بسم الله الرحمن الرحيم ..
قصة [ فتاة سعودية في باريس ]
كنت ادرس في باريس أثناء حصولي على شهادة البكالوريوس .. وكنت وقتها اعزبا .. فلم تكن أم سعد آنذاك ترفرف في جنبات منزلي ..
خرجت إلى السوق ذات يوم لأشتري ملابس الشتاء .. و عندما أوقفت سيارتي عند المركز التجاري .. نزلت و ابتسامة عريضة تعلو محياي ..
كيف لا و قد كلمتني والدتي و بشرتني بأن أختي أفنان قد رزقت بمولود و أسموه على خاله الموقر (الذي هو أنا طبعا) أحمد .. يااااه كم أنا مشتاق لك يا أحمد و كم أنا مشتاق لأم أحمد الصغير
...
" اووووه سوري " قطعت حبل تفكيري امرأة اصطدمت بي .. عرفت أنها امرأة من صوتها لأني لم أكن اشعر بالعالم حولي و أنا أتذكر أهلي الذين غبت عنهم قرابة السنتين .. التفت إليها و قلت لها بسرعة " اوكي نو بروبلم " ... رفعت نظرها إلي و أحدقت النظر و كأنها رأت شيئا غريبا .. قالت :" أنت سعودي ؟؟!! " ... قلت " إيه "
و دلتني ملامحها و جمالها على أنها فتاة سعودية .. وضعت يديها على وجهها و بدأت تجهش بالبكاء و تقول بصوت متقطع " تكفى ساعدني .. أنا أختك و الله أنا أختك " و استمرت في البكاء ..
حقيقة كان الموقف محرجا حقا فكل الأعين التفت إلينا و ألتم الناس حولنا..
و ظن المتجمهرون حولنا أنها زوجتي أو أختي و قد أبكيتها .. فبدأ يغمزونني بنظراتهم و عباراتهم ... فقلت لها " يا أختي تأمرين أمر بس خل نطلع من السوق
و لك إن شاء الله اللي تبغين .. أنا أخوك و ما راح اقصر معك " ..
مشينا قليلا إلى خارج السوق و كان عطرها فواحا إلى درجة أن من مر بالطريق الذي مرت به عرف أنها مرت من هنا .. بدأت أهدئ من روعها ..
اشتريت لها ماء باردا من احد العربات و ناولتها إياه لتشرب منه و تغسل وجهها ... هدأ روع الفتاة و أجلستها على احد الكراسي الخارجية للسوق و جلست بعيدا عنها بعض الشيء .. بدأت بالكلام معها عن أصلها و قصتها و الحدث الذي حصل لها ..(1/1)
أخبرتني أنها بنت لأحد كبار الشخصيات في السعودية .. و لقد اشتغل والدها عنها و عن إخوتها و تربيتهم بالاشتغال في منصبه .. و جعل همه هو الترقية و المنصب
"و لا يدري ماذا نفعل و أين نذهب و مع من نذهب " .. فقط أغدق المال علينا ظنا منه أن هذه هي السعادة التي يريدونها أبناؤه و بناته ..
و ما علم المسكين انه ضيعهم و جعلهم لقمة سائغة للمفسدين و دعاة الشهوة و الضلال .. فرح بمنصبه و افتخر بينما كل من يراه ينظر إليه نظرة الرحمة و الشفقة .. كم عبثت الذئاب بأعراضه بناته و كم وجد المفسدون من ورقة رابحة و مربحة في أبنائه ..
و عندما نطقت بهذه العبارة التي تفطر لها فؤادي " ليتك يا أبي ضيعت أموالك كلها و منصبك و لم تضيعنا " ..
دمعت عيناي شفقة بها و تمنيت أن أرى هذا الأب المفرط لألقنه درسا لن ينساه ...
سكت قليلا رحمة بنفسي و بها فلا اريد أن أزيد همها إلى هموم ..
و انطلقت إلى بائع الدونات فقلت له
" من فضلك دونات بالشيكولاته لو سمحت " ..
