاصد النحوية 3/ 222.(2/285)
والحال قد يحذف ما فيها عمل ... وبعض ما يحذف ذكره حظل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المنفي الجائز فيها الأوجه الثلاثة. الخامس كما يقع الحال جملة يقع أيضًا ظرفًا نحو رأيت الهلال بين السحاب وجارًّا ومجرورًا نحو: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ} [مريم: 11] في زينته ويتعلقان باستقرار محذوف وجوبًا، وأما: {فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} [النمل: 40] ، فليس مستقرًّا فيه هو المتعلق لأنه كون خاص إذ معناه عدم التحرك وذلك مطلق الوجود "والحال قد يحذف ما فيها عمل وبعض ما يحذف ذكره حظل" أي منع، يعني أنه قد يحذف عامل الحال جوازًا لدليل حالي نحو: راشدًا للقاصد سفرًا، ومأجورًا للقادم من حج. أو مقالي نحو: {بَلَى قَادِرِينَ} [القيامة: 4] {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] ، أي تسافر: ورجعت، ونجمعها، وصلوا. ووجوبًا قياسًا في أربع صور: نحو ضربي زيدًا قائمًا. ونحو زيد أبوك عطوفًا وقد مضتا، والتي بين فيها ازدياد أو نقص بتدريج نحو تصدق بدرهم فصاعدًا، واشتر بدينار فسافلًا، وما ذكر لتوبيخ نحو أقائمًا وقد قعد الناس، وأتميميًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والضمير. وقوله بنادر أي بقليل جدا في نفسه. قوله: "لما تقدم" أي من قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا} [البقرة: 38] ، الآية والبيتين بعده. قوله: "جملة المضارع المنفي الجائز إلخ" هو المضارع المنفي بلم أو لما. قوله: "يقع ظرفا" أي تاما وكذا الجار والمجرور. قوله: "ويتعلقان إلخ" قال سم حاصله أن المتعلق كون عام فيجب حذفه ويتجه جواز كونه خاصا وحينئذٍ لا يجب حذفه إذا وجدت قرينة وهذا قياس ما حررنا في الخبر. قوله: "فليس مستقرا فيه هو المتعلق" أي متعلق الظرف الواقع حالا عند الحذف وإلا فهو متعلق الظرف في هذا التركيب. قوله: "وذلك" أي المتعلق.
قوله: "والحال قد يحذف إلخ" قيل منه قيما في قوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، قَيِّمًا} [الكهف: 1] ، والتقدير أنزله قيما فجملة النفي معطوفة على: {أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: 1] ، وقيل: حال من الكتاب فجملة النفي معترضة أو حال أوّلي بناء على جواز تعدّد الحال وإن اختلفت جملة وإفرادا لا معطوفة لئلا يلزم العطف على الصلة قبل كمالها وقيل: حال من الضمير المجرور باللام العائد إلى الكتاب. وقيل: المنفية حال وقيما بدل منها عكس عرفت زيدا أبو من هو. ومن العجائب ما حكاه بعضهم أنه سمع شيخا يعرب لتلميذه قيما صفة لعوجا، ونظيره اعراب أحوى صفة لغثاء على تفسير الأحوى بالأسود من شدة الخضرة لكثرة الري كما فسر: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] ، وإنما هو على هذا حال من المرعى وأخر لتناسب الفواصل، أما على تفسيره بالأسود من الجفاف واليبس فهو صفة لغثاء كذا في المغني. والغثاء بتخفيف المثلثة وتشديدها ما يقذف به السيل على جانب الوادي من الحشيش ونحوه. شمني. قوله: "وبعض ما يحذف إلخ" وقد يمتنع حذف عاملها كما إذا كان معنويا لضعفه كاسم الإشارة والظرف. قوله: "وقد مضتا" الأولى في باب المبتدأ والثانية في هذا الباب. قوله: "فصاعدا" اقتران الحال بالفاء أو ثم هنا لازم كما في التسهيل والمشهور أنها عاطفة جملة إخبارية على جملة(2/286)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مرة وقيسيا أخرى، أي أتوجد؟ وأتتحول؟ وسماعًا في غير ذلك نحو هنيئًا لك: أي ثبت لك الخير هنيئًا أو هناك هنيئًا.
تنبيه: قد تحذف الحال للقرينة، وأكثر ما يكون ذلك إذا كانت قولًا أغنى عنه المقول نحو: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: 23] ، أي قائلين ذلك: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127] ، أي قائلين ذلك.
خاتمة: تنقسم الحال باعتبارات: الأول باعتبار انتقالها عن صاحبها ولزومها له إلى المنتقلة وهو الغالب والملازمة، والثاني باعتبار قصدها لذاتها وعدمه إلى المقصود وهو الغالب، والموطئة وهي الجامدة الموصوفة. والثالث باعتبار التبيين والتوكيد إلى المبينة وهو الغالب وتسمى المؤسسة والمؤكدة وهي التي يستفاد معناها بدونها. وقد تقدمت هذه الأقسام. والرابع باعتبار جريانها على من هي له وغيره إلى الحقيقة وهو الغالب، والسببية نحو مررت بالدار قائمًا سكانها. والخامس باعتبار الزمان إلى مقارنة لعاملها وهو الغالب ومقدرة وهي المستقبلة نحو مررت برجل معه صقر صائدًا به غدا: أي مقدرًا ذلك. ومنه:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إنشائية أي فذهب العدد صاعدا مع أن فيه الخلاف. ويحتمل عندي أن المقدر إنشاء أي فاذهب بالعدد صاعدا فتكون عاطفة إنشائية على إنشائية.
قوله: "وما ذكر لتوبيخ" أي مع استفهام كما مثل الشارح أولا. وصريح كلامه لا ظاهره فقط وإن زعمه البعض أن ذلك مقيس وهو مذهب سيبويه وقيل سماعي. قوله: "وأتتحوّل" راجع لقوله أتميميا إلخ ونظر فيه بأنه ليس المراد أنه يتحوّل حالة كونه تميميا إلخ بل إنه يتخلق تارة بأخلاق التميمي وأخرى بأخلاق القيسي، فالأولى تقدير عامل الحال توجد. واستظهر جماعة كونه مفعولا مطلقا على حذف مضاف والأصل أتتخلق تخلق تميمي مرة إلخ. قوله: "هنيئا" من هنئ بكسر النون وضمها يهنأ بتثليث النون هناء وهناءة أي ساغ. كذا في القاموس. قوله: "أي ثبت لك الخير هنيئا" على هذا تكون حالا مؤسسة وقوله أو هناك بفتح النون وعليه فهي مؤكدة. قوله: "قد تحذف الحال للقرينة" وقد يمتنع حذفها لنيابتها عن غيرها أو توقف المراد عليها كما مر وكما قد تحذف الحال قد يحذف صاحبها نحو: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 41] ، أي بعثه. قوله: "إلى المبينة إلخ" وقد تكون محتملة لهما كما في هنيئا ولما لم تخرج عنهما لم يتعرض لها فاندفع اعتراض البعض. قوله: "وهي المستقبلة" قال في شرح الجامع علامتها أن يصح تقديرها بالفعل ولام العلة ومن ثم اعترض بعضهم على التمثيل لها بمحلقين ومقصرين في الآية لأنك لو قدرت الفعل واللام لكان خطأ لأن دخولهم البيت ليس ليحلقوا ويقصروا. ا. هـ. ولمن مثل بذلك التخلص بأن العلامة لا يجب انعكاسها. قوله: "أي مقدرا ذلك" أنت خبير بأنه إذا(2/287)
التمييز:
اسم بمعنى من مبين نكرة ... ينصب تمييزًا بما قد فسره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] ، {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] ، أي ناوين ذلك قيل وماضية ومثل لها في المغني بجاء زيد أمس راكبًا وسماها محكية وفيه نظر.
التمييز:
يقال تمييز ومميز، وتبيين ومبين، وتفسير ومفسر. وهو في الاصطلاح "اسم بمعنى من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نظر إلى أن معنى صائدا به غدا مقدر ذلك كانت الحال مقارنة لمقارنة التقدير المرور فجعلها مستقبلة إنما هو بالنظر إلى الصيد نفسه لا إلى تقديره، وهل يلزم أن يكون المقدر للحال هو صاحبها أو لا؟ جرى على الأول صاحب المغني واحتج له الشمني بما فيه نظر وعلى الثاني الدماميني. قوله: "ومنه ادخلوها خالدين" التلاوة فادخلوها لكن حذف مثل هذه الفاء في مثل هذه الحالة جائز كما نقله الدماميني عن المغني مبسوطا. قوله: "لتدخلن إلخ" محل الاستشهاد محلقين ومقصرين، لأن الحلق والتقصير بعد الدخول لا مقارنان له، لا آمنين إذ هي مقارنة للدخول. قوله: "وفيه نظر" أي في إثبات هذا القسم والتمثيل له بما ذكر لأن العبرة بمقارنة الحال لزمن العامل وهي موجودة لا لزمن التكلم غاية ما هناك أنه عبر باسم الفاعل الذي هو حقيقة في الحال عن الماضي حكاية للحال الماضية مجازا.
التمييز:
قوله: "اسم" أي صريح. قوله: "بمعنى من" أي معناها الشائع استعمالها فيه كالبيان والابتداء والتبعيض كما يتبادر من إضافة المعنى إليها فلا يرد أنها تكون بمعنى في فلا تخرج الحال بهذا القيد بل بقوله مبين والمراد بكونه بمعنى من أنه يفيد معناها لا أنها مقدرة في نظم الكلام إذ قد لا يصلح لتقديرها فعلم مما مر أنه لا تحمل من في قوله بمعنى من على خصوص من البيانية ليكون قوله مبين هو المخرج لاسم لا التبرئة ونحو ذنبا كما صنع الشارح ويجوز بقطع النظر عما صنعه الشارح حمل من على خصوص البيانية بقرينة قوله مبين فيكون لقوله مبين فائدة على هذا أيضا وإن لم تكن للإخراج هكذا ينبغي تقرير المقام. قوله: "مبين" نعت لاسم أي مزيل لإبهام اسم قبله مجمل الحقيقة أو إبهام نسبة في جملة أو شبهها. ا. هـ. توضيح وشرحه للشارح. والأوفق بما يأتي عن ابن الحاجب أن يقال أي مزيل لإبهام ما قبله بإيضاح جنسه ولو بالتأويل كما في تمييز النسبة فإنه يبين جنس ما المقصود نسبة العامل إليه، مثلا طاب زيد نفسا مؤول بطاب شيء زيد أي شيء يتعلق بزيد، وهذا الشيء مبهم يفسره نفسا واستفيد منه أن التمييز لا يكون مؤكدا وهو رأي سيبويه وأما شهرا من قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] ، فهو وإن كان مؤكدا لما استفيد من قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: 36] ، مبين(2/288)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مبين نكرة" فاسم جنس وبمعنى من مخرج لما ليس بمعنى من كالحال فإنه بمعنى في ومبين مخرج لاسم لا التبرئة، ونحو ذنبًا من قوله:
522- أستغفر الله ذنبًا لست محصيه
ونكرة مخرج لنحو الحسن وجهه. ثم ما استكمل هذه القيود "ينصب تمييزًا بما قد فسره" من المبهمات والمبهم المفتقر للتمييز نوعان: جملة ومفرد دال على مقدار، فتمييز الجملة: رفع إبهام ما تضمنته. من نسبة عامل، فعلًا كان أو ما جرى مجراه: من مصدر أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لعامله وهو اثنا عشر قاله في المغني. قوله: "مخرج الاسم لا التبرئة ونحو ذنبا إلخ" فإنهما وإن كانا على معنى من لكنها في الأول للاستغراق. وفي الثاني للابتداء أي استغفارا مبتدأ من أول الذنوب إلى ما لا يتناهى قاله في التصريح. ولك أن تجعلها في الثاني تعليلية بل هو أظهر فتدبر وإنما عدّي بمن لتضمنه معنى استتيب وإلا فقد عدت السين والتاء من المعديات فيصح كون ذنبا مفعولا به كما مر بيان ذلك.
قوله: "مخرج لنحو الحسن وجهه" أي بالنصب على التشبيه بالمفعول به لا على التمييز لعدم تنكيره وهذا رأي البصريين، ولا يرد وطبت النفس لأن أل فيه زائدة للضرورة فهو نكرة. قوله: "قد فسره" صلة أو صفة جرت على غير ما هي له ولم يبرز لأمن اللبس بناء على مذهب الكوفيين وهو الصحيح. قوله: "جملة" كان الأولى أن يقول نسبة ليشمل تمييز النسبة في غير الجملة كالتي في عجبت من طيب زيد نفسا إلا أن يراد بالجملة ما يشمل الجملة تأويلا كما يقتضيه كلامه بعد ولأن المقابل في الاصطلاح لتمييز المفرد تمييز النسبة، وجعل ابن الحاجب التمييز مطلقا مفسر الإبهام الذات، غاية الأمر أن الذات إما مذكورة أو مقدرة. وإنما عبروا عن الثاني بتمييز النسبة نظرا للظاهر. قال الدماميني لأن النسبة في الحقيقة لا إبهام فيها إذ تعلق الطيب بزيد أمر معلوم إنما الإبهام في المتعلق الذي ينسب إليه الطيب في الحقيقة إذ يحتمل أن يكون دارا أو علما أو غيرهما فالتمييز في الحقيقة إنما هو لأمر مقدر يتعلق بزيد كما تقدم بيانه. قوله: "دال على مقدار" أي أو شبهه مما حمل عليه نحو ذنوب ماء ونحو لنا مثلها إبلا وغيرها شاء، ونحو خاتم حديدا كما سيأتي فلا قصور.
قوله: "فتمييز الجملة إلخ" قال الدماميني تجب مطابقة تمييز الجملة للاسم السابق إن كان الثاني عين الأول نحو كرم زيد رجلا وكرم الزيدان رجلين وكرم الزيدون رجالا، وكذا إن
__________
522- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أدب الكاتب ص524؛ والأشباه والنظائر 4/ 16؛ وأوضح المسالك 2/ 283؛ وتخليص الشواهد ص405 وخزانة الأدب 3/ 111، 9/ 124؛ والدرر 5/ 186، وشرح أبيات سيبويه 1/ 420؛ وشرح التصريح 1/ 394؛ وشرح شذور الذهب ص479؛ وشرح المفصل 7/ 63، 8/ 51؛ والصاحبي في فقه اللغة ص181؛ والكتاب 1/ 37؛ ولسان العرب 5/ 26 "غفر"؛ والمقاصد النحوية 3/ 226؛ والمقتضب 2/ 321؛ وهمع الهوامع 2/ 82.(2/289)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وصف أو اسم فعل إلى معموله: من فاعل أو مفعول، نحو طاب زيد نفسًا {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4] ، والتمييز في مثله محول عن الفاعل. والأصل طابت نفس زيد، واشتعل شيب الرأس، ونحو غرست الأرض شجرًا {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12] ، والتمييز فيه محول عن المفعول والأصل غرست شجر الأرض وفجرنا عيون الأرض. وتقول عجبت من طيب زيد نفسًا وزيد طيب نفسًا، وسرعان ذا إهالة وناصب التمييز في هذا النوع عند سيبويه والمبرد والمازني ومن وافقهم هو العامل الذي تضمنته الجملة لا نفس الجملة، وهو الذي يقتضيه كلام الناظم في آخر الباب ونص عليه في غير هذا الكتاب. وذهب قوم إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان غيره وهو مصدر قصد اختلاف أنواعه لاختلاف محاله بعد جمع نحو خسر الأشقياء أعمالا، أو غير مصدر وتعدد وخيف اللبس نحو كرم الزيدون آباء إذا كان لكل منهم أب ويجب تركها إن كان معنى التمييز في الواقع واحدا والاسم السابق متعددا نحو كرم الزيدون أبا إذا كان أبوهم واحدا أو بالعكس وخيف اللبس نحو نظف زيد أثوابا وكرم أباه، أو كان التمييز مصدرا لم يقصد اختلاف أنواعه نحو الأتقياء جادوا سعيا. وتترجح في نحو حسن زيد عينا ولميت هند شفة ويترجح تركها في نحو حسن الزيدان أو الزيدون وجها. ا. هـ. بتصرف وزيادة. قوله: "من نسبة" بيان لما وقوله إلى معموله متلق بنسبة وقوله من فاعل بيان للمعمول وكلامه يقتضي أن المراد بالجملة ما يشمل الجملة تأويلا. قوله: "والتمييز في مثل محوّل عن الفاعل" التحويل في تمييز النسبة ليس بلازم فقد يكون غير محول نحو امتلأ الإناء ماء ولله دره فارسا بناء على أن الثاني من تمييز النسبة وسيأتي الكلام عليه وأما تمييز المفرد فلا تحويل فيه أصلا. قوله: "والأصل إلخ" وإنما عدل عن هذا الأصل ليكون فيه إجمال ثم تفصيل فيكون أوقع في النفس لأن الآتي بعد الطلب أعز من المنساق بلا طلب. قوله: "والتمييز فيه" أي في مثله فهو من الحذف من الثاني لدلالة الأول. قوله: "وتقول" غير الأسلوب لأن هذا مما أجري مجرى الفعل. قوله: "عجبت من طيب زيد نفسا" أي من طيب نفس زيد فهو محول عن المضاف إليه الذي هو في الحقيقة فاعل المصدر وفيما بعده عن فاعل طيب أي زيد طيبة نفسه هذا هو الأوفق بما يأتي للشارح عند قول المصنف والفاعل المعنى وإن جاز أن يكون محوّلا عن المبتدأ وعليه اقتصر البعض تبعا لشيخنا. قوله: "وسرعان ذا إهالة" سرعان بتثليث السين والبناء على الفتح اسم فعل ماض أي سرع وذا فاعله وإهالة تمييز محوّل عن الفاعل أي إخافة وإفزاعا. ويجوز جعله بمعنى اسم الفاعل حالا. قال في القاموس وأصله أن رجلا كانت له نعجة عجفاء ورغامها يسيل من منخريها لهزالها فقيل له ما هذا؟ فقال ودكها فقال السائل ذلك ونصب إهالة على الحال أي سرع هذا الرغام حال كونه إهالة. أو تمييز كقولهم تصبب زيد عرقا وهو مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته. ا. هـ. قوله: "وهو الذي يقتضيه إلخ" أي حيث قال:
وعامل التمييز قدم مطلقا ... والفعل ذو التصريف نزرا سبقا(2/290)
كشبر أرضًا وقفيز برا ... ومنوين عسلًا وتمرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن الناصب له نفس الجملة واختاره ابن عصفور ونسبه للمحققين. ويصح تخريج كلامه هنا على المذهبين فلا اعتراض لأنه يصح أن يقال إنه فسر العامل لأنه رفع إبهام نسبته إلى معموله، وأنه فسر الجملة لأنه رفع إبهام ما تضمنته من النسبة. وأما تمييز المفرد فإنه رفع إبهام ما دل عليه من مقدار مساحي أو كيلي أو وزني "كشبر أرضًا وفقيز برا ومنوين عسلًا وتمرا" وناصب التمييز في هذا النوع مميزه بلا خلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فلا اعتراض إلخ" تفريع على قوله ويصح إلخ لكن كان الأوضح تأخيره عن قوله لأنه إلخ وفي نسخ بالواو وهي واضحة والمراد اعتراض ابن هشام بما حاصله أن مفسر تمييز النسبة هو النسبة وليست العامل بل العامل الفعل أو شبهه على قول والجملة على قول. وحاصل جواب الشارح أنه يصح جعل المميز نفس العامل لصحة وصفه بالإبهام من حيث نسبته لتعلقها بطرفيها فتوصف بوصفها فيحمل كلام المصنف على العامل أو الجملة، فعلم أن قول البعض أن قول الشارح وأنه فسر الجملة إلخ تتميم للفائدة ولا دخل له في دفع الاعتراض ناشئ عن قلة تدبر المقام. قوله: "إبهام ما دل عليه" ضمير دل يرجع إلى المفرد وضمير عليه إلى ما ومن مقدار بيان لما والصلة أو الصفة جرت على غير ما هي له لأمن اللبس وفي قوله من مقدار حذف مضاف أي من مقدر مقدار إذ التمييز له لا للمقدار الذي هو ما يكال أو يوزن أو يمسح به فاندفع الاعتراض بأن المجمل الذي بينه التمييز في الحقيقة هو المقدر بالمقدار لا نفس المقدار فكان الأولى أن يقول لأنه رفع إبهام ما دل عليه المفرد من مقدر به وفيه اكتفاء أيضا أي من مقدار أو شبهه مما حمل عليه فلا قصور. قوله: "مساحي" نسبة إلى المساحة بكسر الميم وهي الذرع كذا في القاموس.
قوله: "وقفيز" من المكيل ثمانية مكاكيك والمكوك مكيال يسع صاعا، ومن الأرض مائة وأربعة وأربعون ذراعا وليس مرادا هنا، جمعه أقفزة وقفزان. قوله: "ومنوين" تثنية منا كعصا ويقال فيه منّ وهو رطلان. قوله: "مميزه بلا خلاف" وإنما عمل مع جموده لشبه اسم الفاعل في الطلب المعنوي لمعموله وقيل لشبهه أفعل من ورجحه المصرح. فائدة: إذا كان المقدار مخلوطا من حنين فقال الفراء: لا يجوز عطف أحدهما على الآخر بل يقال عندي رطل سمنا عسلا على حد الرمان حلو حامض، وقال غيره: يعطف بالواو لأنها للجمع الصادق بالخلط وجوّز بعض المغاربة الأمرين كذا في الهمع. قوله: "وبعد ذي المقدرات" يعني المقدر بالمقدار المساحي والمقدر بالمقدار الكيلي والمقدر بالمقدار الوزني الممثل لتلك المقدرات بشبر وقفيز ومنوين، والمتبادر من المتن أن المشار إليه الأمثلة الثلاثة التي هي جزئيات فيكون المراد بنحوها غيرها سواء كان مقدرا بأحد المقادير الثلاثة أو لا. وظاهر صنيع الشارح إرجاع الإشارة إلى أنواع المقدرات الثلاث كما قررناه وحمل نحوها على غير تلك الأنواع وكأنه حمل كلام المصنف على الاستخدام بذكره المقدرات الثلاثة أولا مرادا بها الجزئيات وإرجاع الإشارة إليها مرادا بها الكليات فتأمل.(2/291)
وبعد ذي وشبهها إذا ... أضفتها كمد حنطة غذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وبعد ذي" المقدرات الثلاث "ونحوها" مما أجرته العرب مجراها في الافتقار إلى مميز، وهي الأوعية المراد بها المقدار كذنوب ماء، وحب عسلًا، ونحي سمنا، وراقود خلا، وما حمل على ذلك من نحو لنا مثلها إبلًا، وغيرها شاء، وما كان فرعًا للتمييز نحو خاتم حديدًا، وباب ساجًا، وجبة خزًا "اجرره إذا أضفتها" إليه "كمد حنطة غذا" وشر أرض، ومنوا تمر، وذنوب ماء، وحب عسل. وخاتم حديد، وباب ساج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "مما أجرته العرب مجراها" إنما أجرته مجراها لشبهه بالمقدر بالمقادير الكيلية وإنما لم تكن مقدرة بمقدار كيلي حقيقة لأن هذه الأوعية لا تختص بقدر معين. قوله: "وهي الأوعية" أي أسماء الأوعية. قوله: "المراد بها المقدار" أي مقدر المقدار أي المقدر بذلك المقدار الذي هو الوعاء والذنوب الدلو أو التي فيها ماء أو الممتلئة ماء أو القريبة من الامتلاء كذا في القاموس، والحب بضم الحاء المهملة الخابية، والنحي بكسر النون وسكون الحاء المهملة الزق أو زق السمن خاصة كالنحي بفتح فسكون والنحى كفتى كذا في القاموس. والراقود دن كبير يطلى داخله بالقار.
قوله: "وما حمل على ذلك" أي على ما أجرته العرب مجرى المقادير وجامع الحمل أن كلاً مجمل الحقيقة مرفوع إجماله بما بعده. قوله: "من نحو لنا مثلها إبلا وغيرها شاء" اعترضه سم بأن هذين المثالين مما وجد فيهما شرط وجوب النصب الآتي فذكرهما هنا ليس بظاهر لعدم تأتي الجر وقد يعتذر بجعل ذكرهما من حيث إنهما نحو المقدرات في أن المنصوب بعدهما تمييز فتأمل. قوله: "وما كان فرعا" معطوف على نحو لنا إلخ. قوله: "نحو خاتم حديدا إلخ" اعلم أن جر نحو خاتم حديدا أرجح من نصبه كما سيأتي وإذا نصب فقال المبرد والمصنف كون نصبه على التمييز أرجح من كونه على الحالية لجمود هذا المنصوب ولزومه وتنكير صاحبه والغالب على الحال الاشتقاق والانتقال وتعريف صاحبها. وقال سيبويه وأتباعه تتعين الحالية لأنه ليس بعد مقدار ولا شبهة واستظهر ابن هشام رجحانيتها فقط أما نحو هذا خاتمك حديدا بتعريف الاسم فتتعين فيه الحالية كما قاله المصنف أفاده الدماميني. قوله: "اجرره" أي جوازا، نعم إن أريد نفس الآلة التي يقدر بها وجب الجر لكن ليس هذا مما نحن فيه لأن الإضافة فيه على معنى اللام لا من حتى يكون تمييزا ولهذا لم يتعرض له المصنف والشارح وظاهر كلام المصنف والشارح وغيرهما أن المجرور المذكور يسمى تمييزا وقال ابن هشام لا يسمى تمييزا. قوله: "إذا أضفتها" إنما قيد لأنه لو أطلق توهم بقاء تنوينها ونونها وإن جره بمن مقدرة كما في تمييزكم أو ظاهرة كما يأتي في قوله واجرر بمن إلخ فيفوت المعنى الذي أراده سم.
قوله: "كمد حنطة غذا" مد مبتدأ وغذا خبر. هذا ما قاله المكودي وهو أقرب من جعل غذا بدلا أو حالا والخبر محذوف أي عندي وقول الشارح وشبر أرض برفع شبر كما يرشد إليه ومنوا تمر والظاهر على إعراب المكودي أنه مبتدأ عطف عليه ما بعد والخبر محذوف أي كالمد في جواز الجر بالإضافة ويجوز تقديره عندي. وأما على الإعراب الثاني فهو معطوف على مد(2/292)
والنصب بعدك ما أضيف وجبا ... إن كان مثل ملء الأرض ذهبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهان: الأول النص في نحو ذنوب ماء وحب عسلًا أولى من الجر؛ لأن النصب يدل على أن المتكلم أراد أن عنده ما يملأ الوعاء المذكور من الجنس المذكور. وأما الجر فيحتمل أن يكون مراده ذلك، وأن يكون مراده بيان أن عنده الوعاء الصالح لذلك. الثاني إنما لم يذكر تمييز العدد مع تمييز هذه المقدرات لأن له بابًا يذكره فيه، ولانفراد تمييزها بأحكام منها جواز الوجهين المذكورين. وتمييز العدد إما واجب النصب كعشرين درهمًا، أو واجب الجر بالإضافة كمائتي درهم ومنها جواز الجر بمن كما سيأتي. ومنها أنه يميز تمييز العدد إذا وقعت هذه المقدرات تمييزًا له نحو عشرين مدا برا، وثلاثين رطلًا عسلًا، وأربعين شبرًا أرضًا "والنصب" للتمييز "بعد ما أضيف" من هذه المقدرات لغير التمييز "وجبا إن كان" المضاف لا يصح إغناؤه عن المضاف إليه "مثل" {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ} [آل عمران: 91] ، "ملء الأرض ذهبًا" "ما في السماء قدر راحة سحابا" إذ لا يصح ملء ذهب، ولا قدر سحاب، فإن صح إغناء المضاف عن المضاف إليه جاز نصب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حنطة. قوله: "في نحو ذنوب ماء" أي من المقدرات وما أجري مجراها مما يتوهم عند جر تمييزه خلاف المقصود بخلاف نحو خاتم حديد فإن جره أكثر كما صرح به الرضي وغيره لأن في جره تخفيفاً بحذف التنوين مع عدم توهم خلاف المقصود وبخلاف نحو شبر أرض فإن الأظهر عدم أكثرية نصبه لعدم توهم خلاف المقصود حال الجر بل قد يقال جره أكثر لما مر تأمل. قوله: "لأن النصب يدل" أي فهو نص في المقصود بخلاف الجر. قوله: "الوعاء الصالح لذلك" أي أو الصنجة الموزون بها أو المكيال الذي يكال به أو الشيء الذي يمسح به. قوله: "إنما لم يذكر تمييز العدد" أي مع أنه من تمييز المفرد. قوله: "ومنها أنه" أي تمييز هذه المقدرات يميز بالبناء للفاعل وتمييز العدد مفعول به لا مفعول مطلق وقوله تمييزا له أي العدد فبرا وعسلا وأرضا تمييزات لتمييز العدد وهو مدا ورطلا وشبرا. قوله: "والنصب إلخ" هذا البيت تقييد لسابقه فمعنى اجرره إذا أضفتها أي إلى التمييز كما قاله الشارح سابقا بخلاف ما إذا كانت مضافة إلى غيره والمراد الإضافة ولو تقديرا فدخل نحو الكوز ممتلئ ماء وزيد متفقىء شحما إذ التقدير ممتلئ الأقطار ماء ومتفقئ الأعضاء شحما فلا يجوز ممتلىء ماء ولا متفقئ شحم.
قوله: "من هذه المقدرات" يشكل على هذا التقييد محترز قوله إن كان إلخ وهو قوله أشجع الناس رجلا إذ المضاف هنا ليس من المقدرات فهو خارج بهذا التقيد لا بقوله إن كان إلخ وأيضا فملء وقدر من الشبيه بمقدرات لأنهما كالمقدر المساحي لا منها فالوجه التعميم كما فعل المرادي. قوله: "لا يصح إغناؤه إلخ" إشارة إلى وجه الشبه في قوله إن كان مثل إلخ. قوله: "ملء الأرض" برفع ملء على الحكاية كما أشار إليه الشارح. قوله: "الأرض" بنقل حركة الهمزة إلى اللام. قوله: "فإن صح إغناء المضاف إلخ" قد يقال الذي يغني عن المضاف إليه هو التمييز لأنه الذي يقع في محله لا المضاف ويدل له قول الهمع ولا يحذف عند جر التمييز(2/293)
والفاعل المعنى انصبن بأفعلا ... مفضلا كأنت أعلى منزلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التمييز وجاز جره بالإضافة بعد حذف المضاف إليه، نحو: هو أشجع الناس رجلًا، وهو أشجع رجل.
تنبيه: محل ما ذكره من وجوب نصب هذا التمييز هو إذا لم يرد جره بمن كما يذكره بعد، وقد أعطى ذلك أيضًا بالمثال. ا. هـ. "والفاعل المعنى انصبن" على التمييز "بأفعلا مفضلًا" له على غيره. والفاعل في المعنى هو السببي، وعلامته أن يصلح للفاعلية عند جعل أفعل فعلًا "كأنت أعلى منزلا" وأكثر مالا إذ يصح أن يقال: أنت علا منزلك وكثر مالك، أما ما ليس فاعلًا في المعنى وهو ما أفعل التفضيل بعضه، وعلامته أن يصح أو يوضع موضع أفعل بعض ويضاف إلى جمع قائم مقامه نحو زيد أفضل فقيه، فإنه يصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالإضافة شيء غير التنوين أو النون إلا مضاف إليه صالح لقيام التمييز مقامه نحو زيد أشجع الناس رجلا فيقال: أشجع رجل بخلاف نحو لله دره رجلا وويحه رجلا فلا يقال در رجل ولا ويح رجل. ا. هـ. قوله: "وجاز جره بالإضافة إلخ" ناقش فيه بعضهم بأنه بعد الإضافة لم يبق تمييزا بدليل صحة قولك: هو أشجع رجل قلبا فتميزه، وقد يمنع عدم بقائه تمييزا وتمييزه لا ينافي كونه تمييزا لما مر في كلام الشارح أن تمييز المقدرات يميز تمييز الأعداد. قوله: "محل ما ذكره إلخ" قد يقال الوجوب إضافي والمقصود بوجوب النصب امتناع الجر بالإضافة فلا ينافي جواز جره بمن. سم.
