المجلد الأول
مقدمة
النصوص الواردة في "كتاب النحوالوافي/ عباس حسن" ضمن الموضوع "مقدمة الكتاب"
مقدمة الكتاب، ودُستور تأليفه.
بيان هامّ.
1- الحمد لله على ما أنعم، والشكر على ما أوْلَى، والصلاة على أنبيائه ورسله؛ دعاة الهدى، ومصابيح الرشاد. وبعد.
فهذا كتاب جديد فى النحو. والنحو- كما وصفته من قبل1 - دعامة العلوم العربية، وقانونها الأعلى؛ منه تستمد العون، وتستلهم القصد، وترجع إليه فى جليل مسائلها، وفروع تشريعها؛ ولن تجد علماً منها يستقل بنفسه عن النحو، أويستغنى عن معونته، أويسير بغير نوره وهداه.
وهذه العلوم النقلية - على عظيم شأنها - لا سبيل إلى استخلاص حقائقها، والنفاذ إلى أسرارها، بغير هذا العلم الخطير؛ فهل ندرك كلام الله تعالى، ونفهم دقائق التفسير، وأحاديث الرسول عليه السلام، وأصول العقائد، وأدلة الأحكام، وما يتبع ذلك من مسائل فقهية، وبحوث شرعية مختلفة قد ترْقى بصاحبها إلى مراتب الإمامة، وتسموبه إلى منازل المجتهدين - إلا بإلهام النحووإرشاده؟ ولأمرٍ ما قالوا: "إن الأئمة من السلف والخلف أجمعوا قاطبة على أنه شرْط فى رتبة الاجتهاد، وأن المجتهد لوجمع كل العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يعلم النحو، فيعرف به المعانى التى لا سبيل لمعرفتها بغيره. فرتبة الاجتهاد متوقفة عليه، لا تتم إلا به2 ... ".
وهذه اللغة التى نتخذها - معاشر المستعربين - أداة طَيِّعة للتفاهم، ونسخرها مركبًا ذلولا للإبانة عن أغراضنا، والكشف عما فى نفوسنا، ما الذى هيأها لنا، وأقدرنا على استخدامها قدرة الأولين من العرب عليها، ومَكَّن لنا من نظمها
__________
1 في كتاب المسمى: "رأي في بعض الأصول اللغوية والنحوية".
2 الفصل الحادي عشر - باختصار - من كتاب: "لمع الأدلة، في أصول النحو" لأبي البركات كمال الدين بن محمد الأنباري، المتوفي سنة 577 هـ.(1/1)
ونثرها تمكنهم منها، وأطلق لساننا فى العصور المختلفة صحيحًا فصيحًا كما أطلق لسانهم، وأجرى كلامنا فى حدود مضبوطة سليمة كالتى يجرى فيها كلامهم، وإن كان ذلك منهم طبيعة، ومنا تطبعًا؟
إنه: "النحو"؛ وسيلة المستعرب، وسلاح اللغوى، وعماد البلاغىّ، وأداة المشرّع والمجتهد، والمدخل إلى العلوم العربية والإسلامية جميعًا.
فليس عجيباً أن يصفه الأعلام السابقون بأنه: "ميزان العربية، والقانون الذى تُحكَم به فى كل صورة من صورها"1 وأن يفرغ له العباقرة من أسلافنا؛ يجمعون أصوله، ويثبتون قواعده، ويرفعون بنيانه شامخًا، ركينًا، فى إخلاص نادر، وصبر لا ينفد. ولقد كان الزمان يجري عليهم بما يجري على غيرهم؛ من مرض، وضعف، وفقر؛ فلا يقدر على انتزاعهم مما هم فيه، كما كان يقدر على سواهم، ولا ينجح فى إغرائهم بمباهج الحياة كما كان ينجح فى إغراء ضعاف العزائم، ومرضى النفوس، من طلاب المغانم، ورواد المطامع. ولقد يترقبهم أولياؤهم وأهلوهم الساعات الطوال، بل قد يترصدهم الموت؛ فلا يقع عليهم إلا فى حلقة درس، أوقاعة بحث، أوجِلسة تأليف، أوميدان مناظرة، أورحلة مُخْطرة فى طلب النحو. وهوحين يظفر بهم لا ينتزع علمهم معهم؛ ولا يذهب بآثارهم بذهاب أرواحهم؛ إذ كانوا يُعِدون لهذا اليوم عُدته من قبل؛ فيدونون بحوثهم، ويسجلون قواعدهم، ويختارون خلفاء من تلاميذهم؛ يهيئونهم لهذا الأمر العظيم. ويشرفون على تنشئتهم، وتعهد مواهبهم؛ إشراف الأستاذ البارع القدير على التلميذ الوفىّ الأمين. حتى إذا جاء أجلهم ودّعوا الدنيا بنفس مطمئنة، واثقة أن ميدان الإنشاء والتعمير النحوى لم يخل من فرسانه، وأنهم خلَّفوا وراءهم خلفًا صالحًا يسير على الدرب، ويحتذى المثال. وربما كان أسعد حظًّا وأوفر نجحًا من سابقيه، وأسرع إدراكًا لما لم يدركه الأوائل.
على هذا المنهج الرفيع تعاقبت طوائف النحاة، وتوالت زمرهم فى ميدانه، وتلقى الراية نابغ عن نابغ، وألمعىّ فى إثر ألمعىّ، وتسابقوا مخلصين دائبين. فرادى وزَرافات، فى إقامة صرحه، وتشييد أركانه، فأقاموه سامق البناء، وطيد
__________
1 صبح الأعشى.(1/2)
الدعامة، مكين الأساس. حتى وصل إلى أهل العصور الحديثة التى يسمونها: "عصور النهضة"، راسخًا، قويًّا؛ من فرط ما اعتنى به الأسلاف، ووجهوا إليه من بالغ الرعاية؛ فاستحقوا منا عظيم التقدير، وخالد الثناء. وحملوا كثيرًا من علماء اللغة الأجانب على الاعتراف بفضلهم، والإشادة ببراعتهم1 ...
هذه كلمة حق يقتضينا الإنصاف أن نسجلها؛ لننسب الفضل لروّاده، وإلا كنَّا من عصبة الجاحدين، الجاهلين، أوالمغرورين.
2- وليس من شك أن التراث النحوى الذى تركه أسلافنا نفيس غاية النفاسة، وأن الجهد الناجح الذى بذلوه فيه خلال الأزمان المتعاقبة جهد لم يهيأ للكثير من العلوم المختلفة فى عصورها القديمة والحديثة، ولا يقدر على احتمال بعضه حشود من الثرثارين العاجزين، الذين يوارون عجزهم وقصورهم - عَلِمَ الله - بغمز "النحو والصرف" بغير حق، وطعن أئمته الأفذاذ.
بيد أن "النحو"- كسائر العلوم - تنشأ ضعيفة، ثم تأخذ طريقها إلى النمو، والقوة والاستكمال بخطا وئيدة أوسريعة؛ على حسب ما يحيط بها من صروف وشئون. ثم يتناولها الزمان بأحداثه؛ فيدفعها إلى التقدم، والنمو، والتشكل بما يلائم البيئة، فتظل الحاجة إليها شديدة، والرغبة فيها قوية. وقد يعوّقها ويحول بينها وبين التطور، فيضعف الميل إليها، وتفتر الرغبة فيها. وقد يشتط فى مقاومتها؛ فيرمى بها إلى الوراء، فتصبح فى عداد المهملات، أوتكاد.
وقد خضع النحوالعربى لهذا الناموس الطبيعى2؛ فولد فى القرن الأول الهجرى ضعيفا، وحَبَا وئيدًا أول القرن الثانى، وشب -بالرغم من شوائب
__________
1 من ذلك ما قاله العلامة الكبير: "دي بور" في كتابه: تاريخ الفلسفة في الإسلام، ونصه - كما جاء في ترجمة الدكتور محمد أبو ريدة، ص 4-:
"علم النحو أثر رائع من آثار العقل العربي، بما له من دقة في الملاحظة، ومن نشاط في جمع ما تفرق. وهو أثر عظيم يرغم الناظر فيه على تقديره، ويحق للعرب أن يفخروا به."
2 هذا النسب صحيح.(1/3)
خالطته- وبلغ الفتَاء آخر ذلك القرن، وسنوات من الثالث، فلمع من أئمته نجوم زاهرة؛ كعبد الله بن أبى إسحاق، والخليل، وأبى زيد، وسيبويه، والكسائى، والفراء، ونظرائهم من الأعلام، ثم توالت أخلافهم، على تفاوت فى المنهج، وتخالف فى المادة، إلى عصر النهضة الحديثة التى يجرى اسمها على الألسنة اليوم، ويتخذون مطلع القرن التاسع عشر مبدأ لها. فمن هذا المبدأ ألَحَّ الوهن والضعف، على "النحو"، وتمالأت عليه الأحداث؛ فأظهرت من عيبه ما كان مستورًا، وأثقلت من حمله ما كان خِفًّا، وزاحمته العلوم العصرية فقهرته، وخلفتْه وراءها مبهورًا. ونظر الناس إليه فإذا هو فى الساقة من علوم الحياة، وإذا أوقاتهم لا تتسع للكثير بل للقليل مما حواه، وإذا شوائبه التى برزت بعد كمون، ووضحت بعد خفاء - تزهدهم فيه، وتزيدهم نفارًا منه، وإذا النفار والزهد يكران على العيوب؛ فيحيلان الضئيل منها ضخمًا، والقليل كثيرًا، والموهوم واقعًا. وإذا معاهد العلم الحديث تزوَرّ عنه، وتجهر بعجزها عن استيعابه، واستغنائها عن أكثره، وتقنع منه باليسير أوما دون اليسير؛ فيستكين ويخنع.
والحق أن "النحو" منذ نشأته داخلته - كما قلنا - شوائب؛ نمت على مر الليالى، وتغلغلت برعاية الصروف، وغفلة الحراس؛ فشوهت جماله، وأضعفت شأنه، وانتهت به إلى ما نرى.
فلم يبق بد أن تمتد إليه الأيدى البارّة القوية، متمالئة فى تخليصه مما شابه، متعاونة على إنقاذه مما أصابه. وأن تبادر إليه النفوس الوفية للغتها وتراثها؛ المعتزة بحاضرها وماضيها؛ فتبذل فى سبيل إنهاضه، وحياطته، وإعلاء شأنه، ما لا غاية بعده لمستزيد.
ومن كريم الاستجابة أن رأينا فى عصرنا هذا -طوائف من تلك النفوس البارّة الوفية سارعت إلى النجدة؛ كُلٌّ بما استطاع، وبما هوميسر له؛ فمنهم من ذلل للناشئة لغته، أواختصر قاعدته، أوأوضح طريقة تدريسه، أوأراحهم من مصنوع العِلل، وضارّ الخلاف، أوجمع بين مزيتين أوأكثر من هذه المزايا الجليلة الشأن. لكنا -على الرغم من ذلك- لم نرَ من تصدى للشوائب كلها أوأكثرها؛ ينتزعها من مكانها، ويجهز عليها ما وسعته القدرة، ومكنته الوسيلة؛(1/4)
فيربح المعلمين والمتعلمين من أوزارها. وهذا ما حاولته جاهدًا مخلصًا قدر استطاعتى، فقد مددت يدى لهذه المهمة الجليلة، وتقدمت لها رابط الجأش، وجمعت لها أشهر مراجعها الأصيلة، ومظانها الوافية الوثيقة، وضممت إليها ما ظهر فى عصرنا من كتب، وأطلت الوقوف عند هذه وتلك؛ أديم النظر، وأجيل الفكر، وأعتصر أطيب ما فيهما حتى انتهيت إلى خطة جديدة؛ تجمع مزاياهما، وتسلم من شوائبهما، وقمت على تحقيقها فى هذا الكتاب متأنيًا صبورًا. ولا أدري مبلغ توفيقي. ولكن الذى أدريه أني لم أدخر جهدًا، ولا إخلاصًا.
إن تلك الشوائب كثيرة، ومن حق "النحو" علينا -ونحن بصدد إخراج كتاب جديد فيه- أن نعرضها هنا، ونسجل سماتها، ونفصل ما اتخذناه لتدارك أمرها. وهذا كله -وأكثر منه- قد عرضنا له فى رسالة سابقة نشرناها منذ سنوات بعنوان: "رأى فى بعض الأصول اللغوية والنحوية"، ثم أتممناها بمقالات عشر؛ نشرت تباعًا فى مجلة "رسالة الإسلام"، خلال سنتى 1957، 1958م وجاوزت صفحاتها المائة. وقد جعلت من هذه وتلك، ولمحات غيرهما، مقدمة لهذا الكتاب ستنشر مستقلة؛ بسبب طولها، وكثرة ما اشتملت عليه -فى رسالة عنوانها: "مقدمة كتاب النحو الوافى" وهى اليوم فى طريقها للنشر على أن هذا لا يعفينى من الإشارة العابرة إلى الدستور الذى قام عليه الكتاب، والغرض الذى رميت من تأليفه، مستعينًا بخبرة طويلة ناجعة، وتجربة صادقة فى تعليم النحو؛ طالبًا مستوعبًا، ثم تعليمه فى مختلف المعاهد الحكومية مدرسًا، فأستاذًا ورئيسًا لقسم النحووالصرف والعروض بكلية "دار العلوم"، بجامعة "القاهرة"، سنوات طوالًا.
3- وأظهر مواد ذلك الدستور ما يأتي:
1- تجميع مادة "النحو" كله فى كتاب واحد ذي أجزاء أربعة كبار، تحوي صفحاتها وما تضمنته من مسائل كل ما تفرق فى أمهات الكتب، وتغني عنها. على أن يقسم كل جزء قسمين، تقسيمًا فنيًّا بارعًا. أحدهما موجز دقيق يناسب طلاب الدراسات "النحوية والصرفية"، بالجامعات -دون غيرهم- غاية المناسبة، ويوفيهم ما يحتاجون إليه غاية التوفية(1/5)
الحكيمة التى تساير مناهجهم الرسمية، ومكانهُ "أول المسائل"، وصدرها. ويليه الآخر1 -بعد نهاية كل مسألة- بعنوان مستقل هو: "زيادة وتفصيل"؛ ويلائم الأساتذة والمتخصصين أكمل الملائمة وأتمها، فتبتدئ "المسألة" -وبجانبها رقم خاص بها- بتقديم المادة النحوية الصالحة للطالب الجامعيّ، الموائمة لقدرته ومقَرّره الرسمّي، ودرجته فى التحصيل والفهم، مع تَوَخّي الدقة والإحكام فيما يقدم له، نوعًا ومقدارًا. فإذا استوفى نصيبه المحمود انتقلتُ إلى بَسْط يتطلع إليه المتخصص، وزيادة يتطلبها المستكمل. كل ذلك فى إحكام وحسن وتقدير، بغير تكرار، ولا تداخل بين القسمين، أو اضطراب. وبهذا التقسيم والتنسيق يجد هؤلاء وهؤلاء حاجتهم ميسرة، موائمة، قريبة التناول؛ لا يَكُدُّون فى استخلاصها ولا يجهدون فى السعى وراءها فى متاهات الكتب القديمة؛ وقد يبلغون أولًا يبلغون.
2- العناية أكمل العناية بلغة الكتاب وضوحًا، وإشراقًا، وإحكامًا، واسترسالًا؛ فلا تعقيد، ولا غموض، ولا حشو، ولا فضول، ولا توقف لمناقشة لفظ، أو إرسال اعتراض، أوالإجابة عنه؛ ولا حرص على أساليب القدامى وتعبيراتهم. إلا حين تسايرنا فى البيان الأوفى، والجلاء الأكمل.
أما الاصطلاحات العلمية المأثورة فلم أفكر فى تغييرها، إيمانًا واقتناعًا بما سجله العلماء قديمًا وحديثًا من ضرر هذا التغيير الفرديّ، ووفاء بما اشترطوه فى تغيير "المصطلحات"، أن يكون بإجماع المختصين، المشتغلين بالعلم الذى يحويها.
3- اختيار الأمثلة ناصعة، بارعة فى أداء مهمتها؛ من توضيح القاعدة، وكشف غامضها فى سهولة ويسر، واقتراب، لهذا تركت كثيرًا من الشواهد القديمة، المترددة بين أغلب المراجع النحوية؛ لأنها مليئة بالألفاظ اللغوية الصعبة، وبالمعانى البعيدة التى تتطلب اليوم من المتعلم عناء وجهدًا لا يطيقهما، ولا يتسع وقته لشيء منهما. فإن خلَت من هذا العيب، وتجملت بالوضوح والطرافة فقد نستبقيها.
__________
1 في صفحة جديدة، تبدأ بسطر أو سطرين من النقط الأفقية المتقاربة، لتكون رمزًا يميز صحف "الزيادة والتفصيل" من غيرها.(1/6)
والحق أن كثيرًا من تلك الشواهد يحتل المكانة العليا من سمو التعبير، وجمال الأداء، وروعة الأسلوب، وفتنة المعنى. لكنها اختيرت فى عصور تباين عصرنا، ولدواعٍ تخالف ما نحن فيه؛ فقد كانت وسائل العيش حينذاك ميسرة، والمطالب قليلة، والقصد استنباط قاعدة، أو تأييد مذهب. وكان طالب العلم حافظًا القرآن، مستظهرًا الكثير من الأحاديث والنصوص الأدبية، متفرغًا للعلوم العربية والشرعية أوكالمتفرغ. أما اليوم فالحال غير الحال، ووسائل العيش صعبة، والمطالب كثيرة؛ فطالب العلم يمر بهذه العلوم مرًّا سريعًا عابرًا قبل الدراسة الجامعية، فإن قدّر له الدخول فى الجامعة1، انقطعت صلته بتلك العلوم، ولم يجد بينها وبين مناهجه الدراسية سببًا، إلا إن كان متفرغًا للدراسات اللغوية؛ فيزاولها وحصيلته منها ضئيلة، لا تمكنه من فهم دقائقها، ولا ترغبه فى مزيد، وغايته المستقبلة لا ترتبط -فى الغالب- ارتباطًا وثيقًا بالضلاعة فى هذه العلوم، والتمكن منها؛ فمن الإساءة إليه وإلى اللغة أن نستمسك بالشواهد الموروثة، ونقيمها حِجَازًا يصعب التغلب عليه، وإدراك ما وراءه من كريم الغايات.
نعم إنها نماذج من الأدب الرائع؛ ولكن يجب ألا ننسى الغاية إزاء الروعة، أو نُغْفِل القصد أمام المظهر، وإلا فقدنا الاثنين معًا، وفى دروس النصوص الأدبية، وفى القراءة الحرة، والاطلاع على مناهل الأدب الصفو، متسع للأدباء والمتأدبين؛ يشبع رغبتهم، من غير أن يضيع عليهم ما يبغون من دراسة "النحو والصرف" دراسة نافعة، لا تطغى على وقت رصدته النظم التعليمية الحديثة لغيرها، ولا تنتهب جهدًا وقفته الحياة المعاصرة على سواها.
وإن بعض معلمي اليوم ممنَّ يقومون بالتدريس لكبار المتعلمين -لَيُسْرف فى اتخاذ تلك الشواهد مجالًا لما يسميه: "التطبيق النحوي"، ومادة مهيأة لدروسه. وليس هذا من وكْدي2، ولا وكْد من احتشد للمهمة الكبرى، مهمة: "النحو الأصيل" التى تتلخص فى إعداد مادته إعدادًا وافيًا شاملًا، وعرضها عرضًا حديثًا شائقًا، وكتابتها كتابة مشرقة بهية، مع استصفاء أصولها النافعة. واستخلاص قواعدها وفروعها مما ران عليها، وارتفعت بسببه صيحات الشكوى،
__________
1 وهو اليوم من حملة الشهادة الثانوية العامة -غالبًا- أو ما في مستواها.
2 قصدي وغرضي.(1/7)
كل هذا بل بعض هذا - لا يساير ذلك "التطبيق التعليمي"؛ فإنه مدرسيّ موضعي متغير لا يتسم بسمة العموم، أوما يشبه العموم، ولا يثبت على حال. على أن هذا الفريق الذى اختار تلك الشواهد ميدانًا لتطبيقه قد فاته ما أشرنا إليه من حاجتها إلى طويل الوقت، وكبير الجهد فى تيسير صعوباتها اللغوية التى أوضحناها. وطلاب اليوم -خاصة- أشد احتياجًا لذلك الوقت والجهد، كي يبذلوهما فى تحصيل ما يتطلبه مستقبلهم الغامض. كما فاته أن خير التطبيق لكبار الطلاب ما ليس محدد المجال، مصنوع الغرض، متكلف الأداء، كالشواهد التى نحن بصددها. وإن مناقشة لنص أدبي كامل، أو صفحة من كتاب مستقيم الأسلوب، أومقال أدبى -لهي أجدى فى التطبيق، وأوسع إفادة فى النواحي اللغوية المتعددة، وأعمق أثرًا فى علومها وآدابها -من أكثر تلك الشواهد المبتورة المعقدة. فليتنا نلتفت لهذا، وندرك قيمته العملية، فنحرص على مراعاته، ونستمسك باتباعه مع كبار المتعلمين، ولعل هؤلاء الكبار أنفسهم يدركونه ويعملون به، فيحقق لهم ما يبتغون.
على أن لتلك الشواهد خطرًا آخر؛ هى أنها -فى كثير من اتجاهاتها- قد تمثل لهجات عربية متعارضة، وتقوم دليلًا على لغات قديمة متباينة، وتساق لتأييد آراء متناقضة؛ فهى معوان على البلبلة اللغوية، ووسيلة للحيرة والشك فى ضبط قواعدها، وباب للفوضى فى التعبير. وتلك أمور يشكو منها أنصار اللغة، والمخلصون لها.
وعلى الرغم من هذا قد نسجل -أحيانًا مع الحيطة والحذر- بعض الشواهد الغريبة، أو الشاذة، وبعض الآراء الضعيفة، لا لمحاكاتها، ولا للأخذ بها -ولكن ليتنبه لها المتخصصون، فيستطيعوا فهم النصوص القديمة الواردة بها حين تصادفهم، ولا تصيبهم أمامها حيرة، أو توقف فى فهمها.
4- الفرار من العلل الزائفة1، وتعدد الآراء الضارة فى المسألة الواحدة، فلهما من سوء الأثر وقبيح المغبة ما لا يخفى. وحسبنا من التعليل2: أن يقال:
__________
1 وفي مقدمتها ما كان تعليلًا لأمر واقع، ولا سبب له إلا نطق العربي، كالتعليل لرفع الفاعل، والمبتدأ والخبر، ولنصب المفعولات- فإن التعليل لهذه الأمور الوضعية عيب وفساد، إذ الوضعيات لا تعلل، كما قال أبو حيان وغيره، ونقله الهمع حـ1 ص 56، ونقلناه في رقم 3 من هامش ص 91.
2 لموضوع "التعليل" بحث مستقبل في كتابنا المسمى: "اللغة والنحو، بين القديم والحديث" يوضح معناه، وأنواعه، وآثاره.(1/8)
"المطابقة للكلام العربى الناصع"، ومن الآراء أن يقال: "مُسَايرة فصيح اللغة وأفصحها". والقرآنُ الكريم -بقراءاته الثابتة الواردة عن الثقات- فى مكان الصدارة من هذا؛ لا نقبل فى أسلوبه تأولًا ولا تمحلًا، ثم الكلام العربى الذائع. والأفصح والفصيح هما الباعثان لنا على أن نردف بعض الأحكام النحوية بأن الخير فى اتباع رَأي دون آخر، وأن الأفضل إيثاره على سواه ... أوغير هذا من العبارات الدالة على الترجيح. وإنما كان الخير وتمام الفضل فى إيثاره؛ لأن يجمع الناطقين بلغة العرب على أنصع الأساليب وأسماها، ويوجد بيانهم، ويريحهم من خُلف المذاهب، وبلبلة اللهجات، فى وقت نتلقى فيه اللغة تعلمًا وكسبًا، لا فطرة ومحاكاة أصيلة، ونقتطع لها من حياتنا التعليمية المزدحمة المرهقة - الأيَّام القليلة، والساعات المحدودة؛ فمن الحكمة والسداد أن نقصر تلك الأيام والساعات على ما هو أحسن وأسمى. ولن نلجأ إلى تعليل آخر، أو ترديد خلاف فى الآراء إلا حيث يكون من وراء ذلك نفع محقق، وفائدة وثيقة، وتوسعة محمودة، دون تعصب لبصريّ أولكوفيّ، أو بغدادي، أوأندلسي ... أو غير هؤلاء ... ودون فتح باب الفوضى فى التعبير، أو الاضطراب فى الفهم، أوالبلبلة فى الأداء والاستنباط.
ومن مظاهر النفع الاستعانة "بالتعليل"، وبتعدد المذاهب فى تيسير مفيد، أو في تشريع لغويّ مأمون، أو تبصير المتخصصين -وحدهم- ببعض اللغات واللهجات التى تعينهم على فهم النصوص القديمة الواردة بها، لا لمحاكاتها -فأكثرها لا يوائمنا اليوم كما سبق- ولكن ليدركوها، ويفسروا بعض الضواهر اللغوية الغامضة، ولا يقفوا أمام تفسيرها حائرين مضطربين. وقد بسطنا القول فى هذا كله، وفى أسبابه، ونتائجه -فى المقدمة التى أشرنا إليها1.
5- تدوين أسماء المراجع أحيانًا فى بعض مسائل قد تتطلب الرجوع إليها؛ استجلاءً لحقيقة، أو إزالة لوهم. وفي ذلك التدوين نفع آخر؛ هو: تعريف الطلاب بتلك المراجع، وترديد أسمائها عليهم، وتوجيههم إلى الانتفاع بها، والإيحاء بأن الرجوع إلى مثلها قد يقتضيه تحصيل العلم، وتحقيق مسائله.
__________
1 في رقم 2 من هامش الصفحة السالفة، وهو المسمى: "اللغة والنحو، بين القديم والحديث".(1/9)
6- عدم التزام طريقة تربوية معينة فى التأليف، فقد تكون الطريقة استنباطية، وقد تكون إلقائية، وقد تكون حوارًا، أو غير ذلك مما يقتضيه صادق الخبرة، وملاءمة الموضوع. وإذا عرفنا أن الكتاب لكبار الطلاب، وللأساتذة المتخصصين، وأن موضوعاته كثيرة متباينة -أدركنا الحكمة فى اختلاف الطرائق باختلاف تلك الموضوعات وقرّائها. على أن تكون الطريقة محكومة بحسن الاختيار، وصدق التقدير، وضمان النجح من أيسر السبل وأقربها. ومهما اختلفت فلن تكون من طرائق القدماء التى أساسها: المتن، فالشرح، فالحاشية، فالتقرير ... فما يصاحب هذا من جدل، ونقاش، وكثرة خلاف، وتباين تعليل ... وما إلى ذلك مما دعت إليه حاجات عصور خلت، ودواعي حقب انقضت، ولم يبقَ من تلك الحاجات والدواعي ما يغرينا بالتمسك به، أو بتجديد عهده.
على أن بحوثهم وطرائقهم تنطوى -والحق يقال- على ذخائر غالية، وتضم فى ثناياها كنوزًا نفيسة. إلا أن استخلاص تلك الذخائر والكنوز مما يغَشيها اليوم عسير أي عسير على جمهرة الراغبين -كما أسلفنا.
7- تسجيل أبيات: "ابن مالك" كما تضمنتها "ألفيته"، المشهورة، وتدوين كل بيت فى أنسب مكان من الهامش، بعد القاعدة وشرحها، مع الدقة التامة فى نقله، وإيضاح المراد منه؛ فى إيجاز مناسب، وحرص على ترتيب الأبيات، إلا إن خالفت فى ترتيبها تسلسل المسائل وتماسكها المنطقي النحوي الذي ارتضيناه. فعندئذ نوفق بين الأمرين؛ ترتيب الناظم: وما يقتضيه التسلسل المنطقي التعليمي؛ فننقل البيت من مكانه فى "الألفية"، ونضعه فى المكان الذى نراه مناسبًا، ونضع على يساره الرقم الدال على ترتيبه بين أبيات الباب كما رتبها الناظم، ولا نكتفى بهذا؛ فحين نصل إلى شرح المسألة المتصلة بالبيت الذى قبله، ونفرغ منها ومن ذكر البيت الخاص بها؛ تأييدًا لها - نعود فنذكر البيت الذى نقلناه من مكانه، ونضعه فى مكانه الأصلي الذى ارتضاه الناظم، ونشير إلى أن هذا البيت قد سبق ذكره وشرحه فى مكانه الأنسب من صفحة كذا ...
وقد دعانا إلى الحرص على ترتيب "ألفية ابن مالك"، تسجيل أبوابها وأبياتها مرتبة كاملة -في الهامش- ما نعلمه في مصر وغير مصر من تمسك بعض(1/10)
المعاهد والكليات الجامعية بها، وإقبال طوائف من الطلاب على تفهمها، والتشدد فى دراستها واستظهارهم كثيرًا منها للانتفاع بها حين يريدون. وقد تخيرنا لها مكانًا فى ذيل الصفحات، يقربها من راغبيها، ويبعدها من الزاهدين فيها.
وإنما آثرنا في ترتيب الأبواب النحوية الترتيب الذي ارتضاه، "ابن مالك" لأنه الذي ارتضاه كثيرون ممن جاءوا بعده؛ ولأنه الترتيب الشائع اليوم، وهو فوق شيوعه -أكثر ملاءمة في طريقته، وأوفر إفادة في التحصيل والتعليم ويشيع بعده الترتيب القائم على جمع الأبواب الخاصة بالأسماء متعاقبة، يليها الخاصة بالأفعال، ثم الحروف.... كما فعل الزمخشري في مفصله. وتبعه عليه شراحه.
وهذه طريقة حميدة أيضًا. ولكنها تفيد المتخصصين دون سواهم من الراغبين في المعرفة العامة أولًا فأولًا، فالمبتدأ يلازم الخبر أو ما يقوم مقامه. والمفعول لا بد له من الاثنين ... فكيف يتعلم الراغب أحكام المبتدأ وحده، أو الخبر وحده، أو الفعل، أو الفاعل كذلك؟
وهناك أنواع أخرى من الترتيب لكل منها مزاياه التي نراها لا تعدل مزية الترتيب الذي اخترناه، ولا تناسب عصرنا القائم.
8- الإشارة إلى صفحة سابقة أو لاحقة، وتدوين رقمها إذا اشتملت على ما له صلة وثيقة بالمسألة المعروضة؛ كي يتيسر لمن شاء أن يجمع شتاتها فى سهولة ويسر، ويضم -بغير عناء- فروعها وما تفرق منها فى مناسبات وموضوعات مختلفة.
ولا نكتفي بذكر الرقم الخاص بالصفحة، وإنما نذكره ونذكر بعده رقم المسألة. ونرمز للمسألة بالحرف الهجائي الأول من حروفها، وهو: "م" اختصارًا.، ويليه رقمها، كما نرمز للصفحة بالحرف: "ص" وبعده رقمها. وللجزء بالحرف "جـ".
والسبب فى الجمع بينهما أن رقم الصفحة عرضة للتغيير بتغير طبعات الكتاب أما رقم المسألة فثابت لا يتغير وإن تعددت الطبعات، فالإحالة عليه إحالة على شيء موجود دائمًا؛ فيتحقق الغرض من الرجوع إليه.
والله أرجومخلصًا أن يجعل الكتاب نافعًا لغة القرآن، عونًا لطلابها، محققًا الغاية النبيلة التى دعت لتأليفه، والقصد الكريم من إعداده.
المؤلف(1/11)
المسألة الأولى: الكلام وما يتألف منه
الكلمة، الكلام "أو: الجملة"، الكَلِم، القول:
ما المراد من هذه الألفاظ الاصطلاحية فى عُرف النحويين؟
الكلمة:
حروف الهجاء تسعة وعشرون حرفًا، "وهى: أ1، ب، ت، ث، ج ... " وكل واحد منها رمز مجرد؛ لا يدل إلا على نفسه، ما دام مستقلًا لا يتصل بحرف آخر. فإذا اتصل بحرف أو أكثر، نشأ من هذا الاتصال ما يسمى: "الكلمة". فاتصال الفاء بالميم -مثلًا- يوجِد كلمة: "فَم"، واتصال العين بالياء فالنون، يوجد كلمة: "عين"، واتصال الميم بالنون فالزاي فاللام، يحدِث كلمة: "منزل" ... وهكذا تنشأ الكلمات الثنائية، والثلاثية، والرباعية -وغيرها"2- من انضمام بعض حروف الهجاء إلى بعض"3.
وكل كلمة من هذه الكلمات التى نشأت بالطريقة السالفة تدل على معنى؛
__________
1 الأرجح أن الحرف الأول من حروف الهجاء هو: "الهمزة" وليس الألف التي تحمل الهمزة فوقها، لتظهرها بارزة لا تختفي، ولا تختلط بغيرها، فشأن الألف في هذا كشأن الواو والياء اللتين تستقر فوقهما الهمزة في كتابة بعض الكلمات. أما الألف الأصلية، فمكانها في الترتيب الأبجدي بعد اللام مباشرة، حتى لقد اندمجت بسبب سكونها واستحالة النطق بها منفردة في اللام، وصارتا: "لا" مع أنهما حرفان، لا حرف واحد.
2 لا تزيد أحرف الاسم على سبعة، نحو: "استغفار" ولا أحرف الفعل على ستة، نحو: "استغفر" ولا أحرف الحرف على خمسة، نحو: "لكن" باعتبارها كلمة واحدة -على الأصح- مشددة النون، ثابتة الألف بعد اللام نطقًا. ومن النحاة من يجعل: "حيثما" كلمة واحدة، ويعدها من الحروف. ورأيه ضعيف مردود.
- انظر "جـ" ص 711-.
3 لهذا تسمى الحروف الهجائية: "بحروف المباني" لأن الكلمة تبنى وتتكون صيغتها منها، فهي أساس بنية الكلمة، وهي غير "حروف الربط" التي ستجيء في ص 66، ومنها: "حروف المعاني".(1/13)
لكنه معنى جزئي؛ "أيْ: مفرد"؛ فكلمة: "فم" حين نسمعها، لا نفهم منها أكثر من أنها اسم شيء معين. أما حصول أمر من هذا الشيء، أو عدم حصوله ... ، أما تكوينه، أو وصفه، ببناء أو إعراب1..... أو دلالته على زمان أو مكان، أو معنى آخر -فلا نفهمه من كلمة: "فم" وحدها.
وكذلك الشأن فى كلمة: "عين"، و"منزل" وغيرهما من باقي الكلمات المفردة.
ولكن الأمر يتغير حين نقول: "الفم مفيد" -"العين نافعة"- "المنزل واسع النواحي"، فإن المعنى هنا يصير غير جزئي؛ "أي: غير مفرد"؛ لأن السامع يفهم منه فائدة وافية إلى حدّ كبير، بسبب تعدد الكلمات، وما يتبعه من تعدد المعاني الجزئية، وتماسكها، واتصال بعضها ببعض اتصالًا ينشأ عنه معنى مركب. فلا سبيل للوصول إلى المعنى المركب إلا من طريق واحد؛ هو: اجتماع المعاني الجزئية بعضها إلى بعض، بسبب اجتماع الألفاظ المفردة التي لكل لفظ منها معنى جزئي.
ومن المعنى المركب تحدث تلك الفائدة التي: "يستطيع المتكلم أن يسكت بعدها، ويستطيع السامع أن يكتفي بها". وهذه الفائدة -وأشباهها- وإن شئت فقل: هذا "المعنى المركب"، هو الذى يهتم به النحاة، ويسمونه بأسماء مختلفة، المراد منها واحد؛ فهو: "المعنى المركب، أو: "المعنى التام"، أو: "المعنى المفيد" أو: "المعنى الذى يحسن السكوت عليه" ...
يريدون: أن المتكلم يرى المعنى قد أدى الغرض المقصود فيَستحسن الصمت، أو: أن السامع يكتفي به؛ فلا يستزيد من الكلام. بخلاف المعنى الجزئي، فإن المتكلم لا يقتصر عليه فى كلامه؛ لعلمه أنه لا يعطي السامع الفائدة التي ينتظرها من الكلام. أو: لا يكتفي السامع بما فهمه من المعنى الجزئي، وإنما يطلب المزيد. فكلاهما إذا سمع كلمة منفردة مثل: باب، أو: ريَحان، أو: سماء، أو: سواها ... لا يقنع بها.
__________
1 يقول الخضري- ص 1 جـ 2 أول باب. الإضافة - ما نصه: "إن الكلمة قبل التركيب - أي قبل تركيبها مع غيرها. لا معربة ولا مبنية فوصف الحركة بكونها إعرابًا أو بناء متأخر عن وجود الكلمة وعن تركيبها" أهـ.
فلا يصحح الحكم عليها بالبناء أو الإعراب إلا بعد وضعها في جملة- كما سبق، وكما سيجيء في ص 75- وهناك كلمات أخرى لا توصف بإعراب ولا بناء كالتي ستجيء في "جـ" من ص 106 وتفصيل الكلام عليها في "جـ" 3 باب النعت م 114 ص 452.(1/14)
لذلك لا يقال عن الكلمة الواحدة إنها تامة الفائدة، برغم أن لها معنى جزئيًّا لا تسمى "كلمةً" بدونه؛ لأن الفائدة التامة لا تكون بمعنى جزئى واحد.
مما تقدم نعلم أن الكلمة هى: "اللفظة الواحدة التى تتركب من بعض الحروف الهجائية، وتدل على معنى جزئي؛ أيْ: "مفرد"1. فإن لم تدل على معنى عربي وُضِعت لأدائه فليست كلمة، وإنما هي مجرد صوت.
الكلام "أو: الجملة":
هو: "ما تركب من كلمتين أو أكثر، وله معنى مفيد مستقل". مثل: أقبل ضيف. فاز طالب نبيه. لن يهمل عاقل واجبًا ... 2
فلا بد فى الكلام من أمرين معًا؛ هما: "التركيب"، و"الإفادة المستقلة" فلو قلنا: "أقبلَ" فقط، أو: "فاز" فقط، لم يكن هذا كلامًا؛ لأنه غير مركب. ولو قلنا: أقبلَ صباحًا ... أو: فاز فى يوم الخميس ... أو: لن
__________
1 وهي واحد: "الكلم" وقد يراد منها: "الكلام"، طبقًا للملاحظة الآتية في ص 17 واللفظ هو: الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية، تحقيقًا مثل: شمس قمر - كتاب....، أو تقديرًا كالضمير المستتر. "راجع الأشموني الحضري.
2 "أ"- إذا وقعت الجملة الخبرية صلة الموصول، أو نعتا، أو حالا، أو تابعة لشيء آخر -كجملة الشرط- لا جوابه، فإنها لا تسمى جملة خبرية؛ لأنها تسمى خبرية يحسب أصلها الأول الذي كانت مستقلة فيه. فإذا صارت صلة، أو تابعة لغيرها لم يصح تسميتها: "خبرية"، إذ لا يكون فيها حكم مستقل بالسلب أو الإيجاب، تنفرد به، ويقتصر عليها وحدها. بل هي لذلك لا تسمى: "كلاما" ولا "جملة"، فعدم تسميتها جملة خبرية من باب أولى ... ومثلها الجملة الواقعة خبرًا،.... فلا تسمى واحدة من كل من سبق كلامًا ولا جملة، إذ ليس لها كيان معنوي مستقل.
- كما سيجيء عند الكلام على صلة الموصولة رقم. من هامش ص 374 وله إشارة في رقم 4 من هامش ص 466.
"ب"- وكذلك إذا خرجت الجملة عن أصلها الذي شرحناه فصارت علمًا على مسمى معين، فإنها في حالتها الجديدة لا تسمى جملة. ومن هذا بعض الأعلام الشائعة اليوم، مثل: فتح الله، زاد المجد، بهر النور، الحسن كامل،.... فكل واحدة من هذه الألفاظ كانت في أصلها جملة خبرية، ثم صارت بعد التسمية بها نوعًا من اللفظ المفرد لا يدل جزء اللفظ منها على جزء من المعنى الأول، فتحولت مفردة بالوضع
- راجع شرح المفصل جـ 1 ص 18 معنى: الكلم.(1/15)
يهمل واجبه ... ، لم يكن هذا كلامًا أيضًا؛ لأنه -على رغم تركيبه- غير مفيدة فائدة يكتفى بها المتكلم أو السامع ...
وليس من اللازم فى التركيب المفيد أن تكون الكلمتان ظاهرتين فى النطق؛ بل يكفى أن تكون إحداهما ظاهرة، والأخرى مستترة؛ كأن تقول للضيف: تفضلْ. فهذا كلام مركب من كلمتين؛ إحداهما ظاهرة، وهى: تفضلْ1، والأخرى مستترة، وهى: أنت2. ومثل: "تفضل": "أسافرُ" ... أو: "نشكر" أو: "تخرجُ" ... وكثير غيرها مما يعد فى الواقع كلامًا، وإن كان ظاهره أنه مفرد.
هذا، ويقول النحاة: إن الجملة ثلاثة أنواع: "أ" الجملة الأصلية. وهي التي تقتصر على ركني الإسناد "أي: على المبتدأ مع خبره، أو ما يقوم مقام الخبر أو تقتصر على الفعل مع فاعله، أو ما ينوب عن الفعل" "ب" الجملة الكبرى، وهي ما تتركب من مبتدأ خبره جملة اسمية أو فعلية، نحو: الزهور رائحته طيبة، أو: الزهر طبت رائحته. "حـ" الجملة الصغرى: وهي: الجملة الاسمية أو الفعلية إذا وقعت إحداهما خبرًا لمبتدأ.
الكَلِم:
هو: ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر؛ سواء أكان لها معنى مفيد، أم لم يكن لها معنى مفيد. فالكلم المفيد مثل: النيل ثروة مصر -القطن محصول أساسي فى بلادنا. وغير المفيد مثل: إن تكثر الصناعات ...
القول:
هو كل لفظ نطق به الإنسان؛ سواء أكان لفظًا مفردًا أم مركبًا، وسواء أكان تركيبه مفيدًا أم غير مفيد. فهو ينطبق على: "الكلمة" كما ينطبق على: "الكلام" وعلى: "الكلم". فكل نوع من هذه الثلاثة يدخل فى نطاق: "القول" ويصح أن يسمى: "قولًا" على الصحيح، وقد سبقت الأمثلة. كما ينطبق أيضًا على كل تركيب آخر يشتمل على كلمتين لا تتم بهما الفائدة؛ مثل:
__________
1 فعل أمر.
2 فاعله. ولما كانت الكلام هنا مفيدًا ولا يظهر منه في النطق إلا الفعل، والفعل، لا بد له. من فاعل -وجب التسليم بأن الكلمة الثانية مستترة.(1/16)
إن مصر ... ، أو: قد حضر ... أو: هل أنت. أو: كتاب عليّ1 ... فكل تركيب من هذه التراكيب لا يصح أن يسمى: "كلمة"؛ لأنه ليس لفظًا مفردًا، ولا يصح أن يسمى: "كلامًا"؛ لأنه ليس مفيدًا. ولا: "كلمًا"؛ لأنه ليس مؤلفًا من ثلاث كلمات؛ وإنما يسمى: "قوْلاً".
"ملاحظة": ويقول أهل اللغة: إن "الكلمة" واحد: "الكلم". ولكنها قد تستعمل أحيانًا2 بمعنى: "الكلام"؛ فتقول: حضرتُ حفل تكريم الأوائل؛ فسمعت "كلمة" رائعة لرئيس الحفل، و"كلمة" أخرى لأحد الحاضرين، و"كلمة" ثالثة من أحد الأوائل يشكر المحتفلِين. ومثل: اسمعْ مني "كلمة" غالية؛ وهى:
أحْسِنْ إلى الناس تَستعبدْ قلوبهمُ ... فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
فالمراد بالكلمة فى كل ما سبق هو: "الكلام"، وهو استعمال فصيح، يشيع على ألسنة الأدباء وغيرهم.
وللكلمة ثلاثة أقسام، اسم. وفعل، وحرف3.
__________
1 وهذا هو: المركب الإضافي. ومثله: المركب الوصفي، نحو: "رجل شجاع ... "، والمزجي، نحو سيبويه. ويلحق به العددي، نحو: خمسة عشر.
2 مجازا.
3 سيجيء تفصيل الكلام على الثلاثة في ص 26 - أما اسم الفعل الذي اعتبره بعض النحاة قسما رابعا، فالتحقيق أنه داخل في قسم: "الاسم" كما سيجيء في بابه الخاص جـ 4 م 141.
وقد لخص ابن مالك في ألفيته ما سبق بقوله:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم ... واسم، و "فعل" ثم حرف: الكلم
واحده: "كلمة" و "القول" عم ... وكلمة بها كلام قد يؤم
يريد: أن "الكلام" عند النحاة هو: اللفظ المفيد "ولا يكون مفيدا إلا إذا كان مركبا، كاستقم" "والكلم" ثلاثة أقسام، اسم، وفعل، وحرف، وواحده: "كلمة". و "القول" يشمل بمعناه كل الأقسام، "فكلمة: عم، وأصلها: عم" فعل ماض. والكلمة قد يؤم بها الكلام، أي: يقصد إطلاقها على الكلام بمعناه الذي سبق.
أما اللفظ فقد سبق تعريفه في رقم 1 من هامش ص 15.(1/17)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
تعود النحاة -بعد الكلام على الأنواع الأربعة السابقة- أن يوازنوا بينها موازنة أساسها: "علم المنطق" ويطيلوا فيها الجدل المرهق، مع أن الموضوع فى غنى عن الموازنة؛ لبعد صلتها "بالنحو". وبالرغم من هذا سنلخص كلامهم ... "وقد يكون الخير فى الاستغناء عنه".
"أ" يقولون: إن موازنة الأنواع السابقة بعضها ببعض؛ لمعرفة أوسعها شمولًا، وأكثرها أفرادًا، تدل على أن: "القول" هو الأوسع والأكثر؛ لأنه ينطبق عليها جميعًا، وعلى كل فرد من أفرادها. أما غيره فلا ينطبق إلا على أفراده الخاصة به، دون أفراد نوع آخر؛ فكل ما يصدق عليه أنه: "كلمة" أو: "كلام" أو: "كلم" -يصْدُق عليه أنه: "قول"، ويُعَدّ من أفراد: "القول"، ولا عكس.
هذا إلى أن القول يشمل نوعًا آخر غير تلك الأنواع، وينطبق وحده على أفراد ذلك النوع؛ وهو: كل تركيب اشتمل على كلمتين من غير إفادة تامة منهما؛ مثل: "إنْ حضر" ... "ليس حامد"، "ليت مصر" ... ، "سيارةُ رجل" ... فمثل هذا لا يصح أن يسمى: "كلمة، ولا "كلامًا"، ولا "كَلما" ومن هنا يقول النحاة: إن القول أعم من كل نوع من الأنواع الثلاثة عمومًا مطلقًا، وأن كل نوع أخص منه خصوصًا مطلقاً ... يريدون بالعموم: أن "القول" يشمل من الأنواع أكثر من غيره. ويريدون "بالإطلاق": أن ذلك الشمول عام فى كل الأحوال، بغير تقييد بحالة معينة؛ فكلما وُجد نوع وجد أن "القول"؛ يشمله وينطبق على كل فرد من أفراده -دائمًا-
وأما أن كل نوع أخص -وأن ذلك الخصوص مطلق- فلأن كل نوع من الثلاثة لا يشمل عددًا من الأفراد المختلفة بقدر ما يشمله "القول" ولا ما يزيد عليه. وأن هذا شأنه فى كل الأحوال بغير تقييد، كما يتضح مما يأتي:
كتب: كلمة، ويصح أن تسمى: "قولًا" وكذلك كل كلمة أخرى.
كتب عليّ: كلام، ويصح أن يسمى: "قولًا. " وكذلك كل جملة(1/18)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مفيدة مستقلة بمعناها، مكونة من كلمتين. -أوأكثر كما سيجيء،
قد كتب صباحًا: كلم، ويصح أن يسمى: "قولا. " وكذلك كل تركيب يشتمل على ثلاث كلمات فأكثر، من غير أن يفيد.
كتب عليّ صباحًا: كَلِم أيضًا. ويصح أن يسمى: "كلامًا، أو: قولًا". وكذلك كل تركيب يشتمل على ثلاث كلمات فأكثر مع الإفادة المستقلة.
كتاب علي: يسمى: "قولا" فقط ... وكذلك كل تركيب يشتمل على كلمتين فقط من غير إفادة.
فالقول منطبق على كل نوع، وصادق على كل فرد من أفراد ذلك النوع ومن غيره.
وقد يوضح هذا كلمة أخرى مثل:؛ "معدن"؛ فإن " المعدن" أنواع كثيرة؛ منها الذهب، والفضة والنحاس ... فكلمة؛ "معدن" أعم من كل كلمة من تلك الكلمات عمومًا مطلقًا، وكل نوع أخص منه خصوصًا مطلقًا؛ لأن كلمة "معدن" بالنسبة للذهب -مثلًا- تشمله، وتشمل نوعًا أوأكثر غيره -كالفضة-. أما الذهب فمقصور على نوعه الخاص، فالمعدن عام؛ لأنه يشمل نوعين أو أكثر. والذهب خاص؛ لأنه لا يشمل إلا نوعًا واحدًا. و"المعدن" عام عمومًا مطلقًا؛ لأنه ينطبق دائمًا على كل فرد من أفراد نوعيه أو أنواعه وذلك فى كل حالات.
"ب" ثم تأتى الموازنة بين "الكلم" و"الكلام" فتدل على أمرين:
أحدهما: أن "الكلم" و"الكلام" يشتركان معًا فى بعض الأنواع التى يصدق على كل منها أنه: "كلم" وأنه: "كلام"؛ فيصح أن نسميه بهذا أو ذاك؛ كالعبارات التى تتكون من ثلاث كلمات مفيدة؛ فإنها نوع صالح لأن يسمى: "كلامًا" أو: "كلمًا". وكالعبارات التى تتكون من أربع كلمات مفيدة؛ فإنها نوع صالح لأن يسمى: "كلامًا" أو: "كلمًا" وهكذا كل جملة اشتملت على أكثر من ذلك مع الإفادة المستقلة.
ثانيهما: أن كلا منهما قد يشتمل على أنواع لا يشتمل عليها الآخر،(1/19)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيصير أعم من نظيره أنواعًا، وأوسع أفرادًا؛ مثال ذلك: أن "الكلم" وحده يصدق على كل تركيب يحوي ثلاث كلمات أو أكثر، سواء أكانت مفيدة، مثل: "أنت خير مرشد" أم غير مفيدة، مثل: "لما حضر فى يوم الخميس" فهو من هذه الناحية أعم وأشمل من الكلام؛ لأن الكلام لا ينطبق إلا على المفيد، فيكون -بسبب هذا- أقل أنواعًا وأفرادًا؛ فهو أخص.
لكن "الكلام" -من جهة أخرى- ينطبق على نوع لا ينطبق عليه "الكلم" كالنوع الذى يتركب من كلمتين مفيدتين؛ مثل: "أنت عالم" وهذا يجعل الكلام أعم. وأشمل من نظيره، ويجعل الكلم أخص.
فخلاصة الموازنة بين الاثنين: أنهما يشتركان حينًا فى نوع "أى: فى عدد من الأفراد"، ثم يختص كل واحد منهما بعد ذلك بنوع آخر ينفرد به دون نظيره؛ فيصير به أعم وأشمل. فكل منهما أعم وأشمل حينًا، وأخص وأضيق حينًا آخر. ويعبر العلماء عن هذا بقولهم: "إن بينهما العموم من وجه، والخصوص من وجه. " أو: " بينهما العموم والخصوص الوجهي".
يريدون من هذا: أنهما يجتمعان حينًا فى بعض الحالات، وينفرد كل منهما فى الوقت نفسه ببعض حالات أخرى يكون فيها أعم من نظيره، ونظيره أعم منه أيضًا؛ فكلاهما أعم وأخص معًا. وإن شئت فقل: إن بينهما العموم من وجه والخصوص من وجه "أي؛ الوجهي" فيجتمعان فى مثل قد غاب على ... وينفرد الكلام بمثل: حضر محمود ... وينفرد الكلم بمثل: إنْ جاء رجل ... فالكلم أعم من جهة المعنى؛ لأنه يشمل المفيد وغير المفيد، وأخص من جهة اللفظ؛ لعدم اشتماله على اللفظ المركب من كلمتين.
و"الكلام" أعم من جهة اللفظ؛ لأنه يشمل المركب من كلمتين فأكثر. وأخص من جهة المعنى؛ لأنه لا يطلق على غير المفيد.
"حـ" أما موازنة الكلمة بغيرها فتدل على أنها أخص الأنواع جميعًا1.
شيء آخر يعرض له النحاة بمناسبة: "كلِم". يقولون:
إننا حين نسمع كلمة: رجال، أو: كتب، أو: أقلام، أو: غيرها
__________
1 وقد سبق -في ص 18- أن "القول" أعم الأنواع جميعًا.(1/20)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من جموع التكسير نفهم أمرين:
أولهما: أن هذه الكلمة تدل على جماعة لا تقل عن ثلاثة، وقد تزيد.
ثانيهما: أن لهذا الجمع مفردًا نعرفه من اللغة؛ هو: رجل، كتاب، قلم ... وكذلك حين نسمع لفظ: "كَلِم" نفهم أمرين:
أولهما: أنه يدل على جماعة من الكلمات، لا تقل عن ثلاث، وقد تزيد؛ "لأن "الكَلِم" فى الأصل يتركب من ثلاث كلمات أو أكثر؛ فهو من هذه الجهة يشبه الجمع فى الدلالة العددية؛ فكلاهما يدل على ثلاث أو أكثر".
ثانيهما: أن "للكلم" مفردًا نعرفه ونصل إليه بزيادة تاء للتأنيث فى آخره؛ فيصير بزيادتها -وموافقة اللغة- دالا على الواحد، بعد أن كان دالًا على الجمع، فتكون: "كلمة" هى مفردة: "الكلم"؛ مع أنهما متشابهان فى الحروف، وفى ضبطها، ولا يختلفان فى شيء؛ إلا فى زيادة التاء فى آخر: "الكلمة" -بموافقة اللغة-. وهو بسبب هذا يختلف عن الجموع؛ فليس بين الجموع ما ينقلب مفردًا وينقص معناه من الجمع إلى الواحد من أجل اتصال تاء التأنيث بآخره. ولذلك لا يسمونه جمعًا، وإنما يسمونه: "اسم جنس1 جمعيًّا"2. ويقولون فى تعريفه:
"إنه لفظ معناه معنى الجمع، وإذا زيدت على آخره تاء التأنيث -غالبًا- صار مفردًا".
أو هو: "ما يُفْرَق بينه وبين واحده بزيادة تاء التأنيث -غالبًا- فى آخره".
ومن أمثلته: تفاح وتفاحة -عنب وعنبة- تمر وتمرة
__________
1 سيجيء تفصيل الكلام على النكرة، واسم الجنس، وعلم الجنس، وعلم الشخص، في مكانه الخاص من باب: العلم" ص 288، هنا، وفي باب: "النكرة والمعرفة "ص 206م 17" وسنعرف أن النكرة "أي: اسم الجنس" إن قصد بها معين فهي النكر المقصودة، وإلا فهي النكرة غير المقصودة. ولكل منهما أحكامه الخاصة، ولا سيما عند ندائه "كما سيجيء في باب النداء، أول جـ4".
2 صفة لكلمة اسم، حتمًا؛ لأن الاسم هو الذي يدل على الجمعية، فلا يكون اسم الجنس الجمعي إلا دالًا على الجمع، ولا يكون دالًا على المفرد، ولا على المثنى، وبالرغم من أن اسم الجنس الجمعي يدل على ما يدل عليه الجمع فإنه يجوز تثنيته وجمعه في أغلب أحواله عند فريق من النحاة، غير سيبويه ومن معه -كما جاء في الهمع، باب جمع التكسير، فالمراد من وصفه بالجمعي: تأكيد أنه لا يراد به واحد ولا اثنان، وإنما يراد به ثلاثة على الأقل كما يراد بالجمع عند النحاة. وبسبب هذه الدلالة العددية قد يطلق عليه في اللغة -لا في النحو- أنه جمع "راجع الصبان، باب، جمع التكسير، عند بيت ابن مالك: "من غير ما مضى ومن خماسي" حيث الكلام على مفرد، "فرزدق" "ثم انظر ص 23 ورقم 3 من هامش ص 24".(1/21)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
-شجر وشجرة- وهذا هوالنوع الغالب، كما أشرنا.
وهناك نوع يُفرَق بينه وبين مفرده بالياء المشددة، مثل: عرب وعربيّ، جُنْد وجندي، رُوم ورومي، تُرْك وترْكيّ.
وقد يُفْرَق بينه وبين واحده بالتاء فى جمعه، لا فى مفرده؛ مثل كَمْأة، وكمْء"2.
__________
1 هذا النوع الذي يفرق بينه وبين واحدة بالتاء المربوطة إذا وصف -وكذلك إن أخبر عنه، أو عاد عليه ضمير، أو إشارة ... - جاز في صفته: إما الإفراد مع التذكير على اعتبار اللفظ، لأنه جنس، أو: مع التأنيث على تأويل معنى الجماعة، نحو قوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِر} ، {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} وإما جمع الصفة جمع تكسير أو جمع مؤنث سالِمًا، نحو قوله تعالى: {السَّحَابَ الثِّقَال} وقوله: {وَالنَّخْل بَاسِقَاتٍ} ومثل: الصفة الخير، والإشارة إليه ... والضمير العائد عليه -كما أسلفنا.
وفي كل ما سبق خلاف أشار إليه الصبان، في باب العدد وقد تخيرنا أقوى الأوجه.
ويؤيد ما تخيرناه ما جاء في: المصباح المنير، مادة: "النخل" ونصه الحرفي:
"النخل: اسم جمع "كذا يقول" الواحدة: "نخلة", وكل جمع بينه وبين واحدة الهاء "يريد: تاء التأنيث المربوطة" قال ابن السكيت: فأهل الحجاز يؤنثون أكثره، فيقولون: هي التمر، وهي البر، وهي النخل، وهي البقر.... وأهل نجد وتميم يذكرون، فيقولون: نخل كريم، وكريمة، وكرائم، وفي التنزيل: {نَخْلٍ مُنْقَعِر} ، {نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} وأما النخيل -بالياء- فمؤنثة. قال أبو حاتم: لا اختلاف في ذلك" اهـ.
لكن يتضح من أمثلة هذا النص أن أهل نجد وتميم لا يقتصرون على التذكير، وإنما يؤنثون أيضًا. ويلاحظ أنه جعل "النخل" اسم جمع. فكيف يتفق أنه اسم جمع مع قوله السابق إن "الواحدة نخلة"؟ فهل يريد: اسم جنس جمعي؟
ومما يؤيد ما تخيرناه أيضًا ما جاء في كتاب: "بصائر ذوي التمييز"- تأليف: الفيروزآبادي، صاحب: "القاموس المحيط" - في البصرة 51 ص 277 ونصه عند الكلام على كلمة: "بنيان": "البنيان: واحد لا جمع له. وقال بعضهم: جمع واحدته: "بنيانه" على حد: "نخلة ونخل". وهذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه" أهـ. ومن التذكير قوله تعالى: {السَّمَاء مُنْفَطِرٌ بِهِ} على اعتبار أن "السماء" اسم جنس جمعي، مفرده: سماءة.
وهناك مواضع أخرى للاختلاف، تجيء في رقم 6 من ص 265 "حيث الكلام على الصورة السادسة من صور مطابقة الضميرة لمرجعه، وعدم مطابقته، ثم رقم 4 من هامش ص 321 ثم ص 457 وما بعدها.
هذا، ولا يفرق في اسم الجنس الجمعي بين مذكره ومؤنثه الحقيقيين بالتاء المربوطة، فلا يقال:
- في الغالب - حمامة أو بطة، للمؤنثة المفردة، وحمام، وبط، للمذكر المفرد، منعا للالتباس، وإنما يؤنثونه بالصفة فيقال: حمامة أنثى، وحمامة ذكر، وبطة أنثى، وبطة ذكر، ولهذا الحكم تكملة - تجيء في باب "التأنيث" جـ 4 م 169.
أما تأنيث عامله فكان الكلام عليه باب "الفاعل جـ2 ص 74 طبعة 3 وما بعدها، م 66 ثم "ا" ص 82 من الزيادة والتفصيل، بعد تلك الصفحات".
2 اسم نبات صحراوي.(1/22)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولهم فى اسم الجنس الجمعيّ -من ناحية أنه جمع تكسير، أوأنه قسم مستقل بنفسه- آراء متضاربة ومجادلات عنيفة؛ لا خير فيها، وإنما الخير فى الأخذ بالرأى القائل: إنه جمع تكسير1. وهو رأي فيه سداد، وتيسير، ولن يترتب على الأخذ به مخالفة أصل من أصول اللغة، أو خروج على قاعدة من قواعدها، وأحكامها السليمة.
هذا من جهة الجمع أوعدمه. بقي الكلام فى المراد من: "اسم الجنس" والمعنى الدقيق له. وفيما يلي إشارة موجزة إليهما2:
إن كلمة مثل كلمة: "حديد" تدل على معنى خاص؛ هو: تلك المادة المعروفة، وذلك العنصر المفهوم لنا. فمن أين جاء لنا فهمه؟ وكيف وصل العقل إلى انتزاع المعنى وإقراره فى باطنه؟
رأينا قطعة من الحديد أول مرة، ثم قطعة أخرى بعد ذلك، ثم ثالثة، فرابعة، فخامسة، ... ولم نكن نعرف الحديد، ولا اسمه، ثم استعملنا تلك القطَع فى شئوننا، وعرفنا بالاستعمال المتكرر بعض خواصها الأساسية؛ وإذا رأينا بعد ذلك قطعًا من صنفها فإننا نعرفها، ولا تكون غريبة على عقولنا، ونشعر بحاجة إلى اسم نسمي به هذا الصنف ...
فإذا رأينا بعد ذلك قطعة من جنس آخر "أي: من صنف آخر" كالذهب، ولم نكن استعملناه فى شئوننا -وعرفنا بالاستعمال بعض خواصها الذاتية؛ فلا شك أننا سنحتاج إلى اسم يميز هذا الجنس من سابقه، بحيث إذا سمعنا الاسم ندرك منه المراد، ونتصور معناه تصورًا عقليًّا من غير حاجة إلى رؤية تلك القطَع والنماذج؛ فوضَعْنا للجنس الأول اسمًا هو: "الحديد"، ووضعنا للجنس الثانى اسما يخالفه هو: "الذهب". فالحديد اسم لذلك الجنس "الصنف المعروف"، وكذلك "الذهب"، وغيرهما من أسماء الأجناس ... وصرنا بعد ذلك حين نسمع كلمة: "الذهب" أو"الحديد" ندرك المراد منها إدراكًا عقليًّا بحتًا، فيقفز إلى ذهننا مباشرة مدلولها الخاص، من غير ربط -فى الغالب3- بينها وبين شىء آخر من عنصرها، ومادتها، أومن غيرهما. وهذا الفهم العقلي المحض هوما يعبر
__________
1 راجع الأشموني، وهامش التصريح، وشرح الشذور عند الكلام على المسألة المذكورة. في باب: "الكلام"
2 أما التفصيل، وبسط الإيضاح فمكانهما ص 288 من باب العلم، "في النكرة والمعرفة".
3 لأن اسم الجنس الآحادي الذي سيجيء الكلام عليه يرتبط بصورة فرد من أفراده.(1/23)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عنه: بأنه "إدراك الماهية المجردة" أي: "إدراك حقيقة الشيء الذهنية، وصورته المرسومة فى العقل وحده". يريدون بذلك: المعنى الذى يفهم من الكلمة فهمًا عقليًّا مجردًا -فى الغالب- أى: بعيدًا عن عالم الحسّ، وعن تخيل النماذج والصور المختلفة المصنوعة منه، أو غير المصنوعة، والتى تساعد فى إيضاح المراد منه"1.
ومثل كلمة: الـ"حديد" غيرها من أسماء الأجناس -كما أسلفنا- ومنها: فضة، رجل، خشب. طائر ...
ثم إن هذا الجنس "أو: الماهية المجردة، والحقيقة الذهنية البحتة" ثلاثة أنواع، لكل منها اسم:
الأول: اسم الجنس الجمعي2، وقد سبق3.
الثانى: اسم الجنس الإفرادي؛ وهو الذى يصدق على القليل والكثير من الماهية "أي: من الحقيقة الذهنية" من غير اعتبار للقلة أوالكثرة. "مثل: هواء، ضوء، دم، ماء" فكل واحد من هذه وأشباهها يسمى بهذا الاسم؛ سواء أكان قليلًا أم كثيرًا.
والثالث: اسم الجنس الآحادي؛ وهو: الذى يدل على الماهية "أي الحقيقة الذهنية" ممثلة فى فرد غير معين من أفرادها، ولا يمكن تصورها فى العقل إلا
__________
1 انظر رقم 1 من هامش صفحتي 206 و 288.
2 قد أوضحنا المراد من كلمة: "اسم" ومن كلمة: "جنس" وأشرنا- في رقم 2 من هامش ص 21 - إلى أن كلمة "جمعي" هي صفة: لـ "أسم" حتما، وليست صفة: لـ "جنس".
3 وقد يقال: إن اسم الجنس - مطلقا - يدل: "على الماهية المجردة، "أي: الحقيقة الذهنية البحتة"، طبقا للرأي المختار، وهذه الماهية المجردة " أو الحقيقة الذهنية البحتة" كتلة واحدة متماسكة قد يكون لها أجزاء تتكون منها ومن انضمام بعضها إلى بعض، ولكن لا يمكن أن يكون لها أفراد مستقلة متعددة، بحيث يستقل كل فرد منها بنفسه كاملة. ويتميز بذاته المركبة من أجزاء خاصة به، وذرات يقوم عليها كيانه التام الذي ينفرد به. فكيف يتفق هذا مع اسم الجنس الجمعي الذي يدل على أفراد - لا على أجزاء وذرات - لا تقل عن ثلاثة. وقد تزيد كما عرفنا في رقم 2 من هامش ص 21 ففي هذه الدلالة العددية الحتمية منافاة واضحة للدلالة الأصلية التي يقوم عليها اسم الجنس، وتعارض جلي بين الأصل وأنواعه.
أجاب الرضى: بأن اسم الجنس موضوع في أصله للماهية من حيث هي ثم استعمل في الجمع، فهو اسم "جنس وضعا"، جمعي "استعمالا" ثم قال الصبان: والأولى أن يقال: إنه غلب استعماله في ثلاثة أفراد فأكثر حتى صار حقيقة عرفية في ذلك.(1/24)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بتخيل ذلك الفرد غير المعهود، واستحضار صورة له فى الذهن؛ مثل: أسامة للأسَدَ1.
ملاحظة: يُردد النحاة وغيرهم من المشتغلين بالعلوم والفنون المختلفة كلمة: "القاعدة" ويذكرونها فى المناسبات المختلفة، فما تعريفها؟
قالوا: "القاعدة -وجمعها: قواعد- هي فى اللغة: الأساس. وفي الاصطلاح: حُكم كُلّيّ ينطبق على جميع أجزائه وأفراده؛ لتعرف أحكامها منه".
وعلى الرغم من شيوع هذا التعريف فى مراجعهم ومطولاتهم -عارضَ بعض النحاة فى كلمة: "حكم" مفضلاً عليها كلمة "قضية" كليّة بحجة أن القاعدة فى مثل قولنا: "كل فاعل مرفوع" تشمل "المحكوم به"، و"المحكوم عليه"، و"الحكم"، فلا بدّ أن تشمل أمورًا ثلاثة، ولا تقتصر على "الحكم".
وقد دفع الاعتراض: بأن الاقتصار على "الحكم" فى ذلك التعريف الشائع، مقبول؛ لأنه نوع من المجاز، إذ فيه إطلاق الجزء -وهوالحُكم- على القضية الكليّة التى هى اسم يجمع المحكوم به، والمحكوم عليه، والحكم2.
__________
1 انظر رقم 1 من هامش ص 206، وص 288، وما بعدها.
2 راجع في كل ما سبق عن "القاعدة" شرح التصريح وحاشية ياسين عليه، جـ1 باب: الضمير: أول الفصل الخاص باتصال الضمير. وجاء في "المصباح المنير" في مادة: "قعد" ما نصه:
"القاعدة في الاصطلاح بمعنى: الضابط، وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته"، وهذا التعريف أحسن، لخلوه من الاعتراضات الموجهة للآخر....(1/25)
المسألة الثانية: الكلام على أقسام الكلمة الثلاثة:
الاسم، والفعل والحرف:
الاسم: كلمة تدل بذاتها1 على شيء محسوس، -مثل: نحاس، بيت، جَمل، نخلة، عصفورة، محمد ... - أوشيء غير محسوس، يعرف بالعقل؛ "مثل: شجاعة، مروءة، شرف، نُبل، نبوغ ... " وهو في الحالتين لا يقترن بزمن2.
علاماته: أهمها خمسة، إذا وجدت واحدة منها كانت دليلًا على أن الكلمة "اسم".
العلامة الأولى: الجر؛ فإذا رأينا كلمة مجرورة لداع من الدواعي النحوية، عرفنا أنها اسم؛ مثل: كنت فى زيادةِ صديقٍ كريمٍ. فكلمة: "زيارةِ" اسم؛ لأنها مجرورة بحر الجر "في"، وكلمة: "صديق" اسم؛ لأنها مجرورة؛ إذ هى "مضاف إليه"، وكلمة: "كريم" اسم؛ لأنها مجرورة بالتبعية لما قبلها؛ فهي نعت لها.
العلامة الثانية: التنوين؛ فمن الكلمات ما يقتضى أن يكون فى آخره ضمتان، أو فتحتان، أو كسرتان؛ مثل: جاء حامدٌ، رأيت حامدًا،
__________
1 أي: من غير أن تحتاج إلى كلمة أخرى.
2 لإيضاح التعريف وبيان معنى الاسم نذكر ما يأتي: لو وضعنا فاكهة معينة أمام إنسان لا يعرفها، فسأل: ما هذه؟ فأجبنا: "رمان" -مثلًا- لكانت الكلمة: "رمّان" هي الرمز، أو العلامة، أو اللفظ الدال على تلك الفاكهة. وإن شئت فقل: إنها اسم يفهم منه السامع تلك الفاكهة المعينة، دون غيرها. فعندنا شيئان، فاكهة لها أوصاف حسية خاصة بها، ولفظ معين، إذا نطقنا به انصر الذهن مباشرة إلى تلك الفاكهة الخاصة. فلهذا اللفظ معنى، أو مدلول، أو مراد، وما معناه، أو مدلوله، أو المراد منه إلا هذه الفاكهة. وإن شئت فقل: إنه اسم هي معناه ومسماه، وإن هذا المعنى والمسمى له اسم، هو: "الرمان" فالاسم ليس إلا رمزًا، أو علامة، أو إشارة يراد بها أن تدل على شيء آخر، وأن تعينه، وتميزه، وهذا الشيء الآخر هو المراد من تلك الشارة، والغرض من اتخاذها، فهو مدلولها ومرماها، أي: هو المسمى بها، وهي الاسم الذي يميزه من غيره، ويحدده، فلا يختلط بسواه ومتى ثبت أن الاسم هو الرمز والعلامة، وأم المسمى هو المرموز له، المطلوب إدراكه بالعقل- كان الاسم متضمنًا في ذاته كل أوصاف المسمى، فهو مع مسماه كالصورة التي يكتب اسمها إزاءها، فإذا قرئ الاسم أولًا دل على الصورة ومضمونها كاملة. ومثل ما سبق يقال في كل اسم آخر، ومنه يتضح تعريفهم الاسم أحيانًا بأنه: "ما يدل على مسمى فقط"، أي: من غير أن يدل معه على زمن أو شيء آخر.
ولهذا الكلام أمثلة متعددة في جـ 4 ص 137 - من الطبعة الثانية - م 141 رقم 1 من هامشها. باب: أسماء الأفعال.(1/26)
ذهبت إلى حامد، طار عصفورٌ جميلٌ، شاهدت عصفورًا جميلاً، استمعت إلى عصفورٍ جميلٍ ... وهذه الكلمات لا تكون إلا أسماء.
وكان الأصل أن تكتب هي وأشباهها كما يكتبها علماء "العَروض" هكذا:
حامدُنْ، حامدَنْ، حامدِنْ، عصفورُنْ جميلُنْ ... عصفورَنْ جميلَنْ ... عصفورِنْ جَميلِنْ ... أي: بزيادة نون ساكنة في آخر الكلمة؛ تحدث رنينًا خاصًّا؛ وتنغيمًا عند النطق بها. ولهذا يسمونها: "والتنوين" أي: التصويت والترنيم؛ لأنها سببه. ولكنهم عدلوا عن هذا الأصل1، ووضعوا مكان "النون"2 رمزًا مختصرًا يغني عنها، ويدل -عند النطق به- على ما كانت تدل عليه؛ وهذا الرّمز هو: الضمة الثانية، والفتحة الثانية، والكسرة الثانية ... على حسب الجمل ... ويسمونه: "التنوين"، كما كانوا يسمون النون السالفة، واستغنوا بها الرمز المختصر عن "النون"؛ فحذفوها فى الكتابة، ولكنها لا تزال ملحوظة يُنْطَق بها عند وصل بعض الكلام ببعض، دون الوقف.
ومما تقدم نعلم: أن التنوين نون ساكنة، زائدة3. تلحق آخر الأسماء لفظًا، لا خطًا ولا وقفًا4.
العلامة الثالثة: أن تكون الكلمة مناداة5، مثل: يا محمدُ، ساعد
__________
1 اختصارًا، ومنعًا للخلط بين هذه النون الزائدة وغيرها من النونات الأخرى، الزائدة والأصلية.
2 راجع شرح المفصل "جـ 9 ص 35" في الكلام على "التنوين" حيث تراه مكتوبا "بالنون" كما في الأمثلة السالفة ...
3 أي: ليست من أصل بنية الكلمة، ولا من حروفها الأصلية، لأن هذه النون -وإن كانت حرفا واحدًا- تعد كلمة كاملة، وتدخل في قسم الحرف المعنوي المعدود من أقسام الكلمة الثلاثة، فمثلها مثل واو العطف، وفائه، وباء الجر، وتائه ... وغيرها من "حروف المعاني" التي سيجيء الكلام عليهما في هامش ص 66 وص 70 وفي الجزء الثاني ص 229 م 78 "أول باب: الظرف" ويبنون على هذا تعليلات لبعض الأحكام، كتعليلهم وجوب حذف التنوين من المضاف بأن التنوين كلمة كاملة، ولا يصح الفصل بكلمة بين المضاف والمضاف إليه، وهما شيئان متلازمان. إلا بعض حالات فيها الفصل بينهما، وستجيء في باب: "الإضافة" "جـ 3".
4 سيجيء في المسألة الثالثة: "ص 33" تفصيل مناسب يتضمن أنواع التنوين وحكم كل نوع.
5 لأن المنادى "مفعول به" فقولك: "يا محمد" هو بمثابة قولك: "أدعو محمدا" فهو مفعول به حقيقة، أو تقديرا - تبعا للخلاف الذي سجله الصبان وغيره، في هذا والمفعول به لا يكون إلا اسما. وكان الأوضح والأنسب أن يقال: "أن تكون الكلمو مفعولا به "كما يرى بعض النحاة - لتكون هذه العلامة هي الدالة على اسمية الضمير: إياك" وأخواته، مما يكون "مفعولا به" ولا يكون "منادي".(1/27)
الضعيف. يا فاطمة، أكرمي أهلك. فنحن ننادي محمدًا، وفاطمة. وكل كلمة نناديها اسم، ونداؤها علامة اسميتها1.
العلامة الرابعة: أن تكون الكلمة مبدوءة "بأل"2 مثل: العدل أساس الملك.
العلامة الخامسة: أن تكون الكلمة منسوبًا إليها -أي: إلى مدلولها- حصولُ شيء، أو عدم حصوله، أو مطلوبًا منها إحداثه، مثل: عليٌّ سافرَ. محمود لم يسافر. سافرْ يا سعيد. فقد تحدثنا عن "عليّ" بشيء نسبناه إليه. هو: السفر، وتحدثنا عن "محمود" بشيء نسبناه إليه؛ هو عدم السفر، وطلبنا من "سعيد" السفر. فالحكم بالسفر، أو بعدمه، أو بغيرهما، من كل ما تتم به الفائدة الأساسية يسمى: إسنادًا، وكذلك الحكم بطلب شيء من إنسان أو غيره ... فالإسناد هو: "إثبات شيء لشيء، أو نفيه عنه، أو طلبه منه".
هذا، واللفظ الذى نسب إلى صاحبه فعل شيء أو عدمه أو طُلب منه ذلك، يسمى: "مسنَدًا إليه"، أى: منسوبًا إليه الفعل، أو الترك، أو طُلب منه الأداء. أما الشيء الذى حصل ووقع، أو لم يحصل ولم يقع، أو طُلب حصوله -فيسمى: "مسندًا"، ولا يكون المسند إليه اسما. والإسناد هو العلامة التى دلت على أن المسند إليه اسم5.
__________
1 إذا رأينا حرف النداء داخلًا في الظاهر على ما ليس باسم "كالفعل، أو: الحرف، في نحو: يا ... ادخل الحجرة -يا ... ليتك تحترم الميعاد،" فإنه يكون في الحقيقة داخلا على منادي محذوف، لسبب بلاغي.. أو: تكون" يا" حرف تنبيه، وليست حرف نداء. وسيجيء البيان في أول الجزء الرابع: "باب المنادى".
2 زائدة كانت أم أصيلة "إلا الاستفهامية عند من يستعملها في الاستفهام، والموصولة عند من يجيز دخولها على الفعل" وبهذه العلامة قوي الحكم على كلمة: "العزى" أنها اسم، وهي كلمة مؤقتة، علم لضم مشهور في الجاهلية، و "أل" في أولها زائدة لازمة لا تفارقها ومذكرها: الأعز.
3 انظر ما يتصل بهذا في "جـ" ص 30.
4 بهذه العلامة أمكن الحكم بالاسمية على ضمائر الرفع، كالتاء، ونا، وأنا، وعلى "ما" الاستفهامية، والموصولة ...
5 أشار ابن مالك في ألفيته إلى تلك العلامات بقوله:
بالجر والتنوين، والنداء، وأل ... ومسند للاسم تمييز حصل
أي: حصل تمييز للاسم من غيره: بالجر، والتنوين، والنداء، وأل، ومسند، أي: إسناد" والإسناد هو الذي يدل على أن الضمائر المرفوعة أسماء: مثل: "أنا" كتبت رسالة كما تقدم....(1/28)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"أ"- تعددت علامات الاسم، لأن الأسماء متعددة الأنواع؛ فما يصلح علامة لبعض منها، لا يصلح لبعض آخر، كالجر، فإنه لا يصلح علامة لضمائر الرفع، كالتاء- ولا يصلح لبعض الظروف؛ مثل: قَطُّ: وعَوْضُ. وكالتنوين؛ فإنه يصلح لكثير من الأسماء المعربة المنصرفة، ولا يصلح لكثير من المبنيات. وكالنداء فإنه يصلح وحده للأسماء الملازمة للنداء؛ مثل: يا فل "أي: يا فلان"، ويا مكرَمان للكريم الجواد، وغيرهما مما لا يكون إلا منادى1. وهكذا اقتضى الأمر تعدد العلامات بتعدد أنواع الأسماء ...
"ب"- للاسم علامات أخرى؛ أهمها:
1- أن يكون مضافًا؛ مثل: تطرب نفسي لسماع الغناء. وقراءة كتب الأدب.
2- أن يعود عليه الضمير2، مثل: جاء المحسن. ففي "المحسن" ضمير. فما مرجعه؟ لا مرجع له إلا "أل"3؛ لأن المعنى: "جاء الذى هو محسن" ولهذا قالوا "أل" هنا: اسم موصول. وكذلك قد فاز المخلص، وأفلح الأمين.
3- أن يكون مجموعًا. مثل: مفاتيح الحضارة بيد علماء، وهبوا أنفسهم للعلم. فكوْن الاسم جمعًا خاصة من خواص الأسماء.
4- أن يكون مصغرًا؛ "لأن التصغير من خواص الأسماء كذلك" مثل: حُسَين أصغر من أخيه الحسن.
5- أن يبدل منه اسم صريح؛ مثل: كيف عليّ؟ أصحيح أم مريض؛ فكلمة: "صحيح" اسم واضح الاسمية، وهو بدل من كلمة: "كيف" فدلّ على أن "كيف" اسم؛ لأن الأغلب في البدل والمبدل منه أن يتحدا معًا، في الاسمية والفعلية.
__________
1 انظر ما يتصل بالعلامة الثالثة: "المناداة" - ص 27.
2 بهذه العلامة أمكن الحكم بالاسمية على "ما" التعجبية، وعلى "مهما" في مثل: ما أجمل المعروف! ومثل قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} ... إلخ.
3 سيجيء بيان السبب مفصلًا عند الكلام على صلة "أل" في باب: "الموصول". "رقم 2 من هامش ص 356".(1/29)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6- أن يكون لفظه موافقاً لوزن اسم آخر، لا خلاف فى اسميته؛ كنزَال1 فإنه موافق فى اللفظ لوزن: "حَذَامِ" اسم امرأة، وهو وزن لا خلاف فىَ أنه مقصور على الأسماء. ولولا هذه العلامة لصعب الحكم على "نَزَالِ" بالاسمية؛ لصعوبة الاهتداء إلى علامة أخرى.
7- أن يكون معناه موافقًا لمعنى لفظ آخر ثابت الاسمية؛ مثل: قَطُّ. عَوْضُ. حيث ... فالأولى ظرف يدل على الزمن الماضي2، والثانية ظرف يدل على الزمن المستقبل، والثالثة بمعنى المكان -في الأغلب- وبهذه العلامة أمكن الحكم على الكلمات الثلاثة بالاسمية؛ إذ يصعب وجود علامة أخرى.
"جـ" سبق أن من علامات الاسم الإسناد: وقد وضحناه. وبقي أن نقول: إذا أسندتَ إلى كلمة قاصدًا منها لفظها، وكان لفظها مبنيًا -كما لو رأيت كلمة مكتوبة؛ مثل: "قَطفَ" أو: "مَنْ" "أو: رُبَّ"، وأردت أن تقول عن لفظها المكتوب؛ إنه جميل، وهو لفظ مبني فى أصله كما ترى -فإنه يجوز أحد أمرين.
أولهما: أن تحكيها بحالة لفظها، وهو الأكثر؛ فيكون إعرابها مقدرًا، منع من ظهور علامته حكاية اللفظ على ما كان عليه أولًا؛ من حركة، أو سكون، فلا يدخل على آخر الكلمة تغيير4 لفظي، مهما اختلفت العوامل. تقول: قطف جميل، إن قطف جميل، سررت من قطف.... و.... .
ثانيهما: أن تعربها على حسب العوامل إعرابًا ظاهرًا مع التنوين؛ فتقول: قَطَفٌ جميلةٌ، بالرفع والتنوين فى هذا المثال، إلا إن كان فى آخر الكلمة ما يمنع ظهور الحركة؛ كوجود ألف مثلا، كقولك: "علىَ" حرف جر، فإنها تعرب بحركة مقدرة، وتُنَون، مالم يمنع من تنوينها مانع؛ كالإضافة5 ...
__________
1 اسم فعل، بمعنى، انزل.
2 ولا تستعمل إلا في جملة منفية.
3 في صفحة 28
4 إلا إن كان اللفظ في أصله حرفا ثنائيّا، فيجوز أن يكون مبنيًّا للشبه اللفظي بالحروف -كما ستعرف. وهذه صورة من الحكاية غير التي ستيجيء في رقم "7" من ص 200.
5 يلاحظ الفرق الواضح بين دلالة الأمرين السابقين في "جـ" ودلالة الملاحظة التي في صفحة 79 وما يتصل بها في ص 309، 310 وما يخالفها في "جـ" من ص 146.(1/30)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا كانت الكلمة ثنائية. وثانيها حرف لين، ضاعفته. فتقول فى "لوْ": لوٌّ. وفى كلمة "في": فيٌّ. وفي كلمة "ما": "ماء". بقلب الألف الثانية الحادثة من التضعيف همزة، لامتناع اجتماع ألفين.
ويرى بعض النحاة: أن الحرف الثاني الصحيح من الكلمة الثنائية لا يضاعف إلا إذا صارت الكلمة علمًا لشيء آخر غير لفظها، كأن تسمى شيئًا: "بل" أو: "قدْ" أو: "هل" ... أما إذا بقيت على معناها الأصلى وقصد إعرابها فلا يضاعف ثانيها؛ سواء أكان صحيحًا مثل: "قَدْ" أم لَينًا مثل: "لَوْ"1 ...
__________
1 راجع الصبان -جـ1- الباب الأول، عند الكلام على علامات الاسم، ومنها: علامة: "الإسناد" وانظر تعريف "الحكاية" في رقم 1 من هامش ص 310 الآتية.
والرأيان السالفان فصيحان، ولكل منهما مزيته التي تدعو إلى تفضيله حينًا، أو العدول عنه إلى نظيره حينًا آخر، تبعًا لما يقضي به المقام الكلامي، فمزية الحكاية أنها تحمل الذهن سريعًا إلى الحكم على اللفظ بأنه معاد ومرددًا لداعٍ بلاغي، والذي يدل على هذه الإعادة مخالفة اللفظ في ظاهره لما تقتضيه العوامل من حركات إعرابية معينة. فمن يسمع من فصيح: "قطف" السابقة ببقائها على حركتها الأصلية مع اختلاف العوامل يدرك سريعًا أنها معادة موددة، أي: "محكية" فلو لم تكن في التركيب السابق محكية لكانت مبتدأ مرفوعًا، فعدم رفعها وتركها على حالتها الأولى دليل على: "الحكاية" أي: على أن الناطق بها يرددها بعد أن سمعها من غيره أو قرأها، فنطق بها من غير إدخال تغيير على حركاتها مطلقًا، الناطق بها يرددها بعد أن سمعها من غيره أو قرأها، فنطق بها من غير إدخال تغيير على حركاتها مطلقًا، ولو اقتضى المقام الإعرابي الجديد إدخال تغيير على حركاتها. ويظهر هذا بوضوح حين نسمع - مثلا - المغني يترنم بكلمة: "قطف" جميلة، فيكون النطق بها على سبيل الحكاية إعلانًا ورمزًا إلى أنها جميلة في حالة معينة لنا، وصورة خاصة دون غيرها، بخلاف ما لو قلنا: قطف جميلة، فليس في هذا التعبير، ما يدل على ذلك التقييد المهم. ومما يزيد الأمر وضوحًا ما قالوه في موضع آخر، فمن الأعلام من اسمه "أبو الفضل"، و"أبو جهل" ... فإذا سمعنا من الخبير بالأساليب الصحيحة، الحريص على سلامتها، قوله -مثلًا- مدح الناس "أبو الفضل"، وذموا "أبو جهل" عرفنا سريعًا أن هذا المتكلم الفصيح لم يقل "مدح الناس أبا الفضل وذموا أبا جهل" وإنما قال: "أبو" فلا بد أن يكون هذا على سبيل الحكاية، لحكمة بلاغية، قد تكون رغبته في إظهار أن: "أبو الفضل" و"أبو جهل" علمان لشخصين معينين، وليس المراد منهما مطلق رجل متصف بالفضل أو بالجهل، إذ لو قال "مدح الناس أبا الفضل وذموا أبا جهل" لجاء الكلام خاليا من التعيين الدقيق، محتملا "العلمية" ومحتملا أن يشمل كل صاحب فضل، أو صاحب جهل من غير تخصيص....
أما الرأي الآخر فمزيته عمومه وشموله كل الحالات المختلفة، ومنها السابقة، ودخوله تحت القاعدة الإعرابية المطردة، ففيه نوع تيسير.
ولهذه المسألة صلة بما يجيء في جـ 4 ص 669م 177 باب: "النسب" وما فيها من خلاف، من ناحية تشديد الحرف الثاني من الكلمة الثنائية، وعدم تشديدها.(1/31)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"د" الاسم ثلاثة أقسام:
ظاهر، مثل كلمة: "محمد" في: "محمد عاقل"، ومضمر1، أي: غير ظاهر فى الكلام، مع أنه موجود مستتر، مثل الفاعل فى قولنا: أكرمْ صديقك2؛ فإن التفاعل مستتر وجوبًا تقديره: "أنت"، ومبهم"، لا يتضح المراد منه ولا يتحدد معناه إلا بشيء آخر، وهو اسم الإشارة؛ مثل: هذا نافع، واسم الموصول؛ مثل: الذى بنى الهرم مهندس بارع"3.
ملاحظة: هناك قسم رابع -في رأي الكوفيين ومن تبعهم، كابن مالك- وهو الاسم الزائد المحض، لتأكيد المعنى وتقويته. وهذا النوع لا محل له من الإعراب؛ لأنه لا يتأثر بالعوامل ولا يؤثر في غيره. ومن أمثلته: كلمة: "ذا".....4، طبقا للبيان الخاص بها5.
__________
1 راجع "ب" من ص 219 حيث التفصيل. وفي بعض مواضع أخرى قد يراد بالمضمر ما يسمى اصطلاحًا: "الضمير" ومنه، "المستتر" ومنه "البارز" "الظاهر".
2 انظر رقم 2 من هامش ص 16.
3 لأن اسم الإشارة لا يتضح المراد منه بالإشارة إليه، والموصول لا يتضح إلا بصلته. ولا مبهم في الأسماء هذين. وسيجيء البيان في "جـ" من ص 338 وفي باب: الموصول "رقم 4 من هامش ص 338".
4 كالتي في قول الشاعر:
دعي ماذا علمت سأتقيه ... ولكن بالمغيب خبريني
5 في رقم "أ" و"ب" من صفحتي 360، 461.(1/32)
المسألة الثالثة: أقسام التنوين، وأحكامه
التنوين1 الذى يعتبره النحاة علامة على أن الكلمة اسم -أنواع؛ أشهرها أربعة؛ هى: تنوين الأمْكَنِيَّة، تنوين التنكير، تنوين التعويض، تنوين المقابلة، ولهم فى كل نوع آراء مختلفة، سنستخلص الرأي السليم منها:
النوع الأول: تنوين الأمكنية:
ولتوضيحه نقول: إن الأسماء أربعة أقسام:
"أ"- قسم تتغير حركة آخره باختلاف موقعه من الجُمل، ويدخله التنوين فى آخره؛ مثل: علىٌّ، شجرةٌ، عصفورٌ، ... تقول: جاء علىٌّ، برفع آخره وتنوينه ... رأيت عليًّا؛ بنصب آخره وتنوينه. ذهبت إلى علىِّ، بجر آخره وتنوينه ... وكذلك باقى الأسماء السابقة وما يشبهها. وهذا القسم من الأسماء يسمى: "المُعْرَب الْمُنصرف" 2.
"ب"- قسم تتغير حركة آخره باختلاف موقعه من الجمل، ولكنه لا ينوّن؛ مثل: أحمد، فاطمة، عثمان ... تقول: جاء أحمدُ، رأيت أحمدَ، ذهبت إلى أحمدَ ... وكذلك باقي الأسماء السالفة، وما أشبهها: فإنها لا تنون، مهما اختلفت العوامل3. وهذا القسم يسمى: "المعرب غير المنصرف"،
__________
1 سبق تعريفه وتوضيحه في ص 26.
2 وقد يسمى اختصارًا: "المنصرف" -كما سيجيء في رقم 3 من هامش ص 174- وإذا ذكر التنوين من غير نص على نوعه كان المراد تنوين: المعرب المنصرف"؛ لأنه هو المقصود عند الإطلاق، "أي: عند عدم ذكر النوع". أما إذا أريد غيره فلا بد من التقييد بذكر النوع. كأن يقال: تنوين التنكير، أو: تنوين العوض. والمعرب هو اللفظ الذي تتغير علامة آخره بتغير العوامل، "كما سيجيء قريبًا في بابه الخاص ص 75 م 6". و"المنصرف" هو الذي يكون في آخره هذا التنوين الدال على "الصرف". ويجري "في عبارات بعض القدماء: "الإجراء وعدم الإجراء" بدلًا من "الصرف ومنع الصرف" -وسيجيء البيان في جـ 4 باب: "ما لا ينصرف".
3 هذا القسم قد يدخله التنوين أحيانًا لغرض معين -كما سيجيء البيان في رقم 1 من هامش ص 294" تقول: رأيت أحمدًا، بالتنوين، بشرط أن تقصد الإخبار بأنك رأيت واحدًا غير معين ممن اسمهم: "أحمد" بخلاف ما لو رأيت رجلًا معينًا اسمه،: أحمد معهودًا بينك وبين من تخاطبه ... "راجع شرح المفصل جـ 9 ص 29 موضوع: التنوين". هذا، والتمثيل بكلمة: "أحمد" هو من صنيع صاحب =(1/33)
وله باب خاص يتضمن أسباب منع الاسم من الصرف1 ...
"حـ" قسم لا تتغير حركة آخره بتغير التراكيب. ويسمى: المبني2. لكن
__________
= "المفصل" نفسه، وكان الأولى التمثيل بكلمة مثل: "يزيد" ونحوها ... لما سيجيء -"في جـ 4 ص 191 م 147 "ب" عند الكلام على الاسم الذي ينصرف" وهو: أن الاسم الممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل إذا زالت علميته يظل ممنوعا من الصرف إن كان في أصله وصفا سابقا على العلمية وترك وصفيته السابقة، وانتقل إلى العلمية. مثل: "أحمر" علم شخص، فإن حسين تزول عنه العلمية الطارئة يرجع إلى ما كان عليه قبلها، ويعود وصفا كما كان، ويظل ممنوعًا من الصرف بشرط وجود العلة الثانية.
وكلمة: "أحمد" ينطبق عليها هذا من ناحية رجوعها إلى الوصفية السابقة حين تزول عنها العلمية الطارئة، فكيف تنون إن زالت علميتها وبقيت العلة الثانية؟.
ربما كان يرى فرقًا بين "أحمد" و"أحمر" هو أن "أحمد" متوغل في علميته حتى نسيت وصفيته وأهملت، فإن زالت عنه علميته لم يرجع إلى وصفيته السابقة عليها، بخلاف: "أحمر" وأشباهه، فوصفيته قوية ملحوظة. لكن الأفضل- كما قلنا التمثيل بما لا احتمال معه. مثل كلمة "يزيد" فليس لها وصفية سابقة.
1 سيجيء في الجزء الرابع. وللنحاة تعليل طويل في عدم تنوينه، ولكنه تعليل يرفضه التأمل.
وقد آن الوقت لإهماله، وإنما نذكر ملخصه التالي ليطمئن من يشاء من الخاصة، إلى أنه تعليل مصنوع معيب، فهم يقولون.
إن الفعل ثقيل على اللسان، لقلة استعماله، بالنسبة للاسم، فالفعل لا يستعمل إلا ما فاعل هو اسم، أما الاسم فقد يستعمل أحيانا مع الفعل، مثل: "نفع الكتاب"، وقد يستعمل أحيانا مع الاسم، مثل: "الكتاب نافع" فالمواضع التي يشغلها الاسم أكثر من المواضع التي يشغلها الفعل، وكثرة الاستعمال داعية إلى خفة النطق وسهولته.
وشيء آخر، هو أن الفعل لا يوجد إلا مع فاعل-كما سبق، وقد يحتاج إلى مفعول. ومعنى هذا أن الفعل لا يوجد منفردًا، ولا يدل نفسه على معنى، وإنما يوجد في كلام مركب. أما الاسم فإنه قد ينفرد ولا يراد منه إلا مجرد الدلالة على شيء "أي: على مسمى، كما عرفنا -في ص 26" والمفرد أخف من المركب في النطق والاستعمال.
فمن أجل خفته دخله التنوين الذي هو علامة الخفة، ورمز السهولة، وامتنع دخوله على الأفعال، لثقلها. ثم يتدرجون من هذا إلى قولهم: إن في كل فعل ظاهرتين، إحداهما: لفظية، وهي: اشتقاقه من المصدر "على الرأي الشائع" واشتراك لفظيهما في الحروف الأصلية، والمشتق فرع، والمشتق منه أصل، لهذا كان الفعل فرعًا من الاسم. والأخرى: معنوية، وهي: حاجة الفعل إلى الفاعل الاسم -كما سبق. والاحتياج فرع، وعدم الاحتياج أصل. ولما كان القسم الثاني من الأسماء "وهو المعرب غير المنصرف" لا يمنع من الصرف إلا إذا اجتمع فيه ظاهرتان، أو علتان فرعيتان: إحداهما لفظية، والأخرى معنوية، كان شبيها بالفعل في ذلك، فامتنع مثله من الصرف، فكلمة: "فاطمة" فيها علة لفظية، وهي التأنيث، والتأنيث فرع التذكير عندهم، وعلة معنوية هي: العلمية، والعلمية فرع التنكير، فهاتان ناحيتان فرعيتان في كلمة "فاطمة"، فلا بد من الظاهرتين "العلتين"، أو من ظاهرة تقوم مقامهما، وذلك في كل كلمة تمنع من الصرف. وينتهون من ذلك كله إلى النتيجة التي يريدونها، وهي: أن الفعل فيه العلتان، ولا يدخله التنوين. وكذلك بعض الأسماء فيه الظاهرتان أو العلتان -أو ما يقوم مقامهما- فلم لا يمنع من الصرف أيضًا بسبب وجود الناحيتين الفرعيتين فلا يدخله التنوين؟
ذلك ملخص كلامهم الخيالي. وهو مدفوع بأن السبب الحق في تنوين بعض الأسماء وعدم تنوين بعض آخر أن العرب الفصحاء نطقت بهذا منونا، وبذلك غير منون. فعلت هذا بفطرتها وطبيعتها، لا لسبب آخر، كمراعاة لقواعد علمية، وتطبيق لأسس فلسفية منطقية، فإن هذه وتلك لم تكن معروفة لديهم في عصر صدر الإسلام وما قبله من عصور الجاهلية، فلم يستخدموا المشابهة، ولم يستعينوا بقياس المناطقة أو غيره من مسالك الجدل، والتوهم، وأشباهه مما لا يوافق حياتهم الأولى، ولا نشأة اللغة.
2 سيجيء الكلام عليه في بابه الخاص "ص 72 م 6".(1/34)
قد يدخله التنوين أحيانا لغرض. وإليك الإيضاح:
من الأسماء القديمة: خَالَوَيْه، نِفْطَوَيْه، عَمْرَوَيْه، سِيبَويْهِ. وغيرها من أعلام الأشخاص المبنية على الكسر -غالباً- المختومة بكَلمة: "وَيْه". فإذا أردت أن تتحدث عن واحد من هذه الأعلام، وكان معينًا معهودًا بينك وبين من تخاطبه، معروفًا بهذا الاسم، لا تختلط صورته فى الذهن بصورة غيره، فإنك تنطق باسمه من غير تنوين، وأنت بهذا تتكلم عنه كما تتكلم عن الأعلام الأخرى المعربة التى يدل الواحد منها على فرد خاص بعينه؛ مثل: محمد، أو: صالح، أو: محمود، أو: غيرهم1 ...
أما إذا أتيت بالتنوين فى آخر الكلمة فإن المراد يتغير؛ إذ تصير كمن يتحدث عن شخص غير مُعَين، لا يتميز من غيره المشاركين له فى الاسم، فكأنك تتحدث عن رجل أيّ رجل مسمى بهذا الاسم.
ومن الأمثلة أيضًا ما ليس بعلَم، مثل: صَهْ2، إيهِ3، غاقِ4.
وهذه الكلمات المبنية وأشباهها تكون منونة حينًا، وغير منونة حينًا آخر5، كأن تسمع شخصًا يتحدث فى أمر معين لا يرضيك؛ فتقول له: صَهْ، "بسكون الهاء من غير تنوينها". فكأنك تقول له: اسكت عن الكلام فى هذا الأمر الخاص، ولك أن تتكلم فى أمر آخر إن شئت. أما إذا قلت له: صهٍ "بالتنوين" فمرادك: اترك الكلام مطلقًا فى جميع الموضوعات؛ لا فى موضوع معين.
ولو قلت له: "إيهِ" "بالكسر من غير التنوين" لكان المقصود: زدني من الحديث المُعَين الذى تتكلم فيه الآن. ولا تتركه. أما إذا قلت: "إيهٍ" بالتنوين فإن المراد يكون: زدني من حديث أيّ حديث؛ سواء أكان ما نحن فيه أم غيره.
__________
1 راجع ما يتصل بهذا، وبإعراب الممنوع من الصرف في ص 174، 310، 315.
2 اسم فعل أمر، بمعنى: اسكت.
3 اسم فعل أمر، بمعنى: زد.
4 اسم صوت الغراب.
5 التنوين وعدمه مقصوران على السماع في أغلب أسماء الأفعال والأصوات- بالتفصيل الذي سيجيء في بابهما في الجزء الرابع. بخلاف الأسماء المختومة بكلمة: "ويه" من مثل: خالويه، ونفطويه، وأشباههما، فإنه قياسي.(1/35)
كذلك: صاح الغراب غاقِ "بغير تنوين" فالمراد أنه يصيح صياحًا خاصًّا، فيه تنغيم، أو حزن، أو فزع، أو إطالة ... أما بالتنوين فمعناه مجرد صياح.
فعدم التنوين فى الكلمات المبنية السابقة -وأشباهها- هو الدليل على أنك تريد شيئًا واحدًا معينًا، واضحًا فى ذهنك، معهودًا لك ولمخاطبك؛ سواء أكان ذلك الشيء شخصًا أم غير شخص، والتنوين هو الرمز الدال على أنك تريد شيئًا غير مُعَين بذاته، وإنما هومختلط بين نظائره المماثلة له، ولا يتجه ذهنك إلى واحد منها دون غيره. ويسمون الكلمة التى من النوع الأول الخالي من التنوين: "معرفة"1؛ لأن مدلولها معروف مُعَين. والكلمة التى من النوع الثانى المنَوّن: "نكرة"؛ لأن معناها مُنَكر -أي: شائع- غير معين وغير محدد. ويسمون التنوين الذى يدخلها: "تنوين التنكير" أى: التنوين الذى يدل فى الكلمة المبنية على الشيوع وعدم التعيين؛ ولا يدخل إلا الأسماء المبنية. فهو: "العلامة التى تدل بوجودها على أن الكلمة المبنية نكرة، وتدل بحذفها على أنها معرفة".
"د" قسم لا تتغير حركة آخره ولا يدخله التنوين؛ مثل: هؤلاءِ حيثُ ... كمْ ... تقول: جاءَ هؤلاءِ، أبصرتُ هؤلاءِ، انتفعت بهؤلاءِ ... "بالكسر فى كل الحالات، بغير تنوين، فهو مبني، وغير منون".
من التقسيم السابق نعلم أن بعض الأسماء معرب، وبعضها مبني، وأن كل واحد منهما قد يكون منونًا، وقد يكون غير منون.
والقسم الأول: "أ" وحده هوالذى يجتمع فيه الإعراب والتنوين معًا. والنحاة يقررون أن الأصل فى الأسماء أن تكون مُعْربة2 ومنونة، وأن الأصل فى الحروف وأكثر الأفعال أن تكون مبنية وغير منونة؛
__________
1 وللمعرفة والنكرة وأنواعهما باب خاص يشمل كل أحكامهما، وسيجيء قريبًا "ص 206 م 17".
2 لأن استقراءهم للأسماء دلهم على غلبة الإعراب والتنوين فيها، كما دلهم على أن الحروف كلها مبنية وغير منونة، وأن الأفعال كلها غير منونة وأكثرها مبني، فالماضي والأمر مبنيان دائمًا، والمضارع يعرب في حالات، ويبني في غيرها.(1/36)
أكثرها مبني فكلما ابتعد الاسم عن مشابهة الحرف والفعل فى البناء وعدم التنوين1 كان أكثر أصالة فى الاسمية، وأشدّ تمكنًا.
وبتطبيق هذا على الأقسام الأربعة السالفة يتبين أن القسم الأول أقواها جميعًا فى الاسمية، وأعلاها فى درجتها؛ لأنه لا يشبههما فى شيء؛ فهو مُعرب؛ أما الحروف وأكثر الأفعال فمبنية. وهو منون؛ والتنوين لا يدخل الأفعال ولا الحروف.
ثم يليه فى القوة والأصالة؛ القسم الثانى: "ب"؛ لأنه معرب، والحروف وأكثر الأفعال مبنية -كما سبق- لكنه يشبه الأفعال والحروف فى عدم التنوين. ثم يليه القسم الثالث: "حـ" وهوأضعف من القسمين السابقين؛ لبنائه الدائم، ولعدم تنوينه أحيانًا. أما الرابع: "د" فهو أضعف الأقسام كلها؛ لأنه مبني دائمًا، ولا ينون مطلقًا. فاجتمع فى القسم الأول العاملان الدالان على التباعد وعدم المشابهة، أما القسم الثانى فليس فيه إلا عامل واحد؛ لهذا يسمى القسم الأول: "المتمكن الأمكن"، أي: القويّ فى الاسمية، الذى هو أقوى أصالة فيها، وأثبتُ مكانة من غيره. ويسمى التنوين الذى يلحقه: تنوين "الأمكنية" أو: "الصرْف" ويقولون فى تعريفه: "إنه التنوين الذى يحلق آخر الأسماء المعربة المنصرفة؛ ليدل على خفتها2، وعلى أنها أمكَنُ، وأقوى فى الاسمية من غيرها" كما يسمى القسم الثانى: "المتمكن" فقط. وما عداهما فغير متمكن.
النوع الثانى: تنوين التنكير:
وهو"الذى يلحق -فى الأغلب- بعض الأسماء المبنية؛ ليكون وجوده
__________
1 أو في غيرهما، كبعض الظواهر الخاصة التي تظهر في الفعل -في رأيهم- كما سبق في رقم1 من هامش ص 34.
2 أثر هذا التنوين في الخفة وغيرها مفصل في موضعه الأنسب "جـ 4 باب: "ما لا ينصرف". م 145 ص 191".
3 الأغلب أنه يلحق بعض الأسماء المبنية، لكنه قد يلحق بعض الأسماء المعربة المنصرفة للسبب السابق في الرقم: "3" من هامش ص 33 والبيان الذي في رقم 2 من هامش ص 294.(1/37)
دليلًا على أنها نكرة، وحذفه دليلًا على أنها معرفة"1 وهوالذى سبق إيضاحه وشرحه فى القسم الثالث: "حـ" من الأسماء.
النوع الثالث: تنوين التعويض2، أوالعِوَض:
من الدواعي ما يقتضي حذف حرف من كلمة، أو حذف كلمة كاملة، أو حذف جملة بتمامها أو أكثر؛ فيحل التنوين محل المحذوف، ويكون عوضًا عنه. فمن أمثلة -حذف الحرف3 ما يأتى:
جدول يسحب اسكانر
فهنا بعض أفعال ثلاثية، أصلية الحروف، أي: لا يحذف منها حرف فى المشتقات المختلفة إلا لداعٍ قويّ، لكن الحرف الأخير من تلك الأفعال
__________
1 لم نذكر في التعريف: "أنه يلحق الأسماء المبنية" مع أن الغالب لحاقه بها؛ لأنه قد يلحق الأسماء المعربة غير المنصرفة لغرض أوضحناه "في رقم3 من هامش ص33 وللبيان الذي في رقم1 من هامش ص294 فتقييد الأسماء بأنها "مبنية" غير صحيح.
2 ويدخل الأسماء المعربة والمبنية.
3 وهذا الحذف مقصور على حالتي الرفع والجر، مع وجود التنوين فيهما، كما في الأمثلة.
فإن لم يوجد التنوين -لسبب أن الكلمة مضافة، أو: مبدوءة بأل، أو: لداع آخر- لم تحذف الياء. وكذلك لا تحذف في حالة النصب، بل تبقي وتظهر الفتحة عليها من غير التنوين.(1/38)
صار ياء في اسم الفاعل وحذف فى جمع التكسير، وحل مكانه التنوين؛ عِوضًا عنه، فالتنوين المشاهد فى آخر كل جمع مما سبق إنما هو تعويض عن الحرف المحذوف. وعند الإعراب نقول: الكلمة مرفوعة بالضمة على الياء المحذوفة. ومجرورة بفتحة نيابة عن الكسرة فوق الياء المحذوفة. والتنوين الظاهر فى الحالتين عوض عن الياء المحذوفة1.
__________
1 هذا خير ما يقال اليوم، وأوضحه وأيسره. أما ما يقوله النحاة فمردود عقلًا، وفيه التواء وصعوبة، فهم يقولون: إن كلمة: باقية، أو: نامية، أو: ماضية، أو: ما يشبهها "من كل كلمة مؤنثة على وزن: "فاعلة" يجوز جمعها جمع تكسير على وزن: "فواعل" فتصير الكلمة المرفوعة بعد تكسيرها: "بواقي" "نوامي" "مواضي" بالضم بغير تنوين؛ لأنها ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع "وهي كل جمع تكسير بعد ألف تكسيره إما حرفان، مثل: معابد، طوائف، جواهر، مدارس....، وإما ثلاثة أحرف أوسطها ساكن، مثل: مفاتيح، قناديل، أزاهير، جمع أزهار، وتفصيل الكلام عليها في الباب الخاص بما لا يصرف جـ4 م 145، م 173" ثم تحذف الضمة؛ لأنها ثقيلة على الياء، فتصير الكلمة، "بواقي"، "نواسي"، "مواضي"، ثم تحذف الياء للتخفيف أيضًا. ويجيء التنوين عوضًا عنها؛ لأنها حرف أصلي، لا يحذف من غير تعويض، وإلا كان الحذف جورًا على الكلمة، كما يقولون!!
هذا على اعتبار أن الكلمة المجموعة كانت ممنوعة من الصرف أول الأمر عند تكسيرها، ثم وقع الحذف والتعويض بعد ذلك. أما على اعتبار أنها لم تكن ممنوعة من الصرف أول الأمر وإنما وقع الحذف والتعويض قبيل منعها من الصرف فيقال فيها: "بواقي" "نوامي"، "مواضي" بالتنوين في كل هذا، ثم حذفت الضمة الأولى وحدها؛ لأنها ثقيلة على الياء "وبقي التنوين الذي تدل الضمة الثانية عليه" فالتقى ساكنان لا يجوز اجتماعهما، هما: الياء والتنوين، فحذفت الياء أولا، ثم حذف التنوين بعدها، "بسبب أن الكلمة ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع" فصارت "بواق"، "جوار" و"مواض" بكسرة واحدة، "أي: بغير تنوين" ثم جاء تنوين آخر غير المحذوف، ليكون عوضًا عن الياء، وليمنع رجوعها عند النطق. فمنع الصرف في الحالة الأولى سابق في وجوده على الحذف، ومقدم عليه، أما في الحالة الثانية فكان الحذف هو السابق والمقدم على منع الصرف في رأيهم.
وكلتا الحالتين تجري على الجموع السابقة وأشباهها في حالة الجر أيضا، فبدلا من أن يقال: حذفت الضمة، لثقلها ... يقال: حذفت الكسرة، لثقلها ... أو حذفت الفتحة التي هي نائبة عن الكسرة، الثقيلة - في رأيهم- بالرغم من خفتها عندهم في كل موضع آخر.
ولا يخفى ما في هذا من تكلف بغير داع، ولف، وتعقيد. والواجب أن تقول في سبب الحذف في "فواعل" وأشباهها، "من كل صيغة لمنتهى الجموع، آخرها ياء لازمة، مكسور ما قبلها، ولكنها تحذف -عند عدم المانع- كحذفها في الجموع السابقة" "إنه استعمال العرب ليس غير" فهم يحذفون تلك الياء، رفعًا، وجرًا، إذا وقعت آخر صيغة منتهى الجموع، وما أشبهها من غير أن يفكروا في قليل أو كثير مما نقلناه عن النحاة، بل من غير أن يعرفوا عنه شيئًا. فلا علينا إن تركنا ذلك المنقول، واكتفينا بما ذكرناه، مسايرة للعقل، وتجنبًا للوعر الذي لا خير فيه، بل الخير في استبعاده ونبذه.
وما يؤيد رأينا -إن كان في حاجة إلى تأييد- أن العرب يقولون: أكرمت بواكي ... ورأيت سواقي ... و.... بظهور الفتحة على الياء. فلم توصف الفتحة في مثل هذه الحالة بالخفة وتفوز بالبقاء، ولم توصف في حالة الجرحين تكون نائبة عن الكسرة بالثقل وتحذف- في الرأي المشهور- ثم تحذف الياء؟ ....
فكيف يقع هذا مع أن الحرف في الحالتين واحد، وكذلك حركته وهي الفتحة، وكذلك الحنجرة، واللسان والفم، وجهاز النطق والكلام. ثم انظر رقم 4 من هامش ص 191.(1/39)
أما حذف كلمة ومجيء التنوين عوضًا عنها فيكثر بحذف المضاف إليه بعد لفظة: "كل"، أو"بعض"1 -وما فى حكمهما- ومن أمثلته:
قسمت المال بين المستحقين؛ فأعطيت كُلاًّ نصيبه، أي: كل مستحقٍ.
حضرت الضيوف فصافحت كُلاًّ منهم. أي: كل ضيفٍ.
تعجبني الصحف اليومية غير بعضٍ. أي: بعضٍ الصحفِ.
اعتدل الجو أيام الشتاء إلا بعضًا. أي: بعض أيامٍ.
وأما حذف جملة، أو أكثر، ومجيء التنوين عوضًا عنها فإنه يكثر بعد كلمة "إذ"2 المضافة، المسبوقة بكلمة "حين" أو"ساعة" وما أشبههما من ظروف الزمان التي تضاف إلى: "إذْ". ويتضح من الأمثلة الآتية:
جاء الصديق، وكنت "حين إذْ جاء الصديق" غائبًا، جاء الصديق وكنت "حينئذ" غائبًا.
أكرمتني؛ فأثنيت عليك "حين إذ أكرمتني" -أكرمتني فأثنيت عليك "حينئذ".
سابقت، وكان زملاؤك "ساعة إذ سابقتَ" يرجون لك الفوز، سابقت وكان زملاؤك "ساعتئذٍ" يرجون لك الفوز.
مشيتَ فى الحديقة، وقطفتَ الزهر. وكنتُ "ساعة إذ مشيتَ" وقطفتَ قريبًا منك، أو: وكنت "ساعتئذٍ" قريبًا منك.
سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره، وكنتَ معه وقت "إذ سافر"، وجلس يقرأ ويتكلم".
__________
1 لفظهما مفرد ومذكر، ولكن معناهما قد يكون غير ذلك. ولهذا يراعي في الضمير العائد عليهما مطابقته للفظهما حينًا أو لمعناهما حينًا آخر -طبقًا للبيان الآتي في ص266 -
والتنوين فيهما تنوين "عوض" و"أمكنية" معًا؛ لأنه عوض عن المحذوف، ولأنهما معربان منصرفان- راجع حاشية الخضري، أول باب الممنوع من الصرف وسيجيء "في الجزء الثالث: "باب الإضافة م 94 ص 71" أن هذا الرأي أوضح وأدق من الرأي الآخر القائل: إنه للأمكنية فقط، وحجته وقوعه في اسم معرب منصرف، لا بد من وجوده في آخره، إلا إذا جاء بعده مضاف إليه فيحذف التنوين، لوجوب حذفه عند وجود المضاف إليه، فإذا حذف المضاف إليه عاد ذلك التنوين للظهور مرة أخرى بعد اختفائه"، فهو ليس تنوينًا جديد النوع، وإنما هو تنوين "الأمكنية" الذي يلحق -عند عدم المانع- آخر الأسماء المعربة المنصرفة كالتي هنا، اختفى بسبب الإضافة، فلما زال السبب رجع إلى مكانه ظاهرًا كما كان ويترتب على هذا الرأي منع دخول "أل" التي للتعريف على "كل" و "بعض" لأن الإضافة ملحوظة -دون الرأي الآخر الميسر طبقًا للبيان الذي في الجزء الثالث.
2 كما سيجيء في جـ 2 ص 258 م 79 باب: "الظرف" وفي جـ 3 ص 79 م 94 باب: "الإضافة".(1/40)
سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره. وكنت معه "وقتئذ" ...
ومنه قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} .
فقد حذفت -فى الأمثلة السالفة جملة أو أكثر بعد: "إذْ" مباشرة، وجاء التنوين عوضًا عن المحذوف. ولما كانت الذال ساكنة، وكذلك التنوين، حركْنا الذال بالكسر؛ ليمكن النطق والتغلب على اجتماع الساكنين1، ووصلنا كلمة: "إذ" فى الكتابة بما قبلها، عملًا بقواعد رسم الحروف "الإملاء".
مما سبق نعلم أن تنوين العِوض هو: ما يجيء بدلًا من حرف أصلى حذف، أو من كلمة، أو جملة، أو أكثر؛ ليحل محل المحذوف، ويغني عنه.
ومما يجب التنبه له أن هذا التنوين قسم مستقل، أثره الخاص هو: "التعويض" فلا يدل بنفسه على إعراب ولا بناء، ولهذا يدخل فى آخر الأسماء المتمكنة وغير المتمكنة: أي: يدخل فى آخر الأسماء المعربة والمبنية.
النوع الرابع: تنوين المقابلة:
إن التنوين حين يلحق آخر الاسم يكون دليلًا على أن ذلك الاسم قد تمّ، واستكمل حروفه، كما فى نحو: محمدٌ مسافرٌ، أمينٌ مهذبٌ، حليمٌ عالمٌ.
لكن أين يذهب التنوين حين تجمع تلك الكلمات جمع مذكر سالمًا فنقول: المحمدون مسافرون، الأمينون مهذبون، الحليمون عالمون؟ لمَ لمْ يبقَ فى الجمع ليدل على ما كان يدل عليه فى المفرد؟
يرى النحاة أنه قد اختفى، وحلت محله النون التى فى آخر الجمع. ولما كانت غير موجودة إلا فى جمع المذكر السالم، دون الجمع المختوم بالألف والتاء
__________
1 لأن الأصل في التخلص من التقاء الساكنين أن يكون بالكسر.
2 يلاحظ أن تثنية العلم أو جمعه أي جمع، يزيلان علميته، فيحتاج إلى ما يجلب له التعريف إذا اقتضى المقام التعريف- في حالة تثنيته وجمعه بعد زوال التعريف السابق الذي كان تابعًا للعلمية، ولهذا يزاد عليه ما يفيده التعريف، مثل "أل" المعرفة في أوله، أو حرف النداء، أو غيره.
- كما سيجيء البيان في رقم3 من ص129 مفصلًا، وله إشارة في هامش ص294.(1/41)
الزائدتين. "جمع المؤنث السالم وملحقاته" -وكلاهما جمع سلامة- كان من الإنصاف أن يزاد التنوين فى الثاني، ليكون مقابلًا للنون فى جمع المذكر السالم، ويتم التعادل بين الاثنين من هذه الناحية1. ويسمونه لذلك، تنوين المقابلة؛ ويقولون فى تعريفه:
إنه اللاحق لجمع المؤنث السالم؛ ليكون فى مقابلة النون فى جمع المذكر السالم.
إلى هنا انتهى الكلام على أنواع التنوين الخاصة بالاسم وحده.
وهناك أنواع أخرى ليست من علاماته؛ لأنها مشتركة بينه وبين الفعل، والحرف؛ فلا داعي لإثباتها هنا. ولا سيما إذا عرفنا أنها تكاد تكون مقصورة على الشعر دون النثر. فموضوعها المناسب لها هو: "علم الشعر" المسمى: "علم العَروض والقوافي".
__________
1 ونرى أن النون في جمع المذكر السالم، والتنوين في جمع المؤنث السالم- لا سبب لهما إلا نطق العرب. وكل تعليل يخالف هذا فمرفوض.
ولو صح أن النون في جمع المذكر السالم بدل التنوين في مفرده، لكان من الغريب وجودها في جمع المذكر السالم الذي لا تنوين في مفرده، بسبب منعه من الصرف، مثل: الأحمدين، والعمرين، واليزيدين، والأفضلين. وأشباهها، فإن مفردها- وهو أحمد، وعمر، ويزيد، وأفضل ... لا يدخله التنوين؛ لأنه ممنوع من الصرف. ولكان من الغريب أيضًا احتياج جمع المؤنث إلى المقابل "وهو التنوين" مع أن مفرده يخلو في كثير من الأحوال من التنوين، كفاطمة، وزينب. على عكس جمع المذكر السالم، فإن مفرده يكثر فيه التنوين. هذا إلى اعتراضات وأنواع من التناقض سببها التعليل السالف الذي لا قيمة له ومن المستحسن تسمية تنوين المقابلة باسم: "تنوين جمع المؤنث السالم" أو: الأخذ بالرأي الصائب، الذي يري إدماج تنوين المقابلة. في تنوين التمكين؛ لأنه منه برغم مخالفة بعض النحاة في ذلك.
"راجع الجزء الأول من حاشية الخضري في تنوين: المقابلة". هذا، وقد تركه "صاحب" المفصل ولم يذكره، وإن كان شارحه قد عرض له".(1/42)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"أ" تحريك التنوين:
التنوين ساكن، إلا إن جاء بعده حرف ساكن أيضًا، فيتحرك التنوين بالكسر1، وقد يجوز تحريكه بالضم2، مثل: "وقف خطيب استمعت خطبته "خطيبن استمعت خطبته"، وصاح قائلًا: افهموا "قائلن افهموا".
فقد وقعت السين ساكنة، بعد التنوين، وكذلك الفاء، فتحرك التنوين بالكسر أو بالضم، وكلاهما جائز، والكسر أكثر1 إلا حين يكون بعد التنوين حرف ساكن بعده حرف مضموم لزومًا3، مثل: "أقبل عالم أخرج لاستقباله"- فالخاء الساكنة بعد التنوية وليها حرف مضموم حتما، فيكون الأحسن تحريك التنوين بالضم، فتقول: "عالمن اخرج"، لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم في النطق. ومثله: "هذه ورقة اكتب فيها" فالكاف الساكنة بعد التنوين جاء بعدها التاء المضمومة، فكان من الأوفق تحريك التنوين بالضم، ليكون الانتقال من الضم إلى الضم، وهو أخف في النطق من الانتقال من الكسر إلى الضم. تقول: "هذه ورقتن اكتب فيها".
ومن العرب من يجيز حذف التنوين إذا وليه ساكن. وهذا أسهل اللغات كلها، فيقول: "وقف خطيب اسمع خطبته"، وصاح "قائل افهموا" و "أقبل عالم اخرج لاستقباله" وحبذا الاقتصار عليه بشرط التنبه إلى أن الكلمات التي حذف منها ليست ممنوعة من الصرف4.
"ب" مواضع حذف التنوين -غير الموضع الجائز السالف:
وبهذه المناسبة نقول:
إن هناك مواضع يحذف فيها التنوين وجوبا، منها:
1- وجود أل"، في صدر الكلمة المنونة، مثل: جاء رجل، بالتنوين من
__________
"1، 1" لأن الأصل في التخلص من التقاء الساكنين أن يكون بالكسر. "كما سبق في رقم 1 من هامش ص 41".
2 راجع شرح المفصل "جـ9 ص 35" عند الكلام على التنوين. وحاشية الصبان أيضا عند الكلام عليه.
3 يشترط بعضهم في هذا أن تكون ضمة الحرف أصلية، مثل: ضمة الراء في مثل: "اخرج" لأنها ضمة لا تتغير أبدا. بخلافها في مثل: حضر رجل ابنك يعرفه، فضمة "النون" في كلمة: "ابن تتغير بتغير إعراب كلمة: "ابن" وفي هذه الحالة يكون الأحسن- وقيل يجب - التخلص من الساكنين بالكسر.
4 انظر "حـ" من ص 50 في الكلام على التقاء الساكنين.(1/43)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من غير "أل"، وبحذفه وجوبًا معها؛ مثل: جاء الرجل.
2- أن تضاف الكلمة المنونة؛ مثل: جاء رجلُ المروءةِ.
3- أن تكون الكلمة المنونة شبيهة بالمضاف1؛ مثل: لا مالَ لمحمود، بشرط أن يكون الجار والمجرور صفة؛ وخبر "لا" النافية للجنس محذوفًا. أى: لا مالَ لمحمود حاضر. فكأنك تقول: "لا مالَ محمودٍ حاضر" فتفترض إضافة ملحوظة، مقدرة، لغرض يتصل بالمعنى المراد. وقد تفترض أن اللام زائدة؛ كأنها غير موجودة بين المضاف والمضاف إليه وأن الكلام يحوي إضافة ظاهرة.. ومن المستحسن عدم الالتجاء لهذا، قدر الاستطاعة.
أما إن كان الجار والمجرور هما الخبر فليس هناك تنوين محذوف. وإنما فتحة بناء فى آخر كلمة: "مال" التى هى اسم "لا" النافية للجنس.
4- أن تكون الكلمة ممنوعة من الصرف؛ مثل: اشتهر "سحبانُ" بالفصاحة لم أسمع "سحبانَ" ... ولكن قرأت خُطب "سحبانَ" ...
5- الوقف على الكلمة المنونة فى حالة الرفع أو الجر. ومعنى الوقف انتهاء الكلام عند النطق بآخرها. مثل: هذا أمرٌ عجيبْ -فكّرت فى أمر عجيبْ ... فإن كانت منصوبة. فإن التنوين ينقلب ألفًا فى اللغة المشهورة. مثل: شاهدت أمْرَا، عند الوقوف على كلمة: "أمرًا" المنونة. وشاهدت أمرًا "عجيبَا"؛ عند الوقوف على كلمة: "عجيبًا" المنونة.
6- أن يكون الاسم المنون علمًا2، مفردًا، موصوفًا3، مباشرة - أي من
__________
1 المراد بالشبيه المضاف: اللفظ الذي اتصل به شيء يتمم معناه ويزيد فائدته. وسيجيء بيانه في باب: "لا" النافية للجنس ص 689.
2 سواء أكان اسمًا، أم كنية، أم لقبًا "وسيجيء تعريف الثلاثة في باب العلم ص 307م 23 كما سيجيء لهذه المسألة مناسبة أخرى في باب المنادى جـ 4 ص 17 ط 2 - م 128". ويجوز أن يراعي في حذف الهمزة أن تكون الأعلام جنسية يكني بها عن المجهول اسمه، أو اسم أبيه، مثل: فلان بن فلان. أو: الحارث بن همام الذي تخيله الحريري، وأدار الحديث على لسانه في كثير من المقامات. وقد وقع الخلاف في حذف التنوين وهمزة الوصل وألفها من: "ابن" و"ابنة" إذا كان العلم الأول "وهو الموصوف كنية، أو كان العلم الثاني المضاف إليه كنية، مثل: اشتهر بالعدل الخليفة الثاني أو خفض بن الخطاب ومن أولاده. عبد الله بن أبي حفص. فرأى فريق وجوب إثبات التنوين وهمزة الوصل والألف، ويرى آخرون صحة الحذف والإثبات. ويبدو أن الأفضل الحذف، لتكون القاعدة عامة مطردة- كما سنشير لهذا في باب: المنادي جـ 4 ص 17 ط 2 م 128.
3 فلو كان لفظ "ابن، وابنة" بدلا، أو خبرا لمبتدأ أو لناسخ، أو منصوبا بعاملي محذوف مثل أعني - لم يصح حذف التنوين وما يتبعه.(1/44)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غير فاصل -بكلمة: "ابن" أو: "ابنة" وكلتاهما مفردة، مضافة إلى علم آخر مفرد، أو غير مفرد. ولا بد أن تكون البنوة حقيقية. ولا يشترط1 فى واحد من العلمين التذكير. فمجموع الشروط سبع؛ إذا تحققت مجتمعة حذف التنوين نطقًا وكتابة، وحذفت همزة الوصل وألفها من "ابن وابنة" كتابة ونطقًا، بشرط ألا تكون إحداهما أول السطر، ولا خاضعة لضرورة شعرية تقضي بإثباتها؛ فمثال الحذف: هذا محمدُ بن هاشم. وهذه هندُ2 بنة محمود. وإن اختل شرط من الشروط السبعة لم يحذف التنوين، ولا ألف "ابن وابنة"3.....
__________
1 طبقا للرأي الأقوى.
2 قلنا "هند"؛ لأنها علم مؤنث، يجوز تنوينه، وعدم تنوينه. أما أكثر الأعلام المؤنثة الأخرى فلا تنون مطلقًا؛ لأنها ممنوعة من الصرف، للعلمية والتأنيث.
3 راجع حاشيتي الصبان والخضري آخر -باب: النداء- حيث الكلام على كثير مما يختص بهذا الموضع السادس.(1/45)
المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، وعلامة كل قسم
"أ" فهم الطالب. سافر الرحالة. رجع الغائب.
كل كلمة من الكلمات: "فَهِمَ" "سَافَر" "رَجَع"، ... تدل بنفسها مباشرة "من غير حاجة إلى كلمة أخرى" ... على أمرين.
أولهما: مَعْنى ندركه بالعقل؛ وهو: الفهْم، أو: السفر، أوالرجوع، ويسمى: "الحَدَث"،
وثانيهما: زمن حصل فيه ذلك المعنى "أىْ: ذلك الحدث" وانتهى قبل النطق بتلك الكلمة؛ فهوزمن قد فات، وانقضى قبل الكلام1.
"ب" وإذا غيرنا صيغة تلك الكلمات فقلنا: "يَفهم". "يُسافر". "يرجع" ... دلت الكلمة فى صيغتها الجديدة على الأمرين أيضًا؛ المعنى "الحدَث" والزمن. ولكن الزمن هُنا لم يكن قد فات وانقضى؛ وإنما هوزمن صالح للحال1، والاستقبال.
"حـ" وإذا غيرنا الصيغة مرة أخرى فقلنا: "افهمْ"، سافِرْ"، "ارجعْ" ... دلت كل واحدة على الأمرين؛ المعنى "الحدَث" وهو: طلب الفهم، أو: طلب السفر، أو: طلب الرجوع. والزمن الذى يتحقق فيه الطلب. والزمن هنا مقصور على المستقبل وحده؛ لأن الشىء الذى يطلبه إنسان من آخر لا يحصل ولا يقع إلا بعد الطلب وانتهاء الكلام؛ أى: لا يقع إلا فى المستقبل ... فكل واحدة من تلك الكلمات وأشباهها تسمى: "فعلا". فالفعل:
كلمة تدل على أمرين معًا؛ هما: معنى "أىْ: حدث" وزمن يقترن به2
__________
"1و 1" الحال، هو: الزمن الذي يحصل فيه الكلام، والاستقبال هو: الزمن الذي يبدأ بعد انتهاء الكلام مباشرة. والماضي هو: الزمن الذي قبل الكلام.
2 دلالته على الأمرين هو الأعم الأغلب، لأن الفعل في التعريفات العلمية لا يدل على زمان، وإنما هو مسلخ عنه، مجرد منه - كما نص الخضري على هذا "جـ1 باب: "المعرب والمبني"، عند كلامه على المثنى" ويرى فريق من النحاة أن "كان" الناسخة لا تدل على معنى "حدث" وإنما تقتصر دلالتها على إفادة المضي وحده، مخالفة أخواتها وأكثر الأفعال الأخرى. ويخالفهم فريق آخر يرى أنها تدل على الأمرين: =(1/46)
وأقسامه ثلاثة1: ماض، وهو: كلمة تدل على مجموع أمرين؛ معنى، وزمن فات قبل النطق بها. ومن أمثلته قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} .
ومضارع: وهو: "كلمة تدل على أمرين معًا: معنى، وزمن صالح للحال والاستقبال. كقوله تعالى: {قوْلٌ معْروفٌ، ومغْفِرةٌ خيْرٌ من صَدَقَة يتْبَعُها أذًى} ، ولا بد أن يكون مبدوءًا بالهمزة، أوالنون، أوالتاء، أوالياء 2 ... وتسمَّى هذه الأحْرف: "أحرف المضارعة". وفتحها واجب، إلا فى المضارع الرباعيّ فتضمّ، وكذا في: المضارع المبني للمجهول. أما المضارع:
__________
= المعنى والزمن". وقد أشرنا إلى هذا الموضوع في رقم3 من هامش ص545 - أول باب "كان" وأخواتها، وأوضحنا أن الرأي الثاني هو السديد، لأدلة كثيرة جاوزت العشرة ساقها أنصاره. وهناك بعض أفعال ماضية قيل إنها -ومن القائلين صاحب الهمع، جـ1 ص 9- سلبت الدلالة على الزمان الماضي بسبب استعمالها للحال في الإنشاء، وقال المحققون: لا تدل على زمن مطلقًا، وإنما تدل على المعنى المجرد المخصصة له، مثل أفعال العقود "كبعت واشتريت" ومثل: "فعل التعجب" في أكثر أحوالهما بشرط ألا تتوسط "كان" الزائدة بين "ما التعجبية" والفعل الماضي "أفعل" الذي دخلت عليه، وبشرط ألا يوجد لفظ أو قرينة تدل على التقييد بزمن معين -"كما يجيء في رقم 5 من هامش ص51 وكما يجيء في بابهما جـ3 هامش ص328- ومثل: "نعم"، المستعملة في إنشاء المدح، و"بئس" المستعملة في إنشاء الذم، وسيجيء الإيضاح في بابهما بالجزء الثالث "راجع حاشية التصريح جـ1 باب "إن" عند الكلام على: "لام الابتداء"، وتاج العروس عند الكلام على مادة كل من الفعلين، والهمع". والمراد من الرأيين السابقين -والتوفيق بينهما يسير- مدون أول حاشية ياسين جـ1 في فصل بناء الفعل.
1 وسيجيء في "د" من ص51، وما بعدها بيان الأزمنة المختلفة التي يدل عليها الفعل الماضي، ثم المضارع، ثم الأمر، مع ملاحظة أن لكل نوع من الأفعال زمنًا خاصًّا يشتهر به، ويغلب عليه، لكنه قد يتركه إلى زمن آخر - كما سنعرف- هذا، وقد يكون الفعل زائدًا محضًا، مثل "كان" وبعض أخواتها، "طبقًا للبيان الآتي في ص 577" ولا يصح اعتبار اللفظ "سواء أكان فعلًا أم غير فعل" زائدًا إذا أمكن اعتباره أصليًّا؛ لأن اعتبار الأصالة مقدم على اعتبار الزيادة- كما سيجيء في ص 70، 489، 581.
ومما تجب ملاحظته أيضًا: أن الفعل والجملة بنوعيها الاسمية، والفعلية، في حكم النكرة، "طبقًا للبيان الوارد في رقم1 من هامش 213، وله إشارة في رقم 2 من هامش ص 209".
2 يجب أن يكون المضارع مبدوءًا بالهمزة للدلالة على التكلم، وأن المتكلم فرد واحد، نحو: إني أتخير ما أقوله وما أقرؤه. ويجب أن يكون مبدوءًا بالنون للدلالة على التكلم، وأن المتكلم فرد واحد يعظم نفسه، أو أنه فرد واحد معه غيره، مثل: عند الزيارة تحسن استقبالك، ونكرم ضيافتك. ويجب أن يكون مبدوءًا بالتاء لمخاطبة المفرد المذكر والمؤنث وفروعهما، أو للتحدث عن المفردة الغائبة، أو مثناها، وكذلك جمعها "طبقًا للرأي الآتي في "جـ" من ص 181" نحو: أنت تتقن عملك وأنت تتقنين عملك، وأنتما تتقنان عملكما "لخطاب المثنى المذكر والمؤنث" وأنتم تتقون عملكم، وأنتن تتقن عملكن، وهي تتقن عملها، وهما تتقنان عملها، وهن تنظمن عملهن، ويجب أن يكون مبدوءا بالياء للمفرد المذكر الغائب وفرو وجمع الغائبات. نحو: الشجاع يقول الحق لا يخاف شيئًا، الشجاعان يقولان الحق، لا يخافان شيئًا الشجعان يقولون الحق، لا يخافون شيئًا، الشجاعات يقلق الحق، لا يخفن شيئًا. وإذا كان المضارع مبدوءا بالهمزة أو النون أو التاء ففاعله ضمير مستتر وجوبا. طبقًا للبيان الآتي في ص 228.(1/47)
إخال" فالأفصح كسر همزته لا فتحها1.
وأمر، وهو: كلمة تدل بنفسها على أمرين مجتمعين: معنى، وهذا المعنى مطلوب تحقيقه فى زمن مستقبل: كقوله تعالى: {رَبِّ اجْعلْ هذا البَلد آمِنًا} ، ولا بد فى فعل الأمر أن يدل بنفسه مباشرة على الطلب من غير زيادة على صيغته؛ فمثل "لِتخْرجْ"، ليس فعل أمر؛ بل هو فعل مضارع، مع أنه يدل على طلب شيء ليحصل فى المستقبل؛ لأن الدلالة على الطلب جاءت من لام الأمر التى فى أوله، لا من صيغة الفعل نفسها2.
وقد اجتمعت الأفعال الثلاثة فى قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ الكافرينَ والمنافقين، ودَعْ أذاهم، وتَوكَّلْ على الله، وكَفَى باللهِ وَكيلاً} ، وقول الشاعر:
أحْسِنْ إلى الناس تَسْتَعْبِدْ قلوبهُمُو ... فطالما استَعْبَدَ الإنسانَ إِحْسَانُ
ولكل قسم من هذه الثلاثة علامات خاصة تميزه عن غيره؛ فعلامة الماضى: أن يقبل فى آخره التاءين؛ "تاء التأنيث الساكنة"3 مثل: أقبلتْ سعادُ. وصافحتْ أباها، أو: "التاء المتحركة" التى تكون فاعلًا؛ مثل: كلمتُكَ كلامًا فرحتَِ به، "وتكون مبنية على الضم للمتكلم، وعلى الفتح للمخاطب المذكر، وعلى الكسر للمخاطبة".
وليس من اللازم أن تكون إحدى التاءين ظاهرة فى آخر الفعل الماضي؛ بل يكفي أن يكون صالحًا لقبولها، وإن لم تظهر فعلًا. مثل: أقبل الطائر؛ فنزل فوق الشجرة؛ فكلمة: "أقبل" و"نزلَ" فعل ماضٍ؛ لأنه -مع خلوه من إحدى التاءين- صالح لقبول واحدة منهما: فتقول: أقبلتُ ... نزلتُ ...
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل الماضى ولكنها لم تقبل علامته
__________
1 لأن الكسر هو المسموع الكثير، والفتح لغة قليلة مسموعة أيضا. والمستحسن هنا الاقتصاد على الكثير، كما سيجيء في جـ" م60 باب "ظن" عند الكلام على: "خال".
2 كما سيجيء في رقم1 من هامش ص64.
3 المنسوب معناها إلى الفاعل، احتراز من تاء التأنيث التي لا تدل على الفاعل ولا تنسب إليه، كالتي تتصل ببعض الحروف مثل: ربت وثمت في تأنيث الحرفين" "رب" الجارة "وثم" العاطفة وغيرهما. - انظر "أ" من ص 50.(1/48)
فليست بفعل ماضٍ، وإنما هي: "اسم فعل ماض"1. مثل: هيهات انتصار الباطل، بمعنى: بَعُد جدًّا ... ومثل: شتَّان المنصف والباغي؛ بمعنى: افترقا جدًّا.
أو: هى اسم مشتق بمعنى الماضي2؛ مثل: أنت مكرمٌ أمسِ ضيفك.
ومما تقدم نعلم أن كلمتي: "نِعْم" "وهى: كلمة للمدح" "وبئس" "وهى: كلمة للذم" فعلان ماضيان3؛ لقبولهما تاء التأنيث الساكنة؛ تقول: نعمتْ شهادة الحق، وبئست شهادة الزور، كما نعرف أن "ليس" و"عسى" فعلان ماضيان؛ لقبولهما التاءين.
__________
1 اسم الفعل: اسم يقوم مقام الفعل في المعنى، والزمن والعمل. ولكنه لا يقبل علامة الفعل الذي يقوم مقامه، ولا يتأثر بالعوامل. ولذا لا يسمى: فعلا؛ لأن الفعل يقبل العلامة، وقد يتأثر بعوامل النصب والجزم، وهناك أسماء تقوم مقام الفعل، ولكنها تتأثر بالعوامل، فلا تسمى: اسم فعل، كالمصدر النائب عن التلفظ بفعله، وكاسم الفاعل العامل.
واسم الفاعل ثلاثة أقسام، اسم فعل ماضٍ، واسم فعل مضارع، واسم فعل أمر ... ولكل منها أحكام خاصة تضمنها الباب المنعقد لذلك في الجزء الرابع. ولها هناك إشارة في رقم6 من ص78.
2 كاسم الفاعل بمعنى الماضي، ولاسم الفاعل باب مستقل في جـ3.
3 بحسب الأصل والمظهر ثم خرجا من المضي إلى إنشاء المدح والذم من غير دلالة على زمن، في رأي المحققين، كما سبق في هامش ص47.(1/49)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"أ"- تاء التأنيث التى تلحق الفعل للدلالة على أن فاعله مؤنث إن كانت ساكنة لحقت بآخر الماضي1، وإن كانت متحركة اتصلت بأول المضارع، مثل: هند تصلي وتشكر ربها. أما تاء التأنيث التي تلحق الأسماء فتكون أخيرة، ومتحركة2؛ مثل: الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، عظيمة النفع. وقد تتصل التاء بآخر الحروف؛ مثل، "رُبّ، وثمّ، ولا ... " تقول: رُبَّتَ3 كلمة فتحت باب شقاق، ثُمَّتَ جلبت لصاحبها بلاء؛ فيندم ولات3 حين نَدم.
"ب"- هناك أفعال ماضية لا تقبل إحدى التاءين بحسب استعمالاتها الحالية، لا بحسب حالتها التي قبل هذا؛ مثل: "أَفْعَلَ" للتعجب، و"حبذا"4 للمدح. ومثل: "عدا، وخلا، وحاشا"، من أفعال الاستثناء. والسبب أن تلك الأفعال حين استعمالها فى الموضوعات المذكورة تصير أفعالًا جامدة، تلازم حالة واحدة لا تتغير؛ كالأمثال العربية التى تلازم حالة واحدة، لا يطرأ على حروفها تغيير بالزيادة، أو النقص، أو تغيير الضبط؛ لهذا لا يمكن زيادة التاء فى آخرها
__________
1 من الاستعمالات الصحيحة ما يأتي:
الطالبات سارعن في الخير -الطالبات سارعت في الخير. فأي الاستعمالين- مع صحتهما أفصح؟ الجواب تلخيص في رقم1 من هامش ص219 وكذا في رقم3 من ص263.
2 بعض النحاة يقتصر على تسميتها: "تاء التأنيث المتحركة المتأخرة". وبعضهم يسميها "هاء التأنيث". وعلى كل من التسميتين اعتراض. قال الصبان -جـ1 باب: "المعرب والمبني" عند الكلام على الملحق بجمع المذكر السالم- ما نصه: "قال في التصريح: الفرق بين تاء التأنيث وهائه أن تاء التأنيث لا تبدل في الوقف هاء، وتكتب مجرورة -أي: متسعة، مفتوحة- وهاء التأنيث يوقف عليها بالهاء وتكتب مربوطة. " أهـ.
لكن يلاحظ في كل ما سبق خلو الكلام من النص على أن تاء التأنيث المتحركة التي تلحق آخر الأسماء هي تاء زائدة زيادة محضة للدلالة على التأنيث اللفظي، فإذا وجدت في آخر العلم امتنع صرفه للعلمية والتأنيث اللفظي معا بخلاف التاء في مثل: أخت وبنت" فإنها مبدلة من أصل -هو الواو- فلا يمتنع العلم معها من الصرف للعلمية والتأنيث اللفظي؛ لأنها ليست زائدة، والشرط المحتم أن تكون زائدة محضة "لا أصلية، ولا مبدلة من أصل" وسيجيء لهذا بيان مفيد في الموضع المناسب- حـ 4 م 147 -باب: "ما لا منصرف" عند الكلام. على منع الاسم من الصرف للعلمية والتأنيث.
3 اللغة الشائعة تحرك تاء التأنيث بالفتحة عند اتصالها بآخر "رب" و"ثم"، ويجوز التسكين عند اتصالها بهما، أما عند اتصالها بالحرفين: "لات" و"لعل" فلا يجوز فيها إلا الفتح.
4 الفعل الماضي هو: "حب" فقط أما الكلمة: "ذا" فهي فاعله.(1/50)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما دامت تؤدي هذه المعاني، ولكنها بحسب أصلها السابق على هذا تقبل التاء.
"حـ" يقول النحاة: إن تاء التأنيث الساكنة تظل ساكنة إذا وليها متحرك، مثل: حضرتْ زينب. فإن جاء بعدها ساكن كسرت -غالبًا- مراعاة للأصل فى التخلص من التقاء الساكنين؛ مثل: كتبتِ البنتُ المتعلمة. إلا إذا كان الساكن ألف اثنتين فتفتح. مثل: البنتان قالتا إنا فى الحديقة.
هذا، وقد عرفنا1 فى ص42، حكم التنوين إذا جاء بعده حرف ساكن. وبقي حكم عام؛ هو أن كل حرف ساكن صحيح فى آخر الكلمة فإنه يحرك بالكسر إذا جاء بعده -مباشرة- ساكن آخر؛ نحو: خذ العفو، ولا تظلمِ الناس. إلا فى موضعين، إحداهما: أن تكون الكلمة الأولى هى: "مِنْ" والثانية: "أل" فإن الساكن الأول يحرك بالفتح؛ مثل: أنفق منَ المال الحلال.
والآخر: أن تكون الكلمة الأولى منتهية بميم الجمع؛ فإنه يحرك بالضم؛ مثل: لكمُ الخير.
فإن كان آخر الكلمة الأولى حرف مَدّ2، أو واو الجماعة، أو ياء مخاطبة، حذف نطقاً لا كتابة؛ للتخلص من التقاء الساكنين3؛ مثل: نحن عرفنا العلوم النافعة، الطلاب سألوا المولى أن يوفقهم، اسألي المولى الهداية.
ويجوز تلاقي الساكنين فى الوقف، وعند سرد بعض الألفاظ، نحو: كاف، لام، جيم3 "راجع هذا بمناسبة أخرى فى جـ 4 عند الكلام على ما تختص به نون التوكيد"، أما فى غيرهما فيجوز بشرطين:
أحدهما: أن يكون الساكن الأول حرف مدّ2، يليه حرف مدغم فى نظيره، "أى: حرف مشدد".
والآخر: أن يكونا فى كلمة واحدة. مثل عامة، خاصة، الضّالين، الصّادون عن الخير. وهذا متفق عليه. ويرى آخرون أن مثله ما هوفى حكم الكلمة الواحدة. على الوجه المشروح فى مكانه. المناسب3 من جـ 4 ص 139 م 143 باب: نون التوكيد.
وللمسألة بقية هامة فى "حـ" من ص 88، 162، 255.
"د" عرفنا أن كل فعل لا بد أن يدل -فى الغالب- على شيئين؛ معنى "حدث" وزمن. فالماضى له أربع حالات من ناحية الزمن5: تتعين
__________
1 في ص 43.
2 أي: حرف علة، قبله حركة تتناسبه.
"3، 3، 3" يجيء بمناسبة أخرى مع توضيحه في ص 95 و 96 هامشهما. وفي جـ4- باب نون التوكيد - عند الكلام على ما تختص به هذه النون "م 143 ص 172".
4 في ص 46.
5 وقد عرفنا بيانًا هامًّا- في رقم2 من هامش ص46 - مؤداه: أن بعض الأفعال الماضية لا يدل -عند المحققين- على زمن، مثل: "نعم وبئس" وأخواتهما عند قصد المدح والذم. ومثل: أفعل" في التعجب إذا لم تتوسط "كان" الزائدة بينه وبين "ما" التعجبية، نحو: ما أنفع نهر النيل. فالفعل "أنفع" متجرد لإنشاء التعجب بغير دلالة على المضي إلا أن جاءت قبله "كان" الزائدة، نحو: ما كان أنفع النيل -كما سيجيء في مبحث زيادة "كان" م 44 - 579 وليس الأمر مقصورًا على "كان" الزائدة، وإنما يشمل كل لفظ، وكل قرينة تدل على التقييد بزمن.(1/51)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كل واحدة منها عند عدم قرينة تعارضها.
الأولى: "وهى الأصل الغالب" أن يتعين معناه فى زمن فات وانقضى -أى: قبل الكلام- سواء أكان انقضاؤه قريبًا من وقت الكلام أم بعيدًا. وهذا هو الماضى لفظًا ومعنى. ولكن إذا سبقته1: "قد" -وهي لا تسبقه إلا فى الكلام المثبت- دلت على أن انقضاء زمنه قريب من الحال؛ فمثل:
__________
1 "قد" الحرفية بجميع أنواعها المعنوية إذا دخلت على فعل لم يصح أن يتقدم عليها شيء من معمولاته- "راجع الحضري جـ 1 ص 112 باب "كان"، عند بيت ابن مالك:
وغير ماض مثله قد عملا
وستجيء له إشارة رقم 1 من هامش ص 566.
وبهذه المناسبة تقول جاء في: "المغني والقاموس" معا ما نصه المشترك بينهما: "قد" الحرفية مختصة بالفعل المتصرف، الجبري، المثبت، المجرد من ناصب، وجازم، وحرف تنفيس، وهي مع الفعل كالجزء، فلا تفصل منه بفاصل، اللهم إلا بالقسم، و...." أهـ.
وتبعهما أحد أعضاء المجمع اللغوي القاهري مسجلًا بحثه في مجلة المجمع "الجزء الأول ص 138" ولكن رأيهما في اشتراط الإثبات مرفوض ومدفوع في المضارع المنفي بالحرف "لا" بالسماع المتعدد الصحيح الوارد نشرًا ونظمًا عن الفصحاء الذين يستشهد بكلامهم، ومن هذا: المثل العربي الوارد في كتاب "لسان العرب". في مادة "ذام" ونصه: "وقد لا تعدم الحسناء ذامًا". وكذلك المثل الجاهلي الذي نصه: "وقد لا يقاد بي الجمل" يقوله من أضعفته الشيخوخة، أو غيرها "وهذا المثل وارد في كتاب: "الأمثال" لأبي هلال العسكري المطبوع على هامش كتاب: "الأمثال" للميداني جـ 2 ص 117" هذا إلى ورودها قبل المضارع المنفي في أنماط أخرى من كلام الجاهلين وغيرهم ممن يحتج بكلامهم، ولا يستساغ دفعها إلا إذا لجأنا للتأويل الواهي الذي لا يثبت على التمحيص. ومن الأمثلة ورودها في شعر الأعشى ميمون- وهو جاهلي، أدرك ظهورها الإسلام - في بيت له من قصيدته: التاسعة والعشرين بالصفحة "195" من ديوانه، ونص البيت:
وقد قالت قتيلة إذ رأتني ... وقد لا تعدم الحسناء ذاما
وفي بيت آخر لقيس الجهني -وهو جاهلي- نقله الآمدي في كتابه المؤتلف "ص 123" ونصه:
وكنت مسودا فينا حميدا ... وقد لا تعدم الحسناء ذاما
وكذلك في بيت للنمر بن تولب وهو مخضرم، ونصه كما رواه السيوطي في كتابه: شواهد المغني "ص 66"
وأحبب حبيبك حبًّا رويدًا ... فقد لا يعولك أن تصرما
وهذه الرواية توافق رواية منتهى الطلب في المخطوطة الأصلية المحفوظة بدار الكتب ورقمها بين المخطوطات الأدبية: "12631" ... إلى غير هذا من الأمثلة التي تقطع بصحة الاستعمال السالف في غير ضعف ولا شذوذ، ولا تأويل فلم يكن غريبًا أن يستعملها ابن مالك في ألفيته في آخر باب: "الممنوع من الصرف" حيث يقول:
ولاضطرار أو تناسب صرف ... ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف
وسيشار لهذا في الجزء الرابع، باب الممنوع من الصرف، م 147 ص259، وأن يستعملها في كلامه بعض اللغويين القدامى، ومنهم صاحب: "المصباح" في آخر كتابه، حيث قال ما نصه في ص 945، فصل الثلاثي اللازم. "حقيقة التعدية أنك تصير المفعول الذي كان فاعلًا قابلًا لأن يفعل. وقد يفعل وقد لا يفعل ... " اهـ.
وللحرف "قد" أحكام متعددة سردها صاحب: "المغني".(1/52)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"خرج الصاحبان" يحتمل الماضي القريب والبعيد، بخلاف: "قد خرج الصاحبان؛ فإن ذلك الاحتمال يمتنع، ويصير زمن الماضي قريبًا من الحال؛ بسبب وجود: "قدْ".
وإذا وجدت قبله "ما" النافية كان معناه منفيًّا، وكان زمنه قريبًا من الحال؛ كأنْ يقول قائل: قد سافر عليّ، فتجيب: ما سافر عليّ؛ فكلمة: "قد" أفادته فى الجملة الأولى المثبتة قربًا من الزمن الحالي، وجاءت كلمة: "ما" النافية فنفت المعنى، وأفادته القرب من الزمن الحاليّ أيضًا، ولا سيما مع القرينة الحالية السابقة1.
وكذلك يكون زمنه ماضيًا قريبًا من الحال إذا كان فعلًا ماضيًا من أفعال "المقاربة"2؛ "مثل: "كاد: " فإنه زمنه ماضٍ قريب من الحال؛ بل شديد القرب من الحال، ليساير المعنى المراد -كما سيجيء فى باب أفعال المقاربة.
الثانية: أن يتعين معناه فى زمن الحال "أي: وقت الكلام". وذلك إذا قصد به الإنشاء؛ فيكون ماضي اللفظ دون المعنى؛ مثل: بعت. واشتريت، ووهبت، وغيرها من ألفاظ العقود التي يُراد بكل لفظ منها إحداث معنى فى الحال، يقارنه فى الوجود الزمني، ويحصل معه فى وقت واحد3. أو كان من الأفعال الدالة على "الشروع". مثل: "طفق وشرع" وغيرهما مما سيجيء الكلام عليه فى باب: "أفعال المقاربة"2.
الثالثة: أن يتعين معناه فى زمن مستقبل "أي: بعد الكلام"؛ فيكون ماضي
__________
1 جاء في شرح المفصل "جـ 8 ص 107" ما ملخصه عن كلمة: "ما" النافية: إنها لنفي الحال، فإذا قيل عن شخص، هو يفعل الآن كذا -وزمان المضارع هنا: الحال- وأردت أن تنفيه، قلت: ما يفعل. فقد سلبت معنى الفعل في الزمن الحالي ونفيته. فإن كان الفعل ماضيًا قريبًا من الحال بسبب وجود: "قد" قبله -وهي مما يقرب زمنه للحال، كما عرفنا- وأردنا نفيه، أتينا بكلمة: "ما" النافية، نحو: ما سافر محمد؛ لأنها تقرب زمن الماضي المنفي، من الزمن الحالي....
ثم قال:
"ما محمد منطلق" هو نفي لجملة مثبتة هي: "محمد منطلق" إذا أريد بها الحال، وإن شئت أعملت على لغة أهل الحجاز، فقلت: ما محمد منطلقا.
- وستجيء إشارة لهذا في م 48 ص 591.
2 ص 612.
3 انظر رقم 2 من هامش ص 46 حيث قلنا: "هناك أفعال ماضية تستعمل للإنشاء، فزمنها للحال. لكن يرى المحققون أنها مجردة من الدلالة الزمنية. كما قلنا: إن المراد من الرأيين والتوفيق بينهما مدون في صدر حاشية ياسين - جـ1- في فصل: بناء الفعل.(1/53)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللفظ دون المعنى -كالذى سبق- وذلك إن اقتضى طلبًا؛ نحو: ساعدك الله، ورفعك الله مكانًا عليًّا، وأمثال هذا من عبارات الدعاء.
ومما يفيد الطلب: عزمت عليك إلا سافرت، أو: عزمت عليك لمَّا1 سافرت؛ بمعنى: أقسمت عليك ترك كل شيء إلا السفر فى المستقبل.
أو تضمن وعدًا؛ مثل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} . فالإعطاء سيكون فى المستقبل؛ لأن الكوثر فى الجنة، ولم يجئ وقت دخولها.
أوعُطِف على ما عُلم استقباله، مثل قوله تعالى: {يَقْدُم قومِهَ يومَ القيامة فأوْرَدَهم النارَ} ، وقوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ} .
أو تضمن رجاء يقع فى المستقبل، مثل: "عسى وأخواتها" من أفعال الرجاء الآتية فى باب: "أفعال المقاربة"، نحو: "عَسَىِ الله أن يأتي بالفتح".
أو يكون قبله نفي بكلمة: "لا" المسبوقة بقسم، مثل: والله لا زُرتُ الخائن، ولا أكرمتُ الأثيم.
أو يكون قبله نفى بكلمة "إنْ" المسبوقة بقسم، مثل قوله تعالى: {إنّ الله يُمسك السمواتِ والأرضَ أنْ تزولا، ولَئِنْ زالتا إنْ أَمْسَكَهُما من أحدٍ من بَعْدِه} . "أي: ما يُمسكهما2! " ...
أو يكون فعل شرط جازم، أو جوابه؛ مثل: إن غاب على غاب محمود؛ لأن جميع أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن الماضي الواقع فعل شرط أو جواب شرط مستقبلًا خالصًا ... فالفعل الماضي فى كل الحالات السالفة ماضي اللفظ دون المعنى.
الرابعة: أن يصلح معناه لزمن يحتمل المضى والاستقبال، ويتعين لأحدهما بقرينة وذلك إذا وقع بعد همزة التسوية؛ نحو: سواء عليّ أقمت أم قعدت. فهو يحتمل أنك تريد ما وقع فعلًا من قيام أو قعود فى زمن فات، أو ما سيقع في المستقبل.
__________
1 بمعنى: إلا.
2 "إن" الأولى، شرطية، والثانية "نافية" داخلة على جواب القسم الذي تدل عليه اللام الداخلة على "إن" الأولى الشرطية. أما جواب الشرط فمحذوف وجوبا، عملا بقاعدة حذفه عند اجتماع القسم والشرط المتأخر عنه، إذ يكون الجواب -غالبا- للمتقدم منهما. أما المتأخر فجوابه محذوف يدل عليه المذكور.(1/54)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا فرق فى التسوية بين أن توجد معها "أم" التى للمعادَلة، كما مُثل، وألا توجد؛ مثل: سواءٌ علىّ أيُّ وقت جئتني. فإن كان الفعل بعد "أم" المعادلة مضارعًا مقرونًا "بلم" تعين الزمن للمضي بسببها؛ مثل: سواء عليهم أأنذرتهم أم لَم تنذرهم؛ لأن الثانى ماضٍ معنى؛ فوجب أن يكون الأول ماضي الزمن كذلك؛ لأنه معادل له.
أو وقع بعد أداة تحضيض؛ مثل: هَلاّ ساعدت المحتاج. فإن أردت التوبيخ كان للمضي، وإن أردت الحث على المساعدة كان للمستقبل.
أو بعد: "كُلّما"، نحو قوله تعالى: {كُلَّما جاء أمةً رسولُها كذَّبوه} فهذا للمضي؛ لوجود قرينة تدل على ذلك، وهي الأخبار القاطعة بحصوله. وقوله تعالى عن أهل النار: {كُلَّمَا نَضِجت جُلودُهم بدَّلناهُم جُلُودًا غَيرَهَا؛ لِيَذُوقُوا العَذَابَ} . فهذا للمستقبل؛ لقرينة تَدل على ذلك؛ وهى أن يوم القيامة لم يجئْ.
أو بعد حيث، نحو: ادخل الهرم من حيث دخل بانيه. فهذا للمضي؛ لأن الاستقبال يناقض صحة المعنى؛ إذ لا يعقل أن يدخل بانيه فى المستقبل وقد مات منذ آلاف السنين ... بخلاف: حيث سرت راقب الطريق لتأمن الخطر؛ فهو للمستقبل.
أو وقع صلة؛ مثل: الذى أسس القاهرة هو: المعز لدين الله؛ فهذا للمضي، بخلاف: سيفرح الطلاب عقب ظهور النتيجة غدًا بنجاحهم إلا الذى رسب. فهذا للاستقبال لوجود كلمة: "غدا".
أو وقع صفة لنكرة عامة1، نحو: رُب عطاء بذلتُه للمحتاج فانشرحت نفسى. فهذا للمضي، -لوجود: رُبّ2- بخلاف قوله عليه السلام: "نضّر الله امرَأ سمع مقالتى فوعاها، فأدّاها كما سمعها". فهذا للاستقبال أي: يسمع؛ لأنه ترغيب لمن أدرك الرسول فى أن يحفظ ما يسمعه منه ويؤديه ...
"ملاحظة": قد يراد من الزمن فى الفعل: "كان" الدوام والاستمرار الذى يعم الأزمنة الثلاثة، بشرط وجود قرينة تدل على هذا الشمول؛ نحو: كان الله غفورًا رحيما3 ...
هذا تفصيل حالات الزمن فى الفعل الماضى.
__________
1 أي: محضة لم تخصص بأحد القيود.
2 لأن الأغلب دخولها على الماضي "انظر رقم 4 من هامش ص 61".
3 سيجيء إشارة لهذا في باب "كان" - ص 547.(1/55)
وأما علامات المضارعة فمنها: أن يُنصَب بناصب، أو يجزم بجازم، مثل: لم أُقصِّر فى أداء الواجب ... ولن أتأخر عن معاونة البائس.
ومنها: قبوله "السين"، أو: "سوف"1 فى أوله، مثل: سأزورك، أو: سوف أزورك.. و..، ومثل قول الشاعر:
سيكثُر المالُ يومًا بعد قلَّته ... ويكتسى العُودُ بعد اليُبْس بالوَرق2
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل المضارع ولكنها لم تقبل علامته فليست بمضارع؛ وإنما هى: "اسم فعل3 مضارع"؛ مثل: "آه"، بمعنى: أتوجع شدة التوجع، "وأف" بمعنى: أتضجر كثيرًا. و"وَيْكَ" ماذا تفعل؟ بمعنى أعجبُ لك كثيرًا!! ماذا تفعل؟ أو: هي اسم مشتق بمعنى المضارع4؛ مثل الطائرة مسافرة الآن أوغدًا.
__________
1 من علامات المضارع المثبت قبوله "السين" أو "سوف" وإذا اتصلت به إحداهما خلصته للزمن المستقبل فقط. ويمتنع أن يسبقهما نفي. وبينهما فروق سردناها في الحالة الثالثة الآتية للمضارع "في ص60 من الزيادة والتفصيل".
2 ومنها علامتان مشتركتان بينه وبين الفعل الأمر، هما: ياء المخاطبة ونون التوكيد - وسيجيء ذكرها في ص 64.
3 لاسم الفعل تعريف عام موجز في رقم 1 من هامش ص 49 وفي رقم 6 من ص 78.
4 كاسم الفاعل الذي بمعنى الحال والاستقبال - وله باب خاص في جـ 3.(1/56)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"أ"- للمضارع من ناحية الزمن أربع حالات؛ لا تتعين حالة منها إلا بشرط ألا تعارضها قرينة تعينها لحالة أخرى.
الأولى: أن يصلح للحال والاستقبال إذا لم توجد قرينة تقيده بأحدهما، وتَقْصره عليه. وحين يصلح للحال والاستقبال يكون اعتباره للحال أرجح؛ لأن الزمن الماضي له صيغة خاصة تدل عليه، وللمستقبل صيغة خاصة أيضًا، "هى: الأمر"، وليس للحال صيغة تخصّه، فجعلت دلالته على الحال أرجح، عند تجرده من القرائن؛ جبرًا لما فاته من الاختصاص بصيغة مقصورة عليه "كما يقولون". هذا إلى أن اللفظ إن كان صالحًا للزمن الأقرب والزمن الأبعد؛ فالأقرب أوْلى، والحال أقرب من المستقبل؛ فهو أحقّ بالاتجاه إليه.
فإن كان المضارع من أفعال المقاربة، مثل: "يكاد" فإنه يكون للزمن المستقبل، مع شدة قربه من الحال1.
الثانية: أن يتعين زمنه للحال، وذلك إذا اقترن بكلمة تفيد ذلك؛ مثل: كلمة: الآن، أو: الساعة، أو: حالا، أو: آنفًا2.
أو: وقع خبرًا لفعل من أفعال الشروع؛ مثل: "طفق"، و"شرع"، وأخواتهما3؛ ليساير زمنه معناها.
أو: نُفي بالفعل: "ليس"4 أو بما يشبهها فى المعنى والعمل؛ مثل الحرف: "إن" أو: "ما"5 ... أو لا" 6.......... فكل واحد من هذه العوامل التى تعمل عملها يشبهها أيضًا فى نفى الزمن الحالى عند الإطلاق7 ...
مثل: ليس يقوم محمد8، إنْ يخرجُ حليم -ما يقوم على-
__________
1 سيجيء البيان في باب "أفعال المقاربة". ص612.
2 "آنفًا" كلمة عدها النحاة من الألفاظ التي تجعل المضارع للحال، باعتبار أنها تدل -كما في القاموس- على أقرب زمن سابق يتصل بالحال، فكأنها للحال نفسه.
3 ستجيء هذه الأفعال في باب أفعال المقارنة" ص612.
4 "راجع تفصيل الكلام عليها في النواسخ، أخوات كان" - 557.
5 راجع رقم1 من هامش ص53 حيث الإيضاح للحرف "ما" وسيجيء الكلام عليه وعلى "إن" النافية وباقي الشبيهات في ص591.
6 أما "لا" المهملة فيجيء الكلام عليهما في ص591.
7 أي: عند عدم وجود قرينة تدل على أن الزمن ماض أو مستقبل.
8 راجع ص 230 حيث الكلام على مثل هذا الأسلوب.(1/57)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
-أودخل عليه لام ابتداء، مثل: إنّ الرجل الحقّ ليَحْسُنُ عملُهُ.
أو: وقع مع مرفوعه فى موضع نصب على الحال -فيكون زمنه حالاً بالنسبة لزمن عامله، فى الغالب- مثل: أقبل الأخ يضْحك. وإذا دخلت "ما المصدرية الظرفية" على المضارع كان زمن المصدر المؤول للحال فى الغالب1 حين لا توجد قرينة تعارضه.
الثالثة: أن يتعين زمنه للاستقبال؛ وذلك إذا اقترن بظرف من ظروف المستقبل؛ مثل "إذا ... "، سواء أكان الظرف معمولًا للمضارع، أم كان المضارع معمولًا للظرف -بأن يكون الظرف مضافًا، والجملة من الفعل المضارع وفاعله هي المضاف إليه فى محل جر؛ مثل: أزورك إذا تزورني؛ فالفعلان المضارعان هنا للمستقبل، والأول منهما هو العامل الذى عمل النصب فى الظرف. "إذا"2 و"إذا" مضاف، وجملة المضارع مع فاعله بعدها فى محل جر مضاف إليه، فيكون المضارع الثاني مع فاعله معمولًا للظرف.
وكذلك يتعين للمستقبل إذا كان مسندًا إلى شيء متوقع حصوله فى المستقبل، مثل: يدخل الشهداء الجنة مع السابقين؛ إذ لا يعقل أن يكون زمن المضارع للحال، ومعناه -وهو دخول الجنة- فى المستقبل؛ لما يترتب عليه من سبق الفعل للفاعل فى الوجود والوقوع، وهو محال.
أو: سبقته: "هل"3، نحو: هل تقاطعُ مجالس السوء؟
وكذلك إذا اقتضى طلبًا؛ سواء أكان الطلب يفهم منه وحده، أم كان بمساعدة أداء أخرى؛ فالأول كقوله تعالى: {والوالداتُ يُرضِعْن أولادَهن} . فالله يطلب من الوالدات إرضاع أولادهن، وهذا
__________
1 سيجي بيان لهذا في آخر باب: "الموصول" عند الكلام على الموصول الحرفي، وصلته، وسبك المصدر، وهو بيان هام "ص 411 ثم في ص 417".
2 "إذا" هنا ظرفية محضة ولا تدل على الشرط، لأن الظرفية الشرطية لها الصدارة في جملتها حتما، فلا تقع حشوا.
3 راجع حاشيتي: "الخضري والصبان" في آخر باب: "ظن وأخواتها" عند الكلام على: "القول" وكذا: "المغني" في مبحث: "هل".(1/58)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا يكون إلا في المستقبل، ومثال الثاني قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} ، وقوله: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} ، فإن طلب الإنفاق فى: "لينفق" وطلب عدم "المؤاخذة" فى: "لا تؤاخذنا"، مفهوم من المضارع، بمساعدة "اللام" و"لا". وزمن المعنى فى الفعلين هو المستقبل. إذ لا يمكن تحقيق ما تطلبه من غيرك وإنفاذه إلا فى المستقبل.
أو سبقته أداة شرط وجزاء، سواء أكانت جازمة: كالتي في قوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} أم غير جازمة -ومنها: "لو الشرطية1 غير الامتناعية"، وكيف2" الشرطية، مثل: لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم لأسرع في إهلاكهم، ومثل: كيف تصنع أصنع، ويفهم من هذا ومما قبله أن الجوازم جميعها -ما عدا: "لم، ولما" تخلصه للاستقبال.
أو: اقتضى وعدًا أووعيدًا، كقوله تعالى: {يُعذّب مَنْ يشاءُ، ويَغْفرُ لمن يشاء} -لما سبق- وقول الشاعر:
من يُشعِلْ الحرب لا يأمنْ عواقبها ... قد تُحرك النار يوماً موقِد النار
أو: صحب أداة توكيد؛ مثل: "نون التوكيد" الخفيفة أو الثقيلة؛ لأن التوكيد يليق بما لم يحصل، ويناسب ما لم يقع؛ نحو: أتُكْرِمَنْ صديقك؟ وهل تساعدنّ البائس؟
أو: لام جواب القسم عند فريق من النحاة؛ لأنها فى معنى التوكيد؛ مثل: "والله لعَلى عملِك تُحَاسَبُ". ومثلها: "لا" النافية غير العاملة عمل: "ليس" عند ذلك الفريق؛ مثل: لا أترك الصديق فى مواقف الشدة3.
__________
1 التي بمعنى "إن" الشرطية وتشتهر باسم "لو الشرطية غير الامتناعية، "ومثلها: "لو المصدرية التي بمعنى: "أن" المصدرية، وتسبك مع الجملة المضارعية بعدها بمصدر، ولكن ليس لها عملها في نصب المضارع، مثل: أود لو يسود السلم.
2 "وإذا" الشرطية أيضا.
3 جاء في "المغني" و "الهمع" أن "لا" النافية، غير العاملة عمل "ليس" تخلص المضارع للاستقبال إذا سبقته. خلافا لابن مالك ومن معه، وهو يؤيد رأيه بإجماع النحاة على صحة نحو: "جاء محمد: لا يتكلم" مع إجماعهم أيضا على أن الجملة الحالية لا تصدر بعلامة استقبال.
ونقول: إن الرأي الأنسب أنها تخلصه للاستقبال عند عدم القرينة التي تمنع. وقد أشرنا لهذا في رقم5 من هامش ص311 م 84 ج2 باب الحال".
أما العاملة عمل "ليس" فالكلام عليهما في ص57 حيث الحكم على أخوات "ليس".(1/59)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو: "حرف نصب" سواء أكان ظاهرًا أم مقدرًا. وقد اجتمعا فى قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} .
أو: "حرف تنفيس"، وهو: "السين" و"سوف"، وكلاهما لا يدخل إلا على المضارع المثبت، ويفيده التنفيس؛ أي: تخليص المضارع المثبت من الزمن الضيق، وهو: "زمن الحال"؛ -لأنه محدود- إلى الزمن الواسع غير المحدود، وهو: "الاستقبال"، وهما فى هذا سواء، وَرَدَا معًا فى معنى واحد، كقوله تعالى: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} وقوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ، وقول الشاعر:
وإنَّا سوف نَقهَرُ من يُعادِى ... بحدّ البِيض تَلتَهب التهابا
وقول الآخر:
وما حالةٌ إلا سيصرَف حالُها ... إلى حالة أخرى، وسوفَ تزولُ
إلا أن "سوف" تستعمل أحيانًا أكثر من "السين" حين يكون الزمن المستقبل أوسع امتدادًا؛ فتكون دالة على: "التَّسْويف" ثم هي تختص بقبول اللام: كقوله تعالى: {وَلَسَوفَ يُُعْطِيكَ رَبُكَ فَتَرْضَى} ، كما تختص بجواز الفصل بينها وبين المضارع الذى تدخل عليه بفعل آخر من أفعال الإلغاء1؛ نحو:
وما أدري، وسوف -إخالُ- أدرِي ... أقومٌ آلُ حِصْن أمْ نساءُ؟
والأمران ممتنعان فى "السين" لدى جمهرة النحاة2 ...
كما أن "السين" تختص بمعنى لا تؤديه "سوف"، فالعرب إذا أرادت تكرار الفعل وتأكيد وعدم التنفيس فيه "أي: عدم جعله للمستقبل البعيد" أدخلت عليه السين3، ومنه قول الشاعر:
سأشكرُ عمْرًا ما تراختْ مَنيتي ... أيادَى لم تُمْنَنْ وإنْ هىَ جَلَّت
والأغلب عند استعمال أحد الحرفين ألا يتقدم عليه شيء من الجملة التي دخل عليها. ويرى بعض النحاة أن التقديم ممنوع. ولكن هذا المنع مدفوع بالسماع، كقول النمر بن تولب:
فلما رأته آمنا هان وجدها ... وقالت: أبونا هكذا سوف يفعل
__________
1 من أخوات: "ظن". وتفصيل الكلام عليها في بابها "جـ 2 م 60 ص 37".
2 راجع الجزء الثاني من الهمع ص 72 في الكلام عليهما.
3 راجع ص 87 جـ 3 من رغبة الآمل، شرح الكامل، للمرصفي. والشاعر هو: عبد الله بن الزبير.(1/60)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: سوف يفعل هكذا1. ..
الرابعة: أن ينصرف زمنه للمضي؛ وذلك إذا سبقته "لم"2، أو: "لما". الجازمتين. مثل: قوله تعالى عن نفسه: {لم يلدْ، ولم يُولدْ، ولم يكنْ له كُفُوًا أحَدٌ} ، وقول الشاعر:
لَم يَمُتْ مَنْ له أثَرْ ... وحياةٌ من السِيَرْ
فزمن المضارع هنا ماضٍ. ومثل: لما يحضْر ضيفنا. أما في مثل:
إذا أنتَ لم تَحْمِ القديمَ بحادثٍ ... من المجْدِ لم ينْفَعْكَ ما كانَ من قَبْلُ
فزمن المضارعَيْن هنا ماض، بسبب وقوعهما بعد "لَمْ" قبل مجيء "إذا" الشرطيَّة، ثم صار مستقبلا محضًا بعد مجيئها - طبقًا لما سَلف3.
أو: "إذا"؛ نحو: أطربني كلامك؛ إذ تقول للغنيّ: تصَدقْ، بمعنى: قُلتَ.
أو: "ربما"4، نحو: فاتنى القطار فتألمت؛ فأدركني صديق بسيارته، فوصلنا قبل القطار؛ فالحمد لله؛ رُبما أكره الأمر وفيه خيرى ونفعي، أي: ربما كرهت.
أو: "قد" التي تفيد التقليل بقرينَة؛ كأن تقول لمن حملك على السفر كرْهًا: قد أسافر مُكرهًا؛ فماذا عليك لو تركتنى بعيدًا عن المشقة التى صادفتها؟ بخلاف "قد" التي للتكثير.
أو: وقع المضارع مع مرفوعه خبرًا فى باب "كان" وأخواتها الناسخة، إذا وقع الناسخ فى هذا الباب بصيغة الماضي، ولم توجد قرينة تصرف زمنه عن المضي إلى زمن آخر5؛ مثل: كان سائق السيارة يترفق بركابها حتى وصلوا ... أي:
__________
1 راجع حاشية ياسين على "التصريح" جـ1 ص160 باب المبتدأ والخبر، عند الكلام على الخبر.
2 يشترط في "لم" التي تصرف منه زمنه للماضي ألا تكون مسبوقة بإحدى الأدوات الشرطية التي تخلصه للمستقبل المحض، مثل: "إن" الشرطية أو إحدى أخواتها. فإن وجدت هذه الأداة صرفته للمستقبل المحض، بالرغم من وجود "لم" كما سيجيء في جـ4 باب الجوازم رقم1 ص315.
3 في ص62.
4 لأن الأغلب دخول "رب" على الماضي، وإنما يكون زمن المضارع ماضيًا بشرط أن تقوم القرينة الدالة على مضي زمنه حقيقة، بخلاف ما لو كان مستقبلا محقق الوقوع، فإن هذا التحقق ونحوه - وإن جعل معناه الذي لم يتحقق بمنزلة ما تحقق- لا يجعل زمنه ماضيا بل يبقى مستقبلا. وسيجيء هذا مفضلا في موضعه "جـ 2 م 90 ص 483 حروف الجر.
5 كما في صور 546.(1/61)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ترَفقَ. ولا يدخل فى هذا ما عرفناه من النواسخ التى تدل على "الحال" فقط؛ كأفعال الشروع -مثل: طفق، وشرع- أو التي تدل على "الاستقبال" فقط؛ كأفعال الرجاء. وسيجيء البيان فى الباب الخاص بهما وهو: باب "أفعال المقاربة"1.
ملاحظة: إذا عطف فعل مضارع2 على نظيره فإن الفعل المعطوف يتبع حكم الفعل المعطوف عليه في أمور، يتصل منها بموضوعنا: "الزمن" فيكون المعطوف مثله؛ إما للحال فقط، أو للمستقبل فقط، أو للماضي فقط، أو صالحًا للحال والاستقبال ... فكل ذلك يجري فى المضارع المعطوف؟ تبعًا لنظيره المعطوف عليه حتمًا؛ لوجوب اتحاد الفعلين المتعاطفين فى الزمان3. فإذا قلت: أسمعُ الآن كلامك؛ وأبصرُك، كان زمن الفعل "أبْصر" للحال، كزمن المعطوف عليه؛ وهو أسمع؛ لوجود كلمة: "الآن"، التى تَقْصِره على الحال.
وإذا قلت: إن يعتدل الجو أطرَبْ، وأخرجْ للرياضة -فإن الفعل: "أخرج" للمستقبل فقط؛ لعطفه على: "أطرَبْ" المقصور على المستقبل؛ لأنه جواب شرط جازم؛ وزمن الجواب مستقبل، كما عرفنا.
وإذا قلت؛ لم تتأخر عن ميعادك، وتؤلمْ صاحبك.. فإن الفعل: "تؤلم" هو للماضي فقط، تبعًا للمعطوف عليه: "تتأخر"، الذي جعلته "لم" للزمن الماضي وحده.
وإذا قلت: يكتب حامد ويتحرك، فالفعل المضارع "يتحرك" صالح للحال والاستقبال، تبعًا للفعل: يكتب.
على أن ما سبق ليس مقصورًا على عطف المضارع على نظيره، وإنما يشمل عطف المضارع على الماضي؛ كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
__________
1 ص 591.
2 المعطوف هنا فعل مضارع، والمعطوف عليه كذلك. فالعطف هنا عطف فعل على فعل، وليس عطف جملة فعلية؛ لأن عطف الجملة الفعلية على جملة فعلية يختلف في أحكامه اللفظية والمعنوية. عن أحكام العطف السابق، على الوجه المشروح في الجزء الثالث: "باب العطف -ص 620 م 121".
3 راجع الهمع جـ1 ص8 عند اللام على المضارع- وسيجيء في باب العطف جـ3 ص620 م121.(1/62)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَتُصْبِحُ الأَرضُ مُخْضَرَّة} 1 أي: فأصبحت2.
وقد يكون المعطوف عليه تابعًا فى زمنه للمعطوف، بسبب قرينة تدعو لذلك؛ كقول الشاعر:
ولقد أمَرُّ على اللئيم يَسبُّنى ... فمضَيت، ثُمَّتَ قلت: لا يَعنينى
أي: مررت3.
__________
1 لا يصح أن يكون المضارع: "تصبح" معطوفًا على المضارع السابق: "تر"؛ لأن السابق مجزوم واللاحق غير مجزوم، ولأن اخضرار الأرض ليس نتيجة الرؤية، ولكنه نتيجة شرب الزرع الماء.
2 ويشمل كذلك عطف الماضي على المضارع. وقد سبقت أمثلة في ص54.
3 يفهم مما سبق أن الفعل الماضي إذا عطف المضارع، أو العكس، يجب أن يتحول -في الأغلب- نوع الزمن في المعطوف إلى نوع الزمن في المعطوف عليه، بحيث يتماثلان. مع الخضوع في ذلك لما تقتضيه القرائن، ويستقيم به المعنى.
أما عطف فعل الأمر -وحده على غيره والعكس، فمختلف في جوازه، ويميل جمهرة النحاة إلى منعه، لاستحالة فصل الأمر من فاعله، وسنوضح الأمر في مكانه في العطف "جـ3 ص620 م121".
كذلك يفهم أن الفعلين المختلفين في الزمن "سواء أكانا مضارعين معًا، أم ماضيين معًا، أم مختلفين" لا يجوز عطف أحدهما على الآخر، إلا مع مراعاة أن العطف يوحد زمنهما حتمًا، ويمنع اختلافهما فيه، فإن لم يصح المعنى عند اتفاقهما في الزمن لم يصح عطف الفعل ولم يكن الكلام من باب تعاطف الفعل، وإنما هو من باب آخر، كعطف جملة على جملة، أو الاستئناف أو غير ذلك، على حسب ما يوافق المعنى.
ومما تجب ملاحظته أن هناك فرقًا في المعنى والإعراب بين عطف الفعل على الفعل- وعطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية، "كما أشرنا في رقم من هامش الصفحة السابقة، وكما سيجيء التفصيل في بابه الخاص. الذي أشرنا إليه".(1/63)
وأما علامة الأمر فهي: أن يدل بصيغته1 على طلب شيء، مع قبوله ياء المخاطبة. فلا بد من الأمرين معًا؛ أي: أن علامته مزدوِجة؛ مثل: ساعدْ من يحتاج للمساعدة، وتكلمْ بالحق، واحرصْ على إنجاز عملك. وتقول: ساعدي.. وتكلمي ... واحرصي ... ومن الأمثلة قوله تعالى للرسول الكريم: {خُذِ الْعَفْو َ 2 وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ 3 وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وتقول: خُذي ... -وأمْري ... -وأعْرِضِي ...
ومن فعل الأمر كلمة: "هاتِ" و: "تعالَ" لقبولهما علامته. تقول: هاتي يا شاعرة ما نَظمتِ، وتعاليْ نقرؤه.
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه فعل الأمر ولكنها لم تقبل علامته فليست بفعل أمر؛ وإنما هي: "اسم فعل أمر"4؛ مثل: "صَهْ"، بمعنى: اسكت. و"مَهْ" بمعنى: اترك ما أنت فيه الآن، و"نَزَالِ" بمعنى: انزلْ. و"حيَّهَلْ" بمعنى: أقبلْ علينا.
وهناك علامتان مشتركتان5 بين المضارع والأمر.
الأولى: نون التوكيد خفيفة وثقيلة، فى نحو؛ والله لأجْتهدَنْ. واجتهدنَ يا صديقي ... بتشديد النون أو تخفيفها فى كل فعل.