ناولني الدونات و كان ساخنا شهيا .. قدمته إلى الفتاة بأدب و قلت
" سمي بالله .. و بعد أن تنتهين من أكله سأساعدك بما تريدين " ..
رفعت عيناها إلي و قالت " شكرا " و ابتسمت ابتسامة أدخلت السرور إلى قلبي كثيرا
.. فكم غطى هذه المسكينة من الهموم و هي ترى والدها يبيعها بمنصبه .. و ما علم هذا المسكين انه اجهل الناس و أدناهم منصبا ..
فمن يفرط بعرضه ماذا يرتجي و ينتظر ؟؟! عجبا لمن باع شرفه بماله و عرضه ...
قاطعت تلك الأفكار قولها لي " الحمدلله .. الله يعافيك يا اخوي " فرددت عليها " بالهناء و العافية " ...
سكت برهة من الزمن أفكر فيم ابدأ و كيف ابدأ الحديث معها !!!
فقلت لها " أنا أخوك في الإسلام و احبك لك ما أحب لنفسي و أكثر ..(1/2)
كم تمنيت أن افعل كل ما يجعلك مسرورة فرحة سعيدة .. و لو اعلم شيئا سيزيدك سرورا لفعلته لك .. و بإذن الله أني سأساعدك حتى تبقين دائما مبتهجة منشرحة الصدر .. فأنا أخوك و يهمني كثيرا سعادتك ...
تعلمين يا أختي أن الإسلام دين و حياة .. فهو دين ندين الله به و حياة نعيش فيها السعادة و الراحة و الطمأنينة .. فالله سبحانه خلق النفوس و هو اعلم بما يصلحها و يناسبها .. فأنزل لنا كتابه و أرسل رسوله و ابلغنا عن كل ما يصلح النفس و يسعدها .. فأمرنا بفعل الخيرات و ترك المنكرات .. فمن أطاعه سعد و فاز و من عصاه باء
و خسر " ... قالت " صح " ... قلت لها " ألا يستطيع الله أن يدخل الناس كلهم الجنة ؟ " .. قالت " إلا " ... قلت "طيب ليه خلق النار ؟ " ..
قالت " يشوف من يطيعه " ... قلت " أحسنت .. حتى يبتلي عباده فمن أطاعه ادخله الجنة و من عصاه ادخله النار ... طيب حنا اللحين دامنا عرفنا الكلام هذا فمن نطيع ؟؟؟ نطيع الله أو الشيطان ؟؟
مهب الله سبحانه و تعالى يقول : ( الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء و الله يعدكم مغفرة منه و فضلا )
فليه نطيع الشيطان بأفعالنا و تصرفاتنا و نتبع هوانا دايم ؟؟ ليه ننظر إلى الناس إذا بغينا نسوي شئ فإذا كان يعجبهم الشئ هذا سويناه و ما فكرنا أبدا هل هو يرضى الله سبحانه و إلا ما يرضيه ؟؟!!! ليه نجعل الناس هم اللي يراقبونا و نجعل الله سبحانه أهون الناظرين إلينا ؟؟ " ...
فقاطعني صوت بكائها و نشيجها و أدركت ليونة قلبها ..
فأكملت كلامي و قلت " من أحب الناس لك ؟ " ...
استغربت من سؤالي فكررته انتظر جوابا منها .. فقالت " أمي " ...
قلت " ليه اخترتِ أمك ؟ " .. قالت " لأنها تحبني كثير .. و تعبت علي و لا ترد لي أي شئ ابغاه " .. قلت " و بعد ؟ " ... قالت " أمي .. يكفي بس إنها أمي .. ولدتني و تعبت في تربيتي .. و لو امرض ما تفارقني و يعني وش أقولك كل شئ تسويه لي الله لا يحرمني منها " ...(1/3)
قلت " طيب هذي أمك اللي تحبينها بالشكل هذا لأنها سوت لك أشياء كثيرة ..
و الله سبحانه و تعالى خلقك و جملك و زينك و رباك و أغناك و خلق أمك و سخرها لك و جعل بينكم محبة و رحمة و أعطاكم من المال و الصحة و العافية و من عليك بكل شئ ..