قوله: "والفاعل المعنى" بنصب الفاعل بانصبن ونصب المعنى بإسقاط الخافض. ا. هـ. سندوبي. والظاهر أنه يصح جر المعنى بإضافة الفاعل إليه ومعنى كونه فاعل المعنى أنه المتصف بالمعنى في الحقيقة إذ المتصف بالأحسنية في الحقيقة هو الوجه في قولك مثلا زيد أحسن وجها وفي آخر ما سننقله عن نكت السيوطي إشارة إلى هذا فتنبه. قوله: "هو السببي" أي المتصف في المعنى بالشيء الجاري في اللفظ على غيره أي غير ذلك المتصف فإن المنزل مثلا هو المتصف في المعنى بالعلو والعلو جار في اللفظ على المخاطب. قوله: "إذ يصح أن يقال أنت علا منزلك وكثر مالك" أي ولا يضر فوات التفضيل إذ لا يجب بقاؤه في الفعل الموضوع موضع أفعل التفضيل أو يقال: المراد علا علوا زائدا وكثر كثرة زائدة فلم يفت التفضيل فصح كون هذا التمييز محولا عن الفاعل كما يتبادر من كلام الشارح وسيصرح به بعد وقال السيوطي في نكته نقلا عن ابن هشام: التحقيق أن التمييز في هذا النوع محول عن مبتدأ مضاف وأصل أنت أحسن وجها وجهك أحسن، فجعل المضاف تمييزا والمضاف إليه مبتدأ فانفصل وارتفع ولا يريد المصنف بقوله الفاعل المعنى أن هذا النوع محول عن الفاعل كما فهم بعضهم لأنك إذا قلت حسن وجهك لم يستفد التفضيل فكيف يكون أنت أحسن وجها محولا عن حسن وجهك وإنما يريد أن هذا التمييز هو المنسوب إليه ذلك المعنى. ا. هـ. ملخصا وقد علمت الجواب. قوله: "أما ما ليس فاعلا في المعنى إلخ" والضابط أن تمييز أفعل التفضيل إذا كان من جنس ما قبله جر نحو زيد أفضل رجل وإن لم يكن من جنس ما قبله نصب نحو زيد أكثر مالا. قوله: "قائم(2/294)
وبعد كل ما اقتضى تعجبا ... ميز كأكرم بأبي بكر أبا
واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المغنى كطب نفسا تفد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيه أن يقال زيد بعض الفقهاء فهذا النوع يجب جره بالإضافة إلا أن يكون أفعل التفضيل مضافًا إلى غيره فينصب نحو زيد أكرم الناس رجلًا "وبعد كل ما اقتضى تعجبًا ميز كأكرم بأبي بكر" رضي الله تعالى عنه "أبا" وما أكرمه أبا؟ ولله دره فارسًا، وحسبك به كافلًا، وكفى بالله عالمًا. ويا جارتا ما أنت جارة "واجرر بمن" لفظًا كل تمييز صالح لمباشرتها "إن شئت" لأنها فيه معنى كما أن كل ظرف فيه معنى في وبعضه صالح لمباشرتها، وكل تمييز فإنه صالح لمباشرة من "غير ذي العدد والفاعل" في "المعنى"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مقامه" أي مقام التمييز. قوله: "وبعد كل ما اقتضى تعجبا" إما وضعا وهو ما أفعله وأفعل به أولا نحو لله دره فارسا وما بعده. فإن قلت لا فائدة في هذا البيت لأن الإتيان بالتمييز بعد دال التعجب جائز لا واجب كالتمييز بعد غير دال التعجب فلا خصوصية لداله. أجيب بأن المقصود إفادة وجوب نصب التمييز بعد داله ومنع جره نا لإضافة كما يشعر به المثال.
قوله: "ولله دره فارسا" يقال در اللبن يدر ويدر درا ودرورا كثر ويسمى اللبن نفسه درا والأقرب أن المراد هنا اللبن الذي ارتضعه من ثدي أمه وأضيف إلى الله تعالى تشريفا يعني أن اللبن الذي تغذى به مما يليق أن يضاف وينسب إلى الله تعالى لشرفه وعظمه حيث كان غذاء لهذا الرجل الكامل في الفروسية. والمقصود التعجب كأنه قيل ما أفرس هذا الرجل، ونقل سم عن شرح التسهيل أن التمييز بعد الضمير نحو لله دره فارسا ويا لها قصة من تمييز النسبة إن كان الضمير معلوم المرجع نحو لقيت زيدا فللَّهِ دره فارسا وجاءني زيد فيا له رجلا، وزيد حسبك به ناصرا، ولله درك عالما، وكذا بعد الاسم الظاهر نحو لله در زيد رجلا ويا لزيد رجلا، ومن تمييز المفرد إن كان مجهوله. ثم رأيته في الرضي أيضا ثم قال ما ملخصه فتمييز النسبة قد يكون نفس المنسوب إليه كما في نحو لله در زيد رجلا وكفى بزيد رجلا إذ المعنى لله در رجل هو زيد وكفى رجل هو زيد وقد يكون متعلقه كما في نحو طاب زيد علما. قوله: "لفظا" حال من من أي حالة كون من ملفوظة وليس متعلقا بقوله اجرر لأن الجر قد يكون تقديرا. قوله: "وكل تمييز إلخ" فيه تغيير وجه نصب غير في كلام المتن لاقتضائه نصب غير على الاستثناء مع أنه في كلام المتن منصوب على المفعولية لا جرر. قوله: "غير ذي العدد" أي الصريح فلا يرد أن تمييز كم الاستفهامية يجوز جره بمن مع أنه تمييز عدد وإنما امتنع دخول من في المسائل المستثناة لأن وضع من البيانية أن يفسر بها وبما بعدها اسم جنس قبلها صالح لحمل ما بعدها نحو: {أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31] ، وفي العدد لا يصح الحمل لكونه متعددا والتمييز مفرد وفي المحول عن الفاعل والمفعول كذلك لأن ما بعد من وهو التمييز مباين لما قبلها وهو الفاعل والمفعول كذا في التصريح. وعندي في هذا التعليل نظر: أما أولا فلأنه لا يتم على جميع الأقوال الآتية في من هذه بل على أنها بيانية كما لا يخفى. وأما ثانيا فلأنه يقتضي امتناع من في نحو امتلأ الإناء(2/295)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المحول عن الفاعل في الصناعة "كطب نفسًا تفد" إذ أصله لتطب نفسك. فهذان لا يصلحان لمباشرتها، فلا يقال: عندي عشرون من عبد، ولا طاب زيد من نفس. ومنه نحو أنت أعلى منزلًا. ويجوز فيما سواهما نحو عندي قفيز من بر، وشبر من أرض ومنوان من عسل، وما أحسنه من رجل.
تنبيهات: الأول كان ينبغي أن يستثنى مع ما استثناه المحول عن المفعول نحو غرست الأرض شجرًا {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12] ، وما أحسن زيدًا أدبًا، فإنه يمتنع فيه الجر بمن. الثاني تقييد الفاعل في المعنى بكونه محولًا عن الفاعل في الصناعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ماء لعدم صحة حمل الماء على الإناء ومقتضى المتن الصحة لأن التمييز في نحوه ليس فاعلا في المعنى ولا مفعولا وقد يدفع بأن الكلام في من المعهودة في جر التمييز وهي البيانية على أصح الأقوال كما سيأتي ومن في المثال ليست منها لأنها إما ابتدائية أو سببية ويؤخذ منه أن جر التمييز الفاعل في المعنى بمن غير المعهودة في جر التمييز كالابتدائية والسببية جائز ولا بعد فيه فتدبر.
قوله: "عن الفاعل في الصناعة" دخل فيه نحو زيد أطيب نفسا لأن التمييز فيه محول عن فاعل أفعل التفضيل صناعة والأصل زيد أطيب نفسه وإن كان رفعه الظاهر قليلا أو عن فاعل الفعل والأصل زيد طابت نفسه على ما أسلفه الشارح وقدمنا ما فيه فلا حاجة لزيادة غيره، أو عن المبتدأ. قوله: "ومنه" أي من الفاعل في المعنى المحول عن الفاعل في الصناعة أنت أعلى منزلا فمنزلا محول عن فاعل أفعل التفضيل صناعة والأصل أنت أعلى منزلك وإن كان رفعه الظاهر قليلا أو عن فاعل الفعل والأصل أنت علا منزلك كما أسلفه الشارح أي علوا زائدا على علو منزل غيرك فلا يرد أنه إذا قيل علا منزلك فات التفضيل مع أنه قد يمنع ضرر فواته كما قدمناه وفي التوضيح أنه محول عن المبتدأ والأصل منزلك أعلى فجعل المضاف تمييزا والمضاف إليه مبتدأ فارتفع وانفصل بعد أن كان متصلا مجرورا وهو أيضا صحيح وقد أسلفناه. قال شارح الجامع لا منافاة بين كونه فاعلا في المعنى ومحولا عن المبتدأ في الصناعة لأن ما صلح لأن يخبر بالتفضيل عنه صلح لأن يكون فاعلا في المعنى. قوله: "وأبرحت جارا" أي أعجبت. ويصح في التاء الكسر على خطاب المؤنث والفتح على خطاب المذكر ولا يتعين أن يكون مراد الشارح أبرحت جارا في قول الأعشى:
أقول لها حين جدّ الرحي ... ل أبرحت ربا وأبرحت جارا
حين يتعين الكسر كما قيل. نعم الأولى أن يكون مراده ذلك ليكون جارا في المثال متعينا لعدم التحويل لأن قصد الشاعر بقرينة سياقه مدحها بأنها نفسها جارة معجبة لا بأن جارها معجب حتى يكون محولا عن الفاعل ولم لم يكن مراد الشارح ذلك لاحتيج إلى أن يقال تمثيله بهذا(2/296)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لإخراج نحو لله دره فارسًا، وأبرحت جارًا، فإنهما وإن كانا فاعلين معنى إذ المعنى عظمت فارسًا وعظمت جارًا إلا أنهما غير محولين فيجوز دخول من عليهما، ومن ذلك نعم رجلًا زيد يجوز فيه نعم من رجل. ومنه قوله:
523- فنعم المرء من رجل تهامي
الثالث أشار بقوله إن شئت إلى أن ذلك جائز لا واجب. الرابع اختلف في معنى من هذه. فقيل للتبعيض وقال الشلوبين: يجوز أن تكون بعد المقادير وما أشبهها زائدة عند سيبويه، كما زيدت في نحو ما جاءني من رجل، قال: إلا أن المشهور من مذاهب النحاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المثال لغير المحول مبني على أحد احتماليه والمثال يكفيه الاحتمال. ونظيره كرم زيد ضيفا. قال في المغني إن قدر أن الضيف غير زيد فهو تمييز محول عن الفاعل يمتنع أن تدخل عليه من وإن قدر نفسه احتمل الحال والتمييز وعند قصد التمييز فالأحسن إدخال من. ا. هـ. أي للتنصيص على المقصود والتمييز على التقدير. الثاني من تمييز الجملة غير المحول قاله الدماميني. قوله: "إذ المعنى عظمت فارسا إلخ" ففارسا واقع على مدلول التاء التي هي الفاعل فيلزم أن يكون فاعلا في المعنى. قوله: "ومن ذلك" أي من الفاعل في المعنى غير المحول عن الفاعل في الصناعة. قوله: "نعم رجلا زيد" مثله حبذا رجلا زيد. قال الشاعر:
يا حبذا جبل الريان من جبل
دماميني. قوله: "تهامي" بكسر التاء إن كان تخفيف ياء النسبة لأجل الروي وبفتحها إن كان لأجل تعويض الفتحة عن التشديد على أحد مذهبين فيكون كيمان نسبة إلى تهامة بالكسر تطلق على مكة وعلى أرض معروفة لا بلد وإن وهم فيه الجوهري، هذا ما يفيده كلام القاموس والمصباح وقد نقل الدماميني فيه الضبطين وبه يعرف ما في كلام البعض. وتمييز باب نعم من تمييز المفرد على ما صرح به الرضي وغيره. وأيده الدماميني بأن الضمير في نحو نعم رجلا زيد وزيد نعم رجلا لا يعود على زيد تأخر أو تقدم وإنما يعود على مبهم عام والرابط بين المبتدأ والخبر العموم. ا. هـ. أي وتمييز العائد على مبهم تمييز مفرد كما مر في نحو لله دره فارسا، والمبهم العام هو رجلا كما يصرح به جعلهم ضمير نعم مما يعود على متأخر لفظا ورتبة ومن تمييز الجملة على ما نقله الدماميني عن المصنف. قوله: "فقيل للتبعيض إلخ" بقي قول ثالث وهو أنها لبيان الجنس صرح به الشاطبي في باب حروف الجر ونقله المصرح عن الموضح في الحواشي وقال
__________
523- صدره:
تخيره فلم يعدل سواه
والبيت من الوافر، وهو لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي في الدرر 5/ 211؛ وشرح التصريح 1/ 399، 2/ 96؛ وشرح المفصل 7/ 133؛ والمقاصد النحوية 3/ 227، 4/ 14؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 369؛ وخزانة الأدب 9/ 395؛ والمقرب 1/ 69؛ وهمع الهوامع 2/ 86.(2/297)
وعامل التمييز قدم مطلقا ... والفعل ذو التصريف نزرا سبقا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما عدا الأخفش أنها لا تزاد إلا في غير الإيجاب. قال في الارتشاف: ويدل لذلك يعني الزيادة العطف بالنصب على موضعها. قال الحطيئة:
524- طافت أمامة بالركبان آونة ... يا حشنه من قوام ما ومنتقبا
بنصب منتقبًا على محل قوام. الخامس إذا قلت: عندي عشرون من الرجال لا يكون ذلك من جر تمييز العدد بمن، بل هو تركيب آخر لأن تمييز العدد شرطه الإفراد، وأيضًا فهو معروف. ا. هـ. "وعامل التمييز قدم مطلقًا" أي ولو فعلًا متصرفًا وفاقًا لسيبويه والفراء وأكثر البصريين والكوفيين لأن الغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف كونه فاعلًا في الأصل. وقد حول الإسناد عنه إلى غيره لقصد المبالغة، فلا يغير عما كان يستحقه من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هو ظاهر. قوله: "وما أشبهها" أي مما أجرى مجراها وما حمل عليه. قوله: "ويدل لذلك" أي الزيادة وفيه أن ما ذكره لا ينهض دليلا للزيادة لأنه يصح مراعاة محل المجرور بغير الزائد إذا كان يظهر في الفصيح فلا مانع هنا من كونها غير زائدة والعطف على محل مجرورها الثابت له بحسب الأصل لظهوره في الفصيح عند حذفها فتأمل. قوله: "آونة" بمد الهمزة جمع أوان. من قوام بفتح القاف أي قامة وما زائدة. ومنتقبا بفتح القاف موضع النقاب. قوله: "لا يكون ذلك من جر إلخ" أي بل قوله من الرجال صفة لعشرون. قوله: "لأن تمييز العدد" أي المنصوب بقرينة أن الكلام في جواز جر التمييز المنصوب بمن فلا يرد أن تمييز العشرة إلى الثلاثة جمع. قوله: "شرطه الإفراد" ولذلك قالوا في قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} [الأعراف: 16] ، أن أسباطا بدل مما قبله والتمييز محذوف أي فرقة.
قوله: "وعامل التمييز قدم" وأما توسط التمييز بين العامل ومعموله نحو طاب نفسا زيد فنقل بعضهم الإجماع على جوازه. قوله: "كونه فاعلا في الأصل" أي وأعطى غير الفاعل في الأصل حكم الفاعل اجراء للباب على وتيرة واحدة. قوله: "لقصد المبالغة" أي في إسناد الطيب لزيد فإنه يفيد قبل التخصيص بالتمييز أنه طاب من جميع الوجوه فالمبالغة من حيث أول الكلام. وقيل لقصد الإجمال ثم التفصيل ويشكل عليه ما مر من جواز التوسط لفوات الإجمال ثم التفصيل بالتوسط كذا قال شيخنا والبعض وقد يقال كما يشكل على هذا يشكل على تعليل الشارح أيضا. على أن النظر إلى الأصل والغالب فلا إشكال. قوله: "فلا يغير عما كان يستحقه إلخ" لا يقال قد يخرج الشيء عن أصله كنائب الفاعل فإنه كان جائز التقديم على العامل وصار بالنيابة ممتنعه، فأي مانع من إعطاء التمييز بصيرورته فضلة حكم المفعول من جواز التقديم لأنا
__________
524- البيت من البسيط، وهو للحطيئة في ديوانه ص11؛ وخزانة الأدب 3/ 270، 289؛ والدرر 4/ 34؛ وشرح التصريح 1/ 398؛ والمقاصد النحوية 3/ 242؛ وبلا نسبة في الخصائص 2/ 432؛ وهمع الهوامع 1/ 251.(2/298)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجوب التأخير لما فيه من الإخلال بالأصل. أما غير المتصرف فبالإجماع. وأما قوله:
525- ونارنا لم يُرَ نارًا مثلها
فضرورة. وقيل الرؤية قلبية ونارًا مفعول ثان "والفعل ذو التصريف نزرًا سبق" هو مبني للمفعول، ونزرًا حال من الضمير المستتر فيه النائب عن الفاعل أي مجيء عامل التمييز الذي هو فعل متصرف مسبوقًا بالتمييز نزر أي قليل. من ذلك قوله:
526- أنفسًا تطيب بنيل المنى ... وداعي المنون ينادي جهارا
وقوله:
527- وما كان نفسًا بالفراق تطيب
وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نقول الأصل عدم الخروج عن الأصل. قوله: "ونارنا إلخ" فنارا تمييز وهو مقدم على عامله وهو مثلها لأنه تمييز مفرد. قوله: "ونزرا حال إلخ" قال سم فيه نظر والوجه كونه مفعولا مطلقا أي سبقا نزرا. ا. هـ. ووجه النظر أن جعله حالا من ضمير سبق يقتضي أن النظر وصف للفعل مع أنه وصف للتقديم عليه هذا ما ظهر لي وهو أدق من توجيه شيخنا النظر بأن وقوع المصدر حالا سماعي. قوله: "وما كان نفسا" كان زائدة وضمير تطيب يرجع إلى ليلى في صدر البيت وهو:
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها
__________
525- عجزه:
قد علمت ذاك معد كلها
والرجز بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 239.
526- البيت من المتقارب، وهو لرجل من طيئ في شرح التصريح 1/ 400؛ وشرح عمدة الحافظ ص477؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 372؛ وشرح شواهد المغني 2/ 862؛ ومغني اللبيب 2/ 462؛ والمقاصد النحوية 3/ 241.
527- صدره:
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها
والبيت من الطويل، وهو للمخبل السعدي في ديوانه ص290؛ والخصائص 2/ 384؛ ولسان العرب 1/ 290 "حبب"؛ وللمخبل السعدي أو لأعشى همدان أو لقيس بن الملوح في الدرر 4/ 36؛ والمقاصد النحوية 3/ 235؛ وللمخبل السعدي أو لقيس بن معاذ في شرح شواهد الإيضاح ص188؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص197؛ والإنصاف ص828؛ وشرح ديوانه الحماسة للمرزوقي ص1330؛ وشرح ابن عقبل ص348؛ وشرح المفصل 2/ 74؛ والمقتضب 3/ 36، 37؛ وهمع الهوامع 1/ 252.(2/299)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
528- ضيعت حزمي في إبعادي الأملا ... وما ارعويت وشيبًا رأسي اشتعلا
وأجاز الكسائي والمازني والمبرد والجرمي القياس عليه محتجين بما ذكر، وقياسًا على غيره من الفضلات المنصوة بفعل متصرف. ووافقهم الناظم في غير هذا الكتاب.
تنبيهان: الأول مما استدل به الناظم على الجواز قوله:
529- رددت بمثل السيد نهد مقلص ... كميش إذا عطفاه ماء تحلبا
وقوله:
530- إذا المرء عينا قر بالعيش مثريًا ... ولم يعن بالإحسان كان مذمما
وهو سهو منه؛ لأن عطفاه والمرء مرفوعان بمحذوف يفسره المذكور، والناصب للتمييز هو المحذوف. الثاني أجمعوا على منع التقديم في نحو كفى بزيد رجلًا؛ لأن كفى وإن كان فعلًا متصرفًا إلا أنه في معنى غير المتصرف، وهو فعل التعجب؛ لأن معناه ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ضيعت حزمي إلخ" الحزم ضبط الأمور وإتقانها والاروعاء الانزجار. قوله: "بما ذكر" أي من الأبيات. وأجيب بأنه ضرورة. قوله: "وقياسا على غيره من الفضلات" أجيب بالفرق فإن تقديم التمييز مخلّ بالغرض السابق من التأخير بخلاف غيره من الفضلات قاله الدماميني، ويرد عليه أن توسط التمييز أيضا مخل بالعرض مع أنه جائز فتدبر. قوله: "رددت بمثل السيد" أي بفرس مثل السيد بكسر السين أي الذئب. نهد بفتح النون أي ضخم مقلص بكسر اللام المشددة أي طويل القوائم، كميش بكاف مفتوحة فميم مكسورة فتحتية ساكنة فشين معجمة أي سريع العدو والثلاثة صفات لمثل. والشاهد في ماء حيث قدمه على عامله، وهو تحلبا أي سال. قوله: "عينا قر" قال في القاموس: قرت عينه تقر بالكسر والفتح قرة وقد تضم وقرورًا: بردت وانقطع بكاؤها، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه. ا. هـ. ومثريا حال أي كثير المال كما في القاموس وتفسير البعض له بمعطيًا لا يوافق اللغة ولا يناسب البيت. قوله: "وهو سهو منه إلخ"، نظر فيه سم بأن عطفاه والمرء عند الناظم مبتدآن ففي التسهيل: وقد تغنى ابتدائية اسم بعد إذا عن تقدير فعل. ا. هـ. فكان الأولى أن يقول بدل قوله وهو سهو ولا يصلحان للاستدلال لاحتمال أن يكون عطفاه، والمرء مرفوعين بفعل محذوف وقد يدفع النظر بأن التعبير بالسهو نظرًا إلى قوله في الخلاصة:
__________
528- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 861؛ وشرح ابن عقيل ص348؛ وشرح عمدة الحافظ ص478؛ ومغني اللبيب 2/ 462؛ والمقاصد النحوية 3/ 24.
529- البيت من الطويل، وهو لربيعة بن مقروم في شرح شواهد المغني ص860؛ وشرح عمدة الحافظ ص477؛ والمقاصد النحوية 3/ 229؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب ص462.
530- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في مغني اللبيب 2/ 462.(2/300)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أكفاه رجلًا.
خاتمة: يتفق الحال والتمييز في خمسة أمور، ويفترقان في سبعة أمور فأما أمور الاتفاق فإنهما: اسمان نكرتان فضلتان منصوبتان رافعتان للإبهام. وأما أمور الافتراق فالأول: أن الحال تجيء جملة وظرفًا ومجرورًا كما مر والتمييز لا يكون إلا اسمًا. الثاني أن الحال قد يتوقف معنى الكلام عليها كما عرفت في أول باب الحال، ولا كذلك التمييز. الثالث في الحال مبينة للهيئات والتمييز مبين للذوات. الرابع أن الحال تتعدد كما عرفت بخلاف التمييز. الخامس أن الحال تتقدم على عاملها إذا كان فعلًا أو وصفًا يشبهه، ولا يجوز ذلك في التمييز على الصحيح. السادس أن حق الحال الاشتقاق وحق التمييز الجمود، وقد يتعاكسان، فتأتي الحال جامدة كهذا مالك ذهبًا، ويأتي التمييز مشتقًا نحو لله دره فارسًا، وقد مر السابع الحال تأتي مؤكدة لعاملها بخلاف التمييز، فأما قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] ، فشهرًا مؤكد لما فهم إن عدة الشهور، وأما بالنسبة إلى عامله وهو اثنا عشر فمبين، وأما إجازة المبرد ومن وافقه نعم الرجل رجلًا زيد فمردودة. وأما قوله:
531- تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
فالصحيح أن زادًا معمول لتزود: إما مفعول مطلق أن أريد به التزود، أو مفعول به إن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وألزوا إذا إضافة إلى جمل الأفعال. قوله: "ولا كذلك التمييز" ممنوع فقد يتوقف معنى الكلام على التمييز نحو ما طاب زيد إلا نفسًا. شمني. قوله: "مبينة للهيآت" ليس المراد بالهيئة الصورة المحسوسة كما يتبادر منها، وإلا خرج نحو تكلم صادقًا، ولا يرد جاء زيد والشمس طالعة؛ لأنه في معنى جاء مقارنًا لطلوعها فالحال فيه بحسب التأويل مبينة للصفة. قاله الدماميني. قوله: "مبين للذوات" أي أو النسب ليوافق ما مشى عليه سابقًا، وإن التزم ابن الحاجب أن تمييز النسبة أيضًا في الحقيقة تمييز لذات مقدرة كما مر بيانه. قوله: "بخلاف التمييز" أي فإنه لا يتعدد أي بدون عطف أما بالعطف فيجوز أن يتعدد. قوله: "لعامله" أي مع قطع النظر عما أخبر عنه بهذا العامل. قوله: "فمردودة"؛ لأن الإبهام قد ارتفع بظهور الفاعل فلا حاجة للتمييز. قوله: "إما مفعول مطلق إلخ"
__________
531- البيت من الوافر، وهو لجرير في خزانة الأدب 9/ 394، 399؛ والخصائص 1/ 83، 396؛ والدرر 5/ 210؛ وشرح شواهد الإيضاح ص109؛ وشرح شواهد المغني ص57؛ وشرح المفصل 7/ 132؛ ولسان العرب 3/ 198 "زود"؛ والمقاصد النحوية 4/ 30؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ص862؛ وشرح ابن عقيل ص456؛ ومغني اللبيب ص462؛ والمقتضب 2/ 150.(2/301)
حروف الجر:
هاك حروف الجر وهي من إلى ... حتى خلا حاشا عدا في عن على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أريد به الشيء الذي يتزود به من أفعال البر، وعليهما فمثل نعت له تقدم فصار حالًا. وأما قوله:
532- نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت ... رد التحية نطقًا أو بإيماء
ففتاة حال مؤكدة، والله أعلم.
حروف الجر:
"هاك حروف الجر وهي" عشرون حرفًا "من" و"إلى" و"حتى" و"خلا"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الظاهر أنه يصح أن يكون حالًا مؤكدة من الزاد على قياس ما فعله في قول الشاعر نعم الفتاة إلخ. قوله: "نعت له" أي بحسب ما كان بدليل بقية كلامه. قوله: "فصار حالًا" أي كما هو شأن صفة النكرة إذا تقدمت نحو:
لمية موحشًا طلل
حروف الجر:
قدمها على الإضافة لما قيل إن العمل فيها للحرف المقدر. وإنما سميت حروف الجر إما؛ لأنها تجر معاني الأفعال إلى الأسماء أي توصلها إليها فيكون المراد من الجر المعنى المصدري، ومن ثم سماها الكوفيون حروف الإضافة؛ لأنها تضيف معاني الأفعال أي توصلها إلى الأسماء. وإما؛ لأنها تعمل الجر فيكون المراد بالجر الإعراب المخصوص كما في قولهم حروف النصب وحروف الجزم، ولا يرد على الأول أن مقتضاه أن لا يكون خلا وعدا وحاشا في الاستثناء أحرف جر؛ لأنهن لتنحية معنى الفعل عن مدخولهن لا لإيصاله إليه؛ لأن المراد بإيصال حرف الجر معنى الفعل إلى الاسم ربطه به على الوجه الذي يقتضيه الحرف من ثبوته له، أو انتفائه عنه قاله الدماميني. قوله: "هاك حروف الجر" ها بالقصر هنا وقد تمد كما في: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] ، اسم فعل بمعنى خذ والكاف حرف خطاب تتصرف تصرف الكاف الاسمية بحسب حال المخاطب من تذكير وتأنيث، وإفراد وتثنية وجمع كالكاف في رويدك ومع اسم الإشارة، وأرأيتك بمعنى أخبرني ونحو إياك. قاله يس وغيره. قوله: "وهي من إلخ" الخبر مجموع المتعاطفات فالعطف ملحوظ قبل الإخبار ويقال في من منا كإلى، بل قيل: إنها الأصل فخففت لكثرة الاستعمال بحذف الألف وسكون النون. قوله: "ورب" ويقال: رب بفتح الراء ورب بضم
__________
532- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 277؛ وخزانة الأدب 9/ 398؛ والدرر 5/ 209؛ وشرح التصريح 2/ 95؛ وشرح شواهد المغني ص862؛ ومغني اللبيب ص464؛ والمقاصد النحوية 4/ 32؛ وهمع الهوامع 2/ 86.(2/302)
مذ منذ رب اللام كي واو وتا ... والكاف والبا ولعل ومتى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"حاشا" و"عدا" و"في" و"عن" و"على" و"مذ" و"منذ" و"رب" و"اللام" و"كي" و"واو وتا والكاف والبا ولعل ومتى" كلها مشتركة في جر الاسم على التفصيل الآتي. وقد تقدم الكلام على خلا وحاشا وعدا في الاستثناء. وقل من ذكر كي ولعل ومتى في حروف الجر لغرابة الجر بهن. أما كي فتجر ثلاثة أشياء: الأول ما الاستفهامة المستفهم بها عن علة الشيء نحو كيمه بمعنى لمه. والثاني ما المصدرة مع صلتها كقوله:
533- يراد الفتى كيما يضر وينفع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الراء والباء، وربت بضم الراء وفتح الباء والتاء، وربت بضم الراء وفتح الباء وسكون التاء، وربت بفتح الثلاثة، وربت بفتح الأولين وسكون التاء، وبتخفيف الباء من هذه السبعة، وربتا بالضم وفتح الباء المشددة، ورب بالضم فالسكون، ورب بالفتح فالسكون، فهذه سبع عشرة لغة. ا. هـ. همع.
فائدة: ما مشى عليه المصنف من حرفية رب هو مذهب البصريين، وذهب الأخفش والكوفيون إلى اسميتها وأيده الرضي بأنها في التقليل أو التكثير مثل كم الخبرية في التكثير؛ إذ معنى رب رجل قليل أو كثير من هذا الجنس، كما أن معنى كم رجل كثير من هذا الجنس، ولا خلاف في اسمية كم. ثم استشكل حرفية رب بأمور فراجعه. وجنح إليه الدماميني أيضًا. قال: ويمكن أن يكون سبب بنائها مع اسميتها ما قيل في كم من تضمنها معنى الإنشاء الذي حقه أن يؤدى بالحرف أو مشابهتها الحرف وضعا في بعض لغاتها، وهو تخفيف الباء وحمل التشديد عليه. قوله: "على التفصيل الآتي" أي من اختصاص بعضها بالوقت وبعضها بالنكرات، وبعضها بالظاهر إلى غير ذلك. قوله: "وقد تقدم الكلام إلخ" اعتذار عن سكوت الناظم عن الستة التفصيل الآتي. قوله: "كيمه" أصلها كيما فحذفت ألف ما وجوبًا لدخول حرف الجر عليها، وجيء بهاء السكت وقفًا حفظًا للفتحة الدالة على الألف المحذوفة، وهكذا يفعل مع سائر حروف الجر الداخلة على ما الاستفهامية قاله المصرح وغيره. قوله: "ما المصدرية مع صلتها" كان الأولى أن يقول المصدر المنسبك من صلة ما وكذا يقال فيما بعده، يدل على ذلك قوله بعد في تأويل المصدر مجرور بها كذا قال البعض، والأوجه أن مجموع الحرف وصلته مجرور محلًّا بالحرف
__________
533- صدره:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما
والبيت من الطويل، وهو للنابغة الجعدي في ملحق ديوانه ص246؛ وله أو للنابغة الذبياني في شرح شواهد المغني 1/ 507؛ وللنابغة الجعدي أو للنابغة الذبياني، أو لقيس بن الخطيم في خزانة الأدب 8/ 498؛ والمقاصد النحوية 4/
245؛ ولقيس بن الخطيم في ملحق ديوانه ص235، وكتاب الصناعتين ص315؛ وللنابغة الذبياني في شرح التصريح 2/ 3؛ والمقاصد النحوية 4/ 379؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 10؛ وتذكرة النحة ص609؛ والجني الداني ص262؛ والحيوان 3/ 76؛ وخزانة الأدب 7/ 105؛ وشرح عمدة الحافظ 266؛ ومغني اللبيب 1/ 182؛ وهمع الهوامع 1/ 5، 31.(2/303)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي للضر والنفع قاله الأخفش. وقيل ما كافة الثالث أن المصدرية وصلتها نحو جئت كي أكرم زيدًا إذا قدرت أن بعدها، فأن والفعل في تأويل مصدر مجرور بها، ويدل على أن تضمر بعدها ظهورها في الضرورة كقوله:
534- فقالت أكل الناس أصبحت مانحًا ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا
والأولى أن تقدم كي مصدرة، فتقدر اللام قبلها بدليل كثرة ظهورها معها نحو: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا} [الحديد: 23] ، وأما لعل فالجر بها لغة عقيل ثابتة الأول ومحذوفته مفتوحة الآخر ومكسورته. ومنه قوله:
535- لعل الله فضلكم علينا ... بشيء إن أمكم شريم
وقوله:
536- لعل أبي المغوار منك قريب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه الذي تسلط عليه الحرف، ودلالة قول الشارح في تأويل مصدر مجرور بها إنما يظهر إذا قرىء مجرور بالجر، فإن قرىء بالرفع خبر ثان لقوله فإن والفعل فلا، ولم يقل على هذا مجروران؛ لأن المراد مجموع أن والفعل فتأمل. قوله: "للضر والنفع" أي ضر من يستحق الضر ونفع من يستحق النفع. قوله: "وقيل ما كافة" أي لكي عن عملها الجر مثلها في ربما. قوله: "فقالت أكل الناس إلخ" كل مفعول أول لمانحًا ولسانك أي حلاوة لسانك المفعول الثاني كما في التصريح وغيره، وإن عكس البعض وعطف تخدع تفسيري والخدع إرادة المكر بالغير من حيث لا يعلم. قوله: "والأولى" أي في الموضع الثالث. قوله: "ثابتة الأول إلخ" حال من الضمير المجرور بالباء، فهذه أربع لغات يجوز الجر فيها، ولا يجوز في غيرها من بقية لغات لعل كما قاله المصرح.