الثانية: ياء المخاطبة، مثل: أنت يا زميلتي تُحْسنين أداء الواجب، ومؤاساة المحتاجين؛ فداومي على ذلك. فقد اتصلت ياء المخاطبة بآخر المضارع؛ وهو: "تحسنين" وآخر الأمر؛ وهو: دوامي ...
__________
1 سبق "في ص48" أن المراد بذلك هو: أن تكون دلالته ذاتية أي: مستمدة من صيغته نفسها لا من زيادة شيء عليها، فالدلالة على الأمرية في مثل: "لتخرج" مستمدة من اللام الداخلة على الفعل المضارع بعدها، ولا يصح أن يقال في الفعل الذي بعد تلك اللام إنه فعل أمر، وإنما هو فعل مضارع.
2 الميسور المقبول من كلام الناس وأفعالهم، من غير أن تكلفهم الكمال الأعلى الذي لا يطيقونه.
3 الأمر المحمود المستحسن شرعا.
4 لاسم الفعل تعريف عام موجز في رقم51 من هامش ص49 وكذا في رقم6 من ص78 وله باب مستقل في جـ4.
5 سبقت الإشارة إليهما في رقم2 من هامش ص56.(1/64)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
زمن الأمر مستقبل1 فى أكثر حالاته؛ لأنه مطلوب به حصول ما لم يحصل، أو دوام ما هو حاصل. فمثال الأول: سافرْ زمن الصيف إلى الشواطئ2. ومثال الثاني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} لأن النبى لا يترك التقوى مطلقًا. فإذا أمِر بها كان المراد الاستمرار عليها.
وقد يكون الزمن فى الأمر للماضي إذا أريد من الأمر الخبر، كأن يصف جندي بعد الحرب موقعة شارك فيها؛ فيقول: صرعت كثيرًا من الأعداء. فتجيبه: "اُقتُلِ ولا لوم عليك ... وافْتِك بهم؛ فإن الله معك" ... فالأمر هنا بمعنى: قتلتَ وفتكتَ ... والمعوّل عليه فى ذلك هو: القرائن، فلها الاعتبار الأول دائمًا فى هذه المسألة، وغيرها.
__________
1 هو مستقبل باعتبار المعنى المأمور به، المطلوب تحققه وقوعه ابتداء، إن كان غير حاصل وقت النطق، أو دوام حصوله واستمراره إن كان واقعا حاصلا وقت الكلام وفي أثنائه- كما هو مبين بأعلى الصفحة-.
أما زمن فعل الأمر باعتبار الطلب الصادر من المتكلم وملاحظة وقت الكلام نفسه والزمن الصادر فيه الطلب ذاته، فهو الحال.
"راجع الصبان جـ1 باب المعرب والمبني، عند الكلام على إعراب المضارع".
2 إذا قلت هذا قبل الصيف، ليكون قرينة.(1/65)
المسألة الخامسة: الحرف 1
مِنْ، فى، علَى، لمْ، إنْ، إنّ، حتى، لا، هل ...
لا تدل كلمة من الكلمات السابقة على معنى، أىّ معنى، ما دامت منفردة بنفسها. لكن إذا وضعت فى كلام ظهر لها معنى لم يكن من قبل، مثال ذلك: "سافرت "من" القاهرة" ... فهذه جملة؛ المراد منها: الإخبار بوقوع
__________
1 النحاة يسمون الحروف التي هي قسم من أقسام الكلمة: "أدوات الربط" لأن الكلمة إما أن تدل على ذات، وإما أن تدل على معنى مجرد "أي: حدث"، وإما أن تربط بين الذات والمعنى المجرد منها.
فالاسم يدل على الذات، والفعل يدل على المعنى المجرد منها، والحرف هو الرابط. وهو يختلف اختلافا كاملا عن "الحرف الهجائي" الذي تبني منه صيغة الكلمة، كالباء، والتاء، والجيم.... وغيرها من سائر آحرف الهجاء، وتسمى لهذا أحرف البناء - وقد سبق الكلام عليها في ص 13 -.
وحروف الربط نوعان، نوع يسمى: "حروف المعاني"، لأنه يفيد معنى جديدا يجلبه معه، ونوع ليس للمعاني، وإنما هو زائد أو مكرر، وكلاهما لتوكيد معنى موجود، مثل: "ما" الزائدة، وكذا "الباء"، و"من" وغيرهما من الحروف الزائدة، ومثل: نعم، نعم، أو: لا. لا ... أو غيرهما من الحروف المكررة لإفادة توكيد المعنى القائم، والذين يعتبرون التوكيد معنى - على الرغم من أنه ليس جديدا يدخلون هذا النوع في حروف المعاني. أما غيرهم فلا يدخله فيها، وهذا هو المشهور. وأكثر الكوفيين يقتصر على تسمية الحروف: "أدوات".
أما تفصيل الكلام على حروف المعاني، وأحكامها، وما يتصل بها، ولا سيما تعلق شبه الجملة بها. ففي موضعه المناسب "كالذي في جـ2 ص 2000 م 78 - حيث "حروف الجر" والإيضاح الجلي الهام الذي سجله صاحب "المفصل" لحروف المعاني، وفي جـ 3 حيث حروف العطف، وحـ 4 حيث النواصب والجوازم". وإذا حروف الربط بنوعيها تخالف مخالفة تامة حروف المباني في المدلول والأثر.
بقي بيان المراد الدقيق الذي يقصدونه حين يقولون. هذا اللفظ - حرفا كان أم غير حرف- "زائد" لقد تباينت آراؤهم في تعريف الزائد. وخير ما يستخلص منها: أنه الذي يمكن الاستغناء عنه، في الغالب، فلا يتأثر المعنى بحذفه، وربما لا يستغنى عنه، فيكون معنى زيادته هو: تركه مهملا لا يؤثر في غيره ولا يتأثر بغيره، سواء كان في أصله مهملا مثل: "لا" النافية الزائدة، أم كان في أصله عاملا، مثل: "كان" الزائدة. وفيما يأتي بعض ما دونته المراجع خاصا بهذا.
1 جاء في المغني عند الكلام على الحرف: "لا ما نصه:
" من أقسام "لا" النافية-: المعترضة بين الخافض والمخفوض، نحو: جئت بلا زاد، وغضبت من لا شيء. وعن الكوفيين: أنها اسم، وأن الجار دخل عليها نفسها. وأن ما بعدها خفض بالإضافة أما غيرهم فيراها حرفا، ويسميها: زائدة، كما يسمون: "كان" في نحو: "محمد كان فاضل" =(1/66)
سفري، وأنه يبتدئ من القاهرة. فكأني أقول: سافرت، وكانت نقطة البدء فى السفر هي: "القاهرة"، فكلمة: "منْ" أفادت الآن معنى جديدًا ظهر على غيرها مما يليها مباشرة1 ما بعدها وهذا المعنى هو: "الابتداء"، لم يُفهم ولم يُحددْ إلا بوضعها فى جملة؛ فلهذه الجملة الفضل فى إظهار معنى: "مِنْ".
ولو قلت: سافرت من القاهرة "إلى" العراق -لصار معنى هذه الجملة: الإخبار بسفرى الذى ابتداؤه القاهرة، ونهايته العراق. فكلمة: "إلى" أفادت معنى ظهر هنا على ما بعدها؛ وهذا المعنى هو "الانتهاء". ولم يظهر وهى منفردة، وإنما ظهر بعد وضعها فى جملة؛ كانت السبب فى إظهاره، كما كانت الجملة سببا في إظهار معنى الابتداء المستفاد من كلمة: "من" والذي ظهر على ما بعدها مباشرة.
__________
= زائدة، وإن كانت مفيدة لمعنى، وهو المضي والانقطاع فعلم أنهم قد يريدون بالزائد المعترض بين شيئين متطالبين، وإن لم يصح المعنى بإسقاطه، كما في مسألة: "لا" في نحو: غضبت من لا شيء، كذلك إذا كان يفوت بفواته معنى، كما في مسألة: "كان"، و"كذلك" "لا" المقترنة بالعاطف في نحو: ما جاءني محمد ولا على، ويسمونها: "الزائدة" وليست بزائدة ألبتة، ألا ترى أنه إذا قيل: ما جاءني محمد وعلى ... ، احتمل أن المراد نفي مجيء كل منهما على كل حال، وأن يراد نفي اجتماعهما في وقت المجيء، فإذا جيء بكلمة: "لا" صار الكلام نصا في المعنى الأول. نعم هي في قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} لمجرد التأكيد، وكذا إذا قيل: لا يستوي حامد ولا محمود"" أهـ كلام المعنى.
أي: لأن اللبس غير محتمل في المثالين الأخيرين مطلقا. ولهذا إيضاح في حـ 3 م 118 ص 549 باب: العطف، عند الكلام على ما انفردت به واو العطف.
وجاء في شرح المفصل "جـ 7 ص 150" عند الكلام على: "كان" الزائدة، أن معنى زيادتها هو: "إلغاؤها عن العمل مع إرادة معناها، وهو الدلالة على الزمان، وذلك نحو قولك: ما كان أحسن زيدا، إذا أريدان الحسن كان فيما مضى. فـ "ما" مبتدأ على ما كانت عليه، و "أحسن زيدا" الخبر - و "كان" ملغاة عن العمل، مفيدة للزمان الماضي، كما تقول: من كان ضرب زيدا- تريد: من ضرب زيدا- ومن كان يكلمك، تريد: من يكلمك. فكان تدخل في هذه المواضع وإن ألغيت من الإعراب فمعناها باق. وهي هنا نظيرة: "ظننت" إذا ألغيت، فإنه يبطل عملها ومعنى الظن باق، ذلك أن الزيادة على ضربين، زيادة مبطلة العمل مع بقاء المعنى الزمني، كما سبق وزيادة لا يراد بها أكثر من التأكيد في المعنى، وإن كان العمل باقيا، نحو: ما جاءني من أحد. ومثله قوله: بحسبك محمد، المراد: حسبك، ومثل: "وكفي بالله شهيدا"، والمراد كفى الله...." أهـ.
وستجيء إشارة موضحة لهذا في ص 70 وفي باب "كان وأخواتها" ص 579 والواجب ترك استعمال "كان" الزائدة إذا أوقعت في لبس.
1 انظر الإيضاح في: "أ" من الزيادة والتفصيل، ص 70.(1/67)
وكذلك: "حضرتُ من البيت إلى النهر"؛ فقد أفادت الجملة كلها الإخبار بحضوري، وأن أول هذا الحضور وابتداءَه: "البيت"، وأن نهايته وآخره: "النهر". فأفادت: "إلى" الانتهاء، وصبَّته على ما بعدها. وهذا الانتهاء لم يفهم منها إلا بسبب التركيب الذى وضعت فيه.
ولو قلت: الطلبة فى الغرفة -لكان المعنى؛ أن الطلبة تحويهم الغرفة؛ كما يحوي الإناء بعض الأشياء، وكما يحوي الظرفُ المظروف، أى: كما يحوي الوعاء أو الغلاف ما يوضع فى داخله. فمعنى كلمة: "فى" هو "الظرف"، أو: "الظرفية"، وهذا المعنى لم يفهم من لفظة: "في" وحدها، وإنما عُرف منها بعد أن احتواها التركيب، فظهر على ما بعدها ... وهكذا بقية أحرف الجر، وغيرها من أكثر الأنواع الأخرى المختلفة؛ كحروف النفي، والاستفهام، وسواها1 ...
فالحرف: "كلمة لا تدل على معنى فى نفسها، وإنما تدل على معنى فى غيرها فقط -بعد وضعها فى جملة- دلالة خالية من الزمن"2.
من كل ما سبق نعلم: أن الاسم وحده -من غير كلمة أخرى معه- يدل على معنى جزئي فى نفسه، دلالة لا تقترن بزمن. وأن الفعل وحده يدل على معنى جزئي مقترن بزمن. وأن الحرف وحده لا يدل على شيء منهما ما دام منفردًا، فإذا دخل جملة دل على معنى فى غيره، ولم يدل على زمن3.
__________
1 الإيضاح في: "أ" من الزيادة والتفصيل ص 70.
2 هذا التعريف في اصطلاح النحاة. لكن يجري في استعمال بعض المراجع اللغوية والقدماء إطلاق الحرف أحيانا على: "الكلمة، مهما كان نوعها. أما ظهور معناه على ما بعده ففيه تفصيل يجيء في ص 70 - كما ألمحنا في رقم 1.
3 أشار ابن مالك إلى علامات الفعل والحرف بقوله:
"بتا" فعلت، وأتت، "ويا" افعلي ... "ونون" أقبلن - فعل ينجلي
سواهما الحرف، كهل، وفي، ولم ... عل مضارع يلي لم: كيشم
=(1/68)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
=
وماضي الأفعال بالتا- مز. وسم ... بالنون فعل الأمر، إن أمر فهم
والأمر إن لم يك للنون محل ... فيه هو اسم، نحو: صه، وحيهل
أ- يريد: أن الفعل ينجلي "أي: ينكشف" ويتميز من غيره بإحدى العلامات الآتية، وهي تاء الفاعل، أو تاء التأنيث الساكنة، أو ياء المخاطبة، أو نون التوكيد. وهذه العلامات موزعة بين أنواع الفعل لكل نوع بعض منها في آخره دون بعض.
ب- وأن علامة الحرف "كهل، وفي، ولم" هي عدم قبوله علامة من علامات الأسماء، أو: الأفعال:
حـ- وأن علامة المضارع صلاحه للمجيء بعد "لم الجازمة، أو إحدى أخواتها.
د- وأن الماضي يختص من تلك العلامات بقبوله التاء المتحركة، للفاعل، أو الساكنة للتأنيث، وكلتاهما تكون في آخره. ومعنى: "مز": ميز، و "صه" بمعنى اسكت، و "حيهل" بمعنى: أقبل و "يشم" مضارع شم، من باب: فرح".
هـ- وأن فعل الأمر يوسم "أي: يعلم ويعرف" بقبوله نون التوكيد، مع دلالته على الطلب. فإن لم يدل على الطلب ولم يقبلها فهو اسم فعل أمر.
هذا، وكلمة: "الأمر" مبتدأ، خبره الجملة الاسمية: "هو اسم". أما جواب "إن" الشرطية فحذوف يدل عليه الخبر المذكور، والتقدير: فهو اسم.
والقاعدة: "أنه متى تقدم المبتدأ على أداة الشرط فإن اقترن ما بعدهما بالفاء، أو صلح لمباشرة الأداة الشرطية- كان جوابا، والخبر محذوفا، إذ الأغلب وقوع الفاء في جواب الشرط، لا في خبر المبتدأ. وإلا كان خبرا والجواب محذوفا، كما هنا" هذا هو الرأي المختار، على رغم ما حوله من خلاف "راجع حاشيتي الخضري والصبان في هذا الموضوع من الباب، وستذكر هذه القاعدة في مواضع، منها موضع حذ الخبر - "ص 519 م 524" م 39 وفي جـ 4 ص 157 - ورقم 5 من هامش ص 418".
ومما تنطبق عليه القاعدة السالفة قول الشاعر المخضرم عامر بن الطفيل:
وإني - وإن كنت ابن سيد عامر ... وفي السر منها والصريح المهذب
فما سودتني عامر عن وراثة ... أبي الله أن أسمو بأم ولا أب
فما دخلت عليه الفاء وهو الجواب، وخبر "إن" محذوف. ومثال ذكر الخبر لا الجواب قول الشاعر:
وإني- وإن صرفت في الشعر منطقي ... لأنصف فيما قلت فيه، وأعدل
فجملة: "أنصف" خبر "إن" وليست جوابا للشرط إذ الأغلب دخول اللام على الخبر، لا على الجملة الواقعة جوابا للشرط.(1/69)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"أ" عندما ينكشف معنى الحرف الأصلي بسبب وضعه في جملة، ويظهر المراد منه، فإن ذلك المعنى ينصب على ما بعد الحرف، ويتركز فيه؛ سواء أكان ما بعد الحرف الأصلي مفردًا أم جملة، فالابتداء في: "من"، والانتهاء في: "إلى"، يتحقق فى الكلمة التي جاءت بعد كل منهما، وكذلك الظرفية، والاستعلاء ...
وإذا قلنا: ما جاء أحد ... -هل غاب أحد؟ فإن النفي والاستفهام ينصبّان على كل مضمون الجملة التى بعده ... وهكذا ...
أمّا الحروف الزائدة -ومنها بعض حروف الجر؛ كالباء- فإنها تفيد توكيد المعنى فى الجملة كلها؛ لأن زيادة الحرف تعتبَرُ بمنزلة إعادة الجملة كلها، وتفيد ما يفيده تكرارها بدونه1 سواء أكان الحرف الزائد فى أولها، أم في وسطها، أم في آخرها؛ مثل: بحسبك الأدب، وأصلها: حسبُك الأدب، أي: يكفيك، أو: كافيك، فالباء داخلة على المبتدأ، كدخولها عليه وهو ضمير في نحو: كيف بك؟ "وأصلها ... كيف أنت؟ "2 وكدخولها عليه بعد "إذا الفجائية" في نحو: رجع المسافر؛ فإذا بالأصدقاء فى استقباله.
وكدخولها على الفاعل فى مثل: كفى بالله شهيدًا، وأصلها: كفى اللهُ شهيدًا. وعلى الخبر فى مثل: الأدب بحسبك ... فالباء مع تقدمها أو توسطها أو تأخرها قد أكدت معنى الجملة كلها3.
هذا، والحرف الزائد قد يعمل؛ كباء الجر، أو لا يعمل مثل: "ما" الزائدة، فى مثل: إذا ما المجُد نادانا أجَبْنا4 ...
ولا يصح اعتبار اللفظ "سواء أكان حرفا أم غير حرف" زائدًا إن أمكن
__________
1 راجع شرح التصريح جـ2 باب: "حروف الجر" عند الكلام على زيادة: "الكاف".
2 راجع هذا الأصل في أول باب المبتدأ م33 ص448.
3 سيجيء تفصيل الكلام على زيادة "الباء" الجارة في الموضع المناسب- باب: حروف الجر، ج2 م90.
4 يتحتم إعتبار "ما" زائدة عند وقوعها بعد كلمة: "إذا" كالمثال السالف، ثم انظر رقم1 من هامش ص66.(1/70)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اعتباره أصليا؛ لأن اعتبار الأصالة مقدم على اعتبار الزيادة- "كما سبق في رقم1 من هامش ص47- "ويجيء في ص489، 581".
وهناك الشبيه بالزائد يعمل، وينحصر فى بعض حروف الجر؛ كُربّ، ولعلّ، الجارتين ... و"لولا" على اعتبارها جارّة.
وحرف الجر الزائد والشبيه به لا يتعلقان1، إلا أن الزائد "كالباء" يزاد لتوكيد المعنى الموجود. أمَّا "رب" فتفيد معنى التقليل أو التكثير، "ولعل" تفيد الرجاء ... فهما -كغيرهما من الشبيه بالزائد- يفيدان معنى جديدًا يطرأ على الجملة؛ لا تقوية المعنى الموجود قبل مجيئهما. وكذا "لولا" فإنها تفيد الامتناع؛ وهو معنى جديد يطرأ على الجملة.
"ب" الحروف نوعان، نوع يسمى "العامل"؛ لأنه يعمل الجر، أوالنصب، أوالجزم غير ذلك2، كحروف الجر، وحروف النصب، وحروف الجزم أو، والحروف الناسخة2، ونوع آخر يسمى: "المهمَل"؛ لأنه لا يعمل شيئًا مما سبق، مثل بعض أدوات الاستفهام والجواب.، ومنها: هل، نعم، لا ... ومثل: التنوين3.
وبعض النحاة يسمي حروف الجر: "حروف الإضاءة" لأنها تضيف إلى الأسماء معاني4 الأفعال وشبهها من كل ما تتعلق به تلك الحروف.
"حـ" الحروف إما آحادية، أو ثنائية، أو ثلاثية؛ كبعض حروف الجرّ "الباء، فى، إلى ... "
وإما رباعية؛ مثل: "لعلَّ" ولا تزيد على خمسة؛ مثل: "لكنَّ" فى الرأي الأصح الذى يعتبرها غير مركبة، وأنها مشددة النون، ثابته الألف بعد اللام نطقاً -كما سبق5.
__________
1 تفصيل هذا في الباب الخاص بحروف الجر "جـ2".
2، 2" مثل: "ما، الحجازية" وتعمل عمل "كان" الناسخة. ومثل: "لا" النافية للجنس.
وتعمل عمل "إن".
3 راجع رقم3 من هامش ص27.
4 انظر رقم1 من هامش ص66.
5 انظر رقم2 من هامش ص13(1/71)
المسألة السادسة: الإعراب والبناء
معنى المصطلحات السابقة
" أ"- طلع الهلالُ. شاهد الناس الهلالَ. فرح القوم بالهلالِ.
"ب"- يكثر الندَى شتاء. يمتص النباتُ الندى. يرتوي بعضُ النباتِ بالندى.
"جـ"- زاد هؤلاءِ علماً. سمعت هؤلاءِ يتكلمون. أصغيت إلى هؤلاءِ.
نلحظ فى أمثلة القسم الأول "أ" أن كلمة: "الهلال" قد اختلفت العلامة التى في آخرها؛ فمرة كانت تلك العلامة ضمة، ومرة كانت فتحة، ومرة كانت كسرة، فما سبب هذا الاختلاف؟
سببه وجود داعٍ متغير في كل جملة، يحتاج إلى كلمة: "الهلال"؛ لتؤدي معنى معينًا في الجملة. وهذا المعنى يختلف باختلاف الدواعي في الجُمل، ويُرْمَز إليه في كل حالة بعلامة خاصة في آخر الكلمة، ففي الجملة الأولى كانت كلمة: "الهلال" مرفوعة؛ لوجود الداعي الذى يحتاج إليها، وهو الفعل: "طَلَع" فإنه يتطلب فاعلا. والفاعل يرمز له بعلامة فى آخره، هي: الضمة -مثلا- فيكون مرفوعًا.
وفي الجملة الثانية كانت كلمة: "الهلال" منصوبة؛ لوجود داعٍ من نوع آخر؛ هو الفعل: "شاهَدَ"؛ فإنه لا يحتاج إلى فاعل، لوجود فاعله معه -وهو كلمة: الناس- ولكنه يحتاج إلى بيان الشيء الذى وقع عليه فعل الفاعل، وهو ما يسمى فى النحو: "المفعول به"؛ والمفعول به يُرْمزُ إليه بعلامة خاصة في آخره هي: "الفتحة"، -مثلا- فيكون منصوبًا.
وفي الجملة الثالثة كانت كلمة "الهلال" مجرورة، لوجود داعٍ يخالف السابقَين، وهو: الباء، فإنها تحتاج إلى تلك الكلمة لتكون مجرورة بها، فيزداد الفعل بهما وضوحًا، وعلامة جرها الكسرة هنا.(1/72)
فنحن نرى أن الدواعي تغيرت فى الجمل الثلاثة السالفة على حسب المعاني المطلوبة، من فاعلية، ومفعولية، وتكملة أخرى للفعل ... وتبعها فى كل حالة تَغَيُّرُ العلامة التى فى آخر كلمة: "الهلال". فَتَغَير العلامة على الوجه السالف يسمى: "الإعراب"، والداعي الذي أوجده يسمى: "العامل"1.
__________
1 كثر الكلام- قديمًا وحديثًا- على العامل، وعلى ما له من أثر سيء في النحو العربي، وفي الأساليب، وصياغتها، وفهمها. ولم تر بين المتكلمين من راعي جانب الاعتدال والإنصاف.
وأقوى ما وجهوه إلى العامل من طعن أمران: أولهما: أن النحاة نسبوا العمل إليه، فجعلوه هو الذي يرفع، أو ينصب، أو يجر، أو يجزم، مع أنه قد يكون سببا في خفاء المعنى- في زعمهم - أو تعقيده. وكيف ينسب إليه العمل وهو لا يعمل شيئا، وإنما الذي يعمل هو: المتكلم؟
ثانيهما: أن النحاة - وقد قصروا عليه العمل وحده- بحثوا عنه في بعض التراكيب العربية الصحيحة فلم يجدوه، فاضطروا أن يقدروه، وأن يفترضوا وجوده، ويتكلفوا، ويتعسفوا.
والحق أن النحاة أبرياء مما اتهموا به، بل أذكياء، بارعون فيما قرروه بشأن: "نظرية العامل"، فقد قامت على أساس يوافق خير أسس التربية الحديثة لتعليم اللغة، وضبط قواعدها، وتيسير استعمالها. ونسوق لهذا مثلا يوضحه، ويزيد الأمثلة إيضاحا: "أكرم محمود الضيف" فمحمود في هذه الجملة ينسب إليه شيء. وكذلك "الضيف" فما الذي ينسب إلى كل منهما؟
1- ينسب إلى محمود أنه فعل الكرم، فهو فاعل الكرم. فبدلا من أن نقول: ينسب إلى محمود أنه فعل شيئا، هو: الكرم، أو: ينسب إلى محمود أنه فاعل الكرم- حذفنا هذه الكلمات الكثيرة واستغنينا عنها برمز صغير- اصطلح عليه النحاة - يرشد إليها، ويدل عليها، ذلك الرمز هو: "الضمة" التي في آخر كلمة: "محمود". فهذه الضمة على صغرها تدل على ما تدل عليه تلك الكلمات المحذوفة الكثيرة. وهذه مقدرة وبراعة أدت إلى ادخار الوقت والجهد باستعمال ذلك الرمز الاصطلاحي الذي دل على المعنى المطلوب بأخصر إشارة. كما سيجيء رقم 1 من هامش ص 75.
لكن كيف عرفنا- في التركيب السابق- أن محمودا" فعل شيئا، أي: أنه فاعل؟ عرفنا ذلك من كلمة قبله هي: "أكرم" ويسميها النحاة: "فعلا" ولا يمكن أن يوجد الفعل بنفسه. فوجود الفعل دل على وجود الفاعل، ووجود الفاعل يقتضي أن نعلنه، ونذيع أنه الفاعل. وطريقة الإذاعة قد تكون بكلمات كثيرة، أو قليلة، أو برمز يغني عن هذه وتلك، كالضمة التي اختارها النحاة واصطلحوا على أنها الرمز الدال، على الفاعلية ... وعلى هذا يكون الفعل هو السبب في الاهتداء أولا إلى الفاعل، وإلى الكشف عنه، ثم إلى وضع الرمز الصغير في آخره، ليكون إعلانا على أنه الفاعل، وشارة دالة عليه. فالفعل هو السبب أيضا في ذلك الرمز وفي اجتلابه والإتيان به، فليس غريبا أن يقول النحاة، "إن الفعل هو الذي عمل الرفع في الفاعل" لأنه السبب في مجيئه، ويسمونه من أجل ذلك: "عاملا".
ب- مثل هذا يقال في كلمة: "الضيف" فقد نسب إليه شيء- كما سبق- فما ذلك الشيء المنسوب إليه؟ هو أنه وقع عليه كرم، أو حصل له شيء، هو: "الكرم". وقد حذفنا هذه الكلمة الكثيرة، واستغنينا عنها برمز اصطلح عليه النحاة، يرشد إليها، ويدل عليها، هو الفتحة في آخر: "الضيف"، =(1/73)
فالإعراب: "هو تَغَيُّر العلامة التى فى آخر اللفظ، بسبب تغير العوامل الداخلة عليه، وما يقتضيه كل عامل"1.
وفائدته: أنه رمز إلى معْنى معين دون غيره - كالفاعلية، والمفعولية، وغيرهما - ولولاه لاختلطت المعانى، والتبست، ولم يفترق بعضها عن بعض. وهو- مع هذه المزية الكبرى - موجَز غاية الإيجاز، لا يعادله فى إيجازه واختصاره
__________
= فهي تؤدي ما تؤديه الكلمات المتعددة التي حذفت. والذي أرشدنا إلى أن الضيف وقع عليه شيء هو وجود الفعل والفاعل معا قبله. ولما كان الفعل هو المرشد إلى الفاعل والدال عليه. وكان الفعل هو الأصل في الإرشاد وفي الدلاله على الفاعل وعلى المفعول، فهو الأصل أيضا في جلب العلامة العلامة الدالة على كل منهما، وهو السبب الأساسي في مجيئها، فسمي ذلك: "عاملها".
وما يقال في الفعل مع فاعله ومفعوله يقال في غيره من العوامل الأخرى مع معمولاتها، سواء أكانت عوامل لفظية، كالفعل وكحرف الجر، والجوازم ... ، أم معنوية، كالابتداء، وكالتجرد من الناصب والجازم، وهو سبب رفع المضارع، وسواء أكانت أصلية أم زائدة "وستجيء أنواع العوامل في م 33 أول باب المبتدأ والخبر- وانظر ص 73.
ومما تقدم نعلم أن تلك العوامل بنوعيها ليست مخلوقات حية، تجري فيها الروح فتعمل ما تزيد، وتحس ما يقع عليها، وتؤثر بنفسها، وتتأثر حقا مما يصيبها، وتحدث حركات الإعراب المختلفة، فليس لها شيء من ذلك. إنما الذي يؤثر. ويحدث حركات الإعراب- هو المتكلم، وليست هي. ولكن النحاة نسبوا إليها العمل. لأنها المرشد إلى المعاني والرموز. وهي نسبة جاية على أصح الاستعمالات العربية وأبلغها. إذ هي السبب في الاهتداء إلى كشف المعنى المراد من الكلمة- كما أسلفنا- وإذا ثبت لها هذا فليس في اللغة مانع من نسبة العمل إليها، وتسميتها: "عاملا"، ولا عيب في أن نقول مثلا: "كان" ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، و "إن" تنصب المبتدأ وترفع الخبر، ولا و "ظن" تنصبهما مفعولين لها ... و.... و ... إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى الذي يتفق بغير شك مع أصول الاستعمال العربي الفصيح، بل مع الأسلوب البلاغي الأعلى، ولا داعي للاعتراض عليه كما يتردد على ألسنة بعض، المتسرعين. نعم لها بعض عيوب "كالتي نراها في باب التنازع، م 73 جـ2" ولكنها يسيرة يمكن تداركها، وسنشير إليها تباعا، حين نصادفها.
ومما تقدم يتبين أيضا النفع الأكبر، والأثر الباهر الذي للعلامات الإعرابية، فلولاها لاختلطت المعاني، بل فسدت، وحسبك أن ترى جملة خالية من العلامات الإعرابية مثل قولنا: "ما أحسن القادم" فإنها بغير ضبط كلماتها تصلح للاستفهام، وللتعجب، وللنفي، ... وكل معنى من هذه يخالف الآخر مخالفة واضحة واسعة. لهذا كان من الخطل وفساد الرأي أن ترتفع بعض الأصوات والحمقاء بإلغاء علامات الإعراب - لصعوبة تعلمها- والاقتصار على تسكين آخر الكلمات. وقد أطلنا الكلام في إظهار هذا الخطأ، وفداحة ضرره في الموضوع الخاص به من كتابنا المسمى: "اللغة والنحو بين القديم والحديث" ص 260.
1 وللإعراب معنى آخر مشهور بين المشتغلين بالعلوم العربية، هو: التطبيق العام على القواعد النحوية المختلفة، ببيان ما في الكلام من فعل، أو فاعل، أو: مبتدأ، أو: خبر، أو: مفعول به، أو حال ... أو غير ذلك من أنواع الأسماء، والأفعال، والحروف، وموقع كل منهما في جملته، وبنائه أو إعرابه.... أو غير ذلك.(1/74)
شيء آخر يدل دلالته على المعنى المعين الذي يرمز له1. وهذه مزية أخرى.
والمعرب: هو اللفظ الذي يدخله الإعراب2.
والعامل هو: ما يؤثر في اللفظ تأثيرا ينشأ عنه علامة إعرابية ترمز إلى معنى خاص، كالفاعلية، أو المفعولية، أو غيرهما، ولا فرق بين أن تكون تلك العلامة ظاهرة كأمثلة: ولا فرق بين أن تكون تلك العلامة ظاهرة كأمثلة: "ا" أومقدرة3 كأمثلة: "ب" فإن الدليل على إعرابها وهى مفردة أن علامة آخرها تتغير عند التثنية والجمع، فتقول: تراكم النَّدَيَان، وامتص النبات النَّدَيَيْن، وارتوى من النديَيْنِ4.
أما أمثلة القسم الثالث "حـ" ففيها كلمة: "هؤلاءِ"4 لم تتغير علامة آخرها بتغير العوامل؛ بل بقيت ثابتة فى الجمل كلها. فهذا الثبات وعدم التغير يسمى: بناء؛ وهو: "لزوم آخر اللفظ علامة واحدة فى كل أحواله، مهما تغيرت العوامل".
والمبنى هو: اللفظ الذى دخله البناء.
هذا، وقد عرفنا5 أن المعرب المنصرف6 "أى: المُنَون"، يسمى: "متمكنًا أمْكن"، وأن غير المنصرف يسمى: "متمكنًا" فقط، وأن المبنى يسمى: "غير متمكن". ولا تصف الكلمة بإعراب أوبناء إلا بعد إدخالها فى جملة7 ...
__________
1 فلو أردنا أن ندل على الفاعلية أو المفعولية في مثل: أكرم الولد الوالد لاستعملنا ألفاظا كثيرة، كأن نقول: إن الوالد هو فاعل الإكرام، والولد هو الذي ناله الإكرام ... وفي هذا إسراف كلامي وزماني. كما سبق في هامش ص 73.
2 أي: التغير الذي وصفناه، فالإعراب غير المعرب، كما أن الإكرام غير المكرم، والإرسال غير المرسل.
3 ويسمى الإعراب فيها: "تقديريا" "انظر ص 84".
"4، 4" وفي ص 84 إيضاح الإعراب المحلي "كالذي في كلمة "هؤلاء" والتقديري. ومن التقديري نوع سيجيء في "و" من ص 159 أما تفصيل مواضعه ففي ص 84 وما بعدها.
5 راجع ص 33 وما بعدها.
6 المنصرف، هو: المنون: "انظر رقم 2 من هامش ص 33".
7 راجع حاشية "الخضري" جـ 2 ص 1 أول باب: "الإضافة" وقد نقلنا كلامة في رقم 1 من هامش ص 14 وأشرنا في تلك الصفحة والتي تليها إلى وجود كلمات لا توصف بإعراب ولا بناء، ولو كانت في جمل، مثل الكلمات التي تسمى: "الأتباع" - بفتح الهمزة - ولها نوع إيضاح في "جـ" من ص 106. أما البيان في جـ 3 باب النعت" م 114 ص 452.(1/75)
المعرب والمبني 1 من الأسماء، والأفعال، والحروف:
"أيْ: من أقسام الكلمة الثلاثة":
أولا: الحروف كلها مبنية؛ لأن الحرف وحده لا يؤدى معنى فى نفسه، وإنما يدل على معنى فى غيره، بعد وضعه فى جملة -كما سبق2. وإذًا لا ينسب إليه أنه فعل فعلا، أووقع عليه فعل؛ فلا يكون بنفسه فاعلا، ولا مفعول به، ولا متممًا وحده للمعنى "أى: لا يكون مسندًا إليه ولا مسندًا، ولا شيئًا يتصل بذلك". لعدم الفائدة من الإسناد فى كل حالة3،
ونتيجة ما سبق أنه لا يدخله الإعراب؛ لعدم حاجته إليه؛ لأن الحاجة إلى الإعراب توجد حيث توجد المعانى التركيبية الأساسية، والحرف وحده لا يؤدى معنى قط. ولكنه إذا وضع فى تركيب فإنه يؤدى فى غيره بعض المعانى الجزئية "الفردية" بالطريقة المفصَّلة التى أشرنا إليها عند الكلام عليه2؛ كالابتداء، والتبعيض، وغيرهما مما تؤديه كلمة: "من". أوالظرفية، والسببية، وغيرهما مما تؤديه كلمة: "فى" - فهذه المعانى الجزئية تَعْتَور الحرف، وتتعاقب عليه، ولكن لا يكون التمييز بينها بالإعراب، وإنما يكون بالقرائن المعنوية التى تتضمنها الجملة.
ثانيًا: الأسماء يناسبها الإعراب وهو أصل فيها؛ لأن الاسم يدل بذاته على معنى مستقل به -كما سبق3- فهو يدل على مسمى؛ "أي: على شيء
__________
1 يلاحظ أن المبني لا تراعي زاحيته اللفظية مطلقا في توابعه أو غيرها، فتوابعه إنما تساير محلة فقط- إن كان له محل من الإعراب- وهذا أثر هام من آثار "الإعراب المحلي" الذي يجيء الكلام عليه "في ص 84" لكن يستثنى من هذا الحكم العام النعت الخاص بالمنادي "أي، أو: أية" وبالمنادي اسم الإشارة الذي جيء به للتوصل إلى نداء المبدوء بأل، نحو: يا أيها العالم، ويأتيها العالمة، ويا هذا الفاضل ... فيجب في هاتين الصورتين رفع التابع مراعاة للمظهر الشكلي للمنادي، مع أن هذا المنادي مبني، وهما صفتان معربتان منصوبتان- مراعاة لمحل المنادي-، مع أن هذا المنادي مبني، وهما صفتان معربتان منصوبتان - مراعاة لمحل المنادي- بفتحة مقدرة على الآخر، منع من ظهورها ضمة المماثلة للفظ المنادي في الصورة الشكلية- وتفصيل هذا وإيضاحه في جـ4 ص 34 م 130-.
"2 و 2" في ص 66.
3 في ص 26 إلا إذا قصد لفظه، كما في جـ" من ص 30.(1/76)
محسوس أو معقول، سميناه بذلك الاسم" وهذا المسمى قد يُسنَد إليه فعل، فيكون فاعلًا له، وقد يقع عليه فعل، فيكون -مفعولا به. وقد يتحمل معنى آخر غير الفاعلية والمفعولية، ويدل عليه بنفسه ... وكل واحد من تلك المعاني يقتضى علامة خاصة به فى آخر الكلمة، ورمزًا معينًا يدل عليه وحده، ويميزه من المعاني الأخرى؛ فلا بد أن تتغير العلامة فى آخر الاسم؛ تبعًا لتغير المعاني والأسباب، وأن يستحق ما نسميه: "الإعراب" للدلالة على تلك المعانى المتباينة، التى تتوالى عليه بتوالى العوامل المختلفة، كما شرحنا من قبل1.
وقليل من الأسماء مبنيّ2. وأشهر المبني منها عشرة أنواع "لكل نوع أحكامه التفصيلية فى بابه" وهى:
"1" الضمائر، سواء أكان الضمير موضوعًا على حرف هجائي واحد، أم على حرفين، أم على أكثر، مثل: انتصرتَ؛ ففرحنا، ونحن بك معجبَون.
"2، 3" أسماء الشرط، وأسماء الاستفهام؛ بشرط ألا يكون أحدهما مضافًا لمفرد؛ مثل: أين توجدْ أكرمْك. أين أراك3؟ بخلاف: أىُّ خيرٍ تعملْه ينفعْك. أىُّ يومٍ تسافر فيه؟ لإضافة "أىّ" الشرطية والاستفهامية فى المثالين لمفرد، فهما معه معربتان4.
"4" أسماء الإشارة التى ليست مثناة؛ نحو: هذا كريم، وتلك محسنة. بخلاف: "هذان كريمان، وهاتان محسنتان". فهما معربان عند التثنية؛ على الصحيح.
__________
1 في ص72.
2 الغالب على الأسماء المبنية أنها لا تضاف، ومنها ما يضاف، مثل: "حيث" و "كم الخبرية" و "إذا" الشرطية، وبعض المركبات المزجية العددية التي تضاف مع بنائها على فتح الجزأين، "نحو: هذه خمسة عشر محمد، طبقا لما سيجيء في باب "العدد" جـ4 م 4 16 ص 400" وغيرها مما هو مذكور في باب الإضافة جـ3.
3 وكما في قول الشاعر:
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها ... سرور محب، أو إساءة مجرم؟
4 أما الإضافة للجملة فقد يكون الاسم معها مبنيا كإضافة "إذا" الشرطية وأشباهها للجمل. وكل اسم يجب إضافته لجملة يجب بناؤه، مثل: "إذا" الشرطية. أما الذي يضاف إليها جوازا، مثل "يوم" فقد يبني، وقد يعرب، كما سيجيء في باب الإضافة ج3.(1/77)
"5" أسماء الموصول غير المثناة، والأسماء الأخرى التى تحتاج بعدها -وجوبًا- إلى جملة أوما يقوم مقامها1، ولا تستغني عنها بحال. فمثال الموصول: جاء الذى يقول الحق. وسافر الذى عندك، أو الذي فى ضيافتك.
ومن الأسماء الأخرى التى ليست موصولة ولكنها تحتاج -وجوبًا- بعدها إلى جملة: "إذا" الشرطية الظرفية؛ نحو: إذا تعلمتَ ارتفع شأنك، فلوقلت: جاء الذى ... فقط، أو: إذا ... فقط، لم يتم المعنى، ولم تحصل الفائدة. بخلاف جاء اللذان غابا، وحضرت اللتان سافرتا. فالموصول معرب - على الصحيح - لأنه مثنى.
"6" الأسماء التى تسمى: "أسماء الأفعال"2 وهى: التى تنوب عن الفعل فى معناه وفى عمله وزمنه، ولا تدخل عليها عوامل تؤثر فيها. مثل: هيهات القمر: بمعنى بَعُدَ جدًّا، وأفٍّ من المهمل، بمعنى أتَضَجَّرُ جدا، وآمين يا رب، بمعنى: استجبْ. فقد دلت كل كلمة من الثلاث على معنى الفعل، ولا يمكن أن يدخل عليها عامل قبلها يؤثر فيها بالرفع، أوالنصب، أوالجر ...
بخلاف: سيرًا تحت راية الوطن، سماعًا نصيحة الوالد، إكرامًا للضيف. فإن هذه الكلمات [سيرًا، وسماعًا، وإكرامًا، وأشباهها] تؤدى معنى فعلها تمامًا، ولكن العوامل قد تدخل عليها فتؤثر فيها؛ فتقول: سرني سيرُك تحت راية الوطن، مدحت سيرَك تحت راية الوطن. طربت لسيرِك ... وكذا الباقي؛ ولذلك كانت معربة.
"7" الأسماء المركبة؛ ومنها بعض الأعداد؛ مثل: أحَدَ عَشَرَ ... إلى تسعة عَشَرَ؛ فإنها مبنية دائمًا على فتح الجزأين. ما عدا اثنيْ عَشَرَ، واثنتيْ عشْرة؛ فإنهما يعربان إعراب المثنى3.
__________
1 المراد بما يقوم مقام الجملة الواجبة هو ما يغني عنها تماما في بعض الحالات، كالمشتق الذي يقع صلة "أل" وكالتنوين الذي للعوض عن المضاف إليه المحذوف إن كان جملة.
2 لها باب خاص في الجزء الرابع. وسبقت لها إشارة في رقم 1 من هامش ص 49.
3 للعدد وأحكامه باب - مستقل في الجزء الرابع.(1/78)
"8" اسم "لا" النافية للجنس1- أحيانًا- في نحو: لا نافع مكروه.
"9" المنادى، إذا كان: مفردا، علما، أو نكرة مقصودة، مثل: يا حمد، ساعد زميلك، ويا زميل اشكر صديقك.
"10" بعض متفرقات أخرى، مثل: "كم" وبعض الظروف، مثل: "حيث" والعلم المختوم بكلمة: "ويه"، وما كان على وزن "فعال" في رأي قومك- مثل حذام، وقطام ... "وكلاهما اسم امرأة". وكذلك أسماء الأصوات المحكية مثل: "قاق"، و"غاق"، في نحو: صاحت الدجاجة قاق، ونعب الغراب غاق2 ...
ملاحظة: يجب الإعراب والتنوين فى كل اسم أصله مفرد مبنىّ، ثم سُمي به، كما لو سمينا رجلًا بكلمة: "أمسِ" المبنية على الكسر في لغة الحجازيين -أو بكلمة "غاقِ" التي هي في أصلها اسم لصوت الغراب ... ، وحكمها: البناء على الكسر أيضًا" لتغير شأن الكلمتين بعد هذه التسمية، فتصير كل واحدة منهما علمًا، يدل على ما يدل عليه العلم، ويصير حكم كل منهما الإعراب والتنوين4، بعد أن كان حكمها البناء5.
__________
1 لها باب خاص في آخر هذا الجزء - ص 683.
2 لأسماء الأصوات وأحكامها المختلفة باب خاص في الجزء الرابع.
3 المراد بالمفرد هنا: ما ليس داخلا في نوع من أنواع المركب الثلاثة، وهي المركب الإسنادي، والمركب المزجي، والمركب الإضافي. أما المركب العلم فيجيء بيانه وحكمه في باب العلم ص 300 و 308 وفي ص 201.
4 انظر ما يتمم هذا الحكم في رقم 5 من هامش ص 146 ورقم 1 من هامش ص 309.
5 راجع حاشية "خالد" على "التصريح"، آخر باب،: "الممنوع من الصرف" عند الكلام على: "أمس".
وينبغي تبين ما سبق - في: "جـ" ص 30 من فروق تخالف ما هنا. كما ينبغي كشف الفرق بين الحكم الذي اشتملت عليه الملاحظة المدونية هنا، والحكم الآخر الآتي في "جـ" ص 146، فالحكم الذي اشتملت عليه هذه الملاحظة مقصور صراحة على الاسم المفرد المبني في أول أمره وليس بعلم، فإذا صار علما منقولا من معناه السابق إلى العلمية ... تاركا ما قبلها فإنه يصير مع هذه العلمية الطارئة معربا ومنونا وجوبا ويصح جمعه جمع مذكر سالم مباشرة أما الحكم الآخر الآتي فإنه صريح في أن العلم موضوع من أول أمره علما ومبنيا فليس منقولا من حالة سابقة إلى حالة العلمية الحالية وإنما هو موضوع ابتداء علما أصيلا مبنيا فلا يجمع إلا من طريق غير مباشر جمع مذكر سالم "كما سيجيء البيان في ص 146".(1/79)
ثالثًا: الأفعال. منها المبني دائمًا، وهو: الماضي والأمر. ومنها المبني حينًا والمعرب أحيانًا وهو: المضارع.
وأحوال بناء الماضي ثلاثة:
"1" يبنى على الفتح فى آخره إذا لم يتصل به شىء، مثل: صافحَ، محمد ضيفه، ورحَّب به. وكذلك يبنى على الفتح إذا اتصلت به تاء التأنيث الساكنة، أوألف الاثنين، مثل: قالتْ فاطمة الحق. والشاهدان قالا ما علافا.
والفتح فى الأمثلة السابقة ظاهر. وقد يكون مقدرًا إذا كان الماضى معتل الآخر بالألف، مثل: دعا العابد ربه.
"2" يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به "التاء" المتحركة التى هى ضميرٌ "فاعل"، أو: "نا" التى هى ضمير فاعل، أو"نون النسوة" التى هى كذلك. مثل أكرمتُ الصديق، وفرحتُ به. ومثل: خرجْنا فى رحلة طيبة ركبنا فيها السيارة، أما الطالبات فقد ركبْن القطار.
"3" يبنى على الضم فى آخره إذا اتصلت به واوالجماعة، مثل الرجال خرجُوا لأعمالهم.
وأحوال بناء الأمر أربعة:
"1" يبنى على السكون فى آخره إذا لم يتصل به شىء؛ مثل: اعمَلْ لدنياك ولآخرتك. وصاحبْ أهل المروءات. أو: اتصلت به نون النسوة، مثل: اسمعْن يا زميلاتى1 ...
"2" يبنى على فتح آخره إذا اتصلت به نون التوكيد الخفيفة؛ مثل: صاحِبَنْ كريم الأخلاق. أوالثقيلة؛ مثل: اهجرَنّ السفيه2 ...
__________
1 من الجائز توكيده بالنون المشددة مع وجود نون النسوة بشرط أن تكون نون التوكيد مشددة مكسورة وقبلها ألف زائدة تفصل بينهما وبين نون النسوة، نحو: اسمعنان يا زميلاتي.
كما سيجيء الإيضاح الخاص بالمضارع، في رقم 4 من هامش ص 82 وفي جـ 4 باب: نون التوكيد-.
2 فهو فعل أمر مبني على الفتح. لاتصاله بنون التوكيد. ولا داعي للتشدد الذي يراه بعض النحاة، إذ يقول: فعل أمر مبني على سكون مقدر منع من ظهروه الفتحة العارضة لأجل نون التوكيد. هذا وكل فعل أمر أو مضارع، اتصلت بآخره نون التوكيد فإنه يمتنع أن يتقدم عليه شيء من معمولاته إلا للضرورة- انظر المثال والبيان في رقم 3 من هامش ص 103 لأن تقدم هذا المعمول يخرجه من حيز التأكيد، فيتنافى تقديمه مع المراد من تأكيده. وأجاز بعض النحاة تقديم المعمول إن كان شبه جملة. وحجته ورود أمثلة كثيرة تكفي للقياس عليها. وهذا أحسن.
كما سيجيء في باب نون التوكيد جـ 4 م 143، الحكم الرابع من الأحكام والآثار اللفظية المشتركة -..(1/80)
"3" يبنى على حذف حرف العلة إن كان آخره معتلًا؛ مثل: اسعَ فى الخير دائمًا، وادعُ الناس إليه، واقضِ بينهم بالحق. [فاسع: فعل أمر مبني على حذف الألف؛ لأن أصله: "اسْعَى"1. وادعُ: فعل أمر مبني على حذف الواو؛ لأن أصله: "ادْعُو". واقض: فعل أمر، مبني على حذف الياء لأن أصله: "اقضيِ] ". وعند تأكيد فعل الأمر بالنون يبقى حرف العلة الواو، أو الياء، ويتعين بناء الأمر على الفتحة الظاهرة على الحرفين السالفين، فإن كان حرف العلة ألفًا وجب قلبها ياء تظهر عليها فتحة البناء؛ لأن الأمر يكون مبنيًا على هذه الفتحة؛ نحو: اسعَيَن فى الخير، وادعُوَن له، واقضيَن بالحق.
"4" يبنى على حذف النون إذا اتصل بآخره ألف الاثنين؛ مثل: اخرجَا، أو واو الجماعة، مثل: اخرجوا، أو ياء مخاطبة؛ مثل: اخرجِي. فكل واحد من هذه الثلاثة فعل أمر، مبني على حذف النون، والضمير فاعل "وهو ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة". ومن الأمثلة قوله تعالى لموسى وفرعون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} ، وقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} - وقول الشاعر:
يا دارَ عَبلةَ بالجِواء تكلمى ... وعِمِى2 صباحا - دارَ عبلةَ - واسلمِى
وأما المضارع فيكون معربًا3 إذا لم يتصل بآخره بنون التوكيد، أونون النسوة. ومن الأمثلة: {إن اللهَ لا يَغفرُ أن يُشْرَكَ بِهِ} . إن تُخْلِصْ فى عملك تنفعْ وطنك. فإن اتصل بآخره اتصالا مباشرًا نون التوكيد الخفيفة أوالثقيلة بنى على الفتح4 مثل: والله لأقومَنْ بالواجب. ولأعْمَلنَّ ما فيه الخير،
__________
1 تكتب الألف هنا ياء، تبعًا لقواعد رسم الحروف، وعلى الرغم من كتابتها ياء تسمى ألفًا ما دامت الفتحة قبلها.
2 انعمي واسعدي.
3 حالاته الإعرابية ثلاث، فيكون معربًا مرفوعًا إذا لم يسبقه ناصب ولا جازم، ويكون معربًا منصوبًا إذا سبقه ناصب، ويكون معربًا مجزومًا إذا سبقه جازم. ولإعراب المضارع باب مستقل "ج4 م148" يعرض لحالاته الإعرابية الثلاثة ويوضح الكلام على النواصب والجوازم، ويبين أنواعها وأحكامها تفصيلًا، ويشير في أوله إلى المراد من الجزم، وأنه الجزم الأصيل، لا الطارئ للوقف، أو التخفيف مع بيان الآثار المترتبة على الأصيل وغيره- وسيجيء الكلام على سكون التخفيف في ص199، وإذا كان المضارع معتل الآخر فلإعرابه طرق وأحكامه خاصة تجيء في بحث مستقل "ص182".
4 في محل رفع إن لم يسبقه ناصب أو جازم -على المشهور- وقيل: لا محل له.
"كما سيجيء في رقم2 من هامش الصفحة الآتية، ومطابقة للبيان الذي في أول باب: "إعراب الفعل المضارع" - ج4 م148 وفي الجزء الرابع باب مستقل لنوني التوكيد.(1/81)
وقول الشاعر:
لا تأخذن1 من الأمور بظاهر ... إن الظواهر تخدع الراءينا
فإن كان الاتصال غير مباشر؛ بأن فصل بين نون التوكيد والمضارع فاصل ظاهر؛ كألف الاثنين، أومقدر؛ كواوالجماعة، أوياء المخاطبة - فإنه يكون معربًا ... فمثال ألف الاثنين "ولا تكون إلا ظاهرة" ماذا تعرف عن الصانعَيْن، أيقومانّ بعملهما؛ ومثال واو الجماعة المقدرة: هؤلاء الصانعون أيقومُنّ بعملهم؟ ومثال ياء المخاطبة المقدرة: أتقُومِنّ بعملك يا زميلتي؟
وإن اتصلت به نون النسوة فإنه يبنى على السكون2؛ مثل: إن الأمهاتِ يبذلْن ما يقدرْنَ عليه لراحة الأبناء. ولا يكون اتصالها به إلا مباشرًا3، كقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} .
فللمضارع حالتان؛ الأولى: الإعراب؛ بشرط ألا يتصل بآخره -مباشرة- نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة، أو نون النسوة. وإذا أعرب كان مرفوعًا إن لم يسبقه ناصب ينصبه، أو جازم يجزمه.
والثانية: البناء: إما على الفتح إذا اتصلت بآخره -مباشرة- نون التوكيد. وإما على السكون إذا اتصلت بآخره نون النسوة4.
وإذا كان المضارع مبنيًّا لاتصاله بإحدى النونين وسبقه ناصب أو جازم وجب
__________
1 المضارع هنا مبني على الفتح في محل جزم.
2 في محل رفع - على المشهور - وقيل لا محل له - طبقا لما سبق في رقم 4 من الهامش السابق، ولما هو مبين في باب "إعراب الفعل المضارع:"، جـ 4 سم 148-.
3 فلا يفصل بينهما أحد الضمائر الثلاثة السابقة- ولا غيرها-، لما في الفصل بالضمير من التناقض المفسد للمعنى، إذ كيف يشتمل الفعل الواحد على فاعلين متعارضين، أحدهما: نون النسوة، وهي تدل على جماعة الإناث، والآخر ألف الاثنين، وهي تدل على المثني؟ أو على نون النسوة مع واو الجماعة، وهذه تدل على جماعة الذكور؟ أو على نون النسوة مع ياء المخاطبة، وهذه تدلي على المفردة المؤنثة؟
أما نون التوكيد بنوعيها فإنها قد تقع بعد أحد الضمائر السابقة، ولكنها بعد ألف الاثنين مشددة ومكسورة، لكيلا تلتبس في الخط بنون الأفعال الخمسة التي يعرب معها المضارع. ولا تكون مكسورة مشددة إلا في هذه الحالة.
4 من الممكن أن يجتمع في آخر المضارع نون النسوة، فنون التوكيد المشددة المكسورة لا المخففة- بشرط أن تفصل بينهما الألف المزيد للفصل هنا، نحو: أترغبان في تقديم العون للبائسات، فالنون الأولى للنسوة حتما، والمضارع معها مبني على السكون وجوبا، والنون الأخيرة المشدة للتوكيد، ولا تأثير لها على المضارع من ناحية بنائه. وبين النونين الألف الفاصلة- "كما أشرنا في رقم 1 من هامش ص 80 وكما سيجي البيان بالتفصيل في ج4، باب نوني التوكيد".(1/82)
أن يكون مبنيًّا فى محل نصب أو جزم، أيْ أنه يكون مبنيًّا فى اللفظ، معربًا فى المحل1". ولهذا أثر إعرابيّ يجب مراعاته. ففى التوابع -مثلا- كالعطف، إذا عطف مضارع على المضارع المبني المسبوق بناصب أو جازم وجب فى المضارع المعطوف أن يتبع محل المعطوف عليه فى النصب أو الجزم دون البناء2. وكذلك المضارع المبني إن كان معطوفًا عليه؛ فإنه يكون مبنيًّا فى محل رفع، فى الرأي المشهور الذى سبقت الإشارة إليه3. ويتبعه في هذا الرفع المحلي-دون البناء2- المضارع "المعطوف".
__________
1 بيان الإعراب المحلي والتقديري في ص84 و..... و.......
2 في رقم4 من هامش ص81 "راجع الصبان ج1 في هذا الباب، عند الكلام على بناء المضارع، وج4 م148 في أول باب إعراب الفعل".
3 لأن الأغلب في البناء عدم انتقاله من المتبوع إلى التابع على الوجه الذي سبق في رقم1 من هامش ص76، 2 من هامش ص83 وفي الملاحظة التي في الجدول الآتي ص84 وفي بعض ما سبق يقول ابن مالك:
والاسم منه معرب ومبني ... لشبه من الحروف مدني
كالشبه الوضعي في اسمى "جئنا" ... والمعنوي في:"متى وفي: هنا"
وكنيابة عن الفعل، بلا ... تأثر، وكافتقار أصلا
ومعرب الأسماء: ما قد سلما ... من شبه الحرف، كأرض وسما
يقول: الاسم قسمان، معرب، ومبني وسبب بنائه شبه يدنيه - أي: يقربه من الحروف- وسيجيء رد هذا في ص88 وأبان الشبه المدين من الحروف "أي: المقرب منها" فقال: إنه الشبه الوضعي بأن يكون الاسم في صيغته موضوعًا على حرف واحد، أو على حرفين، كالضميرين: "التاء" و"نا" في جملة: "جئتنا" وكالشبه المعنوي في كلمتي: "متى" "وهنا". فكل واحدة منهما اسم مبني؛ لأنه يؤدي معنى كان حقه أن يؤدي بالحرف، فأشبه الحروف في تأدية معنى معين، وكأن ينوب عن الفعل بلا تأثر، أو أن يحتاج دائمًا بعده إلى جملة، فالأول كاسم الفعل، والثاني كاسم الموصول. ثم قال ابن مالك في بناء الأفعال والحروف.
وفعل "أمر" و "مضى" بنيا ... وأعربوا "مضارعا" إن عربا:
من نون توكيد مباشر، ومن ... نون إناث، كيرعن من فتن
وكل حرف مستحق للبنا ... والأصل في المبني أن يسكنا
"إن عرى من نون توكيد" أي: إن تجرد من نون توكيد.(1/83)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"أ" الإعراب المحليّ والتقديريّ.
يتردد على ألسنة المعربين أن يقولوا فى المبنيات، وفى كثير من الجمل المحكية وغير المحكية، إنه فى محل كذا - من رفع، أونصب، أوجر، أوجزم ... فما معنى أنه فى محل مُعَيَّن؟ فمثلا: يقولون فى "جاء هؤلاءِ" ... إن كلمة: "هؤلاءِ" مبنية على الكسر فى محل رفع فاعل - وفى: "قرأت الصحف من قبلُ" ... إن كلمة: "قبلُ" مبنية على الضم فى محل جر ... وفى: "رأيت ضيفًا يبتسم"، إن الجملة المضارعية فى محل نصب صفة1 ... وهكذا.
المراد من أن الكلمة أوالجملة فى محل كذا، هوأننا لووضعنا مكانها اسما معربًا لكان مرفوعًا، أومنصوبًا، أومجرورًا. وفى بعض الحالات لووضعنا مكانها مضارعًا معربًا لكان منصوبًا أومجزومًا2. .... فهى قد حلَّت محل ذلك اللفظ المعرب، وشغلت مكانه، وحكمه الإعرابى الذى لا يظهر على لفظها3.
2- أما "التقديرى" فقد سبق4 أنه العلامة الإعرابية التى لا تظهر على الحرف الأخير من اللفظ المعرب؛ بسبب أن ذلك الحرف الأخير حرف علة لا تظهر عليه الحركة الإعرابية، كالألف فى مثل: إن الهدَى هدَى الله، واستجب لداعى الهدى.
ونتيجة لما سبق يكون "الإعراب المحلى" مُنصَبًّا على الكلمة المبنية كلها،
__________
1 فهي بمثابة: رأيت ضيفا مبتسما. أي: أنها جملة بمنزلة المفرد في المعنى. ومن الأمثلة أيضا الجملة الواقعة مفعولا ثانيا في نحو: أظن العالم "علمه نافع" أو: ينفع علمه ... فهو بمنزة: أظن العالم نافع العلم ... "راجع الصبان جـ1 عند الكلام على علامات الاسم".
2 كالمضارع المعرب الذي يراد إحلاله محل مضارع مبني قبله ناصب أو جازم.
3 مما يدخله الإعراب المحلي أنواع موضحة رقم 1 من هامش ص 314.
4 في ص84 وقد أشرنا فيها إلى نوع آخر سيجيء في "و" من ص159 أما حصر مواضعه في ص198 وما بعدها.(1/84)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو على الجملة كلها، وليس على الحرف الأخير منهما. وأن التقديرى مُنصب على الحرف الأخير من الكلمة.
وهناك رأى آخر لا يجعل الإعراب المحلى مقصورًا على المبنى وبعض الجمل - كرأى الأكثرية - وإنما يدخل فيه أيضًا بعض الأسماء المعربة صحيحة الآخر بشرط ألا يظهر فى آخر الكلمة المعربة علامتان مختلفتان للإعراب، ومن أمثلته عنده: ما جاءنى من كتاب، فكلمة "كتاب" مجرورة بالحرف: "مِن" الزائد. وهى فى محل رفع فاعل للفعل: "جاء". وقد تحقق الشرط فلم يجتمع فى آخرها علامتان ظاهرتان للإعراب. وأصحاب الرأى الأول يدخلون هذا النوع فى التقديرى فيقولون فى إعرابه: مجرور لفظًا مرفوع تقديرًا1 ... والخلاف لفطىّ. ولعل الأخذ بالرأى الثانى أنفع، لأنه أعمّ.
ويدخل فى الإعراب المحلى عدة أشياء. أظهرها المبنيات كلها، والجمل التى لها محل من الإعراب، محكية وغير محكية، والمصادر المنسبكة، وكذا الأسماء المجرورة بحرف جرّ زائد فى رأى سلف2. - وكما سيجئ فى جـ 2 ص 350 م 89 - والمنادى المستغاث "جـ4"
هذا ولا يمكن إغفال الإعراب المحلى والتقديرى، ولا إهمال شأنهما، إذ يستحيل ضبط توابعهما - مثلا - بغير معرفة الحركة المقدرة3 أوالمحكية بل يستحيل توجيه الكلام على أنه فاعل أومفعول، أومبتدأ، أو: مضارع مرفوع - وما يترتب على ذلك التوجيه من معنى إلا بعد معرفة حركة كل منهما. 4
وهناك كلمات يضبط آخرها بعلامة لا توصف بأنها علامة إعراب ولا بناء، وإنما هو ضبط صوري ظاهري، قصد به مجاراة الكلمة لكلمة قبلها في نوع العلامة، مجاراة ظاهرية، ولا يصح أن يكون للكلمة المتأخرة منهما محلي إعرابي.
__________
1 راجع الصبان جـ2 أول باب الفاعل عند الكلام على أحد أحكامه وهو: الرفع.
2 كما سيجيء في جـ2 م 89 ص 402.
3 من المهم ملاحظة ما سق في رقم 1 من هامش ص 76.
4 ستيجيء إشارة وحصر لبعض ما سلف في ص 198- وللإعراب المحلي في ص 314، وأيضا في جـ 2 م 89 رقم 3 من هامش ص 402.(1/85)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وسيجيء بيان هذا النوع في موضعه المناسب1.
"ب" تلمس النحاة أسبابًا للبناء والإعراب، أكثرها غير مقبول. وسنشير إليه، داعين إلى نبذه.
قالوا فى علة بناء الفعل: إن الفعل لا تتعاقب عليه معان مختلفة، تفتقر فى تمييزها إلى إعراب، ولا تتوالى عليه العوامل المختلفة التى تقتضى ذلك. فالفعل - وحده - لا يؤدى معنى الفاعلية، ولا المفعولية، ولا غيرهما مما اختص به الاسم وكان سببًا فى إعرابه - كما سبق2، إلا المضارع فإنه قد يؤدى معنى زائدًا على معناه الأصلى، بسبب دخول بعض العوامل. فحين نقول؛ لا تهملْ عملك، وتجلسْ فى البيت "بجزم: تجلسْ" يكون المعنى الجديد: النهى عن الجلوس أيضًا، "بسبب مجئ الواوالتى هى لعطف الفعل على الفعل هنا". وحين نقول: لا تهملْ عملك، وتجلسَ فى البيت "بنصب: تجلسَ" يكون المعنى الجديد: النهى عن اجتماع الأمرين معًا، وهما الإهمال والجلوس. فالنهى منصب عليهما معًا، بحيث لا يجوز عملهما فى وقت واحد؛ فلا مانع أن يقع أحدهما وحده بغير الآخر، ولا مانع من عمل كل منهما فى وقت يخالف وقت الآخر - "والواوهنا للمعية وهى التى اقتضت ذلك".
وإذا قلت: لا تهمْل القراءة، وتجلسُ "برفع: تجلسُ"، فالنهى منصب على القراءة وحدها، أما الجلوس فمباح. "فالواوهنا: للاستئناف، وهى تفيد ذلك المعنى. " فالمضارع قد تغيرت علامة آخره على حسب تغير المعانى المختلفة، والعوامل التى تعاقبت عليه، فأشبه الاسم من هذه الجهة، فأُعرب مثله.
أما بناؤه مع نون التوكيد، ونون النسوة فلأنهما من خصائص الأفعال، فوجود أحداهما فيه أبعده من مشابهة الاسم المقتضية للإعراب، فعاد إلى الأصل الأول فى الأفعال؛ وهوالبناء؛ لأن الأصل فيها البناء - كما سبق - وأما الإعراب فى المضارع أحيانًا، فأمر عارض، وليس بأصيل.....
هكذا يقولون! وليس بمقبول، فهل يقبل أن سبب بناء الحرف هو
__________
1 في جـ من ص 106.
2 في ص 73.(1/86)
زيادة وتفصيل:
"أ"- جمع بعض النحاة1 أشهر المبنيات لزومًا، "سواء أكانت أسماء، أم أفعالا، أم حروفا" وأوضح بالشرح والتمثيل هذا الأشهر وعلامات بنائه..وفيما يلي البيان موجزا مختصرا، ومشتملا على بعض المبنيات جوازا، -وهي التي صرح عند الكلام عليه بالجواز.
"ملاحظة هامة" سبق أن أشرنا في هامش ص76.. أن المبني لا تراعي ناحيته اللفظية مطلقا في توابعه. أو غيرها -فتوابعه إنما يساير محله فقط إذا كان له محل من الإعراب. وهذا أثر هام من آثار الإعراب المحلي. واستثنينا من هذا الحكم نعت المنادي: "أي وأية" واسم الإشارة الذي ونودي للتوصل بندائه إلى نذاء ما فيه "أل" على الوجه الموضح تفصيله في الباب الخاص بتوابع المنادى ج4 - ص39 م 130.
__________
1 ومنهم ابن هشام الأنصاري في كتابه: "شرح شذور الذهب"، في معرفة كلام العرب "ص 2 وما بعدها".
2 لأن الحرف الأول "نا" وهو المتصل بآخر الماضي - متحرك.
3 أي: بينها وبين حرف حركتها، فيتعلق بها نطقا صوتيا بين الاثنين بحيث لا تظهر دونه، ولا يظهر دونها.
4 الزمن المبهم هو ما لا يدل على وقت محدد؛ كالحين، الزمان، والوقت، والأمد.
5 المراد بشديدة الإبهام، أو المتوغلة في الإبهام: كل لفظ لا يتضح معناه إلا بإضافته إلى لفظ آخر يزيل إبهامه. ومن هذ النوع: بين، دون. غير.
مثل، يوم.. وهذا النوع يجوز فيه بناء المضاف تبعا للمضاف إليه المبني. وفي باب الإضافة -أول الجزء الثالث- البيان والإيضاح لهذا النوع.(1/87)
__________
1 راجع الحضري ج باب "المعرب والمبني" عند الكلام على علامات البناء.(1/88)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دلالته فى الجملة على معنى فى غيره، وعدم دلالته وهومستقل على ذلك المعنى التركيبىّ؛ فلا حاجة له بالإعراب؛ لأن وظيفة الإعراب تمييز المعانى التركيبية بعضها من بعض؟ إذاً لم التفرقة فنقول إن كلمة: "ابتداء" وحدها التى تفهم من الحرف: "مِن" هى اسم، وكلمة: "مِن" نفسها هى حرف، مع أنها تفيد عند وضعها فى الجملة معنى الابتداء، فكلاهما يتوقف فهمه على أمرين؛ شىء كان هوالمبتدِئ، وشىء آخر كان المبتدأ منه؟
هل السبب ما سطروه من دليل جدلىّ مرهق، هو: أن معانى الأسماء تتوقف على أمور كلية معلومة لكل فرد بداهة، فكأنها مستقلة؛ مستغنية عن غيرها؟ فلفظة: "ابتداء" عندهم معناها مطلق ابتداء شىء من شىء آخر، بغير تخصيص، ولا تعيين، ولا تحديد. وشىء هذا شأنه يمكن أن يعرفه كل أحد، ويدركه بالبداهة كل عقل. بخلاف معنى الابتداء فى لفظة: "مِن" حين نقول مثلا: سرت من القاهرة، فإن الابتداء هنا خاص مقَيد بأنه ابتداء "سير" لا ابتداء قراءة:، أوأكل، أوكتابة، أوسفر. أو ... وأنه ابتداء "سير" من مكان معين؛ هو: القاهرة. فليس الابتداء فى هذا المثال معنى مطلقًا كما فى سابقه، وليس فهمه ممكنًا إلا بعد إدراك أمرين مخصوصين؛ يتوقف فهمه عليهما، ولا يعرفان إلا بالتصريح باسمهما، هما: السير والقاهرة. أى: أن المعنى إن لوحظ فى ذاته مجردًا من كل قيد، كان مستقلا، وكان التعبير عنه من اختصاص الاسم، "كالابتداء"، وإن لوحظ حاله بين أمرين، كان غير مستقل، وكان التعبير عنه مقصورًا على الحرف1 ...
فهل نَقبل هذه العلل المصنوعة الغامضة؟ وهل عرف العرب الأوائل الفصحاء قليلا أوكثيرًا منها؟ وهل وازنوا واستخدموا القياس والمنطق وعرفوهما فى جاهليتهم؟
ثم يعود النحاة فيقولون2: إن بعض الأسماء قد يبنى لمشابهته الحرف، مثل: "مَنْ" و"أين" و"كيف" وغيرها من أسماء الاستفهام ... ومثل "مَنْ"، و"ما" وغيرهما من أدوات الشرط والتعليق ... فأسماء الاستفهام إن دلت على
__________
1 أول حاشية الأمير على الشذور، عند الكلام على الاسم.
2 شحر المفصل جـ 1 القسم الأول - قسم الأسماء. ولكلامهم الآتي صلة وإيضاح لرأيهم في "الشبه المعنوي" المعروض في ص 92.(1/89)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معنى فى نفسها فإنها تدل فى الوقت ذاته على معنى ثان فيما بعدها؛ فكلمة: "مَن" الاستفهامية، اسم؛ فهى تدل بمجردها وذاتها على مسمَّى خاص بها، إنسانًا غالبًا، أوغير إنسان - وتدل على الاستفهام من خارجها، بسبب افتراض أن همزة الاستفهام معها تقديرًا ... فكأنك إذا قلت: مَن عندك؟ تفترض أن الأصل أمَن عندك؟ وأنهما فى تقديرك كلمتان: "الهمزة"، وهى حرف معنى، و"مَن" الدالة على المسمى بها، أى: على الذات الخاصة التى تدل عليها: "مَنْ"
فلما كانت "مَن" لا تستعمل هنا إلا مع الاستفهام المقدر، استغنى وجوبًا عن همزة الاستفهام لفظًا، للزومها كلمة: "من" معنى، وصارت "مَن" نائبة عنها حتمًا؛ ولذلك بنيت؛ فدلالتها على الاسمية هى دلالة "لفظية"، مرجعها لفظها، ودلالتها على الاستفهام جاءت من خارج لفظها. ولا يجوز إظهار الهمزة فى الكلام كما تظهر كلمة: "فى" مع الظروف جوازًا؛ لأن الأمر مختلف؛ إذ الظرف ليس متضمنًا معنى: "فى" بالطريقة السالفة، فيستحق البناء كما بنيت "مَن" الاستفهامية، وإنما كلمة: "فى" محذوفة من الكلام جوازًا لأجل التخفيف؛ فهى فى حكم المنطوق به؛ ولذلك يجوز إظهارها. بخلاف الهمزة.
وكذلك كلمة: "أين" تدل وهى مجردة على معنى فى نفسها، هو: المكان، وتدل أيضًا على الاستفهام فيما بعدها، وهومعنى آخر جاءها من خارجها؛ بسبب تقدير همزة الاستفهام معها، ثم الاستغناء عن الهمزة وجوبًا؛ لوجود ما يتضمن معناها.
وكلمة: "كيف: تطل على معنى فى نفسها، وهو: الحال، وتدل على معنى فيما بعدها، وهو: الاستفهام، على الوجه السالف، وكذلك أسماء الشرط ... فإن كلمة: "مَن" تدل على العاقل - غالبًا - بنفسها، وكلمة: "ما" تدل -غالبًا- على غير العاقل بنفسها، وهما تدلان على التعليق والجزاء فيما بعدهما؛ فكأن كل كلمة من أسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، ونحوها - تقوم مقام كلمتين فى وقت واحد، إحداهما: اسم يدل على مسمى، والأخرى: حرف يدل على معنى فى غيره، وهذا الحرف يجب حذفه لفظًا،
__________
1 شرح المفصل ج2 ص41 في: "الظروف".(1/90)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لوجود الاسم الذى يتضمنه تقديراً1 ويؤدى معناه تماماً. ومن هنا نشأ التشابه بين نوع من الأسماء والحروف - فى خيال بعض النحاة - فاستحق ذلك النوع من الأسماء البناء؛ لعدم تمكنه فى الاسمية تمكنًا يبعده من مشابهة الحرف.
ولا يكتفون بذلك بل يسترسلون فى خلق علل يثبتون بها أن الأصل فى البناء السكون، وأن العدول عن السكون إلى الحركة إنما هولسبب، وأن الحركة تكون ضمة، أوفتحة، أوكسرة، لسبب آخر، بل لأسباب!!
فما هذا الكلام الجدلي2؟ وما جدواه لدارسى النحو؟ أيعرفه العرب الخُلَّص أصحاب اللغة، أويخطر ببالهم؟
علينا أن نترك هذا كله فى غير تردد، وأن نقنع بأن العلة الحقيقية فى الإعراب والبناء ليست إلا محاكاة العرب فيما أعربوه أوبنَوه. من غير جدَل زائف، ولا منطق متعسف، وأن الفيصل فيهما راجع "كما قال بعض السابقين"3 إلى أمر واحد؛ هو: "السماع عن العرب الأوائل"، واتباع طريقتهم التى نقلت عنهم، دون الالتفات إلى شىء من تلك العلل، التى لا تثبت على التمحيص. وعلى هذا لا يصح الأخذ بما قاله كثرة النحاة4 من أن الاسم يبنى إذا شابه الحرف مشابهة قوية5 فى أحد أمور أربعة:
أولها: الشبه الوضعى:
بأن يكون الاسم موضوعًا أصالة على حرف واحد، أوعلى حرفين ثانيهما لِين، مثل: التاء، ونا، فى: جئتنا، وهما ضميران مبنيان؛ لأنهما يشبهان
__________
1 راجع الصفحة الأولى من الجزء الثامن من شرح "المفصل" القسم الثالث: "الحروف".
2 نرى بعضه في حاشية الحضري. وشروح التوضيح، والصبان، وغيرها ... أول باب: "المعرب والمبني".
3 حاشية الحضري الجزل الأول- أول-: المعرب والمبني"، عند الكلام على بناء الأفعال، وسببه، وما يوجه إلى السبب من اعتراض عليه، ودفاع عنه- فقد قال عنه ما نصه: "العمدة في هذه الأحكام: "السماع" وهذه حكم تلتمس بعد الوقوع لا تحتمل هذا البحث والتدقيق" اهـ وكذلك الأمير على الشذور عند الكلام على المضارع. وكذلك ما أشرنا إليه في المقدمة هامش ص 8 من رأي "أبي حيان" الوارد في "الهمع" جـ 1 ص 56 حيث يقول عن تعليلات النحاة لحركة الضمير: "إنها تعليلات لا يحتاج إليها، لأنها تعليل وضعيات، والوضعيات لا تعلل". يريد بالوضعيات: الألفاظ التي وضعها العرب على صورة خاصة، وشكل معين، من غير علة الوضع، ولا سبب سابق يدعوهم إلى اختيار هذه الصورة وذلك الشكل، فليس هنا إلا مجرد النطق المحض.
4 كابن هشام وغيره.
5 هي التي لا يعارضها شيء من خصائص الأسماء، كالتثنية والإضافة.(1/91)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحرف الموضوع على مقطع واحد، كباء الجر، وواو العطف، وغيرهما، من الحروف الفردية المقطع، أو ثنائية المقطع، مثل، قد، هل، لم.
ولو صح هذا، لسألناهم عن سبب بناء الضمائر الأخرى التي تزيد على حرفين، مثل، نحن، وإيا ... وسألنا عن سبب إعراب أب، وأخ، ويد، ودم، ونحوها مما هو على حرفين؟ نعم أجابوا عن ذلك بإجابات، ولكنها مصنوعة، صادفتها اعتراضات أخرى، ثم إجابات، وهكذا مما سجلته المراجع.
ثانيهما الشبه المعنوي:
بأن يتضمن الاسم بعد وضعه في جمله معنى جزئيا غير مستقل، زيادة على معناه المستقل الذي يؤديه في حالة انفراده، وعدم وضعه في جملة.
وكان الأحق بتأدية هذا المعنى الجزئي عندهم هو: "الحرف". ومعنى هذا: أن الاسم قد خلف الحرف فعلا، وحل محله في إفادة معناه، وصرف النظر عن الحرف نهائيا فلا يصح ذكره، ولا اعتبار أنه ملاحظ، فليس حذفه للاقتصار كحذف: "في" التي تتضمنها أنواع من الظروف، أو حذف كلمة: "من" التي تتضمنها أنواع من التمييز، فإن هذا التضمن في الظرف والتمييز لا يقتضي البناء- كما يقولون-. لأنه ليس باللازم المحتوم. أما التضمن الذي يقتضي البناء عندهم، فهو التضمن اللازم المحتم الذي يتوقف عليه المعنى الذي قصد عند التضمن. فيخرج الظرف والتمييز. وتدخل أسماء الشرط والاستفهام، مثل: مى تحضر أكرمك- ومتى تسافر؟
فكلمة: "متى" في المثال الأول تشبه الحرف "إن" في التعليق والجزاء، وهي في المثال الثاني تشبه همزة الاستفهام، فكلتاهما اسم من جهة، ومتضمنة معنى الحرف من جهة أخرى، فمتى الشرطية وحدها تدل على مجرد تعلق مطلق، ولكنها بعد وضعها في الجملة دلت عليه وعلى معنى في الجملة التي بعدها، وهو تعليق شيء معين بشيء آخر معين: أي: توقف وقوع الإكرام على وقوع الحضور، فحصول الأمر الثاني المعين: مرتبط بحصول الأول المعين ومقيد به1 ...
وهي2 وحدها في الاستفهام تدل على مجرد الاستفهام والسؤال، من غير تقيد بدلالة على الشيء الذي تسأل عنه، أو عن صاحبه، أو غير ذلك. لكنها بعد
__________
1 يوضح كلامهم في الشبه المعنوي ما سبق في آخر ص 89 وما بعدها.
2 أي: "متى" الاستفهامية.(1/92)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وضعها فى الجملة دلت على معنى جزئى جديد؛ فوق المعنى السابق: هو أن السؤال متجه إلى معنى محدد. هو الحضور، ومتجه إلى المخاطب أيضًا......
وكذلك اسم الإشارة1، مثل كلمة: هذا؛ فإنها وهى منفردة، تدل على مطلق الإشارة، من غير دلالة على مشار إليه أو نوعه؛ أهو محسوس أم غير محسوس؟ حيوان أم غير حيوان؟
لكن إذا قلنا: هذا محمد، فإن الإشارة صارت مقيدة بانضمام معنى جديد إليها؛ هو الدلالة على ذات محسوسة لإنسان2.
فإن صح ما يقولونه من هذه التعليلات، فماذا أعربت: "أيّ" الشرطية، و"أيّ" الاستفهامية، وأسماء الإشارة المثناة؛ مثل: هذان عالمان، وهاتان حديقتان؟ نعم؟ لهذا عندهم إجابة، وعليها اعتراض، ثم إجابة، ثم اعتراض ... وهكذا مما تموج به الكتب الكبيرة.
ثالثها: الشبه الاستعمالي:
بأن يكون الاسم عاملًا في غيره، ولا يدخل عليه عامل -مطلقا- يؤثر فيه، فهو كالحرف: في أنه عامل غير معمول، كأسماء الأفعال. مثل: هيهات القمر، وبله المنسيء، "فهيهات": اسم فعل ماض، بمعنى: بعد جدا، وفاعله. القمر، و "بله": اسم فعل أمر، بمعنى: اترك، وفاعله ضمير، تقديره: أنت، و "المسيء": مفعول به، وكلاهما قد عمل الرفع في الفاعل، كما أن "بله" عملت النصب في المفعول به، ولا يدخل على واحد من اسمي الفعل عامل يؤثر فيه.
رابعها: الشبه الافتقاري.
وذلك بأن يفتقر الاسم افتقارا لازما إلى جملة بعده، "أو ما يقوم مقامها، كالصفة الصريحة في صلة أل"3" أو إلى شبه جملة، كالاسم الموصول، فإنه يحتاج بعده إلى جملة أو ما يقوم مقامها، أو شبهها، تسمى، جملة الصلة، لتكمل المعنى، فأشبه الحرف في هذا، لأن الحرف، موضوع - غالبا لتأدية معاني الأفعال وشبهها إلى الأسماء، فلا يظهر معناه إلا بوضعه في جملة، فهو محتاج إليها دائما، فاسم الموصول
بأن يكون الاسم عاملا فى غيره، ولا يدخل عليه عامل - مطلقًا - يؤثر فيه فهوكالحرف: فى أنه عامل غير معمول، كأسماء الأفعال، مثل: هيهات القمر، وبَلْهَ المسيء، فهيهات: اسم فعل ماض، بمعنى بَعُد جدًّا، وفاعله القمر، وبله: اسم فعل أمر، بمعنى: اتركْ، وفاعله ضمير، تقديره: أنت، والمسىء: مفعول به، وكلاهما قد عمل الرفع فى الفاعل، كما أن "بله" عملت النصب فى المفعول، ولا يدخل على واحد من اسمى الفعل عامل يؤثر فيه.
رابعها: الشبه الافتقارى:
وذلك بأن يفتقر الاسم افتقارًا لازمًا إلى جملة بعده، أوما يقوم مقامها - كالوصف فى صلة "أل"3 -أو إلى شبه جملة؛ كالاسم الموصول، فإنه يحتاج بعده إلى جملة أوما يقوم مقامها، أوشبهها، تسمى: جملة الصلة؛ لتكمل المعنى، فأشبه الحرف فى هذا؛ لأن الحرف، موضوع -غالباً- لتأدية معاني الأفعال وشبهها إلى الأسماء فلا يظهر معناه إلا بوضعه فى جملة، فهو محتاج إليها دائمًا. فاسم الموصول يشبهه من هذه الناحية: فى أنه لا يستغني مطلقًا
__________
"1، 2" راجع 321 م 24.
3 انظر ص 356 حيث الكلام على: "أل" وصلتها، ونوع هذه الصلة.(1/93)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عن جملة بعده، أو ما ينوب عنها، أو شبهها، يتم بها المعنى.
فإن صح هذا فلم أعربت ... "أي" الموصولة -أحياناً- و"اللذان"، و"اللتان"؟ أجابوا: أن السبب هو ما سبق في نظائرها؛ من الإضافة فى كلمة: "أي" والتثنية فيما عداها. والإضافة والتثنية من خصائص الأسماء، فضعف شبه تلك الكلمات بالحروف، فلم تُبْن. وعلى هذه الإجابة اعتراض، فإجابة، فاعتراض ...
فما هذا العناء فيما لا يؤيده الواقع، ولا تساعفه الحقيقة؟ وأى نفع فيما ذكر من أسباب البناء وأصله، ومن سبب ترك السكون فيه إلى الحركة، وسبب اختيار حركة معينة لبعض المبنيات دون حركة أخرى ...
خامسها: الشبه اللفظى:
زاده بعضهم1، ومثَّل له بكلمة "حاشا" الاسمية قائلا: إنها مبنية لشبهها "حاشا" الحرفية فى اللفظ. وكذا بكلمة "علَى" الاسمية، و"كلاّ" بمعنى "حقًّا. و"قَدْ" الاسمية. وقيل إن الشبه اللفظى مجوّز للبناء، لا محتم له. وعلى هذا يجوز فى الأسماء السابقة أن تكون معربة تقديراً كإعراب الفتى. ما عدا "قَدْ" فإنها تعرب لفظًا - كما سبق2.
وهناك أنواع أخرى من الشبه لا قيمة لها.
إن الخير فى إهمال كل هذا، وعدم الإشارة إليه فى مجال الدراسة والتعليم، والاستغناء عنه بسرد المواضع التي يكون فيها الاسم مبنيًّا وجوبًا، وهوالعشرة الماضية3 ومبنى جوازًا فى مواضع أخرى ستذكره فى مواطنها.
ج- اشترطوا فى إعراب المضارع - كما سبق4 - ألا تتصل به اتصالا مباشرًا نونُ التوكيد، أونون الإناث5؛ فالمضارع معرب فى مثل: "هل
__________
1 راجع الصبان جـ1 باب: "المعرب والمبني"، عند الكلام على: أنواع الشبه، والتنبيه الثاني.
2 في ص 31.
3 ص 77 والجدول الذي في ص 85.
4 في ص 81.
5 لا يكون اتصال نون النسوة به إلا مباشرا.(1/94)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقومانِّ؟ وهل تقُومُنَّ؟ وهل تقومِنَّ"؟ لأن نون التوكيد لم تتصل به اتصالا مباشرًا، ولم تلتصق بآخره، لوجود الفاصل اللفظى الظاهر، وهو: ألف الاثنين، أوالمقدر، وهوواوالجماعة، أوياء المخاطبة؛ فأصل تقومانِّ: تقومانِنَّ. فاجتمعت ثلاث نونات فى آخر الفعل. وتوالِى ثلاثة أحرف هجائية من نوع واحد، وكلها ليس أصليًا، وإنما هومن حروف الزيادة1 - أمر مخالف للأصول اللغوية، فحذفت في الظاهر2 نون الرفع؛ لوجود ما يدل عليها، وهوأن الفعل مرفوع لم يسبقه ناصب أوجازم يقتضى حذفها، ولم تحذف نون التوكيد المشددة، لأنها جاءت لغرض بلاغى يقتضيها، وهوتوكيد الكلام وتقويته. ولم تحذف إحدى النونين المدغمتين لأن هذا الغرض البلاغى يقتضى التشديد لا التخفيف3. فلما حذفت النون الأولى من الثلاث، وهى نون الرفع، كسرت المشددة، وصار الكلام؛ "تقومانِّ"4.
وأصل "تقُومُنَّ" هو: "تقومونَنَّ" حذفت النون الأولى للسبب السالف،
__________
1 يتحتم امتناع توالي الأمثال إذا كانت الأحرف الثلاثة المتماثلة زوائد، فليس منه: "القائلات جنن أو يجنن" لأن الزائد هو المثل الأخير من الثلاثة وليس منه قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} - كما يقول الصبان في هذا الموضع وفي باب نون التوكيد جـ3- وليس منه أس1يضا للفعل ومشتقاته في مثل: أن أحييك، أو أنا محييك.
"راجع شرح الوضي للشافية، جـ 2 هو 186 وما يليها".
وهناك حالات أخرى يتحتم فيها المنع سيجيء ذكرها في الجزء الرابع "باب: تثنية المقصور والممدود، وجمعهما، م 171 ص 568" ...
2 لا في الحقيقة "انظر رقم 1 من هامش 97".
3 إيضاح هذا، وتفصيله في جـ 4 177 باب: نون التوكيد.
4 التقاء الساكنين "وهما ألف الاثنين والنون المشددة" جائز هنا، لأنه على بابه وعلى حده:
"أي: على الباب القياسي له، وموافق له"، وذلك لتحقق الشرطين المسوغين للتلافي، وهما وجودحرف مد "أي: على الباب القياسي له، وموافق له"، وذلك لتحقق الشرطين المسوغين للتلاقي، وهما وجود حرف مد.
أي: حرف علة، قبله حركة تناسبه" وبعده في الكلمة نفسها حرف مدغم في مثله، أي: حرف مشدد مثل: حاصة، دابة، الضالين ... فإن كانت ونون النسوة، في مثل: تعلمنان يافتيات - "وسيجيء بيان هذا في موضعه المناسب جـ4 باب: نون التوكيد" - انظر هامش الصفحة الآتية.
ويصح التقاء الساكنين في الوقف بغير شرط "كما قلنا في ص 51 وكما سيجيء في جـ 4 ص 139 م 143" وكذلك عند سرد بعض الألفاظ، مثل: كاف، ميم، صاد ... وكذلك لمنع اللبس "بالتفصيل الموضح في ص 51 وفي رقم2 من هامش ص159 ولهما تشابه بما في رقم 2 من هامش ص 219".(1/95)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصار "تقومونَّ"؛ فالتقى ساكنان ... واوالجماعة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها؟ فحذفت الواوللتخلص من التقاء الساكنين. وإنما وقع الحذف عليها لوجود علامة قبلها تدل عليها؛ وهى: "الضمة" ولم تحذف النون، مراعاة للغرض البلاغى السابق؛ ولعدم وجود ما يدل عليها عند حذفها.
ومثل ذلك يقال فى: "تقومِنَّ" فأصلها: "تقومينَنَّ" حذفت النون الأولى، وبقيت نون التوكيد المشدد، فصار اللفظ أنت تقومينَّ؛ فالتقى. ساكنان: ياء المخاطبة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها. فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، ولوجود كسرة قبلها تدل عليها، ولم تحذف النون للحاجة إليها، فصار اللفظ تقومِنَّ1 ...
__________
"1 - 1" قال بعض النحاة: "إن التقاء الساكين هنا على حده، فهو جائز: فلا حاجة إلى حذف الواو والياء للتخلص منه. ويمكن الدفع بأنه وإن كان جائزا - لا يخلو من ثقل ما. فالحذف هو التخلص من الثقل الحاصل به. " أهـ الصبان جـ في الكلام على إعراب المضارع. ..
وقال فريق آخر من النحاة، "إن قلت: هو هنا على حده، لكون الأول من الساكنين حرف مد "أي: حرف علة قبله حركة تناسبه" والثاني مدغما في مثله. وهما في كلمة واحدة، إذ الواو والياء كلمة مستقلة، وكونهما كالجزء لا يعطيهما حكمه من كل وجه فلم يغتفر التقاؤها لثقله ... " أهـ خضري في الموضع السابق أيضا ... ثم قال: "إنما اغتفر في ألف الاثنين لأن حذف الألف يوجب فتح النون، لقوات شبههما بنون المثنى فيلتبس بفعل الواحد.. أهـ".
والذي نراه في الواو والياء - على الرغم من أنهما ضميران، لا حرفان- ويؤيده السماع القوي كالذي في قوله تعالى {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّه....} أنه يجوز حذفهما وعدم حذفهما في الأمثلة السابقة وأشباهها على حسب الاعتبارين السالفين. لكن الحذف هو الأكثر - طبقا لما سيأتي في ص 179 و 284 - ويؤيد صحة الحذف وعدمه ما جاء في حاشية الألوسي على القطر "ص 57" من أن التقاء الساكنين المغتفر يتحقق بأن يكون الأولى مهما حرف مد "أي: حرف علة قبله حركات تناسبه" والثاني منهما مدغما في مثله: كدابة، والضالين.
فليس في هذا الكلام ما يدل على اشتراط اجتماعهما في كلمة واحدة، ومن أمثلته قوله تعالى: {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} فقد اشتملت الآية على المضارع "تتبعان" الذي وقع فيه التقاء الساكنين على حده المباح مع أن الالتقاء هنا في كلمتين.
أما من يشترطون أن يكون الالتقاء في كلمة واحدة. فيقولون في المضارع السابق وأشباهه مما لم يحذف فيه حرف العلة، إن سبب بقاء حرف العلة، وعدم حفه هو ضرورة طارئة، كمنع اللبس في المضارع السالف، لأن حذف الألف يوقع في اللبس بين فعل الواحد والفعل المسند لألف الاثنين، ولا يمكن إبقاء الألف وحذف نون التوكيد، لئلا يضيع الغرض الهام الذي جاءت لتحقيقه، وهو التوكيد، ويؤيد ما سبق أيضا ما جاء في هامش الشذور- ص 15 فهو شبيه بما نقله الألوسي. وجاء في شرح التصريح "جـ2 باب: "الإبدال" الكلام على إبدال الواو من الياء" ما نصه: "يجوز الجمع ساكنين إذا كان الأول حرف =(1/96)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فعند إعراب "تقومُنَّ ... السابقة، أو تقومِنَّ ... نقول: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه النون المقدرة1 لتوالي النونات، والضمير المحذوف لالتقاء الساكنين "واو الجماعة، أو: ياء المخاطبة" فاعل، مبني على السكون في محل رفع.
وعند إعراب "تقومانِّ" نقول فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المقدرة لتوالي النونات. والنون المشددة للتوكيد. ومثل هذا فى قوله تعالى: {لتُبْلَوُنَّ فى أموالكم وأنفسكم} فأصل ... تُبْلَوُنَّ: تُبْلَوُونَنَّ؛ تحركت الواو الأولى وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفًا، ثم حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع واوالجماعة، ثم حذفت نون الرفع لتوالى النونات، فالتَقَى ساكنان: واوالجماعة للتخلص من اجتماع الساكنين. ولم تحذف الواولعدم وجود علامة قبلها تدل عليها، ولم تحذف نون التوكيد أوتخفف لوجود داع بلاغىّ يقتضى بقاءها مشددة، فلم يبق إلا تحريك الواوبالضمة، التى تناسبها.
وكذلك "تَرَيِنَّ" فى قوله تعالى يخاطب مريم: {فإما تَرَيِنَّ من البشر أحدًا فقولى إنى نذرتُ للرحمن صومًا فلنْ أكَلِّم اليوم إنسيًّا} . أصلها: تَرْأيينَنّ، نقلت حركة الهمزة إلى الراء بعد حذف السكون، وحذفت الهمزة تخفيفًا2،
__________
= لين- يريد حرف مد. والثاني مدغما كدابة ... " أهـ. فقد سكت عن شرط الالتقاء في كلمة واحدة.
فكان شأنه كشأن المراجع الأخرى التي سكتت وتركت شرط التلاقي في كلمة واحدة. بل إن الصبان "جـ3 باب نوني التوكيد" قال في اشتراط أن يكون الساكنان في كلمة ما نصه: "الصحيح فيما يأتي - خاصا بحذف الضمير إلا الألف - عدم اشتراط كونهما في كلمة، بدليل، نحو: "اتحاجوني" وعلة الحذف عند من لا يشترط ذلك، استثقال الكلمة، واستطالتها لو أبقى المضمر "الضمير" أهـ.
ولهذه المسألة بيان في باب: "نون التوكيد" جـ4.
1 نون الرفع هنا مقدرة "كما هو مبين في ص 95 وفي رقم 5 من ص 205" لأنها محذوفة لعلة. والمحذوف لعلة كالثابت. ولكنها لا تظهر فليست محذوفة حذفا نهائيا، وإنما هي مختفية ولذا فالإعراب هنا "تقديري" لا لفظي. وهذا شأنها دائما مع المضارع المؤكد بالنون المسند إلى ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة" سواء أكان المضارع صحيح الآخر أم معتلا، لأن نون التوكيد الخفيفة لا تقع بعد ألف الاثنين، وكذلك لا تقع بعد نون النسوة إلا بشرط وجود ألف زائدة تفصل بين النونين مع تشديد نون التوكيد أيضا وكسرها. "راجع الأشموني، وحاشية الصبان جـ1 عند الكلام على بناء المضارع، وعند الكلام على الأفعال الخمسة في آخر باب: "المعرب والمبني" وشرح التوضيح وهامشه جـ 1 في أول الفصل الخامص بالإعراب المقدر في المقصور والمنقوص".
ويجري على الألسنة الآن عند الإعراب أنها محذوفة، ولا مانع من قبوله تيسيرا وتخفيفا.
2 الكلام الفصيح يدل على أن هذا التخفيف ملتزم في المضارع والأمر من مادة الفعل: "رأى".(1/97)
................... ................... .............
__________
فصارت الكلمة: تَرَيِينَنَّ، ثم حذفت النون الأولى للجازم وهو: "إنْ" الشرطية المدغمة فى "ما" الزائدة؛ فصارت: تَرَيِينَّ، والياء الأولى متحركة وقبلها فتحة، فانقلبت ألفا، فصارت الكلمة: "ترايْنَّ" فالتقى ساكنان الألف وتلك الياء الأولى؛ حذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصارت "تَرَيْنَّ" فالتقت ياء المخاطبة ساكنة مع النون الأولى من النون المشددة، فحركت الياء بالكسرة، إذ لا يجوز حذفها لعدم وجود كسرة قبلها تدل عليها، ولا يجوز حذف النون الأولى من المشددة؛ لأن المقام يتطلبها مشددة؛ فلم يبق إلا تحريك الياء بالكسرة التى تناسبها؛ فصارت: تَرَيِنَّ.
وبمناسبة ما سبق من تحريك واوالجماعة وجوبًا نذكر قاعدة لغوية عامة تتصل بواوالجماعة؛ هى: أنها فى غير الموضع السابق تُضمّ - فى الأغلب إذا كان ما قبلها مفتوحًا وما بعدها ساكنًا، نحو: الصالحون سَعُوا اليوم فى الخير، ولن يسَعُوا الغداة فى سوء؛ فارضَوُا الخطة التى رسموها.
د- وجود التوكيد فى المثالين الأولين "تقُومُنَّ، وتقومِنَّ" قد يوهم أنها متصلة بآخر المضارع اتصالاً مباشرًا يقتضى بناءه؛ لكن الحقيقة غير ذلك؛ فهم معرب، واتصال النون به ظاهرى؛ لا عبرة به؛ لأنه فى الحقيقة مفصول منها بفاصل مقدر "أى: خفى غير ظاهر" هو؛ واوالجماعة المحذوفة، أوياء المخاطبة المحذوفة، وكلاهما محذوف لعلة، والمحذوف لعلة كالثابت - كما أشاروا1 - لهذا يكون المضارع فى المثالين السالفين معربًا؛ لا مبنيًّا؛ لأن نون التوكيد مفصوله منه حقيقة وتقديرًا. أما فى بقية الأمثلة "تقومانّ - تُبلَوُنَّ - تَرَيِنّ" فالنون لم تتصل أيضًا بآخره؛ لوجود الفاصل المنطوق به، الحاجز بينهما، ونعنى به: الضمير "ألف الاثنين - واوالجماعة - ياء المخاطبة". فالمضارع هنا معرب أيضاً؛ لأن نون التوكيد لم تتصل بآخره اتصالاً مباشرًا. وهذا شأن المضارع دائمًا؛ يظل محتفظًا بإعرابه، على الرغم من وجود نون التوكيد بعده إذا لم تكن متصلة بآخره اتصالاً مباشرًا؛ بحيث لا يفصل بينهما فاصل لفظى، مذكور أومقدر.
ولهذا ضابط صحيح مطَّرد؛ هوأن المضارع إذا كان مرفوعًا بالضمة قبل
__________
1 انظر رقم 1 من هامش الصفحة السابقة.(1/98)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مجئ نون التوكيد؛ فإنه يبنى بعد مجيئها؛ لأن الاتصال يكون مباشراً. وإن كان مرفوعاً بالنون قبل مجيئها فإنه لا يبنى؛ لوجود الفاصل الظاهر أوالمقدر وهو: الضمير.
هـ- قلنا إن الماضى يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به التاء المتحركة التى هى ضمير "فاعل"، أو"نا" التى هى فاعل كذلك، أونون النسوة وهى ضمير فاعل أيضًا، كما يبنى على الضم فى آخره إذا اتصل به واوالجماعة. لكن كثير من النحاة يقول إن هذا السكون عَرَضىّ طارئ؛ جاء ليمنع الثقل الناشئ من توالى أربع حروف متحركة فى كلمتين، هما أشبه بكلمة واحدة، "أى: فى الفعل وفاعله التاء، أونا، أونون النسوة"، فليس السكون فى رأيهم مجلوبًا من أثر عامل دخل على الفعل؛ فاحتاج المعنى لجلبه. لهذا يقولون فى إعرابه: بنى على فتح مقدر، منع من ظهوره السكون العارض ...
وكذلك يقولون فى الضمة التى قبل واوالجماعة؛ إنها عرضية طارئة؛ لمناسبة الواوفقط، وإن الفعل بنى على فتح مقدر منع من ظهوره الضمة العارضة1 ... إلخ.
ولا داعى لهذه التقدير والإعنات. فمن التيسير الذى لا ضرر فيه الأخذ بالرأى القائل بأنه بنى على السكون مباشرة فى الحالة الأولى، وعلى الضم فى الحالة الثانية.
و ليس من المبنى الأسماء المقصورة؛ مثل: الفتى، الهدَى، المصطفى، ولا الأسماء المنقوصة؛ مثل: الهادى، الداعى، المنادى؛ لأن ثبات آخرها على حال واحدة إنما هوظاهرى بسبب اعتلاله؛ ولكنه فى التقدير متغير؛ فهى معربة تقديرًا؛ بدليل أنها تثنى وتجمع فيتغير آخرها؛ فنقول فى الرفع: الفَتيان، والفَتَوْنَ. وفى النصب والجر: الفَتَيين والفَتَيْنَ. وكذلك: الهاديان، والهاديين والهادون والهادين ... وكذا الباقى.
أما بناء اسم لا - أحياناً - وبعض أنواع المنادى فهوبناء عارض لا أصيل؛ يزول بزوال سببه وهووجود: "لا" و"النداء"، فمتى زال السبب زال البناء العارض. بخلاف المبنى الأصيل؛ فإن بناءه دائم ...
__________
1 كما سيجيء في رقم 3 من ص 100(1/99)
المسألة السابعة: أنواع 1 البناء والإعراب، وعلامة كل منهما 2
للبناء أنواع أصلية، وأخرى فرعية تنوب عنها. فالأصلية أربعة:
1- السكون3 وهو أخفها. يدخل أقسام الكلمة الثلاثة؛ فيكون فى الاسم؛ مثل: كَمْ، ومَنْ. ويكون فى الحرف مثل: قدْ، وهلْ. ويكون فى الفعل بأنواعه الثلاثة؛ فى الماضي المتصل بضمير رفع متحرك، أو بنون النسوة، مثل: حضرْتَُِ "بفتح التاء، وضمها، وكسرها" حضرْنا، النسوة حضرْن. وفي الأمر المجرد صحيح الآخر؛ مثل: اجْلسْ واكتبْ ... وفي المضارع المتصل بنون النسوة: مثل: الطالبات يتعلمْن ويعلمْن ...
2- الفتح، ويدخل أقسام الكلمة الثلاثة، فيكون فى الاسم؛ مثل: كيفَ وأينَ. ويكون فى الحرف؛ مثل: سَوْفَ، وثُمَّ. ويكون في الفعل بأنواعه الثلاثة؛ فى الماضي المجرد؛ مثل: كتَبَ، نَصَر، دعا. والفتح في: "دعا" وأمثالها، مما هو معتل الآخر بالألف، يكون مقدرًا.
وفي المضارع والأمر عند وجود نون التوكيد فى آخرهما؛ مثل: والله لأسافرَن في طلب العلم. سافرَن، يا زميل، فى طلب العلم.
3- الضم، ويدخل الاسم والحرف، دون الفعل، فمثال الاسم: حيثُ، والضم فيه ظاهر. وقد يكون مقدرًا فى مثل: "سيبويه" عند النداء: تقول: يا سيبويهِ؛ فهو مبني على الكسر لفظًا، وعلى الضم تقديرًا4 في محل نصب في الحالتين. ومثال الحرف: "منذُ" "على اعتبارها حرف جر".
أما الضم في آخر الفعل في مثل: الأبطال حضرُوا.... فليس بأصليّ،
__________
1 يرتضي بعض النحاة تسميتها: "بالألقاب" بدلا من الأنواع. ولا مانع من هذا أو ذاك.
2 في ص 115 بيان السبب في أن لكل منهما علامات خاصة، وبيان بعض علامات لا توصف بإعراب ولا بناء.
3 ويسمي: الوقف- كما في رقم 2 من هامش ص 103 - ويكثر في عبارات الأقدمين ترديد الاثنين.
4 ويقولون في إعرابه: "منادي مبني على ضم مقدر على آخره، منع من ظهوره حركة البناء الأصلي وهي الكسر- في محل نصب.(1/100)
وإنما هو ضم عارض لمناسبة الواو -كما سبق1.
4- الكسر. ويدخل الاسم والحرف، دون الفعل أيضًا؛ فمثال الاسم: هؤلاءِ. ومثال الحرف: باء الجر فى "بِك" ...
والعلامات الفرعية التى تنوب عن الأصلية أشهرُها خمس:
1- ينوب عن السكون حذفُ حرف العلة من آخر فعل الأمر المعتل الآخر؛ مثل الفعل: اخْشَ، وارمِ، واسْمُ؛ في نحو: اصفحْ عن المعتذر لك، واخْشَ أن يقاطعك، وارمِ من ذلك إلى كسب مودته، واسْمُ بنفسك عن الصغائر.
وينوب عن السكون أيضًا حذف النون فى فعل الأمر، المسند للألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، مثل: اكتبا، اكتبوا، اكتبي.
2- وينوب عن الفتح الكسرةُ فى جمع المؤنث المبني، الواقع اسم "لا" النافية للجنس. نحو: لا مهملاتِ هنا "وفى هذا نيابة عن حركة بناء عن حركة أخرى".
وينوب عن الفتح أيضًا الياء فى المثنى المبنيّ، وفي جمع المذكر المبنيّ، إذا وقع أحدهما اسم: "لا" النافية للجنس، نحو: لا غائبَيْن. ولا غائبِينَ هنا "هذه نيابة حرف عن حركة بناء".
3- وينوب عن الضم الألف فى المثنى؛ إذا كان منادى مفردًا2 علَمًا، نحو: يا محمدان، أو كان نكرة مقصودة؛ مثل: يا واقفان اجلسا؛ لاثنين معينين "وهذه نيابة حرف عن حركة بناء".
وتنوب الواو عن الضمة في جمع المذكر المبني إذا كان منادى مفردًا علمًا. نحو؛ يا محمدون "وهذه نيابة حرف عن حركة بناء أيضًا".
ومما تقدم نعلم أن الكسر فى البناء لا ينوب عنه شيء؛ وأن السكون ينوب عنه شيئان، وكذلك الفتح، والضم. كما نعلم أن الضم والكسر يكونان في الاسم والحرف، ولا يكونان في الفعل. وفي الجدول التالي تلخيص لكل ما تقدم:
__________
1 انظر "هـ" في صفحة 99.
2 المفرد في باب المنادى هو: "ما ليس مضافًا، ولا شبها بالمضاف". فالمنادي المضاف مثل: يا سعد الدين أقبل، والشبيه بالمضاف مثل: يا صانعا خيرا ترقب جزاءه.
"وللمنادي باب مستقل في أول الجزء الرابع".(1/101)
علامات البناء الأصلية، والفرعية، ومواضعها:
جدول يسحب اسكانر
إلى هنا انتهى الكلام على علامات البناء الأصلية والفرعية2.
__________
1 والفتح مقدر على الألف.
2 أما بيان السبب في أن لكل منهما علامات خاصة فيأتي- في ص 106 كما ذكرنا- وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
وكل حرف مستحق للبنا ... والأصل في المبني أن يسكنا
ومنه ذو فتح، وذو كسر، وضم، ... كأين أمس حيث والساكن. كم(1/102)
ب- وللإعراب أنواع أربعة:
1- الرفع؛ ويدخل الاسم، والفعل المضارع؛ مثل: سعيدٌ يقومُ، ومثل الخبر والمضارع فى قول الشاعر يمدح خبيرًا حكيمًا:
يَزنُ الأمورَ؛ كأنما هوصَيْرَفٌ ... يَزِنُ النُّضارَ بدقَّة وحسَاب
2- النصب؛ ويدخل الاسم، والفعل المضارع؛ مثل؛ إن سعيدًا لن يقبل الهوانَ.
3- الجر؛ ويدخل الاسم فقط، مثل: باللهِ أستعين.
4- الجزم؛ ويدخل الفعل المضارع فقط؛ مثل1: لم أتأخرْ عن إجابة الصارخ، وقول الشاعر:
إذا لم يعشْ حرًّا بموطنه الفتى ... فَسّمِ الفتى ميْتًا، وموطنَهُ قبْرَا
فالرفع والنصب يدخلان الأسماء والأفعال؛ والجر مختص بالاسم؛ والجزم مختص بالمضارع.
ولهذه الأنواع الأربعة علامات أصلية، وعلامات فرعية تنوب عنها:
فالعلامات الأصلية أربعة هى: الضمة فى حالة الرفع، والفتحة فى حالة النصب، والكسرة2 فى حالة الجرّ، والسكون "أى: عدم وجود حركة" فى حالة الجزم؛ فتقول فى الكلمة المرفوعة "فى مثل: سعيد يقوم": مرفوعة، وعلامة رفعها الضمة؛ وفى الكلمة المنصوبة "في مثل: إن عليًّا لن يسافر": منصوبة، وعلامة نصبها الفتحة: وفي المجرورة: علامة جرها الكسرة، وفي المجزومة: علامة جزمها السكون3 ...
__________
1 ومثل قوله تعالى عن نفسه: {لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدْ} .
2 أو: الوقف ... "انظر رقم 3 من هامش ص 100".
3 وفي الإعراب وعلاماته الأصلية يقول ابن مالك:
والرفع والنصب اجعلن إعرابا ... لاسم وفعل: نحو: لن أهابا
=(1/103)
أما العلامات الفرعية التى تنوب عن تلك العلامات الأصلية فهي عشر؛ ينوب في بعضها حركة فرعية عن حركة أصلية، وينوب في بعض آخر حرف عن حركة أصلية1. وينوب في بعض ثالث حذف حرف عن السكون؛ "فيحذف حرف العلة من آخر المضارع المجزوم، وكذلك تحذف نون الأفعال الخمسة من آخر المضارع المجزوم".
والمواضع التى تقع النيابة فيها سبعة، تسمى أبواب الإعراب بالنيابة، وهي:
أ- الأسماء الستة2.
ب- المثنى3.
حـ- جمع المذكر السالم4.
د- جمع المؤنث السالم5.
هـ- الاسم الذى لا ينصرف6.
و الأفعال الخمسة7.
ز- الفعل المضارع المعتل الآخر8.
__________
=
والاسم قد خصص بالجر، كما ... قد خصص الفعل بأن ينجزما
فارفع بضمن، وانصبن فتحا وجر ... كسرا، كذكر الله عبده يسر
هذا، وكلمة: "الرفع" تعرب مفعولا به مقدما للفعل: اجعلن. ويعاب هذا بأن فيه تقديم معمول الفعل المؤكد بالنون، ولا يجوز تقديمه اختيارا - كما قلنا في رقم2 من هامش ص80 وبخاصة إذا كان المعمول ليس شبه جملة -عند من يبيح تقديم شبه الجملة دون غيره من المعمولات ولكن ضرورة الشعر قضت بالتقديم، ولا داعي لإعرابه مفعولا به لفعل محذوف يفسره المحذوف، لما في ذلك من تهافت بلاغي والإيصال، إذا أصلهما: "بفتح - بكسر" وحذف حرف الجر قبلهما فنصب المجرور على ما يسمى:
"نزع الخافض...." والمشهور أن النصب على نزع الخافض غير قياسي، كما سيجيء البيان في موضعه من باب: "تعدية الفعل ولزومه"، جـ2 ص 139 م 71" حيث قلنا هناك: لا داعي للأخذ بالرأي الذي يعتبره قياسيا، لأنه يؤدي إلى الخلط والغموط والإلباس، إذ يوقع في وهم كثيرين أن الفعل متعد بنفسه، ولن يتنبه إلى نصبه على نزع الخافض إلى قلة معدودة مشتغلة بالشئون اللغوية.
1 ومن هذا يجيء في "ب" ص 106.
2 حيث تنوب الواو عن الضمة في حالة الرفع، وتنوب الألف عن الفتحة في حالة النصب، وتنوب الياء عن الكسرة في حالة الجر. .
3 فتنوب الألف عن الضمة في حالة الرفع. وتنوب الياء عن الفتحة والكسرة في حالتي النصب والجر.
4 فتنوب الواو عن الضمة في حالة الرفع، وتنوب الياء عن الفتحة والكسرة في حالتي النصب والجر.
5 فتنوب الكسرة عن الفتحة في حالة النصب.
6 فتنوب الفتحة عن الكسرة في حالة الجر.
7 فتنوب النون عن الضمة في حالة الرفع، وينوب حذف النون عن الفتحة والسكون، نصبا وجزءا.
8 وينوب حذف حرف العلة عن السكون. في حالة الجزم.(1/104)
وتتلخص الفروع العشرة النائبة عن الأصول فيما يأتي:
1- ينوب عن الضمة ثلاثة أحرف، هى: الواو، والألف، والنون.
2- ينوب عن الفتحة أربعة، هي: الكسرة والألف، والياء، وحذف النون.
3- ينوب عن الكسرة حرفان، هما: الفتحة؛ والياء.
4- ينوب عن السكون حذف حرف، إما حرف علة في آخر المضارع المعتل المجزوم، أو حذف النون من آخره إن كان من الأفعال الخمسة المجزومة.
وفيما يلي تفصيل الأحكام الخاصة بكل واحد.(1/105)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
ما السبب في أن للبناء علامات خاصة، وللإعراب أخرى؟
أ- قال شارح المفصّل1 ما نصه:
"اعلم أن سيبويه وجماعة من البصريين قد فصَلوا بين حركات الإعراب وسكونه، وبين ألقاب حركات البناء وسكونه، وإن كانت فى الصورة واللفظ شيئًا واحدًا، فجعلوا الفتح المطلق2 لقبًا للمبني على الفتح، والضم لقبًا للمبني على الضم، وكذلك الكسر، والوقف3.
"وجعلوا النصب لقبًا للمفتوح بعامل، وكذلك الرفع، والجر، والجزم، ولا يقال لشيء من ذلك مضموم مطلقًا، أو مفتوح، أو مكسور، أو ساكن - فلا بد من تقييد، لئلا يدخل "المعرب" فى حيز المبنيات. أرادوا بالمخالفة بين ألقابها إبانة الفرق بينهما؛ فإذا قالوا هذا الاسم مرفوع عُلم أنه بعامل يجوز زواله، وحدوث عامل آخر يُحدث خلاف عمله، فكان فى ذلك فائدة وإيجاز؛ لأن قولك: مرفوع، يكفي عن أن يقالَ له: مضموم ضمة تزول، أو ضمة بعامل. وربما خالف فى ذلك بعض النحاة وسمّي ضمة البناء رفعًا، وكذلك الفتح والكسر والوقف. والوجه هو الأول، لما ذكرناه من القياس، ووجه الحكمة. " اهـ.
ب- في بعض اللهجات العربية تنقلب ألف المقصور ياء عند إضافته لياء المتكلم وتدغم الياءان ففي مثل: هدى، يقال: "هدى" في كل حالات الإعراب، فيكون معربا بالياء التي أصلها الألف بدل حركات الإعراب التي كانت مقدرة على الألف، وهذا مما ناب فيه حرف عن حركة أصلية. وهو من اللهجات الضعيفة التي لا يحسن العمل بها اليوم. "وسيجيء الكلام عليها في هامش ص 189 ثم في المكان الأنسب لها، وهو: باب الإضافة لياء المتكلم، جـ3 م 97 ص 174".
ج- قد تكون الكلمة مضبوطة ضبطًا معينا بعلامة لا توصف بأنها علامة
__________
1 جـ 3 ص 84.
2 أي: الذي يلازم آخر الكلمة في كل أحوالها.
3 هو: السكون، كما سبق في رقم 3 من هامش ص 100.(1/106)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إعراب أو بناء1، وإنما هي علامة صورية ظاهرية، جاءت لمجرد المماثلة والمشابهة بين ضبط هذه الكلمة المتأخرة وضبط كلمة قبلها مباشرة. ومن هذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} .
فكلمة: "أي" منادى مبني على الضم في محل نصب، وكلمة: "الناس"، عطف بيان. وضمتها ضمة مماثلة ومشابهة" لأي"، وهذه الضمة ليست للبناء ولا للإعراب، وإنما هي ضمة صورية ظاهرية، قصد بها المحاكاة المحضة، وليس لكلمة "الناس" محل إعرابي في أشهر قولين، مع أننا أعربناها عطف بيان.
ومن الأمثلة أيضا قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} . فكلمة: "أية" منادى مبني على الضم في محل نصب. وكلمة: "النفس" عطف بيان، مضبوطة بالضمة التي جاءت لتكون هذه الكلمة مماثلة لسابقتها في العلامة. وليس لها محل إعرابي "في أشهر رأيين"، بالرغم من إعرابها عطف بيان. وكلمة: "المطمئنة"، صفة للنفس، مضمومة بضمة مشابهة أيضًا.
على أن إيضاح هذا وتفصيله في مكانه الأنسب، "وهو باب: "تابع المنادى" ج4 م130 ص 44 وباب: "الاختصاص"، جـ4 م 139 ص 117 عند الكلام على: "أي وأية" فيهما ... ".
وهناك نوع آخر من الألفاظ لا يوصف بأنه معرب أو مبني ولكنه يزاد لغير معنى لغوي- وقد تكون زيادته لمجرد المدح، أو الذم، أو التلميح ... وليس له ضبط إعرابي خاص به، وهذا النوع يسمى: "الأتباع" - بفتح الهمزة- وسيجيء حكمه في باب الحال "جـ2 م 84- رقم 3 من هامش ص 366 وفي باب النعت "جـ3 م 144 ص 452" بما ملخصه: أن اللفظ قد يجيء عرضا بعد كلمة تسبقه، فيسايرها في وزنها، وفي ضبط آخرها، مثل: محمد حسن بسن، واللص شيطان نيطان، أو: عفرين نفريت ... ويذكر في إعرابه أنه تبع للأولى، أي: من أتباعها، لكن ليس من التوابع الأربعة المعروفة التي هي النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل ... ولا يجري عليه شيء من أحكام هذه التوابع الأصلية وكل حكمه مقصور على أنه مثل ما قبله في الوزن وضبط الآخر ضبطا لا يوصف بإعراب ولا بناء. وحركته تختلف اختلافا واسعا كذلك عن حركة الإتباع الآتية، في رقم 6 من ص 200.
__________
1 هذا ما أشرنا إليه في آخر ص 87.(1/107)
المسألة الثامنة: الأسماء الستة
أ- الأسماء الستة 1:
هى: أبٌ، أخٌ، حَمٌ2، فمٌ، هَنٌ 3، ذُو ... بمعنى صاحب4. فكل واحد من هذه الستة يرفع بالواو نيابة عن الضمة، وينصب بالألف نيابة عن الفتحة، ويجر الياء نيابة عن الكسرة، مثل: اشتهر أبوك بالفضل، أكرمَ الناس أباك، استمع إلى نصيحة أبيك ... ومثل قول الشاعر:
أخوكَ الَّذِى إنْ تَدْعُهُ لِمُلِمَّةٍ ... يُجِبْك وإنْ تَغْضَب إلى السَّيْفَ يَغْضَب
فتقول: إنَّ أخاك الَّذِى ... - تَمَسَّكْ بأخيك الذى ... ومثل هذا يقال فى سائر الأسماء الستة.
لكن يشترط لإعرابِ هذه الأسماء كلها بالحروف السابقة، أربعة شروط عامة، وشرط خاص بكلمة: "فم"، وآخر خاص بكلمة: "ذو".
فأما الشروط العامة فهى:
ا- أن تكون مفردة، فلوكانت مثناة أومجموعة، أعربت إعراب المثنى أوالجمع، نحو: جاء أبوانِ، رأيت أبوينِ، ذهبت إلى أبوينِ. جاء آباءٌ، رأيت آباءً، ذهبت إلى آباءٍ............
ب- أن تكون مُكبَّرة5؛ فإن كانت مصغرة أعربت بالحركات الثلاثة
__________
1 وقد يسميها بعض النحاة: الأسماء الستة المعتلة الآخر، لأن في آخرها واو محذوفة تخفيفا إلا: "ذو" فليس فيها حذف.
2 الحم: كل قريب للزوج أو للزوجة، والدا أكان أم غير والد. لكن العرف قصره على الوالد.
3 بمعنى شيء، أي شيء، وبمعنى الشيء اليسير، والتافه. وكناية عن كل شيء يستقبح التصريح به.
4 تقول: محمد ذو خلق، وعلى ذو أدب، أي: صاحب خلق، وصاحب أدب، ومثل قوله عليه السلام. شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه.
5 غير مصغرة. "والتصغير النحوي باب مستقل في الجزء الرابع".(1/108)
الأصلية، في جميع الأحوال، مثل: هذا أُبَيَّك العالم.... إن أُبَيَّكَ عالم ... اقتد بِأُبيِّك...... إلخ.
ج- أن تكون مضافة؛ فإن لم تضف أعربت بالحركات الأصلية، مثل: تعهد أبٌ ولدَه ... أحبَّ الولدُ أبًا. اعتَن بأبٍ. وقد اجتمع فى البيت الآتى إعرابها بالحروف وبالحركات، وهو:
أبونا أبٌ لو كان للناس كلهم ... أبًا واحدًا أغناهموبالمناقبِ
د- أن تكون إضافتها لغير ياء المتكلم؛ فإن أضيفت وكانت إضافتها إلى ياء المتكلم1، فإنها تعرف بحركات أصلية مقدرة قبل الياء، مثل: أبى يحب الحق، إن أبى يحب الحق، اقتديت بأبى فى ذلك. فكلمة: "أب" فى الأمثلة الثلاثة مرفوعة بضمة مقدرة قبل الياء، أومنصوبة بفتحة مقدرة قبل الياء، أومجرورة بكسرة مقدرة أيضًا2. وكذلك باقى الأسماء الستة. إلاّ "ذو" فإنها لا تضاف لياء المتكلم ولا لغيرها من الضمائر المختلفة.
أما الشرط الخاص بكلمة: "فَم"، فهوحذف "الميم" من آخرها، والاقتصار على الفاء وحدها. مثل: ينطق "فوك" الحكمة. "أى؛ فمك": إن "فاك" عذب القول. تجرى كلمة الحق على "فيك". فإن لم تحذف من آخره الميم أعرب "الفم" بالحركات الثلاثية الأصلية، سواء أكان مضافًا أم غير مضاف، وعدم إضافته فى هذه الحالة أكثر. نحو: هذا "فمٌ" ينطق بالحكمة - إن "فمًا" ينطق بالحكمة يجب أن يُسمَع - فى كل "فم" أداة بيان.
وأما الشرط الخاص بكلمة: "ذو" بمعنى: صاحب3 فهوأن تكون إضافتها لاسم ظاهر دال على الجنس4، مثل: والدي ذو فضل، وصديقي
__________
1 سيجيء الكلام على إضافة هذه الأسماء لياء المتكلم، في الجزء الثالث، باب: الإضافة لهذه الياء.
2 الأحسن في هذه الحالة أن نقول: إنها الكسرة الظاهرة قبل الياء، لأن الأخذ بهذا الرأي أيسر وأوضح. ولا داعي التمسك بالرأي الفلسفي المعقد الذي يقول: إن الكسرة الظاهرة هي لمناسبة ياء المتكلم، وأن كسرة الإعراب مقدرة بسبب الكسرة الظاهرة التي حلت محلها فأخفتها....
3 وهي غير "ذو" المعدودة من أسماء الموصول، والتي يجيء الكلام عليها في ص357.
4 سبق الكلام على اسم الجنس في ص21 وما بعدها، وسيجيء له تفصيل في باب العلم "ص288" والمراد به. ما وضع للمعنى الكلي المجرد، أي: للصورة الذهنية العامة، مثل علم، فضل، حياء رجل، طائر. =(1/109)
ذو أدب. وقول الشاعر:
__________
= ولا بد أن يكون اسم الجنس هنا اسما ظاهرا، فلا يجوز إضافة: "ذو" التي من الأسماء الستة إلى ضمير يرجع إلى جنس، مثلك الفضل "ذوه" أنت. كما لا يجوز إضافتها إلى مشتق، مثل: محمد ذو "فاضل". ولا إلى علم، مثل: أنت ذو "على" ولا إلى جملة: مثل. أنت ذو "تقوم". وفيما يلي بعض البيان والتفصيل لما سبق.
جاء في تاج العروس، شرح القاموس، خاصا بكلمة: "ذو" بمعنى "صاحب" ما نصه:
"كلمة صيغت ليتوصل بها إلى الوصف بالأجناس"". . وقال شارح المفصل - جـ1 ص 53. ما نصه: "إنها لم تدخل إلا وصله إلى وصف الأسماء بالأجناس كما دخلت: "الذي" وصلة إلى وصف المعارف بالجمل- وكما أتى "بأي" وصلة لنداء ما فيه "الألف واللام في قولك يا أيها الرجل، ويا أيها الناس" ÷ـ
والمراد مما سبق أن أسماء الأجناس جامدة - في الغالب فليست مشتقة، ولا مؤولة بالمشتق، فلا تصلح أن تقع نعتا، ولا غيرها مما يتطلب الاشتقاق الصريح أو المؤول، كالحال والنعت، فجاءت: "ذو" قبل اسم الجنس- وهي مما يؤول بالمشتق - لتكون وسيلة الوصف به، مع إعرابها هي الصفة المضافة، وإعراب اسم الجنس هو المضاف إليه المجرور.
فإن وقعت صفة لنكرة وجب أن يكون اسم الجنس "وهو المضاف إليه" نكرة، وإن وقعت صفة لمعرفة وجب أن يكون اسم الجنس "وهو: المضاف إليه" معرفا بالألم واللام، ولا يصح أن تضاف: "ذو" التي بمعنى" صاحب" إلى علم ولا إلى ضمير ما دام الغرض من مجيئها التوصل بها إلى إلى الوصف باسم الجنس.
فإن لم يكن الغرض من مجيئها هو هذا التوصل فالصحيح أنها تدخل على الأعلام والمضمرات وأمثلة هذا كثيرة في كلام العرب، منها: "ذو الخلصة"، الخلصة: اسم ضم. و "ذو" كناية عن بيته" ومنها ذو رعين، وذو جدن، وذو يزن، وذو المجاز. ... وكل هذه الأعلام سبقتها "ذو" أي: أعلام مصدرة بكلمة مستقلة هي: "ذو" ومن أمثلة دخولها على الضمير قول كعب بن زهير:
صبحنا الخزرجية مرهفات ... أبار ذوي أرومتها ذووها
وقول الأحوص:
رولكن رجونا منك مثل الذي به ... صرفنا قديما من ذويك الأوائل
وقول الآخر:
إنما يصطنع المعـ ... ـروف في الناس ذووه
وقالوا: جاء من ذي نفسه، ومن ذات نفسه، أي: طائعا. "راجع تاج العروس جـ 10. مادة" "ذو" ... ومن الأمثلة أيضًا قول الشاعر:
ما ضرني حسد اللئام ولم يزل ... ذو الفضل يحسده ذو التقصير
ولا قيمة للتعليل أو التأويل الذي يردده شارح المفصل "جـ1 ص53" محاولًا به أن يجعل الضمير المضاف إليه في بعض الأمثلة السابقة قريبًا من اسم الجنس. فيستساغ معه أن تكون "ذو" هي المضاف ... لا قيمة لهذا بعد أن نطق بإضافتها إلى الضمير والعلم، وتعددت الأمثلة الفصيحة الواردة عنهم، والتي لا تحتاج إلى تعليل ولا تأويل إلا صحة ورودها.
وإذا وقعت كلمة: "ذو" صدر اسم جنس لا يعقل وأريد جمعه وجب جمعه مؤنثًا سالمًا، نحو: مضى =(1/110)
ومَن لا يَكُنْ ذَا نَاصِرٍ يَوْمَ حَقّهِ ... يُغلَّبْ عليه ذُوالنَّصِيرِ، وَيُضْهَدُ1
وما سبق هو أشهر اللغات وأسهلها فى الأسماء الستة، ولذلك كان أحقها بالاتباع، وأنسبها للمحاكاة، دون غيره. إلا كلمة: "هَن" فإن الأكثر فيها مراعاة النقص فى آخرها، ثم إعابها بالحركات الأصلية بعد ذلك. والمراد بمراعاة النقص فى آخرها أن أصلها "هَنَوٌ"، على ثلاثة أحرف، ثمُ نقصت منها الواو؛ بحذفها للتخفيف، سماعًا عن العرب، وصارت الحركات الأصلية تجرى على النون، وكأنها الحرف الأخير في الكلمة. فعند الإضافة لا تُردُّ الواو المحذوفة كما -ترد فى الغالب- عند إضافة الكلمات التي حذفت من آخرها، فحكم كلمة: "هَن" في حالة الإضافة كحكمها فى عدمها، تقول: هذا "هَنٌ"، أهملتُ "هَنًا" -لم ألتفت إلى "هَنٍ". وتقول: "هَنُ"2 المال قليل النفع. إن "هنَ" المال قليل النفع. لم أنتفعْ "بهَنِ" المال. لكن يجوز فيها بقلة، الإعراب بالحروف، تقول: هذا هَنُو المال، وأخذت هَنَا المال، ولم أنظر إلى هَنِي المال.
وإذا كان الإعراب بالحروف بشروطه السابقة هو أشهر اللغات وأسهلها فى الأسماء الستة إلا كلمة: "هَن" فإن هناك لغة أخرى تليه فى الشهرة والقوة؛ هى: "القَصْر" فى ثلاثة أسماء؛ "أبٌ"، و"أخٌ"، و"حَمٌ"، دون "ذو" و"هن"3 و"فم" 4 ... ومعنى القصر: إثبات ألف5 فى آخر كل من
__________
= ذو القعدة، وذوات القعدة، ومثل هذا يقال في اسم الجنس المصدر بكلمة: "أبن" أو:أخ، نحو: ابن أوي وبنات آوي، وأخ الجحر "للثعبان" وأخوات الجحر.
"وسيجيء لهذا إشارة في جـ من ص 171 عند الكلام على جمع المؤنث السالم، وبيان في الجزء الرابع، آخر باب جمع التكسير ص 622 م 174 وفيه بعض الأحكام الهامة".
هذا، وكلمة "ذو"، و "ذات" استعمالات أدبية دقيقة، "بيانها في مكانها المناسب جـ 3 ص 42 م 93 باب: الإضافة. وكذلك جـ 2 باب الظرف م 79 - ص 255 و 250 م 79".
ولكلمة: "ذات" بيان موجز في آخر الهامش من ص 357 وهو مقصور على بعض استعمالاتها، والنسب إليها.
وهي تختلف اختلافا تاما عن "ذو" التي هي اسم موصول، بمعنى: "الذي"مثل جاء "ذو" قام.
أي: جاء الذي قام، فإن الموصولة تلازمها الواو - غالبا- في أحوالها المختلفة وتكون مبنية على السكون في محل ربع، أو نسب أو جر، كما سيجيء في باب الموصول. ص 357.
1 يضهد: يقهر ويغلب.
2 الشيء التافه منه.
3 ونقل بعض النحاة "القصر" في هذه الكلمة. "كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 113.
4 في الأغلب.
5 وهذه الألف منقلبة عن الواو المحذوفة من آخر كل واحدة، فصارت كألف المقصور =(1/111)
الثلاثة الأولى فى جميع أحوالها، مع إعرابها بحركات مقدرة على الألف رفعًا ونصبًا وجرًّا؛ مثل: أباك كريم، إن أباك كريم، أثنيت على أباك. فكلمة: "أبا" قد لزمتها الألف في أحوالها الثلاث، كما تلزم فى آخر الاسم المعرب المقصور، وهي مرفوعة بضمة مقدرة على الألف، أو منصوبة بفتحة مقدرة عليها، أو مجرورة بكسرة مقدرة عليها، فهي في هذا الإعراب كالمقصور.
وهناك لغة ثالثة تأتي بعد هذه فى القوة والذيوع، وهى لغة النقص السابقة؛ فتدخل في: "أب" و"أخ" و"حم"، كما دخلت في: "هَن"، ولا تدخل فى: "ذو" ولا "فم" إذا كان بغير الميم. تقول كان أبُك مخلصًا. إن أبَك مخلص، سررت من أبِك لإخلاصه ... وكذا الباقى. فأب مرفوعة بضمة ظاهرة على الباء، أومنصوبة بفتحة ظاهرة1، أو مجرورة بكسرة ظاهرة. ومثل هذا يقال في "أخ" و"حم" كما قيل: في "أب" وفي "هن".
__________
= "وهو الاسم المعرب الذي في آخره ألف لازمة، كالهدى، والرضا، والمصطفى" وهذا جار على أن أصلها: "أبو" و "أخو" و "حمحو" - كما في رقم 1 الآتي- تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا. هكذا يقول النحاة.
والحق أن أهل اللغة التي تلزم آخرها الألف لم ينظروا إلى ما يسمى أصل الواو، ولم يعرفوا قلب الحروف، ولا أمثال هذا، وإنما نطقوا عن فطرة وطبيعة، فهم يلزمون آخرها الألف بغير تعليل إلا النطق بها.
"ملاحظة": إذا حذف من الاسم الثلاثي أحد أصوله فإن جاءت همزة الوصل عوضًا عن المحذوف لم يصح إرجاعه في التثنية وجمع المؤنث السالم، أما إذا لم تأتِ همزة التعويض فالأجود -وقيل الواجب- إرجاعه. إن كان يرجع عند الإضافة. وتطبيقًا لهذا الحكم ترجع -في الحالتين السالفتين- اللام المحذوفة من الثلاثي، لأنها ترجع عند إضافته، فيقال في: "قاض- شج - أب- أخ - حم -....": قاضيان، شجيان، أبوان، أخوان، حسوان....؛ لأنه يقال في الإضافة: قاضينا، شجينا، أبوه، أخوه، حموه.... وشذ: أبعان وأخان....
أما الذي لا يرجع عند الإضافة فلا يرجع عند التثنية، وجمع المؤنث السالم، نحو: اسم، ابن يد، دم، غد، فم، سنة....، فيقال: اسمان، ابنان، يدان، دمان، غدان، فمان، سنتان. وشذ: فسموان، وفسميان، ومن الضرورة قول الشاعر:
فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين
وقول الآخر:
يديان بيضاوان عند محلم
"محلم، بكسر اللام، اسم رجل" وستجيء إشارة لهذا الضابط عند الكلام على المثنى "في "ح" من ص 135 وفي آخر رقم 1 من هامش ص 164".
1 أساس هذه اللغة: مراعاة النقص في تلك الكلمات الثلاث، والاعتداد به، فقد كان آخر كل واحدة منها في الأصل: "الواو" "أبو، أخو، حمو، كما في رقم 5 من ص 111" حذفت الواو تخفيفًا، فلا ترجع عند الإضافة. بل يستغني عنها في كل الأحوال. والحق هنا هو ما قلناه في سابقه، أن التعليل الصحيح هو نطق العرب الفصحاء.(1/112)
ومما سبق نعلم أن الأسماء الستة لها ثلاث حالات من حيث علامات الإعراب، وقوة كل علامة.
الأولى: الإعراب بالحروف، وهو الأشهر، والأقوى إلا فى كلمة: "هن" فالأحسن فيها النقص؛ كما سبق.
الثانية: القصر، وهو في المنزلة الثانية من الشهرة والقوة بعد الإعراب بالحروف، ويدخل ثلاثة أسماء، ولا يدخل "ذو" ولا "فم" محذوف الميم؛ لأن هذين الاسمين ملازمان للإعراب بالحرف. ولا يدخل: "هَن"1.
الثالثة: النقص، وهو في المنزلة الأخيرة، يدخل أربعة أسماء، ولا يدخل "ذو" ولا "فم" محذوف الميم؛ لأن هذين الاسمين ملازمان للإعراب بالحروف كما سبق.
فمن الأسماء الستة ما فيه لغة واحدة وهو "ذو" و"فم" بغير ميم.
وما فيه لغتان، وهو "هن".
وما فيه ثلاث لغات وهو أب، أخ، حم2.
__________
1 نقل بعض النحاة فيها القصر، أيضًا كما سبق في رقم2 من هامش ص 111.
2 على ضوء ما تقدم نستطيع أن نفهم قول ابن مالك:
وارفع بواو وانصبن بالألف ... واجرر بياء - ما من الأسما أصف،
من ذاك: "ذو" إن صحبة أبانا ... والفم حيث الميم منه بانا
"أب"، "أخ"، "حم"، كذاك "وهن" ... والنقص في هذا الأخير أحسن
وفي "أب" وتالييه يندر ... ... وقصرها من نقصهن أشهر
ففي البيت الأول: بين الحروف الثلاثة النائبة عن الحركات الأصلية الثلاث، وتلك الحروف هي: الواو، والألف، والياء.
وفي البيت الثاني: صرح أن من الأسماء الستة: "ذو" بشرط أن يبين صحبة، أي: يدل على صحبة، بأن يكون بمعنى: "صاحب": وأن منها: "الفم" بشرط أن تبين "أي: تنفصل" منه الميم.
وفي البيت الثالث والرابع: أوضح أربعة. وصرح بأن النقص في كلمة: "هن" أحسن من الإعراب بالحروف ... وأما أب وأخ وحم فالنقص نادر فيها- مع جوازه-، ولكن القصر أحسن.(1/113)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- بالرغم من تلك اللغات التى وردت عن العرب، يجدر بنا أن نقتصر على اللغة الأولى التى هي أشهر تلك اللغات وأفصحها، وأن نهمل ما عداها1؛ حرصًا على التيسير، ومنعًا للفوضى والاضطراب الناشئين من استخدام لغات وهجمات متعددة. وقد يقالك ما الفائدة من عرض تلك اللغات إذن؟
إن فائدتها هي لبعض الدارسين المتخصصين: وأشباههم؛ إذ تعينهم على فهم النصوص القديمة، المتضمنة تلك اللهجات التى لا تروق اليوم محاكاتها، ولا القياس عليها، ولا ترك الأشهر الأفصح من أجلها.
ب- جرى العرف على التسمية ببعض الأسماء الستة السالفة، مثل: أبوبكر، أبوالفضل، ذي النون، ذى يَزَن.... فإذا سمي باسم مضاف من تلك الأسماء الستة المستوفية للشروط جاز فى العلَم المنقول منها أحد أمرين:
أولهما: إعرابه بالحروف، كما كان يُعْرف أوّلا قبل نقله إلى العلمية. كما يصح إعرابه بغير الحروف من الأوجه الإعرابية الأخرى التى تجرى على تلك الأسماء بالشروط والقيود التى سبقت عند الكلام عليها، أى: أن كل ما يصح فى الأسماء الستة المستوفية للشروط قبل التسمية بها يصح إجراؤه عليها بعد التسمية.
ثانيهما: وهوالأنسب أن يلتزم العَلم صورة واحدة فى جميع الأساليب، مهما اختلفت العوامل الإعرابية، وهذه الصورة هى التى سمى بها، واشتهر، فيقال - مثلا - كان أبوبكر رفيق الرسول عليه السلام فى الهجرة - إنّ أبو بكر من أعظم الصحابة رضوان الله عليهم، أثنى الرسول عليه السلام على أبو بكر خير الثناء ... فكلمة: "أبو" ونظائرها من كل عَلم مضاف صدره من الأسماء الستة يلتزم حالة واحدة لا يتغير فيها آخره، ويكون معها معربًا بعلامة مقدرة، سواء أكانت العلامة حرْفًا أم حركة على حسب اللغات المختلفة السالفة2 ...
__________
1 مع أن محاكاته صحيحة.
2 وإنما كان هذه الوجه أنسب وأولى لمطابقته للواقع الحقيقي، البعيد عن اللبس، ولأن بعض المعاملات الرسمية الآن لا تجري إلا على أساس الاسم الرسم المدون في السجلات الحكومية "انظر سببا مماثلا في: "حـ" من ص 125".(1/114)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما تكون العلامة مقدرة إذا لم توجد علامة إعرابية ظاهرة مناسبة، ففي المثال السابق- كان أبو بكر رفيق الرسول ... تعرب كلمة: "أبو" اسم "كان" مرفوعا بالواو الظاهرة، ولا داعي للتقدير في هذه الصورة، لوجود الواو الظاهرة التي تصلح أن تكون علامة إعرابية مناسبة، وكذلك لو كان العلم هو: "أبا بكر" أو "أبي بكر" فإننا نقول في مثل: "إن أبا بكر عظيم" إنه منصوب بالألف الظاهرة، ولا داعي للتقدير، وفي مثل: "اقتد بأبي بكر ... " إنه مجرور بالياء الظاهرة أيضا.
حـ- إذا أعرب أحد الأسماء الستة بالحروف، وأضيف إلى اسم أوله ساكن "مثل: جاء أبو المكارم، ورأيت أبا المكارم، وقصدت إلى أبي المكارم" فإن حرف الإعراب وهو: الواو، أو الألف، أو الياء - يحذف فى النطق، لا في الكتابة. وحذفه لالتقاء الساكنين؛ فهو محذوف لعلة، فكأنه موجود. فعند الإعراب نقول: "أبو" مرفوع بواو مقدرة نطقًا، و"أبا" منصوب بألف مقدرة نطقًا، و"أبي" مجرور بياء مقدرة نطقًا؛ فيكون هذا من نوع الإعراب التقديري بحسب مراعاة النطق. أما بحسب مراعاة المكتوب فلا تقدير.
د- من الأساليب العربية الفصيحة: "لا أبا لفلان ... "2 ... فما إعراب كلمة: "أبا" إذا وقعت بعدها اللام الجارة لضمير الغائب، أو لغيره"؟ من الضمائر، أو الأسماء الظاهرة؟
يرى بعض النحاة أنها اسم "لا" منصوبة بالألف، ومضافة إلى الضمير الذى بعدها، واللام التى بينهما زائدة. ومع أنها زائدة هى التى جَرّتْ الضمير دون المضاف، فالمضاف فى هذا المثال وأشباهه لا يعمل فى المضاف.
__________
1 راجع رقم 1 ص 204 - الآتية، ففيها ضابط أفضل وفيها إشارة إلى قرار مفيد للمجمع اللغوي مسجل في رقم 2 من هامش ص 159.
2 هذا التركيب قد يراد به: المبالغة في المدح، وأن الممدوح لا ينسب لأحد، فهو معجزة تولي الله إظهارها على غير ما يعرف البشر، فمثله كعيسى عليه السلا. وقد يراد به المبالغة، في الذم، وأنه لقيط، "أي، مولود غير شرعي". ولكن الأكثر أن يراد به الدعاء عليه بعدم الناصر وكلمة. "أبا" هنا ليست معرفة بالإضافة، لأن إضافتها غير محضة- كما سيجيء في باب "الإضافة" حـ3 ص 46 م 93 فإضافتها كإضافة كلمة: "مثل" في نحو: "مثلك كريم، لأنه لم يقصد نفي أب معين، بل هو من يشبهه: إذ هو دعاء بعدم الناصر مطلقا. وفي باب: "لا" بيان مفيد عن معنى هذا الأسلوب، وإعرابه.(1/115)
.......................................................
__________
إليه والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر: "لا"1.
وفي هذا الإعراب خروج على القواعد العامة التى تقضي بأن المضاف يعمل في المضاف إليه. وفيه أيضًا أن اسم "لا" النافية للجنس وقع معرفة؛ لإضافته إلى الضمير، مع أن اسم "لا" المفرد لا يكون معرفة ... و ... و ...
وقد أجابوا عن هذا إجابة ضعيفة؛ حيث قالوا: إن كلمة "أبا" ذات اعتبارين؛ فهي بحسب الظاهر غير مضافة لوجود الفاصل بينهما، فهي باقية على التنكير، وليست معرفة؛ والإضافة غير محضة وإذن لا مانع من أن تكون اسم "لا" النافية للجنس. وكان حقها البناء على الفتح؛ لكنها لم تبنَ للاعتبار الثاني؛ وهو مراعاة الحقيقة الوافعة التى تقضي بأنها مضافة؛ فنُصِبَتْ بالألف لهذا، وصارت معربة لا مبنية.
وكل هذا كلام ضعيف، ويزداد ضعفه وضوحًا حين نراه لا يصلح فى بعض الحالات، ولا يصدُق عليها، كالتي فى قولهم: "لا أَبَا لي" فقد وقعت كلمة: "أبا" فى الأسلوب معربة بالحرف فإن اعتبرناها مضافة فى الحقيقة لياء المتكلم لم يصح إعرابها بالحرف؛ لأن المضاف من الأسماء الستة لياء المتكلم لا يصح إعرابه بالحرف. وإن اعتبرناها غير مضافة أصلا مراعاة للظاهر -بسبب وجود حرف اللام الفاصل- لم يصح إعرابها بالحرف أيضًا، فهي على كلا الاعتبارين لا تعرب بالحرف.
وأحسن رأي من النواحي المختلفة هو اعتبار كلمة: "أبا" اسم "لا"، وغير مضافة، بل مبنية على الألف على لغة من يلزم الأسماء الستة الألف دائمًا في جميع الحالات، وأنها خالية من التنوين بسبب هذا البناء.
ويرى بعض النحاة إعرابًا آخر هو بناء كلمة "أبا" على فتح مقدر على آخرها منع من ظهوره التعذر، باعتبار هذه الألف أصلية من بنية الكلمة كالألف التى في آخر كلمة "هذا" فكلاهما عنده حرف أصلي تقدر عليه علامات البناء، ولا يعتبره حرفًا زائدًا جيء به ليكون علامة إعراب2.
والخلاف شكلي، لا أثر له. وهو يقوم على اعتبار الألف الأخيرة زائدة، أو أصلية. وسيجيء لهذه المسألة إشارة أخرى فى باب "لا".
__________
1 وكيف يتعلقان مع أن حرف الجر زائد؟
2 راجع حاشية الخضري، جـ1 أول باب "لا" النافية للجنس.(1/116)
المسألة التاسعة: المثنى
ب- المثنى:
أ- أضاء نجم - راقب الفلكي نجما. - اهتديت بنجم.
ب- أضاء نجمان. راقب الفلكي نجمين. اهتديت بنجمين.
تدل كلمة: "نجم" في الأمثلة الأولى: "أ" على أنه واحد. وحين زدنا في آخرها الألف والنون، أو الياء المفتوح ما قبلها، وبعدها النون المكسورة- دلت الكلمة دلالة عددية على اثنين، كما في أمثلة "ب" واستغنيان بزيادة الحرفين عن أن نقول: "أضاء نجم ونجم. راقب الفلكي نجما ونجما. اهتديت بنجم ونجم.
أي: أننا اكتفينا بهذه الزيادة بدلًا من عطف كلمة على نظيرتها الموافقة لها تمام الموافقة في الحروف، والحركات، والمعنى العام. فكلمة: "نجمان" أو "نجمين" وما أشبههما تسمى: "مثنى"، وهو:
"اسم يدل على اثنين1، متفقين في الحروف والحركات، والمعنى، بسبب زيادة في آخره2 تغني عن العاطف3 والمعطوف". وهذه الزيادة هي الألف وبعدها نون مكسورة4، أو الياء وقبلها فتحة، وبعدها نون مكسورة.
__________
1 الدلالة على اثنين قد تكون حقيقية وقد تكون مجازية. فالحقيقة: هي التي تكون بلفظ المثنى الصريح المستوفي للشروط الآتية، مثل: الفارسين- الجنتين ... المحمدين ... وغير هذا مما يدل على مثنى حقيقية لا مجازا، ولا اشتراكا معنويا بين المثنى وغيره، كالضمير "نا" فإنه مشترك يصلح من جهة المعنى للمثنى وغيره. في نحو: قمنا، وذهبنا لزيارة الصديق.
وغير الحقيقة: هي التي تدل على التثنية توسعا ومجازا، كقول الشاعر:
إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل
"أي: كلا ذلك الخير والشر، مواجهة، وطريق واضح" فكلمة: "ذا" تدل في حقيقتها اللغوية على المفرد المذكر، ولكنها تدل بمعناها هنا على المثنى، لأنها إشارة إلى ما ذكر من الخير والشر، وهذه الدلالة مجازية لأن دلالة "ذا" على غير المفرد مجازية.
"راجع جـ3 باب: الإضافة - م 95 ص 89 عند الكلام على كلا وكلتا".
2 أي: أن تلك الدلالة هي بسبب الزيادة التي في آخره.
3 وهو: حرف العطف.
4 سيجيء الكلام على فائدة هذه النون، وحركتها، وحكمتها، عند الكلام على فائدة نون جمع المذكر السالم وحركتها "ص 156".(1/117)
فليس من المثنى ما يأتي:
1- ما يدل على مفرد، مثل، نجم. ورجلان1. ولا مثل: شعبان، ومروان، وبحرين ... ، مما أصله مثنى ثم سمي به واحد2.
2- ما يدل على أكثر من اثنين، كالجمع، مثل: نجوم، وصنوان3 ... وكاسم الجمع4. مثل: قوم، ورهط ...
3- ما يدل على اثنين5 ولكنهما مختلفان في لفظيهما، مثل: الأبوين، للأب والأم. أو: مختلفان في حركات أحرفهما، كالعمرين: لعمر بن الخطاب، وعمرو بن هشام، المعروف: "بأبي جهل" أو مختلفان في المعنى دون الحروف وحركاتها، كالعينين، تريد بإحداهما العين الباصرة، وبالأخرى البئر6، فلا يسمى شيء من هذا كله مثنى حقيقة، وإنما هو ملحق
__________
1 بمعنى: ماش "غير راكب" تقول: على رجلان، أي: ماش، وليس براكب.
2 سيجيء الكلام تفصيلا على حكم المثنى به في "جـ من ص 125.
3 تقول: بعض الشجر صنوان، فهو جمع مفرده: صنو، والصنو: الشجرة التي تنشأ مع أختها في أصل واحد، فهما شجرتان، مشتركتان في الساق، وتنفصل كل واحدة عند أعلى الساق.
4 تعريفه في رقم2 من هامش ص148.
5 سيجيء في -هـ- من ص158 أن المثنى قد يكون لفظه في ظاهره دالًا على التثنية ومعناه الجمع.
6 وأمثال هذا، من كل لفظين مشتركين في الحروف، والحركات، تريد بأحدهما معنى، وبالآخر معنى يخالفه على سبيل الحقيقة، كالمثال السابق، أو على سبيل المجاز، مثل: "القلم أحد اللسانين". وتقول جمهرة النحاة: إن ذلك كله مقصور على ما ورد عن العرب، وسمع منهم. كما أن العمرين والأبوين وغيرهما مقصور عليهم، شأن كل اسمين يراد تثنيتهما مع وجود اختلاف بين مفرديهما، وأحدهما أهم من الآخر، فقد كان العرب يرجعون الأهم ويغلبونه بإجراء التثنية على لفظه وحده، ثم يجعلون معنى المثنى شاملًا لهما معًا، منطبقًا عليهما، وهذا ما يسمى: "التغليب" وما ورد منه ملحق بالمثنى، وليس مثنى حقيقة.
والخير أن يكون التغليب قياسيًّا عند وجود قرينة تدل على المراد بغير ليس: كما لو أقبل شخصان معروفان واسم أحدهما. محمد، والآخر علي، فقلت: جاء العليان أو المحمدان، لكثرة تلازمهما، أو شدة تشابههما في أمر واضح. وبهذا الرأي العملي النافع يقول بعض الباحثين القدامى والمحدثين، والأخذ به حسن ومفيد.
هذا، والشائع عند العرب تغليب الأقوى والأقدر "في التثنية كالأبوين". للأب والأم، وتارة يغلبون الأخف نطقا كالعمرين، لأبي بكر وعمر، وتارة يغلبون الأعظم في اتساعه أو ضخامته ... كقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي البَحْرَانِ، هَذَا عَذْابٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُه، وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاج} . ففي الآية تغليب للبحر على النهر. كما يكثر عندهم تغليب المذكر على المؤنث، كقولهم: "القمران" في الشمر والقمر، والعاقل على غيره، ففي مثل: صالح والعصفور، يقال: الصالحان يغردان.... ولم يغلبوا المؤنث إلا في قليل من الحالات، أشهرها:
1- قولهم: ضبعان، يريدون: الضبع الأنثى وفحلها. "ويقال للأنثى "ضبع" ولفحلها ضبعان" فاختاروا اللفظ الخاص بالأنثى، وثنوه، وأطلقوه عليهما معا، تغليبا للأنثى. =(1/118)
بالمثنى.
4- ما يدل على اثنين متفقين فى المعنى والحروف وحركاتها ولكن من طريق العطف بالواو، لا من طريق الزيادة السالفة؛ مثل: أضاء نجم ونجم.
5- ما يدل على شيئين، ولكن من طريق الوضع اللغويّ، لا من طريق تلك الزيادة، مثل: شَفْع "ضد فَرد، ووتر". ومثل زَوْج وزَكًا، وهما بمعنى شَفْع. فكل واحدة من هذه الكلمات تدل دلالة لغوية على قسمين متماثلين متساويين تمامًا "وهي القسمة الزوجية ضد الفردية": فهي تدل على التثنية ضمنًا، ولكن من غير أن يكون في آخرها الزيادة السالفة.
__________
= ب- قولهم: فرغت من كتابة رسالتي لثلاث بين يوم وليلة "أي: لثلاث محصورة بين كونها أياما وكونها ليالي". وضابط هذه المسألة: أن يكون معنا عدد تمييزه مذكر ومؤنث، وكلاهما لا يعقل وهما مفصولان من العدد بكلمة: "بين".
وقد غلبوا في المثال السابق للتأنيث على التذكير، بدليل أن اسم العدد خال من علامة التأنيث، وهو لا يخلو منها إلا في حالات، أهمها، أن يكون المعدود المذكور متأخرا في الجملة، مؤنثا خالصا- بألا يكون معه مذكر - أو مؤنثا تغليبا، بأن يكون معه مذكر، ليس له الأهمية والتغليب، ومن أمثلته أيضا:
قابلت تسعا بين رجل وامرأة، قرأت عشرا بين كتابه وكراسه ... إلخ ولهذه المسألة لمحة في جـ 4 "باب العدد"
- تذكيره وتأنيثه - م 165 ص 502 لمناسبة هناك.
جـ- المروتان: الصفا والمروة، وهما جبلان بمكة المكرمة، والتغليب للمروة المؤنثة.
أما "التغليب" في الجمع فيجيء في رقم 1 من هامش ص 139.
1 النحاة هم الذين يطلقون اسم: "الملحق بالمثنى" على كل كلمة تعرب إعراب المثنى، وليست مثنى حقيقيا، بسبب فقدها أحد الشروط الخاص بالمثنى الحقيقي. ويشترطون في الملحق أن يكون مسموعا "والحق أنه قد ينقاس - أحيانا- كما سبق في التغليب" أما اللغويون فيطلقون. "المثنى" على كل ما يعرب إعراب المثنى، سواء أكان مثنى حقيقيا أم ملحقا به. فالمسألة مجرد اصطلاح، ولا مانع من استعمال هذه التسمية أو تلك، بشرط مراعاة الأحكام الخاصة بكل عند الاستعمال.
وشبيه بهذا ما اصطلح عليه النحاة من "الجمع" و "اسم الجمع" - وفي رقم "2" من هامش ص 148 تعريف لاسم الجمع- في حين يطلق اللغويون عليهما اسما واحدا هو: الجمع. وقد يكون المراد عند اللغويين من الاسم المجموع- اثنين، لأن الجمع في اصطلاحهم يطلق على الاثنين، كما يطلق على ما زاد على الاثنين ويؤيد هذا شواهد كثيرة فصيحة، في مقدمتها القرآن. قال تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} وقوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وقوله تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} وقول أبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه الخمسة الذين ماتوا بالطاعون:
العين بعدهمو كأن حداقها ... سملت بشوك، فهي عورا تدمع
فأطلق الجمع في قوله: حداقها - وهي جمع: "حدقة" وأراد الاثنين "كما جاء في حاشية ياسين على التصريج ج2 أول باب المضاف لياء المتكلم" وانظر رقم2 من هامش 137 ثم "ز" من ص160".
"ملاحظة هامة": من الضوابط اللغوية ما صرح به النحاة، وملخصه:
أن كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمنه- بكسر الميم الثانية المشدة، وصيغة اسم الفاعل: أي: إلى ما اشتمل على المضاف- يجوز فيه الإفراد، والتثنية، والجمع، والأفضل الجمع نحو قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وتقول: تصدقت برأس الكبشين - أو رأسي الكبشين، أو رءوسهما. =(1/119)
ومثلها: "كِلاَ" فإنها تدل على شيئين متساويين أو غير متساويين، ولكن من غير زيادة في آخرها، فهذه ملحقة بالمثنى.
6- ما يدل على اثنين، وفي آخره زيادة، ولكنها لا تغني عن العاطف والمعطوف: مثل: كلتا، اثنان، اثنتان أو: ثنتان؛ فليس لواحدة من هذه الكلمات مفرد مسموع عن العرب، على الرغم من وجود زيادة في آخرها1، ولهذا تعد ملحقة بالمثنى، وليست مثنى حقيقة.
حكم المثنى: أنه يرفع بالألف نيابة عن الضمة. وبعدها نون مكسورة2؛ مثل: يتحرك الكوكبانِ. وينصب بالياء نيابة عن الفتحة. وهذه الياء قبلها فتحة وبعدها نون مكسورة؛ مثل: شاهدت الكوكَبَيْنِ. ويجر بالياء نيابة عن الكسرة وقبلها فتحة، وبعدها نون مكسورة، مثل: فرحت بالكوكبَيْنِ.
هذا هو أشهر الآراء3 في إعرابه وإعراب ملحقاته4، "ومنها كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان، أو: ثنتان"5. إلا أن كلا وكلتا لا تعربان بهذه الحروف إلا إذا أضيفتا للضمير؛ الدال على التثنية سواء أكانتا للتوكيد، أم لغيره،
__________
= وإنما فضل الجمع على التثنية؛ لأن المتضايفين كالشيء الواحد، فكرهوا الجمع بين تثنيتهما، ولأن المثنى جمع في المعنى. وفضل الجمع على الإفراد لأن المثنى جمع في المعنى- كما سلف- والإفراد ليس كذلك، فهو أقل منه منزلة في الدلالة على المثنى. هذا ما قاله النحاة كالصبان جـ3 والخضري جـ 2 في أول باب التوكيد- وينطبق ما سبق على "النفس والعين المستعملتين في التوكيد، خضوعا للسماع الوارد فيهما، لا تطبيقا للضابط السالف، فقد قال الصبان في الموضع المشار إليه: إن إضافتهما ليست لمتضمنهما، بل إلى ما هو بمعناهما، لأن المراد منهما الذات. وسيجيء في "ز" من ص 160 ضابط آخر أوضحه شارح "المفصل" وهو يخالف الضابط الذي هنا بعض المخالفة. ويبدو أن الرأي الأقوى هو ما قاله شارح "المفصل".
ويرى بعض النحاة أن يطلق على الملحق بالمثنى تسمية خاصة به، هي: "اسم المثنى" فيكون هناك "اسم المثنى"، كما يكون هناك "اسم الجمع".
1 فلم يرد عنهم: "كلت" ولا اثن، ولا اثنة، ولا ثنت، مع أن الألف في "كلتا" زائدة والتاء أصلية. وقيل العكس. والألف والنون زائدتان في البواقي.
2 وهي حرف مبني على الكسر في أشهر اللغات وأفصحها من بين لغات متعددة، فقليل من العرب يفتحها بعد ألف المثنى، ومنهم من يضمها بعد الألف، ويكسرها بعد الياء في حالتي النصب والجر. "وستجيء في ص 156" وجدير بنا اليوم الاقتصار على الأكثر الأفصح.
3 ستجيء آراء أخرى في إعرابه. وبيانها في "ب" ص 123 وكذلك في المسمى به- "جـ" ص 125.
4 ويدخل فيها: "المثنى المسمى به، والمثنى تغليبا، واثنان. واثنتان" وغيرهما. أما السبب في التسمية: بالمثنى والجمع فسبب بلاغي: كالمدح، أو الذم أو التلميح، "طبقا للبيان الآتي في "جـ" من ص 116".
هذا ويلاحظ أن "النون" التي في آخر المثنى المسمى به يتعدد ضبطها بتعدد الآراء التي في ص 125 "جـ".
5 يجوز إضافة. اثنتين واثنتين إلى ظاهر أو ضمير بشرط أن يكون معنى المضاف إليه ومدلوله غير معنى المضاف ومدلوله، فلا يصح أن تقول: جاء اثنا محمد وعلى إذا كان محمد وعلى هما الاثنان، =(1/120)
فإن كانتا للتوكيد وجب أن يسبقَهما المؤكَّد الذي يطابقه الضمير، نحو أكرمْ الوالدين؛ فإن كليهما صاحب الفضل الأكبر عليك ... وعاون الجدّتين، فإن كلتيهما أحبّ الناس لك. فالكلمتان ليستا للتوكيد، وهما معربتان كالمثنى منصوبتان بالياء.
ومثالهما للتوكيد: جاء الفارسان كلاهما، غابت السيدتان كلتاهما؛ "فكلا" و"كلتا" توكيد مرفوع بالألف؛ لأنه ملحق بالمثنى، وهو مضاف و"هما" مضاف إليه، مبني على السكون فى محل جر. ونحو: صافحت الفارسيَنِ كليهما، والمحسنتين كلتيهما، وأثنيت على الفارسيَنِ كليهما، والسيدتين كلتيهما "فكلا وكلتا توكيد منصوب أو مجرور بالياء مضاف، والضمير مضاف إليه، مبني على السكون فى محل جر1 ...
فلو أضيفت كلا أو كلتا لاسم ظاهر2 لم تعرب كالمثنى، ولم تكن للتوكيد، -وأعربت- كالمقصور- على حسب الجملة، بحركات مقدرة على الألف، في جميع الأحوال: "رفعًا، ونصبًا، وجرًّا"، مثل: سبق كلا المجتهدَيْن، وفازت كلتا لماهرتَينِ، فكلا وكلتا: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف. ومثل: هنأت كلا المجتهدَيْنِ، وكلتا الماهرتَين؛ فكلا وكلتا مفعول به، منصوب بفتحة مقدرة على الألف. وسألت عن كلا المجتهدينِ، وعن كلتا الماهرتَينِ، فكلا وكلتا مجرورة، وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف.
__________
= ومدلولهما هو مدلول المضاف. لا يصح هذا بسبب فقد الشرط السالف، ولا جاء اثنا كما، إذا كان المراد بالمضاف إليه هما الاثنان المخاطبان، لأن معناهما والمراد منهما هو معنى المضاف والمراد منه، فلا فائدة من إضافة الشيء لنفسه "كما سيجيء في باب الإضافة - جـ3" أما إن كان المراد من "اثنا" خادمين، أو: كتابين، أو ... هو شيئان يختلفان في معناهما وذاتهما عن معنى المضاف إليه ومدلوله- فلا مانع "راجع" "و"، من ص 134".
وبهذه المناسبة نذكر أن "كلا" و "كلتا" في جميع أحوالهما لا يستعملان إلا مضافين، إما لمعرفة دالة على اثنين بغير تفريق، وإما لنكرة مختصة كذلك- في الصحيح - ولو كانت المعرفة بحسب الظاهر مفردة أو جمعا وسيجيء بيان المراد من هذين في جـ3 م 95 ص 97 باب "الإضافة" عند الكلام على: "كلا وكلتا" - فإذا أعربا إعراب المثنى وجب أن تكون هذه المعرفة ضميرا للتثنية على الوجه الذي شرحناه. "ولهما أحكام أخرى في بابي: "التوكيد، والإضافة" من الجزء الثالث ليس موضع سردها هنا".
أما اثنان واثنتان فلا تجب إضافتهما "كما في ص 134" بل يجوز فيهما الإضافة وعدمها. لكن إذا أضيفا وجب في - الصحيح - أن يكون مدلولهما مخالفا مدلول المضاف إليه، سواء أكان اسما ظاهرا أم ضميرا كما تقدم-.
1 انظر "أ" ورقم 2 من: "ب" ص 123 في الزيادة - حيث بعض الصور الدقيقة المتصلة بهذا الحكم.
2 والأفصح أن يكون الظاهر مثنى معرفة. غير مفرق - كما سيجيء في الجزء الثالث، باب الإضافة -(1/121)
مما تقدم نعلم:
أ- أن كلا وكلتا إذا أضيفتا للضمير تعربان كالمثنى -أي،: بالحروف المعروفة في إعرابه؛ سواء أكانتا للتوكيد1 أم لغيره، ولا بد أن يكون الضمير للتثنية.
ب- وأنهما عند الإضافة للظاهر، لا تكونان كالمثنى، بل تعربان على حسب الجملة "فاعلا أو مفعولا، أو مبتدأ، أو خبرًا ... إلخ"، وبحركات مقدرة على الألف دائمًا، كإعراب المقصور2.
__________
1 وإذا كانتا للتوكيد وجب أن يسبقهما المؤكد وبعدهما الضمير الذي يطابقه.
2 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
بالألف ارفع المثنى، وكلا ... إذا بمضمر مضافا وصلا
"كلتا" كذاك. "اثنان، واثنتان" ... كابنين وابنتين يجريان
وتخلف "اليا" في جميعها "الألف" ... جرا ونصبا بعد فتح قد ألف
أي: أن المثنى يرفع بالألف، و "كلا" ترفع بالألف إذا وصلت بمضمر، وكانت هي مضافا، والضمير هو المضاف إليه "وكلتا". كذلك. أما "اثنان" و "اثنتان" فملحقتان بالمثنى، ويجريان في إعرابهما على الطريقة التي تجري في إعراب: "ابنين وابنتين" وهذان من نوع المثنى الحقيقي يرفعان بالألف. أما في حالة النصب والجر، فتحل الياء في كل ما سبق محل الألف، فتكون الياء نائبة عن الفتحة وعن الكسرة.(1/122)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
ا- عرفنا أنه لا يجوز إعراب: "كلا وكلتا" إعراب المثنى إلا بشرط إضافتهما للضمير الدال على التثنية.
لكن يجب التنبه إلى أن تحقق هذا الشرط يوجب إعرابهما إعراب المثنى من غير أن يوجب إعرابهما توكيدًا؛ فقد يتحتم عند تحققه إعرابهما توكيدًا فقد، وقد يمتنع إعرابهما توكيدًا ويتحتم إعرابهما شيئًا آخر غيره، وقد يجوز فى إعرابهما الأمران؛ التوكيد وغيره، فالحالات الثلاث عند تحققه. ففى مثل: أقبل الضيفان كلاهما، وأجادت الفتاتان كلتاهما ... يتعين التوكيد وحده.
وفى مثل: النجمات كلاهما مضئ، والشاعرتان كلتاهما نابغة - يمتنع التوكيد ويتحتم هنا إعرابهما مبتدأين، وما بعدهما خبر لهما، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره خبر للمبتدأ الأول؛ "وهو: النجمان، والشاعرتان". ولا يصح إعراب "كلا وكلتا" فى هذا المثال توكيدًا؛ لكيلا يكون المبتدأ "النجمان - الشاعرتان" مثنى، خبره مفرد، إذ يصير الكلام: النجمان مضئ، الشاعرتان نابغة؛ وهذا لا يصح.
وفى مثل: النجمان - كلاهما - مضيئان، والشاعرتان - كلتاهما - نابغتان ... يجوز فيهما أن يكونا للتوكيد. وما بعدهما خبر للمبتدأ. ويجوز فى كل منهما أن يكون مبتدأ ثانيًا خبره ما بعده، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره خبر للمبتدأ الأول.
ب- إعراب المثنى وملحقاته بالحروف هو أشهر المذاهب وأقواها، كما أسلفنا. ويجب الاقتصار عليه فى عصرنا؛ منعًا للفوضى والاضطراب فى الاستعمال الكلامي والكتابي، وأما اللغات الأخرى فلا يسوغ استعمالها اليوم، وإنما تُذْكر للمتخصصين؛ ليسترشدوا بها في
__________
"1، 1" في ص 120.
"2، 2" يلاحظ أن لفظ "كلا وكلتا" مفرد، ولكن المعنى مثنى، فيجوز في الخبر وفي الضمير العائد عليهما مراعاة لفظهما، أو معناهما، طبقا للبيان الذي في آخر الصفحة التالية.
3 كما سيجيء في رقم 2 من الصفحة الآتية.(1/123)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فهم بعض النصوص اللغوية الواردة عن العرب بتلك اللغات واللهجات. ومن أشهرها:
1- إلزام المثنى وملحقاته "غير: كلا وكلتا"1 الألف فى جميع أحواله، مع إعرابه بحركات مقدرة عليها؛ تقول عندى كتابانِ نافعانِ، اشتريت كتابانِ نافعانِ، قرأت فى كتابانِ نافعانِ، فيكون المثنى مرفوعًا بضمة مقدرة على الألف، ومنصوبًا بفتحة مقدرة عليها، ومجرورًا بكسرة مقدرة كذلك؛ فهويعرب إعراب المقصور، والنون للتثنية فى كل الحالات. مبنية على الكسر - بغير تنوين- وتحذف عند الإضافة.
2- إلزام المثنى الألف والنون فى جميع أحواله مع إعرابه بحركات ظاهرة على النون. كأنه اسم مفرد، تقول: عندي كتابانٌ نافعانٌ، واشتريت كتابانًا نافعانًا، وقرأت في كتابانٍ نافعانٍ، ويحذف التنوين إذا وجد ما يقتضي ذلك؛ كوجود "أل" في أول المثنى. أو إضافته. وكذلك لمنع الصرف إذا وجد مانع من الصرف ... فيرفع معه بالضمة من غير تنوين، وينصب ويجر بالفتحة من غير تنوين أيضًا.
أما "كلا، وكلتا" ففيهما مذاهب أيضًا؛ أشهرها وأحقها بالاتباع ما سبق فيهما؛ وهو إعرابهما بالحروف، بشرط إضافتهما إلى ضمير دالّ على التثنية -علمًا بأنهما لا تضافان مطلقًا- إلى ضمير للمفرد، نحو: كلاي وكلتاي، ولا إلى ضمير للجمع، نحو: كلاهم، وكلتاهم، ولا يضافان إلى الظاهر أيضًا، وإلا إعربًا معه إعراب المقصور.
وهناك من يعربهما إعراب المقصور في جميع أحوالهما2، أي: بحركات مقدرة على الألف2 دائمًا. ومنهم من يعربهما إعراب المثنى في جميع أحوالهما، ولو كانت إضافتهما إلى اسم ظاهر مثنى. ولا حاجة اليوم إلى غير اللغة المشهورة.
هذا، ولفظهما مفرد، مع أن معناهما مثنى؛ فيجوز في الضمير العائد عليهما مباشرة، وفي الإشارة، وفي الخبر، ونحوه -أن يكون مفردًا، وأن يكون مثنى، تقول: كلا الرجلين سافر، أو سافرا، وكلا الطالبين أديب، أو أديبان،
__________
1 ستجيء هنا اللغات المختلفة فيهما.
2، 2 حتى في حالة إضافتهما للضمير.(1/124)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وكلتا الفتاتين سافرت، أو سافرتا"، "وكلتاهما أديبة، أو أديبتان"، والأكثر مراعاة اللفظ. كقول الشاعر:
لا تَحْسَبَنّ الموتَ موتَ البِلى ... وإنما الموتُ سُؤال الرجالِ
كلاهُمَا موْت، ولكنّ ذَا ... أفظعُ من ذاك، لذُل السؤالِ
هذا ويتعين الإفراد ومراعاة اللفظ في مثل: كلانا سعيد بأخيه.....؛ من كل حالة يكون المعنى فيهما قائمًا على المبادلة والتنقل بين الاثنين فينسب فيها إلى كل واحد منهما ما ينسب إلى الآخر، دون الاكتفاء بذكر المعنى المجرد من دلالة المبادلة والتنقل بينهما كالمثال السابق، وكقولنا: كلانا حريص على المودة، كلانا محب لخير زميله1.....
بقيت مسألة تتعلق بالإعراب في مثل: محمد وعليّ كلاهما قائم، أو كلاهما قائمان، فكلمة: "كلاهما"، في المثال الأول مبتدأ حتمًا، و"قائم" خبره والجملة خبر الأول، ولا يصح إعراب "كلا" للتوكيد، لما يترتب على ذلك من إعراب كلمة "قائم" خبر المبتدأ، وهذا غير جائز؛ إذ لا يقال: محمد وعلي قائم؛ لعدم المطابقة اللفظية. أما فى المثال الثاني فيصح إعرابها مبتدأ أو توكيدًا -كما سبق في "أ".
ج- جرى الاستعمال قديماً وحديثًا على تسمية فرد من الناس وغيرهم باسمٍ، لفظه مثنى ولكن معناه مفرد، بقصد بلاغي؛ كالمدح، أو الذم، أو
__________
1 ومثل قول الشاعر:
كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن غذا متنا أشد تغانيا
أي: كل واحد منا غني عن أخيه.
وهناك كلمات أخرى تشبه "كلا" و "كلتا" في أن لفظها مفرد، ومعناها قد يكون مفردا حينا، وقد يكون مثنى أو جمعا حينا آخر، مع التذكير أو التأنيث على حسب كل حالة، ومن تلك الكلمات: "كم"، و "من" و "ما"، و "أي" و "بعض". ...
وسيجييء الكلام عليها من هذه الناحية في أبوابها، ومنها: باب الموصول- ص 340 وأيضا عند الكلام على مرجع الضمير في باب الضمير، ص 266 حيث تعرض الصور والأحكام الهامة الخاصة بذلك.
أما التطابق بين المبتدأ والخبر فيجيء في ص 452 وما بعدها..(1/125)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التلميح1 ... -كما سبق فى رقم4 من هامش ص111- مثل: "حمدان" تثنية: "حمْد"، و"بدْران" تثنية "بدر" و"مَرْوان"، تثنية: "مرْو"؛ وهي: الحجارة البيض الصلبة، و"شعبان" تثنية "شَعْب" و"جبْران" تثنية "جبْر"، ومثل: مُحمدَين، وحسَنَيْنِ والبحْرين "اسم إقليم عربيّ على خليج العرب ... " فهذه الكلمات وأشباهها ملحقة بالمثنى1، وليست مثنى حقيقيًّا. وفي إعرابهما وجهان: تثبت فيهما النون في جميع الحالات الإعرابية حتى حالة الإضافة؛ لأنها نون في صيغة علم مفرد، وإن كان لفظه في صورة المثنى، فهي حرف هجائي، داخل في تكوين العلم وصياغته، ولا شأن لها بالتثنية الحقيقية، وليست كتاء التأنيث حرف معنى-ويقول الهمع "ح1 ص45 -الباب الخامس جمع المذكر السالم" ما نصه في حروف العلم: "قد صارت بالعلمية لازمة للكلمة، لأن العلمية تسجل الاسم وتحصره من أن يزاد فيه أو ينقص" اهـ.
أحدهما: حذف علامتي التثنية من آخرها، وإعرابها بعد ذلك بالحروف؛ كباقي أنواع المثنى الحقيقي؛ فتقول سافر أخي بدْرَانِ، يحب الناس بدْرَينِ، وتحدثوا عن بدْرَين....، وهذا صديقي محمدان، وصافحت محمدين وسلمت على الصديق محمدين. وفي الأخذ بهذه الوجه احتمال الوقوع في اللبس.
والآخر: إلزامها الألف والنون، -مثل عِمران- وإعرابهما إعراب ما لا ينصرف بحركات ظاهرة فوق النون؛ فترفع بالضمة من غير تنوين، وتنصب وتجر بالفتحة من غير تنوين3 أيضًا. ولا يصح حذف النون مطلقًا وهذا الوجه أنسب من سابقه، لأن احتمال اللبس فيه أخف.
ولعل الخير فى إباحة وجه ثالث يحسن الاصطلاح على إباحته وإن كنت لم أره لأحد من قدامى النحاة؛ فإنهم قصروه على جمع المذكر السالم4، هوإبقاء العلَم على حاله - من الألف والنون، أوالياء والنون - مع إعرابه كالاسم المفرد بحركات إعرابية مناسبة على آخره، ومنعه من الصرف إذا تحقق شرط المنع-.
__________
"1 و 1" كما سبق في رقم 4 من هامش ص 120.
2 بغير "أل"، لأنه علم على واحد، وليس مثنى حقيقة. بخلاف العلم عند تثنيته، فيجب تصديره "بأل" أو غيرها مما يجلب له التعريف، - كما سيجيء في رقم 3 من ص 129. -
3 اشترط بعض النحاة لإعرابه بالحركات كالممنوع من الصرف، ألا تزيد حروفه عند التثنية على سبعة. كاشهيباب، للسنة المجدية، فإن زادت "مثل: أشهيبا بين" وجب إعرابه بالحروف.
4 انظر آخر الهامش في ص 152 ورقم 2 من ص 153.(1/126)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وتجب مراعاة الإفراد فيه إذا جاء بعده ما يقتضي المطابقة -كالخبر والنعت ... ، وهذا الوجه وحده أولى بالاتباع، إذ لا يؤدى إلى اللبس؛ لأنه الموافق للواقع، وليس فى أصول اللغة ما يعارضه1 يمنعه بل إن كثيرًا من المعاملات الجارية في عصرنا توجب الاقتصار عليه، فالمصارف2 لا تَعترف إلا بالعَلم المحْكيّ، أي: المطابق للمكتوب نَصًّا في شهادة الميلاد، وفي الشهادة الرسمية المحْفوظة عندها المماثلة لما فى شهادة الميلاد ولا تقضي لصاحبه أمرًا مَصْرِفيا إلا إذا تطابق إمضاؤه "توقيعه" واسمه المسجل في تلك الشهادة تطابقًا كاملاً في الحروف وفي ضبطها، فمن اسمه: "حَسَنيْن" أو: بدران ... يجب أن يظل على هذه الصورة كاملة في جميع الاستعمالات عندها، مهما اختلفت العوامل التي تقتضي رفعه، أو نصبه، أو جرّه.
فلو قيل: حسنان، أو: بَدْرَيْن؛ تبعًا للعوامل الإعرابيَّة لكان كل علَم من هذه الأعلام دالاً في عُرْف المصرف على شخص آخر مغاير للشخص الذي بدل عليه العلم الأول، وأن لكل منهما ذاتًا وحقوقًا ينفرد بها، ولا ينالها الآخر، ولن يوافق المصرف مطلقًا على أنّ الاسمين لشخص واحد، ولا على أن الخلاف يتجه للإعراب وحده دون الاختلاف في الذات. ومثل المصارف كثير من الجهات الحكومية؛ كالبريد، وأنواع الرخص، والسجلات الرسمية المختلفة ... ويقوي هذا الرأي ويؤيده ما نقلناه عن النحاة في الصفحة السابقة خاصة بحروف العلم.
أما الوجه الأول فقد يوهم أنه مثنى. ولا يأمن اللبس فيه إلا الخبيرُ الذى يعرف أنه مفرد؛ ويُدْرك أن العلم المثنى لا يتجرد من "أل" إلا عند إضافته، أوندائه، كما سيجيء، وهذا غير مضاف؛ بل إنه قد يضاف3 فيزداد اللبس قوة. ولا يخلو الثانى من لبْس، أيضًا. -كما تقدم.
__________
1 من الممكن الاستنارة -إلى حد ما- في تأييد هذا الرأي بما نقله الهمع "جـ1 ص47". من أن بعض العرب يجعل إعراب المثنى -وكذا جمع المذكر- على النون، إجراء له مجرى المفرد، فيقولون: هذان خليلان ...
2 جمع مصرف -بفتح الميم، وكسر الراء: وهو ما يسمى: "البنك".
3 يصح إضافة العلم أحيانا إلى المعرفة لداع بلاغي، كقصد تعيينه، نحو: محمد على، وفاطمة حسن، بشرط ألا يكون "المضاف" من أولاد "المضاف إليه"، إذ يترتب على فقد الشرط أن يكون أصل المثالين السابقين- ونظائرهما-: محمد بن على، وفاطمة بنت حسن، فحذف المضاف، وهو "ابن، بنت" وأقيم المضاف إليه مقامه. وحذفهما شاذ، يقتصر فيه على المسموع -منعا للإلباس- كما نصوا على هذا في باب الإضافة "انظر جـ3 ص 155 م 96" وتفصيل هذا في باب: العلم، رقم1 هامش ص294 حيث الأوجه الجائزة في العلم.(1/127)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الأوجه الثلاثة السابقة، لا تحذف النون في الإضافة1 -كما أشرنا.
د- اشترط جمهور النحاة فيما يراد تثنيته قياسًا ثمانية2 شروط:
1- أن يكون معربًا. فأما هذان، وهاتان، واللذان، واللتان، فقد وردت عن العرب هكذا معربة - مع أن مفرداتها مبنية؛ فلا يقاس عليها3.... فإن كان اللفظ في أصله مفردا مبنيا، ثم صار علما فإنه يعرب وينون- طبقا للملاحظة التي في ص 79- ويصبح تثنيته وجمعه ...
2- أن يكون مفردًا؛ فلا يثنى جمع المذكر السالم. ولا جمع المؤنث السالم؛ لتعارض معنى التثنية وعلامتها، مع معنى الجمعين4 وعلامتهما. أما جمع التكسير واسم الجمع فقد يثنى كل منهما أحيانًا؛ نحو: "جِمَاليْن، وركبيِن" فى تثنية: "جِمال" و"رَكب"؛ بقصد الدلالة فى التثنية على التنويع، ووجود مجموعتين متميزتين بأمر من الأمور. وكذلك يثنى اسم الجنس -غالبًا- للدلالة السابقة -نحو، ماءين، ولبنين. وأكثر النحاة يمنع تثنية جمع التكسير ويقصرونه على السماع كما في المثالين السالفين -وستجئ الإشارة لهذا في ص161. أما التفصيل فمكانه: "باب جمع التكسير" من الجزء الرابع، ص620 م174.
وأما المثنى فلا يثنى، ولا يجمع؛ لكيلا يجتمع إعرابان بعلاماتهما على كلمة
__________
1 لأنها ليست نون تثنية، بل هي نون في آخر علم مفرد، لفظه كالمثنى، وحذفها يغير صيغته.
2 وهي شروط عامة فيه وفي جمع المذكر السالم- كما يجيء في رقم 1 من هامش ص 140.