تخيلي لو كنت مشلولة وشلون بيكون حالك ؟ تخيلي لو كنت يتيمة و ما عندك مال وشلون بيكون حالك ؟ تخيلي لو كنت مشوهة الوجه وشلون بيكون حالك ؟ تخيلي لو كنت عمياء و ألا صلعاء و ألا عرجاء وشلون بيكون حالك ؟
كل هذي نعم من الله سبحانه عليك .. ليه ما تحبينه و تشكرينه و تطيعينه
" .. قالت " أنا أحبه " .. قلت " لو تحبينه كان اطعتيه و لا عصيتي أوامره ..
ما فيه احد يحب احد و هو يعصي اوامره و يبتعد عنه كل ما اقترب محبوبة إليه ..
حجابك وينه يغطي مفاتنك و جمالك اللي أمرك الله انك تغطينه
.. عطرك ليه متعطرة و أنت تعرفين أن الرسول صلى الله عليه و سلم يقول " أيما امرأة خرجت متعطرة يشم رائحتها الرجال فهي زانية " أو كما قال عليه الصلاة و السلام .. قال فهي زانية و لم يقل فهي كالزانية ...
لو اخذ الله منك هذا الجمال وش بتسويين ؟؟! لو اخذ منك سبحانه نعمه التي أنعمها عليك لانك ما اطعتيه وش بيصير حالك ؟؟
" حقيقة اني رحمتها و توقفت شفقة بها .. فقد قطع البكاء أنياط قلبها .. و ارتعدت فرائصها ..
فآثرت السكوت و قلبي لم يزل يحمل الكثير من الرسائل إليها و لكن لعل الله ينفع بما أوصلته لها من رسائل ..
ثم بقيت فترة من الزمن حتى هدأت فناولتها قارورة الماء و استأذنتها بالانصراف ..
أمرتني بالانتظار قليلا لأنها تريدني .. حاولت أن تتكلم فلم تستطع و كانت تختم كل كلمة منها بالبكاء ..
جلست و قلت لها " ارتاحي قليلا حتى تهدأين ثم تكلمي " ...
و بعد أن سكنت قليلا قالت " ما راح تجلس معي شوي ؟ " ...
قلت " لا ما يصلح اني اجلس معك .. و لكن أنا أبساعدك في كل وقت تحتاجيني بإذن الله قدر ما استطيع ..(1/4)
و أنا ساكن في حي سانسيلا في بلف سويتس و رقم غرفتي 427 ...
ثم ودعتها و اتجهت إلى سيارتي .. فلما شغلت المحرك و بحثت عن ورقة من بين الأوراق التي بجانبي إذا بزجاج نافذة سيارتي يطرق بأدب ..
رفعت عيناي و إذا بها و بيدها دونت بالشيكولاته و قالت
" هذا اقل ما أعطيك على معروفك و الله يجزاك خير
" ... فشكرتها ثم انصرفت
سحابة الحزن
في احد أيامي الدراسية .. رجعت إلى البيت بعد يوم أنهك قواي ..
فللتو قد خرجت من احد الاختبارات و كنت البارحة قد سهرت ليلي للمذاكرة الجادة بحثا عن التفوق في هذه المادة الثقيلة معنى و كما ..
فتحت باب غرفتي فإذا بظرف تحت أقدامي ..
حملته بيدي لأبحث عن اسم مرسله فلم أجد شيئا مكتوبا على غلافه ..
بدلت ملابسي و استرخيت على سريري و أنا امسك بذلك الظرف ..
فتحته فإذا به رسالة من عدة صفحات ..
فتحتها و أول ما أوقعت نظري إليه هو اسم المرسل فإذا بي أجد عبارة "أختك التي ساعدتها في السوق " ...
اوووووه إنها تلك الفتاة التي وجدتها بالسوق قبل أربعة أيام ...