قوله: "لعل الله"، فالله مرفوع تقديرًا بالابتداء منع من ظهوره حركة حرف الجر الشبيه
__________
534- البيت من الطويل، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص108؛ وخزانة الأدب 8/ 481، 482، 483، 488؛ والدرر 4/ 67؛ وشرح التصريح 2/ 3، 231؛ وشرح المفصل 9/ 14، 16؛ وله أو لحسان بن ثابت في شرح شواهد المغني 1/ 508؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 11؛ وخزانة الأدب ص125؛ وجواهر الأدب ص125؛ والجني الداني ص262؛ ورصف المباني ص217؛ وشرح التصريح 2/ 30؛ وشرح شذور الذهب ص373؛ وشرح عمدة الحافظ ص267؛ ومغني اللبيب 10/ 183؛ وهمع الهوامع 2/ 5.
535- البيت من الوافر، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 7؛ والجني الداني ص584؛ وجواهر الأدب ص403؛ وخزانة الأدب 7/ 422، 423، 430؛ ورصف المباني ص375؛ وشرح التصريح 2/ 2؛ وشرح ابن عقيل ص351؛ وشرح قطر الندى ص249؛ والمقاصد النحوية 3/ 247؛ والمقرب 1/ 193.
536- صدره:
فقلت ادع وارفع الصوت داعيًا(2/304)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأما متى فالجر بها لغة هذيل وهي بمعنى من الابتدائية. سمع من كلامهم أخرجها متى كمه أي من كمه. وقوله:
537- شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج
وأما الأربعة عشر الباقية فسيأتي الكلام عليها.
تنبيهان: الأول إنما بدأ بمن؛ لأنها أقوى حروف الجر ولذلك دخلت على ما لم يدخل عليه غيرها نحو من عندك. الثاني عد بعضهم من حروف الجر ها التنبيه وهمزة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالزائد، وفضلكم خبر وإن أمكم شريم أي مفضاة بدل من شيء. قوله: "وهو بمعنى من الابتدائية" قال في الهمع، وتأتي اسمًا بمعنى وسط. حكى وضعها متى كمه: أي وسطه. قوله: "شربن" أي السحب وضمن شربن معنى روين فعداه بالباء أو هي بمعنى من وقوله لهن نئيج أي صوت حال من النون في شربن، وهذا على قول العرب والحكماء: إن السحاب يأخذ الماء من البحر ثم يمطره. قال في التصريح يقال: إن السحاب في بعض المواضع تدنو من البحر الملح، فتمتد منها خراطيم عظيمة تشرب من مائه فيكون لها صوت عظيم مزعج، ثم تذهب صاعدة إلى الجو، فيلطف ذلك الماء ويعذب بإذن الله تعالى في زمن صعودها، وترفعها ثم تمطر حيث يشاء الله تعالى. ا. هـ. قوله: "لأنها أقوى حروف الجر"؛ ولأن من معانيها الابتداء فناسب الابتداء بها. قوله: "نحو من عندك" أي من كل ظرف ملازم النصب على الظرفية. قوله: "ها التنبيه" أي صورة لا معنى إذ هي حرف قسم وكذا يقال في قوله، وهمزة الاستفهام كما في سم، وقوله إذا جعلت أي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= والبيت من الطويل، وهو لكعب بن سعد الغنوي في الأصمعيات ص96؛ وخزانة الأدب 10/ 426، 428، 430، 436؛ والدرر 4/ 174؛ وسر صناعة الإعراب ص407؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 269؛ وشرح شواهد المغني ص691؛ ولسان العرب 1/ 283 "جوب" 11/ 473 "علل"؛ والمقاصد النحوية 3/ 247؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص375؛ وشرح ابن عقيل ص350؛ وشرح التصريح 1/ 213؛ وكتاب اللامات ص136؛ ولسان العرب 12/ 550 "لمم"؛ ومغني اللبيب ص286، 441؛ وهمع الهوامع 2/ 33.
537- البيت من الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في الأزهية ص201؛ والأشباه والنظائر 4/ 287؛ وجواهر الأدب ص99؛ وخزانة الأدب 7/ 97، 99؛ والخصائص 2/ 85؛ والدرر 4/ 179؛ وسر صناعة الإعراب ص135، 424؛ وشرح
أشعار الهذليين 1/ 129؛ وشرح شواهد المغني ص218؛ ولسان العرب 1/ 487 "شرب"، 5/ 162 "محز"، 15/ 474 "متى"؛ والمحتسب 2/ 114؛ والمقاصد النحوية 3/ 249؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص515؛ والأزهية ص284؛ وأوضح المسالك 3/ 6؛ والجني الداني ص43، 505؛ وجواهر الأدب ص47، 378؛ ورصف المباني ص151؛ وشرح ابن عقيل ص352؛ وشرح عمدة الحافظ ص268؛ وشرح قطر الندى ص250؛ والصاحبي في فقه اللغة ص175؛ ومغني اللبيب ص105؛ وهمع الهوامع 2/ 34.(2/305)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاستفهام إذا جعلت عوضًا من حرف الجر في القسم. قال في التسهيل: وليس الجر في التعويض بالعوض خلافًا للأخفش ومن وافقه. وذهب الزجاج والرماني إلى أن أيمن في القسم حرف جر وشذا في ذلك. وعد بعضهم منها الميم مثلثة في القسم نحو م الله. وجعله في التسهيل بقية أيمن قال: وليست بدلًا من الواو ولا أصلها من خلافًا لمن زعم ذلك. وذكر الفراء أن لات قد تجر الزمان، وقرئ: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] ، وزعم الأخفش أن بله حرف جر بمعنى من والصحيح أنها اسم. وذهب سيبويه إلى أن لولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كلتاهما. قوله: "في التعويض" أي أصورة تعويض ها التنبيه، وهمزة الاستفهام عن باء القسم يقال: ها الله بقطع الهمزة ووصلها مدًا وقصرًا فاللغات أربع وآلله بالمد مع الوصل، وألله بالقطع بلا تعويض شيء عن الباء كذا في الهمع. قال الدماميني: وأضعف اللغات الأربع في ها الله حذف ألف ها مع قطع همزة الله بل أنكر هذه اللغة ابن هشام، لكن نقلها غير واحد عن الجرمي. قوله: "بالعوض" أي بل بالمعوض عنه المحذوف وهو الباء؛ لأنها أصل حروف القسم.
قوله: "خلافًا للأخفش ومن وافقه" أي حيث ذهبوا إلى أن الجر بالعوض، وهو المتجه عندي بدليل أن الجر بواو القسم وتائه مع أن الواو عوض من الباء والتاء عوض من الواو وقياس ها التنبيه، وهمزة الاستفهام على فاء السببية وواو المعية حيث لم يكن النصب بهما بل بأن المضمرة قياس مع الفارق؛ لأن الفاء والواو ليستا في الحقيقة عوضين عن أن بدليل إضمارها بعدهما بخلاف ها التنبيه والهمزة فافهم. قوله: "إلى أن أيمن" بفتح الهمزة وضم الميم هذا هو الأفصح، وبالكسر فالضم، وبالكسر فالفتح، وبفتحتين. ويقال: إيم بكسر فضم، وأيم بفتح فضم، وإيم بكسرتين، وهيم بفتح الهاء المبدلة من الهمزة فضم: قال أبو حيان وهي أغرب لغاتها. وإم بكسرتين، وأم بفتحتين، وأم بفتح فضم، وأم بفتح فكسر، وأم بكسر فضم، وأم بكسر ففتح ومن بفتح الحرفين وكسرهما وضمهما، وم مثلثًا، فهذه عشرون لغة كذا في الهمع. قوله: "وشذا في ذلك"؛ لأنها اسم بمعنى البركة. قوله: "نحو م الله" هو على هذا القول مبني على إحدى الحركات؛ لأنه حرف جر وبهذا يعرف ما في كلام البعض فانظره. وأما على غيره فالحركة حركة بنية حركة الإعراب على النون المحذوفة تخفيفًا. قوله: "وليست بدلًا من الواو" رد لقول بعضهم السابق ووجهه أنها لو كانت بدلًا لوجب فتحها كما في التاء قاله الدماميني. وفيه أن الواو بدل من الباء، ولم توافقها في الحركة إلا أن يقال خالفتها للتخفيف. قوله: "ولا أصلها من"، أي التي هي حرف قسم على رأي جماعة مشى عليه المصنف في تسهيله في مبحث من الجارة مختص برب مضافًا إلى الياء نحو من ربي لأفعلن بضم الميم وكسرها مع سكون النون فيهما، وإنما لم يكن الأصل من هذه فحذفت نونها؛ لأن الأشهر في من هذه الاختصاص بربي وأما رواية الأخفش من الله فشاذة بخلاف م. وأما من التي هي لغة في أيمن فمثلثة الحرفين كما مر قاله الدماميني بعضه في مبحث من الجارة، وبعضه في مبحث أيمن.
قوله: "والصحيح أنها اسم" أي مصدر أو اسم فعل، أو بمعنى كيف كما تقدم في المفعول(2/306)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حرف جر إذا وليها ضمير متصل نحو لولاي ولولاك ولولاه، فالضمائر مجرورة بها عند سيبويه. وزعم الأخفش أنها في موضع رفع بالابتداء، ووضع ضمير الجر موضع ضمير الرفع، ولا عمل للولا فيها كما لا تعمل لولا في الظاهر. وزعم المبرد أن هذا التركيب فاسد لم يرد من لسان العرب، وهو محجوج بثبوت ذلك عنهم كقوله:
538- أتطمع فينا من أراق دماءنا ... ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن
وقوله:
539- وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قنة النيق منهوي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المطلق. قوله: "أن لولا حرف جر" أي لا يتعلق بشيء كرب ولعل الجارة تنزيلًا للثلاثة منزلة الجار الزائد كذا في المغني، وفيه نظر للفرق باختلال أصل المعنى بحذف لولا دون رب ولعل، ولهذا ضعف الرضي مذهب سيبويه هذا بأن حرف الجر الأصلي لا بد له من متعلق ولا متعلق للولا. فافهم. والضمير بعدها في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف، فيكون للضمير محلان على رأي سيبويه، فقول الشارح وزعم الأخفش أنها في موضع رفع أي فقط. قوله: "ووضع ضمير الجر موضع ضمير الرفع" أي، وإن كان غالب نيابة الضمائر في الضمائر المنفصلة، فقد وجدت في المتصلة كما في عساه وعساك وعساني على قول تقدم في أفعال المقاربة. وانظر هل وضع ضمير الجر موضع ضمير الرفع لازم على مذهب سيبويه، من حيث إن الضمير في محل رفع بالابتداء، أو غير لازم الظاهر الثاني لما مر من أن معنى كون الكاف، والهاء والياء ليست ضمائر رفع أنها لا تكون في محل رفع فقط، فلا ينافي أنها تكون في محل رفع وجر كما في عجبت من ضربك زيدًا. واعلم أنك إذا عطفت على مدخول لولا اسمًا ظاهرًا تعين رفعه إجماعًا؛ لأنها لا تجر الظاهر نبه عليه الدماميني. قوله: "حسن" قال العيني: أراد به الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، ويروى عبس بسكون الموحدة اسم قبيلة. ويروى جبن. قوله: "وكم موطن" كم خبرية بمعنى كثير في محل نصب بطحت، أو رفع بالابتداء خبره جملة لولاي طحت والرابط محذوف
__________
538- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الإنصاف 2/ 693؛ وجواهر الأدب ص397؛ وشرح ابن عقيل ص353؛ وشرح المفصل 3/ 120؛ ولسان العرب 15/ 470 "أمالا".
539- البيت الطويل، وهو ليزيد بن الحكم في الأزهية ص171؛ وخزانة الأدب 5/ 336، 337، 342؛ والدرر 4/ 175؛ وسر صناعة الإعراب ص395، وشرح أبيات سيبويه 2/ 202، وشرح المفصل 3/ 118، 9/ 23، والكتاب 2/ 374، ولسان العرب 12/ 92 "جرم" 15/ 370 "هوا"؛ وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 691؛ والجني الداني ص603؛ وجواهر الأدب ص397؛ وخزانة الأدب 10/ 333؛ ورصف المباني ص295؛ وشرح ابن عقيل ص353؛ ولسان العرب 15/ 470 "إمالا" والممتع في التصريف 1/ 191؛ والمنصف 1/ 72.(2/307)
بالظاهر اخصص منذ مذ وحتى ... والكاف والواو ورب والتا
واخصص بمذ ومنذ وقتا وبرب ... منكرا والتاء لله ورب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى "بالظاهر اخصص منذ" و"مد وحتى والكاف والواو ورب والتا"، وكي ولعل ومتى وقد سبق الكلام على هذه الثلاثة، وما عدا ذلك فيجر الظاهر والمضمر على ما سيأتي بيانه "واخصص بمذ ومنذ وقتًا" وأما قولهم. ما رأيته منذ أن الله خلقه فتقديره منذ زمن من الله خلقه أي منذ زمن خلق الله إياه.
تنبيه: ويشترط في مجرورهما مع كونه وقتًا أن يكون معينًا لا مبهمًا، ماضيًا أو حاضرًا لا مستقبلًا؛ تقول: ما رأيته مذ يوم الجمعة أو مذ يومنا، ولا تقول مذ يوم، ولا أراه مذ غد وكذا في منذ. ا. هـ "و" اخصص "برب منكرا" نحو رب رجل، ولا يجوز رب الرجل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي طحت فيه. وطحت بفتح التاء مع كسر الطاء أو ضمها من طاح يطيح ويطوح أي هلك. وقوله كما هوى ما مصدرية وهوى بفتح الواو سقط، وفاعله منهوي أي ساقط. والأجرام جمع جرم بالكسر وهو الجثة. والقنة بضم القاف وتشديد النون أعلى الجبل، وكذا النيق بكسر النون وبالقاف آخره، فالإضافة من إضافة المسمى إلى الاسم.
قوله: "بالظاهر اخصص" الباء داخله على المقصور عليه على عكس قوله الآتي واخصص بمذ ومنذ، وإنما اختصت المذكورات بالظاهر لضعف غالبها باختصاص بعضه بالوقت وبعضه بالمنكر، وبعضه بالآخر أو المتصل بالآخر وكون بعضها عوضًا عن باء القسم لا أصلًا فيه، وغرابة الجر ببعضها ولتأدية إدخال الكاف على الضمير إلى اجتماع كافين في نحو كك وطردنا المنع. قوله: "واخصص بمذ ومنذ وقتًا" قال ابن عصفور: ما يسأل به عن الوقت كالوقت بشرط أن يكون مما يستعمل ظرفًا، فتقول: منذ كم ومذ متى ومذ أي وقت، ولا تقول: مذ ما؛ لأن ما لا تكون ظرفًا. فإن قلت: سينص على دخولهما على الأفعال، فكيف يصح دعوى الاختصاص بالوقت. أجيب بأنهما حينئذٍ ليساحر في جر باتفاق والكلام. فيما إذا كانا جارين. ا. هـ. يس على أن منهم من يرى أنهما حينئذٍ داخلان على زمان مقدر مضاف للجملة وعليه لا إشكال. قوله: "منذ أن الله خلقه" أي على رواية فتح الهمزة أما على رواية الكسر، فمند اسم لدخولها على الجملة. قوله: "ويشترط في مجرورهما"، وكذا في مرفوعهما وبقي شرط رابع، وهو أن يكون متصرفًا فلا يجوز منذ سحر تريد سحر يوم بعينه، ويشترط في عاملهما أن يكون فعلًا ماضيًا منفيًا نحو ما رأيته منذ يوم الجمعة، أو متطاولًا نحو سرت منذ يوم الخميس، ولا يجوز قتلته منذ يوم الخميس قاله يس. قوله: "واخصص برب منكرًا" أي في الكثير فلا يرد قوله الآتي، وما رووا إلخ على أن مذهب جماعة كابن عصفور والزمخشري أن مثل هذا الضمير نكرة؛ لأنه عائد على واجب التنكير وقال جماعة كالفارسي معرفة جار مجرى النكرة، وقد يعطف على مجرورها مضاف إلى ضميره نحو رب رجل وأخيه؛ لأنه نكرة تقديرًا إذ التقدير وأخ له، وإنما لم يجز رب أخي الرجل؛ لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع أما رب رجل وزيد مثلًا فلا يجوز. قال في التسهيل، ولا يلزم وصفه أي المنكر(2/308)
وما رووا من نحو ربه فتى ... نزر كذا كها ونحوه أتى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"والتاء لله ورب" مضافًا للكعبة أو لياء المتكلم نحو: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] ، وترب الكعبة، وتربي لأفعلن، وندر تالرحمن وتحياتك "وما رووا من نحو ربه فتى"، وقوله:
540- وربه عطبًا أنقذت من عطبه
"نزر" أي قليل.
تنبيه: يلزم هذا الضمير المجرور بها الإفراد والتذكير والتفسير بتمييز بعده مطابق للمعنى، فيقال: ربه رجلًا وربه امرأة. قال الشاعر:
541- ربه فتية دعوت إلى ما ... يورث المجد دائبًا فأجابوا
وقد سبق التنبيه عليه في آخر باب الفاعل "كذا كها ونحوه أتى" أي قد جرت الكاف ضمير الغيبة قليلًا كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المجرور بها خلافًا للمبرد ومن وافقه.
قوله: "والتاء لله ورب" يوهم التسوية في الدخول عليهما، وليس كذلك فإن دخولها على رب قليل وقد يؤخذ عدم التسوية من تقديم لفظ الجلالة. قوله: "ربه فتى" قال الجامي: هذا الضمير عائد على مبهم في الذهن يعني قبل ذكره مؤخرًا تمييزًا، فلا ينافي عدهم هذا الضمير مما يعود على متأخر لفظًا ورتبة كما مر هذا ما ظهر. قوله: "وربه عطبًا" أي مشرفًا على العطب أي الهلاك قاله العيني، ولا ينافيه قوله: أنقذت من عطبه؛ لأن المراد أبعدته عن العطب، وإنما عبر بالإنقاذ المشعر بالوقوع مبالغة. قوله: "أي قليل" أي بالنسبة للظاهر، وقيل: معنى نزر شاذ من جهة القياس وإن كان كثيرًا مطردًا في الاستعمال. قوله: "الإفراد والتذكير" أي استغناء بمطابقة التمييز للمعنى المراد، وهذا مذهب البصريين وجوز الكوفيون مطابقة الضمير لفظًا نحو ربها امرأة، وربهما رجلين وهكذا واستندوا إلى السماع. قوله: "والتفسير بتمييز بعده" يؤخذ منه وجوب ذكره وهو كذلك بخلاف مميز نعم وبئس، ولعل الفرق قوة العامل في باب نعم وبئس، فاحتمل معه ترك التمييز بخلافه في ربه رجلًا، فإنه ضعيف وإشعار المخصوص بنوع التمييز في باب نعم وبئس، وعدم إشعار
__________
540- صدره:
واه رأيت وشيكًا صدع أعظمه
والبيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الدرر 4/ 127؛ وشرح ابن عقيل ص356؛ وشرح عمدة الحافظ ص271؛ والمقاصد النحوية 3/ 257؛ وهمع الهوامع 1/ 66، 2/ 27.
541- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 19؛ والدرر 4/ 128؛ وشرح التصريح 2/ 4؛ وشرح شذور الذهب ص172؛ وشرح شواهد المغني ص874؛ ومغني اللبيب ص491؛ والمقاصد النحوية 3/ 259؛ وهمع الهوامع 2/ 27.(2/309)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
542- وأم أو عال كها أو أقربا
وقوله:
543- ولا ترى بعلا ولا حلائلا ... كه ولا كهن إلا حاظلا
وهذا مختص بالضرورة.
تنبيه: قوله ونحوة يحتمل ثلاثة أوجه: الأول أن يكون إشارة إلى بقية ضمائر الغيبة المتصلة كما في قوله: كه ولا كهن. الثاني أن يكون إشارة إلى بقية الضمائر مطلقًا، وقد شذ دخول الكاف على ضمير المتكلم والمخاطب، كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شيء به في رب فتنبه. قوله: "دائبًا" أي إرثًا دائبًا أي دائمًا. قوله: "وأم أو عال كها أو أقربا" صدره:
خلى الذنابات شمالًا كثبا
وضمير خلى لحمار وحشي والذنابات بفتح الذال المعجمة اسم موضع، وشمالًا ظرف أي ناحية شماله وكثبًا بفتح الكاف والمثلثة أي قريبًا منه، والمفعول الثاني لخلى إما شمالًا وكثبًا حال، أو بالعكس وأم أو عال اسم موضع مرتفع، وهو منصوب عطفًا على الذنابات، أو مرفوع بالابتداء خبره كها أي كالذنابات، وأقربا على الأول معطوف على محل الجار والمجرور وعلى الثاني معطوف على المجرور. قوله: "ولا ترى بعلًا" أي زوجًا ولا حلائلًا أي زوجات كه أي كالحمار الوحشي، ولا كهن أي الأتن إلا حاظلًا استثناء من بعلًا، والحاظل المانع من التزويج كالعاضل، وكانت عادة الجاهلية إذا طلقوا امرأة منعوها أن تتزوج بغيرهم إلا بإذنهم. قوله: "وهذا مختص بالضرورة" أي خلافًا لما توهمه عبارة المصنف من أن دخول الكاف على ضمائر الغيبة المتصلة قليل فقط، حيث شبهه بربه مع أنه قليل جدًا، وضرورة ويجاب بأن التشبيه في أصل القلة، قوله: "مطلقًا" أي سواء كانت ضمائر غيبة أو تكلم أو خطاب متصلة أو منفصلة. قوله: "وقد شذ إلخ" غرضه التورك على المتن إذا حملت عبارته على الاحتمال الثاني بإيهام عبارته أن دخول الكاف
__________
542- الرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 269؛ وأوضح المسالك 3/ 16؛ وجمهرة اللغة ص61؛ وخزانة الأدب 10/ 195، 196؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 95؛ وشرح شواهد الشافية ص345؛ والكتاب 2/ 384؛ ومعجم ما استعجم ص212؛ والمقاصد النحوية 3/ 253؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص356؛ وشرح المفصل 8/ 16، 42، 44.
543- الرجز لرؤية في ديوانه ص128؛ وخزانة الأدب 10/ 195، 196؛ والدرر 5/ 268، 4/ 152؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 163؛ وشرح التصريح 2/ 4؛ والمقاصد النحوية 3/ 256؛ وللعجاج في الكتاب 2/ 384؛ وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 18؛ وجواهر الأدب ص124؛ ورصف المباني ص204؛ وشرح ابن عقيل ص357؛ وشرح عمدة الحافظ ص269؛ وهمع الهوامع 2/ 30.(2/310)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
544- وإذا الحرب شمرت لم تكن كي
وكقول الحسن: أنا كك وأنت كي. وأما دخولها على ضمير الرفع نحو ما أنا كهو، وما أنا كأنت، وما أنت كأنا، وعلى ضمير النصب نحو ما أنا كإياك وما أنت كإياي، فجعله في التسهيل أقل من دخول على ضمير الغيبة المتصل. قال المرادي: وفيه نظر بل إن لم يكن أكثر فهو مساو. والثالث أن يكون إشارة إلى بقية ما يختص بالظاهر، أي أن بقية ما يختص بالظاهر دخوله على الضمير قليل كقوله:
545- فلا والله لا يلفي أناس ... فتى حتاك يا ابن أبي زياد
وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على غير ضمائر الغيبة من بقية الضمائر كدخولها على ضمائر الغيبة مع أنه دون دخولها على ضمائر الغيبة؛ لأنه شاذ يحفظ ولا يقاس عليه بخلاف دخولها على ضمائر الغيبة فجائز ضرورة حتى لنا. قوله: "وإذا الحرب شمرت" أي نهضت وكي بكسر الكاف لمناسبة ياء المتكلم، كما في الدماميني عن سيبويه. قوله: "وأما دخولها" مقابل لمحذوف أي هذا دخولها على ضمير الجر وأما إلخ. قوله: "فجعله في التسهيل أقل" يتجه لي أن المراد الأقلية من حيث القياس، وحينئذٍ لا يرد عليه نظر المرادي الذي سيذكره الشارح، وأن وجه أقليته أنه شاذ من جهتين كون مدخول الكاف ضميرا، وكون ذلك الضمير ضمير رفع أو نصب بخلاف ما مر، فإن شذوذه من الجهة الأولى، فاعرفه فإنه في غاية النفاسة.
قوله: "قال المرادي وفيه نظر إلخ" حاصله منع الأقلية بأنه إن لم يكن أكثر في لسان العرب كان مساويا. قوله: "كقوله" أي في حتى الجارة التي الكلام فيها أما حتى العاطفة، فتدخل على المضمر كضربتهم حتى إياك. وقال ابن هشام الخضراوي: لا تعطف إلا الظاهر كالجارة. ا. هـ. فارضي. قوله: "فلا والله إلخ" الفاء عاطفة ولا لتأكيد لا في جواب القسم على ما قاله العيني وغيره، وفيه أن الحقيق بكونه تأكيدا لا الثانية دون الأولى، فيكون القسم مقحما بين النافي والمنفي إلا أن يراد التوكيد اللغوي، ولا يلفى جوابه أي لا يجد وأناس فاعل وفتى مفعول، وقوله
__________
544- عجزه:
حين تدعو الكماة فيها نزال
والبيت من الخفيف، وهو لبشار بن برد في ديوانه، والدرر 4/ 154؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 10/ 197، 198؛ والمقاصد النحوية 3/ 265؛ وهمع الهوامع 2/ 31.
545- البيت من الوافر، وهو بلا نسبة في الجني الداني ص544؛ وجواهر الأدب ص408؛ وخزانة الأدب 9/ 474، 475؛ والدرر 4/ 111؛ ورصف المباني ص185؛ وشرح ابن عقيل ص355؛ والمقاصد النحوية 3/ 265؛ والمقر 1/ 194؛ وهمع الهوامع 2/ 23.(2/311)
بعض وبين وابتدئ في الأمكنة ... بمن وقد تأتي لبدء الأزمنة
__________
546- أتت حتاك تقصد كل فج ... ترجي منك أنها لا تخيب
ا. هـ.
وهذا شروع في ذكر معاني هذه الحروف "بعض وبين وابتدئ في الأمكنة بمن" أي تأتي من لمعان، وجملتها عشرة اقتصر منها هنا على الخمسة الأولى الأول التبعيض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حتاك أي إليك أي إلى لقيك، والمعنى لا يجدون فتى إلى أن يلقوك فحينئذٍ يجدون الفتى هذا ما ظهر لي. قوله: "في ذكر معاني إلخ"، اعلم أن مذهب البصريين أن حروف الجر لا ينوب بعضها عن بعض قياسًا، كما لا تنوب حروف الجزم والنصب عن بعض، وما أوهم ذلك محمول على نحو تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف، أو على شذوذ النيابة، فالتجوز عندهم في غير الحرف أو في الحرف لكن على الشذوذ، وجوز الكوفيون واختاره بعض المتأخرين نيابة بعضها عن بعض قياسًا، كما في التصريح والمغني، وإن اقتضى كلام البعض خلافه، فالتجوز عندهم في الحرف قال في المغني: وهذا المذهب أقل تعسفًا.
قوله: "بمن" قال في الهمع الغالب في نون من إذا وليها ساكن أن تكسر مع غير لام التعريف، وتفتح معها وحذفها مع لام لم تدغم فيما بعدها قال ابن مالك: قليل وابن عصفور: ضرورة وأبو حيان: كثير حسن، فإن كانت اللام مدغمة لم يجز حذف النون، فلا يقال في من الظالم ومن الليل: م الظالم وم الليل ونظيره حذف نون بني، فإنهم لا يحذفونها إلا إذا لم تدغم اللام بعدها، وأما نون عن، فالغالب فيها الكسر مطلقًا مع اللام وغيرها، وحكى الأخفش ضمها مع اللام قال أبو حيان: وليس له وجه من القياس. ا. هـ. باختصار. قوله: "أي تأتي من لمعان" أشار به إلى أن الأمر في كلام المصنف ليس على حقيقته، إذ المراد الإخبار عما نقل عن العرب لا طلب ذلك، وظاهر كلام الشارح أن المعاني العشرة حقائق، والظاهر خلافه وأن الزيادة وما عدا التعليل من الخمسة الأخيرة مجازية لعدم تبادرها الذي هو علامة الحقيقة. قوله: "على الخمسة الأولى"، قد ذكر الخامس بقوله ومن وباء يفهمان بدلًا.
قوله: "التبعيض" إن أريد به التبعيض الملحوظ لغيره أي لكونه حالة بين المتعلق والمجرور، وآلة لربط أحدهما بالآخر فلا مسامحة في العبارة، وإن أريد به مطلق التبعيض كان في العبارة مسامحة؛ لأن معنى من ليس مطلق التبعيض بل التبعيض الملحوظ لغيره لما تقرر أن معنى الحرف في غيره، وقس على ذلك بقية المعاني الآتية للحروف قال في المطول والمختصر: قال صاحب المفتاح: المراد بمتعلقات معاني الحروف ما يعبر بها عنها عند تفسير معانيها مثل قولنا: من معناها ابتداء الغاية وفي معناها الظرفية، وكي معناها الغرض فهذه ليس معاني الحروف، وإلا لما كانت حروفًا بل أسماء؛ لأن الاسمية والحرفية إنما هما باعتبار المعنى، وإنما هي متعلقات لمعانيها أي إذا
__________
546- البيت من الوافر، وهو بلا نسبة في الدرر 4/ 111؛ وشرح التصريح 2/ 3؛ وشرح شواهد المغني ص370؛ ومغني اللبيب ص123؛ وهمع الهوامع 2/ 23.(2/312)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نحو: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] ، وعلامتها أن يصح أن يخلفها بعض، ولهذا قرئ بعض ما تحبون. الثاني بيان الجنس نحو: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30] ، وعلامتها أن يصح أن يخلفها اسم موصول. الثالث ابتداء الغاية في الأمكنة باتفاق نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] ، "وقد تأتي لبدء الغاية في "الأزمنة" أيضًا خلافًا لأكثر البصريين نحو: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أفادت هذه الحروف معاني رجعت تلك المعاني إلى هذه بنوع استلزام. ا. هـ. وكتب سم على قوله معاني الحروف ما نصه كالابتداء المخصوص والظرفية المخصوصة، والغرض المخصوص وكتب على قوله بنوع استلزام ما نصه؛ لأن الخواص تستلزم العوام. ا. هـ. وبذلك يفهم أن قول الشارح أن يخلفها بعض أي في أصل المعنى لا من كل وجه، وأن مراده بقوله: الخامس أن تكون بمعنى بدل توافقهما في أصل المعنى، وكذا يقال في نظائر ذلك من العبارات المتسامح فيها، ولا خلاف في كون المعنى المستعمل فيه الحرف جزئيا ملحوظا للغير، وإنما اختلفوا في كون هذا الجزئي هو الموضوع له أولا، ذهب إلى الأول العضد والسيد، ومن وافقهما فقالوا: معاني الحروف جزئيات وضعا واستعمالا، فمن مثلًا موضوعة لكل فرد من الابتداآت الجزئية الملحوظة للغير مستحضرة بكلي يعمها. وذهب إلى الثاني الأوائل فقالوا: هي كليات وضعًا جزئيات استعمالًا. قال عبد الحكيم في حاشية المطول: ذهب الأوائل إلى أنها موضوعة للمعاني الكلية الملحوظة لغيرها، فلهذا شرط الواضع في دلالتها ذكر الغير معها، فمعنى من مثلًا هو الابتداء لكن من حيث إنه آلة لتعرّف حال غيره، فلهذا وجب ذكر الغير، وهذا ما اختاره الشارح في تصانيعه. ا. هـ. يعني التفتازاني. وما قيل: يلزم حينئذٍ أن لا تستعمل إلا في معان جزئية، فيلزم أن تكون مجازات لا حقائق لها، مع أنهم ترددوا في أن المجاز يستلزم الحقيقة أولًا مدفوع بأن هذا إنما يلزم لو كان استعمالها في الجزئيات من حيث خصوصياتها، أما إذا كان من حيث أنها أفرادها المعاني الكلية فلا. ا. هـ. باختصار. وبسط الكلام على ذلك في رسالتنا البيانية.