3 وأما نحو: "يا محمدان - يا محمدون- لا رجلين" فإن البناء متأخر عن التثنية وعن الجمع. أي: أنه طاريء على الكلمة المثناة أو المجموعة، فهو عرضي صادف عند مجيئه الكلمة على حالتها هذه: فهي ألفاظ - كما يقولون- مبنية بعد التثنية والجمع، وليست مثناة أو مجموعة بعد البناء ... وأما "منان ومنون" - ونحوهما في تثنية "من" وجمعها في "الحكاية" ... فليست الزيادة فيهما للتثنية والجمع، وإنما هي للحكاية بدليل حذفها في وصل الكلام - راجع الصبان في هذا المكان -.
4 إذا سمي بهما فقد يصح جمعهما على الوجه الموضح في "ب" من ص 155 وفي "هـ" من ص 172.(1/128)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واحدة. وهذا هو الرأي السائغ الذي يحسن الاقتصار عليه.
لكنْ لو سمي بالمثنى، وأريد تثنية هذا المسَمَّى لم يصح تثنيته مباشرة، وإنما يصح بطريقة غير مباشرة، بأن نأتي قبل المثنى بالكلمة الخاصة التي يتوصل بها لتثنيته؛ وهي "ذو" مختومة، بعلامة التثنية للمذكر والمؤنث فى حالات الإعراب المختلفة؛ فيقال للمذكر فى حالة الرفع: "ذوَا" ... وفي حالتي النصب والجر: "ذَوَيْ ... " مثل: نبغ ذَوَا حمدان، وأكرمت ذَوَيْ حمدان, واستمعت إلى ذَوَيْ حَمْدان. فكلمة: "ذَوَا وذَوَيْ" تعرب على حسب حاجة الجملة، كإعراب المثنى وهما "مضافان"، والمثنى المسمى به هو: "المضاف" إليه دائمًا ويحتفظ بكل حروفه، ثم تجري عليه أَحكام المضاف إليه؛ من الجرّ، وغيره.
ويقال للمؤنث في حالة الرفع: "ذاتا"، أو: ذواتا، وفي حالة الجر: "ذاتيْ ... " أو"ذواتَيْ1 ... "..وتعرب هذه الألفاظ على حسب حاجة الجملة كإعرْاب المثنى. وهي "مضافة" والمسمى به هو "المضاف إليه" الذى يخضع للحكم السالف2.
3- أن يكون نكرة؛ أما العلَم فلا يثنى؛ ولا يجمع3.... لأن الأصل فيه أن يكون مسماه شخصًا واحدًا معينًا، ولا يثنى إلا عند اشتراك عدة أفراد فى اسم واحد4، وهذا معنى قول النحويين: "لا يثنى العلم إلا بعد قصد تنكيره"، وحينئذ تزاد عليه: "أل" المعرفة5 بعد التثنية؛ لتعيد له التعريف، أو: يسبقه حرف
__________
1 جاء في الهمع "حـ 1 ص 44" ما نصه: "وأما "ذات" فقالوا في تثنيتهما "ذاتا" على اللفظ بلا رد للواو، إلى أصلها وهو القياس ... و "ذواتا" على الأصل برد لام الكلمة - وهي الياء - ألفا لتحركها".
2 وبهذه الطريقة غير المباشرة يصح جمع المثنى الذي سمي به. ولكن تستخدم قبله كلمة: "ذوو" رفعا، "وذوي" نصبا وجرا: وهو بعدهما: "المضاف إليه" الخاضع للحكم الذي أوضحناه.
3 سيجيء بيان عن جمع العلم جمع مذكر سالم وما يترتب على هذا الجمع- "في رقم 2 من هامش ص 139.
4 لهذا إيضاح في رقم 1 من هامش ص 294.
5 ستجيء في م 30.(1/129)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من حروف النداء1 -مثل: "يا"؛ لإفادة التعيين والتخصيص أيضًا، بسبب القصد المتجه لشخصين معينين2؛ نحو: يا محمدان، أو إضافة إلى معرفة، مثل: حضر محمداك. فلا بد مع تثنية العلم من شيء مما سبق يجلب له التعريف.؛ لأن العلم يدل على واحد معين. كصالح، وأمين، ومحمود3، والتثنية تدل على وقوع مشاركة بينه وبين آخر، فلا يبقى العلم مقصورًا على ما كان عليه من الدلالة على واحد بعينه، بل يشترك معه غيره عند التثنية، وفي هذه المشاركة نوع من الشيوع، يناقض التعيين والتحديد الذي يدل عليه العلم المفرد. هذا إلى أن العلَم المفرد4 قد يصار بعد التثنية إلى لفظ لم تقع5 به التسمية أولا ...
4- غير مركب6؛ فلا يثنى بنفسه7 المركب الإسنادي "وهو المكون من مبتدأ وخبر؛ مثل "على مسافر" علم على شخص، أو من فعل وفاعل، مثل: "فتحَ اللهُ، علم على شخص أيضًا". وإنما يثنى من طريق غير مباشر؛ فنأتي بكلمة: "ذو" للمذكر، و"ذات" للمؤنث؛ لتوصل معنى التثنية إليه. وهي ترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء، وتكون مضافة إلى المركب في الأحوال الثلاثة، تقول: جاء ذوَا "محمدٌ مسافرٌ"، وذاتا ... ،
__________
1 سبقت الإشارة لهذا في رقم2 من هامش ص41 وله إشارة في هامش ص294.
2 في سبب تعريف المنادى المعرف آراء، منها: أن السبب هو القصد والإقبال عليه: ومنها أنه التعريف الذي كان قبل ندائه، وقيل: إن التعريف الأول الذي كان قبل النداء قد زال وعاد جديدا بعد النداء ... إلى غير هذا مما يذكره النحاة مفصلا في أول باب النداء - ج4.
3 قد ينكر العلم لحكمة بلاغية أشرنا إليها مفصلة في رقم 1 من هامش ص 294.
4 يستثنى من هذا: "جماد يان"، تثنية: "جمادي" علم على الشهر العربي في المعروف، و "عمايتان" لجبلين، و "أبانان" لجبلين أيضا، و "أذرعات" لبلد بالشام، و "عرفات" لجبل بمكة. فإن العرب قد استعملت هذه الأعلام "المثنى منها، والمجموع" بغير زيادة شيء يجدد لها تعريفا، لأن علميتها الأولى لم تفارقها في التثنية والجمع، فليست في حاجة إلى تعريف جديد.
5 راجع شرح المفصل "جـ1 ص 46" عند الكلام على المثنى والمجموع من الأعلام.
6 أنواع المركب تجيء هنا، وفي "ب" من ص 145 وتفصيل الكلام على كل واحد منها سيجيء في باب العلم، ص 300 و 309 وما بعدها.
7 عدم تثنيته بنفسه "أي: مباشرة" حكم متفق عليه بين النحاة.(1/130)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو: ذواتا "هندٌ مسافرةٌ"، وشاهدت ذوَيْ "محمدٌ مسافرٌ" وذاتَيْ ... ، أو: ذَوَاتَيْ "هندٌ مسافرةٌ": ونظرت إلى ذَوَيْ "محمدٌ مسافرٌ" وذاتَيْ ... أو: ذواتَيْ "هندٌ مسافرةٌ". والمركب الإسنادي في كل هذه الحالات مضاف إليه، مجرور بكسرة مقدرة، منع من ظهورها حركة الحكاية1....
كذلك المركب المزجى: كحضْرَموت، اسم بلد عربى، و"بَعْلبَك" اشم بلد لُبنانى، واسم معبد هناك. أيضًا. "سيبويه" اسم إمامَ النحاة. فإنه لا يثنى بنفسه مباشرة2؛ وإنما يثنى بمساعدة: "ذو، وذَات" بعد تثنيتهما وإضافتهما؛ تقول: هناك "ذَوَا" بعلبك، وذاتا أو: ذواتا بعلبك، وزرت "ذوَىْ" بعلبك، وذاتَىْ، أوذواتى بعلبك، ونزلت بذوَ ىْ بعلبك، وبذاتَىْ أو: ذواتَىْ بعلبك، وهكذا ...
ومثله المركب العددى؛ كأحدَ عشرَ، وثلاثةَ عشرَ.
ومن العرب من يعرب المركب المزجى بالحرف كالمثنى الحقيقى؛ فيقول: بعلبكانِ" و"بعلبكَّيْنِ"، والأخذ بهذا الرأى أسهل وأخف، لدخوله مع غيره فى القاعدة العامة لإعراب المثنى؛ فيحسن الاقتصار عليه3 اليوم.
وفيهم من يجيز تثنية صدره وحده معربًا بالحرُوف، ويستغني عن عجزُه نهائيًا؛ فيقول فى حالة الرفع "حضْران" فى "حضْرموت"، و"بعلان" فى "بعلبك"، و"سيبان" فى "سيبويه" وفى حالة النصب والجر يأتى بالياء مكان الألف. ولكن هذا الرأى يوقع فى لبس وإبهام وخلط بين المركب المزجى وغيره، فيحسن إهماله فى استعمالنا.
"وأما المركب الإضافي "كعبد الله" و"عبد العزيز" و"عبد الحميد"، فلا خلاف في تتثنية صدره المضاف، مع إعرابه بالحروف، وترك المضاف إليه على حاله تقول: هما عبدا الله، وهما عبدا العزيز، وسمعت عبدَي الله: وعبدَي العزيز، وأصيغت إلى عبدَي الله ... إلخ...."
__________
1 كما يجيء في: "ج" من ص 171.
2 هذا هو الشائع. وسيجيء هنا- وفي "ب" من ص 145- رأي آخر يبيح تثنيته وجمعه مباشرة، وقد ارتضيناه للسبب الموضح هناك.
3 هذا رأيي الخاص. وحبذا الاتفاق عليه، ليكتسب قوة وحصانة.(1/131)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا موجز ما يقال فيه وهناك تفصيلات أخرى هامة1.
أما إذا كان المركب وصفيًّا "أي: مكونًا من صفة وموصوف؛ مثل2: الرجل الفاضل" -فيثنى الصدر والعجز معًا، ويعربان بالحروف؛ فتقول: جاء الرجلان الفاضلان، ورأيت الرجلين الفاضلين، ومررت بالرجلين بالفاضلين وبالرغم من أن هذا هو الرأى الشائع فإنه يوقف في لبس كبير؛ إذ لا يظهر معه أنه مثنى، مفردُه مركب وصفي. ولهذا كان من المستحسن3 تثنيته بالطريقة غير المباشرة، وهي زيادة "ذَوَا"، وذَوَيْ، قبله، وذاتا، أوذواتا ... وذاتَيْ، أوذَوَاتَيْ ... وبهذا تكون طريقة تثنيته هي طريقة جمعه الآتية4 ...
5- أن يكون له موافق في اللفظ موافقة تامة في الحروف وعددها وضبطها؛ فلا يثنى مفردان بينهما خلاف في شيء من ذلك "إلا ما ورد عن العرب ملاحظًا فيه "التغليب" كما وضحنا5.
6- أن يكون له موافق في المعنى، فلا يثنى لفظان مشتركان في الحروف، ولكنهما مختلفان في المعنى حقيقة أو مجازًا، مثل: "عين" للباصرة "وعين" للجارية، فلا يقال: هاتان عينان، تريد بواحدة معنى غير الذي تريده من الأخرى6....
7- وجود ثانٍ له في الكوْن، فلا تثنى كلمة: شمس، ولا قمر، عند القدامى؛ لأن كلا منهما لا ثاني له فى الكون في زعمهم. أما اليوم فقد ثبت وجود شموس وأقمار لا عداد لها؛ فوجب إهمال هذا الشرط قطعًا. إذ لا يوجد في المخلوقات شيء لا نظَيرَ لَه.
__________
1 وهي مذكورة في مكانها الأنسب "جـ4 باب جمع التكسير. م 174 ص 622 بعنوان: تثنية أنواع المركب، وجمعها جمع تكسير...." وبيان أن من المركب الإضافي ما هو مبدوء بكلمة: "ذي، أو ابن، أو أخ" وما هو مبدوء بغيرها، وحكم كل: ومنه ما يجب فيه تثنية المضاف والمضاف إليه معا- كما سيجيء أيضا في ص 146 -.... الخ.
2 من الأعلام القديمة: القاضي الفاضل" اسم شاعر وأديب مشهور بالنثر الفني المسجوع.
3 هذا رأيي الخاص وحبذا الاتفاق عليه ليكتب قوة وحصانة.
4 في ص 146.
5 في رقم 6 من هامش ص 118.
6 يتصل بهذا ويوضحه ما في رقم 6 من هامش ص 118.(1/132)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
8- عدم الاستغناء عن تثنيته بغيره، فلا تثنى -في الرأي الغالب عندهم1- كلمتا: "بعض" و"سواء" مثلا استغناء عنهما بتثنية جزء، وسِيّ، فنقول: "جزءان وسيَّان"، ولا تثنى كلمة: "أجمع وجمعاء" في التوكيد؛ استغناء بكلا وكلتا فيه. كما لا يثنى العدد الذى يمكن الاستغناء عن تثنيته بعدد آخر، مثل: ثلاثة وأربعة؛ استغناء بستة وثمانية2. ولذلك تثنى مائة وألف، لعدم وجود ما يغني عن تثنيتهما.
وقد جمعوا الشروط السالفة كلها في بيتين؛ هما:
شرطُ المثنى أن يكون مُعَربا ... ومفردًا، منكرًا، ما رُكبّا
موافقًا فى اللفظ والمعنى، له ... مماثلٌ، لم يُغنِ عنه غيرهُ
وزاد بعضهم شرطًا آخر هو: أن يكون في تثنيته فائدة؛ فلا يثنى: "كل" ولا يجمع؛ لعدم الفائدة من ذلك. وكذلك الأسماء التى لا تستعمل إلا بعد نفي عام، وتقتصر فى الاستعمال عليه؛ مثل: أحَد3، وعَرِيب، تقول: ما في الدار أحد، وما رأيتَ عَرِيبًا ... "أي: أحدًا".
هـ - عرفنا4 أن المثنى يغني عن المتعاطفين "أي: المعطوف والمعطوف عليه" وأن ما يدل على اثنين من طريق العطف لا يسمى مثنى؛ مثل: نجم ونجم؛ ومن هنا لا يجوز إهمال التثنية استغناء بالعطف بالواو، إلا لغرض بلاغي، كإرادة التكثير فى مثل: أخذتَ مني ألفًا وألفا، أو بيان عدد المرات، وما تحتويه المرة الواحدة؛ مثل: أرسلت لك الدنانير، ثلاثة وثلاثة. ثم أرسلت لك كتابًا وكتابا5 ... أو: وجود فاصل ظاهر بين المعطوف
__________
1 وهو رأي يصعب التسليم به عندي: لما فيه من تعسير بغير داعٍ، ولأن السماع يخالفه في بعض تلك الألفاظ.
2 هذا إن كان المراد من الثلاثة والثلاثة- مثلا- مجموعهما، فيقال: ستة: بدلا من تثنيتهما. أما إن كان المراد بيان عدد من مجموعات من كل فيجوز: كأن تقول: "هذه مجموعات أقلام، عددها ثلاث حزم، وهذه مجموعات أخرى، عددها ثلاث حزم أيضا، والثلاثتان الأوليان مختلفتان عن الثلاثتين الآخرين في الثمن والجودة ... " ثم انظر "هـ" الآتية.
3 البيان الخاص بكلمة: "أحد" في رقم 1 من هامش ص 210.
4 في ص 117 و 119.
5 انظر هـ- من ص 158 لأهميته. وأما بيانه كاملا ففي الجزء الرابع: باب العدد.(1/133)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمعطوف عليه، مثل: قرأتُ كتابًا صغيرًا، وكتابًا كبيرًا، أو فاصل مقدر؛ كأن يكون لك أخ غائب اسمه: عليّ، وصديق غائب اسمه: عليّ، أيضًا، ثم تفاجأ برؤيتهما معًا، فتقول: عليّ وعليّ في وقت واحد!! كأنك تقول: عليّ أخى وعلي صديقي أراهما الآن!!
هذا إن كان العطف بالواو، فإن كان بغيرها فلا تغني التثنية -غالبًا- لأن العطف بغير الواو يؤدى معاني تضيع بالتثنية، كالترتيب في الفاء، تقول داخل زائر فزائر، بدلا من دخل زائران، وهكذا1.
ومما ينطبق عليه تعريف المثنى، الضمير في أنتما قائمان؛ فهو دال على اثنين، ويغني عن أنت وأنت، بما في آخره من الزيارة الخاصة به، وهي "ما" ولكنه في الحقيقة لا يعد مثنى، ولا ملحقًا به، لسببين:
أولهما: أنه مبني، وشرط المثنى أن يكون معربًا - كما عرفنا2.
وثانيهما: أن الزيادة التي في آخره ليست هي الزيادة المشروطة في المثنى.
و من الملحق بالمثنى: "اثنان" و"اثنتان" "وفيها لغة أخرى: ثنتان" وهما ملحقان به، في كل أحوالهما؛ أي: سواء أكانا منفردين عن الإضافة مثل: جاء اثنان، جاءت اثنتان ... أم مركبين مع العشرة؛ مثل: انقضى أثناء عشرَ يومًا، واثنتا عشرْة ليلة "فتعرب اثنا واثنتا على حسب الجملة إعراب المثنى. أما كلمة: "عشر" وكذا "عشرة" فاسم مبني على الفتح لا محل له؛ لأنه بدل من نون المثنى الحرفية"3. أم مضافين إلى ظاهر، نحو جاءني اثنا كتبك، وثنتا رسائلك، أم أضيفا إلى ضمير، نحو غاب اثناكما، وحضرت ثنتاكما.
لكن الصحيح عند إضافتهما للظاهر أو للضمير أن يراد بالمضاف إليه شيء غير المراد من اثنا وثنتا أي: غير المراد من المضاف؛ فلا يقال حضر اثنا محمود وصالح، ولا حضر اثناكما، إذا كان مدلول المضاف إليه في الحالتين هو مدلول "اثنا"، أي: مدلول المضاف؛ لأنه في هذه الحالة يؤدي ما
__________
1 ويلاحظ ما سبق في رقم2 من هامش الصفحة السابقة.
2 في ص128.
3 ستجيء إشارة لهذا في "د" من ص156 وبيان السبب الصحيح وفي ص313.(1/134)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تؤديه "اثنان": و"اثنتان" ومعناه هومعناهما؛ فالإضافة لا فائدة منها؛ إذ هى - كما سبق1 - من إضافة الشىء إلى نفسه؛ فلا حاجة إليها، بخلاف ما لوقلنا: جاءاثنا المنزل، إذا كان المراد صاحبيه، وجاءت ثنتا المنزل، إذا كان المراد صاحبتيه، وجاءاثناكما، وجاءت اثنتاكما، والقصد: خادمتاكما، أوسيارتكما ... وجاء اثناه واثنتاه، واثناكم واثنتاكم ... فإن المراد من المضاف هنا غير المراد من المضاف إليه، وكذلك ما يكون الضمير فيه للمفرد أوالجمع، نحو: اثناك واثناكم ... وهكذا فلا بد فى المضاف إليه "سواء أكان اسما ظاهرًا أم ضميرًا" أن يدل على غير الذى يدل عليه المضاف؛ وهو؛ الكلمتان: اثنان واثنتان، وقد سبقت الإشارة لهذا1 ...
ز- إذا أضيف المثنى حذفت نونه؛ فمثل: سافر الوالدان. من غير إضافة المثنى، تقول إذا أضفته: سافر والدا علىّ. فإذا أضيف المثنى المرفوع - فقط - إلى كلمة أولها ساكن؛ مثل: جاءنى صاحبا الرجل، ومُكْرِما الضيف ... فإن علامة التثنية - وهى الألف - تحذف فى النطق حتمًا لا فى الكتابة2.
لكن ماذا نقول فى إعرابه؟ أهومرفوع بالألف الظاهرة فى الخط، أم مرفوع بالألف المقدرة وهى التى حذفت لالتقاء الساكنين "لأنها ساكنة وما بعدها ساكن" والمحذوف لعلة كالثابت؟ يرجح النحاة أن تقول: إنه مرفوع بالألف المقدرة لأنهم هنا يقدمون النطق على الكتابة ويعدون هذه الحالة فى عداد حالات الإعراب التقديرى3، ونرى أنه لا داعى للأخذ بهذا الآن4.
ح- هناك مفردات محذوفة الآخر، مثل: أخ، ويد. أصلهما: أخَوٌ، ويَدْىٌ. فإذا أريد تثنية هذا النوع فقد يرجع المحذوف حتما أولا يرجع، ومما لا يرجع ما حذفت لامه وجاءت همزة الوصل فى أوله عوضًا عنْ لامه المحذوفة، كالتى فى كلمة "اسم" وكذلم ما لا ترد لامه عند إضافته على حسب القاعدة التالية:
جاء فى شرح المفصل "جـ 4 ص 151". ما ملخصه:
__________
"1، 1" آخر هامش ص 120.
2 قرار المجمع اللغوي الخاص بهذا "في رقم 2 من هامش ص 159".
3 تفصيل الكلام عليه في ص 84.
4 كما سيأتي في "و" من ص 159 وفي رقم 2 من ص 204.(1/135)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اعلم أن المحذوف الآخر "أي: محذوف اللام" على ضربين؛ ضرب يرد إليه الحرف الساقط في التثنية، وضرب لا يرد إليه. فمتى كانت اللام المحذوفة ترجع في الإضافة فإنها ترد إليه -في الفصيح- عند التثنية. وإذا لم يرجع الحرف المحذوف عند الإضافة لم يرجع عند التثنية؛ فمثال الأول: أخ وأب؛ تقول في تثنيتهما: هذان أخوانِ، وأبوانِ، ورأيت أخوَيْن وأبويْن، ومررت بأخوَين وأبوَين؛ لأنك تقول في الإضافة؛ هذا أبوك وأخوك، ورأيت أباك وأخاك، وذهبت إلى أبيك وأخيك. فترى اللام قد رجعت في الإضافة1؛ فكذلك في التثنية ...
ومثال الثاني يد ودم؛ فإنك تقول في التثنية: "يدان" و"دمان" فلا ترد الذاهب؛ لأنك لا ترده في الإضافة. اهـ. وهذا خير ما يتبع. أما غيره فضعيف لا نلجأ إليه اختيارًا2.
ط- بقيت أحكام تختص بالمثنى ونونه، وستجيء في ص156 وما بعدها،
ي- سيجيء في ج ص566 م171 باب خاص بطريقة التثنية. وأهمها: تثنية المقصور، والمنقوص، والممدود ...
__________
1 لكن: أهذه الواو الظاهرة عند إضافة: "أخ وأب" هي الواو الأصلية التي تعتبر لام الكلمة. أم هي واو الأسماء الخمسة؟ رأيان في الحكم على نوع الواو المحذوفة. والذي يراه شارح المفصل هنا أن الواو المذكورة هي: لام الكلمة.
- انظر "د" من هامش ص 151، حيث البيان.
2- لهذا الضابط بيان أكمل سيجيء في: "كيفية التثنية والجمع" "جـ4 م 71 ص 566" وقد عرف صاحب الهمع "جـ1 ص 44" وكذلك الصبان" جـ4 ص 119 في آخر باب: "المقصور والممدود"، وأشرنا إليه في رقم 4 من هامش ص 111 وفي آخر رقم 1 من هامش ص 164.(1/136)
المسألة العاشرة: جمع المذكر السالم
ج- جمع المذكر السالم:
أ- فاز عليٌّ.
هَنَّأت عليًّا.
أسرعت إلى عليّ.
ب- فاز العَليون.
هَنَّأت العليينَ.
أسرعت إلى العليينَ.
نفهم من كلمة: "عليّ" فى القسم الأول أنه شخص واحد، ثم زدنا عليها الواو والنون المفتوحة، أو الياء المكسور ما قبلها، وبعدها النون المفتوحة، فصارت تدل على أكثر من اثنين، كما في القسم الثاني: "ب". وبسبب هذه الزيادة استغنينا عن أن نقول: فاز عليّ وعليّ وعليّ ... و ... و ... أي: أن زيادة حرف الهجاء المذكورين أغنتْ عن عطف كلمتين متماثلتين أو أكثر على نظيرة سابقة، مع اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في المعنى والحروف والحركات. فكلمة "العليون" وما يشبهها تسمى: "جمع مذكر سالمًا"1 وهو:
"ما يدل على أكثر من اثنين2؛ بسبب زيادة معينة في آخره، أغنت عن
__________
1 المراد بالسالم: ما سلم فيه صيغة المفرد، وذلك: بأن يبقى المفرد على حاله بعد الجمع، لا يدخل حروفه تغيير في نوعها، أو عددها، أو حركاتها، إلا عند الإعلال في نحو: المصطفون، القاضون.
هذا، وكلمة "السالم" تعرب صفة للجمع، أو للمذكر، فتضبط على حسب حالة الموصوف. والأحسن، كما في الصبان والخضري، أن تكون صفة لكلمة: "المذكر" فتضبط مثله قال الصبان في هذا الموضع ما نصه: "لأن الصلامة في الحقيقة للمذكر عند جمعه، كما يفهم من قوله: "لسلامة بناء واحدة". نقله شيخنا السيد عن الشنواني". اهـ. ومثل هذا يقال في معنى وضبط كلمة: الـ "سالم" في: الجمع المؤنث السالم" ولهذا يسميان: "جمعي التصحيح"، لصحة مفردهما في الغالب عند جمعه عليهما. بخلاف: "جمع التكسير" فإن مفرده لا بد أن يتغير في الجمع، فكأنما يصيبه الكسر ليدخله التغيير.
"كما سيجيء في رقم 4 من هامش ص 149" وفي بابه جـ4 -.
2 هذا في اصطلاح النحاة. أما اللغويون فقد يطلقون كلمة: "الجمع" على المثنى، فالجمع عندهم ما دل على اثنين أو أكثر. "وقد سبق البيان والأمثلة الواردة- في 1 من هامش ص 119 وكما يجيء في بيان يتصل بهذا في: "ز" من ص 160".
وإذا كان جمع المذكر السالم دالًّا -عند النحاة- على أكثر من اثنين فما حدود هذه الزيادة؟ أتنحصر في ثلاثة وعشرة وما بينهما، ولا تزيد على العشرة، أم تزيد؟ يقول سيبويه إن جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم يدلان -في الغالب- على عدد قليل لا ينقص عن ثلاثة، ولا يزيد عن عشرة، فهما كمجموع القلة التي للتكسير، ينحصر مدلولها في ثلاثة وعشرة وما بينهما.(1/137)
"عطف المفردات المتماثلة في المعنى والحروف والحركات بعضها على بعض".
فليس من جمع المذكر ما يأتي:
1- ما يدل على مفرد؛ مثل: محمود، أو "محمدبِنَ" علمًا على شخص واحد.
2- ما يدل على مثنى، ومنه: المحمودان ... ، أو على جمع تكسير؛ كأحامد، جمع أحمد، أو على جمع مؤنث سالم، كفاطمات؛ لخلو هذين الجمعين من الزيادة الخاصة بجمع المذكر السّالم، ومن الدلالة المعنوية التي يختص بتأديتها.
3- ما يدل دلالة جمع المذكر ولكن من طريق العطف بالواو؛ نحو: جاء محمود، ومحمود، ومحمود1.....
4- ما يدل دلالة جمع المذكر، ولكن من طريق الوضع اللغوي وحده؛ لا من طريق زيادة الحرفين في آخره؛ مثل: كلمة: "قوم" إذا كانت بمعنى: الرجال، فقط.
5- ما يدل على أكثر من اثنين، ولكن مع اختلاف في معنى المفرد؛ مثل:
__________
= وقال آخرون -ورأيهم الصحيح- إنهما صالحان للأمرين، ما لم توجد قرينة تعين أحد الأمرين، كالتي تعين القلة في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} فإن المراد بها" أيام التشريق" وهي قلة وكالتي تعين الزيادة في قوله تعالى عن الصالحين: {وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ} وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} ..........و......و......... {أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} ، وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} "وسيجيء هذا في باب جمع التكسير ج4 م172 ص582.
وراجع أيضًا خاتمة المصباح المنير ص954 بعنوان: "فصل" الجمع قسمان -وكذلك كتاب: مجمع البيان لعلوم القرآن- الطبرسي، ج3 ص88".
وجاء في كتاب "المحتسب" لابن جني" جـ1 ص 186 "سورة النساء" ما نصه:
"كان أبو علي الفارسي ينكر الحكاية المروية عن النابغة، وقد عرض عليه حسان بن ثابت شعره، وأنه لما وصل إلى قوله:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحا ... وأسيافنا يقطرن من نجده دما..
قال له النابغة: لقد قللت جفانك وسيوفك. قال أبو علي: هذا خبر مجهول لا أصل له: لأن الله تعالى يقول: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} ولا يجوز أن تكون الغرف كلها التي في الجنة من الثلاث إلى العشر" اهـ. وفي رقم2 من هامش ص163. إحالة على هذا الكلام الذي ينطبق على جمع المؤنث السالم أيضًا.
1 الوصول إلى معنى جمع المذكر السالم من طريق العطف بالواو غير جائز في أكثر الأحوال، للاستغناء عنه بالجمع المباشر "أي: بزيادة حرفي الهجاء على المفرد".
وهناك بعض حالات يجوز فيها العطف بالواو، قياسا على التثنية، وهي الحالات التي ذكرت في- هـ من ص 133 أما العطف بغير الواو فجائز للأسباب المدونة هناك.(1/138)
الصالحون محبوبون؛ تريد؛ رجلين يسمى كل منهما: "صالحًا" ومعهما ثالث ليس اسمه "صالحًا"، ولكنه تقيّ، معروف بالصلاح؛ فأنت تذكره مع الآخَرين على اعتبار أنه صالح في سلوكه لا على أنه شريك لهما في التسمية.
وقد يكون الاختلاف في بعض حروف المفرد أو كلها؛ فلا يصح أن يكون "السعيدون" جمعًا لسعد، وسعيد، وساعد "أسماء رجال"، ولا جمعًا لمحمود وصالح وفهيم، كذلك.
وقد يكون الاختلاف في حركات الحروف1، فلا يصح: العُمَرونَ قرَشيون إذا كان المراد: عُمر بن الخطاب، وعُمر بن أبي ربيعة، وعَمْرو بن هشام ... "المعروف بأبي جهل".
حكمه:
حكم جمع المذكر السالم الرفع بالواو نيابة عن الضمة، وبعدها النون المفتوحة، مثل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون} والنصب والجر بالياء المكسور ما قبلها وبعدها النون المفتوحة، مثل: صادقْتُ المؤمنينَ، وأثنيت على المؤمنينَ.
نوعَا جمع المذكر السالم:
الاسم الذى يُجمعَ جمع المذكر سالمًا نوعان: أحدهما "العَلم"2 والآخر: "الصفة"3.
__________
1 مثل هذا الجمع -وما سبقه مما فيه اختلاف في معنى المفرد أو حروفه أو حركاتها- لا يصح إلا من باب: التغليب" وقد سبق شرح التغليب، وبيان صوره في المثنى رقم6 من هامش ص118- وأن العرب تغلب الأهم كتغليبهم المذكر عند الجمع، ولو كان أقل عددًا من المؤنث، مثل: محمود والزينبات متعلمون.
وتغليبهم العاقل ولو كان قليل العدد على غيره، مثل: محمود والعصافير يأكلون ... والتغليب المسموع في الجمع كثير، يسوغ لنا تفضيل الرأي الذي يجيز القياس عليه، بشرط أن تقوم قرينة تدل على أن المتكلم قد استخدمه في كلامه.
2 "ملاحظة": إذا جمع العلم زالت علميته، فلا بد له بعد الجمع مما يعيد إليه التعريف -إذا اقتضى المقام هذا- كزيادة "أل" المعرفة في أوله، أو زيادة حرف النداء قبله، شأنه في هذا كشأن العلم الذي يثني. وقد سبق الإيضاح والتفصيل في ص 129 ويجيء في هامش ص 294- لكن إذا سمي بالمثنى أو بالجمع- بأن ضار لفظ العلم الدال على واحد هو لفظ مثنى أو مجموع- فإنه في هذه الصورة لا يحتاج إلى ما يجلب له تعريفا، لأن معرفة بالعلمية التي لم يطرأ عليها ما يزيلها.
3 العلم قد يكون جامدا، أي: يدل على مجرد الذات من غير زيادة شيء عليها، ولا ملاحظة أمر آخر سواها، مثل: الفضل، وإبراهيم، وسعد، أسماء أشخاص. أما الصفة "ويراد بها المشتق، ولا يراد بها النعت هنا" فلا تدل على الذات وحدها قبل العلمية، وإنما تدل عليها وعلى شيء آخر معها، مثل: "عالم" "كامل"، نبيل" فكل واحدة من هذه الصفات المشتقة قبل العلمية تدل على ذات ومعها شيء آخر، هو: العلم، أو الكمال: أو النبل ... فإذا صارت علما على شخص تجردت من الوصف الزائد، وصارت جامدة تدل على مجرد الذات، مثل: "فاضل" علم على شخص، فإنها لا تدل بعد العلمية إلا على الذات، ويبقى لها الأمران إذا لم تكن علما، فهي بعد العلمية اسم جامد، وإن كانت في أصلها مشتقة.
"راجع جـ3 ص 179 م 98".(1/139)
أ- فإن كان الاسم علما فلا بد أن تتحقق فيه الشروط الآتية1 قبل جمعه:
1- أن يكون علما2 لمذكر، عاقل3، خاليا من تاء التأنيث الزائدة4، ومن التركيب، ومن علامة تثنية أو جمع.
فإن لم يكن علما لم يجمع هذا الجمع، فلا يقال في رجل: رجلون5، ولا في غلام، غلامون ...
وإن كان علما لكنه لمؤنث، لم يجمع أيضًا، فلا يقال في زينب: الزينبون، ولا في سعاد: السعادون. والعبرة في التأنيث أو عدمه ليست بلفظ العلم، وإنما بمعناه، وبما يدل عليه وقت الكلام، فكلمة،: سعاد، أو زينب، إن كانت علمًا لمذكر، واشتهرت بذلك عند النطق بها، فإنها تجمع جمع مذكر سالم، وكلمة: حامد، أو حليم ... إن كانت علما معروفًا لمؤنث لم تجمع هذا الجمع.
وإن كان علمًا لمذكر لكنه غير عاقل6 لم يجمع أيضًا، مثل: "هلال" وهو علم
__________
1 وهي غير الشروط العامة الأخرى التي لا بد من تحققها فيه. وتنحصر الشروط العامة في شروط المثنى التي تقدمت في "د" من ص128 فإنها شروط لجمع المذكر السالم أيضًا.
2 أي: علم شخص. أما علم الجنس فلا يجمع منه هذا الجمع إلا بعض ألفاظ للتوكيد المعنوي تفيد الشمول -كما سيجيء في رقم4 من هامش ص 142- مثل: أجمع وملحقاته "وهي: أكتع، أبصع، أبتع" وتفصيل الكلام عليها في:باب "التوكيد"، ج3 م116 ص417" فيقال: أجمعون؛ لأنه في الأصل مشتق، إذ أصله "أفعل تفضيل" قبل أن يتحول إلى التوكيد.
3 انظر المراد من "العاقل" في رقم 6 الآتي:
4 انظر إيضاحها في رقم 1 من الهامش الآتي، وفي "أ" من ص 145. وكذا حكم المختوم بألف التأنيث إذا أريد جمعه جمع مذكر سالم.
5 إلا إذا دخله التصغير، مثل: رجيل، ورجليون، أو عند إلحاق ياء النسب بآخره، مثل: إنساني، وإنسانيون، وغلامي، وغلاميون، لأن التصغير أو النسب يفيده نوعا من الوصف فكأنه مشتق، فيدخل في قسم الصفة الآتي.
6 ليس المراد بالعاقل أن يكون عاقلا بالفعل، وإنما المراد أنه من جنس عاقل، كالآدميين والملائكة، فيشمل المجنون الذي فقد عقله، والطفل الصغير الذي لم يظهر أثر عقله بعد. وقد يجمع غير العاقل، تنزيلا له منزلة العاقل، إذا صدر منه أمر لا يكون إلا من العقلاء. فيكون جمع مذكر، وقيل: هو ملحق به، مثل قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} فالسجود لا يكون إلا من العاقلين، ولكن الله نزل الكواكب والشمس والقمر منزلة العاقلين، لأنها فعلت فعلهم. ومثلها قوله تعالى عن أسماء: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} -فهنا قول صادر من السماء والأرض، والكلام لا يكون إلا من العقلاء.(1/140)
على: حصان، و"نسيم" علم على: زورق ... و"قمر" علم على الكوكب المعروف....
وكذلك إن كان علمًا لمذكر عاقل، ولكنه مشتمل على تاء التأنيث الزائدة1 مثل: حمزة، وجمعة، وخليفة، ومعاوية، وعطية ... ، فإنه لا يجمع جمع مذكر2، ولا يصح هنا ملاحظة المعنى؛ لوجود علامة التأنيث في اللفظ؛ فيقع بينها وبين علامة جمع المذكر التناقض والتعارض بحسب الظاهر، كما لا يصح أن تحذف؛ لأن حذفها يوقع في لَبس؛ إذ لا ندري أكانت الكلمة مؤنثة اللفظ قبل الجمع أم لا؟ لهذا اشترطوا خلو المفرد من تاء التأنيث الزائدة كما قلنا ...
وكذلك إن كان مركبًا تركيب إسناد، "مثل: فَتَحَ اللهُ، رامَ اللهُ، رزقَ اللهُ ... ؛ فإنه لا يجمع مباشرة باتفاق؛ وإنما يجمع بطريقة غير مباشرة، بأن تسبقه كلمة: "ذو" مجموعة ويبقى هو على حاله لا يدخله تغيير مطلقًا، في حروفه، وحركاته، مهما تغيرت الأساليب فيقال: "ذَوُو كذا" رفعًا، "وذوِي" نصبًا وجرًّا؛ فتغني "ذوو، وذوي" عن جمعه كما سيجيء3 ...
أو: مركبًا تركيب مزج، كخالَوِيه، وسيبويْهِ، ومَعدِ يكَرِب.....،
__________
1 أي: التي ليست عوضًا عن فاء الكلمة أو لامها أما التي للعوض مثل: عدة وثبة- فلا تمنع من الجميع فيقال عند التسمية: عدون، وثبون، مع حذفها. "انظر ما يتصل بهذا في "أ" من ص145".
2 ويجمع قياسًا جمع مؤنث سالم. والكوفيون يجيزون جمعه جمع مذكر سالم بعد حذف تائه، فقد جاء في كتاب: "الإنصاف"، ص 18 ما نصه: "ذهب الكوفيون إلى أن الاسم الذي في آخره تاء التأنيث إذا سميت به رجلا- يجوز أن يجمع بالواو والنون- أي: بعد حذف التاء حتما- وذلك نحو: طلحة وطلحون، وإليه ذهب أبو الحسن بن كيسان، إلا أنه يفتح اللام، فيقول: "الطلحون" كما قالوا: "أرضون" حملا على: "أرضات" وذهب البصريون إلى أن ذلك لا يجوز". أهـ والواجب الاقتصار- هنا - على المذهب البصري، لمسايرته الأعم الأفصح، ولخلوه من اللبس.
3 في "ب" من ص 145.(1/141)
أو: تركيب عدد؛ كأحدَ عشرَ، وثلاثةَ عشرَ، وأربعةَ عشرَ ... والمشهور في هذه المركبين عدم جمعهما جمعًا مباشرًا؛ فيستعان بكلمة: "ذو" مجموعة على: "ذَوُو، وذَوِي"؛ فتغني عن جمعهما، كما سيجيء أيضًا1 ...
أما المركب الإضافي كعبد الرحمن وعبد العزيز فيجمع صدره المضاف؛ ويبقى العجر "وهو المضاف إليه" على حاله من الجر في أكثر الحالات2 تقول: اشتهر عبدو الرحمن، وصافحت عبدِي الرحمن، وسلمت على عبدِي الرحمن.
ولا يجمع ما آخره علامة تثنية، أو علامة جمع مذكر3؛ مثل: المحمدان أو المحمدَيْن "علمًا على شخص" والمحمدون أو المحمدينَ علمًا كذلك4.
ب- وإن كان صفة "أي: اسمًا مشتقًّا" فلا بد أن تتحقق فيه الشروط الآتية: قبل جمعه، وهي:
أن تكون الصفة لمذكر، عاقل6، خالية من تاء التأنيث، ليست على وزن أفْعَلَ"7 الذى مؤنثه فَعْلاء"، ولا على وزن فَعْلان "الذى مؤنثه:
__________
1 في ص145 عند الكلام على جمع المركب، حيث تجد في "المركب المزجي" رأيا آخر ارتضيناه. ويلاحظ أيضًا ما في "جـ" ص 146- وستجيء إشارة أخرى لجمع أنواع المركب في الجزء الرابع، آخر. "باب جمع التكسير". م 174 بعنوان: تثنية أنواع المركب وجمعها.
2 انظر التفصيل الذي في ص146.
3 ولا يجمع هذا الجمع ما آخره علامة جمع المؤنث السالم.
4 لأن جمع العلم المشتمل على علامة التثنية يؤدي إلى أن يجتمع في اللفظ الواحد علامة التثنية مع علامة الجمع، وهذا يؤدي إلى الاختلاف والتعارض بين معنى التثنية وعلامتها ومعنى الجمع وعلامته. وكذلك جمع العلم المشتمل على علامة الجمع يؤدي إلى أن تتكرر في العلم المجموع علامة الجمع، ولهذا لا يقع في صحيح التراكيب العربية. وقد يقتضي الأمر - أحيانا" التسمية بهذا الجمع، أو ملحقاته ن وفي هذه الحالة تترك العلامة السابقة على حالها، ويعرب الجمع بالحركات الظاهرة على النون - مسايرة لأوضح اللغات المتعددة الواردة فيه، وسنذكرها في ص 153- وإذا سمي بهذا الجمع فقد يقتضي الأمر جمع هذا الاسم الذي سمي به. وستجيء طريقة ذلك في "ب" من ص 155.
5 بأن يظل عليها، ولا يتركها إلى العلمية "انظر البيان في رقم 3 من هامش ص 139".
6 انظر المراد من: "عاقل" في رقم 7 من هامش ص 140.
7 ليس من هذا وزن "أفعل" الذي كان في أصله صفة داخلة في باب أفعل التفضيل، ثم تركت الوصفية، وصارت علم جنس يعرب توكيدا معنويا، يفيد الشمول، ويصح جمعه جمع مذكرا، - ومن ألفاظه" أجمع. أكتع، أبصع، أبتع"، "طبقا لما سبق في رقم 2 من هامش ص 140 ولما سيجيء في بابه المناسب، وهو: باب: التوكيد- جـ3 م 116 ص 417".(1/142)
فَعْلَى"، ولا على وزن صيغة تستعمل للمذكر والمؤنث.
فإن كانت الصفة خاصة بالمؤنث، لم تجمع جمع مذكر سالمًا؛ منعًا للتناقض بين ما يدل عليه المفرد، وما يدل عليه جمع المذكر، مثل: "مُرضع" فلا يقال: مرضعون، وكذلك إن كانت لمذكر، ولكنه غير عاقل1؛ مثل: صاهل، صفة "للحصان" أو: ناعب، صفة للغراب، فلا يقال: صاهلون ولا ناعبون، أو: كانت مشتملة على تاء تدل على التأنيث؛ نحو: قائمة؛ فلا يصح: قائمتون2.
وكذلك ما كان على وزن: "أفْعَلَ" "الذى مؤنثه، فَعْلاء" نحو أخضر؛ فإن مؤنثه: خضراء، وأبيض، فإن مؤنثه: بيضاء، فلا يقال أخضرون، ولا أبيضون، على الأصحّ3. ومثله ما كان على وزن فَعْلان "الذى مؤنثه فَعْلى"، مثل سكران وسكْرَى3. وكذلك ما كان على صيغة
__________
1 بأن تكون اشتهرت في العرف بأنها لغير العاقل من الأجناس.
2 لا يصح جمع الصفة المشتملة على تاء التأنيث جمع مذكر سالم، سواء أكانت التاء باقية على دلالتهما على التأنيث، نحو: قائمة، كاتبة، خطيبة، شاعرة،.... أم كانت دالة على التأنيث بحسب الأصل، ثم انتقلت منه وتركته لتادية معنى آخر، كالمبالغة في مثل: "علامة" لكثير العلم، وفي مثل: "فهامة" لكثير الفهم، و "راوية" لكثير الرواية، "وهي حفظ الأخبار والأحاديث" فالتاء في هذه الكلمات وأشباهها للمبالغة، ولكنها بحسب وضعها الأول للتأنيث، فيلاحظ الأصل دائما، ولا عبرة- في الرأي الراجح- بما طرأ عليه. وكذلك لا يصح جمعها بعد حذف التاء، لأن الحذف يؤدي إلى لبس محقق.
"3 و 3" هذا رأي البصريين ومن يؤيدهم. ويخالفهم الكوفييون فلا يتمسكون بشرطي منع "أفعل" و "فعلان" ومؤثنهما. وأدلتهم وشواهدهم كثيرة مقبولة. ولا معنى اليوم لإهدار رأيهم، وخاصة إذا منع لبسا، وإن كان الأول أكثر وأفصح، وكان ابن كيسان يقول: لا أرى في الرأي الكوفي بأسا- كما جاء في المفصل ج5 ص59، 60، ورأيه سديد. فلم المنع؟ أيكون بسبب أن الصفات الدالة على الألوان لا أفعال لها ولا مصادر، فهي بهذا تخالف سائر المشتقات، كما قد يتوهم بعض النحاة؟: "وتوهمه بعيد عن الحق، فقد ذكر ابن القطاع في كتابه: "الأفعال" كغيره من أكثر اللغويين أن لهذه الصفات أفعالا صحيحة، واردة بكثرة عن العرب". أم لأن أكثر هذه الصيغ يقرب من الفعل ... والفعل لا يجمع "كما يقول الصبان، وكما يقول شارح المفصل في جـ 5 ص 59 و 60"؟ كل هذه العلل وأشباهها واهية، وخاصة بعد الوارد الفصيح، وهو كثير، وبعد إجازتهم في التفضيل" ما كان منها على وزن: "أفعل" دالا على أمر معنوي، نحو: أحمق، وأبيض القلب، ونحو: فلان أبيض سريرة من فلان، أو: أسود سريرة منه، بمعنى: أنه أطيب منه نفسا، أو أخبث منه ... أو نحو هذا ... "وسيجيء البيان والأدلة في باب: "أفعل التفضيل" جـ3 ص 84 3 م 112" وكذلك يجيء في رقم 4 من هامش ص 163 وفي "د" من ص 172 =(1/143)
تستعمل للمذكر والمؤنث، كصيغة، مِفْعال كمِهْذار1، ومِفْعَل؛ كمِغْشَم2. وفَعُول3؛ مثل صَبور وشكور، وفَعيل"4؛ مثل كَسِير وقَطِيع؛ إذا لا يتأتى أن يكون المفرد صالحاً للمذكر والمؤنث معًا وجمعه لا يكون إلا للمذكر؛ فيقع اللبس والخلط بسبب هذا.
ملاحظة: كل ما سبق من أنواع الصفات وصيغها التي لا يصح جمعها جمعًا مذكرًا سالمًا متوقف على أن تكون الصفة باقية على وصفيتها، فإن تركتها وصارت علمًا جاز جمعها جمع مذكر سالم5.....
إلى هنا انتهت الشروط الواجبة فيما يجمع أصالة6 جمع مذكر سالمًا.
__________
= أن النحاة يقولون: "ما لا يصح جمعه جمع مذكر سالم لا يصح -غالبا- في مؤنثه أن يجمع جمع مؤنث سالم" ولذا يمنعون تلك الصيغ والألفاظ أن تجمع جمع مؤنث سالم، استنادًا إلى الرأي البصري السالف، وقد بان ما فيه.
وقد أخر المجمع اللغوي القاهري بالمذهب الكوفي وبلغة بني أسد التي تلحق تاء التأنيث- جوازا- بسكرانة وأشباهها. ونص قرار المجمع - كما جاء في ص 83 من المجلد الشامل للبحوث والمحاضرات التي ألقيت في مؤتمر الدورة الثانية والثلاثين المنعقد ببغداد سنة 1965 - هو:
"حيث إن تأنيث "فعلان" بالتاء لغة في بني أسد- كما في الصحاح- ولغة بني أسد- كما في المخصص وقياس هذه اللغة صرفها في النكرة، كما في شرح المفصل. والناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ وإن كان غير ما جاء به خيرا، كما في قول ابن جني، لذا يجوز أن يقال: عطشانة وغضبانة وأشباههما.
ومن ثم يصرف "فعلان" وصفا، ويجمع "فعلان" "فعلانة" جمعي تصحيح" اهـ.
ولهذا إشارة متممة في رقم 4 من هامش ص 163.
1 كثير الهذر، وهو: الخلط، والكلام بما لا يليق.
2 الشجاع الذي لا يمنعه شيء عن قصده.
3 يستعمل للمذكر والمؤنث، بشرط أن يكون بمعنى: "فاعل" وقبله موصوفه، أو ما يقوم مقامه، بالتفصيل الذي سيجيء في باب: "التأنيث" جـ4 ص 546 م 169 ومنه يعلم حكم جديد في تأنيث "فعول" وجمعه جمع تصحيح للمذكر والمؤنث هو ما قرره مجمع اللغة العربية:
أ - من جواز إلحاق تاء التأنيث بصيغة "فعول" بمعنى: فاعل.
ب- يترتب على ذلك جواز جمعها للتصحيح.
4 يستعمل للمذكر والمؤنث، على سبيل الأغلبية الراجحة، لا علي سبيل التحتيم، بشرط أن يكون بمعنى: "مفعول" وقبله موصوفه أو ما يقوم مقامه. واستعمال هذه الصيغة في المذكر والمؤنث هي والصيغ التي قبلها خاضع للتفصيل المدون في باب التأنيث "جـ4 ص 546 م 169" فإن جعل علما جاز جمعه ومثله كل وصف آخر يستعمل للمذكر والمؤنث في الأصل، ثم ترك أصله وصار علما.
5 طبقا للبيان الهام الذي سبق في رقم 3 من هامش ص 139.
راجع "التصريح شرح التوضيح" في هذا الموضع.
6 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
وارفع بواو، وبيا اجرر وانصب ... سالم جمع عامر ومذنب
يشير بعامر: للعلم، وبمذنب: للصفة.(1/144)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- اشترطوا1 في العلم أن يكون خاليًا من تاء التأنيث الزائدة -إلا عند الكوفيين- والمراد بها: التي ليست عوضًا عن فاء الكلمة، أو عن لام الكلمة؛ لأن التي تكون عوضًا عن أحدهما هي عوض عن أصل، فهي كالأصيلة، فالأولى مثل: عدة، أصلها: وعد، حذفت الواو، وعوض عنها تاء التأنيث وكسرت العين، والثانية مثل: مئة. وأصلها: مِئوٌ، حذفت الواو وعوض عنها تاء التأنيث.
فإن كانت عوضًا عن أصل وجعل اللفظ اسمًا لمسمى "أي: صار علمًا" فإنه يجمع قياسًا بعد حذفها. ويكون من الجموع الحقيقة؛ تقول: "عِدُون" لجمع مذكر، ومثلها: مِئُون؛ أما إذا لم يجعل علمًا، فإنه يصح جمعه إن كان محذوف اللام، مثل: الجيش مئون، ولكنه يعد من ملحقات جمع المذكر السالم.
أما ألف التأنيث المقصورة أوالممدودة فلا يشترط خلوه منها، فلوسمينا رجلا بسَلْمَى، أو: صحراء، حذفت فى جمع المذكر السالم الألف المقصورة، وقلبت همزة الممدود واوًا، فيقال: السَّلْمَوْن والصحراوون "أعلام رجال...."2.
ب- لا يجمع المركب الإسنادي جمع مذكر سالمًا إلا بطريقة غير مباشرة؛ -كما سبق- وذلك بأن نأتي قبله بكلمة: "ذوِو" أو: "ذَوِي" "وهما جمع: "ذو" و"ذِي" فنقول: غاب ذوو فتحَ اللهُ، وأكرمْنا ذَوِي فتحَ اللهُ3، وسلمنا على ذَوِي فتحَ اللهُ. وهذا باتفاق.
أما المركب المزِجي فأشهر الآراء أنه لا يجمع إلا بالطريقة السابقة غير المباشرة. وهناك رأي آخر يجيز جمعه مباشرة -وكذلك تثنيته4، فيقال: جاء خالوَيهُون، وشاهدت خالويهِين، وقصدت إلى خالويهِين. ومثله سيبويه، ومعد يكرب "اسم رجل" وغيرهما من باقي المركبات المزجية، وهذا الرأي أسهل
__________
1 في ص140، 141.
2 راجع الصبان والخضري. وهل بين هذه الصورة والصورة الآتية في ص 168 "تحت عنوان: ثانيها" نوع من التخالف"؟
"3,3" في ص 141.
4 انظر ص 131.(1/145)
الآراء. وأجدرها بالقبول، لدخوله في الحكم العام لجمع المذكر السالم وبُعده من اللّبس. كما سيجيء في: "ج".
وأما المركب التقييدي؛ وهو: المركب من صفة وموصوف مثل: محمد الفاضل، أو من غيرهما؛ مما لا يُعَدّ في المركبات السابقة -فالأشهر أن يقال في جمعه: ذوو "محمد الفاضل"، فلا يجمع مباشرة، وإنما يتوصل إلى جمعه بكلمة "ذوو" رفعاً و"ذَوِي" نصبًا وجرًّا.
وقد سبق أن قلنا2 إن المركب الإضافي يجمع صدره دون عجزه. وهذا صحيح إن كان المضاف وحده هو المتعدد، دون المضاف إليه؛ كما نقول في "عبد الله" عند الجمع: عبدُو الله. أما إن تعدد أفراد المضاف وأفراد المضاف إليه معا "كعبد السيد والمضاف والمضاف إليه مصريان مثلا، وعبد السيد والمضاف والمضاف إليه شاميان -مثلا- وعبد السيد لعراقيين"، فالواجب جمع المضاف والمضاف إليه معًا جمع مذكر سالمًا؛ فنقول: عبدو السيَّدينَ، أو جمع تكسير، فتقول: عبيد السادة3......
ح- سبق4 أنه يشترط في الاسم الذي يجمع جمع مذكر سالمًا، ما يشترط في الاسم المراد تثنيته؛ ومن شروطه: أن يكون معربًا ... فلو كان مبنيًّا لزومًا مثل: هؤلاء، أو: حَذَامِ "على أنها أعلام رجال" لم يجز جمعه مباشرة5، وإنما يجمع بطريق الاستعانة بكلمة: "ذَوُو" رفعًا و"ذوِي" نصبًا وجرًّا.
__________
1 حبذا الاتفاق على الأخذ بهذا الرأي المشهور، وإيثاره، وعمل الدارسين على نشره، وترك الرأي السابق، وغيره من باقي الآراء الأخرى التي لا تناسب عصرنا ...
2 في ص141.
3 انظر رقم3 من هامش ص131.
4 في رقم1 من هامش ص140.
5 أشرنا في ص79 -إلى الفرق في الحكم بين هذه الصورة والحكم الوارد في تلك الصفحة، تحت عنوان: "ملاحظة"، فالحكم الذي هنا منصب على اسم موضوع من أول أمره علما مبنيًّا لزومًا ولم يستعمل قبل العلمية مع البناء الملازم في شيء آخر، فهو أصيل فيهما، غير منتقل إليهما من حالة سابقة. ومثل هذا العلم لا يجمع جمع مذكر سالم إلا من الطريق غير المباشر الموضح هنا، ليظل العلم محتفظًا بصورته التي لا بد منها. بخلاف الصورة التي سبقت في ص79 فإن الاسم فيها معرب منون، علم، بعد أن كان في أصله مفردًا مبنيًّا غير علم، فترك أصله وصار علمًا منقولًا من معناه وحكمه السابقين إلى العلمية الجديدة ومعها الإعراب والتنوين، فيصح جمعه مذكر سالم بطريقة مباشرة كالأعلام المستوفية للشروط.(1/146)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولما كانت كلمة "سيبويْه" و"خالويه" وأشباهها هى من الكلمات المبنية لزوما -كان حقها ألا تجمع جمع مذكر سالم إلا بالاستعانة بكلمة: "ذوُو"، و"ذوي". لكنهما من ناحية أخرى يدخلان فى قسم المركب المزجي وقد آثرنا - فى الصفحة السابقة - الرأيَ الذى يبيح جمعه مباشرة جمع مذكر سالم.
د- سيجئ - "فى جـ4 ص 457 م 171" - باب خاص بطريقة جمع الاسم جمع مذكر سالما، وأهمها طريقة جمع: المقصور، والممدود، والمنقوص جمع مذكر سالما.(1/147)
المسألة الحادية عشرة: الملحق بجمع المذكر السالم
ألْحق النحاة بجمع المذكر في إعرابه أنواعًا أشهرها: خمسة؛ فَقَد كلُّ نوع منها بعض الشروط، فصار شاذًا ملحقًا بهذا الجمع، وليس جمعًا حقيقيًّا، وكل الأنواع الخمسة سماعيّ1؛ لا يقاس عليه؛ لشذوذه وإنما يُذكَر هنا لفهم ما ورد منه في النصوص القديمة.
أولها: كلمات مسموعة تدل على معنى الجمع، وليس لها مفرد من لفظها، ولكن لها مفرد من معناها، مثل كلمة: "أوُلُو"2 في قولنا: "المخترعون أُولو فضل"، أي: أصحاب فضل؛ فهي مرفوعة بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم؛ إذ لا مفرد لها من لفظها، ولها مفرد من معناها، وهو: صاحب. وهي منصوبة ومجرورة بالياء نيابة عن الفتحة أو الكسرة في قولنا: كان المخترعون "أوُلي" فضل. وانتفعت من "أُولِي" الفضل. ومثل هذه الكلمة يسمى: اسم جمع3.
ومن الكلمات المسموعة: أيضًا كلمة: "عالَمون". ومفردها: عالَم، وهو ما سوى الله، من كل مجموع متجانس من المخلوقات، كعالَم الحيوان، وعالَم النبات، وعالَم الجماد؛ وعالم المال، وعالم الطائرات ... إلخ.
وكلمة: "عالَم" تشمل المذكر والمؤنث والعاقل وغيره. في حين أن كلمة: "عالَمون" لا تدل إلا على المذكر العاقل، فهى تدل على معنى
__________
1 الأنسب في النوع الخامس "وهو: ما سمي بجمع مذكر سالم" أن يكون قياسيا. ولا قوة للراي الذي يقصره على السماع.
كما سيجييء في رقم2 من هامش ص152 وفي "أ" ص153.
2 الهمزة مضمومة في النطق من غير مد بالرغم من وقوع الواو الساكنة بعدها كتابة. ولا يصح كتابة ألف بعد الواو الأخيرة.
3 هو ما يدل على أكثر من اثنين، وليس له مفرد من لفظه ومعناه معًا، وليست صيغته على وزن خاص بالتكسير، أو غالب فيه، ومن الأمثلة: إبل، جماعة، فلك، وقد سبقت له إشارة عابرة رقم1 من هامش ص119 أما البيان الوفي عنه، وعن حالاته المختلفة وأحكامه في ج4 ص510 م174 جمع التكسير.(1/148)
خاص بالنسبة لما يندرج تحت كلمة "عالَم"1، والخاص لا يكون جمعًا للعام2؛ لهذا كان "عالمون" إما اسم جمع لكلمة: "عالَم" وليس جمعًا له؛ وإمَّا جمعًا له غير أصيل ولكن بتغليب المذكر العاقل على غيره. وفي هذه الحالة لا تكون جمع مذكر سالمًا حقيقة؛ لأن اللفظة ليست علمًا ولا صفة، وإنما تلحق به كغيرها مما فقد بعض الشروط.
ثانيها: من الكلمات المسموعة، مالا واحد له من لفظه ولا من معناه، وهى: عشرون3، وثلاثون، وأربعون، وخمسون، وستون، وسبعون، وثمانون، وتسعون. وهذه الكلمات تسمى: "العقود العددية" وكلها أسماء جموع أيضًا.
ثالثها: كلمات مسموعة أيضًا؛ ولكن لها مفرد من لفظها. وهذا المفرد لا يسلم من التغيير عند جمعه، فلا يبقى على حالته التى كان عليها قبل الجمع؛ ولذلك يسمونها، جموع تكسير"4، ويلحقونها بجمع المذكر فى إعرابها بالحروف؛ مثل: بَنون، وإحَرُّون، وأرَضون، وذَوُو، وسنون وبابه5. فكلمة: "بنون" مفردها. "ابن" حذفت منه الهمزة عند الجمع، وتحركت الباء؛ وكلمة: "إحَرُّون" "مفردها: "حَرَّة"6، زيدت الهمزة فى جمعها.
__________
1 فدلالتها داخلة فيما يسمى: "العموم الشمولي" مع أن دلالة كلمة: "عالم" داخلة فيما يسمى: "العموم البدلي" الذي هو دلالة الكلمة المفردة على معنى عام، فإذا جمعت جمع مذكر سالم دلت على معنى خاص بالنسبة لمعناها قبل جمعها. فكلمة: "عالم" تدل على المخلوقات العاقلة وغير العاقلة وغير العاقلة، فإذا جمعت جمع مذكر السالم فقيل فيها. "عالمون" صارت مقصورة الدلالة على العاقلين وحدهم.
2 وهناك سبب آخر في ص 151 هو: "أنها ليست علما ولا صفة.
3 ولا يقال أن عشرين مفردها. عشر، لئلا يلزم على ذلك صحة إطلاق عشرين على ثلاثين، وإطلاق ثلاثين على تسعة، وهكذا ... ، ذلك لأن أقل الجمع النحوي- لا اللغوي- ثلاثة، من مفرده، فلو كان مفرد العشرين هو: "عشر" لكانت عشرون صادقة على "3× 10" أي: ثلاث عشرات على الأقل ومجموعها يساوي ثلاثين. ولو كان مفردا الثلاثين هو: "ثلاث" لكانت الثلاثون صادقة على 3× 3 أي: على تسعة، وهكذا مما هو ظاهر الفساد....
4 لأن جمع التكسير هو الذي يتغير فيه صيغة المفرد حتما، ولا يبقى مفرده سليما عند الجمع، فلا بد فيه من تغير، إما في عدد حروفه فقط، وإما في حركاته فقط، وإما فيهما معا. بخلاف جمعي التصحيح، وهما: جمع المؤنث السالم الحقيقي، وجمع المذكر السالم الحقيقي، فإن صيغة مفردهما لا يدخل عليها تغيير عند الجمع إلا للإعلال، ونحوه.
"انظر رقم 1 من هامش ص 137".
5 المراد من باب: "سنة" كل اسم ثلاثي حذفت لامه، وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة، ولم يعرف له عند العرب جمع تكسير معرب بالحركات، ولم يعرف له- أيضا- مفرد مذكر ورد عنهم مجموعا بالواو والنون أو بالياء والنون. وبالشرط الأخير خرج نحو: "هنسة" فإن مذكرها- وهو: "هن" - ورد عن العرب مجموعا جمع المذكر، فلو جمعت كلمة. "هنة" جمع مذكر أيضا لا لتبس المؤنث بالمذكر.
6 أرض ذات حجارة مجوفة سود، كأنها احترقت بالنار.(1/149)
"وأرَضون" "بفتح الراء" لا مفرد لها إلا: أرْض "بسكونها"؛ فتغيرت حركة الراء عند الجمع من سكون إلى فتح. هذا إلى أن المفرد مؤنث، وغير عاقل. و"ذَوو" في الجمع مفتوحة الذال، مع أن مفردها: "ذُو" مضموم الذال. "وسِنون" مكسورة السين فى الجمع، مفتوحتها فى المفرد، وهو: "سَنَة"، فضلا عن أنها لمؤنث غير عاقل أيضًا، - وأصلها "سَنَهٌ" أو"سَنَوٌ"، بدليل جمعهما على "سَنهات" و"سَنَوات" ثم حذفت لام الكلمة، "وهي الحرف الأخير منها"، وعوض عنه تاء التأنيث المربوطة، ولم ترجع الواوعند الجمع.-
ومن الكلمات الملحقة بهذا الجمع سماعًا2، والتى تدخل في باب "سَنَة" كلمة: عِضَة، وجمعها: عِضون "بكسر العين فيهما". وأصل الأولى: "عِضَةٌ، بمعنى: كذب وافتراء. أو: عِضَوٌ. بمعنى: تفريق. يقال فلان كلامه عضهٌ، أى: كذب، وعمله عِضَوبين الأخوان، أى: تفريق وتشتيت؛ فلام الكلمة هاء، أوواو. ومثلها "عِزَة"، جمعها: عزُون "بالكسر فيهما". والعزَة: الفرقة من الناس، وأصلها عِزْىٌ؛ يقال: هذه عِزَة تطلب العلم ... وأنتم عِزون فى ميدان العلم. وأيضًا: "ثُبةٌ" بالضم، وجمعها: ثُبُون، بضم أول الجمع أوكسره1. والثُّبة "الجماعة"، وأصلها ثبَوٌ، أو: ثُبَىٌ، يقال: الطلاب مختلفون: ثبة مقيمة. وثُبة مسافرة، وهم ثُبون.
وعلى ضوء ما سبق نعرف السبب فى تسمية تلك الكلمات المسموعة بجمع التكسير، لأن تعريفه وحده هوالذى ينطبق عليها، دون غيره من جمعى التصحيح؛ إذ هو"ما تغَيَّر فيه بناء الواحد"3 وقد تغير بناء واحدها4.
__________
"1و 1" الغالب في باب "سنة" وأخواتها- وقد سبق توضيح المراد من "بابها" في رقم 5 من هامش ص 149: أن ما كان منه مفتوح الفاء في المفرد فإنه يكسر في الجمع، مثل سنة وسنين. وما كان مكسور الفاء في المفرد لم يتغير في الجمع، مثل مائة ومئتين. وما كان مضموم الفاء يجوز فيه الكسر والضم، مثل ثبة وثبين.
2 لأن باب "سنة" "أي: ما يشبهها- وقد سبق توضيحه في رقم 5 من هامش ص 149". سماعي ... وهذه القيود الموضوعة له إنما هي لضبط، اسمع، لا لقياسيته، فالأمر فيه كغيره مسموع.
3 انظر رقم 4 من هامش ص 149.
4 وكذلك نعرف السبب في امتناع جمع الكلمات الآتية جمع مذكر سالم، وفي عدم إدخالها في ملحقاته:(1/150)
رابعها: كلمات مسموعة لم تستوف بعض الشروط الأخرى الخاصة بجمع المذكر؛ فألحقوها به، ولم يعتبروها جمعًا حقيقيًّا. ومن هذه الكلمات، "أهل". فقد قالوا فيها: أهلون. مثل:
وما المالُ والأهلونَ إلا ودائعُ ... ولا بد يومًا أن ترَد الودائعُ
فجمعوها مع أنها ليست علمًا ولا صفة. ومنها: "عالمون"؛ ليست علمًا، ولا صفة أيضًا. وقد تكلمنا عنها من وجهة أخرى فيما سبق1. ومنها: "وابل"؛ بمعنى: مطر غزير. يقال: غَمَر الوابلون الحقول. فجمعوها، مع أنها ليست علمًا ولا صفة، ولا تدل على عاقل ...
خامسها: كلمات من هذا الجمع المستوفى للشروط، أومما ألحق به، ولكن سمي
__________
= أ- تمرة لعدم وجود حذف فيها.
ب- عدة وزنة، غير علمين؛ لأن المحذوف من كل واحدة هو فاء الكلمة، فأصل الأولى "وعد". والثانية: "وزن" حذفت الفاء وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة. أما إن كانا علمين، للمذكر فإنه يجوز جمعهما بعد حذف التاء من آخرهما بالصورة التي سبقت في "أ" من ص145.
ج- اسم "وأصلها: "سمو" بضم السين وكسرها، وسكون الميم" وأخت وبنت وأصلهما: "أخو". و "بنو"، على المشهور قيمها، حذفت اللام في الثلاثة، وعوض عنها الهمزة في أول كلمة: اسم، وسكنت السين، وعوضت التاء المفتوحة لا المربوطة في الأخيرتين. وشذ: بنون.
د- يد، ودم. أصلهما: "يدي". و "د مي"، حذفت اللام، ولم يعوض عنها شيء وشذ أبون وأخون، لأن مفردهما واوي اللام. وقد حذفت الواو التي هي لام الكلمة بغير رد، ولا تعويض. ومثل: "أب" وأخ بقية الأسماء الستة على الرأس القائل بأنها وردت عن العرب مجموعة جمع مذكر شذوذا، أي: هنون، وحمون، وذوون، وفون ...
ولا يمنع النحاة أن تكون الواو الأصلية التي هي لام الكلمة قد رجعت عند الجمع ثم حذفت. فأصل الكلمة عند الجمع كما يقولون: "أبوون" ثم حركت الباء بالضمة إتباعا للواو- "كما يحصل أحيانا، كالإتباع في المفرد المضاف، نحو. أبي" بعد حذف فتحة الباء. ثم حذفت ضمة اللامن لثقلها، وطلبا للتخفيف يحذفها، فالتقى ساكنان، الواو الأصلية واو الأسماء الستة، فحذفت الواو الأصلية التي هي لام الكلمة، فإنها رجعت ثم حذفت كما يتخيلون. وهذه الصورة الخيالية لا أثر لها في ضبط الكلمة وصحة المعنى. فالواجب الانصراف عنها وإهمالها، لما فيها من تكلف واضح لا داعي له....
وللحكم السابق اتصال. قوي وبعض تشابه بما سبق في "ح" من ص 135 ورقم 4 من هامشها.
هـ- شاة، وشفة، لأن لكل واحدة منهما جمع تكسير مسموعا عن العرب، ومعربا بالحركات، يقال: في الحقل شياه كثيرة، وللإبل شفاه غليظة. "وأصل شاه: شوه، حركت الواو بالفتح للتخفيف- كما يقولون- فقلبت ألفا، فصارت: شاه، ثم حذفت الهاء وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة فصارت: شاة.
وأصل شفة هو: "شفه" حذفت الهاء، وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة".
1 ص 184.(1/151)
بالكلمة1 قديمًا أو حديثًا وهي مجموعة، وصارت علمًا2 على مفرد بها، وصارت أعلامًا. فمن أمثلة الأولى المستوفي للشروط "حَمْدون"، "وعَبْدون"، و"خَلْدون"، و"زيدون" أعلام أشخاص معروفة قديمًا وحديثًا.
ومثال الثاني: "عِلِّيُّون". "اسم لأعالي الجنة" المفرد: عِلِّيَ. بمعنى المكان العالي، أو عِلِّية، بمعنى: الغرفة العالية. وهو ملحق بالجمع؛ لأن مفرده غير عاقل.
سادسها: كل اسم من غير الأنواع السابقة يكون لفظه كلفظ الجمع في اشتمال آخره على واو ونون، أو ياء ونون، لا فرق في هذا بين أن يكون نكرة؛ مثل: "يا سَمين" و"زيتون" أو علَمًا مثل: "صِفِّينَ" و"نَصِيينَ" و"فِلَسْطينَ3"
__________
1 تصح التسمية بجمع المذكر السالم وغيره من الجموع الأخرى للداعي البلاغي الذي قصده العرب في جاهليتهم وإسلامهم من التسمية بتلك الجموع وبالمثنى -كما سبق في "ج" من ص125- ومن أهم الدواعي: المدح: ويشمل التعظيم، والذم، والتلميح ... ومما يؤيد هذا مجيء واو الجماعة في مخاطبة المولى جل شأنه، كالتي في قوله تعالى حكاية لما يقوله يوم القيامة المعاند الجاحد فضل ربه: {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْت} كما يؤيده أن الضمير "نحن" موضوع المتكلم الذي معه غيره، أو للمتكلم وحده إذا أراد تعظيم نفسه.
أما طريقة إعراب المسمى به ففي" أ" من ص153.
2 التسمية بجمع المذكر السالم شائعة قديمًا شيوعًا يجعلها قياسية، فلا قوة للرأي الذي يقصرها على السماع.
ولهذا إشارة في رقم1 من هامش ص148 وفي "أ" من الصفحة الآتية.
3 وإلى كل هذا يشير ابن مالك بقوله:
وارفع بواو وبيا اجرر وانصب ... سالم جمع عامر، ومذنب
وشبه ذين، وبه عشرونا ... وبابه ألحق، والأهلونا
أولو، وعالمون، عليونا ... وأرضون شذ، والسنونا
وبابه، ومثل حين قد يرد ... ذا الباب وهو عند قوم يطرد
يريد بشبه ذين: ما أشبه: عامرًا من كل علم، مستوف للشروط، وما أشبه كلمة: "مذنب" في أنه صفة مستوفية كذلك. ثم يقول ألحق به عشرون وبابه. والمراد ببابه: أخوات عشرين من العقود العددية التي ذكرناها، وكذلك أهلون، وأولو، وعالمون، وعلييون.
ثم قال: وشذ: أرضون، وباب سنين، وقد أوضحنا المراد من باب "سنين" في رقم5 من هامش ص149 وإنما صرح بشذوذ هذين، مع أن جميع ملحقات جمع المذكر السالم شاذة -إلا النوع الخامس، كما سبق- لأن الشذوذ، فيهما أقوى، لفقد كل منهما أكثر الشروط. فكلاهما اسم جنس "وليس علمًا ولا صفة"، وكلاهما مؤنث، وغير عاقل، ولم يسلم مفرده عند الجمع.
ثم بين أن "سنين وبابه" قد يعرب إعراب: "حين" فتلازمه الياء والنون، وتظهر الحركات على النون منونة إلا عند وجود ما يمنع التنوين. وأن من العرب من يجعل هذا الإعراب الخاص بكلمة: "حين" عامًا يشمل كل جمع مذكر سالم، سمي به، ولا يجعله مقصورًا على سنين وبابه. -طبقًا لما في رقم20 من ص153 ومنهم من يجعله عامًّا شاملًا ما سمي به، وما لم يسم به.(1/152)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- بمناسبة النوع الخامس نشير إلى أن التسمية بجمع المذكر السالم معروفة قديمًا وحديثًا، كالتسمية بغيره من أنواع المفردات، والمثنيات، والجموع. فقياسيته أنسب1 فإذا سُمِّيَ به ففيه عدة إعرابات، يرتبها النحاة الترتيب التالِيَ، بحسب شهرتها وقوتها:
1- أن يعرب بالحروف كجمع المذكر السالم، مع أنه علم على واحد، فيبقى حاله بعد التسمية به كحاله قبلها. تقول في رجل اسمه سعدون: جاء سعدونَ. وأكرمت سَعْديِنَ، وأصغيت إلى سعدِينَ. وفي هذه الحالة لا تدخله "أل" التي للتعريف؛ لأنه معرفة بالعلمية2.
وإذا جاء بعده ما يقتضي المطابقة -كالنعت، والخبر ... وجب أن يطابق في الإفراد، مراعاة لمعناه ومدلوله. ولا يصح حذف نونه عند إضافته، لأنها ليست نون جمع ولأن حروف العلم لا يصح زيادتها أو نقصها- كما تقدم في المثنى ص 126نقلا عن الهمع.
واحتمال اللبس في هذا الوجه قوي. لإبهامه أنه جمع، ولأن حروفه تتغير بتغير إعرابه، مع أنه علم لمعين.
2- أن يلزم آخره الياء والنون رفعًا، ونصبًا، وجرًّا، ويعرب بحركات ظاهرة على النون مع تنوينها3 -غالباً- تقول في رجل اسمه محمدِين: هذا محمدِينٌ، ورأيت محمدِينًا، وقصدت إلى محمدينٍ، فكلمة: "مُحمدِين": إما مرفوعة بالضمة الظاهرة، أو: منصوبة بالفتحة الظاهرة، أو: مجرورة بالكسرة الظاهرة، مع التنوين3 "غالبًا في كل حالة"4 "فإعرابها -كما يقول النحاة
__________
1 كما سبق في رقم1 من هامش ص148 وفي2 من هامش ص152 -وكذلك سبق بيان الغرض من هذه التسمية في" "ج" من ص125 -وفي رقم1 من هامش ص152.
2 انظر" الملاحظة" التي في رقم2 من هامش ص139.
"3، 3" إن لم يوجد مانع يمنع التنوين، كالأسباب الخاصة بمنع الصرف، ومنها هنا العجمة مع العلمية، مثل: "قنسرين، اسم بلد بالشام" ومنها: النداء، ومنها: "أل" الجالبة للتعريف، ومنها الإضافة في آخره.
4 بشرط ألا تزيد حروفه على سبعة: "وهي أقصى ما يصل إليه تكوين الاسم المفرد أصالة في اللغة العربية". فإن زاد على سبعة بسبب طارئ على أصله أخرجه عن ذلك الأصل -كأن يكون علما منقولا من مثنى، أو من جمع. نحو اشهيبابين - لم يعرف بالحركات، وإنما يعرب بالحرف "الياء" الذي في آخره، ليكون إعرابه بالحرف دليلًا على زيادة الياء والنون فيه، فلا يخرج الاسم عن أقصى العدد المألوف من حروف الكلم- ومثل هذا أيضًا يراعى في الآراء التالية.(1/153)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كإعراب: غِسْلِين1 وحِين". وتلك النون لا تسقط في الإضافة؛ لأنها ليست نون جمع، والأخذ بهذا الإعراب -في رأينا- أحسن؛ في العلمَ المختوم بالياء والنون. والاقتصار عليه أولى2؛ ليسره ومطابقته للواقع الحقيقي، فهو بعيد، عن كل لَبس؛ إذ لا يتوهم الماء معه أن الكلمة جمع مذكر حقيقي؛ وإنما يدرك حين يسمعها أنها علم على مفرد. وهناك سبب هام يقتضي الاقتصار على هذا الرأى في العلَم المختوم بالياء والنون هو: "المعاملات الرسمية" الجارية في عصرنا على الوجه المبين عند الكلام على التسمية بالمثنى3 ...
والقصد من سرد الآراء التى تخالف هذا الأحسن والأيسر فهم النصوص القديمة الواردة بها، دون أن نبيح اليوم استعمالها؛ ومن الإساءة للغتنا أن نفتح الأبواب المؤدية إلى البلبلة والاضجراب فيما ننشئه من كلام، وإلى التعسير من غير داعٍ، فيما نمارسه من شئون الحياة.
ومن العرب من يجري حكم: "غِسْلين وحِين" منونًا -فى الغالب- أو غير منون على "سنين" وبابه كله. وإن لم يكن علمًا. ومنهم من يجريه منونًا على جميع أنواع المذكر السالم وملحقاته كما سبق4.
3- أن يلزم آخره الواو والنون في كل الحالات، ويعرب بحركات ظاهرة على النون من غير تنوين5 فيكون نظير: "هارون" في المفردات الممنوعة من الصرف. وهذه النون لا تحذف للإضافة، للسبب السالف.
4- أن يلزم آخره الواو والنون، في كل الحالات ويعرب بحركات ظاهرة
__________
1 هو: الصديد الذي يسيل من أهل جهنم.
2 انظر قرار مجمع اللغة العربية ومؤتمره في اختيارهما هذا الحكم وهو مدون في رقم3 من هامش الصفحة الآتية.
3 في آخر ص 126.
4 في آخر هامش ص 152.
5 فهو ممنوع من الصرف، للعلمية وشبه العجمة؛ لأن وجود الواو والنون في الأسماء المفردة يكاد يكون من خواص الأسماء الأعجمية.(1/154)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على النون، مع تنوينها1 فيكون نظير "عَرَبون"2 من المفردات.
ونرى أن الاقتصار على هذا الإعراب3 -أوعلى سابقه- أحسن في العَلم المختوم بالواو والنون؛ مثل: زيدون؛ لما سبق في نظيره المختوم بالياء والنون.
5- أن يلزم آخره الواو والنون المفتوحة في جميع الحالات، ويعرب بحركات مقدرة على الواو. والنون ثابتة هنا في جميع حالات الإعراب، كشأنها في الحالات السالفة.
ب- إذا سُمِّي بجمع المذكر، أو بما ألحق به "كالأعلام الواردة في النوع الخامس، ومنها: حَمدون، خَلدون، عَبدون، زيدون ... "، وأريد جمع هذا العلم جمع مذكر سالمًا، لم يصح جمعه مباشرة -كما عرفنا- وإنما يصح جمعه من طريق غير مباشر، وذلك بالاستعانة بالكلمة الخاصة التى يجب أن تسبق هذا العلم، وتلحقها علامة الجمع رفعاً، ونصبًا، وجرًّا، وهذه الكلمة هي: "ذو" دون غيرها، وتصير في الرفع: "ذوُو"، وفي النصب والجر: "ذَوِي" وهي "مضافة"، والعلم بعدها هو "المضاف" إليه دائمًا، وفيه الإعرابات السابقة فيقال: جاءني ذُوو حمدون، وصافحت ذَوِي حمدون، وأصيغت إلى ذَوي حمدون ... فكلمة: "ذَوو" و"ذَوِي" تعرب على حسب حاجة الجملة، وترفع بالواو، وتنصب وتجر بالياء وتلك الكلمة هي التى توصل لجمع المسمى بجمع المذكر السالم وملحقاته.
__________
1 إن لم يوجد مانع من الصرف: كالعجمة مع العلمية هنا -أو بالإضافة، أو النداء، أو التأنيث أو "أل" المفيدة للتعريف وستأتي في م30.
2 المال الذي يدفعه المشتري مقدما في صفقة، لضمان إتمامها، وأنه لن يرجع عن شرائها، وإلا ضاع ذلك المقدم.
3 وقد اقتصر عليه المجمع اللغوي القاهري ومؤتمره -طبقًا لما جاء في ص13 من كتابه الصادر في سنة 1969 باسم "كتاب في أصول اللغة" ونص قراره تحت عنوان: "صيغة: فعلون وكونها عربية" وإعرابها: "ما كان من الأعلام منتهيا بواو ونون زائدتين نحو: ميسون، وحمدون، وخلدون، له أمثلة منذ أقدم العصور العربية، فصيغته عربية، وعليها صيغ ما ورد من أعلام أهل المغرب. وهو يعرب إعراب المفرد بالحركات على النون مع التنوين، ومع لزوم الواو. فإن كان علمًا لمؤنث منع من الصرف للعلمية والتأنيث. ويأخذ هذا الحكم ما كان منتهيًا بياء ونون زائدتين اهـ".
4 في ص151.(1/155)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما الطريقة إلى تثنية هذا الجمع فهي الطريقة التي تقدمت في التثنية، ويستعان فيها بكلمة: "ذو" أيضًا.
ج- سبقت الإشارة2 إلى أن النون مفتوحة في جمع المذكر السالم وملحقاته3 في أحواله الإعرابية المختلفة؛ أي: في حالة رفعه بالواو، أو نصبه أو جره بالياء، ولا علاقة لهذه النون بإعرابه. ومن العرب من يكسرها، ولكن لا داعي للأخذ بهذه اللغة، منعًا للخلط والتشتيت من غير فائدة.
أما نون المثنى وجميع ملحقاته4 فالأشهر فيها أن تكون مكسورة في الأحوال الإعرابية المختلفة. وقليل من العرب يفتحها، ومنهم من يضمها بعد الألف، ويكسرها بعد الياء، في حالتي النصب والجر، ولا داعي للعدول عن الرأي الأشهر في الاستعمال، للسبب السالف5 في حركة نون جمع المذكر السالم.
د- لنون المثنى والجمع وملحقاتهما أثر كبير في سلامة المعنى، وإزالة اللبس؛ ففي قولنا: سافر خليلان: موسى ومصطفى -نفهم أن موسى ومصطفى هما الخليلان، وأنهما اللذان سافرا، بخلاف ما لو قلنا: سافر خليلا موسى ومصطفى؛ بغير النون فإننا قد نفهم الكلام على الإضافة "إضافة: خليلاَ إلى موسى" ويتبع هذا أن الخليلين هما اللذان سافرا، دون موسى ومصطفى. وفرْق بين المعنيين.
ومثل هذا أن نقول فى الجمع: مررت ببنينَ أبطال؛ فالأبطال هم البنون؛ والبنون هم الأبطال، فلو حذفت النون لكان الكلام: مررت ببني أبطال، وجاز أن نفهم الكلام على الإضافة؛ إضافة البنين إلى أبطال؛ فيتغير المعنى.
__________
1 في آخر رقم 2 من هامش في أول ص 129.
2 ص 139.
3 ويدخل فيها: ما سمي به، وما جمع على سبيل، "التغليب" وغيرهما.
4 يدخل فيها ما سمي به، وما ثنى على سبيل "التغليب" واثنان واثنتان"، وغيرهما من كل ما أعرب إعراب المثنى. كما سبقت الإشارة لهذا في رقم4 من هامش ص120.
5 وفي هذا يقول ابن مالك:
ونون مجموع وما به التحق ... فافتح وقل من بكسره نطق
ونون ما ثني والملحق به ... بعكس ذاك استعملوه، فانتبه.
كلمة "نون" الأولى مبتدأ، خبره: الجملة الفعلية: "افتح" و "الفاء" التي في اولها زائدة، لتزيين اللفظ - كما في الصبان، وانظر رقم 4 من ص 393 وم 41 ص 535.(1/156)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك تمنع توهم الإفراد في مثل: جاءني هذان، ورحبت بالداعين للخير؛ فلو لم توجد النون لكان الكلام: جاءني هذا، ورحبت بالداعي للخير؛ وظاهره أنه للمفرد، وهو غير المراد قطعًا.
وتحذف نون المثنى والجمع للإضافة -كما أشرنا- في الأمثلة السابقة؛ وهو حذف لازم؛ كحذفها وجوبًا مع "اثنين" و"اثنتين" عند تركيبهما مع عْشر، أو: عَشرة ... ؛ فتحل كلمة: "عَشر، أو: عشْرة" مكان النون بعد حذفها، نحو: "اثنا عشَر" و"اثنتا عشْرة"؛ فتعرب: "اثنا" و"اثنتا" إعراب المثنى، وكلمة "عْشر أو: عَشرة" اسم مبني1 على الفتح لا محل له من الإعراب، لوقوعه موقع نون المثنى التي هي حرف. كما سبق2.
وقد تحذف جوازًا للتخفيف؛ إذا كانت في آخر اسم مشتق "أيْ: وَصْف" في أوله "أل" الموصولة3، و"خيرًا"، قد نصَب بعده مفعوله مثل: ما أنتما المهملا واجبًا، وما أنتم المانعو خيرًا؛ ومنه قراءة من قرأ: "والمقيمي الصلاةَ" "بنصب كلمات: "الواجبَ"، وخيرًا، و"الصلاةَ"؛ على أنها مفعول به لاسم الفاعل الذى قبل كل منها"4.
ويجيز سيبويه وآخرون حذف نون ما دل على تثنية أو جمع من أسماء الموصول؛ نحو: اللذان، واللتان، والذين.
وقد تحذف نون الجمع جوازًا إذا وقع بعدها لام ساكنة، كقراءة من قرأ: "غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهَ". بنصب كلمة "اللهَ" على أنها مفعول به "أصله: معجزين اللهَ"، وقراءة: "وإنكم لذائقو العذابَ" بنصب كلمة: "العذابَ" على أنها مفعول به أيضًا، وأصلها: "وإنكم لذائقون العذاب".
وأقل من هذا أن تحذف من غير وقوع اللام الساكنة بعدها؛ كقراءة من قرأ: "وما هم بضَارّي به من أحد" وأصلها: "بضارين به".
وقد تحذف النون جوازًا لشبه الإضافة في نحو: لا غلاميْ لمحمد، ولا مكرَميْ للجاهل، إذا قدرنا الجار والمجرور صفة، والخبر محذوفًا5.
__________
1 لتضمنه -كما يقولون- معنى حرف العطف، إذ الأصل: اثنا وعشر ... إلخ. والسبب الحق السماع المحض.
2 في "و" من ص134 ويجيء في313.
3 وجود "أل" دليل على أن الكلمة غير مضافة.
4 إيضاح هذه الحالة في باب الإضافة - ج3 م93.
5 أصحاب هذا الرأي يوضحونه بأن الجار والمجرور إذا جعلا صفة لاسم "لا" النافية للجنس صار بهذه الصفة من قسم الشبيه بالمضاف؛ لأن الصفة من تمام الموصوف، كالمضاف إليه فإنه يتمم المضاف. وإذا صار شبيها بالمضاف جاز عندهم حذف ما في آخره من التنوين، أو نون المثنى والجمع كما يحذف من المضاف الأصيل. وسيجيء هذا في باب "لا" الجنسية آخر الجزء، ص690.(1/157)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك في. لَبَّيْكَ1 وسَعْدَيك2 ... وأشباههما عند من يرى أن الكاف حرف للخطاب، وليست باسم.
وقد يحذفان للضرورة في الشعر.
هذا، وعلى الرغم من أن حذفهما جائز في الموضع التى ذكرناها -فمن المستحسن الفرار منه قدر الاستطاعة؛ منعًا للغموض واللبس، وضبطًا للتعبير في سهولة، ووضوح، واتفاق يلائم حالة الناس اليوم. أما الموضع التى يجب فيها حذفهما فلا مفر من مراعاتها.
هـ- الأصل3 في المثنى أن يدل على اثنين حقيقة. لكن قد يكون اللفظ ظاهره التثنية ومعناه الجمع بشرط وجود قرينة؛ فيكون ملحقًا بالمثنى في الإعراب فقط، وليس مثنى حقيقة؛ لفقد شرط التثنية؛ ومن ذلك: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْن} أي: كَرَّات؛ لأن المراد التكثير، والتكثير لا يتحقق بكَرتين، وإنما يتحقق بكَرَّات. ومثله: حَنَانَيْك ... وهذا النوع يجوز فيه التجريد من علامتَيِ التثنية اكتفاء بالعطف، مثل: أتعبتنا الأسفار؛ خمس وخمس، وذَهاب وذهاب ورجوع ورجوع ومنه قول الشاعر:
تَخدِي4 بنا نُجُبٌ أفْنَى عرائكهَا ... خَمْسٌ وِخَمْسٌ وتأويبٌ وتأويبُ
وقد يغنى التكرار عن العطف5؛ كقوله تعالى: {صَفًّا صَفًّا} ، وقوله: {دَكًّا دَكًّا} .
__________
1 بمعنى: إجابة منا لك بعد إجابة.
2 بمعنى إسعادًا لك بعد إسعاد. أي: مساعدة لك بعد مساعدة، أو معاونة لك بعد معاونة.
3 ما يأتي هو الذي أشرنا إليه في رقم5 من هامش ص118 حيث قلنا: إن اللفظ قد يكون في ظاهره للمثنى، وفي معناه للجمع ... وله صلة أيضا بما في "هـ" من ص133.
4 "تخذي": تسرع "نجب" جمع: نجيبة، وهي: الناقة الأصيلة الجيدة.
"عرائك"، جمع: عريكة، وهي: السنام، "التأويب" السفر طول النهار، أو: الرجوع من السفر وغيره، والأحسن هنا: الأول، والخمس: سفر خمسة أيام. ويضح: الخمس "بكسر الخاء" وهو ترك الإبل ثلاثة أيام ترعى بغير شرب، ثم ترد الماء في اليوم الرابع، كأن تشرب في يوم الخميس -مثلا- وتترك الشرب ثلاثة أيام بعده، هي: الجمعة، والسبت، والأحد، ثم تشرب في اليوم الرابع، وهو يوم الاثنين. فإذا احتسبنا اليوم الأول الذي شربته فيه كان يوم الاثنين هو الخامس له. ومن هنا جاء الخمس بكسر الخاء.
5 سبق للمسألة إيضاح وتفصيل في -"هـ" من ص133.(1/158)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
و سبق1 أن قلنا إن المثنى المرفوع إذا أضيف إلى كلمة أولها ساكن؛ مثل: غاب حارسًا الحقل وأقبل زارعًا الحديقة -فإن علامة التثنية "وهي الألف" تحذف نطقًا، لا خَطًّا2. ويرجح النحاة في إعرابه أن يقال: إنه مرفوع بألف مقدرة ...
وكذلك الشأن في جمع المذكر؛ فإنه إذا أضيف حذفت نونه للإضافة؛ فإن كانت إضافته إلى كلمة أولها ساكن حذفت واوه رفعًا، وياؤه نصبًا، وجرًّا؛ في النطق، لا في الكتابة2؛ تقول: جاء عالمو المدينة، وكرمت عالمِي المدينة، وسعيت إلى عالمِي المدينة3.
لكن ما إعرابه؟ أيكون مرفوعًا بالواو الظاهرة في الكتابة، أم بالواو المقدرة المحذوفة في النطق لالتقاء الساكنين؛ فهي محذوفة لعلة، فكأنها موجودة؟
وكذلك في حالة النصب والجر؛ أيكون منصوبًا ومجرورًا بالياء المذكرورة أم المقدرة؟
يرتضي النحاة أنه معرب في جميع حالاته بالحرف المقدر؛ لأنهم هنا يقدمون النطق على الكتابة، ويعدون هذه الحالة كحالة المثنى في أنها من مواضع الإعراب التقديري4، لا الإعراب اللفظي.
ونقول هنا ما سبق أن قلناه في المثنى: وهو أنه لا داعي اليوم للأخذ بهذا الرأي، ولن يترتب على إهماله ضرر؛ لأن الخلاف شكلي لا قيمة له. ولكن الإعراب التقديري هنا لا يخلو من تكلف، وقد يؤدي إلى اللبس.
كذلك تقدر الواو رفعًا -فقط- في جميع المذكر السالم إذا أضيف إلى ياء المتكلم؛ نحو: جاء صاحبِيَّ. وأصلها: صاحبون لي؛ حذفت اللام للتخفيف، والنون للإضافة؛ فصارت الكلمة صاحِبُويَ. اجتمعت الواو والياء، وسَبقت إحداهما
__________
1 في "ز" من ص135.
"2و 2" مع ملاحظة قرار المجمع اللغوي الذي يبيح- المد عند خوف اللبس وهو القرار الذي سجلناه في رقم2 من هامش ص51 ونعيد تسجيله هنا ونصه: تحت عنوان: إباحة المد عند التقاء الساكنين، أو زيادة موضع لاغتفار التقاء الساكنين: "لا حرج على من يدفع اللبس بمد عند الساكنين، مثل قولهم: اجتمع مندوبو العراق بمندوبي الأردن".
3 يشترط لصحة هذا الحذف ألا يكون جمع المذكر مقصورًا- كما سيجيء البيان في رقم3 من ص204.
4 بيان في ص75 و 84 وستذكر مواضعه مفصلة في ص198.(1/159)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالسكون، قُلبت الواو ياء؛ فصارت الكلمة: صاحُبُيَّ، ثم حركت الباء بالكسرة؛ لتناسب الياء؛ فصارت الكلمة: صاحِبِيَّ. ومثلها جاء خادِميّ ومساعدِيّ، إذ يرتضي النحاة في إعرابها: "خادميّ"، فاعل مرفوع بالواو المقدرة المنقلبة ياء المدغمة في ياء المتكلم. و"خادم" مضاف وياء المتكلم مضاف إليه؛ مبنية على الفتح في محل جر. وكذلك الباقي وما أشبهه.
ويقول فريق آخر: إن إعراب كلمة: "صاحِبِيّ" وأشباهها هو إعراب لفظي، لا تقديري؛ لوجود ذات الواو، ولكن في صورة ياء. وتغير صورتها لعلة تصريفية لا يقتضي أن نقول إنها مقدرة. والخلاف بين هذين الرأيين لا قيمة له؛ لأنه خلاف لفظي، شكلى، لا يترتب عليه شيء عملي؛ فلا مانع من اتباع أحد الرأيين. والأول أفضل لموافقته لبعض حالات خاصة أخرى.
ز- جسم الإنسان -وغيره- ذو أعضاء، وأجزاء، وأشياء أخرى تتصل به، منها: ما يلازمه ويتصل به دائمًا، فلا ينفصل عنه في وقت، ثم يعود إليه في وقت آخر؛ كالرأس؛ والأنف، والظهر، والبطن، والقلب ... ومنها: ما يتصل به حينًا، وينفصل عنه حينًا، ويعود إليه بعد ذلك؛ كالثوب، والأدوات الجسمية الأخرى وأشباهها ... فإذا كان في الجسم شيء واحد لا يتعدد، ولا ينفصل عنه، كالرأس؛ والقلب -ضممت إليه مثله جاز فيه ثلاثة أوجه:
أوَلها: الجمع: وهو الأكثر. نحو: ما أحسن رءوسكما. ومنه قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} . وإنما عبروا بالجمع مع أن المراد التثنية؛ لأن التثنية في الحقيقة جمع لُغَوى1؛ ولأنه مما لا يقع فيه لَبس، ولا إشكال؛ فمن المعلوم ألا يكون للإنسان إلا رأس واحد، أو قلب واحد ...
ثانيها: التثنية على الأصل وظاهر اللفظ؛ نحو: ما أحسنَ رأسَيْكما، وأطيبَ قلبيْكما.
ثالثها: الإفراد؛ نحو؛ ما أحسنَ رأسكما، وأطيبَ قلبَكما. وهذا جائز لوضوح المعنى، إذ كل فرَد له شيء واحد من هذا النوع، فلا يشكل، ولا يوقع في لبس. فجيء باللفظ المفرد، للخفة.
__________
1 راجع ماله اتصال بهذا، والأمثلة الواردة التي تؤيده في رقم1 من هامش ص119 ورقم2 من هامش ص137.(1/160)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما ما يكون في الجسد منه أكثر من واحد؛ كاليد، والرجل؛ فإنك إذا ضممته إلى مثله لم يكن فيه إلا التثنية؛ نحو: ما أكرمَ يديكما، وما أسرعَ رجليكما. أما قوله تعالى: {السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فإنه جمع؛ لأن المراد الإيمان: "جمع يمين، أي: اليد اليمنى"1.
وأما ما يتصل بالجسم وينفصل عنه من نحو: ثوب، وغلام فلا يجوز فيه إلا التثنية إذا ضممت منه واحدًا إلى مثله؛ نحو أُعْجبتُ بثوبيكما ... وسلمت على غلاميكما ... إذا كان لكل واحد ثوب وغلام. ولا يجوز الجمع في مثل هذا؛ منعًا للإبهام واللبس؛ إذا لو جمع لأوهم أن لكل واحد أثوابًا وغلمانًا. وهو غير المراد2. وكذلك لا يجوز الإفراد؛ للسبب السالف.
ح- سبق الكلام على منع تثنية جمع المذكر وجمعه بطريقة مباشرة فيهما، وإباحة ذلك عند التسمية به3 ... فهل يجوز تثنية جمع التكسير، وجمعه؟
فريق قال: إن جمعه مقصور على السماع. أما تثنيته فملخص الرأي فيها عنده أن القياس يأبى تثنية الجمع، وذلك أن الغرض من الجمع الدلالة على الكثرة العددية، والتثنية تدل على القلة؛ فهما متدافعان، ولا يجوز اجتماعهما في كلمة واحدة. وقد جاء شيء من ذلك -عن العرب- على تأويل الإفراد؛ قالوا: إبلان، وغَنَمان. وجمَالانِ. ذهبوا بذلك إلى القطيع الواحد، وضموا إليه مثله فثنوه ... وما دام القياس يأباه فالأحسن الاقتصار فيه على السماع4.
وفريق آخر -كما سيجيء5- يميل إلى إباحة الجمع فيما يدل على القلة، دون ما يدل على الكثرة.
والأفضل الأخذ بالرأي القائل إن الحاجة الشديدة قد تدعو أحيانًا إلى جمع الجمع، كما تدعو إلى تثنيته؛ فكما يقال في جماعتين من الجِمال: جمالان -كذلك يقال في جماعات منها: جِمالات. وإذا أريد تكسير جمع التكسير روعي فيه ما نصوا عليه في بابه5.
__________
1 هل المراد أن اليمنى واحدة، فإذا انضمت إلى مثلها جاز الجمع؟ إن كان هذا التعليل صحيحًا فهو منطبق على جميع الأعضاء الزوجية في الجسم. فكيف تجب التثنية؟ إلا أن يقال إن اليمنى أشهر في اليد اليمنى حتى تكاد تختص بهذا الوصف، وتصير بمنزلة شيء واحد.
2 راجع الجزء الرابع من شرح "المفصل" ص155.
3 في ص155، 129.
4 راجع الجزء الرابع من شرح المفصل ص153.
"5و 5" في جـ4 ص 505 م 174.(1/161)
المسألة الثانية عشرة: جمع المؤنث السالم
د- جمع المؤنث السالم1:
فى الأمثلة السابقة كلمات مفردة، تدل كل كلمة منها على شىء واحد مؤنث، أومذكر، "مثل: سيدة، هند، عطية، سُرادق ... ".
وحين زِدنا فى آخرها الألف والتاء المفتوحة2 صارت تدل على جمع مؤنث؛ مثل: سيدات، هندات3، عطيات3، سُرَادِقات، واستغنينا بهذه الزيادة عن العطف بالواو4؛ أى: عن أن نقول: سيدة؛ وسيدة؛ وسيدة ... أوهند، وهند، وهند ... إلخ.
فهذه الكلمات تسمى: الجمع بالألف والتاء الزائدتين، أو: جمع المؤنث السالم؛ كما هوالمشهور5. وهو: ما دل على أكثر من
__________
1 سبق في رقم1 من هامش ص137 معنى: "السالم" وضبطها. وسبب تسميته هو وجمع المذكر السالم: بجمعي التصحيح.
2 أي: تاء التأنيث المتسعة التي ليس أصلها الهاء، فهي غير التاء المربوطة التي تدل على تأنيث الاسم -كما سيجيء في رقم3 من هامش ص163، 166 ورقم1 من هامش ص166.
"3 و 3" انظر الملاحظة التي في ص167.
4 قد يجوز العطف بالواو أحيانًا، أو بغيرها للدواعي التي بيناها في المثنى، وجمع المذكر "في "هـ" من ص 133 و 1 من هامش ص138".
5 يفضل كثير من النحاة الأقدمين تسميته: "الجمع بألف وتاء مزيدتين"، دون تسميته بجمع المؤنث السالم، لأن مفرده قد يكون مذكرًا، كسرادق وسرادقات، وأحيانًا لا يسلم مفرده في الجمع، بل يدخله شيء من التغير: كسعدى وسعديات، فإن ألف الاثنين التي في مفرده صارت ياء عند الجمع. ومثل لمياء ولمياوات، قلبت الهمزة واوا في الجمع، مثل: سجدة وسجدات، تحركت الجيم في الجمع بعد أن كانت ساكنة في المفرد. وبالرغم من ذلك كله لا مانع من التسمية الثانية، لأنها تنطبق على أغلب الحالات، واشتهرت بين النحاة وغيرهم حتى صارت، "اصطلاحا" معروفا، وخاصة الآن.(1/162)
اثنين1 بسبب زيادة معَينة في آخره، أغنتْ عن عطف المفردات المتشابهة في المعنى، والحروف، والحركات، بعضها على بعض. وتلك الزيادة هي "الألف والتاء" في آخره.
ومفرد هذا الجمع قد يكون مؤنثًا لفظيًّا ومعنويًّا معًا؛ مثل: سيدة، وسُعْدَى ولمْيَاء. والجمع؛ سيدات، وسُعَديات، ولمياوات.
__________
1 ما العدد الذي يدل عليه جمع المؤنث السالم؟ أهو عدد لا يقل عن ثلاثة، ولا يزيد على عشرة، فيكون كجمع القلة، أم يزيد على العشرة؟ بيان هذا في رقم: 2 من هامش ص 137.
2 ينقسم المؤنث باعتبار معناه إلى حقيقي، وهو: ما يلد ويتناسل ولو من طريق البيض والتفريخ، كالطيور-، وإلى غير حقيقي، "أي: إلى مجازي"، وهو ما كان مؤنثا لا يلد ولا يتناسل، مثل: أرض، شمس....
وينقسم باعتبار لفظه إلى "لفظي"، وهو: ما كان مشتملا على علامة تأنيث ظاهرة، سواءا أكان دالا على مؤنث أم مذكر، مثل: فاطمة، وحمزة، ومعاوية، وشجرة، وسلمى، وخضراء. وإلى معنوى" وهو ما كان لفظه خاليا منها مع دلالته على التأنيث ... نحو: زينب، وشمس، وأرض ... - وسيجيء بيان هذا في باب الفاعل ج2 م66 ص75 -وأشهر علامات التأنيث في الاسم هي التاء المربوطة التي أصلها الهاء في مثل: أمينة، وشجرة ... وألف التأنيث المقصورة في مثل: دنيا، وريا- وعليا- والممدودة في مثل: خضراء، وبيضاء وأربعاء. وهناك علامات أخرى تلي تلك، كالكسرة في مثل الضمير، "أنت"،..... ونون النسوة في مثل: "أنتن". .. وللتأنيث وعلاماته وأحكامه باب خاص به في الجزء الرابع - م 169 ص 542.
3 يستثنى من المقصورة عند البصريين ومن معهم: "فعلى" مؤنث: "فعلان"، مثل: "سكرى" مؤنث "سكران" فلا يقال "سكريات". ويستثنى من الممدودة: "فعلاء" مؤنث: "أفعل"، كحمراء، مؤنث أحمر، فلا يقال: حمراوات"، لأن النحاة يقولون: ما لا يصح جمعه جمع مذكر سالم لا يصح - غالبا- في مؤنثه أن يجمع جمع مؤنث سالم،- كما سبق البيان والتفصيل في رقم 3 من هامش ص 143، وفي "د" من ص 172 فهاتان يجمعان جمع مذكر ولا جمع مؤنث سالمين "إلا عند الكوفيين" ما داما باقيين على الوصفية، فإن صارا اسمين مجردين من الوصفية- جاز جمعهما تصحيحا جمع مذكر أو مؤنث على حسب المعنى. وبسبب هذه الاسمية قيل: "خضراوات" لبعض أنواع النبات، و "حمراوات" لبعض المدن و "كبريات" و "صغريات" جمع: "كبرى" و "صغرى" اسم موضعين في مصر ...
- انظر: "ب" من ص 142، لأهميتها، وكذا "أ" من "الزيادة التي تليها في ص 145 -.
ورأي الكوفيين هنا- كرأيهم في جمع هاتين الصيغتين جمع مذكر سالم- أنسب، وأدلتهم مقبولة، لما سبق أن عرضناه في رقم 3 من هامش ص 143 وفيها قرار المجمع اللغوي بإباحة جمع "فعلان فعلى" بالتفصيل والبيان المذكورين هناك، فالأخذ بالرأي الكوفي سائغ، وإن كان الرأي البصري أقوى..(1/163)
وقد يكون مفرده مؤنثًا معنويًّا فقط؛ بأن يكون خاليًا من علامة التأنيث مع دلالته على مؤنث حقيقي؛ مثل: هند، وسعاد. والجمع: هندات، وسعادات.
وقد يكون مفرده مؤنثًا لفظيًّا فقط؛ بأن يكون لفظه مشتملًا على علامة تأنيث، مع أن المراد منه مذكر. مثل: عطية، اسم رجل، وجَمعه: عطيات، وشَبَكة، اسم رجل، وجمعه: شَبَكات ... وقد يكون مفرده مذكرًا؛ كسُرادِق وسرادِقات.
وحكم هذا الجمع: أنه يرفع بالضمة، وينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة، ويجر بالكسرة، كما في الأمثلة السابقة، وأشباهها. كل هذا بشرط أن تكون الألف والتاء زائدتين معًا؛ فإن كانت الألف زائدة والتاء أصلية؛ مثل: بيت وأبيات، وقوت وأقوات، وصوت
__________
1 يستثنى من "المؤنث المعنوي" ما كان علمًا لمؤنث على وزن: فعال، "مثل "حذام" و "رقاش" و "قطام" عند من يقول ببناء صيغة "فعال" دائمًا، لأن المبني لزومًا لا يثنى ولا يجمع.
2 وهذا التنوين هو تنوين "المقابلة" وتفصيل الكلام عليه في ص41- وإنما يجب ذكر هذا التنوين في كل الحالات إن لم يمنع منه مانع آخر، كالإضافة، أو: أل..
وهناك لغة تنصبه بالفتحة إن كان مفرده محذوف اللام "وهي: الحرف الأخير من أصول الكلمة" ولم ترد هذه اللام عند الجمع، مثل: سمعت لغات العرب، وأكرمت بناتهم؛ لأن المفرد فيهما: لغة، وبنت، وأصلهما" "لغو" و "بنو". حذفت الواو فيهما، ولم ترجع في الجمع. فإن ردت اللام في الجمع مثل: سنوات، وسنهات، في جمع سنة، وجب نصبه بالكسرة. إلا عند الكوفيين -ورأيهم هنا ذعيف- فإنهم يجيزون نصبه بالفتحة مطلقًا، سواء أحذفت لامه أم لم تحذف.
ومن النحاة من يعتبر كلمة: "بنات" جمع تكسير. وحجته: أن مفردها "بنت" قد دخله التغيير عند الجمع، وهذا شأن المفرد عند جمعه تكسيرًا لا جمعًا مؤنثًا سالمًا أصيلًا والأكثرية تعتبرها جمع مؤنث "راجع التصريح ج1. باب الفاعل، عند الكلام على تأنيث الفعل لأجل فاعله".
ومن المستحسن جدًّا إهمال هذه اللغات، والاقتصار على أكثر اللغات شيوعًا وأشدها جريانًا في الأساليب السامية، وهي اللغة الأولى. وإنما نذكر غيرها ليستعين بمعرفتها المتخصصون في فهم النصوص القديمة، دون استعمالها -على الرغم من صحة محاكاتها بضعف.
"ملاحظة" بهذه المناسبة نذكر أن المفرد الذي يراد جمعه بالألف والتاء الزائدتين إن كان محذوف اللام بغير تعويض همزة الوصل عنها، فإن لامه ترجع في الجمع إن كانت ترجع في الإضافة فإن لم ترجع في الإضافة فإنها لا ترجع في الجمع ... أي: أن حكمها من جهة رجوعها في الجمع هو حكم رجوعها عند الإضافة -كما سبق الإشارة في رقم4 من هامش ص111. والبيان في "ح" من ص135.(1/164)
وأصوات، ووقت وأوقات ... -لم يكن جمع مؤنث سالم، ولم ينصب بالكسرة؛ وإنما هو جمع تكسير، ينصب بالفتحة. وكذلك إن كانت ألفه أصلية والتاء زائدة، -مثل: سُعاة1: جمع ساع، ورماة: جمع رام، ودعاة: جمع داع، وأشباهها؛ فإنه يدخل فى جموع التكسير التي تنصب بالفتحة.
ملحقاته:
أُلحق بهذا الجمع نوعان، أولهما: كلمات لها معنى جمع المؤنث ولكن لا مفرد لها من لفظها؛ وإنما لها مفرد من معناها، فهى اسم جمع"2، مثل "أولات"3 ومفردها: "ذات"، بمعنى صاحبة، فمعنى كلمة: "أولات" هو: صاحبات. تقول: الأمهاتُ أولاتُ فضل، عرفت أوُلاتِ فضل، احترمت أوُلاتِ فضل.
وكلمة: "أولات" مضافة4 دائمًا؛ ولهذا ترفع بالضمة من غير تنوين، وتنصب وتجر بالكسرة من غير تنوين أيضًا؛ ومثلها: "اللاّت" "اسم موصول لجمع الإناث"، عند من يلحقها بجمع المؤنث5، ولا يبنيها على الكسر، كالإعراب
__________
1 أصل سعاة: سعية، "على وزن فعلة"، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا، فصارت سعاة: فألفها أصلية، لأنها منقلبة عن حرف أصل، وهو الياء التي أصلها لام الفعل: "سعى"، لأنه يأتي اللام، تقول: سعيت سعيًّا. ومثلها: رماة، فأصلها: رمية، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا، والفعل "رمي" يأتي اللام أيضًا، تقول: رميت رميًّا.
أما دعاة، فأصلها: دعوة: تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا. والفعل "دعا" واوي اللام، تقول: دعوت دعوة ... فالألف هنا أصيلة، لأنها منقلبة عن واو أصلية.
2 سبق تعريفه في رقم2 من ص148.
"3، 3" همزتها مضمومة، ولا تمد، برغم وجود واو بعدها.
4 وإضافتها لا تكون إلا لاسم جنس ظاهر "مثل: علم، فضل، أدب ... ، أما غير الظاهر فلا تضاف إليه، كالضمير الذي يعود على اسم جنس، فلا يصح الفضل أولاته الأمهات".
ومن أمثلة "أولات" قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْل} "فأولات" خبر كان، منصوب بالكسرة، واسمها: نون النسوة المدغمة مع نون "كان".
"ويقول النحاة: أصل "كان" هنا: كون، بضم الواو بعد تحويل الفعل إلى باب: فعل. استثقلت الضمة على الواو فنقلت منها إلى الكاف بعد حذف الفتحة، ثم حذفت الواو لا لتقاء الساكنين! والتكلف في هذا ظاهر، لا داعي له، فخير منه أن نقول: إن العرب تضم الكاف من "كان" وتحذف الألف عند إسناد هذا الفعل لنون النسوة، أو لضمير رفع متحرك، من غير أن يكون هناك علة إلا نطقهم.
5 لا داعي للأخذ بهذه اللغة اليوم للأسباب التي نرددها كثيرًا.(1/165)
المشهور، يقول: جاءت اللاتُ تعلمن، ورأيتِ اللاتِ تعلمن، وفرحت باللاتِ تعلمن؛ فاللات عنده اسم جمع لكلمة: "التى".
ثانيهما: ما سمي به من هذا الجمع1 وملحقاته، وصار علمًا لمذكر أو مؤنث بسبب التسمية؛ مثل: سعادات، وزينبات، وعنايات، ونعمات، وأشباهها مما صار علمًا على رجل أو امرأة. ومثل: عَرَفات؛ "اسم مكان بقرب مكة"، وأذْرِعات "اسم قرية بالشام". وغير ذلك، مما لفظه لفظ جمع المؤنث، ولكن معناه مفرد مذكر أو مؤنث. مثل: سافرت سعاداتٌ، ورأيت سعاداتٍ، واعترفت لسعاداتٍ بالفضل. فهذا النوع يعرب بالضمة رفعًا، وبالكسرة نصبًا وجرًّا، مع التنوين2 في كل الحالات؛ مراعاة لناحيته اللفظية الشكلية التي جاءت على صورة جمع المؤنث السالم، مع أن مدلولها مفرد.
وبعض العرب يحذف التنوين، وبعضهم يعربه بالضمة رفعًا من غير تنوين، وينصبه ويجره بالفتحة من غير تنوين في الحالتين، أي: يعربه إعراب ما لا ينصرف مراعاة لمفرده، بشرط أن يكون هذا المفرد مؤنثًا فيقول: هذه عرفاتُ، زرت عرفاتَ، ووقفت بعرفاتَ. وإذا أراد الوقوف على آخره وَقف بالتاء المفتوحة3،
__________
1 في رقم1 من هامش ص152 بيان السبب في التسمية بالمثنى وبالجمع.
2 لكن كيف يوجد التنوين في هذا النوع مع وجود ما يوجب منعه من الصرف، وهو: "العلمية والتأنيث المعنوي" في مثل: "سعادات" وأشباهها، من كل لفظ على صيغة جمع المؤنث ولكنه علم على مفردة؟ "وقلنا التأنيث المعنوي، لأن التاء الموجودة تاء مفتوحة ليست هي التي تدل على تأنيث اللفظ، وإنما الذي يدل على تأنيث اللفظ هو التاء المربوطة التي أصلها هاء، كما سبق في رقم2، 3 من هامشي ص162 أو 163".
يجب النحاة عن هذا بأن التنوين هنا للمقابلة، لا للصرف؛ لأن الكلمة منقولة من جميع المؤنث، وتنوين المقابلة لا يحذف عند وجود ما يقتضي منع الاسم من الصرف "وقد سبق الرأي في هذا النوع من التنوين ص 41" وسيجيء رأي أنسب وأضبط، وهو حذف التنوين منه -إذا كان علما لمؤنث- مراعاة للعلمية والتأنيث المعنوي، مع جره بالفتحة فينطبق عليه حكم الممنوع من الصرف ويحسن الأخذ بهذا الرأي؛ لأنه يمنع اللبس ويزيل الإبهام، ويجعل المراد واضحًا جليًّا. وهذه وظيفة اللغة ومهمتها وما يرمي إليه الخبير بأسرارها.
وستجيء إشارة لهذا الرأي في "أ" من ص176.
3 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
وما بتا وألف قد جمعا ... يكسر في الجر وفي النصب معا
=(1/166)
فهذه ثلاثة أراء في المسمى به، قد يكون أفضلها الأخير1، فيحسن الاقتصار عليه في استعمالنا- مع مراعاة شرطه.
"ملاحظة": إذا كان المفرد الذي يراد جمعه هذا الجمع علمًا فإنه يفقد عند الجمع- علميته، وما يترتب عليها من التعريف الحتمي وبصير نكرة -طبقًا لما سبق تفصيله، وبيان سببه2- فلا بد له بعد الجمع من شيء يعيد إليه التعريف، كزيادة "أل" المعرفة في أوله، أو جود حرف النداء قبله....
ويشترط في المفرد الذي يراد جمعه هذا الجمع أن يكون خاليًا من الإعراب بحرفين، فلا يجمع المفرد المختوم بعلامة جمع المذكر السالم أو جمع المؤنث السالم.
__________
=
كذا: "أولات"، والذي اسما قد جعل ... كأذرعات فيه ذا أيضا قبل
أي: أن ما جمع بناء وألف فإنه يكسر في حالة الجر والنصب، فينصب بالكسرة، ويجر بالكسرة أيضًا. ولا يفهم من كلمة "معًا" أن الحالتين تحصلان في وقت واحد، كما هو مدلول كلمة: "معًا" عند أكثر اللغويين القائلين باتحاد زمنها- وإنما المر مطلق وقوع الحالتين من غير اتفاقهما في زمن واحد.
و"تا" في كلمة: "بتا" قد تقرأ منونة كشأن حروف الهجاء عند قصرها، حيث يجب تنوينها على المشهور، بناء على أنها مقصورة الممدود، فأصلها: "تاء" فإذا قصرت يقدر إعرابها على الألف المحذوفة لفظًا، لالتقاء الساكنين "لأنها ساكنة، والتنوين ساكن" فالألف محذوفة لعلة تصريفية، والمحذوف لعلة كالثابت. نعم إن ترك التنوين للإضافة، أو لوجود "أل" في أوله، أو للوصل بنية الوقف أو للنداء ... جاز الإعراب المقدر على الألف. وقال بعضهم: إن حروف الهجاء إن كانت من غير همزة في آخرها "مثل با - تا - ثا ... إلخ" فإنها موضوعة من أول الأمر على حرفين هجائيين، وليست مقصورة من مد: فهي مبنية على السكون دائمًا من غير تنوين. وهذا أيسر وأوضح.
وأشار في البيت الثاني: "كذا أولات" إلى النوعين الملحقين بجمع المؤنث السالم، , وأولهما: اسم الجمع، نحو: "أولات" وثانيهما: ما جعل من جمع المؤنث علمًا على شيء واحد، فإنه يجري عليه الحكم العام السالف.
هذا، وكلمة: "أولات" في البيت قد تمنع من التنوين باعتبار أنها علم على تلك الكلمة، ومؤنث فتمنع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقد تنون بإرادة اللفظ لا الكلمة المعينة، فتكون علمًا على ذلك اللفظ غير مؤنث، فلا يمنع من الصرف.
1 هذا الرأي منسوب للكوفيين، وهو خير الآراء الثلاثة، لأنه -وهو مسموع عن العرب- لا يوقع في لبس ولا إبهام، إذ يدل بحذف تنوينه مع جره بالفتحة- على أن المراد منه علم مؤنث مفرد، فلا مجال فيه لتوهم أنه جمع. فهو يساير القاعدة العامة الواضحة.
2 عند الكلام على المثنى "رقم 3 ص129" وعلى جمع المذكر السالم "رقم2 من هامش ص139".(1/167)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- هذا الجمع ينقاس فى ستة أشياء:
أولها: كل ما في آخره التاء الزائدة1 مطلقًا؛ أى: سواء أكان علمًا، مثل: فاطمة، أم غير علم، مثل: زراعة - تجارة. مؤنثًا لفظًا ومعنى. مثل: حليمة، رُقية، من أعلام النساء، أم مؤنثًا لفظا فقط مثل: عطية، حمزة، معاوية، من أعلام الرجال. وسواء أكانت التاء للتأنيث كالأمثلة السابقة، أم للعوض عن أصل، نحو: عِدة، وثُبَة، تقول: فى جمعهما: عِدات - ثُبات2؛ وقد تكون التاء للمبالغة، نحوعلاّمة وعلاَّمات.
ويستثنى مما فيه التاء كلمات منها: امرأة، وأمة، وشاة، وشفة، وقلَة3، وأمَّة، ومِلَّة4.
هذا، ويجب حذف التاء من آخر كل مفرد، مؤنث، عند جمعه جمع تأنيث سالمًا، لكيلا تتلاقى مع التاء التى فى آخر الجمع. فإن كان الاسم بعد حذفها مختومًا بألف لازمة، أوبهمزة قبلها ألف زائدة - نحو: فتاة ... ، وهناءة ... - روعى فى جمع هذين الاسمين ما يراعى فى جمع المقصور والممدود5
- مع ملاحظة ما فى رقم 6 من هامش ص 188، وكذا و "ص190".
ثانيها: ما في آخره ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة "سواء أكان علمًا، أم غير علم، لمؤنث أم لمذكر؛ فمثال المقصورة: "سُعدى" وهي علم مؤنث، "وفُضْلى"، وهي غير علم، وإنما هي صفة لمؤنث، "ودُنيا" إذا كانت علمًا لمذكر6. فمثال المقصورة "سعدي" وهي علم مؤنث، "وفضلى"، وهي غير علم، وإنما هي صفة لمؤنث، "ودينا" إذا كانت علما لمذكر ومثال الممدودة: "زَهراء"، وهي علم لمؤنث، و"حسناء" وهي غير
__________
1 أي: بشرط أن تكون التاء غير أصلية. وقد سبق الكلام على الأصلية في ص164.
2 وأصل عدة: وعد. وأصل ثبة: "ثبو" فالتاء في الأولى عوض عن فاء الكلمة، وفي الثانية عوض عن لامها.
3 اسم لعبة للأطفال.
4 لعل السبب في عدم جمع هذه الكلمات جمع مؤنث سالم -كما يقال- أنها لم تسمع عن العرب. وهو سبب لا ينهض حجة، ولم يأخذ به بعض النحاة، فأجاز جمعها جمع مؤنث سالم. ورأيه حسن، لجريانه على الأصول اللغوية العامة، وإن كان الأفضل مراعاة الرأي الشائع.
5 سيجيء الباب الخاص بتثنيتها وجمعها- في ج4 م171 ص566- لمعرفة الفرق بينهما إن وجد.
6 إذا كان المفرد مختومًا بألف التأنيث وهو علم لمذكر ففي جمعه بالألف والتاء آراء غامضة لم تتعرض لصحته "انظر الخضري" وانظر "أ" من ص145.(1/168)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
علم وإنما هي صفة لمؤنث، و"زكرياء" علم لمذكر.
ويستثنى من هذا القسم -عند غير الكوفيين كما سبق1: فَعْلَى؛ مؤنث "فَعْلان"، مثل "سَكْرى" مؤنث "سكران"، "وفَعْلاء" مؤنث2: "أفْعَل" مثل: "خضراء وسوداء"، وكلتاهما صفة لمؤنث، وليست بعلَم.
ثالثهما: كل علم لمؤنث حقيقي3 وليس فيه علامة تأنيث، كزينب، ونوال، وإحسان، إلا ما كان مثل: "حَذَام" عند مَن يبنيه في جميع أحواله -كما سبق4.
رابعها: مصغر المذكر الذى لا يعقل، مثل: "نُهيرات"، تصغير: "نهر" و"جُبيلات"؛ تصغير "جبل" و"مُعَيْدِناتٌ"، تصغير: "معدِن".
خامسها: وصف المذكر غير العاقل؛ مثل؛ هذا بساتين جميلات5، زُرْتها أيامًا معدودات.
سادسها: كل خماسىّ لم يسمع له عن العرب جمع تكسير6؛ مثل: سُرادِقات وقَيْصُومات - وحَمَّامات - وكَتَّانات. واصطبلات - وقِطْميرات ... فى جمع: سُرادِق، وقَيْصُوم7، وحَمَّام، وكَتَّان، واصطبل، وقطْمير8.
وما عدا تلك الأنواع الستة مقصور على السماع؛ مثل: شَمَالات9.
__________
1 في رقم 3 من هامش ص 163 و 143 وفيهما بيان مفيد.
2 وهذا على الرأي الراجح - عندهم وهو: أن ما لا يجمع مفرده جمع مذكر سالم لا يجمع غالبا جمع مؤنث سالم أيضا وقد سبق "في رقم 3 من هامش ص 163" بيان ما في هذا الرأي. وكذلك في ب من ص 142.
3 عاقل، كزينب.... أو غير عاقل- على الأصح- مثل: لبون، علم على ناقة، وكذا: هوجل.
4 في رقم 10 من ص 79. والسبب أن المبني لزوما لا يثنى ولا يجمع مباشرة- كما كررنا-
5 فالنعت هو جميلات، ومفردها: جميل: والمنعوت هو بساتين، ومفردها، بستان وهو مذكر غير عاقل، فالعبرة في النعت والمنعوت بالمفرد، ومثله: "أياما معدودات". المفرد المنعوت هو: يوم، ومفرد ذهنه هو: معدود. وكذلك "جبال راسيات" ... مفرد المنعوت: جبل: ونعته هو راس..
"راجع حاشية ياسين على التصريح في هذا الموضع ... جـ 1 ص 81 عند الكلام على جمع المؤنث السالم وما يطرد في جمعه".
6 وبعض النحاة - كما جاء في الهمع لم يشترط كونه خماسيا، مكتفيا باشتراط أنه لم يسمع له جمع تكسير. والأفضل عدم الاعتداد برأيه، لمخالفته الأكثرية.
7 نوع من النبات.
8 الشق الذي في وسط نواة التمر. أو القشرة التي تعطى النواة أو تغطي الثمرة.
9 جمع: شمال، اسم نوع من الريح.(1/169)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإلى ما سبق يشير بعضهم بقوله عن جمع المؤنث السالم، وما يقاس فيه وما لا يقاس:
وقسْهُ فى ذى التَّا، ونحو ذِكْرَى ... ودرهمٍ مُصَغّرٍ، وصَحْرا
وزًينبٍ، ووصفِ غيرِ العاقلِ ... وغير ُ ذا مُسلمٌ للناقل
يريد أنه مقيس في كل ما هو مختوم بالتاء؛ مثل: رحمة ونعمة، أو ألف التأنيث المقصورة؛ مثل: ذِكْرَى، أو الممدودة؛ مثل: صَحْراء. وفي مصغر غير العاقل؛ نحو: دُرَيْهم، في تصغير: دِرْهم. وفي وصف غير العاقل، نحو: هذه بساتين جميلات زرتها أيامًا معدودات1. أما غير هذه الخمسة فمقصور على سماع عن العرب فمن نقل عنهم شيئًا أخذنا بما نقل، وسلمنا به. وقد ترك السادَس وهو الخماسيّ الذى لم يسمع له جمع تكسير.
"ب" إذا كان المفرد اسمًا2، مؤنثًا، ثلاثيًّا، صحيح العين، ساكنها، غير مضعفها، مختومًا بالتاء أوغير مختوم بها وأردنا جمعه جمع مؤنث سالمًا فإنه يراعى في جمعه ما يأتي3:
1- إن كانت "فاء" الكلمة مفتوحة وجب تحريك العين الساكنة بالفتح في الجمع أيضًا؛ تبعًا للفاء. تقول في جمع: ظَرْف، وبَدْر، ونَهْلة، وسَعْدة، ... "وكلها أسماء إناث" ظَرَفات، وبدَرات، ونَهَلات، وسَعَدات. بفتح الثاني في كلٍّ.
2- وإن كانت فاء الكلمة مضمومة، جاز في العين ثلاثة أشياء: الضم، أو الفتح، أو السكون؛ تقول في جمع، لُطْف، وحُسْن، وشُهْرَة، وزُهْرَة "وكلها أسماء إناث"، لطفات، وحسنات، وسهدات، وزهرات، بضم الثاني في كلّ، أو فتحه، أو تسكينه.
إلا إنْ كانت "لام" المفرد ياء فلا تضم العين في الجمع، مثل: غُنْيَة4، فلا يُقالُ: غُنُيات5. وإنما يقال: غُنَيات6، أو: غُنْيات؛ بفتح النون، أو سكونها.
__________
1 انظر رقم5 من هامش الصفحة السابقة.
2 علمًا، أو غير علم بشرط ألا يكون وصفًا.
3 تفصيل الكلام عليه في البحث الخاص بالأحكام العامة التي تخص جمع المؤنث السالم ج4 ص573 م171.
4 بمعنى: غني. وتصلح علمًا لمؤنث.
5 لأن العرب تستثقل الضمة قبل الياء.
6 ولا تقلب الياء هنا ألفًا؛ لأن الزيادة التي في آخر الكلمة المجموعة تمنع القلب.(1/170)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3- وإن كانت فاء الكلمة مكسورة جاء في العين ثلاثة أشياء؛ الكسر، أو الفتح، أو السكون. تقول في جمع: سِحْر، وهِند، وحِكمة، ونِعْمة "أسماء إناث": سِحَِْرَات، هِنَِْدَات، حِكَِْمَات، نِعَِْمَات. بفتحِ الثاني في كلّ، أو كسره، أو تسكينه، إلا إذا كان المفرد المؤنث مكسور الفاء ولامه واو مثل:، ذِرْوة، فلا يجوز في العين إتباعها للفاء للفاء فى الكسر؛ فلا يقال: ذِرِوات1 وإنما يقال ذِرَوَات2 أو ذرْوات بفتح العين أو تسكينها.
ولا بد في المفرد الذي تجري عليه الأحكام السالفة أن يشتمل على الشروط الستة التى سردناها. فإن فُقِد شرط لم يجز إتباع حركة العين لحركة الفاء؛ ومن ذلك أن تكون الكلمة صفة لا اسمًا، مثل: "ضَخْمة"، فلا يقال فيها: ضَخَمات، بفتح الخاء. أو تكون اسمًا غير مؤنث مثل: سعد، علم، رجل، فإنه لا يجمع جمع جمع مؤنث، ولا تتحرك عينه. أو تكون غير ثلاثية، مثل: "زَلزَل" و"عُنيزة" "لجاريتين"، فلا يتغير شيء من حركات حروفهما عند الجمع. أو تكون غير صحيحة العين؛ مثل "خَوْد"3، "وقَيْنة"4 فلا يتغير شيء من حركات حروفهما عند الجمع، أو تكون مُضعفة العين، مثل: جنَّة وجنات؛ فلا يتغير شيء من حركات حروفها فى الجمع، وإن كانت العين غير ساكنة، مثل: حكم "علم فتاة".
وقد وردت جموع مخالفة لبعض الشروط السالفة؛ فلا نقيس عليها؛ لأنها لغة نادرة؛ أو قليلة لبعض العرب، أو دفعت إليها ضرورة شعرية.
ولهذا البحث مزيد إبانة وتفصيل في موضعه الخاص من باب: "تثنية المقصور والممدود وجمعهما"، فى الجزء الرابع5 ...
"ج" إذا كان المفرد مركبًا إضافيًّا وأريد6 تثنيته أو جمعه جمع مؤنث سالمًا فإن صدره هو الذى يثنى ويجمع، ويبقى عجزه على حاله، مثل: سيدة الحُسن "علم امرأة" يقال في تثنيته وفي جمعه: سيدتا الحُسن، وسيدات الحسن، وهذا إن لم يكن صدره المضاف كلمة "ذو"، أو: كلمة: "ابن"، أو:
__________
1 لأن العرب تستثقل الكسرة قبل الواو.
2 ولا تقلب الواو هنا ألفًا، إذ لا يصح القلب مع وجود الزيادة في آخر الاسم المجموع.
3 هي الفتاة الجميلة.
4 جارية.
5 ج4 ص566 م171.
6 راجع ما تقدم في ص128 خاصًّا بشروط ما يراد تثنيته، ومنها: أن يكون غير مركب.(1/171)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أخ" ونحوهما ... من أسماء ما لا يعقل من الأجناس، -ومنها: ذو القَعدة، وذو الحِجة وابن لبون، وابن آوى، وابن عُرسٍ1- فإن كان المضاف أحدها وأريد جمعه فالغالب أن يجمع جمع مؤنث سالمًا فيقال مثلاً: ذوات القَعدة، وذوات الحِجَّة، وبنات آوى، وبنات عُرس ... ولا فرق في ذلك بين اسم الجنس غير العلم الجنسي كابن لبون، وعلم الجنس كابن آوى. والفرق بينهما أن ثاني الجزأين من علم الجنس لا يقبل: "آل" بخلاف اسم الجنس، كما سيجيء في ج4"2 ...
وإن كان مركبًا إسناديًّا مثل: زادَ الجمالُ "علم امرأة" بقي على حاله تمامًا؛ وأتينا قبله بكلمة: "ذاتا" في التثنية3؛ و"ذوات" في الجمع المؤنث، تقول: جاءت ذاتا زادَ الجمالُ، وذواتُ زادَ الجمالُ. ويجرى الإعراب على ذات" و"ذوات"؛ دون العلم المركب إسناديًّا؛ فإنه يبقى على حاله تمامًا، ويعرب مضافًا إليه، مجرورًا بكسرة مقدرة، منع من ظهورها: الحكاية.
وكذلك نأتي -فى أشهر الآراء4- بهذه الكلمات المساعدة التى تُوصل إلى التثنية إن كان مركبًا تركيب مزج مثل: شهر زاد5، اسم امرأة.
د- المفرد الذى لا يصح جمعه جمع مذكر سالمًا، لا يصح فى مؤنثه أن يجمع جمع مؤنث سالمًا. وقد سبق بيان هذا وما فيه6.
هـ- إذا سمى بجمع المؤنث7، أوملحقاته، -مثل: سعادات، عنايات ... - وأريد تثنية هذا المسمى لم يصح تثنيته إلا من طريق غير مباشر بأن نأتى قبله بالكلمة الخاصة التى توصلنا لهذا الغرض؛ وهى كلمة: "ذاتا"3
__________
1 انظر هامش ص 110 لأهميته.
2 آخر باب جمع التكسير "م 174 ص 622 وهناك بعض الأحكام الهامة". وسبقت الإشارة لبض هذا في رقم 1 من هامش ص 110.
"3، 3" المفرد: ذات، وقد يقال عند التثنية: ذواتا.، رفعا، و "ذواتي" نصبا وجرا
4 غالبا، إذ له إعرابات أخرى سنذكر بعضها في باب العلم. ص 307 وما بعدها....
5 وأصلها قبل التركيب المزجي. زاد شهر.
6 في رقم 3 من هامش ص 163 وكذلك في رقم 3 من هامش ص 143.
7 انظر ص 165 وهامش 166 حيث الحكم الخاص بالتسمية بهذا الجمع.(1/172)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رفعًا1، و"ذاتَىْ"2 ... نصبًا وجرا. وتعرب كل واحدة منهما على حسب حاجة الجملة إعراب المثنى فترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء. وهى "المضاف"3، والمسمى به بعدها "مضاف" إليه. وإذا أريد جمع المسمى به جمعًا مؤنثًا وجب الإتيان قبله بكلمة "ذوات" المضافة؛ والمسمى هوالمضاف إليه.
__________
1 أو: ذواتا....
2 أو: ذواتى.....
3 لأنها لا تجيء هنا إلا مضافة.(1/173)
المسألة الثالثة عشرة: إعراب ما لا ينصرف
هـ- إعراب ما لا ينصرف:
1- تعلم محمودٌ، أو مصطفىً.
نافس الطلاب محموداً، أو مصطفىً.
فاض الثناء على محمودٍ، أو مصطفىً.
2- تعلم أحمدُ. نافس الطلاب أحمدَ. فاض الثناء على أحمدَ.
3- تعلمتْ ليلَى. نافست الطالباتُ ليلىَ. فاض الثناء على ليلىَ.
4- صالحٌ أفضلُ من غيره.
صالح أفضلُ الزملاء. عرفت أفضلَ من غيره.
عرفتُ أفضلَ الزملاء. سلمت على أفضلَ من غيره.
سلمت على أفضلِ الزملاء.
5- صالح هو الأفضلُ عرفت الأفضلَ. يتساءل الطلاب عن الأفضلِ.
من الأسماء المعربة -غالبًا-1 نوع يعرب بالحركات الظاهرة، أو المقدرة، فيرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة؛ مع وجود التنوين في الحالات الثلاث2؛ وهذا النوع المعرب يسمى: "الاسم المنصرف"، أي: الاسم المنون3". ويسمى اختصارًا: "الاسم المنون"، أو: "المنصرف." كأمثلة القسم الأول. كأمثلة القسم الأول.
ومن الأسماء المعربة نوع آخر يرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجَر بالفتحة أيضًا4، نيابة عن الكسرة، ولكن من غير تنوين -غالبًا-4 في الحالات الثلاث؛ وهذا النوع المعرب يسمى: "الاسم الذى لا ينصرف؛ أي: لا يُنون". ولا فرق في هذا النوع بين أن تكون حركة آخره ظاهرة، كأمثلة القسم الثاني، أو مقدرة كأمثلة القسم الثالث.
والاختلاف بين صورتي المعرب المنصرف وغير المنصرف، ينحصر في أمرين؛ أولهما: أن "المنصرف" يعرب بالحركات الأصلية الظاهرة، أو المقدرة رفعًا، ونصبًا، وجرًّا؛ فالضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة للجر.
__________
"1و 1" انظر "ب" من ص 176.
2 سبق الكلام تفصيلا على هذا النوع من التنوين وغيره، في ص 33 وما بعدها.
3 هو الاسم المعرب المنصرف الذي سبق الكلام عليه في ص 33 ويسمى: "بالاسم المنصرف"، اختصارا- كما أشرنا هناك- وأن "الصرف" قد يسمى: "الإجراء" في استعمال بعض القدامي، وأن "منع الصرف، "هو عدم الإجراء" طبقا للبيان الآتي في ج4 باب: ما لا ينصرف.
4 بشرط أن يكون خاليا من: "أل" ومن الإضافة -كما سيجيء.(1/174)
ثانيهما: أنه ينون في جميع حالاته، إلا إن وجد مانع آخر يمنع التنوين1. أما الاسم الذى ينصرف فتتلخص حركات آخره الظاهرة، أو المقدرة في أنه يرفع بضمة واحدة من غير تنوين2، وينصب بفتحة واحدة من غير تنوين، ويجر بفتحة واحدة أيضًا من غير تنوين؛ فهو يختلف عن سابقه فى الأمرين، في عدم التنوين، وفي الجر بالفتحة نيابة عن الكسرة -وإنما يتحقق الاختلاف بشرط ألا يكون مضافًا أومبدوءًا "بأل". فإن كان مضافًا مثل كلمة: "أفضل" في القسم الرابع، أومبدوءًا "بأل" مثل كلمة: "الأفضل" في القسم الخامس، وجب جره بالكسرة دون الفتحة، مع حذف التنوين في الحالتين أيضًا؛ لأن التنوين لا يوجد في الاسم المضاف، أو المبدوء "بأل" مهما كان نوعها3.
هذا وللاسم الذي لا ينصرف باب خاص -سيجيء في الجزء الرابع- تُبَيَّن فيه أسباب المنع من الصرف، وتوضح أحكامه، ونقتصر هنا على ما يناسب موضوع الإعراب، تاركين غيره لذلك الباب.
__________
1 كأن يكون الاسم مضافًا، أو مبدوءًا بأل، أو غير ذلك مما يمنع التنوين "كالنداء"، تقول: جاء الطبيب، أو: طبيب المدينة، ورأيت الطبيب، أو: طبيب المدينة، وقصدت إلى الطبيب، أو: طبيب المدينة، إذ يمتنع التنوين مع "أل" ومع الإضافة في كلمة: "طبيب" كما يمتنع في مثل: يا طبيب، لمعين. أما عند عدم وجود مانع فيجب التنوين.
2 قد ينون الممنوع من الصرف إذا زالت علميته وقصد تنكيره- كما سبق في رقم3 من هامش ص33 ورقم3 من هامش ص37 عند الكلام على التنوين، وكما يأتي البيان في رقم2 من هامش ص294، وفي باب الممنوع من الصرف "ج4".
"3 ستأتي أنواعها في م30 ص421- ومثلها "أم" التي تنوب عنها في لغة بعض القبائل "انظر "حـ" في ص 176 وفي هذا يقول ابن مالك:
وجر بالفتحة ما لا ينصرف ... ما لم يصف، أو: يك بعد: "أل" ردف
ومعنى "ردف": تبع: "أل"، وجاء بعدها مباشرة من غير فاصل بينهما. وكلمة: "جر" قد تكون فعلًا ماضيًا مبنيًّا على الفتح، وهو مبني للمجهول، وقد تكون فعل أمر، فيصح عندئذ في آخرها ضم الراء أو كسرها، أو فتحها. فالضم لأن أصلها: اجرر "مثل: انصر" نقلت ضمة الراء الأولى إلى الجيم فحذفت الهمزة، وأدغمنا الراءين، وضممنا الراء المشددة إتباعًا للجيم. وإن شئنا فتحنا الراء المشددة في "جر" للخفة، أو كسرناها، مراعاة للأصل في التخلص من التقاء الساكنين. وليس هذا مقصورًا على كلمة: "جر" بل يتبع في كل فعل أمر على وزنها.(1/175)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- سبقت الإشارة -فى جمع المؤنث السالم، "ص 166"- إلى أن هذا الجمع وملحقاته عند التسمية به يصح إعرابه إعراب مالا ينصرف، كما يصح إعرابه إعراب جمع المؤنث السالم، مراعاة لأصله وصورته. والإعراب الأول أحسن، لما سبق هناك.
ب- من المبينات ما يكون ممنوعًا من الصرف لانطباق سبب المنع عليه؛ مثل: سيبويه؛ فإنه علم1 مبني على الكسر وجوبًا فى كل حالاته -فى الرأىّ الشائع2. فعند اعتباره ممنوعًا من الصرف للعلمية مع التركيب المزجي نقول في إعرابه في حالة الرفع: إنه مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة بنائه الأصلى على الكسر. أو إنه مبني على الكسر في محل رفع.
ونقول في حالة نصبه: إنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة بنائه الأصلي على الكسر، أو: إنه مبني على الكسر في محل نصب3.
ونقول في حالة جره إنه مجرور بفتحة مقدرة. منع من ظهورها حركة بنائه الأصلي على الكسر. ولا مانع أن نقول هنا أيضًا: إنه مبني على الكسر في محل جر. ولكن النحاة يفضلون بحق في حالة الجر الإعراب الأول، لأنه يوافق الحكم العام للاسم الذى لا ينصرف.
ج- بعض القبائل العربية يستعمل كلمة: "أمْ" بدلا من "أل" فيقول: امقمرُ يستمدّ امْضَوْءَ من امْشَمْش، أي: "القمر يستمد الضوء من الشمس" وعلى هذه اللغة لا يمنع الاسم عندهم من الصرف إذا بدئ بكلمة: "أمْ" المستعملة بدلاً من: "أَلْ"4.
__________
1 هو علم، مركب مزجي، فينطبق عليه منع الصرف، فوق أنها مبني لا يدخله تنوين التمكين وقد سبق الكلام على تنويته- في الكلام على أنواع التنوين- ص 33. وسنعود للكلام على المركب المزجي وعلى إعرابه بمناسبة أخرى في ص 196 و 311 و 313 وما بعدها.
2 انظر ما يتصل بهذا في "ب" و "ج" من ص 145 و 146.
"3 و3" وهذا أوضح وأكثر.
4 راجع: الصبان والهمع ... - وليس من السائغ اليوم أن نستعمل "أم" هذه كاستعمال أهلها القدماء، ولا أن ندخلها في أساليبنا بدلا من "أل".(1/176)
المسألة الرابعة عشرة: الأفعال الخمسة
و الأفعال الخمسة:
أ- العاقل يتكلم بعد تفكير. لن يتكلمَ العاقل مسرعاً. لم يتكلمْ عاقل فيما لا يَعنيه.
إذا كان المضارع صحيح الآخر، وغير مختوم بضمير بارز2، فإنه يعرب بالحركات الأصلية الظاهرة "الضمة في حالة الرفع، والفتحة في حالة النصب إذا سبقه ناصب، والسكون في حالة الجزم إذا سبقه جازم". كأمثلة القسم "أ".
أما إذا اتصل بآخره ألف اثنين "وله معها صورتان. إحداهما أن يكون مبدوءًا بتاء المخاطب، والأخرى أن يكون مبدوءًا بياء الغائب، كأمثلة 1، 2 من القسم "ب"." أو اتصل بآخره واو الجماعة، "وله معها صورتان كذلك: أن يكون مبدوءًا بتاء المخاطب أو ياء الغائب، كأمثلة 3، 4 من "ب" أو اتصل آخره بياء المخاطبة، "كأمثلة القسم الخامس من "ب" فإنه في هذه الصور الخمس التي يسميها النحاة الأفعال الخمسة -يرفع بثبوت النون3 في حالة
__________
1 إذا كان الضمير لمؤنثتين غائبتين "مثل: هما" جاز أن يكون المضارع مبدوءًا بالياء لا بالتاء، ولكن التاء أكثر- طبقًا للإيضاح الآتي في "ج" من ص181- فنقول: هما تفعلان، أو: هما يفعلان.
2 أي: ظاهر. وهذا على الرأي الشائع في أن ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة أسماء، فهي ضمائر يعرب كل منها فاعلًا. وهو الرأي الواجب اتباعه اليوم، خلافًا للرأي الضعيف القائل بأنها حروف.
3 أي: بالنون الثابتة الموجودة.(1/177)
الرفع، نيابة عن الضمة، وينصب في حالة النصب بحذفها نيابة عن الفتحة، ويجزم في حالة الجزم بحذفها أيضًا نيابة عن السكون. "أمثلة، 2، 3، 4، 5".
وهذا معنى قولهم: الأفعال الخمسة هي: "كل مضارع اتصل بآخره ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء مخاطبة"1.
وحكمها: أنها ترفع بثبوت النون، وتنصب وتجزم بحذفها. مع ملاحظة أن تلك النون عند ظهورها تكون مكسورة2 بعد ألف الاثنين، مفتوحة في باقي الصور3".
"ملاحظة": إذا كان المضارع معتل الآخر بغير إسناد لضمير رفع بارز -فحكمه سيجيء في مكانه الخاص4. فإن كان مسندًا لضمير رفع بارز وجب أن تلحقه تغيرات مختلفة؛ بيانها وتفصيلُ أحكامها في الباب المعدّ لذلك5، وهو باب: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة؛ بتوكيد، وغير توكيد.
__________
1 فللألف الاثنين صورتان، ولواو الجماعة صورتان، ولياء المخاطبة صورة واحدة.
2 في الغالب الذي يحسن الاقتصار عليه.
3 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
واجعل لنحو: "يفعلان" النونا ... رفعا، وتدعين وتسألونا
وحذفها للنصب والجزم سمه ... كلم تكوني لترومي مظلمه
أي: اجعل ثبوت النون علامة الرفع في: "يفعلان، وتدعين، وتسألون" وهي الأفعال المضارعة المشتملة على الضمائر السالفة، فالأوفى مشتمل على "ألف الاثنين" والثاني على "ياء المخاطبة"، والثالث على "واو الجماعة" واجعل حذف النون سمة، "أي: علامة"، لنصبها، وجزمها.
4 في ص 182.
5 ج4 م144 ص177.(1/178)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- إذا قلت: النساء لن يَعْفُونَ عن المسيء؛ فالنون هنا نون النسوة؛ وليست نون الرفع التي تلحق بآخر الأفعال الخمسة. كما أن الواو واو أصلية، لأنها لام الفعل؛ إذا أصله: "عفا" "يعفو" تقول: النساء يَعْفون؛ "يعفو" فعل مضارع مبني على السكون الذى على الواو. لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة فاعل مبني على الفتح في محل رفع. وتقول "النساء لن يعفُون": "يعفو": فعل مضارع، مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة؛ في محل نصب بلن، والنون فاعل ... وفي النساء لم يعْفُون: "يَعْفُو" فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، في محل جزم بـ"لم"، ونون النسوة فاعل ...
بخلاف قولك: الرجال يَعْفُون؛ فإن النون هنا علامة للرفع، والواو ضمير الجمع، فاعل، مبني على السكون في محل رفع. وأصله: الرجال يعفُوُون "على وزن: يفْعُلُون"؛ استثقلت الضمة على الواو الأولى "التى هي حرف علة، ولام الفعل أيضًا" فحذفت الضمة؛ فالتقى ساكنان، هما: الواوان. حذفت الواو الأولى؛ لأنها حرف علة، ولم تحذف الواو الثانية: لأنها كلمة تامة. إذ هي ضميرٌ، فاعل، يحتاج إليها الفعل، فصار الكلام: "الرجال يعْفُون" على وزن: "يَفْعُون"، وعند وجود ناصب أو جازم تحذف النون، نقول: الرجال لن يعْفُوا "على وزن يَفْعُوا" ومن قوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} والرجال لم يعْفُوا، فحذفت نون الرفع؛ لوجود أحدهما، بخلاف نون النسوة، فإنها لا تحذف -كما سبق.
ب- عرفنا أن نون الرفع تحذف وجوبًا للناصب أو الجازم؛ كحذفها فى قوله تعالى: {لن تَنالُوا الْبِرَّ حَتى تنفقُوا مما تُحِبّون} ، وقول الشاعر المصري1:
لا تقْربوا النيل إنْ لم تعملوا عملاً ... فماؤهُ العذبُ لم يخلَق لكسْلان
وقد تحذف لغير ناصب أو جازم، وجوبًا أو جوازًا؛ فتحذف وجوبًا إذا جاء بعدها نون التوكيد الثقيلة؛ مثل: أنتما، يا صاحباي، لا تقصرانّ في
__________
1 إسماعيل صبري المتوفى سنة 1922.(1/179)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الواجب، وأنتم -يا رجال- لا تهملُنّ فى العمل، وأنت -يا قادرة- لا تتأخَرنِّ عن معاونة البائس، فحذفت نون الرفع في الجميع؛ لتوالي الأمثال "أي: لتوالي ثلاثة أحرف متماثلة زائدة؛ هي: النونات الثلاث ... " وحذفت معها أيضًا واو الجماعة، وياء المخاطبة دون ألف الاثنين2، ولكن عند إعراب المضارع المرفوع نقول: مرفوع بالنون المقدرة، كما سبق بيان سببه وتفصيله.
وتحذف جوازًا عند اتصالها بنون الوقاية3، مثل: الصديقان يُكْرمانِني، أو: يُكْرِمَانِي، والأصدقاء يكرمُونني، أو: يكرموني، وأنت تكرمينني، أو: تكرِمينِّي4.
فتلخص من هذا أن نون الأفعال الخمسة لها ثلاثة أحوال عند اتصالها بنون الوقاية: الحذف، أو الإدغام في نون الوقاية، أو الفك مع إبقاء النونين5.
وهناك لغة تحذف نون الرفع "أي: نون الأفعال الخمسة" في غير ما سبق؛ وبها جاء الحديث الشريف: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تَحَابُّوا"، أي: لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا. ولا تؤمنون حتى تتحابوا. وقوله أيضًا: "كما تكونوا يولَّى عليكم" في بعض الآراء، وليس من السائغ اتباع هذه اللغة في عصرنا، ولا محاكاتها، وإنما ذكرناها لنفهم ما ورد بها في النصوص القديمة.
__________
"1و 1" في رقم1، 4 من هامش ص95 شرط امتناع التوالي، وإيضاحه، وسبب بقاء ألف الاثنين.
2 راجع "جـ ود" من ص 94 و 98.
3 وهذا رأي سيبويه وفريق معه ... وقال آخرون: الذي يحذف هو: "نون الوقاية". ولكل أدلة كثيرة. والرأي الأول أولى، ولا سيما إذا عرفنا أن نون الوقاية جاءت لغرض خاص، فحذفها يضيع ذلك الغرض.
وتفصيل الكلام على "نون الوقاية" مسجل في الموضع الخاص بها- "ص280 م21، مع ملاحظة الإشارة السابقة في "ج" ص50 وفي رقم4 من هامش ص95 ورقم1 من هامش ص96- ثم ص284".
"4 و 4" يجوز هنا أن يحذف الضمير أو لا يحذف، "راجع رقم4 و 1 من هامش ص95 و 96".
5 ستجيء الأحوال الثلاثة في ص284.
6 أي: تتحابوا.(1/180)
"ج" يجوز1 أن تقول: "هما تفعلان" و"هما يفعلان" عند الكلام على مؤنثتين غائبتين؛ ففي الحالة الأولى تؤنث مراعيًا أنك تقول في المفردة: هي تفعل؛ بوجود التاء أول المضارع. فكأن الأصل -مثلًا- زينب تفعل؛ لأن الضمير بمنزلة الظاهر المؤنث الذى بمعناه. فإذا قلت: "هما تفعلان" فقد أدخلت في اعتبارك الحالة السابقة. وإذا قلت: "هما يفعلان" فقد أدخلت في اعتبارك مراعاة لفظ الضمير الحالي الذى للمشي الغائب، والأول أكثر وأشهر، وفيه بُعْد عن اللّبس، فوق ما فيه من مسايرة لقاعدة هامة؛ هي: أن الفعل يجب تأنيثه إذا كان مسندًا. لضمير يعود على مؤنث2 ...
__________
1 الإيضاح الآتي هو ما أشرنا إليه في رقم1 من هامش ص177.
2 وقياسًا على هذا يجوز في المضارع المسند لنون النسوة أن يكون مبدوءًا بالياء أو بالتاء، نحو: الوالدات يحرصن على راحة أبنائهن، أو تحرصن. ويؤيد هذا القياس ما سيجيء "في "ب" من الجزء الثاني باب الفاعل ص75 م66 عند الكلام على الحكم السادس" فقد نصوا هناك على جواز الأمرين صراحة وأن الأحسن تصديره بالياء لا بالتاء، تبعا للمأثور، واستغناء بنون النسوة عن التاء في الدلالة على التأنيث.(1/181)
المسألة الخامسة عشرة: المضارع المعتل الآخر
ز- المضارع المعتل الآخر1:
ليس في الأفعال ما يدخله الإعراب إلا الفعل المضارع أحيانًا، وهو قسمان:
أ- مضارع صحيح الآخر: مثل: يشكر، يرتفع، ينزل ... وهذا يعرب بحركات ظاهرة على آخره في كل أحواله: "رفعًا، ونصبًا، وجزمًا"؛ تقول: يشكرُ المرء من أعانه، لن يرتفعَ شأن الخائن، لم ينزلْ مطرٌ فى الصحراء ... ، "فيشكرُ". مرفوع بالضمة الظاهرة، و"يرتفعَ": منصوب بالفتحة الظاهرة، و"ينزلْ" مجزوم بالسكون الظاهر، أما الجر فلا يدخل الأفعال، كما هو معلوم.
ب- مضارع معتل الآخر2، وهو ثلاثة أنواع:
1- معتل الآخر بالألف، مثل: يخشَى، يرضَى، يرْقَى. وحكمه: أنه تقدر على آخره الضمة في حالة الرفع، مثل: يخشى الصالح ربه، فيخشى: مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف.
وكذلت تقدر الفتحة على آخره في حالة النصب؛ مثل: لن يرضَى العاقل بالأذى؛ فيرضى: مضارع منصوب بفتحة مقدرة على الألف. وسبب التقدير في الرفع والنصب تعذر ظهور الحركة على الألف واستحالتها.
أما في حالة الجزم فتحذف الألف3. وتبقى الفتحة قبلها دليلًا عليها4؛ مثل: لم يرقَ العاجز، فكلمة يرقَ: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه
__________
1 انظر رقم3 من هامش ص187م16 حيث البيان الخاص بحروف العلة، والمعتل، والمعل، والمد، واللين ...
2 على الرغم من أن علامة الإعراب مقدرة على آخره فإنها تراعى في توابعه حتمًا. وهذه المراعاة هي التي تقتضي وجود "الإعراب التقديري" وعدم إغفال شأنه. كما سيجيء في رقم "ج" من ص198 وكما سبق البيان في ص84.
3 انظر نوع الألف المستحقة للحذف في "ب" من ص 185.
4 هناك لغة لا تحذف حرف العلة للجازم. والبيان في "أ" من ص185.(1/182)
حذف الألف. ومثله المضارع "تَلقَ" في قول الشاعر:
إذا كنت فى كلّ الأمور معاتِبًا ... صديقك لم تلقَ الذى لا تعاتبهْ
2- معتل الآخر بالواو، مثل: يسمو، يصفو، يبدو. وحكمه: أنه يرفع بالضمة المقدرة1، مثل: يسمو العالِم، فيسمو: مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو. ولكنه ينصب بفتحة ظاهرة على الواو، مثل لن يصفوالماء إلا بالتنقية. ويجزم بحذف الواو2، وتبقى الضمة قبلها دليلا عليها، مثل لم يبدُ النجم وراء السحُب نهارًا. فالفعل: يبدُ، مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف الواو.
3- معتل الآخر باليا؛ مثل: يمشي، يبني، ومثل يُغْضِي في أول البيت التالي3:
يُغضِى حياءً، ويُغْضَى من مهابتهِ ... فلا يُكلَّمُ إلا حينَ يَبتسِمُ
وحكمه كسابقه، يُرَفع بضمة مقدرة؛ مثل: يمشي الحازم في الطريق المأمون؛ ويُنْصَب بفتحة ظاهرة على الياء؛ مثل: لن يبغَي أخٌ على أخيه. ويُجَزم بحذف الياء4؛ وتبقى الكسرة قبلها دليلا عليها، مثل لم يَبْنِ المجدَ إلا العصاميون. وقول الشاعر يمدح5:
أناة، "فإن لم تغن عقب بعدها ... وعيد، فإن لم يغن أغنت عزائمه
ومن أمثلة حذف الألف والياء من آخر المضارع المجزوم قول الشاعر:
فمنْ يلْقَ خيرًا يَحْمد الناسُ أمرَه ... ومن يَغْو6 لا يَعْدَمْ على الغيّ لائِما
__________
1 التي منع من ظهورها ثقلها على الواو- كما يقول النحاة. والسبب الصحيح أن العرب لم تظهرها- ومن أمثلتها وهي مقدرة قول الشاعر:
تصفو الحياة لجاهل، أو غافل ... عما مضى فيها وما يتوقع
"2 و 2" انظر نوع حرف العلة "الواو، وكذا الياء" الذي يحذف في "ب" ص185.
3 البيت من قصيدة للفرزدق يمدح زين العابدين بن الحسين.
4 هناك لغة لا تحذف حرف العلة للجازم. والبيان في "أ" من ص 185 وانظر في "ب" من تلك الصفحة ما يختص بحذف الياء وكذا: "ج" من الصفحة التي تليها.
5 يصف الممدوح بالحلم، فإن لم ينفع الحلم في ردع المسيء هدده وأوعده، فإن لم ينفع الوعيد والتهديد لجأ إلى عزيمته في استخدام القوة مع المسيء.
6 يضل، ولا يتبع الطريق القويم.(1/183)
وملخص ما سبق في أنواع الفعل المضارع الثلاثة المعتلة الآخر؛ أنها متفقة في حالتي الرفع والجزم، مختلفة في حالة النصب فقط. فجميعها يرفع بضمة مقدرة، ويجزم بحذف حرف العلة الأصل1، مع بقاء الحركة التي تناسبه؛ لتدل عليه، "وهي الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء" أمَّا في حالة النصب فتقدر الفتحة على الألف، وتظهر على الواو والياء2.
__________
1 يشترط في حرف العلة الذي يحذف أن يكون أصيلًا. "انظر السبب في "ب" من ص185".
2 وفيما سبق يقول ابن مالك:
وأي فعل آخر منه ألف ... أو واو أو ياء، فمعتلا عرف
فالألف أنو فيه غير الجزم ... وأبد نصب ما كيدعو، يرمي
والرفع فيهما أنو واحذف جازما ... ثلاثهن تقض حكما لازما
"انو- قدر. أبد = أظهر".
أي: يعرف الفعل المضارع المعتل الآخر بأن يكون مختومًا بالألف، أو الواو، أو الياء. وقدر على حرف الألف الحركات كلها غير الجزم. وأظهر النصب في المعتل الآخر بالواو وكيدعو، أو بالياء، كيرمي، مع تقدير الرفع فيهما، واحذف أحرف العلة الثلاثة في حالة جزمك أفعالها.(1/184)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- هناك لغة تجيز إبقاء حرف العلة في آخر المضارع المجزوم؛ فيكون مجزومًا؛ وعلامة جزمه السكون المقدر على حرف العلة قبل مجيء الجازم1.... وهذه لغة تذكر لمجرد العلم بها؛ لاستخدامها في فهم النصوص القديمة، الواردة بها، لا لتطبيقها في استعمالنا.
ب- عرفنا2 أن المضارع المعتل الآخر يحذف آخره عند الجزم. وهذا بشرط أن يكون حرف العلة أصيلًا في مكانه، كالأمثلة السابقة؛ فلا يكون مبدلًا من الهمزة. مثل: يقرا الرجل، أي: يقرأ. ومثل: يوْضُو وجهُ عليّ؛ بمعنى؛ يحسنُ ويضئ. وأصله يَوْضُؤ، ومثل: يُقري الضيفُ السلامَ؛ بمعنى: يُلقيه، وأصله: يقرئ؛ فلو كان مبدلا من الهمزة كالكلمات السالفة، لكان خير ما يقال هو: أن المضارع مجزوم بسكون مقدر على الهمزة المنقلبة ألفًا، أو واو، أو ياء، في تلك الأمثلة وأشباهها، ولا يحذف حرف العلة المبدل من الهمزة.
ومن الأمثلة أيضًا: "يَبْرَا" المريض و"يَبرُو"، أي: يُشفَى؛ وأصلهما: "يَبرَأ" و"يبرُؤُ"؛ بالهمز فيهما. و"يُبرى" اللهُ المريض. أي: يَشفيه؛ وأصله. يُبرئه. ومثل يملا الساقي الإناء، أي: يملأ. "ويمتلي" الإناء: أي: يمتلئ، و"يبطُو" القطار؛ أي: يُبطُؤُ؛ فلا داعي للتفصيل الذى يقوله النحاة، من أن إبدال حرف العلة من الهمزة، إن كان بعد دخول الجازم، فهو إبدال قياسي، "لسكون الهمزة بسببه. فيكون الجازم قد عمل عمله فيها؛
__________
1 وبهذه اللغة ورد قول قيس بين زهير من بني عبس:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد
وقيل لآخر:
هجوت زبان ثم جئت معتذرا ... من هجو زبان لم تهجو ولم تدع
وبتلك اللغة وردت القراءة في الآية الكريم من سورة "طه": {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} حيث بقيت الألف في آخر الفعل: "يخشى" مع أنه مجزوم، بسبب العطف على المجزوم" وكذا القراء في الآية الأخرى المدونة في "د" من ص205 أما النص على هذه اللغة وأمثلتها فمراجعه متعددة، منها: الهمع "جـ1 ص52، الباب السابع الخاص بإعراب المضارع المعتل الآخر. ومنها: الجزء الأول من كتاب معاني القرآن، للفراء ص161.
2 في ص182 وما بعدها.(1/185)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو: الجزم؛ ومتى سكنت الهمزة، كان إبدالها من جنس حركة ما قبلها قياسيًّا؛ فتقلب ألفًا أو واوًا، أو ياء، على حسب تلك الحركة، ولا تحذف هذه الحروف؛ إذ لا داعي لحذفها، بعد أن أدّى الجازم عمله، وفي هذه الحالة تعرف الكلمة مجزومة بسكون مقدر1 على الهمزة المنقلبة المختفية ...
أما إن كان الإبدال من الهمزة قبل الجزم، فهو إبدال شاذ، والأفصح عدم حذف حرف العلة أيضًا، ويكون الفعل مجزومًا بسكون مقدر على الهمزة المنقلبة المختفية كسابقه. ولا يحذف حرف العلة -مع أن الجازم حين وروده على الفعل لم يكن أمامه الهمزة، ليؤثر فيها- لأن حرف العلة هذا عارض، وليس أصيلًا، ولا اعتداد بالعارض عندهم2؛ فالفرق بين الحالتين أن الأولى لا يحذف فيها حرف العلة باتفاق، لما بينوه؛ وأن الثانية فيها خلاف، ولكن الأشهر عدم الحذف أيضًا.
وإذا كان الأمر على ما وصفنا فما المانع أن يكون الحكم الفاصل هو عدم الحذف دائمًا، لنستريح من تعداد الآراء، واختلاف الحجج، من غير أثر واضح؟ هذا هو الأفضل.
ج- سبق3 أن المضارع المعتل الآخر بالياء يرفع بضمة مقدرة عليها ويجزم بحذفها. والأغلب أن تكون هذه الياء مذكورة كالأمثلة التي عرضناها. ومن الجائز حذفها لغير جازم، قصدا للتخفيف، أو مراعاة الفواصل، ونحوها، تبعا لبعض القبائل العربية، بشرط أمن اللبس بين هذا النوع الجائز من الحذف4" والنوع الآخر الواجب الذي سببه الجزم. وبإثبات الياء وحذفها في المضارع المرفوع، جاء القرآن الكريم، قال الله تعالى5: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ... وقال تعالى6: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} .
__________
1 وإنما كان السكون مقدرًا لأنه على الهمزة وهي مختفية، فهو مختف معها، ويكون ظاهرًا حين تظهر، ولا يصح أن يكون مقدرًا على الألف، أو الياء؛ لأن هذه الحروف قد جاءت بعد أن أدى الجازم عمله، واستوفى حقه، كما أوضحنا.
2 راجع الصبان آخر باب: "المعرب والمبني" عند الكلام على المضارع المعتل.
3 في رقم 3 من ص 183.
4 في سورة يوسف.
5 أما حذف الياء التي هي ضمير المتكلم من آخر الأفعال فجائز أيضًا. مثل: "أكرمن، وأهانن" في قوله تعالى في سورة الفجر: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} أي: أكرمني وأهانني. ومثل قوله تعالى: في سورة العنكبوت: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} أي: فاعبدوني. وأما حذف هذه الياء إذا كانت "مضافًا إليه" فتجيء له إشارة في هامش ص201 ويجيء البيان الشامل في باب: المضاف إلى ياء المتكلم-ج3.
6 في سورة الكهف.(1/186)
المسألة السادسة عشرة: الاسم المعرب المعتل الآخر
من الأسماء المعربة 1:
أ- نوع صحيح الآخر، مثل: سعاد، صالح، جمل، شجرة، قمر، سماء ... وهذا النوع يعرب في أحواله الثلاثة بحركات ظاهرة على آخره؛ تقول: صالحٌ محسنٌ، وإن صالحًا محسن، وحبذا الإحسان من صالح.. وكذا بقية الأمثلة مع مراعاة الأحكام التى شرحناها في المسائل المختلفة السابقة.
ب- ومنها نوع معتل الآخر جارٍ مجرى الصحيح، وهو ما آخره ياء أو واو وكلا الحرفين متحرك قبله ساكن، وقد يكون الحرفان مشددين أو مخففين؛ نحو: مرمِيّ - مَغْزو- ظَبْيِ - دَلو ... وحكم آخره من الناحية الإعرابية كحكم صحيح الآخر، فهو شبيه به فى الحكم.
ومن هذا الشبيه أيضًا المختوم بياء مشددة للنسب، ونحوه، بشرط ألا يكون تشديده بسبب إدغام ياءين: ومن الأمثلة: عبقريّ - كرسي، شافعيّ، فخرج نحو: خليليّ - صاحبيّ - بَنِيَّ - كاتبِيّ2.
ح- ومنها نوع معتل الآخر3 لا يشبه الصحيح: ومن أمثلته "الرضا، العُلا،
__________
1 أما غير المعربة فلا دخل لها في هذا الموضوع الخاص بالإعراب وعلاماته الأصلية أو الفرعية، كما هو معروف، لأن المبني لا تتغير علامه آخر. وهذا عند النحاة. ويخالفهم القراء وبعض اللغويين في هذا على الوجه المبين في رقم5 من هامش ص188.
2 كما في ج4 ص45 م131، وذكرنا هناك أنه يسمى: "الملحق بالمعتل الآخر" وله حكم خاص موضح في باب المضاف لياء المتكلم ج3.
3 أي: في آخره حرف من حروف العلة الثلاثة، وهي: الألف، والواو، والياء.
وقد يكتفي النحاة بتسميته: "المعتل" فقط، لأن المعتل في اصطلاحهم هو: "معتل الآخر" "وهو ما كان حرفه الأصلي الأخير حرف علة" سواء أكان اسما، أم فعلا. أما الصرفيون فقد جري اصطلاحهم على أن المعتل هو: ما كان أحد حروفه الأصلية حرف علة: سواء أكان حرف العلة في الأولى، أم في الوسط، أم في الآخر، أم في أكثر من موضع. وسواء أكان ذلك في اسم أم فعل. ولكل حالة من تلك الحالات المختلفة اسم خاص بها، وحكم معين في علم: "الصرف". ولم يطلق النحاة ولا الصرفيون اسم =(1/187)
الهدى، الحِمى ... " وأيضًا "الهادي، الداعي، المنادِي، والمرتجِي ... " وأيضًا "أدكو1 طوكيو2، سَمَنْدُو3 قَمَندُو4 ... ".
وهذا النوع المعتل ثلاثة أقسام على حسب حرف العلة الذى فى آخره:
أولها؛ المقصور5: وهو: الاسم المعرب الذى فى آخره ألف6 لازمة 7.
__________
= المعتل على شيء من الحروف، مع أن بعض الحروف قد يكون معتلا، مثل: إلى، على، في.... والسبب في ذلك أن كلامهم في المعتل، وأنواعه، واسم كل نوع وحكمه -إنما هو من ناحية الإعراب. وما يتصل به، وهي ناحية لا تتصل بالحروف، إذ الحروف كلها مبنية كما عرفنا- في ص76 على أنه لا مانع من تسمية الحرف الذي فيه حرف علة "بالمعتل" ولكن لا يصح تسميته بالمقصور، ولا بالمنقوص، ولا بالأسماء الأخرى الخاصة التي أطلقها النحاة أو الصرفيون، على أنواع المعتل من الأسماء أو الأفعال، "كالمثال، والأجوف، والناقص ... إلخ" لأن هذه التسميات مقصورة عندهم على أنواع المعتل من الأسماء والأفعال وحدهما.
ومن المقر أن حرف العلة إن كان سكانا بعد حركة تناسبه فهو حرف علة، ومد، ولين، نحو: مساعد، ومسعود، وسعيد. وإن كان ساكنا بعد حركة لا تناسبه فهو حرف علة ولين معا، نحو: جموهر، وزين. وإن كان متحركات فهو حرف علة فقط، مثل: حمور، وهيف.... "راجع الخضري جـ 2 في باب الترخيم والإعلال بالنقل". وعلى هذا تكون الألف دائما حرف علة، ومد، ولين.
ويتردد في كلام النحاة: "الحرف السعل" يريدون به الحرف الذي يخضع لأحكام الإعلال، وتجري عليه ضوابطه، كقلب الياء المتطرفة بعد الألف الزائدة همزة، كقولهم في بناي ... بناء و ... فإن لم يخضع لتلك الأحكام فهو حرف علة فقط، كالفعل الماضي، عور، أو هيف.
وستجيء إشارة لهذا في جـ 2 هامش ص 86 م 67.
1 اسم بحيرة وبلد مصري على الساحل الشمالي، قرب الإسكندرية.
2 حاضرة بلاد اليابان.
3 اسم طائر، واسم حصن في بلغراد".
4 اسم طائر.
5 مما يلاحظ: أن النحاة لا يطلقون اسم المقصور والممدود على الاسم إلا إذا كان معربا. بخلاف اللغويين والقراء، فإنهما يطلقونهما على المعرب والمبني، ولذا يقولون في: "أولى وأولاء، اسمي إشارة" إن الأولى مقصور، والثاني ممدود، مع أن الاسمين مبنيان، فالاصطلاح مختلف عند الفريقين.
- كما سبق في رقم 1 من هامش ص 187، وكما سيجيء في باب اسم الإشارة، - رقم 1 من هامش ص 324" وفي رقم 1 من هامش ص 450 م 170 جـ 4.
6 وهذه الألف يكون قبلها فتحة دائما، كشأن جميع الألفات، فإن جاء بعدها تاء التأنيث مثل: فتاة، ومباراة ... وزال عنه اسم المقصور وحكمه، وصار إعرابه على التاء- كما في: "و" من ص 190 وسيجيء البيان والإيضاح في الباب الخاص به من الجزء الرابع، ص 558م 171ص 569.
7 لا تفارقه في حالة من حالات إعرابه الثلاث، الرفع، والنصب والجر، إلا إذا وجدت علة صرفية تقضي بحذفها، فتحذف لفظا، ولكنها تعتبر موجودة تقديرا، لأن المحذوف لعلة كالثابت، وذلك كحذفها عن التنوين في مثل: فتى، علا، رضان فإنها موجودة تقديرا. وهذا معنى قولهم:
إن ألف المقصور موجودة دائما، إما لفظا وإما تقديرا عند الوقف يحذف التنوين- في الشائع- فترجع الألف، ويكون الإعراب مقدرا عليها. وهذا هو الشائع في الإعراب اليوم، ولا بأس به، بل فيه تيسير =(1/188)
وحكمه: أن يعرب بحركات مقدرة على هذه الألف فى جميع صوره؛ رفعًا؛ ونصبًا، وجرًّا؛ إذ لا يمكن أن تظهر الفتحة أوالضمة أوالكسرة على الألف. ومن أمثلته: {إِنّ الهُدَى هُدَى الله} . "اتَّبْع سَبِيلَ الهُدَى". فكلمة: "الهدَى" الأولى، اسم "إن"؛ منصوبة بفتحة مقدرة على الألف؛ وكلمة: "هدَى" الثانية خبر "إن"، مرفوعة بضمة مقدرة على الألف أيضًا. وكلمة: "هدى" الثالثة مضاف إليه، مجرورة بكسرة مقدرة على الألف1.
ومن أمثلته: رضا الله أسمى الغايات. وإن رضا الناس غاية لا تُدْرَك، احرص على رضا الله ... فكلمة: "رضا" مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة بحركة مقدرة على الألف ... وهكذا كل الأسماء المقصورة2.
وليس من المقصور ما يأتي:
أ- الأفعال المختومة بألف لازمة، مثل: دعا، سعى، يخشى، ارتقى. وإنما هي نوع من الأفعال التى تسمى ناقصة. "ويراد بهذه التسمية هنا: أنها معتلة الآخر".
ب- الحروف المختومة بألف لازمة، مثل: إلى، على ... لأن هذه كتلك ليست أسماء.
__________
= وإذا كانت الألف لا تفارقه، وعلامة الإعراب لا تظهر عليها مطلقًا، كما أوضحنا، فلم لا يعتبر مبنيًّا؟ تقدم جواب هذا في "و" من ص99.
وقلنا في "ب" ص106 "وسيجيء أيضًا في ج3 م97 ص174 عند الكلام على المضاف إلى ياء المتكلم" أن بعض العرب يقلب ألف المقصور ياء، ويدغمها في ياء المتكلم: فيقول في كلمة: "هدى" عند الإضافة لياء المتكلم: هدى خير الوسائل للسعادة. وفي هذه الصورة يكون معربًا بالياء التي أصلها الألف بدلًا من حركات الإعراب التي كانت مقدرة على الألف، فهو مما ناب فيه حرف عن حركة. ولا يحسن اليوم الأخذ بهذا الرأي.
1 وهي تكتب ياء هنا، وتكتب في مواضع أخرى ألفًا، تبعًا لقواعد الإملاء التي تقضي بأن ألف المقصور الثلاثية إن كان أصلها ياء تكتب ياء، وإن كان أصلها واوا تكتب ألفًا، فلا بد من إرجاع الألف الثلاثية إلى أصلها. أما التي تزيد على ثلاثة فإنها تكتب ياء دائمًا.
وسواء أكتبت ألف المقصور ياء أم ألفًا- فإنها في جميع أحوالها تسمى: "ألفًا" ما دام قبلها فتحة.
وهذا الرأي هو الشائع اليوم في رسم الحروف.
وللكوفيين رأي أخير يجيز كتابة المقصور الثلاثي بالأف أو الياء إن كان الاسم مضموم الأول أو مكسورة.... ولا نتعرض لبيان أن هذا أنسب أم ذاك والسبب ... ولكن الذي لا شك فيه أن قواعد رسم الحروف معقدة مضطربة، في حاجة إلى ضبط وتجديد وتيسير. وهذا من أخص خصائص المجمع اللغوي، لأنه في هذه الناحية يمثل الهيئات العلمية اللغوية مجتمعة، والبلاد العربية كلها.
2 مع ملاحظة أن الكلمة المقصورة إن كانت ممنوعة من الصرف مثل موسى- على اعتباره ممنوعا من الصرف - فإنها تخضع لأحكام المنع المختلفة.. ومنها الجر بالفتحة المقدرة بدلا من الكسرة المقدرة، إن لم يكن هناك مانع..(1/189)
ج- الأسماء المبنيَّة المختومة بهذه الألف؛ مثل: "ذا" و"تا" من أسماء الإشارة. ومثل "إذا" الظرفية و"ما" الموصولة، وغيرها من الأسماء المبنية.
د- الأسماء المعربة التى فى آخرها واو، أوياء، مثل: "أدكو"، "الهادى"، لأنها ليست معتلة الآخر بالألف.
هـ- المثنى فى حالة الرفع مثل: سافر الوالدان، والأسماء الستة فى حالة النصب، مثل: رأيت أباك؛ لأن الألف فيهما غير لازمة، إذ تتغير وتجئ مكانها الياء مع المثنى فى حالة نصبه وجره؛ مثل: أكرمت الوالدَيْن، وأصغيت إلى الوَالديْنِ. وتجئ مكانها الواوأوالياء مع الأسماء الستة فى حالة رفعها وجرها؛ مثل: أبوك كريم، استمع إلى أبيك.
و أشرنا1 إلى أن المقصور إذا زيدت بعد ألفه تاء التأنيث - نحو: فتاة، مباراة، مستدعاة - يفقد اسمه وحكمه بسبب هذه التاء، ولا يسمى مقصورًا، لأنه لا يكون مقصورًا إلا بشرط انتهائه بألف تقع عليها الحركات الإعرابية مقدرة. ولا يتحقق هذا الشرط إذا وقعت بعد ألفه تاء التأنيث، إذ تكون هى خاتمة أحرفه، وعليها تقع الحركات الإعرابية ظاهرة لا مقدرة؛ ولذا تبقى عند تثنيته للدلالة على تأنيثه، وتحذف عند جمعه، ويراعى فى الاسم بعد حذفها ما يراعى فى جمع المقصور2.
ويجب التَّنبه للفرق الواسع بين تاء التأنيث السَّالفة والهاء الواقعة ضميرًا بعد ألف المقصور فى مثل: "من أطاع هواه أعطى العدومناه؛ فهذه الهاء كلمة مستقلة تماماً.
ثانيها: المنقوص؛ وهو: الاسم المعرب الذى آخره ياء لازمة3، غير مشددة، قبلها كسرة، مثل: العالى، الباقى، المرْتقِي، المستعلِي ...
__________
1 في رقم6 من هامش ص188 ويلاحظ آخر ما جاء في أول قسم "أ" ص168.
2 مما سيجيء بيانه في الباب الخاص بتثنية المقصور وجمعه في الجزء الرابع، م 171 ص566.
3 إذا حذفت الياء لعلة صرفية كالتنوين، أو علة أخرى، فهي في حكم الموجودة، مثل: هذا داع للخير. ويكون الإعراب على هذا الياء المقدرة.
ولماذا لا يعتبر المنقوص من المبنيات؟ سبق جواب هذا في "و" من ص99.(1/190)
وحكمه: أن يرفع بضمة مقدرة على الياء فى حالة الرفع، وينصب بفتحة ظاهرة على الياء فى حالة النصب1، ويجر بكسرة مقدرة2 عليها فى حالة الجر؛ مثل: الخلق العالي سلاح لصاحبه، إن الخلق العاليَ سلاح لصاحبه، تمسَّك بالخلق العالي. فكلمة: "العالي" في الأمثلة الثلاثة نعت "صفة"، ولكنه مرفوع في المثال الأول بضمة مقدرة، ومنصوب في المثال الثاني بالفتحة الظاهرة، ومجرور في المثال الثالث بالكسرة المقدرة. ومثله: الباقي للمرء عمله الصالح. إن الباقيَ3 للمرء عمله الصالح. حافظ على الباقي من مآثر قومك. فكلمة: "الباقي" في المثال الأول مبتدأ مرفوعة بضمة مقدرة، وهي في المثال الثاني اسم "إن" منصوبة بالفتحة الظاهرة، وهي في الثالث مجرورة بكسرة مقدرة، وهكذا، فالمنقوص يرفع ويجر بحركة4 مقدرة على الياء؛ وينصب بفتحة ظاهرة عليها، كما رأينا.
والمنقوص الذى تقدر الضمة والكسرة على يائه وتظهر عليها الفتحة يجب إثبات يائه إن كان غير منون -لسبب يمنع التنوين؛ كإضافته، أواقترانه بأل5، أوتثنيته، أوجمعه جمع مؤنث سالما6- فإن كان منونًا لخلوه مما يمنع التنوين؛ وجب حذف الياءدون التنوين في حالتي الرفع والجر، مع تقدير الضمة والكسرة عليها، ويجب بقاء الياء والتنوين فى حالة النصب؛ نحو: خيرُ ما يحمد به المرء خلقٌ عالٍ، إن خلقًا عاليًا يتحلَّى به المرء خير له من الثروة والجاه، لا يحرص العاقل على شيء قَدْرَ حرصه على خلق عالٍ يشتهر به. فيرفع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة، وينصب بفتحة ظاهرة على الياء الثابتة مع التنوين، ويجر بكسرة مقدرة على الياء المحذوفة. وإنما حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع التنوين فى حالتى الرفع والجر؛ إذ الأصل: "عالِيُنْ" في الرفع،
__________
1 وفي بعض اللهجات تكون هذه الفتحة مقدرة حتمًا إن كانت الياء في آخر الصدر المضاف إلى العجز في المركب المزجي طبقًا للبيان المفيد الآتي في "أ" من ص196.
2 لبعض القبائل لغات أخرى منها حذف هذه الياء رفعًا وجرًا، طبقًا لما سيجيء في البيان الذي في ص197
3 ومثل القول الشاعر:
إن الليالي لم تحسن إلى أحد ... إلا أساءت إليه بعد إحسان
4 فإن كان ممنوعًا من الصرف، مثل ليال- بواق ... جرى عليه حكم الممنوع من الصرف كما شرحناه، في ص 38 وهامشي 39.
وإذا كان المنقوص ممنوعا من الصرف وسمي به، مثل: جوار، وقواض، علمين مؤنثين- فلا تقدر الكسرة على الرأي المشهور، وإنما يجر بالفتحة، لكن أتظهر الفتحة لخفتها في حد ذاتها، أم تقدر لنيابتها عن الكسرة الثقيلة؟ رأيان أشهرها الثاني.