قوله: "أن يخلفها اسم موصول" أي مع ضمير يعود على ما قبلها لكن هذا إن كان ما قبلها معرفة، فإن كان نكرة فعلامتها أن يخلفها الضمير فقط نحو: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31] ، أي هي ذهب ولو قال: أن يصح الإخبار بما بعدها عما قبلها لكان أحسن. واعلم أن من البيانية مع مجرورها ظرف مستقر في محل نصب على الحالية، إن كان ما قبلها معرفة ونعت تابع لما قبلها في إعرابه إن كان نكرة. قوله: "ابتداء الغاية" يعني المسافة لا معناها الحقيقي الذي هو آخر الشيء، فهو من تسمية الكل باسم الجزء، وعلامتها أن يحسن في مقابلتها إلى أو ما يفيد فائدتها، نحو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن معنى أعوذ بالله ألتجىء إليه فالباء هنا أفادت معنى الانتهاء نقله الشمني عن الرضي. قوله: "في الأمكنة" الأول أن يراد بها ما عدا الأزمنة، فيشمل ما ليس زمانًا ولا مكانًا نحو: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: 30] . قوله: "نحو لمسجد أسس على التقوى من أول يوم" إن أريد بالتأسيس البناء، فالابتداء ظاهر أو مجرد وضع(2/313)
وزيد في نفي وشبهه فجر ... نكرة كما لباغ من مفر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] ، وقوله:
547- تخيرن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جرين كل التجارب
الرابع التخصيص على العموم أو تأكيد التنصيص عليه وهي الزائدة، لها شرطان: أن يسبقها نفي أو شبهه وهو النهي والاستفهام، وأن يكون مجرورها نكرة وإلى ذلك الإشارة بقوله: "وزيد في نفي وشبهه فجر نكرة"، ولا تكون هذه النكرة إلا مبتدأ "كما لبغ من مفر"، أو فاعلًا نحو لا يقم من أحد، أو مفعولًا به، نحو: {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأساس فمن يعني في كما قاله الرضي قال: ومن في الظروف كثيرًا ما تقع بمعنى في نحو جئت من قبل زيد ومن بعده، {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت: 5] . قوله: "تخيرن" مبني للمجهول أي اصطفين، وضميره يرجع إلى السيوف، ويوم حليمة من أيام حروب العرب المشهورة وحليمة بنت الحرث بن أبي شمر ملك غسان، وجه أبوها جيشًا إلى المنذر بن ماء السماء، فأخرجت لهم طيبًا وطيبتهم فلما قدموا على المنذر، قالوا له: أتيناك من عند صاحبنا، وهو يدين لك، ويعطيك حاجتك فتباشر هو وأصحابه، وغفلوا بعض الغفلة، فحمل ذلك الجيش على المنذر وقتلوه. ويقال: إنه ارتفع في ذلك اليوم من العجاج ما غطى عين الشمس. والتجارب كمساجد جمع تجربة كذا في المصباح.
قوله: "ولها شرطان" يؤخذ من الشرح شرط ثالث، وهو كون النكرة فاعلًا أو مفعولًا به، أو مبتدأ أي أو مفعولًا مطلقًا على ما جنح إليه ابن هشام ومثل له تبعًا لأبي البقاء بقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] ، أي من تفريط، فلا تزاد مع غير هذه الأربعة عند الجمهور وقيل: تزاد قبل الحال كقراءة من قرأ: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [الفرقان: 18] ، ببناء نتخذ للمفعول، وتقدم في باب الحال عن ابن هشام رده بأنه يلزم على الحالية إثبات الملائكة لأنفسهم الولاية، وجعل ابن مالك من الداخلة على الظروف التي لا تتصرف زائدة كما مر في محله. قوله: "أن يسبقها نفي أو شبهه"، فلا تزاد في الإثبات ويستثنى منه تمييز كم الخبرية إذا فصل بينه وبين كم فعل متعد نحو: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ} [الدخان: 25] ، كما نقله التفتازاني عن القوم. قوله: "والاستفهام" أي بهل وكذا الهمزة على الأوجه، فلا تزاد مع غيرهما لعدم السماع؛ ولأن غيرهما لا يطلب به التصديق بل التصور بخلافهما، فإن هل لطلب التصديق فقط والهمزة له ولطلب التصور. قوله: "إلا مبتدأ" أي ولو في الأصل، فدخل فيه أول مفعولي ظن، وثاني مفاعيل أعلم كما قاله الدماميني. قوله: "أو مفعولًا به" أي حقيقة، فخرج
__________
547- البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص45؛ وخزانة الأدب 3/ 331؛ وشرح التصريح 2/ 8؛ وشرح شواهد المغني ص349، 731؛ ولسان العرب 1/ 261 "جرب"، 12/ 149 "حلم"؛ ومغني اللبيب ص319؛ والمقاصد النحوية 3/ 270؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 22؛ وشرح ابن عقيل ص358.(2/314)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3] ، والتي لتنصيص العموم هي التي مع نكرة لا تختص بالنفي، والتي لتأكيده هي التي مع نكرة تختص به كأحد وديار. وذهب الكوفيون إلى عدم اشتراط النف وشبهه، وجعلوها زائدة نحو قولهم: قد كان من مطر. وذهب الأخفش إلى عدم اشتراط الشرطين معًا، فأجاز زيادتها في الإيجاب جارة لمعرفة وجعل من ذلك قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف: 31] ، الخامس أن تكون بمعنى بدل نحو: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ} [التوبة: 38] ، وقوله:
548- أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ... ظلمًا ويكتب لللأمير أفيلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثاني مفعولي ظن وثالث مفاعيل أعلم؛ لأنهما خبران في الأصل لا مفعولان حقيقة، والمفعول حقيقة ما يتضمنه ثانيهما مضافًا إلى أولهما، إذ المظنون في ظننت زيدًا قائمًا قيام زيد قاله الدماميني.
قوله: "هي التي مع نكرة لا تختص بالنفي" أي؛ لأنها قبل دخول من تحتمل نفي الوحدة بمرجوحية ونفي الجنس على سبيل العموم براجحية، فدخولها منصص على الثاني، فيمتنع أن يقال: ما جاءني من رجل بل رجلان. فإن قلت: إذا أفادت التنصيص فكيف تكون زائدة؟ قلت: المراد بزيادتها وقوعها في موضع يطلبه العامل بدونها، فتكون مقحمة بين طالب ومطلوب، وإن كان سقوطها مخلًا بالمقصود قاله المصرح. قوله: "مع نكرة تختص به" أي بالنفي أو شبهه وإنما كانت لتأكيده؛ لأن النكرة الملازمة للنفي تدل على العموم نصًا، فزيادة من تأكيد لذلك. قوله: "وذهب الكوفيون" أي بعضهم أما الكسائي وهشام منهم، فيوافقان الأخفش في عدم اشتراط الشرطين معًا، واختاره في التسهيل كذا في الهمع. قوله: "وجعلوها زائدة إلخ" أجيب بأن من تبعيضية أو بيانية لمحذوف أي قد كان شيء من مطر. واعترض بأن حذف الموصوف وإقامة الجملة، أو الظرف مقامه قليل لا سيما إذا كان الموصوف فاعلًا. وأجيب أيضًا بأن الفاعل ضمير مستتر يعود إلى اسم فاعل تضمنه الفعل، والتقدير كان هو أي كائن من جنس المطر، والظرف مستقر حال من الضمير، وبأن زيادتها في ذلك حكاية كأنه سئل هل كان من مطر، فأجيب بذلك على سبيل حكاية السؤال كما قالوا: دعنا من تمرتان كذا في الدماميني.
قوله: "وجعل من ذلك قوله تعالى إلخ"، أجيب بأن من للتبعيض ولا ينافيه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} ؛ لأن الذنوب في الأول ذنوب أمة نوح عليه عليه الصَّلاة والسَّلام. وفي الثاني ذنوب أمة نبينا عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام على أنه لا يناقض الموجبة الجزئية، إلا السالبة الكلية لا الموجبة الكلية. قوله: "أخذوا إلخ" أي عمال الزكاة والمخاض النوق الحوامل
__________
548- البيت من الكامل، وهو للراعي النميري في ديوانه ص242؛ وتذكرة النحاة ص311؛ وشرح شواهد الإيضاح ص607؛ وشرح شواهد المغني 2/ 736؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص273؛ وشرح المفصل 6/ 44؛ ومغني اللبيب 1/ 320.(2/315)
للآنتها حتى ولام وإلى ... ومن وباء يفهمان بدلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السادس الظرفية نحو: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} [الأحقاف: 4] ، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] . السابع التعليل نحو: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25] وقوله:
549- يغضي حياء ويغضى من مهابته
الثامن موافقة عن نحو: {يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [الأنبياء: 97] . التاسع موافقة الباء نحو: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: 45] . العاشر موافقة على نحو: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا} [الأنبياء: 77] ، "للآنتها حتى ولام وإلى" أي تكون هذه الثلاثة لانتهاء الغاية في الزمان والمكان، وإلى أمكن في ذلك من حتى؛ لأنك تقول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا واحد لها من لفظها بل من معناها وهو خلفة، والفصيل ولد الناقة إذا فصل عنها، والغلبة بالغين المعجمة واللام المضمومتين وتشديد الموحدة الغلبة، والأفيل صغير الإبل لأفوله أي غيبته بينها، ونصبه بفعل محذوف أي أدّى فلان أفيلًا. قوله: "ماذا خلقوا من الأرض إلخ" كونها للظرفية، أو بمعنى عن. أو الباء. أو على مذهب الكوفيين، وللبصريين أن يجعلوها في هذه الآية لبيان الجنس، وفي: {يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [الأنبياء: 97] ، للابتداء لإفادة أن ما بعد ذلك من العذاب أشد. قال الدماميني قال ابن هشام: وعلى هذا تكون متعلقة بويل كما في: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: 27] ، لكن التعلق في آية: {يَا وَيْلَنَا} [الأنبياء: 14] ، معنوي لا صناعي للفصل. ا. هـ. ملخصًا وكذا، {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: 45] ، وفي: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا} [الأنبياء: 77] ، على تضمين نصر معنى نجى كما قيل بكل ذلك. وقال الدماميني والشمني: إن أريد كون الظرف آلة للنظر فمن بمعنى الباء أو مبدأ له، فهي للابتداء فهما معنيان متغايران موكولان إلى إرادة المستعمل، قوله: "موافقة عن" أي لازم موافقتها وهو المجاوزة وكذا يقال في نظائره الآتية، ومن التي للمجاوزة على أظهر أوجه في الهمع الداخلة على ثاني المتضادين نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] ، {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179] . قوله: "موافقة الباء" أي باء الاستعانة دماميني.
قوله: "وإلى أمكن في ذلك" أي أقوى لاستعمالها فيما لم تستعمل فيه حتى بما بينه الشارح؛ ولأنه يجوز كتبت إلى زيد، وأنا إلى عمرو أي هو غايتي وسرت من البصرة إلى الكوفة ولا
__________
549- عجزه:
فما يكلم إلا حين يبتسم
والبيت من البسيط، وهو للحزين الكناني "عمرو بن عبد وهيب" في الأغاني 15/ 263؛ ولسان العرب 13/ 114 "حزن"؛ والمؤتلف والمختلف ص89؛ وللفرزدق في ديوانه 2/ 179؛ وأمالي المرتضى 1/ 68؛ وشرح ديوانه الحماسة للمرزوقي ص1622؛ وشرح شواهد المغني 2/ 732؛ ومغني اللبيب 1/ 320؛ والمقاصد النحوية 2/ 513؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 146؛ وشرح المفصل 2/ 53.(2/316)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سرت البارحة إلى نصفها، ولا يجوز حتى نصفها؛ لأن مجرور حتى يلزم أن يكون آخرًا أو متصلًا بالآخر نحو: أكلت السمكة حتى رأسها ونحو: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] ، واستعمال اللام للانتهاء قليل نحو: {كُلٌّ جْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد: 2] ، وسيأتي الكلام على بقية معانيها في هذا الكتاب، وعلى بقية أحكام حتى في باب إعراب الفعل، وأما إلى فلها ثمانية معان: الأول انتهاء الغاية مطلقًا كما تقدم. الثاني المصاحبة نحو: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] ، الثالث التبيين وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد حبًا، أو بغضًا من فعل تعجب أو اسم تفضيل نحو: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [يوسف: 33] : الرابع موافقة اللام نحو: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ} [النمل: 33] ، وقيل: لانتهاء أي منته إليك: الخامس موافقة في نحو: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يجوز حتى زيد وحتى عمرو لوضع حتى لإفادة تقضي الفعل قبلها شيئًا فشيئًا إلى الغاية، وليس ما قبل حتى في المثالين مقصودًا به التقضي، ولا حتى الكوفة لضعف حتى في الغاية، فلم يقابلوا بها ابتداء الغاية ذكره في المغني، ولا ينافيه أن حتى قد تستعمل فيما لم يستعمل فيه إلى، وهو جر أن المضمرة والمضارع المنصوب بها نحو سرت حتى أدخلها؛ لأنه قد يلتزم أن ما انفردت به إلى أكثر مما انفردت به حتى، وظاهر كلام المصنف والشارح أن حتى الجارة للانتهاء دائمًا، ومحله ما لم تدخل على المضارع المنصوب بأن المضمرة، وإلا فقد تكون له، وقد تكون للتعليل وللاستثناء كما سيأتي قاله الدماميني. قوله: "لأن مجرور حتى إلخ"، خالفه في التسهيل، فقال: لا يلزم كونه آخر جزء ولا ملاقي آخر جزء خلافًا لزاعم ذلك. قوله: "أن يكون آخرًا إلخ" أي وأن يكون ظاهرًا لا ضميرًا إلا ما شذ كما سيأتي. قيل: لأنها لو دخلت على الضمير قلبت ألفها ياء كما في إلى وعلى ولدي، وهي فرع عن إلى، فيلزم مساواة الفرع لأصله بلا ضرورة، قوله: "نحو أكلت السمكة إلخ" فيه لف ونشر مرتب. قوله: "ونحو سلام هي إلخ" نقل يس عن ابن هشام أن حتى متعلقة بتنزل لا بسلام، ويلزم عليه الفصل بين العامل والمعمول بجملة سلام هي. قوله: "انتهاء الغاية مطلقًا" أي في الزمان والمكان في الآخر، والمتصل بالآخر وغيرهما. قوله: "الثاني المصاحبة" قال بذلك الكوفيون وجماعة من البصريين، ومن أنكره جعلها في مثل الآية التي ذكرها الشارح للانتهاء والمعنى، ولا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم. دماميني.
قوله: "نحو ولا تأكلوا إلخ" أي من كل تركيب اشتمل على ضم شيء إلى آخر في كونه محكومًا به على شيء، أو محكومًا عليه بشيء، أو متعلقًا بشيء سواء كان من جنسه أو لا، فلا يجوز إلى زيد مال بمعنى مع زيد مال إذ ليس فيه ضم شيء إلى آخر في شيء مما ذكرنا كذا في المغني والشمني. قوله: "من فعل تعجب أو اسم تفضيل"، أي مشتقين من لفظي الحب والبغض كذا قاله الشمني، وأقره شيخنا والبعض، ويظهر لي أن المشتق مما في معناهما كالمشتق منهما نحو ودّ وكره، ويشير إليه قول الشارح بعدما يفيد حبًا أو بغضًا فتدبر. ثم رأيت في(2/317)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
87، الأنعام: 12] ، وقوله:
550- فلا تتركني بالوعيد كأنني ... إلى الناس مطلي به القار أجرب
السادس موافقة من كقوله:
551- تقول وقد عاليت بالكور فوقها ... أيسقى فلا يروى إلي ابن أحمرا
السابع موافقة عند كقوله:
552- أم لا سبيل إلى الشباب وذكره ... أشهر إلي من الرحيق السلسل
الثامن التوكيد وهي الزائدة، أثبت ذلك الفراء مستدلًا بقراءة بعضهم: {أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37] ، بفتح الواو. وخرجت على تضمين تهوى معنى تميل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الدماميني ما يؤيده وسيأتي. قوله: "موافقة اللام" أي الاختصاصية. قوله: "نحو ليجمعنكم إلخ"، وقيل: ضمن يجمع معنى يضم. قوله: "وقوله" أي النابغة الذبياني يخاطب النعمان بن المنذر.
قوله: "مطليّ" أي جمل مطلي به القار أي الزفت فيه قلب نكتته الإشارة إلى كثرة القار التي تزيد في النفرة عنه، فافهم واعترض جعل إلى بمعنى في بأنه لو صح ذلك لساغ أن يقال: زيد إلى الكوفة بمعنى فيها، وهو لا يجوز فتجعل إلى متعلقة بمحذوف أي مضافًا إلى الناس، وفيه نظر إذ الظاهر جواز زيد إلى الكوفة بمعنى فيها على مذهب الكوفيين، الذي عد هذه المعاني عليه كما علم مما مر. قوله: "تقول" أي الناقة وقد عاليت أي علوت بالكور بكاف مضمومة، ثم راء الرحل والباء بمعنى على ويسقى مبني للمجهول، فلا يروى مضارع روى من باب رضى أي زال عطشه والسقي كناية عن الركوب، وعدم الارتواء كناية عن عدم السآمة من الركوب، وابن أحمر هو عمرو بن أحمر قائل البيت. وكل من إلى وابن أحمر معمول ليسقى أو تنازعهما الفعلان.
__________
550- البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص73؛ وأدب الكاتي ص506؛ والأزهية ص273؛ والجني الداني ص387؛ وخزانة الأدب 9/ 465؛ والدرر 4/ 101؛ وشرح شواهد المغني ص 223؛ ولسان العرب 15/ 435؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص798؛ وجواهر الأد ص343؛ ورصف المباني ص83؛ ومغني اللبيب ص75؛ وهمع الهوامع 2/ 20.
551- البيت من الطويل، وهو لابن أحمر في ديوانه ص84؛ وأدب الكاتب ص511؛ والجني الداني ص388؛ والدرر 4/ 102؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 1/ 225؛ ومغني اللبيب 1/ 75؛ وهمع الهوامع 2/ 20.
552- البيت من الكامل، وهو لأبي كبير الهذلي في أدب الكاتب ص512؛ والجني الداني ص389؛ والدرر 4/ 102؛ وشرح أشعار الهذليين 3/ 1069؛ وشرح شواهد المغني 1/ 226؛ ولسان العرب 11/ 343 "سلسل"، والمقاصد النحوية 3/ 54؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 237؛ والاشتقاق ص479؛ ومغني اللبيب 1/ 74؛ وهمع الهوامع 2/ 20.(2/318)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: إن دلت قرينة على دخول ما بعد إلى، وحتى نحو قرأت القرآن من أوله إلى آخره. ونحو قوله:
553- ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها
أو على عدم دخوله نحو: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ، ونحو قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وذكره إلخ" جملة حالية، والرحيق من أسماء الخمر والسلسل السهل الدخول في الحلق، ويظهر لي أنه لا مانع من جعل إلى في البيت للتبيين كهي في زيد أحب إليّ لوجود ضابطها تأمل، ثم رأيت الدماميني صرح به فللَّه الحمد، قوله: "نحو قرأت القرآن إلخ" قال: سم كأن القرينة هنا وقوع القرآن الظاهر في جميعه مفعولاً لقرآن. ا. هـ. وفيه إشارة إلى أن القرآن قد يستعمل في القدر المشترك الصادق بالقليل والكثير، وقيل: القرينة ظهور إرادة الاستيفاء. قوله: "ألقى الصحيفة" الضمير في ألقى يرجع إلى المتلمس كان هو وطرفة بن العبد هجوا عمرو بن هند، فبلغه ذلك فلم يظهر لهما شيئاً، ثم مدحاه فكتب لكل منهما كتابا إلى عامله بالحيرة، وأوهم أنه كتب لكل بصلة فلما وصلا الحيرة، قال المتلمس لطرفة: إنا هجوناه ولعله اطلع على ذلك ولو أراد أن يصلنا لأعطانا، فهلم ندفع الكتابين إلى من يقرؤهما، فإن كان خيرا، وإلا فررنا فامتنع طرفة ونظر المتلمس إلى غلام قد خرج من المكتب، فقال له أتحسن القراءة قال: نعم، فأعطاه الكتاب فقرأه فإذا فيه قتله، فألقاه في النهر وفر إلى الشام وأتى طرفة إلى عامل الحيرة بالكتاب فقتله. وقوله حتى نعله بالجر؛ لأن الكلام في حتى الجارة كما هو ظاهر، وإن روي أيضا بالنصب على الاشتغال، فحتى ابتدائية والهاء في ألقاها للنعل أو على العطف، فحتى عاطفة والهاء للنعل أو الصحيفة، أو الثلاثة وجملة ألقاها توكيد والرفع على الابتداء، فحتى ابتدائية والهاء للنعل، والقرينة على دخول النعل فيما قبل حتى قوله ألقاها بناء على الظاهر من عود الهاء إلى النعل، أو الثلاثة وأورد أن الذي قبل حتى الصحيفة، والزاد والنعل غير داخلة فيها قطعا. وأجيب بتأويلهما بالمثقل وهو يشمل النعل، فكأنه قال ألقى ما يثقله حتى نعله. ولما كانت النعل متصلة بالآخر، وهو القدم جرها بحتى.
قوله: "ثم أتموا الصيام إلى الليل" القرينة نهى الشارع عن المواصلة، وكون الصيام شرعاً إنما هو الإمساك عن المفطر جميع النهار، وإلى متعلقة بالصيام لكونه مما يمتد لا بأتموا؛ لأن الإتمام فعل
__________
553- البيت من الكالم، وهو للمتلمس في ديوانه ص327؛ وشرح شواهد المغني 1/ 370؛ ولأبي "أو لابن" مروان النحوي في خزانة الأدب 3/ 21، 24؛ والدرر 4/ 113؛ وشرح التصريح 2/ 141؛ والكتاب 1/ 97؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص269؛ وأوضح المسالك 3/ 365؛ والجني الداني ص547، 553؛ وخزانة الأدب 9/ 472؛ والدرر 6/ 140؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 411؛ وشرح عمدة الحافظ ص614؛ ورصف المباني ص182؛ وشرح قطر الندى ص304؛ وشرح المفصل 8/ 19؛ ومغني اللبيب 1/ 24؛ وهمع الهوامع 2/ 24، 36.(2/319)
واللام للملك وشبهه وفي ... تعدية أيضًا وتعليل قفي
وزيد والظرفية استبن ببا ... وفي وقد يبينان السببا
__________
554- سقى الحيا الأرض حتى أمكن عزيت ... لهم فلا زال عنها الخير محدودا
عمل بها، وإلا فالصحيح في حتى الدخول، وفي إلى عدمه مطلقًا حملًا على الغالب فيهما عند القرينة، وزعم الشيخ شهاب الدين القرافي أنه لا خلاف في وجوب دخول ما بعد حتى، وليس كما ذكر بل الخلاف مشهور، وإنما الاتفاق في حتى العاطفة لا الخافضة. والفرق أن العاطفة بمنزلة الواو. انتهى "ومن يفهمان بدلا"، أي تأتي من والباء بمعنى بدل أما من، فقد سبق بيان ذلك فيها وأما الباء، فسيأتي الكلام عليا قريبًا إن شاء الله تعالى، "واللام للملك وشبهه وفي تعدية أيضًا، وتعليل قفي وزيد" أي تأتي اللام الجارة لمعان جملتها أحد وعشرون معنى: الأول انتهاء الغاية وقد مر. الثاني الملك نحو المال لزيد. الثالث شبه الملك نحو الجل للدابة، ويعبر عنها بلام الاستحقاق أيضًا، لكنه غاير بينهما في التسهيل، وجعلها في شرحه الواقعة بين معنى وذات نحو: الحمد لله، و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] ، وقد يعبر عن الثلاث بلام الاختصاص. الرابع التعدية، ومثل له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الأخير، فلا يمتد والمغيا لا بد أن يكون ممتدًا. قوله: "سقى الحيا" بالقصر وقد يمد أي المطر والقرينة دعاء الشاعر على ما بعد حتى بانقطاع الخير عنه. وقوله: محدودًا بحاء ودالين مهملات أي ممنوعًا، أو بجيم ودالين مهملتين أو معجمتين أي مقطوعًا قال الدماميني: ولا أعلم الرواية. قوله: "مطلقًا" أي سواء كان ما بعدها من جنس ما قبلها أولا، وهو راجع إلى الدخول في حتى وعدمه في إلى، والمقابل في الأول القول بعدم الدخول مطلقًا، والقول بأن ما بعدها إن كان من جنس ما قبلها دخل نحو سرت بالنهار حتى وقت العصر، وإلا فلا نحو سرت بالنهار حتى الليل، والمقابل في الثاني القول بالدخول مطلقًا، والقول بالتفصيل فالأقوال الثلاثة في كل من إلى، وحتى على الصحيح خلافًا للقرافي هذا ما تفيده عبارة الفارضي، وانظر حكم اللام إذا كانت للغاية والأقرب أنها كإلى. قوله: "للملك"، وهي الواقعة بين ذاتين ومدخولها يملك.
قوله: "نحو الجل للدابة" الجل بالضم والفتح ما تلبسه الدابة لتصان به. قاموس. قوله: "وجعلها" أي لام الاستحقاق، وعليه فلام شبه الملك هي الواقعة بين ذاتين، ومدخولها لا يملك، وقد تسمى لام الاختصاص أقول أو بين ذاتين ومصاحب مدخولها لا يملك نحو أنت لي، وأنا لك ولزيد ابن كما يؤخد من تمثيل الهمع للام الاختصاص بنحو: {إِنَّ لَهُ أَبًا} [يوسف: 78] ، {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] فتدبر. قوله: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} التمثيل به مبني على أن ويل اسم للعذاب لا على أنه اسم واد في جهنم؛ لأنه على هذا اسم ذات. قوله: "وقد يعبر عن الثلاث
__________
554- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني 1/ 371؛ ومغني اللبيب 1/ 124.(2/320)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في شرح الكافية بقوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5] لكنه قال في شرح التسهيل: إن هذه اللام لشبه التمليك قال في المغني: والأولى عندي أن يمثل للتعدية بما أضرب لعمرو وما أحبه لبكر. الخامس التعليل نحولة حكم بين الناس وقوله:
555- وإني لتعروني لذكراك هزة
السادس الزائدة، وهي إما لمجرد التوكيد كقوله:
556- وملكت ما بين العراق ويثرب ... ملكًا أجار لمسلم ومعاهد
وإما لتقوية عامل ضعف بالتأخير، أو بكونه فرعًا عن غيره نحو: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلخ"، وقد يعبر بلام الاختصاص عن الواقعة بين ذاتين، ومدخولها لا يملك نحو الجلّ للدابة أو بين ذاتين، ومصاحب مدخولها لا يملك نحو لزيد ابن كما مر. قوله: "بلام الاختصاص" الراجح أن المراد بالاختصاص هنا التعلق والارتباط لا القصر. قوله: "الرابع التعدية" أي المجردة، فلا ينافي أنها في بقية المواضع للتعدية لكن مع إفادة شيء آخر قاله الحفيد. قوله: "بما أضرب زيدًا لعمرو إلخ" أي؛ لأن ضرب وحب مثلًا متعديان في الأصل، وببنائهما للتعجب نقلًا إلى فعل بضم العين، فصارا قاصرين ثم عديا بالهمزة إلى زيد، وباللام إلى عمرو وبكر هذا مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أن الفعلين باقيان على تعديتهما إلى المفعول كعمرو وبكر، وأنهما لم ينقلا، فليست اللام للتعدية وإنما هي مقوية للعامل لضعفه باستعماله في التعجب، وهذا الخلاف مبني على الخلاف في فعل التعجب المصوغ من متعد، فمذهب الكوفيين أنه يبقى على تعديته ومذهب البصريين أنه لا يبقى كذا في التصريح، واعلم أنه سيأتي في باب التعجب أن هذه اللام للتبيين، فلا تكون للتعدية المجردة اللهم إلا أن يكون فيها خلاف، فما هنا قول وما سيأتي قول آخر تأمل.
قوله: "السادس الزائدة" فيه أن الكلام في عد معاني اللام والزائدة ليست من معاني اللام، بل نفس اللام فكان الأولى أن يقول كما قال سابقًا ولاحقًا السادس التوكيد، وهي الزائدة وقول البعض كان الأولى أن يقول الزيادة غير مستقيم أيضًا، إذ الزيادة ليست من معاني اللام فافهم. قوله: "إما لمجرد التوكيد" هي الواقعة بين فعل ومفعوله، وبين المتضايفين نحو لا أبا لك على حد الأوجه فيه، وفائدتها تقوية المعنى دون العامل، فغايرت المزيدة لتقوية العامل. قوله: "وملكت" بتاء الخطاب. قاله الشاعر يمدح به عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان. تصريح. قوله: "وإما لتقوية إلخ"، ولما لم تكن اللام المقوية زائدة محضة نظرًا لجهة التقوية تعلقت
__________
555- راجع التخريج رقم 443.
556- البيت من الكامل، وهو لابن ميادة في الأغاني 2/ 288؛ والدرر 4/ 170، 6/ 250؛ وشرح التصريح 2/ 11؛ وشرح شواهد المغني 2/ 580؛ والمقاصد النحوية 3/ 278؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 29؛ والجني الداني ص107؛ ومغني اللبيب 1/ 215؛ وهمع الهوامع 2/ 33، 157.(2/321)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] ، {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] ، ونحو: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة: 91] ، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] ، هذا ما ذكره الناظم في هذا الكتاب. السابع التملك نحو وهبت لزيد دينارًا. الثامن شبه التمليك نحو: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] . التاسع النسب نحو لزيد أب ولعمرو عم. العاشر القسم والتعجب معًا كقوله:
لله يبقى على الأيام ذو حيد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالعامل الذي قوته عند الموضح بخلاف الزائدة المحضة، فلا تتعلق بشيء أفاده في التصريح.
فائدة: قال في المغني قال ابن مالك: ولا تزاد لام التقوية مع عامل يتعدى لاثنين؛ لأنها إن زيدت في مفعوليه، فلا يتعدى فعل إلى اثنين بحرف واحد، وإن زيدت في أحدهما لزم الترجيح من غير مرجح، وهذا الأخير ممنوع؛ لأنه إذا تقدم أحدهما دون الآخر، وزيدت اللام في المقدم لم يلزم ذلك وقد قال الفارسي في قراءة من قرأ: "ولك وجهة هو موليها" بإضافة كل إنه من هذا وإن المعنى الله مولي كل ذي وجهة وجهته، فقدم المفعول الأول أو زيدت فيه لام التقوية، وحذف المضاف والمفعول الثاني. والضمير في موليها على هذا اللتولية المفهومة من مولى، وإنما لم يستغن عن تقدير المضاف، ويجعل الضمير للجهة لئلا يتعدى العامل إلى الظاهر وضميره معًا، ولهذا قالوا في الهاء من قوله:
هذا سراقة للقرآن يدرسه
إن الهاء مفعول مطلق لا ضمير القرآن. ا. هـ. بإيضاح وبعض تصرف وأجاب الدماميني عن ابن مالك بحمل كلامه على ما يذكر فيه المفعولان معًا مع كونهما متقدمين على العامل، أو متأخرين عنه، وأجاز التفتازاني في حاشية الكشاف الاستغناء عن تقدير المضاف، وجعل الضمير للجهة ودفع لزوم تعدي العامل إلى الظاهر، وضميره معًا بتقدير عامل للظاهر يفسره عامل الضمير أي لكل وجهة الله مول موليها، والمفعول الآخر على هذا محذوف أي أهلها نقله الشمني. قوله: "نحو وهبت لزيد دينارًا" فيه أن التمليك مستفاد من الفعل لا من اللام بدليل أنك لو أسقطت اللام، وقلت: وهبت زيدًا دينارًا كان الكلام صحيحًا دالًا على التمليك، ولو مثل بجعلت لزيد دينارًا لكان أحسن. قوله: "شبه التمليك إلخ" قد يقال: المفيد لشبه التمليك مجموع الكلام لا اللام وحدها، وكذا يقال في النسب بل، وفي التمليك على التمثيل له بجعلت لزيد دينارًا، كما هو التحقيق في التمثيل اللهم إلا أن يقال: لما توقف فهم شبه التمليك والنسب، والتمليك من التركيب على اللام نسبت إليها فتأمل. قوله: "نحو لزيد أب" جعل في الهمع من أمثلة لام الاختصاص: {إِنَّ لَهُ أَبًا} [يوسف: 78] ، {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] . قوله: "القسم والتعجب معًا" قولهم في باب التعجب: إن المفيد للتعجب التركيب بتمامه يدل على أن نسبة الدلالة على التعجب هنا إلى اللام، كنسبتهم الطلب إلى السين، والتاء على ما حققه السيد من أنها مجاز من نسبة ما للكل إلى الجزء(2/322)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ونحو: لله لا يؤخر الأجل. وتختص باسم الله تعالى. الحادي عشر التعجب المجرد عن القسم، ويستعمل في النداء كقولهم: يا للماء والعشب إذا تعجبوا من كثرتهما. وقوله:
557- فيا لك من ليل كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل
وفي غيره كقولهم: لله دره فارسًا. ولله أنت. وقوله:
558- شباب وشيب وافتقار وثروة ... فلله هذا الدهر كيف ترددا
الثاني عشر الضيرورة نحو: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ا. هـ. دنوشري. قوله: "لله" بكسر اللام يبقى أي لا يبقى، والحيد بكسر المهملة ففتح التحتية جمع حيدة كبدرة وبدر العقدة في قرن الوعل وتمامه:
بمشخر به الظيّان والآس
بشين ثم خاء معجمتين الجبل العالي. والظيان بالظاء المشالة والتحتية المشددة ياسمين البر والآس شجر معروف. كذا في الشمني والدماميني. وقوله جمع حيدة أي بفتح فسكون كما يصرح به التنظير ببدرة وبدر، وإن كان المقيس جمعه على فعل فعلة بكسر، فسكون على ما يفيده قول المصنف في جمع التكسير ولفعلة فعل. والذي في القاموس أن اسم العقدة في قرن الوعل الحيد أي بفتح فسكون ثم قال: والجمع حيود وأحياد وحيد كعنب. ا. هـ فلعل في المفرد لغتين التأنيث بالتاء وتركه. والمعنى أن هذا الوعل لا يحتاج إلى الخروج إلى موضع يمكن أن يصاد فيه؛ لأن عنده المرعى المستلزم للماء غالبًا ومع هذا لا بد أن يفنى. قوله: "يا للماء والعشب" بفتح اللام على أنهما مستغاث بهما مجازًا لتشبيههما بمن يستغاث به حقيقة أي يا ماء، ويا عشب أقبلا فهذا وقتكما، واللام على هذا متعلقة بالفعل المحذوف بتضمينه هنا معنى أتعجب، وفي نحو يا لزيد لعمرو معنى ألتجىء على خلاف سيأتي، وبكسرها على أنهما مستغاث لأجلهما، والمستغاث به محذوف واللام متعلقة بالفعل المحذوف، والمعنى أدعو قومي للماء والعشب على خلاف أيضًا سيأتي. قوله: "فيا لك" الأظهر جعل ما بعدها مستغاثًا به مجازًا، والمغار اسم مفعول من أغرت الحبل فتلته، فإضافته إلى الفتل للمبالغة، وقوله: شدّت أي ربطت والباء في بيذبل بمعنى في ويذبل علم جبل لا ينصرف، وإنما جره لأجل الروي والمعنى كأن نجومه لطوله، وعدم غيبتها ربطت بالحبال المفتولة في يذبل، فلا تسير هذا ما ظهر لي.