5 بعض القبائل يحذف ياء المنقوص المقرون "بأل" رفعا وجرا- طبقا لما سيجيء في ص 197.
6 سيجيء في الجزء الرابع الباب الخاص بتثنية المنقوص وجمعه.(1/191)
و"عالِيِنْ"1 في الجر، استثقلت الضمة والكسرة على الياء، فحذفتا، فالتقى ساكنان، الياء والتنوين، حذفت الياء لالتقاء الساكنين، فصارت الكلمة: عالٍ، في حالتي الرفع والجر -كما سلف. ومن أمثلة حذف الياء من المنون المرفوع قول الشاعر يمدح كريمًا:
فهو مُدْنٍ للجود وهوبغيضٌ ... وهو مُقصٍ للمال، وهو حبيبُ
"ملاحظة": إذا كانت لام المنقوص محذوفة بغير تعويض همزة الوصل عنها "مثل: شَجٍ" فإنها ترجع أوْلا ترجع في التثنية وفي جمع المؤنث السالم طبقًا للضابط الذى سبق2 "في رقم3 من هامش ص102 وفى "ح" من ص 123 و124".
وليس من المنقوص ما يأتي:
أ- الفعل بجميع أنواعه، ولا سيما المختوم بياء لازمة، مثل يَنْوِي محمد التنقل، ويجري وراء رزقه، وكذلك الحرف؛ ولا سيما المختوم بياء لازمة؛ مثل: في.
ب- الاسم الذى في آخره ياء مشددة؛ مثل: كرسيّ3.
ج- الاسم المختوم بياء ولكنه مبني؛ مثل: الذي، التي ... ذي "اسم إشارة".
د- الاسم المعرب الذى آخر ياء ولكنها غير ملازمة له في كل حالاته؛ كالأسماء الستة في حالة جرها بالياء؛ مثل: أحسن إلى أخيك؛ وكذلك المثنى وجمع المذكر السّالم في حالة نصبهما وجرهما؛ مثل: أكرم الوالدَيْنِ، واعتن بالوَالدَيْنِ، وصَافح الزائرِينَ، وأسرع إلى الزائرِينَ؛ فإن الياء في الأسماء الخمسة لا تثبت؛ بل تتغير ويحل محلها الواو رفعًا، والألف نصبًا. كما أن الياء في المثنى وجمع المذكر تتغير، ويحل محلها الألف في حالة رفع المثنى، والواو في حالة رفع جمع المذكر ...
هـ- الاسم المعرب الذى آخره ياء لازمة، ولكن ليس قبلها كسرة؛ مثل: ظبْى وكرسى؛ فالياء فى الأولى قبلها سكون ظاهر على حرف صحيح، وفى الثانية قبلها سكون ظاهر على حرف صحيح، وفي الثانية قبلها سكون ظاهر على حرف علة3.
__________
1 هذه النون هي رمز التنوين طبقًا للبيان الذي سبق في ص26.
2 في آخر رقم5 من هامش ص111 وفي "ج" من ص135.
"3و 3" فكلمة كرسي وأشباهها- ليست من المنقوص لمانعين، لا لمانع واحدهما. عدم سكون الياء لزوما، وعدم كسر ما قبلها.(1/192)
ثالثها: الاسم المعرب الذى آخره الحقيقي واو ساكنة لازمة قبلها ضمة. وهذا نوع لا تعرفه اللغة العربية الأصلية؛ ولم يُسمع عن العرب، إلا في بضع كلمات نقلوها عن غيرهم من الأجانب، منها: "سَمَنْدُو1"، "قَمَنْدُو2"، لكن لا مانع من تسمية بعض الأشخاص وغيرهم بأسماء مختومة بتلك الواو؛ كتسمية شخص أرسطو، أو خوفُو، أو سنفرو3"، أو: يدعو، أو: يسمو، وتسمية بلد: "أدفو، وأدكو"4، "أركنو"5، "طوكيو"6، "كنغو"7.
ولما كان هذا النوع غير عربي في أصله، ونادرًا في استعمال العرب، أهمله النحاة، فلم يضعوا له اسمًا، ولا حُكْمًا -فيما نعرف8- ولعل الحكم الذى يناسبه في رأينا هو أن يعرب بحركات مقدرة على آخره في جميع حالاته بغير تنوين9، فيرفع بالضمة المقدرة على الواو، وينصب بالفتحة المقدرة عليها، ويجر بالفتحة المقدرة عليها بدلا من الكسرة10، تقول: كان "سِنِفرو" ملكًا
__________
1،2" سبق شرحهما في هامش ص 188 - رقم 3و 4 ومنها: هند وكما جاء في الهمع- اسم بلد.
3 "خوفو" اسم فرعون من فراعنة مصر في الدولة الأولى القديمة، وهو باني هرم الجيزة الأكبر. و "سنفرو" اسم فرعون آخر.
4 بلدان، أولاهما بصعيد مصر، والأخرى بالساحل الشمالي- كما سبق في رقم 2 من هامش ص 170.
5 اسم واحدة على الحدود المصرية الغربية.
6 اسم حاضرة اليابان.
7 إقليم بوسط إفريقية.
8 لم أجد له اسما ولا حكما فيما لدى من المراجع المختلفة، إلا ما ذكره بعض النحاة، كالصبان في آخر باب الممنوع من الصرف، عند الكلام على المنقوص من الأسماء الممنوعة من الصرف، فإنه قال ما نصه:
"ولو سميت بالفعل" "يغزو" و "يدعو"، ورجعت بالواو وللياء، أجريته مجرى "جوار" وتقول في النصب: رأيت يدعى ويغزي. قال بعضهم: ووجه الرجوع بالواو للياء ما ثبت من أن الأسماء المتمكنة ليس فيها ما آخره واو قبلها ضمة، فتقلب الواو ياء ويكسر ما قبلها. وإذا سميت بالفعل: "يرم" من: "لم يرم" رددت إليه ما حذف منه، ومنعته من الصرف. تقول: هذا يرم، ومررت بيرم، والتنوين للعوض، ورأيت يرمي.
"وإذا سميت بالفعل: "يغز" لم يغز" قلت: هذا يغز، ومررت بيغز، ورأيت يغزي. إلا أن هذا ترد إليه الواو وتقلب ياء لما تقدم ثم يستعمل اسعمال جوار" "أهـ.
وفي هذا الكلام فوق ما فيه من تخيل بعيد- ما يستدعى التوقف والنظر، "كما قلنا في جـ4 ص 161، 162م 145" لأن الأخذ به يؤدي إلى تغيير صورة العلم تغييرا يوقع في اللبس والإبهام. ويحدث لصاحبه مشقات في معاملاته.
"9، 10" لأن الاسم في هذه الحالة يكون علما أعجميا، فيمنع من الصرف، ويجر بالفتحة بدلا من الكسرة إن لم يمنع من ذلك مانع آخر. كالإضافة، أو: أل.(1/193)
مصريًّا قديمًا، إن "سنفرو" أحد الفراعين، هل عرفت شيئًا عن سنفرو؟ وهذا الحكم يسري على الكلمات القليلة التى أخذها العرب عن غيرهم، كما سيرى على الأسماء التي لم يأخذوها، وكذلك المستحدثة بعدهم للأشخاص والبلاد وغيرها1 ...
يؤدي إلى إدخال تغيير على العلم في مظهره يؤدي إلى اللبس1
وليس من النوع الثالث ما يأتي:
أ- الفعل الذى آخره واو، مثل: يدعو، يسمو، يعلو؛ لأن هذه ليست أسماء.
ب- الاسم الذى ليس معربًا، مثل: هُوَ ... وذو، بمعنى الذى "نحوجاء ذو قام"2 ...
ج- الاسم المعرب الذى آخره واو، ولكنها ليست في الآخر الحقيقي بل في الآخر العارض؛ مثل: يا "ثمو" ويا "محْمُو" فى ترخيم كلمتي: "ثمود" و"محمود" حين النداء؛ فإن الآخر الحقيقي هو الدّال، لا الواو.
د- الاسم المعرب الذى آخره واو، ولكنها ليست لازمة؛ كالأسماء الخمسة في حالة الرفع، مثل: سعد أخوك3 ... فإن هذه الواو تتغير في حالة النصب، وتحل محلها الألف؛ كما تتغير في حالة الجر وتحل محلها الياء.
__________
"1و 1" وقد رأيت ما يقوي هذا الحكم من كلام "العكبري" شارح ديوان "المتنبي" حيث جاء في القصيدة التي مطلعها:
"لهذا اليوم بعد غد أريج ... ونار في العدو لها أجيج"
عند البيت:
فإن يقدم فقد زرنا "سمندو" ... وإن يحجم فموعده الخليج
ما نصه: "قال ابن جني سألت المتنبي: لم لم تعرب سمندو؟ يريد: لم لم تظهر الفتحة على الواو في آخر كلمة: "سمندو؟ فقال: لو أعربتها لم تعرف".
فسمع ابن جني الجواب ولم يعلق عليه، فسكوته قد يفيد الرضا بما سمع.
"هذا وسيجيء حكمه عند إضافته لياء المتكلم في الباب الخاص بهذا - ج3 ص143 م69 -كما سيجيء حكمه عند تثنيته وجمعه في الباب الخاص بذلك، ج4 م. 171 ص566".
2 أما "ذو" التي من الأسماء الستة فالواو في آخرها غير لازمة، وأيضًا ليست أصلية.
3 ومثلها واو جمع المذكر السالم المضاف: مثل: جاء عالمو الهندسة، فإن هذه الواو تتغير، ويحل محلها الياء نصبًا وجرًّا. هذا إلى شيء آخر هو: أن الواو في الأسماء الستة وفي جمع المذكر طارئة فهي خارجة عن صيغة الكلمة، وهذا يبعدها من النوع الثالث.(1/194)
هـ- الاسم المعرب الذي آخره واو لازمة، ولكن ليس قبلها ضمة؛ مثل: حُلْو، خَطْوٌ، صحو، دَلو، صَفو، فإنه من المعتل الجارى مجرى الصحيح1 في إعرابه بحركات ظاهرة على آخره رفعًا ونصبًا وجرًّا2.
"ملاحظة" سيجيء في ج4 ص457 م171 باب خاص بطريقة تثنية المقصور والمنقوص والممدود وجمعها جمع مذكر سالم وجمع مؤنث سالم.
__________
1 سبق تعريفه وحكمه في ص187.
2 وفيما سبق من المعتل وأحكام المقصور والمنقوص يقول ابن مالك:
وسم معتلا من الأسماء ما ... كالمصطفى، والمرتقي مُكَارِمَا
فالأول الإعراب فيه قدرا ... جميعه، وهو الذي قد "قُصِرَا".
والثاني "منقوص"، ونصبه ظهر ... ورفعه ينوي، كذا أيضًا يُجَر(1/195)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- عرفنا1 أن المنقوص تقدر على آخره الضمة، والكسرة، وتظهر الفتحة؛ مثل: أجبت داعيَ الحق. لكن إذا وقع المنقوص صدر مركب مزجي2، فإنه قد يجوز -عند بعض القبائل- في هذا الصدر أن يُعْرب إعراب المضاف، ويعرب ما بعده "وهو: العَجزُ" مضافًا إليه، ممنوعًا من الصرف أو غير ممنوع على حسب حالته وما يستحقه. وفي هذه الحالة لا تظهر الفتحة على ياء المنقوص -فى الأشهر3- ومن أمثلته عرفت "داعِي سَلْمٍ"، أو: "مَعْدِي كَرِبٍ"، أو"صافي هَنَاء" "أسماء أشخاص" ودخلت "سواقِي خَيْلٍ"، أو: "مرامي سفرٍ" أو"قالي قلاً" "أسماء بلاد" فالصدر يعرب إعراب المنقوص من غير أن تظهر عليه الفتحة في حالة النصب. وهذا هو نوع المنقوص الذى لا تظهر على يائه الفتحة في حالة نصبه4 ... ومع أن هذا هو المشهور -قديمًا فى تلك اللغة- فالمناسب لنا اليوم ألا نلجأ إلى الإضافة؛ لأن ترك الياء في حالة النصب بدون فتحة ظاهرة قد يدعو للحَيْرة والإيهام بغير داعٍ، فالخير ألاّ نعربه إعراب المتضايفين، وإنما الخير أن نستعمله الاستعمال المشهور في المركب المزجيّ؛ بأن يكون الإعراب على آخر العجز وحده، مع ترك الصدر على حاله، فلا نعربه إعراب المضاف مع المضاف إليه لأن الإعراب على آخر العجز وحده يدل على أن اللفظ مركب مزجيّ.
ومن العرب من يجيز فتح هذه الياء كغيرها من المنقوص، كما أن منهم من يمكن ياء المنقوص دائمًا. ولكن من المستحسن عدم الأخذ بهذين الرأيين؛ للدواعي القوية التى نرددها، والتي نردفها بأننا حين نذكر عدة آراء مختلفة نذكرها لا لنحاكيها -فالمحاكاة اليوم للأشهر وحده- وإنما نذكرها للمتخصصين؛ ليستعينوا بها على فهم النصوص القديمة التي تشتمل عليها، إلا إذا أشرنا إلى جواز استعمالها لسبب قوي.
__________
1 في ص191.
2 تعريف المركب المزجي وأحكامه وكل ما يختص به مدون في باب "العلم" وسيأتي "ص300، 311، 313 وما بعدهما".
3 ويحسن في هذه الحالة كتابة الصدر منفصلًا عن العجز، ليكون هذا الانفصال دالًّا على الإضافة، وموجها إليها، إذ المضاف غير المضاف إليه، فمن حقهما أنهما لا يتصلان في الكتابة بخلاف حال المزج، فإنه يقوم على أنهما بمنزلة شيء واحد، ولذا يتصلان كتابة في الغالب "انظر ص300، 314".
4 سيجيء البيان أيضًا في ص314 وفي ج4 ص176 م147.(1/196)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد1 أشرنا إلى أن بعض القبائل يحذف من "المنقوص" المفرد، المقترن بأل ياءه في حالتي الرفع والجر، وبلغتهم جاء القرآن الكريم، مثل كلمة: "الباد" في قوله تعالى في سورة الحج: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَاد} ، أي: البادي.... ومثل "بالواد" في قوله تعالى في سورة الفجر: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} أي: بالوادي. ومثل: "المتعال" في قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} أي: المتعالي.
وإذا ختم صدر المركب المزجي بواو، وأريد إضافة الصدر إلى العجزِ -اتباعا للرأي السالف- فإن الحركات كلها تقدر على الواو؛ مثل: "نِهْرو هنود"2 و"مجْدُو ملوك"3 والحكمة فى عدم ظهور الفتحة هو الحرص على بقاء الاسم على حالته الأصلية؛ ليبقى دالاً على صاحبه، دلالة العلَم، لا دلالة المضاف والمضاف إليه؛ لأن الإضافة هنا ظاهرية شكلية فقط. ولم أر من يجيز الإعراب على آخر العجز وحده، مع ترك الصدر على حاله، ولا من عرض حكمًا لهذا النوع من المعتل -كما أسلفنا4- لكن حمله على نظيره المركب المزجيّ المختوم صدره بالياء قد يبيح هذا، بل يجعله أفضل؛ إذ يدل على أن اللفظ مركب مزجيّ، مضاف فلا يقع فيه لبْس.
ب- إذا أضيفت كلمة "لدَى"5 للضمير فإن ألفها تقلب ياء، مثل: زاد الخير لديْك، فكلمة: "لدى" ظرف منصوب بفتحة مقدرة. لكن أهذه الفتحة مقدرة6 على الياء الظاهرة، أم مقدرة على الألف التى كانت فى الأصل، وانقلبت ياء؟ يُفضل النحاة أن يقولوا منصوب بفتحة مقدرة على الألف التى صارت ياء، وذلك لسببين:
أولهما: أن الألف هي الأصل، فلها الاعتبار الأول.
ثانيهما: أن الياء في آخر المعربات تظهر عليها الفتحة في الأغلب، فإذا
__________
1 في ص 191.
2 نهرو: علم زعيم هندي وطني في عصرنا وقد تولى رياسة الوزارة قبل موته وبعد استقلال بلاده.
3 اسم أمير فارسي.
4 في ص193، النوع الثالث.
5 هي ظرف مكان معرب، بمعنى: عند. وتفصيل الكلام عليهما في "باب الظروف" جـ2 ص325م 79 وجـ3 باب الإضافة ص 48 م 94.
6 منع من ظهورها السكون الذي جاء للتخفيف. أو مراعاة أصلها وهو أنها لا تظهر على الألف التي انقلبت ياء.(1/197)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جعلنا الفتحة مقدرة على الألف، بقيت القاعدة السابقة سليمة مطردة، بخلاف ما لو جعلناها مقدرة على الياء فيكون التقدير مخالفًا للأعم الأغلب، من ظهور الفتحة مباشرة على الياء1.
مواضع الإعراب التقديرى:
ج- فهمنا من المسائل السابقة2، معنى الإعراب الظاهر، والإعراب المقدر "أي: التقديري"، في الأسماء والأفعال المضارعة. وسواء أكانت علامة الإعراب ظاهرة أم مقدرة -لا بد أن تُلاحَظ في التوابع، فيكون التابع مماثلًا في علامة إعرابه للمتبوع3.
وبقي أن نشير هنا إلى أن الإعراب التقديري لا ينحصر في تلك المواضع التي سبق الكلام عليها في المضارع المعتل الآخر4، وفي الاسم المعتل الآخر5؛ لهذا كان من المستحسن أن نجمع هنا ما تفرق من مواضع الإعراب المقدر6 "التقديرى" التى سبقت، والتى لم تسبق، وأن نركزها في موضع واحد، ليسهل الرجوع إليها.
فمن هذه المواضع ما تقدر فيه الحركات "الأصلية أو الفرعية7"، ومنها ما تقدر فيه الحروف النائبة عن الحركات الأصلية. "فالحروف تقدر كالحركات". وإليك البيان:
أولا - أشهر المواضع التى تقدر فيها الحركات الأصلية:
1- تُقَدر الحركات الثلاث "أي: الضمة، والفتحة، والكسرة" على آخر الاسم المقصور، -مثل المصطفى- في كل حالاته الثلاث: الرفع، والنصب،
__________
1 وهذا من فلسفة النحاة. ولن يترتب على الأخذ بالرأي الأول ضرر، بل لعله الأوضح والأسهل، ولا حاجة بنا إلى التشدد.
2 في ص72 و 84 وما بعدهما.
3 انظر رقم2 من هامشي ص182، ففيه الإشارة لهذا. وفي ص84 بيان آخر لفائدة الإعراب التقديري والمحلي.
4 ص182.
5 ص 187.
6 وهو غير الإعراب المحلي الذي سبق بيانه في: "أ" من ص 84 والذي ستجيء له إشارة في ص 314 وأيضًا في ج2 ص320 م89.
7 كالفتحة المقدرة النائبة عن الكسرة في الممنوع من الصرف، مثل قبلت النصح من هدى "اسم امرأة".(1/198)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والجر، -كما سبق في ص170- وكذلك على آخر الاسم المعتل بالواو، كما في ص175.
2- تُقَدر حركتان فقط هما: الضمة، والكسرة، على آخر الاسم المنقوص، في حالة الرفع والجر؛ كما سبق في ص172.
3- تقدر الحركات الثلاثة على آخر الاسم، إذا سكن للوقف، مثل جاء محمدْ. رأيت محمدْ، قصدت إلى محمدْ بإعراب "محمد" مرفوعة، أو منصوبة أو مجرورة، بحركة مقدرة، منع من ظهورها السكون العارض للوقف. ومثل هذا يقال في الفعل المضارع صحيح الآخر، رفعًا، ونصبًا؛ مثل: علي يأكلْ، عليّ لن يأكلْ،: فالفعل "يأكل" مرفوع، أو منصوب، بحركة مقدرة، منع من ظهورها السكون العارض للوقف. ومن التيسير في الإعراب واختصار الكلام، أن نقول في إعراب "محمدْ" إنه: مرفوع أو منصوب، أو مجرور بالحركة الأصلية، وضُبط بالسكون للوقف؛ وكذلك نقول في المضارع إنه: مرفوع، أو منصوب بالحركة الأصلية، وألزم السكون للوقف. ومثل هذا نقوله في بقية المواضع الآتية:
4- تقدر الحركات الثلاثة جوازاً على الحرف الأخير من الكلمة، إذا كان مما يدغم فى الحرف الأول من الكلمة التالية؛ مثال ذلك فى الاسم قراءة من قرأ: "وقتل داوُودْ جالوت" بإدغام الدال فى الجيم؛ ومثاله فى الفعل: يكتبْ بكر، بإدغام الباءين فى بعض اللغات. ومن التيسير لما سبق، أن نقول: "داوود"، و"يكتب" مرفوع، وجاءه السكون العارض لأجل الإدغام.
5- تقدر الحركات الثلاث جوازًا على الحرف الأخير من الكلمة، إذا سكن للتخفيف؛ كتسكين الحروف الآتية في الكلام، نثره ونظمه، وفي
__________
1 كما سبق في ص188.
2 كما سبق في ص193
3 كما سبق في ص191 أما الفتحة فتظهر في حالة نصبه.
4 عند الوقف في حالة النصب- فقط يقلب التنوين ألفًا، وهو المشهور، فيكون منصوبًا بفتحة ظاهرة على الدال، بعدها ذلك التنوين المنقلب ألفًا مثل: أكرمت محمدًا. أما على اللغة التي تقف بحذف التنوين مطلقًا فتكتب "محمد" بسكون الدال.
5 يكون هذا السكون أيضًا في الأسماء المبنية، والأفعال المبنية، إذا كان آخر كل منهما متحركًا وسكن للوقف، مثل محمد قام ... إلى أين.. بل إنه يوجد في الحروف المتحركة الآخر. مثل. "منذ" باعتبارها حرف جر، فتقول: منذ.
6 الأصل في ذلك أن الكلمة الواحدة- أو ما هو بمنزلة الكلمة الواحدة، كالكلمة التي بعدا الضمير المتصل- إذا اشتملت على ثلاثة أحرف متحركة، "نحو: عنق، وفخذ، وإبط ... " أو أكثر، جاز تسكين الحرف الثاني المتحرك تخفيفًا. أما التخفيف الذي للوقف فيكون في آخر الكلمة -كما تقدم- وقد يجري التخفيف بين هذه الحروف المتحركة إذا كانت في كلمتين، بعض منها في آخر كلمة سابقة وبعض آخر في أول التي تليها، كالذي في كلمة: "السيئ" ويأمر، ويشعر..... من الآيات. وهذا يسمى: "التخفيف مع الوصل على نية الوقف" ومن أمثلته أيضا الآية التي في "د" ص 205 "ولهذا إشارة في الهمع جـ1 ص 54 وفي الجزء الأول من الخضري والصبان، آخر باب: "المعرب" والمبني. أما البيان والتفصيل في ص 6 جـ 5 من كتاب: "إرشاد الأريب" إلى معرفة الأديب، لياقوت الرومي، طبعة مرجليوث".(1/199)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفى بعض القراءات القرآنية. فقد سكنت الهمزة المكسورة فى قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} . وسكنت التاء المضمومة في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} . وسكنت السين المضمومة فى قوله تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُم} .
وسكنت الهمزة المكسورة فى آخر الكلمة السَّيئّ من قوله تعالى فى المشركين: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا، اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} .
وسكنت الراء المضمومة فى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} . وكذلك سكنت الراء المضمومة فى قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} . ومن التيسير أن نقول في كل كلمة من الكلمات السابقة وأشباهها: إنها مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، بالعلامة الأصلية وسُكِّنت للتخفيف1....
6- تقدر الحركات الثلاثة جوازًا على الحرف الأخير من الكلمة، إذا أهملنا حركته الأصلية، وجعلناها مماثلة لحركة الحرف الذى يجيء بعده، كقراءة من قرأ: "الْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين"، بكسر الدال، تبعًا لحركة اللام التي جاءت بعدها، وتسمىّ هذه الحركة حركة الإتباع؛ لأننا أتبعنا السابق للاّحق فيها، ومن الممكن مراعاة التيسير السابق. وهذا النوع من الإتباع يختلف اختلافًا واسعًا عن الاتباع الذي سبق في "ج" ص59 وعن الإتباع الذي يكون في التوابع الأصلية الأربعة "النعت، التوكيد، العطف، البدل".
7- تقدر الحركات الثلاث على آخر العلم المحكي2 من غيره تغيير في حالة من أحواله؛ رفعًا ونصبًا وجرًّا، كالعلم المركب تركيب إسناد؛ مثل: "فَتَح
__________
1 فهذا سكون عارض يختلف اختلافًا أساسيًّا عن أنواع السكون الأخرى ولا سيما السكون الذي يجلبه الجازم- كما سيجيء في موضعه من جزء 4 م 148 ص 212 باب "إعراب الفعل".
2 الذي نريد أن نحاكي نطقه في صورته الأصلية التي جاءت عليها أولًا. ومن صور الحكاية في غير العلم ما سبق في "ج" ص30.(1/200)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللهُ"، "نصرَ اللهُ"، "عليٌّ شاعر" "وكل هذه أعلام أشخاص". تقول: جاء "فتحَ اللهُ". شاهدت "فَتَحَ اللهُ" ذهبت إلى "فَتَحَ اللهُ"؛ فتبقى حركة الكلمتين كما هي في الأصل، مع إعرابهما معًا في الحالة الأولى فاعلًا مرفوعًا بضمة مقدرة للحكاية، وهي غير هذه الضمة الظاهرة ... وإعرابهما في الحالة الثانية مفعولًا به منصوبًا بفتحة مقدرة، منع من ظهورها ضمة الحكاية، وفي الحالة الثالثة مجرورًا، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها حركة الحكاية. وكذا البقية.
8- تقدر الحركات الثلاث على آخر الاسم المضاف لياء المتكلم1،
__________
1 للإضافة إلى ياء المتكلم بحث مستقل شامل "في ج3 ص167 م97" ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن الإضافة إلى ياء المتكلم تشمل الإضافة الظاهرة إلى ياء المتكلم، كما تشمل الإضافة المقدرة إليها، يريدون بالظاهرة: "ما كانت فيها الياء نفسها بارزة غير محذوفة، وغير منقلبة حرفًا آخر"، مثل كتابي صاحبي. ويريدون بالمقدرة إليها إحدى الحالات الآتية:
أ- ما كانت فيها الياء محذوفة من غير عوض عنها، مع وجود ما يدل عليها، كالكسرة قبلها، مثل: يا رب ساعد، وأصلها: يا ربي.
ب- ما كانت فيها الياء محذوفة، ولكن عوض عنها تاء التأنيث المبنية على الفتح أو على الكسر، مثل: يا أبت "أي: يا أبي" فكلمة: "أب" من "أبت" منادى منصوب؛ لأنه مضاف للياء المحذوفة التي عوض عنها تاء التأنيث، وتاء التأنيث حرف، إذ الياء لم تنقلب إليها، كما تنقلب إلى الألف، ولهذا كانت كلمة "أب" منصوبة، ولكن بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لمناسبة تاء التأنيث؛ لأن تاء التأنيث تقتضي فتح ما قبلها. ذلك قولهم، وهو صحيح دقيق. ولكن من الممكن الاختصار فنقول: إنها منصوبة بفتحة ظاهرة.
ج- ما كانت فيها الياء منقلبة ألفًا، مثل: يا "صاحبا" لا تترك زيارتي. فكلمة "صاحب" منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف، ومن التيسير أن نقول: منصوب بالفتحة الظاهرة.
ملاحظة: إنما تقدر الحركات الثلاثة على المضاف إلي ياء المتكلم. بشرط ألا يكون مثنى، ولا جمع مذكر سالم، ولا منقوصًا، ولا مقصورًا. فإن كان مثنى وهو مرفوع. فإن ياء المتكلم تثبت مفتوحة بعد ألف التثنية الساكنة: نحو: جاء صاحباي.
وإن كان مثنى وهو منصوب أو مجرور فإن ياء المتكلم تثبت في الحالتين مدغمة في ياء التثنية، ومفتوحة، نحو رأيت صاحبي "وأصلها -كما سبق- صاحبين لي، حذفت النون واللام للإضافة، أو حذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف، وأدغمت الياء في الياء مع فتح الثانية منهما".
وإن كان جمع مذكر فإن واوه في حالة الرفع والإضافة لياء المتكلم موجودة وليست مقدرة، ولكنها تقلب ياء، وتدغم الياءان، مع كسر ما قبلهما، وفتح ياء المتكلم، مثل: جاء صاحبي، "وأصله: صاحبون لي. حذفت النون واللام للإضافة، أو حذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف -كما سبق- فصارت: "صاحبوي" اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت =(1/201)
مثل: هذا كتابي، قرأت كتابي، وانتفعت بكتابي. فكلمة: "كتاب" الأولى خبر مرفوع بضمة مقدرة؛ منع من ظهورها الكسرة التي جاءت لمناسبة ياء المتكلم. "كتاب" مضاف، و"ياء المتكلم" مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر. وكلمة: "كتاب" الثانية. مفعول منصوب بفتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها الكسرة التى جاءت لمناسبة ياء المتكلم، و"ياء المتكلم" مضاف إليه مبني على السكون في محل جر. وكلمة: "كتاب" الثالثة مجرورة بالياء، وعلامة جرها كسرة مقدرة منع من ظهورها الكسرة الظاهرة، التى جاءت لمناسبة ياء المتكلم، وياء المتكلم مضاف إليه ...
وبعض النحاة لا يوافق على أن الكسرة في حالة الجر مقدرة، وإنما هي الكسرة الظاهرة وهو إعراب أحسن، إذ لا داعي للتعقيد والإعنات والتطويل، ويجدر الأخذ بهذا وحده.
ولما كانت ياء المتكلم قد تنقلب ألفًا أحيانًا، فنقول، في يا "صاحبي"؛ و"صديقي": يا "صاحبَا" ويا "صديقَا ... كانت كلمة: "صاحب" و"صديق" منادى منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الفتحة التى جاءت لمناسبة الألف، التى أصلها ياء المتكلم. وصاحب، وصديق: مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفًا: مضاف إليه، مبني على السكون فى محل جر. ومن الممكن في هذه الحالة مراعاة التيسير بأن نعرب كلمة "صاحب"
__________
= الياء في الباء، وكسر ما قبلهما، فصارت صاحبي. ويكون مرفوعًا بالواو التي قلبت ياء كما سبق، وإن كان منصوبًا أو مجرورًا فإن ياءه تدغم في ياء المتكلم التي تتحرك بالفتح، وقبلهما كسرة، مثل: أكرمت زائري، وسلمت على زائري، فكلمة: "زائري، وأصلها: زائرين لي ... " منصوبة أو مجرورة، وعلامة نصبها وجرها الياء الأولى الساكنة، المدغمة في ياء المتكلم المفتوحة، وكلمة زائري: مضاف، وياء المتكلم: مضاف إليه، مبنية- على الفتح- في محل جر، هذا والياء الأولى في مثل كلمة: "زائري" السالفة تختلف عن الياء الأولى في كلمة "صاحبي" في المثال السابق، وهو، "جاء صاحبي" لأن الياء الأولى في كلمة صاحبي، منقلبة عن واو، فهي علامة رفع، بخلاف الأخرى، فهي ياء الجمع، علامة النصب أو الجر.
وإن كان منقوصًا، فإن ياءه تثبت في كل أحواله، وتدغم في ياء المتكلم، التي تتحرك بالفتح، مثل: جاء هادي، كلمتُ هادي، استمعت إلى هادي. فكلمة: "هادي" مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، بحركة مقدرة علي الياء الأولى، منع من ظهورها السكون العارض للإدغام، ولا يحسن أن يقال: منع من ظهورها اشتغال المحل بالسكون؛ لأن السكون عدم الحركة، والعدمي عندهم لا يشغل، إنما الذي يشغل هو الوجودي.
وإن كان مقصورًا ثبتت ياء المتكلم بعد ألفه دائمًا، مع فتحها، وفي الباب الخاص بالمضاف إلى ياء المتكلم إيضاح لكل ما سبق- ومكانه ما أشرنا إليه وهو ج3 ص69 م96.(1/202)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
و"صديق" منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفًا: مضاف إليه ... وهو إعراب محمود؛ لخلوه من الإطالة التي في سابقه.
9- يُقَدر السكون على الحرف الأخير من الفعل، إذا تحرك للتخلص من التقاء الساكنين؛ مثل؛ لم يكن المحسن ليتأخرَ عن المعونة. فقد تحركت النون بالكسر، مع أن الفعل مجزوم بلَم؛ لأن هذه النون الساكنة قد جاء بعدها كلمة أولها حرف ساكن، وهو اللام، فالتقى ساكنان لا يجوز التقاؤهما، فتخلصنا من التقائهما بتحريك النون بالكسر، كالشائع في مثل هذه الحالة؛ فكلمة: "يكن" مضارع مجزوم بـ"لم"، وعلامة جزمه سكون مقدر، بسبب الكسرة التي جاءت للتخلص من الساكنين ...
ومن الممكن مراعاة التيسير هنا بأن نقول، مجزوم وحرك بالكسر للتخلص من الساكنين.
10- يقدر السكون على الحرف الأخير من الفعل، إذا كان مجزومًا مدغمًا في حرف مماثل له، نحو: لم يمدَّ العزيز يده، ولم يفرَّ الشجاع. فكل من كلمة: "يمد"، و"يفر" مجزوم الآخر، وعلامة جزمه السكون المقدر، منع من ظهورها الفتحة التي جاءت للتخلص من الساكنين1. ويمكن التيسير بالاختصار هنا.
11- كذلك يقدر السكون على الحرف الأخير من الفعل الذى حرك لمراعاة القافية، مثل قول الشاعر:
وَمهْمَا تكُنْ عند امْرِئٍ من خَليقةٍ ... وإنْ خالها تَخفىَ على الناس تُعْلَمِ
فكلمة "تُعَلمِ" مضارع مجزوم في جواب الشرط، وعلامة جزمه السكون المقدر، الذى منع من ظهوره الكسرة التي جاءت لمراعاة القافية؛ ذلك أن كل الأبيات التي قبل هذا البيت مختومة بميم مكسورة، فلم يكن بد من كسر آخر الفعل لمراعاة القافية. ولا مانع من التيسير بالاختصار، بل إنه حسن كحسنه في كل المواضع التي سبقت.
__________
1 ذلك أن الدال الأخيرة، والراء الأخيرة فيهما مجزومة بحرف الجزم، وكل منهما قبله حرف مماثل له، ساكن بسبب الإدغام، قبل مجيء الجازم، فالتقى ساكنان، فتخلصنا من التقائهما هنا بالفتحة الظاهرة.(1/203)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى هنا انتهى أظهر المواضع التي تقدر فيها الحركات الإعرابية.
ثانيا- أشهر المواضع التي تقدر فيها الحروف النائبة عن الحركات الأصلية هي:
1- تقدر الحروف التي تعرب بها الأسماء الستة، إذا جاء بعد تلك الحروف ساكن، مثل: جاء أبو الفضل؛ وذلك لحذفها في النطق فقط -كما تقدم1 في "ج" من ص106؛ أما في الخط فلا بد من كتابتها. فإن رُوعي المكتوب فلا تقدير. والأفضل في النطق أن نقف -عند الإعراب- على آخر كلمة: "أبو" فتظهر الواو؛ فلا يكون هناك تقدير في الحالتين، ونستريح من التشعيب في القاعدة الواحدة. وللمجمع اللغوي في هذا قرار مفيد سجلناه في ص159 - رقم2 من هامشها.
2- تقدر ألف المثنى المضاف إذا جاء بعدها ساكن، مثل: ظهر نجمَا الشرق، وذلك لحذفها في النطق دون الكتابة -كما سبق2 أما عند إعراب المكتوب فلا تقدير. وهنا يقال ما قيل فى الحالة السابقة. وقرار المجمع اللغوي السالف.
3- تقدر واو جمع المذكر السَّالم وياؤه إذا كان مضافًا، وجاء بعدهما ساكن؛ مراعاة لحذفهما في النطق: مثل: تيقظ عاملو الحقل مبكرِين، ورأيت عاملي الحقل في نشاط3. ولا تقدير عند إعراب المكتوب. وهنا يقال ما قيل في الحالة الأولى. والثانية وقرار المجمع اللغوي السالف.
وشرط التقدير أن يكون جمع المذكر غير مقصور؛ فإن كان مقصورًا لم تحذف الواو ولا الياء؛ لأن ما قبلهما مفتوح دائمًا، فلا توجد علامة مناسبة قبلهما، تدل على الحرف المحذوف، ولهذا يتحركان4 فقط؛ مثل: سافر مصطفَو الفصل في
__________
1 في "ج" من ص 115.
2 في "ز" من ص 135 وفي "و" من ص 159.
3 سبقت الإشارة لهذا في ص 159.
4 وتكون الحركة بالكسر لأنه الأصل من التخلص في التقاء الساكنين، وقد تكون بغيره، كالضم مع الواو، أحيانا ... تبعا لاعتبارات أخرى، مكان تفصيلها: التخلص من التقاء الساكنين.(1/204)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رحلة؛ "جمع؛ مصطفىً"، استقبلت مصطفَىِ الفصل1.
4- تقدر واو جمع المذكر المضاف إلى ياء المتكلم في حالة الرفع؛ مراعاة لحذفها في النطق، مثل جاء صاحبِيَّ؛ "وقد سبق"1.
5- تقدر النون في الأفعال الخمسة عند تأكيدها، مثل: لا تكتُبُنَّ فالمضارع مسند إلى واو الجماعة المحذوفة ... وقد سبق التفصيل2 فى ص88 وما بعدها.
د- قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين} . فكلمة "مَنْ" هنا شرطية، والفعل "يَتَّقِ"؛ مضارع مجزوم؛ لأنه فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف الياء؛ "ويصبر": مضارع مجزوم، لأنه معطوف عليه، وقرأ بعض القراء: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} بإثبات الياء فى آخر: "يتقى"، وإسكان الراء فى آخر "يصبرْ"، مع عدم الوقف عليها3. فإثبات الياء إنما هوعلى اعتبار "من" شرطية و"يتقى" مضارع فعل الشرط مجزوم بحذف السكون المقدر على الياء تبعاً لتلك اللغة، التى لا تحذف حرف العلَّة للجازم، وإنما تبقيه وتحذف الحركة المقدرة عليه فقط4: و"يصبر" مضارع مجزوم معطوف عليه.
ويصح أن يكون "منْ" اسم موصول والفعل "يتقى" مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء، و"يصبرْ" مضارع معطوف عليه مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها السكون العارض لأجل التخفيف، أولأجل نية الوقف فى حالة الوصل5 "أى: وصل: "يصبر" عند القراءة، بالكلام الذى بعدها، وعدم الوقف عليها". وهناك آراء أخرى نرى الخير فى إهمالها.
__________
1 راجع ص 159.
2 في "ج" من ص 94 وما بعدها.
3 أما عند الوقف على "يصبر" فالتسكين هو الشائع، فلا إشكال معه.
4 سبق بيان هذه اللغة في "أ" من ص 205.
5 انظر رقم 6 من هامش ص 199.(1/205)
باب: النكرة والمعرفة
المسألة السابعة عشرة: النكرة والمعرفة
أ- فى الحديقة رجلٌ - تكلم طالبٌ - قرأت كتابًا - مصر يخترقها نهرٌ.
ب- أنا فى الحديقة - تكلم محمودٌ - هذا كتابٌ - مصر يخترقها نهر النيل.
لكلمة: "رجل" -في التركيب الأول، وأشباهها- معنى يدركه العقل سريعًا، ويفهم المراد منه بمجرد سماعها، أو رؤيتها مكتوبة، لكن هذا المعنى العقلي المحض والمدلول الذهني المجرد عن مُعَين؛ ولا محدَّد في العالمَ الواقعي، عالم المحسوسات والمشاهد، وهو الذي يسمونه: العالمَ الخارجي عن العقل والذهن.
والسبب: أن ذلك المعنى الذهني المجرد؛ أي: "المعنى العقلي المحض" إنما ينطبق في عالم الحس والواقع على فرد واحد،. ولكنه فرد له نظائر كثيرة تشابهه في حقيقته1،
__________
1 يراد بالحقيقة هنا ما أشرنا إليه في صفحتي 24، 288: "مجموعة الصفات الذاتية، "أي: الأساسية الأصلية" التي يتكون منها الشيء، وتميز جنسًا من جنس، ونوعًا من نوع: ولولاها لتشابهت أفراد كل، واختلطت". فحقيقة الإنسان هي، مجموعة الصفات الذاتية الخاصة به، والتي تميز نوعه من نوع آخر، كالطائر مثلًا- وتجعله نوعًا مستقلًا منفصلًا، وتلك الصفات الذاتية في الإنسان هي: الحيوانية والنطق معًا. وحقيقة الحيوان هي: صفاته الذاتية الخاصة به، والتي تفصل جنسه عن جنس آخر، كالنبات، وتفرق بينهما وهكذا ... وتلك الصفات الذاتية في الحيوان هي: الحياة التي مصدرها الروح والحركة الاختيارية ... ومن مجموع تلك الصفات الذاتية للشيء تنشأ حقيقته، وتتكون صورته في الذهن أيضًا. لكن كيف تنشأ تلك الصورة الذهنية المحضة؟
يجب عن هذا علماء المنطق بقولهم الذي أشرنا إليه في صفحتي24، 288.
إن الإنسان حين يرى النخلة -مثلًا- أول مرة في حياته، يستخدم حواسه في كشف حقيقتها، ويسأل عنها غيره، حتى يعرف أنها شجرة، وأنها تسمى: النخلة، ويراها مرات بعد ذلك فيقوى إدراكه لها. ثم يرى شجرة "برتقال" على النحو السالف، وشجرة "ليمون" وشجرة "يوسفي" وشجرات أخرى كثيرة، فينتهي عقله إلى معرفة صفات ذاتية مشتركة بين تلك الأشجار المختلفة النوع، ويرسم العقل من مجموع تلك الصفات صورة خيالية للشجرة -أي شجرة كانت- بحيث تنطبق تلك الصورة الخيالية على كل شجرة مهما كان نوعها. فهو قد اهتدى أولًا إلى أن الصفات الذاتية المشتركة بين الشجرات الكثيرة هي: الجذور، والجذوع، والفروع، والثمر، والورق ... ثم أنشأ من مجموعها صورة خاصة لما يسمى: "شجرة" فحين يسمع المرء كلمة: "شجرة" يسرع عقله فيدرك المراد منها، وهو تلك =(1/206)
وتماثله في صفاته الأساسية؛ فكأنه فرد واحد متكرر الصور والنماذج المتشابهة التي ينطبق على كل منها معنى: "رجل" ومدلوله؛ فإن معناه يصدق على: محمد، وصالح، وفهيم ... ، وآلاف غيرهم. فهو خال من التحديد الذى يجعل المدلول مقصورًا على فرد مُتميِّز من غيره، مستقل بنفسه؛ لا يختلط وسط أفراد أخرى تماثله. وهذا معنى قولهم: "مُبْهَم الدَّلالة"؛ أي: أنه ينطبق على فرد شائع بين أفراد كثيرة من نوعه، تشابهه فى حقيقته، يصح أن يطلق على كل منها اسم: "رجل" ويستحيل في عالم الحسن تعيين أحدها، وتخصيصه وحده بهذا الاسم.
لكن إذا قلتُ: "أنا في الحديقة"، فإن الشيوع يزول؛ والإبهام يختفي؛ بسبب تحديد المدلول، وحصره في واحد معين؛ هو: المتكلم؛ فلا ينصرف الذهن إلى غيره، ولا يمكن أن ينسب الوجود في الحديقة لسواه.
__________
= الصورة التي سبق له أن رسمها من مجموع الصفات الذاتية المشتركة، ولا يدرك سواها، ولا يخصص شجرة معينة، كشجرة نخيل، أو برتقال، أو ليمون، أو غيرها، ولا يستحضر في داخله- غالبا غير تلك الصورة الخيالية التي ابتكرها، وكونها من قبل، والتي يسميها العلماء حينا: "الصورة العقلية المجردة: وحينا: "الصورة الذهنية المجردة" أو: "الحقيقة الذهنية المحضة" أي: التي لا يحتاج العقل في إدراكها إلى استحضار صورة شجرة معينة، أو استرجاع نموذج من الشجرات الأولى التي كانت أوصافها الذاتية المشتركة سببا في تكوين الصورة الذهنية لما يسمى: "شجرة".
فالصورة التي رسمها العقل هي صورة خيالية محضة، لا وجود لها في عالم الحس والواقع، على الرغم من أنه انتزع عناصر تكوينها من نماذج وأشياء محسوسة مشاهدة، يستقل كل منها بنفسه، وينفرد عن غيره، لكنها تشابه في صفات ذاتية مشتركة بين الجمع- كما سبق- وكل واحد من تلك النماذج والأشياء المتشابهة يسمى: "حقيقة" خارجية": لأنه المدلول الحسي، والمضمون الواقعي للحقيقة الذهنية، مع خروجه عن دائرة الذهن المجردة: بسبب وجوده فعلا في دائرة الحسن والمشاهدة، فكل واحدة من شجرة النخيل، أو البرتقال، أو الليمون، أو ... تصلح أن تكون المدلول الحسي المقصود من كلمة: "شجرة" التي هي حقيقة ذهنية وإن شئت فقل: إن كل واحد من تلك الأشياء يصلح أن يكون الحقيقة الخارجية التي هي مضمون الحقيقة الذهنية، ومدلولها المقصود، وأن الحقيقة الذهنية تنطبق في خارج الذهن على كل واحد من تلك الأشياء، وتصدق عليه.
ومما سبق نعلم أن مجموع الصفات الذاتية المشتركة بين أفراد الحقيقة الخارجية هو الذي يكون الحقيقة الذهنية المحضة، وأن مدلول الحقيقة الذهنية المحضة ينطبق على كل فرد من أفراد الحقيقة الخارجية، ويصدق عليه، دون تخصيص فرد أو تعيينه، كما سيجيء في هذا الباب عند الكلام على "اسم الجنس" وعلم الجنس"، ص 288.(1/207)
وإذا قلنا: تكلّم طالب؛ فإن كلمة: "طالب" اسم، له معنى عقلي، ومدلول ذهني. ولكن مدلوله الخارجي "أي: الذى في عالم الحس والواقع؛ خارجًا عن العقل والذهن وبعيدًا منهما"، غير محصور في فرد خاص يمكن تعيينه وتمييزه من أشباهه؛ وإنما ينطبق على: حامد، وحليم، وسَعد، وسعيد ... وآلاف غيرهم ممن يصدق على كل واحد منهم أنه: "طالب": ويشترك مع غيره في هذا الاسم فهو اسم يدل على فرد، ولكنه فرد شائع بين أشباه كثيرة، متماثلة في تلك الحقيقة التي أشرنا إليها، والتي يقال لكل فرد منها إنه: "طالب" فمعناه مبهم؛ ودَلالته شائعة، كما سبق.
لكن إذا قلنا: "تكلم" محمود؛ فإن الشيوع والإبهام يزولان؛ بسبب كلمة: "محمود" التي تدل على فرد بعينه؛ والتي تمنع الاشتراك1 التام في معناها ومدلولها.
ومثل هذا يقال في: "قرأت كتابًا"؛ فإن لفظ: "كتاب" اسم شائع الدَّلالة، غامض التعيين؛ إذ لا يدل على كتاب خاص يتجه الفكر إليه مباشرة دون غيره من الكتب؛ فهو يصدق على كتاب حساب، وكتاب هندسة، وكتاب أدب، وكتاب لغة ... ، كما يصدق على كتاب محمود، وكتاب فاطمة، وغيرهما ... لكن إذا قلنا: "هذا كتاب" تعَّين الكتاب المراد، وتحدد المطلوب، بسبب الإشارة إليه. وأنه هو المقصود دون غيره من آلاف الكتب.
وكذلك يقال في المثال الأخير: "مصر يخترقها نهر". فأي نهر هو؟ قد يكون نهر النيل، أو دِجْلة، أو الفُرات، أو غيرها من مئات الأنهار التى يصدق على كل منها أنه: "نهر"؛ لأن الاسم غامض الدلالة؛ لانطباقه على كل فرد من أمثاله فإذا قلنا: "مصر يخترقها نهر النيل"؛ زال الشيوع، واختفى الغموض؛ بسبب الكلمة التي جاءت بعد ذلك؛ وهي: "النيل".
فكلمة: رجل: وطالب وكتاب، ونهر، وأشباهها، تسمى: نكرة، وهي: "اسم يدل على شيء واحد، ولكنه غير معين"؛ بسبب شيوعه بين أفراد كثيرة من نوعه تشابهه في حقيقته، ويصدق على كل منها اسمه. وهذا معنى
__________
1 قد تكون كلمة: "محمود" مشتركة بين عدة أفراد، ولكن هذا الاشتراك محدود ضئيل بالنسبة للشيوع والاشتراك في النكرة، فلا يسلب العلم التعيين والتحديد جملة، ولا يجعله غامضًا مبهمًا كالغموض والإبهام اللذين في النكرة المحضة، مثل كلمة: رجل.(1/208)
قولهم "النكرة شيء شائع بين أفراد جنسه"1. ومن أمثلتها غير ما سبق الكلمات التى تحتها خط: سمعت عصفورًا -ركبت سفينة كتبت رسالة قطفت زهرة2 ...
أما لفظ "أنا" و"محمود"، و"هذا"، و"نهر"، "والنيل" وأمثال ما في: "ب" فيسمى: معرفة؛ وهي: "اسم يدل على شيء واحد معين"؛ لأنه متميز بأوصاف وعلامات لا يشاركه فيها غيره من نوعه. ومن أمثلتها غير ما سبق: سمعت تغريد "عصفوري"، "هذه" سفينة ركبتها، كتبت "الرسالة" ...
وللنكرة علامة تُعرف بها؛ هي: أنها تقبل دخول: "أل"3 التى تؤثر فيها فتفيدها التعريف، أي: التعيين وإزالة ما كان فيها من الإبهام والشيوع. وبهذه العلامة ندرك أن كل كلمة من الكلمات السابقة وهي: رجل، طالب، كتاب ... "، نكرة، لأنها تقبل دخول "أل" التى تَكسبها التعريف. تقول: الرجل شجاع، الطالب نافع، الكتاب نفيس ... وقد صارت هذه الكلمات معارف بعد دخول: "أل".
وربما كانت الكلمة في ذاتها لا تصلح لدخول "أل" عليها مباشرة، وإنما تدخل على كلمة أخرى بمعناها، بحيث تصلح كل واحدة منهما أن تحل محل الأخرى؛ فلا يتغير شيء من معنى الجملة: مثل: كلمة "ذو"، فإنها بمعنى: "صاحب"، تقول: أنت رجل ذو خُلق كريم، والمحسن إنسان ذو قلب رحيم، فكلمة: "ذو" نكرة لا شك في تنكيرها؛ مع أنها لا تقبل "أل" التي تفيدها التعريف. ولكنها بمعنى كلمة أخرى تقبل "أل"، وهي كلمة: "صاحب"4
__________
1 ويسميها أيضًا بعض العلماء: "اسم الجنس". وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه عند الكلام على العلم- ص 288 كما سيأتي أنها قسمان محضة وغير محضة، وتعريف كل "ص213".
2 مما يدخل في حكم النكرة الجمل والأفعال -كما في رقم1 من هامش ص47 والبيان في رقم1 من هامش ص 213.
3 كلمة: "أل" هنا علم على اللفظ المعين المكون من الهمزة واللام، فهمزته همزة قطع، يجب كتابتها، والنطق بها تطبيقًا للبيان الجلي الذي في رقم1 من هامش ص421 وفي "أ" من ص306.
4 كلمة: "صاحب" هنا ليست اسم فاعل معناه مصاحب؛ لأن معناها الأصلي الدال على التجدد والحدوث قد أهمل. وغلبت عليها "الاسمية" المحضة، فألحقت بالأسماء الجامدة، ولذلك لا تعمل، فـ "أل" الداخلة عليها للتعريف، وليست بالموصولة التي تدخل على اسم الفاعل ونحوه من المشتقات التي تعمل.
ملاحظة: جميع المشتقات إذا صارت أعلاما، تكون في حكم الأسماء الجامدة- كما سبق في رقم 3 من هامش ص 139 وآخره من هامش ص 143.(1/209)
التي يصح أن تحل محل كلمة: "ذو"1.
ومن هنا كانت "ذو" نكرة؛ لأنها -وإن كانت لا تقبل "أل"- يصح أن تحل محل كلمة؛ "صاحب" التى تقبل "أل"، وتقع في الجملة مكانها، من غير أن يترتب على ذلك إخلال بالمعنى1.
فعلامة النكرة -كما سبق- أن تقبل بنفسها "أل " التي تفيدها التعريف، أو تقع موقع كلمة أخرى تقبل: "أل" المذكورة2.
__________
"1و 1" ومثل: "ذو" كلمات أخرى لا تقبل بنفسها "أل" ولكنها تقع موقع كلمات تقبلها. ومن ذلك: "أحد" التي همزتها أصلية، وليست منقلبة عن واو، ومعناها: إنسان -وغيره- وهذه لا تستعمل إلا بعد نفي. أما التي همزتها منقلبة عن واو، وأصلها: "وحد" التي منها كلمة: "واحد" أول الأعداد كالتي في قوله تعالى: {قل هو الله أحد} أي: واحد: فإن هذه التي بمعنى: "واحد" تقع بعد النفي والإثبات، بخلاف كلمة: "أحد" التي همزتها أصلية، فإنها لا تقع إلا بعد نفي -كما تقدم- وكما في التصريج ج1- أول باب النكرة والمعرفة.
ومن ذلك: "عريب" و "ديار" تقول: ما في البيت أحد، وعريب، أو ديار. ومعنى الجمع: ما في البيت أحد، كما سيجيء في ص588 فهي كلمات لا تستعمل إلا بعد نفي في الأغلب، وهي متوغلة في الإبهام، فلا تكون معرفة ولا تقبل "أل" التي للتعريف، ولها واقعة موقع ما يقبلها، وهو: إنسان، مثلًا ... وكذا "من" و "ما، إذا كانا بمعنى: "شيء، أي شيء" سواء أكان ذلك الشيء إنسانًا أم غير إنسان، تقول: سافرت إلى من مسرور بك، أي: إلى إنسان مسرور بك ولعبت بما مفيد لي. أي: بشيء مفيد لي، فكلمة، "من" و "ما" وأشباههما- نكرات، لأنها لا تقبل أل، ولكنها واقعة موقع ما يقبلها، وهو هنا: إنسان، وشيء. والدليل على أن الكلمات الثلاث نكرات، وقوع كل منها موصوفة للنكرة في الأمثلة السابقة.
وقد تكون "من" و "ما" أداتين للشرط، مثل: من يتقن عمله يدرك غايته. وما تفعل من خير يرجع إليك أثره. ومعناهما كل إنسان يتقن ... وكل شيء تفعله ...
وقد يكونان للاستفهام، مثل: من حضر؟ وما رأيك؟ ومعناهما: أي إنسان حضر؟ وأي شيء رأيك؟ فالأصل في أسماء الشرط والاستفهام أن تقع موقع ذات، أو زمان، أو مكان، أما تضمنهما الشرط أو الاستفهام فأمر زائد على أصل وضعهما.
كما سبق في ص 89 عند الكلام على الحروف.
ومن تلك الكلمات أيضا أسماء الأفعال النكرات، مثل: "صه بالتنوين، فإنه واقع موقع "سكونا" أي: موقع: المصدر الدال على الأمر، أو موقع: اسكت، الدال على ذلك المصدر ...
2 على الرغم من أن النحاة ارتضوا هذه العلامة فإن المحققين منهم انتهوا بعد مناقشات طويلة إلى أنها ليست صالحة أحيانًا لتحقيق الغرض منها، وبأن العلامة الوافية بالغرض هي استقصاء المعارف، وما يكون خارجًا من دائرتها فهو النكرة حقًّا؛ لأن الوصول إلى النكرة من غير هذا الطريق غير مضمون فوق ما فيه من عسر وتكلف.(1/210)
وبديهٌ أن هذه العلامة لا تَدْخل المعرفة، ولا توجد فيها؛ لأن "ألْ" تفيد التعريف، كما أشرنا، والمعرفة ليست في حاجة إليه؛ فقد اكتسبته بوسيلة أخرى سنعرفها. فإن ظهرت "أل" في بعض المعارف فليست "أل" التي تفيد التعريف، وإنما هي نوع آخر؛ جاء لغرض غير التعريف، سيُذكَر في مكانه1.
والمعارف سبعة:
1- الضمير، مثل: أنا، وأنت، وهو ...
2- العلم، مثل: محمد، زينب....
3- اسم الإشارة: مثل: هذا، وهذه، وهؤلاء ...
4- اسم الموصول، مثل: الذى، والتي ...
5- المبدوء بأل المُعّرفة "أي: التى تفيد التعريف"، مثل: الكتاب، والقلم، والمدرسة إذا كانت هذه أشياء معينة ...
6- المضاف إلى معرفة؛ مثل: بيتي قريب من بيتك وكذلك نهر النيل في أمثلة "ب" ... وهذا بشرط أن يكون المضاف قابلًا للتعريف؛ فلا يكون من الألفاظ المتوغلة في الإبهام2 التي لا تتعرف بإضافة، أو غيرها، كلفظ غير، ومثل -فى أغلب أحوالهما.
7- النكرة المقصودة من بين أنواع المنادى3. مثل: يا شُرْطيّ، أو: يا حارس؛ إذا كانت تنادي واحدًا معينًا4، تتجه إليه بالنداء، وتقصده دون
__________
1 ستجيء أنواع "أل" في ص 421م 30.
2 اللفظ المتوغل في الإبهام هو الي لا يتضح معناه إلا بآخر ينضم له، ويزاد عليه، ليزيل إبهامه، أو يخلف من شيوعه، كإضافته إلى معرفة تعرفه أو تخصصه. ولكن الأغلب أنه لا يستفيد التعريف من المضاف إليه المعرفة إلا بأمر خارج عن الإضافة، كوقوع كلمة: "غير" بين متضادين معرفتين، كالتي في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}
وستجيء لهذا إشارة في: "أ" من ص423 أما تفصيل الكلام عليه ففي باب الإضافة ج3 م93 ولا سيما رقم4 من هامش ص24.
3 أنواع المنادى خمسة يتعرف منها بالنداء نوع واحد -في الرأي الأرجح- هو: النكرة المقصودة دون غيرها.
وسيجيء تفصيل الكلام عليها في باب النداء أول الجزء الرابع.
4 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله في باب: "النكرة والمعرفة":
نكرة قابل "أل" مؤثرا ... أو واقع موقع ما قد ذكرا
وغيره معرفة، كهم، وذي ... وهند، وابني، والغلام، والذي
يريد: أن النكرة اسم قابل "أل" أي: قابل لفظ "أل" الذي يؤثر فيها التعريف ... "اسم "أل" يراد به هنا: "اللفظ" فهو مذكر، وقد يراد به في صيغة أخرى: "الكلمة، فيكون مؤنثا".(1/211)
غيره؛ ذلك أن كلمة: "شُرْطيّ" وحدها. أو كلمة: "حارس" وحدها، نكرة؛ لا تدل على معين. ولكنها تصير معرفة عند النداء؛ بسبب القصد -أي: التوجه- الذى يفيد التعيين، وتخصيص واحد بعينه، دون غيره1.
هذا، ولكن معرفة من المعارف السبعة السابقة باب مستقل سيجيء مشتملًا على كل ما يخصها من تفصيلات وأحكام.
__________
1 المعرفة تدل على التعيين. وفي هامش ص295 بيان وزيادة إيضاح المقصود من التعيين والتخصيص، ولكن المعارف تختلف في درجة التعيين والتعريف، فبعضها أقوى من بعض. وآراء النحاة متضاربة في ترتيبها من حيث القوة. وأشهر الآراء: أن أقواها بعد لفظ الجلالة وضميره- هو: ضمير المتكلم، ثم ضمير المخاطب، ثم العلم، وهو درجات متفاوتة القوة في درجة التعريف. ويلحق بعلم الشخص في درجة التعريف العلم بالغلبة، ثم ضمير الغائب الخالي من الإبهام: "بأن يتقدمه اسم واحد معرفة أو نكرة، نحو: حين رأيته، ورجل كريم لاقيته. فلو تقدمه اسمًا أو أكثر ولم يتعين مرجعه بسبب هذا التعدد وعدم القرينة التي تحدده- نحو: قام محمود وحامد فصاحته- تسرب إليه الإبهام، ونقص تمكنه من التعريف"، ثم اسم الإشارة، والمنادي "النكرة المقصودة" وهما في درجة واحدة؛ لأن التعريف بكل منهما يتم إما بالقصد الذي يعينه المشار إليه، وإما بالتخاطب كما سيجيء في "ب" من ص440 ثم الموصول، والمعرف بأل، وهما في درجة واحدة، أم مضاف إلى معرفة فإنه في درجة المضاف إليه. إلا إذا كان مضافًا للضمير. فإنه يكون في درجة العلم -على الصحيح.
وأقوى الأعلام أسماء الأماكن، لقلة الاشتراك فيها، ثم أسماء الناس، ثم أسماء الأجناس.
وأقوى الأسماء الإشارة ما كان للقرب، ثم ما كان للوسط، ثم ما كان للبعد.
وأقوى أنواع "أل" التي للعهد ما كانت فيه للعهد الحضوري، ثم ما كانت فيه النوعين الآخرين من العهد، ثم للجنس. "راجع شرح التصريح وحاشيته، ثم المفصل ج5 ص 87".(1/212)
حكم الجمل وأشباهها بعد المعارف والنكرات:
الجملة نوعان1، وشبهها نوعان2 كذلك. فإذا وقع أحد الأربعة بعد النكرة المحضة3 فإنه يعرب صفة، وبعد المعرفة المحضة4 يعرب حالًا5؛ فمثال الجملة الفعلية بعد النكرة المحضة: حضر عني "يحسن إلى المحتاج". ومثال الجملة الاسمية حضر عني "إحسانه غامر". ومثال الظرف: رأيت طائرًا "فوق" الغصن. ومثال الجار مع المجرور: رأيت بلبلًا "في قفصه".
__________
1 الجملة نوعان، اسمية وفعلية وهي بنوعيها في حكم النكرات "كما أشرنا في 1 من هامش ص47 وفي رقم1 هامش ص213" وكذلك الأفعال. وقد ورد هذا في مراجع مخففة، منها: حاشية "ياسين" على التصريح، أول باب: "النكرة والمعرفة"، حيث قال ما نصه: "أما الجمل والأفعال فليست نكرات، وإن حكم لها بحكم النكرات. وما يوجد في عبارة بعضهم أنها نكرات فهو تجوز" اهـ. ويقول شارح المفصل "ج3 ص 141" ما نصه: "إن وقوع الجملة نعتا للنكرة دليل على أن الجملة نفسها نكر’، إذ لا يصح أن توصف النكرة بالمعرفة ... " اهـ.
وسواء أكانت نكرة أم في حكم النكرة فالخلاف شكل لا أهمية له، وقد أشرنا للمسألة السالفة في مواضع مختلفة من أجزاء الكتاب - ومنها ج2 رقم3 من هامش ص311 م84 ومنها: ج3 ص24 م93 وص349، 354 م 114.
2 هما: الظرف والجار مع مجروره.
3 النكرة المحضة: هي التي يكون معناها شائعا بين أفراد مدلولها، مع انطباقه على كل فرد، مثل كلمة "رجل" فإنها تصدق على كل فرد من أفراد الرجال، لعدم وجود قيد يجعلها مقصورة على بعضهم، دون غيره. بخلاف: "رجل صالح" فإنها نكرة غير محضة، لأنها مقيدة تنطبق على بعض أفراد من الرجال، وهم الصالحون، دون غيرهم. فاكتسبت فهذا التقييد شيئا من التخصيص، والتحديد، وقلة العدد بسبب الصفة التي يعدها، والتي جعلتها أقل إبهاما وشيوعا من الأولى ومثل الصفة غيرها من كل ما يخرج النكرة من عمومها وشيوعها الأكمل إلى نوع من التحديد وتقليل أفرادها، كإضافة النكرة الجامدة إلى نكرة أخرى- كما سيجيء في باب: "الإضافة" وكوقوعها نعتا لنكرة محضة، أو وقوعها حالا، أو غير هذا من سائر القيود.
وإذا كانت النكرة محضة سميت: "نكرة تامة"، أي: كاملة التنكير، لم تنقص درجة تنكيرها بسبب وجود نعت أو غيرها مما يقيد إطلاقها، ويخفف إبهامها. ومن النكرات التامة: "ما" التعجبية- كما ستجيء في باب: "التعجب جـ3 م 108- وإذا كانت غير محضة سميت: "نكرة ناقصة". وعلى هذا فالنكرة إما تامة، وإما ناقصة: فهي قسمان من هذه الناحية.
4 والمعرفة المحضة هي الخالية من علامات تقربها من النكرة، كوجود "أل الجنسية" في صدرها والمعرفة قسمان: "تامة": وهي التي تستقل بنفسها في الدلالة الكاملة على معين، كضمير المتكلم، وكالعلم.... و..... "ناقصة" وهي التي تحتاج في أداء تلك الدلالة الكاملة إلى شيء معها، كاسم الموصول، فإنه يحتاج للصلة دائما.
5 انظر التفصيل والبيان الهام في "أ" ص 215.(1/213)
ومثال الجملة الفعلية بعد المعرفة المحضة: أقبل خالد "يضحك". ومثال الاسمية: أقبل خالد "وجهه مشرق". ومثال الظرف: أبصرتُ طائرتنا "فوق" السحاب. ومثال الجار مع المجرور: أبصرت طائرتنا "في وسط" السحاب.
أما إذا كانت النكرة غير محضة، أو المعرفة غير محضة، فإنه يجوز فيما بعدهما من جمل وشبه جمل أن يعرب "صفة" أو"حالًا"؛ تقول في الأمثلة السابقة بعد غير المحضة: حضر غني كريم "يحسن إلى المحتاج"، وحضر غني كريم "إحسانه غامر"، ورأيت طائرًا جميلًا "فوق" الغصن، ورأيت بلبلًا شجيًّا "في قفصه" ...
ومثال الجملة الفعلية بعد المعرفة غير المحضة: يروقني الزهْر يفوح عطره، بإدخال "أل الجنسية"1 على الاسم. ومثال الاسمية بعدها: يروقني الزهر عطرُه فوّاح. ومثال الظرف: يروقني الثمر فوق الأغصان. ومثال الجار مع مجروره: يسرني الطير على الأغصان، فوجود "أل" الجنسية" في أول الاسم جعله صالحًا للحكم عليه بأنه معرفة أو نكرة، على حسَب الاعتبار الذى يوجَّه لهذا أو لذاك1.
__________
"1، 1" طبقا للبيان الذي في: "ج" من 216 - هذا، وتفصيل الكلام على "أل" الجنسية وتوضيح أحكامها في ص 425.(1/214)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- يجوز اعتبار شبه الجملة بنوعيه "الظروف والجار مع مجروره" صفة بعد المعرفة المحضة على تقدير متعلقة معرفة. وقد نص على هذا الصبان -ج1 أول باب النكرة والمعرفة- حيث قال: "أسلفنا عن الدماميني جواز كون الظرف "ويراد به في مثل هذا التعبير: شبه الجملة بنوعيه" بعد المعرفة المحضة صفة، بتقدير متعلقه معرفة". اهـ. أي: أن المتعلق المعرفة سيكون هو الصفة لمطابقته الموصوف في التعريف. ولا مانع أن يكون شبه الجملة نفسه هو الصفة إذا استغنينا به عن المتعلَّق تيسيرًا وتسهيلاً -طبقًا لما سيجيء فى رقم1 من هامش ص347 وما بعدها وفي هامش ص431 بالإيضاح والشرط المسجلين هناك.
وإذا كان شبه الجملة بعد المعرفة المحضة صالحًا لأن يكون صفة على الوجه السالف، وهو صالح أيضًا لأن يكون حالًا بعدها كصلاحه للوصفية والحالية أيضًا بعد النكرة غير المحضة -أمكن وضع قاعدة عامة أساسية هي: "شبه الجملة يصلح دائمًا أن يكون حالًا أو صفة بعد المعرفة المحضة وغير المحضة، وكذلك بعد النكرة بشرط أن تكون غير محضة- أو يقال: إذا وقع شبه الجملة بعد معرفة أو نكرة فإنه يصلح أن يكون حالًا، أو صفة: إلا فى صورة واحدة هي أن تكون النكرة محضة؛ فيتعين أن يكون يعدها صفة ليس غير.
ومما هو جدير بالملاحظة أن جواز الأمرين فيما سبق مشروط بعد وجود قرينة توجب أحدهما دون الآخر، حرصًا على سلامة المعنى. فإن وجدت القرينة وجب الخضوع لما تقتضيه، كالشأن معها في سائر المسائل. وإن لم توجد فالحكم بجواز الأمرين سائع1
ب- من الأسماء ما هو نكرة في اللفظ، معرفة في المعنى؛ مثل: كان سفري إلى الشام عامًا "أولَ". أي: في العام الذي قبل العام الذى نحن فيه. ومنه كان وصولي هنا "أولَ" من أمْسسِ. أي: في اليوم الذي قبل أمس. فمدلول كلمة: "أول" -فى الأسلوب العربي السابق- لا إبهام فيه
__________
1 أشرنا للحكم السالف في باب "الحال" من الجزء الثاني، ص367م84 -وفي الجزء الثالث "باب التعجب" ص 460م 114.(1/215)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا شيوع؛ ولكنه لا يستعمل فيه إلا نكرة؛ محاكاة للأساليب الفصيحة الباردة وتجري عليه أحكام النّكرة، كأن يكون موصوفة نكرة1 ...
ومن الأسماء ما هو معرفة في اللفظ، نكرة في المعنى، مثل: "أسامة" "أيْ: أسد": فهو علم جنس على الحيوان المفترس المعروف، وهو من هذه الجهة التى يراعى فيها لفظه، شبيه بالعَلم: "حمزة" - وغيره من الأعلام الشخصية - في أنه لا يضاف، ولا تدخله "أل"، ويجب منعه من الصرف، ويوصف بالمعرفة دون النكرة، ويقع مبتدأ، وصاحب حال2 ... ولكنه من جهة أخرى معنوية غير معين الدلالة؛ إذ مدلوله شائع بين أفراد جنسه، مبهم: فهو مثل كلمة: "أسد" في الدلالة3.
ج- ومن الأسماء صنف مسموع يصلح للحالين بصورته المسموعة عن العرب مثل كلمة: "واحد" في قولهم: "واحد أمِّه". ومثل كلمة: عبد، في قولهم: "عبد بطنِه"؛ فكل واحدة منهما يصح اعتبارها معرفة؛ لإضافتها للمعرفة، ويصح اعتبارها نكرة منصوبة على الحال عند النصب. ومثلهما: المبدوء "بأل" الجنسية4؛ مثل: الإنسان أسير الإحسان، فهومن ناحية المظهر اللفظى معرفة؛ لوجود "أل" الجنسية. ومن جهة المعنى نكرة، لشيوعه؛ ولأن معناه عام مبهم؛ فكأنك تقول: كل إنسان ... وكل إحسان ... ؛ فلا تعيين، ولا تحديد، فهوصالح للاعتبارين كما سبق5 وستجئ إشارة لهذا فى باب الحال جـ2 ص 311 م 84؟ وفى باب النعت جـ3 ص380 م114؟
__________
1 سيجيء لها بيان آخر في باب: "الظروف" ج2 ص265، 266م 79 وفي ج3 ص 149 149 و 152 م 95 باب: "الإضافة".
2 لأن الغالب على المبتدأ وصاحب الحال أن يكونا معرفتين، إلا في مواضع محددة معروضة في بابيهما.
3 سيجيء الإيضاح الوافي لعلم الجنس، ومعناه، وأحكامه -في هذا الباب عند الكلام على العلم بنوعيه، الشخصي والجنسي "ص286 وما بعدها".
4 راجع أحكامها في ص425 وما بعدها.
5 راجع حاشية ياسين "ج1" أول باب: النكرة والمعرفة. وكذلك الهمع ج1 ص54، أول هذا الباب، حيث قال بعد كلامه على ما فيه "أل الجنسية" إنه:
"من قبل اللفظ معرفة، ومن قبل المعنى - لشياعه- نكرة، ولذلك يوصف بالمعرفة اعتبارا بلفظه، وبالنكرة، اعتبارا بمعناه.....".
لكنه لم يقيد نوع الوصف بمفرد أو غير مفرد، فهل يجوز وصفه بالمفرد النكرة مع وجود "أل الجنسية"؟ يبدو الأمر غريبا غير معروف لنا. أما وصفه بالجملة أو شبه الجملة فجائز. كما يجوز اعتبارهما حالين. فلا اختلاف في اعتبار الجملة وشبهها صفة أو حالا. ولعل الواجب الاقتصار في الوصف عليهما، دون الوصف بالمفرد لأسباب لغوية أخرى.(1/216)
المسألة الثامنة عشرة: الضمير 1
تعريفه؛ اسم جامد يدل على: متكلم، أو مخاطَب، أو غائب. فالمتكلم مثل: أنا2, ونحن، والتاء، والياء، ونا، في نحو: أنا عرفتُ واجبى -نحن عرفنا واجبنا ... وأدّيناه كاملًا.
والمخاطب مثل: أنتَِ ... أنت3 أنتما، أنتم، أنتن، والكاف وفروعها في نحو: إن أباكَِ قد صانكَِ ...
والغائب4 مثل: هي، هو، هما، هم، هن، والهاء فى مثل: يصون الحر وطنه بحياته5 ... وكذا فروعها....
__________
1 الضمير والمضمر:، بمعنى واحد، وقد يعبر عنهما في بعض المراجع القديمة، بالكناية، والمكني، لأنه يكني به "أي: يرمز به" عن الظاهر، اختصارًا؛ لأن اللبس مأمون -غالبًا- مع الضمير.
2 الغالب في كتابة الضمير: "أنا" إثبات ألف في آخره. وأكثر القبائل العربية يثبت هذه الألف أيضًا عند الوقف، ويحذفها عند وصل الكلام وفي درجه. ومنهم من يحذفها في الوقف أيضًا، ويأتي بهاء السكت الساكنة بدلا منها، فيقول عند الوقف: أنه. وقليل منهم يثبت الألف وصلًا ووقفًا، ففيها لغات متعددة، أقواها وأشهرها إثباتها في الكتابة دائمًا، وعند الوقف، وحذفها في وسط الكلام. وقد أدى هذا الخلاف إلى البحث في أصل الضمير: "أنا" أثلاثي هو: لأن الألف في آخره أصلية، أما ثنائي لأنها زائدة، جاءت إشباعًا للفتحة، وتبيينًا لها عند الوقف؟ رأيان. لكل منهما أثره في نواحٍ مختلفة، منها: التصغير والنسب.
3 التاء التي في آخر ضمير المخاطبة المؤنثة "مثل: أنت" هي للخطاب وليست للتأنيث، وكذا التاء التي في الضمير الدال على تثنيتها وجمعها، نحو: أنتما يا فتاتان نبيلتان، وأنتن يا طالبات العلم نبيلات.
- ولهذا إشارة في رقم3 من هامش ص226 وسيجيء البيان في م66 باب: "الفاعل" ج2 عند الكلام على الحكم السادس من أحكامه ص74 وهامشها، وما يليها.
4 إذا رفع اسم الفاعل -أو غيره من المشتقات العاملة- ضميرًا مستترًا وجب أن يكون للغائب دائمًا، ويعود على غائب، طبقًا للبيان الآتي في "ط" من ص270.
5 لا بد في الضمير من أن يكون اسمًا، وجامدًا، معًا، "أ" فأما أنه اسم فلا نطباق بعض علامات الاسمية عليه - وقد تقدمت، في ص 26 وما بعدها- كالإسناد في ضمائر الرفع، والمفعولية في ضمائر النصب، وقبول الجر في غيرهما، وهناك كلمات الواحدة منها تدل على التكلم، أو الخطاب، أو الغيبة، ولا تسمى ضميرا، لأنها حرف وليست اسما، من ذلك قول العرب: النجاءك" بمعنى: النجاء لك، أي: النجاة لك.
"النجاء، مفعول به لفعل محذوف تقديره: اطلب. وسيجيء في رقم من هامش ص 240 أنه يجوز فيها أن =(1/217)
ويسمى ضمير المتكلم والمخاطب: "ضميرَ حضور"؛ لأن صاحبه لا بد أن يكون حاضرًا وقت النطق به1.
والضمير بأنواعه الثلاثة لا يثنى، ولا يجمع. إنما يدل بذاته على المفرد، المذكر أو المؤنث، أو على المثنى بنوعيه المذكر والمؤنث معًا2، أو على الجمع المذكر، أو المؤنث، كما يتضح من الأمثلة السالفة. ومع دلالته على التثنية أو الجمع فإنه لا يسمى مثنى، ولا جمعًا.
__________
= تكون اسم فعل أمر بمعنى: أسرع" فهذه "الكاف" تدل على الخطاب، مع أنها ليست ضميرًا، إذ لو كانت ضميرًا لكانت كالضمير، لها محل من الإعراب، رفعًا، أو نصبًا، أو جرًّا، وهي لا تصلح لشيء من ذلك، إذ لا يوجد في الكلام ما يقتضي أن تكون في محل رفع مبتدأ أو خبرًا، أو فاعلًا، أو غير ذلك مما يجعلها في محل رفع ... وليس في الكلام كذلك كذلك ما يقتضي أن تكون في محل نصب. ولا يصح أن تكون في محل جر. إذ لا يوجد حرف جر يجرها، ولا يوجد مضاف تكون بعده مضافة إليه في محل جر، لا ستحالة أن يكون مثل هذا المضاف مقرونًا بأل، ولا يوجد سبب آخر للجر، كالتبعية. وإذا ليس لها محل من الإعراب. ويتبع هذا ألا تكون اسمًا؛ لأن الاسم له -في الغالب- محل إعرابي، وكذلك لا تصلح أن تكون فعلًا، فلم يبقَ إلا أن تكون حرفًا يدل على الخطاب، من غير أن يسمى ضميرًا.
ويقاس على ما سبق: "النجائي" و "النجاءة" بمعنى: "النجاء لي، والنجاء له، أو تكون فعل أمر، بمعنى: أسرع، أيضًا.
وما سبق يقال في اسم الإشارة الذي في آخره علامة للخطاب، مثل: ذلك الكتاب، فإن الكاف حرف خطاب، وليست اسمًا، كالشأن في كل علامات الخطاب التي في أسماء الإشارة وبعض ألفاظ أخرى "انظر ص 238 وما بعدها، ورقم2 من هامش ص324 كما سيجيء التفصيل في باب اسم الإشارة.
ب- وأما أنه جامد فلعدم وجود أصل له، ولا مشتقات. وبعض الألفاظ المشتقة قد تدل بنفسها وبصيغتها مباشرة على ما يدل عليه الضمير، مع أنها لا تسمى ضميرًا، لعدم جمودها، مثل: كلمة: "متكلم" فإنها تدل على التكلم، ومثل كلمة: "مخاطب" فإنها تدل على التخاطب، ومثل كلمة: "غائب" فإنها تدل على الغياب ...
هذا، والضمير من الألفاظ التي لا تصلح أن تكون نعتًا ولا منعوتًا "كما سيجيء في باب النعت، ج3 م 114 ص 450".
1 إلى بعض ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
فما لذى غيبة أو حضور ... كأنت، وهو، سيم بالضمير
2 فلا ضمير يختص بأحدهما دون الآخر.(1/218)
أقسامه:
ينقسم الضمير إلى عدة أقسام بحسب اعتبارات مختلفة:
أ- ينقسم بحسب مدلوله إلى ما يكون للتكلم فقط، وللخطاب. فقط، وللغَيْبة كذلك. وقد سبقت الأمثلة، ولما يصلح للخطاب حينًا، وللغَيبة حينًا آخر؛ وهو ألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون النسوة. فمثال ألف الاثنين: اكتبا يا صادقان، والصادقان كتبا. ومثال واو الجماعة: اكتبوا يا صادقون، والصادقون كتبوا. ومثال نون النسوة: اكتبْن يا طالبات. الطالبات كتبْن1 ...
ب- وينقسم بحسب ظهوره في الكلام وعدم ظهوره إلى: بارز ومستتر؛ فالبارز: هو الذى له صورة ظاهرة في التركيب، نطقًا2 وكتابة، نحو: أنا رأيتك في الحديقة. فكل من كلمة: أنا، والتاء، والكاف، ضمير بارز.
والمستتر3، ما يكون خفيًّا3 غير ظاهر في النطق والكتابة؛ مثل: ساعد
__________
1 وعلى ذكر نون النسوة كان القدماء يؤرخون فيقولون في رسائلهم ومكاتباتهم مثلًا. كتبت هذه الرسالة لسبع خلون من رمضان، أو لخمس بقين منه. فهل يصح أن يقال في هذا وفي نظائره مما لا يعقل لسبع خلت، أو لخمس بقيت؟ موجز الإجابة في ص265 والتفصيل في مكانه الأنسب "ج4 ص524م 167 -آخر باب: العدد- حيث بيان الاستعمال الفصيح في طريقة التاريخ واستخدامه".
2 وقد يكون الظهور في النطق غير ميسور أحيانًا- لوقوع- ساكن بعد الضمير الساكن- فيستدل على بروز الضمير بشيء آخر كمد الصوت بالحركة قبله في ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة كما في نحو: اكتبا ... اكتبوا ... ، اكتبي ... فإن هذه الضمائر ظاهرة في الكتابة دون النطق. والذي يدل على الضمير البارز هو مد الصوت بالحركة قبله وقد سبق في رقم حـ من ص 50 ورقم 2 من هامش ص 159 و 144 أنه لا حرج على من يدفع اللبس بالمد عند التقاء الساكنين ... الخ. وقرار المجمع اللغوي في ذلك.
"3و 3" المستتر في حكم الموجود الملفوظ به، مع أنه غير مذكور في اللفظ ولا يسمى محذوفا، لأنه هناك فرقا بين الضمير المستتر والضمير المحذوف، فالمستتر في حكم الموجود المنطوق به، كما قلنا، أم المحذوف فإنه كان ملفوظا به ثم ترك وأهمل، فليس في حكم الموجود، يدلك على هذذا أنهم يقولون: لو سميت شيئا بكلمة: "ضرب × " التي استتر فيها الضمير لوجب حكايتها مع الضمير المستتر كما تحكي الجملة، بغير تغيير مطلقًا في جميع الحالات الإعرابية، وتصير "ضرب" مع فاعلها المستتر من جهة حكمها عند الحكاية مثل جملة "ضرب الرجل" التي ظهر فيها الفاعل، فهما في حكم الحكاية سواء، أما إذا سميت بكلمة - "ضرب" المحذوف منها الضمير الفاعل لسبب والأصل ضربت مثلا فإنها تعرب على حسب الجملة- كما سيجيء في باب العلم مفصلا "ص 304 وما بعدها، وفي رقم 2 من هامش ص 310" والمستتر لا يكون إلا من ضمائر الرفع، فهو في محل رفع دائما، أما المحذوف فيكون من ضمائر الرفع وغيرها، ولهذا يكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب الموقع.
والصحيح أن المستتر نوع من الضمير المتصل الذي سيجيء تفصيله، وليس نوع من المنفصل، =(1/219)
غيرك يساعدْك؛ فالفاعل لكل من الفعلين ضمير مستتر تقديره فى الأول: "أنت" وفي الثاني: "هو".
والبارز قسمان، أولهما: المتصل؛ وهو: "الذى يقع في آخر الكلمة، ولا يمكن أن يكون في صدرها ولا في صدر جملتها"؛ إذ لا يمكن النطق به وحده، بسبب أنه لا يستقل بنفسه عن عامله؛ فلا يصح أن يتقدم على ذلك العامل مع بقائه على إعرابه السابق قبل أن يتقدم، كما لا يصح أن يَفْصل بينهما -فى حالة الاختيار- فاصل من حرف عطف، أوأداة استثناء؛ كإلا، أوغيرهما1.
ومن أمثلة الضمائر المتصلة بآخر الأفعال؛ التاء المتحركة، وألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون النسوة، وذلك كله في مثل: سمعتُِ النصح، والرجلان سَمِعا، والعقلاء سمعوا، والفاضلات سمعْنَ. فليس واحد من هذه الضمائر بممكن أن يستقل بنفسه فيقع أول الكلمة قبل عامله، ولا يتأخر عنه مع وجود فاصل بينهما2.
__________
= ولا نوعا مستقلًا بنفسه يسمى: "واسطة" بين المتصل والمنفصل. "راجع الخضري وهامش التصريح عند الكلام على الضمير المستتر ... "
والمستتر ركن أساسي في الجملة، لا يتم معناها بغيره، فلا بد منه؛ لأنه "عمدة" كما يسمونه، أي: لا يمكن الاستغناء عنه مطلقًا، "إلا في بعض حالات قليلة كالربط بين الخبر والمبتدأ" وأشياء ذلك وأما غيره فقد يستغني عنه إذا عدم من الجملة.
وبهذه المناسبة يقول النحاة إن الضمير البارز له وجود في اللفظ ولو بالقوة، فيشمل المحذوف في مثل: جاء الذي أكرمت. أي: أكرمته. لإمكان النطق به، أو لأنه نطق به أولا ثم حذف، بخلاف الذي استتر فإنه لا وجود له في اللفظ، لا بالفعل، ولا بالقوة فأمره عقلي، إذ لا يمكن النطق به أصلًا، وإنما يستعيرون له المنفصل في مثل: قاتل في سبيل الله، فيقولون، إن الفاعل ضمير مستتر تقديره: أنت، وذلك للتقريب. وبهذا يحصل الفرق بين المستتر والمحذوف. هذا إلى أن المستتر أحسن حالًا من المحذوف؛ لأنه يدل عليه اللفظ والعقل بغير قرينة فهو كالموجود، ولذلك كان خاصًّا بالعمد. أما المحذوف فلا بد له من القرينة. وهكذا قالوا!!
1 انظر أول الهامش في ص 223.
2 يقو ل ابن مالك:
وذو اتصال منه ما لا يبتدا ... ولا يلي "إلا" اختيارًا، أبدًا
كالياء، والكاف، من ابني أكرمك ... والياء والها من "سليه ما ملك"
ما لا يبتدا، أي: ما لا يبتدأ به. ومثل للمتصل بما يأتي: "لضمير المتكلم المجرور" ... بالياء في "ابني" و "للمخاطب المنصوب المحل...." بالكاف في: "أكرمك"، "وللمخاطب وللمرفوع المحل معا" بياء المخاطبة، في: "سلمى" وللغائب المنصوب المحل بالهاء من: سليه. =(1/220)
ثانيهما: المنفصل؛ وهو الذى يمكن أن يقع في أول جملته، ويبتدئ الكلامُ به؛ فهو يستقل بنفسه عن عامله؛ فيسبق العامل، أو يتأخر عنه مفصولًا بفاصل؛ مثل؛ أنا، ونحن؛ وإياك ... في مثل: أنا نصير المخلصين. ونحن أنصارهم، وإياك قصدت، وما النصر إلا أنا، وما المخلصون إلا نحن.
هذا، وقد سبق1 حكم الضمائر، وأنها: أسماء، جامدة، مبنية الألفاظ- سواء في هذا ما ذكرناه وما سنذكره بعد. وأنها لا تثنى ولا تجمع2.
وينقسم المتصل بحسب مواقعه من الإعراب إلى ثلاثة أنواع:
أولها: نوع يكون في محل رفع فقط؛ وهو خمسة ضمائر: التاء المتحركة للمتكلم؛ نحو: صدقتُ. وكذلك فروعها. وألف الاثنين: نحو: المتعلمان
__________
= وبمناسبة "الهاء" التي للغائب المفرد نقول إن الأشهر في حركتها أن تكون مبنية على الضم. إلا إذا كان قبلها كسرة، أو ياء ساكنة، فيجوز أمران، الحجازيون يضمونها، وغيرهم يكسرها. وبلغة الحجازيين قرأ للقراء: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} ، {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ} ، "إذ قال لأهلهُ امكثوا" وقرأ آخرون بالكسر. ويفهم مما سبق أن الحجازيين يبنونها على الضم في كل حالاتها.
وهي في جمع أحوالها تكون مشبعة الحركة إذا وقعت بعد متحرك، فيمتد الصوت بحركتها حتى يكاد يحدث في النطق لا الكتابة، حرف علة مناسب تلك الحركة، فبعد الضمة الواو، وبعد الكسرة الياء. أما إذا كانت متحركة بعد ساكن مطلقًا، إلا الياء فالأحسن ضمها من غير إشباع لحركتها، سواء أكان الساكن صحيحًا، نحو: "منه" أم معتلًّا بغير الياء، مثل: أباه، أبوه". ... أما الساكن الياء فقد سبق الكلام فيه: "ثم انظر رقم 3 من هامش ص 223 " وما بينهما من اختلاف".
1 في ص 218 وفي هذا يقول ابن مالك:
وكل مضمر له البنا يجب ولفظ ... ما جز كلفظ ما نصب
أي: المضمرات كلها مبنية، لا فرق في ذلك بين ما يكون محله الجر، أو محله النصب، وترك ابن مالك ما يكون محله الرفع بسبب ضيق النظم - وهو مبني أيضا. فكل ضمير لا بد أن يكون لفظه مبنيا، إما على السكون، وإما على حسب حركة آخره. ولا بد أن يكون بعد ذلك في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب حاجة الجملة. وهذا معنى قولهم. إن الضمير مبني اللفظ معرب المحل.
2 انظر الحكم في ص 218.
3 التاء المتحركة التي للمتكلم هي الأصل، وتبني على الضم، مثل: صدقت. وفروعها الخمسة هي: صدقت، للمخاطب المذكر. صدقت. للمخاطبة. ضدقتهما. للمثنى المخاطب، مذكرا ومؤنثا.
صدقتهم، لخطاب جمع المذكور. صدقتهن، لخطاب جمع الإناث. وهناك حاجة يجب فيها بناء تاء المخاطبة على الفتح دائما. وستجيء في ص 238.
ومن الأمثلة السابقة نعلم أن التاء التي هي ضمير متصل مرفوع- تبني على الضم إذا كانت للمتكلم، =(1/221)
صَدَقا، وواو الجماعة، نحو: المتعلمون صدقوا1. ونون النسوة؛ نحو: الفتيات صَدَقْنَ، وياء المخاطبة، نحو: اصدقى يا متعلمة2.
ثانيها: نوع مشترك بين محل النصب ومحل الجر، إذ لا يوجد ضمير متصل خاص بمحل النصب؛ ولا ضمير متصلٌ خاص بمحل الجر. وهذا النوع المشترك بينهما ثلاثة ضمائر3؛ ياء المتكلم، وكاف المخاطب بنوعيه؛ وهاء الغائب بنوعيه.
__________
= وتبنى على الفتح إذا كانت للمخاطب المذكر، وتبنى على الكسر إذا كانت للمخاطبة، وتلتزم البناء على الفتح في الحالة المعينة التي أشرنا لها وستجيء في ص238 وتوصل وهي مبنية على الضم بميم وألف، للدلالة على خطاب اثنين أو اثنتين، وكذلك توصل وهي مبنية على الضم. بميم ساكنة، للدلالة على خطاب جمع الذكور، وبنون مشددة للدلالة على خطاب جمع الإناث. "انظر إعراب الضمائر ص236".
وإذا ولي الميم الساكنة التي لجمع الذكور ضمير متصل جاز ضم الميم وإشباعها حتى ينشأ: من الإشباع واو مثل: هذا ضيف أكرمتموه، ومعي صديق صافحتموه، وجاز بإبقاء الميم ساكنة، ولكن الأول هو الأكثر والأشهر. فيحسن الاقتصار عليه.
وقد أشار ابن مالك إلى بعض هذه المواضع بقوله:
وألف، والواو، والنون، لما ... غاب وغيره، كقاما، واعلما
والمراد بغيره: المخاطب فقط؛ لأنها تكون للغائب والمخاطب، ولا تكون للمتكلم.
1 بعض القبائل العربية يحذف واو الجماعة، اكتفاء بالضمة التي قبلها. قال الفراء في كتابه:
"معاني القران" جـ 1 ص 19" ما نصه: "قد تسقط العرب الواو وهي واو الجماعة، اكتفاء بالضمة قبلها فقالوا: في "ضربوا" قد ضرب، وفي: قالوا: قد قال: وهي في هوازن وعليا قيس ... " ثم استشهد أيضا بأبيات شمعها منهم كقول قائلهم: فلو أن الأطباء كان عندي وكان مع الأطباء الاساءة ... - والاساءة جمع آس، وهو هنا من يعالج الجرح.
2 ولا تكون ضمائر إلا عند اتصالها بالأفعال: أما إذا اتصلت بالأسماء مثل: القائمان، القائمون- فهي حروف دالة على التثنية والجمع.
3 هذه الضمائر لا تكون في محل رفع، كما ذكرنا، ولكنها قد تقع أحيانا بعد "لولا" التي للامتناع، والتي لا يقع بعدها إلا المبتدأ، فيقال: "لولاي" لتعبت. و "لولاك" لم أحتمل مشقة الحضور، و "لولاها" لضاعت فرصة المعاونة الكريمة. فكيف نعرب هذا الضمير الواقع بعد "لولا"؟
إن سيبويه يعرب: "لولا" حرف جر شببيه بالزائد، وما بعد مجرور لفظا في محل رفع مبتدأ، وخبره بحذف كما سيجيء "في ب من ص241، في م وضوع الكلام على إعراب الضمير- لكن قلنا هناك إن الأفضل اعتبار هذا النوع في محل رفع في حالة وقوعه بعد "لولا" فقط، فيكون مبتدأ مبنيا على حركة آخره في محل رفع. ولا يجوز اعتباره ضمير رفع إلا في هذه الحالة فقط. وإذا وقع ضمير من هذه الضمائر الثلاثة بعد عسى مثل: "عساني، أو عساي أوفق"، أو: عساك أن تفعل الخير، أو: عساه أن يجتنب الإساءة، فإن خير ما يقال هو اعتبار "عسى" حرفا بمعنى: "لعل" من أخوات "إن" والضمير اسمها - كما سيجيء في: =(1/222)
فأما ياء المتكلم فمثل: ربي أكرمني1 "فالياء الأولى في محل جر؛ لأنها مضاف إليه، والياء الثانية في محل نصب؛ لأنها مفعول به".
وأما كاف المخاطب فيهما فمثل: لا ينفعك إلا عملك. "فالكاف الأولى فى محل نصب، لأنها مفعول به2؛ والكاف الثانية فى محل جر، لأنها مضاف إليه"2.
وأما هاء الغائب3 بنوعيه المذكر والمؤنث فمثل: من يتفرغ لعمله يحسنه.
__________
= "د" من ص 626، باب أفعال المقاربة، والشروع، والرجاء، وفي رقم 2 من هامش ص 628 باب: "إن وأخواتها" -
وبهذه المناسبة نذكر أن الياء في مثل: قومي يا هند، تختلف عن الياء في نحو: ربي أكرمني. لأن الياء في: "قومي" للمخاطبة، فهي فاعل في محل رفع. بخلافها في المثال الأخير الذي وقعت فيه الياء الأولى للمتكلم في محل جر بالإضافة، والثانية في محل نصب مفعول به.
كما أن الضمير الذي يتصل بآخر الفعل في مثل: الرجلان عرفهما على الرجال عرفهم المسافرات عرفهن - هو ضمير بارز متصل يختلف تماما عنه إذا وقع في ابتداء جملته، أو وقع فيها بعد كلمة: "إلا" في مثل هما عرفا، وهم عرفوا، وهن عرفن، وما عرف إلا هما، أو هم، أو هن، لأنه حين تقدم أو حين وقع بعد "إلا" لم يبق على إعرابه الأول مفعولا لعامله، وإنما صار مبتدأ أو: فاعلا على حسب السياق، فتغير إعرابه بعد التقدم، فصار نوعا آخر مخالفا للسابق، طبقا لما تقدم في تعريف المتصل - ص 220 -
1 متى يجوز حذف ياء المتكلم من آخر الأفعال؟ الجواب في رقم 5 من هامش ص 186.
2 قد تقع كاف الخطاب- أحيانا. حرفا مجردا للخطاب، فلا يكون له محل من الإعراب، كالتي في آخر أسماء الإشارة وبعض الأسماء الأخرى مما سبق "في رقم 5 من هامش ص 217"، ومما سنفصله عند الكلام على إعراب الضمائر "ص 236 وما بعدها ولا سيما ص 238".
3 مما يجب التنبه له. أن هاء المفرد الغائب تكتب مفردة، أي: لا يتصل - كتابة- بها حرف ناشيء من إشباع حركتها، تقول: من يتفرغ لعلمه يحسنه، ويحمده الناس على إحسانه وإجادته أما إن كانت الهاء للغائبة المفردة فيجب- في الأفصح- زيادة الألف بعدها متصلة بها نطقا وخطابا، نحو: من تتفرغ لعلمها يحمدها الناس على تفرغها، وإحسانها، وإجادتها.
"راجع أول الهامش ص 221 وما بينهما من اختلاف في بعض الحالات".
وكذلك يجب أن يزاد بعدها كتابة ونطقا: "ما" إن كانت هذه الهاء لضمير الغائب المثنى بنوعيه، مثل الوالد والجد هما أحق الناس بالرعاية، ولهما أعظم الفضل على أبنائهما. والوالدة والجدة أعطف الناس على أطفالهما، وشفقتهما لا تعدلها شفقة. فالهاء هي الضمير المتصل وبعدها "الميم" حرف عماد، والألف حرف دال على مجرد التثنية.
وكذلك يجب أن يزاد بها "الميم" الدالة على جمع الذكور الغائبين، والنون المشددة الدالة على جمع الإناث الغائبات، نحو: خير الناس أنفعهم للناس، وخير النساء أحرصهن على الكمال. لكن أيكون الضمير هو الهاء فقط والحروف التي بعدها زائدة للفرق بين ضمير المفردة والمفرد وغيرهما، أم يكون الضمير مجموع الاثنين، "الهاء" والأحرف الزائدة؟ رأيان. والخلاف لفظي لا أثر له من الناحية العملية.... والمستحسن مراعاة الأمر الواقع، والأخذ بالرأي الذي يعتبر الضمير هو مجموع الاثنين، لأنه رأي يراعي التفرقة =(1/223)
أو؛ من تتفرغ لعملها تحسنه "فالهاء الأولى في المثالين في محل جر؛ لأنها مضاف إليه، والثانية في محل نصب؛ لأنها مفعول به".
ثالثها: نوع مشترك بين الثلاثة: وهو؛ "نا" نحو: {ربَّنا لا تؤاخذْنا إن نَسِينا أو أخْطْأنا} فالأولى في محل جر، لأنها مضاف إليه؛ والثانية في محل نصب، لأنها مفعول به1 -كما سبق- والثالثة والرابعة في محل رفع؛ لأنها فاعل2.
ومما سبق نعلم أن للرفع ضمائر متصلة تختص به، وليس للنصب وحده أو الجر وحده شيء خاص به.
__________
= الواقعة فعلا بين ضمير المفرد الغائبة وضمير المفرد الغائب -وغيرهما- فوق أنه عملي واقعي فيه تيسير. وعلى أساسه يقول أصحابه: الضمير للمفرد المذكر الغائب هو: "الهاء" وحدها، وللمفردة الغائبة: "ها" وللمثنى بنوعيه: "هما" ولجمع الذكور: "هم" ولجمع الإناث: "هن" والفرق واضح بين الاثنين في ثلاثة أمور، في النطق، وفي الكتابة، وفي المعنى. وعليه العمل الآن. ولهذا نظير يجيء في ص 235.
وجدير بالملاحظة أن الضمائر الثلاثة السالفة "هما - هم- هن" بالاعتبار السالف هي ضمائر متصلة حتمًا، ولا يصح اعتبارها من نوع الضمائر المرفوعة المنفصلة أصالة؛ لأن المرفوعة أصالة، كالتي ستجيء في "ج" ص 226- مركبة البنية في أصلها، وليست مبنية على حرف واحد زيد على آخره حرف أو حرفان، فالفرق بين النوعين كبير برغم ظاهرهما، فأحدهما قد نشأ فردي الصيغة والتكوين، ثم زيد على آخره حرف أو حرفان، والآخر قد نشأ من أول أمره مركب الصيغة، فهما مختلفان في أصلهما، كاختلافهما في كثير من الأحكام.
1 إذا كانت "نا" في آخر الفعل الماضي فقد تكون للفاعل، ويبني الفعل الماضي معها على السكون وجوبا: نحو: خرجنا- حضرنا- كتبنا- فهمنا. وقد تكون للمفعول به، فلا يبنى آخره على السكون لها، نحو: أخرجنا الوالد من الحديقة، وأحضرنا إلى البيت، وأفهمنا ما يجب عمله.
2 يقول ابن مالك:
للرفع والنصب وجر: "نا" صلح ... كاعرف بنا: فإننا نلنا المنح
والمعنى: صلح الضمير: نا" للأمور الثلاثة، أي: لأن يكون في محل جر، مثل: اعرف بنا "أي: اعترف بقدرنا، اشعر بنا". ولأن يكون في محل نصب، مثل: إننا ... ، ولأي يكون في محل رفع، مثل: نلنا.
"ملاحظة" لا يقال: "إن الضمير "الياء" يصلح للأمور الثلاثة مع دلالته على المتكلم في كل حالة فيكون شبيها بالضمير "نا" مثل، يفرحني كوني حريصا على واجبي. فالياء في الجميع للمتكلم ومحلها في الأول نصب "لأنها مفعول به" وفي الثانية رفع "لأنها اسم" كون"، مصدر "كان" الناقضة" وفي الثالث جر، لأنها مضاف إليه. كذلك الضمير: هم" في مثل: "يفرحهم كونهم حريصين على واجبهم، فإنه ضمير متصل في الجميع. ومحله نصب في الأول "لأنه مفعول به". ورفع في الثاني "لأنه اسم "كون"، مصدر كان الناقصة" وجر في الثالث لأنه مضاف إليه...." لا يقال إن الضمير بين السابقين مثل "نا" لأن "الياء" و "هم" في الأمثلة المذكورة وأشباهها وقعا في محل رفع بصفة عارضة، ناشئة من أن المضاف هنا كالفعل يطلب مرفوعا، لا بصفة أصلية، والكلام في الضمير المشترك بين الثلاثة بطريق الأصالة.(1/224)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
روى أبو عليّ القالي في كتابه: "ذيل الأمالي والنوادر" ص 105 عن بعض الأعراب قول شاعرهم:
فها أنا لِلعاشق يا عَزُّ قائد ... وبى تُضرب الأمثالُ فى الشرق والغرب
والشائع1 دخول: "ها" التي للتنبيه على ضمير الرفع المنفصل الذى خبره اسم إشارة؛ نحو: "هأنذا" المقيم على طلب العلوم. وغير الشائع دخولها عليه إذا كان خبره غير اسم إشارة، نحو: هأنا ساهر على صالح الوطن. وهو -مع قلته- جائز، لورود نصوص فصيحة متعددة تكفي للقياس عليها. منها قول عمر بن الخطاب يوم "أحُد" حين وقف أبو سفيان بعد المعركة يسأل: أين فلان، وفلان ... من كبار المسلمين؟. فأجابه عمر. هذا رسول الله عليه السلام، وهذا أبو بكر، وهأنا عمر2 ... ومنها بيت لمجنون ليلى3، ونصّه:
وعُروةُ مات موتًا مستريحًا ... وهأنا ميّتٌ فى كل يوم
كما روى صاحب الأمالي4 أيضًا البيت التالي لعوف بن مُحَلِّم، ونصّه:
وَلُوعا؛ فَشَطَّتْ غُربةً دارُ زينبٍ ... فهأنا أبكى والفؤاد جريح
وقول سُحَيْمِ من شعراء صدر الإسلام:
لو كان يَبغي الفِداءَ قلت له ... هأنا دون الحبيب ياوَجَعُ
ويترتب على الحكم الشائع ما صرحوا به من جواز الفصل بين: "ها" التي للتنبيه واسم الإشارة بضمير المشار إليه مثل: هأنذا أسمع النصح، وهأنتذا تعمل الخير، وهأنتم أولاء تصنعون ما يفيد.
وقد يقع الفصل بغير الضمير قليلا -مع جوازه - كالقسم بالله فى مثل: ها -والله- ذا رجل محب لوطنه، و"إنْ" الشرطية في مثل: ها إنْ ذي حسنةٌ
__________
1 كما جاء في حاشية الأمير على مقدمة كتاب: "المغني" ولهذا إشارة في ص337.
2 النص في ص110 من كتاب تنزيل الآيات شرح شواهد الكشاف.
3 كتاب: الذخيرة، لابن بسام، ج2 القسم الثاني.
4 ج ص123.(1/225)
تَتَكَرَّر يضاعفْ ثوابها. وقد تعاد "ها" التنبيه بعد الفاصل للتقوية ... ، نحو: هأنتم هؤلاء تخلصون.
وينقسم المنفصل بحسب مواقعه من الإعراب إلى قسمين: أولهما؛ ما يختص بمحل الرفع، وثانيهما ما يختص بمحل النصب.
فأما الذي يختص بمحل الرفع [فاثنا عَشَر] 1، موزعة بين المتكلم، والمخاطب، والغائب، على الوجه الآتي:
أ- للمتكلم ضميران، "أنا" للمتكلم وحده، و"نحن" للمتكلم المعظِّم نفسه، أو مع غيره. "و"أنا" هو الأصل و"نحن" هو الفرع"2.
ب- للمخاطَب خمسة؛ أولها؛ وهو الأصل: "أنتَ"، للمفرد المذكر، ثم الفروع: "أنتِ" للمخاطَبة3 المؤنثة، "وأنتما" للمذكر المثنى المخاطَب، أو المؤنث المثنى المخاطَب، "وأنتم" لجماعة الذكور المخاطَبين، "وأنتن" لجماعة الإناث المخاطبات.
ج- للغائب خمسة؛ أولها وأصلها: "هو" للمفرد الغائب. ثم فروعه: "هي"4، للمفردة الغائبة، و"هما" للمثنى الغائب5: و"هم" لجمع الذكور الغائبين، و"هن" لجمع الإناث الغائبات6؛
__________
1 وليس بين الضمائر المنفصلة ما هو مختص بمحل الجر أصالة "انظر رقم1 من الهامش التالي".
2 المراد بالفرع هنا: أن يكون الضمير دالًّا على معنى زائد لا يوجد في الأصل. ذلك أن الأصل في الضمير- عندهم- أن يكون لواحد مذكر، سواء أكان الواحد متكلمًا، أم مخاطبًا، أم غائبًا، مثل: "أنا" فما يكون دالًّا على أكثر من واحد، أو يكون دالًّا على التأنيث فهو فرع.
3 راجع ما يختص بهذه التاء في الضمير: "أنت" وفروعه، وأنها الخطاب، وليست للتأنيث برقم3 من هامش ص217.
4 الأصل أن تكون الهاء في: "هو" مضمومة، وفي: "هي" مكسورة". ويجوز تسكينهما بعد الواو، أو: الفاء، أو: ثم، أو: اللام.
5 وإذا كان لمؤنثتين غائبتين جاز في المضارع بعده أن يكون مبدوءا بالتاء -وهي الأكثر- أو بالياء، تقول: هما تفعلان، أو هما يفعلان، طبقًا للبيان الذي سبق في رقم1 من هامش ص177، 181.
6 ويصح في المضارع بعده إن كانت مسندًا لنون النسوة تصديره بالتاء أو الياء نحو: الوالدات تحرصن أو يحرصن على راحة أولادهن وهن تحرصن أو يحرصن ... "انظر ص181" وتجب ملاحظة الفرق الكبير بين الضمائر الثلاثة "هما، هم، هن" التي هي مركبة البنية أصالة، ومنفصلة للرفع حتما- ونظائرها التي سبقت في آخر رقم3.(1/226)
فمجموع الضمائر المنفصلة المرفوعة اثنا عشَر على التوزيع السالف1.
وأما الضمائر التى تختص بمحل النصب فاثنا عشر ضميرًا أيضًا، كل منها مبدوء بكلمة: إيَّا2.
فللمتكلم: "إياي"، وهو الأصل، وفرعه: "إيانا" للمتكلم المعظِّم نفسه، أو معه غيره.
وللمخاطَب المفرد: "إياكَ"، وهو الأصل، وفروعه: "إياكِ"، للمخاطَبة، و"إياكما"، للمثنى المخاطَب، مؤنثًا، أو مذكرًا، و"إياكم"؛ لجمع الذكور الخاطَبين، و"إياكن" لجمع الإناث المخاطَبات.
وللغائب: "إياه" للمفرد الغائب، وفروعه: "إياها" للمفردة الغائبة، و"إياهما" للمثنى الغائب بنوعيه، و"إياهم" لجمع الذكور الغائبين، و"إياهن" لجمع الإناث الغائبات.
فللمتكلم اثنان، وللمخاطَب خمسة، وللغائب خمسة. وليس هناك ضمائر منفصلة تختص بمحل الجر.
هذا وجميع الضمائر المنفصلة تشارك نظائرها المتصلة في الدلالة على التّكلم، أو الخطاب، أو الغيبة، فلكل ضمير منفصل نظير آخر متصل يماثله في معناه: فالضمير "أنا" يماثل التاء، والضمير "نحن" يماثل "نا"، وهكذا. .....
وينقسم المستتر إلى قسمين:
__________
1 وهذه الضمائر الاثنا عشر لا تكون بالأصالة إلا مرفوعة. فأما استعمالها غير مرفوعة فإنما هو بالنيابة عن ضمير الجر أو النصب في بعض أساليب مسموعة يقتصر عليها، ومع أنها مسموعة يحسن ترك استعمالها، لقبح وقعها على السمع. فمن النيابة عن ضمير الجر: "ما أنا كأنت، ولا أنت كأنا" والقبح هنا بسبب وقوع الضمير الخاص بالرفع في محل جر. ومن النيابة عن ضمير النصب وهو شاذ أيضًا قولهم: "يا أنت" وللاضطرار لوزن الشعر في مثل قول الشاعر: "يا ليتني وهما نخلو بمنزلة...."
فقد عطف ضمير "هما" الخاص بالرفع على الياء التي هي ضمير نصب.
لكن يكثر على نيابتها عن الضمير المنصوب أو المجرور في حالة استعمالها للتوكيد، مثل: سمعتك أنت تخطب ومررت بك أنت. وهو استعمال قياسي.
2 سيجيء الكلام على إعراب "إيا" بملحقاتها المختلفة عند الكلام على كيفية إعراب الضمائر "ص236 وما بعدها". وهي كثيرة الاستعمال في أسلوب: "التحذير" بصورة المتعددة التي ستجيء في بابه الخاص - ج4 ص 97 م140- ومن أمثلته إياك والنميمة، فإنها تزرع الضغينة- إياك مواقف الاعتذار فإنها مجلبة للذلة، مضيعة للكرامة ... ويصح: إياك من التميمة- إياك من مواقف الاعتذار....(1/227)
أولهما: المستتر وجوبًا، وهو الذى لا يمكن أن يحل محله اسم ظاهر1، ولا ضمير منفصل؛ مثل: إني أفرح حين نشترك في عمل نافع. فالفعل المضارع: "أفرح"، فاعله ضمير مستتر وجوبًا، تقديره: أنا. ولا يمكن أن يخلفه اسم ظاهر ولا ضمير منفصل، إذ لا نقول: أفرح محمد -مثلا- ولا أفرح أنا، على اعتبار "أنا" فاعلًا، بل يجب اعتبارها توكيدًا للفاعل المستتر الذى يشابهها في اللفظ والمعنى. كذلك الفعل المضارع: "نشترك" فاعله مستتر وجوبًا تقديره: "نحن" ولا يمكن أن يحل مكانه اسم ظاهر ولا ضمير منفصل؛ إذ لا نقول: "نشترك محمد" ولا نقول: "نشترك نحن" على اعتبار كلمة: "نحن" فاعلًا؛ لأنها لو كانت فاعلًا لوجب استتارها حتمًا. ولكنها تعرب توكيدًا لضمير مستتر يشابهها في اللفظ والمعنى.
وثانيهما: المستتر جوازًا، وهو الذى يمكن أن يحل محله الاسم الظاهر أوالضمير البارز؛ مثل: الطائر تَحَرّكَ. النهر يتدفق. فالفاعل فيهما ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو، إذ من الممكن أن نقول: الطائر تحرك جناحه، والنهر يتدفق ماؤه: بإعراب كلمتي "جناح" و"ماء" فاعلًا للعامل الموجود وهو: "تحرك" و"يتدفق". ومن الممكن كذلك أن نقول: الطائر ما تحرك إلا هو: والنهر ما يتدفق إلا هو ... بإعراب الضمير البارز: "هو" فاعلا للعامل الموجود. والمستتر بنوعيه لا يكون إلا مرفوعًا متصلًا كما سبق.
مواضع الضمير المرفوع المستتر وجوبًا. أشهر هذه المواضع تسعة2:
__________
1 لا يحل محله اسم ظاهر يرتفع بعامله الذي في الجملة نفسها قبل أن يحل هذا الاسم الظاهر محل الضمير، فلو قلنا: "نشترك محمد في عمل نافع" لكان الكلام غير صحيح في تركيبه، لأن كلمة: "محمد" لا تقع فاعلا للفعل: "نشترك" الذي كان عاملا الرفع في الضمير السابق "نحن". ولو قلنا: "نشترك" "نحن" لكانت: "نحن" هذه توكيدا للضمير المستتر، ولا يصح أن تكون فاعلا مرفوعا بالعامل الموجود، وهو الفعل "نشترك" فالضمير المستتر وهو "نحن" لم يصلح أن يحل محله اسم ظاهر ولا ضمير بارز بحيث يكون كل منهما معمولا للفعل: "نشترك".
2 مراد ابن مالك من هذه المواضع أربعة في قوله:
ومن ضمير الرفع ما يستتر ... كافعل، أوافق، نغتبط، إذ تشكر
ويقول في الضمير البارز المنفصل المرفوع المحل، "وهو الذي يقابل السابق".
وذو ارتفاع وانفصال: "أنا"، "هو" ... "وأنت" ... والفروع لا تشتبه
أي: لا تشتبه بغيرها، بحيث يصعب تمييز بعضها من بعض. ويقول في الضمير البارز المنفصل المنصوب المحل:
وذو انتصاب في انفصال جعلا، "إياي: لا تشتبه بغيرها، بحيث يصعب تمييز بعضها من بعض. ويقول في الضمير البارز المنفصل المنصوب المحل:
وذو انتصاب في انفصال جعلا، ... "إيادي"، والتفريع ليس مشكلا
أي: جعل الضمير "إياي" مثالا للضمير السالف، وهو للمتكلم، أما باقي فروعه الخمسة فمعرفتها سهلة، وليست أمرا مشكلا.(1/228)
1- أن يكون فاعلًا لفعل الأمر المخاطب به الواحد المذكر، مثل: أسرعْ لإنقاذ الصارخ، وبادرْ إليه. بخلاف الأمر المخاطب به الواحدة، نحو: قومي، أو للمثنى؛ نحو: قومًا، أو الجمع، نحو: قوموا، وقمن. فإن هذه الضمائر تعرب فاعلًا أيضًا، ولكنها ضمائر بارزة.
2- أن يكون فاعلًا1 للفعل المضارع المبدوء بتاء الخطاب للواحد؛ مثل: يا بُنَيَّ، أتعرف متى تتكلم ومتى تسكت؟ بخلاف المبدوء بتاء الخطاب للواحدة؛ مثل: تتعلمين يا زميلة، أو للمثنى بنوعيه، مثل: أنتما تتعلمان، أو للجمع بنوعيه مثل: أنتم تتعلمون وأنتن تتعلمن؛ فإن هذه ضمائر رفع بارزة، وبخلاف المبدوء بتاء الغائبة، فإنه مستتر جوازًا؛ مثل: الأخت تقرأ2.
3- أن يكون فاعلًا للفعل المضارع المبدوء بهمزة المتكلم؛ مثل: أحُسنُ اختيار الوقت الذى أعملُ فيه، وقول الشاعر:
لا أَذُودُ الطيرَ عن شجرٍ ... قد بَلَوْتُ المُرَّ من ثَمرِْه
4- أن يكون فاعلا للفعل المضارع المبدوء بالنون؛ مثل نحب الخير،
__________
1 ومثل الفاعل: اسم الناسخ إذا كان هذا المضارع ناسخا يرفع اسمه "كالمضارع المنفي: "لا تكون" في الاستثناء".
2 إذا كان المضارع مبدوءا بتاء المخاطبة للمفردة، أو لمثناها، أو جمعها فليست تاؤه للتأنيث، وإنما هي علامة الخطاب المحض، لوجود ما يدل على التأنيث، وهو الضمير المتصل بالفعل، ومن الأمثلة أيضا للمضارع المبدء بتاء للخطاب لا للتأنيث: أنت يا زميلتي لا تعرفين العبث - أنتما يا زميلتي لا تعرفان العبث - أنتن يا زميلاتي لا تعرفن العبث. بخلاف التاء التي تجيء للتأنيث في أول المضارع الذي يكون فاعله اسما ظاهرا، مؤنثا، للمفردة، أو لمثناها، أو جمعها، نحو: تتعلم عائشة- تتعلم العائشتان- تتعلم العائشات. وكذلك إن كان فاعله ضميرا متصلا للغائبة المفردة، أو لمثناها، مثل: عائشة تتعلم- العائشتان تتعلمان. فإن كان فاعله ضميرا متصلا لجمع الغائبات "أي: نون النسوة" فالأحسن- وليس بالواجب- تصديره بالياء لا بالتاء، استغناء بنون النسوة في آخره، نحو: الوالدات يبذلن الطاقة في حماية الأولاد، - طبقا لما سبق في رقم 2 من هامش ص 47 وص 181 وسيجيء الكلام في جـ2 ص 75 م 66 - باب الفاعل.(1/229)
ونكره الأذى، فنفوز برضا الله والناس.
5- أن يكون فاعلًا للأفعال الماضية التي تفيد الاستثناء؛ مثل: خلا، عدا، حاشا. تقول: حضر السياح خلا واحدًا - أو: عدا واحدًا - أو: حاشا واحدًا. ففاعل خلا وعدا وحاشا ضمير مستتر وجوبًا تقديره: هو1....
6- أن يكون اسمًا مرفوعًا لأدوات الاستثناء الناسخة؛ "وهى: ليس، ولا يكون2" تقول: انقضى الأسبوع ليس يومًا. انقضى العام لا يكون شهرًا. فكلمة "يومًا" و"شهرًا" خبر للناسخ، وهى المستثنى أيضًا. أما اسم الناسخ فضمير مستتر وجوبا تقديره: هو.
7- أن يكون فاعلا لفعل التعجب الماضى؛ وهو: "أفعَلَ"؛ مثل: ما أحسنَ الشجاعةَ. "فأحسن" فعل ماض للتعجب، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره؛ هو. "يعود على: ما".
8- أن يكون فاعلا لاسم فعل مضارع، أواسم فعل أمر، مثل: أفّ من الكذب، "بمعنى: أتضجر جدا". وآمينَ. "بمعنى: استجب."
9- أوفاعلا للمصدر النائب عن فعله الأمر؛ مثل؛ قيامًا للزائر. فقيامًا: مصدر، وفاعله مستتر وجوبًا، تقديره: "أنت"؛ لأنه بمعنى: قُمْ.
فهذه تسعة مواضع3، هى أشهر المواضع التى يستتر فيها الضمير وجوبًا، ولا يكون إلا مرفوعًا متصلا - كما أشرنا من قبل. - أما الضمير المستتر فى غيره تلك المواضع فاستتاره في الأشهر3 جائز، لا واجب.
__________
1 يعود على بعض مفهوم من الكلام السابق، أي: خلا هو، أي: بعضهم، وسيجيء إيضاح هذا، وبسط القول في المراد منه عند الكلام عليه في باب الاستثناء "جـ2".
2 بصيغة المضارع "يكون" الذي للغائب، وقبله. لا" النافية دون غيرها- كما سيجيء في جـ2 م 83 ص 328 باب "الاستثناء".
"3 و 3" يزيد عليهما بعض النحاة: فاعل "نعم" و "بئس" وأخواتهما ... إذا كان ضميرا مفسرا بنكرة، مثل: نعم رجلا عمر. ففاعل "نعم" ضمير مستتر تقديره. هو، تفسره النكرة التي تعرب بعده تمييزا، وهي هنا: "رجلا". لكن المعروف أن رأيا كوفيا يجيز في "نعم" و "بئس" وأخواتهما أن يبرز فاعلهما الضمير، مثل: نعما رجلين حامد وصالح، نعموا رجالا، صالح، وحامد، وعلى. وقد يبرز وتجره الباء الزائدة نادرا- فلا يقاس عليه-، مثل نعم بهم رجلا. فإن لاحظنا أن هذا الضمير قد يبرز في بعض الأحيان لم يكن من النوع المستتر وجوبا. وإن لاحظنا أن بروزه قليل أو نادر أمكن الإغضاء عن هذا، وعددناه من المستتر وجوبا. ولكن الأول أحسن....(1/230)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
1 يعرب الضمير المرفوع المستتر جوازًا:
أ- إما فاعلا، أو نائب فاعل، أو اسما لفعل ناسخ، إذا كان الفعل في كل ذلك لغائب أو غائبة، مثل: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. ومثل قول شوقي عن الصلاة: لو لم تكن رأس العبادات لعدت من صالحة العادات، وقولهم رب كلمة تجلب نعمة، وأخرى تجر نقمة.
ب- وإما فاعلا لاسم فعل ماض؛ مثل: البحر هيهات، بمعنى: بَعُد جدًا، أى: هو.
ومن أمثلة ذلك أيضًا: شتان الصحة والضعف، بمعنى: افترق الحال بينهما جدًا. فالصحة فاعل. وتقول الصحة والضعف شتان. أى: هما، فالفاعل ضمير، تقديره: هما. وتقول هيهات البحر هيهات. وشتان الصحة والضعف شتان. ففاعل "هيهات" الثانية ضمير مستتر جوازًا تقديره: "هو" يعود على البحر، بشرط أن تكون الجملة المكونة من: "هيهات" الثانية وفاعلها توكيدًا للجملة التى قبلها، فيكون الكلام من توكيد الجمل بعضها ببعض. أما لوجعلنا لفظة: "هيهات" الثانية وحدها توكيدًا للأولى فإنها لا تحتاج إلى الفاعل1، ويكون الكلام من نوع توكيد اسم الفعل وحده بنظيره. واسم الفعل؛ كالفعل إذا وقع أحدهما - وحده بدون فاعل - توكيدًا لفظيًّا فإنه لا يحتاج لفاعل، وكذلك يقال فى: "شتان" فى الحالتين.
جـ- وإما مرفوعًا لأحد المشتقات المحضة: "كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، نحو: على نافع، أومكرَم، أوفَرِحٌ"؛ ففى كل واحدة من هذه الصفات المشتقة ضمير مستتر جوازًا، تقديره: "هو" ويكون الضمير المرفوع بها فاعلا، إلا مع اسم المفعول، فيكون نائب فاعل.
__________
1 سيجيء في باب الفاعل "جـ 2 م 66 ص 70" بيان الأفعال لا تحتاج لفاعل، والرأي فيها.
2 كما سيجيء في باب التوكيد "جـ3".
3 ولا بد أ، يعود على غائب، طبقا للبيان الذي في "ط" من ص 270 كما سبقت الإشارة في رقم 4 من هامش ص 217.(1/231)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما المشتقات غير المحضة "وهي التي غلبت عليها الاسمية المجردة من الوصف بأن صارت اسمًا خالصًا لشيء" فإنها لا تتحمل ضميرًا؛ كالأبطح، والأجرع أسماء أماكن، ومثلهما: الأبيض، والأرحب، والمسعود، والعالي، أسماء قصور، والمفتاح، والمِلعقة، والمَلعب ... ,..........
ومن المشتقات المحضَة: "أفعل التفضيل"1. والغالب فيه أنه يرفع الضمير المستتر، ولا يرفع الظاهر - قياسًا - إلا فى المسألة التى يسميها النحاة مسألة: "الكحل" وقد يرفعه نادرًا - لا يقاس عليه - فى مثل: مررت برجل أفضل منه أبوه باعراب كلمة: "أبو" فاعلا2. وكذلك يرفع الضمير البارز نادرًا فى لغة من يقول: مررت برجل أفضل منه أنت، بإعراب "أنت" فاعلا، حملا لها على الفاعل الظاهر فى مسألة "الكحل". ولوأعرب "أنت" مبتدأ، خبره: أفضل، لجاز ولم يكن أفعل التفضيل رافعًا للضمير.
بناء على ما تقدم لولاحظنا أنه لا يرفع الظاهر إلا قليلا ولا الضمير البارز إلا نادرًا فإن الضمير المستتر فيه يكون من نوع المستتر وجوبًا مع الإغصاء عن تلك القلة والندرة، وإن لاحظنا الواقع من غير نظر للقلة والندرة قلنا: إنه مستتر جوازًا.
تلخيص ما سبق من أنواع الضمائر:
أ- ينقسم الضمير باعتبار مدلوله إلى ثلاثة أقسام: متكلم، ومخاطَب، وغائب.
ب- ينقسم الضمير باعتبار ظهوره فى الكلام وعدم ظهوره إلى قسمين بارز، ومستتر.
__________
1 تفصيل الكلام عليه وعلى أحكامه مدون في بابه الخاص بالجزء الثالث، م 112.
2 فلو أعربناها مبتدأ متأخرا وخبره "أفضل" لم يكن الإعراب ضعيفا، لأنها ليست مرفوعة بأفعل التفضيل. وكذلك كل إعراب مثل هذا.(1/232)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أقسام البارز:
ينقسم الضمير البارز إلى قسمين: "منفصل، ومتصل".
أ- ينقسم الضمير البارز المنفصل باعتبار محله الإعرابي إلى:
1- بارز منفصل فى محل رفع، وهو: اثنا عشر ضميرًا، للمتكلم اثنان، هما: "أنا" وفرعه "نحن". وللمخاطب: "أنت" وفروعه الأربعة. وللغائب: "هو" وفروعه الأربعة.
2- بارز منفصل فى محل نصب، وهواثنا عشر ضميرًا؛ للمتكلم اثنان "إياى" وفرعه "إيانا". وللمخاطب "إياك" وفروعه الأربعة. وللغائب "إياه" وفروعه الأربعة.
ولا يوجد ضمير بارز منفصل فى محل جر.
ب- ينقسم الضمير البارز المتصل باعتبار محله الإعرابى إلى ما يأتى:
1- بارز متصل فى محل رفع؛ وهوخمسة: التاء المتحركة - ألف الاثنين - واوالجماعة - ياء المخاطبة - نون النسوة.
2- بارز متصل صالح لأن يكون فى محل نصب حينًا، وفى محل جر حينًا آخر، وهوثلاثة: ياء المتكلم، والكاف، والهاء1. .....
3- بارز متصل، صالح لأن يكون فى محل رفع، أونصب، أوجر، هو: "نا".
ولا يوجد ضمير بارز متصل فى محل نصب فقط، أوفى محل جر فقط.
أقسام الضمير المستتر
أ- مستتر وجوبًا وله جملة مواضع، وأشهرها: تسعة2.
__________
1 ما إعراب كل واحد من الثلاثة لو حل في محل المبتدأ، كأن يقع بعد "لولا"؟ .... الجراب في "ب" من ص 241.
2 سبقت في ص 228.(1/233)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ب- مستتر جوازًا وله مواضع غير السالفة.
ويتضمن الاسم الآتى كل ما سبق.
جدول اسكانر
تقسيم آخر للضمير بحسب محله الإعرابى:
ينقسم إلى خمسة أقسام.
1- مرفوع متصل.
2- مرفوع منفصل.
3- منصوب متصل.
4- منصوب منفصل.
5- مجرور، ولا يكون إلا متصلا.(1/234)
المسألة التاسعة عشرة: الضمير المفرد، والضمير المركب
الضمير المفرد 1، والضمير المركب:
الغرض من الضمير -كما عرفنا- الدلالة على المتكلم، أو المخاطب، أو الغائب2، مع الدلالة على الإفراد، أو التثنية، أو الجمع، والتذكير، أو التأنيث في كل حالة.
أ- غير أن بعض الضمائر يقوم بهذه الدلالة مستقلا بنفسه، معتمدًا على تكوينه وصيغته الخاصة به، غير محتاج إلى زيادة تلازمه آخره، لتساعده فى أداء مهمته، فصيغته مفردة "بسيطة" وذلك كالياء، والتاء، والهاء، في نحو: إني أكرمت من أكرمتَِ. فالياء وحدها تدل على المتكلم المفرد مطلقًا3، وكذلك التاء في: "أكرمت" الأولى. أما التاء الثانية فتدل على المخاطب المفرد، المذكر أو المؤنث على حسب ضبطها، وأما الهاء فتدل على المفرد المذكر الغائب.
فكل ضمير من الثلاثة -وأشباهها- كلمة واحدة، انفردت بتحقيق الغرض منها؛ وهو التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة، مع التذكير أو التأنيث، ومع الإفراد، دون الاستعانة بلفظ يلزم آخرها.
ومثلها: "نحن" في: نحن نسارع للخيرات، فإنها لفظة واحدة في تكوينها، وصيغة مستقلة بنفسها في أداء الغرض منها؛ وهو: "التكلم مع الدلالة على الجمع، أو على تعظيم المفرد، ولم يتصل آخرها اتصالًا مباشرًا بما يساعدها على ذلك الغرض.
ب- وبعضًا آخر من الضمائر يقوم بتلك الدلالة؛ ولكن من غير أن يستقل بنفسه في أدائها، بل يحتاج لزيادة لازمة تتصل بآخره: لتساعده على أداء المراد؛ فصيغته مركبة، وتكوينه ليس مقصورًا على كلمة واحدة. وذلك
__________
1 أي: الذي هو كلمة واحدة، وليس كلمتين أو أكثر، ويسمونه: "البسيط".
2 كما عرفنا في ص217.
3 أي: سواء أكان مفردًا مذكرًا، أم مؤنثًا.(1/235)
مثل الضمير: "إيًا" فإنه لا يدل على شىء مما سبق إلا بعد أن تلحقه زيادة فى آخره؛ تقول: إياى - إياكَ - إياكما، إياكن ... ولولا هذه الزيادة ما أدى مهمته، ومثله: أنت، نقول: أنتما، أنتم، أنتن ... وهكذا.
كيفية إعراب الضمير بنوعيه: المستتر والبارز
قلنا1: إن الضمائر كلها مبنية؛ فعند إعرابها لا بد أن نلاحظ أمرين:
أولهما: موقع الضمير من الجملة، أهو في محل رفع؛ كأن يكون مبتدأ في مثل: أنت أمين، أم في محل نصب، كأن يكون مفعولًا به في مثل: زاركَ الصديق، أم في محل جر؛ كأن يكون مضافًا إليه في مثل: كتابي مثل كتابكَ؟
ثانيهما: حالة آخر الضمير؛ أساكنة هي؛ مثل: أنا، أم متحركة مثل: التاء في: أحسنْتَ؟.
فإذا عرفنا هذين الأمرين أمكن إعراب الضمير بعد ذلك؛ فإذا كان الضمير مبنيًّا على السكون فقد يكون في محل رفع؛ لأنه مبتدأ في مثل: أنا مسافر، أو لأنه فاعل في مثل: "نا" من "سافرْنا" وقد يكون فى محل نصب؛ لأنه مفعول به. مثل: "نا" فى حامد "أكرَمنا". وقد يكون فى محل جر فى مثل: "نا" من أقبِلْ علينا ... وهكذا باقى مواضع الرفع، والنصب والجر.
وإذا كان الضمير متحركًا فإنه يبنى على نوع حركة آخره؛ فيبنى على الضم، أوالفتح، أوالكسر، على حسب تلك الحركة. ويكون معها فى محل رفع، أونصب، أوجر، على حسب موقعه من الجملة - كما سبق -، أهومبتدأ، أم فاعل، أم مفعول، أم مضاف إليه، أم غير ذلك، فكلمة: "نحنُ" فى مثل: نحنُ أصدقاء، مبنية على الضم فى محل رفع؛ لأنها مبتدأ. والكاف فى مثل: أكرمكَ الوالد، مبنية على الفتح فى محل نصب، لأنها مفعول
__________
1 في ص 218.(1/236)
به1. والهاء في مثل: محمد قصدتُ إليه؛ مبنية على الكسر في محل جر ... وهكذا يقال في كل ضمير يتكون من لفظة واحدة لا يتصل بآخرها زيادة، كالتي أشرنا إليها من قبل.
فإن كان الضمير غير مقتصر على نفسه بل في آخره تلك الزيادة2 اللاّزمة مثل: "إياكَ، إياكما، إياكم، إياكن، أنتَِ، أنتما، أنتم، أنتن" فإن الأنسب اليوم إدماج الضمير والزيادة الحتمية معًا عند الإعراب، وعدّهما بمنزلة كلمة واحدة، بحيث لا نعتبر أن الضمير في "إياكما" و"أنتما" هو كلمة: "إيا" وحدها، "وأنْ" وحدها ... وأن الكاف، أو التاء، حرف خطاب مبني على الفتح لا محل له لمن الإعراب، وما بعدها حرف دال على التثنية، أو على جمع المذكر، أو جمع المؤنث. فمن المستحسن رفض هذا التجزيء رفضًا قاطعًا، وأن نتبع النحاة الداعين إلى اعتبار كلمة: "إيا" مع ما يصحبها لزومًا هما معًا: "الضمير"، وأنهما في الإعراب كلمة واحدة3. وكذلك: "أنتما" وباقي الفروع.
وهذا الرأي الحسن يناسبنا اليوم؛ لما فيه من تيسير وتخفيف، واختصار، وليس فيه ما يسيء إلى سلامة اللغة وفصاحتها؛ فنقول في كل من: أنتَِ، أنتما، أنتم، أنتن، إياكَِ، إياكما، إياكم، إياكنْ، ونظائرها، إن الكلمة كلها بملحقاتها ضمير مبني على كذا في محل كذا4.
__________
1 انظر ما يتصل بحكم هذا الكاف في رقم 5 من هامش ص217 ثم في ص238.
2 هي الزيادة التي تتصل بآخر الضمير: "إيا". وسبق بيانها في ص227 ومثلها الزيادة التي تتصل بآخر الضمير: "التاء"، وسبق بيانها في رقم3 من هامش ص221.
3 وهذا هو المذهب الكوفي، كما نص عليه "العكبري" في كتابه المسمى: "إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب، والقراءات في جميع القرآن" - جـ1 ص 4-.
4 لهذا نظير في رقم 3 من هامش ص 222.(1/237)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- وقوع الكاف حرف خطاب منصرف:
قد يتعين أن تكون "الكاف" حرف خطاب مبنيًّا؛ فلا محل له من الإعراب1. أي: أنها لا تكون ضميرًا. وذلك فيما يأتي: وفي هذه الحالة يتعين أن يكون منصرفًا على حسب المخاطب تذكيرًا، وتأنيثًا، وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا.... وفيما يلي أشهر المواضع غير التي سبقت1.
1- فى مثل: أرأيتَك الحديقَة، هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أرأيتَك الزراعةَ؛ أتغنى عن الصناعة؟ ومعنى "أرأيتَك": أخِبرْنى، الحديقة ... أخبرنى الزراعة ... وإليك الإيضاح:
كاف الخطاب الحرفية قد تتصل بآخر الفعل: "رأى" فيصير "رأيتَ" بشرط أن تسبقه همزة الاستفهام، وأن يجيء بعد الكاف اسم منصوب، ثم جملة استفهامية2. وهو فعل ماض، فاعله التاء المتصلة بآخره، المبنية على الفتح دائمًا، في محل رفع؛ لأنها فاعل. وتقع بعدها "الكاف" حرف خطاب؛ يتصرف وجوبًا على حسب المخاطَبِين3، ولا تتصرف التاء ... فنقول للمخاطبة: أرأيتَكِ، وللمثنى بنوعيه: أرأيتَكما"، وللجمع المذكر: أرأيتَكم، وللجمع المؤنث: أرأيتَكن. ومعنى "أرأيتَكَ: أخبرْني"، كما سبق. وهي إما منقولة من: رأيتَ، بمعنى: "عرفتَ" أو بمعنى: أبصرتَ، فتحتاج لمفعول واحد في الحالتين، وإما منقولة من: "رأيت" بمعنى: عَلمْت؛ فتحتاج إلى مفعولين. وسواء أكانت منقولة من هذه أم من تلك فإنها في أصلها جملة خبرية بمعنى ما تقدم، ثم صارت بعد النقل وبعد أن لازمتها همزة الاستفهام
__________
"1و 1" سبقت أنواع من الكاف الحرفية في رقم5 من هامش ص217.
2 كما أشرنا لهذا في: ج2 -رقم 5 من هامش ص وفي ص15.
3 راجع رقم 2 من هامش ص324.(1/238)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جملة إنشائية. طلبية، لها معنى جديد؛ هو؛ أخْبِرني، أي: طلب الاستخبار، وهو: طلب معرفة الخبر. وعلى أساس هذين الاعتبارين يكون إعراب ما يأتي بعدها؛ فإن لاحظنا أن أصلها: "عرفتَ، أوأبصرت" - كان الاسم المنصوب بعدها مفعولًا به لها، وتكون الجملة الاستفهامية بعدها مستأنفة. وعلى اعتبار أن أصلها: "علمت" يكون ذلك الاسم المنصوب بعدها مفعولا به أول، وتكون جملة الاستفهام التي بعده في محل نصب، تغني عن المفعول الثاني. وإن لاحظنا حالتها الحاضرة، وأنها الآن جملة إنشائية طلبية؛ بمعنى "أخْبِرني"، ولم نلتفت إلى الأصل الأول، فإن الاسم المنصوب بعدها يكون منصوبًا على نزع الخافض1، والجملة الاستفهامية بعده مستأنفة؛ فكأنك تقول في الأمثلة السابقة وأشباهها: أخبرني عن الحديقة؛ هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أخبرني عن الزراعة؛ أتغني عن الصناعة؟
وجدير بالتنويه أن الاستعمال السابق لا يكون إلا حين نطلب معرفة شيء له حالة عجيبة؛ وأن يكون بالصورة المنقولة عن فصحاء العرب؛ فيبدأ الأسلوب -كما قلنا- بهمزة الاستفهام؛ يتلوها جملة: "رأيتك"؛ فاسم منصوب؛ فجملة استفهامية تبين الحالة العجيبة التى هي موضع الاستخبار. فلا بد أن يشتمل الأسلوب على هذه الأمور الأربعة، مرتبة على حسب ما ذكرنا. غير أن الاستفهام في الجملة المتأخرة قد يكون ظاهرًا كما مثل؛ وقد يكون مقدرًا هو وجملته؛ كما في قوله تعالى: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} ... إلخ، فالتقدير: "أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ، لِمَ كرمته علي؟.
وقد يحذف الاسم المنصوب الذي بعده: "أرأيتك" إذا كان مفهومًا، نحو قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّه} . أي: قل أرأيتكم المعارضين إن أتاكم عذاب الله.
هذا إن قصد الاستخبار والتعجب - أما إن بقي الفعل "رأى" من "رأيت"
__________
1 توضيحه وبيان حكمه في ج2 ص160 م71 "طريقة تعدية الفعل الثلاثي اللازم".(1/239)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على أصله اللغوي الأول بمعنى: "عرفت" أو بمعنى: "أبصرت" أو بمعنى: "علمت" وجاءت قبله همزة الاستفهام في الحالتين فإن التاء اللاحقة به تتصرف، وتعرب فاعلا، وتعرب الكاف المتصلة به ضميرًا مفعولا به، وتتصرف على حسب حال المخاطب؛ فتقول: "أرأيتكَ ذاهبًا، أرأيتكِ ذاهبة" أرأيتكما ذاهبين، أرأيتكم ذاهبين، أرأيتكن ذاهبات - فتكون "الكاف" وحدها، أو هي وما اتصلت به من علامة تثنية أوجمع - ضميرًا مفعولا به أول، والاسم المنصوب بعد ذلك هو المفعول الثاني. هذا إذا كانت. "رأى" بمعنى: "عَلِم" التي تنصب مفعولين. أما إذا كانت "رأى" تنصب مفعولًا واحدًا فالضمير هو مفعولها، والاسم المنصوب بعده حال.
وسيجيء في أول الجزء الثاني تفصيل الكلام على الفعل: "رأى" من ناحية معناه وتعديته إلى مفعول أو أكثر.
2- في اسم الفعل الذى يقوم معنى وعملًا مقام فعل لا ينصب مفعولا به، مثل: حَيَّهَل؛ بمعنى: أقبِلْ. والنَّجاء2. بمعنى: أسْرعْ، ورُوَيدَ، بمعنى تمهلْ ... ؛ فقد ورد عن العرب قولهم: حَيَّهلك، والنَّجاءك، ورُوَيْدك، فالكاف هنا حرف خطاب؛ ولا يصح أن يكون ضميرًا مفعولا لاسم الفعل؛ لأن أسماء الأفعال هذه لا تنصب مفعولا به؛ لأنها تقوم معنى وعملا مقام أفعال لا تنصب مفعولا به. وكذلك لا يصح أن تكون الكاف ضميرًا فى محل جر مضافا إليه؛ لأن أسماء الأفعال مبنية، فلا يكون واحد منها مضافاً2.
3- فى بعض أفعال مسموعة عن العرب يجب الاقتصار عليها؛ مثل: "أَبصرْ" فى: أَبْصِرْك محمدًا، بمعنى: أَبصِرْ محمدًا. ولا يمكن أن تكون الكاف هنا مفعولا به؛ لأن هذا الفعل لا ينصب إلا مفعولا واحدًا؛ وقد نصبه؛ ونَعنى به: "محمدًا" ولأن فعل الأمر لا ينصب ضميرًا للمخاطب الذى يتجه إليه الأمر. ومثل: "ليس" فى لَسْتَك محمدًا مسافرًا.
ومثل: نِعْم وبئس فى: نعمك الرجل محمود، وبِئسك الرجل سليم.....،
__________
1 في باب: "ظن وأخواتها" ص5 م10 مناسبة له، ثم تتمة هامة في ص13 ثم في باب "أعلم وأرى" من ذلك الجزء.
"2 و 2" راجع ما سبق في ص78 وفي رقم5 من هامش ص217.(1/240)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن كلا من الفعلين وذلك "نِعم" "وبئس" لا ينصب مفعولا به 1.
ومثل: حَسِبَ فى قولهم: جئتَ، وما حسبتك أن تجئ؛ لأن الكاف لوأعربت ضميرًا لكانت المفعول الأول "لحسب"، ولكان المفعول الثانى هوالمصدر المؤول "أن تجئ" ويترتب على ذلك أن يكون المصدر المؤول خبرًا عن الكاف، باعتبار أن أصلهما المبتدأ والخبر "لأن مفعولى: حسب؛ أصلهما المبتدأ والخبر" وإذا وقع المصدر المؤول هنا خبرًا عن الكاف ترتب عليه الإخبار بالمعنى عن الجثة؛ وهوممنوع عندهم فى أغلب الحالات2.
4- بعض حروف مسموعة يجب الاقتصار عليها؛ مثل: كَلاًّ، بَلَى، تقول: كَلاَّك، أنت لا تخالف الوعد؟. ويسألك سائل: ألستُ صاحب فضل عليك؟ فتجيب: بَلاَك. أى: بلى لك. "أنا موافق لك فى أنك صاحب فضل".
ب- كيف نعرب الضمير الواقع بعد: "لولا" إذا كان من غير ضمائر الرفع؟ وكيف نعرب الضمير الواقع بعد: "عسى" إذا كان من غير ضمائر الرفع أيضًا؟
أشرنا في رقم2 من ص211 إلى أن "ياء" المتكلم، و"كاف" الخطاب، و"هاء" الغائب، ضمائر مشتركة بين محلي النصب والجر، ولا تكون في محل رفع. فما إعراب كل منها إذا وقع بعد كلمة: "لولا" الامتناعية التى لا يقع بعدها إلا المبتدأ؛ مثل: لولاي ما حضرت - لولاك لسافرتُ - الطائرة سريعة؛ لولاها لتأخرتُ، وفضل الطيران عظيم؛ لولاه لاحتملنا مشتقات عظيمة ... فما إعراب هذا الضمير الواقع بعد: "لولا" فى الأمثلة السابقة وأشباهها؟
نعيد ما سبق3، وهو أن أيسر وأوضح ما يقال في الضمائر الثلاثة أنها - وإن كانت لا تقع فى محل رفع - تصلح بعد "لولا" خاصة أن تقع فى محل رفع، فيعرب كل ضمير منها مبتدأ مبنيًّا على الحركة التى في آخره في محل رفع،
__________
1 سيجيء هذا في بابهما الخاص "ج3 م 110 ص 353".
2 هو ممنوع على سبيل الحقيقة، لا المجاز- وسيجيء البيان في ج2 م 60 ص 12- باب: "ظن وأخواتها".
3 في رقم 3 من هامش ص 222.(1/241)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وخبره محذوف. وهذا الرأي فوق يسره ووضوحه يؤدي إلى النتيجة التي ترمي إليها الآراء الأخرى، من غير تعقيد - وفي مقدمتها رأي: سيبويه الذي يجعل: "لولا" في هذه الأمثلة وأشباهها حرف جر شبيه بالزائد، وما بعدها مجرور بها لفظًا مرفوع محلا؛ لأنه مبتدأ، ونكتفي بالإشارة إلى تعدد الآراء من غير تعرض لتفاصيلها المرهقة المدونة فى المطولات.
وكذلك قلنا فيما مضى: إذا وقع ضمير من تلك الثلاثة بعد "عسى" التى للرجاء، والتى هى من أخوات كان، ترفع الاسم وتنصب الخبر، نحو: عساى أن أدرك المراد، أو: عساني، أو: عساك أن توفق فى عمل الخير. وعساه أن يرشد إلى الصواب ... فخير ما يقال في إعرابها: أن "عسى" حرف رجاء؛ بمعنى: "لعل" تنصب الاسم وترفع الخبر، وليست فعلا من أخوات كان. وهذا أيسر وأوضح من باقى الآراء الأخرى الملتوية1.
حـ- ضمير الفصل:
من أنواع الضمير نوع يسمى: "ضمير الفصل"2. وهو من الضمائر السابقة، ولكن له أحكام خاصة ينفرد بها دون سواه. وإليك أمثلة توضحه.
1- "الشجاع الناطق بالحق يبغى رضا الله". ما المعنى الأساسي الذي نريده من هذا الكلام، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه؟ أهو: الشجاع يبغي رضا الله؟ فتكون جملة: "يبغي رضا الله" ركنًا أساسيًّا في الكلام؛ لأنها خبر، لا يتحقق المعنى الأصلي إلا بوجودها، وانضمامها إلى المبتدأ، كلمة: "الشجاع" وما عداهما فليس أساسيًّا، وإنما هو زيادة تخدم المعنى الأصلي وتكمله "فتعرب الناطق: صفة" ... أم المعنى الأساسى هو: "الشجاع، الناطق الحق"؟ فكأننا نتحدث عن الشجاع ونعرفه بأنه: الناطق بالحق؛ فتكون كلمة: "
__________
1 انظر ما يتصل بهذا في "د" من ص 626 وفي رقم 2 من هامش ص 628. وما بعده
2 أو: ضمير العماد، أو: الدعامة ... كما سيجيء البيان في ص 242.(1/242)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الناطق"، هي الأساسية والضرورية التي يتوقف عليها المعنى المطلوب، لأنها خبر لا يستقيم المعنى الأصلي ولا يتمّ بدونه، وما جاء بعدها فهو زيادة تكميلية؛ تخدم المعنى الأصلي من غير أن يتوقف وجوده عليها، ومن الممكن الاستغناء عنها.
الأمران جائزان، على الرغم من الفارق المعنوي بينهما. ولا سبيل لتفضيل أحدهما على الآخر؛ لعدم وجود قرينة توجه لهذا دون ذاك.
لكن إذا قلنا: الشجاع -هو- الناطق بالحق، يبغي رضا الله. فإن الأمر يتغير؛ بسبب وجود الضمير: "هو": فيتعين المعنى الثاني وحده، ويمتنع الأول، ويزول الاحتمال الذى كان قائمًا قبل مجيء الضمير.
2- "إن الزعيم الذي ترفعه أعماله تمجده أمته". ما المعنى الأساسي في هذا الكلام؟ أهو تعريف الزعيم بأنه: "الذى ترفعه أعماله"؟ فيكون هذا التعريف ركنا أصيلا في الكلام، لا يمكن الاستغناء عنه بحال، وما بعده متمم له، وزيادة طارئة عليه، يمكن الاستغناء عنها، وتعرب "الذى" اسم موصول خبر "إن" ... أم هو القول بأن: "الزعيم تمجده أمته"؟ فتكون هذه الجملة الفعلية هي عصب الكلام، لا يقوم المعنى إلا بها، "لأنها خبر" ولا يتحقق المراد إلا بوجودها مع كلمة الزعيم، وما عداها فزيادة طارئة لا أصيلة "وتعرب كلمة: "الذى" اسم موصول، صفة"؟
الأمران متساويان؛ يصح الأخذ بأحدهما أو بالآخر بغير ترجيح. لكن إذا قلنا: "إن الزعيم -هو- الذى ترفعه أعماله" امتنع الاحتمال الثاني، وتعين المعنى الأول بسبب وجود الضمير الدال على أن ما بعده هو الجزء الأساسي المتمم للكلام، وأن الغرض الأهم هو الإخبار عن الزعيم بأنه: ترفعه أعماله. وما عدا ذلك فزيادة فرعية غير أصيلة في تأدية المراد. "فتكون كلمة: "الذي" هي الخبر وليست صفة".
3- "ليس المحسن المنافق بإحسانه، يَخْفَى أمره على الناس". فما المعنى الأصيل في هذا الكلام؟ أهو القول بأن المحسن لا يَخفَى أمره على الناس فيكون نفي "الخفاء" هو الغرض الأساسي، وما عداه زيادة عرضية "وتعرب كلمة: "المنافق" صفة"؟
أم القول بأنه: "ليس المحسن، المنافق بإحسانه"؟ فمن كان منافقًا بإحسانه فلن يسمى: محسنًا. فقد نفينا صفة الإحسان عن المنافقين، فتكون كلمة "المنافق"(1/243)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جزءًا أصيلا في تأدية المعنى؛ "لأنها خبر ليس" وما عداها تكملة طارئة.
الأمران جائزان، إلا إذا قلنا ليس المحسن -هو- المنافق؛ فيتعين المعنى الثاني وحده لوجود الضمير؛ "هو"، القاطع في أن ما بعده هو الأصيل وهو الأساسي؛ لأنه خبر.
4- يقول النحاة في تعريف الكلام: "الكلام اللفظ المركب المفيد ... " أتكون كلمة: "اللفظ" أساسية فى المعنى المراد؛ لأنها خبر، أم غير أساسية؛ لأنها بدل من الكلام، وما بعدها هو الأساسي؟ الأمران متساويان. فإذا أتينا بكلمة -هو- تعين أن تكون كلمة "اللفظ" خبرًا لا بدلا1.
فالضمير -هو- وأشباهه يسمى: "ضمير الفصل"؛ لأنه يفصل في الأمر حين الشك؛ فيرفع الإبهام، ويزيل اللبس؛ بسبب دلالته على أن الاسم بعده خبر لما قبله؛ من مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وليس صفة، ولا بدلا، ولا غيرهما من التوابع والمكملات التي ليست أصيلة في المعنى الأساسي، كما يدل على أن الاسم السابق مستغن عنها، لا عن الخبر. وفوق ذلك كله يفيد في الكلام معنى الحصر والتخصيص "أي: القصر المعروف في البلاغة".
تلك هي مهمة ضمير الفصل؛ لكنه قد يقع أحيانًا بين مالا يحتمل شكًّا ولا لَبسًا؛ فيكون الغرض منه مجرد تقوية الاسم السابق، وتأكيد معناه بالحصر. والغالب أن يكون ذلك الاسم السابق ضميرًا؛ كقوله تعالى: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} . وقوله: {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم} ، وقوله: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} ففى المثال الأول قد توسط ضمير الفصل "نحن" بين كلمتي "نا" و"الوارثين"، مع أن كلمة: "الوارثين" خبر كان منصوبة بالياء ولا يصح أن تكون صفة2، إذ لا يوجد موصوف غير "نا" التي هي ضمير، والضمير لا يوصف. وفي المثال الثاني توسط ضمير الفصل "أنت" بين "التا" و"الرقيب"، مع أن كلمة: "الرقيب" منصوبة؛ لأنها خبر "كان" ولا تصح أن تكون صفة للتاء2، لأن الضمير لا يوصف
__________
1 ومثل هذا -تمامًا- يصح في قوله تعالى في سورة الأنفال: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} بنصب كلمة: "الحق" في القراءة المعروفة المعتادة اليوم.
"2 و 2" ولا تابعًا آخر، لأنها منصوبة، والمتبوع هنا "وهو: نا" في محل رفع.(1/244)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كما قلنا، وكذلك الشأن في المثال الثالث الذي توسط فيه ضمير الفصل "أنا" بين "الياء"1 وكلمة: "أقل" التي هي المفعول الثاني للفعل: "ترى" ولا يصح أن تكون صفة للياء؛ لأن الضمير لا يوصف. و. و. وهكذا وقع ضمير الفصل قبل مالا يصلح صفة، بل قبل ما لا يصلح صفة، ولا تابعًا من التوابع أو المكملات.
وإذا كان البصريون يسمونه: "ضمير الفصل" فالكوفيون يسمونه بأسماء أخرى تتردد أحيانًا في كتب النحو: فبعضهم يسميه: "عمادًا"؛ لأنه يعتمد عليه في الاهتداء إلى الفائدة، وبيان أن الثاني خبر لا تابع. وبعضهم يسميه: "دعامة"؛ لأنه يَدْعَم الأول، أي: يؤكده، ويقويه؛ بتوضيح المراد منه، وتخصيصه وتحقيق أمره بتعيين الخبر له، وإبعاد الصفة، وباقي التوابع وغيرها؛ إذ تعيين الخبر يوضح المبتدأ ويبين أمره؛ لأن الخبر هو المبتدأ في المعنى.
شروط ضمير الفصل:
يشترط فيه ستة شروط: "اثنان فيه مباشرة. واثنان في الاسم الذي قبله، واثنان في الاسم الذى بعده" فيشترط فيه مباشرة:
1- أن يكون أحد ضمائر الرفع المنفصلة.
2- أن يكون مطابقًا للاسم السابق في المعنى، وفي التكلم، والخطاب، والغَيبة، وفي الإفراد، والتثنية والجمع،. وفي التذكير، والتأنيث، كالأمثلة السابقة. ومثل: "العلم هو الكفيل بالرقي، يصعد بالفرد إلى أسمى الدرجات. والأخلاق هي الحارسة من الزلل، تصون المرء من الخطل"، "النَّيران هما المضيئان فوق كوكبنا، يَسْبَحان في الفضاء"، "العلماء هم الأبطال يحتملون في سبيل العلم ما لا يحتمله سواهم"، "الأمهات هن البانيات مجد الوطن يُقِمْنَ الأساس ويرفعن البناء" ... وهكذا. فلا يجوز: كان محمود أنت الكريم، ولا ظننت محمودًا أنت الكريم: لأن الضمير "أنت" ليس بمعناه معنى الاسم السابق "محمود"، ولا يدل عليه؛ فلا يكون فيه التأكيد المقصود من ضمير
__________
1 هي محذوفة. والأصل: إن ترني ...(1/245)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل، ولا يحقق الغرض. وكذلك لا يجوز كان المحمودان أنت الكريمان. ولا إن هندًا هو المؤدبة، وأمثال هذا مما لا مطابقة فيه ...
ويشترط فى الاسم الذى قبله:
1- أن يكون معرفة.
2- وأن يكون مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ؛ كاسم "كان" وأخواتها؛ واسم "إن" وأخواتها، ومعمول "ظننت" وأخواتها. كالأمثلة السابقة، ومثل: "الوالد هو العامل على خير أسرته يراقبها، والأم هي الساهرة على رعاية أفرادها لا تغفُل"، "كان الله هو المنتقم من الطغاة لا يهملهم"، "إن الصناعة هي العماد الأقوى في العصر الحديث تنمو عندنا"، "وما تفعلوا من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا".
وسبب اشتراط هذا الشرط أن اللبس يكثر بين الخبر والصفة؛ لتشابههما في المعنى؛ إذ الخبر صفة في المعنى، بالرغم من اختلاف كل منهما في وظيفته وإعرابه، وأن الخبر أساسي في الجملة دون الصفة. فالإتيان بضمير الفصل يزيل اللبس الواقع على الكلمة، ويجعلها خبرًا، وليست صفة؛ لأن الصفة والموصوف لا يفصل بينهما فاصل إلا نادرًا. نعم قد يقع اللبس بين الخبر وبعض التوابع الأخرى غير الصفة، ولكنه قليل، أما مع الصفة فكثير.
ويشترط في الاسم الذى بعده:
1- أن يكون خبرًا لمبتدأ، أو لما أصله مبتدأ -كالأمثلة السالفة.
2- أن يكون معرفة، أو ما يقاربها1 في التعريف "وهو: أفعل التفضيل المجرد من أل والإضافة، وبعده: مِنْ" فلا بد أن يتوسط بين معرفتين، أو بين معرفة وما يقاربها. ومن أمثلة ذلك غير ما تقدم.
1- العالِمُِ هو العامل بعلمه؛ ينفع نفسه وغيره.
2- إن الثروة هي المكتسبة بأشرف الوسائل؛ لا تَعرِف دنسًا، ولا تَقْرُب خِسة.
3- ما زالت الكرامة هي الواقية من الضعة، تدفع صاحبها إلى المحامد، وتجنبه مواقف الذل.
__________
1 في الصفحة الآتية إيضاح هذا، وسببه.(1/246)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومن أمثلة توسطه بين معرفة وما يقاربها:
1- النبيل هوأسرع من غيره لداعى المروءة، يُلبى من ينادي.
2- الشمس هى أكبر من باقى مجموعتها؛ لا تغيب.
3- الموت في الحرب أكرم من الاستسلام، والاستسلام هو أقبح من الهزيمة، لا يُمحَى عاره.
فلا يصح كان رجل هو سباقًا؛ لعدم وجوده المعرفتين معًا. ولا كان رجل هو السباق؛ لعدم وجود المعرفة السابقة؛ ولا كان محمد هو سباقًا؛ لعدم وجود المعرفة الثانية، أو ما يقاربها.
أما اشتراط أن يكون ما بعده معرفة فلأن لفظ ضمير الفصل لفظ المعرفة، وفيه تأكيد؛ فوجب أن يكون المدلول السابق الذى يؤكده هذا الضمير معرفة، كما أن التأكيد كذلك، ووجب أن يكون ما بعده معرفة أيضًا؛ لأنه لا يقع بعده -غالبًا- إلا ما يصح وقوعه نعتًا للاسم السابق. ونعت المعرفة لا يكون إلا معرفة. ولكل ما سبق وجب أن يكون بين معرفتين.
أما ما قارب المعرفة، وهو أفعل التفضيل المشار إليه، فإنه يشابه المعرفة في أنه مع "مِنْ" لا يجوز إضافته، ولا يجوز دخول "أل" عليه؛ فأشبه العلم من نحو: محمد، وصالح، وهند، فى أنه -في الغالب- لا يضاف، ولا تدخل عليه أل. هذا إلى أن وجود "مِنْ" بعده يفيده تخصيصًا، ويكسبه شيئًا من التعيين والتحديد يقربه من المعرفة1.
إعراب ضمير الفصل:
أنسب الآراء وأيسرها هو الرأي الذي يتضمن الأمرين التاليين:
1- أنه في الحقيقة ليس ضميرًا "بالرغم من دلالته على التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة"؛ وإنما هو حرف خالص الحرفية؛ لا يعمل شيئًا؛ فهو مثل "كاف" الخطاب في أسماء الإشارة، وفي بعض كلمات أخرى؛ نحو: ذلك، وتلك، والنجاءك "وقد سبقت الإشارة إليها في هذا الباب"2 فمن الأنسب أيضًا تسميته: "
__________
1 هكذا قالوا، ولا داعي لشيء من التعليل؛ لأن السبب الحقيقي هو استعمال العرب ليس غير، ومجيء كلامهم مشتملا على ضمير الفصل بين المعرفتين، أو بين المعرفة وما شابهها.
2 في رقم5 من هامش ص217، وفي ص238 وما يليها.(1/247)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حرف الفصل"، ولا يحسن تسميته "ضمير الفصل" إلا مجازًا: بمراعاة شكله، وصورته الحالية، وأصله قبل أن يكون لمجرد الفصل.
2- أن الاسم الذى بعده يعرب على حسب حاجة الجملة قبله، من غير نظر ولا اعتبار لحرف الفصل الموجود؛ فيجرى الإعراب على ما قبل حرف الفضل وما بعده من غير التفات إليه؛ فكأنه غير موجود؛ لأنه حرف مهمل لا يعمل، والحرف لا يكون مبتدأ ولا خبرًا، ولا غيرهما من أحوال الأسماء. وإذا كان غير عامل لم يؤثر في غيره. تأثيرا إعرابيا، على الرغم من فائدته التي اقتضت وجوده.
لكن هناك حالة واحدة يكون فيها اسمًا، ويجب إعرابه وتسميته فيها: ضمير الفصل؛ وهى نحو: "كان السَّباقُ هو عليّ"1 "برفع كلمة: السبَّاق، وكلمة: عليّ".
لا مفر من اعتبار: "هو" ضميرًا مبتدأ مبنيًّا على الفتح في محل رفع وخبره كلمة: "عَليٌّ" المرفوعة، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر: "كان". وبغير هذا الاعتبار لا نجد خبرًا منصوبًا لكان. ومثل هذا يقال في كل جملة أخرى لا يمكن أن يتصل فيها الاسم الثاني بالأول بصلة إعرابية إلا من طريق اعتبار الفاصل بينهما ضميرًا مبتدأ على نحو ما تقدم أو غيره.
وإن اتباع ذلك الرأي الأنسب والأيسر لا يمنع من اتباع غيره. لكنه يريحنا من تقسيم مرهق، وتفصيل عنيف يردده أصحاب الآراء، والجدل، متمسكين بأنه ضمير، وأنه اسم إلا في حالات قليلة، من غير أن يكون لآرائهم مزية تنفرد بها دون سواها، وسنعرض بعض تفريعاتهم ليأخذ بها من يشاء، ولنستعين بها على فهم الأوجه الإعرابية الواردة في صور قديمة مأثورة مشتملة على ذلك الضمير.
إنهم يقولون إن ضمير الفصل اسم؛ فلا بد له -كباقى الأسماء- من محل إعرابي، إلا إذا تعذر الأمر؛ فيكون اسمًا لا محل له من الإعراب كالحرف، أو هو حرف. ويرتبون على هذا الأصل فروعًا كثيرة معقدة، ويزيدها تعقيدًا كثرة
__________
1 وهذا من الأمثلة التي تخلي فيها الضمير عن مهمة الفصل وتجرد لتقوية الاسم السابق، وتأكيد المعنى، طبقًا لما سبق في ص244.(1/248)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الخلاف فيها، وإليك بعض هذه التفريعات. "ونحن فى غنى عن أوضحها وغير الأوضح بما اقترحناه من التيسير المفيد":
1- "العقل هو الحارس": إذا كان الاسم الواقع بعد ضمير الفصل مرفوعًا جاز في الضمير أن يكون مبتدأ خبره الاسم المتأخر عنه: "الحارس" والجملة منهما معًا خبر المبتدأ الأول "العقل".
ويجوز عندهم إعراب آخر: أن يكون ضمير الفصل اسمًا لا محل له من الإعراب -أوحرفًا- فكأنه غير موجود في الكلام، فيعرب ما بعده على حسب حاجة الجملة من غير اعتبار لوجود ذلك الضمير؛ فتكون كلمة: "حارس" هنا مرفوعة خبر المبتدأ. وهم يفضلون الإعراب الأول؛ لكيلا يقع الضمير مهملًا لا محل له من الإعراب من غير ضرورة.
ومثل ذلك يقال مع إن وأخواتها؛ مثل: إن محمدًا هو الحارس؛ لأن الاسم الذي بعد الضمير مرفوع.
2- "كان محمد هو الحارسَ" "ظننت محمدًا هو الحارسَ".
إذا وقع ضمير الفصل بعد اسم ظاهر مرفوع، وبعده اسم منصوب -لم يجز في الضمير عندهم إلا اعتباره اسمًا مهملًا، لا محل له من الإعراب، كالحرف، أو هو حرف وما بعده خبر كان أو مفعول ثان للفعل: "ظننت" أو أخواتهما. أما إذا كانت كلمة: "الحارس" وأشباههما مرفوعة "لأنه يجوز فيها الرفع" فالضمير عندئذ مبتدأ، وما بعده خبر له، والجملة منهما في محل نصب خبر: "كان"، أو مفعولا ثانيًا للفعل: "ظننت"، أو لأخواتهما1.
3- "كنت أنت المخلصَ". إذا توسط ضمير الفصل بين اسمين، السابق منهما ضمير متصل مرفوع، والمتأخر اسم منصوب -جاز في ضمير الفصل أن يكون اسمًا لا محل له من الإعراب، كالحرف أو هو حرف، وما بعده يعرب على حسب حاجة ما قبله، فهو هنا منصوب خبر كان. وجاز في ضمير الفصل أن
__________
1 يقول سيبويه إن كثيرًا من العرب يجعلون "هو" وأخواته في هذا الباب اسمًا مبتدأ، وما بعده مبنيًّا على "أي: خبره" وحكى عن "رؤبة" أنه كان يقول: أظن زيدًا هو خير منك. وحكى أنه كثيرًا من العرب كانوا يقولون، وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمون، "راجع كتاب سيبويه، ج1 ص 395".(1/249)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يكون توكيدًا لفظيًّا للتاء "لأن الضمير المنفصل المرفوع يؤكد كل ضمير متصل كما سبق" وتكون كلمة: "المخلص" خبرًا لكان منصوبًا.
4- إذا كانت كلمة "المخلص" فى المثال السابق مرفوعة وليست منصوبة وجب فى ضمير الفصل أن يكون مبتدأ خبره كلمة: "المخلص"، والجملة منهما فى محل نصب خبر "كان". ومثل هذا يقال فى كل ما يشبه الفروع السابقة.
وهناك فروع وأحوال أخرى متعددة، نكتفي بالإشارة إليها، إذ لا فائدة من حصرها هنا بعد أن اخترنا رأيًّا سهلًا يريحنا من عنائها. فمن شاء أن يطلع عليها فليرجع إليها في المطولات1.
د- ضمير الشأن، أو: ضمير القصة، أو ضمير الأمر، أو ضمير الحديث ... أو ضمير2 المجهول ...
من الضمائر نوع آخر له اسم من الأسماء السالفة، وأحكام محدودة؛ والاسم الأول أشهر فالذى يليه. وبيانه:
كان العرب الفصحاء -ومن يحاكيهم اليوم- إذا أرادوا أن يذكروا جملة اسمية، أو فعلية، تشتمل على معنى هام، أو غرض فخم؛ يستحق توجيه الأسماع والنفوس إليه -لم يذكروها مباشرة، خالية مما يدل على تلك الأهمية والمكانة؛ وإنما يقدمون لها بضمير يسبقها؛ ليكون الضمير- بما فيه من إبهام3 وتركيز، وبخاصة إذا لم يسبقه مرجعه، مُشيرًا للشوق، والتطلع إلى ما يزيل إبهامه، باعثًا للرغبة فيما يبسط تركيزه؛ فتجيء الجملة بعده؛ والنفس متشوقة لها، مقبلة عليها، في حرص ورغبة. فتقديم الضمير ليس إلا تمهيدًا لهذه الجملة الهامة. لكنه يتضمن معناها تمامًا، ومدلوله هو مدلولها؛ فهو بمثابة رمز لها، ولمحة أو إشارة مُوَجّهة إليها.
__________
1 كشرح المفصل ج5 ص109، وكالهمع ص68، مبحث: "ضمير الفصل"، وكالمغني: ج2 ص96 مبحث: "شرح حال الضمير المسمى: فصلًا وعمادًا"....
2 في ص252 بيان السبب في كل تسمية. وفي رقم4 من هامش ص259 بيان المراد من "المجهول".
3 معنى الإبهام موضح في رقم3 من هامش ص255.(1/250)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومن أمثلة ذلك:
1- أن يتحدث فريق من الأصدقاء عن غني افتقر، فيقول أحدهم: وارحمتاه!! لم يبق من ماله شيء؛ فيقول الثاني: حسبه أن أنفقه في سبيل الخير. ويقول الثالث: من كان يظن أن هذه القناطير تَنْفَد من غير أن يدخر منها شيئًا يصونه من ذل الفاقة، وجحيم البؤس؟ فيقول الرابع متأوهًا: يا رفاقي، "هو: الزمان غدار، وهي: الأيام خائنة".
فالغرض الذي يرمى إليه الرابع من كلامه: بيان غدر الزمان، وخيانة الأيام. أو: تقلب الزمان. وهو غرض هام؛ لما يتضمن من عبرة وموعظة والتماس عذر للصديق. وقد أراد أن يدل على أهميته، ويوجه النفس إليها؛ فمهد له بالضمير؛ "هو" و"هي" من غير أن يسبقه شيء يصلح مرجعاً؛ فيثير الضمير بإيهامه هذا، وغموضه، شوق النفس، وتطلعها إلى ما يجيء بعده. وتتجه بشغف إلى ما سيذكر. ولن يزيل غموض الضمير ويوضح المراد منه إلا الجملة التي بعده؛ فهي التي تفسره؛ وتجليه. فهو رمز لها؛ أو كناية عنها، وهي المفسرة للرمز، المبينة لمدلول الكناية.
والرمز ومفسره، والكناية ومدلولها -من حيث المعنى شيء واحد "ولذلك يعرب الضمير هنا مبتدأ، وتعرب الجملة خبرًا عنه من غير رابط؛ لاتحادهما في المعنى". ومثل ما سبق نقول في بيت الشاعر:
هو: الدّهرُ ميلادٌ، فشُغْلٌ، فمأتمٌ ... فذِكْرٌ كما أبقَى الصَّدَى ذاهبَ الصوْتِ
2- أن تسير في حديقة، فاتنة، بهيجة؛ فتستهويك؛ فتقول: "إنه -الزهر ساحر" "إنها- الرياحين رائعة"، أو: "إنه -يسحرني الزهر" "إنها- تروعني الرياحين". فقد كان في نفسك معنى هام، وخاطر جليل -هو: "سحر الزهر"، أو: "روعة الرياحين". فأردت التعبير عنه بجملة اسمية أو فعلية، ولكنك لم تذكر الجملة إلا بعد أن قامت لها بالضمير "إنه ... إنها ... " لما في الضمير -ولا سيما الذي لم يسبقه مرجعه- من إبهام وإيحاء مُركزين؛ يثيران في النفس شوقًا وتطلعًا إلى استيضاح المبهم، وتفصيل المَركَّز. وهذا عمل الجملة بعده، فإنها تزيل إبهامه، وتفسر إيحاءه، وتبسُط تركيزه: فتقبل عليها النفس، متشوقة، متفتحة.(1/251)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3- يشتد البرد في إحدى الليالي، وتعصف الريح؛ فيقول أحد الناس: هذا برد قارس، لم أشهده قبل اليوم في بلادنا، فيقول آخر: لقد شهدت مثله كثيرًا، ولكن عصف الريح لم أشهده. ويجادلهما ثالث، فيقول: "هو: نظام الكون ثابت" و"إنه؛ الجو خاضع لقوانين الطبيعة" و"إنها؛ الطبيعة ثابتة القوانين" فالضمير "هو ... والهاء ... وها" رمز وإيحاء إلى الجملة الهامة التالية التي هي المدلول الذى يرمي إليه، والغرض الذي يتضمنه. فكلاهما في المعنى سواء.
فكل ضمير من الضمائر التى مرت في الأمثلة السابقة -ونظائرها- يسمى: "ضمير الشأن" عند البصريين؛ ويسميه الكوفيون: "الضمير المجهول": لأنه لم يتقدمه مرجع يعود إليه. وهو: "ضمير يكون في صدر جملة بعده تفسره دلالته، وتوضح المراد منه، ومعناها معناه".
وإنما سمي ضمير الشأن لأنه يرمز للشأن، أي: للحال المراد الكلام عنها، والتي سيدور الحديث فيها بعده مباشرة. وهذه التسمية أشهر تسمياته، كما يسمى: "ضمير القصة"، لأنه يشير إلى القصة "أي: المسألة التي سيتناولها الكلام. " ويسمى أيضًا: ضمير الأمر، وضمير الحديث؛ لأنه يرمز إلى الأمر الهام الذى يجيء بعده، والذى هو موضوع الكلام والحديث المتأخر عنه.
ولهذا الضمير أحكام، أهمها ستة، وهي احكام يخالف بها القواعد والأصول العامة؛ ولذلك لا يلجأ إليه النحاة إذا أمكن اعتباره في سياق جملته نوعًا آخر من الضمير1.
أولها: أنه لا بد أن يكون مبتدأ، أو أصله مبتدأ، ثم دخل عليه ناسخ، كالأمثلة السابقة. ومثل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،} ، فقد وقع في الآية مبتدأ.
__________
1 راجع المغنى ج2 في المواضع التي يعود فيها الضمير على متأخر. وشرح المفصل ج2 ص114 وكذلك حاشية الصبان في باب: "كان" عند الكلام على قول ابن مالك.
ومضمر الشان اسما انو إن وقع ... موهم ما استبان أنه امتنع(1/252)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو مثل قول الشاعر:
وما هو من يَأسو الكُلُوم1 ويُتَّقَي ... به نائباتُ الدهر، كالدائم البُخْل
فقد وقع اسمًا لـ"ما" الحجازية. ومثل قول الشاعر:
عَلمْتُه "الحقُّ لا يخفى على أحد" ... فكُنْ مُحِقًّا تَنَلْ مَا شِئْتَ مِن ظَفَرِ
ثانيا: أن يكون صيغته للمفرد؛ فلا يكون للمثنى، ولا للجمع مطلقًا. والكثير فيه أن يكون للمفرد المذكر، مرادًا به الشأن، أو: الحال، أو: الأمر. ويجوز أن يكون بلفظ المفردة المؤنثة عند إرادة القصة، أو: المسألة؛ وخاصة إذا كان فى الجملة بعده مؤنث عمدة2؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ 3 أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، وكقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} . ومثل: "هي؛ الأعمال بالنيات" و"هي؛ الأم مدرسة".
ثالثها: أنه لا بد له من جملة تفسره، وتوضح مدلوله، وتكون خبرًا له -الآن أو بحسب أصله4- مع التصريح بجزأيها؛ فلا يصح تفسيره بمفرد، وبخلاف غيره من الضمائر، ولا يصح حذف أحد طرفي الجملة، أو تقديره.
رابعها: أن تكون الجملة المفسّرة له متأخرة عنه وجوبًا ومرجعه يعود على مضمونها5 فلا يجوز تقديمها كلها، ولا شيء منها عليه؛ لأن المفسِّر لا يجيء قبل المفسَّر "أي: أن المفسِّر لا يجيء قبل الشيء الذى يحتاج إلى التفسير".
خامسها: أنه لا يكون له تابع؛ من عطف، أو توكيد، أو بدل، أما النعت
__________
1 الكلوم: الجروح. المفرد: كلم.
2 وقد اشترط -بحق- أكثر البصريين هذا الشرط لتأنيثه، والعمدة -كما عرفنا: جزء أساسي في الجملة لا يمكن الاستغناء عنه، كالمبتدأ، وكالخبر، أو: ما أصله المبتدأ أو الخبر. وكالفاعل ونائبه.
3 متجهة في الفضاء ممتدة، لا تتحرك ولا تتغير.
4 كأن يسبقها ناسخ. ومن هذه النواسخ. "أن" المخففة من الثقيلة، و "كأن" المخففة كذلك- كما سيجيء في ص 673 و 681 - في باب "إن".
5 من هنا نعلم أن: "ضمير الشأن" لا يكون له مرجع متقدم يوضحه، وإنما مرجعه يجيء بعده وهو مضمون الجملة التي تليه، فهي التي توضحه وتفسره. فلو كان الذي يفسره مفردا لم يكن ضمير الشأن. ففي مثل عرفته عليا، أو: ربه طالبا- لا يكون الضمير هنا للشأن، وإنما هو ضمير يعود على متأخر. وعودة ضمير الشأن على متأخر إحدى المسائل التي يصح فيها إرجاع الضمير على متأخر لفظا ورتبة. وسيجيء بيانها، في "و" ص 258 ومنها: "ضمير الشأن" في ص 261.(1/253)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فهو فيه كغيره من أنواع الضمير؛ لا يكون لها نعت، ولا تكون نعتًا لغيرها.
سادسها: أنه إذا كان منصوبًا -بسبب وقوعه مفعولا به لفعل ناسخ ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر- وجب إبرازه واتصاله بعامله؛ مثل: ظننته؛ "الصديقُ نافعٌ" -حسبته "قام أخوك"، فالهاء ضمير الشأن، في موضع نصب؛ لأنها المفعول الأول لظننت. والجملة بعدها في محل نصب، هي المفعول الثاني له.
أما إذا كان مرفوعًا متصلًا فإنه يستتر في الفعل، ويَسْتكِنّ فيه؛ مثل: ليس خَلَقَ الله مثله. ففي "ليس" ضمير مستتر حتمًا؛ لأنَ "ليس" و"خلق" فعلان من نوع واحد، لأنهما ماضيان. وقوع الفعل معمولًا تاليا مباشرة1 لعامله الفعل الذي من نوعه، قليل جدًّا في فصيح الكلام ... فلا بد من اسم يرتفع بالفعل ليس2 فلذلك كان اسمها ضميرًا مستترا فيها3. ومثله قولهم: كان علي عادل. وكان أنت خير من محمد، ففي "كان" في الحالتين ضمير مستتر تقديره: "هو"، أي: الحال والشأن ويعرب اسما لها، والجملة بعدها خبر، ومفسرة له. وهكذا غير من المأثور، أو مما يجاريه، ... ومنه قول الشاعر:
إذا مِتُّ كان الناسُ صنفان؛ شامتٌ ... وآخرُ مُثنٍ4 بالذى كنتُ أصنعُ
ومثله:
هى الشفاءُ لدائى لوظفرتُ بها ... وليس منها "شفاءُ الداء مبذولُ"
ففي "كان" و"ليس" ضمير الشأن، تقديره: "هو"، يفسره
__________
1 أي: بغير فاصل بينهما.
2 إلا على اعتبارها حرف نفي لا يعمل، وهو هنا حسن. ولهذا الأسلوب صلة بما يجيء عن الأخبار في ص 497 ومزيد إيضاح هام يجيء في باب: "كان" حيث الكلام على الفعل: "ليس" - ص 559.
3 ومن هذا ما مثل به "المبرد" من قولهم: "ليس لقدم العهد يفضل القائل، ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب. ولكن يعطي كل ما يستحقه" "والمراد بقدم العهد: كبر السن. ومعنى يهتضم: يظلم".
4 مادح.(1/254)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الواقعة بعده خبرًا للناسخ، وهي: "الناس صنفان" و "شفاء الداء مبذول"1.
ومما يجب التنبه له أن الأساليب السالفة -ونظائرها- لا تكون صحيحة معدودة من الأساليب المشتملة على ضمير الشأن إلا إذا كانت صادرة من خبير بأصول اللغة، مدرك للفروق بين التراكيب، ولأثرها في المعاني المختلفة، وأنه صاغ هذا الأسلوب المشتمل على ضمير الشأن صياغة مقصودة لتحقيق الغرض المعنوي الذي يؤديه.
ولولا هذا لصارت اللغة عبثًا في تراكيبها، ينتهي إلى فساد في معانيها. ولا شك أن حسن استخدام هذا الضمير، وتمييزه من غيره لا يخلو من عسر كبير.
هـ- مرجع الضمير2:
الضمائر كلها لا تخلو من إبهام3 وغموض -كما عرفنا4- سواء أكانت للمتكلم، أم للمخاطب، أم للغائب؛ فلا بد لها من شيء يزيل إبهامها، ويفسر غموضها. فأما ضمير المتكلم والمخاطب فيفسرهما وجود صاحبهما وقت الكلام؛ فهوحاضر يتكلم بنفسه، أوحاضر يكلمه غيره مباشرة. وأما ضمير الغائب فصاحبه غير معروف؛ لأنه غير حاضر ولا مشاهد؛ فلا بد لهذا الضمير من شيء يفسره، ويوضح المراد منه. والأصل في هذا الشيء المفسِّر الموضِّح أن يكون
__________
1 رفع كلمة: "صنفان" وكلمة: "مبذول" وعدم نصبهما -في كلام العربي الفصيح، ومن يحاكيه- دليل على أنهما خبرًا المبتدأ، والجملة في محل نصب خبر كان، واسمها ضمير الشأن، المستتر في الناسخ.
2 قد يكون المرجع متعددًا -كما سيجيء في ص 261.
3 المراد بالإبهام هنا: معناه اللغوي، وهو: الخفاء والغموض، فإن من يسمع: "نحن" -مثلا- لا يدري المدلول كاملًا، أهو: نحن العرب، أم نحن الأدباء، أم نحن الزراع.... وبسبب هذه الشائبة من الغموض، ولا سيما إذا كان الضمير للغائب، ولم يوجد ما يوضحه، وجب الاختصاص -أو غيره- لإزالتها، وللاختصاص باب مستقل يجيء في ج4.
أما النحاة فيطلقون "الإبهام" على نوعين من الأسماء دون غيرهما، هما: أسماء الإشارة، وأسماء الموصول وله معنى خاص فيهما. وهم يفرقون بين الضمير والمبهم، على الوجه الذي سنبينه في "ج" من ص338 ورقم 3 من هامش ص340.
4 في "د" من ص250.(1/255)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- فى غير ضمير الشأن1 -متقدمًا على الضمير، ومذكورًا قبله2 ليبين معناه أولًا، ويكشف المقصود منه، ثم يجيء بعده الضمير مطابقًا3 له.
- فيما يحتاج إلى مطابقة؛ كالتأنيث والإفراد وفروعهما.. -فيكون خاليًا من الإبهام والغموض. ويسمى ذلك المفسر الموضّح: "مَرْجع الضمير".
فالأصل فى مرجع الضمير أن يكون سابقًا على الضمير وجوبًا. وقد يُهْمل هذا الأصل لحكمة بلاغية ستجيء4. ولهذا التقدم صورتان.
__________
1 أما ضمير الشأن فمرجعه إلى مضمون الجملة المفسرة له، المتأخرة عنه -طبقا لما سلف في ص253، ولما يجيء في رقم6 من ص261.
2 الغالب أن يكون المتقدم المذكور هو -في مكانه- أقرب شيء للضمير يصلح مرجعًا، ولذا يقولون إن الضمير يعود على أقرب مذكور، إلا إن كان قبله متضايفان، والمضاف ليس كلمة "كل" ولا "جميع" فالأكثر رجوعه إلى المضاف دون المضاف إليه "راجع الصبان جـ1، باب المعرب والمبني، عند الكلام على: "كلا وكلتا".