قوله: "وثروة" أي غنى. قوله: "الصيرورة" أنكرها البصريون، وجعلوا اللام في مثالها للتعليل
__________
557- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص19؛ وخزانة الأدب 2/ 412، 3/ 269؛ والدرر 4/ 166؛ وشرح شواهد المغني 2/ 574؛ وشرح عمدة الحافظ ص303؛ والمقاصد النحوية 4/ 269؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص220؛ ومغني اللبيب 1/ 215؛ وهمع الهوامع 2/ 32.
558- البيت من الطويل، وهو للأعشى في ديوانه ص185؛ وشرح شواهد المغني 2/ 575؛ والمقاصد النحوية 3/ 59؛ وبلا نسبة في الجني الداني ص98؛ ومغني اللبيب 1/ 215.(2/323)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
8] ، وتسمى لام العاقبة ولام المآل. الثالث عشر التبليغ، وهي الجارة لاسم السامع نحو قلت له كذا، وجعله الشارح مثالًا للام التعدية. الرابع عشر التبيين على ما سبق في إلى. الخامس عر موافقة على في الاستعلاء الحقيقي نحو: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} [الإسراء: 107، 109] ، وقوله:
فخر صريعًا لليدين وللفم
والمجاري نحو: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] ، واشترطي لهم الولا، وأنكره النحاس. السادس عشر موافقة بعد نحو: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] ، {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} [الأنبياء: 47] ، بكسر اللام وتخفيف الميم. الثامن عشر موافقة في نحو: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المجازي حيث شبه ترتب العداوة والحزن لكونه نتيجة التقاطهم بترتب المحبة، والتبني واستعيرت له اللام. قوله: "نحو قلت له كذا" وأذنت له، وفسرت له ومنه: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} [القصص: 51] ، دماميني. قوله: "التبيين على ما سبق في إلى" اعلم أن ما بعد إلى التبيينية فاعل وما قبلها مفعول واللام التبيينية بعكس ذلك، فإذا قلت: زيد أحب إليّ كنت أنت المحب وزيد المحبوب، وإذا قلت: زيد أحب لي كنت أنت المحبوب وزيد المحب إذا علمت ذلك علمت أن كلام الشارح يوهم خلاف المراد، ثم اعلم أنهم جعلوا من لام التبيين اللام في نحو تبًا لزيد، واللام في نحو سقيا لعمرو، وجعلوا الأولى لتبيين الفاعل، والثانية لتبيين المفعول قالوا: وهي ومجرورها خبر لمحذوف أي إرادتي لزيد، أو متعلق بمحذوف أي لزيد أعني فالكلام جملتان والأولى عندي جعل هذه اللام زائدة للتقوية متعلقة بالمصدر، فالكلام جملة واحدة فتأمل. ثم رأيت الدماميني نقل عن ابن الحاجب، وابن مالك ما يوافقه نعم يتعين ما قالوه في نحو سقيا لك إن جعل سقيًا نائب عن إسق، إذ لا يجتمع خطابان لشخصين في جملة واحدة، فإن جعل نائبًا عن سقى على أن الخبر بمعنى الطلب كان الأولى فيه أيضًا ما قلنا فتدبر. قوله: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} جمع ذقن بالتحريك مجتمع اللحيين من أسفلهما كما في القاموس، والمراد يسقطون على وجوههم، وإنما ذكر الذقن؛ لأنها أقرب ما يكون من الوجه إلى الأرض عند الهويّ للسجود. قوله: "وأنكره النحاس" انظر هل مرجع الضمير كونها للاستعلاء المجازي، أو كونها للاستعلاء مطلقًا الأظهر الثاني، وعبارة المغني ونحو قوله عليه الصَّلاة والسَّلام لعائشة اشترطي لهم الولاء. وقال النحاس المعنى من أجلهم قال: ولا يعرف في العربية لهم بمعنى عليهم. ا. هـ.
قوله: "نحو كتبته لخمس خلون" الأظهر ما نقله الدماميني عن بعضهم أنها في المثال بمعنى بعد كما أنها في قولك: كتبته لليلة بقيت بمعنى قبل، وفي قولك كتبته لغرة كذا بمعنى في. قوله: "قراءة الجحدري" في القاموس الجحدر القصير ثم قال: وجحدر كجعفر رجل. قوله: "لا(2/324)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187] ، وقولهم: مضى لسبيله التاسع عشر موافقة من كقوله:
559- لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم ... ونحن لكم يوم القيامة أفضل
المتمم عشرين موافقة عن نحو: {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا} [الأعراف: 38] ، وقوله:
560- كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدًا وبغضًا إنه لدميم
الحادي والعشرون موافقة مع كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يجليها لوقتها إلا هو" أي في وقتها إن قلت: الساعة وقت فيلزم ظرفية الشيء في نفسه. أجيب بأنه يصح أن يراد بالساعة زمن البعث من القبور، وبالوقت اليوم الآخر كله فتكون الظرفية من ظرفية الجزء في الكل، أو المراد لا يجلي ما فيها. قوله: "موافقة من" أي البيانية على خلاف يأتي في أفعل التفضيل. قوله: "راغم" أي لاصق بالرغام بفتح الراء، وهو التراب كناية عن الذلة والاحتقار. قوله: "موافقة عن" جعل ابن الحاجب من هذا المعنى قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] ، ولولا ذلك لقيل: ما سبقتمونا يعني لو جعلت اللام للتبليغ لكن يندفع ما قال بأمور: أحدها أن يكون في الكلام التفات عن الخطاب إلى الغيبة الثاني أن يكون اسم المقول عنهم محذوفًا، أي: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا} [الأحقاف: 11] ، عن طائفة أخرى أسلمت: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] ، الثالث أنه يجوز اعتبار اللفظ والمعنى في المحكي بالقول، فلك في حكاية من قال: أنا قائم أن تقول: قال زيد: أنا قائم رعاية للفظ المحكي، وأن تقول: قال زيد هو قائم رعاية للمعنى وحال الحكاية فإن زيدًا غائب حال الحكاية، وكذا إذا خاطبت شخصًا بأنت بخيل، وأردت الحكاية فلك أن تقول: قلت لعمرو أنت بخيل وقلت لعمرو: هو بخيل قاله الرضي. قوله: "نحو {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ} يحتمل أن المعنى في شأن أولاهم، وكذا فيما بعده فلا شاهد فيهما. قوله: "لدميم" بالدال المهملة من الدمامة وهي القبح، أو معناه مطلي بالدمام ككتاب وهو ما يطلى به الوجه لتحسينه.
فائدة: كسر لام الجر مع الظاهر إلا المستغاث، وفتحها مع الضمير إلا الياء هو المشهور
__________
559- البيت من الطويل، وهو لجرير في ديوانه ص143؛ والجني الداني ص102؛ وجواهر الأدب ص75؛ وخزانة الأدب 9/ 480؛ والدرر 4/ 169؛ وشرح شواهد المغني 1/ 377؛ ولسان العرب 2/ 24 "حتت"؛ ومغني اللبيب 1/ 213؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب من 75.
560- البيت من الكامل، وهو لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص304؛ وخزانة الأدب 8/ 567؛ والدرر 4/ 170؛ وشرح شواهد المغني 2/ 570؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص360؛ والجني الداني ص 100؛ ولسان العرب 12/ 208 "دمم"؛ ومغني اللبيب 1/ 214؛ وهمع الهوامع 2/ 32.(2/325)
بالبا استعن وعد عوض ألصق ... ومثل مع ومن وعن بها انطق
__________
561- فلما تفرقنا كأني ومالكًا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
"والظرفية استبن ببا وفي وقد يبينان السببا. بالبا استعن وعد عوض ألصق. ومثل مع ومن وعن بها أنطق" أي تأتي كل واحدة من الباء وفي لمعان، أما في فلها عشر معان ذكر منها هنا معنيين: الأول الظرفية حقيقة ومجازًا نحو زيد في المسجد، ونحو: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 189] ، الثاني السببية نحو: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفتحها بعض العرب مع الظاهر مطلقًا وكسرها خزاعة مع الضمير، وكسر الباء مطلقًا هو المشهور قال أبو حيان: وحكى أبو الفتح عن بعضهم فتحها مع الظاهر كذا في الهمع، قوله: "استبن" أي اطلب بيانها والدلالة عليها بما ذكر. قوله: "وقد يبينان السببا" قد للتحقيق بالنسبة إلى الباء، وللتقليل بالنسبة إلى في فهي من المشترك المستعمل في معنييه، أو هي للتحقيق فقط، فلا اعتراض بأن بيان السبب بالباء كثير لا قليل. قوله: "ومثل مع إلخ" حال من الضمير المجرور بالباء متقدمة عليه لجواز ذلك على مذهب المصنف كما مر، والمراد المثلية في أصل المصاحبة، فلا ينافي أن مدلول مع المصاحبة الكلية الملحوظة لذاتها، ومدلول الباء المصاحبة الجزئية الملحوظة لغيرها كما هو معنى الحرف على ما اشتهر عند المتأخرين وقد مر بيانه. قوله: "حقيقة" أي بأن يكون للظرف احتواء وللمظروف تحيز، فإن فقدا نحو في علمه نفع أو الاحتواء نحو زيد في سعة، أو التحيز نحو في صدر زيد علم، فمجاز ومنه الزمانية نحو زيد في يوم كذا أفاده يس. وقضية كلام المغني والهمع أن الزمانية حقيقة فتدبر. فإن قلت الظرفية في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر: 45، الذاريات: 15] ، حقيقية بالنسبة إلى الجنات مجازية بالنسبة إلى العيون فيلزم استعمال كلمة في حقيقة، ومجازًا فما وجهه عند مانع ذلك. أجيب بأنه يجعل من عموم المجاز بجعل في مستعملة في ظرفية مجازية تناسبهما، وهي مطلق الملابسة ومن المكانية الحقيقية أدخلت الخاتم في أصبعي، والقلنسوة في رأسي إلا أن فيهما قلبًا؛ لأنه لما كان المناسب نقل المظروف للظرف والأمر هنا بالعكس قلبوا الكلام رعاية لهذا الاعتبار، ونظيرهما في القلب عرضت الناقة على الحوض؛ لأن المعروض ليس له اختيار، وإنما الاختيار للمعروض عليه فقد يقبل، وقد يرد لكن لما كان المناسب أن يؤتى بالمعروض عند المعروض عليه، والأمر هنا بالعكس قلبوا الكلام رعاية لهذا الاعتبار، وقيل: المقلوب عرضت الحوض على الناقة، وقيل: لا قلب في واحد منهما من الدماميني والشمني.
__________
561- البيت من الطويل، وهو لمتمم بن نويرة في ديوانه ص122؛ وأدب الكاتب ص519؛ والأزهية 289؛ والأغاني 15/ 238؛ وجمهرة اللغة ص1316؛ وخزانة الأدب 8/ 272؛ والدرر 4/ 166؛ وشرح اختيارات المفضل ص1177؛ وشرح شواهد المغني 2/ 565؛ والشعر والشعراء 1/ 345؛ وبلا نسبة في الجني الداني ص102؛ ورصف المباني ص223؛ وشرح التصريح 2/ 48؛ ولسان العرب 12/ 564 "لوم"؛ ومغني اللبيب 1/ 212؛ وهمع الهوامع 2/ 32.(2/326)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
68] ، وفي الحديث: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها"، وتسمى التعليلية أيضًا. الثالث المصاحبة نحو: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38] الربع الاستعلاء نحو: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] ، وقوله:
بطل كأن ثيابه في سرحة
الخامس المقايسة نحو: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38] . السادس موافقة إلى نحو: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9] ، السابع موافقة من كقوله:
562- ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
563- وهل يعمن من كان أحدث عهده ... ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "دخلت امرأة إلخ" المرأة من بني إسرائيل والمتبادر من كون دخولها النار بسبب الهرة أنها مؤمنة. قوله: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} ، أي عليها فشبه الاستعلاء المطلق بالظرفية المطلقة، فسرى التشبيه لجزئيات كل، فاستعير بناء على هذا التشبيه الحاصل بالسراية لفظة في لمعنى على، وهو استعلاء جزئي هذا مذهب الكوفيين، وجعلها البصريون للظرفية بناء على تشبيه المصلوب، لتمكنه من الجذع بالحال فيه على طريق الاستعارة بالكناية، أو تشبيه الجذوع بالظروف بجامع التمكن في كل على طريق الاستعارة بالكناية أيضًا، وفي على الوجهين تخييل، وبهذا التحقيق يعرف ما في الحواشي من التساهل. قوله: "في سرحة" أي شجرة عظيمة، والمعنى أنه طويل كأن ثيابه على شجرة عظيمة. قوله: "المقايسة" أي كون ما قبلها ملحوظًا بالقياس إلى ما بعدها، وهي الواقعة بين مفضول سابق، وفاضل لاحق كما في المغني، ويظهر لي صحة العكس أيضًا. قوله: "موافقة من" أي التبعيضية وحملها الشمني على الابتدائية، فالمعنى في البيت ثلاثين شهرًا مبتدأة من انقضاء ثلاثة أحوال، فتكون المدة خمسة أعوام ونصفًا، وكذا عند من جعلها للمصاحبة وتقدم الكلام على البيت الأول في الموصول، قوله: "من كان أحدث عهده" لعل
__________
562- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص27؛ وجمهرة اللغة ص1319؛ وخزانة الأدب 1/ 60، 328، 332، 2/ 371، 10/ 44؛ والدرر 5/ 192؛ وشرح شواهد المغني 1/ 340؛ والكتاب 4/ 39؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 148؛ وخزانة الأدب 7/ 105؛ وشرح شواهد المغني 1/ 485؛ ومغني اللبيب 1/ 169؛ وهمع الهوامع 2/ 83.
563- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص27؛ وأدب الكاتب ص518؛ وجمهرة اللغة ص1315؛ وخزانة الأدب 1/ 62؛ والجني الداني ص252؛ وجواهر الأدب ص230، والدرر 4/ 149؛ وشرح شواهد المغني 1/ 486؛ وبلا نسبة الخصائص 2/ 313؛ ورصف المباني ص391؛ ولسان العرب 15/ 168 "فيا"؛ ومغني اللبيب؛ وهمع الهوامع 2/ 30.(2/327)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي من ثلاثة أحوال. الثامن موافقة الباء كقوله:
564- ويركب يوم الروع منا فوارس ... يصيرون في طن الأباهر والكلا
التاسع العويض، وهي الزائدة عوضًا من أخرى محذوفة كقولك: ضربت فيمن رغبت تريد ضربت من رغبت فيه، أجاز ذلك الناظم قياسًا على قوله:
565- ولا يؤاتيك فيما ناب من حدث ... إلا أخو ثقة فانظر بمن تثق
أي فانظر من تثق به. العاشر التوكيد وهي الزائدة لغير تعويض، أجاز ذلك الفارسي في مضرورة كقوله:
566- أنا أبو سعد إذا الليل دجا ... يخال في سواده يرندجا
وأجاز بعضهم في قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ} [هود: 41] . وأما الباء فلها خمسة عشر معنى ذكر منها عشرة: الأول البدل نحو ما يسرني بها حمر النعم. وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المراد طلل كان أقل زمن مضى من تأنسه بأهله تلك المدة، واستعمل من في غير العاقل مجازًا. قوله: "موافقة الباء" أي التي للإلصاق حقيقة أو مجازًا شمني. قوله: "يوم الروع" بفتح الراء الفزع والفوارس جمع فارس على غير قياس، والأباهر جمع أبهر وهو عرق إذا انقطع مات صاحبه. قال الجوهري: وهما أبهران يخرجان من القلب. والكلا جمع كلية أو كلوة بضمهما. قوله: "قياسًا إلخ" أورد عليه أن المقيس عليه لا يتعين زيادة الباء فيه، لجواز أن تكون من استفهامية لا موصولة، وأن الكلام تم بقوله: فانظر ثم ابتدأ مستفهمًا استفهامًا إنكاريًا بقوله بمن تثق على أن زيادة الباء في مثل ذلك غير قياسي، فلا يقاس عليه غيره، وفي الهمع أن ابن مالك حكى الزيادة عوضًا في الباء، وعن وعلى وقاسها في إلى، وفي واللام ومن فيقال: عرفت ممن عجبت ولمن قلت وإلى من أويت، وفيمن رغبت وأن أبا حيان منعها في الجميع.
قوله: "ولا يؤاتيك" مهموز الفاء ولك إبدال الهمزة واوًا كما قاله الدماميني أي يساعدك. قوله: "دجا" أي أظلم، يخال بالبناء للمجهول يرندجا بفتح الياء، والراء وسكون النون أي جلدًا أسود كذا قال البعض وعبارة القاموس الأرندج وبكسر أوله جلد أسود، ثم قال واليرندج السواد
__________
565- البيت من البسيط، وهو لسالم بن وابصة في شرح شواهد المغني 2/ 419؛ والمؤتلف والمختلف ص197؛ ونوادر أبي زيد ص181؛ وبلا نسبة في الدرر 4/ 107؛ ومجالس ثعلب 1/ 300؛ ومغني اللبيب 1/ 144؛ وهمع الهوامع 2/ 22.
566- الرجز لسويد بن أبي كاهل اليشكري في خزانة الأدب 6/ 125؛ والدرر 4/ 150؛ وشرح شواهد المغني 1/ 486؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص230؛ ومغني اللبيب 1/ 170؛ وهمع الهوامع 2/ 30.(2/328)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
567- فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرسانًا وركبانا
الثاني الظرفية نحو: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} [آل عمران: 123] ، و {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] . الثالث السببية نحو: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: 40] . الرابع التعليل نحو: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] . الخامس الاستعانة نحو كتبت بالقلم، السادس التعدية تسمى باء النقل وهي المعاقبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يسوّد به الخف أو هو الزاج. ا. هـ. ويحتمل أن تكون في سببية فلا شاهد فيه. قوله: "شنوا" أي فرقوا، والإغارة مفعول به أو المفعول به محذوف أي فرقوا الأعداء، والإغارة مفعول له والفرسان ركاب الخيل والركبان ركاب الإبل. قوله: "الظرفية" أي زمانية أو مكانية ولهذا مثل بمثالين. قوله: "الثالث السببية" منها الباء التجريدية نحو لقيت بزيد أسدًا أي بسبب لقاء زيد، فهو على حذف مضاف كما قاله الرضي، وقيل: إنها ظرفية وقيل: للمعية والتجريد
أن ينتزع من ذي صفة آخر مثله مبالغة في كماله في تلك الصفة كذا في الدماميني والشمني. قوله: "الرابع التعليل" ينبغي إسقاطه كما في المغني وغيره؛ لأن التعليلية والسببية شيء واحد، كما قاله أبو حيان والسيوطي وغيرهما ويوافقه قوله في الكلام على في السببية، وتسمى التعليلية أيضًا. وفرق الشيخ يحيى بين العلة والسبب بأن العلة متأخرة في الوجود متقدمة في الذهن، وهي العلة الغائية والغرض، وأما السبب فهو متقدم ذهنًا، وخارجًا لكن يمنع من توجيه صنيع الشارح بهذا تمثيله للتعليل وبسبب متقدم، وكان الموافق له أن يمثله بنحو حفرت البئر بالماء.
قوله: "الاستعانة" الفرق بينها وبين السببية أن باء السببية هي الداخلة على سبب الفعل نحو مات بالجوع، وباء الاستعانة هي الداخلة على آلة الفعل أي الواسطة بين الفاعل، ومفعوله نحو بريت القلم بالسكين قاله سم. قوله: "التعدية" أي الخاصة كما يفيده ما بعده. قوله: "وهي المعاقبة للهمزة" التعدية بهذا المعنى مختصة بالباء، وأما التعدية بمعنى إيصال معنى الفعل إلى الاسم، فمشتركة بين حروف الجر التي ليست بزائدة، ولا في حكم الزائدة. شمني ودماميني. قوله: "في تصيير الفاعل مفعولًا" لكن مفعوليته مع الباء بواسطتها ومع الهمزة بلا واسطة. قوله: "وأكثر ما تعدى" الرابط محذوف أي تعديه كما جزم به الدماميني، وقوله الفعل القاصر خبر أكثر وجعل البهوتي، وأقره البعض نصب الفعل على المفعولية لتعدي أولى بناء على أن ما مصدرية، وخبر أكثر محذوف أي ثابت ناشىء عن عدم التأمل. قال في المغني: ومن ورودها مع المتعدي دفع الله
__________
567- البيت من البسيط، وهو لقريط بن أنيف في خزانة الأدب 6/ 253؛ والدرر 3/ 80؛ وشرح شواهد المغني 1/ 69؛ والمقاصد النحوية 3/ 72، 277؛ وللعنبري في لسان العرب 1/ 429 "ركب"؛ وللحماسي في همع الهوامع 2/ 21؛ وبلا نسبة في الجني الداني ص40؛ وجواهر الأدب ص47؛ والدرر 4/ 103؛ وشرح شواهد المغني 1/ 316؛ وشرح ابن عقيل ص295، 361؛ ومغني اللبيب 1/ 104؛ وهمع الهوامع 1/ 195.(2/329)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للهمزة في تصيير الفاعل مفعولًا وأكثر تعدي الفعل القاصر نحو ذهبت بزيد بمعنى أذهبته. ومنه: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] ، وقرئ أذهب الله نورهم. السابع التعويض نحو بعت هذا بألف، وتسمى باء المقابلة أيضًا. الثامن الإلصاق حقيقة ومجازًا نحو أمسكت بزيد، ونحو مررت به. وهذا المعنى لا يفارقها، ولهذا اقتصر عليه سيبويه. التاسع المصاحبة نحو: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ} [هود: 48] ، أي معه. العاشر التبعيض نحو: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعض الناس ببعض، وصككت الحجر بالحجر، والأصل دفع بعض الناس بعضًا وصك الحجر الحجر قال الدماميني: ويرد عليه أنه إذا كان الأصل ذلك لم تكن الباء داخلة على ما كان فاعلًا بل على ما كان مفعولًا، فلا يشملها ضابط باء التعدية المتقدم، ولو جعل الأصل دفع بعض الناس بعض، وصك الحجر الحجر بتقديم المفعول لم يرد ذلك. ا. هـ. قوله: "بمعنى أذهبته" ولا فرق بينهما خلافًا لمن فرق باقتضاء ذهبت بزيد المصاحبة في الذهاب بخلاف أذهبت زيدًا، ومما يرده قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] ، وإن أجيب عن الآية بأنه يجوز أن يكون تعالى وصف نفسه بالذهاب على معنى يليق كما وصف نفسه تعالى بالمجيء في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] ؛ لأنه ظاهر البعد. نعم ممن فرق صاحب الكشاف حيث قال: والفرق بين أذهبه، وذهب به أن معنى أذهبه أزاله وجعله ذاهبًا ويقال: ذهب به إذا استصحبه ومضى معه، وذهب السلطان بماله أخذه، ثم قال: والمعنى أخذ الله نورهم وأمسكه. ا. هـ. قال الشمني: ولا يخفى ما في قول الزمخشري، والمعنى إلخ من الجواب عن الآية بحملها على معنى آخر لذهب مع الباء لا محذور في نسبته إلى الله تعالى أصلًا.
قوله: "التعويض إلخ" المناسب لقوله باء البدل أن يقول باء العوض، والفرق بين باء التعويض، وباء البدل كما قاله سم أن في باء التعويض مقابلة شيء بشيء بأن يدفع شيء من أحد الجانبين. ويدفع من الجانب الآخر شيء في مقابلته، وفي باء البدل اختيار أحد الشيئين على الآخر فقط من غير مقابلة من الجانبين، وقيل: باء البدل أعم مطلقًا وهو ما استظهره في الهمع، فتكون هي الدالة على اختيار شيء على آخر أعم من أن يكون هناك مقابلة أولًا، والأول أشهر وأوفق بصنيع الشارح. قوله: "نحو أمسكت بزيد إلخ" فيه لف ونشر مرتب، فمعنى أمسكت بزيد قبضت على شيء من جسمه، أو ما يحسبه من ثوب أو نحوه، ولهذا كان أبلغ من أمسكت زيدًا؛ لأن معناه المنع من الانصراف بأي وجه كان، ومعنى مررت بزيد ألصقت مروري بمكان يقرب منه قاله في المغني، ونازع الدماميني في كون الإلصاق في صورة القبض على نحو الثوب حقيقي، واستظهر أنه مجاز بجعل إلصاق الإمساك بالثوب إلصاقًا بزيد لما بينهما من المجاورة، وقد يعدى المرور بعلى، فتكون للاستعلاء المجازي كأن المارّ بمجاوزته المرور به استعلى عليه. قوله: "وهذا المعنى لا يفارقها" التزامه يحوج في بعض الأماكن إلى تكلف، كما في: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} وبالله لأفعلن. قوله: "نحو اهبط بسلام" ونحو فسبح بحمد ربك بناء على أن المصدر مضاف لمفعوله أي مع حمدك ربك، وقيل: للاستعانة بناء على أنه مضاف لفاعله أي بما حمد الرب به نفسه قاله في المغني.(2/330)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللَّهِ} [الإنسان: 6] ، وقوله:
568- شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج
الحادي عشر المجاوزة كعن نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] ، بدليل {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} [الأحزاب: 20] ، وإلى هذه الثلاثة الإشارة بقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "العاشر التبعيض" اختلف في الباء من قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] ، فنقل صاحب الكشاف عن مالك أنها زائدة، فيجب مسح كل الرأس قال: وهو وإن كان عملًا بالمجاز لكنه أحوط، وقال بعض أتباعه: هي للإلصاق، فيجب أيضًا الاستيعاب إذ المعنى ألصقوا المسح بالرأس، وهو اسم لكله لا لبعضه وقال بعض من لم يوجب الاستيعاب كإمامنا الشافعي هي للتبعيض نحو: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] ، لما في صحيح مسلم من أنه صلى الله عليه وسلّم مسح بناصيته، وعلى عمامته، وما في سنن أبي داود وغيرها من أنه صلى الله عليه وسلّم مسح مقدم رأسه بدون ذكر مسح على العمامة، كما في فتح الباري، وقال بعضهم: للاستعانة نحو كتبت بالقلم لكن مسح يتعدى لمفعول بنفسه، وهو المزال عنه والآخر بالباء، وهو المزيل فحذف الأول، والأصل وامسحوا أيديكم برءوسكم، فلم يقع المسح المأمور به على الرأس حتى يجب استيعابه بل على اليد، وجعل الرأس آلة، فاستفادة التبعيض على هذا ليس من كون الباء موضوعة له، بل من كون مدخولها آلة لمسح اليد دماميني ملخصًا. قوله: "نحو عينًا إلخ"، وقيل: ضمن يشرب معنى يروى. وقال الزمخشري: المعنى يشرب بها الخمر كما تقول: شربت الماء بالعسل فجعلها للمصاحبة. قوله: "المجاوزة" قال بعضهم: يختص هذا المعنى بالسؤال، وقيل: لا يختص بدليل قوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12] ، {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان: 25] ، وأنكر البصريون مجيء الباء للمجاوزة، وحملوها مع السؤال على السببية، ورد بأن الكلام حينئذٍ لا يفيد أن المجرور هو المسؤول عنه مع أنه المقصود، وجعلها بعضهم في وبأيمانهم ظرفية أي ويكون في أيمانهم؛ لأن أصل النور فيها؛ لأن بها أخذ السعداء صحائفهم، وما بين أيديهم منبسط منه، وفي بالغمام للاستعانة؛ لأن الغمام كالآلة، وجعلها البيضاوي سببية بتقدير مضاف، فقال: بسبب طلوع الغمام منها، وهو الغمام المذكور في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ
__________
568- البيت من الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في الأزهية ص201؛ والأشباه والنظائر 4/ 287؛ وجواهر الأدب ص99؛ وخزانة الأدب 7/ 97، 99؛ والخصائص 2/ 85؛ والدرر 4/ 179؛ وسر صناعة الإعراب ص135، 424؛ وشرح أشعار الهذليين 1/ 129؛ وشرح شواهد المغني ص218؛ ولسان العرب 1/ 487 "شرب"، 5/ 162 "مخر"، 15/ 474 "متى"؛ والمحتسب 2/ 114؛ والمقاصد النحوية 3/ 249؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص515؛ والأزهية ص284؛ وأوضح المسالك 3/ 6؛ والجني الداني ص43، 505؛ وجواهر الأدب ص47، 378؛ ورصف المباني ص151؛ وشرح ابن عقيل ص352؛ وشرح عمدة الحافظ ص268؛ وشرح قطر الندى ص250؛ والصاحبي في فقه اللغة ص175؛ ومغني اللبيب ص105؛ وهمع الهوامع 2/ 34.(2/331)
على للاستعلا ومعنى في وعن ... بعن تجاوزًا عنى من قد فطن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومثل مع ومن وعن بها انطق:
هذا ما ذكره في هذا الباب. الثاني عشر موافقة على نحو: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] ، بدليل: {هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 64] . الثالث عشر القسم، وهي أصل حروفه ولذلك خصت بذكر الفعل معها نحو أقسم بالله. والدخول على الضمير نحو بك لأفعلن. الرابع عشر موافقة إلى نحو: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} [يوسف: 100] ، أي إلى وقيل: ضمن أحسن معنى لطف. الخامس عشر التوكيد، وهي الزائدة نحو: {كَفَى بِاللهِ شَهِيْدًا} [الرعد: 43] ، {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، بحسبك درهم ليس زيد بقائم "على للاستعلا ومعنى في وعن" أي تجيء على الحرفية لمعان عشرة ذكر منها هنا ثلاثة: الأول الاستعلاء، وهو الأصل فيها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [لبقرة: 220] . ا. هـ.
قوله: "هذا ما ذكره في هذا الكتاب" اعترض بأن المصنف لم يذكر التعليل، ولهذا قال الشارح سابقًا وأما الباء فلها خمسة عشر معنى ذكر منها عشرة، وهذا مناف لقوله هذا ما ذكره إلخ لاقتضائه أن ما ذكره أحد عشر، فكان الصواب تأخيره بعد قوله هذا ما ذكره إلخ. ويمكن دفعه بأن المصنف ذكر التعليل بذكره السبب لاتحادهما معنى على ما مر، وإنما عد أولًا بما ذكره المصنف عشرة نظرًا لاتحادهما معنى، وثانيًا أحد عشر نظرًا إلى اختلافهما عبارة، قوله: "ولذلك خصت إلخ" بقي خاصة ثالثة، وهي استعمالها في القسم الاستعطافي، وهو ما جوابه إنشائي نحو بالله هل قام زيد، وزاد بعضهم رابعة وهي جرها في القسم وغيره ورد بأن اللام كذلك. ا. هـ. دماميني. ومنهم من لا يجعل الاستعطاف قسمًا، بل الباء فيه متعلقة بأسألك محذوفًا لا بأقسم. قوله: "نحو كفى بالله شهيدًا إلخ" عدد الأمثلة إشارة إلى أنها زيدت مع الفاعل، ومع المفعول ومع المبتدأ ومع خبر ليس، وزيدت مع غير ذلك كما مر في فصل في ما ولا إلخ، والزائدة مع الفاعل قد تكون لازمة، وهي المصاحبة لفاعل أفعل في التعجب على قول الجمهور، كما سيأتي في باب وجائزة في الاختيار، وهي المصاحبة لفاعل كفى، وواردة في الضرورة نحو:
ألم يأتيك والأنباء تنمى ... بما لاقت لبون بني زياد
والزائدة مع المفعول غير مقيسة، وإن كان مفعول كفى نحو كفى المرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع كذا في الجنى الداني، وقاسها الرضي في مفعول عرف وعلم الذي بمعناه وجهل، وسمع وأحسن، وكذا مع المبتدأ نحو كيف بك إذا كان كذا، وبحسبك درهم وكذا مع خبره نحو:
ومنعكها بشيء يستطاع
فلا قياس معهما. والزائدة مع خبر ليس وما النافية، وكان المنفية ومع التوكيد بالنفس والعين مقيسة. دماميني ملخصًا. قوله: "أن تجيء على الحرفية" قيد بالحرفية هنا دون الكاف وعن(2/332)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويكون حقيقة ومجازًا نحو: {عَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [المؤمنون: 22] ، ونحو: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] الثاني الظرفية كفي نحو: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} [القصص: 15] . الثالث المجاوزة كعن كقوله:
569- إذا رضيت علي بنو قشير
الرابع التعليل كاللام نحو: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37] ، وقوله:
علام تقول الرمح يثقل عاتقي
الخامس المصاحبة كمع نحو: {وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] ، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6] . السادس موافقة من نحو: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] . السابع موافقة الباء نحو: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ} [الأعراف: 105] وقد قرأ أبي بالباء. الثامن الزيادة للتعويض من أخرى محذوفة كقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مع مجيء كل اسمًا لبعد تنبيه المصنف الآتي على الاسمية في على، وقربه في الكاف وعن. قوله: "ويكون حقيقة ومجازًا" قال الفارضي وأما نحو: توكلت على الله، فهو بمعنى الإضافة والإسناد أي أضفت توكلي، وأسندته إلى الله إذ لا يعلو على الله تعالى شيء لا حقيقة ولا مجازًا. ا. هـ. قوله: "ونحو فضلنا إلخ" جعل الدماميني الاستعلاء المجازي الاستعلاء على ما يقرب من المجرور نحو: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه: 10] ، أي هاديًا وجعل الاستعلاء المعنوي على نفس المجرور نحو: {فَضَّلَنَا} إلخ، ونحو: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} [الشعراء: 14] ، حقيقا. قوله: "كقوله إذا رضيت عليّ"، وقيل: ضمن رضى معنى عطف. قوله: "على حبه" أي مع حب المال وقيل: على تعليلية والضمير لله. قوله: "موافقة من" من ذلك قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: "بني الإسلام على خمس"، أي منها، وبه يندفع ما يقال هذه الخمس هي الإسلام، فكيف يكون مبنيًا
__________
569- عجزه:
لعمرو الله أعجبني رضاها
والبيت من الوافر، وهو للقحيف العقيلي في أدب الكاتب ص507؛ والأزهية ص277؛ وخزانة الأدب 10/ 132، 133؛ والدرر 4/ 135؛ وشرح التصريح 2/ 14؛ وشرح شواهد المغني 1/ 416؛ ولسان العرب 14/ 323 "رضي"؛ والمقاصد النحوية 3/ 282؛ ونوادر أبي زيد ص176؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 118؛ والإنصاف 2/ 630؛ وأوضح المسالك 3/ 41؛ وجمهرة اللغة ص1314؛ والجني الداني ص477؛ والخصائص 3/ 311؛ و389؛ ورصف المباني ص372؛ وشرح شواهد المغني 2/ 954؛ وشرح ابن عقيل ص365؛ وشرح المفصل 1/ 120؛ ولسان العرب 15/ 444 "يا"؛ والمحتسب 1/ 52، 348؛ ومغني اللبيب 2/ 143؛ والمقتضب 2/ 320؛ وهمع الهوامع 2/ 28.(2/333)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
570- إن الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يومًا على من يتكل
أي من يتكل عليه. التاسع الزيادة لغير تعويض، وهو قليل كقوله:
571- أبى الله إلا أن سرحة مالك ... على كل أفنان العضاه تروق
وفيه نظر. العاشر الاستدراك والإضراب كقوله:
572- بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه وأجيب أيضًا بأنه من بناء الكل على أجزائه، والتغاير بالكلية والجزئية كاف. قوله: "يعتمل" أي يعمل بالأجرة وقيل: إن مفعول يجد محذوف أي إن لم يجد شيئًا، ثم استأنف مستفهمًا استفهامًا إنكاريًا فقال: على من يتكل. قوله: "أفنان العضاه" جمع فنن وهو الغصن والعضاه بكسر العين المهملة آخره هاء كما في الشمني، وغيره جمع عضه كعنب، أو عضهة كعنبة، أو عضاهة كرسالة كل شجرة ذات شوك، أو ما عظم منها كذا في القاموس. وتروق أي تعجب، وهو يتعدى بنفسه يقال: راقه أي أعجبه كما في القاموس، وإيقاع الإعجاب على الأفنان على طريق المجاز، وقيل: كنى الشاعر بالسرحة عن امرأة مالك، وبالأفنان عن بقية النسوة، وعليه فالإيقاع حقيقي.
قوله: "وفيه نظر" وجهه أنه لا يتعين كون تروق بمعنى تعجب، حتى تكون على زائدة إذ يصح أن يكون بمعنى تزيد وتفضل، وهو بهذا المعنى يتعدى بعلى كما في القاموس هذا ما ظهر لي في وجه النظر، ولا يخفى حسنه على غيره مما قيل هنا. قوله: "والإضراب" أي عما توهمه الجملة قبلها، وهو من عطف اللازم، وهو إضراب إبطالي، فإن قوله على أن قرب الدار خير من البعد أبطل به ما يوهمه قوله: فلم يشف ما بنا من تساوي القرب والبعد من كل وجه، وقوله على أن قرب الدار ليس بنافع أبطل به ما توهمه الجملة قبله من أن القرب مطلقًا خير من البعد، وعلى التي بهذا المعنى يحتمل أن تكون غير متعلقة بشيء، لكونها بمنزلة حرف الاستدراك، والإضراب كما قيل
__________
570- الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 292؛ والجنى الداني ص478؛ وخزانة الأدب 10/ 146؛ والخصائص 2/ 305؛ والدرر 4/ 108؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 205؛ وشرح التصريح 2/ 15؛ وشرح شواهد المغني ص419؛ والكتاب 3/ 81؛ ولسان العرب 11/ 475 "عمل"؛ والمحتسب 1/ 281؛ وهمع الهوامع 2/ 22.
571- البيت من الطويل وهو لحميد بن ثور في ديوانه ص41؛ وأدب الكاتب ص523؛ وأساس البلاغة ص 185 "روق"؛ والجني الداني ص479؛ والدرر 4/ 137؛ وشرح التصريح 2/ 15؛ وشرح شواهد المغني 1/ 420؛ ولسان العرب 2/ 479 "سرح"؛ ومغني اللبيب 1/ 144؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص377؛ وخزانة الأدب 2/ 194، 10/ 144، 145.
572- البيتان من الطويل، وهما ليزيد من الطثرية في ديوانه ص72؛ وذيل الأمالي ص104؛ وللمجنون في ديوانه ص89؛ ولعبد الله بن الدمينة في ديوانه ص82؛ وشرح شواهد المغني 1/ 425؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 454؛ ومغني اللبيب 1/ 145.(2/334)
وقد تجي موضع بعد وعلى ... كما على موضع عن قد جعلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على أن قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود
"بعن تجاوزًا عنى من قد فطن. وقد تجي" عن "موضع بعد و" موضع "على كما على موضع عن قد جعلا" كما رأيت. وجملة معاني عن عشرة أيضًا اقتصر منها الناظم على هذه الثلاثة: الأول المجاوزة وهي الأصل فيها، ولم يذكر البصريون سواه، نحو سافرت عن البلد ورغبت عن كذا. الثاني البعدية وهو المشار إليه بقوله: وقد تجي موضع بعد، نحو: {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [المؤمنون: 40] ، {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] ، أي حالًا بعد حال. الثالث الاستعلاء كعلى نحو: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد: 38] ، وقوله:
573- لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخزوني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بذلك في حاشا الجارة، ويحتمل أن الجار والمجرور خبر مبتدأ محذوف أي والتحقيق كائن على أن إلخ؛ لأن ما قبلها وقع لا على وجه التحقيق. قوله: "وقد تجيء عن موضع بعد"، قال أبو حيان يلزم أن تكون حينئذٍ ظرفا، ولا أعلم أحدًا قال: إنها اسم إلا إذا دخل عليها حرف الجر همع. قوله: "كما على إلخ" فيه وصل ما المصدرية بجملة اسمية، وهو جائز وإن كان قليلًا. قوله: "كما رأيت" أي في قوله:
إذا رضيب عليّ بنو قشير
قوله: "المجاوزة" هي بعد شيء مذكور، أو غير مذكور عما بعدها بسبب الحدث قبلها، فالأول نحو رميت السهم عن القوس أي جاوز السهم القوس بسبب الرمي. والثاني نحو رضي الله عنك أي جاوزتك المؤاخذة بسبب الرضا، ثم المجاوزة تارة تكون حقيقية كهذين المثالين، وتارة تكون مجازية نحو أخذت العلم عن عمرو، كأنه لما علمت ما يعلمه جاوزه العلم بسبب الأخذ هذا ملخص ما أفاده سم. ومن المجازية سألت زيدًا عن كذا، كأنه لما عرفك المسؤول بالمسؤول عنه جاوزه المسؤول عنه بسبب السؤال، وأنت خبير بأن هذا إنما يظهر إذا أفاد المسؤول المسؤول عنه لا إذا لم يفده، وأن المناسب لهذا المثال جعل البعد للمجرور عن الشيء، لا جعل البعد للشيء عن المجرور، فلا يلائم تعريفهم المجاوزة هذا المثال فاعرف ذلك. قوله: "ولم يذكر البصريون سواه"، وتكلفوا لها في المحال التي لا تظهر فيها المجاوزة معنى يصلح للمجاوزة، ولم يرتكبوا التضمين ولا غيره مما ارتكبوه في غيرها من الحروف، قوله: "أي حالًا بعد حال" من البعث والسؤال والموت، وقيل: من النطفة إلى ما بعدها، وقيل غير ذلك قال في شرح اللباب: والأولى أن عن باقية على ظاهرها، والمعنى طبقًا متجاوزًا في الشدة عن طبق آخر دونه. قوله: "لاه ابن
__________
573- البيت من البسيط، وهو لذي الإصبع العدواني في أدب الكاتب ص513؛ والأزهية ص279؛ وإصلاح المنطق ص373؛ والأغاني 3/ 108؛ وأمالي المرتضى 1/ 252؛ وجمهرة اللغة ص596؛ وخزانة الأدب 7/ 173، 177، 184، 186؛ والدرر 4/ 143؛ وسمط اللآلي ص289؛ وشرح التصريح 2/ 15؛ وشرح =(2/335)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرابع التعليل نحو: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود: 53] ، {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114] . الخامس الظرفية كقوله:
574- وآس سراة الحي حيث لقيتهم ... ولا تك عن حمل الرباعة وانيا
السادس موافقة من نحو: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] ، نحو: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [الأحقاف: 16] . السابع موافقة الباء نحو: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] ، والظاهر أنها على حقيقتها وأن المعنى وما يصدر قوله عن الهوى. الثامن الاستعانة قاله الناظم، ومثل له بنحو رميت عن القوس؛ لأنهم يقولون: رميت بالقوس، وفيه رد على الحريري في إنكاره أن يقال ذلك، إلا إذا كانت القوس هي المرمية. التاسع البدل نحو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عمك" أي لله در ابن عمك، فحذف لام الجر واللام الأولى من اسم الجلالة، ففيه شذوذ من وجهين وحذف المضاف، وأناب عنه المضاف إليه، ولك أن تستغني عن تقدير المضاف. أفضلت أي زدت. دياني أي مالكي. فتخزوني أي تسوسني وتقهرني، وهو بسكون الواو إما تخفيفًا من فتحة النصب مثل ما تأتينا، فتحدثنا بالنصب وإما رفعًا عطفًا على الجملة الاسمية المنفية قبله؛ لأن المعنى ما أنت دياني، فما أنت تخزوني.
قوله: "نحو وما نحن إلخ"، ويحتمل أن المعنى تركا صادرًا عن قولك لا صادرًا عن موعدة. قوله: "وآس سراة الحي" من آساه بمد الهمزة أي واساه أي أعط أشرافهم. والرباعة بالكسر نجوم الحمالة أي أقساط ما يتحمل الإنسان من دية، أو غيرها فعن بمعنى في بدليل: {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: 42] ، قال في المغني: والظاهر أن معنى وني عن كذا جاوزه ولم يدخل فيه، ووني فيه دخل فيه وفتر. ا. هـ. أي والمراد في البيت المعنى الأول، فكيف تجعل عن فيه ظرفية. قوله: "عن عباده"، ويحتمل أن المعنى الصادرة عن عباده. قوله: "بنحو رميت عن القوس" أي إن أريد جعل القوس آلة للرمي ومستعانًا بها فيه. قوله: "في إنكاره أن يقال ذلك إلخ" على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= شواهد المغني 1/ 430؛ ولسان العرب 11/ 525 "فضل"، 13/ 167، 170 "دين" 295، 296 "عنن"، 539 "لوه" 14/ 226 "خزا"؛ والمؤتلف والمختلف ص118؛ ومغني اللبيب 1/ 147؛ والمقاصد النحوية 3/ 286؛ ولكعب الغنوي في الأزهية ص97؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 263، 2/ 121، 302؛ والإنصاف 1/ 394؛ وأوضح المسالك 3/ 43؛ والجني الداني ص246؛ وجواهر الأدب ص323؛ وخزانة الأدب 10/ 124، 344؛ والخصائص 2/ 288؛ ورصف المباني ص254، 368؛ وشرح ابن عقيل ص364؛ وشرح المفصل 8/ 53؛ وهمع الهوامع 2/ 29.
574- البيت من الطويل، وهو للأعشى في ديوانه ص379؛ والدرر 4/ 145؛ وشرح شواهد المغني 1/ 434؛ وبلا نسبة في الجني الداني ص247؛ وجواهر الأدب ص324؛ ومغني اللبيب 1/ 148؛ وهمع الهوامع 2/ 30.(2/336)
شبه بكاف وبها التعليل قد ... يعنى وزائدًا لتوكيد ورد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البقرة: 48] . وفي الحديث: "صومي عن أمك". العاشر الزيادة للتعويض من أخرى محذوفة كقوله:
575- أتجزع أن نفس أتاها حمامها ... فهلا التي عن بين جنبيك تدفع
"شبه بكاف وبها التغليل قد يعنى وزائدًا لتوكيد ورد" أي تجيء الكاف لمعان، وجملتها أربعة اقتصر منها في النظم على ثلاثة: الأول التشبيه وهو الأصل فيها نحو زيد كالأسد. الثاني التعليل نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 198] ، أي لهدايتكم. وعبارته هنا وفي التسهيل تقتضي أن ذلك قليل، لكنه قال في شرح الكافية: ودلالتها على التعليل كثيرة. الثالث التوكيد وهي الزائدة نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، أي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا تكون الباء للتعدية، ويكون رمي متعديًا تارة بنفسه، وتارة بالباء كذا يظهر. قوله: "أتجزع إن نفس" يصح في أن فتح الهمزة على أنها مخففة من الثقيلة، وكسرها على أنها شرطية داخلة على فعل حذف لدلالة ما بعده عليه، وأبقى فاعله وهو نفس أي إن هلكت نفس والحمام الموت. وقوله: فهلا إلخ الأصل، فهلا تدفع عن التي بين جنبيك، فحذف الجار قبل الموصول وزيد بعده عوضًا عنه قال الدماميني ظاهر كلام المغني، والتسهيل أن شرط زيادتها التعويض، وفي تفسير الثعلبي أنهم اختلفوا في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] ، فقيل: عن علمها، وقيل: عن صلة وعلى هذا قرأ ابن مسعود، وهذا الخلاف مبني على أن السؤال هل هو سؤال استخبار، أو سؤال استعطاء، فقد حكى قولًا بالزيادة ولا تعويض.
قوله: "أربعة" زاد في المغني خامسًا وهو المبادرة، قال: وذلك إذا اتصلت بما في نحو سلم كما تدخل، وصل كما يدخل الوقت، ذكره ابن الخباز والسيرافي وغيرهما، وهو غريب جدًا. ا. هـ. ويمكن تخريجهما على زيادة الكاف، وجعل ما مصدرية وقتية أي سلم وقت دخولك، وصل وقت دخول الصلاة فتستفاد المبادرة. قوله: "الثاني التعليل" جعل قوم منه قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 82] ، أي أعجب لعدم فلاح الكافرين. قوله: "تقتضي أن ذلك قليل" أي بناء على المتبادر من قد الداخلة على المضارع، وقد يقال: التقليل بالنسبة إلى التشبيه، فلا ينافي كثرته في نفسه. قوله: "ليس كمثله شيء" أي بناء على رأي عزاه في المغني إلى الأكثرين، قالوا: إذ لو لم تكن زائدة لزم المحال، وهو إثبات المثل قال التفتازاني في حاشية العضد: لأن النفي يعود إلى الحكم لا إلى المتعلقات، فقولنا: ليس كابن زيد أحد يدل ظاهرًا على أن لزيد ابنًا، وإن كان يحتمل أن يكون نفي المثل له بناء على عدمه، وقد يجاب بمنع إثبات مثله تعالى كيف، وهو من قبيل الظاهر، ونقيضه وهو نفي مثله قطعي؟ ا. هـ. ومنع كثيرون زيادتها في الآية فبعض هؤلاء قالوا
__________
575- البيت من الطويل، وهو لزيد بن رزين في جواهر الأدب ص325؛ وشرح شواهد المغني 1/ 436؛ وله أو لرجل من محارب في ذيل أمالي القالي ص105؛ وذيل سمط اللآلي ص49؛ وبلا نسبة في الجني الداني ص248؛ وخزانة الأدب 10/ 144؛ والدرر 4/ 107؛ وشرح التصريح 2/ 16؛ والمحتسب 1/ =(2/337)
واستعمل اسمًا وكذا عن وعلى ... من أجل ذا عليهما من دخلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ليس شيء مثله. وقوله:
576- لواحق الأقراب فيها كالمقق
أي فيها المقق أي الطول. الرابع الاستعلاء، قيل: بعضهم كيف أصبحت؟ قال: كخير أي على خير وهو قليل، أشار إلى ذلك في التسهيل بقوله: وقد توافق على "واستعمل" الكاف "اسمًا" بمعنى مثل كما في قوله:
577- يضحكن عن كالبرد المنهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المثل بمعنى الصفة وبعضهم قالوا المثل بمعنى الذات، والمحققون منهم قالوا الآية من باب الكناية للمبالغة في التنزيه، فهي باقية على حقيقتها من نفي مثله، لكن المراد لازم ذلك، وهو نفي مثله، وإنما كان لازمًا؛ لأنه لو كان له مثل لكان هو مثلًا لمثله، فلا يصح نفي مثله؛ ولأن مثل الشيء من يكون على أوصافه، فإذا نفوه عمن يماثله فقد نفوه عنه، ونظيره مثلك لا يبخل فإنهم نفوا البخل عن مثله والمراد نفيه عنه، فليس المراد بالذات من الآية حقيقتها من نفي مثل المثل حتى يلزم وجود المثل، وقد صرحوا بأنه لا يضر استحالة المعنى الحقيقي للكناية فضلًا عن استحالة لازمها؛ لأن المعنى الحقيقي لها غير مقصود منها بالذات فاعرفه.
قوله: "لواحق الأقراب" قاله رؤبة يصف خيلًا، أي ضوامر الأقراب جمع قرب بضمتين، وبضم فسكون الخاصرة، أو من الشاكلة إلى مراق البطن كما في القاموس. والضمير في فيها يرجع إلى الخيل الموصوفة. والمقق الطول الفاحش مع رقة. قوله: "على خير" وقيل: الكاف بمعنى الباء أي بخير، وقد قيل في قولهم كن كما أنت أن المعنى كن على الحال الذي أنت عليه، وقيل: إن المعنى كن كالشخص الذي هو أنت، أي كن فيما يستقبل مماثلًا لنفسك فيما مضى. قوله: "واستعمل اسمًا"، فيكون فاعلًا ومكفعولًا وغيرهما، وزعهما ابن مضاء اسمًا دائمًا كما في الهمع. قوله: "عن كالبرد" أي عن مثل البرد أي عن سن مثل البرد، والمنهم بسكون النون، وتشديد الميم الثانية الذائب أي الذي ذاب منه شيء فصغر. وبحث سم في الاستشهاد بالبيت باحتمال أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= 281؛ ومغني اللبيب 10/ 149؛ وهمع الهوامع 2/ 22.
576- الرجز لرؤية في ديوانه ص106؛ وجواهر الأدب ص129؛ وخزانة الأد 1/ 89؛ وسر صناعة الإعراب ص292، 295، 815؛ وسمط اللآلي ص322؛ وشرح شواهد المغني 2/ 764؛ وشرح ابن عقيل ص366؛ والمقاصد النحوية 3/ 290؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص264؛ والإنصاف 1/ 299؛ وجمهرة اللغة ص824؛ واللمع في العربية ص158؛ والمقتضب 4/ 418.
577- الرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 328؛ وخزانة الأدب 10/ 166، 168؛ والدرر 4/ 156؛ وشرح شواهد المغني 2/ 503؛ والمقاصد النحوية 3/ 294؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص258؛ وأوضح المسالك 3/ 54؛ والجني الداني ص79؛ وجواهر الأدب ص126؛ وشرح المفصل 8/ 42، 44؛ ومغني اللبيب 1/ 180؛ وهمع الهوامع 2/ 31.(2/338)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي عن مثل البرد. وقوله:
578- بكا للقوة الشغواء جلت فلم أكن ... لأولع إلا بالكمي المقنع
وهو مخصوص عند سيبويه، والمحققين بالضرورة، وأجازه كثيرون منهم الفارسي والناظم في الاختيار "وكذا عن وعلى" استعملا اسمين: الأول بمعنى جانب، والثاني بمعنى فوق "من أجل ذا عليهما من دخلا" في قوله:
579- ولقد أراني للرماح دريئة ... من عن يميني تارة وأمامي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكاف حرف ومجرور عن محذوف وموصوف بقوله كالبرد، فلا شاهد فيه حينئذٍ، ويضعفه أن حذف موصوف الجملة، وشبهها لا يطرد في مثل هذا الموضع. قوله: "بكا للقوة" أي بفرس كاللقوة بفتح اللام وكسرها، وسكون القاف كما في القاموس وهي العقاب، والشغواء بمعجمتين المعوجة المنقار. وجلت من الجولان، والكمي الشجاع المتكمي بسلاحه أي المتغطي به. والمقنع المغطى رأسه بالبيضة قاله زكريا. قوله: "في الاختيار"، فأجازوا في زيد كالأسد أن تكون الكاف في موضع رفع، والأسد مخفوضًا بالإضافة. مغني.
قوله: "استعملا اسمين" وهما حينئذٍ مبنيان لمشابهة الحرف في اللفظ. وأصل المعنى كما قاله ابن الحاجب وغيره ونقل أبو حيان عن بعض أشياخه أنهما معربان كذاب في الهمع، والقول بإعراب عن الاسمية مع التزام سكونها لا يظهر له وجه. وفي الهمع عن ابن الطراوة والفارسي، والشلوبين أن على اسم دائمًا معرب، واستعملت على فعلًا ماضيًا، تقول علا يعلو علوًّا، وعلى يعلى علاء كبقي يبقى بقاء. ولم يتعرض له لشهرته؛ ولأن علا الفعلية ليس رسمها كرسم على الحرفية؛ لأنها ترسم بالألف؛ لأن أصلها علو بخلاف الحرفية فترسم بالياء، ومقتضى هذا أن على الاسمية ترسم بالياء، وهو إنما بظهر إذا كانت من على يعلى أما إذا كانت من علا يعلو، فكتابتها بالألف؛ لأنها حينئذٍ واوية لكن يكفي في نكته ذكر على الاسمية دون الفعلية موافقة الاسمية الحرفية لفظًا، ورسمًا على أحد الوجهين بخلاف الفعلية، فإنها لا توافق الحرفية رسمًا في وجه أصلًا فاعرفه. ولم يتعرض المصنف لإلى مع أنها جاءت اسمًا بمعنى المنتهي، ولعل ذلك لقلته وجاءت منوية بمعنى النعمة. قوله: "من أجل ذا عليهما من دخلا" استشهاد على استعمالهما اسمين لا تقييد، ولذا خص من؛ لأنها المسموع دخولها عليهما كثيرًا، وسمع جر عن بعلى نادرًا، فعلم أن اسميتها لا تتقيد بدخول من، نعم تتعين اسميتها بدخولها، وكذا بدخول غيرها من حروف الجر، فإذا قلت: زيد على السطح، وسرت عن البلد احتملا الاسمية والحرفية، وعند دخول من تتعين اسميتهما. قوله: "دريئة"
__________
578- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الجني الداني ص82؛ والدرر 4/ 158؛ والمقاصد النحوية 3/ 295؛ وهمع الهوامع 2/ 31.
579- البيت من الكامل، وهو لقطري بن الفجاءة في ديوانه ص171؛ وخزانة الأدب 10/ 158، 160؛ والدرر 2/ 269، 4/ 185؛ وشرح التصريح 2/ 10؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص136؛ وشرح =(2/339)
ومذ ومنذ اسمان حيث رفعا ... أو أوليا الفعل كجئت مذ دعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكقوله:
580- عدت من عليه بعد ما تم ظمؤها ... تصل وعن قيض بزيزاء مجهل
"ومذ ومنذ" يستعملان أيضًا أسمين وحرفين فهما "اسمان حيث رفعا" اسمًا مفردًا "أوليا" جملة كما إذا أوليا "الفعل" مع فاعله وهو الغالب، ولهذا اقتصر على ذكره، أو المبتدأ مع خبره: فالأول نحو ما رأيته مذ يومان، أو منذ يوم الجمعة، وهما حيئنذ مبتدآن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بهمزة بعد تحتية ساكنة مفعول ثان لأرى، وهي الحلقة التي يتعلم عليها الرمي والطعن. قاله العيني والمصرح، وفي شرح شواهد المغني للسيوطي جواز ياء بدل الهمزة.
قوله: "غدت" أي سارت القطاة من عليه أي الفرخ، والظمؤ بكسر الظاء المشالة، وسكون الميم بعدها همزة مدة صبرها عن الماء، وتصل بفتح الفوقية وكسر المهملة، أي تصوّت أحشاؤها من العطش، وقوله وعن قيض عطف على قوله من عليه، والقيض بفتح القاف وسكون التحتية بعدها ضاد معجمة. قال الدماميني القشر الأعلى من البيض، وزيزاء بزايين معجمتين مكسورة أولاهما، وتفتح كما قاله السيوطي أرض غليظة، مجهل بفتح الميم على قاعدة اسم المكان من مفعل أي محل لجهل السائر، وتوهانه قال في التصريح نقلًا عن ابن السيد، وهو مجرور بإضافة زيزاء إليه، ولا يجوز أن يكون نعتًا لزيزاء عند البصريين. ا. هـ. ولك أن تجعله بدلًا. قوله: "ومذ ومنذ"، وكسر ميمهما لغة همع. قوله: "اسمين وحرفين" قال الشاطبي: قد يحتملان الاسمية والحرفية كما في ما رأيته مذ، أو منذ أن الله خلقه بفتح الهمزة أما إن كسرت، فالاسمية متعينة. قوله: "كما إذا أوليا الفعل" جعل الشارح قول المصنف الفعل مثالًا لا قيدًا، والمراد الفعل الماضي، فلا يجوز مذ يقوم؛ لأن عاملهما لا يكون إلا ماضيًا، فلا يجتمع مع المستقبل، ولم يجيزوه على حكاية الحال لئلا يجتمع مجازان تأويل المضارع بالمصدر؛ لأنه مضاف إليه واستعماله في الماضي نقله يس عن ابن هشام، وينبغي جواز ذلك عند من جوز اجتماع مجازين في الكلمة فتدبر.
قوله: "فالأول" أي ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= شواهد المغني 1/ 438؛ والمقاصد النحوية 3/ 150، 305؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص255؛ والأشباه والنظائر 3/ 13؛ وأوضح المسالك 3/ 57؛ وجواهر الأدب ص322؛ وشرح ابن عقيل ص368؛ وشرح المفصل 8/ 40؛ ومغني اللبيب 1/ 149؛ وهمع الهوامع 1/ 156، 2/ 36.
580- البيت من الطويل، وهو لمزاحم العقيلي في أدب الكاتب ص504؛ والأزهية ص194؛ وخزانة الأدب 10/ 147، 150؛ والدرر 4/ 187؛ وشرح التصريح 2/ 19؛ وشرح شواهد الإيضاح ص230؛ وشرح شواهد المغني 1/ 425؛ وشرح المفصل 8/ 38؛ ولسان العرب 11/ 383 "صلل"، 15/ 88 "علا"؛ والمقاصد النحوية 3/ 301؛ ونوادر أبي زيد ص163؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص103؛ والأشباه والنظائر 3/ 12؛ وأوضح المسالك 3/ 58؛ وجمهرة اللغة ص1314؛ والجني الداني ص470؛ وجواهر الأدب ص375؛ وخزانة الأدب 6/ 535؛ ورصف المباني ص371؛ وشرح ابن عقيل ص367؛ والكتاب 4/ 231؛ ومجالس ثعلب ص304؛ ومغني اللبيب 1/ 146، 2/ 532؛ والمقتضب 3/ 53؛ والمقرب 1/ 196؛ وهمع الهوامع 2/ 36.(2/340)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وما بعدهما خبر، والتقدير أمد انقطاع الرؤية يومان، وأول انقطاع الرؤية يوم الجمعة، وقد أشعر بذلك قوله حيث رقعا، وقيل بالعكس والمعنى بيني وبين الرؤية يومان. وقيل ظرفان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذا رفعا اسمًا مفردًا. قوله: "وهما حينئذٍ مبتدآن" أي حين إذ رفعا ما بعدهما، وساغ الابتداء بهما؛ لأنهما معرفتان لفظًا ومعنى، أو معنى فقط على الخلاف إذ معناهما أمد انقطاع الرؤية، وأول أمد انقطاع الرؤية، وأورد على ابتدائيتهما أنه هلا جاز يومان مذ كما جاز يومان أمد ذلك، وأجيب بأنهما أجروهما رافعين مجراهما خافضين في أنهما لا يدخلان إلا على اسم الزمان، أفاد بعض ذلك سم وبعضه الدماميني. قوله: "والتقدير أمد إلخ" فيه لف ونشر مرتب، ومثل المعدود كما في المغني الحاضر نحو مذ يومنا بناء على تجويز بعض العرب رفعهما الحاضر، كما هو المفهوم من قول الشارح الآتي: أكثر العرب على وجوب جرهما للحاضر. قوله: "وأول انقطاع" أي أول أمد انقطاع، فوافق قول المغني، وإن كان أي الزمان ماضيًا، فمعناهما أول المدة، فاقتصار البعض على الاعتراض بأن ظاهر كلام الشارح يخالف ما في المغني تقصير. قوله: "وقد أشعر إلخ" أي؛ لأن المبتدأ هو الرافع للخبر من غير عكس على المختار.
قوله: "وقيل بالعكس"، قال في التصريح: وهو مذهب الأخفش، وأبي إسحاق الزجاج، وأبي القاسم الزجاجي، ومعناهما بين وبين مضافين، فمعنى ما لقيته مذ يومان بيني وبين لقائه يومان. ا. هـ. قال ابن الحاجب: وهذا القول وهم؛ لأن المعنى واللفظ يأبياه: أما الأول؛ فلأنك تخبر عن جميع المدة بأنها يومان، وذلك غير محقق على هذا الإعراب. وأما الثاني؛ فلأن يومان نكرة لا مسوغ لها، وليس الظرف الواقع خبرًا ظرفًا للمبتدأ حتى يكون تقديمه مسوغًا، إذ لو كان ظرفًا لكان زائدًا عليه، وهو مناف للمراد إذ المراد أنه هو. ا. هـ. وأنا أقول في كل من توجيهه للأول، وتوجيهه للثاني نظر: أما النظر في توجيهه للأول؛ فلأن هذا التركيب على هذا الإعراب، وإن لم يفد أن جميع المدة يومان باعتبار أصل اللغة؛ لأن كينونة اليومين بينه، وبين لقائه لا تنافي كينونة غيرهما أيضًا لكن يفيده باعتبار العرف، إذ لا يقال مثلًا: بيني وبين لقائه يومان عرفًا إلا إذا لم يكن إلا اليومان فقط، وأما النظر في توجيهه للثاني، فيمنع قوله يومان نكرة لا مسوغ لها، بل المسوغ موجود وهو تقديم الظرف المختص، وتعليله عدم كون تقديمه مسوغًا بأن الظرف المجعول خبرًا ليس ظرفًا للمبتدإ، إذ لو كان ظرفًا إلخ مردود لبطلان الملازمة، إذ لا يجب كون ظرف الشيء زائدًا عليه، بل يجوز كونه مساويًا له بدليل صحة نحو في يوم الخميس صوم، وبين طلوع الفجر وطلوع الشمس وقت صلاة الصبح، وليت شعري، كيف يحكم على إعراب هؤلاء الجماعة بالوهم مع أن التركيب المعرب به كالمثال المجمع على إعرابه بهذا الإعراب؟، إذ معنى مذ يومان على كلامهم بيني، وبين لقائه يومان، أي كائن بيني وبين لقائه يومان، فهو كالمثال الثاني، فوجب أن يكون الحكم فيه كالحكم في المثال الثاني، وقد علم من هذا التحقيق أن جعلهم مذ ومنذ خبرين على التسامح الشائع في إعراب نحو زيد في الدار بقولهم زيد مبتدأ، وفي الدار خبر، وأن الخبر في الحقيقة متعلق مذ ومنذ على الراجح، وهذا المتعلق نكرة، وحينئذٍ لا يرد ما قيل إذا كان معنى مذ ومنذ على هذا القول بين(2/341)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وما بعدهما فاعل بفعل محذوف، أي مذ كان أو مذ مضى يومان، وإليه ذهب أكثر الكوفيين، واختاره السهيلي والناظم في التسهيل والثاني: "كجئت مذ دعا" وقوله:
581- ما زال مذ عقدت يداه إزاره
وقوله:
582- وما زلت أبغي الخير مذ أنا يافع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبين مضافين إلى المعرفة كانا معرفتين فهما الحقيقان بالمبتدئية، فتدبر ما قلناه بإنصاف فإنه متين. قال الدماميني: واعترض على جعل مذ ومنذ خبرًا بأن المعنى عليه كما قالوه بيني وبين لقائه يومان، وبين زمانية هنا، فكيف يكون الشيء ظرفًا لنفسه؟، والجواب أن هذا يرد على قولك: بيني وبين لقائه يومان، وهو جائز فما كان جوابًا عن هذا فهو جواب عن ذلك. ا. هـ. وقد أسلفنا في أول باب المفعول فيه ما يؤخذ منه الجواب فاعرفه.