فإن كان المضاف هو كلمة: "كل" أو "جميع" فالغالب عودته على المضاف إليه، "كما نص عليه الصبان عقب الموضع السالف- وسيجيء في: "ز" من ص 261- وله أمثلة أخرى في رقم 2 من هامش ص 464".
ويشترط لعودته على أقرب مذكور ألا تقوم قرينة تدل على أن المرجع هو لغير الأقرب، فإن وجدت وجب النزول على ما تقتضيه، كالشأن معها في كل الحالات، إذ عليها وحدها المعول، ولها الأفضلية، ففي مثل: عاونت فتاة من أسرة تاريخها مجيد، يعود الضمير على: "أسرة"، لأنها أقرب مرجع للضمير، ولا يصح بمقتضى الأصل السالف عودته إلى: "فتاة" بخلاف: عاونت فتاة من أسرة مجاهدة، فقدت عائلها وهي طفلة، فالضمائر عائدة على: فتاة. مراعاة لما يقتضيه المعنى.
ومثل: اعتنيت بغلاف كتاب تخيرته. فالضمير عائد على المضاف، مراعاة للأكثر، بخلاف: تخيرت غلاف كتاب صفحاته كثيرة، لقيام القرينة الدالة على عودته إلى: "فتاة" بخلاف: عاونت فتاة من أسرة مجاهدة، فقدت عائلها وهي طفلة، فالضمائر عائدة على: فتاة. مراعاة لما يقتضيه المعنى.
ومثل: اعتنيت بغلاف كتاب تخيرته. فالضمير عائد على المضاف، مراعاة للأكثر، بخلاف: تخيرت غلاف كتاب صفحاته كثيرة، لقيام القرينة الدالة على عودته للمضاف إليه ... "وستجيء إشارة الحكم السالف في مناسبة أخرى من ص261 عند الكلام على تعدد المراجع.
وإذا حذف المضاف الذي يصح حذفه، جاز، وهو الأكثر -عدم الالتفات إليه عند عودة الضمائر ونحوها مما يقتضي المطابقة، فكأنه لم يوجد، ويجري الكلام على هذا الاعتبار، وجاز مراعاته كأنه موجودة، مع أنه محذوف، وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ، والأصل: وكم من أهل قرية، فرجع الضمير: "ها" مؤنثا إلى "القرية"، ورجع الضمير: "هم مذكرًا، لاعتبار المحذوف وملاحظته. ولا تناقض بين الاثنين؛ لأن الوقت مختلف. "وتفصيل هذا الحكم مع عرض أمثلته المختلة مدون في باب الإضافة ج3 ص160 م 96".
3 لهذه المطابقة ضوابط مفصلة في "ح" من ص262 وهي ضوابط هامة، تدل على أن المطابقة قد يلاحظ فيها شيء يتصل بالمرجع أحيانًا كما يتبين من الضابط "7" من 265.... و..........
4 في "و" من ص 258.(1/256)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأول: التقدم اللفظي أو الحقيقي؛ وذلك بأن يكون متقدمًا بلفظه وبرتبته1 معًا؛ مثل: الكتابُ قرأته، واستوعبت مسائله. والأخرى: التقدم المعنوي ويشمل عدة صور؛ منها:
1- أن يكون متقدمًا برتبته مع تأخير لفظه الصريح، مثل نسق حديقتَه المهندسُ. فالحديقة مفعول به، وفى آخرها الضمير، وقد تقدمت ومعها الضمير على الفاعل مع أن رتبة الفاعل أسبق. ومثل قول المتنبي يتغزل:
كأنها الشمس يعي كف قابضه ... شعاعها، ويراه الطرف مقتربا
والأصل: يعي شعاعها كف قابضه. فالضمير عائد على الفاعل المتأخر لفظًا لا رتبة.
2- أن يكون متقدمًا بلفظه ضمنًا، لا صراحة، ويتحقق ذلك بوجود لفظ آخر يتضمن معنى المرجع الصريح، ويرشد إليه؛ ويشترك معه في ناحية من نواحي مادة الاشتقاق. مثل قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} فإن مرجع الضمير: "هو" مفهوم من "اعدلوا"؛ لأن الفعل يتضمنه، ويحتويه، ويدل عليه، ولكن من غير تصريح كامل بلفظه؛ إنه "العدل" المفهوم ضمنًا من قوله: {اعْدِلُوا} واللفظان: {اعْدِلُوا} و"العدل" مشتركان في المعنى العام. وفي ناحية من أصل الاشتقاق.
ومثل هذا: "من صدق فهو خير له، ومن كذَب فهو شر عليه" فمرجع الضمير في الجملة الأولى "الصدق"، وهذا المرجع مفهوم من الفعل: "صَدَق". كما أن مرجع الضمير في الجملة الثانية هو: "الكذب"، وهو مفهوم من الفعل: "كَذَب" وكلا الفعلين قد اشتمل على المرجع ضمنًا لا صراحة، لاشتراكهما مع المرجع الصريح في معناه وفي ناحية من أصل الاشتقاق ... ومن ذلك أن تقول للصانع: أتقنْ؛ فهو سبب الخير والشهرة. أي: الإتقان، وتقول للجندي: اصبِرْ؛ فهو سبب النصر، أي: الصبر2.
__________
1 التقدم اللفظي أن يكون المرجع مذكورًا نصًّا قبل الضمير، مثل: الوالد فضله عميم. والتقدم في الرتبة أن يكون ترتيب المرجع في تكوين الجملة متقدمًا على الضمير، وسابقًا عليه، بحسب الأصول والقواعد العربية، فرتبة الفاعل متقدمة على المفعول، ورتبة المبتدأ سابقة على الخبر، ورتبة المضاف قبل المضاف إليه.... وهكذا....
2 ومن ذلك قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} . فالضمير في: "إنها" راجع إلى الاستعانة المفهومة من "استعينوا" عند من يرى ذلك. ومنه قول الشاعر:
إذا نهى السفيه جرى إليه ... وخالف، والسفيه إلى خلاف
أي: جرى إلى السفه.(1/257)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3- أن يسبقه لفظ ليس مرجعًا بنفسه ولكن نظير للمرجع "أي: مثيله وشريكه فيما يدور بشأنه الكلام"، مثل: لا ينجح الطالب إلا بعمله، ولا ترسب إلا بعملها. ومثل قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} ، أي: من عمر مَعَمَّر آخر.
4- أن يسبقه شيء معنوي "أي: شيء غير لفظي" يدل عليه، كأن تجلس في قطار، ومعك أمتعة السفر، ثم تقول: يجب أن يتحرك في ميعاده. فالضمير "هو" -فاعل المضارع: يجب- والضمير "الهاء" لم يسبقهما مرجع لفظي، وإنما سبقهما في النفس ما يدل على أنه القطار. وقد فهم من الحالة المحيطة بك، المناسبة لكلامك، وهذه الحالة التي تدل على المرجع من غير ألفاظ تسمى: "القرينة المعنوية" أو "المقام"1.
ومثل هذا أيضًا أن تقول لمن ينظر إلى مجلة حسنة الشكل: إنها جميلة وقراءتها نافعة. فالضمير "ها" راجع إلى المجلة، مع أن هذا المرجع لم يذكر بلفظ صريح، أو ضمني، أو غيرهما من الألفاظ، ولكنه عرف من القرينة الدالة عليه. ومثله أن تتجه إلى الشرق صباحًا فتقول: أشرقتْ، أو تتجه إلى الغرب آخر النهار فتقول: غَرَبتْ، أو: تَوارتْ بالحِجاب، تريد الشمس في الحالتين، من غير أن تذكر لفظًا يدل عليها. ومثله: أن تقف أمام آثار مصرية فاتنة، فتقول: ما أبرعهم في الفنون. تريد قدماء المصريين ... وهكذا.
و عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة:
عرفنا المواضع التى يكون مرجع الضمير فيها لفظًا متقدمًا تقدمًا لفظيًّا "أي:
__________
1 ومنها قول حاتم لامرأته ماوية التي تلومه على الكرم خوف الفقر:
أماوي، لا يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما، وضاق بها الصدر
أي: حشرجت النفس، بمعنى حلول الوقت الذي تخرج فيه الروح.(1/258)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غير أن هناك حالات يجب فيها عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة؛ لحكمة بلاغية1. وتسمى: "مواضع التقدم الحكمي"2 وأهمها ستة:
1- فاعل نعم وبئس وأخواتهما، إذا كان ضميرًا، مستتراً، مفردًا، بعده نكرة تفسره؛ أي: تزيل إبهامه، وتبين المراد منه؛ "لأنه لم يسبق له مرجع ولذا تعرَب تمييزًا"؛ نحو: نعم رجلًا صديقنا. فنعم فعل ماض، فاعله ضمير مستتر تقديره؛ هو يعود على "رجلًا"3.
2- الضمير المجرور بلفظة: "رُبَّ". ولا بد أن يكون مفردًا، مذكرًا، وبعدهُ نكرة تفسره "أي: تزيل إبهامه الناشئ4 من عدم تقدم مرجع له، وتوضح المقصود منه، ولذا تعرب تمييزًا" نحو: ربه صديقًا؛ يعين على الشدائد. فالضمير "الهاء" عائد على "صديق". وإنما دخلت "ربّ" على هذا الضمير -مع أنها لا تدخل إلا على النكرات- لأن إبهامه بسبب عدم تقدم مرجعه مع احتياجه إلى ما يفسره ويبينه، جعله شبيهًا بالنكرة5.....
__________
1 أهمها: الإجمال ثم التفصيل بعده، بقصد التفخيم بذكر الشيء أولًا مبهما، ثم تفسيره بعد ذلك، فيكون شوق النفس إليه أشد، وتطلعها إلى التفسير أقوى، فيكون إدراكه وفهمه أوضح، بسبب ذكره مرتين، مجملًا مفصلًا، "أو: مبهمًا فمفسرًا".
2 لأن المرجع فيها تأخر لنكتة بلاغية، فهو في حكم المتقدم. وهذه المواضع يذكرها بعض النحاة في باب: "الفاعل"، ولكن الأنسب ذكرها هنا في باب: الضمير" حيث الكلام على الضمير وكل ما يتصل به.
3 إنما يكون هذا حيث لا يوجد مرجع سابق، فلو وجد مرجع "مثل: الأمين نعم رجلًا" وجب أن يكون الفاعل ضميرًا مستترًا "وجوبًا أو جوازًا، طبقًا لما سبق في رقم3 من هامش ص259".
يعود على السابق وهو: "الأمين" في المثال.
4 وبسبب إبهامه الناشئ من عدم مرجع له قد يسمى: "الضمير المجهول" "كما سيجيء في ج2 ص483م90 عند الكلام على الحرف "ربَّ" في باب حروف الجر"، وانظر هذا الاسم في "د" من ص250 و 252.
5 هذا قول النحاة: والتعليل الحقيقي هو السماع من أفواه العرب. وفي إعراب المثال المذكور أقوال أيسرها. أن "ربّ"، حرف جر شبيه بالزائد، و "الهاء" مجرورة مبنية، وعلامة جرها كسرة مقدرة منع من ظهورها الضمة التي هي حركة البناء الأصلي. في محل رفع مبتدأ! "لأن "الهاء" ضمير جر ينوب في هذا الموضع "بعد ربَّ" عن ضمير رفع، مثل: هو" "صديقًا" تمييز، "يعين على الشدائد"، الجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، أما بقية الآراء في هذا المثال وأشباهه وفي مجرور "رب" فمفصلة بوضوح في آخر الجزء الثاني عند الكلام على "رب" وأحكامها. "م 90 ص 482".(1/259)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3- الضمير المرفوع بأول المتنازعين؛ مثل: يحاربون ولا يَجْبُنَ العرب. فالضمير في: "يحاربون" "وهو الواو" عائد على متأخر "وهو العرب". "وأصل الكلام: يحارب ولا يجبن العرب": فكل من الفعلين يحتاج إلى كلمة: "العرب" لتكون فاعلًا له وحده، ولا يمكن أن يكون الفاعل الظاهر مشتركًا بين فعلين. فجعلناه فاعلًا للثاني، وجعلنا ضميره فاعلًا للأول1.
4- الضمير الذي يبدل منه اسم ظاهر ليفسره؛ مثل: سأكرّمه ... السَّبّاقَ فكلمة: "السَّبّاق" -بدل من الهاء، وجاءت بعدها لتفسرها. ومثل: احتفلنا بقدومه ... الغائبِ. فالغائب بدل من الهاء؛ لتوضحها.
5- الضمير الواقع مبتدأ، وخبره اسم ظاهر بمعناه، يوضحه، ويفسر حقيقته؛ فكأنهما شيء واحد من حيث المعنى. مثل: هو النجم القطبي2؛ أتعرف فائدته؛ فكلمة "هو" مبتدأ، خبره كلمة النجم المتأخره عنه3.
__________
1 راجع هذا الحكم ج2 من ص8 م73 باب: "التنازع".... أحكامه.
2 ومثله قول الشاعر:
وقلت لأصحابي هي الشمس ضوءها ... قريب، ولكن في تناولها بعد
وقول المتنبي:
هو الحظ، حتى تفضل العين أختها ... وحتى يكون اليوم لليوم سيدا
وقوله أيضًا:
هو البين، حتى ما تأنى الحزائق ... ويا قلب، حتى أنت ممن أفارق
"ما تأنى الحزائق: ما تتمهل الجماعات المرتحلة".
3 ويصح أن يعرب الضمير في هذا المثال -ونظائره- مبتدأ مع إعراب الاسم الظاهر الذي يفسره "بدلًا أو عطف بيان" وفي هذه الحالة يكون الخبر مذكورًا بعدهما أو محذوفها على حسب السياق، ولا مانع أن يكون الخبر مفردًا، أو جملة، أو: شبهها ... ويصح كذلك أن يكون الضمير المبتدأ هو ضمير الشأن أو القصة.... "وقد سبق الكلام عليه في ص250 "د".... وفي هذه الصورة يكون خبر المبتدأ جملة بعده ... "راجع الصبان، ج1- باب الضمير عند الكلام على بيت ابن مالك:
فما الذي غيبة أو حضور.... إلخ.
كذلك شرح العكبري لديوان المتنبي ج3 - القصيدة التي مطلعها:
هو البين حتى ما تأنى الحزائق ...(1/260)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6- ضمير الشأن1، والقصة، مثل: إنه؛ المجد أمنية العظماء -إنها رابطة العروبة قوية لا تنفصم. فالضمير في "إنه" و"إنها" ضمير الشأن أو القصة ...
ومن كل ما سبق نعلم أن ضمير الغائب لا بد أن يكون له مرجع؛ وهذا المرجع -إن كان لفظيًّا أومعنويًّا -يتقدم عليه وجوبًا. وإن كان حكميًّا يتأخر عنه وجوبًا2.....
ز- تعدد مرجع الضمير:
الأصل في مرجع ضمير الغائب "أي: مفسِّره" أن يكون مرجعًا واحدًا، فإن تعدد الأصل في ما يصلح لذلك، واقتضى المقام الاقتصار على واحد تعين أن يكون المرجع الواحد هو: الأقرب في الكلام إلى الضمير. نحو: حضر محمد وضيف؛ فأكرمته. فمرجع الضمير هو "الضيف"؛ لأنه الأقرب في الكلام إليه، ولا يمكن عودته على المرجعين السابقين معًا؛ لأنه مفرد، وهما في حكم المثنى؛ فالمطابقة الواجبة مفقودة -وسيجيء الكلام عليها- ونحو: قرأت المجلة ورسالة؛ بعثت بها إلى صديق. فمرجع الضمير هو: "الرسالة"، لأنها الأقرب، وللسبب السالف أيضًا، وهو: فقْد المطابقة.
وإنما يعود الضمير على الأقرب فى غير صورتين؛ إحداهما: أن يوجد دليل يدل على أن المرجع ليس هو الأقرب؛ مثل: حضرت سعاد وضيفت فأكرمتها3. ....
والثانية: أن يكون لأقرب مضافًا إليه؛ فيعود الضمير على المضاف4،
__________
1 سبق شرحه في ص250....
2 ولا يجوز في غير ما سبق عود الضمير على مرجع متأخر. ومن المسموع الشاذ الذي لا يقاس عليه قول حسان بن ثابت في رثاء مطعم بن عدي:
ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجده الدهر مطعما
وقول الآخر:
وما نفعت أعماله المرء راجيا ... جزاء عليها من سوى من له الأمر
3 يجب التنبيه إلى المشابهة والمخالفة بين هذه الصورة والصورة الأخرى تحت عنوان "ملاحظة" في ص 269.
4 لأن المضاف إليه ليس إلا مجرد قيد في المضاف -غالبًا-.(1/261)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بشرط ألا يكون كلمة "كُلّ"، أو "جميع"، مثل: زارني والد الصديق فأكرمته. أي: أكرمت الوالد. إلا إن وجد دليل يدل على أن المقصود بالضمير هو المضاف إليه لا المضاف؛ فيجب الأخذ بالدليل؛ مثل: عرفت مضمون الرسالة ثم طويتها؛ لأن تأنيث الضمير دليل على أن مرجعه هو المضاف إليه المؤنث، لا المضاف، ومثله قرأت عنوان الكتاب ثم طويته، أي: "الكتاب"؛ لأنه الذى يُطوَى. وحصدت قمح الحقل ثم سقيته؛ لأن الحقل هو الذى يُسقى، لا القمح المحصود. وأقبل خادم أخي فأمره بالرجوع إلى السوق؛ لشراء بعض الحاجات؛ لأن الخادم لا يأَمر، وإنما يُؤمر. وكذلك إن كان المضاف هو كلمة: "كل" أو "جميع" فالأغلب عودته على المضاف إليه1.
وإذا تعدد المرجع من غير تفاوت في القوة -وهو التفاوت الذي يكون بين المعارف في درجة التعريف، وشهرته -وأمكن عود الضمير إلى مرجع واحد فقط، وإلى أكثر؛ من غير أن يقتضي الأمر الاقتصار على واحد، نحو: جاء الأقارب والأصدقاء وأكرمتهم -فالأحسن عود الضمير على الجميع، لا على الأقرب وحده.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع -وفي غيره، من سائر مسائل اللغة- أن الذي يجب الأخذ به أوّلًا، والاعتماد عليه؛ إنما هو الدليل الذي يعين مرجع الضمير ويحدده؛ فالدليل -أي: القرينة- لها وحدها القول الفصل في الإيضاح هنا، وفي جميع المواضع اللغوية الأخرى.
وإذا كان للضّمير مرجعان أوأكثر مع التفاوت في القوة -وجب أن يعود على الأقوى، طبقًا للبيان المفضّل الذي سيجيء فى رقم9 من ص268.
ح- التطابق2 بين الضمير ومرجعه:
عرفنا3 أن ضمير الغائب لا بد له من مرجع. وبقي أن نعرف أن التطابق
__________
1 سبقت الإشارة -مفصلة- للحكم السالف في رقم2 من هامش ص256. وله أمثلة أخرى في رقم2 من هامش ص464.
2 التطابق أنواع مختلفة، منها ما يكون بين الضمير ومرجعه، كالذي سيذكر هنا، ومنها ما يكون بين المبتدأ وخبره، وسيجيء في بابهما -ص 452 وما بعدها- ومنها ما يكون بين النعت ومنعوته وسيذكر في بابه أيضًا ج3- م114 ص428، وهكذا يذكر كل في بابه.
3 في ص 255.(1/262)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واجب بين ضمير الغائب ومرجعه. على الوجه الآتي: وهذا يراعى في التطابق المطلوب في صور كثيرة؛ كالتي بين المبتدأ وخبره1، والنعت ومنعوته، والحال وصاحبها ... ونحو هذا مما يقتضي المطابقة.
1- إن كان المرجع مفردًا مذكرًا أو مؤنثًا وجب -في الرأي الأصح- أن يكون ضمير الغائب مطابقًا له فى ذلك، نحو: النائم تيقظَ، أي: "هو". والغائب حضر أبوه، كذلك. والغريبة عادت سالمة، أي: "هي". والطالبة أقبل والدها ... فضمير الغائب قد طابق مرجعه فى الأمثلة السابقة؛ إفرادًا وتذكيرًا وتأنيثًا.
وكذلك إن كان المرجع مثنى في الحالتين. تقول في الأمثلة السالفة2: "النائمان تيقظا، والمسافران حضر أبوهما3. والغريبتان عادتا2 سالمتين. والطالبتان أقبل والدهما3" وقد يعود الضمير مفردًا مؤنثًا مع أن السابق عليه أمران، أحدهما مذكر -طبقًا للبيان الآتي في ص269 تحت عنوان "ملاحظة".
2- إن كان المرجع جمع مذكر سالم وجب -في الرأي الأغلب- أن يكون ضميره واو جماعة؛ مثل: المخلصون انتصروا. ولا يصح أن يكون غير ذلك، كما لا يصح -في الأفصح- أن يتصل بالفعل وشبهه علامة تأنيث؛ فلا يقال المخلصون فازت، ولا المخلصون تفوز، ولا فائزة، أي: "هي"؛ بضمير المفردة المؤنثة على إرادة معنى: "الجماعة" من المخلصين. فكل هذا غير جائز في الرأي الأعلى. الذى يحسن الاقتصار عليه اليوم.
3- إن كان المرجع جمع مؤنث سالم لا يَعْقِل فالأفضل أن يكون ضميره مفردًا مؤنثًا؛ مثل: الشجرات ارتفعت. أي: "هي". والشجرات سقيتها ... وهذا أولى من قولنا: الشجرات ارتفعن، والشجرات سقيتهن، بنون الجمع المؤنث مع صحة مجيئها.
فمجيء واحد من الضميرين يفي بالغرض. ولكن أحدهما أفضل من الآخر.
__________
1 في هامش ص349 مواضع يجوز فيها تأنيث الضمير، وتذكيره، مراعاة للفظ الموصول أو معناه. وكذلك تجيء أنواع هامة من المطابقة بين المبتدأ والخبر في الباب الخاص بهما -كما أشرنا- ص452 م 34- وما بعدها في الزيادة والتفصيل.
"2 و 2" الضمير هو ألف الاثنين في آخر الفعل. وهو صالح للمثنى المذكر والمؤنث وللغائب والحاضر.
"3 و 3" الضمير "هما" صالح للمثنى بنوعيه.(1/263)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإن كان المرجع جمع مؤنث للعاقل فالأفضل أن يكون ضميره نون جمع المؤنث "أي: نون النسوة" في جميع حالاته "أي: سواء أكان المرجع جمع مؤنث سالمًا مثل: الطالبات حضرن، وأكرمهن العلماءُ، أم جمع تكسير للمؤنث؛ مثل: الغوانى تعلمن؛ فزادهن العلم جلالا"1 وكل هذا أولى من قولنا: الطالبات حضرتْ، وأكرمها العلماء، والغوانى تعلمتْ؛ وزادها العلم جلالا. حيث يكون الضمير مفردًا مؤنثًا، مع صحة مجيئه بدلا من نون النسوة2.
4- إن كان المرجع جمع تكسير مفرده مذكر عاقل - جاز أن يكون ضميره واوجماعة؛ مراعاة للفظ الجمع، وأن يكون مفردًا مؤنثًا، مع وجود تاء التأنيث فى الفعل وشبهه؛ نحو: الرجال حضروا، أو: الرجال حضرت، أوالرجال حاضرة. ويكون التأنيث على إرادة معنى الجماعة. ومع جواز الأمرين يستحسن ضمير التأنيث إن كان عامل الفاعل قد اتصلت به علامة تأنيث، كما يستحسن ضمير التذكير إن لم توجد في عامله علامة التأنيث نحو جاءت الرجال كلها، وحضر الأبطال كلهم3.
فإن كان مفرده مذكرًا غير عاقل، أومؤنثًا غير عاقل، جاز فى الضمير أن
__________
1 ذلك أن جمع المؤنث منه ما يكون سالما "أي: لم يتغير مفرده عند جمعه" ويسمى: "جمع المؤنث السالم"، ويكون في آخره الألف والتاء الزائدتان، ومنه ما يتغير مفرده عند الجمع، فيكون جمع تكسير للمؤنث ولا يكون في آخره الألف والتاء، الزائدتان. وبسبب ما تقدم اختلف النحاة في مثل كلمة: "بنات" أهي جمع تكسير، لأن مفردها، وهو "بنت" يتغير فيه حركة أوله عند جمعه السالف- أم هو جمع مؤنث سالم، لوجود الألف والتاء الزائدتين في آخره؟ . رأيان، تفصيل الكلام عليهما في جـ 3 باب الفاعل ...
2 جاء في تفسير البيضاوي -وكذا الكشاف"- سورة البقرة" عند تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} ، ما نصه: "قرئ: "مطهرات" وهما لغتان فصيحتان، يقال: النساء فعلت وفعلن. وهن فاعلة وفواعل، قال الشاعر، سلمى بن ربيعة من شعراء الحماسة:
وإذا العذاري بالدخان تقنعت ... واستعجلت نصب القدور فملت
انتهى تفسير البيضاوي.
ثم جاء في حاشية الشهاب على البيضاوي ما نصه:
"قوله: "وهما لغتان فصيحتان" يعني أن صفة جمع المؤنث السالم والضمير العائد إليه مع الفعل يجوز أن يكون مفردا مؤنثًا ومجموعًا مؤنثًا، فتقول: النساء فعلت، والنساء فعلن، ونساء قانتات وقانتة. اهـ.
3 راجع الصبان، ج2 باب الفاعل عند الكلام على تأنيث فعله.(1/264)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يكون مفردًا مؤنثًا، وأن يكون "نون النسوة" الدالة على جمع الإناث. نحو: "الكتُب نفعت" أو: نفعْن، والزروع أثمرت، أو: أثمرْن، والليالى ذهبتْ؛ أو: ذهبْن.
ومع أن الأمرين - فى صورتى المفرد غير العاقل - جائزان فإن الأساليب الفصحى تؤْثر الضمير المفرد المؤنث إذا كان جمع تكسير دالاّ على الكثرة وتأتى بنون النسوة إذا كان دالاّ على القلة1؛ فيقال: قضيت بالقاهرة أيامًا خلت؛ من شهرنا. إذا كان المنقضى هو: الأكثر. أو: خَلَوْنَ، إذا كان المنقضى هوالأقل. ويقولون: هذه أقلام تكسرت، وعندى أقلام سَلِمن إذا كان عدد المكسور هوالأكثر.
5- إن كان المرجع اسم جمع2 غير خاص بالنساء؛ مثل: "رَكْب وقوْم" جاز أن يكون ضميره واوالجماعة؛ وأن يكون مفردًا مذكرًا. تقول: الركب سافروا، أو: الركب سافر، أو: الركب مسافر - القوم غابوا، أو: القوم غاب، أو: القوم غائب. فإن كان خاصًّا بالنساء - مثل: نسوة، نساء - جرى عليه حكم المرجع حين يكون جمع مؤنث للعاقل. - وقد سبق فى رقم 3 -
6- وإن كان المرجع اسم جنس جمعيًّا جاز فى ضميره أن يكون مفردًا مذكرًا أومؤنثًا، نحوقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} أى: "هو". وقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} ، أى: هى.
7- إن كان مرجع الضمير متقدمًا، ولكنه يختلف فى التذكير أوالتأنيث مع ما بعده مما يتصل به اتصالا إعرابيًّا وثيقًا - جاز فى الضمير التذكير أو
__________
1 ومثل جمع القلة العدد الذي يدل عليها، وكذلك مثل جمع الكثرة العدد الذي يدل عليها أيضًا "أنظر رقم 1 من هامش ص 219" "أما إيضاح هذا وبيان سببه، ففي ج4 ص524 م167 آخر باب العدد -وراجع الصبان ج4 في آخر باب "العدد"".
2 وهو -كما سبق في ص 148: كلمة معناها معنى الجمع، ولكن ليس لها مفرد من لفظها. ومعناها معا. وليست على وزن خاص بالتكسير، أو غالب فيه، مثل: ركب، رهط- قوم- نساء- جماعة- وفي هذا الحكم الآتي خلاف قوي ذكره "الصبان" في باب العدد ح4.
3 وقد سبقت إشارة وافية لهذا، وبيان مفيد لا غني عنه- مع بعض اختلاف-، وذلك عند الكلام على اسم الجنس الجمعي ص 21 وفي هذا الحكم- كسابقه- خلاف قوي أشار إليه "الصبان" في باب العدد جـ 4. وقد تخيرنا أقوى الأوجه وأنسبها في ص 21 وفي باب العدد.(1/265)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التأنيث، مراعاة للمتقدم أوللمتأخر1، مثل: الحديقة ناضرة الزرع، وهى منظر فاتن، أو: وهومنظر فاتن، ومثل: الزرع رعايته مفيدة، وهوباب من أبواب الغنى، أو: وهى باب من أبواب الغنى. وأسماء الإشارة تشارك الضمير فى هذا الحكم2 "كما سيجئ فى بابها3، وفى باب4 المبتدأ ... " نحو: الصناعة غنى وهذه مطلب حَيَوىّ أصيل، أو: وهذا ...
8- إذا كان المرجع: "كم" جاز أن يرجع إليها الضمير مراعى فيه لفظها، أومراعى فيه معناها5.
بيان ذلك: أن لفظ: "كم" اسم مفرد مذكر، ولكن يعبَّر به عن العدد الكثير، أوالقليل، المذكر، أوالمؤنث: فلفظها من ناحية أنه مفرد مذكر - قد يخالف أحيانًا معناها الذى يكون مثنى مؤنثًا، أومذكرًا، وجمعًا كذلك بحالتيه. فإذا عاد الضمير إلى: "كم" من جملة بعدها جاز أن يراعى فيه ناحيتها اللفظية؛ فيكون مثلها مفردًا مذكرًا، وجاز أن يراعى فيه ناحيتها المعنوية إن دلَّت على غير المفرد المذكر؛ فيكون مثنى، أوجمعًا، مؤنثًا، أومذكرًا فيهما. تقول: كم صديق قدِم للزيارة! بإفراد الضمير وتذكيره، مراعاة اللفظ "كم". وتقول؛ كم صديق قَدِمًا، أو: قدِموا؛ بتثنية الضمير، أوجمعه؛ مراعاة لما يقتضيه المعنى. وكذلك تقول: كم طالبة نجح، بمراعاة لفظ: "كم"، أو: كم طالبة نجحت ونجحتا، ونجحن؛ بمراعاة المعنى.
وهناك كلمات أخرى تشبه "كم" فى الحكم السابق، منها: "كِلاَ" و"كلتا". وقد سبق الكلام عليهما من هذه الناحية6. ومنها "منْ"7، و"ما"8 و"كلٌّ"9 و"أىّ". وكذلك كلمة: "بعض"9 فى صور
__________
1 وهذا في غير المتضايفين. وقد سبق حكم الضمير العائد على أحدهما في رقم 2 من هامش ص 256 وفي "ز" من 261.
2 انظر رقم 1 من هامش ص 22 ثم انظر رقم 6 من هامش ص 321 وص 456 وما بعدها.
3 رقم 6 من هامش ص 321.
4 ص 456.
5 راجع الجزء الرابع من المفصل ص 132.
6 ص 124 وما بعدها.
7 انظر ما يختص بها في 349.
8 ولها بيان في رقم 2 من هامش ص 351.
"9و9" سبقت الإشارة في ص 40 لنوع التنوين الذي في كلمتي: "كل وبعض".(1/266)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معينة. تقول: من سافر فإنه يفرح، ومن سافرا ... ، ومن سافروا ... ، ومن سافرت، ومن سافرتا ... ومن سافرْن ... وكذلك: ما تفعلْ مِن خير يصادفْك جزاؤه - ... ما تفعلا ... ما تفعلوا ... ما تفعلى ... ما تفعلْن ...
كل رجل سافَر، كل رجلين سافَر، أو: سافرا، كل الرجال سافَر، أو: سافروا. كل متعلمة سافَرتْ، أو: سافَر، كل متعلمتين سافَر، أو: سافرتا. كل المتعلمات سافَر، أو: سافَرْن. ومن مراعاة الجمع قول جرير:
وكلُّ قومٍ لهم رأىٌ ومختبرٌ ... وليس فى تَغْلِبٍ رأى ولا خبرُ
لكن الأغلب -وقيل الواجب- إذا وقعت كلمة: "كل" مبتدأ وأضيفت إلى نكرة مراعاة معنى النكرة في خبر المبتدأ: "كل" كقوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون} ، وقول جرير السابق. فإن أضيفت لمعرفة صج اعتبار معنى المعرفة، أو اعتبار لفظ: "كل" المفرد المذكر. كقوله عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته"، ومثل: "كلكم هداة للخير وكلكم داعون إليه"، وقول الشاعر:
كل المصائب قد تمر على الفتى ... وتهون، غير شماتة الحساد1
أيّ رجل حضر. أيّ رجلين حضر، أو: حضرا ... أيّ الرجال حضر، أو: حضروا، أيّ كاتبة حضر، أو حضرت، أيّ كاتبتين حضر، أو حضرتا، أيّ الكاتبات حضر، أو: حضرن.
بعض الناس غاب، في الصور المختلفة، مراعاة للفظ "بعض". ويصح مراعاة المعنى، فيقال: بعض الناس أو: غابت، أو، غابا، أوغابتا، أو: غابوا، أو: غبْن. وهكذا باقى الصور الأخرى التى تدخل تحت الحكم السالف وينطبق عليها2.
__________
1 سيجيء الكلام على إضافة "كل" وما يترتب على الإضافة ج3 في باب الإضافة م 94 ص71.
2 كما يراعي اللفظ أو المعنى في الضمير يراعي أيضا في كل ما يحتاج للمطابقة أحيانا، مثل: الخبر، والصفة ونحوهما -كما أشرنا في الصفحة الماضية- وكما يجيء في باب التوكيد ج3 م116 ص415.(1/267)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك يجوز اعتبار اللفظ أو المعنى في المحكيّ بالقول، ففي حكاية من قال: "أنا قائم" يصح: قال محمود أنا قائم، رعاية اللفظ المحكي، كما يصحّ: "قال: محمود هو قائم"؛ رعاية للمعنى وحال الحكاية؛ لأن محمودًا غائب وقت الحكاية. وكذا لو خاطبْنا شخصًا بمثل: أنت بطل، وأردنا الحكاية فيصح: "قلنا لفلان أنت بطل"، كما يصح: "قلنا لفلان هو بطل"1.
ومع أن مطابقة الضمير للفظ المرجع أو لمعناه جائزة، وقياسية فى الحالات السابقة -فإن السياق أو المقام قد يجعل أحدهما أنسب من الآخر أحيانًا. والأمر في هذا متروك لتقديم المتكلم الخبير، وحسن تصرفه على حسب المناسبات التى قد تدعوه لإيثار اللفظ أو المعنى عند المطابقة على الرغم من صحة الآخر.
"ملاحظة": بمناسبة الكلام على مطابقة الضمير للفظ المرجع أولمعناه، نشير إلى ما سيجئ فى ص 314 وهامشها من صور هامة - غير التى سبقت - يجوز فيها الأمران، أويتعين أحدهما دون الآخر ... أو ...
أما المطابقة بين المبتدأ وخبره فتجئ فى ص 452 م 34- كما أشرنا فى رقم 1 من هامش ص 262 -.
9- إذا كان للضمير مرجعان أوأكثر مع التفاوت فى القوة2، عاد على الأقوى3. والمرد بالتفاوت فى القوة التفاوتُ الذى يكون بين المعارف فى درجة التعريف وشهرته؛ وهى التى أشرنا إليها عند بدء الكلام على المعرفة والنكرة. فالضمير أعرفُ4 من العلم، والعلم أعرف من الإشارة ... وهكذا5. بل إن الضمائر متفاوتة أيضًا؛ فضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب ...
فإذا صلح للضمير مرجعان؛ أحدهما ضمير متكلم، والآخر ضمير مخاطب
__________
1 راجع الصبان ج2 باب حروف الجر عند الكلام على "اللام".
2 أما عند عدم التفاوت فقد سبق الحكم في ص262.
3 وهذا ما سبقت الإشارة إليه في ص 262 آخر "ز".
4 أي: أقوى درجة في التعريف.
5 راجع رقم 1 من هامش ص 212.(1/268)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- قُدِّم المتكلم -في الرّأي الأصح؛ مثل: أنا وأنت سافرنا؛ ولا يقال: أنا وأنت سافرتما؛ إلا قليلا، لا يحسن الالتجاء إليه في عصرنا. وإذا كان أحد المرجعين للمخاطب والآخر للغائب قُدِّم المخاطب، نحو: أنت وهو ذهبتما؛ ولا يقال: أنت وهو ذهبا، إلا قليلا يحسن البعد عنه.
وإذا كان أحدهما ضميرًا والآخر علمًا أومعرفة أخرى روعي الضمير، نحو: أنا وعلي أكلنا؛ ولا يقال -في الرأي الأفضل- أكلاَ، وتقول: أنا الذى سافرت....، وهو أفضل من: أنا الذي سافر ... وتتجه إلى الله فتقول: أنت الذي في رحمتك أطمع، وهو أفضل من: أنت الذي فى رحمته أطمع، وهكذا. ولا داعي لترك الأفضل إلى غيره وإن كان جائزًا هنا؛ لأن الأفضل متفق عليه؛ وفي الأخذ به مزية التعبير الموحَّد الذى نحرص عليه لمزاياه، إلا إن اقتضى غيره داع قويّ......
10- إذا كان المرجع لفظًا صالحًا للمذكر والمؤنث -مثل كلمة: "الروح" جاز عود الضمير عليه مذكرًا أو مؤنثًا، فنقول: الروح هي من الأسرار الإلهية لم تعرف حقيقتها حتى اليوم ... أو هو من الأسرار الإلهية لم يعرف حقيقته حتى اليوم، وإذا عاد على ذلك اللفظ الصالح للأمرين ضميران جاز2 أن يكون أحدهما للتذكير والآخر للتأنيث، نحو: الروح هي من الأسرار التي لم يعرف حقيقته.
11- الغالب -وقيل الواجب- فى الضمير بعد: "أو" التى للشك أوللإبهام أن يكون مفردًا؛ مثل: شاهدت المرّيخ أوالقمر يتحرك. أما بعد "أو" التنويعية "التى لبيان الأنواع والأقسام"، فالمطَابقة، كقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا 3} .
وبهذه المناسبة نذكر أن للضمير العائد على المعطوف والمعطوف عليه معا، أوعلى أحدهما، أحكامًا هامَّة لا يمكن الاستغناء عن معرفتها، وكلها مختص بالمطابقة
__________
1 لهذه الصورة الخاصة بالموصول إيضاح مفيد، وتفصيل هام يجيء في بابه وفي 380 "ب".
2 سيجيء بيان هذا في باب "العطف" جـ 3 ص 489 م 118 عند الكلام على: "أو" وقد سبقت له الإشارة في رقم 4 و 3 من هامش صفحتي 217و 231.
3 راجع الصبان جـ2 عند قول ابن مالك في باب الفاعل "والحذف قد يأتي بلا فصل ... " إلخ(1/269)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعدمها، وهي موضحة تفصيلًا في باب العطف "ج3 ص525 م 122".
"ملاحظة" 1.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .
فقد عاد الضمير مفردًا مؤنثًا مع أن السابق عليه أمران أحدهما مذكر، وهو الذهب، والآخر مؤنث، وهو الفضة.
ويقول أحد النحاة2 ما نصه: "أعاد الضمير على الفضة؛ لأنها أقرب المذكورين، أو لأنها أكثر وجودًا في أيدي الناس فيكون كنزها أكثر. ونظيره قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} 3.
"أو أنه أعاد الضمير على المعنى؛ لأن المكنوز دنانير ودراهم وأموال. ونظيره قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ؛ لأن كل طائفة مشتملة على عدد كبير. وكذا قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِم} يعني المؤمنين والكافرين.
"أو أن العرب إذا ذكرت شيئين يشتركان في المعنى تكتفي بإعادة الضمير على أحدهما: استغناء بذكره عن ذكر الآخر؛ لمعرفة السامع باشتراكهما في المعنى ومنه قول حسان:
إن شرخ الشباب والشعر الأسـ ... ـود ما لم يُعَاص كان جنونًا
ولم يقل ما لم يُعَاصِيَا ... وقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه
__________
1 من المفيد استبانة المشابهة والمخالفة بين ما تتضمنه هذه الملاحظة وما سبق في رقم "ز" من ص261.
2 هو أبو بكر الرازي في كتابه غرائب التنزيل المدون على هامش كتاب "إعراب ما من به الرحمن ... " العكبري ج1 ص111.
3 فقد جعل الضمير "في: أنها" عائد على الصلاة. وهذا أحد الآراء. وهناك رأي آخر يقول إن الضمير راجع إلى: "الاستعانة" المفهومة من قوله: "استعينوا" طبقًا لما سبق في رقم2 من هامش 257.(1/270)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} ، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}
ط- اختلاف نوع الضمير مع مرجعه:
قد يختلف نوع الضمير مع مرجعه في مثل: أنا عالم فائدة التعاون، وأنا مؤمن بحميد آثاره، فالضمير في كلمتي: "عالم ومؤمن" مستتر يتحتم أن يكون تقديره: "هو" فما مرجعه؟
يجيب النحاة: إن أصل الجملة: أنا رجل عالم فائدة التعاون، وأنا رجل مؤمن بحميد آثاره، فالضمير للغائب وهوعائد هنا على محذوف حتمًا، ولا يصح عودته على الضمير "أنا" المتقدم، كما لا يصح أن يكون الضمير المستتر تقديره: "أنا" بدلاً من: "هو"؛ لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب1، وهذا يقتضي أن يكون الضمير المستتر للغائب أيضًا.
وقد يختلف الضمير مع مرجعه إذا كان الضمير هو العائد في الجملة الواقعة صلة. طبقًا للتفصيل الذي سيجيء في باب اسم الموصول ولا سيما الذي في "ب" ص443.
وهو تفصيل يقتضي التنبه للفرق بين الصور المعروضة هناك والصورة التي هنا، وفي رقم 9 من ص 268.
__________
1 راجع حاشية الخضري ج1 باب: "ظن وأخواتها" عند الكلام على أحكام: "التعليق" وقد أشرنا لهذا "في رقم4 من هامش ص217 ومن هامش21 م21 ج2"، "في م 102 ص243. ح3 باب اسم الفاعل".
والظاهر أن هذا الحكم ليس مقصورًا على اسم الفاعل بل يسري على غيره من باقي المشتقات المتحملة ضميرًا مستترًا. فيجب أن يكون للغائب، ويعود على غائب.(1/271)
المسألة العشرون: حكم اتصال الضمير بعامله
تقدم1 أن للرفع ضمائر تختص به؛ بعضها متصل؛ كالتاء المتحركة؛ و"نا" في مثل: سعيتَُِ إلى الخبر، وسعينا. وبعضها منفصل، ولكنه يؤدي ما يؤديه المتصل من الدلالة على التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة؛ مثل: "أنا"؛ فإنها ضمير منفصل يدل على التكلم، كما تدل عليه تلك "التاء"، ومثل: "نحن"؛ فإنها ضمير منفصل يدل على المتكلم المعظم نفسه، أو جماعة المتكلمين؛ كما يدل عليه: "نا"، تقول: أنا أمين على السر، ونحن أمناء عليه ...
وللنصب كذلك ضمائر تختص به، منها المتصل، كالكاف في مثل: صانك الله من الأذى، ومنها المنفصل الذى يؤدي معناه؛ مثل: إياك، في: نحو: إياك صان الله، ومنه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} . أما الجر فليس له ضمائر تختص به -كما عرفنا. لكن هناك ضمائر متصلة مشتركة بينه وبين غيره؛ كالكاف، والهاء ... إلى غير ذلك مما سبق إيضاحه وتفصيله، ولا سيما ما يدل على أن الضمير مع اختصاره وقلة حروفه يؤدي ما يؤديه الاسم الظاهر، وأكثر2.
ونزيد الآن أن الكلام إذا احتاج إلى نوع من الضمير -كالضمير المرفوع، أو المنصوب- وكان منه المتصل والمنفصل، وجب اختيار الضمير المتصل، وتفضيله على المنفصل الذي يفيد فائدته؛ ويدل دلالته؛ لأن المتصل أكثر اختصارًا في تكوينه وصيغته، فهو أوضح وأيْسَر في تحقيقه مهمة الضمير، فتقول: بذلت طاقتي في تأييد الحقّ، وبذلنا طاقتنا فيه، ولا تقول: بذل "أنا"، ولا بذل "نحن". وتقول: كرّمك الأصدقاء؛ ولا تقول: كَرَّم "إياك" الأصدقاء. وتقول فرحت بك، ولا تقول: فرح أنا بأنت.
__________
1 في ص221 وما بعدها.
2 انظر رقم 1 من هامش ص 217.(1/272)
فالأصل العام الذي يجب مراعاته عند الحاجة للضمير هو: اختيار المتصل ما دام ذلك في الاستطاعة، ولا يجوز العدول عنه إلى المنفصل، إلا لسبب1. هذا هو الأصل العام الواجب اتباعه في أكثر الحالات2.
غير أن هناك حالتين يجوز فيهما مجيء الضمير "منفصلًا" مع إمكان الإتيان به "متصلًا".
الحالة الأولى: أن يكون الفعل -أو ما يشبهه3- قد نصب مفعولين4 ضميرين، أولهما أعرف من الثاني؛ فيصح في الثاني أن يكون متصلًا وأن يكون منفصلًا. نحو: الكتابُ أعطيتنيه، أو: أعطيتني إياه، والقلمُ أعطيتكه، أو: أعطيتك إياه. فالفعل: "أعطى" هو من الأفعال التي تنصب مفعولين، وقد نصبهما في المثالين، وكانا ضميرين؛ ياء المتكلم، وهاء الغائب في المثال الأول، وكاف المخاطب وهاء الغائب في المثال الثاني. والضمير الأول في المثالين أعرف5 من الثاني فيهما؛ فصحّ في الثاني الاتصال والانفصال. ومثل ذلك. أن تقول: الخيرُ سَلنْيه6 وسلني إياه. والخيرُ سألتكه، وسألتك إياه.
وبهذه المناسبة نشير إلى حكم هامّ يتصل بما نحن فيه، هو: أنه إذا اجتمع ضميران، منصوبان، متصلان، وأحدهما أخصّ من الآخر "أي: أعرَفُ منه، وأقوى درجة في التعريف". فالأرجح تقديم الأخصّ منهما. تقول: المالُ أعطيتكه، وأعطيتنيه، فتقدم الكاف على الهاء فى المثال الأول؛ لأن الكاف للمخاطب، والهاء للغائب، والمخاطب أخصّ من الغائب. وكذلك تقدم الياء
__________
1 وسنذكر هنا حالتين يجوز فيهما الاتصال والانفصال، ثم نذكر -في الزيادة والتفصيل ص 276- أهم الأسباب التي توجب الانفصال، وتحتمه.
2 وفي هذا يقول ابن مالك:
وفي اختيار لا يجيء المنفصل ... إذا تأتي أن يجيء المتصل
3 شبه الفعل "أي: المشتق" هو: ما يشترك معه في أصل الاشتقاق، ويعمل عمله -غالبًا- كاسم فاعله، واسم مفعول و....
4 لأنه من الأفعال التي تنصب مفعولين، مثل "ظن" وأخواتها ... "وانظر رقم 6 من هامش ص275".
5 أي: أقوى منه في درجة التعريف والتعيين. وقد عرفنا أن ضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب، وأوضحنا هذا بإسهاب. "في رقم 1 من هامش ص 212".
6 أي: اسألني إياه.(1/273)
في المثال الثاني على الهاء أيضًا؛ لأن الياء للمتكلم وهوأخصّ من الغائب. ومن غير الأرجح أن تقول أعطيتهوك1 وأعطيتهوني1. فإن كان أحد الضميرين مفصولًا جاز تقديم الأخص وغير الأخص عند أمن اللبس؛ تقول: الكتابُ أعطيتكه أو أعطيته إياك، وأعطيتنيه أو أعطيته إياي. بخلاف: الأخ أعطيتك إياه، فلا يجوز تقديم الغائب؛ خشية اللبس، لعدم معرفة الآخذ والمأخوذ منهما؛ فيجب هنا تقديم الأخص؛ ليكون تقديمه دليلًا على أنه الآخذ. فكأنه في المعنى فاعل، والأصل في الفاعل أن يتقدم2.
وقد اشترطنا في الحالة الأولى أن يكون الضميران منصوبين، وأولهما أعْرَفُ من الثاني.
أ- فإن لم يكن الضميران منصوبين؛ بأن كان أولهما مرفوعًا والثانى منصوبًا -وجب وصل الثاني بعامله إن كان عامله فعلًا3؛ نحو: النظامُ أحببته.
ب- وإن كان أولهما منصوبًا والثاني مرفوعًا -وجب فصل المرفوع؛ إذ لا يمكن وصله بعامله مع قيام حاجز بينهما؛ وهو الضمير المنصوب. نحو: ما سمِعَك إلا أنا.
ج- وإن كانا منصوبين، وثانيهما أعرَفُ -وجب فصل الثاني، مثل: المالُ سلبه إياك اللص. وكذلك إن كان مساويًا للأول فى درجة التعريف بأن وقع كل منهما للمتكلم؛ مثل: تركتني لنفسي؛ فأعطيتَني إياي، أو: للخطاب،
__________
"1 و 1" الواو التي بعد الضمير هي واو الإشباع التي تنشأ من إطالة الضمة. والغالب كتابة هذه الواو إذا وقع بعدها ضمير آخر متصل، كالذي هنا. وهذه اللغة -وإن كانت جائزة- لا يحسن استخدامها، ولا ترك الأرجح الشائع في الأساليب العالية لأجلها.
2 وإلى ما تقدم يشير ابن مالك بقوله:
وقدم الأخص في اتصال ... وقَدِّمن ما شئت في انفصال
3 وجب وصله بعامله الفعل، ولو كان المتقدم غير الأعرف: مثل أكرمتك، وأكرمونا فإن كان عامله اسما جاز الأمران، سواء أكان الأول مرفوعًا أو مجرورًا، كفرحت بإكراميك أو إكرامي إياك "لأن الياء فاعل المصدر، مجرور بالإضافة في محل رفع". أو كان مرفوعًا فقط، ولا يكون إلا مستترًا، مثل: أنا المكرمك، أو المكرم إياك، بناء على أن الكاف مفعول به لا مضاف إليه، وإلا تعين الوصل؛ لأن الضمير المجرور لا يكون إلا متصلًا. وكذلك يجب الوصل في: "أنا مكرمه" من غير أل، لتعين الإضافة فيه. فإن دخل التنوين على الوصف تعين الفصل، مثل: أنا مكرم إياه، "راجع الخضري".(1/274)
مثل: أعطيتك إياك، أو للغائب مع اتفاق لفظهما؛ مثل؛ أعطيته إياه1، ولا يجوز اتصال الثاني؛ فلا تقول أعطيتنيني، ولا أعطيتكك، ولا أعطيتهوه. إلا إن كانا لغائبين واختلف لفظهما؛ فيجوز وصل الثاني. تقول: سأل أخي عن القلم والكتاب فأعطيتهماه، ومنحتهماهُ2، أوأعطيتهما إياه، ومنحتهما إياه3 ...
الحالة الثانية: أن يكون الضمير الثاني منصوبًا بكان أو إحدى أخواتها4 "لأنه خبر لها" فيجوز فيه الوصل والفصل؛ نحو؛ الصديقُ "كنته" أو: كنت إياه، والغائبُ ليسه محمد5 أو ليس محمد إياه6.
__________
1 يلاحظ أن أحد الضميرين هو: "الهاء" والآخر هو: "إياه" كلها على الرأي الذي سبق تفصيله "في ص 227 وفي آخر ص 237". ولما كانت الهاء في كلمة "إياه" هي التي تدل وحدها على الغيبة كان شأنها شأن الهاء الأولى في الدلالة، وكان لفظهما متفقًا، ولا أهمية لزيادة "إيا" في إحداهما، إذ لا تؤثر هذه الزيادة في دلالة الضمير.
2 وإلى هذا يشير ابن مالك بقوله:
وفي اتحاد الرتبة الزم فصلَا ... وقد يبيح الغيب فيه وصلا
3 إن لم يوجد في الكلام إلا ضمير واحد منصوب واستغنى عن الآخر باسم ظاهر فالأرجح وجوب الوصل، نحو: الكتاب أعطيته عليًّا.
4 سواء أكان الاسم ضمير كالمثال: "الصديق كنته، أو كنت إياه" أم غير ضمير، نحو، الصديق كانه محمد. ومحل جواز الوجهين في كان وأخواتها مخصوص بغير الاستثناء. أما فيه فيجب الفصل، نحو: الرجل قام القوم ليس إياه، ولا يكون إياه "لأن ليس ويكون" هنا فعلين للاستثناء ناسخين أيضًا" فلا يجوز "ليسه" ولا "يكونه" كما لا يجوز: إلا. فكما لا يقع المتصل بعد "إلا" لا يقع بعد ما هو بمعناها أما تفصيل الكلام على استعمال هذين الفعلين في الاستثناء فموضعه: باب الاستثناء- ج2 ص 328 م 83.
5 هذا المثال ليس من النوع الذي سبق الكلام عليه في رقم "4" لأن "ليس" هنا ليست للاستثناء.
6 في هذه المسألة والتي قبلها تختلف آراء النحاة، وتتشعب من غير داع، ولا فائدة، فمنهم من يقول بجواز الفصل والوصل على السواء، وذلك حين يكون العامل الناصب للضميرين فعلا، أو ما يشبهه، غير ناسخ، فينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخير مثل، سل ... أعطى يعطي. ... وهذا الرأي هو الأشهر. ومنهم من يقول إن الوصل واجب، ولا يجوز الفصل إلا للضرورة.
وكذلك يجيزون الأمرين ويختلفون في الترجيح إن كان العامل الناصب للضميرين فعلا، أو ما يشبهه - يتعدى إلى مفعولين، الثاني منهما خبر في الأصل، مثل: ظن وخال، وأخواتهما الناسخة، تقول: الصديق ظننتكه، أو ظننتك إياه، وخلتنيه، وخلتني إياه، فابن مالك ومن معه يختارون الاتصال، وغيرهم يختار الاتصال.
وكذلك اختلفوا في الأرجح إن كان الضمير الثاني منصوبًا بكان أو إحدى أخواتهما.... و..... =(1/275)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
عرفنا1 أن الغرض من الضمير هو الدلالة على المراد مع الاختصار، ولذا وجب اختيار المتصل دون المنفصل الذى يؤدى معناه؛ كلما أمكن ذلك. إلا في حالتين سبق الكلام عنهما2، يجوز فيهما الاتصال والانفصال.
لكن هناك حالات أخرى يتعذر فيها مجيء الضمير متصلًا؛ فيجيء منفصلًا وجوبًا. وتسمى حالات الانفصال الواجب. وأشهرها:
1- ضرورة الشعر؛ مثل قول الشاعر يتحدث عن قومه:
وما أصاحبُ منْ قومٍ فأذكُرَهُمْ ... إلا يزيدُهمُ حبًّا إِلَيَّ همُ3
2- تقديم الضمير على عامله لداعٍ بلاغي، كالحصر4 "القصر" والضمير المتصل لا يمكن أن يتقدم بنفسه على عامله؛ فيحل محلَّه المنفصل الذي بمعناه. ففي مثل: نسبحك، ونخافك يا رب العالمين -لا نستطيع عند الحصر أن نقدم الكاف وحدها، لذلك نأتي بضمير منصوب بمعناها، وهو:
__________
= وكل هذا الخلاف لا خير فيه، وهو مرهق، وهو مرهق بغير فائدة فقد ثبت أن الوصل والفصل في المسائل السابقة واردان عن العرب الفصحاء بكثرة تبيح القياس، فلا داعي هذا التشعيب الذي أشار إليه ابن مالك بقوله:
وَصِلْ أو اِفْصِل هاء سلنيه، وما ... أشبهه. في: "كنته" الخلف انتمى
كذاك: "خلتنيه" واتِّصَالَا ... أختار، غيري اختار الانفصالا
فهو يقول: إنه يجوز الوصل والفصل في "هاء" سلنيه، من كل فعل غير ناسخ، أو شبهه -نصب ضميرين، أولهما أخص من الثاني ... ولم يبين ابن مالك الخلاف الذي في المسألة السالفة، واكتفى ببيان الخلاف في مثل: كنته، وأنه انتمى، أي: اشتهر، وكذلك في خلتنيه من كل فعل ناسخ ينصب مفعولين، وصرح بأنه يختار الاتصال، وأن غيره يختار الانفصال.
1 في رقم1 من هامش ص217.
2 في ص273.
3 المعنى: إذا سمع أصحابي صفات قومي، مدحوهم، وزادوني حبًّا فيهم "أي في قومي"، وقد اضطر الشاعر إلى أن يقول "يزيدهم حبًّا إِلَيَّ هم" بدلًا من أن يقول: "يزيدونهم حبًّا إليّ"، ففصل الضمير "هم" الثاني، بدلا من واو الجماعة؛ لضرورة الشعر.
4 ويسمى أيضًا: "القصر" وله بيان في رقم4 من هامش ص495.(1/276)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إياك" فنقول: إياك نسبح، وإياك نخاف.
3- الرغبة فى الفصل بين الضمير المتصل وعامله بكلمة "إلا"، لإفادة الحصر. وهذا الفصل لا يتحقق إلا إذا أتينا بالضمير منفصلًا؛ مثل: ربَّنا ما نعبد إلا إياك، ولا نهاب إلا إياك.
وقد يكون الحصر بغير "إلا" فلا يقع الفصل بكلمة توجب الانفصال، ولكن ينفصل الضمير؛ مثال ذلك، الحصر بإنما1 فى قول الشاعر:
أنا الذائد الحامي الذِّمَارَ وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا، أو: مثلي
ومن أمثلة الفصل للقصْر: إن الأبطالَ نحن، "فنحن" ضمير منفصل خبر إن، ولا يمكن اتصاله بعامله "إن"؛ وذلك لأن خبرها لا يتقدم على اسمها.
4- أن يكون عامله اللفظى محذوفًا؛ مثل: إياك والكذبَ. فأصل: "إياك" هو: أحذِّرك، أو: أخوِّفك. حذف الفعل وحده، وبقي الضمير "الكاف" وهو ضمير متصل لا يستقل بنفسه؛ فحذفناه، وأتينا مكانه بضمير منفصل يؤدي معناه، ويستقل بنفسه، وهو: إياك. وقد سبق2 بيان إعرابه، كما سبق3 أنه وفروعه كثير الاستعمال في أسلوب: "التحذير" بصوره المتعددة التي ستجيء فى بابه الخاص -ج4 ص122 م140.
5- أن يكون عامله معنويًّا؛ مثل: أنا صديق وفيّ، وأنت أخ كريم. فالضمير: "أنا"، و"أنت"، مبتدأ مرفوع بالابتداء. والابتداء عامل معنوي، لا وجود له في اللفظ؛ فلا يمكن وصل الضمير به.
__________
1 "المحصور فيه" بإنما هو المتأخر، أي: "أنا"، كما يفهم من البيان الذي في رقم 4 من هامش ص 495.
2 ص 236.
3 في رقم 2 من هامش 227.(1/277)
.......................................................
__________
6- أن يكون عامله حرف نفي، مثل: الخائن غادر؛ فما هو أهلا للصداقة. فالضمير "هو" اسم "ما" الحجازية، وهى العاملة فيه الرفع؛ ولكنها من الحروف التي لا يتصل بآخرها الضمير ولا غيره1:
7- أن يكون الضمير تابعًا لكلمة تفصل بينه وبين عامله؛ مثل: نحن نكرم العلماء وإياكم: فالضمير: "إياكم" معطوف؛ فهو تابع يتأخر عن متبوعه، والمعطوف عليه: "العلماء" هو المتبوع الذي يجب تقدمه عليه. وقد فصل المتبوع بين الضمير: "إياكم" وعامله: "نكرم". ومثله قوله تعالى: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُم} . وقول القائل في مدح عمر2 رضى الله عنه:
مُبَرَّأ من عيوب الناس كلِّهمُ ... فالله يرعى أبا حَفصٍ وإيَّانا
8- أن يقع الضمير بعد واو المصاحبة "وتسمى: واو المعية" مثل: حضر الرفاق، وسأسافر وإياهم إلى بعض الأقاليم.
9- أن يكون فاعلًا لمصدر مضاف إلى مفعوله "فيفصل المفعول به بين الضمير الفاعل وعامله"، مثل: بمساعدتكم نحن انتصرتم3؛ فكلمة: "مساعدة" مصدر مضاف إلى مفعوله "الكاف". وفاعله كلمة: "نحن".
10- أن يكون مفعولًا به لمصدر مضاف إلى فاعله؛ مثل: سررت من إكرام العقلاء إياك.
11- أن يقع بعد إما، مثل كَتَبَ: إما أنت، وإما هو.
__________
1 ومنه قوله تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِم} . وقول الشاعر: في "إن" النافية التي تعمل عمل ليس:
إن هو مستوليًا على أحد ... إلا على أضعف المجانين
2 وكنيته: أبو حفص" وكلمة "أبا حفص" هي التي فصلت "في البيت التالي" بين التابع المعطوف وعامله، أي: بين الضمير "إيانا" وبين عامله: "يرعى" الذي يجيء بعده المتبوع، أي: المعطوف عليه.
3 والأصل قبل الإضافة للمفعول: بمساعدتنا إياكم.... أي: انتصرتم بسبب المساعدة التي قدمناها نحن.(1/278)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
12- أن يقع بعد اللام الفارقة1، مثل:
إنْ وجدتُ الصديقَ حقًّا لإيا
ك، فمُرْنى؛ فلن أزال مطيعًا
13- أن يكون منادى -عند من يجيز نداء الضمير- مثل: يا أنت. يا إياك.
14- أن يكون الضمير منصوبًا وقبله ضمير منصوب، والناصب لهما عامل واحد مع اتحاد رتبتي الضمير؛ مثل: عِلمْتُني إياي2، علِمتك إياك، وعلِمته إياه.
15- أن يكون الضمير مرفوعًا بمشتق جار على غير من هو له، مثل: محمدٌ عليٌّ مكرُمه هو3.
__________
1 إذا خففت إن المشددة فالأكثر إهمالها، فلا تنصب اللاسم ولا ترفع الخبر، والأكبر أن يجيء بعدها اللام، لتدل على أنها المخففة المهملة، وليست المشددة العاملة، مثل: إن صالح لقائم. وهذه اللام تسمى: "الفارقة" لأنها التي تفرق بين: إن "المشددة العاملة، والمخففة المهملة، وقد يجعلها بعض النحاة نوعًا من لام الابتداء. وسيجيء الكلام عليها في باب المبتدأ والخبر في ص657 وأيضًا في آخر باب: "إن" -ص 671.
2 يقال هذا في معرض الفخر غالبًا، نحو: شعري شعري.
3 فهذا الضمير البارز المنفصل كان مستترًا قبل إبرازه، والمستتر نوع من المتصل -كما سبق في رقم 3 من هامش ص219 وسيجيء شرح الضمير الجاري على غير من هو له في المكان الخاص به من باب المبتدأ والخبر "ص 463".(1/279)
المسألة الحادية والعشرون: نون الوقاية 1
من الضمائر المتصلة: "ياء المتكلم"، وتسمى -أحياناً: "ياء النفس" وهي مشترَكة بين محلي النصب والجر؛ مثل: زرتني في حديقتي. فإن كانت في محل نصب فناصبها إما فعل أو اسم فعل، أو حرف ناسخ؛ -مثل: "إن" أو إحدى أخواتها- وإن كانت في محل جر فقد تكون مجرورة بحرف جر، أو تكون مجرورة بالإضافة؛ لأنها مضاف إليه.
أ- فإن كانت منصوبة بفعل، أو باسم فعل، أو بالحرف "ليت"2 "وهو حرف ناسخ من أخوات إن" وجب أن يسبقها مباشرة نون مكسورة تسمى: "نون الوقاية"3. فمثال الفعل: ساعدَني أخي، وهو يساعدني عند الحاجة، فساعدْني فما أقدرك على المساعدة الكريمة. فقد توسطت نون الوقاية بين الفعل وياء المتكلم، ولا فرق بين أن يكون الفعل ماضيًا، أو مضارعًا4، أو أمرًا. ولا بين أن يكون متصرفًا، أو جامدًا5. ومثال اسم الفعل: "دَرَاكِ"، و"تَرَاكِ"، و"عليكَ" بمعنى: أدركْ، واتركْ، والزمْ. فيجب عند مجيء ياء المتكلم أن نقول: دراكني، وعليكَني. بمعنى أدركني؛ واتركني، والزمني. ومثال ليت: ليتني أزور أنحاء الدنيا -ليتنى أستطيع معاونة البائسين جميعًا2. ....
__________
1 وقد تسمى: "نون العماد".
2 إلحاق نون الوقاية بالحرف "ليت" واجب عند كثير من النحاة، وشائع غالب عند غير هؤلاء.
3 لأنها في استعمالها الغالب تقي الفعل الصحيح الآخر- أي: تصونه - من وجود كسرة في آخره عند إسناده لياء المتكلم. أما المعتل الآخر، مثل: دعا، فإنه محمول عليه. وتقي كذلك ما تتصل به غير الفعل من تغيير آخره عند اتصالها به. ولأنها تمنع اللبس، مثل: أكرمني أخي، أو يكرمني، أو: أكرمني- فلو لم توجد النون المتوسطة بينه وبين ياء المتكلم لقلنا: أكرمني أخي، يكرمي أخي، أكرمي.
فيترتب على ذلك وجود كسرة في آخر الفعل، والكسر لا يدخل الأفعال، كما يترتب على ذلك أن يلتبس - أحيانا" فعل الأمر المتصل آخره بياء المتكلم بفعل الأمر المسند لياء المخاطبة، مثل: أكرمي. فلا ندري المواد. وقد يلتبس الفعل الماضي بالمصدر في مثل: نظري محمود معافي، فلا ندري أكلمة: "نظر". فعل ماض، أم مصدر، وأصح تعليل يسبق ما ذكرناه: أنه استعمال العرب.
4 انظر ما يتصل بهذا في "1" ص 284.
5 مثل: ليس، عسى.(1/280)
هذا حكم نون الوقاية في الأحوال السابقة. وقد حذفت سماعًا من آخر بعض الأفعال، ومن آخر "وليت" حذفًا نادرًا لا يقاس عليه: مثل، هنا رجل ليسي؛ أي: غيري. وليتي أعاون كل محتاج؛ بمعنى ليتني. وقد تحذف فيهما للضرورة، مثل قول الشاعر:
عَدَدْتُ قومى كَعَدِيد1 الطَّيْسِ2 ... إذْ ذَهَبَ القوْمُ الكرامُ ليْتي
وقول الآخر:
كُمنية جابرٍ إذ قال ليتي ... أصادفه3، وأفْقِدُ كلَّ مالي
وإن كانت منصوبة بالحرف "لعل" جاز الأمران، والأكثر حذف النون نحو: لعلي أدرك آمالي، ولعلني أبلغ ما أريد.
وإن كانت منصوبة بحرف ناسخ آخر "غير: ليت، ولعلّ" جاز الأمران على السواء، تقول، تقول: إنني مخلص؛ وإنى وفيّ. لكنني لا أخلص للغادر. أو: لكني لا أخلص للغادر. وتقول.. سررت من أنني سباق للخير، أو: من أني سباق ... : وهكذا الباقي من الأحرف الناسخة الناصبة التي تصلح للعمل في هذه الياء4.
ب- وإن كانت ياء المتكلم مجرورة بحرف جر فإن كان حرف الجر "مِن" أو "عنْ" وجب الإتيان بنون الوقاية، وحذفها شاذ أو ضرورة؛ تقول منّي الصفح، ومنِّي الإحسان، وعنِّي يصدر الخير والإكرام، بخلاف "مِنِي"، و"عَنِي".
وإن كان حرف الجر غيرهما وجب حذف النون مثل: لي فيك أمل، وبي نزوع إلى رؤيتك، وفيَّ ميل لتكريمك5.
__________
1 كعدد.
2 الرمل الكثير.
3 الضمير مذكر؛ لأنه عائد على عدو يتحدث عنه، ويرغب في مقاتلته.
4 من الحروف الناسخة التي لا تصلح: "لا، وما".
5 وفيما سبق يقول ابن مالك مقتصرًا على الفعل وحده وبعض الحروف الناسخة:
وقبل: يا النفس مع الفعل التزم ... نون وقاية وليسي قد نظم
وليتني فشا وليتي ندرا ... ومع لعل اعكس وكن مخيرا
في الباقيات، واضطرارًا خففا ... مني وعني بعض من قد سلفا(1/281)
ج- وإن كانت الياء مجرورة بالإضافة، والمضاف هو كلمة ساكنة الآخر؛ مثل: "لدن" "بمعنى: عند"، أو: كلمة "قدْ"، أو "قطْ" "وكلاهما بمعنى: حَسْب، أي: كافٍ"1 فالأصح إثبات النون2؛ مثل: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} . ومثل، قَدني من مواصلة العمل المرهق، وقَطْني من إهمال الرياضة المفيدة. ويجوز بقلة حذف النون في الثلاثة؛ تقول: لدُني، قَدِي، قَطي؛ وهو حذف لا يحسن3 بالرغم من جوازه.
فإنْ كان المضاف كلمة أخرى غير الثلاث السابقة وجب حذف النون، مثل: هذا كتابي أحمله معنى حينًا، وحينًا أدعه في بيتي فوق مكتبي.
الملخص:
يستخلص مما تقدم أن إثبات نون الوقاية وعدم إثباتها مرتبط بحالات ياء المتكلم المنصوبة محلًا، أو مجرورة محلًا. وبنوع العامل الذى عمل فيها النصب، أو الجر:
1- فإن كانت هذه الياء منصوبة، وناصبها فعل، أواسم فعل - وجب إثبات نون الوقاية قبلها.
2- وإن كانت هذه الياء منصوبة وناصبها حرف ناسخ هو: "ليت"
__________
1 تقول: قدني المال، وقطني. أي: حسبي، بمعنى: كافييني، وتكون الدال مخففة بالسكون وكذلك الطاء. وهما في هذه الحالة اسمان، والمشهور أنهما مبنيان، وأن بناءهما على السكون في محل رفع، أو نسب، أو جر، على حسب حالة الجملة التي يقعان فيها. "أما "حسب": فإنها معربة في هذا المثال، لا مبنية. وفي جـ3 ص 147 م 95 من باب الإضافة تفصيل الكلام على أنواعها، وأحكامها المختلفة".
وإذا كان اسمين - كما وصفنا وأضيفا إلى ياء المتكلم، فإن الأحسن الإتيان بنون الوقاية فاصلة بين المضاف والمضاف إليه.
وقد تكون كل منهما وهي مخففة الآخر - اسم فعل مضارع، مبني على السكون، بمعنى، يكفي، وفي هذه الحالة يجب الإتيان بنون الوقاية، لتفصلهما عن ياء المتكلم، نحو: قدني، وقطني ...
أما "قد" التي هي حرف في مثل: قد اعتدل الجو، و "قط" التي هي ظرف الماضي في مثل ما فعلته "قط" فلا يتصلان بياء المتكلم....
2 محافظة على السكون الذي بنيت الكلمة عليه.
3 وقد أشار ابن مالك إلى الحالة السابقة من ناحية مجيء نون الوقاية وعدم مجيئها، بقوله:
وفي "لدني: لدني" قل. وفي: ... "قدني وقطني": الحذف أيضا قد يفي(1/282)
وجب في الأشهر إثبات النون. فإن كان الحرف الناسخ هو: "لعل" جاز الأمران، والأفصح الإثبات، وإن كان غيرهما مما يصح إدخاله على هذه الياء1 جاز الأمران على السواء.
2- وإن كانت الياء مجرورة بحرف وعامل الجر هو: "من"، أو: "عن" وجب إثبات النون. وإن كان حرفًا آخر غيرهما وجب الاستغناء عنها بحذفها.
4- وإن كانت مجرورة بالإضافة والمضاف أحد الكلمات الثلاثة: لدنْ - قدْ - قطّ - جاز الأمران، ولكن الأفصحُ إثبات النون. وفى غير هذه الثلاثة يجب الحذف.
__________
1 انظر 4 من هامش ص 281.
2 ليظل الاسم محتفظا بالسكون الذي هو علامة بنائه الأصل.(1/283)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- عرفنا مما سبق أن نون الوقاية واجبة في آخر الأفعال الناصبة لياء المتكلم. ومن تلك الأفعال المضارع، سواء أكان في آخره نون الرفع؛ "وهي: نون الأفعال الخمسة" أم كان مجردًا منها؛ مثل:
أنت تعرفني صادق الوعد، وأنتم تعرفونني كذلك. ولم تعرفوني مخلفًا. فإذا اجتمعت نون الأفعال الخمسة ونون الوقاية جاز أحد الأمور الثلاثة الآتية:
1- ترك النونين "نون الرفع ونون الوقاية" على حالهما من غير إدْغام2؛ تقول أنتما تشاركاننى فيما يفيد - أنتم تشاركوننى فيما يفيد - أنتِ تشاركيننى فيما يفيد، وهكذا ...
2- إدغام النونين، تقول فى الأمثلة السابقة: أنتما تشاركانِّى ... ، وأنتم تشاركُنِّى، وأنتِ تشاركِنى3 ...
3- حذف إحدى النونين؛ تخفيفًا، وترك الأخرى: تقول: أنتما تشاركانِى وأنتم تشاركوِنى ... ، وأنت تشاركينِى؛ بنون واحدة فى كل ذلك 4.
ب- هناك بعض أمثلة مسموعة، وردت فيها نون الوقاية فى آخر اسم الفاعل، واسم التفضيل؛ فمن الأول قوله عليه السلام لليهود: هل أنتم صادقونِي؟
__________
1 تفصيل الكلام عليها في ص 177.
2 وهو جعلهما نونا واحدة مشددة مفتوحة.
3 بحذف واو الجماعة، وياء المخاطبة، لالتقاء الساكنين. والأصل: تشاركوني وتشاركيني، وحذف الضميران للسبب الذي شرحناه تفصيلا في "جـ" ص 94 وما بعدها. مع مراعاة الهوامش هناك، وما فيها من بيان، وملاحظة ما يتصل بهذه المسألة في "حـ" من ص 50 وفي "ب" من ص 179.
4 في تعيين نوع النون المحذوفة جدل طويل، أهي نون الأفعال الخمسة، أم النون الوقاية؟ والأيسر- وهو الذي يساير القواعد العامة أيضا- أن نقول عند الإعراب: إن النون الموجودة هي نون رفع الأفعال الخمسة، بشرط أن يكون المضارع مرفوعا، فيقال في إعرابه إنه مرفوع بثبوت النون....
إما إذا كان منصوبا أو مجزوما، فالنون الموجودة هي: "نون الوقاية"، والمحذوفة هي نون رفع الأفعال الخمسة حتما، فيقال فيه منصوب أو مجزم بحذف النون، والنون الموجودة هي نون الوقاية. وفي غير ما سبق يتساوى أن تكون المحذوفة هذه أو تلك، فلا أثر لشيء من ذلك في ضبط كلمات الجملة، وفهم معناها. "انظر ص 180".(1/284)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو حذف النون لقال صادِقىَّ1. ومثله قول الشاعر:
وليس الموافينى2 - ليُرْفَد3 - خائبًا ... فإنّ له أضعافَ ما كان أمَّلا
وقوله:
وليس بمُعْيينى -وفي الناس مُمْتعٌ ... صديقٌ إذا أعْيَا علىَّ صديقُ
ولوحذفت النون لقيل: الموافىَّ والمعيِىَّ، ومثال اسم التفضيل قوله عليه السلام: غيرُ الدجَّال أخوفُنى عليكم. وروى: أخْوَفِى عليكم4 "أى: غير الدجال أخوف الأمور التى أخافها عليكم ... "
والشائع أن هذه الأمثلة لا يقاس عليها؛ لقلتها لكن الرأى السديد: أنه يجوز أحيانًا إذا وجد داعٍ 5.
"جـ" إذا كان الفعل مختومًا بنون النسوة لم يغير ذلك من لزوم نون الوقاية قبل ياء المتكلم؛ مثل: النساء أخبرننى الخبر، هن يخبرننى. أخبرننى يا نسوة.
__________
1 فيكون أصلها: صادقون لي، حذفت اللام للتخفيف، والنون للإضافة، فصارت: صادقوي، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصارت صادقي، ثم قلبت ضمة القاف كسرة، لتتناسب الياء.
2 الذي يقصدني ويأتي إلى.
3 لينال العطاء والهبة. "للرفد، العطاء".
4 المعنى: غير الدجال أخوف عندي من الدجال المعروف لديكم بصفاته، إذ يمكنكم أن تحترسوا منه، وتتقوا ضرره. أما غيره فيستتر أمامكم، فيخدعكم، "هذا، وفي الدجال وما يتصل بحقيقته، وغيرها مطاعن كثيرة".
5 إن كانت تلك الأمثلة قليلة لا تكفي للمحاكاة، والقياس عليها- فهناك اعتبار أخر له أهميته، هو أن زيادة نون الوقاية في بعض صور من اسم الفاعل واسم التفضيل قد تزيل أحيانا- اللبس، وتمنع الغموض، وهذا غرض تحرص على تحقيقه اللغة، وتدعو إليه. ففي مثل: من صادقي؟ "
- إذا كانت مكتوبة- قد نقرؤها من إضافة المفرد إلى ياء المتكلم الساكنة، أو من إضافة جمع المذكر إلي ياء المتكلم المدغمة في ياء الجمع، فتكون الياء مشددة مفتوحة. ولا يزيل هذا اللبس إلا نون الوقاية، فوق ما تجليه من خفة النطق. وفي هذه الحالة وأشباهها تكون النون مرغوبة، بل مطلوبة، عملا بالأصل اللغوي العام الذي يدعو للفرار من كل ما يوقع في لبس، جهد الاستطاعة.
أما في صورها الأخرى التي لا لبس فيها عند اتصال أحدهما بياء المتكلم فلا داعي لنون الوقاية، ويجب الأخذ بالرأي الذي يمنعها.(1/285)
المسألة الثانية والعشرون: العلم
أ- "محمود - إبراهيم" "فاطمة - أمينة" "مكة - بيروت" "بَرَدَى1 - دِجْلة"2.
ب- رجل - شجرة - إنسان - حيوان - معدن ...
ج- أسامة "للأسد". ثُعالة "للثعلب". شَيْوَة "للعقرب" ذُؤَالة "للذئب" ...
كل كلمة فى القسم الأول: "ا" تدل بنفسها مباشرة3 على شىء واحد، معيَّن بشكله الخاص، وأوصافه المحسوسة التى ينفرد بها، وتميزه من باقى أفراد نوعه. فكلمة: "محمود" تدل بذاتها3 على فرد واحد له صورة معينة، ووصف حسّى ينطبق عليه واحده دون غيره من أفراد النوع الإنساني. وكذلك إبراهيم، وفاطمة وأمينة، وغيرها.
وكلمة: مكة، أو: بيروت، أو: أشباههما من البلاد - تدل على شيء واحد محسوس؛ هو: بلد معين، له خصائصه، وأوصافه الحسية التى لا تنطبق على سواه، ولا تحمل إلى الذهن صورة غيره. وكذلك الشأن فى بَرَدى، ودِجلة وغيرهما من الأنهار المعينة.
فكل كلمة من الكلمات السالفة إنما تدل بلفظها وبحروفها الخاصة بها على معنى واحد، معين، ينطبق على فرد واحد "أى: تدل على مسمى بعينه" وهي لا تحتاج في دلالتها عليه إلى معونة لفظية أومعنوية تأتيها من غيرها، بل تعتمد على نفسها فى إبراز تلك الدلالة.
أما كلمات القسم الثاني فتدل الواحدة منها على معنى معين، ولكنه معنى غير مقصور على فرد واحد ينحصر فيه؛ وإنما ينطبق على أفراد كثيرة مشتركة معه فى النوع، فهوصالح لكل منها، لا يختص بواحد دون آخر، أى: أنه شائع بينها، كما
__________
1 اسم النهر الذي يخترق "دمشق"، بسورية.
2 اسم نهر العراق.
3 أي: من غير حاجة إلى زيادة لفظية أو معنوية.(1/286)
سبق أن قلنا فى النكرة1. فكلمة: رجل أوشجرة ... أوغيرهما من سائر النكرات تدل على مدلول واحد، لفرد واحد، ولكن هذا الفرد شائع، له نظائر وأشباه كثيرة قد تبلغ الآلاف ... ، ويصلح كل منها أن يكون هو المقصود، وليس بعضها أولى من بعض في ذلك، فإذا أرَدنا لهذه الكلمة أن تدل على مدلول واحد معين لا ينطبق على غيره وجب أن نَضم إليها زيادة لفظية أو معنوية تجعل مدلولها مركزًا فيه وحده بغير شيوع، كأن تقول: رأيت رجلا في النادي، فصافحت الرجل. أو هذا رجل، أو: أعجبني هذا. مشيرًا إلى شيء حسي أو معنوي معروف مُتَمَيّز، أو: أكرمت الذي زارك. فوجود "أل" في كلمة "الرجل" بالطريقة السالفة جعلتها تدل على مُعَين. ووجود الإشارة الحسية أو المعنوية جعلت كلمة: "هذا" تدل على معين. ووجود صلة الموصول -وهي لفظية- جعلت كلمة: "الذي" تدل على معين. ووجود قرينة التكلم أو الخطاب جعلت ضميرهما يدل على معين. وهكذا؛ فلولا الزيادة التى انضمت إلى كل واحدة ما حصل التعيين والتخصيص ... ومن هنا يتضح الفرق بين كلمات القسم الأول التى هي نوع من المعرفة يسمى: "العَلَم الشخصي" أو "علم الشخص"2 وكلمات القسم الثاني التي هي نكرة قبل وجود الزيادة التي انضمت إليها. ثم صارت بعدها نوعًا من أنواع المعرفة. فكلمات القسم الأول تستمد من ذاتها وحدها التعيين والتحديد، بخلاف الثانية. وهذا معنى قولهم في تعريف العلم:
"إنه اللفظ الذي يدل على تعيين مسماه تعيينًا مطلقًا"، أي: غير مقيَّد بقرينة تكلم، أوخطاب، أوغَيبة، أوإشارة حسية، أومعنوية، أوزيادة لفظية؛ كالصلة ... أو غير ذلك من القرائن اللفظية أو المعنوية التي توضح مدلوله، وتحدد المراد منه. فهو غني بنفسه عن القرينة؛ لأنه عَلَم3 مقصور على مسماه، وشارة خاصة
__________
1 ص 206.
2 لأن مدلوله في الغالب شيء مشخص، "أي: مجسم، محسوس، متميز من غيره". وقد يكون شيئا ذهنيا، كالعلم الذي يسمى به الجنين المنتظر ولادته، وكالعلم الدال على قبيلة معينة، بحيث يراد مجموع من وجد فيهما ومن سيوجد، فإن هذا المجموع لا وجود له إلا في الذهن فقط، ولا وجود له في خارج الذهن، إذ لا يقع تحت الحس. وهذا النوع يسمى: "العلم الذهني"، أي: الموضوع المعين في الذهن فقط، متخيل وجوده في خارجه.
3 علامة.(1/287)
به وافية فى الدلالة عليه. وكل كلمة من كلمات القسم الثانى وأشباهها تسمى نكرة1.
__________
1 وقد سبق تعريفها وإيضاحها "في أول باب: "النكرة والمعرفة " ص 206" والنكرة تسمى أيضا: "اسم جنس" عند جمهرة كبيرة من النحاة لا ترى فرقا بينها وبين اسم الجنس، فإن كان لمعين فهي: النكرة المقصودة"، وإن كانت لغير معين فهي: "النكرة غير المقصودة" - كما سيجيء في باب "النداء" جـ 4 وفي هذا الرأي تخفيف وتيسير من غير ضرر، فيحسن الأخذ به، أما غير هؤلاء فيرى فرقا بين الاثنين، يوضحه بقوله الذي سبق أن لخصناه "في الباب الأول" في ص 23، عند الكلام على اسم الجنس، وفي هذا الباب عند الكلام على النكرة، هامش ص 306" ومضمونه.
أن النكرة هي نفس الفرد الشائع بين أشباهه، وهي المدلول الحقيقي المراد من اللفظ، وليست معناه الخيالي المجرد، القائم في الذهن وأما اسم الجنس فهو الاسم الموضوع لذلك المعنى الذهني المجرد، ليدل عليه من غير تذكر في الغالب بين اللفظ ومدلوله الحقيقي، فكلمة: "رجل" مثلا، إن أريد منها الجسم الحقيقي المعروف، المكون من الرأس، والجذع، والأطراف..ز" فهي: "النكرة" وتنطبق على كل جسم حقيقي به تلك الأجزاء الثلاثة بفروعها، أما إن أريد منها المعنى القائم في الذهن لكلمة: "رجل" وهو المعنى الخيالي الذي يخلقه العقل، ويتصوره بعيدا عن صورة صاحبه وعن استحضار هيئة فرد من الأفراد التي تنطبق عليها تلك الصورة فهي: "اسم الجنس" ومدلوله هو: المعنى المجرد، أو: الحقيقة الذهنية المجردة، أو: المعنى الخيالي العام، ويوضحون ذلك بأن المعنى المجرد، أو: الحقيقة الذهنية المجردة، أو المعنى الخيالي العام - متعدد الأصناف في داخل الذهن، فلا بد أن يكون لكل صنف اسم يميزه من الآخر، فتلك الأصناف الذهنية التي هي المعاني المجردة.... تسمى: الأجناس، ويسمى الذي يميز كل واحد، "اسما للجنس" أو: "اسم الجنس"، أي: الاسم الموضوع لهذا الجنس، ليفرق بينه وبين جنس آخر، كما وضع "رجل" اسما للصنف المعروف من المخلوقات، ليتميز من صنف آخر كالشجر، والطيور.
ولكن كيف ينشأ في الذهن هذا المعنى المجرد؟ وكيف تتكون تلك الحقيقة الذهنية فيه فتنطبق على أفراد كثيرة؟ كيف يدرك العقل معنى: شجرة مثلا إدراكا مجردا، ومن أين يصل إلى هذا؟ وكيف؟
يقولون - كما أشرنا في صفحتي 23 و 206 إن أصناف النبات الكبير متعددة كأشجار النحل، والبرتقال والليمون وقد رأي المرء النخلة مرات وفي كل مرة يحس ويدرك شيئا من أوصافها. ثم رأي البرتال كذلك، ثم الليمون، ثم ... ثم. وبعد تعدد المرات في أزمنة متباينة - كشف العقل في تلك الأشياء المتعددة صفات مشتركة، وانتزع من مجموع تلك الصفات المشتركة صورة واحدة عقلية، خيالية، أي: معنى مجردا واحدا، ينطبق في خارج الذهن على كل فرد من الأفراد السابقة، وعلى مئات وآلاف غيرها تشبهها في تلك الأوصاف التي عرفها. فماذا نسمى المعنى العقلي الخالص؟ أو: ما اسم الحقيقة الذهنية المحضة التي ولدتها تلك المشاهدات، كي نميزها من المعاني الذهنية الأخرى الكثيرة؟ سميناها: "شجرة" فكلمة: "شجرة" هي اسم لشيء أدركه الذهن بعد أن صوره من صفات مشتركة بين أفراد خارجة عنه، لا وجود لها في داخله، وإنما هي في خارجه، فليس في الذهن شجرة حقيقية لنوع من أنواع النبا، وإنما هي كما شرحنا - بارزة في خارجة. فكلمة: "شجرة " اسم يدل على جنس يدرك العقل معناه تخيلا. أما حقيقته الواقعية المجسمة، المنطبقة على أفراده - فهي في خارج الذهن. ومتى انتزع العقل المعنى المجرد أمكنه بعد ذلك أن يدرك مدلوله من غير حاجة في الغالب إلى استرجاع صورة حقيقية لفرد من أفراده. وما يقال عن شجرة" يقال عن كل معنى عام عقل آخر، أي: أن العقل يدرك المراد منه من غير حاجة إلى استحضار صورة من صور أفراده.
وإليك كلمة: "إنسان" أيضا فقد رأى المرء محمودا، وحاتما، وأمينا، وفريدة ومية. و ... وتكررت مشاهدته لهذه الأفراد. واستخدام حواسه فيها، حتى استطاع العقل بعد ذلك أن ينتزع من الصفات =(1/288)
أما أمثلة القسم الثالث فهي لنوع آخر يختلف فى دلالته عن النوعين السابقين؛
__________
= المشتركة بينها صورة خيالية، أي: معنى واحد ذهنيا للإنسان له أفراده ومدلولاته الحقيقية الكثيرة، وليست في داخل الذهن، وإنما هي في العالم الخارجي الحسي البعيد عن النطاق الداخلي للذهن. فهو معنى واحد عام يدل على جنس. "أي: صنف" له أفراده الحسية المتعددة البعيدة عن داخل اعقل، وعن منطقة الذهن التي لا تحتوي في داخلها شيئا حسيا، وصار العقل بعد ذلك لا يحتاج - غالبا - في إدراك المراد من ذلك المعنى إلى استرجاع صورة حسية لفرد من أفرادهظ فما اسم المعنى المجرد الذي انتزعه العقل، ليمثل هبذا الجنس، ويدل عليه، ويميزه من الأجناس المعنوية الأخرى اسمه: "إنسان" كذلك أدرك العقل مجموع الصفات المشتركة بين على، وأسد، وعصفور، وحصان ... و ... وكون منها صورة خيالية، أي: معنى ذهنيا واحدا ولكنه عام يمثل جنسا "أي: صنفا" له في خارج العقل أفراد حقيقية كثيرة، وهذا المعنى العقلي العام يسمى: "حيوانا".
وكذلك أدرك العقل من مجموع الصفات المشتركة بين حديد وذهب وفضة ... و ... صورة خيالية، أي: معنى ذهنيا عاما لجنس اسمه: "معدن" ... و.... وهكذا.
فالمعاني الذهنية العامة كثيرة، وهي معان مجردة، إذ لا يكون معها في داخل الذهن مدلولاتها الحسية الحقيقية التي في خارجه. فإذا كان الذهن يدرك معنى "رجل" و "إنسان" و "معدن" فهل يضم في داخله نماذج حقيقية لكل واحد من هذه؟. .
لا ولما كانت المعاني الذهنية المحضة التي تمثل الأجناس متراكمة، متتزاحمة في داخله وجب أن يكون لكل جنس اسم خاص به، يميزه من غيره، فلهذا اسم: "شجرة" ولذلك اسم: "إنسان"، ولثالث "اسم: "حيوان" ولرابع اسم: "معدن" ولخامس اسم: "جماد".... وهكذا.... فكلمة "شجرة" اسم لجنس معين، أي: لمعنى ذهني متميز وكذا البواقي، فاسم الجنس اسم موضوع ليد على معنى ذهني واحد، ولكنه معنى عام، له أفراد حقيقية، كثيرة في خارج الذهن. وهذا معنى تعريفهم "أنه يدل على الماهية بغير نظر إلى أفرادها - غالبا". يريدون بالماهية، "الحقيقة الذهنية المجردة أو: المعنى العقلي الخالص"، وبذلك الاسم تتميز المعاني الذهنية بعضها من بعض، أي: يتميز جنس من باقي الأجناس الأخرى.
من كان ما تقدم نعلم أن اسم الجنس عندهم هو اسم للمعنى الذهني المجرد، وأن النكرة هي مدلوة الخارجي الذي ينبطق عليه ذلك المعنى فلا، أي: هي نفس الفرد الشائع. إلخ. هذا هو الفرق بينهما عند من يراه، وهو فرق فلسفى متعب في تصوره، ليس وراءه فائدة عملية.
واسم الجنس ثلاثة أقسام سبق الكلام عليهما في الباب الأول "ص 23 وما بعدها".
ويسوقنا الكلام عن النكرة وعن اسم الجنس إلى شيء ثالث لا مناص من إيضاحه هنا، وهو: "علم الجنس" فما المراد منه؟ وما مدلوله؟ وما أحكامه؟.
أطلنا الكلام في اسم الجنسن وكرركنا له الأمثلة، وانتهينا من كل ذلك إلى أنه الاسم الموضوع للصورة العقلية الخيالية، أي: للمعنى العقلي العام المجرد، أي الحقيقة الذهنية المحضة ... وأننا حين نسمع أو نقرأ - كلمة "شجرة" أو: "إنسان" أو: معدن ... نفهم المراد منها سريعا من غير أن يستحضر العقل في الغالب - صورة معينة للشجرة، كالنخلة، أو صورة معينة للإنسان كحسين، أو صور ة معينة للمعدن، كذهب فقد استغنى العقل عن تلك الصورة الفردية بعد مشاهداته الأولى الكثيرة وصار يدرك المراد حين يسمع اسم الجنس إدراكا مجردا، أي: خاليا من استحضار صورة فرد من أفراد ذلك الجنس ومن غير حاجة في الغالب إلى استرجاع شكله وهيئته كما شرحنا.
لكن هناك بعض الصورة العقلية أي: الصورة الذهنية" لأجناس لا يمكن بحال. أن يدركها العقل وحدها من غير أن يتخيل صورة فرد، أي: فرد من ذلك الجنس ولا يمكن - مطلقا =(1/289)
يسمى: "علم الجنس"1.
ولتوضيحه نقول؛ إذا دخلت حديقة الحيوان فرأيت الأسد، ومنظره الرائع المَهِيب، وشاهدت ما يغطى عنقه، وينسدل على كتفيه؛ من شعر غزير، كثيف، يسمى: اللِّبد، وما ينبت فوق فمه من شعر طويل؛ كأنه الشارب؛ فسميت الأسد بعد ذلك: "صاحب اللِّبد" أو"أبو الشوارب"، فهذه التسمية تحمل الذهن عند إطلاقها وعند سماعها على تخيل صورة
__________
= أن يفهم المراد منها من غير أن يستحضر صورة لواحد_ أي واحد- تنطبق عليه مثال ذلك كلمة. "أسامة" فإن معناها" "أسد" لكن لا يدرك العقل معنى أسامة إلا مصحوبة بصورة "أسد"، فالحقيقة الذهنية هنا ليست مجردة من صورة فرد، وإنما يلازمها حتما صورة تنطبق عليه. وكذلك كلمة. "ثعالة" فإن معناها: "ثعلب" ولكن العقل لا يفهم هذا المعنى منعزلا ولا منفصلا عن مصاحبة صورة "لثعلب". وذلك على خلاف كلمة: "أسد" وثعلب" وأشباههما.... وبعبارة أخرى، كلمة: "أسد" و "ثعلب" وأشباهها تدل في عالم الحس والواقع على مئات وآلاف من ذلك الحيوان المتوحش. فإذا تخيلنا صورة ذهنية لواحد من فصيلة: الأسد - مثلا - وقد رسم العقل تلك الصورة في دائرته، بحيث جعلها رمزا يدل على تلك الفصيلة ووضعنا للرمز علما خاصا به "أي: اسما مقصورا عليه "ليدل عليه، وينطبق على كل فرد من أفراد تلك الفصيلة، فإن هذا العلم يمسى: "علم الجنس" أي: علما يدل على ذلك الجنس، ويرشد لكل فرد من أفراده زمما يوضح هذا المعهى ويقر به إلى الفهم "وإن كان ليس علم جنس" ما نعرفه في عصرنا الحالي من تمثال: "الجندي المجهول"، فإننا حين نسمع: "الجندي المجهول" يتجه عقلنا مباشرة إلى صورة ذلك الجندي ويستحضر الذهن تمثاله المعين الذي يرمز له، وهو تمثال واحد، ورمز مفرد. ولكنه ينطبق في عالم الحس والواقع على الآلاف من الجنود المجهولين. ويجب أن نتنبه إلى أن ذلك الفرد القتيل غير معين، وأنه شائع بين أفرد جنسه، فهو في المعنى كالنكرة، وفي هذا يقول بعض النحاة:
إن علم الشخص واقع على الأشخاص، كمحمد، وعلى، فالعلم فيه يحض شيئا بعينه، لا يشاركه فيه غيره. وعلم الجنس يخص كل شخص من ذلك الجنس يقع عليه ذلك الاسم، نحو، أسامة، وثعالة، فإن هذين الاسمين يقعان على كل ما يقال له: "أسد" و "ثعلب" وإنما كان العلم هنا للجنس ولم يكن كالأناسي لأن لكل واحد من الأناسي حالة مع غيره، من بيع، وشراء أو زراعة، أو غير ذلك فاحتاج إلى اسم يخصه دون غيره، ليكون الاسم دليلا على صاحبه ومميزا له من غيره ... وأما هذه السباع التي لا تثبت ولا تستقر بين الناس فلا تحتاج إلى أسماء أو ألقاب لتميز أفراد الجنس الواحد بعضها من بعض. فإذا لحها اسم، أو لقب لم يكن ذلك خاصا بفرد دون آخر، وإنما كان متجها لكل واحد من أشخاص ذلك الجنس، فإذا قلت، أسامة أو ثعالة ... فكأنك قلت هذا الضرب، أو:هذا الجنس الذي رأيته أو سمعت به من السباع وتخيلت صورة فرد منه وقت الكلام ... فهذه الألفاظ معارف، إلا أن تعريفها أمر لفظي، وهي من جهة المعنى نكرات، لشيوعها في كل واحد من الجنس وعدم انحصارها في شخص بعينه دون غيره. فكأن اللفظ موضوع لكل شخص من هذا الجنس، فوضع اللفظ للفرد الشائع جعله بمنزلة العلم، بالرغم من هذا الشيوع ... ومراعاة الواقع الصريح في أن الفرد شائع غير معين جعله بمنزلة النكرة ومن هنا كان لعلم الجنس اعتباران أحدهما: لفظي" يدخله في عداد العلم "والعلم هو نوع من المعارف"، والآخر "معنوي" يدخله في عداد النكرة. ولكل منهما آثاره التي ستعرفها. وسيجيء إيضاح آخر في ص 296 عند الكلام على القسم الثالث الذي في رأس هذه الصفحة. "راجع الفصل جـ 1 ص 34 وما بعدها".
1 تكلمنا عليه بإفاضة، وبمعالجة أخرى في الهامس الذي قبل هذه مباشرة.. أما الكلام على قياسيته ففي رقم 1 من 299.(1/290)
عامة للأسد حتمًا، وعلى تذكر مثال له، من غير أن تكون تلك الصورة أو المثال مقصورة على الأسد الذي كان في الحديقة؛ بل تنطبق عليه وعلى غيره من أمثاله. فهذا الاسم الذي وضعته للصورة هو علم يدل عليها؛ وعلى كل صورة مثلها من أفراد صنفها. أي: أنه شارة ورمز لتلك الصورة التي لا تمثل فردًا بعينه، وإنما تُمثل الصنف كله، أي: تُمثل ما يسمونه: "الجنس" كله؛ فتنطبق على كل فرد من أفراد ذلك الجنس؛ وهذا معنى قولهم: "إنه علم للجنس"، أو: "علم الجنس".
ومثل هذا يقال عن كلمة: "أسامة". فقد أطلقت أول مرة على أسد معين لداعٍ دعا إلى هذه التسمية. فإذا قيلت بعد ذلك لم يفهم العقل معناها فهمًا مجردًا من غير تخيل صورة فردٍ -أيّ فرد- من ذلك الحيوان المفترس، بل لا بد أن يحصل مع الفهم تخيل صورة تمثل أسدًا غير معين، أي: لا بد مع الإدراك من ذلك التخيل الذي يعيد إلى الذهن صورة تمثل المراد، وينطبق عليها الاسم، فهذا الاسم هو الذي يسمى: علمًا للجنس كله، أو: "علم الجنس".
ومثل هذا أن ترى الفيل وخُرطومه فتسميه: "أبو الخرطوم" فهذا علم للفيل ينطبق على الفرد الذى أمامك، وعلى كل نظير له، فهو علم لواحد غير معين من الأفيال. فإذا كان اسم الجنس هو اسم يدل على الحقيقة الذهنية المجردة أي: الخالية من استرجاع الخيال لصورة فرد منها -كما سبق1- فإن علم الجنس يدل على تلك الحقيقة، مركزة في صورة كاملة ويقترن بها، ويستعيدها الخيال لفرد غير معين من أفراد ذلك الجنس فهي تصدق على كل فرد. فكأن هذا العلم موضوع لكل فرد من أفراد تلك الحقيقة الذهنية العقلية. ولذا قالوا في تعريف علم الجنس، إنه: اسم موضوع للصورة التى يتخيلها العقل في داخله لفرد شائع من أفراد الحقيقة الذهنية. ومن أمثلته أيضًا -غير ما سبق2- فى "ج": "ابن دَأيَة"؛ للغراب و"بنت الأرض": للحصاة، "وابنة اليم"؛ للسفينة3 ...
__________
1 في هامش ص 288 وما بعدها.
2 هنا وفي "ج" ص 286.
3 وكذلك جميع ألفاظ التوكيد المعنوي" الملحقة" بألفاظ التوكيد المعنوي الأصلية، كما سيجيء عند الكلام على حكمه في رقم 4 من ص 297.(1/291)
المسألة الثالثة والعشرون: أقسام العلم
له عدة أقسام باعتبارات مختلفة:
أ- فينقسم باعتبار تشخص1 معناه وعدم تشخصه إلى علم شخص، وإلى علم جنس2.
ب- وينقسم باعتبار لفظه إلى علم مفرد، وعلم مركب3.
ج- وينقسم باعتبار أصالته فى العلمية وعدم أصالته إلى مُرْتَجَل، ومنقول4.
د- وينقسم باعتبار دلالته على معنى زائد على العَلمية أوعدم دلالته - إلى اسم، وكُنية، ولقب5.
تلك هي أشهر أقسامه6، ولكل منها أحواله الخاصة7 التي نفصلها فيما يلي:
التقسيم الأول:
يتضمن انقسام العلم باعتبار تشخص معناه وعدم تشخصه إلى علم شخص، وعلم جنس8....
__________
1 أي: اعتبار أن مسماه شخص -أي: جسم- له وجود حقيقي، محسوس، وليس أمرا ذهنيًّا بحتًا "أي: أنه لا يكون حقيقة عقلية مجردة"، وهذا في الغالب "انظر رقم 2 من هامش ص 287 ثم البيان المفيد في هامش ص 288".
2 وهناك نوع آخر من العلم يسمى: "العلم بالغلبة" ومكان الكلام عليه ص 433 وهو في قوم "العلم الشخصي" من ناحية التعريف. أما في غيرها فبينهما نوع اختلاف أوضحناه هناك.
3 موضعهما ص 300.
4 موضعهما ص 302.
5 موضع الثلاثة ص 307.
6 وهناك قسم العلم المقرون بكلمة: "أل" لزوما أو غير لزوم، وأحكام كل: وستجيء في ص 429.
7 تجيء في ص 308 وما بعدها.
8 هذان قسمان للعلم الوضعي، ويقابله "العلم بالغلبة" والفرق بين الوضعي ومقابله موضح في رقم 5 من هامش ص 434.(1/292)
علم الشخص:
"هو، اللفظ الذى يدل على تعيين مسماه تعيينًا مطلقًا" وقد شرحنا1 هذا شرحًا وافيًا، وأوضحنا المراد من "الإطلاق".
وله حكم معنوي وأحكام لفظية. فأما حكمه المعنوى: فالدلالة على فرد مشخص معين2 - فى الغالب - ويكون هذا الفرد من بين ما يأتى من الأنواع:
1- أفراد الناس، مثل على: وسمير، وشريف، ونبيلة، وغيرهم من أفراد الأجناس التى لها عقل، وقدرة الفهم، كالملائكة، والجن، مثل: جبريل، وإبليس ...
2- أفراد الحيوانات الأليفة التى يكون للواحد منها علَم خاص به، مثل: "بَرْق"، علم لحصان، و"بارع" علم لكلب، و"فصيح" علم على بلبل و"مكحول" علم على ديك ...
3- أشياء أخرى لها صلة وثيقة بحياة الناس وأعمالهم: كأسماء البلاد، والقبائل، والمصانع، والبواخر، والطائرات، والنجوم، والعلوم، والكتب، وغيرها من كل ماله ارتباط قوىّ بمعايش الناس، وله اسم خاص به لا يطلق على غيره ... مثل: مصر، دِمَشق، حَلَب "أسماء بلاد". ومثل: تميم، طَىّ، غَطَفان، ... "أسماء قبائل عربية قديمة". ومثل: زامر، وأُلْبا، وفُرْد "أسماء مصانع مسماة بأسماء أصحابها". ومثل: محروسة - عناية - قاصد خير ... "أسماء بواخر". وغير ذلك مما يشبهها من كل مدرسة، أومعبد، أوملجأ، أوطائرة، أومؤسسة ... بشرط أن يكون لكل منها اسم خاص يُعرف به، ولا يشاركه فيه سواه. وهذه الأشياء المعينة المحددة التى تدل عليها الأعلام تسمى: "المدلالوت"، أو: "الحكم المعنوى" لعلم الشخص3.
__________
1 في ص 286 وما بعدها، ولا سيما هامش ص 288.
2 والصحيح أن العلم لا يفقد علميته عند تصغيره.
3 وإلى بعض ما سبق يشير ابن مالك إلى أنواع علم الشخص بقوله في أول باب: العلم.
اسم يعين المسمى مطلقًا ... علمه، كجعفر، وخرنقا
وقرن، وعدن، ولاحق ... وشذقم وهيلة، وواشق
فجعفر: علم رجل. وخرنق: علم امرأة وقرن: علم قبيلة، وعدن: علم بلد [ولا حق] : علم فرس. وشذقم: علم جمل، وهيلة: علم شاة، وواشق: علم كلب. وسيجيء كلامه. على علم الجنس هامش في ص 298 - وقد شرحناه، بإضافة هامش ص 289 ثم في ص 296.(1/293)
وأما أحكامه اللفظية فكلها أثر من آثار أنه معرفة؛ فلذا لا يضاف، ولا يعرّف بأل، لعدم حاجته لشىء منهما. ويصح أن يقع مبتدأ؛ مثل:
__________
1 قد يكون من الدواعي البلاغية، "كالمدح والذم ... ، كما أشرنا في رقم 3 من هامش ص 130ما يقتضي تنكير العلم، إما تنكيرا صريحا، نحو: رأيت محمدا من المحمدين، "وما من زيد كزيد بن ثابت"، وإما تنكيرا ملحوظا، أي: "مقدرا" كقول أبي سفيان: لا قريش بعد اليوم. وقول بعض العرب: "لا بصرة لكم":"فوقوعه فيهما اسم "لا"، دليل على تنكيره، لأن اسمها المفرد نكرة". وإذا نكر العلم جاز إصافته بشرط أن تكون الإضافة لغير أبيه، منعا للإلباس، الذي يحدث في مثل: أقبل على محمود. إذ لا ندري: أمحمد هذا هو أبوه، وأن الأصل على بن محمود.... أم أنه شخص آخر؟ ولهذا منعوا حذف المضاف إذا كان كلمة "ابن".... طبقا لما سيجيء في باب الإضافة "جـ3 م 96 ص 156".
كما جاز أن تدخله "أل" التي للتعريف أو غيرها مما يعرفه، وأن يثني، وأن يجمع، من غير أن تلحقه بعد التثنية والجمع "أل" التي تعرفه، فيبقى على تنكيره. أما العلم الباقي على علميته فإنه عند تثنيته وجمعه يفقد التعريف، لمشاركة غيره له في اسمه، وصيرورته بلفظ لم يقع به التسمية في الأصل، فإذا أردنا إرجاع التعريف له بعد التثنية والجمع وجب أن نزيد عليه ما يفيده التعريف، مثل: "أل"، فكلمة مثل، محمد، هي علم، فهي معرفة، فإذا ثني أو جمع قيل: محمدان، محمدون، وكلاهما نكرة، طبقا لشروط التثنية والجمع فإذا أردنا تعيينه وتعريفه زيدت عليه "أل" - مثلا - كي تجعله معرفة. "وقد أوضحنا هذا في رقم 3 من ص 129".
هذا، والأصل في العلم الخاص أنه لا يجوز إضافته، لأن الإضافة لا تفيده شيئا من التعريف أو: التخصيص والإيضاح....، لأنه معرفة بنفسه، فليس في حاجة جديدة إليها ولا يجوز أن تدخله "أل" المعرفة، ونحوها، لأنه في غنى عنها. لكن إذا وجد داع بلاغي - كما قلنا- فإنه يجري مجرى النكرات، سائر الأسماء المبهمة الشائعة، فتدخله "أل" المعرفة، ويضاف- ولو كان العلم في الحالتين علما بالغلبة، كما سيجيء في ص 436- فتفيده الإضافة مزاياها في التعريف، والتخصيص، والإيضاح.
كقول النابغة الجعدي يهجو الأخطل:
ألا أبلغ بني خلف رسولا ... أحقا أن أخطلكم هجاني؟
وقد يكون الغرض البلاغي أمرا آخر "غير ما أشرنا إليه من المدح والذم" هو: تقليل الاشتراك وزيادة التعيين والتحديد والإيضاح، ومنه قول الشاعر:
علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشفرتين يماني
وسيجيء كلام على هذا البيت لمناسبة أخرى، في جـ3 بالإضافة ص 44 م 93.
وقول لآخر:
يا عد أم العمرو من أسيرها ... حراس أبواب على قصورها
وأنشد ابن الأعرابي:
يا ليت أم العمرو كانت صاحبي ... مكان من أنشا على الركائب
=(1/294)
محمود نابه، ويقع صاحب حال متأخرة عنه ومتقدمة؛ مثل: جاء حامدٌ مبتسمًا؛
__________
= وقول الأخطل:
وقد كان منهم حاجب وابن أمه ... أبو جندل والزيد زيد المعارك
وقول لآخر:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر
وقد أشرنا لما تقدم في رقم 1 من هامش ص 436 لمناسبة هناك.
وفيما سبق يقول شارح المفصل جـ 1 ص 44، 45، ما ملخصه.
"العلم الخاص لا يجوز إضافته، ولا إدخال لام التعريف عليه، لاستغنائه بتعريف العلمية عن تعريف آخر. إلا أنه ربما شورك في اسمه، أو وقع الاعتقاد بذلك، فيخرج عن أن يكون معرفة، ويصير من طائفة كل واحد منها له اسمه، ويجري مجرى الأسماء الشائعة التي تحتاج إلى إيضاح وتعيين. نحو رجل، وفرس، فحينئذ يمكن إضافته، وإدخال الألف واللام عليه، كما يقع ذلك في الأسماء الشائعة. فالإضافة نحو: زيدكم وعمركم. وعلا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم.... ونحو يا ليت أم العمرو كانت صاحبي.... ونحو: يزيد سليم، وعمر الخير، ومضر الحمراء، وأنمار الشاة، وربيعة الفرس....
وهذه الأعلام متى أضيفت- لمعرفة فقدت التعريف بالعلمية، واكتسبت تعريفا آخر يفيدها الإيضاح، هو التعريف بالإضافة، وصارت مثل "أخيك" و "غلامك" في تعريفهما بالإضافة.... هذا إن أضيف العلم لمعرفة، أما إذا أضيف إلى نكرة فهو نكرة، نحو: مررت بمحمد رجل، وعلى امرأة. إلا أنه يحدث في المضاف عندئذ نوع تخصيص، لأنك جعلته، "محمد رجل"، ولم تجعله "محمدا" شائعا في المحمدين، كما أنك إذا قلت، "غلام رجل" استفيد من أنه ليس لامرأة ... " أهـ- "راجع أيضا رقم 3 من هامش ص 317 الآتية، والخضري جـ1 عند الكلام على شروط المثنى".
مما سبق يتبين أن الاستعمال الشائع الآن غير صحيح، حيث يضاف العلم إلى اسم الوالد، أو الوالدة، نحو: محمد على، ومحمود حامد، وزينب صالح، وفاطمة - أمينة ... ز" هي أعلام لأبناء مضافة إلى أعلام الوالد أو الوالدة. ومن المحتم أن تتوسط بينهما كلمة.. "ابن وابنة" ولا يصح حذفها مطلقا، ولو كان الحذف قائما على اعتبارها مضافا محذوفا أقيم المضاف إليه مقامه، لأن هذا الحذف يوقع في اللبس، إذ لا دليل معه يدل على أن المضاف من أولاد المضاف إليه، ولهذا نصوا- في باب الإضافة، كما سبق على منع حذف المضاف إذا كان لفظة "ابن" ومثلها: ابنة "راجع جـ3 م 96 ص 155".
لكن ما المراد بالإيضاح في جانب المعارف، وبالتخصيص في جانب النكرات؟ . أشار لهذا صاحب "المفصل" فيما سبق وفيما يجيء.
فالمراد بالإيضاح هو: رفع الاحتمال، وإزالة الاشتراك في المضاف إلى المعرفة. والمراد بالتخصيص: تقليل الاحتمال والاشتراك في المضاف إلى النكرة. بيان ذلك: أننا حين نقول: سافر محمود - مثلا - "فمحمود" علم قد يشترك فيه عدة أشخاص، فلا ندري من منهم الذي سافر. فإذا قلنا: سافر "محمود الحديقة" أو: "محمود البيت، أو محمود نا" فقد زال الاحتمال، وارتفع الاشتراك بسبب إضافته =(1/295)
أو جاء مبتسما حامد -لأن الغالب فى المبتدأ وصاحب الحال أن يكونا معرفتين- ويمنع من الصرف إن وجد مع العلمية سبب آخر للمنع، كالتأنيث في مثل: أصغيت إلى فاطمةَ. ويكون نعته معرفة مثله، ولا يصح أن يكون نكرة.
علم الجنس:
تعريفه:
اسم موضوع للصورة الخيالية التى فى داخل العقل، والتى تدل على فرْد شائع من أفراد الحقيقة الذهنية1.
حكمه المعنوى: أكثر ما يتجه إليه معناه هو: الدلالة على واحد غير معين؛ فشأنه فى هذه الدلالة كشأن النكرة. ولكن هذا الواحد الشائع يكون من بين الأشياء الآتية المسموعة2 عن العرب:
1- حيوانات غير أليفة؛ كالوحوش، والحشرات السامة؛ وجوارح الطيور،
__________
= لمعرفة، كما لو أتينا بعده بنعت - مثلا - فقلنا: سافر محمود العالم.
وإذا كانت إضافته إلى نكرة فإن الاحتمال لا ينقطع، والاشتراك لا يزول، وإنما يخف أمرهما ويقل كما سبق في: محمد رجل ... وقد يحصل الاحتمال ويبقى الاشتراك بعد إضافة العلم إلى المعرفة، ولكن هذا قليل لا يلتفت إليه "راجع التصريح وهامشه في أول باب: النعت".
ثم قال صاحب شرح المفصل في المكان السابق:
"أما إدخال "أل" على العلم فقليل جدا في الاستعمال، وإن كان القياس لا يأباه كال الإباء، لأنك إذا قدرت فيه التنكير، وأنه ليس له مزية على غيره من المسمين به جري مجرى: "فرس" و "جل" ولا تستنكر أن تدخل عليه "أل" وقد جاء في الشعر وما أقله ... أهـ.
وقد ينكر العلم الممنوع من الصرف، مثل: جاء أحمد -، ورأيت أحمدا- ومررت بأحمد إذا كان هذا الاسم مشتركا بين عدة أفراد كل منهم يسمى: بأحمد، ولا تقصد فردا معينا، وقد سبق بيان هذا في تنوين: "التمكين" "في رقم 3 من هامش ص 33 و 3 من هامش ص 37" ويرى بعض النحاة أن العلم إذا أضيف لا يفقد علميته، بل تبقى وإنما يكتسب من الإضافة زيادة إيضاح على إيضاحه السابق، تفيده تعيينا، وتمنع أثر الاشتراك عنه، كالذي في قول العرب: هذا جميل بثنية، وقيس ليلى.
والخلاف لفظي شكل، لا أثر له. وإن كان الرأي الأول هو الذي يساير القواعد النحوية العامة.
1 سبق شرح هذا بالإضافة في ص 289 وما بعدها.
2 انظر رقم ص 299 حيث الكلام على قياسيته.(1/296)
ومنها: "أبوالحارث وأسَامة" وهما: للأسد، "وأبوجَعْدة وذُؤَالة" وهما: للذئب. "وشَبْوَة وأمّ عِرْيَط"، وهما: للعقرب "وثُعَالة، وأبوالحُصَيْن"، وهما: للثعلب.
2- بعض حيوانات أليفة1؛ ومنها: هَيَّان بن بَيَّان؛ للإنسان المجهول نسبه وذاته. ومثله: طامر بن طامر، وأبوالمَضَاء، للفرس. وأبوأيوب، للجمل وأبوصابر، للحمار، وبنت طَبَق، للسحلفاة2. وأبوالدَّغفاء، للأحمق، من غير تعيين شخص بذاته في شيء مما سبق. فلو أريد به فرد واحد معين لكان علم شخص.
3- أمور معنوية3 "أى؛ ليست محسوسة؛ فهى تخالف النوعين السابقين" مثل: أم صبور، علم للأمر الصعب الشديد. ومثل: سُبحان، علم للتسيج، وأم قَشْعَم، علم للموت، وكَيْسان، علم للغدر، ويَسَارِ "على وزن: فَعَالِ، وهووزن للمؤنث هنا" علم للمَيْسرة، أى: اليُسر. وفَجَارِ؛ علم للفَجْرة. "أى: الفجور، وهوالميل عن الحق" وبَرَّة؛ علم للمَبرة. "أى: البرّ".
4 جمع ألفاظ التوكيد المعنوي "الملحقة" بألفاظه الأصيلة، لأن كل لفظ من هذه الملحقات هو علم جنس يدل على الإحاطة والشمول، ولهذا لا يجوز نصبه على الحال في الرأي الصحيح- ومن تلك الألفاظ الملحقة: "أجمع - جمعاء- أجمعون- جمع"، وكذلك "أكتع- أبتع- أبصع" وسيجيء البيان بتفصيل هذا في باب التوكيد جـ3 م 116 - ص 502.
أحكامه اللفظة هي الأحكام اللفظية الخاصة بقسيمه: "علم الشخص"، فهما متشابهان فيها4،
__________
1 مجيء علم الجنس من هذا النوع قليل بالنسبة للنوعين الآخرين، لأن الأشياء المألوفة توضع الأعلام للفرد منها، لا للجنس.
2 وقد تستعمل للحية.
2 انظر ص 299 ففيها تكملة مهمة.
4 ولكن يجب ملاحظة ما يمتاز به "علم الشخص" من صحة جمعه جمع مذكر سالم باطراد إذا استوفى شروط هذا الجمع "وقد سبقت في ص 140" أما علم الجنس فلا يجمع منه هذا الجمع إلا ألفاظ معدودة، هي: أجمع- أكتع - أبصع - أبتع - ... "طبقا لما أشرنا إليه في رقم 2 من هامش ص 140 ورقم 4 من هامش ص 142 أما الإيضاح والتفصيل في المكان الخاص، وهو باب: التوكيد، حـ 3 م 116 ص 500".(1/297)
فلا يجوز1 في علم الجنس أن يضاف، ولا أن تدخل عليه "ألْ"1 المعرّفة؛ فلا تقول: أسامةُ الحديقة في قفص، ولا الأسامة في قفص. وهو يقع مبتدأ؛ مثل أسامة مفترس؛ ويكون صاحب حال متأخرة عنه2؛ مثل: زأر أسامة غاضبًا. ويمنع من الصرف إن وجدت علة أخرى مع العلمية، كالتأنيث فى مثل: أسامةُ ملك الوحوش؛ فتمتنع كلمة: "أسامة" من الصرف للعلمية والتأنيث3 ويجب أن يكون نعته معرفة مثل: أسامة القوىّ ملك الوحوش. ولا يصح أن يكون نكرة4، في الرأي الصحيح.
وفيما سبق من الأحكام المعنوية واللفظية بيان وتفسير لقول النحاة: حُكْم علَم الجنس أنه نكرة معنى، معرفة لفظًا".
__________
"1و 1" الأشياء التالية كلها لا تجوز، بشرط بقائه على علميته، فإن نكر جاز إضافته، واقترانه بأل، ووصفه بالنكرة، وعدم منعه من الصرف.... و..... وهي أمور تجري في "علم الشخص"، طبقا لما بيناه عند الكلام عليه- انظر رقم 1 من هامش ص 294 حيث البيان -.
2 لأن مجيئها متأخرة عنه دليل على أنه معرفة، إذ الحال المتأخرة لا يكون صاحبها نكرة في الغلب - إلا في مواضع معينة تخالف هذه. أما إذا تقدمت الحال فإن صاحبها قد يكون معرفة، مثل: أقبل ضاحكا الضيف، وقد يكون نكرة، مثل: أقبل ضاحكا ضيف.
3 ومثلها: "ثعالة" للثعلب، و "برة" للمبرة. و "سبحان"، وكيسان"، للعلمية وزيادة الألف والنون. وكلمة: "أوبر" في "بنات أوبر" نوع من الكمأة. - للعلمية ووزن الفعل.... وهكذا.
4 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله في آخر باب: العلم.
ووضعوا لبعض الأجناس علم ... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم
من ذاك: "أم عريط" للعقرب ... وهكذا: "ثعالة" للثعلب
ومثله: "برة" للمبرة ... كذا، "فجار" علم للفجرة
أي: أن العرب وضعوا علم جنس لبعض الأجناس - انظر رقم 2 من الصفحة الآتية - في الأحكام اللفظية أما في الحكم المعنوي فكلاهما يدل على فرد واحد، غير أن علم الشخص يدل في الأغلب على فرد واحد متعين، وعلم الجنس يدل على فرد واحد غير متعين. وهذا هو المراد من قول ابن مالك أنه: عم. بصيغة الفعل الماضي، يريد، أن مدلوله عم الأفراد: بحيث يصدق مدلوله على كل فرد، دون فرد بذاته، فهو عام شائع من جهة مدلوله.
و"فجار" علم للمؤنث"، ولذا قال علم: للفجرة، أي: الفجور، فالتاء فيها ليست للمرة، وتأنيث الوحدة، وإنما هي التاء الدالة على حقيقة الشيء، أي: ذاته الأساسية الشائعة في ضمن أفراده.(1/298)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
1- استعمل العرب علم الجنس في أمور معنوية -كما سبق1- غير أن بعض تلك الأمور قد استعملوه حينًا علم جنس؛ فتجري عليه الأحكام اللفظية الخاصة بعلم الجنس؛ فهو معرفة من هذه الجهة، وحينًا استعملوه كالنكرة تمامًا؛ فلا يلاحظ فيه تعيين مطلقًا. والطريق إلى معرفة هذا النوع هو السماع المحض عن العرب. ومن أمثلته: فَيْنَة "بمعنى؛ وقت" و"بُكْرة" و"غُدْوة" وهما بمعنى أول النهار، و"عشية" بمعنى آخر النهار. فهذه الكلمات تستعمل بغير تنوين؛ فتكون معرفة؛ مثل: قضينا فَينةَ في الحديقة أي: الفينة المعينة من يوم معين. وتقول؛ فلان يتعهدنا بُكرةَ: أي: البكرةَ المحددة الوقت واليوم. وكذا. "غدْوةَ وعشيةَ" بغير تنوين؛ تريد بكل منهما وقتها ويومها المحددين. فأنت تقصد الأوقات المعينة التي تبينها هذه الأسماء السابقة2.
أما إذا قلتها بالتنوين فلست تريد واحدة، معينة، محددة في يوم محدد -وإنما تريد "فَيْنةً"، من يوم أي يوم، و"بُكرة" أيّ بكرة أيضًا، وهكذا الباقي ...
وفي الأثر المَرْوي: ""للمؤمن ذنب يعتاده الفَيْنةَ بعد الفينة" فدخول "أل" دليل على أن الكلمة قبلها كانت نكرة. ويترتب على هذا الاختلاف في المراد الاختلاف في الأحكام اللفظية التي عرفناها، والتي تطبق على الكلمات باعتبارها علم جنس، ولا تطبق عليها باعتبارها نكرات، ولا يعرف هذا في النوعين الآخرين من علم الجنس؛ فهما معرفتان، وحهكما من جهة اللفظ حكم علم الجنس....
2- جاء في بعض المراجع - كالصبان- ما يفهم منه أن "علم الجنس" سماعي. لكن الذي قد يفهم من بعض المراجع الأخرى -كالهمع، ج1 ص73- أنه قياسي في غير الأنواع المعنوية الموضحة هنا. وهذا الرأي وحده هو الأنسب، لأن المدلولات التي تحتاج إلى علم جنسي كثيرة في كل زمن بسبب ما يجد فيه من أنواع ومخترعات وأجناس.....
__________
1 في رقم 3 من ص 297.
2 ولهذه الأسماء مزيد إيضاح في جـ2 هامش ص 221 م 79.(1/299)
التقسيم الثاني:
وهو يتضمن انقسام العلم باعتبار لفظه إلى علم مفرد، وعلم مركب. فالمفرد: ما تَكَوّن من كلمة واحدة1، مثل: صالح، مأمون، حليمة، "أعلام أشخاص". والمركب: ما تكون من كلمتين أو أكثر. وهو ثلاثة أقسام:
أولها: المركب الإضافي: ويتركب من مضاف ومضاف إليه؛ مثل: عبدُ العزيز، وسعد الله، وعزّ الأهل ...
وثانيها: المركب الإسنادي2: ويتركب إما من جملة فعلية؛ -أي: من فعل مع فاعله أو مع نائب فاعله- مثل: "فَتَحَ اللهُ" و"جادَ الحقُّ" و"سُرُّ من رَأي" وإما من جملة اسمية؛ أي: من مبتدأ مع خبره مثل: "الخيرُ نازلٌ" و"السيدُ فاهمٌ" و"رأسٌ مملوء" وكلها أسماء أشخاص معاصرين، إلا "سُرَّ من رأي" فإنها اسم مدينة عراقية قديمة.
وقد ألحق بالمركب الإسنادي بعض ألفاظ لا ينطبق عليها تعريفه -لأنها ليست جملة- ولكنها تخضع لحكمه، وسيجيء البيان3.
وثالثها: المركب المزجيّ: وهو ما تركب من كلمتين امتزجتا "أي: اختلطَتَا؛ بأن اتصلت الثانية بنهاية الأولى..... 4." حتى صارتا كالكلمة الواحدة5؛ من
__________
1 ملاحظة: سيجيء في رقم 1 من هامش ص308 أن الكنية -مع تركيبها الإضافي- تعد من قسم العلم الذي معناه إفرادي بالإيضاح الذي هناك.
2 المركب الإسنادي هو: ما انضمت فيه كلمة إلى أخرى على وجه يفيد حصول شيء، أو عدم حصوله، أو طلب حصوله - كما أوضحنا ذلك في ص 28- فالإسناد هو نسبة الحصول أو عدمه، أو طلبه. أي: التحدث عن ذلك الشيء بما ينسب إليه، سلبا، وإيجابا، أو طلبا، ولا يتأتى هذا إلا بجملة فعلية، أو اسمية، أو ما في حكم كل منهما. وللأقدمين ومن جاء بعدهم أعلام كثيرة مركبة تركيبا إسناديا. ونحن في عصرنا الحاضر نحاكيهم في ذلك، بل نفوقهم في الإكثار، حتى لقد نعرف اليوم كتبا مختلفة، من أسمائها: "يسألونك" و "اسألوني". و "المعركة قادمة". و "جاء النصر" و "نحن هنا" ومن الأعلام": "حيدر أباد" و "الله أباد" بلدان في الهند، ومثل: "شمر" لرجل ولفرس....، ورام الله، لبلد في لبنان.
3 في ص 310 ورقم 2 من هامشها.
4 وقد تفصل بينهما الواو المهملة - وهي الزائدة سماعا لمجرد الفصل بين الكلمتين، ولا تفيد عطفا، ولا غيره - في مثل كيت وكيت، وذيت وذيت.... طبقا لما سيجيء في جـ 4 ص 540 م 168 "باب: كم وكأين، وكذا".
5 لا يكون المركب المزجي إلا من كلمتين فقط، كما يفهم من التعريف، ولا يصح مزج أكثر منهما، لأن العرب لم تركب ثلاث كلمات. وقد صرح بهذا الأشموني "جـ 1 في أول باب المعرب والمبني =(1/300)
جهة أن الإعراب أو البناء يكون على آخر الثانية وحدها -غالبًا- أمَّا آخر الأولى فيبقى على حاله قبل التركيب1. ومن أمثلته: بُرْسعيد "اسم مدينة مصرية" رَامَهُرْمُز،
__________
= عند الكلام على إعراب المضارع، وقال الصبان هناك: لا اعتراض على الحكم السالف بما ورد من نحو: لا مادة بارد، ببناء الوصف وهو كلمة "بارد" على الفتح.... فإن هذا الاعتراض مدفوع بأن "لا" إنما دخلت بعد تركيب الموصوف والوصف، وجعلهما كالشيء الواحد. ولا يقاس على باب "لا" "غيره" أ. هـ - "انظر" "ب" من 701 ص - ومتى امتزجتا صار العلم بهما كلمة واحدة ذات شطرين، كل شطر منهما في العلم بمنزلة الحرف الهجائي الواحد من الكلمة الواحدة "كما نص على هذا شارح المفصل جـ4 ص 116" والأصل في العلم قبل التركيب أن يكون لكل واحدة منهما معنى معين يخالف معنى الأخرى، أما بعد التركيب المزجي فالأمر يختلف فإن كان هذا التركيب علما من النوع الذي تتركز فيه علامات الإعراب أو البناء على آخر الثانية فقط "وسيجيء في ص 311 وما بعدها، كسيبويه، وبعلبك، وغيرهما من الأمثلة المعروضة هنا، ونظائرها" زال المعنى الأصلي لكل منهما نهائيا، ولا يصح ملاحظته، لأنه ينشأ من المزج معنى جديد مستحدث، لا صلة له بالمعنى السابق لهما لإحداهما.
أما إن كان هذا المركب المزجي من النوع الآخر الذي سيجيء "في ص 313" وهو الذي يبني على فتح الجزأين، "كالمركبات العددية، مثل: ثلاثة عشر، وأربعة عشر ... أو: المركبات الظرفية، نحو: صباح مساء.... أو الحالية، نحو: فلان جاري بيت بيت أي.... ملاصقا.... أو: باقي المركبات الأخرى التي تبني على فتح الجزأين معا، "ومنها ما يفصل بينهما الواو سماعا، طبقا لما تقدم في رقم 4، وللأحكام المدونة في أبوابها...." فإن المعنى بعد التركيب يرتبط ارتباطا وثيقا بالمعنى الذي كان لكل كلكة قبل مزجها بأختها، فيتكون المعنى الجديد من معناهما السابق، مع بعض زيادة تنضم إليه دون إلغاء للسابق، أ, إهمال لملاحظته في تكوين المعنى المستحدث، فأساس المعنى الجديد هو معناهما القديم مع ضم زيادة إليه. وهذا النوع يلاحظ فيه قبل المزج أنه على تقدير: "واو العطف" بين الكلمتين وأنهما في حكم المتعاطفين، فمعناهما بملاحظتهما قبل التركيب هو معناهما الجديد بعد المزج، بغير ملاحظتهما "راجع شرح المفصل جـ 1 ص 65 وجـ 4 ص 124".
1 ولا يكاد يختلف هذا التعريف عن التعريف النهائي الذي ارتضاه المجمع اللغوي القاهري ونصه: "كما جاء في ص 52 من كتابه المجمعي المسمى: "كتاب في أصول اللغة، الصادر في سنة 1969"، هو: "المركب المزجي ضم كلمتين إحداهما إلى الأخرى، وجعلهما اسما واحدا، إعرابا وبناء، سواء أكانت الكلمتان عربيتين أم معربتين- ويكون ذلك في أعلام الأشخاص، وفي أعلام الأجناس، والظروف، والأحوال، والأصوات، والمركبات العددية" ا. هـ. ومن المركب المزجي في الأصوات قولهم: "قاش ماش" بالكسر فيهما لصوت طي القماش - كما سيجيء في جـ 4 باب: "أسماء الأصوات" م 142 ص 156 ص وسيجيء الكلام على حكمه في ص 311 و 313، وكذلك في جـ 4 باب الممنوع من الصرف ص 217 م 147.
ويلاحظ أن الإعراب أو البناء يكون على آخر الثانية في غير المركبات المزجية العددية وما شابهها مما يكون حكمه البناء على فتح الجزأين معا، طبقا لما ذكر في هذا الهامش، وفي سابقه، وللبيان الآتي في ص 313.(1/301)
وَطبَرِسْتان، وجَرْدِسْتان؛ من أسماء البلاد الفارسية1 ومثل: نُيُويُرْك، وقاليقلا2، وجَرْدِنْستى3 وبَعْلَبَكّ4 وسِيَبَويه5، وبرْزَوَيْهِ6 ونِفْطَوْيه7، وخالَوَيْهِ8، ومثل9: "السّلاحْدار، والخازِنْدار، والبُندُقْدار".
فالعلم إما مفرَد، وإما مركب تركيب إضافة، أوتركيب إسناد، أومزج10.
التقسيم الثالث:
هو يتضمن انقسام العلم باعتبار أصالته في العلمية وعدم أصالته، إلى مرَتَجَل، ومنقول. فالمرتجل: ما وضع من أول أمره علمًا، ولم يستعمل قبل ذلك فى غير العلمية. ومثاله: الأعلام التي اخترعها العرب أول مرة لمسميات
__________
1 فالأولى مكونة من "رام، وهرمز"، وهما معًا اسم مدينة فارسية، واسم رجل أيضًا، والثانية مكونة من "طبر، وستان" ومعنى ستان: مكان، والثالثة من "جرد، وستان".
2 اسم بلد الشام.
3 اسم حي مشهور من أحياء وسط القاهرة، على النيل.
4 بلد بلبنان الآن. وأصله: "بعل" "اسم صنم و "بك" "اسم رجل يعبده"، ثم صار اسما واحدا للبلد.
5 كلمة فارسية مركبة من "سيب" بمعنى: تفاح، و "ويه" بمعنى: رائحة. فالمراد. رائحة التفاح" وقد تقدم المضاف إليه على المضاف، كما هو الشأن في اللغة الفارسية، وبعض اللغات الأعجمية، وصار مركبا مزجيا، علما على الإمام النحوي الأكبر المتوفي حول سنة 180 هـ.
6 لقب أحمد بن يعقوب الأصفهاني من أئمة الحديث الشريف.
7 اسم عالم لغوي كبير، وأصل "النفط" ما تسميه العامة: "زيت البترول".
8 اسم عالم لغوي كبير، وأديب نحوي، في القرن الرابع الهجري.
9 الأسماء الأتية هي من الأعلام المشهورة في عرصنا. وترجع في أصلها إلى دولة "المماليك" التي حكمت مصر سنوات طوالا. وكانت تطلق على مكان السلاح، أو المشرف على شئونه اسم: "السلاحدار" وعلى المشرف على شئون الخزن: "الخازندار" وعلى شئون البندق: "البندقدار" بتقديم المضاف إليه على المضاف في تلك الألفاظ كالشان في اللغة الفارسية وبعض اللغات الآخرى - كما تقدم إذ الأصل. دار السلاح ودار الخازن، ودار البندق ... وعند تقديم المضاف إليه على المضاف يصير التركيب مزجيا بعد أن كان إضافيا.
ويحسن في التركيب المزجي وصل الكلمتين خطا إن كان الحرف الأخير من الصدر مما يوصل بغيره، فيكون هذا الاتصال الخطي دليلا على المزج.
10 وليس من أنواع المركب هنا: العلم المركب الوصفي، وهو الذي يتألف من موصوف وصفة، مثل: الطالب المؤدب ... فكلاهما يعد من قبيل المفرد في أحكامه- كما سيجيء بيانه في رقم 2 من(1/302)
عندهم؛ ومنها: أُدَد "علم رجل" وسعاد1 "علم امرأة" وَفقْعسَ علم للأب الأول لقبيلة عربية معروفة. ومثل: الأعلام التي يخترعها الناس لمسميات خاصة عندهم، من غير أن يكون لها عند العرب الخُلَّص وجود سابق، مثل:"جَيْن"، علم على بلد. و"رَسَح" علم على جبل. "وبَحْن" علم على شجرة مُعينة. وغير ذلك من الأعلام التي يبتكرونها فى عصر من العصور، على حسب رغبتهم وأذواقهم2.
ويريدون بالمنقول2 -وهو الأكثر- أحد شيئين:
أولهما: العلم الذي لم يستعمل لفظه أول الأمر علمًا مطلقًا؛ وإنما استعمل أوّلا في شيء غير العلمية، ثم نُقِل بعده إلى العلمية3؛ مثل: حامد، محمود فاضل، أمين ... ؛ فقد كانت قبل العلمية تؤدي معنى آخر، ثم انتقلت منه إلى العلمية.
وثانيهما: العلم الذي استعمل أول أمره علمًا لفرد في نوع، ثم صار علمًا لفرد في نوع آخر يخالف الأول؛ مثل: "سعاد" علم امرأة؛ ثم صار علم قرية، لا علم امرأة.
1- والنقل قد يكون من اسم منفرد اللفظ3؛ فيشمل: ما هو منقول من معنى
__________
1 إذا كان العلم مرتجلا، "كسعاد" مثلا - ثم سميت به امرأة ثانية وثالثة ... و.... لم يخرج، بسبب تكرار التسمية - عن أنه مرتجل ما دام النوع لم يختلف. أما إذا اختلف النوع فإن الاسم الثاني والثالث و..... و.... و...... لا يكون مرتجلا، بل يكون منقولا: كتسمية إنسان بأسامة، فإن "أسامة" مرتجل بالنسبة للأسد، ومنقول بالنسبة للإنسان.
"2 و3" ومما يلاحظ أن وضع الأعلام الشخصية المرتجلة ليس مقصورا على العرب الخلص- وكذا المنقولة- وإنما هو حق لهم ولغيرهم، في كل زمان ومكان. أما الأعلام الجنسية - فقد سبق حكمها في رقم 2 من ص 299.
وإذا صارت الكلمة علما مرتجلا أو منقولا، خضعت للضوابط والأحكام العامة التي تجري عليه في الإعراب أو البناء- ولا سيما ما تقضي به الملاحظة" التي في ص 79 - وفي التذكير والتأنيث، وفي منع الصرف وعدمه، وفي الإفراد والتثنية وجمع التصحيح، وباقي الأحكام المختلفة، ويجري عليها في جموع التكسير ما يجري على نظائرها. فإن لم يكن لها نظائر فعلي ما يقاربها، طبقا لما تقضي به الضوابط العامة. وفي كتاب لهمع "جـ2 ص 183 باب التكسير" طريقة جمع الأعلام المرتجلة والمنقولة....
"3 و 3" إذا كان العلم منقولا من لفظ مبني مفرد - أي: منفرد -، ليس من أنواع المركب الثلاثة" وجب تغيير حكمه، فيصير معربا منونا، طبقا "للملاحظة" المفيدة التي تقدمت في ص 79 ثم انظر رقم 1 من هامش ص 309" - ولها إشارة في "ب" من ص 306.(1/303)
من المعاني العقلية الخالصة التي يُسَمُّون كُلاًّ منها: "الحدث المجرد" مثل: فضْل، وسُعُود، ومجْد، وهيْبة؛ أعلام أشخاص - وما هومنقول من اسم عيْن، أى: من ذات مجسَّمة محسوسة؛ مثل: غزال، وقمحة، وزيتون وفيل ... أعلام أشخاص ... وما هومنقول من اسم مشتق؛ مثل: صالح، ونبيل، ومحمد، ومفتاح.
2- وقد يكون النقل من الفعل وحده1؛ من غير أن يكون معه فاعل ظاهر، أوضمير مستتر، أوبارز، ومن غير أن يلاحَظ الفاعل أويُقَدَّر بوجه من الوجوه؛ فيشمل المنقول من فعل ماض مثل: شمَّرَ، وجادَ وصفا، "أسماء أشخاص". أو: من فعل مضارع؛ مثل: يزيد2، وتميس3، وتَعِز4
__________
1 النقل إذا كان من فعل مع فاعله الظاهر، أو فاعله الضمير المستتر -أو البارز- فإنه يعد نقلا من جملة فعلية، فتعرب إعراب المركب الإسنادي، حيث تخضع للحكاية التي سيجيء بيانها في هذا الباب "ص310 ورقم 1 من هامشها".
أما النقل من الفعل وحده فليس نقلا من جملة. ويعرب الفعل في هذه الحالة إعراب الممنوع من الصرف، للعلمية مع وزن الفعل مثلا، كما هو الحال هنا، أو: للعلمية مع سبب آخر إن وجد. ومن أمثلة الفعل الماضي وحده: "شمر" علم على شخص، وعلم على فرس أيضا -كما سلف- ومن أمثلة المضارع وحده "يشكر" علم نوح عليه السلام، وعلم قبيلة، وجبل صغير بالقاهرة عند القلعة، ومن أمثلة الأمر: "أسكت" بضم الهمزة - علم على صحراء عربية. وهذه الهمزة للقطع، مع أنها في الأصل للوصل، لأن همزة الوصل كما سيجيء البيان في رقم 2 من هامش ص 306 وفي هامش ص 421 - إن وجدت في لفظ ليس علما ثم صار علما فإنها تصير همزة قطع".
فإن احتمل النقل أن يكون من جملة فعلية ومن فعل وحده مثل: "أسكت" كان حمله على الفعل وحده أولى، لأن النقل من الجملة مخالف للأصل، فلا يلجأ إليه إلا بدليل وقرينة، كما في كلمة "يزيد" في قولى الشاعر:
نبئت أخوالي بني يزيد ... ظلما علينا لهم فديد
فإن رفع كلمة: "يزيد" دليل على أن النقل من جملة فعلية، فعلها: "يزيد" وفاعليها: ضمير مستتر تقديره، هو، إذ لو كان النقل من الفعل وحده لوجب أن يقول: يزيد، فيكون مجرورا بالفتحة، لأنه مضاف إليه، ممنوع من الصرف، للعلمية ووزن الفعل.
"نبئت أخبرت. أي: أخبرني العارفون. "القديد": الصياح. "ظلما" مفعول لأجله، لفعل محذوف تقديره: يصيحون. "علينا" جار ومجرور متعلق بالفعل المحذوف. "ولهم فديد" مبتدأ وخبر. والجملة في محل نصب حال. و "نبئت" أصل فعله: "نبأ" فعل ماض ينصب ثلاثة مفاعيل: أولها قد صار نائب فاعل بعد حذف الفاعل وبناء الفعل للمجهول. وثانيهما "أخوالي" والثالث الجملة من الفعل المحذوف وفاعله "وهي جملة: "يصيحون".
2 علم على رجل.
3 علم على امرأة.
4 علم لمدينة باليمن.(1/304)
وتغلب1، ويشكر2. أو: من فعل أمر، مثل: سالمْ، وسامحْ3.
3- وقد يكون النقل من جملة، إما اسمية؛ مثل: "علىّ أسد"، و"ماشاء الله"4 و"نحن هنا" اسم كتاب ... ، وإما جملة فعلية، مثل: فَتَحَ اللهُ، زادَ الخيرُ، وأَطْرِقا "اسم بلد. وصحراء ببلاد العرب" والنقل هنا من جملة فعلية؛ لظهور الفاعل الضمير البارز.
4- وقد يكون النقل من حرف؛ كتسمية شخص بكلمة: "رُبّ"، أو: إن ... وقد يكون من حرفين، مثل: ربما، إنما.
5- وقد يكون من حرف واسم5.... مثل: بِهَناء، ومثل: الحارث "اسم قبيلة عربية".
6- أوحرف وفعل مثل: اليزيد6 ...
هذا: ومن خصائص العلم بنوعيه السالفين أمران:
أما أولهما: فأنه اسم جامد لا صلة له بالاشقاق ولو كان في أصله وقبل نقله إلى العلمية اسما مشتقا. لهذا تجري عليه أحكام الجامد وحده7....
وأما ثانيهما: فأن صيغته المكونة من الحروف الهجائية كتلة متماسكة الحروف لأن العلمية تحدده وتحصره، فلا يجوز الزيادة على حروفه أو النقص8.
__________
1 علم لقبيلة عربية.
2 علم لنوح عليه السلام، أو: لجبل، كما سبق- في رقم 1 من هامش ص 304 - ولقبيلة عربية هجاها الشاعر بقوله:
"ويشكر" لا تستطيع الوفاء ... وتعجز "يشكر" أن تغدرا
3 كلاهما اسم رجل.
4 أي: الذي شاءه الله، وأراده.
"5 و 5 و 5" انظر ما يختص بهذا النوع من النقل، وحكمه، في رقم 2 من هامش ص 310.
6 وإلى بعض ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
ومنه منقول، كفضل، وأسد ... وذو ارتجال، كسعاد، وأدد
7 كما تقدم في رقم 3 من هامش ص 139 و 4 من هامش ص 209.
8 طبقا للبيان المفيد الذي سبق في "جـ" من ص 125.(1/305)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- إذا كان العلم منقولا من لفظ مبدوء بهمزة وصل فإن همزته بعد النقل تصير همزة قطع -كما أشرنا1- نحو: "إستقبال" علم امرأة، و"أل" علم على الأداة الخاصة بالتعريف أوغيره، بشرط أن تكتب منفردة مقصودًا بها ذاتها؛ فنقول: "أل" كلمة ثنائية، و"أل" فى اللغة أنواع من حيث المدلول ... ، ومثل: يوم الإثنين، بكتابة همزة: "إثنين" لأنها علم على ذلك اليوم2 ... ومثل: "أُسكُت" علم على صحراء ...
ب- وإذا كان العلم منقولا من لفظ مفرد مبني فإنه يصير بعد هذا النقل معربا منونا، طبقا للبيان التفصيلي الذي سبق3.
__________
1 في رقم 1 من هامش ص 304 وهامش 421.
2 ولا التفات لما اشترطه بعضهم لإخراج نوع من الأعلام من هذا الحكم، إذا الصحيح أن هذا الحكم عام يشمل الأعلام بأنواعها المختلفة، كما يشمل غير الأسماء من كل لفظ مبدوء بهمزة وصل قد سمى به، وصار علما.
- راجع "حاشية الصبان" في آخر باب النداء، عند قول ابن مالك.
"وباضطرار خص جمع "يا" و "أل"...." وكذلك.. "التصريح، والخضري" في هذا الموضع نفسه. وللخضري تعليل قوي، نصه:
"ما بديء بهمزة الوصل فعلا كان أو غيره، يجب قطعها في التسمية به: لصيرورتها جزءا من الاسم، فتقطع في النداء أيضا: ولا يجوز وصلها لأصالتها، كما - وصلت- في لفظ الجلالة، لأن له خواص ليست لغيره....." اهـ..... فلا التفات إلى ما نقله الصبان عن غيره في موضع آخر.
3 في ص 79 بعنوان: "ملاحظة".... ثم انظر رقم 1 من هامش 309.(1/306)
التقسيم الرابع:
وهو يتضمن انقسام العلم باعتبار دلالته على معنى زائد على العلمية أو عدم دلالته، إلى: اسم، ولَقب، وكُنْية. فأما الاسم هنا1 فهو: عَلَم يدل على ذات معينة مشخَّصة -في الأغلب-2، دون زيادة غرض آخر من مدح، أو ذمّ ... ، مثل: سعيد، كامل؛ مرْيم، بُثَيْنة، وأشباهها؛ من كل ما يكون القصد منه أمر واحد؛ هو: مجرد الدلالة على ذات المسمى وتعيينها وحدها، دون غيرها، ودون إفادة شيء يتصل بها؛ كمدح أو ذم.
وأما اللقب فهو: علَم يدل على ذات مُعيَّنة مشخصة، مع الإشعار -بمدح أو ذمّ؛ إشعارًا مقصودًا بلفظ صريح3؛ مثل: "بَسّام، الرشيد، جميلة...." "السفاح، صخر، عرجاء....".
__________
1 أي: في باب: "المعارف"، لا في باب: "تقسيم الكلمة" -وقد سبق في ص 26، حيث الاسم يقابل هناك الفعل، والحرف.
"2 و 2" أما في غير الأغلب فيفقد التعيينن والتشخيص، طبقا لما أوضحناه في رقم 3 من هامش ص 129 وفي رقم 1 من هامش ص 292.
3 لأن كل واحد من القسمين الآخرين للعلم "وهما، الاسم والكنية" لا يخلو من مدح أو ذم، ولو من ناحية بعيدة. غير أن المعول عليه في اللقب- فوق دلالته على الذات المعينة- هو أن يدل على المدح أو الذم بلفظ صريح بأحدهما إشعارا واضحا قريبا. فليس المراد من اللقب مجرد الدلالة على الذات، وإنما المقصود منه أمران معا، الدلالة على المسمى المعين، والإشعار بمدحه أو ذمه. وهذا أهم من تلك الدلالة، إذ يمكن الوصول إليها من طريق آخر، هو طريق الاسم، فإنه يكاد يكون مقصورا عليها وحدها، ومختص بها- وإن كان لا يخلو من رائحة مدح أو زم.... كما سبق-.
وأما الكنية فإنها تدل على المسمى، وتدل معه على المدح والذم كاللقب، طبقا لما أسلفنا- ولكن من طريق التعريض، لا من طريق التصريح، لأن المتكلم حين يكني عن شخص فيقول عنه: "أبو على" مثلا أو: "ام هانيء"....، ولا يصرح بالاسم أو باللقب، فإنما يرمي من وراءه ذلك إلى تعظيمه، أو تحقيره بعدم ذكر اسمه، تعظيما وتقديما، أن يجزي اللسان به، أو: تحقيرا، وزراية، وأنه لا يستحق الذكر. وقد يجيء التعظيم أو التحقير ضمنيا أيضا، ولكن من ناحية أن المضاف يكتسبه من المضاف إليه، مثل: أبو الفوارس، وأبو لهب، وأم الدواهي "القنبلة الذرية".... فقد فهم المدح، أم الذم. في الكنية فهما ضمنيا، كشف عنه المضاف إليه ... وقد يراد بالكنية التفاؤل بأن يعيش صاحبهما حتى يكون أبا أو أخا لفلان ... وقد يراد التشاؤم ... ومما سبق نعلم أن كلا من اللقب والكنية يؤدي أمرين معا، هما:
أ- الدلالة على مسمى معين.
ب- والمدح أو الذم.
غير أن اللقب يدل عليهما بلفظ صريح مقصود، وأن الكناية تدل عليهما من طريق ضمني، فيه التعريض، وليس فيه التصريح المكشوف. وهذا هو الفارق الهام بينها وبين اللقب.
شيء آخر، هو: أن الإسم واللقب قد يدلان معا وبلفظهما الصريح على مدح ظاهر، أو ذم واضح: نحو: الحسن الصادق الحطيئة الأجرب- ومعنى الحطيئة: القصير- وفي مثل هذه الصورة يكون =(1/307)
وأما الكنية فهي علم مركب تركيبًا إضافيًّا1، بشرط أن يكون صدره "وهو المضاف" كلمة من الكلمات الآتية: "أب، أمّ"، "ابن، بنت" "أخ، أخت" "عمّ، عمة" "خال، خالة"، مثل: الأعلام الآتية: "أبو بكر، أبو الوليد" "أم كلثوم، أمّ هانئ"، "ابن مريم، بنت الصديق" "أخو قيس، أخت الأنصار"، وهكذا2 ... وليس منه: أبٌ لمحمد، وأم لهند، وغيرهما من كل مالا إضافة فيه على الوجه السابق.
وكل قسم من الأقسام الثلاثة السالفة قد يكون مرتجلا أو منقولا، مفردًا أو مركبًا، إلا الكنية فإنها لا تكون إلا مركبة.
الأحكام الخاصة بالتقسيمات السالفة، وتتركز في النواحي الأربعة الآتية:
أولها: الأحكام الخاصة بإعراب العلم المفرد، والعلم المركب.
__________
= الاسم هو ما وضعه الوالدان -ونحوهما أولا دالا على المسمى: ليكون اسما له ابتداء، مهما كان ذلك، وما استعمل في ذلك المسمى بعد وضع هذا الاسم الأول فإن كان مشعرا يمدح أو ذم فلقب، وإن كان مصدرا بأب أو أم ونحوهما مما سردناه فكنية. فاعتبار الإشعار بالمدج أو الذم، وملاحظة التصدير بأب أو أم أو نحوهما مما ذكرناه إنما يكون بعد وذع اللفظ الدال على الذات أولا، أي: بعد وضع الاسم".
راجع الصبان، جـ 1 أول باب الكلام وما يتألف منه عند قول ابن مالك: "قال محمد هو ابن مالك....".
فإن لم يعرف الموضوع ابتداء والسابق من الاسم واللقب فالأحسن اعتبار المتقدم هو الاسم والمتأخر هو اللقب، والكنية هي المصدرة بأحد الألفاظ المعروفة، "أب - أم ... ".
1 ألمحنا في رقم 1 من هامش ص 300 إلى أن الكنية - مع تركيبها الإضافية لفظا - معدودة من قسم العلم الذي معناه إفرادي، فكل واحد من جزأيها لا يدل بمفرده على معنى يتصل بالعلمية. ولهذا حين يقع بعدها تابع، كالنعت مثلا في قولنا: جاء أبو الفوارس الشجاع، فإن النعت، "وهو هنا كلمة: "الشجاع" يعتبر في المعنى نعتا للاثنين معا، أي: للمضاف والمضاف إليه، ولا يصح أن يكون نعتا لأحدهما فقط، وإلا فسد المعنى. ولكنه يتبع في الإعراب المضاف وحده. أي: أن لفظه تابع في إعرابه المضاف، وأما معناه فواقع على المضاف والمضاف إليه معا.
طبقا لما سيجيء في بات النعت "جـ 3 م 114 ص 429" - راجع التصريح جـ2 آخر باب الإضافة، عند الكلام على الشاهد في قول معاوية حين سلم من الطعنة ومات منها على بن أبي طالب.
نجوت وقد بل المرادي سيفه ... من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
والمرادي هو قائل على رضي الله عنه. "واسمه: عبد الرحمن بن ملجم، من قبيلة مراد" -
2 وما سبق يقتضى أن يكون المضاف إليه غير لقب للمضاف، فلا يصح في الكنية أن يكون عجزها "وهو المضاف إليه" لقبا لصدرها، "وهو المضاف" لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه - في الأغلب- إلا بتأويل متكلف، كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 317.(1/308)
ثانيها: الأحكام الخاصة بالترتيب بين الاسم، والكنية، واللقب، إذا اجتمع من هذه الأعلام اثنان، أو ثلاثة.
ثالثها: الأحكام الخاصة بإعراب ما يجتمع منها.
رابعها: الأحكام المعنوية وبقية الأحكام اللفظية الأخرى التي تتصل بعلم الشخص وعلم الجنس.
أ- فأما العلم المفرد، كحامد، وسعيد، وسميرة، وعبلة ... فإنه يخضع في إعرابه وضبط آخره لحاجة الجملة المشتملة عليه؛ فقد يكون مبتدأ، أو: خبرًا، أو فاعلًا ... أو مفعولًا، أو مجرورًا بالإضافة، أو بالحرف، أو غير ذلك؛ فيرفع، أو ينصب، أو يجر على حسب ما تقتضيه الجملة. تقول: حامد أديب، إن حامدًا أديبٌ. أُعْجبْت بأدب حامد؛ فتضبط كلمة: "حامد" بالضبط المناسب لموقعها1 كالشأن في كل الأسماء المنفردة.
وأما العلم المركب: فإن كان تركيبه إضافيًّا، كعبد الله -أعرب صدوره وهو المضاف- كإعراب المفرد السابق "أي: على حسب حاجة الجملة؛ فيكون مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو مفعولا، أو غير ذلك." ويبقى المضاف إليه على حالته؛ وهى الجر دائمًا. تقول: عبدُالله شاعرٌ، فاز عبدُ الله، صاحبت عبدَ الله، سارعت إلى عبدِ الله؛ فالمضاف - وهوكلمة: عبد -تغيرت حركة آخره بتغير حاجة الجُمل، وبقى المضاف إليه مجرورًا لم يتغير.
وإن كان تركيبه إسناديًّا "مثل: فتحَ اللهُ ... ، الخيرُ نازلٌ" بقي على حاله قبل التسمية؛ فلا يدخله تغيير مطلقًا، لا في ترتيب حروفه، ولا فى ضبطها ثم يجرى عليه ما يجرى على المفرد فيعرب على حسب حاجة
__________
1 هذا الحكم عام: فيشمل الكلمة المبنية إذا نقلت من معناها وصارت علما، فقد جاء في التصريح، جـ2 أول باب المنادى ما نصه:
وقال الرضي في باب العلم: إذا نقلت الكلمة المبنية، وجعلتها علما لغير ذلك اللفظ فالواجب الإعراب" أهـ، ثم قال صاحب التصريح ما نصه:
"فعلى هذا تقول في: كيف، وهؤلاء، وكم، ومنذ.... أعلاما عند النداء: يا كيف، ويا هؤلاء وياكم، ويا منذ.... بضمة ظاهرة، فهي متجددة للنداء" أهـ.
وهناك النص الآخر الذي سبق تدوينه في ص 79 بعنوان: "ملاحظة" وما يختلف عنها في "جـ" من ص 146.(1/309)
الجملة التي تحتويه؛ فيكون مبتدأ، وخبراً، وفاعلا، ومفعولا، وغير ذلك على حسب ما تقتضيه تلك الجملة. إلا أن آخره يظل على حاله ملتزمًا حركته الأولى قبل العلمية فى جميع تلك الحالات مهما تغيرت الجمل؛ فكأنه كلمة واحدة تلازمها علامة واحدة للإعراب، لا تتغير فى الرفع، ولا فى النصب، ولا فى الجر، تقول: "فتحَ اللهُ" نشيط. جاء "فَتَحَ اللهُ". صاحبت "فتَحَ اللهُ" رضيت عن "فتَحَ اللهُ". فالعَلَم: "فتح اللهُ" فى الجملة الأولى: مبتدأ، مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره للحكاية. وفى المثال الثانى: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره للحكاية، وفى الثالث: مفعول به، منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة للحكاية، وفى الرابع: مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة للحكاية؛ فهولا يتأثر بالعوامل تأثرًا ظاهرًا، وإنما يتأثر بها تأثرًا تقديريًا. يصيب آخره، فيجعله معربا بحركات مقدرة للحكاية.
ويقال فى المثال الثانى: "الخيرُ نازل" حضر. إن "الخيرَ نازلٌ" حضر، سَلَِّمْ على "الخيرُ نازلٌ"، وهكذا فى كل مثال آخر من أمثلة المركب الإسنادى، وملحقاته2 فإنه يكون معربًا تقديرًا لأجل
__________
1 الحكاية الأصيلة معناها: أن نردد اللفظ بحالته الأصلية ونعيد نطقه أو كتابته بالصورة التي سمعناها أو قرأناها من غير أن نغير شيئا من حروفه أو حركاته مهما غيرنا الجمل والتراكيب ويجوز أن نردده بمعناه إن لم يمنع ما نع ديني، أو غيره، كإرادة النص عليه من غير إدخال تغيير فيه. "راجع مزية الحكاية في رقم 1 من هامش ص 31، ثم من هامش: "أ" ص45 م 62 جـ2 حيث الإيضاح المناسب".
وإنما كانت الضمة مقدرة هنا وفي كل حالات الرفع لأن الضمة الموجودة حاليا هي الضمة التي كانت في العلم قبل أن يكون مبتدأ أو خبرا، فلم تترك "مكانها لتحل فيه الضمة الخاصة بالمبتدأ أو بغيره من المرفوعات ويكون. منصوبا بفتحة مقدرة، ومجرورا بكسرة مقدرة.
2 يدخل في هذه الملحقات: العلم المنقول من حرفين، مثل: ربما، إنما.... والعلم المنقول من حرف واسم، مثل: إن عمر، أو: من حرف وفعل، مثل: لن يسافر- وقد سبقت لمحة عن هذه الأنواع الثلاثة في ص 305 فكل علم عن هذه الأعلام الملحقة وأشباهها ليس مركبا إسناديا، لأنه ليس جملة. ولكنه عند الإعراب يحكى كالمركب الأسنادي. أما العلم المركب من موصوف وصفه، مثل: "محمد الفاضل" فقد اعتبره النحاة ملحقا بالمفرد، فيجري على الموصوف الإعراب على حسب =(1/310)
الحكاية.1
وإن كان تركيبه مزْجيًّا غير مختوم بكلمة" "وَيْه"، مثل: رامهرْمُزُ ونُيُويُرْك ... فإنه يعتبر كالكلمة الواحدة؛ فيعامل من ناحية الإعراب معاملة المفرد، فيكون على حسب جملته؛ مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو مفعولا، ... أو غير ذلك؛ لكنه يرفع بالضمة من غير تنوين، وينصب ويجر بالفتحة في الحالتين من غير تنوين2. تقول: رامهرمُزُ جميلةٌ، وإن رامهُرمُزَ جميلةٌ، سمعت برامُهرْمُزَ، فتتغير حركة الحرف الأخير وحده تبعًا لحالة الإعراب، ويبقى غيره على حالته الأولى.
فإن كان تركيبه مزجيًّا مختومًا بكلمة: "وَيه" "مثل: حمدَوَيه، خالوَيْه" كان كسابقه خاضعًا لحاجة الجملة؛ فيكون مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو: مفعولا ... إلخ، إلا أن آخره في كل هذه الأحوال يكون مبنيًّا على الكسر -في المشهور- تقول: خالويهِ، عالم جليل، وإن خالويهِ عالم جليل، ولخالوْيِه شهرة فائقة ... فقد وقعت كلمة: "خالويه" مبتدأ، واسمًا لإن، ومجرورة باللام، ولم تتغير حالة آخرها بتغير الجمل؛ بل لزمت البناء على الكسر؛ فهى مبتدأ مبنية على الكسر في محل رفع. وهي اسم إنّ مبنية
__________
= الجملة، وتتبعه الصفة في علامة الإعراب. ولعل الأفضل أن يكون ملحقا في حكمه بالمركب الإسنادي فيحكي، منعا من اللبس، ومنع اللبس من أهم الأغراض التي تحرص عليها اللغة، وقالوا في التسمية بمثل: "عالم أبوه" ومثل: "مكرم محمد إن كلمة "عالم" تعرب على حسب العوامل التي قبلها.
أما كلمة: "أبوه" و "محمدا" فيبقيان على حالهما، والأفضل عندي أيضا أن يجري على هذا النوع.
حكم المركب الإسنادي، منعا من اللبس، إلآ إن كانت الأساليب الصحيحة تخالفه، فيجب اتباعها، والقياس عليها. ولكنى لم أهتد إلى شيء مسموع من العرب من تلك الأساليب، ولم أعرف من روى عنهم أمثلة منها.
1 هناك آراء أخرى في طريقة إعرابه أشرنا إليها في ص 313 ونرى عدم استعمالها، لاعتبارات شتى، في مقدمتها: أنها لا تلائم الحياة الحاضرة، ولا تساير الأساليب الصحيحة المنتشرة اليوم.
2 لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتركيب المزجي، فيرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالفتحة أيضا، من غير أن يدخله التنوين مطلقا، في حالة من تلك الحالات ما دام علما مزجيا- كما سبق في "ب" من ص 176 - فإن خرج م العلمية جاز تنوينه على الوجه الذي أوضحناه في رقم 3 من هامش ص 33.(1/311)
على الكسر في محل نصب، وهي مجرورة باللام مبنية على الكسر في محل جرّ1 ... وهكذا في الأحوال التي تشابه ما سردناه2.
"ملاحظة": إذا أريد تثنية نوع من أنواع المركب السالفة، أو جمعها وجب اتباع الطريقة الخاصة بذلك وهي مشروحة في مكانها الأنسب3......
__________
1 هذا الإعراب في الحالات الثلاث هو الأوضح والأسهل، ويصح إعراب آخر، في حالة الرفع تقول: مرفوع بضمة مقدرة، منع من ظهورها حركة البناء الأصلي على الكسر، وفي حالة النصب منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة البناء الأصلي على الكسر ... وفي حالة الجر: مجرور بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة البناء الأصلي على الكسر.... نقول هذه العبارات أو ما يماثلها في تأدية المراد.
2 انظر أنواعا أخرى من المركب المزجي وأحكامها في رقم 5 من هامش ص 300 وفي ص 318.
3 الجزء الرابع، م 174 باب جمع التكسير" بعنوان: "جمع أنواع المركب جمع تكسير" ص 506.(1/312)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
من أنواع المركب المزجي ما يستعمل غير علم1؛ كالمركب العددي، أيْ: الأعداد المركبة، وهي؛ أحدَ عشرَ، وتسعةَ عشرَ، وما بينهما. فكل واحد منها مبني دائمًا على فتح الجزأين في جميع أحواله، وفي كل التراكيب. ويقال في إعرابه: مبني على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة الجملة. ما عدا اثنيْ عشَر، واثنَتيْ عشْرة؛ فإنهما يعربان إعراب المثنى. فاثنا واثنتا ترفعان بالألف في حالة الرفع، وتنصبان وتجران بالياء في حالتى النصب والجر. أما كلمة: "عشر، وعشرة" فهي اسم مبني على الفتح لا محل له، لأنها بدل من حرف النون في المثنى. ويقال هذا في إعرابهما -كما سبق2- وسيجيء تفصيل الكلام على هذا في الباب الخاص بالعدد، بالجزء الرابع.
وكالظروف المركبة، مثل: "صباحَ مساءَ" في مثل: "والدي يسأل عنا صباحَ مساءَ" أي: دائمًا. وكالظروف المركبة في مثل: "أنت جارُنا بيتَ بيتَ"، أي: ملاصقًا.
فكل هذه المركبات التي من نوع الأعداد، والظروف، والأحوال -مبنية على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالتها من الجملة؛ تقول في الأعداد: جاء أحدَ عشرَ رجلًا، وأبصرت أحدَ عشرَ رجلًا، ونظرت إلى أحَدَ عشرَ رجلا. وتقول: أنا أسأل عنك "صباحَ مساءَ" أى: دائمًا. فهوظرف مبنى على فتح الجزأين فى محل نصب. وتقول: أخى جارى "بيتَ بيتَ" فهومبنى على فتح الجزأين فى محل نصب، حال، فيكون اللفظ المركب مبنيًّا على فتح الجزأين فى محل رفع؛ لأنه فاعل - مثلا، أوشىء آخر يكون مرفوعاً -، وفى محل نصب لأنه مفعول به، أوظرف،
__________
1 سبقت إشارة لهذا في ص 300 وفي رقم 5 من هامشها حيث الكلام على تعريف المركب المزجي، وأنواعه.... و.... و.... ومنه ما يفصل بين كلمتين الواو الزائدة سماعا، المهملة التي ليست إلا للفصل المحض، نحو: "كيت وكيت - وذيت وذيت" بالبيات الآتي في موضعه من جـ 4 باب "كم" ص 540 م 168.
2 في "و" من ص 134، وفي: "د" من ص 156.(1/313)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو حال، أو: شيء آخر منصوب، وفي محل جر؛ لأنه مجرور. فآخر كل كلمة من الكلمتين يلزم حركة واحدة لا تتغير؛ هي الفتحة. وحكم هذا المركب هو البناء على الفتح.
وهذا الإعراب في الأمثلة السابقة نوع مما يسمونه الإعراب: "المَحلِّي"1 حيث يكون للكلمة حالة لفظية ظاهرة، حلت محل أخرى غير ظاهرة، ولكنها ملحوظة برغم عدم ظهورها؛ فتراعى في التوابع وغيرها، وهو غير "الإعراب التقديري" الذي سبق الكلام عليه2.
وما ذكرنا من حكم المركب المزجي بأنواعه المختلفة هو الذي يحسن الأخذ به، والاقتصار عليه وحده في استعملنا؛ لأنه أشهر الآراء وأقواها ... والاقتصار عليه يمنع الفوضى في ضبط الكلمات، ويريحنا من جدل أهل المذاهب المختلفة. وعلى الرغم من هذا سنذكر بعض الآراء الأخرى، لا لاستعمالها؛ ولكن ليستعين بها من يشاء في فهم النصوص القديمة التى وردت بها، واشتملت عليها.
فمن تلك الآراء أن المركب المزجي غير المختوم بكلمة: "ويه" يجوز فيه البناء على الفتح في جميع حالاته. نقول: هذه بعلبكَّ. إن بعلبكَّ جميلةٌ. لم أسكن في بعلبكَّ، فتكون مبنية على الفتح دائمًا في محل رفع، أو نصب، أو جرّ.
ومنها: أنه يجوز إعرابه إعراب المتضافين3؛ فيكون صدره -وهو المضاف- معربًا على حسب حالة الجملة، ويكون عجزه -وهو المضاف إليه- مجرورًا أبدًا؛ تقول؛ هذه بعلُ بَكٍّ. إن بعلَ بكٍّ جميلة. لم أسكن في بعلِ بكً.
__________
1 ومن أنواعه أيضا جميع الأسماء المبنية، "كأسماء الإشارة والموصول، والضمير" وبعض الأفعال المبنية "كالماضي الواقع فعل شرط، أو جوابه، فإنه مبني في محل جزم"، وكلك بعض الجمل "كالتي تقع خبرا، أو صفة، أو حالا...." انظر البيان في ص 84، ثم ص 198.
2 ص 84 وفي "جـ" من ص 198.
3 والإضافة هنا غير محضة للأسباب الموضحة في موضعها الأنسب، وهو باب: "الإضافة"، جـ3 ص 47 م 93 وفي باب الممنوع من الصرف "جـ4 م 147 "و" ص 218 وهامشها".(1/314)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفى هذه الحالة -وحدها- يحسن في الكتابة فصل المضاف من المضاف إليه، وعدم وصلهما خطًّا. بخلاف أكثر الحالات الأخرى. كما أن المضاف في هذه الحالة إن كان معتل الآخر فإنه يظل ساكنًا دائمًا، ولا تظهر عليه الحركة؛ بل تقدر؛ مثل: عرفت "مَعْدِى كَرِبٍ"، فكلمة "معدي" مفعول منصوب بفتحة مقدرة على الياء: مع أن الفتحة تظهر على الياء دائمًا، ولكنها لا تظهر هنا، لثقلها مع التركيب -كما سبق البيان1.
أما المركب المزجي المختوم بكلمة: "وَيْه" فقد أجازوا فيه حالة أخرى غير البناء على الكسر، هي إعرابه كالممنوع من الصرف، فيرفع بالضمة، وينصب ويجر بالفتحة، من غير تنوين في الحالات الثلاث؛ مثل: سيبويهُ إمام نحوىّ كبير، عرفت سيبويهَ، وتعلمت من سيبويهَ.
__________
1 عند الكلام على المنقوص في ص 196.(1/315)
ب- أما الترتيب بين قسمين1 فيلاحظ فيه ما يأتي:
1- لا ترتيب بين الاسم والكُنْية، فيجوز تقديم أحدهما وتأخير الآخر، مثل: أبو الحسن عليّ بطلٌ، أو: عليّ أبو الحسن بطل.
2- لا ترتيب بين اللقب والكنية؛ فيجوز تقديم أحدهما وتأخير الآخر؛ مثل: الصّدّيق أبو بكر أول الخلفاء الراشدين، أو: أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين.
3- يجب الترتيب بين الاسم واللقب؛ بحيث يتقدم الاسم ويتأخر اللقب2. مثل: عمرُ الفاروق هو الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين، وهذا الترتيب واجب إن لم يكن اللقب أشهر من الاسم؛ فإن كان أشهر جاز3 الأمران؛ مثل: المسيح4 عيسى بنُ مريمَ رسولٌ كريم، أو: عيسى بنُ مريمَ المسيحُ رسولٌ كريم. ذلك أن "المسيح" أشهر من "عيسى". ومثل: السفَّاح عبد الله أول خلفاء العباسيين، أو: عبد الله السفاح ... ومن أجل ذلك كثر تقديم ألقاب الخلفاء والملوك على أسمائهم- مع صحة التأخير-.
ومما سبق نعلم أن الترتيب عند اجتماع قسمين غير واجب إلا فى حالة واحدة5،
__________
"1 و 1" أما حكم الترتيب عند اجتماع الثلاثة فيجيء في ص 319.
2 وتأخير اللقب عن الاسم واجب- بشرطه- سواء أوجد مع الاسم كنية أم لم توجد.
3 وهناك صورة أخرى لا يجب فيها تقديم الاسم وتأخير اللقب، بل يجوز، هي: أن يكون اجتماعهما على سبيل إسناد. أحدهما للآخر. "أي: الحكم على أحدهما بالآخر سلبا أو إيجابا". ففي هذه الحالة يتأخر المحكوم به، ويتقدم المحكوم عليه. فإذا قيل: من زين العابدين؟. فأجبت: زين العابدين على - فهنا يتقدم اللقب، لأنه المعلوم الذي يراد الحكم عليه بأنه على، ويتأخر الاسم لأنه محكوم به.... وإذا قيل: من على الذي تمتد حونه؟ فأجبت: على زين العابدين. فيتقدم الاسم هنا، لأنه المعلوم الذي يراد الحكم عليه، ويتأخر اللقب، لأنه محكوم به. وهكذا - انظر رقم 88 من هامش ص 442 ورقم 2 من هامش ص 493- فعندنا صورتان لا يجب تأخير اللقب فيهما، وإنما يجوز.
4 معاني المسيح كثيرة، منبها: أنه يمسح الباطل ويزيله.
5 زيدت عليها حالة ثانية في رقم 3 من هذا الهامش. وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
واسما أتى، وكنية، ولقبا ... وأخرن ذا إن سواه صحبا
يريد: أن العلم ثلاثة أنواع، فيأتي اسما، أو: كنية، أو: لقبا، ثم أشار إلى أن هذا "أي: اللقب" يتأخر إن صحب سواه من القسمين الآخرين، بأن اجتمع مع الاسم أو الكنية، ولكن هذا الرأي يخالف المشهور، من أن اللقب لا يتأخر إلا مع الاسم فقط، دون الكنية- بالشرط الذي قدمناه- ولو أنه قال: "وأخرن ذا إن سواها صحبا" لكان أحسن، وأوفق في بيان أن المراد تأخير اللقب إن صحب شيئا سوى الكنية.(1/316)
هي حالة اجتماع الاسم واللقب؛ فيجب تأخير اللقب عنه بشرط ألا يكون أشهر من الاسم؛ فإن كان أشهر جاز الأمران.
ج- أما إعراب قسمين عند اجتماعها فيُتَّبع فيه ما يأتي:
1- إن كان القسمان مفردين1 مثل: "علىّ سعيد" جاز اعتبارهما متضابفين2 فيكون الأول هو المضاف، ويضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة. ويكون الثاني هو المضاف إليه، وهو مجرور دائمًا؛ تقول: غاب عليُّ سعيدٍ3، عرفت عليَّ سعيدٍ، وسألت عن عليَّ سعيدٍ، وجاز عدم إضافتهما فيعرب الأول ويضبط على حسب حالة الجملة ويكون الثاني تابعًا له4 في جميع حركات الإعراب؛ فتكون كلمة: "سعيد" مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة تبعًا للكلمة
__________
1 وفي هذه الحالة لا بد أن يكون أحدهما اسما والآخر لقبًا، إذ لا دخل للكنية في الإفراد، لأنها لا بد أن تكون مركبة تركيبا إضافيا -كما سبق في ص 308- ولا بد أن يكون المضاف إليه معها غير لقب للمضاف، إذ الشيء لا يضاف -في الأغلب- إلى نفسه، طبقًا للبيان السابق في رقم2 من هامش ص308.
2 بشرط ألا يمنع من الإضافة مانع، كوجود "أل" في العلم الأول منهما، مثل: "السعد المقنع" اسم رجل، ولقبه، فلا يجوز إضافة "السعد" إلى "المقنع"، لأن الإضافة المحضة تمتنع فيها "أل" من المضاف. كما تمتنع الإضافة إذا كان المضاف والمضاف إليه بمعنى واحد، كما يبدو هنا في ظاهر الأمر، ولكنهما مختلفان تأويلا، فأحدهما يراد به الاسم المجرد، والآخر يراد به المسمى، كما سيجيء التفصيل في باب الإضافة جـ3 هامش ص 41 و 119 م 93 - وهذا النوع من إضافة الاسم إلى المسمى، "أي: إلى اللقب". والحاجة إلى هذا التأويل في هذا الوجه جعلت الإعراب على الوجه التالي أفضل.
3 جاء في ص 23 جـ1 من شرح: "المفصل" ما ملخصه:
إذا لقبت علما مفردا بمفرد أضفت العلم إليه، نحو: سعيد كرز. كان اسمه: "سعيدا"، ولقبه "كرزا" فلما جمع بينهما أضيف العلم إلى اللقب وكذلك. "قيس قفة، وزيد بطة".
فإذا أضفت الاسم إلى اللقب صار كالاسم الواحد، وسلب ما فيه من تعريف العلمية، كما إذا أضفته إلى غير اللقب، نحو: "زيدكم" فصار التعريف بالإضافة. وجعلت الألقاب معارف، لأ، ها جرت مجرى الأعلام، وخرجت عن التعريف الذي كان لها بالألف واللام قبل التلقيب- أي: إن وجدا من قبل-، كما أنا إذا قلنا: "الشمس" كان معرفة بالألف واللام، وإذا قلنا: "عبد الشمس" - كان من قبيل الأعلام. فالعلم يفقد التعريف بالعلمية عند إضافته إلى اللقب ويكتسب تعريفا جديدا بالإضافة. وكل هذا بشرط إضافته إلى اللقب".... أهـ. ثم راجع رقم 1 من هامش ص 294.
4 فيعرب الثاني بدلا من الأول، بدل كل من كل، أو يعرب عطف بيان، أو توكيدا لفظيا بالمرادف، فهذه الإعرابات الثلاثة جائزة. إلا إن منع من البدل مانع مما ذكروه في بابه، فيمتنع ويبقى الإعرابان الآخران.
هذا، وإعراب الثاني تابعا للأول على وجه من الأوجه الثلاثة، قوي لا تأويل فيه، فهو خير من الإعراب في الحالة الأولى، حالة اعتبارهما متضايقين لما فيها من التأويل الذي أشرنا إليه في رقم 2.(1/317)
الأولى؛ وهي عليّ. ولا دخل للكنية هنا لأن الكنية مركبة تركيبًا إضافيًّا، فتدخل في الأحوال الثلاثة الآتية الخاصة بالمركب الإضافي، ولا تدخل في المفرد الذى نحن بصدده -كما أشرنا من قبل.
2- وإن كان القسمان، مركبين معًا تركيب إضافة؛ مثل: "عبد العزيز سعد الله" فإن المضاف الأول، وهو: "عبد" يُضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة، ويكون المضاف الثانى، وهو: "سعد" تابعًا له1 فى حركات إعرابه.
3- وإن كان الأول هوالمفرد والثانى هوالمركب تركيب إضافة؛ مثل: "على زين العابدين" - أعرب المفرد على حسب حالة الجملة، وجاء المضاف الذى بعده تابعًا له فى حركته؛ تقول: علىٌّ زينُ العابدين شريف. إن عليًّا زينَ العابدين شريف. وماذا تعرف عن علىٍّ زين العابدين؟
ويجوز شىء آخر؛ أن يكون الأول المفرد مضافًا؛ يُضبَط ويعرب على حسب حاجة الجملة، وأن يكون المضاف إليه هوصدر الثانى؛ تقول: علىُّ زينِ العابدين شريف، إن علىَّ زينِ العابدين شريف. ماذا تعرف عن علىِّ زينِ العابدين؛ فتكون كلمة: "علىّ" معربة على حسب العوامل، ومضافة. وتكون كلمة: "زين" مضافة إليها مجرورة.
"4" إن كان الأول هوالمضاف والثانى هوالمفرد؛ مثل: زين العابدين علىّ - فإن صدر الأول؛ أى: المضافَ، يضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة، ويعرب المفرد تابعاً له، تقول: زينُ العابدين علىٌّ شريف، إن زينَ العابدين عليًّا شريف، عطفت على زين العابدين علىٍّ.
أما المركب المزجى وملحقاته، والمركب الإسنادىّ فلا يعتد بتركيبهما فى هذا الشأن وإنما يعتبر كل منهما بمنزلة المفرد عند اجتماعه بقسم آخر وتجرى عليه أحكام المفرد السابقة2.
__________
1 فيعرب بدل كل من كل، أو عطف بيان، أو توكيدا لفظيًّا بالمرادف، بالإيضاح الذي سبق في رقم4 من هامش الصفحة الماضية.
2 مع ملاحظة الحالة الإعرابية الخاصة بكل منهما -كما شرحناها في ص308 وما بعدها- فالمركب الإسنادي يلزم آخره حركة لفظية لا تتغير، ويكون معها في محل رفع، أو نصب، أو جر، بسبب الحكاية، والمركب المزجي المختوم بكلمة: "ويه" يلزم آخره حالة واحدة، وهي: البناء على الكسر - في الأغلب- ويكون معها في محل رفع، أو نصب، أو جر.... وإن لم يكن مختوما بكلمة "ويه" =(1/318)
وإلى هنا ينتهى الكلام على الترتيب والإعراب1 بين قسمين عند اجتماعهما. أما إذا اجتمعت الأقسام الثلاثة: "الاسم، والكنية، واللقب" فيراعى في الترتيب بينها ما سبق إيضاحه؛ حيث يجوز تقديم بعضها على بعض. إلا اللقب فلا يجوز تقديمه - فى أكثر حالاته - على الاسم2؛ ففى مثل: عمرُ بنُ الخطاب الفاروقُ - يجوز أن تقدم أو تؤخر ما شئت من الاسم، أو: الكنية، أو اللقب. إلا صورة واحدة لا تجوز؛ وهي: تقديم كلمة "الفاروق" على "عمر". وكذلك يراعى في الإعراب بين الأول والثاني ما سبق أيضًا. أما الثالث فيكون تابعًا للأول في حركاته.
__________
= ولا مبنيًّا على فتح الجزأين، رفع بالضمة من غير تنوين، ونصب وجر بالفتحة من غير تنوين فيهما، لأنه ممنوع من الصرف - في الأشهر- وهذه هي الأحكام الإعرابية الشائعة التي يجمل الاقتصار عليها الآن، وترك ما عداها مما يدخل في باب اللهجات التي لا تناسب حاضرنا.....
ويلاحظ كذلك أن الثاني في الصور السالفة كلها يجوز فيه "القطع" المشار إليه في رقم 1 من هامش ص 320. ....
1 وفي الإعراب يقول ابن مالك من غير أن يتعرض للتفصيل والترتيب الذي سلكناه.
وإن يكونا مفردين فأضف ... حتما، وإلا أتبع الذي ردف
يريد بالشطر الأول: أنه: إذا اجتمع قسمان من أقسام العلم، وكانا مفردين، مثل: سعيد محمود وجب عنده إعرابهما متضايفين، فالأول، وهو المضاف يعرف على حسب حالة الجملة، والثاني يعرب مضافا إليه مجرورا، هذا رأي ابن مالك، وقد عرفنا البيان الشافي في ذلك، حيث أوضحنا أن الإضافة ليست واجبة، وإنما هي جائزة كالإتباع: بل الإتباع أفضل.
ثم يقول في الشطر الثاني: إن لم يكونا مفردين، بأن يكونا معا مركبين تركيب إضافة، أو يكون الأول مركبا إضافيا والثاني مفردا، أو العكس، فإن الأول يعرب على حسب حاجة الجملة، والثاني يكون تابعا له في الإعراب "فيكون: بدلا، أو عطف بيان، أو توكيدا لفظيا بالمرادف" ومعنى "الذي ردف" أي: الذي جاء ردفا للأول، أي: بعده متأخرا عنه.
ثم أشار إلى نوعين من أنواع العلم، هما: المركب الإسنادي والمزجي، فقال:
وجملة، ما يمزج ركبا ... ذا إن بغير، "ويه" تم أعربا
أي: أن التركيب الإسنادي وهو المراد بقوله: "جملة" وكذلك المركب المزجي غير المختوم بكلمة، "وبه" فإنهما يعربان على حسب حاجة الجملة. وقد شرحنا طريقة إعرابهما، وإن لم يوضحهما الناظم، كما شرحنا طريقة إعراب المزجي المختوم بويه والأنواع المبنية على فتح الجزأين "ص 313، ثم أشار إلى المركب الإضافة من غير أن يذكر حكمه بقوله:
وشاع في الأعلام ذو الإضافة ... كعبد شمس، وأبي قحافة
وعبد شمس: علم على جد معاوية، وأبو قحافة: علم على والد أبي بكر الصديق. وفي هذا البيت والذي قبله إشارة إلى الأنواع الثلاثة للعلم المركب، وهي: العلم المنقول من جملة، وهو المركب الإسنادي، والعلم المركب تركيبا مزجيا، والعلم المركب تركيبا إضافيا.
2 إلا في الصورتين الجائزتين، وقد أوضحنا إحداهما في رقم 3 من ص 316 والأخرى في رقم 3 من هامشها.(1/319)
وكذلك يراعى في الإعراب بين الأول والثاني ما سبق أيضًا حين اجتماعهما بدون الثالث، فإذا انضم إليهما لم يتغير إعرابهما، وأعرب الثالث تابعًا للأول في إعرابه1.
د- هذا، وما يخص الأقسام السالفة من الأحكام المعنوية وباقى الأحكام اللفظية الأخرى فقد سبق الكلام عليها2.
__________
1 ويجوز فيه أيضا ما يسمى: "القطع" وهو جائز فيه وفي غيره على التفصيل الآتي:
إذا اجتمع قسمان من أقسام العلم أو ثلاثة، فإنه يجوز دائما في الثاني والثالث -إن وجد- "القطع" وهو المخالفة للأول في حركته الإعرابية، والانفصال عنها إلى ما يخالفها في الرفع، أو النصب، بشرط أن يكون الرفع أو النصب غير موجود في الأول، فإن كان الأول مرفوعا جاز قطع ما بعده إلى النصب، وإن كان الأول منصوبا جاز قطع ما بعده إلى الرفع. وإن كان الأول مجرورا جاز فيما بعده القطع إلى الرفع، أو: القطع إلى النصب، وزيادة على الجر بالتبعية، تقول في الزعيم "سعد زغلول": اشتهر عسد زغلولا بالخطابة، فيجوز قطع كلمة: "زغول" عن الرفع. أي: عن أن تكون مثل الأول في حركته، وعن أن تكون تابعة له، وإنما تكون منصوبة، مفعولا به لفعل محذوف، تقديره: أعنى، أو: أريد.... أو نحو ذلك.
وفي مثل: عرفت سعدا - زغلول- يجوز في كلمة: "زغلول" الرفع، فتكون مقطوعة عن حركة الأول غير تابعة له، فتعرب خبرا لمبتدأ محذوف، تقديره، "هو" مثلا. وفي مثل: سمعت عن سعد زغلول - يجوز في كلمة "زغلول" الرفع، أو النصب، على القطع السالف، كما يجوز فيها الجر على أنها تابعة له....
وملخص ما سبق في القطع أنه: مخالة الثاني والثالث لعلامة الاسم الأول، فإذا كان الأول مرفوعا جاز في الباقي النصب فقط على القطع، مع إعراب المقطوع مفعولا به لفعل محذوف. وإذا كان الأول منصوبا جاز القطع في الباقي إلى الرفع، أو إلى النصب، أو إلى الجر، مع إعرابه في كل حالة بما يناسبها، وتقدير العامل الملائم لها.
أما الغرض من القطع ومن العدول عن الإعراب الذي أوضحناه للتابع- إلى الإعراب الآخر الذي أوضحناه هنا أيضا، فغرض بلاغي، هو بيان أن المقطوع يستحق اهتماما خاصا، لرفعة شأنه، أو حقارة منزلته. وقد أوضحنا القطع - بتفصيل مناسب- والغرض البلاغي منه في باب المبتدأ والخير لمناسبة أقوى، وهي: مناسبة حذف المبتدأ وجوبا "ص 510 م 39" أما موضعه الأصيل، وبيانه الأكمل فباب النعت من الجزء الثالث، ص 469 م 115.
2 في صفحتي 292 و 296 وما بعدهما.(1/320)
المسألة الرابعة والعشرون: اسم الإشارة 1
تعريفه: اسم يعين مدلوله تعيينًا مقرونًا بإشارة حسية إليه؛ كأن ترى عصفورًا فتقول وأنت تشير إليه: "إذا" رشيق؛ فكلمة: "ذا" تتضمن أمرين معًا، هما: المعنى المراد منها: "أي: المدلول"، وهو:: جسم العصفور، والإشارة إلى ذلك الجسم في الوقت نفسه. والأمران مقترنان؛ يقعان في وقت واحد2؛ لا ينفصل أحدهما من الآخر.
والغالب أن يكون المشار إليه "وهو: المدلول" شيئًا محسوسًا3 كالمثال السابق. وكأن تشير بأحد أصابعك إلى كتاب، أو قلم، أو سيارة، وتقول: ذا كتاب -ذا قلم- ذي سيارة. وقد يكون شيئًا معنويًّا، كأن تتحدث عن رأي، أو: مسألة في نفسك، وتقول: ذي مسألة تتطلب التفكير، ذا رأي أبادر بتحقيقه ...
تقسيم أسماء الإشارة:
تنقسم أسماء الإشارة بحسب المشار إليه إلى قسمين؛ قسم يجب أن يُلاحَظ فيه المشار إليه من ناحية أنه مفرد، أو مثنى، أو جمع ... ، مع مراعاة التذكير، والتأنيث، والعقل5، وعدمه في كل ذلك6. وقسم يجب أن
__________
1 اسم الإشارة اسم مبهم وسيجيء بيان المبهم في "ج" من ص 338 وفي رقم 3 من هامش ص 340.
2 انظر ص 93، ففيها الإيضاح.
3 مما تجب ملاحظته أن الإشارة نفسها لا بد أن تكون حسية. أما مدلولها- وهو المشار إليه- فقد يكون حسيا وهو الأصل، وقد يكون معنويا.
4 إذا كان المشار إليه اسم جنس جمعيا فلاسم الإشارة حكم خاص، هو حكم الضمير العائد على مرجعه، وقد سبق بيانه في رقم 1 من هامش ص 22 وفي رقم 6 من ص 265 -.
5 والمراد بالعاقل: من له قدرة على الفهم والتعلم والحكم، بأصل طبيعته، ولو فقد هذه القدرة لسبب عارض. وقد يعبر النحاة أحيانا "بالعالم" بدلا من: العاقل.
6 إذا اختلف المشار إليه في التذكير والتأنيث مع المراد الأصيل منه جاز في اسم الإشارة التذكير والتأنيث، مراعاة لأحدهما، نحو: القطن محصول أساسي عندنا، وهذه الثروة يجب العناية بها، أو: وهذا ثروة يجب العناية بها ومثل: كتاب البخلاء للجاحظ زاد أدبي رائع، وهذه مزية يسعى وراءها الأديب، أو: وهذا مزية يعسى وراءها الأديب ومن الأمثلة قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ} - وقد أشرنا لهذا في رقم1 من هامش ص22 265.(1/321)
يُلاحَظ فيه المشار إليه أيضًا، ولكن من ناحية قربه، أو بعده، أو توسطه بين القرب والبعد1.
فالقسم الأول خمسة أنواع:
أ- ما يشار به للمفرد المذكر مطلقًا؛ "أي: عاقلا أو غير عاقل": وأشهر أسمائه "ذا"2. نحو: ذا طيار ماهر -ذا بلبل صَدَّاح3.
ب- ما يشار به للمفردة4 المؤنثة -عاقلة وغير عاقلة- وهو عشرة ألفاظ؛ خمسة مبدوءة بالذال هي: ذي، ذهْ، ذهِ، بكسر الهاء مع اختلاس5 كسرتها، ذهِ - بكسر6 الهاء مع إشباع الكسرة نوعًا، ذات7.
__________
1 تقدير القرب والبعد والتوسط متروك للعرف الشائع عند المتكلم، ومن معه.
2 "ذا" هو الأشهر. ويحسن الاقتصار عليه - حرصا على التيسير والإيضاح - وترك ما عداه مما هو مسموع بقلة عن العرب، مثل: "ذاء" بهمزة مكسورة. و "ذائه" بهمزة مكسورة دائما، بعدها هاء مكسورة كذلك، و "ذاؤه" بهمزة وهاء مضمومتين دائما. و "ألك" - للبعيد- بهمزة مفتوحة ممدودة هي اسم الإشارة، بعدها لام مكسورة للبعد، فكاف للخطاب "أي: ذلك" فهذه الألفاظ الواردة لإشارة المفرد المذكر خمسة، سردناها لنستعين. بمعرفتها على فهم ما ورد منها في الكلام القديم، مثل قول القائل:
هذاؤه الدفتر خير دفتر ... في يد قرم ماجد مصدر
مع تفضيل الاقتصار في استعمالنا على "ذا" كما سبق.
3 المفرد إما أن يكون مفردا حقيقة كالمثالين المذكورين، أو حكما، كالإشارة إلى جمع، أو فريق، مثل: هذا الجمع مسارع للخيرات، هذا الفريق غالب. وأيضا في مثل: الصيف حار، والشتاء بارد، أما الخريف فبين ذلك. أي: بين المذكور من الحار والبارد. ومما وقعت الإشارة به للجمع حكما قول الشاعر:
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس: "كيف لبيد"
4 سواء أكانت مفردة حقيقة كما مثل، أم حكما: مثل الفرقة والجماعة - على الوجه المتقدم في رقم 3.
5 الاختلاس هو: النطق بالحركة خفيفة سريعة، مع عدم إطالة الصوت بها.
6 الإشباع إيضاح الحركة، مع تقويتها وإطالة الصوت بها، حتى ينشأ من ذلك حرف علة مناسب، كالألف بعد الفتحة، وكالواو بعد الضمة، والياء بعد الكسرة- وهو حرف علة زائد، يقال له: "حرف إشباع". ويجوز كتابتها مع الإشباع هكذا "ذهي" بإثبات الياء الناشئة من إطالة الصوت بالكسرة.
7 ومن التيسير أن نجعلها كلها اسم إشارة، ولا نتابع الرأي القائل: إن اسم الإشارة هو "ذا" وحدها، وإن التاء للتأنيث.
والغالب فيها الضم، فهي اسم إشارة مبني على الضم في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب موقعها في جملتها.(1/322)
وخمسة مبدوءة بالتاء، هي: تي، تا، تهْ، تهِ، بكسر الهاء مع اختلاس الكسرة، تهِ1، بكسر الهاء مع إشباع الكسرة نوعًا. تقول: ذي الفتاة شاعرة ... تي الفتاة محسنة ... وكذا الباقي منهما2.
ج- ما يشار به للمثنى المذكر مطلقًا- أي: عاقلًا وغير عاقل، وهو لفظة واحدة: "ذانِ" رفعًا، وتصير: "ذَيْنِ" نصبًا وجرًّا. تقول: ذانِ عالمان، إنّ ذيْنِ عالمانِ، سلمت على ذَيْنِ، فيعرب كالمثنى، أي: "ذانِ": مبتدأ مرفوع بالألف. "ذيْنِ": اسم: "إنّ" منصوب بالباء. "ذينِ"، مجرور بعلى، وعلامة جره الياء أيضًا.
د- ما يشار به إلى المثنى المؤنث مطلقًا، وهو لفظة واحدة: "تان" رفعًا "وتصير: تَيْنِ" نصبًا وجرًّا؛ تقول: تان محسنتانِ؛ إن تيْنِ محسنتانِ، فرحت بِتَيْنِ المحسنتينِ. "تان" مبتدأ مرفوع بالألف. "تْينِ" اسم: "إن" منصوب بالياء. "تَيْن" مجرور بالياء، وعلامة جره الياء.
هـ- ما يشار به للجمع مطلقًا "مذكراً ومؤنثًا، عاقلا وغير عاقل" هو لفظة واحدة: "أولاَءِ". ممدودة في الأكثر، أو: أولَى مقصورة؛ مثل:
__________
1 ويجوز إثبات الياء الناشئة من الإشباع هكذا "تهي". كما سبق في رقم 6 من الهامش السابق.
2 يقول ابن مالك:
بذا لمفرد مذكر أشر ... بذي وذه، تي، تا، على الأنثى اقتصر
أي: أشر للمفرد المذكر بكلمة: "ذا" واقتصر في الإشارة إلى الأنثى على كلمة: "ذي" و "ذه" و "تي" و "تا" ولم يذكر الباقي.
3 يقول ابن مالك:
و"ذان، تان" للمثنى المرتفع ... وفي سواه "ذين". "تين" اذكر تطع
أي: للمثنى في حالة رفعه صيغتان، هما: ذان، وتان، ولم يوضح المشار إليه بهما وقد عرفناه: "وذان" للمثنى المذكر والمرفوع، و "تان" للمثنى المؤنث المرفوع"، وفي سوى الرفع يقال فيهما: "ذين" و "تين" بالياء والنون ويجوز تشديد النون، وعدم تشديدها في: "ذان، وتان"، وكذلك في "ذين وتين"، لكن عند تشديدها في الأخيرتين تتحرك الياء بالفتحة، أي: أنها تتحرك بالفتحة في حالتي نصبهما وجرهما إذا شددت النون- وستجيء الإشارة لهذا في رقم 2 من هامش ص 344 -.
4 يقول ابن مالك:
وبأولى أشر لجمع مطلقًا ... والمد أولى.............(1/323)
أولئك الصناع نافعون. ومثل: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} 1.
أما القسم الثاني من أسماء الإشارة، وهو الذي يلاحظ فيه المشار إليه من ناحية قربة، أو بعده، أو توسطه بين القرب والبعد؛ فإنه ثلاثة أنواع:
أ- الأسماء التي تستعمل في حالة قربه. هي: كل الأسماء السابقة الموضوعة للمفرد، والمفردة، والمثنى والجمع، بنوعيهما، من غير اختلاف في الحركات أو الحروف، ومن غير زيادة شيء في آخرها.
ب- الأسماء التي تستعمل في حالة توسطه للدلالة على أن المشار إليه متوسط الموقع بين القرب والبعد، هي: بعض الأسماء السابقة بشرط أن يُزاد في آخر اسم الإشارة الحرف الدالة على التوسط، وهذا الحرف هو: "كاف الخطاب الحرفية2". فإنها وحدها، بغير اتصال لام البعد بها، هي الخاصة بذلك.
__________
1 المد والقصر عند اللغويين والقراء -"كما سبق عند الكلام على المقصور في رقم5 من هامش ص188 وكما يجيء في رقم1 من هامش ص345 وكذا رقم1 من هامش ص558م 170 ج4" - يكون في المعرب وفي المبني، كما نرى هنا كلمة: "أولا" أما عند النحاة فمقصوران على المعرب.
والمقصود بالمد في البيت السالف "في رقم4" الإشباع الذي شرحناه في رقم6 من هامش ص322 وهو المد الصرفي الذي يقضي بوجود همزة في آخر الكلمة بعد ألف المقصور. أما الهمزة التي في أول كلمة: "أولى" فلا يصح إشباعها عند النطق بها، بالرغم من أن قواعد الإملاء توجب زيادة واو بعدها في الكتابة للفرق بينها وبين كتابة: "الألى" التي هي اسم موصول - كما ستجيء في رقم 1 من هامش ص 345 - وهذه العلة لا تثبت اليوم على التمحيص. وقد آن الوقت لإعادة النظر في قواعد الإملاء على يد المختصين بهذه الشئون، ولا سيما المجمع اللغوي.
2 هذه الكاف حرف مبني، وليست ضميرا، فلا يصح أن يكون اسم الإشارة مضافا، وهي مضاف إليه، لأنها حرف كما قلنا، ولأن اسم الإشارة بجميع أنواعه - حتى المثنى منه - لا يضاف، لأنه "ما عدا المثنى" بمني - كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 334 -، والمبني في أكثر حالاته لا يضاف. ومع أن هذا الكاف حرف خطاب فإنها مع غير كلمة: "هنا" الآتية في ص 327- تتصرف كما تتصرف الكاف الاسمية التي هي ضمير خطاب على حسب المخاطب" فتكون الحرفية مبنية على الفتح للمخاطب المفرد، المذكر، وعلى الكسر للمخاطبة نحو: ذاك - ذاك. وتلحقها علامة التثنية، وميم جمع المذكر، ونون النسوة، نحو: ذا كما، ذا كن. وهذا هو "التصرف الكامل" وهو أشهر اللغات وأسماها، ويحسن الأخذ به وحده، لأن يساعد على زيادة الإيضاح ومنع اللبس.
وهناك لغة أخرى لا تلحق بها علامة، وتبنيها على الفتح لكل أنواع المخاطب المذكر، وعلى الكسر لكل أنواع المخاطب المؤنث، وهذا هو "التصرف الناقص". وهو في درجته أقل من الأول. ويلي هذا "عدم تصرفها" مطلقا، فتبني على الفتح في جميع أحوال الخطاب.
هذا وكاف الخطاب مع الظرف "هنا" مفردة مفتوحة دائما، مهما كان المخاطب، كما سيجيء في رقم 3 من هامش ص 328.(1/324)
وهي تلحق الآخر من بعض أسماء الإشارة، دون بعض آخر؛ فتلحق آخِر أسماء الإشارة التي للمفرد المذكر، والتي للمثنى، والتي للجمع بنوعيهما؛ نحو: ذاك المكافح محبوب -ذانك المكافحان محبوبان- تانك الطبيبتان رحيمتان، أولئك المقاومون للظلم أبطال، أو: أولاك "بمد كلمة: "أولاء" وقصرها".
وكذلك تلحق ثلاثة من أسماء الإشارة الخاصة بالمفرده المؤنثة، هي: "تي، تا، ذي"؛ نحو، تِيك الدار واسعة ... ولا تلحق آخر السبعة الأخرى التي للمفردة المؤنثة، فباستبعاد هذه السبعة تكون بقية أسماء الإشارة التي للقُرب صالحة للتوسط أيضًا.
ولا تلحق آخر اسم من أسماء الإشارة إذا كان مبدوءًا بحرف التنبيه: "ها" وبينهما فاصل، كالضمير في مثل: هأنذا محب للإنصاف، فلا يقال في الأفصح هأنذاك -كما سيجيء1.
"ملاحظة": هذه الكاف تلحق اسم إشارة للمكان وهو يعتبر في الوقت نفسه ظرفًا من ظروف المكان؛ ونعني به الظرف: "هنا" -وسيجيء أيضًا إيضاحه قريبًا1؛ نحو: هناك في أطراف الحديقة دوح ظليل.
وخلاصة ما تقدم أن الأسماء التى للمتوسط هي الأسماء السابقة التي للقرْب. ولكن بشرط زيادة "كاف" الخطاب الحرفية في آخر الاسم للدلالة على التوسط؛ تقول: ذاك الطائر مغرد ... ، تِيك الغرفة واسعة ... وبشرط أن كاف الخطاب الحرفية لا تدخل في اسماء الإشارة الخاصة بالمفردة المؤنثة إلا في ثلاثة: "تي" و"تا" و"ذي" ولا تدخل في السبعة الأخرى -على الصحيح. وهذا هو الموضع الثاني الذي لا تدخله تلك الكاف2.
ج- الأسماء التى تستعمل فى حالة بُعْده.
لا سبيل للدلالة على أن المشار إليه بعيد إلا بزيادة حرفين فى آخر اسم الإشارة، هما: لام فى آخره تسمى: "لام البعد" يليها" وجوبا.
__________
1 و1" ص 327.
2 أما الوضع الأول فقد ذكر قبل هذا مباشرة، وهو اسم الإشارة المبدوءة بحرف التنبيه: "ها" وبينهما فاصل، وكذلك لا تدخل في اسم الإشارة: "ثم" ولا اسم الإشارة المنادي، نحو، يا هذا: "كما سيجيء في رقم 6 هامش ص 327، وفي باب المنادي، ج4".(1/325)
"كاف الخطاب" الحرفية حتمًا، ولا توجد "لام البعد بغيرها. وهذه اللام تزاد في آخر بعض الأسماء دون بعض: فتزاد مع "الكاف" في آخر أسماء الإشارة التي للمفرد؛ نحو: ذلك الكتاب لا ريب فيه. وفي آخر ثلاثة من الأسماء التي لإشارة المفردة "وهي الثلاثة التى تدخلها "كاف" الخطاب الحرفية دون السبعة الأخرى التي لا تدخلها"؛ نحو: تلك الصحاري ميادين أعمال ناجحة.
وتزاد في آخر كلمة: "أُولَى" المقصورة التي هي اسم إشارة للجمع مطلقاً، نحو: أُولاَلِكَ المغتربون في طلب العلم جنود مخلصون، دون "أولاء" الممدودة التي اسم الإشارة للجمع -في الرأي الأرجح- فلا يقال: أولاء لَكَ1 المغتربون مخلصون ...
ولا تزاد في اسم الإشارة الذي للمثنى المؤنث أو المذكر، ولا في اسم الإشارة المبدوء بحرف التنبيه: "ها"، والمختوم بـ"كاف" الخطاب الحرفية؛ فلا يصح في مثل: "هذاك وهاتاك" أن يقال: هذا لِكَ، ولا هاتا لِكَ ... على اعتبار "اللام" فيهما للبعد، و"الكاف" حرف خطاب.
ومما سبق يتبين أنه لا يجوز زيادة لام البعد وحدها بغير "كاف" الخطاب الحرفية بعدها، ولهذا يمتنع زيادة "لام البعد: في آخر الأسماء الخالية من تلك "الكاف" إما لأن "الكاف" لا تدخلها مطلقًا؛ كالأسماء السبعة التي لإشارة المفردة، وإما لأنها تدخلها ولكن اسم الإشارة خال منها عند الرغبة في إلحاق لام البعد بآخرها. وإن شئت فقل: إن أسماء الإشارة التي تستعمل في حالة البعد لا بد أن يزداد في آخرها حرفان معًا: لام تسمى: لام البعد1، وحرف الخطاب "الكاف" بعدها؛ نحو: ذلك السّبّاح بارع. وهذه اللام لا توجد وحدها بغير كاف الخطاب؛ فيجوز إلحاقها بآخر أسماء الإشارة التى للمفرد والمفردة بشرط وجود تلك الكاف. ويمتنع إلحاقها بأسماء الإشارة التى لا تدخلها الكاف مطلقًا2، أوالتى تدخلها، ولكنها غير موجودة فيها عند الرغبة فى إلحاق اللام.
__________
"1، 1" هذه اللام تكسر إن كان قبلها ساكن، كالألف المحذوفة إملائيا في نحو: "ذلك" و "تالك".... وقد تسكن، فيحذف ما قبلها مباشرة من ساكن، كالياء، أو الألف في اسمي الإشارة تي وتا. تقول: تلك وتلك....
2 وهي الأسماء السبعة التي أشرنا إليها في الحالة الثانية "ب".(1/326)
وكذلك يصح إلحاق هذه اللام بكلمة "أُولَى" المقصودة، دون الممدودة، على الأرجح ودون المثنى بنوعيه أيضًا.
ويصح أن تدخل: "ها" التي هي حرف تنبيه على اسم الإشارة الخالي من كاف الخطاب؛ مثل: هذا، هذه، هذان، هؤلاء ... وقد تجتمع مع الكاف بشرط عدم الفاصل -كالضمير- بين "ها" واسم الإشارة.؛ نحو هذاك، هاتاك ... لكنهما إذا اجتمعا لم يصح مجيء لام البُعْد معهما، فلا يجوز هذا لِكَ2. وهذا موضع آخر من المواضع التي تمتنع فيها لام البعد3.
وتمتنع الكاف إن فصل بين "ها" التنبيه واسم الإشارة فاصل4؛ كالضمير في نحو: هأنذا5 مُخلص، فلا يصح الإتيان بالكاف بعد اسم الإشارة وهذا هو الموضع الثاني الذي لا تدخله كاف الخطاب6، وإذن لا تدخله لام البعد أيضًا.
بقي من أسماء الإشارة التي من القسم الثاني كلمتان: هُنا، و: "ثَمَّ"
__________
1 سميت بذلك لأن المراد منها: إما تنبيه الغافل إلى ما بعدها، وتوجيهه إلى ما سيذكر. وإما إشعار غير الغافل إلى أهمية ما بعدها، وجلال شأنه، ليتفرغ له، ويقبل عليه.
2 يشير ابن مالك إلى الكاف واللام في البعد وعدمه قائلا: "مع العلم بأنه يقصر كلامه على القريب والبعيد ويهمل الوسط، لأنه يدخله في البعيد كفريق آخر من النحاة- انظر "الملاحظات" في ص 331".
. . . . . . . . . . . . . ... لدى البعد انطقا
بالكاف حرفا دون لام، أو معه ... واللام إن قدمت "ها" ممتنعة
3 المواضع التي تمتنع فيها اللام خمسة هي:
أ- اسم الإشارة الذي ليس في آخره كاف الخطاب.
ب- أسماء الإشارة السبعة التي للمؤنث، وهي التي لا تدخلها الكاف أيضا.
جـ- أولاء ممدودة.
و اسم الإشارة المثنى، مذكرا ومؤنثا.
هـ- اسم الإشارة المبدوء بها التنبيه، والمختوم بكاف الخطاب.
4 كما سبق في ص 325.
5 أصله: "ها أناذا"، ولكن قواعد رسم الحروف تقضي بكتابته متصل الحروف، "هأنذا".
6 والموضع الأول هو أسماء الإشارة السبعة التي للمؤنث- وقد سبق الكلام عليها- كذلك لا تدخل على اسم الإشارة: "ثم" كما سيجيء- ولا على اسم اسم الإشارة المنادي: نحو: يا هذا، كما هو مبين في باب المنادي، جـ4 وسبقت الإشارة إليه في رقم 2 من هامش 325.(1/327)
وكلتاهما تفيد الإشارة مع الظرفية التي لا تتصرف. فأما: "هُنَا" فهي اسم إشارة إلى المكان القريب، مثل: "هنا العلم والأدب". وقد يزاد في أولها حرف التنبيه: "ها" نحو: "هَا هُنَا الأبطال؛ فهي في الحالتين سواء.
وبسبب دلالتها على المكان مع الإشارة دخلت في عِدَاد ظروف المكان أيضًا، فهي اسم إشارة وظرفُ مكان معًا وهي ظرف مكان لا ينصرف، فلا تقع فاعلًا، ولا مفعولًا، ولا مبتدأ، ولا غير هذا مما لا يكون ظرف مكان. ولا تخرج عن الظرفية المكانية إلا إلى نوع خاص من شبه الظرفية2، وهو معها الجر بالحرف "مِنْ" أو "إلى"، نحو: سرت من هنا إلى هناك.
ويصح أن يزاد على آخرها الكاف المفتوحة للخطاب3 وحدها أو مع "ها" التنبيه صارت مع الظرفية اسم إشارة للمكان المتوسط؛ مثل: هنا، أو: "ها هناك" في الحديقة الفواكه. وإن اتصل بآخرها كاف الخطاب المفتوحة واللام صارت مع الظرفية اسم إشارة للمكان البعيد؛ مثل: هنالك فى الصعيد أبدع الآثار. وفى هذه الصورة تمتنع "ها" التنبيه، لأن "ها" التنبيه لا تجتمع مع لام البعد - كما أشرنا4.
وقد يدخل على صيغتها بعض تغيير، فتصير اسم إشارة للمكان البعيد؛ من ذلك، هَنَّا، هِنَّا، هَنَّتْ - هِنَّت ... فهذه لغات فيها، وكلها تفيد مع الظرفية الإشارة للمكان البعيد.
__________
1 إذا وقع الظرف: "ثم" خبرا وجب تقديمه على المبتدأ وكذلك الظرف: "هنا" إذا سبقه من غير فاصل- حرف التنبيه: "ها" وهذا رأي صاحب الهمع "حـ1 ص 102، ومن نقل عنه كالصبان- عند كلاهما على تقديم الخبر" بحجة أن "ها" التي للتنبيه واجبة الصدارة، كما يقول: "الهمع" وبسببها وجب تصديرها هنا. والرأي وحجته ضعيفان مرفوضان بالأدلة القوية المؤيدة بالسماع أيضا، وهي مدونة في ص 55 من مجلة المجمع اللغوي القاهري، الجزء الثامن عشر. والظاهر: أن الأغلب- لا الواجب- في الظرف "هنا" المسبوق بهاء التنبيه بغير فاصل هو تقديمه على المبتدأ، ويصح تأخيره كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 337.
2 توضيحه في رقم 1 من ص 335.
3 ولا بد أن تكون هذه الكاف معها مفردة ومفتوحة، مهما تغير المخاطب، وبذلك يسمونها: كاف الخطاب غير المتصرفة. أما الكاف مع غيرها فقد سبق في رقم 2 من هامش ص 324 أنها تكون متصرفة كاملة التصرف، وهذا هو الأحس، وقد تكون ناقصة التصرف في رأي آخر له تفصيل هناك. وقد تكون غير متصرف مطلقا في رأي ثالث.
4 في ص 326.(1/328)
وأما الأخرى: "ثَمّ" فاسم إشارة إلى المكان البعيد؛ مثل: تأمل النجوم فثَم الجلال والعظمة. وهي1 كسابقتها ظرف مكان لا يتصرف، إلا أن "ثَمَّ" للبعيد خاصة، ولا تلحقها "ها" التنبيه" ولا كاف الخطاب، وهما اللذان قد يلحقان نظيرتها. وقد تلحقها -دون نظيرتها- تاء التأنيث المضبوطة -غالبًا- بالفتح؛ فيقال ثَمَّة2.
ومما تقدم نعلم أن المكان باعتباره وعاء، أيْ: ظرفًا -يقع فيه أمر من الأمور ومعنى من المعنى- قد اختص وحده باسمين من أسماء الإشارة؛ فلا يشار إليه باعتباره وعاء وظرفا إلا بواحد منهما. ومن أجل هذا كانا في محل نصب على الظرفية3 لا يفارقها أحدهما إلا إلى الجر بمن أو إلى. أما بقية أسماء الإشارة فتصلح لكل مشار إليه، مكانًا أوغير مكان. إلا أن المشار إليه إذا كان مكانًا فإنه لا يعتبر ظرفًا؛ مثل هذا المكان طيب، وتلك بقعة جميلة، فكل واحدة من كلمتى: "مكان"، و"بقعة" مشار إليه، دال على المكان، ولكنه لا يسمى ظرفًا.
__________
1 يشير ابن مالك إلى ما سبق بقوله:
وبهنا أو: ها هنا أشر إلى ... داني المكان، وبه الكاف صلا
في البعد. أو بثم فه، أو: هنا ... أو بهنالك، انطقن، أو هنا
يقول: أشر إلى مكان القريب بكلمة: هنا، من غير "ها" التي للتنبيه، أو مع "ها" التنبيه، فتقول: "ها هنا".
أما عند الإشارة إلى البعيد فصل الكاف بكلمة: "هنا" و "ها هنا"، أو: جيء باسم إشارة آخر يفيد البعد، وهو: ثم، أو: هنا، أو: هنالك.... ولا تخرج هذه الظروف "ثم، وكذا: هنا، باستعمالاتها المختلفة" من الظرفية إلا إلى شبه الظرفية، وهو: الجر بالحرف: "من"، أو: إلى "انظر رقم 1 من هامش ص 335".
2 من العرب من يسكن هذه التاء، ومنهم من يستغني عنها في حال الوقف فقط. ومنهم من يستغني عنها بهاء ساكنة يثبتها في حال الوقف فقط: ويسمونها: "ها السكت". ومنهم من يبقى هاء السكت في الوصل أيضا، فيجعل الوقف والوصل سيان. وكل هذه لهجات نحن في غنى عنها اليوم مكتفين بالكلمة مجردة من كل زيادة، أو مع زيادة التاء المربوطة، المتحركة بالفتحة، منعا للآراء الكثيرة التي لا داعي لها في حياتنا القائمة، ولا أثر لها إلا العناء والإبهام. وحسب المتخصصين - وحدهم - أن يعرفوا هذه اللغات لفهم النصوص القديمة دون محاكاتها.
3 انظر رقم 1 من هامش ص 335.(1/329)
وفي الجدول الآتي بيان أسماء الإشارة في الأنواع الخمسة السابقة1؛ وهي التي يلاحظ فيها المشار إليه من ناحية إفراده، وتثنيته؛ وجمعه، مع التذكير، والتأنيث، العقل، وعدمه، في كل حالة، وكذلك مع القرب، والتوسط، والبعد:
__________
1 في ص 322 وما بعدها.(1/330)
جدول اسكانر(1/331)
جدول اسكانر(1/332)
المسألة الخامسة والعشرون: كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها
عند اختيار اسم من أسماء الإشارة لا بد أن نعرف أولا: حالة المشار إليه من ناحية: "إفراده، أو: تثنيته، أو: جمعه" و"تذكيره، أوتأنيثه" "عقله، وعدم عقله" ثم نعرف ثانيًا: حالته من ناحية: "قربه، توسطه، أوبعده".
أ- فإذا عرفنا حالته من النواحي الأولى تخيرنا له من أسماء الإشارة ما يناسب؛ فالمشار إليه إن كان مفردًا مذكراً -عاقلا أو غير عاقل- كرجل وباب، نختار له: "ذا"، مثل: ذا رجل أديب، ذا باب مُحكَم. فكلمة "ذا" اسم إشارة، مبني على السكون في محل رفع؛ لأنها مبتدأ في هذه الجملة، وقد تكون في محل نصب أو جرّ في جملة أخرى، فمثال محلها المنصوب: نجح العلماء في إرسال القذائف إلى القمر؛ فنزلت على سطحه1، وإن ذا من عجائب العلم. وقول الشاعر:
أيها الناس، إن ذا العصرَ عصُر الـ ... ـعلْم، والجدّ فى العلا، والجهاد
ومثلها محلها المجرور قول الآخر:
ولسْتُ بإمَّعَةٍ2 فى الرجالِ ... أسائل عن ذا، وذا، ما الخبر؟
فهى مبنية دائمًا. ولكنها فى محل رفع، أونصب، أوجر، على حسب موقعها من الجمل.
وإن كان المشار إليه مفردة، مؤنثة عاقلة أوغير عاقلة - مثل: فتاة وحديقة - فاسم الإشارة المناسب لها هو: "ذى" أوإحدى أخواتها مثل: ذى غرفة بديعة
__________
1 كان هذا أول مرة سجلها التاريخ، ففي سنة 1969 فقد نزل ثلاثة من الأمريكيين على سطحه، وأقاموا فوقه نحو ثلاثين ساعة، عادوا بعدها إلى وطنهم "الولايات المتحدة" سالمين. ثم كانت المرة الثانية في ديسمبر سنة 1972 قام بها أمريكيون أيضًا، وأدركوا من التوفيق والنجاح أضعاف ما تم في المرحلة الأولى.
2 الإمعة: من لا أهمية له، ولا رأي. وإنما يسأل غيره عن كل شيء، ويتابعه بغير تفكير.(1/333)
ذي فتاة ماهِرة ... وهي اسم إشارة مبنية دائمًا على السكون في محل رفع؛ لأنها مبتدأ، هنا، أما في جملة أخرى فمبنية أيضاً، ولكن في محل رفع، أو نصب، أو جرّ، على حسب موقعها من الجملة.
وإن كان المشار إليه مثنى مذكرًا -للعاقل أو غيره- مثل: فارسين، وقلمين، فاسم الإشارة المناسب له: "ذَان" رفعًا، و"ذَيْن" نصبًا وجرًّا؛ فيعرب كالمثنى؛ تقول: ذان فارسان، حاكيت ذَيْن الفارسين، اقتديت بذين الفارسين، ذان قلمان جميلان، اشتريت ذَيْن القلمين، كتبت بذين القلمين؛ فاسم الإشارة هنا معرب مرفوع بالألف في حالة الرفع، ومنصوب ومجرور بالياء في حالتي النصب والجر. وكذا في كل جملة تشبه هذه.
فإن كان المشار إليه مثنى مؤنثًا -للعاقل أو غيره- "ومنه: فصيحتان، وردتان ... ". فاسم الإشارة1 الذى يناسبه هو: "تانِ" رفعًا، و"تَيْنِ" نصبًا وجرًّا، فيُعرب إعراب المثنى؛ تقول: تان فصيحتان، إن تين فصيحتان، أصغيت إلى تَيْن الفصيحتين. وتانٍ وردتان - شمِمْت تَيْن الوردتين، حرَصت على تَيْن الوردتين؛ فاسم الإشارة هنا كسابقه، معرب إعراب المثنى. وكذا فى كل جملة أخرى.
وإن كان جمعًا للعاقل أوغيره مثل: الطلاب -الأبواب- أتينا باسم الإشارة المناسب؛ وهو كلمة "أولاء" ممدودة أو مقصورة، وفي الحالتين لا بدّ
__________
1 من الخير التيسير باتباع هذا الرأي القائل: بأنهما يعربان إعراب المثنى، بالرغم من أن مفرد كل منهما مبني قبل تثنيته، والمبني لا يثني ولا يجمع ... وحجة هذا الرأي أن العرب الفصحاء أدخلت عليهما العلامتان الدالتان على التثنية، والإعراب: "وهما: الألف والنون، والياء والنون، والياء والنون" فلا داعي لإغفال الواقع يجعل الكملتين مبنيتين على الألف رفعا، وعلى الياء نصبا وجرا، كما يرى فريق آخر من النحاة، لأن الأخذ برأيه يبعدنا من مراعاة الظاهر السهل الذي يناسينا اليوم. وإذا أخذنا بالتيسير المشار إليه وجب أن نلاحظ أن كل كلمة من الكلمات السابقة "أي: "ذان"، و "ذين" و "تان" و "تين" لا يصح إضافتها إلى كلمة بعدها، لأن الإضافة المحضة تفيد المضاف تعريفا أو تخصيصا. واسم الإشارة معرفة، فلا تقيده الإضافة شيئا. هذا، إلى أن جميع أسماء الإشارة - ما عدا المثناة- مبنية والمبني من أسماء الإشارة لا يضاف- غالبا- فالكاف الواقعة في مثل: "ذانك و "تانك" رفعا، ونصبا، وجرا حرف خطاب "وقد تكلمنا عنه في رقم 2 من هامش ص 324".
وليست ضميرا مضافا إليه، إذ لو كانت ضميرا مضافا إليه لحذفت نون المثنى من المضاف منهما، ومن مثل قوله تعالى: "فذانك برهانان من ربك".(1/334)
من بنائها، ولا بد لها من محل إعرابي، تقول: أولاء الطلاب نابهون، أولاء الأبواب مفتحة. واسم الإشارة هنا ممدود مبني على الكسر في محل رفع؛ لأنه مبتدأ. أما في جملة أخرى فيكون مبنيًّا أيضًا ولكنه في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب موقعة من الجملة التى يكون فيها: ومثله: "أُولَى" المقصورة. إلا أنها في جميع أحوالها مبنية على السكون في محل رفع أو نصب أو جر على حسب موقعها من الجملة.
وإن كان المشار إليه مكاناً أتينا بكلمة: "هُنَا" وهي إشارة وظرف مكان معًا فهي مبنية على السكون -أو غيره على حسب لغاتها- في محل نصب1؛ لأنها ظرف غير متصرف -كما سلف- تقول؛ هنا موظف العلم؛ أي: في هذا المكان. وقد يكون قبلها "ها" التي للتنبيه وحدها، نحو: ها هنا، أو هي والكاف المفتوحة نحو: ها هناك. وقد يلحقها الكاف واللام معًا بشرط عدم وجود "ها" التي للتنبيه.
ومثلها. "ثَمّ" فهي اسم إشارة للبعد وظرف مكان معًا -ولا يتصرف، مبنية على الفتح في محل نصب2 تقول: ثَمَّ مَقَر السماحة. أي: هنالك. ويجوز أن تلحقها تاء التأنيث المضبوطة بالفتحة غالبًا كما سبق3 فتقول: ثَمَّةَ ميدان للتسابق الأدبي.
ولما كانت "ثمّ" تفيد البعد بنفسها لم يكن هنا داعٍ لأن تلحقها الكاف ولا اللام.
ومما تقدم نعلم:
أن كل مشار إليه له اسم إشارة يناسبه؛ وكل اسم إشارة مقصور على مشار إليه بعينه، وأن جميع أسماء الإشارة مبنية؛ إما على السكون أو غيره، ولكنها في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب تصرفها، وموقعها من الجملة.
__________
1 بشرط ألا يسبقها حرف الجر "من" أو: "إلى" كما تقدم في ص 328، فإن سبقها أحدهما فهي في محل جر، لأنها لا تخرج عن الظرفية إلا لشبه الظرفية، وهو الجر بالحرف:
"من" أو: "إلى" ومن المعلوم أنها ظرف غير متصرف. والصرف غير المتصرف لا يترك النصب على الظرفية إلا إلى شبهها، وهو بالجر بالحرف: "من". لكن ظروفًا ثلاثة هي: "هنا -ثم- أين" قد تجر بالحرف: "إلى" أيضًا. "راجع الصبان في هذا الموضع". ويزاد على الثلاثة السالفة الظرف: "متى" إلا أنه يصح جره، بالحرف "حتى" كما يجر بالحرفين أيضا "من وإلى" طبقا لما سيجيء في رقم 4 من هامش ص 338 وفي جـ 2 باب الظرف م 79.
2 بالشرط السالف في رقم 1 من هذا الهامش، فهو يسري عليها كزميلتيها.
3 في ص 329.(1/335)
وليس فيها معرب إلا كلمتان؛ هما "ذان" للمذكر المثنى "وتان" للمؤنث المثنى؛ فيعربان إعراب المثنى؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء، ومع أنهما معربان، فإنهما لا يضافان -كما سبق1- فشأنهما في ذلك كشأن المبني من أسماء الإشارة؛ لا يجوز إضافة شيء منه مطلقًا.
ب- وإذا عرفنا حالته في ناحية قربه أو بعده أو توسطه لم يتغير شيء من طريقة إعراب الأسماء السابقة. فإن وجد في آخر واحد منها كاف الخطاب الدالة على التوسط "نحو ذاك ... هناك" قيل فيها: "الكاف" حرف خطاب، مبني لا محل له من الإعراب. وإن وجد معها لام البعد أحياناً، مثل: "ذلك"، وهذه اللام لا توجد منفردة عن الكاف -كما أشرنا2- قيل فيها: اللام حرف للبعد، مبني على الكسر في نحو: ذلك، وعلى السكون في نحو: تَلْك ... لا محل لها من الإعراب.
وإن وجد في أول اسم الإشارة "ها" التي للتنبيه؛ مثل: "هذا" قيل فيها: حرف تنبيه مبني على السكون لا محل له. "مع ملاحظة أن الكاف بعد كلمة: "هنا" حرف خطاب لا يتصرف مطلقًا فهو مبني على الفتح دائمًا، أما بعد غيرها فيجوز أن تتصرف.
__________
1 في رقم 2 و 1 من هامشي ص 324 و 334.
2 في "ج" من ص 325.
3 راجع رقم 2 من هامش ص 324....(1/336)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- للمناسبة هنا وللأهمية نلخص ما ذكرناه وأيدناه بالنصوص المسموعة الصحيحة في ص225 وهو أنه: يجوز الفصل بين: "ها" التي للتنبيه واسم الإشارة بضمير المشار إليه؛ مثل: هأنذا أسمع النصح، وهأنت ذا تعمل الخير، وهأنتم أولاء تصنعون ما يفيد ...
وقد يكون الفصل بغير الضمير قليلا؛ كالقسم بالله؛ نحو: ها -والله- ذا الرجلُ محب لوطنه. وكذلك "إن" الشرطية، مثل: ها، إن، ذي حسنةٌ تتكررْ يُضاعف ثوابُها ... وقد تعاد "ها" التنبيه بعد الفصل، لتوكيد التنبيه وتقويته؛ مثل: ها أنتم هؤلاء تحبون العمل النافع.
والشائع هو دخول: "ها" التي للتنبيه على ضمير الرفع المنْفصل الذي خبره اسم إشارة، نحو: هأنذا المقيم على طلب العلوم. ومن غير الشائع، مع صحته طبقًا للبيان والأمثلة المتعددة التي في ص 225 -دخولها إذا كان خبره غير اسم إشارة، نحو: هأنا ساهر على صالح الوطن.
ويُستأنَس لهذا أيضًا -وإنْ كان في غنى عنه لكنه في معرض التخصيص- بما جاء في الصبان والخضرى معًا في باب الحال عند الكلام على العامل المضمن معنى الفعل، كتلك، وليت، وكأن، وحرف التنبيه ... حيث قالا فى التمثيل لحرف التنبيه: "هأنت زيد راكبًا ... " ا. هـ وهذا لمجرد الاستئناس فقط فقد سبقت الأمثلة الفصحة الواردة عمن يستشهد بكلامه من العرب.
"ملاحظة" يتعين أن يكون اسم الإشارة المبدوء بكلمة: "ها" التى للتنبيه مبتدأ في مثل: هذا أخي. لأن "ها" التنبيهية لها الصدارة بشرط أن تتصل باسم الإشارة مباشرة لا يفصل بينهما ضمير، فإن فصل الضمير بينهما في مثل: "هأنذا" فالضمير هو المبتدأ، واسم الإشارة هو الخبر.
__________
1 قلنا في رقم 1 من هامش ص 328 إن هذا رأي صاحب الهمع "جـ1 ص 102 ومن ردده، كالصبان" كما قلنا إن الحكم بتقديم اسم الإشارة المبدوء بحرف التنبيه "ها" تقديما واجبا على الخبر هو حكم مدفوع بأدلة قوية يؤيدها السماع، طبقا للبيان والإيضاح المذكورين هناك. والظاهر أن تقديمه على الخبر أكثر، لا واجب.(1/337)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويجوز: "هذا أنا" ولكن الأول أحسن وأسمَى في الأساليب الأدبية العالية -كما ستجيء الإشارة لهذا في رقم 8 من ص 498، وتكملتها في رقم4 من هامش ص499.
ب- عرفنا1 أن كلمة "هنا" اسم إشارة للمكان القريب، وظرف مكان معًا. وقد تقع: "هُناك" و"هنالك" و"هَنَّا" المشددة، أسماء إشارة للزمان؛ فتنصب على الظرفية الزمانية؛ مثل قول الشاعر:
وإذا الأمورُ تشابهتْ وتعاظمتْ ... فهناك يعترفون أين المفزعُ
أي: في وقت تشابه الأمور2. وكقوله تعالى عن المشركين3: {يَوْمَ نَحْشُرُهُم} إلى أن قال: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} ، أي: في يوم حشرهم.
وكقول الشاعر:
حَنَّت نوارُِ ولات هَنَّا حَنَّت ... وبدَا الذى كانت نوَارُِ أَجنت
أي: ولات في هذا الوقت حنين، لأن "لات" مختصة بالدخول على ما يدل على الزمن4.
ج- يطلق النحاة على أسماء الإشارة وأسماء الموصول اسمًا خاصًّا؛ هو "المُبْهمات"، لوقوعها على كل شيء؛ من حيوان، أو نبات، أو جماد،
__________
1 في ص 328.
2 لأن الظرف: "هنا" داخل في جواب" إذا" الشرطية، التي هي ظرف لما يستقبل من الزمان.
3 في سورة: يونس، ورقم الآية 28، ومما بعدها.
4 "لات" في الشاهد: مهملة، لا تعمل عمل "لا". بسبب تقديم الخبر وهو: "هنا". ولا يصح أن تكون: "هنا" اسمها: لأنها ظرف غير متصرف - كما سبق في ص 328- ولا تخرج عن الظرفية إلا لشبهها، وهو هنا الجر بالحرف "من" أو: "إلى".... فلا تكون اسما لناسخ، ولا غير ذلك، ولأنها معرفة، و "لات" لا عمل لها في المعرفة. "ومما يلاحظ أن خروج: "هنا" عن الظرفية قد يكون إلى الجر بالحرف "إلى" وهذا لا يكون في غيرها وغير "ثم"، و "أين" ومثلها: "متى" لكن هذا الظرف قد يجر بالحرف: "حتى" أيضا - دون بقية الظروف غير المتصرفة، وسيجيء الكلام على هذا الشاهد في "حـ" من ص 604 عند الكلام على "لات""(1/338)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعدم دلالتها على شىء معين، مفصَّل مستقل إلا بأمر خارج عن لفظها؛ فالموصول لا يزول إبهامه إلا بالصلة، نحو: رجع الذى غاب، كما ستجئ. واسم. الإشارة لا يزول إبهامه إلا بما يصاحب لفظه من إشارة حسية كما عرفنا. ولذلك يكثر بعده مجئ النعت، أوالبدل، أوعطف البيان؛ لإزالة إبهامه، ومنع اللبس عنه؛ تقول؛ جاء هذا الفضل. جاء هذا الرجل3.......
__________
1 في رقم 3 من هامش ص 340.
2 في ص 321.
3 إذا كان ما بعد اسم الإشارة مشتقا فإعرابه نعتا هو الأفضل. إما إذا كان جامدا فالأفضل إعرابه بدلا، أو: عطف بيان- كما سيجيء في بابها جـ3 - كل ذلك ما لم يوجد مانع.(1/339)
المسألة السادسة والعشرون: الموصول
الموصول قسمان: اسمي، وحرفي. وسنبدأ بالأول1.
تعريفه: نُقدم له بالأمثلة الآتية:
أ- فرح الذى ... - سمعت الذى ... - أصغيت إلى الذى ...
ب- فرح الذى "حضر والده" - سمعت الذى "صوته مرتفع" - أصغيت إلى الذى "فوق المنبر".
ج- وقفت التى ... - احترمت التى ... - لم أشهد التى ...
د- وقفت التي "تخطب" - احترمت التي "خُطبَتُها رائعة" - لم أشهد التى "أمام المذياع".
فى كل جملة من جمل القسم الأول: "ا" كلمة: "الذى" فما معناها؟ وما المراد منها؟ إنها اسم مسماه ومدلوله غير واضح: فلا ندرى أهو: سعد، أم على أم، سمير، أم غيرهم من الرجال؟ ولا نعرف أهوحيوان آخر؟ أم نبات، أم جماد؟ وما عسى أن يكون بين أفراد الحيوان، أوالنبات، أوالجماد؟ إذًا هواسم غامض المعنى2، مبهم3 الدلالة. ولهذا الغموض والإبهام أثرهما فى غموض المعنى الكلىّ للجملة وإبهامه.
__________
1 لأنه أحد المعارف التي نحن بصددها. أما الثاني فحرف، لا دخل له بالمعارف، فليس مجال الكلام عليه هنا. ولكنه يذكر للمناسبة بينه وبين الأول. وسيجيء في ص 407 بسط الكلام عليه.
2 خفي المعنى.
3 أشرنا في ص 32 وهامشها إلى أن المراد بالمبهم في باب الموصولات هو: المجمل الذي لا تفصيل فيه ولا استقلال، ولا تعيين، ولا تحديد. "كما في حاشية التصريح" وقد سبق في "جـ" من ص 338 أن أسماء الإشارة تسمى هي والموصولات: "الأسماء المبهمة"، وأوضحنا هناك سبب التسمية، وأنه وقوعها على كل شيء، من الحيوان، أو النبات، أو الجماد، من غير تعيين وتفصيل لذلك الشيء إلى بأمر خارج عن لفظها. جاء في المفصل "جـ5 ص 86" ما ملخصه.
"إنه حين يقال بين المعارف أسماء مبهمة فالمراد بها ضربان فقط، "أسماء الإشارة، والموصولات" كما أوضحنا في رقم 3 من هامش ص 255 - والفرق بين المضمر والمبهم أن ضمير الغائب يبين بما قبله في الغالب "وهو الاسم الظاهر الذي يعود عليه المضمر، نحو قولك: محمد مررت به" - والمبهم الذي هو اسم الإشارة =(1/340)
لكن حين أتينا بعد ذلك الاسم المبهم الغامض بجملة اسمية، أو فعلية تشتمل على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة، رأينا المعنى قد اتضح، وزال الغموض والإبهام عنه، كما في القسم الثاني "ب".
وكذلك الشأن في قسم "ج" حيث اشتملت كل جملة فيه على اسم غامض مبهم هو: "التي"؛ وقد امتد الغموض منه إلى المعنى الكلي للجملة؛ فجعله غامضًا. لكن هذا العيب اختفى حين أتينا بعد الاسم: "التي" بجملة مشتملة على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة؛ فزال عنه الإبهام أولًا، وعن الجملة تبعًا له، كما في القسم "د".
فكلمة "الذي" و"التي" وأشباههما تسمى: "اسم موصول". وهو: اسم مبهم يحتاج -دائمًا- في تعيين مدلوله، وإيضاح المراد منه، إلى أحد شيئين بعده؛ إما: جملة وإما شبهها، وكلاهما يسمى: "صلة الموصول"3.
__________
= يفسر بما بعده، وهو: الجنس. كقولك: هذا الرجل، وهذا الثوب، ونحوه. والمعنى بالإبهام. وقوعها على كل شيء من حيوان، ونبات، وجماد، وغيرها، ولا تخص مسمى دون مسمى. هذا معنى الإبهام فيها، لا أن المراد به التنكير، ألا ترى أن هذه الأسماء معارف، لما ذكرناه.
والقسم الثاني من المبهمات هو: اسم الموصول، كالذي، والتي، ومن، وما..... وكلها معارف بصلاتها، فبيانها بما بعدها أيضا. إلا أن أسماء الإشارة تبين باسم الجنس. والموصولات تبين بالجمل بعدها: - أو: أشباه الجمل -. والذي يدل على أنها معارف أنه يمتنع دخول علامة النكرة عليها، وهي: "ب" وأنها توصف بالمعارف، نحو: جاءني الذي عندك العاقل، وتقع أيضا وصفا للمعارف، نحو: جاءني الرجل الذي عندك. وكلها مبهمة، لأنها لا تخص مسمى دون مسمى كما كانت أسماء الإشارة كذلك.... " ا. هـ. باختصار.
والاسم المبهم كما أوضحناه هنا - يختلف عن "اسم الزمان المبهم" الذي يجيء إيضاحه في مكانه المناسب من الأجزاء التالية، "ومنها جـ2 ص 239 م 78، وص 279 م 79"، وكذلك يختلف عن المنادي المبهم. والمراد به نداء "أي" "وأية" و "اسم الإشارة- كما سيجيء في باب المنادي جـ 4.
"1 و 1" فتخرج - مثلا- النكرة الموصوفة بجملة، نحو: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله"، لأن حاجتها إلى الجملة ليست دائمة: وإنما هي مؤقتة بمدة وصفها فقط، لا في سائر أحوالها.
2 شبه الجملة هو: الظرف والجار مع مجروره. وهنا نوع خاص آخر سيجيء "في ص 384 وما بعدها، ولا سيما ص 386" هو "الصفة الصريحة" وتكون صلة "أل" الموصولة. ولا تكون صلة لغيرها. ولا تدخل في شبه الجملة إلا في هذه الصورة، انظر رقم2 من هامش ص 357.
3 وهذه الجملة أو ما يقوم مقامها توصل به، ولذلك سمي موصولًا، فهو موصول بها، أو: هي موصولة به، وسميت لهذا: "صلة" وبها تتعرف الموصولات الاسمية.(1/341)
ولا بد فى الجملة من ضمير يعود على اسم الموصول، أو ما يغني عن الضمير.
طبقًا للبيان الخاص بالصلة1- وهذه الصلة هي التي تفيد الموصول الاسمي التعريف.
ألفاظ الموصول الاسمي:
ألفاظه قسمان: مختص، وعام "ويسمى: مشترَكا".
فالمختص: ما كان نصًّا فى الدلالة على بعض الأنواع دون بعض، مقصورًا عليها وحدها، فلنوع المفرد المذكر ألفاظ خاصة به، ولنوع المفردة المؤنثة ألفاظ خاصة بها، وكذلك للمثنى بنوعيه، وللجمع بنوعيه.
والعام أوالمشترَك: ما ليس نصًّا فى الدلالة على بعض هذه الأنواع دون بعض، وليس مقصورًا على بعضها؛ وإنما يصلح للأنواع كلها.
وأشهر الألفاظ الخاصة ثمانية، موزعة على الأنواع الآتية:
__________
1 في ص 373.(1/342)
صورة سكانر
__________
"1 و 1" تقضي قواعد "الإملاء" الشائعة حتى اليوم أن تكتب بلام واحدة وتحذف الثانية، لأن كثرة الاستعمال لا تجعل القاريء يشتبه في حقيقتها.
2 ورد في الفصيح استعمال "الذي" مفردا في لفظه، جمعا في معناه، بشرط أمن اللبس كقوله تعالى في المنافقين: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} ، فالضمائر العائدة على "الذي" ضمائر جمع. وكقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} ، بضمير الجمع أيضا.
3 ورد في الفصيح استعمال "التي" مفردة في لفظها، جمعا في معناها، فقد قرأ بعض القراء آية سورة النساء، وهي قوله تعالى في بيات المحرمات: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُم} مكان: "اللاتي أرضعنكم" في القراءة المشهورة. قال أبو الفتح ابن جني في كتابه: "المحتسب" في تبيين القراءات الشاذة "ج1 ص185 سورة النساء" ما نصه:
"ينبغي أن تكون "التي" هنا جنسا، فيعود الضمير على معناه دون لفظه، كما قال سبحانه: و "الذي جاء بالصدق وصدق به.... " ثم قال بعد: "أولئك هم المتقون" وهذه الآية من سورة الزمر، ونصها: و "الذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون" فهذا على مذهب الجنسية، كقولك: =(1/343)
صورة سكانرة
__________
= الرجل أفضل من المرأة" وهو أمثل من أن يعتقد فيه حذف النون من آخر "الذي" - يشير أبو الفتح إلى رأي من قال: "إن الأصل هو: "الذين" حذفت من آخره النون - " ا. هـ ...
ثم أوضح أن حذف النون وجه، ولكن الأول أقوى. وأيده بدليل. ثم نقل قول الشاعر:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقال إنه يحتمل الرأيين، وإن الأول أقوى. "فلج: اسم بلد بين البصرة واليمامة".
بقي أن أسأل: كيف يصح القول بأن كلمة "الذي" هنا محذوفة النون، وأن أصلها: "الذين" للجمع، مع أن بعض الضمائر العائدة عليها هي للمفرد؟ كما أسأل عن الداعي إلى التأويل والحذف والتقدير مع صحة إعراب التي - وهي للمفردة- نعتا لكلمة "أمهات" وهي جمع مؤنث سالم للعقلاء. وهذا النعت صحيح، طبقا للتحقيق الأكمل المعروض في باب: "النعت" - جـ3 م 114 ص 433 عند الكلام على حكم النعت الحقيقي، ومطابقته للمنعوت أو عدم مطابقته؟
1 كلتاهما تكتب بلامين.
2 هذا هو الأشهر الذي يحسن الاقتصار عليه. ويجوز أن تكون مكسورة أيضا مع التشديد، ولكنها في حالة النصب والجر تقتضي فتح الياء قبلها، تقول: "اللذان، اللذين".... فتكون في التشديد وعدمه كنون "ذان" و "تان" اسمي الإشارة حيث يصح فيهما الأمران كما أسلفنا. - في رقم 3 من هامش ص 323- تقول في حالة الرفع: ذان - تان- أو ذان - تان- وفي حالتي النصب والجر: ذين وتين أو: ذين وتين. فالنون في كل الأمثلة السابقة - من أسماء الإشارة والموصول- صالحة للتشديد وعدمه، لكنها عند النصب والجر تستلزم عند التشديد فتح الياء قبلها.
وإلى ما سبق يشير ابن مالك:
موصول الأسماء: الذي، الأنثى: التي ... واليا إذا ماثنيا لا تثبت
بل ما تليه أوله العلامة ... والنون إن تشدد فلا ملامه
والنون من ذين وتين شددا ... أيضا وتعويض بذاك قصدا
يقول: ألفاظ الموصول الاسمى هي: الذي". ولم يذكر أنها للمفرد المذكر، مكتفيا بالمقابلة التالية، حيث يقول: إن الأنثى "أي: المفردة" لها: "التي" ثم أوضح أن الياء في كلمتي: "الذي، والتي" لا تثبت، أي: لا تبقى عند تثبتهما فتحذف، ويجيء بعد الحرف الذي وليته -أي: جاءت بعده- علامتا التثنية، وهما الألف والنون رفعًا، أو الياء والنون نصبا وجرًّا. وصرح بأن تشديد النون في التثنية لا لوم فيه، وكذلك تشديد النون في "ذين" و "تين" اسمي إشارة جائز أيضا - كما سبق في رقم 3 من هامش ص 323 وأن التشديد في هذه النونات كلها هو تعويض عن الياء التي حذفت من غير داع لأجل التثنية. وهذا تعليل يجب إهماله. لأن العلة الصحيحة هي استعمال العرب ليس غير.(1/344)
صورة اسكانر
__________
1 من الواضح أن: "الألى" اسم جمع "وهو: ما يدل على معنى الجمع، وليس له مفرد من لفظه ومنعاه معا ... انظر رقم 2 من هامش ص 148" وليست جمعا، إذ لا ينطبق عليها شروطه. وتكتب بغير واو بعد الهمزة بخلاف" أولى. "اسم إشارة، فإن الواو تلزمها بعد الهمزة - كما في هامش ص 324 - وقد سبق القول: "في رقم 5 من هامش ص 188 ورقم 1 من هامش ص 324 وكذا رقم 1 من ص 558 م 170 جـ4 أن النحاة لا يطلقون "المقصور والممدود" إلا على الأسماء المعربة وحدها من هذين النوعين. أما اللغويون والصرفيون فيطلقونهما على المعرب وعلى المبني منهما. وبرأيهم جرى التعبير هنا، وفي اسم الإشارة أيضا.
2 ليست جمع مذكر، لأنها لا تنطبق عليها شروطه، فهي ملحقة به، وتكتب بلام واحدة.(1/345)
صورة اسكانر
__________
1 يحسن إهمال الرأي الآخر الذي يعربها بالحرف إعراب جمع المذكر في كل حالاتها، فيرفعها بالواو والنون "اللذون". وينصبها ويجرها بالياء والنون "الذين"، فيقول: ندم اللذون أهملوا- ورأيت الذين انتصروا يسخرون من الذين انهزموا. وقيل إنها مبنية على الواو والياء في تلك الحالات وليست معرفة "كما في رقم 1 من هامش ص 371".
2 وإلى ما سبق في "4" و "5" و "6" يقول ابن مالك:
جمع الذي: الألى"، "الذين" مطلقا
وبعضهم بالواو رفعا نطقا
يريد: أن كلمة "الذي تجمع جمعا لغويا- وهو الذي يدل على مطلق التعدد، ولو لم تنطبق عليه شروط الجمع النحوية - على "ألى" وعلى "الذين" فلفظ الذي يستعمل للمفرد المذكر، ويقابل هذا المفرد المذكر جمع المذكر، وله كلمتان: "الألى" و "الذين" ولم يتعرض لتفصيل ما يختص به كل اسم منهما، واكتفى بأنهما للجمع. وزاد أن "الذين" للجمع مطلقا، أي: في جميع حالاتها من الرفع، والنصب، والجر، وأن بعض العرب يجعله كجمع المذكر السالم، فيأتي فيه بالواو رافعا، ويعربها في هذه الحالة، وكذلك في حالتي النصب والجر، وعلامتهما موجودة وهي الياء والنون. وقيل إنها مبنية على الواو والياء في الحالات الثلاث، كما شرحنا.
ويقول ابن مالك مشيرا، إلى ما مر في 7 و 8:
باللات واللاء: "التي" قد جمعا
واللاء كالذين نزرا وقعا
أي: أن "التي" - وهي اسم موصول للمفردة المؤنثة- تجمع على "اللات" و "اللاء" جمعا لغويا يدل على مجرد التعدد كما سبق- لا جمعا نحويا، إذ أنها ليست مستوفية لشروط الجمع النحوي. فإذا كانت كلمة: "التي" للمفردة المؤنثة فالذي يقابلها ويحل محلها في جمع المؤنث هو: "اللات" و"اللاء". ولم يذكر أنهما بالياء في آخرهما وبغير الياء أيضا. ثم بين أن كلمة: اللاء" قد تستعمل- قليلا- للعقلاء مكان كلمة "الذين" وتحل محلها لجمع المذكر من الناس، فتقول: جاء اللاء زرعوا الحقل، أي: الذين.(1/346)
وإلى هنا انتهى الكلام على المشهور من الألفاظ المختصة الثمانية. ويلاحظ أن كل واحد منها مبدوء "بأل" الزائدة لزومًا؛ فلا يمكن الاستغناء عنها1 وأنها جميعًا مبنية ما عدا ألفاظ التثنية؛ فيحسن إعرابها.
أما ألفاظ القسم العام "وهو المشترَك" فأشهرها: ستة، لا يقتصر واحد منها على نوع مما سبق في القسم الخاص؛ وإنما يصلح لجميع الأقسام من غير أن تتغير صيغته اللفظية2. فكل اسم من الموصولات المشتركة ثابت على صورته، لا يتغير مهما تغيرت الأنواع التي يدل عليها؛ لأنه مبني، وبناؤه على السكون، إلا لفظة: "أَيّ" فإنها قد تبنى، وقد تعرب -كما سيجيء3 في ص327.
ولما كان كل اسم من هذه الأسماء المشترَكة صالحًا للأنواع المختلفة كان الذي يوضح مدلوله ويميز نوع المدلول وهو ما يجيء بعده من الضمير، أو غيره من القرائن التى تزيل أثر الاشتراك4.
__________
1 في الأشهر الأفصح. ويقول شارح المفصل: "ج1 ص413" ما نصه: باختصار قليل. ".... إذا ثبت أن: "أل" لا تفيد هنا -في باب اسم الموصول- التعريف كان زيادتها لضرب من إصلاح اللفظ، وذلك أن: الذي" وأخواته مما فيه "أل" إنما دخل توصلًا إلى وصف المعارف بالجمل، وذلك أن الجمل نكرات، ألا ترى أنها تجري أوصافًا على النكرات، نحو قولك: مررت برجل أبوه زيد، ونظرت إلى غلام قام أخوه، وصفة النكرة نكرة. فلما كانت تجري أوصافًا على النكرات لتنكرها أرادوا أن تكون في المعارف مثل ذلك، فلم يسغ أن تقول: مررت بزيد أخوه كريم، وأنت تريد النعت لزيد؛ لأنه قد ثبت أن الجمل نكرات، والنكرة لا تكون وصفًا للمعرفة. ولم يمكن إدخال "أل" التي للتعريف على الجملة؛ لأن "أل" هذه من خواص الأسماء، والجملة لا تختص بالأسماء إلى أن لفظ "الذي" قبل دخول "أل" لم يكن على لفظ أوصاف المعارف فزادوا في أوله "أل" ليحصل لهم بذلك لفظ المعرفة الذي قصدوه، فيتطابق اللفظ والمعنى...." ا. هـ. وقد سبقت الإشارة العابرة لبعض ما سبق في هامش ص110.
وكل ما تقدم خيالي محض يحسن إهماله، إذ لا يعرف العربي الأصل عنه شيئًا. أما التعليل الحق فهو كلام العرب وحده.
2 أي: مادته المكونة من الحروف وضبطها.....
3 في ص363.
4 سيجيء توضيح هذا وتفصيله عند الكلام على صلة الموصولة، والرابط ص373 م27.(1/347)
وإليك الألفاظ الستة، ونواحي استعمالها:
1- مَن1: أكثر استعمالها في العقلاء، نحو: خير إخوانك من واسَاك، وخَيْرٌ منه مَن كَفَاك شَرَّه. وقول الشاعر:
ولا خيْرَ فيمن لا يُوَطِّن نفسَهُ ... على نائبات الدهر حين تنوبُ
وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما: تقول: غاب من كتب، ومن كتبتْ - ومن كَتَبَا، ومن كتَبَتَا، ومن كتبوا، ومن كتبْن.
وقد تستعمل في غير العقلاء في الأحوال الآتية:
أ- إذا كان الكلام يدور فى شىء له أنواع متعددة، مفصلة بكلمة: "مَنْ" وفى تلك الأنواع العاقل وغيره، مثل: الحيوانات كثيرة مختلفة؛ فيها من ينطق بفصيح الكلام؛ كالإنسان، ومن يغرد بصوت عذب؛ كالبلبل، ومن يصيح بصوت منكر؛ كالبومة.... ومن الأمثلة قوله تعالى2 {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ....}
ب- إذا وقع3 مِنْ غير العاقل أمر لا يكون إلا من العقلاء؛ فعندئذ نشبهه بهم، وننزله منزلتهم4 فى استعمال: "مَن". كأن تسمع البلبل يشدوبلحن شَجِىّ واضح التنغيم، فتقول: أطربنى "مَنْ" يغنى فى عشه بأطيب الأناشيد. وكأن ترى القمر يشرف عليك كإنسان ينظر إليك: فتقول: إن من يُطِل علينا من برجه العالى بين الكواكب والنجوم يصغى إلى مناجاتى وهمسى ... وكالغريب الذى يقول للطيور المسافرة: هل فيكن من يحمل سلامى إلى أهلى وخُلاَّنىِ ...
ج- أن يكون مضمون الكلام متجهًا إلى شيء يشمل العاقل وغيره، ولكنك تراعي أهمية العاقل؛ فتغلبه على سواه. مثل: أيها الكون العجيب، من فيك ينكر قدرة الله الحكيم؟.
__________
1 يتردد ذكرها أحيانًا في اصطلاح النحاة باسم: "من المعرفة الناقصة" "لاحتياجها لزومًا إلى الصلة التي تتمم معناها". يريدون: "من" التي هي اسم موصول. ومثلها: "ما" الموصولة، حيث يطلق عليها اسم. ما" المعرفة الناقصة، كما سيجيء في رقم1 من هامش ص351.
2 في سورة النور.
3 ولو تخيلًا منا، وتنزيلا له منزلة الذي يحصل....
4 لبيان ذلك: أنه متى نسب إلى غير العاقل شيء لا ينسب "نفيا أو إثباتا" إلا إلى العاقل أجرينا عليه حكمه من غير نظر لرأي المتكلم، أو المخاطب، أو غيرهما.(1/348)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
كلمة: "مَنْ" سواء أكانت موصولة أم غير موصولة؛ من الكلمات المفردة المذكرة من ناحية لفظها، ولكنها من ناحية معناها قد تكون غير ذلك. ومن هنا يصح أن يعود الضمير عليها مفردًا مذكرًا1، مراعاة للفظها، وهوالأكثر2. ويجوز فيه مراعاة المعنى المراد وهوكثير3؛ فمن الأول قوله تعالى:
__________
1 سبقت مواضع "التطابق بين الضمير ومرجعه" في "ح" من ص 262، و 268 ... وتجيء لها بقية في ص452 وما بعدها.
وإذا كانت "من" موصولة ومعناها هو المفرد المذكر، فهي مثل: "الذي" "ص343" إلا أن "من" لا تكون -في أحد الآراء القوية- صفة، ولا موصوفة، بخلاف "الذي"، تقول: رجع الطائر الذي هاجر، وجاء الذي رحل الظريف، فتقع كلمة: "الذي" صفة وموصوفة، بخلاف "من" في ذلك الرأي المخالف- "راجعه في رقم 4 من ص 352 وما يتصل به في رقم 4 من هامش ص 376ط.
2 "كما سبقت الإشارة في رقم 1 من هامش ص 125 وفي رقم 8 من ص 266" وإنما يكون الأكثر في الضمير مراعاة لفظها في غير الحالات الآتية: وسيشار إلى بعضها في رقم 4 من هامش ص 376:
1- أن يحصل لبس من مراعاة لفظها، نحو: أعط من سألتك، فلا يجوز من سألك إذا كان المراد أنثى.
ب- أن يكون في مراعاة اللفظ وقوع في قبح، نحو، من هي حمراء خادمتك. بمعنى: "من هي حمراء- هي خادمتك" فيجب مراعاة المعنى، فلا يقال: من هو حمراء جاريتك، لكيلا تكون كلمة: "حمراء" المؤنثة خبرا عن الضمير المذكر.
وكذلك العكس في نحو: من هو أحمر" "جاريتك"، فلا يقال: من هي أحمر جاريتك، ليكلا يكون الخبر "وهو كلمة أحمر" مذكرا، ولمبتدأ الضمير مؤنثا.
وكذلك لا يجوز: من - هو أحمر- جاريتك، لأن المبتدأ والخبر، "هو أحمر" متطابقان في التذكير وهما صلة الموصول، ولكن اسم لموصول "من" مفرد مذكر، وخبره "جارية" مؤنث. ولا مانع من هذا. لولا أن الموصول مع صلته كالشيء الواحد، والصلة هنا متطابقة في التذكير لكن خبر الموصول مؤنث وهو بمنزلة الخبر عن الصلة، فيقع التخالف الممنوع: فكأنك أخبرت عن المذكر بمؤنث.
وقد يراعى المعنى كثيرا بعد مراعاة اللفظ، نحو قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} .
وقد يراعى اللفظ، ثم المعنى، ثم اللفظ، نحو قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، كَأَنَّ فِي أُذُنَيهِ وَقْرًا، فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيم} - وستجيء الإشارة لهذا في رقم 1 من هامش ص 377.
أما مراعاة المعنى أولا، ثم اللفظ فالأفضل اجتنابه.(1/349)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{وَمِنْهُمْ منْ يُؤْمنُ به 1 وَمِنْهُم مَنْ لا يُؤْمِنُ به} .
ففاعل "يؤمن" مفرد مذكر؛ مراعاة للفظ "مَن". ومن الثاني قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك} وقول الفرزدق:
تعالَ، فإن عاهدتنى لا تخوننى ... نَكُنْ مثلَ من - يا ذئبُ - يصطحبانِ
فالفاعل فى الآية واوالجماعة، وفى البيت ألف الاثنين وكلاهما ضمير عائد إلى "من" مراعاة لمعناها:
وقد اجتمع الأمران فى قوله تعالى: {بَلَى من أسْلَم وَجْهَه للهِ وهُو مُحْسِنٌ، فَلَهُ أجْرُهُ عِنْدَ رَبِهِ، ولاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} . فالضمائر فى الشطر الأول من الآية مفردة مذكرة؛ مراعاة للفظ: "مَنْ". بخلافها فى الشطر الثانى فإنها للجمع؛ مراعاة لمعنى: "مَن" وقوله تعالى: {ومَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ ورَسُولِهِ وتعملْ صالحاً نؤتِها أجْرَها مَرَّتين} .
ففاعل الفعل: "يقنت"؛ ضمير مفرد، مذكر؛ مراعاة للفظ: "مَنْ" أما الضمائر بعده فللجمع المؤنث: أو للمفردة؛ مراعاة لمعنى: "مَن".
__________
1 بالقرآن.(1/350)
2- "ما"1 وأكثر استعمالها فى غير العاقل، وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما2؛ تقول: أعجبنى ما رسمه "علىُّ" وما رسمتْه "فاطمة" - وما رسَمَاه - وما رسمتَاه - وما رسمُوه - وما رسَمْنَهُ. وقد تكون للعاقل فى مواضع:
أ- إذا اختلط العاقل بغيره، وقصد تغليب غير العاقل لكثرته: نحو قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . وقول الشاعر:
إذا لم أجِدْ فى بلدة ما أريدهُ ... فعندى لأخْرَى عَزْمَةٌ ورِكابُ
ب- أن يلاحظَ فى التعبير أمرانِ مقترنان؛ هما: ذات العاقل، وبعض صفاته، معًا؛ نحوأكرمْ ما شئت من المجاهدين والأحرار. فكأنك تقول: أكرم من الرجال من كانت ذاته موصوفة بالجهاد، أوبالحرّية؛ فأنت تريد أمرين مجتمعين: الذات، ووصفًا آخر معها، ولا تريد أحدهما وحده. ومثل: صاحب ما تريد من الطلاب؛ العالم، والمخلص، والصالح. تريد أن تقول: صاحب من كانت ذاته موصوفة بالعلم؛ ومن كانت ذاته موصوفة بالإخلاص، ومن كانت ذاته موصوفة بالصلاح. فالمقصود أمران: الذات ومعها شىء آخر من الأوصاف الطارئة عليها.
"حـ" المبهم أمره؛ كأن ترى من بُعْد شبحًا لا تدرى أهو إنسان أم غير إنسان؛ فتقول: إني لا أتبين ما أراه، أولا أدرك حقيقة ما أراه ... وكذلك لو علمت أنه إنسان ولكنك لا تدرى أمؤنث هو أم مذكر؟ ومنه قوله تعالى على لسان مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي} ...
__________
1 قد يتردد ذكرها في اصطلاح النحاة أحيانا باسم: "ما المصرفة الناقصة" "لاحتياجها لزوما إلى الصلة التي تتمم معناها"، يريدون التي هي اسم موصول. كما يطلق على "من" الموصولة اسم" المعرفة الناقصة"، أيضا- كما سبق في رقم من هامش ص 348. - وهي غير "ما" التي تعد حرف موصول "انظر "د" ص 411 ورقم 3 من هامشها.
2 لما كانت "ما" إحدى الموصولات المشتركة التي لفظها مفرد مذكر، ومعناها قد يكون غير ذلك، جاز في الضمير العائد إليها أن يكون مطابقا للفظها أو لمعناها، كالذي سبق في - من" الموصولة، وغير الموصولة- ص 349 وقد سبق بيان لهذا في ص 266. فكلمة: "ما" موصولة وغير موصولة- مثلها، كالمتبادر من كلام الصبان.(1/351)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- تصلح "من" و"ما" للأمور الخمسة الآتية:
1- اسم موصول: مثل: قوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} . وقول الشاعر:
إن شرّ الناسِ منْ يَبّسمُ لى ... حين ألقاه، وإنْ غبت شتَمْ
2- اسم استفهام، مثل: من عندك؟ مَا معك من المال؟
3- اسم شرط2، مثل: منْ يعملْ سوءًا يُجْزَ به - وما تَصنعْ من خير تجدْ جزاءه خيْرًا.
4- نكرة موصوفة، مثل: رُب مَنْ نصحتهُ استفاد من نُصْحك "أى: ربّ إنسان نصحته استفاد ... " ورُب مَنْ مُعْجَب بك ساعدَك. ورب ما كرهته تحقق فيه نفعك "أى: رب شىء كرهته" وربّ ما مكروه أفاد3 ... ومن هذا قول الشاعر:
الصّدق أرفعُ ما اعْتَزّ الرّجالُ به ... وخيرُ ما عوَّدَ ابْنًا فى الحياةِ أبُ
والغالب: فى "من" إذا كانت نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "إنسان"، ولا بد أن يقع بعدها صفة، فإن لم يقع بعدها صفة فهى
__________
1 هذا شطر بيت صدره: "وما قتل الأحرار كالعفو عنهمو ... " - واليد: المعروف.
2 الفرق كبير لفظا ومعنى بين نوعي "ما ومن" الشرطيتين والموصولتين، فالشرطيتان الواقعتان مبتدأ تختلفان تماما عن الموصولوتين الواقعتين مبتدأ أيضا وإيضاح هذا الفرق بين النوعين مفصل في مكانه من باب الجوازم - "حـ4 م 154 ص 320" وهو تفصيل هام، موضح بالأمثلة ومما جاء به: أن "الموصولتين" ليس فيهما تعليق شيء على آخر، وإنما يدلان على مجرد الإخبار المطلق، ولا يجزمان. بخلاف الشرطيتين، فلا بد فيهما من الجزم والتعليق معا.
3 والدليل على أن "من" و "ما" في الأمثلة السابقة نكرة موصوفة أنهما مجرورتان برب، وهي لا تجر، - غالبا - إلا النكرات. وبعدها جملة، والجملة بعد النكرة صفة.
"هذا، ولا توصل كلمة "ما" النكرة الموصوفة بكلمة: "رب" في الكتابة" وانظر رأيا آخر في رقم 1 من هامش ص 349.(1/352)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نكرة غير موصوفة، وتسمى: تامة. وتكون أيضًا - بمعنى: إنسان.
كما أن الغالب في "ما" التي هي نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "شيء" ولا بد أن يقع بعدها صفة لها. وإن لم يقع بعدها صفة فهي نكرة غير موصوفة، بمعنى: شيء، أيضًا، وتسمى: نكرة تامة. .....
5- نكرة تامة "أي: غير موصوفة"، وهي التي سبقت الإشارة إليها، مثل: رُبَّ من زارنا اليوم. ربّ ما غرّد مساء. أى: ربّ إنسان زارنا، ورب شىء غرّد. فالجملة الفعلية - فى المثالين فى محل رفع، خبر.
ب- تختص "ما" دون "من" بمعان أخرى؛ منها السبعة الآتية:
1- التعجب؛ مثل: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا.
2- النفى؛ مثل: ما الخائن صديق، أو: صديقًا. وقول العرب: ما ذهب من مالك وما وعظك2.
3- أن تكون كافة؛ وهي التى تدخل على العامل فتكُفّه "أي: تمنعه عن العمل، وتتركه معطلا" كأن تدخل على حرف جر، أو على ناسخ، أو نحوهما، فلا يعمل؛ مثل: ربما رجلٌ زارنا نفعناه، ربما يود المهمل لو كان سَبَّاقًا. إنما الأممُ الأخلاق. ويجب في الكتابة وصل "رُب" بكلمة: "ما" الكافة؛ لأن الذي يُفصَل هو "ما" النكرة الموصوفة؛ كما سبق3.
4- أن تكون زائدة4 "أي: يمكن حذفها فلا يتأثر المعنى" وتقع كثيرًا بعد: "إذا" الشرطية؛ مثل: إذا ما المَجْدُ نادانا أجَبْنا ... أو بعد غيرها مثل: قوله تعالى: {فَبِما رحمة من الله لِنْتَ لهم} وقوله: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقوا} .
__________
"1و 1" وستجيء بعد هذا مباشرة في رقم 5.
2 "ما" الأولى نافية، أما الأخيرة فتصلح موصولة، ونكرة موصوفة، والكلام مثل قديم، يقال للحزين الذي أضاع ماله سدي، فيتعلم بعد ذلك الحذر، ويبالغ في الحيطة، فلا يضيع منه شيء ويحافظ على ماله. فضياع ماله بسبب إهماله كان الوسيلة الناجحة لصيانته، فكأنه لم يضيعه سدى.
3 في رقم 3 من هامش الصفحة السابقة.
4 لتأكيد المعنى الأساسي وتقويته. وكما تسمى "زائدة" تسمى عند بعض الأقدمين: "صلة"، شأنها عندهم شأن غيرها من سائر الحروف والكلمات الزائدة، حيث يطلقون على كل منها: "صلة"، لا فرق في هذه التسمية وبين "ما" وغيرها من كل لفظ زائد، اسما كان أو فعلا أو حرفا "وفي رقم 3 من هامش ص 373 بعض المعاني الأخرى لكلمة: "صله".
5 أي: بسبب خطيئاتهم.(1/353)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5- مصدرية ظرفية "أي: تسبك مع ما بعدها بظرف ومصدر معا1"، مثل: الصانع يربح ما أجاد صناعته. أي: مدة إجادته صناعته. وقول الشاعر يفتخر:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أو مأنا إلى الناس وقفوا
أي: مدة سيرنا.
وهي وحدها حرف محض، ولكن المصدر المنسبك اسم يفيد أمرين: معنى وظرفية معًا.
6- أن تكون مصدرية غير ظرفية "أي: تسبك مع ما بعدها بمصدر فقط"، مثل: كوفئ المخلصون بما أخلصوا، أي: بإخلاصهم.
وهي وحدها حرف محض1، ولكن المصدر المنسبك اسم يفيد معنى مجردا، فقط.
7- أن تكون مهيئة- "وهي التي تتصل بآخر كلمة غير شرطية. فتهيئها وتعدها لمعنى الشرط وعمله" كدخول "ما" على "حيث" في مثل: حيثما تصدق تجد لك أنصارا.
8- أن تكون مغيرة.... "وهي الحرفية التي تلحق آخر أداة شرطية، فتغيرها إلى غير الشرط، كدخول "ما" على آخر "لو" في مثل: "لو ما" تحافظ على الميعاد. فقد تغيرت "لو" بسبب: "ما" الحرفية، وانتقلت هنا من الشرط إلى التحضيض.
9- أن تقع صفة، مثل: لأمر ما غاب القائد. فالمراد: لأمرأي أمر. وهذه قد يعبر عنها: "بالإبهامية"، ويتفرع على الإبهام، إما الحقارة، نحو: أعط فلانا شيئا ما. تريد شيئا تافها حقيرا، وإما التفخيم، نحو: لأمر ما، هرب الحارس، تريد لأمر عظيم هرب ... وإما النوعية، نحو: عاون عليا معاونة ما، تريد نوعا من المعاونة.
ويقول بعض المحققين من النحاة: هي في كل هذه الصور الخاصة بالصفة ليست اسما، وليست صفة، وإنما هي حرف زائد، يفيد التنبيه، وتقوية المعنى.
__________
"1و 1" كما سيجيء في موضعه: "ص 411".(1/354)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويرى أن هذا أولى. وحجته: أنه ليس في كلامهم نكرة جامدة وقعت نعتًا إلا وبعدها كلمة تماثل الموصوف تمامًا؛ نحو: مررت برجل أىِّ رجل، وأكلنا فاكهة أيَّ فاكهة. فالحكم عندهم على "ما" المذكورة بالاسمية واقتضاء الوصفية - حكم بما لا نظير له؛ فيجب اجتنابه؛ كما يقولون.
وهذا الخلاف شكلي، لا قيمة له. والرأيان سيان، وما دامت تؤدى غرضًا معينًا. فلا أهمية بعد ذلك لجعلها حرفًا زائدًا -وهوالأسهل- أو اسمًا يعرب صفة.(1/355)
3-.... "أل" -وتكون للعاقل وغيره1، مفردا وغير مفرد، نحو: اشتهر الكاتب، أو: الكاتبة، أو: الكاتبان، أو: الكاتبتان، أو الكاتبون، أو: الكاتبات. ولا تكون موصولة إلا إذا دخلت على صفة صريحة2، فتكون
__________
1 ولفظها مفرد مذكر، ولكن معناها قد يكون غير ذلك. ولا يراعي في الضمير العائد عليها إلا المعنى، خوفا من اللبس- كما سيجيء في ص 377.
2 ليست "أل" هذه هنا للتعريف، في الأشهر، وإنما هي لضرب من إصلاح اللفظ وتزيينه؛ لأن اسم الموصول يتعرف بصلته. وكثير من أسماء الموصول مجرد من "أل" مع أنه معرفة، فتعريفه جاء من صلته، لا من "أل". ولو كانت للتعريف لمنعت من إعمال اسمي الفاعل والمفعول إذا كانا بمعنى الحال أو الاستقبال، إذ تبعدهما -كما يقولون- عن شبه الفعل، وتقربهما من الجوامد؛ لأنها من خصائص الأسماء"، والأصل في الأسماء الجمود، بسبب وضعها للذوات، والجامد لا يعمل، بخلاف الفعل وما يشبهه. لكن يقول شارح المفصل "جـ 6 ص 61" إنها اسم موصول تفيد التعريف مع كونها بمعنى: الذي"
- كما سنشير في رقم 1 من هامش ص 370 والرأي الأول هو الأنسب.
وليست حرف موصول، لأنها لا تؤول مع ما بعدها بمصدر، ولأنها قد تدخل قليلا على الجملة، و "أل" المعرفة لا تسبك ولا تدخل على الجملة. هذا إلى أمور أخرى دعت إلى اعتبارها اسم موصول، أهمها أمران:
أولهما: وجود ضمير بعدها لا مرجع له سواها، والضمير لا يعود إلا على اسم، نحو: قد أفلح المؤمن، وخاب الجاحد. ففي كلمة: "المؤمن" ضمير تقديره: "هو" لا مرجع له إلا "أل" التي بمعنى الذي" هنا. وكذلك تقديره في كلمة: "الجاحد" ... وكقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ..... وقوله: {وَالعَادِيَاتِ ضَبْحَا} ... ففي: "المؤمنون ضمير تقديره: "هم" يعود على "أل" وفي "العاديات" ضمير تقديره: "هي" أو "هن" يعود على أل" ولا مرجع لكل ضمير سوى "أل" ولا يمكن أن يكون اسم الفاعل في ثالأمثلة السابقة وأشباهها خاليا من الضمير لأسباب قوية دونها النحاة، وأثبتوا بها أن أكثر المشتقات ومن هذا الأكثر. اسم الفاعل، واسم المفعول ... يحمل ضميرا مسترا. "كما سبقت الإشارة في رقم 2 من ص 29". "وللضمير المنصوب العائد إليها حكم خاص يجيء في رقم 3 من هامش ص 396.
ثانيهما: أن هذه الأسماء التي دخلت عليها "أل" قد يعطف عليها الفعل أحيانا، نحو قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} ..... وقوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} إلى قوله {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} فالفعل: "أقرض" في المثال الأول معطوف على "المصدقين" والفعل: أثار في الجملة الثانية معطوف على "العاديات" والفعل لا يعطف إلا على فعل مثله، أو على ما يشبه الفعل كما سيجيء في جـ3 باب "العطف" والمعطوف عليه هنا ليس بفعل، فلم يبق إلا أنه يشبه الفعل لأنه أحد مشتقاته.... ومن ثم كانت "أل" الداخلة على المشتقات الصريحة المشبهة للفعل اسم موصول ليعود عليها الضمير من المشتق- وليست حرفا، كما سيجيء، فيمتنع العطف عليه.
والمراد هنا بالمشقات الصريحة "أي: الصفات الصريحة": "اسم الفاعل، واسم المفعول، اتفاقا وفي الصفة المشبهة خلاف سيجيء في ص 384 و 386 - لأنهما يدلان على الحدث والتجدد كالفعل. أما الصفة المشبهة وباقي المشتقات فتدل على الثبوت، فهي بعيدة من الفعل، قريبة من الأسماء الجامدة.
ومن ثم كانت "أل" الداخلة على "أفعل التفضيل" للعهد، وليست موصولة - كما ستجيء الإشارة في رقم 4 من هامش ص 473 ويجيء البيان في باب أفعل التفصيل جـ 3 م 112.
ولا تكون "أل" اسم موصول إذا وجد في الكلام ما يدل على أنها "للعهد" فتكون حرف تعريف، لا اسم موصول، مثل قابلت مخترعا مشهورا، فأكبرت المخترع المشهور" و "العاقل" و "المأمون" للعهد فهي أداة تعريف فقط، "وتفصيل الكلام على" "أل" التي للعهد في ص 421" أما الداخلة على المشتقات التي تعمل عمل الفعل فهي اسم موصول إذ لو كانت حرفا لكانت من خواص الأسماء كما يقولون، فلا يكون المشتق بعدها شبيها بالفعل يعمل عمله ويعطف عليه الفعل، وإنما يكون مجرد اسم فقط، على يدل الذات وحدها - وقد سبق البيان في هامش ص 356.(1/356)
الصفة مع مرفوعها هنا من قسم شبه الجملة الواقع صلة؛ كما مُثل، ونحو: إن العاقل الأريب1 يحتال لأمر حتى يفوز به، والعاجز الضعيف يَتَوانى ويتردد حتى يُفلت منه.
هذا، ومع أن "أل" اسم موصول، وتعتبر كلمة مستقلة، فإن الإعراب لا يظهر عليها؛ وإنما يظهر على الصفة الصريحة المتصلة بها2، التي تعرَب مع مرفوعها صلة لها.
4- "ذو" وتكون للعاقل وغيره؛ مفردًا3 وغير مفرد؛ نحو: زارنى ذوتعلَّمَ
__________
1 العاقل.
2 أطال النحاة القول في إعراب: "أل" الموصولة التي هي اسم مستقل، أتكون مبنية على السكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب جملتها؟ أم تكون. "أل" معربة بحركات مقدرة وليست مبنية؟ . وما إعراب الصفة الصريحة بعدها في الحالتين؟ وما نوع الصلة كذلك؟ ....
وخير ما انتهوا إليه. أنها مع الصفة التي بعدها بمنزلة الشيء الواحد، فكأنهما المركب المزجي، يظهر إعرابه على الجزء الأخير منه "راجع هامش التصريح في هذا الموضوع، والخضري عند الكلام على بيت ابن مالك:
وصفة صريحة صلة "أل".... إلخ".
أما صلتها فقد اختاروا إدخالها في نوع: "الشبيه بالجملة"، واعتبارها منه، وليست من نوع الجملة. وبهذا الرأي يوجد نوع جديد من شبه الجملة، خاص بصلة: "أل" وحدها، إذ المعروف أن شبه الجملة - كما أشرنا في رقم 2 من هامش ص 341- نوعان فقط، هما: الظرف، والجار مع مجروره. فهذا الرأي يحدث قسما ثالثا لشبه الجملة، وهو - على ما به- أيسر الآراء، وأنسبها وأقلها مغامز- كما سيجيء في ص 388 وله إشارة في ص 370 -.
3 وهي نوع آخر يخالف "ذو" التي بمعنى "صاحب"، إحدى الأسماء الستة، والتي سبق الكلام عليها في ص 109 وتستعمل "ذو" اسم موصول، مبني على السكون المقدر على الواو في محل كذا - وهذا عند بعض القبائل العربية، "ومنها، طي، أو: طييء- والنسبة السماعية إليهما: طائي"، دون بعض آخر. ومن أمثلتها قول مسعدان الطائي:
فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا ... هلم، فإن المشرفي الفرائض
أظنك - دون المال- ذو جئت تبتغي ... ستلقاك بيض للنفوس قوابض
"المشرفي: السيف- الفرائض: العطايا المفروضة". وفي الجزء الثالث من كتاب "للمبرد - باب أخبار الخوارج- أمثلة أخرى متعددة.
ولفظها مفرد مذكر في جميع حالاته، لكن معناها قد يكون غير ذلك، فيراعي في الضمير العائد عليها لفظها أو معناها. والقبائل التي تستعملها مذاهب مختلفة، أشهرها ما ذكرنا هنا. ومنهم من يدخل عليها تغييرا عند استعمالها للمؤنث، فيجعل واوها ألفا، ويزيد عليها تاء التأنيث فتصير: "ذات" لتكون بعد الزيادة مثل: "التي" في الدلالة على المفردة المؤنثة.
ولكن تمتاز: "ذات" بأنها تدل بصيغتها الحالية على المثنى المؤنث أيضا، وبأنها تجمع على: ذوات" =(1/357)
وذو تعلمتْ. وذو تَعَلَّما. وذو تعلمتا، وذو تعلموا، وذو تَعَلّمْنَ1. وهي مبنية على السكون المقدر على الواو، في محل رفع، أو نصب، أو جرّ، على حسب موقعها من جملتها.
5- "ذا". وتكون للعاقل وغيره. مفردًا وغير مفرد2؛ نحو: ماذا رأيته؟ ماذا رأيتَها؟ ماذا رأيتَهما؟ ماذا رأيتهم؟. ماذا رأيتَهن؟. ويصح وضع: "مَنْ" مكان: "ما" في كل ما سبق، ومنه قول الشاعر:
مَنْ ذا يُعيرك عينه تبكى بها ... أرأيت عينًا للبكاء تعارُ؟
وقول الآخر3:
مَنْ ذا نواصل إنْ صَرَمْتِ حبالنا ... أو من نَحدِّثُ بعدك الأسرارا
فكلمة: "ما" أو: "من" استفهام مبتدأ، مبنى على السكون فى محل رفع. و"ذا" اسم موصول بمعنى: "الذى - أوغيره - خبر، مبنى على السكون فى محل
__________
= لتدل على الجمع المؤنث كما تدل عليه: "اللواتي" وهي في الحالات السابقة كلها مبنية على الضم. وفي هذا يقول بن مالك:
وكالتي أيضا لديهم: "ذات" ... وموضع "اللاتي" أتي "ذوات"
ومن المستحسن، ترك "ذو" بلهجاتها المختلفة، لغرابتها في عصرنا، وعدم الحاجة الحافزة لاستعمالها وحسبنا أن نذكرها هنا لندركها حين تتردد في النصوص القديمة، وقد وردت في بعض تلك النصوص مستعملة استعمالا دقيقا أوضحناه في باب الإضافة جـ3 م 93 ومثلها: "ذات" وكذلك في جـ2 باب الظرف ص 250 و 255م 79.
ويلاحظ أن لكلمة: "ذات" استعمالات أخرى مختلفة، منها أن تكون مجرد اسم مستقل، معناه: حقيقة الشيء وماهيته. والنسب إليها هو: "ذاتي" باعتبار لفظها الحالي، أو: "ذووي" باعتبار أصلها. طبقا للبيان الشامل الذي سيجيء في باب النسب، جـ4 م 178 ص 554 -.
1 يقول ابن مالك فيما سبق:
و"من" و "ما" و "أل" تساوي ما ذكر ... وهكذا "ذو" عند طييء شهر
أي: أن كل واحد من هذه الأسماء "من - ما - أل" يساوي الثمانية الماضية كلها في الاستعمال من ناحية أنه وحده صالح لكل ما صلحت له الثمانية من الأنواع، مع عدم تغيير لفظه.
وكذلك "ذو" عند بعض القبائل التي منها طيء - كما سبق ثم قال عن طيء:
وكالتي أيضا لديهم: "ذات" ... وموضع "اللاتي" أتي: "ذوات"
وقد أوضحنا معنى البيت عند الكلام على "ذو" في آخر هامش الصفحة السابقة مباشرة.
2 فهي من الألفاظ المفردة المذكرة، ولكن معناها قد يكون غير ذلك فيجوز في الضمير العائد عليها مرعاة هذا أو ذاك.
3 عمر ابن أبي ربيعة. ومثله قول شوقي:
شرف العصاميين صنع نفوسهم ... من ذا يقيس بهم بني الأشراف؟(1/358)
رفع. و"ذا" اسم موصول، بمعنى: الذي، أو غيره من أسماء الموصول المناسبة لمعنى الجملة والسباق، خبر، مبني على السكون في محل رفع ولا تكون ذا موصولة إلا بثلاثة شروط:
أولها: أن تكون مسبوقة بكلمة: "ما" أو: كلمة: "من" الاستفهاميتين؛ كما فى الأمثلة السابقة. فلا يصح: ذا رأيته، ولا ذا قابلته ... ويغلب أن تكون للعاقل إذا وقعت: بعد "مَنْ" ولغير العاقل إذا وقعت بعد: "ما".
ثانيها: أن تكون كلمة "مَن" أو"ما" مستقلة بلفظها وبمعناها - وهوالاستفهام1 غالباً -، وبإعرابها؛ فلا تُركَّب مع "ذا" تركيباً يجعلهما معًا كلمة واحدة فى إعرابها "وإن كانت ذات جزأين" وفى معناها أيضًا - وهوالاستفهام1 غالبًا - كتركيبها كما فى نحو: ماذا السديم؟ ماذا عُطارد؟ من ذا الأول؟ من ذا النائم؟ فكلمة: "ماذا؟ كلها - اسم استفهام ومثلها كلمة: "من ذا"2.
وفى حالة التركيب التى وصفناها توصف: "ذا" ملغاة إلغاء حكميا لا حقيقيا3 لأن وجودها المستقل قد أُلْغى - أى: زال - بسبب التركيب مع "ما" أو"من" الاستفهاميتين، وصارت جزءًا من كلمة استفهامية بعد أن كانت وحدها كلمة مستقلة تعرب اسم موصول.
ثالثها: ألا تكون "ذا" اسم إشارة، فلا تصلح أن تكون اسم موصول؛ لعدم وجود صلة بعدها، وذلك بسبب دخولها على مفرد؛ نحو: ماذا المعدن؟ ماذا الكتاب؟ من ذا الشاعر؟ من ذا الأسبق4؟
تريد: ما هذا المعدن؟ ما هذا الكتاب؟ من هذا الشاعر؟ من هذا الأسبق؟
__________
"1، 1" انظر "ب" من ص 361.
2 فتعرب كل كلمة بجزأيها في الأمثلة السالفة، مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، أو خبرا مقدما.
3 انظر البيان الآتي في: "أ" من الزيادة والتفصيل - ص 360.
4 وفي هذا يقول ابن مالك:
ومثل "ما" "ذا" بعد: "ما" استفهام ... أو "من" إذا لم تلغ في الكلام
أي: أن "ذا" تشبه" "ما" في أنها صالحة لجميع الأنواع مع عدم تغير لفظها، وذلك بشرط أن تقع بعد "ما" التي للاستفهام، أو: "من" التي للاستفهام أيضا. واكتفى بهذا الشرط، وترك باقي الشروط، لضيق النظم، وقد ذكرناها.(1/359)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- عرفنا أن "ذا" قد تركب مع "ما" أو"من" الاستفهاميتين، فينشأ من التركيب كلمة واحدة إعرابها - وإن كانت ذات جزأين - وفى معناها وهوالاستفهام غالبًا، مثل: ماذا الوادى الجديد؟ من ذا المنشئ لمدينة القاهرة؟ وتسمى "ذا": الملغاة إلغاء حُكميًّا؛ لا حقيقيًّا؛ لأنها من حيث الحقيقة والواقع موجودة فعلا. ولكن من حيث اندماجها فى غيرها، وعدم استقلالها بكيانها، وبإعراب خاص بها - تُعَدّ غير موجودة. ومن أمثلتها قول جرير:
يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم ... لا يستفقن إلى الديرين تحنانا
أما إلغاؤها الحقيقى فيكون باعتبارها كلمة مستقلة بنفسها، زائدة، يجوز حذفها وإبقاؤها. ويترتب على تعيين نوع الإلغاء بعض أحكام؛ منها:
1- أن كلمة: "ذا" فى الإلغاء الحقيقى لا يكون لها محل من الإعراب، فلا تكون فاعلا، ولا مفعولا، ولا مبتدأ، ولا غير ذلك؛ لأنها لا تتأثر بالعوامل؛ ولا تؤثر فى غيرها - شأن الأسماء الزائدة عند من يجيز زيادتها، وهم الكوفيون وتبعهم ابن مالك - بخلافها فى الإلغاء الحكمى؛ فإنها تكون جزءًا أخيرًا من كلمة، وهذه الكلمة كلها - بجزأيها - مبنية على السكون دائمًا فى محل رفع - أونصب، أو: جر، على حسب موقعها من الجملة، "مبتدأ، وخبرًا، وفاعلا، ومفعولا ... إلخ". ومما تصلح فيه لنوعى الإلغاء قول الشاعر:
منْ ذا الَّذى ما سَاءَ قَـ ... ـطُّ وَمَنْ لهُ الحُسْنَى فقطْ
2- وفى الإلغاء الحقيقى يجب تقديم "من" و"ما" الاستفهاميتين فى أول جملتهما حتما، كالأمثلة السابقة؛ لأن الاستفهام الأصيل له الصدارة فى جملته. بخلاف الإلغاء الحكمى، فيجوز معه الأمران: إمَّا تقديم الاستفهام بكامل حروفه فى جزأيه على عامله، وإما تأخيره عنه، فلا يكون للاستفهام وجوب الصدارة؛ وفى هذه الصورة يعرب معمولا متأخرًا لعامل متقدم عليه؛ تقول: مَاذا صنعت، أوصنعت ماذا1؟ ....
فالاستفهام هنا معمول لعامله المتأخر عنه أو المتقدم عليه.
__________
1 راجع الصبان، جـ1 باب الموصول، عند الكلا م على: "ذا" الموصولة. وجاء في حاشية ياسين على التوضيح "جـ 2 باب: النواصب"، عند الكلام على: "كي" ما نصه: "قال ابن مالك: إن "ما" الاستفهامية إذا ركبت مع: "ذا" لا يلزم صدريتها، فيعمل ما قبلها فيما بعدها، رفعًا نحو: كان ماذا؟ أو نصبًا، كقول أم المؤمنين: أقول ماذا؟ ... " اهـ.
وفي هذا النص اقتصار على التركيب مع "ما" الاستفهامية، أما النصوص الأخرى - كالتي في الصبان - فصريحة في: "من" و "ما" الاستفهاميتين، وفي أنها تركب مع غيرهما أحيانا من بعض ألفاظ ليس لها الصدارة - وستجيء في: "ب".(1/360)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3- وفي الإلغاء الحقيقي تحذف ألف "ما" الاستفهامية في حالة الجر مثل: عمّ "ذا" سألت؟ تطبيقًا للقاعدة المعروفة؛ "وهي: حذف ألف "ما" الاستفهامية عند جرها". بخلاف الإلغاء الحكمي لأن أداة الاستفهام فيه هي "ماذا" وليست "ما". وحدها.
ب- لا يقتصر إلغاء "ذا" على تركيبها مع "ما" أو "من" الاستفهاميتين فذلك هو الغالب -كما قلنا؛ فقد يقع الإلغاء بتركيبها مع "ما" أو "من" الموصولتين، أو النكرتين الموصوفتين؛ فتنشأ كلمة واحدة هي: "ماذا" أو: "من ذا" فنعربها اسم موصول، أو نكرة موصوفة. فالأولى مثل قول الشاعر:
دَعِى ماذا علمْتِ سأتقيه ... ولكنْ بالمُغَيَّب خبِّريني
فماذا، كلها اسم موصول مفعول "دعى". وصلته جملة: "علمت" لا محل لها. ويرى "الفارسى" وأصحابه أن "ماذا" نكرة موصوفة. مفعول "دعى" وليست موصولة: لأن "ماذا" كلمة واحدة، ولكنها مركبة من شطرين؛ والتركيب كثير من أسماء الأجناس - ومنها النكرة الموصوفة -، قليل فى أسماء الموصول، وتكون جملة: "علمت" فى محل نصب صفة النكرة. أى: دعى شيئًا علمته.
مما تقدم في "أوب" نعلم أننا إذا أردنا إعراب مثل: "ماذا رأيته فى المعرض"؟ أو: "من ذا رأيته؟ " جاز لنا أن نجعل "ماذا" و"من ذا" بشطريهما كلمة واحدة، اسم استفهام مبتدأ. وأن نجعل "ما" أو"من" استفهام مبتدأ و"ذا" زائدة لا محل لها من الإعراب. والخبر في كل ما سلف هو الجملة الفعلية.
ويجوز أن تكون "ذا" فى الحالتين السالفتين اسم موصول بمعنى الذى، خبر. ويجوز فى أمثلة أخرى أن تكون "ماذا" و"من ذا" بشطريهما موصولتين(1/361)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو نكرتين موصوفتين على حسب ما أوضحنا ... و ... و....
ويظهر أثر الإلغاء وعدمه في توابع الاستفهام؛ كالبدل منه؛ وفي الجواب عنه. ففي مثل: ماذا أكلت؛ أتفاحًا أم برتقالًا؟ بنصب كلمة؛ "تفاح" يكون النصب دليلا على أن الإلغاء هنا حكمي؛ لأن "ماذا" مفعول مقدم "لأكلت". أما لو قلنا: ماذا أكلت؟ أتفاح أم برتقال؟ فإن كلمة "التفاح" المرفوعة يصح أن تكون بدلا من "ذا" الواقعة خبرًا عن كلمة: "ما" فلا يكون هنا إلغاء.
وكالمثال السابق في صحة الرفع والنصب كلمّة: "نحْب" في قول الشاعر:
ألا تسألان المرءَ ماذا يحاولُ؟ ... أنحْبٌ فيُقضَى، أم ضلالٌ وباطلُ؟
ومثله من ذا أكرمت؟ أمحمدًا أم محمودًا؟، بنصب الاسمين أوبرفعهما على الاعتبارين السالفين.
أما الجواب عن الاستفهام ففى مثل: ماذا كتبت فى الرسالة؟ فتجيب: خيرًا، أو: خير. فالرفع على اعتبار كلمة: "ذا" اسم موصول "مبدل منه" والنصب على اعتبارها ملغاة.
والحكم بجواز الأمرين في الجواب ملاحظ فيه" الاستحسان المجرد"، فمن المستحسن - كما قالوا - أن يكون الجواب مطابقا السؤال اسمية وفعلية. 2 ومن الأمثلة قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْو} -أي: الزيادة- بالنصب وبالرفع وقوله تعالى: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} ، أو خير.
ج- فى نحو قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} يصح في كلمة: "ذا" الإلغاء الحقيقي أو الحكمي. وفي الحالتين تكون كلمة: "الذي" خبرًا. ويصح أن تكون "ذا" اسم موصول بمعنى "الذي" خبر "من". وتكون كلمة: "الذي" الموجودة توكيدًا لفظيًّا لكلمة: "ذا" التي هي اسم موصول بمعناها.
"ملاحظة": يصح في بعض الصور التي سبقت "في: أ، ب، ج" إعرابات أخرى لا حاجة إليها هنا.
__________
1 ويصح أن يكون حقيقيًّا.
2 راجع الصبان.(1/362)
6- "أيّ" وتكون للعاقل وغيره. مفردًا، وغير مفرد؛ تقول؛ يسرني أيٌّ هو نافع. يسرني أيٌّ هي نافعة. يسرني أيٌّ هما نافعان. يسرني أيٌّ هما نافعتان. يسرني أيّ هم نافعون. يسرني أىّ هن نافعات.
وتختلف "أيٌّ" في أمر البناء والإعراب؛ عن باقي أخواتها من الموصولات المشتركة، فأخواتها جميعًا مبنية، أما هي فتُبْنى في حالة واحدة، وتعرب في غيرها.
فتُبْنَى إذا أضيفت وكانت صلتها جملة اسمية2، صَدْرُها -وهوالمبتدأ- ضمير محذوف؛ نحو: يعجبني أيّهم مغامرٌ. سأعرف أيُّهم مغامر. سأتحدث عن أيُّهم مغامرٌ. والأصل: أيهم هو مغامر. فإن لم يتحقق شرط من شروط بنائها وجب إعرابها. ولهذا تعرب في الحالات الآتية:
أ- إذا كانت مضافة، وصلتها جملة اسمية، بشرط أن يكون صدر هذه الجملة "وهو؛ المبتدأ" ضميرًا3 مذكورًا؛ نحو: سيزورني أيُّهم "هو أشجعُ"، سأصافح أيَّهم "هو أشجعُ"، وسأُقبل على أيِّهم "هو أشجعُ".
ب- إذا كانت غير مضافة وصلتها جملة اسمية ذُكر في الكلام صدرها الضمير، مثل: سيفوز أيٌّ "هو مخلص"، سنكرم أيًّا "هو مخلص"، سنحتفي بأيٍّ "هو مخلص".
ج- إذا كانت غير مضافة، وصلتها جملة اسمية لم يُذْكرُ صدرُها الضمير؛ نحو: سيسبق أىٌّ خبيرٌ، وسوف نذكر بالخير أيًّا محسنٌ، ونعنى بأىٍّ بارعٌ4.
__________
1 ليس بين الأسماء الموصولة المشتركة وغير المشتركة ما يجوز إضافته إلا "أي" في بعض حالاتها. وسيجيء في الزيادة - ص 365 - بعض الأحكام الخاصة بها. ومنها أنه يستحسن استقبال عاملها، وأن يتقدم عليها.
2 وهي المبتدأ مع خبره، أو ما يغني عن الخبر.
3 لا فرق في هذا الحكم وما بعده بين أن يكون صدرها ضميرا كما مثلنا- وغير ضمير- كما سيجيء في "د" -، نحو: سيزورني أيهم محمود خير منه. ولكن الضمير هو الأعم، حتى اقتصر عليه أكثر النحاة.
4 وفي "أي" وأحوالها يقول ابن مالك:
"أي" كما، وأعربت ما لم تضف ... وصدر وصلها ضمير انحذف
ومعنى البيت: "أي" مثل "ما" الموصولة في أن كلا منهما اسم موصول صالح للمفرد وغير المفرد، والعاقل وغيره. لكن الحقيقة أن بينهما بعض فروق، منها: أن "ما" مبنية دائمًا، وأنها لغير العاقل في الأغلب. أما "أي" فتبنى في حالة واحدة، وتعرب في عدة حالات غيرها، وأنها للعاقل وغير العاقل....(1/363)
د- وتعرب أيضًا إن كان صدر صلتها اسمًا ظاهرًا؛ نحو: تزور أيَّهم "محمد مكرمه". أو: فعلا ظاهرًا، نحو: سوف أثنى على أيِّهم يتسامى بنفسه، أوفعلا مقدرًا، نحو: سأغضب على أيِّهِم عندك1.
__________
1 والفعل هنا محذوف: لأن" عند" ظرف، ولا يتعلق الظرف- وكذا الجار مع مجرره- في باب: "الموصول" إلا بفعل محذوف تقديره: "استقر" مثلا-، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها صلة.
وإنما وجب أن يكون "المتعلق به" المحذوف - في باب الموصول - فعلا لتكون الصلة جملة فعلية، إذ لا بد أن تكون جملة فعلية. إلا صلة "أل" فإنها لا تكون إلا "صفة صريحة" مع مرفوعها- كما سبق في رقم2 من هامش ص356.
وصلة "أل" هذه تعد قسما ثالثا من أقسام "الشبيه بالجملة" وهو قسم خاص بها وحدها في باب الموصول. أما في غير باب الموصول فيكون الشبيه بالجملة أمران. الظرف، والجار مع مجروره. ويكون كلاهما إما متعلقا بفعل محذوف، وإما باسم مشتق بمعنى ذلك المحذوف "كما سيجيء هنا في رقم 1 من هامش ص 384 وفي باب المبتدأ والخبر ص 475".(1/364)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
يسوقنا الكلام على "أيّ" إلى سرد أنواعها المختلفة1. وهي ستة -كلها معربة إلا "أيّ" التي تكون وُصْلة للنداء، وإلا واحدة من حالات "أيّ" الموصولة، وقد سبقت هنا- وفيما يلي إيضاح موجز للستة:
1- موصولة. والمسْتَحْسَنُ أن يكون عاملها مستقبلا، ومتقدمًا عليها. ويجب أن تضاف لفظًا ومعنًى، معًا، أو معنًى فقط - بأن يحذف المضاف إليه بقرينة، طبقًا للبيان الذي في باب الإضافة1، وأن تعرب أو تبنى، على حسَب ما شرحنا2. وإذا أضيفت فإضافتها إلى المعرفة أقوى وأفضل. ويحسن الاقتصار على هذا الرأي. لأنه المعتمد عليه عند جمهرة النحاة كالاقتصار على الرأي الذي يلتزم في لفظها الإفراد والتذكير، دون اتباع اللغة الأخرى التي تبيح أن تلحقها تاء التأنيث، إذا أريد بها المؤنث نحو: "أية" وتلحقها كذلك علامة التثنية والجمع. فيقال فيهما: أيان أيتان - أيون - أيات.... بالإعراب في جميع أحوال المثنى والجمع ... لأن التثنية والجمع من خصائص الأسماء المعربة في الغالب ولك أن تصرح بالمضاف إليه، كأن تقول: أيتهن - أياهم - أيتاهن - أيوهم- أياتهن ... وعلى هذه اللغة التي سلجها الأشموني والصبان - لا تكون "أي" من ألفاظ الموصول المشترك.
2- أن تكون اسم شرط معربة؛ فتضاف إما للنكرة مطلقًا3؛ نحو: أىُّ حكيم تصادقْ أصادقْ، وأيُّ رِفاق تصاحبْ أصاحبْ ... وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدّد صراحة أو تقديرًا4 أو عطفا بالواو5؛ فمثال التَّعدد الصريح: أيُّ الأشراف تسايرْ أسايرْ. ومثال التعدد المقدّر - وهو الذي يلحَظ فيه ما يكون في الفرد الواحد من أجزاء متعددة6، مثل: أيُّ
__________
"1و 1" سيجيء الكلام مفصلا هاما على الاستفهامية، والشرطية، والنعتية، والحالية في المكان المناسب لها من جـ 3 باب "الإضافة"، م 95 - أما التي تكون وصلة للنداء في باب: "النداء"، أول الجزاء الرابع.
2 في ص 363.
3 أي: سواء أكانت المفرد، أم لغيره.
"4و 4" المتعدد الصريح هو الذي له أفراد كثيرة حقيقية، بأن يكون لكل فرد منها أجزاؤه الخاصة التي يتكون منها مجموعة كاملا، ويقوم عليها تركيبه تاما.
أما المتعدد تقديرا فهو الفرد الواحد الذي له أجزاء متعددة يتركب من انضمام بعضها، إلى بعض.
5 المراد: عطف معرفة مفردة - وهي التي لا تدل على متعدد- على نظيرتها.
6 وكذلك ما قد يكون له من أنواع مختلفة، مثل: أي المعدن تتخيره أوافق عليه. تريد: أي أنواع المعدن ...(1/365)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
محمدٍ تستحسنْ أستحسنْ. تريد: أيُّ أجزاء محمد تستحسنْ أستحسنْ. ومثل التعدد بالعطف بالواو: أيي وأيك يتكلمّ بحسنْ الكلام، بمعنى: أينُّا ...
وإضافتها واجبة لفظًا ومعنى معا، أو معنى فقط، لحذف المضاف إليه بقرينة - طبقًا لما سيجيء في باب الإضافة. ح3.
3- أن تكون اسم استفهام، معربة، فتضاف إما للنكرة مطلقًا؛ نحو: أىُّ كتاب تقرؤه؟ وأىُّ صحف تفضلها؟ ... وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدد صريح، أومقدر، أوعطفًا عليها بالواومعرفة مفردة؛ نحو: أىّ الرجال أحق بالتكريم؟ ونحو: أىُّ علىّ أجمل؟ تريد: أىّ أجزاء علىّ أجمل؟ ونحو: أيى وأيك فارس الأحزاب؟.
وإضافة "أىّ" الاستفهامية واجبة لفظًا ومعنى معًا، أومعنى فقط؛ بحذف المضاف إليه؛ لقرينة، كما سيجئ فى ج3 - باب الإضافة.
4- أن تكون اسمًا معربًا، نعتًا يدل على بلوغ المنعوت الغاية الكبرى في مدح أو ذم، ويشترط أن يكون المنعوت نكرة -في الغالب1- وأن تكون "أىّ" مضافة لفظًا ومعنى إلى نكرة مذكورة بعدها، مشاركة للمنعوت فى لفظه ومعناه، نحو: استمعت إلى عالمٍ أىِّ عالمٍ. فإذا أضيفت2 إلى نكرة وكانت هذه النكرة اسما مشتقًّا كان المدح المقصود أو الذم هو المعنى المفهوم من المشتق؛ أي: المعنى المجرد الذي يدل عليه هذا المشتق؛ فإذا قلنا: رأينا فارسًا، أيَّ فارس ... فالمعنى المقصود من المدح، هو: "الفروسية" المفهومة من المشتق "فارس" وإذا قلنا: احترسنا من خائن أيِّ خائن ... فالمعنى المراد من الذم هو "الخيانة" المفهومة من المشتق "خائن". أما إذا أضيفت إلى نكرة غير مشتقة فإن المدح أو الذم يشمل جميع الأوصاف الذي يصح أن توصف بها هذه النكرة؛ فمن يقول لآخر: إني مسرور بك؛ فقد رأيتك رجلا
__________
1 لأنه يصح - مع قلته- أن يكون معرفة. ويترتب على هذا أن يتبعه في التعريف المضاف إليه بعد "فيكون معرفة مثله، ولا يصح أن يتخالفا في هذا. وسيجيء البيان في جـ3 باب الإضافة والنعت "ص 104 و 116 م 95 وما بينها"، ثم في "ص 444 م 114 و 452"، ومنه يتضح صحة "الأسلوب الشائع في مثل: استراح المسافر أي استراحة، وتمتع أي تمتع، بشرط أن يكون المصدر محذوفا في هذه الأساليب ونابت عنه "أي" التي كانت في الأصل نعتا له. وهو: استراحة أي استراحة، وتمتعا أي تمتع - كما سيجيء في جـ 2 ص 175 م 75 في بيان حذف المصدر -.
2 ما يأتي سيذكر مرة أخرى في جـ3، باب "الإضافة" - م 95 - ص 104 وما بعدها عند الكلام على "أي".(1/366)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أيَّ رجل، ... فكأنما يقول: رأيتك رجلا جمع كل الصفات التي يمدح بها الرجل. ومن يقول عن امرأة أساءت إليه: إنها امرأة أيُّ امرأة ... فإنما يقصد أنها جمعت كل الصفات التي تذم بها المرأة.
والأغْلب في النكرة التي هي المضاف، والتي ليست مصدرًا؛ لأن المصدر قد يحذف وتنوب عنه صفته، أن تكون مذكورة في الكلام، ومن الشاذ الذي لا يقاس عليه ورود السماع بحذفها في قول القائل1:
إذا حارب الحجاج أيَّ منافق ... علاه بسيف كلما هز يقطع
يريد: منافقًا أيّ منافق.
ويقول النحاة: "إن هذا في غاية الندور"2 فلا يصح محاكاته، ثم يزيدون التعليل: أن الغرض من الوصف "بأيّ" هو المبالغة في المدح أو الذم، والحذف مناف لهذا فمن المحتم عندهم ذكر الموصوف، الذي ليس بمصدر، هذا كلامهم3.
5- أن تكون حالا بعد المعرفة، دالة على بلوغ صاحبها الغاية الكبرى في مدح أو ذم4. ويشترط أن تكون مضافة لنكرة مذكورة بعدها؛ نحو: أصغيت إلى عليّ أيَّ خطيب، فلا بد من إضافتها لفظًا ومعنى معًا.
6- أن تكون وُصلة لنداء ما فيه "أل"، نحو: {يَأيّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمْ} . وهذه مبنية قطعًا.
ولكل نوع من الأنواع السابقة أحكام هامة -لفظية ومعنوية- مفصلة في الأبواب الخاصة به، ولا سيما بابي "الإضافة والنداء" غير أن الذى عرضناه الآن للمناسبة العابرة هو أحكام موجزة، عرفنا منها: أن "أيًّا" الشرطية والاستفهامية يضافان إلى النكرة تارة كما يضافان إلى المعرفة تارة أخرى. ولكن بشرط.
__________
1 ينسب البيت الآتي للفرزدق.
2 الهمع جـ1 باب الموصول ص 93.
3 لكن سيجيء في باب: "الإضافة" - جـ3 م 95 ص 112 وما بعدها عند الكلام عليها- أني رأيتها محذوفة أيضا في كلام للإمام على بن ابي طالب ونصه: "كما جاء في ص 78 من كتاب: "سجع الحمام في حكم الإمام، لعلى الجندي وزميليه": "أصحب الناس بأي خلق شئت يصحبوك بمثله " أهـ. وورودها في نثر الإمام على أفصح البلغاء فوق ورودها في البيت السابق قد يبيح استعمالها وإن كان هذا الاستعمال قليلا. وحسبنا أنه مسموع في النثر وفي الشعر من أفصح العرب. هذا بعض الأدلة المدونة هناك ومنها أيضا إعراب فريق من المفسرين لقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكْ} .
4 على الوجه المراد منهما في النعت - وقد تقدم في رقم 4 ص 366.(1/367)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كما عرفنا أن كلمة: "أي" الواقعة نعتًا، أو حالا تضاف للنكرة دون المعرفة في الأغلب1 نحو: فرحت برسالة أيّ رسالة. انتصر محمود أيَّ قائد. وأما التي هي وصلة لنداء ما فيه "أل" فلا تضاف مطلقًا، وهي مبنية. وكذلك "أي" الموصولة فإنها مبنية في إحدى حالاتها التي أوضحناها. أما بقية أنواع "أي"؛ من شرطية، استفهامية، ... و.... فمعربة.
ولما كانت "أي" الشرطية والاستفهامية تضاف للنكرة حينًا وللمعرفة حينًا آخر على الوجه السالف - كانت عند إضافتها للنكرة بمنزلة كلمة: "كل" المراد منها المضاف إليه كاملا؛ فيراعى فيما يحتاج معها للمطابقة - كالخبر، والضمير ... عود الضمير عليها مراعاة المعنى - غالبًا - فيطابق المضاف إليه، تذكيرًا، وتأنيثًا؛ وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا؛ تقول؛ أى غلام حضر؟ أى غلامين حضرا؟ أى غلمان حضروا؟ أى فتاة سافرت؟ أى فتاتين سافرتا؟ أى فتيات سافرن؟
أما عند إضافتها إلى معرفة فتكون بمنزلة كلمة: "بعض"، المراد منها بعض أجزاء المضاف إليه؛ فيراعى فى عود الضمير عليها وفى كل ما يحتاج للمطابقة معها أن يكون مطابقًا للفظ المضاف، وهو: "أى" فيكون مفردًا، مذكرًا كلفظها. وهذا هوالغالب: فنقول: أى الغلامين حضر؟ ... أى الغلمان حضر؟ وهكذا الباقى2. كما تقول ذلك عند الإتيان بلفظ: "كل وبعض" ...
ويرى بعض النحاة أنه لا مانع فيهما من مراعاة اللفظ أومراعاة المعنى، فيجوز عنده الأمران. وفى هذا تيسير محمود لا يمنع من الأخذ به مانع، فنستريح من التقسيم وآثاره إلا أن الأول أفصح وأقوى.
وإلى هنا انتهى الكلام على الألفاظ الستة العامة "أى: المشتركة".
__________
1 قد تضاف "أي" النعتية للمعرفة قليلا كما سبق في رقم 1 من هامش ص 366، وكما يجيء في الجزء الثالث، بابي: "الإضافة والنعت".
2 إيضاح هذا كله - ولا سيما تذكير لفظة "أي" وتأنيثها- في موضعه المناسب، وهو باب الإضافة جـ 3 م 95 ص 104 و 106 وما بعدهما.(1/368)
ويتلخص كل ما سبق من الألفاظ المختصة والمشتركة في الجدول الآتي:
يوجد جدول يسحب إسكانر
فللمفرد المذكر لفظة واحدة، وكذلك لمثناة، وكذلك جمعه، فلهذه الثلاثة ثلاثة ألفاظ.
وللمفرد المؤنثة لفظة واحدة، وكذلك مثناها. أما جمعها فله لفظتان مختومتان بالياء، أو غير مختومتين. فهذه أربعة.
وللجمع بنوعيه لفظة واحدة، تستعمل مقصورة أو ممدودة.
فمجموع الألفاظ كلها ثمانية.(1/369)
ب- الألفاظ الستة العامة، "أي: المشتركة":
يوجد جدول يسحب إسكانر
__________
1 هي اسم موصول. وهل تفيد تفيد ما دخلت عليه التعريف أو لا تقيده؟ . رأيان سبق بيانهما في رقم 2 من هامش ص356، فصاحب المفصل "ج6 ص61" يقول أنها تفيد التعريف، وغيره يخالفه. وهي مغايرة للنوع الداخلي على أسماء الموصول، كالذي، والتي فهذا النوع الداخل على الموصول زائد زيادة لازمة، كما يقول صاحب المفصل وغيره، وكما جاء بتفصيل أشمل في حاشية: "ياسين" على "التصريح"، أول باب: "النكرة والمعرفة" انظر البيان المفيد في رقم2 من هامش ص356.
2 وهذان النوعان متفق عليهما. أ/االصفة المشبهة ففيها خلاف شديد، وسيجيء بيان لهذا في ص384.
3 في رقم 2 من هامش ص357 وفي ص372 و388.(1/370)
كيفية إعراب أسماء الموصول:
أ- جميع الأسماء الموصولة المختصة مبنية، إلا اسمين للمثنى معربين، هما: "اللذان" "واللتان". وما عدا هذين الاسمين المعربين يلاحظ مع بنائه موقعه من الجملة، أفاعل هو، أم مفعول به ... أم مبتدأ، أم خبر ... أم غير ذلك؟ فإذا عرفنا موقعه، وحاجة الجملة إليه، نظرنا بعد ذلك إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا اهتدينا إلى الأمرين؛ "موقعه من الجملة، وحالة آخره"، قلنا في إعرابه: اسم موصول مبني على السكون، أو على حركة كذا، في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب الجملة؛ "فالذى" مبنية على السكون دائمًا، ولكنها في محل رفع، أونصب، أوجر على حسب موقعها من الجملة؛ ففى ملث: سافر الذى يرغب فى السياحة، مبنية على السكون في محل رفع؛ لأنها فاعل. وفي مثل: ودعت الذى سافر، مبنية على السكون في محل نصب؛ لأنها مفعول به. وفي مثل: أشرت على الذي سافر بما ينفعه، مبنية على السكون في محل جر بعلى.
ومثل هذا يقال في باقي الأسماء الموصولة المختصة؛ سواء منها ما كان مبنيًّا على السكون أيضًا؛ وهو: "التي"، و"أولَى" مقصورة، واللاتي، واللائي. أو مبنيًّا على الكسر؛ وهو: "أولاءِ"، و"اللاتِ" و"اللاءِ". أومبنيًّا على الفتح وهو: "الذينَ"1.
أما الاسمان الخاصّان بالتثنية؛ وهما: "اللَّذانِ" و"اللَّتان"، رفعا. و"اللَّذَيْنِ" و"اللَّتينِ"، نصبا وجرا، فالأحسن - كما سبق2 - أن يكونا معربين كالمثنى؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء.
ب- وجميع الأسماء الموصولة العامة "أي: المشتركة" مبنية كذلك؛ إلا "أيّ"؛ فإنها تكون مبنية في حالة، وتكون معربة في غيرها، على حسب ما أوضحنا3.
__________
1 ومن ينطقون بها الواو رفعا يعربونها، ويجعلونها في حكم الملحق بجمع المذكر، فيقولون: اللذون حضروا كرماء. إن الذين حضروا كرماء. أسرعت إلى الذين حضروا. فهي في المثال الأول مبتدأ مرفوع بالواو، وفي المثال الثاني اسم "إن" منصوب بالياء، وفي الثالث مجرور بإلى، وعلامة جره الياء..... وقيل إنها مبنية على الواو والياء في الصور السالفة وأشباهها- كما تقدم في رقم 1 من هامش ص 346 -.
2 في ص 343.
3 في ص 363.(1/371)
والأساس الذي نتبعه في الموصولات العامة هو الأساس الذي بيناه في الموصولات المختصة؛ بأن ننظر أوّلا إلى موقع اسم الموصول المشترك من جملته؛ أمبتدأ هو، أم خبر، أم فاعل، أم مفعول ... أو ... ؟ فإذا عرفنا موقعه نظرنا إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا أدركنا الأمرين قلنا عنه: إنه مبني على السكون أو على حركة "كذا" في محل رفع، أو نصب، أو جر. لأنه مبتدأ، أو خبر، أو فاعل، أو مفعول به، أو مضاف إليه ... أو ...
فكلمة "مَنْ" مبنية على السكون دائمًا، ولكن في محل رفع، أو نصب، أو جر، فهي في مثل، قعد "مَن" حضر - مبنية على السكون في محل رفع؛ لأنها فاعل. وهي في مثل: آنستُ "مَنْ" حضر مبنية على السكون في محل نصب؛ لأنها مفعول به. وهي في مثل: سعدتُ "بمن" حضر - مبنية على السكون في محل جر؛ لأنها مجرورة بالياء.
وهكذا يقال فى: "ما" و: "ذو" وفى: "ذا" الواقعة بعد "ما" أو"من" الاستفهاميتين1.
أما "أل" الموصولة2 فالأحسن ألا نطبق عليها الأساس السابق؛ فلا ندخل فى اعتبارنا أنها مبنية، ولا ننظر إلى آخرها؛ وهواللام - وإنما ننظر معها إلى الصفة الصريحة التى بعدها، ونجرى على الصفة وحدها حركات الإعراب؛ ففى مثل: الناصح الأمين خير مِعوان فى ساعات الشدة، يلجأ إليه المكروب فينقذه بصائب رأيه - نقول: "الناصح" اسم إن منصوب، "الأمين" صفة منصوبة. "المكروب" فاعل مرفوع3.
__________
1 نحو: ماذا قرأته؟ من ذا رأيته؟ فما أومن، اسم استفهام مبتدأ مبني على السكون محل رفع، وذا: اسم موصول خبر مبني على السكون في محل رفع- كما قلنا آنفا "ص 358 وما بعدها".
2 وقد سبق - في رقم 2 من هامش ص 357 أنها لا بد أن تتصل بصفة صريحة، تكون هي ومرفوعها، صلة "أل" وفي هذه الحالة تعتبر الصلة من قسم "شبه الجملة". كما تعتبر "أل" مع الصفة بمنزلة "المركب المزجي" يجري الإعراب على آخر الجزء الثاني عنه.
3 ولا داعي لأن نعتبر "أل" في مثل هذه المواضع كلمة مستقلة بنفسها، كي لا نقع في كثير من التعقيد المرهق، أشرنا إلى بعضه فيما سلف، وسيجيء أيضا في ص 388.(1/372)
المسألة السابعة والعشرون: صلة الموصول والرابط
الموصولات كلها -سواء أكانت اسمية أم حرفية1- مبهمة2 المدلول، غامضة المعنى، كما عرفنا. فلا بد لها من شيء يزيل إبهامها وغموضها، وهو ما يسمى: "الصلة". فالصلة هي التي تُعَين مدلول الموصول، وتُفَصّل مجمله، وتجعله واضح المعنى، كامل الإفادة. ومن أجل هذا كله لا يستغنى عنها موصول اسمي، أو حرفي. وهي التي تُعرّف الموصول الاسمي. فى الصحيح3.
شروطها:
الصلة نوعان: جملة4 "اسمية أو: فعلية" وشبه جملة. والجملة هي الأصل5.
فأما النوع الأول - وهوالجملة بقسميها - فمن أمثالها قول الشاعر يصف إساءة أحد أقاربه:
ويَسْعَى إذا أبْنِى لِيهْدِمَ صَالحِى ... وليس الذى يَبْنِى كمنْ شأنُه الهدمُ
__________
1 ستجيء الموصولات الحرفية في ص407، "انظر رقم 1 من هامش ص340".
2 أي: لا تدل على شيء مفصل معين "وقد سق توضيح معنى المبهم في: "ج" ص338 وفي رقم3 من هامش ص340.
3 ملاحظة: يتردد في بعض المسائل النحوية ذكر "الصلة" مع أن الجملة خالية من الموصول بنوعيه. فما المراد منها؟ النحاة يطلقون في اصطلاحهم كلمة: "صلة" على أمرين، أحدهما: "صلة للوصول" بالتفصيل المعروض هنا، والآخر: "متعلقات الفعل وما يشبهه" مما يجيء مكملا له كشبه الجملة، بشرط خلو الكلام من موصول محتاج لشبه الجملة صلة له. وقد يطلقون الصلة على اللفظ الزائد مطلقا- طبقا للبيان الذي سبق في رقم 4 من هامش ص 353.
4 توضيح معنى الجملة بقسميها مدون في رقم 5 من هامش ص 446، ثم في ص 466.
5 لما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 384.(1/373)
ولا يتحقق الغرض منها إلا بشروط، أهمها1:
1- أن تكون خبرية لظفاً ومعنى، وليست للتعجب؛ نحو؛ اقرأ الكتاب
__________
1 وستجيء شروط أخرى في ص 378.
2 وهي الجملة التي يكون معناها صالحا للحكم عليه بأنه صدق أو كذب، من غير نظر لقائلها، من ناحية أنه معروف بهذا أو بذالك. ومن أمثلتها أن يقول قائل: نزل المطر أسم. أو: حضر والدي اليوم. أو: يحضر الغائبون غدا. فكل جملة من هذه الجمل عرضة لأن توصف بأنها صادقة أو كاذبة في حد ذاتها، "أي: بإغفال قائلها، فكأنه مجهول الحال تماما من ناحية اتصافه بالصدق والكذب". وهذا معنى قولهم: إن الجملة الخبرية هي التي تحتمل الصدق والكذب لذاتها. أي: بدون نظر لقائلها، فلا نحكم على جملة خبرية بأنها صادقة فقط، لأن قائلها معروف بالصدق، ولا كاذبة فقط، لأن قائلها مشهور بالكذب.
ويقابلها الجملة الإنشائية، هي التي يطلب بها إما حصول شيء، أو عدم حصوله، وإما إقراره والموافقة عليه، أو عدم إقراره. فلا دخل للصدق والكذب فيها. وهي قسمان:
إنشائية طلبية، أي: يراد بها طلب حصول الشييء أو عدم حصوله. ويتأخر تحقق وقوع معناها عن وجود لفظها. وتشمل الأمر، والنهي، والدعاء والاستفهام، والتمني "مثل: ليت" والعرض، والتحضيض ... كما هو مدون في المصادر الخاصة بالبلاغة.
وإنشائية غير طلبية، وهي التي يتحقق غالبا - مدلولها بمجرد النطق بها دون أن يكون طلبيا. وتشمل جملة التعجب - عند من يرى أنها ليست خبرية - وجملة المدح أو الذم. وجملة القسم نفسه، لا جملة جوابه، و "رب" لأنه حرف لإنشاء التكثير أو التقليل -، و "كم الخبرية"، وصيغ العقود التي يراد إيقاعها، وإقرارها، كقولك لمن طلب أن تبيع أو تهب له كتابا - مثلا بعت، أو وهبت لك ما تريد.... كما يشمل الترجي، مثل: "لعل" وأفعال الرجاء، مثل، "عسى" ولكن الصحيح وقوع "عسى" فعل صلة دون غيرها من صيغ الرجاء قال بعض المحققين: "المشهور أن "عسى" إنشاء: لكن دخول الاستفهام في قوله تعالى: "فهل عسيتم.... " وقوعها خبرا لأن في نحو: "إني عسيت صائما" دليل على أنه فعل خبري، فينبغي أن يجوز وقوعها صلة بلا خلاف " أهـ. نقلا عن الصبان في هذا الموضع.
وأكثر أنواع الإنشاء غير الطلبي يتحقق معناه بمجرد النطق بلفظه - كما تقدم - ومنه ألفاظ البيع والهبة ...
هذا، والجملة الخبرية التي تقع صلة إنما تسمى خبرية بحسب أصلها الأول فقط، قبل أن تكون صلة، فإذا صارت صلة فلا تسمى خبرية، لخلوها من المعنى المستقل بنفسه، إذ لا يكون فيها حكيم مستقل بالسلب أو بالإيجاب يقتصر عليها وحدها، بل هي لذلك لا تسمى: "كلاما" أو: "جملة" مطلقا، فعدم تسميتها جملة خبرية من باب اولى. ومثلها الجملة الواقعة صفة، أو خبرا، أو حالا، فكل ولاادة من هذه الجمل تسمى: "جملة" حين تكون مستقلة بنفسها، وبمعناها المقصود لذات، فإذا فقدت استقلالها وصارت متممة معنى في غيرها "بأن تقع صلة، أو صفة، أو خبرا، أو حالا، أو.... " فلا تسمى جملة، ولا كلاما، إذ ليس لها كيان معنوي مستقل.
كما سبق في رقم 2 من هامش ص 15 وله إشارة في رقم 4 من هامش ص 466 -.(1/374)
الذى "يفيدك". بخلاف: اقْرأ الكتاب الذى "حَافِظْ عليه" لأن جملة؛ "حافظْ عليه"، إنشائية، وليست خبرية. وبخلاف: مات الذى "غفر الله له" لأن جملة: "غفر الله له" خبرية فى اللفظ دون المعنى؛ إذ معناها طلب الدعاء للميت بالغفران؛ وطلب الدعاء إنشاء، لا خبر. وبخلاف: هنا الذى "ما أفْضَلَه"؛ لأن الجملة التعجية إنشائية - فى رأى كثير من النحاة - برغم أنها كانت خبرية قبل استعمالها فى التعجب. ويلحق بالخبرية - هنا - الإنشائية التى فعلها: "عسى" الناسخ.
قد يصح فى: "إنْ" - وهى من الموصولات الحرفية - وقوع صلتها جملة طلبية: نحو: كتبت لأخى بأن دَاوِمْ. على أداء واجبك. وهذا مقصور على "أنْ"1 دون غيرها من الموصولات الاسمية والحرفية.
2- أن يكون معناها معهداً مفصلاً للمخاطب2، أوبمنزلة المعهود المفصَّل.
فالأولى مثل: أكرمت الذى قابلك صباحاً؛ إذا كان بينك وبين المخاطب عهد فى شخص مُعَين. ولا يصح غاب الذى تكلم، إذا لم تقصد شخصاً معيناً عند السامع.
والثانية: هى الواقعة فى مَعْرِض التفخيم، أومعرض التهويل؛ مثل: يا له من قائد انتصر بعد أن أبدى من الشجاعة ما أبْدى!! ويا لها من معركة قُتل فيها
__________
= هذا ومن الجمل التي يصح أن تقع صلة، الجملة الخبرية الواقعة جوابا للقسم، بشرط أن تكون كغيرها من الجمل- مشتملة على رابط يربطها بالموصول، كما سيجيء- نحو: أحب الذي أقسم بالله - لقد تضاعف الضعيف. وكذلك الجملة الخبرية الواقعة جوابا للشرط، نحو، أكرم الذي إن تكرمه يعرف فضلك. بشرط وجود رابط فيها، أو في الجملة الشرطية، أو فيهما معا. فمثال الرابط في الجملة الجوابية فقط: الصاحب النبيل الذي إن يتغير الزمن لا يتغير خلقه، ومثال للرابط في الجملة الشرطية فقط: اعمل الذي إن تعمله يفرح العقلاء. ومثال الرابط فيما ليس الناصح الذي إن ينصح يعلن أمام الناس العيوب. نعم إن جملة القسم نفسها إنشائية، فلا تكون صلة، إنما الصلة هي الجملة الواقعة جوابا له، فإنها خبرية، دون جملة القسم، فإنها كما سبق - إنشائية لمجرد التأكيد.
"انظر رقم 2 من ص 378 حيث بيان الأشياء التي يجوز أن تفصل بين الموصول وصلته".
1 كما سيجيء في ص408 وفي رقم 1 من هامش 409، عند الكلام على الموصول الحرفي "أن".
2 أي: معروفا له، تفصيلا لا إجمالا وأنه يختص بشيء معين، كما سبق، لأن الغرض من الصلة أن توضح للمخاطب اسم الموصول المبهم بما كان يعرفه قبل مجيء اسم الموصول، من اتصافه بمضمون الجملة - مع ملاحظة الفرق بين هذا - وهو مختص بعلم المخاطب- وما يأتي في رقم 4 من ص 380 وهو غير مقصور على المخاطب بل يشمل كل فرد ...(1/375)
من الأعداء مَنْ قُتل!!.أي: أبْدَى من الشجاعة الشيء الكثير المحمود. وقتل في المعركة الكثير الذي لا يكاد يُعَد. ومثل هذا قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} . أى: الكثير من العلم والحكمة ... وقوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} ، أى؛ الهول الكثير، والبلاء العظيم.
والمعول عليه فى ذلك كله هوالغرض من الموصول؛ فإن كَان الغرض منه أمرًا معودًا للمخاطب جاءت صلته معهودة مفصلة، وإن أريد به التعظيم أوالتهويل جاءت مبهمة بمنزلة المفصلة.
3- أن تكون مشتملة على ضمير يعود على اسم الموصول - غالباً1 - ويطابقه؛ إما فى اللفظ2 والمعنى معًا، وإما فى أحدهما فقط على التفصيل الذى سنعرفه. وهذا الضمير يسمى: "العائد، أو: الرابط" لأنه يعود - غالبًا - على الموصول، ويربطه بالصلة. ولا يكون إلا فى الموصولات الاسمية دون الحرفية3.
ويجب أن تكون مطابقته تامة؛ بأن يوافق لفظ الموصول ومعناه. وهذا حين يكون الموصول اسمًا مختصًا؛ فيطابقه الضمير فى الإفراد، والتأنيث، وفروعهما؛ نحو: سَعِدَ الذى أخلص، واللذان أخلصا، والذين أخصلوا، والتي أخلصتْ، واللتان أخلصتا، واللاتى أخلصْن. ومن هذا قول الشاعر:
أمَنزلَتىْ مَىٍّ، سَلامٌ عليكما ... هل الأزْمُنُ اللاَّتى مَضَيْنَ رَوَاجعُ
أما إن كان الاسم الموصول عامًّا "أى: مشتركاً" فلا يجب فى الضمير مطابقته مطابقة تامة: لأن اسم الموصول العام: لفظه مفرد مذكر دائماً، كما أسلفنا "مثل: مَنْ - ما - ذو- ... " ولكن معناه قد يكون مقصوداً به. المفردة، أوالمثنى، أوالجمع. بنوعيها، ولهذا يجوز فى العائد "أى: الرابط".
__________
1 لأنه قد يعود على غيره جوازا في نحو: أنا الذي سافرت - كما سيجيء البيان في "ب" من الزيادة - ص 380 وقد يجوز حذفه، طبقا للبيان الآتي في ص 394 م 28.
2 وذلك أن يكون لفظ الموصول خاصا بنوع واحدا يقتصر عليه، كأن يدل على المفرد المذكر وحده، أو على المفردة وحدها، أو مثنى أحدهما، أو جمعه، وعند ذلك يطابقه الضمير، فيكون مثله للمفرد المذكر، أو المفردة المؤنثة، أو لمثنى أحدهما، أو لجمع أحدهما.
3 لأن الموصول الحرفي يحتاج إلى صلة حتما، ولا يكون له رابط.(1/376)
عند أمْن اللبس، وفي "غير أل": مراعاة اللفظ، وهو الأكثر، ومراعاة المعنى وهو كثير1 أيضًا، بالتفصيل الذي عرفناه، تقول شَقِيَ مَنْ أسْرَف ... فيكون الضمير مفردًا مذكرًا في الحالات كلها؛ مراعاة للفظ "من"، ولو كان المراد المفردة، أو المثنى، أو الجمع بنوعيهما. وإن شئت راعيْت المعنى، فأتيت بالرابط مطابقًا له؛ فقلت: من أسْرَفَتْ. من أسْرَفَتَا -من أسْرفُوا- من أسْرفَّن. فالمطابقة في اللفظ أو في المعنى جائزة في العائد على اسم الموصول المشترك. إلا إن كان اسم الموصول المشترك "أل" فتجب المطابقة في المعنى وحده؛ لخفاء موصوليتها بغير المطابقة، كما سبق عند الكلام عليها2.
وقد يغنى3 عن الضمير فى الربط4 اسم طاهر يحل مكان ذلك الضمير، ويكون بمعنى الموصول؛ نحو: اشكر عليًّا الذى نفعك علْمُ علىّ، أي: علمه. ونحوقول الشاعر العربى:
فيا رَبَّ ليلَى أنتَ فى كُلِّ مَوْطن ... وأنت الَّذِى فى رحمةِ اللهِ أطمعُ
أي: فى رحمته أطمعُ5.
__________
1 ويجوز مراعاة المعنى بعد مراعاة اللفظ، ويجوز العكس، كما يجوز مراعاة اللفظ، ثم المعنى، ثم اللفظ - كما في رقم 2 من هامش ص 349 -.... كل ذلك مع أمن اللبس. فإن حصل لبس من مراعاة اللفظ وجب مراعاة المعنى، نحو: أنصف من أنصفتك. فلا يصح من أنصفك إذا كان المراد أنثى. ومثل اللبس. ... قبح الإخبار بمؤنث عن مذكر، نحو: من - هي حمراء- أمتك. وكذا في باقي المواضع الأخرى التي سبقت إليها الإشارة التفصيلية في رقم 2 من هامش 349.
2 في رقم 1 من هامش ص 356.
3 لسبب بلاغي، كالاستعطاف، أو التلذذ، أو زيادة الإيضاح.
4 "ملاحظة": يرى بعض النحاة: أن جملة الصلة قد تخلو من الرابط إذا عطفت عليها بالفاء، أو الواو، أو: ثم - جملة أخرى مشتملة عليه، مثل: الذي يشتد الكرب فيصبر، شجاع التي يتحرك القطار وتجلس، عاقلة- الذي لا حت الفرصة ثم اغتنمها، حازم. فجملة الصلة في هذه الأمثلة خالية من الرابط: اكتفاء بوجوده في الجملة المتأخرة المعطوفة على جملة الصلة. وهذا رأي مقبول تؤيده الأساليب الكثيرة المسموعة. "راجع الصبان جـ1، باب: "المبتدأ" عند الكلام على: "الخبر الجملة، ورابطه".
5 ويصلح أن يكون منه قول الشاعر البحتري:
صننت نفسي عما يدنس نفسي ... وترفعت عن جدا كل جبس
"أي: عن عطاء كل لئيم دنيء". والأصل عما يدنسها. وهذا على اعتبار "ما" موصولة.(1/377)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- هناك شروط أخرى في جملة الصلة؛ أهمها:
1- أن تتأخر وجوباً عن الموصول1؛ فلا يجوز تقديمها، ولا تقديم شىء منها عليه. إلا إن كان بعض مكملاتها شبه جملة ففي تقديمه خلاف يجيء بيانه في الشرط الثاني.
2- أن تقع بعد الموصول مباشرة؛ فلا يفصل بينهما فاصل أجنبى؛ "أى: ليس من جملة الصلة نفسها". وألا يفصل بين أجزاء الصلة فاصل أجنبى أيضًا؛ ففى مثل: اقرأ الكتاب الذى يفيدك فى عملك، وأرشدْ إليه غيرَك ... ، لا يصح اقرأ الكتاب الذى - غيرَك - يفيدك فى عملك، وأرشد إليه، لوجود فاصل أجنبى بين الموصول وصلته، وهوكلمة: "غير" التى هى من جملة أخرى غير جملة الصلة. ولا يصح اقرأ الكتاب الذى يفيدك - غيرَك - فى عملك، وأرشد إليه، لوجود فاصل أجنبي لم يفصل بين الموصول وصلته؛ وإنما تخلل جملة الصلة، وفصل بين أجزائها مع أنه ليس منها ... وهكذا.
لكن هناك أشياء يجوز الفصل بها بين الموصولات الاسمية وصلتها إلا "أل" فلا يجوز الفصل بينها وبين صلتها مطلقاً. وكذلك يجوز الفصل بها بين الموصول الحرفى "ما" وصلته - في رأى قوىّ - دون غيره من باقى الموصولات الحرفية.
فأما الأشياء التى يجوز أن تفصل بين هذه الأنواع من الموصولات وصلتها فهى: جملة القسم؛ نحوغاب الذى "والله" قهر الأعداء2. أوجمكلة النداء بشرط أن يسبقها ضمير المخاطب؛ نحو: أنت الذى - يا حامد - تتعهد الحديقة، أوبالجملة المعترضة؛ نحو: والدى الذى - أطال الله عمره - يرعى
__________
1 سواء أكان اسميا أم حرفيا، كالواضح من كلام النحاة، ومنهم ابن عقيل، والأشموني والصبان عند بيت ابن مالك، وهو: "وكلها يلزم بعده صلة...." وجاء في الأشموني "في باب: "كان وأخواتها" عند الكلام على "دام" وقول ابن مالك في خبرها: "وكل سبقه دام حظر"، قوله: إن الإجماع على منع خبر دام على "ما" مسلم، فقال الصبان مبينا سبب المنع ونصه: "للزوم تقدم بعض الصلة على الموصول الحرفي وهو ممنوع، ولزوم عمل ما بعد الحرف المصدري فيما قبله وهو ممنوع أيضا" أهـ.
2 انظر آخر رقم 2 من هامش ص 374 وهو في صدر هامش ص 375.(1/378)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شئوني، أو بجملة الحال، نحو: قدم الذي -هو مبتسم- يحسن الصنيع.
أو: "كان" الزائدة، نحو: كرمت الذي كان شاركته في السياحة1 ...
وكذلك يجوز تقديم بعض أجزاء الصلة الواحدة على بعض بحيث يفصل المتقدم بين الموصول وصلته، أوبين أجزاء الصلة، إلا المفعول به؛ فلا يصح تقديمه على عامله إن كان الموصول حرفياً غير: "ما"2 تقول: تفتح الورد الذى العيونَ - يَسُرّ ببهائه. أوتفتح الورد الذى - ببهائه - يَسُرّ العيون. تريد فيهما: تفتح الورد الذى يسر العيون ببهائه.
والفصل بتلك الأشياء على الوجه الذى شرحناه - جائز فى الموصولات الاسمية إلا "أل"، غير جائز فى الموصولات الحرفية3 إلا "ما"؛ كما قلنا؛ فيصح أن تقول: فرحتُ بما الكتابةَ أحسْنت، أى: بما أحسنْت الكتابة. "بإحسانك الكتابة".
ولما كان الفصل بين الموصول وصلته غير جائز إلا على الوجه السالف امتنع مجىء تابع للموصول قبل مجىء صلته؛ فلا يكون له قبلها نعت، ولا عطف بيان، أونسق ولا توكيد، ولا بدل، وكذلك لا يخبر عنه قبل مجىء الصلة وإتمامها. لأن الخبر أجنبى عن الصلة، وكذلك لا يستثنى من الموصول؛ فلا يصح: "رجع الذى - غيرُ الضار - ينفع الناس"؛ ولا يصح: "يحترم العقلاء الذى محمدًا - يفيد غيره"، ولا: "نظرت إلى الذى - والحصنِ - سكنتَه"، ولا: "رأيت التى - نفسَها فى الحقل"، ولا: "جاء الذينَ - الذى فاز - فازوا". ولا: "الذى سباحٌ ماهر - عبر النيل" ولا: "وقف الذين - إلا محمودًا - فى الغرفة" تريد: رجع الذى ينفع الناس غيرُ الضار. ويحترم العقلاء الذى "أى: محمدًا" يفيد غيرَه. ونظرت إلى الذى سكنته والحصنِ، ورأيت
__________
1 لهذا إشارة في ص 577
2 إذا اشتملت صلة الموصول الحرفي على مفعول به ففي تقديمه على عاملة خلاف رددته المطولات ومنها: "الصبان" فقد ذكر - "في جـ 2 آخر باب" "الفاعل" عند الكلام على امتناع تقدم المفعول به على عامله"- أنه يمتنع تقديمه إن كان عامله واقعا في صلة حرف مصدري ناصب، بخلاف غير الناصب، فيجوز، عجبت مما زاهرا تفتح ... ثم قال: "ومنهم من أطلق المنع" أهـ.
3 سبب ذلك هو: النهج العربي المسموع، الذي يجعل "أل" مع صلتها "وهي: الصفة الصريحة كالكلمة الواحدة. وكذلك الموصولات الحرفية - غير، "ما" في رأي قوي- لشدة امتزاج الموصول الحرفي بصلته، لتأويله معها بمصدر، فهو مع صلته أقوى امتزاجا من الأسمى. أما الموصول الحرفي: "ما" فقد وردت أمثلة تبيح الفصل عند فريق كبير.(1/379)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التي في الحقل نفسَها. وجاء الذى فاز. الذى عبر النيل سباح ماهر - ووقف الذين فى الغرفة إلا محمودًا.
ويفهم من الشرط السابق شىء آخر. هو: أنه لا يجوز تقدم الصلة ولا شىء من مكملاتها على الموصول، وهذا صحيح، إلا أن يكون المكمل ظرفًا، أوجارًّا مع مجروره - فيجوز التقديم عند أمن اللبس1 نحو: أمامنا الذى قرأتَه رسالةٌ كريمةٌ. أي: الذي قرأته أمامنا رسالةٌ كريمة. ومثل: الغزالة هي -في حديقتك- التي دَخَلَتْ. أي: الغزالة هي التي دخلتْ في حديقتك.
3- ألا تستدعي كلامًا قبلها؛ فلا يصح: كتب الذى لكنه غائب، ولا: تَصَدَّق الذي حتى ما لُه قليل؛ إذ "لكن" لا يتحقق الغرض منها "وهو: الاستدراك" إلا بكلام مفيد سابق عليها، وكذلك: "حتى" لا بد أن يتقدمها كلام مفيد تكون غاية له.
4- ألا تكون معلومة لكل فرد؛ فلا يصح شاهدت الذى فمه فى وجهه، ولا حضر مَنْ رأسه فوق عنقه2.
ب- إذا كان اسم الموصول خبرًا عن مبتدأ، هوضمير متكلم أومخاطب، جاز أن يراعى فى الضمير الرابط3 مطابقته للمبتدأ فى التَّكلم أوالخطاب، وجاز مطابقته لاسم الموصول فى الغَيبة؛ تقول: أنا الذى حضرت، أو: أنا الذى حضر. وأنت الذى برعتَ فى الفن، أو: أنت الذى برع فى الفن؛
__________
1 قد وردت أمثلة لذلك في الكلام الفصيح- وفي مقدمته القرآن الكريم- تؤيد هذا الرأي الكوفي الذي يرتضيه أيضا بعض أئمة البصريين، كالمازني والمبرد، وتخالف الرأي الذي يعارضه معارضة أساسها التكلف في التأويل بغير داع. ومنها قوله تعالى: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} ، وقوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} وقوله تعالى: {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِين} فكلمة "أل" في الآيات السالفة، اسم موصول، صلته المشتق، وتقدم الجار والمجرور وهما من مكملات الصلة على اسم الموصول وقد أول كثير من النحاة تلك الآيات ونظائرها، فجعلوا الجار والمجرور متعلقان بمحذوف متقدم عليهما يشبه الموصول وصلته المذكورين بعد، فقالوا إن التقدير هو: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} ، {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِين} وهذا التأويل مرفوض، إذ لا حاجة تضطرنا إليه وإلى إخراج الآيات المتعددة. وغيرها - عن ظاهرها التركيبي العالي.
وقد قال المبرد في الكامل "جـ1.... ص 29 " "إني أختار هذا الرأي، وإنه رأي المازني أيضا " أهـ. هذا، وورود تلك الشواهد في أفصح الكلام وهو القرآن الكريم- يبيح لنا محاكاتها على الوجه الواردة به من غير تردد.
2 مع ملاحظة الفرق بين هذا وما سبق في رقم 2 من ص 375.
3 للرابط "أي: العائد" بحث مستقل في ص 394.(1/380)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالتاء في الصورة الأولى يراد بها المبتدأ: "أنا" ولا تعود على اسم الموصول. وهو في هذه الحالة يعرب خبرًا؛ ولا يحتاج لرابط يعود عليه من الصلة؛ اكتفاء واستغناء بالتاء المراد بها المبتدأ؛ فيكون المبتدأ والخبر هنا كالشيء الواحد. وأما في الصورة الثانية فالضمير في الصلة للغائب فيعود على اسم الموصول. ومثل ذلك يقال في الحالتين اللتين فيهما المبتدأ ضمير المخاطب، وخبره اسم موصول.
كما يقال أيضًا في حالة ثالثة؛ هي: أن يكون المبتدأ ضمير متكلم أو مخاطب، وله خبر موصوف باسم موصول؛ فيجوز في الرابط أن يكون للتكَّلم أو للخطاب، مراعاة للمبتدأ، ويجوز فيه أن يكون للغيبة؛ مراعاة لاسم الموصول. تقول: أنا الرجل الذي عاونت الضعيف، أوأنا الرجل الذى عاون الضعيف -وأنت الرجل الذي سبقت في ميدان الفنون، أو: أنت الرجل الذي سبق في ميدان الفنون1.
وإنما يجوز الأمران في الحالات السابقة ونظائرها بشرطين:
أولهما: ألا يكون المبتدأ الضمير مُشَبهًا بالخبر فى تلك الأمثلة؛ فإن كان مُشَبَّهًا بالخبر لم يجز فى الربط إلا الغَيبة؛ نحو: أنا فى الشجاعة الذى هزم الرومان فى الشام. وأنت فى القدرة الذى بنى الهرم الأكبر؛ تريد؛ أنا فى الشجاعة كالذى هزم الرومان فى الشام، وأنت فى القدرة كالذى بنى الهرم الأكبر. فالمبتدأ فى المثالين مقصود به التشبيه، لوجود قرينة تدل على ذلك؛ هى: أن المتكلم والمخاطب يعيشان فى عصرنا، ولم يدركا العصور القديمة.
وثانيهما: ألا يكون اسم الموصول تابعًا للمنادى: "أيّ"، أو: أيّة، في مثل: يأيّها الذي نصرت الضعيف ستسعد، ويأيتها التي نصرت الحق ستفوزين فلا يَصح أن تشتمل الصلة على ضمير خطاب في رأي بعض النحاة، دون بعض آخر. وملخص المسألة -كما سيجيء في ج4 ص 36 م 30 باب أحكام تابع المنادى - هو أنه لا بد من وصف؛ "أي وأيَّة"، عند ندائهما بواحد من أشياء معينة محددة، منها: اسم الموصول المبدوء "بأل" وقد اشترط الهمع "ج1 ص175" أن يكون الموصول مبدوءًا بأل، وأن تكون صلته خالية من الخطاب،
__________
1 راجع ما سبق في هذا عند الكلام على تعدد مرجع الضمير رقم 9 من ص 2268" وما بعدها ولا سيما: "ط" من ص 270 - كي يتبين الفرق بين الصور المعروضة.(1/381)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فلا يقال يأيها الذي قمت. في حين نقل الصبان "ج3 أوباب تابع المنادى" - صحة ذلك قائلا ما نصه: "ويجوز بأيها الذي قام، ويأيها الذي قمت"، والظاهر أن الذي منعه الهمع ليس بالممنوع، ولكنه غير الأفصح الشائع في الكلام المأثور؛ بدليل ما قرره النحاة ونقله الصبّان في الموضع المشار إليه ونصّه: "الضمير في تابع المنادى يجوز أن يكون بلفظ الغَيبة؛ نظرًا إلى كون لفظ المنادى اسمًا ظاهرًا، والاسم الظاهر من قبيل الغيبة، وبلفظ الخطاب نظرًا إلى كون المنادى مخاطبًا، فعلمت أنه يجوز أيضًا: يا زيد نفسه أو نفسك. قاله الدماميني. ثم قال ويجوز يأيها الذي قام، ويأيها الذي قمت" اهـ كلام الصبان نصّا.
وكل ما سبق تقريره في العائد من حيث التكلم أو الخطاب أو الغيبة يثبت لكل ضمير قد يجيء بعده ويكون بمعناه؛ نحو: أنا الذي عاهدتك على الوفاء ما عشتُ. أو أنا الذي عاهدك على الوفاء ما عاش1، وقد يختلفان كما في قول الشاعر:
نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
وسيجىء في باب أحكام تابع المنادى "في الجزء الرابع" أن الضمير المصاحب لتابع المنادى يصح فيه أن يكون للغائب أو للمخاطب، وأن هذا الحكم عام يسرى على توابع المنادى المنصوب اللفظ وغير المنصوب، إلا صورة واحدة مستثناة وقع فيها الخلاف. وتطبيقًا لذلك الحكم العام نقول: يا عربا كلكم، أو: كلهم ... ويا هارون نفسك، أو: نفسه، خذ بيد أخيك - يا هذا الذى قمت أوقام أسرع إلى الصارخ.
أما الصورة المستثناة التى وقع فيها الخلاف فهى التى يكون فيها المنادى لفظ. "أىّ، أو: أية" والتابع اسم موصول، فلا يجوز عند فريق من النحاة أن تشتمل صلته على ما يدل على خطاب؛ فلا يصح: يأيها الذى حضرت، ويصح عنده غيره -كما سلف.
هذا، وبالرغم من جواز المطابقة وعدمها في الصور السابقة التي في قسم "ب" - فإن مطابقة الرابط لضمير المتكلم أفصح، وأوضح، فهي أولى من مراعاة
__________
1 وكما يراعي هذا في رابط جملة الصلة يراعي بصورة أقوى في رابط جملة الخبر، "وسيأتي هنا في باب المبتدأ والخبر"، كما يراعى في جملتي الحال والنعت "- جـ 2 و 3" وقد سبق بعض منه في باب: "الضمير، عند الكلام على موضوع: تطابق الضمير ومرجعه "ص 262".(1/382)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الموصول الغائب، وكذلك مطابقته للمخاطب أولى من اسم الموصول الغائب؛ لأن زيادة الإيضاح غرض لغوي هام، لا يعدل عنه إلا لداع آخر أهم.
ج- يجيز الكوفيون جزم المضارع الواقع في جملة بعد جملة الصلة، بشرط أن تكون الجملة الفعلية المشتملة على هذا المضارع مترتبة على جملة الصلة كترتب الجملة الجوابية على الجملة الشرطية حين توجد أداة الشرط التي تحتاج للجملتين، فكأن الموصول بمنزلة أدامة الشرط، والجملتان بعده بمنزلة جملة الشرط وجملة الجواب. ففي مثل: من يزورني1 أزُوره ... يجيزون؛ من يزورني أزره؛ بجزم المضارع: "أزرْ" على الاعتبار السالف2. لكن حجتهم هنا ضعيفة، والسماع القوي لا يؤيدهم، ولهذا يجب إهمال رأيهم، والاكتفاء من معرفته بفهم المسموع الوارد، دون محاكاته -كما سيجيء في الجوازم. ج4 والنعت "ج3".
__________
1 بإعتبار "من" موصولة، بدليل عدم جزم المضارع بعدها.
2 ومما يوضح المذهب الكوفي ما تضمنته القصة الآتية "وهي مدونة في ص 35 من الجزء الأول، من المجلد الرابع والأربعيسن من مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، الصادر في سنة 1969" ونصها: "أن العلامة ابن مرزوق الحفيد، قال: "حضرت مجلس شيخنا ابن عرفة، أول مجلس حضرته. فقرأ قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} فتطرق لقراءة "يعشو" بالواو، مع جزم نقيض" وقال: وجهها أبو حيان بكلام ما فهمته، ولعل فيه خللا، قال ابن مرزوق: فاهتديت إلى فهمه. وقلت: إن جزم "نقيض" هو بمن الموصولة، لشبهها بمن الشرطية، وإذا كانوا يعاملون الموصول مطلقا بذلك فمن التي يشبه لفظها لفظ الشرط أولى بذلك. فاستحسن كلامي رحمه الله. ولكن الحاضرين أنكروا معاملة الموصول معاملةالشرط، وقالوا: كيف يكون ذلك؟ فقلت: دخول الفداء في خبر الموصول في نحو: "الذي يأتيني فله درهم" دليل على ذلك: فنازعوني في ذلك. فقلت: قال ابن مالك في التسبيل: "وقد يجزمه متسبب عن صلة الذي: تشبيها بجواب الشرط" فطالبوني بالشاهد، فأنشدت قول الشاعر:
كذلك الذي يبغي على الناس ظالما ... تصبه على عمد عواقب ما صنع
فأمسكوا". اهـ.(1/383)
وأما النوع الثاني وهو: "شبه الجملة" في باب الموصول فثلاثة أشياء1: الظرف -والجار مع المجرور- والصفة2 الصريحة. ويشترط فى الظرف والجار مع المجرور أن يكونا تأمّين، أي: يحصل بالوصل بكل منهما فائدة3؛
__________
1 كل واحد من هذه الثلاثة يسمى: "شبه جملة"، ولا يسمى جملة. - وفي ص 476 وهامشها بيان واف بسبب التسمية - والأصل في صلة الموصول أن تكون جملة - كما سبق في ص 373-، سواء أكانت فعلية أم اسمية، لأن الجملة وحدها هي التي تزيل الإبهام، فتحقق الغرض من الصلة، وليس واحد من الثلاثة التي تشبهها - بجملة حقيقية ولهذا وجب في الظرفب وفي الجار مع مجروره إذا وقع أحدهما صلة أن يكون متعلقا بفعل محذوف، ليكون الفعل مع فاعله الذي استقر في شبه الجملة بعد حذف الفعل - هما الصلة في الحقيقة، وإن كان الأيسر والأسهل اعتبارها الصلة الملحوظة، أو الصلة بحسب الأصل، مع اعتبار الظرف والجار مع مجروره الصلة بحسب الظاهر الحالي. ولا ضرر في هذا الاعتبار ما دامت الجملة الفعلية عند حذفها قد تركت اختصاصها لشبه الجملة بعدها. فحمل الضمير الذي كان فيهان، وغيره مما قرره النحاة على الوجه الذي سردناه "في ص 475 وهامشها". وعلى هذا يكون مايدر على الألسنة اليوم عند الإعراب من أن الظرف، أو الجار مع مجروره، هو الصلة، أمرا سائغا مقبولا- فوق أنه رأي لبعض القدامي أيضا- يحمل طابع التيسير والاختصار.
أما إن وقع أحدهما خبرا، أو نعتا، أو حالا، فيصح تعلقه بمحذوف هو فعل، أو اسم مشق استقر مرفوعه في شبه الجملة بعد حذف هذا المشتق، فلا يتحتم تعلقه بفعل محذوف، كما يتحتم في الصلة، وكما يتحتم في القسم الذي يحذف عامله- كما سنعرف- ويجوز التيسير والاختصار هنا أيضا يجعل شبه الجملة نفسه هو الخبر، أو النعت، أو الحال.
أما "الصفة" الصريحة" فهي اسم مشتق بمعنى الفعل، وله مرفوع خاص به، يجيء بعده ظاهرا، أو: مستترا، كما أن الفعل كذلك. ولكن المراد بالصفة الصريحة هنا ولايشمل - كما سيجيء البيان في رقم 2 من هامش ص 3386 - إلا نوعين من الأسماء المشتقة، هما: اسم الفاعل مع مرفوعه، واسم المفعول مع مرفوعه، فكلاهما يشبه الفعل في المعنى وفي الإحتياج إلى مرفوعه بعده. ولهذا سمي شبيها بالجملة، أما الصفة المشبهة ففيها خلاف، ن والنحاة يقولون:، إن الصفة الصريحة مع مرفوعها لا تسمى شبيهة بالجملة إلا حيننن تقع صلة "أل". وبالرغم من أنها تسمى شبيهة بالجملة- هنا فقط - فإنها في قوة الجملة معنى، أي: من جهة المعنى" وهذا الرأي هو الذي رجحه الصبان" كما تكون في قوة الجملة حين تقع خبرا. وبعدها بعض النحاة جملة حين تكون خبرا - كما سيجيء في باب المبتدا، رقم 45 من هامش ص 446 - وهذه الصفة مع مرفوعها لا محل لها من الإعراب "على الصحيح" حين تكون صلة "أل" كما أن جملة الصلة لا محل لها من الإعراب. وعلى هذا، إذا ذكر شبه الجملة في غير باب الموصول لم ينصرف إلا للظرف، والجار مع مجرورهق، دون الصفة الصريحة.
2 سيجيء في باب "المبتدأ" "رقمم 55 من هامش ص 446" أن بعض النحاة يعدها جملة هناك، - كما أشرنا في رقم 1.
3 أوضح علامة تدل على وجود "الفائدة" المطلوبة من الظرف ومن الجار مع مجروره هي أن يفهم متعلقهما المحذوف بمجرد ذكرهما. ويتحقق هذا في صورتين.(1/384)
تزيل إبهام الموصول، وتوضح معناه من غير حاجة لذكر متعلقهما؛ نحو: تكلم الذى عندك، وسكت الذى فى الحجرة. فكل من الظرف: "عند" والجار مع المجرور: "فى الحجرة"، تام. ولا بد أن يتعلق كل منهما في هذا
__________
= الأولى: أن يكون هذا المتعلق المحذوف شيئا يدل على مجرد الوجود العام، والحضور المطلق دون زيادة معنى آخر. ويسمون هذا: "الاستقرار العام"، أو: "الكون العام" ومعناهما مجرد الوجود ففي نحو:"تكلم الذي عندك" لا يفيد الظرف: "عند" شيئا أكثر من الدلالة على وجود الشخص وجودا مطلقا، من غير زيادة شيء آخر على هذا الوجود، كالأكل، أوالشرب، أو القراءة، أو غيرها. وهذا هو: "الاستقرار العام" أو "الكون العام".... كما قلنا. ولا يحتاج في فهمه إلى قرينة، أو غيرها. وكذلك نحو: "سكت الذي في الحجرة"، أي: الموجود في الحجرة وجودا مطلقا، غير مقيد بزيادة شيء آخر، كالنوم، أو: الضحك، أو: المثي.... وكذلك غيرهما من الأمثلة.
ولماكان هذا الكون العام واضحا ومفهوما بداهة وجب حذفه إن وقع صلة، لعدم الحاجة إلليه في كشف المراد، فهو محذوف كالمذكور. وكذلك يحذف وجوبا إن وقع خبرا، أو صفة، أو حالا، كما سنعرف هنا، وفي أبوابها.
الثانية: أن يكون متعلقهما أمرا خاصا محذوفا لوجود ما يدل عليه. ويظهر المتعرق الخاص في المثالين السابقين بأن نقول: "تكلم الذي وقف عندك" و "سكت الذي نام في الحجرة" فكلمة: "وقف" أو "نام" تؤدي معنى خاصا، هو: الوقوف، أو: النوم، ولايمكن فهمه إلا بذكر كلمته في الجملة، والتصريح بها، فليس هو مجرد حضور الشخص ووجوده المطلقين، وإنما هو الوجود والحضور المقيدان بالوقوف أو بالنوم.... ولهذا لا يصح حذف المتعلق الخاص إلا بدليل يدل عليه، مثل: قعد صالح في البيت، ومحمود في الحديقة، فتقول: بل صالح الذي في الحديقة. تريد: بل صالح الذي قعد في الحديقة. فإن حذف المتعلق الخاص بغير دليل كان الظرف والجار مع المجرور غير تامين، فلا يصلحان للصلة، مثل: هدأ الذي أمامك، أو: منك. تريد: هدأ الذي غضب أمامك، أو: غضب منك ... , ومثل غاب الذي اليوم ... أو الذي بك ... تريد: غاب الذي حضر اليوم، والذي استعان بك ...
هذا، وظرف المكان هو الذي يكون متعلقة في الصلة كونا عاما واجب الحذف، أو كونا خاصا واجب الذكر إلا عند وجود قرينة فيجوز معها حذفه أو ذكره. أماظرف الزمان فلا يكون متعلقه إلا خاصا، فلا يجوز حذفه إلا بقرينة، وبشرط أن يكون الزمان قريبا من وقت الكلام، نحو: نزلنا المنزل الذي البارحة، أو أمس، أو آنفا، "أي: في أقرب ساعة ووقت منا"، تريد: الذي نزلناه البارحة، أو أمس أو آنفا. فإن كان زمن الظرف بعيدا من زمن الإخبار بمقدار أسبوع مثلا، لم يحذف العامل. فلا تقول: نزلنا المنزل الذي يوم الخميس أو يوم الجمعة. إذا كان قد مضى نحو أسبوع.... ولم يحدد النحاة الزمن القريب أو البعيد، ولكن قد يفهم من أمثلتهم أن القريب: ما لم يتجاوز يومين، وأن البعيد ما زاد عليهما. وربما كان عدم التحديد مقصودا منه ترك الأمر للمتكلم والسامع.
وشبه الجملة بنوعيه يسمى:"مستقرا" بفتح القاف - حين يكون متعلقه كونا عاما، ويسمى: "لغوا" حين يكون متعلقه كونا خاصا مذكورا، أو محذوفا لقرينة- وشرح هذا في ص 477 -.(1/385)
الباب1 بفعل لا بشيء آخر، وهذا الفعل محذوف وجوبًا -لأنه كوْن عامّ2- تقديره: استقرّ، أو حَل، أو نزلَ ... وفاعله ضمير مستتر يعود على اسم الموصول، ويربط بينه وبين الصلة. فالأصل فى المثالين السابقين: تكلم الذى استقر عندك، وسكت الذى استقر فى الحجرة. وهكذا ...
"ملاحظة"؛ إذا وقع الظرف نفسه صلة "أل" - بأن دخلت عليه مباشرة، كصنيع بعض القبائل العربية فى مثل قولهم: سررت من الكتاب الْمَعَك؛ يريدون: الذى معك - فإنَّ تعلق الظرف فى هذه الحالة لا يكون إلاّ بصفة صريحة، تقديرها: "الكائن"، أو: نحوهذا التقدير. لأن صلة: "أل" لابد
__________
1 لأن الصلة - لغير أل - كما قلنا ق- لا بد أن تكون جملة "للسبب الذي في رقم 1 من هامش ص 383" ووقوع الظرف أو الجار مع المجرور صلة ليس قائما على أساس أنه بنفسهه الصلة، وإنما على أساس تعلقه بفعل يكون هو وفاعله الصلة في الحقيقة. ولا يصح في هذه الصلة التي لغير: "أل" أن يكون الظرف أو الجار مع المجرور متعلقا باسم محذوف، مشتق أو شبهه يكون خبرا لمبتدأ محذوف، ويكون التقدير مثلا: تكلم الذي هو كائن عندك، أو في الحجرة، لا يصح ذلك لأن شرط الحذف من الصلة - كما هو مدون في 3392 و 394 - ألا يصلح الباقي بعد الحذف لا يكون صلة. والباقي هنا - وهو الظرف أو الجار مع المجرور- صالح ذلك- أما في غير الصلة فالظرف والجار مع مجروره إذا تعلقا بمحذوف، جاز أن يكون فعلا وأن يكون مشتقا مع مرفوعه، كما إذا وقعا خبرا، أو صفة، أو حالا. ... وفريق من النحاة يرى أن الظرف وحده، أو الجار مع المجرور، هو الصلة دون الحاجة إلى متعلقهما. لكن إذا عرفنا أن وظيفتهما المعنوية في الجملة لا تتحقق إلا مع قيام عامل فيهما يكملان معناه - أمكننا أن نستريح إلى ما يقوله أصحاب الرأي الأول من وجود عامل محتوم لهما، وأن هذا العامل المحتوم هو في الصلة فعل يتعلقان به، فيحذف حينا، أو يذكر حينا على حسب احكامه الخاصة به.
- وقد أوضحناه هذا في باب: "حروف الجر"، آخر الجزء الثاني - غير أننا في عصرنا قد نعرب الظرف أوالجار مع المجرور صلة، وخبرا، وحالا، وصفة، من غير أن نذكر في الكلام أن كلا منهما متعلق بمحذوف، ومن غير إنكار لأمر هذا المحذوف، وإنما نهمله اعتمادا على شهرته ومعرفته، وأنه لا حجة لترديده مع الاقتناع بوجوده. وهذا إيجاز حسن مقبول. ويتفق مع رأي بعض الأئمة ممن يقولون إن اختصاص الفعل في الصلة قد انتقل إلى شبه الجملة كما انتقل إليه أيضا ضمير الفعل.
"وقد أشرنا لهذا في هامش ص 384 وسيجيء تفصيله في هامش ص 475 حيث قلنا في تلك الصفحة لا غنى عن الرجوع إلى الإيضاح التام الذي في جـ 2 ص 232 م 78 وص 413 وما بعدها م 89".
2 سبق - في رقم 1 من هامش ص 384 أنه لا بد أن يكون العامل المحذوف "فعلا" إذا تعلق به شبه الجملة الواقع صلة لموصول غير "أل" كما يجب تقديره فعلا في جملة القسم، لأن جملة الصلة لموصول غير "أل" وجملة القسم الذي يحذف عامله لايكونان إلا فعلتين - كما سيجيء في وجع 2ق باب الظرف ص 232 م 78.(1/386)
أن تكون صفة صريحة، ولا يصح التعلق بفعل -كما سنعرف1.
أما الصفة2 الصريحة فالمراد بها: الاسم المشتق الذى يشبه الفعل فى التجدد والحدوث3، شبهًا صريحًا؛ أى: قويًا خالصًا "بحيث يمكن أن يحل الفعل محله" ولم تغلب عليه الاسمية الخالصة. وهذا ينطبق على اسم الفاعل -ومثله صيغُ المبالغة- واسم المفعول؛ لأنهما -باتفاق- يفيدان التجدد والحدوث؛ مثل قارئ، فاهم: زَرّاع، مقروء، مفهوم ... 4.
__________
1 فيما يلي مباشرة.
2 لا يراد بالصفة هنا النعت، وإنما يراد بها الاسم المشتق منا لمصدر للدلالة على شيئين معا، هما: ذات، وشيء فعلته تلك الذات، أو وقع عليها من غيرها، أو اتصل بها بنوع من الاتصال نحو: قائم، مكرم، ملعب فكلمة. "قائم" تدل على شيئين: "ذات" "فعلت القيام، وكلمة: "مكرم" تدل على شيئين أيضا: "ذات" "حصل لها الإكرام" ... و "ملعب" تدل على شيئينن: "ذات، أي: مكان" "حصل فيه اللعب وهكذا ... والأحسن أن يقال: "معنى وصاحبه" لأن صاحبه في أحيان قليلة يكون غير ذات ولا مشخص.
وعلى ضوء ما تقدم نفهم معنى قولهم: إن المشتق هو ما دل على ذات وصفة، أي: ذات، وشيء آخر اتصفت به تلك الذات، بأن فعلته هي مباشرة، أو لم تفعله هي وإنما وقع عليها، أو التصق بها بطريقة ما، كما أشرنا.
والمشتقات الأصيلة ثمانية، "يجيء شرحها في الجزء الثالث ص 178 م 98 وما بعدها" اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل، واسم الزمان، واسم المكان، واسم الآلة، والمصدر الميمي. "ومنها، الأفعال أيضا باعتبارها مأخوذة من المصدر، وإن كانت لا تدل على ذات".
ولكل مششنق باب يحوي أحكامه المختلفة. والذي يعنينا الآن أن كل واحد من هذه المشتقات الثمانية يشبه - في الغالب -- الفعل المضارع الذي يشترك معه في الاشتقاق من مصدره، فقائم" يشبه "يقوم" وكلاهما مشتق من "القيام" و "مكرم " يشبه "يكرم" وكلاهما مشتق من الإكرام" و "ملعب" يشبه "يلعب " وكلاهما مشتق من "اللعب" وهكذا. والمشتق إنما يشبه غالبا المضارع في معناه، وفي عمله وفي الدلالة على زمنه، وفي حركات الحروف وسكناتها. غير أن هذا الشبه متفاوت بين تلك المشتقات وليست فيه سواء، فمنه ما يشبهه في الأشياء السابقة كلها، كاسم الفاعل، واسم المفعول، ولذا يسميان: "الصفة الصريحة" أي: المحضة، القاطعة في مشابهته - وهما المقصودان في صلة أل- ويمكن تأويلهما به، مع بعدهما عن الاسم الصميم "أي: الجامد" ومنها ما يشبهه في أكثرها كالصفة المشبهة، ثم اسم التفضيل. ومنه ما يشبهه في أقلها وهو اسم الزمان، واسم المكان، واسم الآلة، فإن كل واحد من هذه الثلاثة لا يكاد يشبه المضارع- باطراد في شيء إلا في المعنى العام، ثم لا يكاد - بعد ذلك يشبهه ولا يشبه غيره من الأفعال في الدلالة على الزمن، ولا في العمل، ولا في الحركات، ولا السكنات، ولا غيرها.
3 لذلك يقولون عنها إنها اسم في اللفظ، فعل في المعنى، ويعطف عليها الفعل، مثل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ} .