قوله: "والمعنى بيني إلخ" أورد عليه عدم اطراده؛ لأنه لا يأتي في نحو قولك يوم الأحد ما رأيته مذ يوم الجمعة إلا أن يجعل على حذف العاطف، والمعطوف أي بيني وبين رؤيته يوم الجمعة، وما بعده إلى الآن وفيه تكلف. قوله: "وقيل: ظرفان إلخ" على هذا القول يكون التركيب كلامًا واحدًا مشتملًا على جملتين بخلافه على الأولين، فكلامان ثانيهما، وهو مذ كذا مستأنف استئنافيًّا بيانيًّا كما في الدماميني. قوله: "مذ كان" أي وقت وجد. قوله: "أو مذ مضى يومان" فيه أنا إذا قدرنا كان، أو مضى كان مفاد الكلام انتفاء الرؤية وقت وجود اليومين، ومضيهما فيصدق بالرؤية فيهما قبل تمامهما، والمقصود انتفاء الرؤية فيهما اللهم إلا أن يقدر مضاف، ويلاحظ استمرار الانتفاء إلى آن التكلم، والتقدير وقت وجود أول اليومين، ومضيه أي واستمر الانتفاء إلى الآن فتأمل. قوله: "والثاني" أي ما إذا أوليا الجملة الاسمية أو الفعلية. قوله: "يافع" أي ناهز الحلم أو عشرين
__________
581- عجزه:
ودنا فأدرك خمسة الأشبار
والبيت من الكامل، وهو للفرزدق في ديوانه 1/ 305؛ والأشباه والنظائر 5/ 123؛ والجني الداني ص504؛ وجواهر الأدب ص317؛ وخزانة الأدب 1/ 212؛ والدرر 3/ 140؛ وشرح التصريح 2/ 21؛ وشرح شواهد الإيضاح ص310؛ وشرح شواهد المغني 2/ 755؛ وشرح المفصل 2/ 121، 6/ 33؛ والمقاصد النحوية 3/ 321؛ والمقتضب 2/ 176؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص303؛ وأوضح المسالك 2/ 61؛ والدرر 6/ 203؛ ولسان العرب 6/ 67 "خمس"، ومغني اللبيب 1/ 336؛ وهمع الهوامع 1/ 216، 2/ 150.
582- عجزه:
وليدًا وكهلًا حيث شبت وأمردا
والبيت من الطويل، وهو للأعشى في ديوانه ص185؛ وتذكرة النحاة ص 589؛ 632؛ والدرر 3/ 139؛ وشرح التصريح 2/ 21؛ وشرح شواهد المغني 2/ 577، 757؛ والمقاصد النحوية 3/ 60، 326؛ وبلا نسبة في وأضح المسالك 3/ 63؛ ومغني اللبيب 2/ 336؛ وهمع الهوامع 1/ 216.(2/342)
وإن يجرا في مضي فكمن ... هما وفي الحضور معنى في استبن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمشهور أنهما حنيئذ ظرفان مضافان إلى الجملة، وقيل: إلى زمن مضاف إلى الجملة، وقيل: مبتدآن فيجب تقدير زمن مضاف إلى الجملة يكون هو الخبر "وإن يجرا"، فهما حرفا جر ثم إن كان ذلك "في مضي فكمن هما" في المعنى نحو ما رأيته مذ يوم الجمعة، ومنذ يوم الجمعة أي من يوم الجمعة، "وفي الحضور معنى في استبن" بهما نحو ما رأيته مذ يومنا، أو منذ يومن أي في يومنا هذا من المعرفة كما رأيت، فإن كان المجرور بهما نكرة، كانا بمعنى من وإلى معًا كما في المعدود، نحو ما رأيته مذ أو منذ يومين، وكونهما إذا جرا حرفي جر هو ما ذهب إليه الأكثرون، وقيل: هما ظرفان منصوبان بالفعل قبلهما.
تنبيهات: الأول أكثر العرب على وجوب جرهما للحاضر، وعلى ترجيح جر منذ للماضي على رفعه كقوله:
583- وربع عفت آثاره منذ أزمان
وعلى ترجيح رفع مذ للماضي على جره، فمن القليل فيها قوله:
584- لمن الديار بقنة الحجر ... أقوين مذ حجج ومذ دهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سنة على الخلاف يقال: أيفع الغلام فهو يافع، ولا يقال: موفع وإن كان هو القياس. قوله: "وقيل إلى زمن مضاف إلى الجملة"، انظر ما الداعي لتقدير الزمن على هذا القول مع كونهما ظرفين. قوله: "وقيل مبتدآن" هذا القول مقابل المشهور، وليس معطوفًا على قيل الذي قبله شمني. قوله: "يكون هو الخبر"، أي لتوقف صحة الإخبار عليه حينئذٍ. قوله: "فكمن" أي الابتدائية. قوله: "معنى في استبن"، أي اطلب بيان معنى في وهو الظرفية، والدلالة عليه بهما. قوله: "نكرة" أي معدودة إذ لا يجوز مذ يوم، كما تقدم أول الباب، ولا ينافيه ما في البيت الآتي ومذ دهر؛ لأنه متعدد في المعنى، وبهذا يعلم أن الكاف في قول الشارح، كما في المعدود استقصائية وفي نسخ، فإن كان المجرور بهما نكرة معدودًا كانا بمعنى من وإلى معًا، نحو مذ يومين وهو واضح.
قوله: "نحو ما رأيته مذ أو منذ يومين"، فالمعنى ما رأيته من ابتداء هذه المدة إلى انتهائها. قوله: "وربع عفت آثاره"، أي ومنزل اندرست علاماته. وقوله منذ أزمان قال سم: لعل هذا من العدد
__________
583- صدره:
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان
والبيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص89؛ والدرر 3/ 142؛ وشرح التصريح 2/ 17؛ وشرح شواهد المغني 1/ 374، 2/ 750؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 49؛ ومغني اللبيب 1/ 335؛ وهمع الهومع 1/ 217.
584- البيت من الكامل، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص86؛ والأزهية ص283؛ وأسرار العربية ص273؛ والأغاني 6/ 86؛ والإنصاف 1/ 371؛ وخزانة الأدب 9/ 439، 440؛ والدرر 3/ 142؛ وشرح =(2/343)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الثاني أصل مذ منذ بدليل رجوعهم إلى ضم الذال من مذ عند ملاقاة الساكن نحو مذ اليوم، ولولا أن الأصل الضم لكسروا؛ ولأن بعضهم بقول مذ زمن طويل، فيضم مع عدم الساكن، وقال ابن ملكون: هما أصلان؛ لأن لا يتصرف في الحرف وشبهه، ويرده تخفيفهم إن وكأن ولكن ورب. وقال المالقي: إذا كانت مذ اسمًا، فأصلها منذ أو حرفًا فهي أصل. الثالث بقي من الحرف رب، وهي للتكثير كثيرًا وللتقليل قليلًا: فالأول كقوله -صلى الله عليه وسلم: "يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة"، وقول بعض العرب عند انقضاء رمضان: يا رب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فتكون بمعنى من وإلى معًا. قوله: "بقنة الحجر" القنة بضم القاف، وتشديد النون أعلى الجبل، والمراد بالحجر بكسر الحاء حجر ثمود. وأقوين أي خلون حال من الديار بتقدير قد، والحجج بالكسر السنون. قوله: "رجوعهم إلى ضم الذال"، أي على الأشهر وجاء كسرها عند ملاقاة الساكن لا يقال: يحتمل أن الضم لكراهة الكسر بعد الضم؛ لأنا نقول هذا الكسر عارض مثل: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] ، فلا يكره نعم قد يقال الضم اتباع للميم لا رجوع إلى الأصل. قوله: "ولأن بعضهم يقول مذ إلخ"، قد يقال: الضم اتباع. قوله: "ملكون" قال شيخنا السيد: بضم الميم، وسكون اللام وضم الكاف. قوله: "في الحرف وشبهه"، قال الشارح عند قول المصنف:
حرف وشبهه من الصرف برى
ما نصه: المراد بشبه الحرف الأسماء المبنية، والأفعال الجامدة، وذلك عسى وليس ونحوهما، فإنها تشبه الحرف في الجمود. ا. هـ. قوله: "ويرده تخفيفهم أن إلخ" أي، وهذا التخفيف تصرف جرى في الحرف شذوذًا، كما سيذكره الشارح في أول باب التصريف، فليكن تخفيفهم منذ من هذا القبيل، قوله: "المالقي" نقل شيخنا السيد أنه بفتح اللام. قوله: "بقي من الحروف رب" أي بقي من معاني الحروف معنى رب، وأما نفس رب، فقد ذكرها المصنف، ولعل المصنف لم يذكر معناها لما فيه من الخلاف، فقيل التكثير دائمًا، وقيل: التقليل دائمًا وعزى إلى الأكثرين وقيل: التكثير كثيرًا والتقليل قليلًا، وقيل: العكس. قوله: "يا رب كاسية" أي مكتسية يقال: كسى بكسر السين يكسى بفتحها، فهو كاس ويا للتنبيه أو النداء، والمنادى محذوف وفي الدنيا ظرف لغو متعلق بكاسية، وعارية خبر المبتدأ الذي هو كاسية هذا هو الظاهر المتجه، وقول البعض كاسية مبتدأ، وفي الدنيا صفته وعارية خبره أو الظرف خبر وعارية خبر بعد خبر ركيك بوجهيه أما الأول؛ فلأن جعل في الدنيا ظرفًا مستقرًا صفة كاسية غير صريح في كون اكتسائها في الدنيا الذي هو المراد، وأما الثاني؛ فلأن المقصود من الحديث الإخبار عن الكاسية في الدنيا بأنها عارية يوم القيامة لا الإخبار عن الكاسية بأنها في الدنيا، كما لا يخفى على أحد، وجوّز البعض في عارية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= التصريح 2/ 17؛ وشرح شواهد المغني 2/ 750؛ وشرح عمدة الحافظ ص264؛ وشرح المفصل 4/ 93، 8/ 11؛ والشعر والشعراء 1/ 145؛ ولسان العرب 3/ 421 "منن"، 4/ 170 "هجر"؛ والمقاصد النحوية 3/ 312؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 48؛ وجواهر الأدب ص270؛ ورصف المباني ص320؛ ومغني اللبيب 1/ 335؛ وهمع الهوامع 1/ 217.(2/344)
وبعد من وعن وباء زيد ما ... فلم يعق عن عمل قد علما
وزيد بعد رب والكاف فكف ... وقد يليهما وجر لم يكف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صائمه لن يصومه وقائمه لن يقومه. والثاني كقوله:
585- ألا رب مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان
"وبعد من وعن وباء زيد ما فلم يعق عن عمل قد علما"، لعدم إزالتها الاختصاص نحو: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25] ، {عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] ، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمرن: 159] ، "وزيد بعد رب والكاف فكف"، عن الجر غالبًا وحيئنذ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجر صفة لكاسية على اللفظ، والرفع صفة لها على المحل، والنصب على الحال المنتظرة من الضمير في كاسية، والخبر على الثلاثة محذوف أي ثابتة، وفي الأخير نظر؛ لأن صاحب الحال لا يقدر العري، فكيف تكون عارية حالًا منتظرة إلا أن يجعل المعنى مقدرًا عريها بزنة المفعول، لا مقدر عريها بزنة الفاعل. وإنما كانت ربّ في الحديث للتكثير؛ لأنه مسوق للتخويف والتقليل لا يناسبه، وكذا قول بعض العرب.
قوله: "يا رب صائمه إلخ" استدل به الكسائي على إعمال اسم الفاعل ماضيًا، إذ لو لم يكن عاملًا النصب في ضمير رمضان، لكانت إضافته إليه محضة؛ لأنها إضافة وصف إلى غير معموله، فتفيد التعريف مع أن رب لا تجر المعرفة، وقد يجاب بأنه حكاية حال ماضية بلفظ حكايتها قبل مضيها، فاسم الفاعل غير ماض تنزيلًا، وقوله: لن يصومه، ولن يقومه عبر بلن الاستقبالية؛ لأن المراد لن يجوز ثواب صيامه، وقيامه يوم القيامة، أو لن يعيش إلى صيام مثله وقيامه. قوله: "ألا رب مولود، وليس له أب" هو عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام، وقوله: وذي ولد إلخ هو آدم عليه الصَّلاة والسَّلام، وضمير لم يلده إلى ذي ولد، وأصله لم يلده بكسر اللام، وسكون الدال فسكنت اللام تشبيهًا بتاء كتف فالتقى ساكنان، فحركت الدال بالفتح اتباعًا للياء أو بالضم اتباعًا للهاء كذا في التصريح وغيره، وعندي أنه يجوز التحريك بالكسر على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، قوله: "فلم يعق إلخ" نقل في الهمع أن ما تكف بقلة الباء، ومن ويدخلان حينئذٍ على الفعل. قوله: "نحو مما خطاياهم إلخ"، فخطاياهم مجرورة بكسرة مقدرة بدليل ظهورها في القراءة الثانية خطيآتهم، ولو مثل بها لكان أظهر، ولا يقدح في هذا المثال، وما بعده احتمال ما للاسمية بمعنى شيء، فيكون ما بعدها بدلًا؛ لأن المثال يكفيه الاحتمال. قوله: "وزيد بعد رب
__________
585- البيت من الطويل، وهو لرجل من أزد السراة في شرح التصريح 2/ 18؛ وشرح الإيضاح ص257؛ وشرح شواهد الشافية ص22؛ والكتاب 2/ 266، 4/ 115؛ وله أو لعمرو الجنبي في خزانة الأدب 2/ 381؛ والدرر 1/ 173، 174؛ وشرح شواهد المغني 1/ 398؛ والمقاصد النحوية 3/ 354؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 19؛ وأوضح المسالك 3/ 51؛ والجني الداني ص441؛ والخصائص 2/ 333؛ والدرر 4/ 119؛ ورصف المباني ص189؛ وشرح المفصل 4/ 48. 9/ 126؛ والمقرب 1/ 199؛ ومغني اللبيب 1/ 135؛ وهمع الهوامع 1/ 54، 2/ 26.(2/345)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يدخلان على الجمل كقوله:
586- ربما الجامل المؤبل فيهم ... وعناجيج بيهن المهار
وكقوله:
587- كما الحبطات شر بني تميم
"وقد تليهما وجر لم يكف" كقوله:
588- ربما ضربة بسيف صقيل ... بين بصري وطعنة نجلاء
وكقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلخ" قد يفرق بين رب والكاف، وبين الثلاثة قبلها بأن اختصاصها بالأسماء أقوى لجرها كل اسم بخلاف رب والكاف، فإنهما يجران بعض الأسماء فلضعفهما بما ذكر كفًا عن العمل بخلافهما سم. قوله: "فكف" أنكر أبو حيان كف الكاف بما، وأوّل ما يوهم ذلك بجعل ما مصدرية منسبكة مع الجملة بعدها بمصدر بناء على جواز وصلها بالاسمية همع. قوله: "ربما الجامل المؤبل" الجامل بالجيم القطيع من الإبل، والمؤبل بالموحدة المعدّ للقنية. والعناجيج بعين مهملة، وجيمين الخيل الجياد، والمهار بكسر الميم جمع مهر بضمها، وهو ولد الفرس والأنثى مهرة، وفيهم خبر الجامل، وحذف خبر عناجيج لعلمه من خبر الجامل، قوله: "كما الحبطات" جماعة من تميم سموا باسم أبيهم الحبط بفتح فكسر وبفتحتين، وهو الحرث بن مالك بن عمرو، وسمي بذلك لأكله نباتًا بالبادية يسمى الذرق، وهو الحندقوق فانتفخ بطنه وانتفاخ البطن من أكله يسمى الحبط
__________
586- البيت من الخفيف، وهو لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص316؛ والأزهية ص94؛ 266؛ وخزانة الأدب 9/ 586، 588؛ والدرر 4/ 124؛ وشرح شواهد المغني 1/ 405؛ وشرح المفصل 8/ 29، 30؛ ومغني اللبيب 1/ 137؛ والمقاصد النحوية 3/ 328؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 71؛ والجني الداني ص448، 455؛ وجواهر الأدب ص368؛ والدرر 4/ 250؛ وشرح التصريح 2/ 22؛ وشرح ابن عقيل ص370؛ وهمع الهوامع 2/ 26.
587- صدره:
فإن الخمر من شر المطايا
والبيت من الوافر، وهو لزياد الأعجم في ديوانه ص97؛ والأزهية ص77؛ وخزانة الأدب 10/ 204، 206، 208، 211، 213؛ والمقاصد النحوية 3/ 346؛ وبلا نسبة في الحيوان 1/ 363؛ وشرح ابن عقيل ص370.
588- البيت من الخفيف، وهو لعدي بن الرعلاء في الأزهية ص82، 94؛ والاشتقاق ص486؛ والأصمعيات ص152؛ والحماسة الشجرية 1/ 194؛ وخزانة الأدب 9/ 582، 585؛ والدرر 4/ 205؛ وشرح التصريح 2/ 21؛ وشرح شواهد المغني ص725؛ ومعجم الشعراء ص252؛ أوضح المسالك 3/ 65؛ والجني الداني ص456؛ ورصف المباني ص194، 316؛ ومغني اللبيب ص137؛ وهمع الهوامع 2/ 38.(2/346)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
589- وننصر مولانا ونعلم أنه ... كما الناس مجروم عليه وجارم
تنبيه: الغالب على رب المكفوف بما أن تدخل على فعل ماض كقوله:
590- ربما أوفيت في علم
وقد تدخل على مضارع نزل منزلته لتحقق وقوعه نحو: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بفتحتين، والمنتفخ بطنه منه يسمى الحبط بفتح فكسر، فلهذا لقب بذلك. من القاموس والعيني. وبهذا يعلم ما في كلام البعض من الخطأ. قوله: "بين بصرى" أي بين جهاتها، فحصل التعدد الذي تقتضيه بين، وهي من أرض الشام، وقوله: وطعنة نجلاء أي واسعة عطف على ضربة. قوله: "وننصر مولانا" لعل المراد به مولى الموالاة، وقوله: مجروم عليه وجارم من الجرم بضم الجيم، وهو الذنب أي مذنب عليه، ومذنب ويروى مظلوم عليه وظالم. قوله: "الغالب على رب المكفوفة بما" مثلها غير المكفوفة، فإن الغالب في العامل بعدها كونه فعلًا ماضيًا كما في المغني، وقال في الهمع: والأصح أن رب تتعلق بالعامل الذي يكون خبرًا لمجرورها، أو عاملًا في موضعه أو مفسرًا له، ويجب كونه أي العامل الذي تتعلق به رب ماضيًا معنى قاله المبرد، والفارسي وابن عصفور. وقال أبو حيان: أنه المشهور عند الأكثرين. وقيل: يأتي حالًا أيضًا قاله ابن السراج قيل: ويأتي مستقبلًا أيضًا قاله ابن مالك. ا. هـ. مع حذف وترجيحه تعلق رب سيجري الشارح على خلافه، وقوله: أو مفسرًا له فيه نظر إذ الظاهر أن تعلقها في صورة الاشتغال بالعامل المحذوف لا بالمذكور المفسر له. قوله:
"على فعل ماض" أي حقيقة لا تنزيلًا؛ لأن دخولها على الماضي تنزيلًا من جملة المقابل للغالب، كما سيصنع الشارح. قوله: "ربما أوفيت في علم" أي نزلت على جبل. قوله: "نزل منزلته إلخ" حاصل
__________
589- البيت من الطويل، وهو لعمرو بن براقة في أمالي القالي 2/ 122؛ والدرر 4/ 210؛ وسمط اللآلي ص749؛ وشرح التصريح 2/ 21؛ وشرح شواهد المغني 1/ 202، 500، 2/ 725، 778؛ والمؤتلف والمختلف ص67؛ والمقاصد النحوية 3/ 332؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 97؛ والجني الداني ص166، 482؛ وجواهر الأدب ص133؛ وخزانة الأدب 10/ 207؛ والدرر 6/ 81؛ وشرح ابن عقيل ص371؛ ومغني اللبيب 1/ 65؛ وهمع الهوامع 2/ 38، 130.
590- عجزه:
ترفعن ثوبي شمالات
البيت من المديد، وهو لجذيمة الأبرش في الأزهية ص94، 265؛ والأغاني 15/ 257؛ وخزانة الأدب 11/ 404؛ والدرر 4/ 204؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 281؛ وشرح التصريح 2/ 22؛ وشرح شواهد الإيضاح ص219؛ وشرح شواهد المغني ص393؛ والكتاب 3/ 518؛ ولسان العرب 3/ 32 "شيخ" 11/ 366 "شمل"؛ والمقاصد النحوية 3/ 344، 4/ 328؛ ونوادر أبي زيد ص210؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص293، 366، 368؛ وأوضح المسالك 3/ 70؛ والدرر 5/ 162؛ ورصف المباني ص235؛ وشرح التصريح 2/ 206؛ وشرح المفصل 9/ 40؛ وكتاب اللامات ص111؛ ومغني اللبيب ص135، 137، 309؛ والمقتضب 3/ 15؛ والمقرب 2/ 74؛ وهمع الهوامع 2/ 38، 78.(2/347)
وحذفت رب فجرت بعد بل ... والفا وبعد الواو شاع ذا العمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الحجر: 2] ، وندر دخولها على الجملة الاسمية كقوله:
ربما الجامل المؤبل فيهم
حتى قال الفارسي يجب أن تقدر ما اسمًا مجرورًا بمعنى شيء، والجامل خبر لضمير محذوف، والجملة صفة ما: أي رب شيء هو الحامل المؤبل: "وحذفت رب" لفظًا "فجرت" منوبة "بعد بل وألفا" لكن على قلة كقوله:
591- بل بلد ملء الفجاج قتمه ... لا يشتري كتانه وجهرمه
وقوله:
592- بل بلد ذي صعد وأصباب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما أشار إليه الشارح أن يود مستقبل حقيقة؛ لأنه في يوم القيامة لكن لما كان معلومًا لله تعالى نزل منزلة الماضي بجامع التحقق في كل، واعلم أن عبارة الشارح هي عبارته التوضيح بعينها، فزعم البعض أنه لم يعتدّ بقيد
التنزيل في التوضيح باطل، ونقله عن التوضيح عبارة ليست عبارته تقوّل فاضح، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قوله: "حتى قال الفارسي" غاية لقوله وندر. قوله: "والجملة صفة ما"، وفيهم متعلق بحال محذوفة أي رب شيء هو الجامل المؤبل كائنًا فيهم، وإنما قدّر الفارسي ضميرًا محذوفًا، ولم يجعل الجملة على حالها صفة لما ليحصل الربط بين الصفة والموصوف. تصريح. قوله: "أي رب شيء إلخ"، وعلى هذا تكتب ما مفصولة من رب بخلاف ما الكافة، فإنها تكتب موصولة.
قوله: "بعد بل والفا" قيل: وبعد ثم. همع. قوله: "ملء الفجاج" بكسر الفاء جمع فج، وهو الطريق الواسع. والقتم بفتحتين والقتم بفتح وسكون والقتام كسحاب الغبار. وقوله: لا يشتري كتانه وجهرمه أي جهرميه بحذف ياء النسب للضرورة، والمراد به البسط المنسوبة إلى جهرم بفتح الجيم قرية بفارس، وقيل: الجهرم البساط من الشعر، والجمع جهارم وجواب رب قطعت في بيت بعد. من شرح شواهد المغني للسيوطي. قوله: "ذو صعد" بضمتين جمع صعود بفتح الصاد العقبة، وأضباب جمع ضب وهو الحيوان المعروف، والباء الواقعة رويا في هذا البيت يجب إسكانها كما
__________
591- الرجز لرؤية في ديوانه ص150؛ والدرر 1/ 114، 4/ 194؛ وشرح شواهد الإيضاح ص376، 431؛ 440؛ وشرح شواهد المغني 1/ 347؛ ولسان العرب 11/ 654 "ندل"، 12/ 111 "جهرم"؛ والمقاصد النحوية 3/ 335؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص225؛ وجواهر الأدب ص529؛ ورصف المباني ص 156؛ وشرح شذور الذهب ص417؛ وشرح ابن عقيل ص373؛ وشرح عمدة الحافظ ص273؛ وشرح المفصل 8/ 105؛ ومغني اللبيب 1/ 112؛ وهمع الهوامع 2/ 36.
592- الرجز لرؤية في ديوانه ص6؛ وخزانة الأدب 10/ 32، 33؛ ولسان العرب 1/ 517 "صبب"؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 1/ 403 "وفيه وآكام" مكان "وأسباب"؛ ومغني اللبيب 1/ 136 "وفيه وآكام" مكان "وأصباب".(2/348)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
593- فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
وقوله:
594- فخور قد لهوت بهن عين
"وبعد الوو شاع ذا العمل" بكثرة كقوله:
595- وليل كموج البحر أرخى سدوله
تنبيهات: الأول قد يجر بها محذوفة بدون هذه الأحرف كقوله:
596- رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الحياة من جلله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا يخفى على من له إلمام بفن العروض. قوله: "فمثلك حبلى" خص الحبلى والمرضع بالذكر؛ لأنهما أزهد النساء في الرجال. وقوله: قد طرقت أي أتيتها ليلًا. قوله: "فحور" جمع حوراء وهي شديدة سواد العين مع شدة بياضها، وعين جمع عيناء وهي الواسعة العين. قوله: "وليل كموج البحر" أي في كثافته وظلمته. والسدول الستور والابتلاء الاختبار. قوله: "رسم دار" أي رب رسم
__________
593- عجزه:
فألهيتها عن ذي تمائم مغيل
والبيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص12؛ والأزهية ص244؛ والجني الداني ص75؛ وجواهر الأدب 63؛ وخزانة الأدب 1/ 334؛ والدرر 4/ 193؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 450؛ وشرح شذور الذهب ص416؛ وشرح شواهد المغني 1/ 402، 463؛ والكتاب 2/ 163؛ ولسان العرب 8/ 126، 127 "رضع" 11/ 511 "غيل"؛ والمقاصد النحوية 3/ 336؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 73؛ ورصف المباني ص387؛ وشرح ابن عقيل ص372؛ ومغني اللبيب 1/ 136، 161؛ وهمع الهوامع 2/ 36.
594- عجزه:
نواعم في المروط وفي الرياط
والبيت من الوافر، هو للمتنخل الهذلي في شرح أشعار الهذليين 3/ 1267؛ وشرح شواهد الإيضاح ص385؛ وشرح عمدة الحافظ ص273؛ وللهذلي في الجني الداني ص75؛ وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 380؛ وجمهرة اللغة ص761؛ وشرح المفصل 2/ 118. 8/ 53.
595- عجزه:
علي بأنواع الهموم ليبتلي
والبيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص18؛ وخزانة الأدب 2/ 326؛ 3/ 271؛ وشرح شواهد المغني 2/ 574؛ 272؛ وشرح عمدة الحافظ ص272؛ والمقاصد النحوية 3/ 338؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 75؛ وشرح شذور الذهب ص415.
596- البيت من الخفيف، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص189؛ والأغاني 8/ 94؛ وأمالي القالي 1/ 246؛ وخزانة الأدب 10/ 20؛ والدرر 4/ 48، 199؛ وسمط اللآلي ص557؛ وشرح التصريح 2/ 23؛ وشرح شواهد المغني 1/ 395، 403؛ ولسان العرب 11/ 120 "جلل"؛ ومغني اللبيب ص121؛ والمقاصد=(2/349)
وقد يجر بسوى رب لدى ... حذف وبعضه يرى مطردًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو نادر. وقال في التسهيل: تجر رب محذوف بعد الفاء كثيرًا، وبعد الواو أكثر وبعد بل قليلًا، ومع التجرد أقل. ومراده بالكثرة مع الفاء الكثرة النسبية أي كثير بالنسبة إلى بل. الثاني قال في التسهيل: وليس الجر بالفاء وبل باتفاق. وحكى ابن عصفور أيضًا الاتفاق، لكن في الارتشاف: وزعم بعض النحويين أن الجر هو بالفاء، وبل لنيابتهما مناب رب، وأما الواو، فذهب الكوفيون والمبرد إلى أن الجر بها، والصحيح أن الجر برب المضمرة، وهو مذهب البصريين "وقد يجر بسوى رب" من الحروف "لدى حذف"، وهذا بعضه يرى غير مطرد يقتصر فيه على السماع، وذلك كقول رؤبة، وقد قيل له: كيف أصبحت؟ قال خير عافاك الله. التقدير على خير وقوله:
597- أشارت كليب بالأكف الأصابع
وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دار ورسم الدار ما كان من آثارها لاصقًا بالأرض، كالرماد والطلل ما شخص من آثارها كالوتد والأثافي، وقوله: من جلله بفتح الجيم واللام الأولى أي من أجله، أو من عظيم شأنه؛ لأن الجلل يطلق بمعنى أجلّ وعظيم، وحقير وأما جلل بالبناء على السكون، فحرف بمعنى نعم من المغني، وشرح شواهده للسيوطي. قوله: "وهو نادر" أي جدًا كما يدل عليه ما بعده.
قوله: "كثير بالنسبة إلى بل"، أي وإن كان قليلًا بالنسبة إلى الواو، فلا ينافي قول الشارح سابقًا، لكن على قلة. قوله: "لكن في الارتشاف إلخ" يجاب بأن المصنف، وابن عصفور لم يعتدا بالمخالف لشذوذه فحكيا الاتفاق. قوله: "والصحيح أن الجر برب المضمرة"؛ لأنه لم يعهد الجر ببل والفاء أصلًا، ولا بالواو إلا في القسم. قوله: "وهذا" أي الجر بسوى رب لدى الحذف. قوله: "كقول رؤبة" بضم الراء، وسكون الهمزة ابن العجاج بن رؤبة كان من فصحاء العرب، قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= النحوية 3/ 339؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 77؛ والإنصاف 1/ 378؛ والجني الداني ص454، 455؛ والخصائص 1/ 285/ 3/ 150؛ ورصف المباني ص156/ 191/ 254/ 528؛ وسر صناعة الإعراب ص1/ 133؛ وشرح ابن عقيل ص373؛ وشرح عمدة الحافظ ص274؛ وشرح المفصل 3/ 28، 79، 8/ 52؛ ومغني اللبيب ص136؛ وهمع الهوامع 2/ 37.
597- صدره:
إذا قيل: أي الناس شر قبيلة
والبيت من الطويل، وهو للفرزدق في ديوانه 1/ 420؛ وتخليص الشواهد ص504؛ وخزانة الأدب 9/ 113، 115؛ والدرر 4/ 191؛ وشرح التصريح 1/ 312؛ وشرح شواهد المغني 1/ 12؛ والمقاصد النحوية 2/ 542؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 178؛ وخزانة الأدب 10/ 41؛ والدرر 5/ 185؛ وشرح ابن عقيل ص374؛ ومغني اللبيب 1/ 61، 2/ 643؛ وهمع الهوامع 2/ 36، 81.(2/350)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
598- حتى تبذخ فارتقى الأعلام
أي إلى كليب وإلى الأعلام "وبعضه يرى مطردًا" وذلك في ثلاثة عشر موضعًا الأول لفظ الجلالة في القسم دون عوض نحو الله لأفعلن. الثاني بعدكم الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر نحو بكم درهم اشتريت أي من درهم خلافًا للزجاج في تقديره الجر بالإضافة كما يأتي في بابها. الثالث في جواب ما تضمن مثل المحذوف نحو زيد في جواب بمن مررت. الرابع في المعطوف على ما تضمن مثل المحذوف بحرف متصل نحو: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الجاثية: 4] ، أي وفي اختلاف الليل. وقوله:
599- أخلق بدي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجأ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"التقدير على خير" أي أو بخير كما في التصريح. قوله: "حتى تبذخ" أي تكبر والأعلام الجبال. قوله: "وذلك" أي البعض الذي يرى مطردا من الجر بسوى رب لدى الحذف. قوله: "دون عوض" أي من حرف القسم المحذوف وقيد بذلك ليكون من الجر بالمحذوف اتفاقا لأنه مع العوض قيل هو الجار كما مر ذلك. قوله: "في جواب ما" أي سؤال تضمن مثل المحذوف أي اشتمل على حرف مثل الحرف المحذوف. قوله: "بحرف متصل" متعلق بالمعطوف وليس الجر بالعطف على خلقكم حتى يقال الجر بفي المذكورة لا المحذوفة لما يلزم عليه من العطف على مفعولي عاملين مختلفين وهو ممنوع على الأصح. المعمولان خلق وآيات والعاملان في والابتداء فعلى ما ذكره الشارح يكون العطف من عطف الجمل.