4 أما الصفة المشبهة ففيها خلاف عنيف - عرضوه في أول باب: "الإضافة" عند الكلام على المضاف الذي يشبه: "بفيعل"، والإضافة المحضة وغير المحضة. ووجه منعها أن تكون صلة: "أل" ومخالفتها لاسم الفاعل واسم المفعول الأصليين أنها لا تؤول بالفعل، لأنها للثبوت والفعل للتجدد والحدوث، ومن ثم كانت "أل" الداخلة على اسم التفضيل ليست موصولة. ووجه الجواز مشابهتها الفعل في رفعها الاسم الظاهر.(1/387)
وتكون الصفة الصريحة مع فروعها1 صلة "أل" خاصة؛ فلا يقعان صلة لغيرها، ولا تكون "أل" اسم موصول مع غيرهما على الأشهر2. تقول: انتفع القارىء -سَمَا الفاهم- اغتنى الزَّراع، المقروء قليل، ولكن المفهوم كثير ... ومثل المرتَجَى والخائب في قول الشاعر:
الصدق يألفُه الكريمُ المرتَجَى ... والكِذْب يألفه الدنىء الخائبُ
ولما كانت الصفة المشبهة الصريحة مع مرفوعها هى التى تقع صلة "أل" وتتصل بها اتصالا مباشراً ولا ينفصلان36 حتى كأنهما كلمة واحدة - كان المستحسن إجراء الإعراب بحركاته المختلفة على آخر هذه الصفة الصريحة دون
__________
1 لا بد أن يرفع اسم الفاعل فاعلا، وأن يرفع اسم المفعول نائب فاعل، وقد يحتاج كل منهما بعد ذلك إلى مفعول به أو أكثر، وربما لا يحتاج، فشأنهما في الحاجة إلى المفعول كشأن فعلهما. وبيان هذا وتفصيله مدون في بابهما جـ3.
2 بشرط دلالتهما على الحدوث. فلو قامت قرينة على أنهما للدوام وجب اعتبار "أل" التي في صدرهما للتعريف، ن لأنهما مع الدوام يعتبران "صفة مشبهة"، كالمؤمن، والمهندس، والصانع، وإنما قلنا: "على الأشهر" لأن بعض القبائل العربية قد يدخل "أل" على الجملة المضارعية، فتكون هذه الجملة هي الصلة ومن أمثلتها، قول الشاعر:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
أي: الذي ترضى حكومته. "مع ملاحظة أن "أل" الداخلة على تاء المضارع يجوز إدغامها في التاء وعدم إدغامها، بخلاف "أل" الحرفية - وسيجيء الكلام عليها في ص 422 فإنها تدغم في التاء عند دخولها عليهقا في مثل: التمر- التراب- التبر.... وغيرها من الأسماء أو الأفعال، كدخولها على مضارع مبدوء بالتاء، وقد صار علما مجردا. "أي: اسما محضا لا يدل على معنى الفعل، ولا على زمنه" مثل الأعلام "تشكر" و "تسعد" و "تعز" نقول بالإدغام: التشكر، والتسعد، والتعز....".
ومنهم من يدخلها على الجملة الاسمية ويجعل هذه الجملة صلة، مثل قول الشاعر:
من القوم الرسول الله منهم ... لهم دانت رقاب بني معد
"أي: من القوم الذين رسول الله منهم". أو على الظرف ويجعله صلة، نحو قول الشاعر:
من لا يزال شاكرا على المعه ... فهو حر بعيشة قذات سعه
"أي: الذي معه". والظرف "مع" متعلق هنا بصفة صريحة، محذوفة تقديرها:"الكائن" معه، لأن صلة "أل" لا بد أن تكون كذلك: ولا يصح تعلقه في هذا المثال وأشباهه بفعل محذوف للسبب السالف، فهو مستثنى من وجوب تعلق شبه الجملة بفعل محذوف يكون مع فاعله صلة - كما أشرنا في ص 385.
"وأل" في الأمثلة السابقة كلها اسم موصول بمعنى الذي أو أحد فروعه - مبني على السكون في محل رفع، "أو نصب، أو جر، على حسب موقعه من الجملة "فهي مثل "الذي" تماما أو "التي" وفروعهما، في أمثلة أخرى" وما بعدها من جملة فعلية أو اسمية هو صلة الموصول لا محل له. فإن جاء بعدها ظرف فهو متعلق بصفة صريحة محذوفة، هي مع فاعلها صلة الموصول لا محل له، ولا يصح تعلقه بفعل -لما قلنا- وقد ذكرنا هذه الأمثلة وإعرابها، والأحكام الخاصة بها، لا لنستعملها - مع حواز استعمالها - ولكن لنفهم نظائرها التي قد تمر بنا في النصوص القديمة، من غير أن يكون ذلك داعيا للرضا، عن استعمالها اليوم، لقلة المأثور منها، ونفور الذوق البلاغي الحديث من استعمالها، وانصراف الكثرة عنها قديما وحديثا فالخير في تركها مهجورة.(1/388)
ملاحظة "أل"؛ فهويتخطاها؛ برغم أنها اسم موصول1 مستقل، وأن صلته هى شبه الجملة المكون من الصفة الصريحة مع فروعها. فالصفة وحدها هى التى تجرى عليها أحكام الإعراب2، ولكنها مع فروعها صلة لا محل لها. والأخذ بهذا الإعراب أيسر وأبعد من التعقيد الضارب فى الآراء الأخرى.
فإن غلبت الاسمية على الصفة صارت اسماً جامد، ولم تكن "أل" الداخلة عليها اسم موصول، مثل الأعلام: المنصور، والهادى، والمأمول، والمتوكل ... من أسماء الخلفاء العباسيين؛ ومثل: الحاجب؛ لما فوق العين. والقاهر، والمنصور، والمعمورة، من أسماء البلاد المصرية3.
__________
1 وهل تفيد التعريف أو لا تفيده؟ رأيان سبق تفصيل الكلام عليها في رقم 2 من هامش ص 3356 ورقم 1 من هامش ص 370
2 وقد سبق هذا " في رقم 2 من هامش ص 356 وص 33357....." وهو رأي لبعض النحاة القدامي.
3 وفي الصلة وشروطها وما يتصل بها يقول ابن مالك بإيجاز:
وكلها يلزم بعده صله ... على ضمير لائق مشتمله
وجملة أو شبهها الي وصل ... به كمن عندي الي ابنه كفل
وصفة صريحة صلة: "أن" ... وكونها بمعرب الأفعال قل
أي: كل الموصولات يحتاج بعده إلى صلة دائما، ولا فرق في هذا بين الموصولات، والحرفية ثم قال! الصلة لا بد أن تشتمل على ضمير لائق، أي: مطابق للموصول. وقد عرفنا أن هذا الرابط خاص بصلة الموصول الاسمي دون الحرفي. ثم بين أن الذي يوصل به "أي: الذي يكون صلة" هو الجملة أو شبه الجملة. وأتى بمثال واحد فيها موصولان، أحدهما صلته شبه جملة، والآخر صلته جملة، والمثال هو: "من عندي الي ابنه كفل"، أي: الذي عندي هو الذي ابنه كفل "أي: كان موضع الرعاية".
فكلمة: "من" اسم موصول مبتدأ، وصلته شبه الجملة: "عند" وخبره: الذي، اسم موصول أيضا. وصلته جملة اسمية هي: "ابنه كفل".
ثم أشار في البيت الثالث إلى أن صلة "أل" لا تكونن إلا الصفة الصريحة وقد شرحناها وأن دخولها على الفعل المعرب وهو المضارع قليل، فيكون هو وفاعله صلة. ومن أمثلته اليت الذي سبق في هامش ص 387 - وهو:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل(1/389)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
يقتضي المقام أن نعرض لمسائل هامة تتصل بما نحن فيه. منها: تعدد الموصول، والصلة -حذفها- حذف الموصول -اقتران الفاء بخبر اسم الموصول، والتفريعات المتصلة بذلك- حذف العائد "ولهذا بحث مستقل في 394".
وإليك الكلام فى هذه المسائل:
أ- تعدد الموصول والصلة:
1- قد يتعدد الموصول1 من غير أن تتعدد الصلة؛ فيكتفى موصولان أوأكثر بصلة واحدة. ويشترط فى هذه الحالة أن يكون معنى الصلة أمرًا مشتركًا بين هذه الموصولات المتعددة، لا يصح أن ينفرد به أحدهما، دون الآخر، وأن يكون الرابط مطابقًا لها باعتبار تعددها2. مثل: فاز بالمنحة "الذي" "والتي" أجادا، وأخفق "الذين واللاتي" أهملوا. ففي المثال الأول وقعت الجملة الفعلية: "أجادا" صلة لاسمي الموصول: "الذي" و"التي". ولا يصح أن تكون صلة لأحدهما بغير الآخر؛ لاشتراكهما معًا في معناها؛ ولأن الرابط مثنى لا يطابق أحدهما وحده، وإنما لوحظ فيه أمرهما معًا3. وكذلك الشأن في المثال الآخر.
2- قد تتعدد الموصولات وتتعدد معها الصلة؛ فيكون لكل موصول صتله؛ إما مذكورة فى الكلام، وإما محذوفة4. جوازًا، وتدل عليها صلة أخرى مذكورة،
__________
1 بنوعيه: والاسمى الحرفي.
2 مع ملاحظة أن الرابط لا يوجد إلا في صلة الموصول الاسمى دون الحرفي - كما سبق في ص 376.
3 مع مراعاة التغليب في بعض نواحي المطابقة، كالتذكير في المثالين المذكورين، والتغليب جائز عند وجود قرينة، "كما أوضحنا في رقم 6 من هامش ص 118 وفي رقم 1 من هامش ص 139".
4 لا يجوز حذف صلة الموصول الحرفي إلا إذا بقي معمولها، مثل: أما أنت منطلقا انطلقت، أي: لأن كنت منطلقا انطلقت. فحذفت "كان" وبقي معمولها.... كما هو موضح في آخر باب:(1/390)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بشرط أن تكون المذكورة صالحة لواحد دون غيره؛ فلا تصلح لكل موصول من تلك الموصولات المتعددة؛ نحو: عُدْت "الذي" و"التي" مرضتْ. وسارعت بتكريم "اللائي" و"الذين" أخلصوا للعلم. فالصلة في كل مثال صالحة لأحد الموصولين فقط؛ بسبب عدم المطابقة في الرابط؛ فكانت صلة لواحد، ودليلا على صلة الآخر المحذوفة جوازًا. فأصل الكلام عدت الذي مرض، والتي مرضت. وسارعت بتكريم اللائي أخلصن، والذين أخلصوا. وهذا نوع من حذف الصلة جوازًا، لقرينة لفظية تدل عليها1....
وقد تحذف الصلة لوجود قرينة لفظية أيضًا ولكن من غير أن يتعدد الموصول؛ مثل من رأيته فى المكتبة؟ فتجيب: محمد الذي ... أو: سعاد التي ...
وقد تحذف الصلة من غير أن يكون في الكلام قرينة لفظية تدل عليها وإنما تكون هناك قرينة معنوية يوضحها المقام؛ كالفخر، والتعظيم، والتحقير، والتهويل ... فمن أمثلة الفخر أن يسأل القائد المهزوم البادي عليه وعلى كلامه أثر الهزيمة، قائدًا هزمه: من أنت؟ فيجيبه المنتصر: أنا الذي ... أي: أنا الذي هزمتك. فقد فُهمت الصلة من قرينة خارجية، لا علاقة لها بألفاظ الجملة. ومثل: أن يسأل الطالب المتخلف زميله الفائز السابق بازدراء: من أنت؟ فجيب الفائز: أنا الذى ... أي: أنا الذى فزت، وسبقتك، وسبقت غيرك ... ومنه قول الشاعر يفاخر:
نَحْنُ الأُلى ... فَاجْمَعْ جُمُو ... عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا
__________
= "كان" عند الكلام على حذفها ص580، ومثل قولهم:
"كل شيء مهه ما، السماء وذكرهن"
أي: ما عدا النساء وذكرهن. يريد: كل شيء سهل يسير، قد يحتمله الحر، ويصبر عليه ما خلا التعرض لنسائه، والتحدث عنهن ... وهذه أمثلة مسموعة بكثرة تبيح القياس عليها، بقرينة تدل على المحذوف، ولا تدع مجالًا لخفائه -كما سنعرف- فكلمة: "ما" هنا موصول حرفي. وبعده الفعل "عدا" محذوفًا مع فاعله "وتفصيل الكلام عليهما مسبوقين بما المصدرية، موضح في باب الاستثناء -ج2".
1 وما ذكرناه في النوعين السالفين يوضح قول النحاة "قد ترد صلة بعد موصولين أوأكثر، مشتركا فيها، أو مدلولا بها على ما حذف فالاشتراك فيما إذا ناسبت الصلة جميع ما قبلها من الموصولات، والدلالة فيما إذا لم تناسب إلا واحدا منها". ثم قالوا: إن القسم الأول يدخل في قسم الصلة الملفوظة، وإن الثاني يدخل في قسم الصلة المحذوفة، أو التي في النية.(1/391)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: نحن الذين اشتهروا بالشجاعة، والبطولة، وعدم المبالاة بالأعداء.
ومن التحقير أن يتحدث الناس عن لص فتاك، أوقعت به حيلة فتاة صغيرة وغلام، حتى اشتهر أمرهما. ثم يراهما اللص؛ فيقول له أحد الناس: انظر إلى التي والذي ... أي: التي أوقعت بك. والذي أوقع بك ...
ويشترط في حذف الصلة هنا ما سبقت في سابقتها من عدم وجود ما يصلح صلة بعد المحذوفة.
وقد وردت أساليب قليلة مسموعة عند العرب، التزموا فيها حذف الصلة؛ كقولهم: عند استعظام شيء وتهويله: "بعد اللَّتُيَّا1 والَّتي..........، يريدون بعد اللتيا كَلَّفتْنا مالا نطيق، والتي حملتنا مالا نقدر عليه، أدركنا ما نريد.
مما تقدم نعلم أن حذف الصلة فى غير الأساليب المسموعة جائز عند وجود قرينة لفظية، أو معنوية؛ سواء أكانت الموصولات متعددة، أم غير متعددة بشرط ألا يكون الباقي بعد حذفها صالحًا لأن يكون صلة.
3- يجوز حذف الموصول الاسمى2 غير "أل" إذا كان معطوفاً على مثله، بشرط ألا يوقع حذفه، في لَبْس؛ كقول زعيم عربيّ: "أيها العرب، نحن نعلم ما تفيض به صدور أعدائنا؛ من حقد علينا، وبغض لنا، وأن فريقًا منهم يدبر المؤامرات سرًّا، وفريقًا يملأ الحواضر إرْجَافًا3، وفريقًا يُعِد العُدة للهجوم علينا، وإشعال الحرب فى بلادنا، ألا فليعلموا أن من يُدبّر المؤامرات، ويطلق الإشاعات، ويحْشُد الجيوش للقتال، كمن يطرق حديدًا باردًا؛ بل كمن يضرب رأسه في صخرة عاتية، ليحطمها؛ فلن يخدشها وسيحطم رأسه".
فالمعنى يقتضي تقدير أسماء موصولة -محذوفة؛ فهو يريد أن يقول: من يدبّر المؤمرات، ومن يطلق الإشاعات، ومن يحشد الجيوش ... ذلك لأنهم طوائف متعددة، ولن يظهر التعدد إلا بتقدير "مَنْ". ولولاها لأوهم الكلام أن تلك الأمور كلها منسوبة لفريق واحد؛ وهى نسبة فاسدة. ولهذا
__________
1 اللتيا "بضم اللام المشددة أو فتحها" تصغير: "التي"..... سماعا ...
2 لهذا إشارة في ص 408، الأمر الخامس.
3 هو: إذاعة الأخبار السيئة الكاذبة، ليضطرب الناس، ويثوروا.(1/392)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يجب عند الإعراب مراعاة ذلك المحذوف، كأنه مذكور، ومثله قول حسان فى أعداء الرسول عليه السلام:
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُه وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
فالتقدير؛ من يهجو رسول الله، ومن يمدحه: ومن ينصره سواء. ولولا هذا التقدير لكان ظاهر الكلام أن الهجاء والمدح والنصر، كل أولئك من فريق واحد. ومن هذا قوله تعالى1: {قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} ، أي: والذى أنزل إليكم؛ لأن المنزل إلى المسلمين ليس هو المنزَّل إلى غيرهم من أهل الكتاب.
أما الموصول الحرفي فلا يجوز حذفه، إلا "أنْ" فيجوز حذفها2؛ مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} وقد يجب. الحذف بنوعيه تفصيلات موضعها الكلام على "أنْ" الناصبة3.
ب- قد يقترن الخبر الذى مبتدؤه اسم موصول بالفاء وجوبًا أو جوازًا، أو الذى مبتدؤه متصل باسم الموصول بنوع من الاتصال على الوجه الذى يجيء بيانه وتفصيله في مكانه المناسب من باب المبتدأ والخير تحت عنوان: مواضع اقتران الخبر بالفاء ص484 م41 وما بعدها. ومنها نعلم مواضع زيادة "الفاء" في صلة الموصول بنوعيه بسبب إبهامه وعمومه.
__________
1 على لسان المسلمين حين يخاطبون غيرهم من أهل الكتاب.
2 سيجيء له إشارة في الأمر الخامس، ص 408، أما التفصيل ففي الجزء الرابع، باب: إعراب الفعل "النواصب".
3 ج4 م 1148 ص2265.(1/393)
المسألة الثامنة والعشرون: حذف العائد
لا بد لكل موصول من صلة، فإن كان اسميًّا وجب أن تشتمل1 صلته على رابط؛ هو: الضمير، أو ما يقوم مقامه، كما أسلفنا.
وهذا الضمير الرابط قد يكون مرفوعًا؛ مثل "هو" في نحو: خير الأصدقاء مَنْ هو عَوْنٌ في الشدائد ... أو منصوبًا، مثل "ها" في نحو: ما أعجبَ الآثار التي تركها قدماؤنا، أو مجرورًا؛ مثل: "هم" في نحو: أصغيتُ إلى الناصحين الذين أصغيتَ إليهم.
والرابط فى كل هذه الصور -وأشباهها- يجوز ذكره في الصلة كما يجوز حذفه، بعد تحقق شرط عام، هو: وضوح المعنى بدونه، وأمن اللبس "ومن أهمّ مظاهر أمن اللبس ألا يكون الباقي بعد حذفه صالحًا صلة2".
غير أن هناك شروطًا خاصة أخرى تختلف باختلاف نوع الضمير يجب تحققها قبل حذفه، سواء أكان اسم الموصول هو "أيّ" أم غيرها. وفيما يلي التفصيل:
أ- إن كان الضمير الرابط مرفوعًا لم يجز حذفه إلا بشرطين: أن تكون الصلة جملة اسمية، المبتدأ فيها هو الرابط، وأن يكون خبره مفردًا3. كأن يسألك سائل.
__________
1 مما تجدر ملاحظته أن الصلة قد تكون جملة، فتشتمل على الرابط حتما -ويجوز حذفه ... كما سيجيء وقد تكون "ظرفًا، أو جارًا مع مجروره" فيتعلقان بفعل محذوف مع فاعله فتكون الصلة في الحقيقة جملة فعلية كذلك، ولا يصح أن يكون تعلقهما بغير الفعل هنا -كما عرفنا- وقد تكون الصلة صفة صريحة، "وهي. في هذا الباب من قسم الشبيه بالجملة"، ولا بد أن تشتمل على ضمير رابط أيضًا. فالصلة بجميع أنواعها لا بد أن تشتمل على الرابط، بالطريقة السالفة ... وقد يحذف الرابط لداع من الدواعي التي ستجيء.
2 وقد يصح الاستغناء عنه في بعض حالات كما سبق في "ب" من ص380 وكما سيجيء في "أ" من ص 401 والمراد بالاستغناء هنا: أنه غير ملاحظ مطلقًا، لا لفظًا ولا تقديرًا بخلاف العائد المحذوف أو المستتر فإنه ملاحظ.
3 لأن الخبر المفرد لا يصلح أن يكون صلة بعد حذف المبتدأ، وأيضًا لأنه يدل على المحذوف، ويرشد إليه، هذا ويختلف معنى الإفراد باختلاف موضوعات النحو، فيراد به في موضوع الخبر: ما ليس جملة، ولا شبه جملة. وقد اقتصرنا على أهم الشروط لحذف العائد المرفوع. وهناك شروط أخرى لحذفه، منها ألا يكون معطوفًا، مثل: رأيت الذي حامد وهو صديقان. فالمعطوف هنا ليس مبتدأ =(1/394)
كيف نُفَرّقَ بين ماء النهر وماء البحر؟ فتجيب: الأنهار التي عذبةُ الماء، والبحار التى مِلْحيَّة الماء. تريد: الأنهار، التي هي عذبة الماء، والبحار التي هي ملحيةُ الماء. ومثل: أن يسأل: ما أوضحُ فارق بين النجم والكوكب؟ فتقول: النجم الذى مضيءٌ بنفسه، والكوكب الذي مستمِدٌ نورَه من غيره. أي: النجم الذي هو مضيء بنفسه ... والكوكب الذي هو مستمد1 ...
فإذا استوفى الضمير المرفوع الشرطين الخاصّين ومعهما الشرط العام جاز حذفه2، والأحسن عند الحذف أن تكون صلته طويلة "أى: ليست مقصورة
__________
= ولكنه معطوف على المبتدأ، فهو في حكمه. وحذف المعطوف يؤدي إلى بقاء الحرف العاطف بدون المعطوف، وهو ممنوع -إلا في مسائل ممدودة، "سردناها في- ج3 باب: "العطف" وهي غير التي نحن بصددها". كما يؤدي حذف العاطف والمعطوف معًا، إلى إظهار الكلام بصورة الإخبار بالمثنى عن المفرد، وهي صورة معينة في مظهرها، كما يقولون!!.
ومنها: ألا يكون معطوفًا عليه، نحو: تكلم الذي هي وحامد عالمان، كي لا يقع حرف العطف في الصدارة، وفوق ذلك ليس له معطوف عليه ظاهر، ولكيلا. يقع المثنى خبرًا عن مفرد، في الصورة الظاهرية إن حذف حرف العطف مع الضمير للرابط، وهو أمر يستقبحونه من حيث الشكل والمظهر - كما سبق.
ومنها: ألا يكون بعد "لولا" نحو: حضر الذي لولا هو لخرجت، لوجوب حذف الخبر العام بعد "لولا" فأصل الكلام..... لولا هو موجود، فإذا حذف معه المبتدأ كان الحذف كثيرًا مجحفًا، لشموله الجملة كاملة.
ومنها: ألا يكون بعد حرف نفي، نحو، سكت الذي ما هو جاهل.
ومنها: ألا يكون محصورا بإلا أو إنما، نحو: كتب الذي ما في الغرفة إلا هو، أو: كتب الذي إنما في الغرفة هو: فمجموع الشروط سبعة.
1 ومن الأمثلة الواردة قراءة من قرأ قوله تعالى: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَن} أي: الذي هو أحسن وما حكاه سيبويه عن الخليل: "ما أنا بالذي قائل لك وسوءا" أي: بالي هو قائل: وقو الشاعر:
لم أر مثل الفتيان في عقب الأيـ ... ـام ينسون ما عواقبها
أي: ينسون الذي هو عواقبها، على اعتبار "ما" موصولة والعقب: الشدائد المفرد: عقبة.
2 وإذا لا يصح الحذف في الحالات الآتية:
أ- أن تكون الصلة جملة فعلية، أو شبه جملة، مثل: أشرق الذي يملأ نوره الفضاء. ومثل: سقي النهر النبات الذي في الحقول؛ لأن كل منهما صالح لأن يقع بنفسه صلة، مع خلوه مما يدل علي أن هناك مبتدأ محذوفا بخلاف الخير المفرد، فإنه غير صالح أن يكون صلة؛ ولأنه يشعر بحذف المبتدأ، كما سبق.
ب- أن تكون الصلة جملة اسمية لكن الرابط فيها ليس مبتدأ، مثل: يتحرك الكوكب الذي =(1/395)
عليه وعلى خبره المفرد، وإنما يكون لها مُكَملات؛ كالمضاف إليه، أو المفعول، أو الحال، أو النعت، أو غير ذلك ... "، نحو: نزل المطر الذي مصدر مياه الأنهار، ونحو برعتْ مصانعنا التي الرجاء العظيم. أو التي رجاؤنا في الغنى قريبًا ... ونحو: اشتد الإقبال على التعليم الذى كفيل بإنهاض الفرد والأمة ...
ويجوز أن نقول: نزل المطر الذي حياة، وبرعتْ مصانعنا التي الأمل، واشتد الإقبال على التعليم الذي سعادة.
والأساليب العالية لا تَجْنَح كثيرًا إلى حذف العائد المرفوع؛ فإن جنحت إليه اختارت -في الغالب- طويل الصلة1.
ب- إن كان الرابط ضميرًا منصوبًا لم يجز حذفه إلا بثلاثة شروط خاصة -غير الشرط العام- هي: أن يكون ضميرًا متصلاً2، وأن يكون ناصبه فعلاً تامًّا، أو وصفًا تامًّا، وأن يكون هذا الوصف لغير صلة: "أل"3
__________
= إنه القمر؛ لأن الرابط فيها اسم "إن" المنصوب. ومثل: يتحرك الكوكب الذي شكله مستدير؛ لأن الرابط مجرور بالإضافة، فليس مبتدأ....
ج- أن تكون الصلة جملة اسمية، الرابط فيها مبتدأ ضمير، ولكن خبره ليس بمفرد: بأن يكون الخبر جملة فعلية، مثل: دهشت من القرود التي هي "تحاكي الإنسان". أو جملة اسمية، مثل: دهشت من القرود التي هي حركاتها كحركة الإنسان. أو شبه جملة، مثل: دهشت منالتي هي أمامك. فكل ذلك لا يجوز فيه حذف الرابط؛ لأن الخبر يصلح أن يكون صلة بعد حذف المبتدأ الرابط، وليس في الخبر ما يدل على المحذوف. بخلاف المفرد؛ لأنه لا يصلح أن يكون صلة، ولأنه يشعر بحذف المبتدأ، كما عرفنا.
1 إلا الأسلوب الذي يشتمل على: "لا سيما" فيجب فيه حذف صدر الجملة ولو كانت قصيرة، نحو: أنزلوا الناس منازلهم، ولا سيما العالم، إذا كانت "ما" اسم الموصول، و"العالم خبرأ لمبتدأ محذوف تقديره: هو. أي: ولا سي الذي هو العالم. "وسيجيء في ص401 الإيضاح التام في إعراب: "لا سيما", وأسلوبها. أما الإشارة إلى وجوب حذف المبتدأ ولو لم تطل الصلة ففي رقم 3 من هامش ص404.
2 ولو جوازا كبعض الأمثلة التالية. فالمراد ألا يكون واجب الانفصال.
3 منصوب صلة "أل" لا يجوز حذفه إن عاد إليها، لأنه يدل بوجوده على اسميتها الخفية المشروحة في هامش ص 356 ففي حذفه ضياع الدليل. فإن عاد إلى غيرها جاز حذفه، كما سيجيء في رقم "د" من هامش الصفحة الآتية.(1/396)
التى يعود عليها الضمير، مثل: ركبت القطار الذي ركبتَ، أي: ركبته، وقرأت الصحيفة التي قرأتَ1، أي: قرأتها وقول الشاعر يصف مَدينة:
بها ما شئتَ مِنْ دين ودنْيا ... وجيرانٍ تناهوْا فى الكمالِ
أي: ما شئته: وقول الآخر:
ومن ينفق الساعاتِ في جعِ مالهِ ... مخافةَ فقْرٍ فالذي فعلَ الفقرُ
أي: فعَله.. ومثل: اشكر الله على ما هو مُوليك، واحْمَدُه على ما أنت المعْطَى. أي: موليكه "والأصل: موليك إياه"، والمُعْطَاه2.
ومثل: الذى أنا مُعيرُك -كتابٌ. والذي أنت المسلوب- المالُ. أي: الذي أنا مُعيِرُكه كتاب، والذي أنت المسلوبُه- المال3.
__________
1 ومثل قول الشاعر وهذا عند القدماء من أبلغ أبيات الرثاء:
أيتها النفس أجملي جزعًا ... إن الذي تحذرين قد وقعا
أي: تحذرينه.
2 إذا حذف العائد المنصوب "المستوفي للشروط" فلا مانع -عند أمن اللبس- من توكيده نحو: شربت الماء الذي أحضرت نفسه، أي: أحضرته نفسه. أو من العطف عليه، نحو: سافر الذي ودعت وصالحا. أو مجيء الحال منه متأخرة أو متقدمة مثل: هند التي كلمى واقفة، أو: هند التي واقفة كلمت. أي: كلمتها.
3 مما يوضح هذا قولنا: أعارك محمود كتابًا. فالذي هو معيركه. كتاب "وسلب اللص عليا المال، فالذي على مسلوبه: المال. "كتاب: خبر للمبتدأ "الذي" المال: خبر للمبتدأ الذي".
وفيما سبق نعلم أنه لا يصح الحذف في الحالات الآتية:
أ- أنيكون الضمير المنصوب منفصلًا. نحو: أقبل الربيع الذي إياه أحب. بتقديم الضمير؛ لأنه لو تأخر لا تصل بالفعل وجوبًا. فصار: أحبه، "تطبيقًا لقاعدة عدم فصل الضمير الذي يمكن وصلة، وقد سبقت في ص272" ولو حذف وهو متقدم لالتبس بالمحذوف المتأخر، لعدم القرينة الدالة على تقدمه.
ب- أن يكون الضمير منصوبًا بفعل ناقص، مثل: قابلت الذي كان محمود "الهاء خبر مقدم وليست اسم كان؛ لأن اسم كان مرفوع، والهاء لا تكون مرفوعة؛ لأنها ليست من ضمائر الرفع". أو بوصف ناقص، مثل: حضر الذي أنا كائنه، لعدم وجود ما يدل على المحذوف ويعينه.
ج- أن يكون الضمير منصوبًا بحرف، مثل: اشتد الحر الذي كأنه اللهب؛ لأن الضمير اسم الحرف: كأن.
د- أن يكون اسم الموصول الذي يعود عليه الرابط هو "أل" نحو: المكرمها عليّ فاطمة. فإن عاد على =(1/397)
فإن فُقد شرط لم يصح الحذف1.
ج- وإن كان الرابط ضميرًا مجرورًا -والشرط العام متحقق- فإما أن يكون مجرورًا بالإضافة، أو بحرف جر؛ فالمجرور بالإضافة يجوز حذفه إن كان
__________
= غيرها جاز حذفه، نحو: جاءت التي أنا المكرم، أي: المكرمها: كما سبق في رقم 3 من هامش ص 396.
هـ- أن يكون حذفه سببًا في اللبس وغموض المعنى، نحو: رأيت من عرفته في القطار، فلو قلنا: رأيت من عرفت في القطار لم يتبين المحذوف أهو: ضمير للغائب المذكر أم المؤنث؟ أهو للمثنى أم الجمع....؟ فقد يكون أصل المحذوف واحدًا مما يأتي. عرفته، عرفتها عرفتهما. عرفتهم.
عرفتهن. ومثله: رأيت من كلمته في داره، فلو حذف الضمير المنصوب لخفي مدلوله، ولكان في الكلام ضمير آخر يتم به الربط، ولكن يقع بسببه اللبس والغموض، فلا. ندرى أهناك حذف أم لا.
وحذف العائد المنصوب بالفعل أكثر في الأساليب الأدبية المأثورة من المنصوب بالوصف.
3 وقد أشار ابن مالك إلى حذف العائد المرفوع والمنصوب إشارات موجزة بعد كلامه على "أي" الموصولة، وأنها مثل "ما" الموصولة، وأنها تعرب إلا أن أضيفت، وحذف صدر صلتها الضمير فتبني ثم قال: إن من العرب من يعربها في كل الحالات، وإن باقي الموصولات يقتفي "أبا" في الحذف. أي: يتبعها ويكون مثلها في حذف صدر صلتها الضمير، وإن هذا الحذف كثير إن استطالت الصلة، ونزر "أي: قليل عنده" إن لم تستطل. كل ذلك بشرط ألا يصلح الباقي لأن يكون صلة. يقول:
أي "كما" وأعربت ما لم تضف ... وصدر وصلها ضمير انحذف
وبعضهم أعرب مطلقا وفي ... ذا الحذف أيا غير أي يقتفي
"يريد: غير أن يقتفي أيضًا، ويتبعها في حذف صلتها " ...
إن يستطل وصل، وإن لم يستطل ... فالحذف نزر وأبوا أن يختزل
الوصل هنا: هو الصلة، يختزل: يختصر بسبب الحذف.
إن صلح الباقي لوصل مكمل ... . . . . . . . . . . .
ثم انتقل في الشطر الثاني من البيت السابق إلى الكلام على حذف العائد المنصوب قائلًا:
. . . . . . . . . . ... والحذف عندهم كثير منجلي
في عائد متصل، إن انتصب ... بفعل، أو وصف، كمن نرجو يهب
أي: من نرجوه يهب.(1/398)
المضاف اسم الفاعل، أو اسم مفعول1. وكلاهما للحال أو الاستقبال2؛ مثل: يفرح الذى أنا مُكرِمٌ الآن أو غدًا، "أي: مكرمه". ويرضينى ما أنا معطًى الآن أو غدًا "أي: مُعطاه3" ومثلهما: جادت مصنوعاتنا، فالبس منها منا أنت لابس غدًا4، واطلب منها ما أنت طالب بعد حين، "أي: لابسه ... وطالبه"، إن يسلبني اللص بعض المال أتألم لما أنا مسلوب "أي: مسلوبه".
والمجرور بالحرف يجوز حذفه بشرط أن يكون اسم الموصول مجرورًا بحرف يشبه ذلك الحرف5 في لفظه، ومعناه، ومتعلَّقه6. وإذا حذف الرابط حذف معه الحرف الذى يجره؛ مثل: سلّمتُ على الذي سلّمتَ، "أي: سلّمتَ عليه وانتهيتُ إلى ما انتهيتَ. "أي: إلى ما انتهيت إليه".
وقد يكون حرف الجر غير داخل على اسم الموصول وإنما على موصوف باسم الموصول. نحو: مشيتُ على البساط الذي مشيتَ؛ أي: عليه، وسرتُ في الحديقة التي سرتَ؛ أي: فيها7.
__________
1 مما ينصب قوله فعله مفعولين في الأصل. ليكون أحدهما نائب فاعل لاسم المفعول، والثاني هو المضاف إليه لفظًا.
2 مع استيفائه بقية الشروط اللازمة لإعماله، وهي مدونة في باب - ج3.
3 فلا يجوز الحذف فيما يأتي.
1- المضاف غير الوصف "المشتق" نحو: تألم الذي غاب أهله.
ب- المضاف الذي هو اسم فاعل، أو اسم مفعول، وكلاهما للماضي، فلا يعمل، نحو أكتب بالأمس ما كنت بانيه: ومثل فرح السائل بما كان معطاه.
4 الدليل على أن اسم الفاعل للمستقبل هنا وجود فعل الأمر قبله: وهو للمستقبل. وأيضًا وجود كلمة: "غدا" بعده، كما أن أداة الشرط دليل على الاستقبال في المثال الذي بعده، إذ أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن الفعل بعدها مستقبلا حتمًا ولو كان الفعل الواقع بعدها ماضيا "كما في ص59 ما لم يمنع من لك مانع مما تقدم عند الكلام على زمن الفعل المضارع -ص 57.
5 لأن اسم الموصول هو نفس ضميره في المعنى، فإذا حذف الضمير ومعه حرف الجر كان في الكلام ما يدل عليهما.
6 وهو العامل فيهما، بحيث يكون المتعلق في كل منهما مشابهًا الآخر، إما في لفظه ومعناه معًا كالأمثلة المذكورة، وإما في معناه فقط، مثل: فرحت بالذي سررت. أي: به ويجوز أن يكون أحد المتعلقين فعلًا ماضيا والآخر مضارعًا من ماديته أو أمرًا كذلك ... ويجوز أن يكون أحدهما فعلًا، والآخر وصفًا "مشتقًّا" من المادة نفسها بمعناه....
7 وقد يكون داخلًا على مضاف إلى اسم الموصول نحو سلمت على صديق الذي سلمت أي: الذي سلمت عليه. أو داخلًا على مضاف الموصوف باسم الموصول، نحو: سلمت على صديق الرجل الذي سلمت، أي: عليه.... =(1/399)
تلك حالة حذف العائد المجرور، وهي كثيرة في الأساليب العالية1.
__________
= وقد اكتفينا بذكر أشهر الشروط، وبقي منها ألا يكون الضمير عمدة "لأن العمدة لا يمكن الاستغناء عنه" فلا حذف في مررت بالذي ممر به" لأن الجار والمجرور نائب فاعل، ونائب الفاعل عمدة لا تستغني عنه الجملة" وألا يكون الضمير محصورًا، فلا يحذف في: مررت بالذي ما مررت إلا به. وألا يكون حذفه موقعًا في "لبس، وهذا شرط عام في جميع ما يحذف كما سبق"، فلا حذف في مثل: رغبت في الذي رغبت فيه؛ لأن الكلام مع الحذف يصير، رغبت في الذي رغبت فلا ندري المقصود بعد الحذف، أهو، رغبت فيه أم عنه. والمعنيان مختلفان. فمجموع شروط حذف العائد المجرور بالحرف خمسة، هي:
أ- أن يكون الموصول مجرورًا بحرف جر.
ب- وأن يكون هذا الحرف الجار كالحرف الذي يجر الرابط لفظًا، ومعنى، ومتعلقًا، "والمتعلق هو: العامل، ويكفي فيه هنا التشابه" فلا يجوز حذف الرابط عند اختلاف حرفي الجر في شيء من هذا، كاختلاف لفظهما ومعناهما معًا، نحو: رغبت عن الذي أنت راغب فيه، أو: في لفظهما دون معناهما، نحو: جلست بالحجرة التي أنت جالس فيها "لأن معنى: الباء، و: في، هو: الظرفية" أو في معناهما، نحو: مررت بالذي مررت به على محمود والمراد: مررت بالذي مررت معه على محمود، فالباء الأولى بمعنى: الإلصاق والثانية بمعنى المصاحبة "مع"، أو اختلاف متعلقهما، نحو رغبت في الذي أنت زاهد فيه.
ج- ألا يكون الرابط عمدة.
د- ألا يكون الرابط محصورًا.
هـ- ألا يكون حذفه موقعا في لبس.
ويجيز بعض النحاة حذف الرابط المجرور إذا تعين المحذوف ولم يوقع في لبس، تطبيقًا للقاعدة العامة التي تنص على أن ما لا ضرر في حذفه لا خير في ذكره. ويكتفون من الشروط بهذا، ويذكرون من أمثلته قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَه} ، أي: به وقول الشاعر:
ومن حسد يجوز على قوي ... وأي الدهر ذو لم يحسدوني
أي لم يحسدوني فيه ... وهذا رأي حسن، والأخذ به في جميع الشئون اللغوية مقصد بلاغي قويم.
و وفي حذف العائد المجرور يقول ابن مالك:
كذاك حذف ما بوصف خفضا ... كأنت قاض بعد أمر من: قضي
كذا الي جر بما الموصول جر ... كمر بالذي مررت، فهو بر
أي: كذلك يجوز حذف الرابط المجرور إذا كان عامله وصفًا "بالتفصيل الذي سبق" ومن أمثلته، كلمة: "قاضٍ" الواقعة بعد فعل أمر، ماضيه "قضي" يشير إلى قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاض} أي: ما أنت قاضيه وهذا هوا لنوع الأول من العائد المجرور الذي يكون عامله وصفًا مضافًا. أما النوع الثاني فهو العائد المجرور بما جر الموصول، أي: بحرف جر كالذي جر للموصول لفظًا، ومعنى، وتعلقًا ... إلخ نحو: مر بالذي مررت: أي به....(1/400)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- قد يستغني الموصول عن العائد كما فى بعض الصور التى سلفت1.
ب- الكلام في: "ولا سيما2، وأخواتها" معناها، وإعرابها في جملتها. يتضح معنى "ولا سيما" من الأمثلة التالية:
المعادن أساس الصناعة؛ كولا سيما الحديد. تجود الزروع بمصر، ولا سيما القطن، نحتقر الأشرار، ولا سيما الكذَّاب ...
فالمثال الأول يتضمن: أن الصناعة تقوم على أساس؛ هو: المعادن؛ كالنحاس، والرصاص، والفضة ... وكالحديد أيضًا. فالحديد يشاركها في وصفها بأنها: "أساس". ولكنه يختلف عنها فى أن نصيبه من هذا الوصف أكثر وأوفر من نصيب كل معدن آخر.
وفي المثال الثاني حُكمٌ بالجودة على ما ينبت في مصر، من قمح، وذرة وقصب، و ... قطن أيضًا؛ فهو يشاركها في الاتصاف بالجودة؛ ولكنه يخالفها في أن تصيبه من هذه الجودة أوْفى وأكبر من نصيب كل واحد من تلك الزروع.
وفي المثال الثالث نحكم بالاحتقار على الأشرار؛ ومنهم اللص، والقاتل، والمنافق ... ومنه الكذاب أيضاً فهو شريكهم في ذلك الحكم، وينطبق عليه الوصف مثلهم. ولكن نصيبه منه أكبر وأكثر من نصيب كل فرد منهم.
مما سبق نعرف أن الغرض من الإتيان بلفظ: "ولا سيما" هو: إفادة أن ما بعدها وما قبلها مشتركان في أمر واحد، ولكن نصيب ما بعدها أكثر وأوفر من نصيب ما قبلها. ولذا يقول النحاة: إن "لاسيَّ"، معناها: لا مثل3 ... يريدون: أن ما بعدها ليس مماثلًا لما قبلها في المقدار الذى يخصه من الأمر المشترك
__________
1 في "ب" من ص 380، وفيها إشارة لهذا حكم. وقد سبق معنى الاستغناء في رقم 2 من هامش ص 394.
2 مركبة من كلمتين هما: "متى" بمعنى مثل- كما سيجيء، و "ما" وتتصل في الكتابة بكلمة "سي" كما يرى علماء الرسم "الإملاء".
3 وهذه يعدها النحاة من أخوات: "لا سيما" التي سيجيء الكلام عليها في ص 406.(1/401)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بينهما؛ وأن ما بعدها يزيد عليه في ذلك المقدار؛ سواء أكان الأمر محمودًا، أم مذمومًا1.
أما إعرابها في جملتها وإعراب الاسم الذي بعدها فقد يكفي جمهرة المتعلمين علمها أن: "ولا سيَّمَا" لا تتغير حركة حروفها مهما اختلفت الأساليب، وأن الاسم الذي بعدها يجوز فيه الأوجه الثلاثة: "الرفع، والنصب، والجر" سواء أكان نكرة أم معرفة2. وأن فيها عدة لغات صحيحة3 لا يمنع من استعمال إحداها مانع. ولكن أكثرها في الاستعمال الأدبي هو: "ولا سيَّمَا"؛ فيحسن الاقتصار عليه؛ لما في ذلك من المسايرة للأساليب الأدبية العالية التي تكسب اللفظ قوة في غالب الأحيان، وفي هذا القدر كفاية لمن يبتغي الوصول إلى معرفة الطريقة القويمة في استعمالها، من غير أن يتحمل العناء في تفهم الإعرابات المختلفة. أمام من يرغب في هذا فإليه البيان:
الاسم الواقع بعد: "ولا سيما" ما أن يكون نكرة، وإما أن يكون معرفة؛ فإن كان نكرة جاز في الأوجه الثلاثة كما سبق، تقول:
1- اقتنيت طرائف كثيرة، ولا سيَّما: أقلامٌ، أو أقلامًا، أو أقلامٍ.
2- اشتريت طيورًا كثيرة، ولا سيما؛ عصفورٌ، أو: عصفورًا، أو: عصفورٍ.
3- قصرت ودي على المخلصين؛ ولا سيَّما واحدٌ، أو واحدًا، أو واحدٍ.
__________
1 وبسبب هذه المخالفة في المقدار يذكر بعض النحاة لفظ "ولا سيما" في باب: "المستثنى"، لما في الاستثناء من مخالفة ما بعد الأداة لما قبلها في إثبات الحكم، أو نفيه. فبين المخالفتين نوع تشابه من بعض الوجوه دون بعض، إذ المخالفة بعد "ولا سيما" تكون في المقدار وحده. مع الاشتراك في الأمر نفسه، أما في الاستثناء فالمخالفة تقع في الحكم كله، نفيًا أو إيجابًا. ولا مشاركة فيه بين ما وقع بعدق الأداة وما وقع قبلها. وبعض آخر يذكرها "أي: ولا سيما" في باب: "الموصول" لاشتمالها على "ما" التي يصح أن تكون اسم موصول.
2 يعارض كثير من النحاة في نصب المعرفة، ومن التيسير الأخذ بالرأي الآخر الذي يبيح نصبها، ليكون الحكم عامًّا، يشمل النكرة والمعرفة.
"راجع المطولات التي تعرضت للرأيين، ومنها: شرح الكافية ج1 ص349 وحاشية الصبان، ج2 في آخر باب الاستثناء عند الكلام على: "لا سيما" وكذا المغني، "ج1 عند الكلام على موضوع: "سي".
3 منها الاستغناء عن الواو فقط، أو الاستغناء عنها وعن: "لا" معا. ومنها تخفيف الياء في كل لغاتها.(1/402)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإن كان الاسم الواقع بعدها معرفة فالأنسب1 جواز الأوجه الثلاثة أيضًا، كما في الأمثلة التالية:
1- أتمتع برؤية الأزهار، ولا سيما: الوردُ، أو: الوردَ، أو: الوردِ.
2- شاهدت أثارًا رائعة، ولا سيما: الهرمُ، أو: الهرمَ، أو: الهرمِ.
3- ما أجمل الكواكب في ليل الصيف: ولا سيما القمرُ، أو: القمرَ أو القمرِ.
وفيما يلي الإعراب تفصيلاً:
__________
1 بيان السبب في رقم 2 من هامش الصفحة السابقة.(1/403)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يوجد جدول يسحب إسكانر
__________
1 وهذا أيسر الآراء وأوضحها. ويصح أن تكون للحال والجملة بعدها "من لا واسمها وخبرها" في محل نصب حال. كما يصح أن تكون عاطفة، والجملة بعدها معطوفة على الجملة قبلها. لكن لا داعي للإعرابات المختلفة، ففي الأول والكفاية والسهولة.
2 وكما يصح هنا أن تكون "ما اسم" موصول، يصح أن تكون نكرة موصوفة بمعنى: "شيء" والجملة بعدها صفة لها في محل جر. والخبر محذوف.
3 سبق "في رقم 1 من هامش ص 396" عند الكلام على حذف العائد أنه واجب الحذف في "لا سيما" ولو لم تظلم الصلة.
4 مبني في هذه الصورة وليس معربا، لأنه غير مضاف ولا شبيه بالمضاف. واسم "لا" يكون معربا في هاتين الحالتين فقط.
5 لكلمة: "سي" أو لكلمة: "ما" على أنها نكرة تامة، وليست زائدة، وهو الأحسن. =(1/404)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا سيما كلمة: عصفور وكلمة: واحد، كالذي سبق في نظائرها تمامًا، يجري عليهما الإعراب السابق في كلمة: "أقلام رفعًا، نصبًا، وجرًّا.
وإعراب المعرفة في حالتي الرفع والجر كإعراب النكرة فيهما. أما في حالة النصب فتعرب النكرة تمييزًا كما أوضحنا، وتعرب المعرفة مفعولًا به1. ففي مثل: أتمتع برؤية الأزهار ولا سيما الوردَ، يصح أن يكون الإعراب كما يلي:
الواو للاستئناف. "لا" نافية للجنس. "سيّ" اسمها منصوب ومضاف. "ما" نكرة تامة بمعنى: شيء، وهي مضاف إليه. مبنية على السكون فى محل جر. وخبر لا محذوف تقديره: موجود مثلا -و"الورد" مفعول به لفعل محذوف تقديره: أخص: أو: أعني ... والفاعل مستتر وجوبًا تقديره: أنا. ومثل هذا يقال في كلمة: الهرم، والقمر، في الأمثلة التي سلفت2 ونظائرها، وقد تقع الحال المفردة أو الجلمة بعد: "ولا سيما" نحو: أخاف الأسد، ولا سيما غاضبًا، أو: وهو غاضب ... وقد تقع الجملة الشرطية بعدها، وغير الشرطية، أيضًا؛ نحو: النمر غادر، ولا سيما إن أبصر عدوه2.
__________
= والنكرة التامة لا تحتاج إلى صفة بعدها. لكونها بمعنى "شيء" أي شيء، وهذا يجعلها صالحة لأن يراد منها: رجل - عصفور - طائر- أسد ... وغير ذلك مما يناسب جملتها. على الوجه السابق في ص 3353.
1 وقيل -كما في المغني- منصوب على الاستثناء، لأن "لا سيما" بمعنى: "إلا" التي للاستثناء.
2 في ص405.
3 وقد يقع بعدها الظرف والجملة الفعلية مطلقًا، الشرطية، وغير الشرطية أيضًا- كما جاء صريحًا في "الصبان، والهمع" وجاء من غير تقييد في حاشية الجزء الأول من الأمير على المغني، عند الكلام على: "أي" الشرطية، والذي يعنينا من الأمثلة وأشباهها هو النص على جواز وقوع الحال المفردة والحال الجملة بعدها، وكذلك وقوع الجمل ومنها: جملة الشرط، أما الإعراب فأمر ثانوي عرضت له المطولات، وملخص ما قالوا في الحال، إن كلمة "سي" اسم: "لا" مبنية على الفتح في محل نصب، ولا تحتاج إلى خبر، "كشأنها في مثل: ألا ماء، أي: أتمنى ماء" و"ما" كافة "غاضبًا" حال من مفعول الفعل المقدر هنا، وهو: أخصه "لأن معنى "سيما" هنا: خصوصا" أي: أخصه بزيادة الغضب في هذه الحالة. ومثل هذا يقال في الحال الجملة. أما في الجملة الشرطية فجواب الشرط مدلول عليه بالفعل المقدر، أي: إن غضب أخصه بزيادة خوفي. "راجع الصبان ج2 في آخر باب المستثنى -كما قدمنا- ففيه التفصيل". وبقية المراجع التي أشرنا إليها في رقم2 من هامش ص402.(1/405)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما أخوات: "ولا سيما"1 فقد نقل الرواة منها: "لا مِثْلَ مَا" و"لا سِوَى ما ... "، فهذان يشاركان: "لا سيما" في معناها، وفي أحكامها الإعرابية التي فصّلناها فيما سبق.
ومنها: "لا تَرَمَا ... " و"لو تَرَمَا ... " وهما بمعناها، ولكنهما يخالفانها في الإعراب، وفي ضبط الاسم بعدهما، فهذان فعلان لا بد من رفع الاسم الذى يليها. ولا يمكن اعتبار "ما" زائدة وجر الاسم بعدها بالإضافة؛ لأن الأفعال لا تضاف. والأحسن أن تكون: "ما" موصولة وهي مفعول للفعل: "تر" وفاعله ضمير مستتر، تقديره: أنت. والاسم بعدها مرفوع -وهذا هو الوارد سماعًا- على اعتباره خبر مبتدأ محذوف، والجلمة صلة.
وإنما كان الفعل مجزومًا بعد: "لا"؛ لأنها للنهي. والتقدير في مثل: "قام القوم لا تر ما عليّ" ... ، هو: لا تبصر" أيها المخاطب الشخص الذي هو عليّ فإنه في القيام أولى منهم.
أو تكون: "لا" للنفي، وحذفت الياء من آخر الفعل سماعًا وشذوذًا، وكذلك بعد "لو" سماعًا. والتقدير: لو تبصر الذي هو عليّ لرأيته أولى بالقيام. والجدير بنا أن نقتصر في استعمالنا على"ولا سيما" لشيوعها قديمًا وحديثًا.
__________
1 ما يأتي مذكر بمناسبة أخبري في الجزء الثاني "هـ" من ص 336 م 83.(1/406)
المسألة التاسعة والعشرون: الموصولات الحرفية
عرفنا أن الموصولات قسمان؛ اسمية وقد سبق الكلام عليها1، وحرفية وهي خمسة2: "أنْ"، "مفتوحة الهمزة، ساكنة النون أصالة3". و"أَنّ" الناسخة "المشددة النون؛ أو الساكنة للنون للتخفيف" و"ما"، و"كي"، و"لو". وكلا القسمين لا بد له من صلة متأخرة عنه، لا يصح أن تتقدم عليه هي أو شيء منها، كما أوضحنا4. أما الفصل بين الموصول الحرفي، أو الاسميّ، وصلته، وكذا الفصل بين أجزاء الصلة فقد سبق الكلام4 عليه "وهو بحث هام".
ولكن بين الموصول الاسمي والحرفي فروق، أهما ستة:
الأول: أن الموصولات الاسمية -غير أي- لا بد أن تكون مبنية5 في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الجلمة؛ وذلك شأن كل الأسماء المبنية. بخلاف الموصولات الحرفية، فإنها مبنية أيضًا؛ ولكن لا محل لها من الإعراب -شأن كل الحروف- فلا تكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، مهما اختلفت الأساليب.
الثاني: أن صلة الموصول الاسمي لا بد أن تشتمل على العائد؛ أما صلة الحرفي فلا تشتمل عليه مطلقًا.
الثالث: أنّ الموصول الحرفيّ لا بد أن يسبك مع صلته سبكًا ينشأ عنه مصدر يقال له: "المصدر المسبوك" أو"المصدر المؤول"، يعرب على حسب حاجة الجملة -كما سنبينه6 بعد. ولهذا تسمى الموصولات الحرفية: "حروف السبك7" وتنفرد به دون الموصولات الاسمية.
__________
"1 و 1" في ص340.
2 غير "همزة التسوية" التي يجيء بيانها في ص414.
3 أي: أنها ليست مخففة من "أن" المشددة الناسخة.
"4 و4" في ص373 والبيان في ص 378 وهامشها.
5 أما: "أي" فتعرب في بعض أحوالها -كما سبق في ص 363 والموصول المثنى يعرب في الصحيح.
6 في "ب" من ص 414.
7 قد يتم السبك بغير حرف سابك طبقا لما سيجيء في: "أ" ص 414.(1/407)
الرابع: أن بعض الموصولات الحرفية لا يوصل بفعل جامد1 -كما سيجيء- مثل: "لو"، وكذلك: "ما" المصدرية، إلاّ مع أفعال الاستثناء الجامدة الثلاثة؛ وهى: "خلا - عدا - وكذا: حاشا، في رأي" فهذه الثلاثة مستثناة من الحكم السالف، أو لأنها متصرفة بحسب أصلها فجمودها عارض طارئ لا أصيل. والمصدر المؤول معها مؤول بالمشتق، ... أي: مجاوزين2.
الخامس: أن الموصول الاسمي -غير "أل" يجوز حذفه على الوجه الذى قدّمناه3، أما الحرفيّ فلا يحذف منه إلا: "أنْ" الناصبة للمضارع، فتحذف جوازًا أو وجوبًا، طبقًا لما هو مبين عند الكلام عليها في النواصب4 -وهي في حالتي حذفها تسبك مع صلتها كما تسبك في حالة وجودها5....
السادس: أن الموصول الحرفي "أنْ" يصح -في الرأي المشهور- وقوع صلته جملة طلبية6، دون سائر الموصولات الاسمية والحرفية. فإن صلتها لا بد أن تكون خبرية ...
وفيما يلي شيء من التفصيل الخاص بالموصولات الحرفية الخمسة: مع ملاحظة ما يجب لكل منها من صلة، وما يجب أن يتحقق في كل صلة من شروط مفصلة سبقت7 وفي مقدمة الشروط ألا يتقدم شيء من الصلة وتوابعها على الموصول الحرفي، وغير الحرفي8.
أ- أنْ "ساكنة النون أصالة" ولا تكون صلتها إلا جملة فعلية،
__________
1كما سيجيء في رقم 4 من هامش ص 412 وفي هـ من ص 413.
2 راجع الصبان عند الكلام عليها في باب الاستثناء. وسيجيء هنا في ج2 باب الاستثناء- م 83 وباب الحال م 84.
3 في رقم 3 من ص 392.
4 في باب: "إعراب الفعل من الجزء الرابع.
5 وقد يتعين تقديرها في بعض الأساليب السماعية، حيث لا مفر من التقدير، مثل: يعجبني يحضر الأخ. وهو تركيب له بعض نظائر نادرة مسموعة، لا يقاس عليها، لندرتها. فلو لم تقدر "أن" لوقعت جملة: "يحضر الأخر" فاعلا للفعل "يعجب" أو لكان الفاعل مقدرا بقول، أو غيره، وكلا الأمرين لا يرضاه جمهور النحاة.
6 كما سبق في ص 375. ويجيء في "أ" التالية ورقم 1 من الهامش الآتي.
7 في ص 373 و 378.
8 كما نص الصبان وغيره هناك....(1/408)
فعلها كامل التصرف؛ سواء أكان ماضيًا؛ نحو: عجبت من أنْ تأخرَ القادم. أم مضارعًا؛ نحو: من الشجاعة أن يقول المرء الحقَّ في وجه الأقوياء، وقول الشاعر:
إنّ من أقبح المعايِب عارًا ... أن يَمُنَّ الفتى بما يُسْدِيه
أم أمرًا1، نحو: أنْصَحُ لك أن بادرْ إلى ما يرفع شأنك، وهي في كل الحالات تؤول مع صلتها بمصدر يُسْتغنَى به عنهما2، ويعرب على حسب حاجة الجملة، فيكون مبتدأ، أو فاعلا أو مفعولا به، أو غير ذلك، طبقًا لتلك الحاجة وقد يسد مسَد المفعولين أيضًا. ولكنها لا تنصب إلا المضارع3،
__________
1 وفي هذه الحالة تكون جمملة الصلة قد وقعت طلبية. وهو جائز في: "أن" وحدها من الموصولات الحرفية. أما الموصولات الاسمية فيشترط في صلتها أن تكون خبرية. "كما سبق هنا وفي ص375" وعلى هذا ليس في الموصولات بنوعيها ما يجوز أن تكون صلته طلبية إلا: "أن" مفتوحة الهمزة ساكنة النون أصالة، كما تبين في الفرق السادس.
2 تجيء طريقة سبك المصدر المؤول، وفائدته، وكل ما يتصل به..... في "ب" و"ج" من صفحتي 414 و 417.
3 أما الماضي والأمر فلا تنصبهما لفظًا ولا محلًّا. بخلاف "إن" الشرطية: فإنها لما قلبت الماضي إلى الاستقبال ناسبها أن تعمل في محله. فكلمة: "أن" المتصلة بالماضي أو الأمر هي الناصبة للمضارع وإن كانت بقية النواصب لا تدخل إلا على المضارع.
ووصل "أن" بالماضي، وعدم تغييرها زمنه أمر متفق عليه، أما وصلها بالأمر ففيه خلاف، فسيبويه يجوزه، بدليل دخول الجار عليها في نحو: كتبت إليه بأن رقم، أو: كتبت إليه بألا تقم "أصلها": "أن لا" ثم أدغمت "النون" في "لا" الناهية" وحرف الجر لا يدخل إلا على الاسم، فتؤول "أن" مع صلتها بمصدر طلبي، أي: بمصدر يفيد الأمر أو النهي ... فيكون التقدير: كتبت إليه بالأمر بالقيام، أو بالنهي عن القيام.....
وغير سيبويه يقول إن كل موضع وقع فيه الطلب "سواء أكان أمرا أم غيره"، هو صالح لأن تكون "أن" فيه تفسيرية، بمعنى: أي" المفسرة. وذلك إذا لم يوجد حرف جر ظاهر قبل "أن"، كقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِه ِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} وقوله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} ، وقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} فهي في كل هذه الأمثلة تفسيرية إن لم يقدر قبلها الجار، لانطباق وصف التفسيريقة عليها "ذلك الوصف الذي يتلخص في أمور ثلاثة مجتمعة، هي: وقوعها مسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه، وخلوها من حرف جر، ووقوع جملة بعدها" ولا حاجة إلى تقدير حرف الجر عند عدم وجوده ظاهرها في الكلام: إذ ما الداعي لتقديره، واعتبارها مصدرية لا مفسرة؟ أما إن وجد قبلها حرف جر ظاهر فهي زائدة عند أصحاب الرأي السالف، ففي مثل: كتبت إليه بأن قم أو بألا تقم ... "أصلها: أن لا تقم.... " يكون أصل الكلام كتبت إليه "بقم" أو بلا "تقم"، زيدت "أن" منعًا لصورة ظاهرية شكلية مكروهة وهي: دخول حرف الجر ظاهرًا على الفعل. وإن كان في الواقع اسمًا بسبب قصد لفظه.... اهـ. "نقلًا عن الخضري ج1 أول باب الموصول، بتصرف يسير".
والخلاف بين الرأيين شكلي لا أثر له في تكوين المفرد، أو الجملة، أو ضبط حروفهما، فكلا الرأيين يبيح هذا الاستعمال، ويرضي عن الأسلوب، ويعده فصيحًا، وهذا هو الأهم. فلا مانع يمنع بعد ذلك من الأخذ بأحد الرأيين عند الإعراب، إذ لا ترجيح بينهما.(1/409)
وتخلص زمنه للاستقبال المحض ولا تنفصل منه بفاصل1 ... ولا تغير زمن الماضي ولا تكون للحال فدلالتها الزمنية إما للماضي وإما للمستقبل الخالص2 ...
وليس من هذا النوع ما يقع بعده جملة اسمية3 مسبوقة بما يدل على يقين، نحو: علمت "أنْ"؛ محمدٌ لقائم، أو جملة فعلية فعلها جامد: نحو: أعتقد أنْ ليس الظالم بمستريح النفس، فإنَّ هذين النوع الثاني "الذي تكون فيه "أن" مخففة من "أنّ" المشددة النون"4 ...
ب- "أنّ" المشددة النون. وتتكون صلتها من اسمها وخبرها؛ نحو: سَرَّني أنّ الجو معتدل، ويُستغنَى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المنسبك بطريقته الصحيحة. ومثلها: "أنْ" المخففة النون الناسخة؛ حيث تتكون صلتها من اسمها وخبرها. ولكن اسمها لا يكون -في الأفصح- إلا ضميرًا محذوفًا، وخبرها جملة؛ نحو: أيقنت أنْ عليٌّ لمسافر5؛ "ومنه المثالان السالفان في الكلام على "أنْ"". ويستغنى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المؤول بطريقته الصحيحة، ويعرب المصدر في النوعين على حسب الجملة؛ فيكون فاعلًا، أو مبتدأ، أو مفعولاً به، أو غير ذلك4 ... وقد سدّ مسَد المفعولين إنْ وجد في الجملة ما يحتاج لهما.
ج- "كَيْ"6. وصلتها لا تكون إلا جملة مضارعية "وتنصب المضارع
__________
1 انظر رقم 1 من هامش ص 572.
2 كما سيجيء البيان في جـ 3 باب "إعمال المصدر" ص 206 م 99.
3 تكون هي الصلة وتسبك معه بمصدر.
"4و 4" ملاحظة يقول النحاة: لم يرد في الكلام الفصيح وقوع "أن" المصدرية بنوعيها "المخففة والناصبة للمضارعب" مع صلتها مبتدأ يستغنى عن الخبر بحال سدت مسده. ولا بعد "كان" و "إن" الناسختين بغير فاصل من خبرهما. ولا بعد "لا" النافية للجنس غير المكررة. وهذا الحكم ينطبق على "ما" المصدريسة وصلتها أيضا. وسيجيء البيان في جـ 3 باب إعمال المصدر م 99 ص 207.
5 الأصل أيقنت أنه على المسافر. وهذا الضمير "الشأن" أو ضمير "القصة" الذي سبق الكلام عليه تفصيلا في الضمائر، ص 3350.
و"أن" المخففة لها مواضع وأحكام مكان الكلام عليها في هذا الجزء باب: "إن وأخواتها" ومن أشهر مواضعها أن تقع بعد ما يدل على اليقين.... أو يقع بعدها فعل جامد ... أو فعل للدعاء ... أو.... "انظر ص 676".
6 وهي مثل: "أن" المصدرية عملا ومعنى، ولكن لا بد أن يسبقها لام الجر لفظا وتقديرا "إذ لا يجوز حذف حرف لام الجر قبلها، فتكون مقدرة" لكي تعتبرها في الحالتين مصدرية خالصة. وسيجيء تفصيل الكلام على "كي" وأنواعها وأحكامها في جـ 4 ص 227 م 148.(1/410)
نحو: أحسنت العمل لكي أفوز بخير النتائج. ومنها ومن صلتها معها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما، ويعرب على حسب حاجة الجملة، وحاجتها لا تكون هنا إلا لمجرور باللام دائمًا ...
د- "ما"، وتكون مصدرية1 ظرفية؛ نحو: سأصاحبك ما دمت مخلصًا، أي: مدة دوامك مخلصًا، وسألازمك ما أنصفت، أي: مدة إنصافك. وقول الشاعر:
المرء ما عاش ممدود له أملٌ ... لا تنتهى العين حتى ينتهى الأثر2
أي: مدة عيشه3....
ومصدرية غير ظرفية4، مثل::فزعت مما أهمل الرجل؛ أى: من أهمال الرجل ... ودهشت مما ترك
__________
1 وهي المصدرية الزمانية، لأن الزمان يقدر قبلها، فيذكر قبلها كلمة: "زمان" أو مدة ... أو وقت ... أو نحو ذلك من كل ما يفيد معنى الزمن. ويرى فريق من النحاة أن الأفضل تسميتها بالمصدرية الزمانية، بدلا من تسميتها المشهورة "المصدرية الظرفية". وحجته: أن التسمية الأولى وحدها هي التي تشمل نحو قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيه} إذ التقدير: ي كل وقت أضاءته لهم ... فالزمان المقدر "مضاف" إليه مجرور، والمجرور بالإضافة لا يسمى ظرفا. ومن المضاف إليه - لهم.... فالزمان المقدر "مضاف" إليه مجرور، والمجرور بالإضافة لا يسمى ظرفا. ومن المضاف إليه - وهو المصدر المؤول اكتسب المضاف، "وهو كلمة: "كل" الظرفية الزمانية. وكلمة: "كل" منصوبة بجوابها: "مشوا" وسيجيء في باب "كان" ص 563 إيضاح أكمل، يتناول "ما" المصدرية الظرفية، بمناسبة الكلام هناك على: "ما دام".
2 أي: لا تنتهى العين من التطلع إلى الأشياء التي تدعو للأمل إلا بانتهاء كل أثر للإنسان، وهذا يكون بانتهاء أجعله.
3 ومثل هذا ما قيل في الرثاء:
أبكي لفقدك ما ناحت مطوقة ... وما سما فمنن يوما على ساق
4 علامتها أن يصلح في مكانها "أن" المصدرية. لكنها لا تنصب المضارع كما تنصبه "أن" و"أن" المصدرية الداخلة على الماضي لا تغير زمنه، بل تتركه على حاله، وتخلص زمن المضارع المستقبل. ولا تدل على الحال مطلقا. بخلاف "ما" المصدرية بنوعيها فتصلح للأزمنة الثلاثة على حسب المعنى والقرينة، ولكن الأكثر أن تكون للحال....
"راجع" ص 410 والملاحظة التي في رقم 4 من هامشها، والبيان الذي في رقم 5 من هامش ص 419".
وقد يختلط الأمر -على غير الفطن- بين "ما" التي هي اسم موصول والتي هي حرف موصول، مع أن المعنى يختلف باختلاف نوعهما، ففي مثل: أعجبني ما صنعت! وسرني ما لبست: يجوز أن تكون "ما" اسم موصول فيهما، والعائد محذوف تقديره: ما صنعته، وما لبسته، كما يجوز أن تكون "ما" حرف موصول، ولا شيء محذوف، والتقدير، أعجبني صنعك، وسرني لبسك، وهذا صحيح في المثالين السابقين وأشباههما، عند فقد القرينة التي تعين فإن وجدت قرينة توجه إلى أحدهما دون الآخر وجب الأخذ بتوجيهها، كأن يكون المصنوع والملبوس أمرا معينًا معروفًا، والحديث متجه إلى ذاته ومادته، فتكون "ما" اسم موصول. أما إن كان المراد التحدث عن المعنى المجرد، أي: الحدث، وهو الصنع نفسه، أو اللبس، فإن "ما" حرف موصول.
وهناك حالة يتعين فيها أن تكون "ما" حرف موصول، هي: أن يكون الفعل بعدها لازمًا، أو يكون متعديًا قد استوفى مفعوله، مثل: "وضاقت عليهم الأرض بما رحبت" و"يسر المرء ما ذهب الليالي....." لأن الفعل بعدها لازم، فلو كانت اسم موصول لم نجد عائدًا، ولا يصح تقدير ضمير ومثله، أعجبني ما قمت، للسبب السابق أيضًا. ومثل سرني ما قرأت الصحف- وما كتبت الرسل، فالفعل فيهما متعد قد استوفي مفعولة، ولا يصح فيه تقدير ضمير مفعول آخر. "وسيجيء في باب: "كان" ص 563، كلام عن "ما" المصدرية الظرفية بمناسبة البحث في: ما دام كما أشرنا في رقم1 من هامش الصفحة السابقة".(1/411)
العمل"، أي: من تركه العمل. وقول العرب: "أنْجَزَ حُرٌّ ما وَعَدَ، وقول شاعرهم:
وإني إذا ما زرتها قلت: "يا اسلمي" ... وهل كان قولي: "يا اسلمي" ما يضيرها؟
وكلاهما تكون صلته فعلية ما ضوية؛ كالأمثلة السابقة، أو مضارعية؛ نحو: لا أجلس في الحديقة ما لم تجلس فيها، أي: مدة عدم جلوسك فيها. وإني أبتهج بما تكرم الإخوان، أي: بإكرامك الإخوان ومثل قول الشاعر:
والمرء ما لم تُفِدْ نفعًا إقامتهُ ... غَيْمٌ حمَى الشمس؛ لم يمدروولم يَسرِ
أو جملة اسمية؛ نحو: أزورك ما الوقت مناسب، ويرضينى ما العمل نافع؛ أي: أزورك مدة مناسبة الوقت، ويرضيني نفع العمل. ولكن الأكثر في المصدرية الظرفية أن توصل بالجملة الماضوية، أو بالمضارعية المنفية بلم؛ كالأمثلة السابقة. ويقلّ وصلها بالمضارعية التي ليست منفية بلمْ؛ مثل: لا أصيح ما تنام، أي: لا أصيح مدة نومك.
__________
1 أي: وعده. وهذا مثل قديم يقال بهذه الصيغة الخبرية لمدح من وعد فأنجز. كما يقال لمن وعد لم ينجز، بقصد تحريضه وحثه على الإنجاز.
2 أي: ما يضرها. وتقدير المصدر المؤول في البيات: "ضميرها -وما" الأولى زائدة.
3 إذا وقعت صلة: "ما" المصدرية الظرفية جملة ماضوية فعلها: "دام" الناسخ وجب أن تكون هي وصلتها معمولة لفعل مضارع قبلها -كما سيجيء البيان عند الكلام عليها في ص 565.
4 بشرط أن يكون لفعل الماضي والمضارع متصرفين ولو تصرفًا ناقصًا، كما في الفعل: "دام" عند من يقول بأن له مضارعًا ومصدرًا ناسخين مثله، وهو قول مرجوح يحسن إهماله، لضعفه كما سيجيء عند الكلام على شروط عمله في موضعه الأصيل، وهو باب "كان" وإذا ارتضينا الرأي القائل بعدم تصرفه مطلقًا وجب عده من الأفعال القليلة الجامدة التي تلزم المضي وتدخل عليها "ما المصدرية غير الظرفية" و"ما المصدرية الظرفية" فإنهما قد يوصلان بالفعل الجامد ومنه: "خلا، عدا، ومثلهما: "حاشا" في رأي. والثلاثة من أفعال الاستثناء -كما سبق في ص408"، أما وصلهما بالأمر فممتنع.
5 بشرط ألا تكون مبدوءة بحرف مصدري آخر لأن الحرف المصدري لا يدخل على نظيره لغير توكيد لفظي -كما سيجيء في رقم4 من هامش الصفحة التالية، وفي رقم5 من هامش ص643، أما مثل: لا أخون الأمانة ما أنا في السماء نجمًا، فإن المصدر المؤول من أن ومعموليها في محل رفع فاعل لفعل محذوف، تقديره، ثبت. أي: ما ثبت وجود نجم في السماء، والفعل والفعل صلة: "ما". والتقدير: مدة ثبوت نجم في السماء. وقد يجوز -في رأي- أن يكون "أن" وصلتها في محل مصدر مؤول مبتدأ، خبره محذوف، تقديره، ثابت. والمبتدأ والخبر صلة ما.(1/412)
ومن الحرف المصدري "ما" وصلته ينشأ المصدر المؤول الذي يُستغنَى به عنهما.
ويصح الفصل -مع قلته- بين "ما" المصدرية بنوعيها، وما دخلت عليه1 دون غيرها من الموصولات الحرفية.
"مع ملاحظة أنها كغيرها من سائر الموصولات الحرفية وغير الحرفية لا يجوز تقديم صلتها ولا شيء من الصلة عليها2.
هـ- "لو"3، وتوصل بالجملة الماضوية، نحوودِدْتُ لورأيتك معي في النزهة. وبالمضارعية: نحو: أوَد لو أشاركُك في عمل نافع، ولا توصل بجلمة فعلية أمرية. ولا بد أن يكون الفعل الماضي أو المضارع تام التصرف. ومنها ومن صلتها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما.
__________
1 وفي الفصل بالمفعول به خلاف، تقدم في رقم2 من هامش ص379.
2 طبقا لما تقدم في ص373 والبيان الذي في ص378.
3 الأكثر في "لو" المصدرية أن تقع بعد "ود" و"يود" وما بمعناهما، كأحب، ورغب واختار، ولا تحتاج لجواب، وتخلص زمن المضارع بعدها للمستقبل المحض ولكنها لا تنصبه -كما سيجيء في ص419 وفي بابها الخاص بالجزء الرابع.
4 وقد توصل بالجملة الاسمية، نحو قوله تعالى: {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ} ولكن وصلها بالجملة الاسمية -على جوازه- قليل بالنسبة لوصلها بالماضي والمضارع المنصرفين.....
وقد توالي في الآية السابقة، وأشباهها حرفان مصدريان وهما لا يتواليان إلا لتوكيد لفظي، "كما سبق في رقم5 من الهامش السالف" وهو غير متحقق هنا، ولذا يعرب المصدر المؤول من "أن ومعمولها" فاعلا لفعل محذوف تقديره: "ثبت" مثلا، كما يعرب المصدر المؤول من: "لو" والفعل: "ثبت" وفاعله، مفعولا للفعل: "يود" قبله. ويجوزغير هذا مما مجال الكلام عليه باب: "لو" ج4.(1/413)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- من حروف السَّبك -عند فريق كبير من النحاة- "همزة التسوية" وهي التي تقع بعد كلام مشتمل على لفظة: "سواء"، ويلي الهمزة جملتان، ثانيهما مصدرة بكلمة: "أم" الخاصة بتلك الهمزة. ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} ، فالهمزة مسبوكة مع الجملة التي بعدها مباشرة بمصدر مؤول يعرب هنا فاعلًا، والتقدير: إن الذين كفروا سَوَاءٌ -بمعنى: متساو، إنذارُك وعدمه عليهم؛ فهم يعربون كلمة: "سواء" خبر: "إن" "والمصدر المؤول" فاعل لكلمة: سواء، التي هي بمعنى اسم الفاعل: "متساوٍ"1. وقيل إن الجملة تسبك هنا بمصدر من غير سابك؛ كما سبكوه في المثل العربي: "تسمعُ بالمعيدي خير من أن تراه"؛ برفع المضارع "تسمع" في أحدى الروايات؛ فقالوا في سبكه: سماعك بالمعيدى ... من غير تقدير "أنْ" قبل السبك، وكما يقدرون في كل ظرف زمان أضيف إلى جملة بعده، كالذي في قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} ، فقد قالوا: التقدير: "ويوم تسيير الجبال"، من غير وجود حرفَ سابك2 ...
ومما يشبه هذا في تأويل المصدر بغير حرف سابك، نوع من "الاستثناء المفرغ" كثير الورود في أفصح الأساليب، نحو: ناشدتك الله إلا نصرت المظلوم3....
ب- كيف يضاف المصدر المنسبك من حرف مصدري مع صلته؟
للوصول إلى المصدر المؤول نتبع الخطوات الأربع التالية إن كان الحرف المصدري هو: "أنْ"، أو: "أنّ"، كما في الأمثلة المعروضة، أما إن كان غيرهما فيجري عليه ما جرى على هذين تمامًا، وفيما يلي البيان:
__________
1 في الآية إعرابات أخرى وتفصيلات عرضنا لها في باب العطف- ج3 ص 569 م 118 - الكلام على "أم" العاطفة.
2 راجع الصبان ج2 أول باب: "الاستثناء" وسيجيء البيان في ج3 باب العطف عند الكلام على: "أم" ص568 م118 - ولها إشارة في ج3 - ص28م، 93، 83م، 94.
3 والتأويل: ناشدتك الله إلا نصرك المظلوم، ولهذا النوع من "الاستثناء المفرغ" ومن تأويل المصدر معه بغير سابك، بيان تام جلي، موضعه "باب: الاستثناء" - ج2 م81 ص3302 من الطبعة الثالثة.(1/414)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جدول يسحب اسكانر
وعند السبك لا ندخل تغييرًا فى الباقى من الجملة إلا على اسم "إنّ" أوفاعل الفعل بالطريقة التى أوضحناها. أما ما عداهما مما لم يحذف فيبقى على حالته الأولى.(1/415)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومثل هذا يتبغ حين يكون الحرف المصدري هو: "أنْ" المخففة من الثقيلة أو: "لو"، أو: "كي"، أو "ما".
وقد يقتضي الأمر في بعض الأمثلة عملًا زائدًا على ما سبق؛ ففي مثل: سرني أن تَسْبقَ ... تنتهي الجملة بعد إجراء الخطوات الأربع السابقة إلى: سرني "سبقُ أَنت" فيقع فاعل الفعل المضارع "مضافًا إليه" بعد استخراج المصدر الصريح -كما قدمنا- ولما كان هذا الفاعل "الذي صار مضافًا إليه" ضميرًا مرفوعًا دائمًا، ولا يمكن أن يكون مجرورًا، وجب أن نضع بدله ضميرًا بمعناه؛ يصلح أن يكون مجرورًا، هو: كاف المخاطب، فنقول، سرني سبقُك ... وهكذا ... يجري التغيير والتبديل على كل ضمير آخر لا يصلح للجرّ كالذي في قول الشاعر:
ومن نَكَدِ الدنيا على الحُرِّ أن يَرَى ... عَدوًّا له ما من صداقته بُدُّ
حيث يكون المصدر المؤول المضاف: "رؤية هو"، ثم يقع التبديل المشار فيصير: رؤيته ...
مسألة أخرى؛ قلنا1 في تحقيق الخطوة الأولى: إننا نأتي بمصدر صريح لخبر الناسخ "أنَّ" أو بمصدر الفعل الذي دخلت عليه "أنْ" ... فإن كان خبر الحرف المصدري: "أنْ" اسمًا جامدًا؛ نحو: عرفت أنك أسد، أو ظرفًا، أو جارًا مع مجروره؛ نحو: عرفت أنك فوق الطيارة، أو عرفت أنك في البيت، فإننا نأتي في الجامد بلفظ مصدر عام هو: "الكَوْن"، مثبتًا، أو: قبله كلمة: "عدَم" التي تفيد النفي، إن كان الكلام منفيًّا، ويحل لفظ "الكون" محل المصدر الصريح المطلوب ويقوم مقامه، ويتم باقي الخطوات؛ فنقول: عرفت كونك أسدًام. ونأتي بالاستقرار أو الوجود في الظرف والجار مع المجرور؛ أي: عرفت استقرارك فوق الطيارة، أو في الدار.
ويصح في الجامد شيء آخر هو: أن نزيد على آخره ياء مشددة مع التاء فتكون هذه الزيادة مفيدة للمصدرية، وتجعله بمنزلة المصدر الصريح، فنقول؛ عرفت أسَدِيَّتَكَ، كما نقول: فروسِيَّتَك ووطنِيَّتَك، وهو ما يسمى المصدر الصناعى2 ... ".
__________
1 في ص415.
2 المصدر الصناعي بحث مستقل في الجزء الثالث -ص 182 م 98.(1/416)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإن كان الفعل الذي في الجملة جامدًا ليس له مصدر صريح: مثل "عسى" في قولنا: "شاع أنْ يتحقق الأمل، وأن عسى الكرب أنْ يزول" ففي هذه الحالة يؤخذ المصدر الصريح من معنى الفعل الجامد: "عسى" "ومعناها الرجاء" أو مما بعده ويضاف إلى ما يناسبه؛ فنقول: شاع تحققُ الأمل، ورجاء زوال الكرب.
وإذا كان الفعل بنوعيه الجامد وغير الجامد، للنفي مثل قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} أتينا بما يفيد النفي؛ ككلمة: "عَدَم" فنقول: وعدم كون شيء للإنسان إلا سعيه.
وهكذا نحتال للوصول إلى المصدر الصريح مُثبتًا أو منفيًّا، على حسب ما يقتضيه الكلام: بحيث لا يفسد المعنى، ولا يختل ولا يتغير ما كان عليه قبل السَّبك من نفي أو إثبات.
ج- لما نلجأ في الاستعمال إلى الحرف المصدري وصلته، ثم نؤولهما بمصدر، ولا نلجأ ابتداء إلى المصدر الصريح؟ لم نقول، مثلا: يحسن أن تأكل، ولا نقول: يحسن أكلك؟
إن الداعي للعدول عن المصدر الصريح إلى المؤول أمور هامة تتعلق بالمعنى أو بالضوابط النحوية. فمن الأولى:
1- الدلالة على زمان الفعل؛ سواء أكان ماضيًا نحو: الشائع أن حضرتَ، أم مستقبلا؛ نحو: الشائع أن تحضر. فلوقلنا -أول الأمر- الشائع حضورك، لم ندر زمن الحضور؛ أمضَى، أم لم يَمْضِ؟ لأن المصدر الصريح لا يدل بنفسه على زمن1.
2- الدلالة على أن الحكم مقصور على المعنى المجرد للفعل؛ من غير نظر لوصف يلابسه، أو لشيء آخر يتصل به؛ نحو: أعجبني أن أكلتَ، أي مجرد أكلك لذاته؛ لا لاعتبار أمر خارج عنه؛ ككثرته، أو قلته، أو: بطئه، أو سرعته، أو حسن طريقته، أو قبحها ... ولو قلنا: أعجبني أكلك ... لكان محتملًا لبعض تلك الأشياء والحالات.
3- الدلالة على أن حصول الفعل جائز لا واجب، نحو: ظهر أن يسافر
__________
1 كما سيجيء في "د" ص 419.(1/417)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إبراهيم. فالسفر هنا جائز. ولو قلنا: ظهر سفر إبراهيم لساغ أن يسبق إلى بعض الأذهان أن هذا الأمر واجب.
4- الحرف على إظهار الفعل مبنيًّا للمجهول؛ تحقيقًا للغرض من حذف فاعله. وذلك عند إرادة التعجب من الثلاثي المبني للمجهول؛ ففي مثل: عُرِفَ الحق، يقال: ما أحسن ما عُرِف الحق. وكذلك في حالات أخرى من التعجب يجيء بيانها فى بابه1، ج3.
ومن الثانية الفروق الآتية بين المصدر المؤول والمصدر الصريح:
1- أنه لا يصح وقوع المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مفعولاً مطلقًا مؤكدًا للفعل؛ فلا يقال: فرحت أن أفرح. في حين يصح أن يؤكَّد الفعل بالمصدر الصريح؛ مثل: فرحت فرحًا.
2- لا يصح أن يوصف المصدر المؤول؛ فلا يقال: يعجبني أن تمشيَ الهادئ، تريد: يعجبني مشيك الهادئ. مع أن الصريح يوصف.
3- قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد الاسم والخبر في مثل: عسى أن يقوم الرجل؛ على اعتبار "عسى" ناقصة2، والمصدر المؤول من "أنْ" والمضارع وفاعله يسد مسد اسمها وخبرها معًا. وليس كذلك الصريح.
4- قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد المفعولين فيما يحتاج إلى مفعولين؛ مثل: "حَسِبَ" في قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ} وليس كذلك الصريح. ومثلَ هذا يقال في: "أنَّ" و"أنْ" الناسختين -أرى: المشدّدة والمخففة- مثل قول الشاعر:
فإنك كالليل الذى هو مُدْرِكي ... وإنْ خِلتُ أن الْمُنْتَأى3 عند واسع
5- يصح أن يقع المصدر المؤول خبرًا عن الجثة من غير تأويل في نحو: عليّ إما أن يقول الحق وإما أن يسكت؛ لاشتماله على الفعل والفاعل والنسبة بينهما بخلاف المصدر الصريح.
__________
1 في الجزء الثالث.
2 في رأي فريق كبير من النحاة، دون فريق - كما سيجيء في رقم 2 من هامش ص 621- ورأيه أنسب.
3 المنتأى: النأي والبعد، أو مكانهما. والبيت من قصيدة للنابغة الذبياني يمدح بها النعمان ويعتذر له عن وشاية وصلته، ويصفه هنا بأنه واسع السلطان والنفوذ، لا يستطيع أحد أن يخرج من دائرة نفوذه، أو يفر من سطوته، كالليل لا يفر منه أحد.(1/418)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6- هناك مواقع إعرابية يصلح لها المصدر الصريح دون المؤول، وهي المدونة في رقم4 من هامش ص 410 بعنوان: "ملاحظة".
د- من المعلوم1 أن المصدر الصريح "مثل، أكْل، شُرْب، قيام، قعود" لا يدل على زمن مطلقًا، وكذلك المصدر المؤول الذى يكون نتيجة سبك الحرف المصدري وصلته؛ فإنه -وقد صار مصدرًا- لا يدل بنفسه على زمن مطلقًا. ولكن تبقى الدلالة على الزمن ملحوظة، ومستفادة من العبارة الأصلية التي سبك منها؛ فكأنه يحمل في طيه الزمن الذي كان في تلك العبارة قبل السبك. أما هو فلا يدل بذاته المجردة على زمن. وبالرغم من هذا لا يمكن معه إغفال الزمن السابق على السبك، وخاصة بعد أن عرفنا أن ذلك الزمن قد يكون سببًا من أسباب اختيار المصدر المؤول دون الصريح؛ ففي نحو: شاع أنْ نهض العرب في كل مكان، نقول: "شاع نهوض العرب في كل مكان"، فيكون زمن النهوض ماضيًا على حسب الزمن الذي في الأصل قبل التأويل، لا على حسب المصدر المؤول ذاته؛ فإنه مجرد من الزمن. أما في مثل: "الشائع أن ينهض العرب في كل مكان" فيكون المصدر المؤول هو: "الشائع نهوض العرب"، أيضًا فيكون زمن النهوض هنا مستقبلًا؛ مراعاة للزمن الذي في العبارة الأولى. لهذا كان المصدر المؤول من "أنْ" وصلتها ملاحظًا فيه الزمن الماضى أو المستقبل على حسب نوع الفعل الذي دخل في السبك؛ أماضٍ هو فيلاحظ المضي بعد التأويل؟ أم مضارع فيلاحظ الزمن بعد التأويل مستقبلًا؟ ولا يكون للحال؛ لأن المضارع المنصوب "بأن" يتخلص للاستقبال، ولا يكون للحال2. ومثلها: "لو" المصدرية فإنها بمعناها تخلص زمنه للاستقبال وإن كانت لا تنصبه -كما تقدم عند الكلام عليها3- وكذا: "ما" المصدرية فإنها لا تنصبه، وإذا دخلت على جملة مضارعية كان المصدر المنسبك منها ومن صلتها للحال، غالباً، وقد تكون لغيره5.
__________
1 كما سبق في رقم1 ص417.
2 وقد سبق أن النواصب والجوازم والسين وسوف.... تخلص المضارع للاستقبال "راجع ص 59، 60 وما بعدهما".
3 في رقم3 من هامش ص413.
4 في ص58 وفي رقم4 من هامش ص411.
5 جاء في شرح المفصل ج8 ص144 ما يقطع بأن زمن المصدر المنسبك من "أن" وصلتها =(1/419)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما "كي" فالمصدر المنسبك منها ومن صلتها مستقبل الزمن، وذلك على أساس أنها لا تدخل إلا على المضارع فتنصبه، وتخلصه للزمن المستقبل فقط، وذلك شأن النواصب كلها، فيلاحظ الاستقبال في المصدر المؤول منها ومن صلتها.
وأمام "أنّ" "المشددة النون" فالمصدر المنسبك منها من صلتها يكون على حسب دلالة الصلة؛ فقد يكون مستقبلا إذا كان خبرها دالا على ذلك؛ كالمضارع الخاص بالاستقبال لوجود قرينة، في مثل؛ أعرف أن محمدًا يسافر غدًا؛ وهي كلمة؛ "غد" وقد يكون دالا على الحال لوجود قرينة؛ في مثل: أعرف أن عالما يقرأ الآن؛ وهي كلمة: "الآن" وقد يكون دالا على الماضى نحو شاع أن العدو انهزم. وقد يكون خاليًا من الدلالة الزمنية في مثل: المحمود أن الجو معتدل والمعروف أن الصدق فضيلة.
__________
= الجملة الفعلية يكون إما ماضيًا، وإما مستقبلًا على حسب نوع الذي في صلتها. أما زمن المصدر المنسبك من "ما" وصلتها فمعناه الحال. فهل يكون للحال دائمًا ولو كان الفعل ماضيًا؟ الأمر غامض. والرأي أنه للحال ما لم تقم قرينة على غيره، فيراعي ما تدل عليه القرينة وهذا يوافق ما جاء في الجزء الثاني من حاشية الصبان والخضري، أول باب: إعمال المصدر" ففي الخضري ما نصه:
"مقتضى كلام الشارح أن "ما" لا تقدر معغ الماضي ولا المستقبل، وليس كذلك. بل هي صالحة للأزمنة الثلاثة، إلا أن يقال إنما خصوها. بذكر الحال، لتعذره مع "أن" ولأن دلالة: "أن" مع الماضي على المضي ومع المضارع على المستقبل أشد من دلالة: "ما" عليهما".
وفي حاشية الصبان ما لا يخرج في مضمونه عما سبق.(1/420)
المسألة الثلاثون: المعرف بأل 1
1- زارني صديق - زارني صديق؛ فأكرمت الصديق.
2- اشتريت كتابًا - اشتريت كتابًا؛ فقرأت الكتاب.
3- تنزهت في زورق - تنزهت في زورق؛ فتهادى الزوْرق بي.
كلمة: "صديق" في المثال الأول مبهمة: لأنها لا تدل على صديق مُعَين2 معهود؛ فقد يكون محمدًا، أو: عليًّا، أو: محمودًا، أو: غيرهم من الأشخاص الكثيرة التى يصدق على كل واحد مهم أنه: "صديق"، فهي نكرة. لكن حين أدخلنا عليها "ألْ" دلت على أن صديقًا معينًا -هوالذى سبق ذكره- قد زارني دون غيره من باقي الأصدقاء.
ومثلها كلمة: "كتاب" في المثال الثاني، فإنها مبهمة لا تدل على كتاب مُعَيَّن؛ بل تنطبق على عشرات ومئات الكتب؛ فهي نكرة؛ والنكرة لا تدل على معين -كما عرفنا- لكن حين أدَخلنا عليها: "أل" وقلنا: "الكتاب" صارت تدل على أن كتابًا معينًا -هوالذي سبق ذكره- قد اشتريته.
ومثل هذا يقال في كلمة "زوْرق"؛ فإنها نكرة لا تدل على زوْرق معروف. وحين أدخلنا عليها "أل" صارت تدل على واحد معين تنزهت فيه.
فكل كلمة من الكلمات الثلاث وأشباهها كانت في أول أمرها نكرة، ثم صارت بعد ذلك معرفة؛ بسبب دخول: "أل" عليها. لهذا قال النحاة: إن "أل" التي من الطراز السابق أداة من أدوات
__________
1 إذا كانت "أل" مستقلة بنفسها كما في هذا العنوان الذي لم تتصل فيه باسم بعدها - كانت همزتها همزة قطع، يجب إظهارها نطقا وكتابة، لأن كلمة "أل" في هذه الحالة تكون علما على هذا اللفظ المعين. وهمزة العلم قطع - في الرأي الأنسب - ولو كان العلم منقولا من لفظ آخر، بشرط أن تصبر جزءا ملازما له مثل: الرجل مسافر، علم على إنسان- كما نصوا على هذا في باب النداء، "وكما سبق في باب العلم - رقم 1 من هامش ص 304، والبيان في رقم ص 306".
2 في ص 206.(1/421)
التعريف؛ إذا دخلت على النكرة التي تقبل التعريف1جعلتها معرفة؛ كالأمثلة السابقة ونظائرها.
وليس مما يناسبنا اليوم أن نذكر آراء القدماء في كلمة "أل" التي هي حرف للتعريف؛ أهي كلها التي تُعَرّف، أم اللام وحدها، أم الهمزة وحدها ... ؟ فإن هذا الترديد لا طائل وراءه بعد أن اشتهر الرأي القائل بأنهاما معًا2. ولكن الذى يناسبنا ترديده هو ما يقولونه من أن كلمة "أل" عندة أقسام3 منها:
__________
1 هناك نكرات لا تتعرف -في الأغلب، بل تبقى على تنكيرها، ومنها: كلمة: "غير"، و"مثل" وأشباهها، مما يسمى: "نكرات متوغلة في الإبهام" "انظر رقم5 من هامش الجدول الذي في ص85". ويجيء الكلام عليها مفصلًا في باب: "الإضافة"، أول الجزء الثالث.
2 دفعنا إلى هذه الإشارة الموجزة والاكتفاء بها، ما نجده في بعض المراجع المطولة، ومنها المراجع اللغوية التي لا غنى لجمهرة المثقفين عنها، أنها تقول: "اللام بدلًا من: "أل" فلا يدري غير الخبير ما تريده من "اللام" فالقاموس مثلًا يقول في مادة. "الجرول" ما نصه: "والجرول كجعفر، الأرض ذات الحجارة، و ... و.... و ... وبلا "لام" لقب الحطيئة العبسي".
فأي لام يقصد؟ أهي الأولى أم الأخيرة؟ إنه يقصد الأولى التي للتعريف والتي قبلها همزة الوصل، ولا يدرك هذا إلا اللغوي.... ومن أراد معرفة تلك الآراء مفصلة فليرجع إلى مظانها، في مثل: "حاشية الصبان، والتصريح" وغيرهما، وهي آراء جدوي وراءها اليوم، كما قلنا.
وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
"أل" حرف تعريف، أو: "اللام فقط ... فنمط عرفت، قل فيه: النمط
يريد: أن "أل" للتعريف إذا كانت مركبة من الهمزة واللام معًا، أو: أن التعريف يكون باللام وحدها، والهمزة للوصل. فإذا أردت تعريف كلمة: "نمط" التي هي نكرة فقل فيها: النمط، بإدخال أل عليها، والنمط: بساط كالنوع الذي يسميه العامة: "الكليم" وكذلك الجماعة من الناس تتشابه في الأمر..، أما كلمة "فقط" فقد قال الخضري، في هذا الموضع ما نصه: "الفاء: زائدة لتزيين اللفظ، و "قط" بمعنى حسب. وهي حال من اللام في بيت ابن مالك أي: حال كونها حسبك:أي: كافيتك عن طلب غيرها وقيل "الفاء" في جواب شرط مقدر، و"قط" خبر لمحذوف فالتقدير: إن عرفت هذا فقط أي: فهي حسبك، أو اسم فعل بمعنى: "انته" أي: إذا عرفت لك فهي حسبك، أو: فانته على طلب غيرها" اهـ.
فهي مبنية على السكون في محل نصب، حال، أو: في محل رفع، خبر، أو: لا محل لها لأنها اسم فعل والفاء في كل الحالات زائدة.
وجاء في ص21 من حاشية الألوسي على القطر، ما نصه: "فقط، أي: "فحسب" ولم تسمع منهم إلا مقرونة بالفاء، وهي زائدة، وكذا، فحسب ... وفي المطول: أن "قط" من أسماء الأفعال بمعنى: انته. وكثيرًا ما تصدر بالفاء تزيينًا للفظ، وكأن جزاء شرط محذوف. وفي كتاب: المسائل" لابن السيد: وإنما صلحت الفاء في هذه لأن معنى: أخذت درهمًا فقط، أخذت درهمًا فاكتفيت به ا. هـ. ومنه يعلم أنها عاطفة، ومن المطول أنها فاء فصيحة، ولكل وجهة" اهـ.
أما: "حسب" فتفصيل الكلام عليها في الجزء الثالث، باب الإضافة ص 147 م 95 حيث البيان الكامل لأحكامها.
3 إذا ذكرت "أل" في الكلام مطلقة "أي: لم يذكر معها ما يدل على نوعها" كان المراد منها: أل المعرفة" لأنها المقصودة عند الإطلاق. أما إذا أريد غيرها فلا بد من التقييد، وترك الإطلاق، فيقال: "أل" الموصولة" مثلًا -وقد سبق الكلام عليها في ص356 وعلى إعرابها في رقم2 من هامش ص357 أو: الزائدة....(1/422)
الموصولة وهي اسم -في الرأي الأرجح- وقد سبق الكلام عليها في الموصولات1. منها المعَرّفة، ومنها الزائدة2. وفيما يلي بيان هذين القسمين.
أ- "ألْ" المُعَرّفة؛ "أي: التي تفيد التعريف".
وهي نوعان؛ نوع يسمى: "أل" العهدية "أي: التي للعهد" ونوع يسمى: "أل" الجنسية، وكلاهما حرف3.
فأما"العهدية"4 فهي التي تدخل على النكرة فتفيدها درجة من التعريف تجعل مدلولها فردًا معينًا بعد أن كان مبهمًا شائعًا. وسبب هذا التعريف والتعيين يرجع لواحد مما يأتي:
1- أن النكرة تذكر في الكلام مرتين بلفظ واحد5، تكون في الأول مجردة من "أل" العهدية، وفي الثانية مقرونة "بأل" العهدية التي تربط بين النكرتين، وتحدد المراد من الثانية: بأن تحصره في فرد واحد هو الذي تدل عليه النكرة الأولى6.
__________
1 في ص 356.
2 ستجيء في ص429.
3 ويجب إدغامه في التاء إذا وقعت بعده، طبقًا للبيان الذي سبق في رقم3 من هامش ص387.
4 من هذا النوع "أل" الداخلة على "أفعل التفضيل" فإنها لا تكون إلا للعهد- كما سيجيء البيان في بابه، ج3 مم 112 ص 398 عند الكلام على القسم الذي به "أل". وكما سبقت الإشارة في رقم22 من ص356.
5 قد يكون اللفظ السابق مذكورًا صراحة كالأمثلة المعروضة، وقد يكون كناية، نحو قوله تعالى في سورة مريم: "وليس الذكر كالأنثى". فالذكر تقدم قبل ذلك مكنيًّا عنه بقول مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} ، أي: منقطعًا لخدمة بيت المقدس، على حسب ما كان شائعًا في زمنها. وهذا النذر خاص بالذكور عندهم إذ ذاك.
6 فإن النكرة الثانية بمنزلة الضمير، والأولى مرجع الضمير، و"أل" هي الرابطة بينهما الدالة على اتصال الثانية بالأولى اتصالًا معنويًّا. ويدل على أن الثانية بمنزلة الضمير والأولى بمنزلة مرجعه أنك في مثل: نزل مطر فأنعش المطر زروعنا- قد تستغني عن: أل" وعن كلمة: "مطر" الثانية، اكتفاء بالضمير المستتر في الفعل، الذي قد يغني عنهما، حيث تقول: نزل مطر فأنعش زروعنا. لهذا يقال النحاة: إن فائدة: "أل العهدية" التنبيه على أن مدلول ما دخلت هو مدلول النكرة السابقة، المماثلة لها في لفظها، الخالية من "أل" فلو قلنا: نزل مطر فأنعش مطر زروعنا، بتنكير كلمة، "مطر" في الحالتين لوقع في الوهم أن المراد من كلمة: "مطر" الثانية، مطر آخر غير الأول، مع أن المراد منهما واحد. ولذلك لا ينعت الاسم المعرف بأل العهدية؛ لأنه يشبه الضمير، وواقع مع "أل" موقعه كما سبق. وما قيل في كلمتي "مطر" يقال في كلمتي: "سيارة" وكلمتي، "رسول" ونظائرها....- راجع شرح التوضيح في هذا الموضع.
ولما كانت الثانية بمنزلة الضمير، والأولى بمنزلة مرجعه ساغ اعتبار الثانية معرفة، مع أن الأولى نكرة: كالشأن في مثل: جاء ضيف فأكرمه الوالد. فكلمة: "ضيف" نكرة، لا تدل على واحد معين، أما الضمير: "الهاء" فمعرفة تدل على معين، مرجعه النكرة، برغم أن معنى الضمير هو معنى مرجعه تمامًا، ولم يمنع لك أن يكون الضمير معرفة، ومرجعه نكرة، وذلك أن الضمير قد أوصلنا إلى شيء واحد مع أن هذا الشيء الواحد ينطبق على أفراد كثيرة، ومثل هذا يقال فيما دخلت عليه "أل" العهدية التي نحن بصددها، فإن الاسم الأول نكرة، فهي لا تدل على معين، أما الاسم الثاني الذي دخلت عليه فمعرفة؛ لأن معناها مراد به الاسم الأول، ومحصور فيه، برغم أنه نكرة تدل على أفراد متعددة. ويتصل بهذا ما يجيء في رقم3 من هامش ص433.(1/423)
كالأمثلة التي تقدمت1، ونحو: نزل مطر؛ فأنعش المطر زروعنا. أقبلت سيارة، فركبت السيارة. وقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} . فكل كلمة من الثلاث: "مطر -سيارة- رسول" وأشباهها قد ذكرت مرتين؛ أولاهما بغير "أل" فبقيت على تنكيرها، وثانيتهما مقرونة بأل العهدية التى وظيفتها الربط بين النكرتين ربطًا معنويًّا يجعل معنى الثانية فردًا محدودًا محصورًا فيما دخلت عليه وحده، والذى معناه ومدلوله هو النكرة السابقة ذاتها. وهذا التحديد والحصر هو الذي جعل الثانية معرفة؛ لأنها صارت معهودة عهدًا ذِكْريًّا، أي: معلومة المراد والدلالة، بسبب ذكر لفظها في الكلام السابق ذكرًا أدى إلى تعيين الغرض وتحديده بعد ذلك، وأن المراد في الثانية فردٌ معين2؛ هو السابق، وهذا هو ما يسمى: "بالعهد الذِّكْري".
2- وقد يكون السبب في تعريف النكرة المقترنة بأل العهدية هو أن "أل" تحدد المراد من تلك النكرة، وتحصره في فرد معين تحديدًا أساسه علم سابق في زمن انتهى قبل الكلام، ومعرفة قديمة في عهد مضى قبل النطق، وليس أساسه ألفاظًا مذكورة في الكلام الحالي. وذلك العلم السابق ترمز إليه "أل" العهدية وتدل عليه، وكأنها عنوانه. مثال ذلك؛ أن يسأل طالب زميله: ما أخبار الكلية؟ هل كتبت المحاضرة؟ أذاهب إلى البيت؟ فلا شك أنه يسأل عن كلية معهودة لهما من قبل، وعن محاضرة وبيت معهودين لهما كذلك. ولا شيء من ألفاظ السؤال الحالية تشير إلى المراد إلا: "أل"؛ فإنها هي التي توجه الذهن إلى المطلوب. وهذا هو ما يسمى: "العهد الذهني" أو: "العهد العِلمي".
3- وقد يكون السبب في تعريف تلك النكرة حصول مدلولها وتحققه في وقت الكلام، بأن يتبدئ الكلام خلال وقوع المدلول وفى أثنائه؛ كأن تقول: "اليوم
__________
1 في صدر الباب ص421.
2 لهذا إيضاح في رقم6 من هامش الصفحة السابقة، ثم في رقم3 من هامش ص433.(1/424)
يحضر والدي". "يبدأ عملي الساعة"، "البرد شديد الليلة" ... تريد من "اليوم" و"الساعة" و"الليلة"؛ ما يشمل الوقت الحاضر الذي أنت فيه خلال الكلام. ومثل ذلك: أن ترى الصائد يحمل بندقيته فتقول له: الطائر. أي: أصبْ الطائر الحاضر وقت الكلام. وأن ترى كاتبًا يحمل بين أصابعه قلمًا فتقول له: الورقة. أي: خذ الورقة الحاضرة الآن. وهذا هو"العهد الحضوري"1.
فأنواع العهد ثلاثة: "ذِكْرِيّ"، و"ذهنيّ أو علميّ"، و"حضوري". وللثلاثة رمز مشترك يدخل على كل نوع منها هو: "أل". وتسمى: "أل" التي للعهد، أو: "أل" العهدية"2. فإذا دخلت على النكرة جعلتها تدل على فرد معين دلالة تقترب من دلالة العلم الشخصي بذاته لا برمز آخر3. ولهذا كانت "أل" العهدية تفيد النكرة درجة من التعريف تُقَربها من درجة العلم الشخصي، وإن لم تبلغ مرتبته وقوته؛ وإنما تجعلها في المرتبة التي تليه مباشرة.
وأما: "أل الجنسية" فهي الداخلة على نكرة تفيد معنى الجنس المحض من غير أن تفيد العهد4. ومثالها؛ النجم مضيء بذاته، والكوكب يستمد الضوء من غيره ... فالنجم، والكوكب، والضوء، معارف بسبب دخول "أل" على كل منها، وكانت قبل دخولها نكرات "وشأن النكرات كشأن اسم الجنس5،
__________
1 وأكثر ما تقع "أل" التي للعهد الحضوري في صدر الكلمات التي بعد أسماء الإشارة نحو: جاءني هذا الرجل أو بعد "أي" في النداء، نحو: يأيها الرجل. وقد تقع في غيرهما كالأمثلة التي عرضناها من قبل.
2 أي: التي لتعريف صاحب العهد، وهو: الشيء المعهود، سواء أكان واحدًا أم أكثر، ففي التركيب كلمتان محذوفتان. بقي شيء يتعلق بإفادتها التعريف وهو في رقم3 من هامش ص433.
3 لأن علم الشخص معرفة بصيغته، لا برمز آخر، ولا بشيء آخر عن مادته. بخلاف النكرة التي جاءها التعريف من "أل" فإن "أل" أجنبية منها، وخارجة عن صيغتها.
4 يقول النحاة: إذا دخلت "أل" على اسم مفرد أو غير مفرد، وكان هناك معهود مما شرحناه فهي العهد. وإن لم يكن هناك معهود فهي للجنس. "انظر رقم3 من هامش ص428".
5 إيضاح ذلك أن كلمة: "نجم"، مثلًا تدل على معنى شائع مبهم، يصدق وينطبق على كل جرم سماوي مضيء، من غير حصر النجم في واحد معين، فهو يصدق على هذا، وذاك، وعلى آلاف غيرهما وهذا معنى النكرة واسم الجنس "كما سبق إيضاحه بإسهاب في ص23 وهامش ص206، 288"، فهي تدل على واحد غير معين ولا محدد؛ لأنه واحد شائع بين أمثاله، لا يمكن تخصيصه بالتعيين، من بين أفراد جنسه. "أي: أفرد صنفه ونظائره" فإذا أدخلنا "أل" على كلمة: "نجم" وهو فرد من أفراد جنسه كانت لتعريف الجنس كله، لا لتعريف ذلك الفرد الواحد؛ لأن تعريف الفرد الواحد يقتضي أن ترى النجوم كلها واحدًا واحدًا، وترى إضاءة كل واحد بذاته، ثم تقول بعدها: النجم مضيء بذاته، ولما كانت تلك الرؤية الشاملة المحيطة بكل النجوم أمرًا مستحيلًا لا يقدر عليه مخلوق -كان دخول "أل" على كلمة: "نجم" وقولنا: "النجم" معناه أن كل واحد من هذا الجنس الذي عرفناه بعقولنا دون أن تحيط بكل أفراده الحواس- مضيئًا بذاته، فكأنها تعرف الجنس ممثلًا في فرد واحد من أفراده، يغني تعريفه عن تعريفها، وينوب عنها في ذلك. أو كأنما تعرف فردًا يدل على الجنس كله ويرمز إليه. وهكذا يقال في باقي الأمثلة- راجع رقم 3 من هامش ص 428.(1/425)
لا تدل على واحد معين" وليس في الكلام ما يدل على العهد.
ولدخول "أل" هذه على الأجناس سميت: "أل" "الجنسية". وهى أنواع من ناحية دلالتها المعنوية، ومن ناحية إفادة التعريف.
1- فمنها التي تدخل على واحد من الجنس فتجعله يفيد الشمول والإحاطة بجميع أفراده إحاطة حقيقة؛ لا مجازًا ولا مبالغة1، بحيث يصح أن يحل محلها لفظة "كل" فلا يتغير المعنى، نحو: النهر عذب، النبات حي، الإنسان مفكر، المعدن نافع ... فلو قلنا: كل نهر عذب، كل نبات حي، كل إنسان مفكر، كل معدن نافع ... يحذف "أل" في الأمثلة كلها وضع كلمة: "كل" مكانها - لبقي المعنى2 على حالته الأولى.
وما تدخل عليه "أل" من هذا النوع يكون لفظه معرفة؛ تجري عليه أحكام المعرفة3، ويكون معناه معنى النكرة المسبوقة بكلمة: كل؛ فيشمل كل فرد من أفراد مدلولها، مثل كلمة "المَلِك" في قول الشاعر:
إذا الملك الجبَّار صَعَّر خَدَّه ... مَشَيْنا إليه بالسيُوف نعاتبهْ4
2- ومنها التي تدخل على واحد من الجنس، فتجعله يفيد الإحاطة والشمول؛ لا بجميع الأفراد، ولكن بصفة واحدة من الصفات الشائعة بين تلك الأفراد؛ وذلك على سبيل المجاز والمبالغة؛ لا على سبيل الحقيقة الواقعة؛ نحو: أنت الرجل علمًا، وصالحٌ هو الإنسان لطفًا، وعليّ هو الفتى شجاعة. تريد: أنت
__________
1 وعلامتها: أن يصح الاستثناء مما دخلت عليه؛ لأن المستثنى لا بد أن يكون أقل أفرادًا من المستثنى منه، نحو قوله تعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} ومن العلامات أيضًا: أن يصح نعته بالجمع، نحو قوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} ، ونحو قولهم: أهلك الناس الدينار الحمر، والدرهم البيض، لكأنه قال:الدنانير، والدراهم.
2 وهذا تسمى: "أل الاستغراقية"؛ لأنها تدل على أن المعنى يستغرق جميع أفراد الجنس أي: يحيط بأفراده إحاطة شاملة حقيقية. ومثلها "أل" في النوع الثاني، الدالة على أن الجنس يستغرق صفة من الصفات على سبيل المجاز والمبالغة.
3 فيكون مبتدأ، ويكون نعتًا للمعرفة، ويكون صاحب حال. وغير ذلك مما يغلب عليه أن يكون معرفة لا نكرة....
4 صعر خده: أماله وحوله عن ناحية الناس، كي لا يراهم، ترفعًا منه، وكبرًا.(1/426)
كل الرجال من ناحية العلم، أي: بمنزلتهم جميعًا من هذه الناحية، فإنك جمعت من العلم ما تفرق بينهم؛ ويُعَدّ موزعًا عليهم بجانب علمك الأكمل المجتمع فيك؛ فأنت تحيط بهذه الصفة "صفة العلم" إحاطة شاملة لم تتهيأ إلا للرجال كلهم مجتمعين. وكذلك صالح من ناحية الأدب؛ فهو فيه بمنزلة الناس كلهم؛ نال منه ما نالوه مجتمعين. وكذلك علي؛ بمنزلة الفتيان كلهم في الشجاعة؛ أدرك وحده من هذه الصفة ما توزع بينهم، ولم يبلغوا مبلغه إلا مجتمعين وكل هذا على سبيل المبالغة والادعاء1.
وحكم ما تدخل عليه "أل" من هذا النوع كحكم سابقه لفظًا ومعنى.
3- ومنها التي لا تفيد نوعًا من نوعي الإحاطة والشمول السابقين؛ وإنما تفيد أن الجنس يراد منه حقيقته القائمة في الذهن. ومادته التي تكوّن منها في العقل بغير نظر إلى ما ينطبق عليه من أفراد قليلة أو كثيرة، ومن غير اعتبار لعددها. وقد يكون بين تلك الأفراد ما لا يَصدق عليه الحكم.، نحو: الحديد أصلب من الذهب، الذهب أنفس من النحاس. تريد: أن حقيقة الحديد "أي: مادته وطبيعته" أصلب من حقيقة الذهب "أي: من مادته وعنصره" من غير نظر لشيء معين من هذا أو ذاك؛ كمفتاح من حديد، أو خاتم من ذهب؛ فقد توجد أداة من نوع الذهب هي أصلب من أداة مصنوعة من أحد أنواع الحديد؛ فلا يمنع هذا من صدق الحكم السالف الذى ينص على أن الحديد في حقيقته أصلب من الذهب في حقيقته من غير نظر إلى أفراد كل منهما -كما سبق- إذ إنك لا تريد أن كل قطعة من الأول أصل من نظيرتها في الثانى؛ لأن الواقع يخالفه ومثل هذا أن تقول: الرجل أقوى من المرأة، أي: أن حقيقة الرجل وجنسه من حيث عنصره المتميز -لا من حيث أفراده- أقوى من حقيقة المرأة وجنسها من حيث هي كذلك، من غير أن تريد أن كل واحد من الرجال أقوى من كل واحدة من النساء؛ لأنك لو أردت هذا لخالفك الواقع. وهكذا يقال في: الذهب أنفس من النحاس، وفي: الصوف أغلى من القطن، وفي: الفحم أشد نارًا من الخشب ... وفي الماء، والتراب، والهواء، والجماد، والنبات.
__________
1ولذا يصح إحلال كلمة: "كل" محل "أل" على سبيل المجاز والمبالغة -كما سبق في رقم2 من ص426 "والحصر" هو الذي يفيد أنهم جميعًا لم يبلغوا درجته في الصفة.(1/427)
تقول: الماء سائل: أي: أن عنصره وطبيعته من حيث هي مادة تجعله في عِداد السوائل، من غير نظر في ذلك إلى أنواعه، أو أفراده، أو شيء آخر منه؛ فتلك حقيقته؛ أي: مادته الأصلية التي قام عليها. وتقول: التراب غذاء النبات، أي: أن عنصره وطبيعته كذلك؛ فهي حقيقته الذاتية، وماهيته التي عرف بها من حيث هي. وتقول: الهواء لازم للأحياء؛ أي: أن عنصره ومادته وحقيقته كذلك ... وهكذا.
وتسمى "أل" الداخلة على هذا النوع "أل" التي للحقيقة، أو: للطبيعة، أو للماهية فلا علاقة لها بالإحاطة بالأفراد، أو بصفاتهم، أو بعدم الإحاطة. وتفيد ما دخلت عليه نوعًا من التعريف يجعله في درجة عَلَم كالجنس لفظًا ومعنى.
فمعاني "أل الجنسية" إما إفادة الإحاط والشمول بكل أفراد الجنس حقيقة، لا مجازًا، وإما إفادة الإحاطة والشمول لا بأفراد الجنس؛ وإنما بصفة من صفاته وخصائصه على سبيل المبالغة والادعاء3 والمجاز، وإما بيان الحقيقة الذاتية، دون غيرها.
__________
1 وعلامتها: ألا يصلح وضع كلمة: "كل" بدلها، لا حقيقة ولا مجازًا؛ لأن المقصود من الحقيقة ليس الدلالة على الأفراد، قليلة كانت الأفراد أم كثيرة، وإنما المقصود شيء آخر هو ما ذكرناه.
2 قد سبق الكلام على علم الجنس ودرجته "في ص290، 296 وما بعدها".
3 راجع رقم5 من هامش ص425. وقد جاء في "كليات أبي البقاء"، ص 66 عند الكلام على "أل" ما نصه: "إذا دخلت "أل" في اسم -فردًا كان أو جمعًا- وكان ثمة معهود، فإنها تصرف إليه. وإن لم يكن ثمة معهود فإنها تحمل على الاستغراق عند المتقدمين "يريد: أنها تشمل جميع أفراد الجنس فردًا فردًا، أو تشمل صفة شاملة من صفاته -كما شرحنا" وعلى الجنس عند المتأخرين "يريد أنها تدل على صنف من الجنس يكون كافيا للدلالة على الجنس، ونموذجًا يعني عن رؤية الباقي، فكأنه نموذج، عينة، للجنس" إلا أن المقام عندهم إذا كان خطابيًّا يحمل على كل الجنس، وهو: "الاستغراق" وإذا كان استدلاليًّا، أو لم يمكن حمله على الاستغراق، فإنه يحمل على أدنى الجنس "يريد على فرد واحد فقط، حتى يبطل الجمعية، ويصير مجازًا عن الجنس كله. فلو لم نصرفه إلى الجنس وأبقيناه على الجمعية يلزم إلغاء حرف التعريف من كل وجهه، إذ لا يمكن حمله على بعض أفراد الجمع، لعدم الأولوية، إذ التقدير أنه لا عهد، فيتعين أن يكون للجنس، فحينئذ لا يمكن القول بتعريف الجنس مع بقاء الجمعية؛ لأن الجمع وضع لأفراد الماهية، لا للماهية من حيث هي، فيحمل على الجنس من طريق المجاز".
وجاء في شرح المفصل - ج9 ص19، عند الكلام على: "أل" وأقسامها- ما نصه:
"فأما تعريف الجنس فأنا تدخل اللام "أي: أل" على واحد من الجنس لتعريف الجنس جميعه، لا لتعريف الشخص منه أي: الفرد الواحد منه وذلك نحو قولك: الملك أفضل من الإنسان، والعسل حلو، والخل حامض، و"أهل الناس الدرهم والدينار" فهذا التعريف لا يكون عن إحاطة"؛ لأن ذلك متعذر؛ لأنه لا يمكن أحدا أن يشاهد جميع هذه الأجناس "أي: جميع أفرادها" وإنما معناه أن كل واحد من هذا الجنس المعروف بالعقول دون حاسة المشاهدة أفضل من كل واحد من الجنس الآخر، وأن كل جزء من العسل الشائع في الدنيا حلو، وأن كل جزء من الخل حامض" ا. هـ.(1/428)
المسألة الحادية والثلاثون: "أل" الزائدة
هي التي تدخل على المعرفة أو النكرة فلا تغير التعريف أو التنكير1. وربما كان لها آثر آخر، -كما سيجيء هنا. فمثال دخولها على المعرفة: المأمون بن الرشيد من أشهر خلفاء بني العباس. فالكلمات "مأمون"، و"رشيد: و"عباس"، معاف بالعلمية قبل دخول "أل". فلما دخلت عليها لم تفدها تعريفًا جديدًا. ومثال دخولها على النكرة ما سُمع من قولهم: "ادخلوا الأولَ فالأولَ ... " وأشباهها. فكلمة "أول" نكرة لأنها حال ولم تخرجها "أل" عن التنكير. و"أل الزائدة" نوعان، كلامهما حرف؛ نوع تكون فيه زائدة لازمة وهي التي اقترنت باسمٍ كبعض الأعلام منذ استعْماله علمًا؛ فلم يوجد خاليًا منها منذ علميته ... ولا تفارقه بعد ذلك مطلقًا. "برغم زيادتها" كبعض أعلام مسموعة عن العرب لم يستعملوها بغير "أل"؛ مثل: السموءل5، اليَسَعِ6، واللاتِ7 والعُزَّى8. وكبعض
__________
1 والمراد بالزائدة هنا: ما ليست موصولة، وليست للتعريف، ولو كانت غير صالحة للسقوط.
2 "أول" السابقة، حال منصوبة، والثانية معطوفة عليها بالفاء التي تفيد الترتيب. وزيدت فيهما "أل" شذوذًا في النثر، كما تزاد في النظم للضرورة، والأصل ادخلوا أول فأول، أي: ادخلوا مرتين -كما سيجيء في رقم6 من هامش الصفحة التالية. أما البيان الخاص بهذا في باب الحال "ج2 م 84 في التقسيم الثالث الخاص بالتنكير والتعريف".
3 ويجب إدغامه في التاء إذا وقعت بعده مباشرة، طبقًا للبيان الذي سبق في آخر رقم3 من هامش ص 387.
4 وهذا يشمل ما وضع من أول أمره علمًا مقرونًا "بأل"، ولم يستعمل في غير العلمية، من قبل كالسموءل، وما كان مجردًا في أصله من "أل" ثم دخلته عند انتقاله إلى العلمية، ولازمته معها من أول لحظة، كالنضر، والنعمان.
5 اسم شاعر جاهلي، مشهور بالوفاء.
6 اسم نبي.
7 اسم صنم للعرب في الجاهلية.
8 اسم صنم للعرب في الجاهلية "وهي، مؤنث أعز".(1/429)
الظروف المبدوءة بأل، مثل: "الآن"1 للزمن الحاضر، وبعض أسماء الموصولات المصدرة بها، كالتي، والذي، والذين، واللاتي ... ومن الزائدة اللازمة "أل" التي للغاية، وسيجيء بيانها2 ...
ونوع تكون فيه زائدة عارضة "أي: غير لازمة" فتوجد حينًا وحينًا لا توجد؛ وهذا النوع ضربان: ضربٌ اضطراري يلجأ إليه الشعراء وحدهم عند الضرورة؛ ليحافظوا على وزن الشعر وأصوله؛ كقول القائل:
ولقد جَنَيْتُك3 أكْمُؤًا وعَساقِلاً ... ولقد نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَات الأوْبَرِ4
فقد أدخل الشاعر "أل" على كلمة: "أوبر" مضطرًّا؛ مع أن العرب حين تستعملها علم جنس تجردها من "أل"؛ فتقول: بنات أوبر. ومثل قول الشاعر:
رَأيتُكَ لَمَّا أنْ عَرَفْتَ وجُوهَنَا ... صَدَدْت وطِبتَ النفسَ ياقيْسُ عن عَمْرِ5
فقد أدخل الشاعر "أل" على كلمة: "النفس" التي هي تمييز، والتمييز -على المشهور- لا تدخله "أل"، وكان الأصل أن يقول: طبت نفسًا. ولكن الضرورة6 الشعرية قهرته7.
__________
1 ظرف زمان منصوب وقد يجر بمن قليلًا، فهو معرب. وهذا الرأي أوضح وأيسر من الرأي القائل بأنه مبني على الفتح دائمًا.
وإذا كان معربًا ومعناه الزمن الحاضر فكلمة: "أل" فيه للعهد الحضوري فتكون معرفة، وليست زائدة "راجع" رقم3 من ص424". وإيضاح الكلام على هذا الظرف مدون في باب: "الظرف" ج2 ص 223 م 79.
2 في ص 433.
3 "جنيتك"، أي: جنيت لك، وجمعت. "الأكمؤ": جمع، مفرده، كمء، وهو نبات في البادية، له ثم يجنيه العرب، وقد سبق أول الكتاب ص 22، أن كلمة: "كمء" تكون مفردًا أيضًا لكلمة: "كمأة" التي هي اسم جنس جمعي، ولكن هنا لم يفرق بينه وبين واحدة بالتاء في المفرد كما هو الكثير، وإنما وقعت التاء في اسم الجنس الجمعي، "العاقل": جمع مفردقه: عقول "على وزن عصفور" نوع أبيض، كبير من الكمأة، رديء الطعم. له زغب كلون التراب.
5 يقول لما رأيت يا قيس وجوهنا "أي: زعماءنا"، وأكابرنا، تسليت عن صديقك عمرو الذي قتلناه، وطبت نفسًا.
6 وملحق بهذا النوع زيادتهما في النثر شذوذًا،. في مثل: ادخلوا الأول فالأول، كما سلف البيان في ص 429.
7 وفيما سبق من الزيادة اللازمة وغير اللازمة يقول ابن مالك:
وقد تزاد لازمًا كاللات ... والآن، والذين، ثم اللاتي
ولاضطرار، كبنات الأوبر ... كذا، وطبت النفس يا قيس السري
والسري أصلها: السري: بتشديد الياء، ومعناها الشريف.(1/430)
2- وضرب اختياري يلجأ إليه الشاعر وغير الشاعر لغرض يريد أن يحققه هو: لمح الأصل؛ وبيانه:
أن أكثر الأعلام منقول عن معنى سابق كان يؤديه قبل أن يصير علمًا، ثم انتقل إلى العلمية، وترك معناه السابق؛ مثل: عادل، ومنصور، وحسن؛ فقد كان المعنى السابق لها -وهي مشتقات: ذاتٌ فعلت العدل. أو وقع عليها النصر، أو اتصفت بالحسن، ولا دخل للعلمية بواحد منها ... ثما صار كل واحد بعد ذلك علمًا يدل على مُسَمًّى مُعَين، ولا يدل على شيء من المعنى السابق؛ فكلمة: عادل، أو: منصور، أو: حسن، أو: ما شابهها -قد انقطعت صلتها بمعناها السابق بمجرد نقلها منه إلى الاستعمال الثاني. وهو: العَلمية، وصارت بعد العلمية اسمًا جامدًا لا يُنظَر إلى أصله المشتق. ولا يشمل عليها مع أنها كانت في الأصل اسمًا مشتقًّا.
فإذا أردنا ألا تنقطع تلك الصلة المعنوية، وأن تبقى الكلمة المنقولة مشتملة على الأمْرين معًا، وهما: معناها الأصلي السابق، ودلالتها الجديدة وهي: العلمية، فإننا نزيد في أولها: "أل" لتكون رمزًا دالًّا على المعنى القديم تلميحًا؛ فوق دلالته على المعنى الجديد، وهو: العلمية مع الجمود؛ فنقول: العادل، والمنصور، والحسن، فتدل على العلمية بذاتها وبمادتها واعتبارها جامدة، وتدل على المعنى القديم "بأل" التي تشير وتُلمح إليه. ولهذا تسمى: "أل التي للمح الأصل". ومن هنا دخلت في كثير من الأعلام المنقولة الصالحة لدخلوها؛ لتشير إلى معانيها القديمة التي تحوي المدح أو الذم، والتفاؤل، أو التشاؤم؛ نحو؛ الكامل، المتوكل، السعيد؛ الضحاك، الخاسر، الغراب، الخليع، المحروق ... وغير ذلك من الأعلام المنقولة قديمًا وحديثًا1.
والنقل قد يكون من اسم معنوي جامد؛ كالنقل من المصدر في مثل:
__________
1 "ملاحظة": لا خير في الأخذ بالرأي القائل: إن زيادة "أل" للمح الأصل سماعية، لأن الأخذ به بالرغم من أنه الأغلب يضيع الغرض من زيادتها، وهو غرض تدعو إليه الحاجة في كل العصور وقد حرصت العرب على تحقيقه، فأكثرت من استعمال الأعلام المنقولة إكثارًا مستفيضًا. فيه المبدوء بأل للمح الأصل، وغير المبدوء، فلا داعي للتضييق من غير داع بقصر هذه الزيادة على السماع كما يريدونها هنا، وهو ألا نستعمل علمه منقولًا سوى العلم الذي استعمله العرب بلفظه ونصه، فنبقيه على مسماه القديم، ولا مانع عندهم من إطلاقه بنصه على مسمى جديد.(1/431)
الفضل، والصلاح والعِرْفان ... وقد يكون من اسم عين جامد؛ كالصخر، والحجر، والنعمان، والعظم ... وقد يكون من كلمات مشتقة في أصلها كالهادي، والحارث، والمبارك والمستنصر، ويُهْمَل هذا الاشتقاق بعد العلمية فتعدّ من الجامد، كما سبق.
فالأعلام السابقة يجوز أن يتدخلها "أل" عند إرادة الجمع بين لمح الأصل والعلمية، كما يجوز حذفها عند الرغبة في الاقتصار على العلمية وحدها. والأعلام في الحالتين جامدة.
أما من ناحية التعريف والتنكير فوجود "أل" التي للمح الأصل وحذفها سيان. -كما تقدم2. والأعلام كلها صالحة لدخول "أل" هذه، إلا العلم المرتجل3؛ كسعاد، وأدَد، وإلا العلم المنقول الذي لا يقبل "أل" بحسب أصوله؛ إما لأنه على وزن فعل من الأفعال؛ والفعل لا يقبلها؛ مثل: يحين، يزيد، تَعِز، يشكر، شَمَّر ... ، وإما لأنه مضاف؛ والمضاف لا تدخله "أل"؛ نحو: عبد الرءوف، وسعد الدين، وأبو العينين4".....
من كل ما سبق نعلم أن أشهر أنواع "أل" هو: الموصول، والمُعتَرفة بأقسامها، والزائدة بأقسامها.
__________
1 أصله: اسم للدم.
2 أول البحث "ص429، 431".
3 سبق شرحه في ص302. ولم تدخل "أل" هذه على العلم المرتجل لأنه ليس ذا أصل يلمح إليه، على حين الغرض من زيادتها هو التلميح والإشارة إلى أصل العلم، ولن يكون له أصل إلا إذا كان منقولًا.
4 يقول ابن مالك، في إيجاز عن لفظ "أل" وأنه قد يدخل بعض الأعلام للدلالة على لمح الأصل ولا يفيد تعريفًا:
وبعض الأعلام عليه دخلا ... للمح ما قد كان عنه نقلا
كالفضل والحارث والنعمان ... فذكر ذا وحذفه سيان
يريد: أن بعض الأعلام يدخل عليه لفظ "أل" بقصد التلميح إلى الأصل الذي نقل عنه العلم، وما يحتويه من وصف يراد إلصاقه بالعلم المنقول، وحذف كلمة "أل" وذكرها سيان من ناحية التعريف والتذكير.(1/432)
المسألة الثانية والثلاثون: العلم بالغلَبة 1
المعارف متفاوتة في درجة التعريف -كما سبق2؛ فبعضها أقوى من بعض وعلم الشخص أقوى من المعرف "بأل" العهدية، وأقوى من المضاف لمعرفة. غير أن كل واحد من هذين قد يصل في قوة التعريف إلى درجة علم الشخص، ويصير مثله في الأحكام الخاصة به، ولبيان ذلك نقول:
إن كُلاًّ من المعرف "بأل" العهدية والمضاف قد يكون ذا أفراد متعددة؛ فالكتاب3 - مثلًا، ينطبق على عشرات، ومئات وألوف من الكتب، وكذلك النجم، والمنزل، والقلم ... وكتاب سعد، يصدق على كل كتاب من كتبه المتعددة، ومثله: قلم عمرو، وثوب عثمان3 ...
غير أن فردًا واحدًا من أفراد المعرف "بأل" أو المضاف قد يشتهر اشتهارًا بالغًا دون غيره من باقي الأفراد؛ فلا يخطر على البال سواه عند الذكر؛ بسبب شهرته التي غطت على الأفراد الأخرى، وحجبت الذهن عنها.
__________
1 تعريفه: أن يغلب معنى اللفظ عند إطلاقه على فرد من مدلولاته، دون باقي الأفراد، بسبب شهرة الأول، كما سنشرحه، ومن أحكامه التي ستذكر أنه يعد من ناحية التعريف في درجة العلم الشخصي، كما في الصفحة التالية، وكما سبق في رقم2 من هامش ص292.
2 في رقم1 من هامش ص212.
"3 و3" المراد من "أل" العهدية هذه أنها كانت عهدية بحسب أصلها قبل أن تكون الغلبة، أما بعد أن تصير الغلبة فزائدة لازمة.
كما سبق في ص433، 436 وما بعدهما.
وقد يقال: إن: "أل العهدية" أداة تعريف، فكيف يكون مدلولها متعددًا حين تكون للعهد؟. أجاب النحاة: "إن "أل" العهدية تدخل على كل فرد عهد بين المتخاطبين على البدل -أي: على التبادل- فمصحوبها كل فرد بينهما على البدل، فمثلًا لفظ: "العقبة" المعرفة بأل العهدية وضع في الأصل ليستعمل في كل فرد عهد بينهما على البدل، فخصصته الغلبة "بعقبة أيلة" -وهي على الحدود الشرقية لمصر- "راجع الصبان في هذا، وكذا البيان الذي في رقم 6 من ص 423" بل إن مدلول العلم الشخصي قد يتعدد أحيانًا "كما سبق، في رقم 1 من هامش ص294" بالرغم من أنه أقوى من المعرفة بأل، أو: المعرفة بالإضافة وله إشارة في رقم1 من هامش ص436.(1/433)
ومن أمثلة ذلك: المصحف، الرسول، السنة، ابن عباس1، ابن عمر، ابن مسعود؛ فالمراد اليوم من المصحف: كتاب الله وقرآنه الكريم ... ومن الرسول: النبي محمد عليه السلام، ومن السنة: ما ثبت عنه من قول، أو فعل، أو تقرير2. كما أن المراد من: ابن عباس هو: عبد الله، بن عباس، بن عبد المطلب3 ... دون باقي أبناء العباس. وكذلك المراد من: ابن عمر، هو: عبد الله من عمر بن الخطاب، دون إخوته من أولاد عمر. وكذلك المراد من: ابن مسعود، هو: عبد الله بن مسعود أيضًا دون إخوته. وكانت تلك الكلمات في الأصل قبل اشتهارها، معرفة؛ لاشتمالها على نوع من التعريف، ولكنها لا تبلغ فيه درجة العَلَم الشخصيّ؛ إذ ليست أعلامًا شخصية. فلا تدل على واحد بعينه؛ إذ الأصل في كلمة: "المصحف" أن تنطبق على كل غلاف يحوي صحفًا. وفي كلمة: "الرسول" أن تنطبق على كل4 إنسان أرسِل من جهة إلى جهة معينة. وفي كلمة: "السنة" أن تنطبق على كل طريقة مرسومة، وفى كلمة: "ابن فلان" أن تنطبق على كل ابن من أبناء ذلك الرجل. لكن اشتهرت كل كلمة مما سبق -بعد التعريف- في فرد، واقتصرت عليه؛ بحيث إذا أُطْلقت لا تنصرف لغيره؛ فقوَى التعريف فيها، وارتفع إلى درجة أرقى من الأولى؛ تسمى: درجة العَلَم بالغلبة "أي: التغلب بالشهرة" وهي درجة تلحقه بالعلم الشخصي5 في كل أحكامه. فمظهر الكلمة أنها معرفة "بأل"،
__________
1 كانت كلمة: "ابن" في هذه الأمثلة وأشباهها، معرفة، لأنها مضافة إلى معرفة، ولكن العلم بالغلبة "الشهرة" هو مجموع الكلمتين المضاف والمضاف إليه معًا، وصار تعريفه بالعلمية الغالبة، -كما سيجيء في رقم5 من هذا الهامش- وزال التعريف السابق.
2 ما يقره "أي: يوافق عليه" بالسكوت، كأن يرى شخصًا يقول قولًا، أو يعمل عملًا بشرط أن تكون الأقوال أو الأعمال من الشئون المتصلة بالدين، فيسكت، ولا يظهر ما يدل على المعارضة فيكون سكوته موافقة ضمنية: تسمى: "تقريرًا".
3 جد الرسول عليه السلام.
4 انظر الإيضاح الذي في رقم3 من هامش الصفحة السابقة، ورقم5 و 6 من هامش ص 423.
5 قال النحاة، إن العلم قسمان: علم بالوضع، فيشمل علم الشخص وعلم الجنس، وعلم بالغلبة، وهو ما شرحناه، وأهم فارق بينهما: أن العلم الوضعي بعين مسماه تعيينا مطلقا من أول لحظة وضع فيها على مسماه. ووقع فيها الاختيار على لفظه ليكون رمزًا على ذلك المسمى، مثل إبراهيم، فإنه يدل على صاحب ذلك الاسم، ابتداء من تلك اللحظة التي وقع عليه الاختيار فيها ليدل على إبراهيم.
أما العلم بالغلبة فقد كان أول أمره معرفة "بأل العهدية" أو: بالإضافة، ولم يكن علمًا في ابتداء أمره، فنزلت غلبته "أي: شهرته" منزلة الوضع فصار بها في درجة "العلم الشخصي". وحين تصل الكلمة إلى درجة العلم بالغلبة تلغي درجة التعريف السابقة وتحل محلها الدرجة الجديدة، وتصير "أل" زائدة، لازمة بعد أن كانت للعهد.(1/434)
أو بالإضافة، ولكن حقيقتها أنها معرفة بعلمية الغلبة. وهي في درجة علم الشخص -كما قلنا- وتلغي معها الدرجة القديمة. ومن أمثلة العلم بالغلبة: المدينة1، العقبة2 الهرم3 ... مجلس الأمن4، جمعية الأمم4، إمام النحاة5 ... وغيرها مما هو عَلَم بالغلبة6: كالنابغة، أو الأعشى، أو الأخطل ... وأصل النابغة: الرجل العظيم، وأصل الأعشى: من لا يبصر ليلًا، وأصل الأخطل: الهجَّاء، ثم غلب على كل ما سبق الاستعمال في العلمية وحدها.
هو ملحق بالعلم الشخصيي -كما تقدم- ويسري عليه ما يسري على ذاك، مع ملاحظة أن "أل" التي في العلم بالغلبة قد صارت قسمًا مستقلًّا من "أل" الزائدة اللازمة "أي: التي لا تفارق الاسم الذي دخلت عليه". يسمى: "أل التي للغلبة" ولم تبق للعهد كما كانت7 في الأعلام السابقة -ونظائرها- قسم من "أل" الزائدة اللازمة -كما أشرنا- ولكنه قسم مستقل، يسمى: "أل" التي للغلبة" ولم تبق للعهد كما كانت7 زائدة، ولازمة لا تفارق الاسم الذي دلت عليه، فإنها تحذف وجوبًا عند ندائه، أو إضافته؛ مثل: يا رسول الله قد بلغت رسالتك. هذا مصحف عثمان؛ يا نابغة، أسْمِعنا من طرائفك ... فشأنها في الحالتين المذكورتين من جهة الحذف وعدمه شأن "أل" المُعَرفة8 -في الرأي الأرجح-
__________
1 مدينة الرسول عليه السلام، وإليها هاجر، وفيها قبره الشريف.
2 اسم بلد على الحدود الشرقية المصرية. "والعقبة في الأصل: اسم للطريق. الصاعد في الجبل".
3 بناء بمصر، أثري، ضخم، مرت عليه آلاف السنين من غير أن تؤثر فيه تأثيرًا يذكر.
"4، 4" مؤسسة عالمية قائمة الآن، تضم مندوبين رسميين عن الدول الكبيرة، ينظرون في الشئون الدولية الهامة.
5 سيبويه "توفي حوالي سنة 180هـ".
6 ويراد به -كما قلنا في ص 433- كل اسم كان معناه متعددًا بحسب وضعه الأصلي، ثم غلب استعماله في فرد معين من أفراد ذلك المعنى المتعدد، لا يراد غيره عند الإطلاق، فصار خاصًّا بسبب ذلك التعيين الناشئ من الشهرة.
7 أشرنا لهذا في ص429 وفي3 من هامش ص433.
8 فـ "أل" المعرفة لا تبقى كذلك عند الإضافة أو النداء، لكن يجب ملاحظة أن: "أل" التي للغلبة لا تثبت مطلقًا مع حرف النداء، فلا يتوصل لنداء ما هي فيه بكلمة: "أي" أو: كلمة: "ذا" كما يتوصل لنداء ما فيه "أل" الجنسية مما ليس علمًا بالغلبة، فلا يصح، يأيها النابغة، ولا ياذا النابغة، كما يصح: يأيها الرجل، ويا ذا الرجل. وفي العلم بالغلبة يقول ابن مالك:
"راجع حاشية الصبان ج1 في هذا الموضع".(1/435)
أما العَلَم بالغلبة إذا كان مضافًا، فإن إضافته تلازمه ولا تفارقه في نداء، ولا في غيره: تقول في النداء: يا بنَ عمرَ قد أحسنت، ويا بنَ عباس قد أفدت الناس بفقهك، ويا بن مسعود قد حققت لنا كثيرًا من أحاديث الرسول ...
وإذا اقتضى الأمر إضافته1 ... فإنه يضاف مع بقائه الإضافة
__________
وقد يصير علمًا بالغلبة ... مضاف أو مصحوب "أل" كالعقبة
وحذف "أل" ذي- إن تناد أو تضف ... أوجب، وفي غيرهما قد تنحذف
أي: قد يصير "المضاف" أو: "المعرف بأل "علمًا بالغلبة، لا بكونه علم شخص، ولا علم جنس. "وهذا نوع آخر من العلم يخالفهما، كما سبق أن أشرنا". حذف "أل" ذي "أي: هذه" واجب في حالتين: إذا نودي الاسم المبدوء بها، أو أضيف. وأشار بقوله: "وفي غيرهما قد تنحذف" إلى أن "أل" الدالة على العلم بالغلبة وردت محذوفة في غير الحالتين السابقتين: "النداء، والإضافة" فقد قال بعض العرب: هذا عيوق طالما. وهذا يوم اثنين مباركًا، بدلًا من "العيوق" علم على نجم خاص، والاثنين" علم على اليوم الأسبوعي المعروف. وهذا الحذف شاذ لا يصح القياس عليه.
1 أشرنا في باب العلم "رقم1 من هامش ص294" إلى أن علم الشخص قد يكون متعددًا يشترك في التسمية به عدد كبير، فمثل: محمد، ومحمود، وصالح، وغيرهم من الأعلام الشخصية قد يسمى بكل منها عدة أفراد- ونقول هنا إن العلم بالغلبة قد يقع فيه ذلك، مثل ابن زيدون ... وابن خلدون ... وابن هانئ، والنابغة.... فإن كل واحد منها علم بالغلبة على شاعر معين، أو: عالم كبير.... وقد يشترك معه التسمية آخرون. وهذا الاشتراك والتعدد في الأعلام بنوعيها يجعلها غامضة الدلالة نوعًا، ويجعل تعيين المراد بها غير كامل، وفي هذه الحالة يجوز إضافة العلم إلى معرفة إن لم يمنع من الإضافة مانع، رغبة في الإيضاح وإزالة كل أثر للغموض والإبهام. فمن إضافة علم الشخص. ما ورد عن العرب من قولهم: جميل بثينة، وقيس ليلى، وعمر الخير، ومضر الحمراء، وربيعة الفرس، وأنمار الشاة، ويزيد سليم، وقول الشاعر:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر
وقول الآخر:
علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشفرتين يماني
ومن إضافة العلم بالغلبة قولهم: أهلًا بابن عمرنا. ومرحبا بابن عباسنا.
وقد أدخلوا "أل" قليلا على المضاف إليه في العلم المركب تركيبًا إضافيًّا، ومع قلته يجوز إذا قدرت فيه التنكير -كما سبق- لأن الأصل في المعارف ألا تضاف. قالوا: "يا ليت أم العمرو كانت بجانبي....." فالغرض من إضافة العلم. هو الإيضاح، "ويراد به إزالة الاشتراك اللفظي الناشئ من إطلاق العلم على أفراد كثيرة: بحيث لا يطلق بعد الإيضاح إلا على واحد في الغالب".
وقد سبق أن ألمحنا المسألة في رقم3 من هامش ص127 ثم فصلنا الكلام عليها في رقم1 من هامش 294. وبهذه المناسبة نعيد ما قلناه هناك من أن الإضافة إلى المعرفة تفيد الإيضاح على الوجه الذي شرحناه، "وهو: رفع الاحتمال والاشتراك في المعرفة....."، أما الإضافة إلى النكرة فإنها تفيد التخصص. ويراد به تقليل الاشتراك فقط، ولا تفيد إزالته ورفعه، فإذا قلت: "كتاب رجل" فإن الذي ينطبق عليه هذا المعنى أقل كثيرًا مما ينطبق عليه لفظ: كتاب، بغير إضافة "راجع ما سبق في تلك الصفحات".(1/436)
الأولى1، تقول: أنت ابن عُمَرنا العادل، وهذا ابن عباسنا زعيم الفتوى.
__________
1 فيصير "المضاف إليه" في التركيب الإضافي الأول هو "المضاف" في التركيب الإضافي الثاني، إن لم يمنع من هذه الإضافة مانع، كأن يكون المضاف الجديد منونًا، أو فيه "أل" فإن كان كذلك وجب حذف المانع قبل الإضافة.....(1/437)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
إذا أريد تعريف العدد "بأل" فإما أن يكون مضافًا1، أومركبًا2، أومفردًا3عقدا، أومعطوفًا4. فإذا كان العدد مضافًا وأردنا تعريفه "بأل" فالأحسن إدخالها على المضاف إليه وحده - أى: على المعدود -؛ نحو: عندى ثلاثة الأقلام، وأربع الصحف، ومائة ألف الورقة، وألف5 القرش. وعندئذ يكتسب المضاف التعريف من المضاف إليه في هذه الإضافة المحضة. والكوفيون يجيزون إدخال "أل" عليهما معًا ويحتجون بشواهد متعددة، تجعل مذهبهم مقبولا، وإن كان غير فصيح6 ...
__________
1 ويسميه بعض النحاة: "مفردا" وهذه التسمة أحسن من تسميته: "مضافا" وهو يشمل: "ثلاثة" وعشرة وما بينهما. ويضاف غالبا لجمع مجرور، كما يشمل مائة، وألفا، ومركباتهما، وتضاف غالبا لمفرد مجرور "والأحكام المفصلة الخاصة بالعدد مسجلة في بابه بالجزء الرابع".
2 وهو يشمل: "أحد عشر وتسعة عشر" وما بينهما. ويتركب كل عدد من كلمتين، هما بمنزلة كلمة واحدة، يقال في إعرابها: مبنية على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة الجملة. إلا اثنى عشر، واثنى عشرة: فيعربان كالمثنى دائما. وقد سبقت طريقة إعرابهما في ص 120 و 157.
3 يسميه بعض النحاة "عقدا" وهذه أفضل من تسميته: "مفردا" وهو 20 - 30 - 40 - 50- 60 - 70- 80- 90.
4 وهو يشمل كل عدد مكون من اسمين، أحدهما، معطوف عليه، والآخر معطوف بالواو مثل: واحد وعشرون. ... سبع وثلاثون.... خمس وأربعون ...
5 جري بعض الكتاب في عصرنا وقبل عصرنا على إدخال: "أل" على العدد من دون المعدود، فيقولون: الألف قرش مثلا. وقد أعلنت الحكومة عن مشروع رسميس لنشر بعض الكتب القديمة النفيسة، أسمته: "مشروع الألف كتاب" ويدور جدل قديم وحديث حول صحة هذا الاستعمال أو خطئه. وقد ورد مثله في أحاديث للرسول عليه السلام. منها قوله: ".... وأتى بالألف دينار" ونقل الصبان "في الجزء الأول من حاشيته، أخر باب: "والمعرف بأل". نص الحديث. وورد في شواهد: "التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح" - باب: الاستعانة باليد.... قوله عليه السلام: "ثم قرأ العشر آيات" ... كما ورد في نصوص أخرى تصلح للاستشهاد، وورد في استعمال كثير ممن يستأنس بكلامهم وإن لم يكونوا من أهل الاستشهاد. ...
فلكل ما سبق يجوز قبوله مع الاعتراف بأنه غير مستحسن، وأن الخير في تركه. ويقول الشهاب الخفاجي في حاشيته على: "درة الغواص" إن ابن عصفور قال: "هوجائز على قبحه". وجاء في حاشية ابن سعيد على الأشموني صريح رفضه: "الألف دينار" قائلا: بأنه مرفوض وأن أجازه قوم من الكتاب كما نقل ابن عصفور.
والذين يرفضونه يتأولون النصوص الواردة به بتكلف ظاهر لا داعي له.
"6 و 6" في حـ 3 ص 14م 93 تفصيل الكلام على: الإضافة المحضة وغير المحضة، وأن الكوفيين يجيزون في الإضافة المحضة إدخال" على المضاف إذا كان عددا بشرط دخولها على المضاف إليه "أي: على المعدود" أيضا مع إيضاح ذلك كله، والرأي فيه.(1/438)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا كان العدد مركبًا فالأحسن إدخالها على الجزء الأول منه؛ نحو: قرأت الأحدَ عشرَ كتابًا، وسمعت الخمسَ عشْرةَ أنشودة ...
وإذا كان مفردًا -أي: أنه من العقود- دخلت عليه مباشرة؛ نحو: في حديقتنا العشرون كرسيًّا، والثلاثون شجرة، والأربعون زهرة ...
وإذا كان معطوفًا فالأحسن دخولها على المتعاطفين1 لتعريفهما معًا؛ نحو: أنفقت الواحد والعشرين درهمًا، وكتبت الخمسة والعشرين سطرًا ...
وإذا كان المضاف إليه -وهو المعدود- معرفًا "بأل" فإن المضاف يكتسب منه التعريف في الإضافة المحضة كما سبق، سواء أكانا متصلين لا فاصل بينهما، نحو: هذه ثلاثة الأبواب، ومائة اليوم، وألف الكتاب2، أم فصل بينهما اسم واحد؛ نحو: هذه ثلاثُ قطع الأبواب، وخمسمائة الألف، أم اسمان، نحو: هذه ثلاث قطع خشب الأبواب، وخمسمائة ألفِ الدرهم، أم ثلاثة أسماء؛ نحو: هذه ثلاثة قطع خشب صَنَوْبَرِ الأبواب، وخمسمائة ألفِ درهمِ الرجل، أم أربعة، نحو: هذه ثلاثُ قطعِ خشب صَنَوْبرِ صناعة الأبوابِ، وخمسمائةِ ألفِ درهمِ صاحبِ البيوت ... ويسري التعريف من المضاف إليه الأخير إلى ما قبله مباشرة، فالذي قبله ... وهكذا حتى يصل إلى المضاف الأول3، فيكون معرفة كالمضاف إليه، وما بينهما. وهذا حكم كل إضافة محضة؛ طالت بسبب الفواصل المضافة أم قصرت، فإنك تُعرّف الاسم الأخير؛ فيسري تعريفه إلى ما قبله، فالذي قبله، ... وهكذا حتى يصل إلى المضاف الأول. غير أن كثرة الإضافات المتوالية معيبة من الناحية البلاغية؛ فلا نلجأ إليها جهد استطاعتنا.
__________
1 هما: المعطوف والمعطوف عليه.
2 انظر رقم5 من هامش الصفحة السابقة.
3 راجع الأشموني، آخر باب: "أداة التعريف". وكذا شرح: "المفصل" ج6 ص43 في الكلام على تعريف العدد. وعلى هذا يمتنع تعريف المضاف إليه في مثل: "المال عشرون ألف دينار"، لأنه لو عرف لانتقل التعريف منه إلى المضاف قبله، والمضاف هنا تمييز، لا يكون معرفة إلا عند الكوفيين.(1/439)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم النكرة المضاف إلى معرفة، المنادى النكرة المقصودة:
بقي من أنواع المعارف السبع نوعان، سبق الكلام عليهما1 بما ملخصه:
أ- أن النكرة التي تضاف لمعرفة -مثل: قلمي شبيه بقلمك- قد تكتسب منها التعريف، وتصير في درجتها. أي: أن المضاف قد يكتسب التعريف من المضاف إليه، ويرقى في التعريف إلى درجته. إلا إذا كانت النكرة مضافة إلى الضمير فإنها تكتسب منه التعريف، ولكنها ترقى في التعريف إلى درجة: "العَلَم" -في الرأي الصحيح- لا إلى درجة الضمير.
وإنما يكتسب المضاف من المضاف إليه التعريف على الوجه السالف إذا كان المضاف لفظًا غير متوغل في الإبهام؛ فإن كان متوغلًا فيه لم يكتسب التعريف -في أكثر حالات استعماله- بإضافة، أو غيرها2؛ كالأسماء: مثل: غير، حسب، مثل3....، و.....
ب- أن من أنواع المنادى نوعًا واحدًا يكتسب التعريف بالنداء، وهذا النوع الوحيد، هو: "النكرة المقصودة، مثل: يا شرطي، أو يا حارس ... إذا كنت تنادي واحدًا منهما معينًا تقصده دون غيره. ذلك أن كلمة: "شرطيّ" وحدها، أو: كلمة، "حارس" وحدها نكرة، لا تدل في أصلها قبل النداء على فرد معين"، ولكنها تصير معرفة بعد النداء، بسبب القصد الذي يفيد التعيين، وتخصيص واحد بعينه، دون غيره.
ودرجة هذا المنادى في التعريف هي درجة اسم الإشارة؛ لأن تعريف كل منهما يتم بالقصد الذي يعينه المشار إليه في اسم الإشارة والتخاطب في المنادى النكرة المقصودة، كما سبق
__________
1 ص 211.
2 وإنما يكتسبه بأمر خارج عن الإضافة، كوقوع كلمة "غير" بين متضادين معرفتين كالتي في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} ... إلخ - كماق قلنا في رقم2 من هامش ص211.
3 سبقت الإشارة لهذا في رقم2 من ص211 أما تفصيل الكلام عليه ففي ج3 م 93 باب: الإضافة س- ص 24.(1/440)
المسألة الثالثة والثلاثون: المبتدأ والخبر وما يتصل بهما
تعريفها:
أ- الشموسُ متعددةٌ، الأقمار ُ كثيرةٌ، المحيطاتُ خمسٌ.
ب- أمرتفعٌ البناءُ، ما حَسَنٌ الظلمُ، ما مكرَمٌ الجبانُ.
في القسم الأول: "أ" كلمات تحتها خط، كل واحدة منها اسم، مرفوع، في أول الجملة، خال من عامل لفظي أصيل، وبعده كملة
__________
1 العامل هو: ما يدخل على الكلمة فيؤثر في آخرها، بالرفع، أو النصب أو الجر، أو الجزم، كالفعل فإنه يؤثر في آخر الفاعل، فيجعله نوعًا مرفوعًا، وفي آخر المفعول فيجعله منصوبًا وكالجازم، فإنه يؤثر في آخر المضارع، فيجعله مجزومًا، وكحرف الجر، فإنه يؤثر في آخر الاسم، فيجعله مجرورًا وهكذا.
انظر ما سبق في ص72 وما بعدها".
والعامل ثلاثة أنواع:
أ- أصل لا يمكن الاستغناء عنه، وإلا فسد المعنى المقصود من الجملة، ومن أمثلته: المضارع، وأدوات النصب، والجزم، وبعض حروف الجر ...
ب- زائد، وهو الذي يمكن الاستغناء عنه من غير أن يترتب - في الأغلب- على حذفه فساد المعنى المقصود، كبعض الحروف الزائدة، في الجر، مثل "الباء" و "من" من باقي الحروف التي لا تجيء بمعنى جديد، وإنما تزاد لمجرد تقوية المعنى، وتوكيده، وربما لا يستغنى عنه، "كما سبق في ص 66 و 700" ولا يحتاج حرف الجر الزائد مع مجروره إلى متعلق.
ج- شبيه بالزائد، وينحصر في بعض حروف الجر" ويؤدي معنى جديدا خاصا لا يمكن الاستغناء عنه. ولكنه مع ذلك لا يحتاج مع مجروره إلى متعلق، بخلاف حروف الجر الأصلية، فإن كل حرف منها لا بد له مع مجروره من متعلق. "ومن أمثلة الشبيه بالزائد: "رب" وهي تفيد التقليل أو التكثير. و "لعل"، وهي تفيد الترجي، "ولولا" في رأي - وهي تفيد الامتناع".... فحرف الجر الأصلي يؤدي معنى جديدا خاصا، ولا يمكن الاستغناء عنه، ولا بد له مع مجروره من متعلق يتعلقان به. وحرف الجر الزائد يمكن الاستغناء عنه، لأنه لا يؤدي معنى خاصا جديدا، وإنما يفيد تقوية المعنى القائم-، ولا يحتاج مع مجروره إلى متعلق، فهو مخالف للأصلي من ناحيتين. أما حرف الجر الشبيهه بالزائد فيشبه الأصل من ناحيسة أنه لا يمكن الاستغناء عنه، لأنه يؤدي معنى خاصا جديدا، ويخالفه من ناحية أنه مع مجروره ولا يحتاجان إلى متعلق يتعلقان به. كما أنه يشبه الزائد من ناحية عدم التعلق، ويخالفه من ناحية أنه لازم كي يؤدي معنى خاصا جديدا، والزائد لا يؤدي معنى خاصا جديدا، ولا يحتاج لتعليق.
"وتفصيل هذا يجيء في مكانه الأنسب، وهو حروف الجر، آخر الجزء الثاني ص 404 م 89". ومن العوامل ما هو لفظي"، أي: يظهر في النطق وفي الكتابة، كالعوامل التي سبقت، ومنها ما هو "معنوي" يدرك بالعقل لا بالحس، كالابتداء الذي يرتفع به المبتدأ- وهذا الابتداء هو السبب في أن "الحال" لا تجيء من المبتدأ عند بعض النحاة، دون بعض، "طبقا للبيان والتفصيل الآتيين في باب الحال 1 جـ2 م 84 ص 339 ورقم 3 من هامش ص 337 وكالتجرد من الناصب والجازم فيرتفع به المضارع. والعوامل بنوعيها: "اللفظية والمعنوية" ليست في الحق والواقع هي التي تؤثر بنفسها، وإنما الذي يؤثر ويحدث حركات الإعراب هو المتكلم. ولكن النحويين نسبوا إليها العمل والتأثير، لأنها المرشدة إلى تلك الحركات اللازمة لكشف المعاني "كما أوضحنا هذا ومزاياه بتفصيل تام في هامش ص 73"، ولا بأس بما صنعوا. وإنه لجليل الشأن.(1/441)
تتمم المعنى الأساسي للجملة: "أي: تتضمن الحكم بأمر من الأمور لا يمكن أن تستغني الجملة عنه في إتمام معناها الأساسي، كالحكم على الشموس بالتعدد؛ وعلى الأقمار بالكثرة، وعلى المحيطات بأنها خمس ... " ذلك الاسم يسمى: "مبتدأ" والكلمة الأخرى تسمى: "خبر" المبتدأ.
وفي القسم "ب" أمثلة لمبتدأ أيضًا، ولكنه غير محكوم عليه بأمر؛ لأنه وصف1 يحتاج إلى فاعل2 بعده، أو نائب فاعل؛ يتمم الجلمة، ويكمل معناها الأساسي؛ مثل: كلمتى: "البناء" "والظلم" فإنهما فاعلان للوصف3 ومثل كلمة: "الجبان"؛ فإنها نائب فاعل له4. وقد استغنى الوصف بمرفوعه عن الخبر.
مما سبق نعرف أن المبتدأ: اسم مرفوع في أول جملته5، مجرد من العوامل اللفظية الأصلية6، محكوم عليه بأمر. وقد يكون وصفًا مستغنيًا بمرفوعه في الإفادة وإتمام الجملة. والخبر هو: اللفظ الذي يكمل المعنى مع المبتدأ7، ويتمم8
__________
1 كررنا أن المراد بالوصف هنا: "المشتق" وهو: ما أخذ من كلمة أخرى - يغلب أن تكون مصدرا- وتفرع منها، مع تقارب بينهما في المعنى والحروف. ويجب أن يكون الوصف في هذا الباب نكرة، لأنه بمنزلة الفعل، والفعل في حكم النكرة- كما رددنا في رقم 1 من هامش ص 213 وغيرها- وهناك ما يقوم مقام الوصف، وسنذكر الوصف الذي له مرفوعا وما يلحق بهذا الوصف في "ب" من ص 448.
2 ذلك لأن بعض أنواع الوصف يشبه الفعل في أنه يرفع بعده فاعلا أو نائب فاعلا، وذلك بشروط معية.... فاسم الفالع يرفع فاعلا، واسم المفعول يرفع نائب فاعل، وهكذا....، مثل: أحاضر ضيفك؟ أمحبوس اللص؟ ولهذا إشارة في رقم 3 من هامش ص 453.
3 الوصف في الأول اسم فاعل، وفي الثاني صفة مشبهة.
4 لأن الوصف اسم مفعول، فهو يحتاج إلى نائب فاعل، كما سبق في رقمم 2. وكما سيجيء في رقم 3 من هامش ص 453.
5 غالبا.
6 أما غير الأصلية فقد يحتويها - وسيجيء البيان في ص 447. وجدير بالملاحظة أن المبتدأ - وكذا اسم الناسخ - لا يكون ظرفا باقيا على ظرفيته، ولا جارا مع مجروره.
7 أين الخبر في قولهم: فلان وإن كثر ماله - لكنه بخيل....؟ انظر الإجابة في: "و ". من ص 451.
8 وإنما كان الخبر متمما المعنى الأساسي للجملة، لأنه حكم صادر على المبتدأ. فالمبتدأ هو الشيء المحكوم عليه، والخبر هو الشييء المحكوم به "أي: هو الحكم" وهذا يقتضي- في الأغلب- أن يكون المبتدأ معلوما للمتكلم وللسامع معا قبل الكلام، ليقع الحكم على شيء معلوم، وأن يكون الخبر =(1/442)
معناها الأساسى. "بشرط أن يكون المبتدأ غير وصف". ومن هنا كان المبتدأ
__________
= مجهولا للسامع، لا يعرفه إلا بعد النطق به، أو أنه هو موضع الاهتمام به، والتطلع إليه، دون المبتدأ، والرغبة في إعلان هذا المجهول، وكشف أمره، ونسبته إلى المبتدأ- هي الداعية للنطق بالجملة الاسمية كلها. ولذا يقول المحققون: إن الأساس الصحيح للتفرقة بين المبتدأ والخبر، والاهتداء إلى تمييز كل منهما بدون خلط، إنما يقوم بينهما على الفارق المعنوي السابق، فما كان منهما معلوما قبل الكلام، ولا يساق الحديث لإعلانه وإبانته للسامع فهو المبتدأ "أي: المحكوم عليه" ولو جاء لفظه متأخرا في الجملة، وما كان منهما مجهولا للسامع، ويريد المتكلم إعلامه به، وإذاعته له، فهو الخبر "أي: المحكوم به" ولو جاء لفظه متقدما. في الجملة فإن لم يوجد عند السامع علم سابق بأحدهما، ولم توجد قرينة دالة على التمييز بينهما وجب تقديم المبتدأ، وتأخير الخبر، ليكون الترتيب دالا ومرشدا على كل منهما، ويرتفع اللبس. هذا هو الأصل العمام وهو الأساس القويم الذي يجل التعويل عليه في أغلب الحالات- كما سبق بالرغم من مخالفة بعض النحاة-. ولزيادة الإيضاح نسوق المثال الآتي: أن يعرف المخاطب شخصا مثل: "إبراهيم" بعينه واسمه، ولكنه لا يعرف أنه زميله في الدراسة، فيقول: "إبراهيم زميلك" جاعلا المبتدأ هو المعروف للمخاطب، والخبر هو المجهول له، المحكوم به - وذلك شأن الخبر في الأغلب كما قدمنا، أن يكون هو الشيء المجهول للمخاطب وأنه المحكوم به - فلا يصح أن تقول: "زميلك إبراهيم" بغير قرينة تدل على تقديم الخبر. أما إذا عرف المخاطب زميلا له ولكنه لا يعرف اسمه، وأردت أن تعين له الاسم فإنك تقول: زميلك إبراهيم، جاعلا المعلوم له هو المبتدأ، والمجهول له المحكوم به هو الخبر، فلو عكس الأمر في إحدى الصورتين السالفتين لا تعكس المعنى تبعا لذلك، واختلف المراد، إذ يصير المحكوم به محكوما عليه، والعكس.
- راجع جـ 3 ص 154 من شرح المفصل. ولما سبق إشارة موجزة في ص 485 ثم تلخيص في رقم 2 من هامش ص 493.
ومن شروط الخبر ألا يكون معلوما من المبتدأ وتوابعه، فلا يقال: والد محمد والد، ولا كتاب على صاحب على....
- راجع حاشية ياسيننن على التوضيح جـ3 باب: "الترخيم" عند الكلام على المحذوف للترخيم-. لما سبق لا يصح أن يكون معنى الخبر المفرد هو معنى المبتدأ، سواء أكان موافقا له في اللفظ أم غير موافق. لكن إذا دل الخبر على زيسادة معنى ليست في المبتدأ، وقامت القرينة على هذه الزيادة - صح وقوعه خبرا ولو كان مماثلا للمبتدأ في لفظه، فيصح أن يقال: والد محمد والد، إذا قامت القرينة على أن المراد: أنه والد عظيم، أو رحيم، أو نحو ذلك، كمايصح أن يقال: كتاب على صاحب علي، إذا قامت القرينة على أن المراد، أنه على العالم، أو الخبير، أو غير هذا مما يجعل معنى الخبر جديدا ليس مستفادا من المبتدأ وتوابعه. وعلى هذا الأساس يقال: المال مال- الحرب حرب، الجد جد - الشمس منيرة- كل هذا بشرط قيام القرينة على أن المراد من الخبر معنى جديد- كما قلنا- غير معنى المبتدأ وتوابعه. ويصح أن يكون من هذا قول الشاعر يحن إلى وطنه.
بلاد كما كنا وكنا نحبها ... إذا الأهل أهل والبلاد بلاد
وقول الآخر:
الحر حر عزيز النفس حيث ثوى ... والشمس في كل برج ذات أنوار
ومن شروط الخبر شبه الجملة بنوعيه أن يكون تاما، وأن يكون ظرف الزمان خبرا عن المعنى- في الغالب - لا على الجثة "أي: الشيء المجسد"، طبقا للبيان والتفصيل الخاصين بكل ذلك في ص 478.
"ملاحظة".
قد يتمم الخبر- بنفسه- الفائدة مع المبتدأ، وهذا هو الأصل الأغلب، لأنه المحكوم به على المبتدأ، كما عرفنا. وقد يتممها في بعض الأحيان بمساعدة لفظ آخر يتصل به نوع اتصال، كالنعت =(1/443)
القياسي نوعين، نوعا يحتاج إلى خبر حتما1
وقد يتحتم أيضا أن يكون هذا الخبر جملة
أو شبهها كما سيأتي2- ونوعا لا يحتاج إلى خبر3 وإنما يحتاج إلى مرفوع بعده يعرب فاعلا أو نائب فاعل4. ولا بد في هذا النوع أن يكون وصفا5.
__________
= في قوله تعالى: يخاطب المعارضين: {بَلْ أَنْتُمْ قومٌ عادون} ، أي: ظالمون. وقوله: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون} ، وقوم الشاعر:
نقول فيرضي قولنا كل سامع ... ونحن أناس نحسن القول والفعلا
فالذي تمم الفائدة الأساسية هو النعت، لا الخبر، لأن معنى الخبر معلوم بداهة في الأمثلة السالفة من دلالة الضمير على التكلم أو التخاطب، فكلاهما قد دل بذاته وبصيغته المباشرة على حقيقة صاحبه وهي: "قوم" أو: "أناس" فهذا الخبر من النوع الذي يكمل هو وتابعه مجتمعين الفائدة الأساسية مع المبتدأ على الوجه المشار إليه في "أ" و "ب" من ص 531 و 532 وتجيء له إشارة في جـ 3س باب النعت، م 114 ص 4225- ومثل البيت السابق قول الآخر:
ونحن أناس نحب الحديث ... ونكره ما يوجب المأثما
وما ينطبق على خبر المبتدأ ينطبق على خبر النواسخ أيضا، كقول الشاعر:
ولا خير في رأي بغير روية ... ولا خير في رأي تعاب به غدا
إذ لا تتحقق الفائدة الأساسية من: "نحن أناس" - ولا من "لا خير في رأي" فهذا في البيت غير صحيح المعنى بغيسر انضمام الصفة إليه، وهي شبهه الجملة في الشطر الأول، والجملة في الشطر الثاني.
من النوع الذي نحن بصدده. المبتدا اسم الشرط، فإن خبره- في الأرجح- هو الجملة الشرطية. وهذه لا تتم المعنى إلا الجملة الجوابية المترتبة عليها، كما أشار لهذا الصبان" في جـ1 باب الكلام وما يتألف منه عند بيت ابن مالك.
والأمر إن لم يك للنون محل ... فيه، هو اسم، نحو: صه وحيهل
انظر ما يتعلق بإعراب هذا البيت في ص69.
وسيجيء عنه البيان في جـ 4 ص 418ث م 157 باب الجواز والأحكام الخاصة بجملتي الشرط والجواب
1 وفي ص 457 حكم هذا الخبر من حيث الطابقة.
2 في ص 473، وبعض الأمثلة في "جـ" من هامش ص 543.
3 لا يحتاج المبتدأ إلى خبر إن كان هذا المبتدا ناسخا يعمل، لأن اسم الناسخ "انظر البيان في رقم 1 من هامش ص 566" وسيجيء في رقم 4 من هامش ص 499 صورة أخرى، هي أن الناسخخ "مثل: ليس" يحتاج لخبر منصوب فيغني عنه أحيانا- اسم مرفوع. وسنشير لهذا في "هـ" من ص 451.
4 ومن أنواع نائب الفاعل: "شبه الجملة".
5 ولو تأويلا- كما سيجيء في "ب" من ص 449 وفي "د" من ص 450 حيث بعض الصور الأخرى- ومنها صور سماعية، لا يحتاج فيها المبتدأ إلى خبر، ولا إلى ما يغني عن الخبر.(1/444)
نوعين، نوعًا يحتاج إلى خبر حتمًا -وقد يتحتم أيضًا أن يكون هذا الخبر جملة أو شبهها كما سيأتي- ونوعًا لا يحتاج إلى خبر، وإنما يحتاج إلى مرفوع بعده يعرب فاعلا أو نائب فاعل. ولا بد في هذا النوع أن يكون وصفًا مُنكرًّا، وأن يكون رافعًا لاسم بعده يتمم المعنى؛ فإن لم يتمم المعنى لم يعرب الوصف مبتدأ مستغنيًا بمرفوعه بالصورة السالفة؛ ففي مثل: ما حاضرٌ والدُه عليّ - لا يتم المعنى بالاقتصار على الوصف مع مرفوعه؛ أيْ: ما حاضرٌ والده. وفي هذه الحالة يعرب الوصف "وهو كلمة: "حاضر" إعرابًا آخر؛ كأن نجعله خبرًا مقدمًا، و"والده" فاعله، "علي" مبتدأ مؤخر ...
والأكثر في الوصف الواقع مبتدأ أن يعتمد على نفي، أو استفهام؛ بأن يسبقه شيء منهما كالأمثلة السالفة في "ب" ويجوز -بقلة- ألا يسبقه شيء منهما؛ نحو: نافعٌ أعمالُ المخلصين، خالد سيَرُ الشهداء.
ولا فرق بين أن يكون المبتدأ اسمًا صريحًا؛ كالأمثلة السالفة -وأن يكون اسمًا بالتأويل؛ نحو "أنْ تقتصد" أنفع لك، "أنْ تجنتبَ" الغضبَ أقربُ
__________
1 ولا يحتاج تنكيره لمسوغ
"كما سيجيء في رقم 3 من هامش ص 485".
2 سواء أكان ظاهرا، نحو أمقاتل على؟ . أم ضميرا بارزا- كما سيجيء في ص 455 ورقم 1 من هامشها نحو أمقاتل أنت؟ - أم ضميرا متصلا مجرورا بحرف جر، نحو: فلان مغضوب عليه، فالضمير المجرر نائب فاعل في محل رفع. وعند التساهل والتيسير يقال في الإعراب: الجار والمجرور نائب فاعل- كما في رقم 4 من هامش ص 462.
أما رفعه الضمير المستتر فكثير من النحاة يمنعه، نحو أقائم محمد أم قاعد؟ وذلك على اعتبار أن كلمة "قاعد" معطوفة على قائم فهي مبتدأ مثلها، يحتاج إلى فاعل يكون ضمير وبارزا، وهو هنا غير بارز، وفريق آخر يجيزه مستترا، ورأيه أحسن. لأن الأخذ به- هنا أيسر، ولا ضرر فيه ولا تكلف.
3 لأن الوصف هنا بمنزلة الفعل، والاسم المرفوع بالوصف بمنزلة القاعدة أو نائب الفاعل، وكلاهما يتمم معنى الجملة، ودليل المشابهة بين الوصف والفعل أن الوصف لم يرد مصغرا، ولا منعوتا، ولا معرف. وكذلك لم يرد في الأعم الأغلب- مثنى أو مجموعا- وإن كان من القليل الجائز إعمالها.
- كما سيجيء في جـ3 ص 243 م 102، باب "اسم الفاعل". -
4- ويصح "إعراب" "على" مبتدأ مؤخر، و "والد" مبتدأ ثان، والوصف، "حاضر" خبر مقدم للمبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر الأول.
5 تقييدهم الاعتماد بالنفي والاستفهام يدل على أن الاعتماد على غيرهما لا يكفي في تحقيق الأكثر والأفصح: كما في مثل: محمود قائم أبواه، فإعراب "قائم" مبتدأ ثانيا، غير فصيح بالرغم من من اعتماده على المبتدأ المخبر عنه، "كما قال صاحب المغنى- راجع حاشية الصبان، جـ1 في هذا الموضع" - أما الاعتماد في باب اسم الفاعل- وأمثاله - فيختلف عما هنا في أسبابه وأنواعه وأحكامه، كما سيجيء في بابه جـ 3.(1/445)
للسلامة. أي: اقتصادك ... واجتنابك1، وكقول الشاعر:
فما حَسَنٌ أن يَعذِرَ2 المرء نفسَه ... وليس له من سائر الناس عاذر 3
والمبتدأ مع خبره أومع ما يغني عن الخبر4 نوع من الجملة الاسمية 5.
__________
1 فالمصدر المؤول من "أن والفعل والفاعل" في محل رفع مبتدأ.
2 المصدر المؤول كاملا هو: عذر المرء نفسه، والمبتدأ هو: عذر ... ويصح إعرابهه فاعلا للوصف: "حسن" قبله، ويصح أيضا إعرابه خبرا للوصف.
3 وكذلك قول الشاعر:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوا له ما من صداقته بد
4 التعبير بقولنا: المبتدأ مع خبره أو ما يغني عن الخبر.... أفضل وأدق من التعبير الوارد في كثير منن المراجع النحوية، وهو: المبتدأ مع خبره، أو مع مرفوعه الذي يستغنى به عن الخبر.... "لأن المبتدأ قد يستغنى عن الخبر وعما يغني عنه استغناء تاما، وقد يستغنى عن خبره باسم مرفوع للناسخ، "طبقا لما أشرنا إليه في رقم 2 و 4 من هامش ص 444 وللبيان الذي في رقمم 1 من هامش ص 566 وفي "د" من ص 449".
5 الجملة - كما سبق في الباب الأول - ما تركبت من جزأين أساسين يؤديان معنى مفيدا. وهما يسميان: طرق الجملة، أو ركنيها. "راجع ص 15" والجملة قسمان: وسنشير لما يأتي في ص 466 -:
أ- اسمية وهي: التي تكون مبدوءة باسم بدءا أصيلا، كالجملة المكونة من المبتدأ مع خبره، أو: مع ما يغني عن الخبر ... وكاسم الفعل مع مرفوعه.
وبهذه المناسبة يقول النحاة: إن الوصف مع مرفوعه ولو كان اسما ظاهرا يعد من قبيل المفرد، لا الجملة، إلا الوصف الواقع مبتدأ مستغنيا بمرفوعه عن الخبر، فقيل: جملة، وقيل، إنه في حكم الجملة، وهذا هو الشائع وأما الوصف الواقع صلة: "أل" فالأرجح أنه شبه جملة، "كما سبق عند الكلام: صلة الموصول" رقم1 من هامش ص 384" وليس جملة، ولكنه في قوتها معنى، والخلاف لفظي، لا أثر له من حيث المعنى، فلا داعي للاهتمام به. وقد سبق بيان لهذا في الموضع المشار إليه.
ب- فعلية وهي التي تكون مبدوءة بفعل، "ومنها الجملة المبدوءة بحرف النداء".
وقد أشار ابن مالك إلى كثير من الأحكام السابقة الخاصة بالمبتدأ بقوله في باب عنوانه: "المبتدأ والخبر":
مبتدأ زيد، وعاذر خبر ... إن قلت: زيد عاذر من اعتذر
وأول مبتدأ والثاني ... فاعل أغنى، في: أسار ذان؟
وقس، وكاستفهام النفي، وقد ... يجوز نحو: فائز أولو الرشد
أي: إن قلت: "زيد عاذر من اعتذر، بمعنى، أنه قابل عذر من اعتذر" فزيد مبتدأ، و "عاذر" خبر. وإن قلت: "أسار هذان؟ " فإن "سار" وهو الاسم الأول، مبتدأ، و "ذان" هو الاسم الثانيس- فاعل، أغنى عن الخبر، لأن المبتدأ وصف مسبوق هنا باستفهام. ثم قال: قيس على هذا المثال أشباهه، من كل وصف معتمد على استفهام، أو نفي. ويجوز - بقلة - ألا يسبقه شيء منهما، نحو: فائز أولو الرشد، فلا يتغير الإعراب.(1/446)
وبمناسبة الكلام على المبتدأ والخبر وأنهما مرفوعان1، بحث النحاة- كعادتهم عن العامل الذي يوجد الضمة في كل منهما. ولما لم يجدوا قبل المبتدأ عاملًا لفظيًّا يوجدها، قالوا: إن العامل معنوي، وجود المبتدأ في أول الجملة، لا يسبقه لفظ آخر، وسموا هذا العامل المعنوي: "الابتداء" فالمبتدأ عندهم مرفوع بالابتداء. أما الخبر فعامل الرفع فيه هو المبتدأ أي: أن الخبر مرفوع بالمبتدأ هذا رأي من عدة آراء لا أثر لها في ضبط كل منهما، ولا في وضوح معناهما، ومعنى الكلام، فالخبر في إهمالها، وتناسيها، والاقتصار على معرفة أن المبتدأ مرفوع، والخبر مرفوع كذلك2.
__________
1 إما رفعا ظاهرًا، "نحو: الزراعة ثروة" أو رفعًا مقدرًا، نحو: "الصناعة غني" وإما محليًّا كأن يكون الخبر جملة، أو نحوها مما يكون في محل رفع، كالمصدر المؤول- "نحو: الأمانة التي تجلب الغنى -الصناعة خيرها عميم- براعتك أن تجيد عملك....".
2 يقول ابن مالك في تلك القاعدة التي لا فائدة منها اليوم:
ورفعوا مبتدًا بالابتدا ... كذاك رفع خبر بالمبتدا(1/447)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"ا" عرفنا1 أن العوامل الأصلية لا تدخل على المبتدأ، أما غير الأصلية "وهى الزائدة وشبه الزائدة" فقد تدخل؛ فمثال الزائدة "مِنْ" فى قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ 2 ?للَّهِ} ، ومثالُ شبه الزائدة: "رُبّ" في مثل: "رُبّ قادمٍ غَريبٍ أفادنا. فكلمةَ: "مِن" حرف جر زائد؛ دخل على المبتدأ؛ فَجَرَّه فى اللفظ، دون المحل. ولذلك نقول فى إعرابه: إنه مبتدأ مجرور بمِنْ فى محل رفع3.
وكذلك كلمة: "قادم" فإنها مبتدأ مجرور فى اللفظ بحر الجر الشبيه بالزائد، وهو: "رُبّ" - فى محل رفع4.
__________
1 رقم 6 من هامش ص 442.
2 يعرب النحاة كلمة: "غير" في هذه الآية إما صفة لخالق، "التي هي مبتدأ مجرورة في اللفظ، نن مرفوعة في المحل"، والخبر محذوف، فالتقدير: هل من خالق غير الله "لكم"؟ وإما خبر المبتدأ ولا يعربونها فاعلا يغني عن الخبر، بحجة أن الوصف الذي له فاعل يغني عن الخبر بمنزلة الفعل، والفعل لا تدخل عليه "من" الزائدة، فكذا ما هو بمنزلته. وهذا رأي أساسه التخيل والتوهم، فلا داعي للأخذ به، كي لا تخرج هذه الحالة من القاعدة العامة "الموضحة في: "أ" من ص 453" بغير حجة مقبولة.
3 ومن أمثلة ذلك: "بحسبك علم، فإنه أمضى سلاح، وكافيك بحسن الخلق، فإنه غني دائم، فالباء في كلمتي: "حسب" و "حسن" وحرف جر زائد، , وما بعدها مجرور بها في محل رفع مبتدأ. "وحسبك" بمعنى "كافيك" وكلاهما بمعنى يكفيك. "وقد سبقت إشارة إلى استعمالف: "فحسب" في هامش ص 422 أما تفصل الكلام عليها ففي جـ3 باب الإضافة، ص 147 م 95".
ومن الأمثلة أيضا: ناهيك بدين الله، فالباء حرف جر زائد، و "دين" مجرور بها في محل رفع مبتدأ، وخبره كلمة: "ناهي...." والمعنى دين الله ناهيك عن طلب غيره، لكفايته. وهذه اللمة متوغلة في الإبهام "انظر جـ 3 م 93" وفي الأمثلة السابقة إعرابات أخرى ليس مكانها هنا.
ومن مواضع زيادة "باء الجر" دخولها على المبتدأ بعد "إذا" الفجائية، نحو خرجت فإذا بالصديق قادم - كما جاء في المغنى عند الكلام على: "باء الجر" -، وكذلك دخولها على المبتدأ الضمير في مثل: كيف بك عند اشتداد الكرب. والأصل كيف أنت.... فلما زيدت الباء وجب تغيير الضمير "أنت لأنه ضمير مقصور على الرفع. فأتينا بدله بضمير يؤدي معناه، ويصلح لدخول حرف الجر، وهو: "كاف" المخاطب، "مجرورة بالباء لفظا في محل رفع مبتدأ ومن هذا قول النابغة الأساس- جـ 1 مادة: "جنح" ص 137" -:
يقولون حصن. ثم تأبى نفوسهم ... فكيف بحصن والجبال جنوح؟
4 تقدم في هامش 441 الكلام على حرف الجر الأصل، والزائد، والشبيه بالزائد.(1/448)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"ب" الوصف الذى له مرفوع يستغنى به عن الخبر هوالوصف المشتق الجارى مجرى فعله فى كثير من الأمور، وأوضحها: المشاركةُ فى الحروف الأصلية، وحركاتها وسكناتها، وفى عمله ومعناه ... كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشتبهة، وكذا اسم التفضيل؛ فإنه قد يرفع الظاهر فى مثل: ما رأيت ورقةً أحسنَ فى سطورها الخطُّ منه فى ورقةِ محمودٍ. فيقال هنا عند وقوعه مبتدأ هل أحسنُ فى سطور هذه الورقةِ الخطُّ منه في سطور غيرها؟
ويلحق بالوصف ما أوّلَ به؛ من كل جامد تضمن معناه؛ مثل: أأسدٌ الرجلان؟ بمعنى أشجاعٌ الرجلان؟. والمنسوب؛ نحون: أعربىٌّ الشاعران. أى: أمنسوب الشاعران للعرب؟ و"ذَو" بمعنى صاحب؛ نحو: أذوعلم القادمان؟ بمعنى: أصاحب علم القادمان؟ والمصغر؛ نحو: أصُخَيْرٌ المرتفعان؛ لأنه بمعنى: صخر صغير. فكل هذه الأنواع المؤولة تجرى مجرى المشتق فى أن لها مرفوعاً فى بعض الأحيان تستغنى به عن الخبر.
"حـ" قلنا إن الوصف يسبقه فى الأكثر نفى، أواستفهام؛ فالنفى قد يكون بالحرف؛ نحو: ما غائب الشاهدان، أوبالفعل؛ نحو: ليس محبوب الغادرون4.
__________
1 انظر ما يتصل ويوضح هذا في رقم 4 من هامش ص 462.
2 انظر رقم 2 من هامش ص 445.
3 انظر رقم 6 من هامش ص 461.
4 "ليس" فعل ماض. "محبوب" اسمها مرفوع، وأصله مبتدأ، "والغادرون" نائب فاعل "لمحبوب"، مرفوع بالواو، ويغني عن خبر ليس فهو من المواضع التي يغني فيها المرفوع مع بقائه مرفوعا- عن المنصوب، وقد أشرنا لهذا في رقمم 2 من هامش ص 444، كما أشرنا هناك إلى صورة أخرى، هي: أن المبتدأ لا يحتاج إلى خبر إن كان هذا المبتدأ وصفا ناسخا يعمل على الوجه الذي وضحه المثال الذي في رقم 1 من هامش ص 566.
جاء في حاشية الصبان هنا- عند الكلام على إعراب الوصف الواقع بعد أداة النفي "ليس"- ما يقارب النص الآتي: "إدخال اسم "ليس" فيما نحن فيه هو باعتبار كونه مبتدأ في الأصل. وكذا يقال في اسم "ما" عند اعتبارها حجازية، وكذلك إدخال الفاعل- ونائبه- فيما نحن فيه، هو باعتبار كونه مغنيا عن خبر مبتدأ في الأصل. وكذا يقال في خبر "ما" الحجازية، ثم في إغناء الفاعل- أو: نائبه - عن خبر "ليس" أو "ما" إغناء مرفوع عن منصوب. ولا ضرر في ذلك، ويظهر أنه لا يقال: هذا الفاعل أو نائبه- في محل نصب، باعتبار إغنائه عن خبر: "ليس"، أو: "ما"، لأنه ليس للأداة ما" أو: "ليس" في هذه الحالة خبر محله الفاعل - أو نائبه- بل الذي تستحقه بعد اسمها فاعل- أو نائب - لاسمها". أهـ. بتصرف قليل يوضح ما غمض من بعض ألفاظ قليلة.(1/449)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أوبالاسم؛ نحو: غيرُ نافعٍ1 مالٌ حرامٌ. وغيرها من أدوات النفى التى تدخل على الأسماء. بخَلاف ما لا يدخل عليها؛ مثل: لم، ولمَّا، ولن، فإنها أدوات نفى مخنصة بالمضارع. وقد يكون النفى لفظيًا؛ لوجود لفظه كما سبق، أومعنويًا فى نحو: إنما قائم الحاضرون، لأنه فى قوة: ما قائم إلا الحاضرون. وإذا نقص النفى بإلا لم يتغير الحكم السابق؛ نحو: ما قائم إلا الحاضرون.
وكذلك الاستهفام قد يكون بالحرف نحو: أحافظٌ الصديقان العهدَ؟ هل عالمٌ أنّما الخبرَ؟ أوبالاسم؛ نحو: كيف جالسٌ الضيوفُ؟ ومَنْ مكرِمٌ الآباءُ! ومتى قادمٌ السائحون؟.
"وكلمة "كيف" حال من الفاعل وهو "ضيوف" مبنية على الفتح في محل نصب2. و "من" مفعول به لكلمة: مكرم، مبني على السكون في محل نصب. و "متى" ظرف لكلمة: "قادم مبني على السكون في محل نصب".
وقد يكون الاستفهام مقدرًا يدل عليه دليل؛ نحو: واقف الرجلان أم قاعدان؟ فوجود "أمْ" دليل على أنها مسبوقة باستفهام؛ شأن "أمْ" التى لطلب التعيين.
"د" سبق3 أن المبتدأ الذى يستغنى بمرفوعه عن الخبر مقصور على نوع معين من المشتقات "أى: من الوصف"؛ وعلى الجامد المؤول بالمشتق وقد سبقت أمثلته. ومن أمثلته أيضاً بعض أساليب سماعية وقع فيها المبتدأ اسمًا جامدًا ليس له خبر؛ وإنما له اسم مرفوع يغنى عن الخبر؛ وذلك لتأول الجامد بالمشتق،
__________
1 "غير" مبتدأ، مضاف. "نافع" مضاف إليه مجرور. "مال" فاعل، لنافع، يغني عن الخبر، لأن المعني. "ما نافع مال حرام"، فأنزلنا: "غير نافع" منزلة: "ما نافع"، لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة الشيء الواحد، ولهذا يقال: إن الوصف هنا- وهو كلمة: "نافع" ليس مبتدأ ومثلة ورد من قوله الشاعر:
غير لاه عداك فاطرح اللهو ... و، ولا تغترر بعارض سلم
"فغير مبتدأ مضاف، و "لاه" مضاف إليه مجرور، و "عدا" فاعل للوصف: لاء" يغني عن الخبر: ومثل قوله:
غير مأسوف على زمن ... ينقضي بالهم والحزن
فالجار والمجرور "على زمن" نائب فاعل للوصف "مأسوف، اسم المفعول" يغني عن الخبر.
2 في هامش ص 509 أوجه إعراب: "كيف".
3 في ص 442 وفي "ب" من ص 448.(1/450)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كقولهم لا نَوْلُكَ أن تفعل كذا ... يريدون: ما متناولك أن تفعل ... أى: ليس متناولك هذا الفعل، فليس هوالذى تتناوله. والمراد لا ينبغى ولا يليق بك تناوله. فكلمة: "نوْل" جامدة؛ لأنها مصدر بمعنى: التناول، ولكنها مؤولة بالمشتق؛ إذ معناها: متناوَل، فهى بمعنى اسم المفعول، وتعرب مبتدأ، بمعنى: متناوَل، والمصدر المؤول من أنْ والفعل والفاعل: "أن تفعل" فى محل رفع نائب فاعل لها. ولا مانع من أن تكون كلمة "نول" مبتدأ والمصدر المؤول فى محل رفع خبره. وبهذا لا تحتاج إلى تأويل.
وكذلك وردت أساليب أخرى قليلة "لا يجوز القياس عليها" وقع فيها المبتدأ وصفًا لا خبرٍ له، ولا مرفوع يغنى عن الخبر، منها؛ أقل رجل يقول ذلك. والمراد؛ قَل رجلٌ يقول ذلك1؛ أى: صَغُر شأ، هـ وحَقُر. فقيل إن المبتدأ لا يحتاج هنا إلىخبر، وجملة: "يقول ذلك" صفة "لرجل" النكرة؛ لأن حاجة النكرة إلى الصفة أشد من حاجة المبتدأ إلى الخبر؛ فتُفَضّل الصفة على الخبر؛ فتغنى عنه. وقيل السبب هو: أن المبتدأ ليس مبتدأ فى المعنى؛ إذ الكلام ليس مقصودًا به التفضيل؛ وإنما المعنى: قَلَّ رجلٌ يقول ذلك؛ فهومبتدأ فى ظاهره، فعل فى معناه وحقيقته؛ فكيتفى بالمضاف إليه الذى هوفاعل فى الأصل، ويستغنى به عن الخبر. وقيل: إنه مبتدأ والجملة هى الخبر؛ والأخذ بها الرأى وحده أوفق؛ لمسايرته الأصل العام الذى يقضى بأن للمبتدأ خبرًا، أومرفوعًا يغنى عنه. على أن هذا الأسلوب سماعى لا يجوز القياس عليه، فذكره ليفهمه من يراه فى النصوص المسموعة؛ فيقتصر عليها فى الاستعمال.
هـ- أشرنا فى "رقم 2 من هامش ص 402" إلى المبتدأ الى لا يحتاج لخبر إن كان هذا المبتدأ وصفًا ناسخًا يعمل؛ كالمثال الذى فى رقم 1 من هامش ص 511 كما أشرنا فى رقم 3 من هامش ص 406 إلى الناسخ الذى يحتاج لخبر منصوب فيستغنى عنه بمرفوع.
و إذا كان الخبر هوالذى يتمم الفائدة مع المبتدأ - على الوجه المشروح
__________
1 ومن معانيه أيضا نفي الجنس، أي: لا رجل يقول ذلك وهو من الألفاظ الملازمة للابتداء- كما سيجي في جـ" من هامش ص 543-.(1/451)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيما تقدمم1 فأين الخبر في مثل: فلان - وإن كثر ماله - لكنه بخيل؟ .
وهذا تعبير يتردد على ألسنة بعض السابقين من "المولدين2" الذين لا يستشهد بكلامهم ومثله: فلان - وإن كثر ماله - إلا أنه بخيل. وكلا التعبيرين ظاهر القبح والفساد3 بالرغم مما حاوله بعض متأخري النحاة- كما نقل الصبان4 من تأويله تأويلا غير مستاغ، ليصحح الأول على أحد اعتبارينن:
أولهما: أن جملة الاستدراك هي الخبر، بشرط اعتبار المبتدأ مقيدا بالقيد المستفاد من الجملة الشرطية التي بعده، فإن المراد، فلان مع كثرة ماله، ن بخيل ... أو: فلان الكثيرث المال بخيل، أو نحو هذا.... والتكلف المعيب ظاهر في هذا.
ثانيهما: أن يكون الخبر محذوفا والاستدراك منه. أي: فلان دائب العمل وإن كثر ماله لكنه بخيل. أو....
وهذا الوجه المعيب ينطبق على المثال الثاني أيضا5.
__________
1 ص 442 ورقم 8 من هامشها.
2 جاء في المصباح المنير ما نصه في مادة "ولد": "رجل مولد، بالفتح: عربي غير محض، و "كلام مولد" كذلك". أهـ. وغير محض، أي غير خالص. وفي الأساس ما نصه: "ولدوا حديثا وكلاما: استحدثوه. وكلام مولد: ليس من أصل لغتهم. وشاعر مولد" أهـ.
3 أما في الأسلوب الأول فلعدم وقوع "لكن" بين جملتين، كما تقضي بهذا الضوابط التي توجب أن تقع أداة الاستدراك "وهي "لكن" مشددة النون، وساكنتها" بين جملتين، كما توجب ألا تقع في صدر جملة تعرب خبرا عن مبتدأ، إذ المبتدأ ليس جملة، فلا تتوسط بين جملتين،
وأما في الأسلوب الثاني فلأنه نوع من الاستثناء غير معروف عن العرب الذين يستشهد بكلامهم.
4 "جـ 1" أول باب: "المبتدأ والخبر"، عند تعريف الخبر.
5 سيجيء لهذا البحث بيان آخر في رقم 22 من هامش ص 471، وإشارة أخرى عند الكلام على: "لكن"، في رقم 2 من 2 ص 6300-- وكذلك في جـ4 ص 407، مم 155 حيث نجد وجها ثالثا، هو: زيادة "إن" وهو معيب هنا.(1/452)
المسألة الرابعة والثلاثون: تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه
إذا كان المبتدأ وصفًا متقدمًا فله مع مرفوعه حالتان؛ إحداهما: أن يتطابقا فى الإفراد، والتثنية، والجمع والأخرى: ألا يتطابقا.
"ا" فإن تطابقا فى الإفراد مع تقدم الوصف "مثل: أحاضرٌ القلمُ؟ - ما مهزومٌ الحقٌّ" جاز أن يعرب الوصف المتقدم مبتدأ والاسم المرفوع به فاعلا، أونائب فاعل، على حسب نوع الوصف، وجاز أن يعرب الوصف خبرًا مقدمًا. والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا. ففى المثال الأول يجوز أن تكون كلمة: "حاضر" مبتدأ، وكلمة: "القلم" فاعل أغنى عن الخبر. ويجوز أن تكون كلمة: "حاضر" خبرًا مقدمًا. والقلم مبتدأ مؤخرًا.
وفى المثال الثانى يصح أن تكون كلمة: مهزوم؛ مبتدأ "والحق" نائب فاعل أغنى عن الخبر. كما يجوز أن تكون كلمة: "مهزوم" خبرًا مقدمًا و"الحق" مبتدأ مؤخرًا.
والمطابقة فى الإفراد على الوجه السابق الذى يبيح الإعرابين المذكورين تقتضى المطابقة فى التذكير والتأنيث حتمًا؛ فإن اختلفت فى مثل: "أمغرد فى الحديقة عصفورة"؟ وجب إعراب الوصف مبتدأ، والاسم المرفوع بعده فاعله أونائب فاعل على حسب نوع الوصف، ولا يصح إعراب الوصف خبرًا مقدمًا
__________
1 المراد به: التماثل في الإفراد، والتثنية، والجمع، وما يصحب ذلك من التأنيث، والتذكير وقد سبقت صور هامة منه "في: "ح" من ص 262" وهي غير الآتية هنا، وفي ص 455، والتطابق أنواع يذكر كل نوع في الباب الذي يتناسبه، كما قلنا في 2 من هامش ص 2622 أما غير الوصف ففي ص 457.
2 لأن الوصف المتأخر لا يصح أن يسبقه مرفوعه "الفاعل، أو نائب الفاعل"، إذ الوصف بمنزلة الفعل في هذا، والفعل لا يتقدم عليه مرفوعه.
3 فالاسم المرفوع باسم الفاعل وصيغ المبالغة، أو بالصفة المشبهة، أو بأفعل التفضيل- يعرب فاعلا، والمرفوع باسم المفعول يعرب نائب فاعل - كما سبق في رقمم 2 من هامش ص 442 -- ولا يجيزون تطبيق هذا الحكم على نحو: "هل من خالق غير الله.... " لما تقدم في رقم 2 من هامش ص 448 - وهناك الرد عليه.
4 ويعرب نائب فاعل حين يكون الوصف إسم مفعول - كما أشرنا في رقم 3 -.(1/453)
مع إعراب الاسم المرفوع مبتدأ مؤخرًا؛ وذلك لعدم تطابقهما فى التأنيث؛ إذ لا يصح أن نقول: أعصفورة مغرد فى الحديقة.
ومما يجوز فيه الأمران أيضاً: أن يكون الوصف أحد الألفاظ التى يصح استعمالها بصورة واحدة فى الإفراد والتأنيث وفروعهما من غير أن تتغير صيغتها؛ مثل كلمة: "عدو"، فيصح: اللص عدو- اللصان عدو- اللصوص عدو- اللصة عدو- اللصتان عدو- اللصات عدو ... فمثل هذه الكلمة التى يصح فيها أن تلزم صورة واحدة فى جميع الأساليب يجوز فيها إذا وقعت مبتدأ وبعدها اسم مرفوع: "مثل: أعدواللص - أعدواللصان - أعدواللصوص ... " أن يكون هذا الاسم المرفوع بها فاعلا لها أونائب فاعل، على حسب نوع الوصف. كما يجوز أن يكون الوصف خبرًا مقدمًا والمرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا. فهذه مسألة أخرى يجوز فيها الأمران1. ومثلها المصدر الذى يصح أن يستعمل بلفظ واحد فى استعمالاته المختلفة؛ مثل: أحاضر عدْل - أحاضران عدل - أحاضرون عدْل ... و ...
وإن تطابقا فى التثنية أوالجمع "مثل: ما السابحان المحمدان - ما السابحون المحمدون"، فالأحسن - فى رأى جمهورة النحاة2 - أن يعرب الوصف خبرًا مقدمًا والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا3.
__________
"1 و1" ومن الكلمات التي قد تستعمل بلفظ واحد في الأساليب المختلفة: "صريح"، و "محض" "في مثل: هذا عربي محض، أي: خالص العروبة، وعربيا في محض، وعرب محض" و "رسول"، و "صديق"، و "قنعان" "بضم القاف، وسكون النون، رجل قنعان، أي: يقنع الناس بكلامه، ويرضون برأيه، وامرأة قنعان، ونسوة قنعان.... كل ذلك بغير تثنية ولا جمع، ولا تأنيث...." و " د لا ص"، "يقال: درع د لا ص، أي: براقة، بلفظ واحد في الاستعمالات كلها إلى غير ذلك من الألفاظ التي ورد كثير منها في آخر الجزء الثاني من "المزهر" للسيوطي.
2 وقيل هو واجب، لما سيجيء في رقم 3 بعد هذا مباشرة.
3 وفي هذا الرأي يقول ابن مالك:
والثان مبتدأ وذا الوصف خبر ... إن في سوى الإفراد طبقا استقر
يريد "بالثاني: الاسم المرفوع بعد الوصف، فيعرب مبتدأ مؤخرا، ويعرب الوصف خبرا مقدما بشرط أن يكون ذلك الاسم طبقا، "أي: مطابقا" للوصف في غير الإفراد، بأن يطابه في التثنة. والجمع، ونحن لا نوافق النحاة القدامي على رأيهم هذا، لأن حجتهم واهية، فهم يقولون إن الوصف في هذه الصورة لو أعرب مبتدأ وما بعده فاعله أو نائب فاعله، لترتب على ذلك أن يكون الوصف =(1/454)
"ب" وإن لم يتطابقا فإن كان الوصف مفردًا ومرفوعه مثنى أوجمعًا "مثل: أعالم المحمدان؟ أمحبوب المحمدون؟ " صح التركيب فى هذه الصورة الخالية من المطابقة، ووجب إعراب الوصف مبتدأ، وإعراب مرفوعه فاعلا أونائب فاعل على حسب حاجة الوصف - أغْنَى عن الخبر، ولا يجوز أن يكون مرفوعه مبتدأ لئلا يترتب على ذلك أن يكون المبتدأ مثنى أوجمعًا والخبر مفردًا؛ وهذا لا يجوز ويتساوى فى هذا الحكم أن يكون مرفوع الوصف اسمًا ظاهرًا، وضميرًا بارزًا1 ...
أما فى غير هذه الصورة فلا يصح التركيب؛ ويكون الأسلوب فاسدًا. فمن الصور الفاسدة: أن يكون الوصف مثنى والاسم المرفوع مفردًا؛ مثل: ما قائمان محمد، أويكون الوصف مثنى والاسم المرفوع جمعًا؛ نحو: أقائمان
__________
= مثنى، أو مجموعا، والوصف عندهم إذا رفع اسما بعده، يكون بمنزلة الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع، فكذلك ما هو بمنزلته. ونقول هنا ما قلناه من قبل- في رقم 2 من هامش ص 448-، وهو أن أساس رأيهم التوهم، والتخيل، والقياس الجدلي، لا اليقين، ولا الظن القوي، أو ما يدانيه، ولا القياس الحقيقي على ما نطقت به العرب، ففيه ما فيه من تحكم لا داعي له، فقد تكلم العرب الفصحاء بمثل هذا الأسلوب كثيرا، ولم يقولوا لأحد إن الوصف مبتدأ أو غير مبتدأ، ولم يقولوا في المرفوع بعده إنه يجب أن يكون مبتدأ والوصف خبره ... لم يقولوا شيئا من ذلك ولم يتعرضوا للناحية الإعرابية. فكل حقهم وحق اللغة علينا ألا نخالف نهج هذا الأسلوب عند الصياغة كما ورد عنهم في تأدية معنى معين، وألا نخرج عن طريقتهم في تكوينه، وضبط مفرداته، ومعناه، أما ما عدا ذلك من الأسماء والتسميات والإعرابات- فلا شأن لهم به، وإنما هو شأن المعنيين بالدراسات اللغوية والنحوية في العصور المختلفة، وقد ترتب على رأي النحاة القدامي تعدد التقسيم في مطابقة الوصف، وكثرة الأحكام، فكان هناك التطابق في الإفراد، وله حكمان، وهناك التطابق في التثنية والجمع، ولكل حكمه. والرأي السمح الذي يرتضيه العقل أن التطابق في الإفراد كالتطابق في التثنية وفي الجمع، فما يجوز في حالة الإفراد يجوز في غيره عند التطابق، وبذلك ندخل التطابق كله في قسم واحد متقق في حكمه، ونستغنى عن التطابق في حالتي التثنية والجمع وعن حكمه المستقل. ولن يترتب على ذلك ضرر في طريقة صوغ الأسلوب، ولا في ضبط كلماتهه وحروفه، ولا في معناه، كما قلنا.
وفوق هذا فرأينا يساير بعض اللهجات الصحيحة التي تناقض حجة النحاة في قولهم: إن الفعل لا تلحقه علامة تثنيته ولاجمع، وأن ما يشبهه يسير على منواله، ذلك أن بعض القبائل العربية الفصيحة يخالف هذا، فليحق بالفعل علامة التثنية والجمع، وبلغتهم أخذ فريق كبير من النحاة. كما سيجيء في جـ 2 باب: "الفاعل" وأحكامه ومنها: الحكم الرابع، م 55 ص 71 فالرأي بتوحيد التطابق رأي فيه تيسير فوق مسايرته للعقل والنقل.
1 ومن أمثلة الضمير البارز قول الشاعر:
خليلي، ما واف بعهدي أنتما ... إذا لم تكونا لي على من أقاطع
فليس منن اللازم أن يكون مرفوع الوصف اسما ظاهرا. فقد يكون ضميرا مستترا أو بارزا، وقد يكون ضميرا متصلا مجرورا بحرف جر، "كالمثال الذي سبق في رقم 22 من هامش ص 445 و 4 من هامش ص 462."(1/455)
المحمدون؟. أويكون الوصف جمعًا، والاسم المرفوع مفردًا، مثل: أحاضرون محمدٌ؟ أويكون الوصف جمعًا والاسم المرفوع مثنى؛ نحو: أحاضرون الرجلان ... وهكذا كل صورة تخلومن المطابقة الصحيحة.
من كل ما تقدم يمكن تلخيص الحالات الإعرابية الخاصة بالمبتدأ الوصف فى ثلاث1:
الأولى: وجوب إعرابه مبتدأ يرفع فاعلا، أونائبه - إذا لم يطابق ما بعده. وهذه الحالة مقصورة على أن يكون الوصف المتقدم مفردًا، والاسم المرفوع بعده مثنى أوجمعًا؛ نحو: أسابح المحمودان؟ - أسابح المحمودون؟
الثانية: وجوب إعرابه خبرًا2 مقدمًا والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا، وذلك عند تطابقهما فى التثنية أوفى الجمع؛ نحو: أنائمان الرجلان؟ أنائمون الرجال؟
الثالثة: جواز الأمرين إن تطابقا فى الإفراد، وما يقتضيه3. مثل أقارىء الجندىّ؟ وفى بعض مسائل سبقت الإشارة إليها4.
__________
1 مع "مراعاة المحكومم عليه والمحكوم به، فهذه المراعاة واجبة دائما، ولها الاعتبار الأول، وتقضي بأن يكون المحكوم عليه هو المبتدأ، والمحكوم به هو: الخبر
وقد شرحنا هذا في هامش ص 442.
2 وذلك رأي كثير من النحاة، ورأينا جواز الأمرين، لما بسطناهه في رقم 3 من هامش ص 454
3 ما لم يمنع مانع آخر سبق توضيحهه في ص 453. وكمراعاة المحكوم والمحكوم عليه.
4 في ص 454.(1/456)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"ا" هناك أنواع أخرى من المطابقة الواجبة، أوالجائزة، أوالممنوعة فيجب أن يكون الخبر مطابقًا للمبتدأ فى الإفراد والتذكير، وفروعهما1؛ بشرط أن يكون الخبر مشتقًّا لا يستوى فيه التذكير والتأنيث، وأن يكون جاريًا على مبتدئه. ومن الأمثلة: محمود غائب، المحمودان غائبان، المحمودون غائبون. فاطمة غائبة. الفاطمتان غائبتان، الفاطمات غائبات ... فلا تطابق فى مثل: زينب إنسان، ولا مثل: أتعرفُ الدنيا خداعة؟ وهى إقبال وإدبار؛ لعدم اشتقاق الخبر. ولا فى: هذا جريح؛ لأن الخبر وصف يستوى فيه المذكر والمؤنث "وسيجىء فى باب التأنيث من الجزء الرابع تفصيل هذه المسألة" ولا فى: سعاد كريم أبوها؛ لأن الخبر جار على غير مبتدئه.
وإذا كان المبتدأ جمعًا لما لا يعقل جاز فى خبره أن يكون مفردًا مؤنثًا، أوجمعًا سالما مؤنثًا، أوجمع تكسير للمؤنث، أوجمع تكسير للمذكر؛ مراعاةً لمفرده المذكر غير العاقل - إن لم يمنع من الجُمُوع السالفة ما نع آخر - نحو: العقوبات رادعة، أورادعات، أوروادع - البيوت عالية، أوعاليات، أوعوال، أو: أعال، جمعُ أعْلَى. فإن كان المبتدأ جمع مؤنث للعاقل جاز فى خبره أن يكون مفردًا مؤنثًا، أوجمع مؤنث سالمًا، أوجمع تكسير للمؤنث؛ نحوالمتعلمات نافعة، أونافعات، أونوافع. وقد سبق لهذا - ولحالات أخرى - بيان عند الكلام على تطابق الضمير ومرجعه2.
__________
1 وكذلك تسري المطابقة وجوبا، على المبتدأ المتعدد-- مثنى، أو جمعا- إذا كان تعددهه بطريق التفريق، أي: عطف بعض الأفراد على بعض، نحو: الأرض والقمر كوكبان في المجموعة الشمسية، ونحو: محمود وصالح مخترعون ... ومن التثنية بالتفريق قول الشاعر:
الكبر والحمد ضدان. اتفاقهما ... مثلي اتفاق فتاء السن والكبر
"الفتاء: الشباب". وقد يكون تعدد المبتدأ بمراعاة معطوف محذوف، نحو: راكب الناقة - طليحان - بالبيان الذي في أول ص 453.
2 انظر رقم 11 من هامش ص 22 ثم ص 262 "ح" ثم في رقم 6 من هامش ص 321 ثم في ص 3349 وهامشهما وص 457 وما بعدها، ويجيء له بيان أيضا في جـ 3 ص 4300 م 114 - باب النعت- وفيه إن بعض المراجع التي أخذ منها.(1/457)
وقد يُذَكَّر المبتدأ لمرادعاة الخبر؛ كقوله تعالى: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ} والإشارة المثناة راجعة إلى اليد والعصا قبل هذه الآية1، وهما مؤنثتان، ولكن المبتدأ هنا مذكر لتذكير الخبر، ومثله قوله تعالى: {فَلَماَّ رَأَى لشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ} 2 ... فاسم الإشارة: "هذا" مذكر، مع أن المشار إليه - وهو: الشمس - مؤنث، فحق الإشارة إليها أن تكون باسم إشارة للمؤنث مثل: "هذه". قال الزمخشرى: "فإن قلت: ما وجه التذكير؟ قلت: جعل المبتدأ مثل الخبر، لكونهما عبارة عن شىء واحد؛ كقولهم: "ما جاءت حاجتَك"3؟ أى: ما صارت حاجتَك؟ - ومن كانت أمَّك؟ ... - ومثل هذا ينطبق على الآية السابقة وهى: "هذا ربى". على أن التذكير فى هذه الآية واجب لصيانة "الرب" عن شبهة التأنيث لوقيل: "هذه ربى". ألا تراهم قالوا فى صفة "الله": "علاّم"، ولم يقولوا: "علاّمة" - وإن كان "العلاّمة" أبلغ -؛ احترازًا من علامة التأنيث. اهـ ببعض اختصار.
ومن تأنيث المبتدأ المذكر مراعاةً لتأنيث الخبر قراءة من قرأ قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} بالتاء فى أول المضارع: "تكنْ" لتأنيث اسم الناسخ؛ وهذا الاسم هوالمصدر المنسك المتأخر، وهوفى أصله مذكر، ولكنه أنَّث موافقة للخبر المتقدم، وبسبب تأنيث هذا الخبر أنَّث الفعل "تكن".
وإذا كان الخبر دالاً على تقسيم أوتنويع جاز عدم مطابقته للمبتدأ فى الإفراد وفروعه؛ نحو: الصديق صديقان، مقيم على الود والولاء، وتارك لهما، والإخاء إخاءان، خالص لله، أولمغنم عاجل. وكقولهم: المال أنواع؛ محمود الكسب، محمود الإنفاق؛ وهذا خيرها. وخبيث الثمرة خبيث المَصْرِف؛ وهذا شرّها، وما اجتمع له أحد العيبين وإحدى المزيتين؛ وهوبمنزلة بين المنزلتين السالفتين.
__________
1 في قوله تعالى في سورة "القصص": {وأن ألق عصاك ... } - راجع ما قاله أبو حيان في البحر عند تفسيره الآية، جـ 7 ص 117.
2 سبقت الإشارة لهذا في رقم 7 من ص 265 ورقم 6 من هامش ص 321.
3 بيان هذا الأسلوب وإعرابه في هامش رقم 1 من ص 556.(1/458)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد تختلف المطابقة بين المبتدأ المتعدد الأفراد والخبر المفرد إذا كان المبتدأ متعدد الأفراد حقيقة، ولكنه يُنَزَّل منزلة المفرد؛ بقصد التشبيه، أوالمبالغة، أونحوهما؛ سواء أكان بمنزلة المفرد المذكر أم المؤنث، وقد اجتمعا فى قولهم: المقاتلون فى سبيل الله رجل واحد وقلب واحد، وهم يد على من سواهم، وقولهم: التجارب مرشد حكيم، والمنتفعون بإرشاده قلعة تَرتدّ دونها الشدائد، ومن أمثلة التعدّد الحقيقى أيضًا، قول الشاعر:
المجْد والشَّرف الرّفيع صحيفةٌ ... جُعِلتْ لها الأخلاق كالعنوان
وقد يختلفان تذكيرًا وتأنيثًا، ولكن مع إفراد المبتدأ وعدم تعدده وسبب الاختلاف - كسابقه - المبالغة، أوالتشبيه ونحوهما؛ مثل: الشدة مرب حازم، والتجربة معلم نافع، واللص هيابة، والمؤرخ نَسَّابة. وقد يختلفان كذلك إذا كان المبتدأ اسم جنس جميعًّا على الوجه الذى سبق تفصيله1.
ومن الخبر الذى يجوز فيه التذكير والتأنيث كلمتا: "أحَد. وإحدى" المضافتين، إذا كان المضاف إليه لفظًا يخالف المبتدأ فى التذكير أوالتأنيث؛ فيجوز فى الكلمتين موافقة المبتدأ، أوالخبر، مثل: المال أحد السعادتين، أو: إحدى السعادتين، بتذكير "أحد" مراعاة للمبتدأ المذكر "المال" وبالتأنيث مراعاة للمضاف إليه المؤنث، وهوكلمة: السعادتين. ومثل: الكتابة أحد اللسانين، إوإحدى اللسانين، بالتأنيث أوالتذكير، طبقًا لما سلف2.
وقد يكون الخبر مؤنثًا والمبتدأ مذكرًا مضافًا إلى مؤنث؛ فيستفيد التأنيث من المضاف إليه، أوالعكس؛ "بأن يكون الخبر مذكرًا والمبتدأ مؤنثًا مضافًا إلى مذكر؛ فيستفيد منه التذكير". ويشترط فى الحالتين أمران3.
ا- أن يكون المبتدأ المضاف صالحًا للحذف، وللاستغناء عنه بالخبر من غير أن يفسد المعنى.
ب- وأن يكون المبتدأ المضاف كُلاًّ للمضاف إليه، أوجزءًا منه، أومثل الجزء ... و ...
__________
11 في ص 21 و 2265.
2 راجع رقم 7 من 265 ورقم 6 من هامش 321 ففيهما بعض إيضاح لهذه المسألة والتي تليها.
3 راجع البيان والتفصيل الخاص بهذا الحكم في جـ3 ص 622 م 93 باب الإضافة.(1/459)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومن أمثلة اكتساب المضاف من المضاف إليه التأنيث قول الشاعر:
وما حُبُّ الديارِ شَغَفْنَ قلبى ... ولكن حُبُّ مَن سكنَ الديارا
ومِن أمثلة اكتساب المضاف التذكير من المضاف إليه قولهم: رؤيةُ الفكر عواقبَ الأمور مانعٌ له من التسرع.
وهناك حالات هامة من المطابقة وأحكامها المختلفة أشرنا إليها فيما سبق1.
حـ- الغالب أن البدل يرتبط به ما بعده، ويعتمد عليه، فيطابقه فى حالتى التذكير والتأنيث وغيرهما، نحو: إن الغزال عينَه جميلة، وإنّ الفتاة جفنَها فاتر، ينصب كلمتى "عين" و"جفن" - وهما بدلان - وتأنيث خبر "إن" فى المثال الأول، وتذكيره فى الثانى. ولولا أن الملاحَظ هوالبدل - وأنه بمنزلة المبدل منه - لوجب التذكير فى الأول، والتأنيث فى الثانى. ولا مانع من العدول عن البدل فيما سبق إلى المبتدأ فى الكلمتين، ولعله الأحسن؛ لبعده عن اللبس الناشىء من البدل. ولا بد عند مراعاة الغالب من عدم وجود قرينة تمنع منه، وتدل على غيره. ومن غير الغالب قول الشاعر:
إن السيوفَ غُدُوَّها ورواحَها ... تركت هَوَازن مثلى قرن الأعْضَب2
فقد جاء الفعل "ترك" مؤنثًا مراعاة لاسم: "إن"، لا للبدل3 ...
__________
1 في رقم 22 من هامش ص 457 بيان مواضعها، وأرقام صفحاتها ...
2 الأغضب: الحيوان المكسور قرنه.
3 راجع في هذه المسألة الصبان جـ 3 آخر باب: "البدل" والخضري جـ2 أول ذلك الباب.
وستجيء في الجزء الثالث من "النحو الوافي" ص 652 م 126 باب: "البدل".(1/460)
المسألة الخامسة والثلاثون: أقسام الخبر
عرفنا1 أن الخبر جزء أساسىّ فى الجملة؛ يكملها مع المبتدأ الذى ليس بوصف2 ويتمم معناها. وهو ثلاثة أقسام: مفرد، وجملة. وشبه جملة3.
القسم الأول: الخبر المفرد:
وهوما كان كلمة واحدة، أوبمنزلة الواحدة4 "أى: ليس جملة، ولا شبه جملة" وهوإما جامد"5، فلا يرفع ضميرًا مستترًا"6 فيه، ولا بارزًا، ولا اسمًا ظاهرًا؛
__________
1 في ص 442.
2 لأن الجزء الذي يكمل الجملة مع المبتدأ الوصف لا يسمى خبرا، وإنما يسمى- كما سبق في ص 444- "مرفوع الوصف"، سواء أكان المرفوع فاعلا، أم نائب فاعل، ويقوول ابن مالك في الخبر:
والخبر الجزء المتم الفائدة ... كالله بر والأيادي شاهده
"الله بر" مبتدأ وخبر، وكذلك: "الأيادي" مبتدأ، مرفوع بضمة مقدرة على الياء، و "شاهدة" خبر مرفوع. ولم يصرح ابن مالك بأن الخبر يكمل الجملة بشرط أن يكون مع المبتدأ، لضيق الظلم، والاكتفاء بالمثالين.
3 يراد بشبه الجملة في هذا الباب أمران، هما: الظرف، والجار مع مجروره، أما في صلة الموصول فيراد به هذين، وأمر ثالث، هو: "الصفة الصريحة" التي تقع صلة" أل" - على التفصيل التي ذكرناه في ص 384 و 475.
4 ما هو بمنزلة الواحدة يشمل أنواع الاسم المركب، كالمركب المزجي، والمركب العددي، الذي يلحق به "مثل: هذه نيويورك - أنتم أحد عشر" والمركب الإسنادي "مثل: هذا "جاد، الله".... ولا يدخل الإضافي.
5 أي: ليس مشتقا. ويذكر هنا كثيرا: الوصف، بمعنى: المشتق.
6 إلا عند التأويل، "مثل: قلب الظالم حجر. أي: قاس لا يلين"، "يد الشجاع حديد. أي: قوية". ولا يصح التأويل بالمشتق إذا أريد بالجامد ذاته الأصلية حقيقة أو مبالغة، كأن يرى أسدا حقيقيا فنقول: هذا أسد، أو: ترى شجاعا فتقول على المبالغة والأدعاء المجازي: هذا أسد. كما لا يجوز التأويل إذا أريد التشبيه البليغ في: هذا أسد، أي: هذا كالأسد في الشجاعة، وقد سبق بيان الجاري مجرى المشتق، ن وأنه مثل: هذا أسد، أي: شجاع، وكذا المنسوب، و "ذو" بمعنى: صاحب، والمصغر ... راجع "ب" من ص 448.
هذا ويجري على الجامد المؤول بالمشتق كثير من أحكام المشتق، لا تجري عليه إلا بعد التأويل....(1/461)
مثل: كلمتى: "كَرة" و"نهر" فى قولنا: الشمس كرة، الفرات نهر، ومثل كلمتى "إقبال" وإدْبار" فى قول الشاعر يصف ناقته التى فقدتْ وليدها:
ترتَع1 ما رَتَعَتْ، حتَّى إذا ادّركتْ2 ... فإنما هى إقبالٌ وإدبار3
فالخبر فى الأمثلة السابقة فارغ من الضمير المستتر، وغير رافع لضمير بارز أولاسم ظاهر بعده.
وإما مشتق4 "وصف" فيرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا، أويرفع ضميرًا بارزًا، أو: اسمًا ظاهرًا بعده؛ مثل: الهرم مرتفع - الآثار عالية. أى: مرتفع هو. وغالية هى5، فقد تحمل المشتق ضميرًا مستترًا وجوبًا يعود على المبتدأ؛ ليربط الخبرية ارتباطًا معنويًا. ومثل: ما راغب أنتم فى الظلم؟ فقد رفع
__________
1 ترعى.
2 تذكرت.
3 يريد، مقبلة ومدبرة، من شدة الحزن عليه.
4 المشتق الذي يتحمل الضمير: هو ما سبقت الإشارة إليه في ص 4448 - بأنه الذي يجري مجرى فعله في كثير من أموره، كالمشاركة في حروفه الأصلية وفي حركاته، وسكناته، وعمله، كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل.... وكذلك الجامد الذي الذي تضمن معنى ذلك المشتق، كالمنسوب، والمصغر، و "ذي" بمعنى: صاحب -
أما المشتق الذي لا يجري مجرى الفعل ولا يتأول به فإنه لا يتحمل ضميرا، كاسم الآلة، واسم الزمان، أو المكان، فكلمة "مفتاح" اسم آلة، مشتق من الفتح فإذا وقع خبرا في مثل قول الشاعر:
الرفق يمن: وخير القول أصدقه ... وكثرة المزح مفتاح العداوات
لم يتحمل ضميرا. وكذلك ما كان على صيغة "الزمان أو المكان": نحو، ملعب، ومطعم، ومجلس، وموعد.... فإنه لا يتحمل الضمير إذا وقع خبرا.... إنما يتحمله المشتق الجاري مجرى الفعل - كما قلنا - وذلك بشرط ألا يرفع اسما ظاهرا بعده، نحو: أصالح غائب والده؟ أو ضميرا بارزا، نحو: أصالح ذاهب أنت إليه؟ ففي الحالتين لم يرفع الوصف ضميرا مستترا، لوجود فاعلة منطوقا به في اللفظ، والوصف لا يرفع فاعلين مطلقا، وكذلك إذا رفع ضميرا متصلا مجرورا، مثل: الخائن مغضوب عليه، فالضمير المجرور بحرف الجار في محل رفع رفع نائب فاعل، برغم أننا- للتيسير كما أشرنا في رقم 2 من هامش ص 445 - نقول: الجار مع مجروره نائب فاعل، والمشتق: "مغضوب" فارغ من الضمير، إذ ليس للمشتق إلا مرفوع واحد، وقد استوفاه، وهو: البارز.
والضمير المستتر في الوصف الواجب الاستتار- كما عرفنا- إلا في بعض الصور، ومنها: ما يوجب إبرازه، كالحصر في مثل: على ما قائم إلا هو، وكجريان الوصف على غير ما هو له مع عدم أمن اللبس. - كما سيجيء في ص 463 - ويعرب في هاتينن الحالتين فاعلا أو نائب فاعل على حسب نوع المشتق.
5 إذا ظهر مثل هذا الضمير بعد المشتق فالأحسن إعرابه - في غير الحالات التي أشرنا إليها في رقم 4 - توكيدا للضمير المستتر، لا فاعلا، مع مراعاة ما في رقم 1 من هامش ص 464.(1/462)
الخبر المفرد المشتق ضميرًا بارزًا بعده. ومثل: الورد فاتن ألوانُه، ساحر أنواعُه. فكل من الوصفين: "فاتن، وساحر" قد وقع خبرًا، ورفع بعده اسمًا ظاهرًا. فلا بد فى الخبر المشتق من أن يرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا، أوضميرًا بارزًا1 أويرفع اسمًا ظاهرًا بعده.
ومن المشتق "الوصف" ما يعرب على حسب الظاهر خبرًا للمبتدأ، مع أن معناه فى الواقع لا يَنْصَبُّ على ذلك المبتدأ، ولا ينسب إليه مباشرة: مثل: البنت الأبُ مكرمَتُهُ هى. "فالبنت" مبتدأ أول. و"الأب": مبتدأ ثان. "مكرمة" خبر المتبدأ الثانى، مع أن معنى هذا الخبر مُنْصَبٌّ على المبتدأ الأول وحده، لان البنت هى المكرمة؛ أى: المنسوب لها الإكرام، دون المبتدأ الثانى.
ومثل: الشفيق الأمُّ مساعدُها، هو. فكلمة "الشفيق": مبتدأ أول، و"الأم" مبتدأ ثان. و"مساعد": خبر المبتدأ الثانى. مع أن المعنى هذا الخبر - وهو: مساعد - واقع على الأول، ولاحقٌ به دون المبتدأ الثانى ... ، وهكذا كل وصف وقع خبرًا عن مبتدأ غريب عن معنى ذلك الخبر، وعن مدلوله. وهذا الخبر يقول عنه النحاة. "إنه جارٍ على غير صاحبه. أو: جارٍ على غير من هوله".
ولما كان هذا الخبر مشتقًّا كان لابد أن يرفع ضميرًا أواسمًا ظاهرًا. غير أن الضمير هنا يجوز إبرازه، كما يجوز استتاره، بشرط أن يكون المبتدأ المنسوب إليه الخبر والمحكوم عليه حقيقة، واضحًا لا يشتبه بغيره عند الاستتار؛ أى: بشرط أمن اللبس، كما فى الأمثلة السابقة. وهناك أمثلة للوصف الواقع خبرًا يصلح فيها أن يكون جاريًا على من هوله وعلى غير من هوله، فيقع اللبس فى المراد: نحو: "الفارس الحصانُ مُتْعِبُه" فكلمة: "الفارس" مبتدأ، و"الحصان" مبتدأ ثان "ومُتْعِب" خبر الثانى وفيه ضمير مستتر، والجملة منها خبر الأولى. فما المراد من هذا المثال؟ أتريد الحكم على الحصان بأنه يتعب الفارس؛ فيكون الخبر جاريًا على من هوله: أم نريد الحكم على الفارس بأنه يتعب
__________
1 إن وجد داع يقتضي إبرازه - كما سبق -.(1/463)
الحصان؛ فيكون الخبر جاريًا على غير من هوله؟ الأمران محْتمَلان مع اختلافهما فى المعنى. وهذه هى حالة اللبس، حيث لا قرينة ترجح أحدهما على الآخر. فإن كان المراد هوالمعنى الأول الذى يقتضى جريان الخبر على من هوله وجب استتار الضمير مراعاة للأصل السابق؛ ليكون استتاره دليلا على ذلك المعنى؛ فنقول: "الفارس الحصان متعبه". وإن كان المراد هوالمعنى الثانى الذى يقتضى جريان الخبر على غير من هوله وجب إبراز الضمير منفصلاً؛ ليكون إبرازه دليلا على جريانه على غير من هوله؛ فنقول "الفارسُ الحصانُ متعبه هو"1. فالضمير: "هو" عائد على الفارس، المنسوب إليه "أنه متعب"، والمحكوم عليه بذلك الحكم. والضمير: "الهاء" المتصل بالخبر. وهوالهاء فى آخر كلمة: "متعبه" عائد إلى المبتدأ الثانى".
ومثل الكلبُ الثعلبُ مخيفهُ. "الكلب"؛ مبتدأ؛ أول. "الثعلب": مبتدأ ثان، "مخيف": خبر الثانى، وهومضاف، والهاء مضاف إليه. فما المراد؟ قد نريد الحكم على الثعلب بأنه يخيف الكلب؛ فيكون الخبر جاريًا على صاحبه، ويجب استتار الضمير؛ مراعاة للأصل السابق؛ ليكون استتاره دليلا على جريانه على صاحبه. وقد نريد المعنى الثانى؛ وهوجريانه على غير صاحبه؛ فجب إبراز الضمير منفصلا؛ ليكون إبرازه شارة على هذا المعنى؛ فنقول: الكلب الثعلب مخيفة هو. ويكون الضمير البارز عائدًا على "الكلب" وهوالمحكوم عليه حقيقة بالخبر؛ أى: بأنه المخيف. أما الضمير الثانى "وهوالهاء المتصلة بالخبر" فعائدة على المبتدأ الثانى2.
__________
1 في حالة اللبس وجريان الخبر على غير من هو له، يتعين أن يكون الضمير البارز فاعلا أو نائب فاعل على حسب نوع الوصف، لأن جريانه على غير صاحبه يمنع استتاره، ويوجب إبرازه منفصلا، فيستمر فاعلا أو نائب فاعل كما كان قبل إبرازه، إذ ليس للوصف إلا مرفوع واحد، فإذا كان ضميرا مستترا وطرا ما يوجب إبرازه منفصلا بقيت له حالة الفاعلية أو النيابة عن الفاعل، ولا يعرب توكيدا للضمير المستتر. ولا مانع أن يحل اسم ظاهر محل الضمير ليمنع اللبس، نحو: الفارس الحصان متعبه الفارس. ومن المستحسن عدم محاكاة هذا الأسلوب، إذ لا يكاد يخلو من إبهام، حتى مع إبراز الضمير - كما سيجيء -.
2 مثل هذا: قائد الجيش راجيه هو -.... ساكن الحصن حارسه هو -.... زميلة البنت مرشدتها هي -.... معلمة الطفلة محبوبتها هي.... فالضمير البارز في الأمثلة السابقة أصله مستتر ويصلح أن يكون مرجعه المضاف أو المضاف إليه، فيحصل اللبس، لعدم تعيين المرجع. ولذا يجب إبراز الضمير لمنع ذلك اللبس. نعم الأكثر في الضمير أن يعود للمضاف، لكن، قد يعود للمضاف إليه أحيانا - كما سبق البيان في رقم 2 من هامش ص 256 وله إشارة في "ز" من ص 261- فإذا برز الضممير تعين إرجاعه للمضاف.(1/464)
وخلاصة ما تقدم:
1- أن الخبر الجامد لا يتحمل الضمير إلا عند التأويل الذى يقتضيه السياق1؛ وأما المشتق فيتحمله.
2- إذا جرى الخبر المشتق على غير من هوله وكان اللبس مأمونًا جاز استتار الضمير وجاز إبرازه.
3- وإن لم يُؤْمَنْ اللبس وجب إبراره2.
هذا، ومن المستحسن عدم محاكاة الأساليب المشتملة على النوع الأخير، وعدم صياغة نظائر لها؛ منعًا لاحتمال ألا يُفهَم المراد منها؛ بالرغم من كثرة ورودها فى الكلام العربى الأصيل، كما يستحسن إهمال الرأى الذى يوجب إبراز الضمير فى حالة أمن اللبس، لمجافاته الأصول اللغة العامة.
__________
1 على الوجه الذي سبق في ص 448 و 449".
2 إلا إن حل محله اسم ظاهر يزيل اللبس. - كما سبق في رقم1 من هامش الصفحة الماضية- ومما يلاحظ أن وجوب الإبراز ليس خاصا بضمير الخبر المفرد عند اللبس. بل يشمل ضمير الخبر الواقع جملة، نحو: محمد صالح أكرمه. كذلك ما يحتمل أن يكون مفردا أو جملة "كمتعلق الظرف والجار مع مجروره" نحو: حامد محمود عنده، أو في حديقته. كما أن اللبس وإبراز الضمير ليس مقصورا على الخبر، بل يشمل أشياء أخرى، كالحال في مثل: ركب عادل الحصان متعبه هو، وكالنعت، في مثل: مر عادل بصديق مكرمه هو، وكالصلة في مثل عادل الحصان النافعه هو. وإذا وقعت جملة فعلية مكان واحد من الثلاثة كان الفعل في كل منها كالوصف الواقع خبرا....(1/465)
القسم الثانى الخبر الجملة 1:
الخبر الجملة: كلمتان أساسيتان لا بد منهما للحصول على معنى مفيد؛ كالفعل مع فاعله أونائب فاعله؛ فى مثل: فرح الفائز، وأكْرِمَ النابغ. وتسمى هذه الجلمة: "فعلية"؛ لأنها مبدوءة - أصالة - بفعل. وكالمبتدأ مع خبره، أوما يغنى عن الخبر فى مثل: المال فاتن. وهل الفاتن مال؟ وتسمى هذه الجملة: "اسمية" "لأنها مبدوءة" أصالة2 باسم؛ فالجملة إما "اسمية"، وإما "فعلية"3 وكل واحدة منهما قد تقع خبرًا4؛ فتكون هنا فى محل رفع5؛ نحو: الصيف يشتد حره. الشتاء يقسو بردُه6. الربيع جَوُّه معتدل. الخريف جوه متقلب. وقد اجتمعت الجملتان فى قول الشاعر:
الْبَغْىُ يصْرَعُ أهْلَهُ ... وَالظلمُ مَرتَعُهُ وخِيم7
ويشترط فى الجملة والواقعة خبرًا أن تشتمل على رابط8 يربطها بالمبتدأ، إلا
__________
1 سبق في ص 444 أن الخبر يكون جملة أو شبهها وجوبا في مسائل معينة، سيجيء بيانها في "جـ" من ص 473. وبعض الأمثلة في "جـ" من هامش ص 543.
22 بان يكون تقدمه أصليا لا طارئا لسبب بلاغي: كتقدم المفعول على فعله لإفادة الحصر في مثل: محمدا أكرمت، فإن هذا التقدم البلاغي ليس أصيلا.
3 ما تقدم عن الجملة بنوعيها هو اختصار لما عرضناه عنهما في رقم 5 من هامش ص 446.
4 وإذا صارت خبرا لم يصح تسميتها جملة إلا على حسب أصلها السابق، "طبقا للبيان الذي سبق في رقم 2 من هامش ص 15 ورقم 2 من هامش ص 374"، ولا يخرج الكلمة عن الصدارة الأصلية أن يسبقها حرف عامل، مثل: "ما"الحجازية، و "لا" النافية للجنس، و "إن"، أو غير عامل مثل: "ما" و "لا" النافيتين ... فالعبرة بما يقع بعد هذه الأدوات من فعل، فتكون الجملة فعلية، أو اسم، فتكون اسمية.
5 إذا وقعت الجملة خبرا كانت نائبة عن لمفرد، لأنها واقعة موقعه، وحالة محلة، إذ المفرد هو الأصل، "طبقا للإيضاح المفصل الذي سبق خاصا بالإعراب المحل، ص 84 و 314 وهامشها" والمركب فرع منه. لذلك يحكم على موضعها هنا بالرفع، على معنى أنه لو وقع المفرد- الذي هو الأصل-- موقعها لكان مرفوعا. فعند الإعراب نقول: الجملة من: المبتدأ والخبر" أو من "الفعل والفاعل".... في محل رفع خبر المبتدأ".
6 ومن هذا قول الشاعر:
الصدق يألفه الكريم المرتجي ... والكذب يألفه الدني الأخيب
7 المرتع هنا: المرعي، أي: النبات الذي ترعاه الحيوانات. والأصل: مكان الرعي. والوخيم: السيء الضار.
8 هناك شروط أخرى ستجيء في الزيادة ص 471، وفي تلك الصفحة نص صريح على جواز، وقوع الجملة الإنشائية خبرا. وفيها كذلك طريقة إعراب الجملة الواقعة خبرا.(1/466)
إن كانت بمعناه، كما سيجىء1. وهذا الرابط - كالضمير فى الجمل السالفة - ضرورى؛ ولولاه لكانت جملة الخبر أجنبية عن المبتدأ، وصار الكلام مفككاً لا معنى له؛ لانقطاع الصلة بين أجزائه؛ فلا يصح أن نقول: محمد يذهب علىّ، وفاطمة يجىء القطار ... لفساد التركيب، واختلال المعنى يفقد الرابط.
والروابط أنواع كثيرة منها:
1- الضمير الراجع إلى المبتدأ، وهوأصل الروابط وأقواها "وغيره خلَف عنه"، سواء أكان ظاهرًا؛ مثل: الزارع "فضلُه كبيرٌ" أم مستتر "أى: مقدر" مثل: الأرض، تتحرك"، وقولهم: مخالفة الناصح الأمين تُورثُ الحسْرة، وتُعْقِبُ الندامة، أم كان محذوفًا2 للعلم به مع ملاحظته ونيته؛ مثل: الفاكهة "أقةٌ بعشرة قروش" أى: أقة منها. وحجارة الهرم "حجرٌ بوزن عشرة" أى: حجر منها. والورق "اللونُ لونُ اللبن". اللون منه. الثوب "الرائحة رائحةُ الزهر": الرائحة منه".
__________
1 في ص 4699.
2 بشرط أن يكون معلوما. ومن المعلوم ما ينصب بفعل، نحو: الطيور الأليفة جميلة، وكل أحب، أي: أحبه. وما ينصب بوصف، نحو: الكتاب أنا معطيك، أي: معطيكه.
ومن المعلوم ما يجر بمشتق، كاسم الفاعل في نحو: الآثار أنا زائر، أي: زائرها، وما يجر بحرف جر يدل على التبعيض، ولا يبقى بعد حذف الضمير المجرور، نحو: السكر رطل بدرهمين، أي: رطل منه، أو يدل على الظرفية، نحو: الدهر يومان، فيوم نفرح، ويوم نحزن، أي: نفرح فيه، ونحزن منه.
وقد يكون الضمير المجرور محذوفا مع حرف الجار، لوجود نظير لهما يسبقهما فيدل عليهما، نحو: اعمل بنصحي، فإن الذي أنصحك به أنت مفلح. أي: مفلح به.
ومن المعلوم ما يكون ضميرا مرفوعان نحو: قراءة من قرأ قوله تعالى: {إن هذان لساحران....} على اعتبار: "إن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف وخبرها جملة: أي: إن هذان لهما ساحران. والذي دعا لذلك دخول اللام على كلمة: "ساحران" التي هي الخبر، فلو كانت: "إن" حرفا بمعنى: نعم- كما يقول بعضهم - و"هذان" مبتدأ مرفوع بالألف "ولساحران" خبره مرفوع بالألف - لترتب على ذلك دخول اللام على خبر المبتدأ، وهو ضعيف عندهم!! بخلاف دخولها على المبتدأ نفسه، فقدروا دخولها على مبتدأ محذوف ضمير. إلى غير ذلك من كل موضع يحذف فيه الضمير، لوجود ما يدل عليه. هذا والضمير المحذوف غير الضمير المستتر كما أوضحنا ذلك من قبل - في رقم 3 من هامش ص 219.
"ملاحظة" يصح أن يقال: الفتيات أقبلن، أو أقبلت: ولكن أحد الضميرين قد يكون أفصح استعمالا من الآخر، طبقا للبيان الذي في رقم 1 من هامش ص 219 ولما في رقم 3 من ص 263.(1/467)
ويشترط في الضمير أن يكون مطابقًا للمبتدأ السابق فى التذكير، والتأنيث والإفراد، والتثنية، والجمع.
2- الإشارة إلى المبتدأ السابق؛ نحو: الحرية "تلك" أُمْنِيّة الأبطال، والإصلاح "ذلك"2 مقصد المخلصين. ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} ...
3- إعادة المبتدأ السابق؛ بقصد التفخيم، أوالتهويل، أوالتحقير. والإعادة قد تكون بلفظه ومعناه معًا؛ نحو: الحرية ما الحرية3؟ والحرب ما الحرب؟ والسارق من السارق؟ وقد تكون بمعناه فقط؛ نحو: السيف ما المهند؟ والأسد ما الغضنفر؟ وعلىّ من أبوالحسين؟ بشرط أن يكن أبوالحسين كنية علىّ. والمراد بهما شخص واحد.
4- أن يكون فى الجملة الواقعة خبرًا ما يدل على عموم يشمل المبتدأ السابق وغيره؛ نحو: أما جبُنُ المحارب فلا جبنَ فى بلادنا، وأما هربه فلا هربَ عندنا. والعربيّ نعم البطل ... فعدم الجبن أمر عام يشمل جبن المحارب وغير المحارب، وكذلك عدم الهرب فى بلادنا يشمله ويشمل غيره ... والبطل الممدوح بكلمة:"نِعم" يشمل العربى وغيره.
5- أن يقع بعد جلمة الخبر الخالية من الرابط جملة أخرى معطوفة عليها بالواو، أوالفاء، أوثم، مع اشتمال المعطوفة على ضمير يعود على المبتدأ السابق؛
__________
1 مع مراعاة صورة المطابقة التي تكلمنا عليها في "ح" من ص 262، وفي هذا افلباب ص 452 وما بعدها. ومع مراعاة ما سبق أن أشرنا إليه - في رقم 1 من هامش ص 382- إذا كان المبتدأ ضميرا للمتكلم، متعدد الأخبار، وأحد الأخبار جملة فعلية، فإن الضمير الرابط يصح أن يكون للمتكلم، أو للغائب، مثل: أنا صادق أحب الإنصاف، أو: يحب الإنصاف. وكذلك إن كان المبتدأ ضميرا للمخاطب، وخبره متعددا، فإنه يجوز في الرابط أن يكون للمخاطب أو الغائب، نحو: أنت صادق تحب الإنصاف، أو: يحب الإنصاف ولا يتغير الحكم إن جعلنا الجملة الفعلية السابقة، ونظائرها، نعتا، لا خبرا، وكذلك لا يتغير إن جعلناها حالا، بشرط أن يكون صاحب الحال معرفة، مثل: أن الصادق أحب الإنصاف وأنت الصادق تحب لإنصاف لكن مراعاة التكلم والخطاب في كل الصور السالفة. أبلغ وأسمى من مراعاة الغياب. ثم انظر ما قد يكون من المشابهة أو المخالفة بين هذه المسألة والأخرى التي سبقت في باب الوصول - ب ص 380 -
2 بشرط إعراب اسم الإشارة مبتدأ ثانيا. ويجوز فيه إعرابات أخرى لا يكون فيها الحبر جملة.
3 "الحرية"، مبتدأ أول، "ما" اسم استفهام، مبتدأ ثان، مبني على السكون في محل رفع "الحرية" خبر الثاني، والجملة من الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.(1/468)
فيُكتفَى فى الجملتين بالضمير الذى فى الثانية1 فمثال الواو: الزارع نبتَ الزرعُ وتعهده - الطالب بدأت الدارسةُ وا ستعد لها2 ... ومثال الفاء: الصانع تيسرت أسباب الصناعة فأقبل غير متردد، والعامل كثرت ميادين العمل فوجد الرزق مكفولا3. ومثال ثُمّ: القمر طلعت الشمس ثم اختفى نوره، والنجوم انقضى النهار ثم أشرق ضوءها.
6- أن يقع بعد جملة الخبر الخالية من الرابط أداة شرط حذف جوابه الدلالة الخبر عليه، وبقى فعل الشرط مشتملا على ضمير يعود على المبتدأ؛ مثل الوالد يترك الأولادُ الصياح إن حضر - الضيف يقف الحاضرون إن قَدِمَ.
تلك أشهر الروابط. ويجوز أن تستغنى جملة الخبر عن الرابط إن كانت هى نفس المبتدأ فى المعنى4؛ بحث يتضمن أحدهما المعنى الذى يتضمنه الآخر تمامًا 5؛ كأن يقول رجل لزميله؛ ما رأيك فى التجارة؟ فيجيب: رأيى. "التجارة
__________
1 ومثل هذا يصح في كل جملة أخرى تحتاج للرابط، كالصلة، والصفة، والحال.
2 وقد تكون الجملة الخبرية الخالية من الرابط مشتملة على اسم قد عطف عليه بالواو اسم آخر يشتمل على "ضمير يعود على المبتدأ الأول، نحو: الضيعة شرب القمح وزرعها. الورد تحركت فروع الأشجار وفروعه....
وقد تكون الجملة الثانية نعتا وفيها الضمير: نحو: الورد قطفت واحدة أحبها، وقد تكون مشتملة على عطف بيان فيه الضمير، نحو: على صاحبت محمودا أخاه.
وإنما كان العطف بالواو هو الأغلب هنا لأنها هي التي تفيد مطلق الجمع، دون حروف العطف الأخرى.
3 أما العكس وهو عطف جملة بالفاء خالية من الضمير على جملة الخبر المشتملة عليه- فجائز، نحو: قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} . برغم أن الجملة المعطوفة على جملة الخبر بمنزلة الخخبر تستحق الضمير، لا فرق في هذا بين الجملة الواقعة خبرا للمبتدأ، والواقعة خبرا للناسخ، كالتي في الآية.
4 هذا الاستغناء جائز لا واجب كما قلنا، فلا مانع أن يكون في هذه الجملة المتفقة في معناها مع معنى المبتدأ رابط، إن أمكن، سواء أكان ضميرا.... وهو الغالب - أم غير ضمير.
5 كل خبر ولو كان مفردا، هو في الحقيقة نفس المبتدأ في المعنى تماما، كما يتبين من مثل: "المطر نازل" فإن النازل هنا هو: المطر، والمطر هو النازل، فكلاهما يتضمن معنى الآخر كاملا ويساويه في المدلول، غير أن المقصود بالخبر الواقع جملة تتحد مع المبتدأ في المعنى- هو: كل جملة مخبر بها عن مبتدأ مفرد، يدل على معنى تلك الجملة، ويحوي مضمونها "مدلولها" فهو في ظاهره لفظ مفرد، ولكنه ينطوي على معنى الجملة وعلى مضمونها، ومن أمثلته قول - كلام - حديث - نطق- رأي ... وأيضا ضمير الشأن- وقد تقدم موضوعه في ص 2250 - مثل قوله تعالى: {قل هو الله أحد} فضمير الشأن: "هو" مبتدأ، خبره الجملة الاسمية بعده. وهذه الجملة التي وقعت خبرا خالية من الرابط، لأن معناها ومدلولها مساو تماما لمعنى المبتدأ الضمير "هو" فمدلول كل منهما هو مدلول الآخر.(1/469)
غِنًى"1. فالجملة الواقعة خبرًا مطابقة فى معناها للمبتدأ فى معناه ومدلوله؛ فكلاهما مساوللآخر فى المضمون؛ فالرأى هو: "التجارة غنى" و"التجارة غنى" هى: "الرأى". ومن أمثلة ذلك: أن يتكلم متكلم فيسأله الآخر ماذا تقول؟ فيجب: قولى "الذليل مهين". كلامى "الكرامة تأبى المهانة" فجملة الخبر فى كل مثال هى نفس المبتدأ السابق فى المعنى، والمبتدأ السابق فى كل مثال يتضمن معنى الجملة الواقعة خبرًا، فكلاهما يتضمن معنى الآخر، ودلالته2.
__________
"1، 1" سيجيء في الزيادة والتفصيل طريقة إعراب هذا المثال وأشباهه. "ب" ص 471".
2 يشير ابن مالك إلى تقسيم الخبر إلى مفرد وجملة، فيقول:
ومفردا يأتي، ويأتي جملة ... حاوية معنى الذي سيقت له
وإن تكن إياه معنى اكتفى ... بها، كنطقي: الله حسبي، وكفى
أي: أن الخبر قد يكون مفردا، وقد يكون جملة. ويشترط في الجملة أن تكون حاوية معنى المبتدأ الذي سيقت لإتمام الفائدة معه، أي: تكون مشتملة على معناه.... ويتحقق هذا الشرط بالربط بينهما بالضمير، أو ما يخلفه. فإن كانت الجملة هي المبتدأ في المعنى "بالطريقة التي شرحناها" اكتفى بها من غير رابط، مثل: "نطقي: الله حسبي"، فالمبتدأ يتضمن معنى الخبر الجملة، والخبر الجملة يتحد في المعنى مع المبتدأ. وفي مثل هذه الصورة يصح الاستغناء عن الرابط.
"وكلمة: معنى" الثانية في كلام ابن مالك منصوبة على أنها: تمييز، أي: من جهة المعنى. وكلمة: "كفى" المراد منها: وكفى به، أي: بالله: حذف حرف الجر الزائد وحده، وهو "الباء" فانفصل الضمير الذي كان مجرورا في محل رفع وصار تقديره: هو"، ثم استتر مرفوعا في الفعل "كفى". ثم قال:
والمفرد الجامد فارغ، وإن ... يشتق فهو ذو ضمير مستكين
أي: أن الخبر المفرد نوعان، فالجامد منه فارغ من الضمير، والمشتق ليس بفارغ، بل فيه ضمير مستكن، أي: مستتر. ثم قال:
وأبرزنه مطلقا حيث تلا ... ما ليس معناه له محصلا
أي: أبرز الضمير الرابط مطلقا "سواء أمن اللبس أم لم يؤمن: وهذا مذهب البصريين" إن وقع الخبر بعد مبتدأ ليس معنى الخبر محصلا له. بأن يكون الخبر جاريا على غير من هو له. فالمراد من كلمة: "ما" المبتدأ. والضمير في: "معناه" يعود على الخبر. أي: أبرز الضمير مطلقا حيث يقع الخبر بعد مبتدأ لا يكون الخبر محصلا له. أي: لا يكون حاويا لمعناه. ولاجاريا عليه. والتعقيد في هذا البيقت ظاهر.
ومذهب البصريين فيه تضييق من غير داع، حيث يوجب إبراز الضمير مطلقا، مع أنه لا داعي لوجوب الإبراز عند أمن اللبس.(1/470)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"ا" اشترطنا1 فى جملة الخبر وجود رابط، - بالتفصيل الذى أوضحناه - ويشترط فيها أيضًا أن تكون غير ندائية؛ فلا يصح: محمد "يا هذا ... ". وأن تكون غير مبدوءة بكلمة "لكن2": أو"حتى": أو"بل"؛ لأن كل واحدة من هذه الكلمات تقتضى كلامًا مفيدًا قبلها، فالاستدراك بكلمة: "لكن" لا يكون إلا بعد كلام سابق. وكذلك الغاية بكلمة: "حتى" والإضراب بكلمة: "بل"3.
ويجوز فى جملة الخبر أن تكون قَسَمية4؛ نحو: القوى والله ليهزمن عدوه، وأن تكون إنشائية؛ سواء أكانت إنشائية طلبية؛ نحو: الحديقةُ نسْقها، أم غير طلبية مثل: الصديقُ لعله قادم. العادل نعم الوالى، والظالم بئس الحاكم.
"ب" فى الأساليب التى يكون فيها الخبر جملة معناها هومعنى المبتدأ مثل: "كلامى: "الجومعتدل"" "حديثى: "يجىء الفيضان صيفًا"". "قولى: "نشر التعليم ضرورى""، "خطْبتى: "التوحد قوة"". "مقالى: "احذروا الخائنين"" ... يجوز إعرابان:
__________
1 في ص 466.
"2و 2" بسكون النون، فتكون للاستدراك والابتداء معا، ولا تعمل شيئا أما بتشديد النون فتكون للاستدراك، وتعمل عمل "إن". وفي كلتا الحالتين لا بد أن يسبقها كلام تام يحصل بسببه الاستدراك. وقد وردت بعض أساليب قليلة وقعت فيها لكن "بالتشديد" في صدر جملة الخبر، مثل: "محمود وإن كثر ماله، "لكنه" يخيل. فقيل: لا مانع أن تكون الجملة خبرا مع تصدرها بلكن، وقيل إن الخبر محذوف، والاستدراك منه، وأصل الكلام مثلا: محمود وإن كثر ماله لا يتوانى، لكنه بخيل. والأسلوب مولد، وهو على كلا الإعرابين معيب- كما سبق البيان في: "و" من ص 450 وكما يأتي في رقم 2 من هامش ص 630- بعيد من الأساليب الصحيحة، الواردة في الكلام الفصيح، فلا يقاس عليه، لصدوره ممن لا يحتج بكلامه.
3 وفي هذا يقول السيوطي في الهمع "جـ1 ص 96" ما نصه:
"لا يسوغ الإخبار بجملة ندائية، نحو: زيد يا أخاه، ولا مصدرة بلكن، أو: بل، أو: حتى، بالإجماع في كل ذلك".
4 إذا كانت الجملة القسمية ذاتها نوعا من الإنشاء غير الطلي تبعا للرأي القائل بهذا - دخلت في عداد هذا النوع الآتي بعد.(1/471)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أولهما: أن نعرب الجملة1 الاسمية أوالفعلية مجزأة على حقيقتها جزأين "مبتدأ وخبرًا، أوفعلا وفاعلا" ثم يكون مجموع الجزأين فى محل خبر المبتدأ السابق؛ ففى مثل: "كلامى: الجومعتدل" نقول: "كلام" مبتدأ مضاف، والياء مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جرّ، "الجو" مبتدأ ثان. "معتدل" خبره، والجملة من الجزأين فى محل رفع خبر المبتدأ الأول. وفى مثل: "حدثنى: يزداد الفيضان صيفًا" نقول: "يزداد" مضارع مرفوع. "الفيضان" فاعل مرفوع "صيفًا" ظرف منصوب، والجملة من الجزأين "الفعل والفاعل" فى محل رفع خبر المبتدأ. فلكل جزء من أجزاء الجملة وجود مستقل، وإعراب خاص به وحده؛ ثم يكون مجموع الجزأين معًا هوخبر المبتدأ السابق.
ثانيهما: أن ننظر إلى تلك التى كانت فى الأصل1 جملة نظرتنا إلى شيى واحد ليس مجزأ، وليس له كلمات مفردة؛ فكأنه كتلة واحدة ليس لها أجزاء، أوأنه كلمة واحدة منهما تعددت الكلمات، فهى من قبيل المركب الإسنادى الذى ننطق فيه بالألفاظ على حسب ضبطها الأصل - قبل أن تكون خبرًا أوشيئًا آخر -؛ من غير تغيير شىء من حروفها أوضبطها. ثم نقول عنها كلها الآن: إنها خبر مرفوع بضمة مقدرة على آخره لأجل الحكاية؛ "وهى - كما سبق2 ترديد اللفظ الأصلى وترجيعه على حسب هيئته الأولى - غالبا -؛ حروفًا وضبطًا". ويكون الخبر فى هذه الحالة من قبيل الخبر المفرد. لا الجملة؛ فنقول فى إعراب: "كلامى: "الجو معتدلٌ" "كلام" مبتدأ مضاف. والياء مضاف إليه. "الجومعتدلٌ" كلها خبر مرفوع بضمة مقدرة. على آخره3، منع من ظهورها حركة الحكاية". ونقول فى مثل: "حديثى "يظهر الفيضان صيفًا"" "حديث" مبتدأ
__________
1 إذا وقعت الجملة خبرا أو غيره فإنها لا تسمى جملة إلا بحسب أصلها قبل الخبرية- وغيرها- طبقا للبيان السابق في رقم 2 من هامش ص 15.
2 في رقم 1 من هامش ص 310.
3 نقول: إنها مقدرة مع وجود ضمة ظاهرة في آخر كلمة: "معتدل" لأن هذه الضمة الموجودة لم تجيء لأجل الخبر المحكي، إذ أنها موجود قبل مجيئه. وستبقي في بقية الأحوال، كحالتي النصب، والجر. أما الضمة الخاصة بالخبر المحكي فغير ظاهرة في النطق، وإنما هي مقدرة.(1/472)
مضاف ... الياء مضافٌ إليه ... "يظهر الفيضان صيفًا" كلها خبر مرفوع بضمة مقدرة على آخره؛ منع من ظهورها حرَكة "الحكاية" ... وهكذا.
وقد يقع العكس كثيرًا؛ فيكون المبتدأ جملة بحسب أصلها1، ولكنها صارت محكية. والخبر مفرد يتضمن معناها، كأن يقول قائل: أريد أن تدلنى على آية قرآنية، وعلى مثل قديم، وعلى حكمة مأثورة. فتجيب: "قولٌ معرُوفٌ ومغفرةٌ خَيرٌ منْ صَدقة يَتْبعُها أذىً" آية قرآينة. "إنّ أخاكَ من واساك" مثلٌ قديم. "رُبّ عيشٍ أهونُ منه لحمامُ" حكمةٌ من حكم المتنبى. فالآية كلها من أولها إلى آخرها مبتدأ مرفوع، بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية. وكلمة: "آية" هى لخبر. وكذلك "إن أخاك من واساك" كلها من أولها إلى أخرها مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره، منع ظهورها حركة الحكاية، والخبر كلمة: "مثل" وكذا يقال فى: "رب عيش أهون منه الحمام".
وكما تتكون الجملة المحكية من مبتدأ وخبره تتكون من فعل وفاعله ومن غير ذلك. والمهم فى الألفاظ المحكية أن تكون دائمًا بصورة واحدة فى جميع الحالات الإعرابية، ولكنها مع ذلك فى محل رفع، أونصب، أوجر؛ على حسب موقعها الإعرابىّ.
حـ- أشرنا2 إلى أنواع المبتدأ تحتاج إلى خبر حتمًا وإلى وجوب أن يكون هذا الخبر جملة - ويلحق بها نوع يجب أن يكون خبره شبه جملة "جارًّا مع مجروره" - وأشهر تلك الأنواع المحتاجة لجملة: أسماء الشرط الواقعة مبتدأ3، وكذا: ضمير الشَّان4، و"كأيِّن5" الخبرية الشبيهة بكم الخبرية،
__________
1 مثل هذا المبتدأ لا يعد جملة، لأن المبتدأ في أصله لا يكون - جملة وإنما يعد جملة على إرادة لفظه المحكى. أما الخبر إذا كان جملة هي نفس المبتدأ في المعنى فيجوز فيها إعرابان- كما عرفنا هنا- أحدهما اعتبار هذه الجملة مجزأة جزأين، كل منهما له إعراب، ومجموع الجزأين هو الخبر. وثانيهما اعتبارها جملة محكية لا ينظر فيها إلى تجزئة، فتعرب كلها خبرا محكيا.
2 في ص 444.
3 تفصيل الكلام عليها في الباب الخاص بالجوازم جـ4.
4 سبق الكلام عليه مفصلا في ص 250.
5 بيانها وتفصيل أحكامها في جـ 4 الباب الخاص "بكم وكأين"، وفي الصبان، هناك: ما يفيد أن خبرها يكون في الأكثر جملة فعلية، مصدرة بماض أو مضارع. وقد يكون جملة اسمية أو شبه جملة، كما يفهم من كلامه هناك.... وسيجيء البيان في الموضع السالف.(1/473)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمخَّصوص بالمدح والذم إذا تقدَّم، والمنصوب على الاختصاص؛ فإنه يجب فيه أن يتقدم عليه اسم بمعناه يعرب مبتدأ، ويعرب الاسم المنصوب على الاختصاص مفعولا به لفعل محذوف تقديره: أخُص - مثلا - والجملة خبر عن ذلك المبتدأ. ويجب أن يكون خبر "ما" التعجبية جملة.
ومن شبه الجملة السالف خبر المبتدأ الملازم للابتداء سماعًّا؛ نحو: طُوبَى للمؤمن؛ فإن خبره لا يكون إلا جارًا مع مجروره وهما شبيهان بالجملة ... - ومثله وقولهم فى المدح: لله درّ فلان ... وغير هذين مما سيجىء1.
__________
1 في ص 481 وفي "جـ" من هامش ص 543.(1/474)
القسم الثالث: الخبر شبه الجملة
يريد النحاة بشبه الجملة هنا أمران1؛ أحدهما: الظرف بنوعيه الزمانىّ والمكانىّ، والآخر: حرف الجر مع مجروره. فالخبر قد يكون ظرف زمان؛ نحو: الرحلة "يومَ" الخميس. والرجوعُ "ليلةَ" السبت. وقد يكون ظرف مكان؛ نحو: "الحديقة" "أمامَ" البيت، والنهر "وراءَهُ"؛ فكلمة "يوم", و"ليلة" وما يشبههما ظرف زمان، منصوب، فى محل رفع2؛ لأنه خبر المبتدأ. وكلمة
__________
1 أما في اسم الموصول فشبه الجملة ثلاثة أشياء، سردنا تفصيلها في ص 384 وسيجيء كلام خاص بالجار مع مجروره، في باب الحال- جـ 2 ص 100م 68-.
2 وهذا رأي حسن بارع. "أشرنا إليه في رقم 1 من هامش ص 384، باب: "الموصول" وقد سجله شارح كتاب المفصل في جـ1 ص 90 و 91 عند الكلام على أقسام الخبر" -
وإنما كان في محل رفع لأن الأصل أن يكون الخبر مفردا مرفوعا، إذ المفرد "بسيط" و "البسيط" أصل المركب فجاء الظرف والجار مع المجرور وحلا في محل ذلك الأصل، فمجيئهما طاريء عرضي والمسألة شكلية، بحتة، ولا أثر لها من الناحية العملية التحقيقية: فلو قلنا: "ظرف منصوب خبر المبتدأ" أو: "جر مع مجروره خبر المبتدأ"، من غير أن نزيد شيئا ما حصل قصور، ولا وقعنا في خطأ، ولكان مساويا في صحته لقولنا: إن شبهي الجملة متعلقان بمحذوف هو الخبر.... لكن قد يكون الأخذ بالإعراب الأول أنسب، لأنه أوضح ظهورا، لمراعاة الأصل، والغالب فيه.... وإليك النص الذي سجله شارح المفصل:
"اعلم انك لما حذفت الخبر الذي هو: "استقر" أو "مستقر" وأقمت الظرف مقامه - على ما ذكرنا - صار الظرف هو الخبر، والمعاملة معه "أي: أن الآثار اللفظية والمعنوية في الجملة قد انتقلت إليه" وهو مغاير المبتدأ في المعنى، ونقلت الضمير الذي كان في "الاستقرار" إلى الظرف، وصار مرتفعا بالظرف، كما كان مرتفعا بالاستقرار، ثم حذفت "الاستقرار"، وصار أصلا مرفوضا لا يجوز إظهاره، للاستغناء عنه بالظرف، وقد صرح ابن جني بجواز إظهاره، وللقول عندي في ذلك أنه بعد حذف الخبر الذي هو الاستقرار، ونقل الضمير إلى الظرف، لا يجوز إظهار ذلك المحذوف، لأنه قد صار أصلا مرفوضا، فإن ذكرته أولا وقلت: زيد استقر عندك - لم يمنع منه مانع ...
"واعلم أنك إذا قلت: "زيد عندك" فعندك ظرف منصوب بالاستقرار المحذوف، سواء أكان فعلا أم اسما، وفيه ضمير مرفوع، والظرف وذلك الضمير في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ، وإذا قلت: "زيد في الدار" أو: "من الكرام" فالجار والمجرور في موضعث نصب بالاستقرار، على حد انتصاب "عندك" إذا قلت: "زيد عندك" ثم الجار والمجرور والضمير المنتقل في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ.... أهـ" لكن ما المرد من قوله السابق: "فإن ذكرته أولا وقلت: زيد استقر عندك لم يمنع مانع"....؟ إن كان المراد ذكر "الاستقرار" قبل الخبر الظرف المسبوق بالمبتدأ- أدى هذا إلى نقض ما قرره من عدم جهاز إظهار "الاستقرار" المحذوف. وإن كان المراد تقديم "الاستقرار" في صدر الجملة قبل المبتدأ بحيث يصير المبتدأ فاعلا أو شيئا آخر غير مبتدأ فقد يصح. فالمراد غامض، ويزيده مثاله غموضا.
هذا وهو يشير بقوله "الجار والمجرور في موضع نصب الاستقرار.... إلخ" إلى ما هو معروف في الاصطلاح النحوي من أن المجرور أصله مفعول به في المعنى، وحرف الجر الأصلي أداة لتوصيل أثر الفعل إليه.
فاعتبار الظرف هو الخبر من غير أن يتعلق بشيء آخر وكذلك اعتبار الجار الأصلي مع مجروره هو =(1/475)
"أمام" و"وراء" وما يشبههما - ظرف مكان منصوب في محل رفع؛ لأنه خبر المبتدأ. وقد يكون الخبر جارًّا أصليا مع مجروره؛ نحو، السكَّر من القصب- إخوان
__________
= الخبر - مذهب قديم من عدة مذاهب "سجلتها المراجع النحوية، كالمفصل والصبان" وقد سجلنا رأي صاحب" المفضل". والأخذ به من بحوث جدلة مضنية، وتقسيمات متعددة، لا نفع لها اليوم وليس فيها إلا العناء العقلي الذي تضيق به الناشئة، وسنعرض لبعض تلك البحوث بقليل من التفصيل، لا للأخذ بها، ولكن ليقف عندها المتخصصون وقفة الفاحص.
جاء في شرح ابن عقيل عن العامل المحذوف ما نصه. "ذلك المحذوف واجب الحذف. وقد صرح به شذوذا، كقوله:
لك العز إن مولاك عز، وإن يهن ... فأنت لدي بحبوحة الهون كائن
وكما يجب حذف عامل الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرا كذلك يجب حذفه إذا وقعا صفة ... أو حالا ... أو...." أهـ.
وهنا قال الخضري في وجوب حذف العامل ما نصه: "محل ذلك إذا قدر كونا عاما.... فإن قدر خاصا جاز ذكره في الكل كما علمت وجوز ابن جني إظهار العام أيضا، تمسكا بنحو: قوله تعالى: "فلما رآه مستقرا عنده".
"ورد بأنه استقرار خاص بمعنى عدم التحرك، لا عام بمعنى مطلق الحصول حتى يجب حذفه" أهـ. وما قاله الخضري صرح به بعض المفسرين.
هذا، وسيجيء في الجزء الثاني" باب: الظرف 78 ص 236 عند الكلام على تعلق الظرف بعامله" بيان مفيد عن الرأي الداعي إلى تقدير عامل واجب الحذف، والدليل على وجوده، وبيان آخر عن اعتباره غير موجود.
وشبه الجملة في هذا الباب - هو الظرف، والجار مع مجروره. وسمي" شبه جملة" لأن كلا منهما قد يدل على جملة ومعناها. وأساس هذا التعليل عندهم: أن الظرف أوا لجار الأصلي مع مجروره ليس هو الخبر في الحقيقة، وإنما الخبر الحقيقي لفظ آخر محذوف، يتعلق به الظرف، والجار الأصلي مع المجرور، إذ لا بد أن يتعلقا بفعل أي فعل "لا فرق بين المتعدي واللازم، والجامد والمتصرف، والتام والناقص
"كما سيجيء البيان في جـ2 - باب: "حروف الجر" م 89 ص 405" أو بما يشبهه الفعل، من: اسم فعل، أو: من مشتق يعمل عمل الفعل، أو: من جامد مؤول بالمشتق. وبهذا التعلق الواجب يتم المعنى. "وقد يتعلقان - أحيانا - بالنسبة، أي: بالإسناد، طبقا لما هو مبين في: "ب" من الزيادة التالية ص 481". والمحذوف قد يكون فعلا مع فاعله، وهذا أمر متعين متحتم إذا وقع شبه الجملة في جملة الصلة لموصول غير "أل"، أو لجملة القسم، لأن جملة الصلة للموصول غير "أل" وكذا جملة القسم، لا بد أن تكون كل واحدة منهما فعلية "كما سبق في رقم 1 من هامش صفحتي 384 و 385 وكما سيجيء في جـ 2 باب الظرف.
ص 234 م 78 وباب حروف الجر ص 460 م ي90"- لكن التعلق يكون بالفعل وحده، وقد يكون في غيرهما شيئا آخر مما سبق، ففي مثل "الكتاب فوق المكتب" والولد في البيت" يكون تقدير الكلام مثلا: الكتاب "استقر" أو: "مستقر" فوق المكتب. والولد "استقر" أو: "مستقر" في البيت، ونحو ذلك من فعل محذوف، أو غيره مما يدل على مجرد الوجود والاستقرار، من غير معنى زائد على هذا الوجود المطلق الذي يسمونه: "الكون العام". "أي: الوجود العام الخالي من شيء آخر معه، كالنوم، أو: القراءة، أو اللعب". ... فلا يصح عندهم أن يكون التقدير: الولد نام أو: نائم في البيت. ولا: الكتاب تحرك، أو: متحرك فوق المكتب، لأن كل واحد من هذه الألفاظ يدل على الوجود، مع زيادة شيء آخر، كالوجود ومعه النوم للولد، والوجود معه التحرك للكتاب، وهكذا.... أي: =(1/476)
السوء كخشب في النار، يأكل بعضه بعضا.؛ فالجار مع المجرور في محل رفع خبر المبتدأ. ومنه قول الشاعر:
للعيد يومٌ من الأيام منتظَرٌ ... والناس في كل يومٍ منك في عيدِ
__________
= أنه وجود قيد بشيء آخر يزيد عليه، وليس بالوجود المطلق المجرد. فمثل هذا الوجود المقيد يسمى: "كونا خاصا" يجب ذكره، إلا إذا دلت قرينة عليه عند الحذف فيصح حذفه، وقد دفعهم إلى هذا التقدير للكون العام المحذوف، واعتباره كالملفوظ - ما يتمسكون به- بحق- من أن الظرف والجار الأصلي مع المجرور لا بد أن يتعلقا بعامل - كما قلنا- يتممان معناه، ويعمل فيهما. فأين العامل الذي تؤثر فيهما، ويتعلقان به إذا كان المبتدأ جامدا في نحو: الغزال في الحديقة، وكثير من الأمثلة المشابهة، لذلك يقولون في الإعراب: الظرف أو الجار الأصلي مع مجروره متعلق بمحذوف خير، سواء أكان المحذوف فعلا مع فاعله "أي: جملة فعلية، مثل: استقر، أو: ثبت، أو: "كان" التي بمعنى: "وجد" وهي، كان التامة"، أم كان مفردا "أي: اسما مشتقا" مثل: مستقر، أو: كائن المشتقة من "كان" التامة-، أو: موجود أو: شيئا آخر يصلح عاملا"، فليس الخبر عندهم في أصلهه هو الظرف نفسه، أو الجار الأصلي مع المجرور مباشرة، وإنما الخبر في الأصل هو المحذوف الذي ينوونه، ويتعلق به كل واحد من هذين. ولما كان كل منهما صالحا لأن يتعلق بالفعل المحذوف، ويدل عليه بغير خفاء ولا لبس- كان شبه الجملة بمنزلة النائب عنه، والقائم مقامه. والفعل مع فاعله جملة، فما ناب عنها وقام مقامها فهو شبه بها، لذلك أسموه: "شبه الجملة". وأوجبوا حذف متعلقه إن كان كونا عاما وقع خبرا، أو: صفة، أو: حالا....." وكذلك إن كان صلة لموصول غير "أل" لكن يجب مع الصلة- لغير "أل" أن يكون المحذوف فعلا، ولا يصح أن يكون اسما مشتقا- أو غيره مما يشبه الفعل- كما عرفنا عند الكلام عليها، لأن صلة الموصول غير- أل" يجب أن تكون جملة فعلية، ومثلها جملة القسم التي حذف منها عاملها..... ".
ثم زادوا فقسموا كلا من الظرف، والجار الأصلي مع المجرور إلى مستقر: "بفتح القاف" وإلى: "لغو" يريدون المستقر: ما كان متعلقه المحذوف "كونا عاما" يفهم بدون ذكره. وسمي "مستقرا" لأمرين، لاستقرار معنى عامله فيه، "أي: فهمه منه". ولأنه حين يصير خبرا- مثلا - ينتقل إليه الضمير من المحذوف ويستقر فيه. وبسبب هذين الأمرينق يجب حذفه حتما.
ويريدون باللغو: ما كان متعلقه "كونا خاصا" وسمى كذلك لأن وجوده ضئيل الأثر مع وجود عامله، إذ لا يستقر فيهه معنى ذلك العامل، ولا يتحمل ضميره. وفي هذا الحالة يتحتم أن يكون العامل الملفوظ به في الجملة هو الخبر - مثلا ويجب ذكره، ولا يجوز حذفه إلا لقرينة- كما في الأمثلة التي ستجيء-. ولو حذف لوجودها لكان هو الخبر أيضا مع حذفه، فلا يصح في حالتي ذكره أو حذفه أن يكون الظرف أو الجار الأصلي مع مجروره خبرا، ولا في موضع رفع خبرا. وهذا نوع من التشدد لا داعي له، إذ لا مانع أن نعرب "الظرف اللغو" خبرا في الحالة التي يحذف فيها عامله المعروف، كما أعربنا زميله المستقر.
والكون العام واجب الحذف، إذ لا فائدة من ذكره، لوجود ما يدل عليه في غير خفاء ولا لبس، ولانتقال الضمير منه إلى شبه الجملة- كما قلنا كما أن الكون الخاص يجب ذكره حتما لعدم وجود ما يدل عليه عند حذفه، فإن وجدت قرينة تدل عليه وتعينه على صحة حذفه، مثل: الفارس فوق الحصان، أي: راكب فوق الحصان، ومن لي بفلان؟ أي: من يتكفل لي بفلان. والبحتري من الشعراء، أي: معدود منهم. ومثل قوله تعالي في القصاص: "الحر بالحر" على تقدير: "مقتول" لأن تقدير الكون العام في الأمثلة السالفة لا يؤدي المعنى المراد. والمتعلق الخاص المحذوف لوجود قرينة تدل عليه هو عندهم الذي يعرب خيرا- كما سبق - لا شبه الجملة. وبالرغم من حذفهه فإنه لا يخرج الظرف - في رأيهم - عن اعتباره =(1/477)
ويشترط في الظرف الوَاقع خبراً، وفي الجار مع المجرور كذلك - أن يكون تامًّا، أَى: يحصل بالإخبار به فائدة بمجرد ذكره، ويكْمُلُ به المعنى المطلوب من غير خفاء ولا لَبْس، كالأمثلة السابقة. فلا يصلح للخبر منهما ما كان ناقصاً؛ مثل: محمود اليوم.. أوحامد بك؛ لعدم الفائدة. أما حيث تحصل الفائدة فيصح وقوعهما خبراً؛ ويكون كل منهما هوالخبر مباشرة؛ أي: أن شبه
__________
= لغوا، ولا يتنافى مع ما هو ثابت له من أنه: "كون خاص" فالمعول عليه عندهم في الحكم باللغو راجع إلى خصوص الكون، وأنه ليس بعام، سواء ذكر الكون الخاص أم حذف، وفي الاستقرار إلى عموم الكون، وأنه ليس بخاص.
وينتقلون بعد هذا إلى تقسيمات، وتفريعات شاقة، وأدلة جدلية مرهقة في إثبات تلك الأقسام والفروع وفي المفاضلة بين أن يكون المتعلق المحذوف فعلا أو اسما ... وغير هذا مما لا حاجة إليه اليوم، ولا ضرر من إهماله. بل الخير في إهماله، وفي ترك ما نقلناه عنهم، وفي الاقتصار على إعراب الظرف والجار الأصلي مع المجرور خرا- مثلا- في محل رفع، كما شرحنا أول هذا الموضوع، وكما هو رأي بعض السابقين. ولا داعي للتشدد في البحث عن العامل ونوعه. مع عدم الحاجة إليه، ولا في الخضوع له، وركوب الشطط لإظهار آثاره، لأن المعنى جلى كامل بدونه، فذلك التشدد وذلك الخضوع هو الجانب المعيب في نظرية العامل النافعة الجميلة. وإذا أخذنا بهذا الرأي السهل اليسير كان تسمية الظروف والجار مع مجروره "شبه جملة"، إنما هي من قبيل الإبقاء على التسمية القديمة، ومراعاة أصلها السابق، أو لأن كلا من الظرف والجار الأصلي مع مجروره ليس مفردا في الحقيقة، بل هو مركب، إذ يحمل معه الضمير المستتر الذي انتقل إليه من المحذوف على الوجه الذي بسطناه.
وإتماما للبحث، وإنصافا للنحاة نذكر أن رأيهم في وجوب تعلق شبه الجملة" سديد، وأن حجتهم في تحتيم ذلك التعلق قوية- وإيضاحها المفيد في جـ 2 ص 236 م 78 باب الظرف، وص 405 باب حروف الجر-، وتتلخص هنا في أن الخبر هو المبتدأ معنى، وكذلك المبتدأ هو الخبر معنى، كما في مثل: "على الخطيب" فالخطيب في هذه الجملة هوع لى، وعلى هو الخطيب، فكلاهما من جهة المعنى هو الآخر.
وكذلك الشأن في كل مبتدأ وخبر على النسق السالف الوارد في الاستعمال العربي. فلو أردنا بغير التعلق تطبيق هذا الضابط العام الصحيح على الخبر شبه الجملة لم ينطبق، بل يفسد المعنى معه، ولا يصلحه إلا التعلق على الوجه الذي يذكره النحاة، ففي مثل: على أمامك.... لا يصح أن يكون الظرف "أمام" هو: على ولا أن يكون على هو: "الأمام" نفسه، إذا المعنى في كل منهما مخالف للآخر تمام المخالفة، ولا يصلحه إلا أن يكون الظرف متعلقا بشيء آخر غير المبتدأ، هو "كائن" أو "موجود" أو نحوهما. ومثل هذا يقال: في السفر يوم الخميس، فليس السفر هو يوم الخميس نفسه، ولا يوم الخميس هو السفر ...
فالظرف بنوعيه لا يستقل بنفسه في إحداث معنى جديد، لأنه وعاء - كالوعاء الحسي- لا بد له من مظروف، "أي: من شيء يقع فيه". وهذا المظروف هو ما يسمى: "المتعلق" وهو الذي لا بد أن يقع في الظرف، وإلا فسد المعنى بغيره تماما، وما يقال في الظرف يقال في الجار الأصلي مع المجرور، إذ لا فائدة منهما إلا بمتعلقهما، وقد أوضحنا بإسهاب وتفصيل في مكانه المناسب - جـ 2 ص 236 م 78 باب: "الظرف" وكذلك، في ص 405 وما بعدها م 89 باب: "حروف الجر"، واستيفاء الموضوع على الوجه الحميد يقتضي الرجوع إلى تلك الصفحات.(1/478)
الجملة نفسه يكون الخبر1 - فى الرأى المختار.
بقيت مسألة تتعلق ببيان نوع الظرف التام الذى يصلح أن يكون خبراً. فأما ظرف المكان فيصلح - فى الغالب - أن يقع خبراً عن المبتدأ المعنى وعن المبتدأ الجثة؛ فمثال الأول؛ العلم عندك - الحق معك. ومثال الثاني: الكتاب أمامك - الشجرة خلفك. ولا بد فى ظرف المكان أن يكون خاصًّا2 لكى يتحقق شرط الإفادة؛ كالأمثلة السالفة؛ فلا يصح أن يكون عامًّا؛ مثل: العلم مكاناً، أوالكتب مكاناً؛ لعدم الإفادة.
وأما ظرف الزمان فيصلح أن يقع خبراً عن المبتدأ المعنى فقط، بشرط أن تتحقق الإفادة. كأنْ يكون الزمان خاصّاً3، لا عامًّا؛ مثل: السفر صباحاً، والراحة ليلا. بخلاف: السفر زماناً، الفضل دهراً، الأدب حيناً، لعدم الإفادة.
__________
1 يقول ابن مالك:
وأخبروا بظرف أو بحرف جر ... ناوين معنى كائن، أو: استقر
أي: أن الظرف والجار مع مجروره قد يقع كل منهما خبرا لا بنفسه، ولكن بمتعلقه على حسب رأيهم الذي تناولناه بالبحث والتمحيص في هامش ص 475، فلا بد من تعلقه -- عندهم - بعامل يحذف في الأغلب، وهذا العامل قد يكون فعلا، مثل: "استقر" أو: "ثبت" أو "وجد" - أو "كان، "بمعنى: وجد.... ولا تكون هنا إلا تامة وقد يكون المحذوف اسما مشتقا، مثل، مستقر، أو كائن "بمعنى موجود، من "كان" التامة". فإذا وقع الخبر شبه جملة فليس هوالخبر في رأيهم، وإنما الخبر هو ما قبله من جملة فعلية، فعلها محذوف، وفاعلها ضمير، استقر في شبه الجملة، أو الخبر مفرد مشتق علما بأن العامل في هذا الخبر إنما هوالفعل الذي حذف، وبقي فاعله، وكذلك هو المشتق من غير الضمير الذي كان مستترا فيه، ثم تركه واستقر في شبه الجملة بعد حذف المشتق.
3 هذا تعبير النحاة. يريدون بالمعنى: الأمر غير المحسوس، أي: الذي لا يكون جسما نحسه بإحدى الحواس الخمس، كالبصر....، وإنما يكون شيئا مفهوما بالعقل، مثل: العلم، الذكاء، الأدب، النبل، الشرف.... أما الجثة فالجسم الذي نحسه بالبصر، أو بغيره من الحواس، ومنه. الشجرة، المنزل، القلم.... ويشترط كثير من النحاة في الظرف أن يفيد فائدة جديدة إذا وقع خبرا عن المبتدأ المعنى. ويريدون بالفائدةة الجديدة. ألا تكون أمرا معروفا للمخاطب، أو مستمرا، فالجديد مثل: المقابلة ظهرا، وغيره مثل: طلوع الشمس يوم الجمعة، لعدم استفادة السامع شيئا جديدا كان جاهلا به. ووفريق لا يشترط ذلك في الظرف ولا في الخبر عامة: بل يكتفي بمجرد الإفادة ولو كانت معلومة قبل سماع الخبر، مثل الشمس منيرة. وقد يكون الرأي الأول هو المقبول، لأن الغرض من الكلام الإفادة الجديدة، وإلا كان عبثا - انظر ما يتصل بهذا في: "أ" من ص 4489 -.
3 وذلك بتحديده، أو: بتقييده بقيد بعده مما هو مذكور في "جـ" من ص 481.(1/479)
وهولا يصلح أن يكون خبراً عن الجثة إلا قليلا؛ وذلك حين يفيد1 أيضاً؛ فلا يصح: الشجرة يوماً - البيت غداً؛ لعدم الإفادة. ويصح: القطن صيفاً. القمح شتاء، لتحقق الفائدة؛ إذ المراد: ظهور القطن صيفاً. وظهور القمح شتاء. ومنه قولهم: الهلاُ الليلةَ. والرطبُ شهرىْ ربيع.
ومجمل الأمر أن ظرف المكان يصلح - فى الغالب- خبراً للمبتدأ بنوعيه: المعنى والجثة، وأن ظرف الزمان يصلح في الغالب خبراً للمبتدأ المعنى دون الجثة، إلا إن أفاد1؛ وهذه الإفادة تحقق فى الظرف بنوعيه حين يكون خاصًّا لا عامًّا. فالمعول عليه فى الإخبار بالظرف هوالإفادة2.
__________
"1 و1" طرق الإفادة موضحة في: "جـ" من الزيادة الآتية في ص 481.
2 وسيجيء توضيحها في: "جـ" من الصفحة التالية. وفي هذا يقول ابن مالك باختصار:
ولا يكون اسم زمان خبرا ... عن جثة، وإن يفد فأخبرا
"ملاحظة".
بهذه المناسبة نشير إلى موضع آخر من المواضع التي يصح أن يقع المعنى فيها خبرا عن الجثة، هو: خبر أفعال الرجاء "وستأتي في ص 619"، وبعض أخواتها من أفعال المقاربة "وستأتي في ص 612"، مثل: الوالد عسى أن يحضر..... أما صحة وقوع الخبر هنا معنى عن جثة فله إشارة في رقم 6 من هامش ص 615، وبيان مناسب في رقم 1 من هامش ص 616.(1/480)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
أ- من الألفاظ الملازمة للابتداء1 كلمة: "طُوبَى2، وهذه الكلمة لا يكون" خبرها إلا الجار مع مجروره، - كما سبق3 - نحوطوبى: للصّالح.
ب- شبه الجملة لا بد ن يتعلق بعامله على الوجه الذى شرحناه4. فإن لم يوجد فى الكلام عامل يصح التعلق به صح أن يكون تعلقه بالإسناد نفسه "أى: بالنسبة الواقعة بين ركنى الجملة"، كقول ابن مالك فى باب "الاستثناء" من ألفيته، خاصاً بالأداتين "خلا وعدا":
وحيثُ جَرَّا فهُما حرفان
فالظرف: "حيث" متعلق بالنسبة "أى: بالإسناد" المأخوذة من قوله: "فهما حرفان"، أى: تثبت حرفيتهما حيث جرّا.
أما وجود الفاء هنا فله بيان أوضحناه عند إعادة الكلام فى هذه المسألة فى الجزء الثانى: "بابى الظرف وحرف الجر".
"حـ" قلنا5: إن ظرف الزمان لا يقع خبراً عن الذات "الجثة" إلا بشرط أن يفيد6، وهذه الإفادة تتحقق بأحد الثلاثة الآتية:
الأولى: أن يتخصص ظرف الزمان إما بنعت؛ مثل: نحن فى يوم طيب، أو: نحن فى أسبوع سعيد. وإما بإضافة؛ مثل: نحن فى شهر شوال.. وإما بَعَلميه مثل: نحن فى رمضان؛ ويجب جر الظرف الزمانى فى هذه الصور الثلاث بفى؛ ويكون الجار مع المجرور فى محل رفع خبرا7. ولا يعرب فى حالة جره - أورفعه - ظرفاً. ولا يسمى ظرفا اصطلاحا، لأن هذه التسمية الاصطلاحية مقصورة عليه حين يكون منصوبا على الظرفية دون غيرها8....
__________
1 كما سبق في ص 474- وسيجيء بعض هذه الألفاظ في: "جـ" من هامش ص 543.
2 بمعنى: الجنة، ’ أو: السعادة.
3 في "جـ" ص 473. وكبعض الأمثلة في "جـ" من هامش ص 543.
4 في رقم 2 من هامش ص 475. ويشترط في تعلق الجار ومجروره أن يكون الجار أصليا.
5 في ص 479.
6 وكذلك لا يقع صفة، ولا صلة، ولا حالا، إلا مع إفادته، لأنها كالخبر في المعنى.
7 انظر البيان الموضح لهذا الإعراب في رقم 2 من هامش ص 475.
8 كما سيجيء في ص 4484 وفي ص 244 م 79 باب: "الظرف" - جـ2 -.(1/481)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الثانية: أن يكون المبتدأ الذات مما يتجدد؛ بأن يظهر فى بعض الأوقات دون بعض؛ فله مواسم معينة يظهر فيها ثم ينقطع، ثم يظهر.. وهكذا.. فيكون شبيهاً بالمعنى، مثل: البرتقال شهور الشتاء، والبِطيخ شهورَ الصيف. الهلال الليلةَ. وفى هذه الحالة يجوز نصب ظرف الزمان، أوجره بفى. وهوفى الحالتين فى محل رفع خبر.
الثالثة: أن يكون المبتدأ الذات صالحاً لتقدير مضاف قبله تدل عليه القرائن؛ بحيث يكون ذلك المضاف أمراً معنوياً مناسباً؛ كأنْ يلازم المرء بيته يومياً للراحة، فيعرض عليه صديقه الخروج لنزهة بحرية، فيعتذر قائلا: البيتُ اليومَ، والبحرُ غدا. أى: ملازمة البيت اليوم، ونزهة البحر غدا. ومثله: الكتابُ الساعةَ، والحديقةُ عصراً. أى: قراءةُ الكتاب الساعةَ، ومتعةُ الحديقة عصراً ... وفى هذه الصورة يكون الظرف منصوباً فى محل رفع خبراً.
والحالات الثلاث1 السابقة قياسيَّة؛ يصح محاكاتها؛ وصوغ الأساليب الحديثة على مقتضاها.
لكن كيف نعرب الظرف الزمانى فى غير تلك الأحوال الثالثة؟ وكيف نعرب المكانى؟ وكيف نضبطهما؟
إن الأصل في الظرف أن يكون منصوباً مباشرة، أوفى محل نصب2.
1- فإن كان الظرف2 للزمان ووقع خبراً عن معنى ليس للزمان - جاز رفعه، ونصبه، وجره بفى، ويكون المرفوع هوالخبر مباشرة، ويكون المنصوب، أوالمجرور مع حرف الجر، في محل رفع، هو: الخبر. تقول: الصوم شهرٌ، أو: شهراً، أوفى شهر. والراحة يومٌ، أويوماً، أوفى يوم. والأكل ساعةٌ، أوساعةً، أوفى ساعة. "أى: زمن الصوم ... وزمن الراحة ... وزمن الأكل" لكن
__________
1 زاد بعض النحاة على الأمور الثلاثة السابقة أمورا أخرى، نرى من الميسور إدخالها وإدماجها فيما سبق. من ذلك أن يكون اسم الزمان"مضافا إليه" والمضاف اسم معنى يفيد العموم، مثل أكل يوم ثوب جديد؟. أو يكون اسم الزمان خاصا، والمبتدأ المعنى عاما، مثل نحن في شهر كذا، أو يكون المبتدأ عاما والزمان مسئولا به عن خاص مثل: في أي الشهور نحن ...
2 الظرف المنصوب مباشرة هو الظرف المعرب. أما الذي يكون في محل نصب فهو الظرف المبني أصاله، مثل: "حيث" أو المبني في بعض الحالات، مثل: قبل، وبعد.....(1/482)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأحسن الرفع مباشرة إن كان الزمان نكرة والمبتدأ المعنى يعم ذلك الزمان كله أوأكثره؛ نحو: الصوم يومٌ، والسهر ليلةٌ.
2- إن كان الظرف زمانيًّا من أسماء الشهور ووقع خبراً عن مبتدأ هومعنى وزمان، تعين رفع الخبرُ، مثل: أولُ السنة المحرمُ، وشهرُ الصوم رمضانُ.
3- وإن لم يكن هذا الخبر الظرف من أسماء الشهور. ولكنّ المبتدأ يتضمن عملا - جاز الرفع والنصب؛ مثل: الجمعة اليوم، أوالسبت اليوم، أوالعيد اليوم، لتضمنها1 معنى الجمع، والقطع، والعوْد. ومنه: اليومُ يومك؛ لتضمنه معنى: شأنك الذى تذكر به. فإنْ لم يتضمن عملا؛ كالأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس - كان الرفع أحسن.
4- وإن كان الظرف للزمان، ووقع خبراً للمبتدأ الذات فى الحالات التى يصح وقوعه خبراً فيها؛ لإفادته، وقد سبقت فى "أ" - فحكمه كما سبق هناك2.
5- وإن كان الظرف للمكان، ووقع خبراً عن ذات، أومعنى، وكان متصرفاً3 - جاز رفعه ونصبه؛ مثل: الكبار جانب، أو: جانباً، والأطفال جانب، أوجانباً. "برفع كلمة: "جانب". أو: نصبها" والرجل أمامك، والدار خلفك "برفع أمام، وخلف، أونصبهما" ومثل: العلم ناحية والعمل ناحية، برفع كلمة: "ناحية" أونصبها.
__________
1 كما أن في الجمعة معنى الاجتماع، وفي السبت معنى: القطع، وفي العيد معنى العود، "أي: الرجوع حيث، لأنه يرجع كل عام"، كذلك في الأضحى معنى، التضحية ... وفي الفطر معنى: الإفطار.... يكون العمل واقعا في الظرف.
2 في "حـ" ص 481.
3 الظرف المنصرف هو: ما يترتب النصب على الظرفية إلى حالات إعرابية أخرى غير الجر بالحرف، كأن يكون مبتدأ، أو فاعلا، أو: مفعولا به.... مثل: يوم، وشهر، وساعة ...
تقول: يوم العيد قريب، وجاء يوم الصوم، وانتظر يوم النصر.... وغير المتصرف هو: الذي لا يترك الظرفية أبدا، "مثل، قط، وهي ظرف يستغرق الزمن الماضي، ولا بد أن يسبقه نفي. ومثل: عوض وهي ظرف يستغرق الزمن المستقبل، ولا بد أن يسبقه نفي أيضا"أو "يتركها إلى حالة تشبهها، وهي: الجر بمن- غالبا - مثل: النصر من عند الله، أو: بالحرف: "إلى" أيضا، مثل الظرف: أين، ومثل: "هنا" - وهي اسم إشارة، وظرف مكان معا كما تقدم في أسماء الإشارة - في نحو: إلى هنا تتجه الأنظار. ومثلها: ثم، وهي إشارة للبعيد وظرف مكان فهذه الظروف الثلاثة تجرها "من" أو إل -.(1/483)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن كان غير متصرف مثل "فوق" وجب نصبه1؛ نحو: الكتاب فوق المكتب.
6- إذا قلتَ: ظهرُك خلفك، جاز رفع الظرف المكانى: "خلْف" ونصبه. أما الرفع فلأن الخلف فى المعنى هو: الظهر. فالخبر هواسم محض معناه معنى المبتدأ، وأما النصب فعلى الظرفية الواقعة خبراً. وكذلك ما يشبه ما سبق من الظروف المكانية، نحو: نعلك أسفل رجلك، والركب أسفلَ منك. وقد سبق أن الظرف المكانىّ المخبر به إذا كان غير متصرف، يجب نصبه؛ مثل: رأسك فوقك، ورجلاك تحتك؛ لأن "فوق" و"تحت" ظرفين للمكان غير متصرفين.
7- إذا كان الظرف الزمانى غير متصرف: مثل: "ضحوة" يراد بها ضحوة معينة ليوم معين - وجب النصب؛ مثل: العملُ ضحوةَ.
8- إذا كان الظرف بنوعيه متصرفاً، محدود المقدار، ووقع خبرا عن المبتدأ الذات - جاز فى الظرف الرفع، والنصب، بشرط أن يكون المبتدأ الذات على نية تقدير مضاف قبله، يدل على البعد والمسافة، مثل: المدرسة منى ميل أوميلا. المدينة منى يوم أويوماً، أى: بُعْدُ المدرسة ... وبعد المدينة ... ، إذا قلت هذا - مثلا - قبل ابتداء السير. فإن كان المقصود أن المدرسة أوالمدينة من أشياء تبعد عما سرنا ميلا تعين النصب على الظرفية، وكان الخبر هوالجار والمجرور: "منى" بخلاف الرفع فإنه على تقدير: بُعْد مكانها منى ميل، مثلا ...
9- من الأساليب الواردة عن العرب: حامد وحده. يريدون: أنه فى موضع التفرد، وفى مكان التوحد؛ فيجوز إعراب: "وحد" ظرفاً منصوباً فى محل رفع خبر2.
"ملاحظة": إذا ترك الظرفُ النصبَ على الظرفية، إلى الرفع أوإلى الجر فإنه لا يكون ظرفاً، ولا يسمى بهذا الاسم3....
__________
1 إلا عند بنائه على الضم في الحالة المذكورة في باب الإضافة "وهي: أن يضاف، ويحذف المضاف إليه، وينوي معناه".
2 مع أن الأصل: "وحد" مصدر للفعل وحد "كعلم وكرم" ويجوز إعراب "وحد" حال مؤولة بمعنى: منفردا.... على التفصيل الذي سيجيء في باب: "الحال".
3 وقد سبقت الإشارة لهذا في ص 481.(1/484)
المسألة السادسة والثلاثون: المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة
إذا قلنا: الطيار شجاع - الوطنى مخلص - العربىّ كريم ... حكمنا على الطيار بالشجاعة، وعلى الوطنى بالإخلاص، وعلى العربى بالكرم. أى: حكمنا على المبتدأ بحكم مُعين؛ هو: الخبر1. فالمبتدأ فى هذه الجمل الاسمية -و- نظائرها محكوم عليه دائماً بالخبر، والمحكوم عليه لا بد أن يكون معلوماً، ولوإلى حدّ مَّا، وإلا كان الحكم لغوًا لا قيمة له؛ لصدوره على مجهول2، وصارت الجملة غير مفيدة إفادة تامة، مثل: زارع فى القرية ... صانع فى المصنع ... يد متحركة ... جشم مسْرع ... وغيرها مما لا يفيد الإفادة الحقيقية المطلوبة؛ بسبب عدم تعيين المبتدأ، أوعدم تخصيصه. أى: بسبب تنكيره تنكيراً تامًّا؛ لهذا امتنع أن يكون المبتدأ نكرة3 إذا كان غير وصف، لأنها شائعة مجهولة في الغالب. فلا يتَحَقَّقُ معها الغرض من الكلام؛ وهو: الإفادة المطلوبة، فإن هذه الإفادة هى السبب أيضاً فى اختيار المعرفة لأن تكون هى المبتدأ حين يكون أحد ركنى الجملة معرفة والآخر نكرة4؛ مثل: شجرةٌ المتحركة. لكن إذا أفادت النكرة الفائدة المطلوبة صح وقوعها مبتدأ.
وقد أوصل النحاة مواضع النكرة المفيدة حين تقع مبتدأ إلى نحوأربعين موضعاً. ولا حاجة بنا إلى احتمال العناء فى سردها، واستقصاء مواضعها، ما دام الأساس الذى تقوم عليه هو: "الإفادة" فعلى هذا الأساس وحده يرجع الحكم على صحة الابتداء بالنكرة، أوعدم صحته، من غير داع لحصر المواضع أو
__________
1 أي: المعنى المستفاد من الخبر.
2 سبق إيضاح هذا في رقم 8 من هامش ص 442.
3 إنما يمتنع أن يكون المبتدأ نكرة إذذا كان له خبر. أما إذا كان وصفا له فاعل أو نائب فاعل يغني عن الخبر فلا يكون "إلا نكرة" "كما سبق في ص 445"، ولا يحتاج لمسوغ، لأن المبتدأ في هذه الحالة يكون محكوما به، بمنزلة الفعل، لا محكوما عليه، والفعل، في مرتبة النكرة "كما في رقم 1 من هامش ص 47 وفي رقم 2 من هامش 209 ورقم 1 من هامش 442".
4 إلا في مسألتين يجوز في كل منهما الابتداء والخبرية، هما "كم" و "أفعل التفضيل"، في مثل: كم مالك؟ وخير من على محمود. - وسيشار لهما في رقم 26 من ص 491.(1/485)
عَدّها1 هذا إلى أن تلك المواضع الكثيرة يمكن تجميعها وتركيزها في نحوأحدَ عشَرَ تغنى عن العشرات2 التى سردوها. وإليك الأحدَ عشَرَ.
1- أن تدلّ النكرة على مدح، أوذم، أوتهويل؛ مثل: "بطلٌ فى المعركة. خطيب على المنبر" - "جبانٌ مُدْبرٌ. جاسوسٌ مقبل" - "بالء فى الحرب، جحيم فى الموقعة".
2- أن تدل على تنويع وتقسيم؛ مثل رأيت الأزهار، فبعضٌ أبيضُ، وبعض أحمرُ، وبعضٌ أصفرُ ... عرفت فصل الخريف متقلبًا؛ فيومٌ بارد، ويومٌ حارّ، ويومٌ معتدل. وقول الشاعر:
فيومٌ علينا، ويومٌ لنا ... ويومٌ نُسَاءُ، ويومٌ نُسَرّ
3- أن تدل على عموم؛ نحو: كلٌّ محاسَبٌ على عمله. وكلٌّ مسئول عما يصدر منه؛ {فَمَنْ 3 يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} .
4- أن تكون مسبوقة بنفى، أواستفهام؛ مثل: ما عملٌ بضائعٍ، ولا سعىٌ بمغمور. فمن4 مُنكرٌ هذا؟ وقول من طالت غربته:
وهلْ داءٌ أمَرُّ من التَّنائِى ... وهلْ بُرْءٌ أتَمُّ من التَّلاقى؟
__________
1 وكذلك فعل سيبويهه والمتقدمون، ولهذا يرى بعض النحاة- يحق- أنه لا داعي لهذا الشرط، لأنه مفهوم بداهة، إذ لا يتلكم عاقل بغير ما يفيد، وإلا عرض نفسه وكلامه للحكم عليه بما لا يرضاه، أما المتأخرون فتوقعوا أن يخطيء كثير مواضع الإفادة، فحاولوا أن يدلوهم عليها، بحصر مواضعها، واستقصائها، فأطالوا بغير حاجة، أو اختصروا مع الإخلال.
2 بل أرجع بعض النحاة جميع المسوغات إلى: "العموم والخصوص" "انظر الخضري في هذا الموضع".
3 "من" شرطية". وهي تفد العموم، كباقي أدوات الشرط، وكأسماء الاستفهام التي تقع مبتدأ، مثل: أي جاء؟ -- من هنا؟ ومثل هذاالشرط والاستفهام يدل على العموم بنفسه مباشرة، لا بكلمة أخرى سبقته.
4 "من": مبتدأ نكرة ولكنه اسم استفهام، فلا يحتاج لمسوغ آخر. ولا مانع أن تكون أداة النفي في هذا الباب ناسخة، فيصير المبتدأ النكرة اسما لها، ولهذا يصح اعتبار "ما" و "لا" اللتين في المثال عاملتين. ومثلهما "ليس" في قول الشاعر:
وليس شيء أعز عندي من العلم، ... فما أبتغى - سواه أنيسا
ومن مسوغات الابتداءء بالنكرة أن يدخل عليها ناسخ - أي ناسخ - فتصير اسما له، ولا تسمى مبتدأ - كما سيجيء في رقم 11 من 488. وص 543.(1/486)
5- أن تكون النكرة متأخرة، وقبلها خبرها؛ بشرط أن يكون مختصًّا؛ سواء أكان ظرفاً، أم جارًّا مع مجروره أم جملة؛ مثل: عند العزيز إباءٌ، وفي الحُرِّ تَرفع وقول الشاعر:
وللحِلْم أوقاتٌ، وللجهل مثلها ... ولكنَّ أوقاتى إلى الحَلْم أقْربُ
ومثل: نَفَعك برهُ والدٌ، وصانك حنانُها أمٌّ.
6- أن تكون مخصّصَة بنعت3، أوبإضافة، أوغيرهما مما يفيد التخصيص؛ نحو: نومٌ مبكرٌ أفضلُ من سهر، ويقظةُ البكور أنفعُ من نوم الضحا، وقول العرب: أحسن الولاة من سعدت به رعيته، وأشقاهم من شقيت به، وشر البلاد بلاد لا عدل فيها، ولا أمان، وقولهم: وَيْلٌ للشَّجى مِن الخَلِىِّ4.
7- أن تكون دعاء؛ نحو: سلامٌ على الخائف - شفاءٌ للمريض - عونٌ للبائس؛ بشرط أن يكون القصد من النكرة فى كل جملة هوالدعاء.
__________
1 المقصود بالاختصاص هنا: أن يكون المجرور في الخبر الواقع جارا مع مجروره، وأن يكون المضاف إليه في الظرف المضاف الواقع خبرا، وأن يكون المسند إليه في الخبر الواقع جملة ... أن يكون كل واحد مما سبق صالحا بنفسه، لأن يكون مبتدأ في جملة أخرى، فلا يجوز: في إنسان ترفع. ولا: عند رجل إباء، ولا ولد له ولد رجل ...
2 الغضب والانتقام.
3 إذا لم يكن النعت مخصصا- نحو: واحد من الناس في الحديقة- لم يكن مسوغا. والنعت قد يكون ملفوظا به نحو: زائر كريم أمامنا. وقد يكون مقدرا لقرينة معنوية تدل عليه، مثل: أنتم أيها الحاضرون- فزتم جميعا بالبطولة، وطائفة لم تفز بها. أي: طائفة من غيركم.... وقد يكون معنويا، بألا يقدر في الكلام، وإنما يستفاد من نفس النكرة بقرينة لفظية، نحو: وليد نابغ، لأن التصغير في كلمة إ: "وليد" يقوم مقام النعت، إذ معنى التصغير: ولد صغير. ومثله صيغ التعجب، نحو: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا....، لأنه بمنزلة شيء عظيم حسن الدين صيغ التعجب، نحو: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا....، لأنه بمنزلة شيء عظيم حسن الدين والدنيا. لهذا كان "التعجب" من المسوغات. وقد أدمج بعضهم الإضافة في نوع آخر، هو: العمل، "وسيجيء في رقم 12 من ص 489"، لأن المضاف يعمل الجر في المضاف إليه.
4 هذا من مثل أمثال العرب يقال لفارغ البال، المرتاح الخاطر، الذي يسخر بالحزين، أو ييزيد آلامه. "والويل: الهلال. والشجي- بياء مشددة أو مخففة، كما نص عليها المحققون -: الحزين المهموم. والخلي: الخالي من الهموم" المبتدأ النكرة هو كلمة: ""ويل"، وخبره شبه الجملة "الشجي"، وقد تعلق شبه الجملة الأخير "وهو: من الخلي" بالمبتدأ: "ويل" بمعنى: "هلاك" فهو مبتدأ في حكم المصدر معنى، يصح التعلق به، ويستفيد بالتعلق نوعا من التخصص يبيح الابتداء به. ويصح أن يكون المسوغ للابتداء به هو: التهويل أو التعميم.(1/487)
8- أن تكون جواباً؛ مثل: ما الذى فى الحقيبة؟ فتُجيب: كتاب فى الحقيبة.
9- أن تكون فى أول جملة الحال، سواء سبقتها واوالحال، مثل: قطع الصحراء، ودليلٌ يَهدينى، وركبت البحر ليلا وإبرةٌ ترشد الملاحين. أمْ لم تسبقها؛ نحوكلُّ يوم أذهب للتعلم، كتبٌ فى يدى.
10- أن تقع بعد الفاء الداخلة على جواب الشرط؛ وهى التى تسمى: فاء الجزاء؛ مثل: مطالبُ الحياة كثيرة؛ إن تَيَسَّر بعضٌ فبعضٌ لا يتيسّر، والآمال لا تنفد؛ إن تحقق واحدٌ فواحدٌ يتجدد.
11- أن يدخل عليها ناسخ - أىّ ناسخ - وفى هذه الحالة لا تكون مبتدأ، وإنما تصير اسماً للناسخ، ومن ثَمَّ يصحّ فى أسماء النواسخ أن تكون فى أصلها معارف أونكرات - كقولهم: كان إحسانٌ رعايةَ الضعيف، وإنّ يداً أن تذكروا الغائب1 ...
__________
1 سبقت الإشارة لهذا في رقم 4 من هامش ص 486 - وستجيء إشارة أخرى عند الكلام العام على النواسخ ص 542.(1/488)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"أ" قلنا1 إن مسوغات الابتداء بالنكرة كثيرة؛ أوصلها النحاة إلى أربعين، بل أكثر. وبالرغم من كثرتها بقيت نكرات أخرى قد تعرب مبتدأ، مع أنها لا تدخل تحت مسوغ مما ذكروه؛ نحو: "مذ" و"منذ" فهما نكرتان فى اللفظ؛ فى نحو: ما رأيته "مذ" أو"منذ" يومان، وإن كان بعض النحاة يعتبرهما معرفتين معنى؛ إذ المعنى: أمد انقطاع الرؤية يومان مثلا2.
على أن تلك الكثرة من المسوغات قد فتحت الباب أمام كل نكرة لتدخل منه إلى الابتداء، حتى صار من العسير الحكم على نكرة، أىّ نكرة، بأنها لا تصلح أن تكون مبتدأ. كما صار الرأى القائل: "إن المبتدأ لا يكون نكرة إلا إن أفادت" - رأياً لا جديد فيه؛ لدخوله تحت أصل لغوى عام: هو: "ما يَستحدث معنى أويزيد فى غيره لا يُطعن فى وجوده، ولا يستغنى عنه، وما لا فائدة منه لا خير فى ذكره".
وتأييداً لكلامنا وتوفية للبحث - نذكر أهم تلك المسوغات؛ ليؤمن المتردد أنها أبواب مفتوحة تتسرب منها النكرات كلها إلى الابتداء. وقد سبق منا أحدى عشر. وفيما يلى الباقى مع الاقتصار على ما يغنى عن غيره، وما يمكن إدماج غيره فيه3.
12- أن تكون النكرة عاملة؛ سواء أكانت مصدراً؛ نحو: إطعامٌ مسكيناً طاعة، أمْ وصفاً عاملا4، نحو: متقنٌ عمله يشتهر اسمهُ. ومن العمل أن تكون مضافة؛ لأن المضاف يعمل الجر في المضاف إليه؛ مثل: كلمة خير تأسِر النفس ...
13- أن تكون النكرة أداة شرط؛ نحو؛ من يعملْ خيراً يجدْ خيراً.
__________
1 في ص 485.
2 راجع الخضري عند الكلام على الموضع الرابع من مواضع تأخير الخبر.
"وستجيء لهذا إشارة في رقم 5 من ص 497، وفي رقم 3 من ص 502 - وكذلك في جـ2 ص 79 باب الظرف، وص 478 م 90 باب حروف الجر.
3 انظر ما يتصل بهذا في الملاحظة التي في ص 581 وكذلك في ص 47 و 70.
4 ومن شاء مزيدا فليرجع إلى حاشيتي الصبان والخضري، وإلى الهمع ...
5 عند من يقول بأنه يعمل بغير أن يسبقه نفي أو استفهام. أما من يشترط للعمل تقدم النفي أو الاستفهام فإن وجود أحدهما مسوغ لللابتداء بالنكرة.(1/489)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
14- أن يكون فيها معنى التعجب - كما سبق1 -؛ نحو: ما أبرع جنود المِظلات.
15- أن تكون محصورة؛ نحو: إنما رجلٌ مسافرٌ.
16- أن تكون فى معنى المحصور - بشرط وجود قرينة تُهَيِّئ لذلك - نحو: حادث دعاك للسفر المفاجئ، أى: ما دعاك للسفر المفاجئ إلا حادث. ويصح فى هذا المثال أن يكون من قسم النكرة الموصوفة بصفة غير ملحوظة، ولا مذكورة.... أى: حادث خطير دعاك إلى السفر.
17- أن تكون معطوفة على معرفة؛ نحو: محمود وخادم2 مسافران.
18- أن تكون معطوفة على موصوف، نحو: ضيف كريم وصديق حاضران.
19- أن يكون معطوفاً عليها موصوف، نحو: رجل وسيارة جميلة أمام البيت.
20- أن تكون مبهمة قصداً، لغرض يريده المتكلم؛ نحو: زائرة عندنا.
21- أن تكون بعد لولا؛ نحو: لولا صبرٌ وإيمانٌ لقتل الحزين نفسه.
22- أن تكون مسبوقة بلام الابتداء؛ نحو: لرجل نافع3.
23- أن تكون مسبوقة بكلمة: "كَمْ" الخبرية؛ نحو: كم صديقٌ زرته4 فى العطلة فأفادنى كثيراً.
__________
1 في رقم 3 من هامش ص 487.
2 هذه ليست مبتدأ، ولكنها معطوفة على المبتدأن فهي بمنزلته.
3 يعرضها النحاة في باب: "إن" وستتابعهم، فنذكرها مفصلة في ص 659، ثم في ص 673.
4 أصل الكلام هنا، صديق زرته كم زورة!. فكم: مفعول مطلق واجب الصدارة، مبني على السكون في محل نصب، و "صديق" مبتدأ. أما "كم" الاستفهامية فداخلة في مسوغات الاستفهام.(1/490)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
24- أن تكون مسبوقة بإذا الفجائية1؛ نحو: غادرت البيت فإذا مطر.
25- أن يكون مراداً بها حقيقة الشئ وذاته الأصلية، نحو: حديد خير من نحاس2.
26- أن تكون إحدى المسألتين المشار إليهما في رقم 4 من هامش ص 4485.
__________
1 سيجييء بيانن موجز عنها في رقم 1 من هامش ص 508.
2 وفي الابتداء بالنكرة ومسوغاته يقول ابن مالك:
ولا يجوز الابتدا بالنكرة ... ما لم تفد: كعند زيد نمره
وهل فتي فيكم؟ فما خل لنا ... ورجل من الكرام عندنا
ورغبة في الخير خير، وعمل ... بر يزيد. وليقس ما لم يقل
يشير بالمثال الأول: "عند زيد تمرة" إلى جواز وقوع المبتدأ نكرة، "والنمرة، ما نسميه الآن: الشال من الصوف". والمسوغ هو تقديم الظرف المختص: "عند".
ويشير في البيت الثاني إلى مسوغ الاستفهام في: "ههل فتى"؟ والنفي فيق: "ما خل لنا". والنعت في: "رجل من الكرام".
ويشير في البيت الأخير إلى النكرة العاملة، مثل: رغبة في الخبر" فرغبة" مصدر "في الخير": متعلق به، فهو بمنزلة معموله، أي: بمنزلة مفعوله: أي: "من رغب الخير" أو تكون مضافة، مثل عمل بر ...
ثم يشير بقياس ما لم يذكر على ما ذكره.(1/491)
المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازًا ووجوباً
للخبر من ناحية تأخُّرِه عن المبتدأ وتقدمه ثلاث حالات، أن يتأخر وجوباً، وأن يتقدم وجوباً، وأن يجوز تأخره وتقدمه.
فأما تأخره وتقدمه جوازاً فهوالأصل الغالب؛ نحو: السحاب بخار متكاثف - البرق شرارة كهرَبية - الكتاب صديق أمين - قول الشاعر1:
أفى كل عام غُرْبةٌ ونُزُوحُ ... أما للنَّوى من وَنْيةٍ فتُريحُ
ففى هذه الأمثلة وأشباهها يصح تقديم الخبر وتأخيره2 ...
أما تأخره وجوباً؛ ففى مواضع أشهرها:
1- أن يكون المبتدأ والخبر معاً متساويين3 أومتقاربين فى درجة تعريفهما
__________
11 بغير نظر لما تقتضيه الأوزان الشعرية أحيانا من وجوب التقديم أو التأخير لمراعاة الوزن وحده والمخاطبة عليه. فلو لم نراع الوزن الشعري لجاز الأمران كما في النثر أيضا. وكقول الشاعر:
من البلية عذل منن لا يرعوي ... عن جهله، وخطاب من لا يفهم
ومن العداوة ما ينالك نفعه ... ومن الصداقة ما يضر ويؤلم
فهنا عدة أخبار متقدمة يجوز تأخيرها إذا لم نراع وزن الشعر.
2 ومما يجوز فيه الأمران مخصوص "نعم وبئس" في مثل: نعم الفارس على.... فيجز تأخير "على" عن الجملة الفعلية التي قبله وإعرابه مبتدأ متأخرا، خبره تلك الجملة الفعلية السابقة عليه ويجوز تقديمه عليها مع إعرابه مبتدأ وهي خبره. ويشترط في هذا المخصوص وفي إعرابه السالف شروط تفصيلية مكانها جـ 3 ص 353 م 110 - باب نعم وبئس.
"ملاحظة" إذا تعددت الأخبار للمبتدأ الواحد فلها حكم خاص في جواز التقديم والتأخير يجيء في ص 528، وكذا في رقم 1 من هامش ص 530 حيث الكلام على تعدد الخبر.
3 سبق في باب المعارف أن أنواعها تتفاوت في درجة التعريف وقوته، فنوع أقوى من نوع آخر، فالضمير أقوى من العلم، والعلم أقوى من اسم الإشارة. ... وهكذا. بل إن النوع الواحد قد يتفاوت في درجة تعريفه وقوته، فضمير المتكلم أقوى من ضمير المخاطب. وضمير المخاطب، أقوى من ضمير الغائب.... وهكذا على الوجه المفصل هناك "في رقم 1 من هامش ص 212"....
كذلك النكرة تتفاوت في درجة التنكير وقوته: فالنكرة المحضة "وهي المتوغلة في التنكير، أي: في الإبهام والشيوع" بسبب أنها تخصص بوصف، أو بإضافة، أو بغيرهما"- أقوى في التنكير من المختصة، لأن الاختصاص يضعف التنكير، إذ يقرب النكرة من المعرفة بعض التقريب. والمراد من تساوي المعرفتين هنا أن يكونا في درجة واحدة في التعريف- ولو كان من نوعين مختلفين كالعلم بالغلبة، مع علم الشخص-- كأن يكونا ضميرين معا للمتكلم، أو للمخاطب، أو للغائب، أو يكونا علمين أو اسمى إشارة. والمراد من تساوي النكرتين أن تكونا محضتين معا.....(1/492)
أوتنكيرهما، بحيث يصلح كل منهما أن يكون مبتدأ؛ نحو: أخى شريكى - استاذى رائدى فى العلم - مكافح أمين جندى مجهول - أجملُ من حرير أجملُ من قطن ...
ففي هذه الأمثلة وأشباهها يجب تأخير الخبر؛ لأن تقديمه يوقع فى لَبْس؛ إذ لا توجد قرينة1 تُعَينه، وتميزه من المبتدأ؛ فيختلط المحكوم به بالمحكوم عليه؛ ويَفسد المعنى2 تعاً لذلك. فإن وجدت قرينة معنوية أولفظية تدل على أن المتقدم هوالخبر وليس المبتدأ جاز التقديم3؛ فمثال "المعنوية": أبى أخى فى الشفقة والحنان. ز. فكلمة: "أب" خبر مقدم؛ وليست مبتدأ؛ لأن المراد: أخى كأؤ ... أى: الحكم على الآخ بأنه كالأب فى الشفقة والحنان، ولا يُعْقَل العكس. فالمحكوم عليه هو: "الأخ"؛ فهوالمبتدأ، والمحكوم به هو: "
__________
= وأما تقارب المعرفتين- وقد يسمى أحيانا: "تفاوتهما في الدرجة"، لما بينهما من اختلاف غير واسع - فمعناه أن يكونا من نوع واحد مع اختلافهما في درجة ذلك النوع، كضمير المتكلم مع ضمير المخاطب. أو ضمير المخاطب مع ضمير الغائب، أو أن يكونا من نوعين مختلفين ولكنهما متقاربان، كالعلم مع ضمير المخاطب، فإن العلم يقاربه، أو كالعلم الشخصي مع المعرف "بأل العهدية"، فإن المعرف بها يقاربه. وتقارب النكرتين معناه أن إحداهما مختصة والأخرى غير مختصة، فهي قريبة من أختها إلى حد ما "قد يسمى أيضا "تفاوتا"، لوجود اختلاف بينهما، وإن كان يسيرا".
1 كرونا أن القرينة هي العلامة التي تدل على المعنى المراد، وتوجه إليه، وتزيل عنه الغموض واللبس، فإن كانت لفظا سميت: "لفظية". وإن كانت غير لفظ سميت: "معنوية، أو: عقلية". وقد تقسم في مواضع أخرى إلى: "حسية"، وهي: التي تدرك بإحدى الحواس، فتشممل اللفظية، وإلى: "غير حسية، وهي التي تدرك بالعقل.... كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 507.
2 أوضحنا أول هذا الباب - رقم 8 من هامش ص 442 معنى المحكوم عليه، والمحكوم به، ولما كان الأغلب في الأول - وهو المبتدأ - أن يكون شيئا معلوما للسامع، وأن يكون الثاني - وهو الخبر- مجهولا له، وجب عن اللبس تأخير الثاني "أي: الخبر"، إذ لو تقدم وأعربناه ممبتدأ لا نقلب المحكوم به المجهول محكوما عليه معلوما. وصار المعلوم مجهولا، وجاء الحكم في الحالتين مخالفا للمراد، وهذا فساد معنوي، وفي الموضع السالف بيان شاف مفيد.
ولزيادة الإيضاح نسوق المثال الآتي، أن يعرف المخاطب شخصا مثل: "إبراهيم" بعينه واسمه، ولكنه لا يعرف أنه زميله في الدراسة، فتقول: إبراهيمم زميلك، جاعلا المبتدأ هو المعروف له، والخبر هو المجهول له، المحكوم به. وذلك شأن الخبر في الأغلب- كما قدمنا- أن يكون هو الشيء المجهول للمخاطب وأنه المحكوم به، فلا يصح أن تقول، زميلك إبراهيم، بغير قرينة تدل على تقديم الخبر. أما إذا عرف زميلا له، ولكنه لا يعرف اسمه، وأردت أن تعين له الاسم، فإنك تقول: زميلك إبراهيم. جاعلا المعلوم له هو المبتدأ. والمجهول له المحكوم به هو الخبر. فلو عكس الأمر في إحدى الصورتين لا نعكس المعنى، تبعا لذلك، واختلف المراد، بسبب الخروج على ذلك الأصل، ومخالفته.
3 وإذا صح التقديم فهل يكون أحدهما أولى به من الآخر؟ الجواب في: "ب" من ص 499.(1/493)
الأب الذى يشابهه الأخ. فالأب هوالخبر ولوتقدم؛ لأن القرينة المعنوية تميزه وتجعله هوالخبر؛ فصح التقديم لوجودها.
ومثل: الجامعة فى التعليم البيت. "فالجامعة" خبر مقدم، "والبيت" مبتدأ مؤخر؛ فهوالمحكوم عليه بأنه مشابه للجامعة؛ إذ لا يعقل العكس. ومثل: نور الشمس نور الكهربَا. ضوء القمر ضوء الشموع ... الأسد فى الغضب القِطّ فى الثورة. الجبلُ الهرمُ فى الضخامة. هذا العالم فى براعته هذا الطالب فى تعلمه ... وهكذا ... ومثال القرينة "اللفظية": حاضرٌ رجلٌ أديبٌ. فكلمة "حاضر" هى الخبر؛ لأنها نكرة محضة1 والنكرة التي بعدها "وهى: رجل" نكرة غير محضة؛ لأنها مخصصة بالصفة بعدها؛ فهى أحق بأن تكون المبتدأ بسبب تخصصها2.
2- أن يكونَ الخبر جملة فعلية، فاعلها ضمير مستتر يعود على المبتدأ: نحو: الكواكب "تتحرك"، فالجملة الفعلية المكونة من الفعل المضارع وفاعله، خبر المبتدأ. فلوتقدم الخبر وقلنا: تتحرك الكواكب - لكانت "الكواكب" فاعلا، مع أننا نريدها مبتدأ، وليس فى الكلام ما يكشف اللبس. بخلاف ما لوكان الفاعل اسماً ظاهراً أوضميراً بارزاً، نحو: تتحرك كواكبُها السماء - قد أضاءَ النجمان ... ، فتعرب الجملة الفعلية هنا؛ "تتحرك كواكبُها" خبراً متقدماً؛ لاشتمالها على ضمير يعود على المبتدأ "السماء" فرجوع الضمير إلى كلمة: "السماء" دليل علىأنها متأخرة فى الترتيب اللفظى فقط، دون الترتيب الإعرابى "المسمى: الرتبة3"؛ لأن الضمير لا يعود على متأخر لفظاً ورتبة إلا فى مواضع4 ليس منها هذا الموضع. فكلمة: "السماء" متأخرة فى اللفظ، لكنها متقدمة فى الرتبة. وأصل الكلام: السماء تتحرك كواكبها؛ فكلمة: "
__________
1 أي: غير متخصصة بنعت، أو إضافة، أو نحوهما "طبقا للبيان السابق- رقم 3 هامش ص 492"
2 لما عرفناه من أن المبتدأ يكون هو المعرفة، أو النكرة المتخصصة عند اجتماع أحدهما مع النكرة المحضة. وهذا بشرط ألا تقوم قرينة تعارضه.
3 الترتيب الإعرابي أو "الرتبة"، يجعل لبعض الألفاظ الأسبقية في الجملة دون بعض، فالمبتدأ أسبق من الخبر، والفعل أسبق من الفاعل، والفاعل أسبق من المفعول، والمضاف أسبق من المضاف إليه....، وهكذا. وقد تكون هناك أسباب لمخالفة هذا الأصل أحيانا. على حسب ما هو موضح في مواضعها.
4 سردناها عند الكلام على الضمير في ص 2258.(1/494)
السماء" مبتدأ. وحاز تقديم الخبر عليها مع أنه جملة فعلية لأن اللبس مأمون؛ إذ فاعلها اسم ظاهر، وليس ضميراً مستتراً يعود على ذلك المبتدأ1.....
وتعرب الجملة الفعلية الثانية خبراً مقدماً، والنجْمان مبتدأ. ولا لبْس فيه، لأن وجود الضمير البارز "وهوألف الاثنين" وإعرابه فاعلا - فى اللغات الشائعة عند العرب - أوجب أن يكون "النجمان" مبتدأ، لا غير؛ إذ لا يوجد ما يحتاج إلى فاعل، ومن ثمَّ كان اللبس مأمونا2.
وكما يقع اللبس بين المبتدأ والفاعل الضمير المستتر على الوجه السابق، يقع بين المبتدأ ونائب الفاعل إذا كان ضميراً مستتراً أيضاً؛ نحو: البيتُ أقيمَ. وكذلك بين المبتدأ وفاعل اسم الفعل. إذا كان الفاعل ضميراً مستتراً؛ نحو: القمرُ هيهاتَ. وقد يلتبس المبتدأ لوتأخر بالتوكيد؛ نحو: أنا سافرت؛ فلوتأخر المبتدأ الضمير لكان توكيداً للتاء. فبسبب اللبس يمتنع التقديم فى كل ما سبق3 ...
3- أن يكون الخبر محصوراً فيه المبتدأ4 بإنما، أوإلا؛ مثل: إنما
__________
1 وتنطبق هذه الصورة على قول حسان:
قد نكلت أمه من كنت واحده ... أو كان منتشبا في برثن الأسد
2 وهذا على اعتبار أن الفعل - في اللغات الشائعة - لا تلحقه علامة تثنية ولا جمع، وأن حمل الكلام على الكثير الشائع أحسن وأصح. أما على اللغة القليلة - وهي هنا صحيحة- التي تجيز إلحاق هذه العلامة به فاللبس مخوف غير مأمون، فلا يجوز التقديم، والخير في ترك التقديم في هذه الصورة، مبالغة في الابتعاد عن شبهة اللبس.
3 ومن نوع الخبر الذي الذي يجب تأخيره الجملة الفعلية الواقعة خبرا "عن ما" التعجبية كما سيجيء في ص 499.
4 أي: أن المبتدأ بمعناه يكون منقطعا للخبر، محصورا في هذا الخبر، وبيان الحصر-- ويسمى القصر"- يتضح من التمثيل الآتي: إذا أردنا قصر شيء على شيء، بحيث يكون أحدهما مختصا بالآخر، منقطعا له - أي متفرغا له كل التفرغ - سميت هذه العملية، "حصرا"، أو: قصرا". كأن تريد قصر: "البحتري" على الشعر، وانقطاعه له فتقول: إنما البحتري شاعر. فقد قصرنا " البحتري" على الشعر، أي: جعلناه مختصا بالشعر، منقطعا له دون غيره من العلوم والفنون الأخرى. ولا بد في الحصر "القصر" من شيء محصور، ومن محصور فيه ذلك الشيء، ومن علامة حصر. فالبحتري في المثال السابق هو "المحصور"، ويسمى "المقصور" أيضا. والشعر هو المحصور فيه، ويسمى: "المقصور عليه" - كل ذلك ما لم تمنع قرينة وعلامة الحصر هي: "إنما" وقد تكون "إلا" كما في المثالين الآخرين أو غيرهما. وللقصر طرق معينة متعددة، وعلامات خاصة، لها موضعها في "علم المعاني". وإذا كانت أداة الحصر "القصر" "إنما" فالمقصور عليه هو المتأخر في جملتها، وإذا كانت الأداة "لا" فالمقصور عليه هو الواقع بعدها مباشرة.(1/495)
البحْترىّ شاعر - إنما المتنبى حكيم - ما النيل إلا حياة مصر - ما الصناعة إلا ثروة. فلا يجوز تقديم الخبر؛ كى لا يزول الحصر، فلا يتحقق المعنى على الوجه المراد.
4- أن يكون الخبر المبتدأ دخلت عليه لام الابتداء1؛ نحو: لَعلْمٌ مع تعب خيرٌ من جهل مع راحة؛ لأن لام الابتداء لها الصدارة فى جملتها؛ فيجب تقديمها مع ما دخلت عليه؛ وهوالمبتدأ.
5- أن يكون المبتدأ اسماً مستحقًّا للصدارة فى جملته؛ إما بنفسه مباشرة، كاسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، وما التعجبية، وكم الخبرية2 ... ؛ مثل: مَن القادمُ؟ وأىُّ شريف تصاحبْه أصحابه - ما أطيبَ خُلُقك!! كم صديق عرفتُ فيه الذكاء!! وإما بغيره؛ كالمضاف إلى واحد مما سبق3؛ فالمضاف إلى اسم استفهام نحو: صاحبُ مَن القادم؟ والمضاف إلى اسم شرط نحو: غلامُ أيِّ رجل شريف تعاونْه أعاونْه. والمضاف إلى كم الخبرية نحو: خادمُ كم صديق عرفت فيه الذكاء3.
__________
1 لها باب خاص في ص 657.
2 أما الاستفهامية فداخله في أسماء الاستفهام التي لها الصدارة أيضا.
"3و 3" غير "ما التعجبية"، فإنها لا تقع مضافا إليه. وإلى المواضع السابقة يشير ابن مالك بقوله:
والأصل في الأخبار أن تؤخرا ... وجوزوا التقديم إذ لا ضررا
فامنعه حين يستوى الجزءان ... عرفا ونكرا عادمي بيان
أي: أن الأصل الغالب في الأخبار هو تأخيرها، ولا مانع من التقديم إذا لم يترتب عليه فساد لفظي أو: معنوي.
فامنع التقديم إذا استوى المبتدأ والخبر في التعريف والتنكير. وعدما البيان الذي يوضح أن أحدهما هو المبتدأ، وأن الآخر هو الخبر. "وعرفا ونكرا" منصوبين على "التمييز" أو: على: نزع الخافض - ويسمى "الحذف والإيصال"- وتفصيل الكلام عليه في جـ2 م 71 ص 153 باب: "تعدية الفعل ولزومه"...."، ثم قال ابن مالك:
كذا إذا ما الفعل كان الخبرا ... أو قصد استعماله منحصرا
أو كان مسندا لذي لام ابتدا ... أو لازم الصدر، كمن لي منجدا؟
وامنع التقديم أيضا إذا كان الفعل - مع فاعله- هو الخبر، أو كان الخبر محصورا فيه.
ومعنى البيت الأخير: أن الخبر يمتنع تقديمه إذا كان مسندا لصاحب لام ابتدا، أي: إذا كان هذا الخبر مسندا، والمسند إليه مبتدأ مصدرا باللام التي تدخل على المبتدأ للدلالة على الابتداء، وكذلك يمتنع تقديمه إذا كان المبتدأ لازم الصدارة، أي: لا يكون إلا في صدر جملته.(1/496)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"أ" هنا مواضع أخرى يجب فيها تأخير الخبر؛ أشهرها ما يأتى:
1- ما ورد مسموعاً مِن مثل: راكبُ الناقة طَليحان1. "أى: مُتْعبَان؛ أصابهما الإعياء والإرهاق، وأصله: راكبُ الناقةَ والناقَةُ طليحان؛ من كل مبتدأ مضاف، أخبر عنه بخبر مطابق فى التثنية أوالجمع للمضاف مع المضاف إليه من غير عطف شىء ظاهر على المبتدا؛ كالمثال السابق. ونحو: مهندس البيت جميلان - ونحو: خدم الطفلين لاعبون؛ أى: مهندسُ البتي والبيتُ جميلان. وخادم الطفلين والطفلان لاعبون. فالمعطوف على المبتدأ محذوف لوضوح المعنى. والخبر هنا واجب التأخير. لكن أيجوز القياس على تلك الأساليب التى حذف فيها حرف العطف والمعطوف على المبتدأ؛ لوضوح المعنى؟ الأحسن الأخذ بالرأى القائل بجوازه بشرط وجود قرينة واضحة تدل على المحذوف: لأن هذا الرأى يطابق الأصول اللغوية العامة التى تقضى بجواز الحذف عند قيام قرينة جلية تدل على المحذوف، وتمنع خفاء المعنى؛ كما رددنا هذا كثيراً2 ...
2- أن يكون الخبر مقروناً بالفاء3؛ نحو: الذى ينصحنى فمخلص. فإن تقدم الخبر وجب حذف الفاء.
3- أن يكون الخبر مقترناً بالباء الزائدة؛ نحو: ما شريف بكاذب.
4- أن يكون طلباً؛ نحو: المحتاجُ عاونْه، والبائسُ لا تؤلمه.
5- أن يكون الخبر عن "مذ" أو"منذ"، بجعلهما مبتدأين معرفتين فى المعنى؛ نحو: ما سافرت مذْ أومنذ شهران؛ "إذ المعنى: زمن انقطاع الرؤية شهران4.
__________
1 سيجيء لهذا المثل بيان في جـ3 باب: "العطف" م ص 542 م 118، عند الكلام على حذف واو العطف.
2 انظر رقم 1 من هامش ص 507.
3 سيجيء في ص 434 بيان المواضع التي يقترن فيها الخبر بالفاء....
4 كما سبق في ص 489 وكما يجيء في ص 502 - وفي جـ 2 باب: "الظرف"، م 79 ص 278 و 5022 وباب: "حروف الجر" م 89 ص 478.(1/497)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6- ضمير الشأن1 الواقع مبتدأ؛ نحو: قل "هو: الله أحد".
7- المبتدا المخبر عنه بجملة هى عينه فى المعن نحو: "كلامى: "السفر مفيد"" "قولى: "العمل النافع"".
8- اسم الإشارة المبدوء بكلمة: "ها" التنبيه، فى جملة اسميه؛ نحو: هذا أخى. وهذا رأى كثير من النحاة، ومن الميسور رفضه بالأدلة التى سبقت2 والتي تجعل تقديم المبتدأ هنا مستحسناً، لا واجباً. وإنما يتعين - عند أصحاب ذلك الرأى - أن يكون اسم الإشارة فى الجملة الاسمية هو: المبتدأ ولا يكون خبراً، بحجة أن: "ها" التنبيه تتطلب الصدارة، بشرط أن تتصل باسم الإشارة مباشرة، لا يفصل بينهما ضمير، فإن فصل بينهما الضمير فى مثل؛ "هأنذا" فالضمير هوالمبتدأ واسم الإشارة هوالخبر. ويجوز: هذا أنا. ولكن الأول أحسن وأولى؛ لكثرة الأساليب الأدبية الواردة به3.
9- المبتدأ الذى للدعاء؛ نحو: سلام عليكم، وويل للأعداء4.....
10- المبتدأ الذى له خبر متعدد يؤدى مع تعدده معنى واحداً؛ مثل: الفتى نحيف سمين - الرمان حلوحامض؛ لأنه لا يجوز تقديم الخبر المتعدد الذى يؤدى معنى واحداً، ولا تقديم واحد مما تعدد5.
11- المبتدأ التَّالى: أمَّا: نحو: أما صالح فعالم؛ لأن الفاء لا تقع بعد "أما" مباشرة. ولأن الخبر الذى تدخل عليه لا يتقدم على المبتدأ - كما سلف -.
12- المبتدأ المفصول من خبره بضمير الفصل6، نحو: الشجاع هوالناطق بالحق غير هياب.
__________
1 سبق تفصيل الكلام عليه وعلى أحكامه وكل ما يختص به في ص 22500 "د".
2 في رقم 1 من هامش ص - 328 ورقم 1 من هامش ص 337.
3 كما سبق في "أ" من ص 337 وكما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 500.
4 هذا رأي كثير من النحاة. ولكني رأيت عدة نصوص قديمة يحتج بها تقدم فيها الخبر الجار مع مجرورة على المبتدأ الذي للدعاء. فالأحسن أن يقال: إن التأخير هو الأكثر، وليس بالواجب.
5 كما سيجيء البيان في موضوع "تعدد الخبر" ص 529.
6 له بحث خاص مستقل في ص 2242 "حـ".(1/498)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
13- المبتدأ إذا كان ضمير تكلم أوخطاب، وقد أخبر عنه بالذى وفروعه مع وجود بعده الضمير مطابقاً للتكلم، أوالخطاب؛ نحو: أنا الذى أساعد الضعيف. أنتما اللذان تساعدان الضعيف. ....
14- ويجب تقديم المبتدأ وتأخير الحبر فى باب الإخبار عن: "الذى"، نحو: الذى صافحته محمد.
15- خبر المبتدأ إذا كان ضمير متكلم أومخاطب، وقد أخبر عنه بنكرة مُعرَفة بأل، بعدها ضمير مطابق للمبتدأ في التكلم والخطاب، نحو: أنا السيف أمزق الضلال، أنت الجندى تدافع عن الوطن.
16- إذا كان المبتدا اسم موصول وجب تأخير الخبر عنه وعن الصلة معا1. ملاحظة: يجب تقديم كل اسم أوفعل سبقته أداة عرض، أوتمن، أورجاء، أونفى، أوطلب.
17- ويجب تأخير الخبر، إذا كان جملة فعلية ماضوية والمبتدأ "ما" التعجبية؛ نحو: ما أقدر الله أن يُدْنِىَ المتباعدين2.
"ملاحظة عامة" يجب تقديم كل اسم أو فعل سبقته أداة عرض، أو تمن، أو رجاء، أو نفي، أو طلب.
"ب" أثار النحاة والبلاغيون جدلا مرهقاً حول بعض الحالات التى يكون فيها المبتدأ والخبر متساويين فى التعريف والتنكير، أومتقاربين فيهما؛ من غير لَبْس فى المعنى. ويدور الجدل حول معرفة الأحق منهما بأن يكون المبتدا. وإذا ظهر الأحق فهل يجوز الإغضاء عن أحقيته بجعله خبراً وجعل الخبر مبتدأ؟ وقد سبق3 بيان المراد من التساوى والتقارب فى التعريف والتنكير.
بالرغم من جدلهم المرهق4؛ فإن الجواب السديد يتلخص فى أن المعوّل
__________
11 كما في ص 378.
2 سبقت الإشارة لهذا، في رقم 5 من ص 496.
3 في رقم 3 من هامش ص 492.
4 وقد عرض لبعضه صاحب: "المفصل" وكذا: "الصبان" بإيجاز في الجزء الأول، باب: "المبتدأ والخبر"، عند الكلام على مواضع تأخير الخبر وجوبا. وكذلك: "التصريح" وهامشه في الموضع السابق أيضا: وكذلك "المغني" أول الباب الرابع:(1/499)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه فى جواز تقديم المبتدأ على الخبر ليس التساوى أوالتقارب فى درجة التعريف والتنكير؛ وإنما المعول عليه وحده وهووجود قرينة تدل على أن هذا هوالمحكوم عليه، "أى: أنه المبتدأ"، وذلك هوالمحكوم به، أى: الخبر، على حسب المعنى؛ بحيث يتميز كل من الآخر، دون خلط أواشتباه. فمتى وجدت القرينة التى تمنع الخلط واللبس جاز تقديم أحدهما وتأخير الآخر على حسب الدواعى1. وإن لم توجد القرينة وجب تأخير الخبر حتماً من غير أن يكون للتساوى أوالتقارب دخل فى الحالتين. فلا بد من مراعاة حال السامعين من ناحية قدرتهم على إدراك أن هذا محكوم عليه فيكون مبتدأ، وأن ذاك محكوم به فيكون خبراً. فإذا وقع فى وهم المتكلم أن التمييز غير ممكن، وأن اللبس محتمل - وجب إزالته؛ إما بالقرينة التى تبعده وتبدده، وإما بالتزام الترتيب؛ فيتقدم المبتدأ ويتأخر الخبر؛ ليكون هذا التقدم دليلا على أنه المبتدأ، ووسيلة إلى تعينه؛ لموافقته للأصل الغالب فى المبتدأ.
__________
1 إلا في الحالة التي أشرنا إليها في رقم 8 من ص 498 وهي حالة اسم الإشارة المقرون بكلمة "ها" التنبيه، مع معرفة أخرى، إذ يتعين أن يكون اسم الإشارة هو المبتدأ، لأن حرف التنبيه لا بد أن يتصدر- عند فريق من النحاة دون فريق، طبقا للبيان المفصل الذي في رقم 1 من هامش ص 328 - إلا إن كانت المعرفة الأخرى ضميرا، ففي هذه الحالة يحسن أن يكون المبتدأ هو الذي تسبقه "ها" التنبيه، واسم الإشارة يجيء بعده خبرا، نحو،: "هأنذا". وقد يجوز مراعاة القاعدة العامة بتقديم الإشارة أيضا في هذه الصورة مع تأخير الضمير، نحو: هذا أنا، ولكن الأول أكثر في الأساليب الأدبية المعروفة. "انظر ص 337".(1/500)
المسألة الثامنة والثلاثون: تقديم الخبر وجوباً
"وهي الحالة الثالثة له"
يتقدم الخبر وجوباً فى مواضع؛ أهمها:
1- أن يكون المبتدأ نكرة محضة1، ولا مسوغ للابتداء به إلا تقدم الخبر المختص؛ ظرفاً كان، أوحارًّا مع مجروره؛ أوجملة؛ فمثال شبه الجملة: عندك كتابُ - على المكتب قلم ... فإن كان للمبتدا مسوغ آخر جاز تقديم الخبر وتأخيره؛ نحو: عندك كتاب جميل - على المكتب قلم نفيس؛ ويجوز: كتاب جميل عندك، وقلم نفيس على المكتب. ومثال الجملة: قَصَدَك ولدُه محتاج. فلا يجوز تقديم المبتدأ؛ وهو: "محتاج"؛ لأنه نكرة محضة، ولأن المبتدأ النكرة إذا تأخر عنه خبره الجملة أوشبه الجملة فقد يتوهم السامع أن المتأخر صفة، لا خبر2.
3- أن يكون المبتدأ مشتملاً على ضمير يعود على جزء3 من الخبر؛ نحو: فى الحديقة صاحبها. فكلمة: "صاحب" مبتدأ، خبره الجار مع المجرور السابقَين؛ "فى الحديقة". وفى المبتدأ ضمير يعود على الحديقة التى هى جزء من الخبر. ولهذا وجب تقديم الخبر؛ فلا يصح: صاحبها فى الحديقة؛ لكيلا يعود الضمير على
__________
"1 و1" سبق الكلام على النكرة المحضة في رقم 3 من هامش 213 وعلى الظرف المختص، وكذا الجار مع مجروره في ص 477 وفي رقم 1 من هامش 487. وكذا الرأي في المبتدأ النكرة في ص 489.
2 كل هذا كلام القائلين بأن المبتدأ لا يكون نكرة إلا بمسوغ. وسردوا عشرات من المسوغات لا تترك نكرة بغير أن تصلح للابتداء، كما أوضحنا فيما سلف "ص 485 وما بعدها"، وانتهينا منه إلى أنه لا قيمة لهذا التوهم، ولا داعي لبقاء تلك القاعدة، وعندئذ يكون الموضع الأول من مواضع تقديم الخبر هو: "أن يكون المبتدأ نكرة محضة، ويراد تخصيصه، بتقديم خبره الظرف أو الجار مع المجرور المختصين، أو: الجملة". أما دعوى التوهم فخيالية لا مجال لها ما دامت الجملة الاسمية قد أدت الفائدة الأساسية المطلوبة.
3 عبارة النحاة: "يعود على الخبر". ولكن الصحيح أنه يعود على جزء من الخبر كما في المثال-، إذ الضمير عائد على المجرور وحده، وهو جزء من الخبر، لأن الخبر الجار مع مجروره.(1/501)
متأخر لظفاً ورتبة؛ وهوممنوع هنا. ومثل ذلك: "فى القطار رُكَّابُه" فكلمة: "ركاب" مبتدأ خبره الجار مع المجرور السابقين. وفى المبتدا ضمير يعود على: "القطار" وهوجزء من الخبر. ويجب تقديم الخبر؛ فلا يصح: رُكَّابُه فى القطار؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة؛ وهوممنوع هنا كما قلنا. وهكذا ...
3- أن يكون للخبر الصدارة فى جملته؛ فلا يصح تأخيره. ومما له الصدارة أسماء الاستفهام؛ نحو: أين العصفورُ؟ فكلمة: "أين" اسم استفهام، مبنى على الفتح فى محل رفع، خبر مقدم، و"العصفور" مبتدا مؤخر. ونحو: متى السفرُ؟ فكلمة: "متى" اسم استفهام مبنى على السكون فى محل رفع خبر مقدم، و"السفر" مبتدأ مؤخر. ومثل هذا: كيف الحال؟ من القادم؟ ...
وكذلك الخبر الذى ليس اسم استفهام بنفسه ولكنه مضاف إلى اسم استفهام؛ نحو؛ مِلْكُ مَن السيارةُ؟؛ وصاحبُ أيِّ اختارع أنت؟
ومما له الصدارة "مُذْ ومُنْذُ" عند إعرابهما ظرفين خبرين متقدمين فى مثل: ما رأيت زميلى مُذْ أومنذُ يومان. ولوأعربناهما مبتدأين لوجب تقديمهما أيضاً1.
4- أن يكون الخبر محصوراً2 فى المبتدأ بإلا أوإنما؛ نحو: ما فى البيت إلا الأهل، إنما فى البيت الأهل؛ فلا يجوز تأخير الخبر وتقديم المبتدأ، لكيلا يختل الحصر المطلوب، ويختلف المراد 3.
__________
1 سبقت الإشارة لهذا في "أ" من ص 489 وفي رقم 5 من ص 497 وسيجيء البيان عنهما في جـ2 بابي: الظرف وحروف الجر.
2 وقد أشرنا باختصار إلى "الحصر" وطريقته في رقم 4 من هامش ص 495.
3 وقد أشار ابن مالك إلى المواضع الأربعة السابقة بقوله
ونحو: عندي درهم ولي وطر ... ملتزم فيه تقدم الخبر
يشير بهذا البيت إلى الموضع الأول: "والوطر هو: الغرض والحاجة"، ثم قال:
كذا إذا عاد عليه مضمر ... مما به عنه مبينا يخبر
يشير إلى الموضع الثاني، وهو: تقديم الخبر إذا عاد عليه مضمر "أي: ضمير" من المبتدأ الذي يخبر عنه بخبر، وهذا الخبر يبين ويفسر الضمير العائد إليه.
و"مما" أي: من المبتدأ الذي.... و "به" بالخبر - حالة كون الخبر مبنيا - وعنه "عن المبتدأ...." وفي البيت كثير من التعقيد، والضمائر الملتوية في مراجعها." ثم أشار إلى الموضع الثالث فالرابع بقوله:(1/502)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كذا إذا يستوجب التصديرا ... كأين من علمته نصيرا؟
وخبر المحصور قدم أبدا ... كما لنا إلا اتباع أحمدا
يريد: أن يقول: كذلك يجب تقديمم الخبر إذا كان من الألفاظ التي تستوجب التصدير، أي: تستحقه وجوبا، نحو: أين من علمته نصيرا؟ "فأين" اسم استفهام د خبر مقدم.... إلخ.
"من" اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر.....
وكذلك يجب تقديم خبر المحصور فيه، أي: خبر المبتدأ الذي وقع فيه الحصر "فالخبر محصور، والمبتدأ محصور فيه" مثل: ما لنا إلا اتباع أحمد.(1/503)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة وتفصيل:
"أ" من المواضع التى يجب فيها تقديم الخبر:
1- أن يكون لفظة "كم" الخبرية1؛ نحو: كم يومٍ غيابُك!! أوأن يكون مضافا إليها، نحو: صاحب كم كتابٍ أنت!!
2- أن يكون قد ورد عن العرب متقدماً في مثَل من أمثالهم؛ نحو: فى لك واد بنوسعد؛ لأن الأمثال الواردة لا يصح أن يدخلها تغيير مطلقاً، "لا فى حروفها، ولا فى ضبطها، ولا فى ترتيب كلماتها"2.
3- أن يكون المبتدأ مقروناً بفاء الجزاء؛ نحو: أمَّا عندك فالخير.
4- أن يكون الخبر اسم إشارة ظرفاً للمكان؛ نحو: هنا3 وثَمَّ فى مثل: هنا النبوغ؛ وثَمَّ العلم والأدب.
5- أن يكون تأخير الخبر مؤدياً إلى خفاء المراد من الجملة، أومؤدياً إلى الوقوع فى لبس؛ فمثال الأول: لله درك4، عالما، فالمراد منها: التعجب. ولوتأخر الخبر وقلنا: درك لله - لم يتضح التعجب المقصود.
ومثال الثانى: عندى أنك بارع، من كل مبتدأ يكون مصدراً مسبوكاً من "أنَّ" "مفتوحة الهمزة مشدودة النون" ومعموليها: وهى "أنّ" التى تفيد التوكيد. فلوقلنا: أنك بارع عندى - لكان التأخير سبباً فى احتمال اللبس فى الخلط بين "أنّ" المفتوحة الهمزة المشددة النون و"إنّ" المكسورة الهمزة المشددة النون، وسبباً فى احتمال لَبْس آخر أقْوَى، بين "أنّ" المفتوحة الهمزة المشددة التى معناها التوكيد، والتى تسبك مع معموليها بمصدر مفرد - و"أن" التى بمعنى
__________
1 أما الاستفهامية فلها الصدارة أصالة كأسماء الاستفهام السابقة. فكم بنوعيها واجبة الصدارة.
2 كما سيجيء في ص 518.
3 هذا ما صرح به فريقض من النحاة، كصاحب "الهمع" - جـ1 ص 102 - ولكن السماع الكثير يخالفه في الظرف: "هنا" كما أوضحنا هذا بإفاضة في رقم 1 من هامش ص 328.
4 الدر: اللبن. والمقصود من هذه الجملة المدح والتعجب معا، بسبب ما يدعيه المتكلم من أن اللبن الذي ارتضعه المخاطب ونشأ عليه هو لبن خاص من عند الله هيأه وحده لإعداد هذا المخاطب إعدادا ممتازا ينفرد به "راجع جـ 2 رقم 2 من هامش ص 21 م 60". وهذا الأسلوب قد التزم فيه العرب تقديم الخبر، فلا يصح تأخيره.(1/504)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"لعل"، وهذه مع معموليها جملة فلا تسبك معهما بمصدر مفرد، وفرق كبير فى الإعراب بين المفرد والجملة، وفى المعنى بين التوكيد، والترجى أوالظن ... فقد صار اللبس محتملا لفظاً وكتابة ومعنى بسبب تأخير الخبر، ولوتقدم لامتنع اللبس، إذ الحكم الثابت "لإن" المكسورة الهمزة المؤكِّدة، و"أنَّ" المفتوحة الهمزة التى بمعنى "لعل" أن كلا منهما مع معموليه جملة، وأن كلا منهما لا يجوز تقديم معمول خبره عليه؛ سواء أكان المعملوظرفياً أم غير ظرف1. ولهذا يسهل الاهتداء إلى إعراب الظرف فى المثال السابق، وأشباهه، وأنه خبر وليس معمولا للخبر متقدماً عليه؛ إذ لولم نعربه خبرا واعتبرنا الحرف: "أنّ" للتوكيد "وهى المفتوحة الهمزة، المشددة النون" لكان المصدر المؤول منها ومن معموليها مبتدأ، ولا نجد له خبراً؛ وهذا لا يصح. ولواعتبرناها بصورتها هذه بمعنى: "لعل" لم يصح تعليق الظرف المتقدم بخبرها إذ لا يجوز تقديم شىء من معمولات خبرها عليها - كما قلنا -. وكذلك لواعتبرناها "إن" المكسورة الهمزة، المشددة النون، للتوكيد. فلم يبق بدّ من إعراب ذلك الظرف خبراً متقدماً. فتقدمه - أوغيره من المعمولات - يختم أمرين:
"أ" تعيين نوع "أنّ" التى بعده؛ فتكون للتوكيد، مفتوحة الهمزة مشددة النون.
"ب" أنه خبر متقدم وليس معمولا لخبرها.
كما أن تأخيره يوجب أمرين:
"أ" اعتبار "أن" "مفتوحة الهمزة، مشددة النون" بمعنى "لعل" أوكسر همزتها مع تشديد نونها لتكون للتوكيد.
"ب" إعرابه فى الصورتين معمولا للخبر وليس خبراً.
ولا شك أن كل اعتبار من الاعتبارات السالفة يؤدى إلى معنى يخالف الآخر.
هذا وإنما يكون تقديم خبر "أنَّ" واجباً على الوجه الذى شرحناه بشرط عدم وجود "أما" الشرطية. فإن وجدت جاز تأخير الخبر2. إذ المشددة المكسورة الهمزة.
__________
1 كما هو مبين في رقم 3 من هامش ص 635 - وفي "و" من ص 646.
2 تقول: أما عندي فأنك بارع. أو: أما أنك بارع فعندي.(1/505)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا التى بمعنى: "لعل" لا يقعان بعدها1....
وغاية القول: أنه يجب تقديم الخبر فى كل موضع يؤدى فيه تأخيره إلى لبس، أوخفاء فى المعنى أوفساد فيه.
__________
1 لأنه لا يجوز الفصل بينها وبين "الفاء" التي بعدها بجملة اسمية مصدرة بكلمة: "إن" مكسورة الهمزة، ولا "أن" مفتوحة الهمزة، التي بمعنى: "لعل" - كما سيجيء في رقمم 3 من هامش ص 635 - وسيجيء في جـ 4 ص 4700 و 476 م 161 تفصيل الكلام على: "أما" وأحكامها.(1/506)
المسألة التاسع والثلاثون: حذف المبتدأ والخبر
يحذف كل منهما جوازاً وجوباً فى مواضع معينة؛ فيجوز حذف أحدهما إن دل عليه دليل، ولم يتأثر المعنى ولا التركيب بحذفه1؛ فمثال حذف المبتدأ جوازا أن يقال: أين الأخ؟ فيجاب: فى المكتبة. فالجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الأخ". وأصل الكلام: "الأخ في المكتبة". حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومن الأمثلة أيضاً أن يقال: كيف الحال؟ فيجاب ... "حسن". فكلمة: "حَسَنٌ" خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الحال". وأصل الجملة: "الحال حسن" حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه ... وهكذا.
ومثال حذف الخبر جوازا أن يقال: مَنْ فى الحقل؟ فيجاب: "علىٌّ". فكلمة "على" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف2 تقديره: "في الحقل". وأصل
__________
1 هذا الحذف تطبيق لقاعدة لغوية عامة، تشمل المبتدأ والخبر وغيرهما، ومضمونها أن الحذف جائز في كل ما يدل الدليل عليه، بشرط ألا يتأثر المعنى أو الصياغة بحذفه تأثرا يؤدي إلى عيب وفساد لفظي أو معنوى. ويريدون بالدليل: القرينة الحسية "ومنها اللفظية" أو: العقلية "المعنوية" التي ترشد إلى لفظ المحذوف ومعناه، وإلى مكانه في جملته "طبقا للتقسيم الذي سبقت له الإشارة في رقم 1 من هامش ص 493"- ويريدون بعدم تأثر المعنى: بقاءه على حالة قبل الحذف، فلا ينقص، ولا يصيبه لبس، أو خفاء أو تغيير -
انظر "أ" من ص 489: حيث الأصل اللغوي العام الذي يتصل بهذا.
2 يكثر حذف المبتدأ جوازا في جواب الاستفهام، نحو: ما الحديد؟ فيقال: معدن: أي: هو معدن ومنه قوله تعالى: {مَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} أي: هي نار حامية.... وقوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ؟ .... النار....} ، أي: هو النار. وكذلك بعد القول: مثل: الآية الكريمة التي تسجل كلام الكفار عن القرآن يأنه أساطير الأولين وهي: {قالوا أسطير الأولين....} أي: "هو: أساطير الأولين".. وقد يحذف جوازا في غير هذا المواضع، مثل قوله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} . وقوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... } ، أي: هذا....
وقد اجتمع الحذف الجائز والذكر في قول الشاعر:
قصر عليه تحية وسلام ... خلعت عليه جمالها الأيام
أي: "هذا قصر" - "عليه تحية وسلام".(1/507)
الكلام. "علىّ فى الحقل". حذف الخبر جوازا لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومثله: ماذا معك؟ فيقال: "القلم"، فكلمة: "القلم" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف تقديره: "معى". وأصل الكلام: "القلم معى"، ومثل: خرجت فإذا الوالد1. والأصل قبل حذف الخبر: خرجت فإذا الوالد1 موجود.....
وقد يحذف المبتدأ والخبر معاً بالشرط السابق؛ نحو: المسحنون كثيرٌ؛ فمن يساعد محتاجاً فهومحسن، ومن يساعف مستغيثاً فهومحسن، ومن يشهدْ شهادة الحق ... أى: من يشهدْ شهادة الحق فهو محسن. فجملة: "هومحسن" مبتدأ وخبر وقد حذفا معاً. جوازاً2. ومن ذلك: مَنْ يخلص فى أداء واجبه فهوعظيم، ومن ينفع وطنه فهوعظيم، ومن يخدم الإنسانية ... أي: فهوعظيم 3.
__________
1 "ذا" هنا للمفاجأة، أي: للدلالة على هجوم الشيء الذي بعدها، ووقوعه بغتة. و "إذا الفجائية" لا بد أن يسبقها كلام، ولا تحتاج إلى جواب: ولا بد أن تكون المفاجأة في الزمن الحالي، "لا المستقبل ولا الماضي"، وأن تقترن بها الفاء الزائدة للتوكيد. والمراد بالزمن الحالي: أن وقوع المعنى بعدها وقوع المعنى قبلها مقترنان، بأن يتحقق وقوعهما معا في وقت واحد، ولو كان ماضيا، نحو: خرجت أمس فإذا النسيم منعش، فالوقت الذي تحقق فيه الخروج تحقق معه في الحال- أي: في الوقت نفسه- إنعاش النسيم، لا قبله، ولا بعده، ومثل هذا يقال في بيت الشاعر:
كم تمنيت لي صديقا صدوقا ... فإذا أنت ذلك المتمني
"وسيجيء كلام على إعراب "إذا" في ص 592 - ثم راجع جـ2 "د" ص 2260 م 79"، فتقدير المثال: خرجت فإذا الوالد موجود، وهذا على اعتبار أن "إذا" الفجائية حرف. مراعاة للأسهل- أما على اعتبارها ظرف زمان أو مكان فهي الخبر، أي: ففي الوقت أو في المكان الوالد.
2 فكلمة: "من" اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، "يشهد فعل مضارع، فعل الشرط، مجزوم، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ. "شهادة" مفعول مطلق منصوب، ومضاف، "الحق" مضاف إليه مجرور "فهو محسن" الفاء داخلة على جواب الشرط. "هو" مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع "محسن" خبره مرفوع، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط.
وفي هذا المثال يصح أن يكون المحذوف هو الخبر وحده، والتقدير، "ومن يشهد شهادة الحق محسن". فتكون كلمة: "محسن" خبر "من" ولا تكون "من" الشرطية، وإنما تكون اسم موصول مبتدأ، مبني على السكون في محل رفع "يشهد" مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستر جوازا تقيره، هو.... والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول والخبر محذوف. تقديره "محسن".
3 وقد أشار ابن مالك إلى الحذف السابق فقال:
وحذف ما يعلم جائز، كما ... تقول: زيد، بعد: من عند كما؟
وفي جواب: كيف زيد؟ قل: دنف ... فزيد استغنى عنه إذ عرف
ومعنى البيت الأول: أن الحذف جائز في كل ما يعلم، فيشمل حذف المبتدأ وحده، وحذف الخبر وحده، وحذفهما معا، وغيرهما. والشرط في ذلك كله أن يكون المحذوف معلوما، لم يتأثر المعنى ولا الصوغ بحذفه، وإن يكون معلوما إلا إذا وجد دليل يدل عليه. ولم يذكر ابن مالك هذا الشرط صراحة، اكتفاء بشرط العلم، لأنا لمحذوف لن يكون معلوما حقا إلا إذا وجد الشرط المذكور. وضرب مثالا لحذف الخبر هو: أن يسأل سائل: من عند كما؟ فتقول: "زيد". التقدير "زيد عندنا" فحذف الخبر وهو "عندنا" للعلم به على الوجه السالف.(1/508)
ذلك هوالحذف الجائز1، أما الواجب فللمبتدأ مواضع، وللخبر أخرى. وفيما يلى البيان:
__________
1 ويمتنع حذف الجزأين معا أو أحدهما إذا وقعت جملتهما خبرا عن ضمير الشأن "وقد سبق تفصيل الكلام عليه في الضمائر- ص 250 - نحو: قل هو الله أحد.
وأتى في البيقت الثاني بمثال لحذف المبتدأ هو أن يسأل سائل: كيف زيد؟ فيكون الجواب: "دنف" أي شديد المرض "فدنف" خبر المبتدأ الذي استغنى عنه فحذف، وأصل الجملة: زيد دنف.
وقد ردد في كلامه اسم: "زيد" على عادة قدامي النحاة في كثرة ترديدهه خلال أمثلتهم، هو: وعمرو، وبكر، وخالد.... حتى صار التمثيل بهذا الأسماء بغيضا اليوم، لا بتذاله، يتحاشاة - بحق- أهل البلاغة والمقدرة الفنية من المعاصرين.
وبهذة المناسبة نشير إلى أن كلمة: "كيف" أو: "كي" - كما ينطقها بعض العرب - هي في أكثر استعمالاتها: إما اسم مبني على الفتح، معناه الاستفهام عن حالة الشيء، "أي: السؤال عن هيئته الطارئة عليه، دون السؤال عن ذاته وحقيقته"، وإما اسم معرب، لا يدل على استفهام، وإنما يدل على الحالة المجردة، والهيئة المحضة، بأن يكون بمعنى: "الكيفية". وإما شرطية غير جازمة. فلها حالات ثلاث لا تكاد تخرج عنها. ولكل حالة أحكامها التي نوضحها فيما يلي:
1 فالاستفهامية لها الصدارة في جملتها. وهي مبنية على الفتح وجوبا في كل مواقعها المختلفة باختلاف الأساليب التي تحتويها. وضابط إعرابها أن ننظر إلى العامل بعدها، فإن كان محتاجا إليها باعتبارها جزءا أساسيا لا يستغنى عنه فإنها تعرب على حسب حاجته، فتكون خبر في مثل: كيف أنت؟ . لأن العامل الذي بعدها مبتدأ يحتاج للخبر، فهي الخبر له، مبنية على الفتح في محل رفع. وكذلك هي الخبر في مثل: كيف بك، وكيف به. - بالإيضاح الذي سبق رقم 3 من هامش ص 448 - وفي مثل: كيف كنت؟ تعرب خبرا "لكان"، مبنية على الفتح أيضا في محل نصب، لاحتياج "كان" لخبر منصوب، وفي مثل: كيف ظننت الضيف؟ تكون مبنية على الفتح في محل نصب، مفعولا ثانيا للفعل: "ظن" - وهو من الأفعال التي تحتاج لمفعولين، أصلهما المبتدأ والخبر- فإن كان ما بعدها غير محتاج لها احتياجا أساسيا على الوجه السالف بقيت مبنية على الفتح أيضا. ولكن في محل نصب دائما، إما لأنها مفعول مطلق، نحو "الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟ " "فكيف" مفعول مطلق. والمعنى فعل ربك بأصحاب الفيل أي فعل ...
فهي في كل ما سبق اسم استفهام مبني على الفتح في محل رفع، أو نسب، على حسب حاجة العامل، ولا تكون في محل جر مع بقائها استفهامية إلا سماعا في بعض أمثلة نادرة لا يقاس عليها، منها قولهم: على كيف تبيع الأحمرين؟
ولسيبويه رأي آخر حسن في معنى "كيف" الاستفهامية، وفي إعرابها. وقد اضطرب النحاة في شرحه إلى أن تناوله "الخضري" في حاشيته، فأزال عنه الغموض والخفاء وكشف بشرحه السبب في استحسان صاحب "المغني" وتأييده لذلك الرأيب. وملخصه: أن معنى: "كيف" الاستفهامية عند سيبويسه شيء واحد، هو السؤال عن الحال والهيئة الطارئة على الأمر المسئول عنه، وأن من يقول: كيف(1/509)
مواضع حذف المبتدأ وجوبا، أشهرها أربعة:
"أ" المبتدأ الذي خبره في الأصل نعت، ثم ترك أصله وصار خبرا، بيان هذا: أن بعض الكلمات يكون نعتا خاصا بالمدح كالذي في نحو: ذهبت إلى الصديق الأديب، أوبالذم كالذي في، نحو: ابتعدت عن الرجل السفيه، أو: بالترحم1 كالذي في نحو: ترفق بالضعيف البائس. فكلمة "الأديب" و "السفيه" و "البائس" نعت مفرد2، مجرور، لأنه تابع للمنعوت في حركة الإعراب، التي هي الجر في الأمثلة السابقة.
__________
= محمد؟ . وكيف الجو؟ يريد. في أي حال محمد؟ وعلى أي حال الجو؟ فمعناها اللفظي الدقيق هو: في أي حال؟ أو: على أي حال؟ بحيث تستطيع أن تحذف لفظها وتضع مكانه هذا الذي بمعناه، فلا يتأثر المراد. وهذا معنى قول سيبويه إنها: "ظرف" مبني على الفتح، لأن كلمة: "ظرف" يراد منها أحيانا الجار مع مجروره. ثم هو يريد الظرفية المجازية، كالتي في مثل: فلان في حالة حسنة. ولا يريد الظرفية الحقيقية النحوية التي تقتضي أن يكون الظرف منصوبا على الظرفية، إذ لا تدل على زمان أو مكان، وإنما يريد ما قدمناه من نحو: في أي حال - وعلى أي هيئة ... وبهذا تكون "كيف" عنده مبنية على الفتح في محل رفع أو نصب على حسب حاجة العوامل، ولا تكون في محل جر، ولا مقصورة على النصب للظرفية أو لغيرها. وهذا الرأي قريب من سابقه، وحسن أيضا - كما قلنا-
وفي كل ما تقدم راجع المغني والهمع في مبحث "كيف" وكذا الصبان والخضري وحاشية ياسين في باب المبتدأ والخبر - جـ 1 - عند بيت ابن مالك، وفي جواب: كيف زيد؟ قل: دنف ... ثم في أول باب: "أعلم وأرى"
ب والتي تجردت عن الاستفهام، وتخلصت لمعنى الحالة المجردة "أي كانت بمعنى: "الكيفية" تكون اسما مبنيا أيضا على الفتح في جميع صورها إلا صورة واحدة تعرب فيها، ولا تبني، وهي الحالة التي يحتاج إليها العامل لتكون مفعولا به فتكون اسما معربا مفعولا به مجردا عن معنى السؤال، وليس له وجوب الصدارة، فتعرب مفعولا به، منصوبا لعامل قبله كالذي قيل أيضا في آية "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل" حيث أعربها بعض النحاة مفعولا به منصوبا، مضافا إلى الجملة الفعلية بعده، ثم تأويل هذه الجملة الفعلية بالمصدر طبقا لما هو موضحح في باب الإضافة جـ3 خاصا بالجملة الواقعة مضافا إليه - كتأويل الجملة الفعلية بالمصدر في قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} بإضافة كلمة "يوم" إلى الجملة بعده. فالمعنى: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟ ومثله التأويل في الآية الآخر وهي قثوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ... } أي: أرني كيف إحيائك الموتى.
وفي الآيتين آراء أخرى ولكن ما عرضناه أوضح وأيسر تطبيقا، وليس فيه ما يعارض حكما مطردا، أو قاعدة أصلية. أما في غير هذه الحالة التي تعرب فيها مفعولا به منصوبا مباشرة فإنها تبني على الفتح - كما أشرنا -.
جـ والشروط اسم شرط غير جازم - على الأرجح- يقتضي بعده فعل شرط وفعل جواب. ولا بد أن يكون الفعلان بعدها متفقين في مادة اشتقاق اللفظ وفي المعنى نحو: كيف تكتب أكتب، ولا يجوز كيف تكتب أقرأ ...
وتفصيل الكلام على هذا الاستعمال وحكمه مدون في موضعه الخاص من الجزء الرابع - باب الجوازم ص 415 م 156.
1 إظهار الرحمة والحنان.
2 النعت المفرد- كالخبر المفرد - وكالحال المفرد- ما ليس جملة، ولا شبه جملة.(1/510)