قوله: "أن يحظى" قال في القاموس الحظوة بالضم والكسر والحظة كعدة المكانة والحظ من الرزق والجمع حظا وحظاء. وحظي كل واحد من الزوجين عند صاحبه كرضي واحتظى وهي حظية كغنية. ا. هـ. ولم أجد فيه ولا في غيره حظي متعديا بالباء فلعله على تضمين معنى ظفر أو تنعم مثلا وقوله ومدمن أي مديم والولوج الدخول. قوله: "أي وبمد من" ولو لم يقدر الباء لزم العطف على معمولي عاملين مختلفين المعمولان ذي وأن يحظى والعاملان الباء وأخلق لكن قد يقال أن يحظى بدل اشتمال من ذي الصبر فالعامل واحد وهو الباء إلا أن يقال العامل في البدل باء أخرى مقدرة على ما رجحه أكثر المتأخرين فالمحذور موجود. قوله: "في المعطوف عليه"
__________
598- صدره:
وكريمة من آل قيس ألفته
والبيت من الكامل، وهو بلا نسبة في الدرر 4/ 192؛ وشرح ابن عقيل ص375؛ ولسان العرب 9/ 9 "ألف"؛ والمقاصد النحوية 3/ 341؛ وهمع الهوامع 2/ 36.
599- البيت من البسيط، وهو لمحمد بن يسير في الأغاني 4/ 40؛ وشرح ديوانه الحماسة للمرزوقي ص1175؛ والشعر والشعراء ص883؛ وبلا نسبة في العقد الفريد 1/ 70.(2/351)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي وبمدمن. الخامس في المعطوف عليه بحرف منفصل بلا كقوله:
600- ما لمحب جلد أن يهجرا ... ولا حبيب رأفة فيجبرا
السادس في المعطوف عليه بحرف منفصل بلو كقوله:
601- متى عذتم بنا ولو فئة منا ... كفيتم ولم تخشوا هوانًا ولا وهنا
السابع في المقرون بالهمزة بعدما تضمن مثل المحذوف، نحو أزيد ابن عمرو استفهامًا لمن قال مررت بزيد. الثامن في المقرون بهلا بعده، نحو هلا دينار لمن قال: جئت بدرهم. التاسع في المقرون بأن بعده، نحو امرر بأيهم أفضل إن زيد وإن عمرو، وجعل سيبويه إضمار هذه الباء بعد أن أسهل من إضمار رب بعد الواو فعلم بذلك اطراده. العاشر في المقرون بفاء الجزاء بعده. حكى يونس مررت برجل صالح إلا صالح فطالح: أي إلا أمرر بصالح فقد مررت بطالح، والذي حكاه سيبويه إلا صالحًا فطالح، وإلا صالحًا فطالحًا، وقدره إلا يكن صالحًا فهو طالح، وإلا يكن صالحًا يكن طالحًا. الحادي عشر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي على ما تضمن مثل المحذوف. قوله: "ما لمحب جلد أن يهجرا" أي قوة للهجر والشاهد في قوله ولا حبيب وقوله فيجبرا بالنصب على إضمار أن. قوله: "ولو فئة" أي ولو بفئة أي ولو عذتم بفئة وعدم صحة كون الجر هنا بالعطف على نا لأن لولا تدخل إلا على الجملة دون المفرد والغالب في مثل هذا النصب كقولهم ائتني بدابة ولو حمارا كما في الهمع. قوله: "بعده" أي بعد ما تضمن مثل المحذوف وكذا الضمير في نظائره الآتية. قوله: "أسهل من إضمار رب إلخ" أي فيكون عملها محذوفة بعد أن أكثر مما ذكر ووجهه كما في زكريا أن أن مختصة بالأفعال وهي قوية الطلب للجار. قوله: "مررت برجل صالح" أي في اعتقادي وقوله إلا صالح أي في نفس الأمر فطالح أي في نفس الأمر فلا تنافي، وليس لفظ صالح الأول في عبارة المرادي والأمر عليها ظاهر. قوله: "إلا صالح فطالح" الشاهد في فطالح وأما جر صالح فمن الموضع التاسع لأنه لم يقيد فيه المقرون بأن بالتكرار ولا بعدم الفصل أفاده شيخنا.
قوله: "أي إلا أمرر بصالح فقد مررت بطالح" قال في التصريح هذا تقدير ابن مالك وقدره سيبويه إلا أكن مررت بصالح فبطالح قيل وتقدير سيبويه هو الصواب لأنك إذا قلت إلا أمرر نقضت أخبارك أولا بالمرور فيما مضى لأن إلا أمرر معناه إلا أمرر فيما يستقبل فلا بد من تقدير الكون أي إلا أكن فيما يستقبل موصوفا بكوني مررت فيما مضى بصالح فأنا قد مررت بطالح. ا. هـ. ملخصا ويمكن حمل تقدير ابن مالك على هذا بأن يجعل معنى إلا أمرر إلا أكن
__________
600- الرجز بلا نسبة في الدرر 4/ 199؛ والمقاصد النحوية 3/ 353؛ وهمع الهومع 2/ 37.
601- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الدرر 4/ 200؛ وهمع الهوامع 2/ 37.(2/352)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لام التعليل إذا جرت كي وصلتها ولهذا تسمع النحويين في نحو جئت كي تكرمني أن تكون كي تعليلية وأن مضمرة بعدها، وأن تكون مصدرية واللام مقدرة قبلها. الثاني عشر مع أن، وأن نحو عجبت أنك قائم وأن قمت على ما ذهب إليه الخليل والكسائي. وقد سبق في باب تعدي الفعل ولزومه. الثالث عشر المعطوف على خبر ليس وما الصالح لدخول الجار. أجاز سيبويه في قوله:
602- بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئًا إذا كان جائيا
الخفض في سابق على توهم وجود الباء في مدرك، ولم يجزه جماعة من النحاة. ومنه قوله:
603- أحقا عباد الله أن لست صاعدا ... ولا هابطًا إلا على رقيب
ولا سالك وحدي ولا في جماعة ... من الناس إلا قيل أنت مريب
وقوله:
604- مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلا ببين غرابها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مررت. قوله: "على ما ذهب إليه الخليل والكسائي" أي من أن أن وصلتها أو أن وصلتها في موضع جر بالحرف المقدر أما على ما ذهب إليه سيبويه فموضعهما نصب بنزع الخافض. قوله: "الصالح لدخول الجار" أي بأن يكون اسما لم ينقض نفيه. قوله: "ولم يجزه جماعة من النحاة" وأما الجر بالمجاورة نحو هذا حجر ضب خرب فأثبته جمهور البصريين والكوفيين في نعت وتوكيد زاد بعضهم وعطف ورده أبو حيان بأنه ضعيف لأنه تابع بواسطة بخلافهما وأما الآية ففي المسح على الخف على قول، وزاد ابن هشام عطف البيان قياسا وسيأتي بسطه في أول النعت. قوله: "مريب" بفتح الميم اسم مفعول. قوله:
__________
602- البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص278؛ وتخليص الشواهد ص512؛ وخزانة الأدب 8/ 492، 496، 552، 9/ 100، 102، 104، والدرر 6/ 163؛ وشرح شواهد المغني 1/ 282؛ وشرح المفصل 2/ 52، 7/ 56؛ والكتاب 1/ 65، 3/ 29، 51، 100، 4/ 160؛ ولسان العرب 6/ 160 "نمش"؛ ومغني اللبيب 1/ 96؛ والمقاصد النحوية 2/ 267، 3/ 351؛ وهمع الهوامع 2/ 141؛ ولصرمة الأنصاري في شرح أبيات سيبويه 1/ 72 والكتاب 1/ 306؛ ولصرمة أو لزهير في الإنصاف 1/ 191؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص154؛ والأشباه والنظائر 2/ 347؛ وجواهر الأدب ص52؛ وخزانة الأدب 1/ 120، 4/ 135، 10/ 293، 315؛ والخصائص 2/ 353، 424؛ وشرح المفصل 8/ 69؛ والكتاب 2/ 155.
603- البيتان من الطويل، وهما لابن الدمينة في ديوانه ص103؛ وشرح ديوانه الحماسة للمرزوقي ص1364.
604- البيت من الطويل، وهو للأخوص "أو الأحوص" الرباحي في الإنصاف ص193؛ والحيوان 3/ 431؛ وخزانة الأدب 4/ 158، 160، 164؛ وشرح شواهد الإيضاح ص589؛ وشرح شواهد المغني ص871؛=(2/353)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:
605- وما زرت ليلى أن تكون حبيبة ... إليَّ ولا دين بها أنا طالبه
تنبيه: لا يجوز الفصل بين حرف الجر ومجروره في الاختيار، وقد يفصل بينهما في الاضطرار بظرف أو مجرور كقوله:
إن عمرًا لا خير في اليوم عمرو
وقوله:
606- وليس إلى منها النزول سبيل
وندر الفصل بينهما في النثر بالقسم، نحو اشتريته بوالله درهم.
خاتمة: يجب أن يكون للجار والظرف متعلق وهو فعل أو ما شبهه أو مؤول بما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"مشائيم" جمع مشئوم وناعب بالعين المهملة أي صائح وبابه ضرب ونفع كما في المصباح والبين البعد وقوله غرابها أي غراب تلك المشائيم. قوله: "وما زرت ليلى إلخ" ينبغي إسقاط هذا البيت إذ ليس فيه ليس ولا ما العاملة عملها بل الجر فيه ليس من جر التوهم أصلا بل الجر فيه بسبب العطف على أن تكون، لأن محله جر باللام المقدرة على ما ذهب إليه الخليل والكسائي، نعم هو من جر التوهم على المذهب الآخر فيمكن أنه مراد الشارح ويكون قوله سابقا ومنه قوله إلخ أي من الجر على التوهم أعم من أن يكون بعد ليس وما أولا فتنبه.
قوله: "يجب أن يكون للجار والظرف متعلق" أي لأن الحرف موضوع لإيصال معنى الفعل إلى الاسم والظرف لا بد له من شيء يقع فيه فالموصل معناه والواقع هو المتعلق. والتحقيق أن ذلك المتعلق إنما يعمل في المجرور وأنه الذي في محل نصب بالمتعلق بمعنى أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
= وشرح المفصل 2/ 52؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 74، 2/ 105؛ والكتاب 1/ 65، 306؛ ولسان العرب 12/ 314 "شأم" والمؤتلف والمختلف ص49؛ وهو للفرزدق في الكتاب 3/ 29؛ وبلا نسبة في أسرار العرب ص155؛ والأشباه والنظائر 2/ 347؛ 4/ 313؛ والخزانة 8/ 295، 554؛ والخصائص 2/ 354؛ وشرح المفصل 5/ 68، 7/ 57؛ ومغني اللبيب ص478؛ والممتع في التصريف ص50.
605- البيت من الطويل، وهو للفرزدق في ديوانه 1/ 84؛ والإنصاف ص395؛ وتخليص الشواهد ص511؛ والدرر 5/ 183؛ وسمط اللآلي ص572؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 103؛ وشرح شواهد المغني ص885؛ والكتاب 3/ 29؛ ولسان العرب 1/ 336 "حنطب"؛ والمقاصد النحوية 2/ 556؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب ص526؛ وهمع الهوامع 2/ 81.
606- صدره:
مخلفة لا يستطاع ارتقاؤها
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الخصائص 2/ 395، 3/ 107؛ ورصف المباني ص255؛ والمقرب 1/ 197.(2/354)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يشبهه أو ما يشير إلى معناه نحو: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] ، {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 3] ، أي وهو المسمى بهذا الاسم، {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم: 2] ، أي انتفى ذلك بنعمة ربك، فإن لم يكن شيء من هذه الأربعة موجودًا في اللفظ قدر الكون المطلق متعلقًا كما تقدم في الخبر والصلة. ويستثنى من ذلك خمسة أحرف: الأول الزائد كالباء في نحو: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الرعد: 43] ، {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [قاطر: 3] . الثاني لعل في لغة عقيل لأنها بمنزلة الزائد ألا ترى أن مجرورها في موضع رفع بالابتداء بدليل ارتفاع ما بعدها على الخبرية. الثالث لولا فيمن قال: لولاي ولولاك ولولاه على قول سيبويه إن لولا جارة فإنها أيضًا بمنزلة لعل في أن ما بعدها مرفوع المحل بالابتداء الرابع رب في نحو رجل صالح لقيت أو لقيته لأن مجرورها مفعول في الأول ومبتدأ في الثاني أو مفعول أيضًا على حد زيدًا ضربته. ويقدر الناصب بعد المجرور لا قبل الجار لأن رب لها الصدر من بين حروف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يقتضي نصبه لو كان متعديا إليه بنفسه فتعلق المجرور به تعلق عمل، وأما الجار فلا عمل للمتعلق فيه ونسبة التعلق إليه مسامحة أو مرادهم تعلق الإيصال لأن الحرف يوصل معاني الأفعال إلى الأسماء فعلم أن المحل للمجرور فقط هذا إذا لم يقعا عوضا عن العامل المحذوف وإلا حكم على محل مجموعهما بإعراب العامل رفعا نحو زيد في الدار أو نصبا نحو خرج زيد بثيابه أو جرا نحو مررت برجل من الكرام أفاده الدماميني وغيره. قوله: "أو ما يشبهه" أي في العمل وهو المشتق والمصدر واسمه وكذا اسم الفعل وإن لم يذكره غير واحد كالبعض. قوله: "أو ما أول بما يشبهه" كلفظ الجلالة فإنه مؤول بالمسمى بهذا الاسم أو بالمعبود. قوله: "أو ما يشير إلى معناه" أي معنى الفعل وسيأتي التمثيل له بما في قوله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم: 2] ، وظاهره أن ما هي المتعلق وهو مبني على جواز التعلق بأحرف المعاني ومذهب الجمهور المنع فعلى مذهبهم المتعلق هو الفعل الذي يسير إليه النافي كما في المغني. قوله: "نحو أنعمت عليهم إلخ" فيه لف ونشر مرتب. قوله: "أي انتفى ذلك" أي الكون مجنونا وهو تفسير لمعنى ما وليس مراده أن المتعلق الفعل الذي دل عليه النافي وإلا لنافي آخر كلامه أوله. قوله: "الأول الزائد" لأنه إنما أتى به للتأكيد لا لربط الفعل بالمفعول لعدم احتياجه إليه في الربط. نعم استثنى من الزائد اللام المقوية فإنه لا مانع من تعليقها بالعامل المقوي لأن زيادتها ليست محضة كما مر عن ابن هشام.
قوله: "بدليل ارتفاع ما بعدها" أي بعد مجرورها ولو قال ما بعده أي بعد المجرور لكان أوضح. قوله: "لأن مجرورها مفعول" أي مفعول فعل يتعدى إليه بنفسه من غير احتياج إلى توسط الحرف وإلا فالمجرور بحرف يتعلق مفعول في المعنى فلا يتم التعليل أفاده سم. قوله: "لا قبل الجار إلخ" أي ولا بين الجار والمجرور لأن الفعل لا يقع بعد رب إلا مكفوفة بما كما مر.(2/355)
حروف الجر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للهمزة في تصيير الفاعل مفعولًا وأكثر تعدي الفعل القاصر نحو ذهبت بزيد بمعنى أذهبته. ومنه: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] ، وقرئ أذهب الله نورهم. السابع التعويض نحو بعت هذا بألف، وتسمى باء المقابلة أيضًا. الثامن الإلصاق حقيقة ومجازًا نحو أمسكت بزيد، ونحو مررت به. وهذا المعنى لا يفارقها، ولهذا اقتصر عليه سيبويه. التاسع المصاحبة نحو: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ} [هود: 48] ، أي معه. العاشر التبعيض نحو: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعض الناس ببعض، وصككت الحجر بالحجر، والأصل دفع بعض الناس بعضًا وصك الحجر الحجر قال الدماميني: ويرد عليه أنه إذا كان الأصل ذلك لم تكن الباء داخلة على ما كان فاعلًا بل على ما كان مفعولًا، فلا يشملها ضابط باء التعدية المتقدم، ولو جعل الأصل دفع بعض الناس بعض، وصك الحجر الحجر بتقديم المفعول لم يرد ذلك. ا. هـ. قوله: "بمعنى أذهبته" ولا فرق بينهما خلافًا لمن فرق باقتضاء ذهبت بزيد المصاحبة في الذهاب بخلاف أذهبت زيدًا، ومما يرده قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] ، وإن أجيب عن الآية بأنه يجوز أن يكون تعالى وصف نفسه بالذهاب على معنى يليق كما وصف نفسه تعالى بالمجيء في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] ؛ لأنه ظاهر البعد. نعم ممن فرق صاحب الكشاف حيث قال: والفرق بين أذهبه، وذهب به أن معنى أذهبه أزاله وجعله ذاهبًا ويقال: ذهب به إذا استصحبه ومضى معه، وذهب السلطان بماله أخذه، ثم قال: والمعنى أخذ الله نورهم وأمسكه. ا. هـ. قال الشمني: ولا يخفى ما في قول الزمخشري، والمعنى إلخ من الجواب عن الآية بحملها على معنى آخر لذهب مع الباء لا محذور في نسبته إلى الله تعالى أصلًا.
قوله: "التعويض إلخ" المناسب لقوله باء البدل أن يقول باء العوض، والفرق بين باء التعويض، وباء البدل كما قاله سم أن في باء التعويض مقابلة شيء بشيء بأن يدفع شيء من أحد الجانبين. ويدفع من الجانب الآخر شيء في مقابلته، وفي باء البدل اختيار أحد الشيئين على الآخر فقط من غير مقابلة من الجانبين، وقيل: باء البدل أعم مطلقًا وهو ما استظهره في الهمع، فتكون هي الدالة على اختيار شيء على آخر أعم من أن يكون هناك مقابلة أولًا، والأول أشهر وأوفق بصنيع الشارح. قوله: "نحو أمسكت بزيد إلخ" فيه لف ونشر مرتب، فمعنى أمسكت بزيد قبضت على شيء من جسمه، أو ما يحسبه من ثوب أو نحوه، ولهذا كان أبلغ من أمسكت زيدًا؛ لأن معناه المنع من الانصراف بأي وجه كان، ومعنى مررت بزيد ألصقت مروري بمكان يقرب منه قاله في المغني، ونازع الدماميني في كون الإلصاق في صورة القبض على نحو الثوب حقيقي، واستظهر أنه مجاز بجعل إلصاق الإمساك بالثوب إلصاقًا بزيد لما بينهما من المجاورة، وقد يعدى المرور بعلى، فتكون للاستعلاء المجازي كأن المارّ بمجاوزته المرور به استعلى عليه. قوله: "وهذا المعنى لا يفارقها" التزامه يحوج في بعض الأماكن إلى تكلف، كما في: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} وبالله لأفعلن. قوله: "نحو اهبط بسلام" ونحو فسبح بحمد ربك بناء على أن المصدر مضاف لمفعوله أي مع حمدك ربك، وقيل: للاستعانة بناء على أنه مضاف لفاعله أي بما حمد الرب به نفسه قاله في المغني.(2/230)
الإضافة:
نونًا تلي الإعراب أو تنونا ... مما تضيف احذف كطور سينا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجر وإنما دخلت في المثالين لإفادة التكثير أو التقليل لا لتعدية عامل. هذا قول الرماني وابن طاهر. وقال الجمهور: هي فيهما حرف جر معد، فإن قالوا إنها عدت الفعل المذكور فخطأ لأنه يتعدى بنفسه ولاستيفائه مفعوله في المثال الثاني. وإن قالوا عدت محذوفًا تقديره حصل أو نحوه ففيه تقدير ما لا حاجة إليه ولم يلفظ به في وقت. الخامس حرف الاستثناء وهو خلا وعدا وحاشا إذا خفضن لما سبق في باب الاستثناء والله تعالى أعلم.
الإضافة:
"نونًا تلي الإعراب" وهي نون المثنى والمجموع على حده وما ألحق بهما "أو تنوينًا" ظاهرًا أو مقدرًا "مما تضيف احذف" كتبت يدا أبي لهب، فيه ثنتا حنظل، وكالمقيمي الصلاة وهذه عشر وزيد، "كطور سينا" ومفاتح الغيب. أما النون التي تليها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "لأن رب لها الصدر" أي صدر جملتها فلا ينافي جواز نحو زيد رب شجاع يغلبه كما أفاده الدماميني. قوله: "وإنما دخلت إلخ" دفع لما يوهمه كون مجرورها مفعولا من أنها معدية. قوله: "فإن قالوا إلخ" وأيضا فلو كان كما يقولون لم يعطف على محل مجرورها رفعا ونصبا في الفصيح، وقد جاء العطف تقول رب رجل وأخاه أكرمت، فيجعلون لها حكم الزائد في الإعراب وإن لم تكن زائدة، ولا يجوز في الفصيح بزيد وأخاء مرتت دماميني. قوله: "فخطأ لأنه يتعدى بنفسه" وأجاب سم بأن تعدي الفعل بنفسه لا يمنع تعديته بحرف الجر إذا قصد معنى لا يحصل بدون تعديه بذلك الحرف كما هنا فإنه لو عدى بنفسه لفات معنى التقليل والتكثير ونظيره أخذت من الدراهم فقد عدى الفعل بمن لإفادة التبعيض وإن كان متعديا بنفسه، على أن من الأفعال ما يتعدى تارة بنفسه وتارة بحرف الجر نحو نصح وشكر. قوله: "ولاستيفائه مفعوله في المثال الثاني" أجاب سم بأن ذلك لا يمنع كونه معمولا لمثله كما في زيدا ضربته.
الإضافة:
هي لغة الإسناد وعرفا نسبة تقييدية بين اسمين توجب لثانيهما الجر أبدا. قال يس وعينها ياء لأنها مشتقة من الضيف لاستناده إلى من ينزل عليه. وقال في شرح الجامع يكفي في إضافة الشيء إلى غيره أدنى ملابسة نحو قوله تعالى: {عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46] ، لما كانت العشية والضحى طرفي النهار صح إضافة أحدهما إلى الآخر. قوله: "نونا" أي نطق بها أو لم ينطق بها كما في لبيك وذوَي مال وذوِي مال. قوله: "تلى الإعراب" أي حرف الإعراب. قوله: "أو مقدرا" وذلك في الاسم الممنوع من الصرف والمانع من ظهوره مشابهة الفعل. قوله: "مما تضيف" أي تريد إضافته. قوله: "احذف" أي إن كان فيه ما ذكر وإلا فلا حذف كما في لدن زيد إلا أن يقدر فيه التنوين وإن كان مبنيا والحسن الوجه إلا أن يدعي أن الإضافة قبل دخول أل(2/356)
والثاني اجرر وانو من أو في إذا ... لم يصلح إلا ذاك واللام خذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
علامة الإعراب فإنها لا تحذف نحو بساتين زيد وشياطين الإنس.
تنبيه: قد تحذف تاء التأنيث للإضافة عند أمن اللبس كقوله:
607- وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
أي عدة الأمر، وقراءة بعضهم: {لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46] ، أي عدته وجعل الفراء منه، {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 3] أقام الصلاة بناء على أنه لا يقال دون إضافة في الإقامة أقام ولا في الغلبة غلب. ا. هـ. "والثاني" من المتضايفين وهو المضاف إليه "اجرر" بالمضاف وفاقًا لسيبويه لا بالحرف المنوي خلافًا للزجاج "وانو" معنى "من أو" معنى "في إذا لم يصلح" ثم "إلا ذاك" المعنى فانو معنى من فيما إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قاله زكريا. قوله: "التي تليها علامة الإعراب" قال البعض تبعا للمصرح هذا مبني على أن الإعراب متأخر عن آخر الكلمة والأصح أنه مقارن له. وقد يقال مراده بتلو علامة الإعراب للحرف تبعيتها له تبعية العارض للمعروض لا تبعيتها له في الوجود اللفظي فالتبعية رتبية لا زمانية فليس كلامه مبنيا على خلاف الأصح. قوله: "قد تحذف تاء التأنيث" أي جوازا فلا يرد على المصنف لأن كلامه في الحذف الواجب الكثير وحذف هذه التاء جائز على قلة حيث أمن اللبس وإلا لم يجز حذفها كما في تمرة وخمسة. ثم هو سماعي وقيل قياسي كذا في النكت ولا يرد على وجوب حذف النون المذكورة قول الشاعر:
لا يزالون ضاربين القبابِ
لما مر أول الكتاب. قوله: "وفاقا لسيبويه" أي والجمهور ومن أدلتهم اتصال الضمير بالمضاف والضمير إنما يتصل بعامله. قوله: "لا بالحرف المنوي" عبارة التصريح لا بمعنى اللام خلافا للزجاج ولا بالإضافة ولا بحرف مقدر ناب عنه المضاف. ا. هـ. وهي تقتضي أن العامل عند الزجاج معنى اللام لا الحرف المقدر ويمكن حمل عبارة الشارح على عبارة التصريح. قوله: "وانو معنى من" أي البيانية كما نقله الإسقاطي عن الجامي أي التي لبيان جنس المضاف ويوجد من كلام الشارح أن بيانها مشوب بتبعيض وهو صحيح وزاد لفظ معنى إشارة إلى أن المراد أن الإضافة على ملاحظة المعنى المذكور لا أن لفظ الحرف مقدر إذ قد لا يصلح الكلام لتقديره. واعلم أنه يصح في الإضافة التي على معنى من اتباع المضاف إليه للمضاف بدلا أو عطف بيان
__________
607- صدره:
إن الخليط أجدوا البين فانجردوا
والبيت من البسيط وهو للفضل بن العباس في شرح الصحيح 2/ 396؛ وشرح شواهد الشافية ص64؛ ولسان العرب 1/ 651 "غلب" 7/ 293 "خلط"؛ والمقاصد النحوية 4/ 572؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 241؛ وأوضح المسالك 4/ 407؛ والخصائص 3/ 171؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 158؛ وشرح عمدة الحافظ ص486؛ ولسان العرب 3/ 462 "وعد"، 7/ 293 "خلط".(2/357)
لما سوى ذينك واخصص أو لا ... أو أعطه التعريف بالذي تلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان المضاف بعضًا من المضاف إليه مع صحة إطلاق اسمه عليه، كثوب خز، وخاتم فضة، التقدير ثوب من خز وخاتم من فضة، ألا ترى أن الثوب بعض الخز والخاتم بعض الفضة، وأنه يقال هذا الثوب خز وهذا الخاتم فضة، وانو معنى في إذا كان المضاف إليه ظرفًا للمضاف نحو مكر الليل أي في الليل "واللام خذا. لما سوى ذينك" إذ هي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ونصبه على الحال أو التمييز. قال يس: والاتباع أقل الأوجه وفي التي على معنى في نصب المضاف إليه على الظرفية. قوله: "إذا لم يصلح إلا ذاك" أي بحسب القصد بأن أريد بيان الظرفية أو الجنس فلا يرد أن التي على معنى من أوفى يصلح أن تكون على معنى لام الاختصاص لأن كلا من الظرف والبعض يصلح فيه معنى لام الاختصاص. وقوله لما سوى ذينك أي بأن لم يرد ما ذكر وبه يعلم أن مثل حصير المسجد يجوز أن يكون على معنى في إن أريد معنى الظرفية وأن يكون على معنى اللام الاختصاصية قاله يس.
قوله: "فيما إذا كان" ما نكرة موصوفة أو اسم موصول وإذا زائدة والجملة بعدها صفة أو صلة والعائد محذوف. قوله: "بعضا" المراد بالبعض ما يعم الجزئي والجزء الخارج بقوله مع صحة إلخ وإنما عممنا لئلا يلزم استدراك قوله مع صحة إلخ قاله سم. قوله: "مع صحة إلخ" فإن فقد الشرطان كثوب زيد وحصير المسجد أو الأول فقط كيوم الخميس أو الثاني فقط كيد زيد فليس على معنى من بل هي في هذه الأمثلة على معنى لام الملك أو لام الاختصاص وبهذا تعلم حكمة تعداد الشارح الأمثلة في قوله نحو ثوب زيد إلخ ومثل بمثالين لما فقد فيه الشرطان ليفيد أن المراد باللام ما يعم لامي الملك والاختصاص ونقل في الهمع عن ابن كيسان والسيرافي أنهما لم يشترطا صحة الإخبار بل اكتفيا بكون المضاف بعضا. قوله: "ظرفا للمضاف" أي زمانيا أو مكانيا حقيقيا أو مجازيا نحو مكر الليل يا صاحبي السجن ألد الخصام قاله شارح الجامع. قوله: "واللام خذا" أي اجعل معنى اللام ملحوظا فيما سوى دينك وليس المراد أن اللام مقدرة في نظم الكلام إذ قد لا يصلح لتقديرها نحو كل رجل فإن معنى اللام ملحوظ فيه لأنه بمعنى أفراد الرجل ولا يصلح نظمه لأن تقدر فيه اللام، ففي الجامي لا يلزم صحة التصريح باللام بل تكفي إفادة مدلولها فقولك يوم الأحد وعلم الفقه وشجر الأراك بمعنى اللام الاختصاصية ولا يصح إظهارها فيه وبهذا الأصل يرتفع الإشكال عن كثير من مواد الإضافة اللامية ولا يحتاج فيه إلى التكلفات البعيدة. ا. هـ. قوله: "لما سوى ذينك" دخل في عمومه الإضافة اللفظية فقد صرح بعضهم كابن جني بأنها على معنى اللام لكن أورد عليه نحو زيد حسن الوجه إذ ليس حسن مضافا إلى الوجه على تقدير حرف بل هو هو كما قاله الدماميني ومن ثم صرح السيوطي في جمع الجوامع بأنها ليست على معنى حرف وحكى الأول بقيل وكونها ليست على معنى حرف هو قضية كلام ابن الحاجب وكلام ابن هشام في القطر أيضا وظهورها في نحو: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107، البروج: 16] ، لا يدل للأول وإن استدل به قائله لأن هذه اللام لام التقوية لا اللام التي الإضافة على معناها كما عرف. قوله: "إذ هي(2/358)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأصل نحو ثوب زيد، وحصير المسجد، ويوم الخميس، ويد زيد.
تنبيهان: الأول ذهب بعضهم إلى أن الإضافة ليست على تقدير حرف مما ذكر ولا نيته. وذهب بعضهم إلى أن الإضافة بمعنى اللام على كل حال. وذهب سيبويه والجمهور إلى أن الإضافة لا تعدو أن تكون بمعنى اللام أو من، وموهم الإضافة بمعنى في محمول على أنها فيه بمعنى اللام توسعا. الثاني اختلف في إضافة الأعداد إلى المعدودات، فمذهب الفارسي أنها بمعنى اللام، ومذهب ابن السراج أنها بمعنى من، واختاره في شرحي التسهيل والكافية فقال بعد ذكر المضاف فيه بعض المضاف إليه مع صحة إطلاق اسمه عليه: ومن هذا النوع إضافة الأعداد إلى المعدودات والمقادير إلى المقدرات، وقد اتفقا فيما إذا أضيف عدد إلى عدد نحو ثلاثمائة على أنها بمعنى من. ا. هـ. "واخصص أولا" من المتضايفين "أو أعطه التعريف بالذي تلا" يعني أن المضاف يتخصص بالثاني إن كان نكرة نحو غلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأصل" قال في الهمع ولهذا يحكم بها عند صحة تقديرها وتقدير غيرها نحو يد زيد يعني إذا لم تقم قرينة على تقدير غيرها وعند امتناع تقديرها وتقدير غيرها نحو عنده ومعه. ا. هـ.
قوله: "ليست على تقدير حرف" شبهته أنه لو كان كذلك لزم مساواة غلام زيد لغلام لزيد في المعنى وليس كذلك إذ معنى المعرفة غير معنى النكرة. وأجيب بمنع لزوم المساواة لأن المراد بكون الإضافة على معنى اللام مثلا أنها ملحوظ فيها معنى اللام ولا يلزم منه مساواة غلام زيد لغلام لزيد في المعنى من كل وجه وقولهم غلام زيد بمعنى غلام لزيد أي من حيث ملاحظة معنى اللام في كل فقط فمرادهم به مجرد تفسير جهة الإضافة في المثال المذكور من الملك أو الاختصاص. قوله: "ولا نيته" عطف تفسير. قوله: "إلى أن الإضافة بمعنى اللام" علل ذلك بأن كلا من الظرف والبعض يصح فيه اعتبار معنى اللام الاختصاصية. قوله: "على كل حال" أي سواء كان المضاف ظرفا أو بعضا أو غيرهما. قوله: "لا تعدو" أي لا تتجاوز. قوله: "وموهم الإضافة بمعنى إلخ" قيل حيث اعتبر معنى اللام الاختصاصية فلا فرق بين التي بمعنى في والتي بمعنى من فلم اعتبر الحمل في الأولى دون الثانية وأجيب بأن التي بمعنى في قليلة فردت الإضافة بمعنى اللام تقليلا للأقسام بخلاف التي بمعنى من فكثيرة فاستحقت قسما مستقلا. قوله: "توسعا" لا حاجة إليه لأن معنى اللام الاختصاصية ظاهر في الظرف. قوله: "في إضافة الأعداد" أي كعشرة رجال وتسع نسوة. قوله: "أنها بمعنى اللام" أي الاختصاصية سم. قوله: "أنها بمعنى من" لا يخفى أنه أظهر، وجوز بعضهم الوجهين لصحة المعنيين أي بحسب القصد على ما مر.
قوله: "والمقادير إلى المقدرات" أي كقفير بر ورطل زيت. قوله: "نحو ثلثمائة" واحتياج صحة إطلاق سم المضاف إليه على المضاف فيما ذكر إلى تأويل مائة بمئات لا يضر. قوله: "على أنها بمعنى من" قيل أي مانع من اعتبار معنى اللام الاختصاصية هنا أيضا. قوله: "واخصص أولا" أي احكم بخصوصه أي قلة اشتراكه فليس المراد بالتخصيص هنا ما يشمل(2/359)