يااااااه كيف نسيت أمرها بهذه السرعة و لكن ربما هي دوشة الاختبارات ... بدأت بقراءتها و لا اخفي عليكم كم كنت متشوقا لقراءة هذه الرسالة ... سرحت في أسلوبها الساحر و عباراتها الجميلة حتى اني لم اشعر بطولها فكان مما قالته:
" أشكرك أخي على لطفك و لو فعلت ما فعلت لما استطعت أن أوفي لك حقك"
و مثل هذه من العبارات الجميلة .. و بعد ذلك قالت :
" اعلم يا أخي الفاضل أن هذا الكلام سيضايقك كثيرا .. و لكن لابد و أن أكون صادقة و صريحة معك ..
بعد مجيئي إلى فرنسا قبل أسبوعين تقريبا اقترفت فيها أنواعا و ألوانا
من المعاصي .. كنت شديدة البعد عن الله ..
و للأسف هذا من اثر الترف و بعد الرقيب ..
قد تعجب لو قلت لك اني احبك .. و لكني قد نطقت بها لغيرك كثيرا ..
ففي باريس فقط تعرفت على شابين بحثا عن شئ اسمه سعادة وحب ..(1/5)
لا تندهش فلم يعلمني احد يوما من الأيام أن ما افعله خطره مثل ما ذكرته لي أنت ..
بالأمس ناولتني أختي بطاقة دعوة .. فتحتها فإذا هي دعوة من صديقها الفرنسي إلى حفلة يوم ميلاده ..
ألحت علي أختي بالحضور معها و كانت دائما ما تكثر الوصف و المديح في احد زملاء صديقها و تريدني أن احضر لرؤيته "
... الحقيقة أن رسالتها كانت طويلة جدا و ختمتها برجاء أن أدركها قبل أن تقع في شباك الرذيلة مرة أخرى ..
ثم اختتمت رسالتها بعنوانها و أيميلها ...
علتني الدهشة و تعجبت اشد العجب على ما تربى عليه أمثال هؤلاء ..
أين هم من الإسلام و آدابه و تعاليمه ..
ما دور والديهم و أين اثر تربيتهم لأبنائهم ..
عجبا لهذين الوالدين المفرطين .. لو ظفرت بهذا الأب لجعلته درسا و عبرة لغيره .. ألم يكونوا هؤلاء أبناؤه و فلذات كبده .. سبحان الله يخلفون الأبناء و يجعلون تربيتهم على الخدم .. يظنون أن أهم شئ عند الأبناء هو إغداق المال عليهم و أنهم يأكلون و يشربون ..
للأسف لم أرى قط مثل هذه التربية إلا في حظيرة الماشية عندنا ..
نعلفها و نسقيها الماء و نضع لها من يقوم بخدمتها ..
الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به و فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا
رميت بالرسالة على سريري و أنا أحس بأن أعصابي بدأت تتآكل في أناملي قهرا و غيظا على والديها ثم على أختها الجاهلة التي تهدم ما بنيناه ... مرت برهة من الزمن و أنا مستلق على السرير و الأفكار تتجاذبني .. نظرت إلى جدار غرفتي التي زينتها بقواعد ذهبية أسير عليها في حياتي .. وقع نظري على " فكر ايجابيا و كن ايجابيا " ...
اووووووه نسيت حتى أن اشرب الماء كم كنت عطشانا و أنا في طريق العودة من الجامعة ..
فتحت الثلاجة و شربت كأسا من عصير البرتقال ثم حمدت الله و استرجعت على ما حدث ..(1/6)
بدأت التفكير ايجابيا باحثا عن حل عاجل .. فتحت ايميلي و بدأت بكتابة رسالة قلت فيها " أريدك يا اخيتي أن تذهبي إلى المطبخ ثم توقدين الفرن
و تضعي يدك على ناره فإذا صبرت و استطعت التحمل فاذهبي مع أختك
و إذا لم تستطيعي فلا تذهبي فان نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار الآخرة .. يا أختي الكريمة أنقذي نفسك من النار و من عذاب الله فان الموت آت إليك لا محالة .. و هو اليوم اقرب إليك من الأمس
" و بدأت اذكر لها بعض الأحاديث و الآيات لما أعده الله لمن أطاعه
و لمن عصاه ثم أرسلتها ...
في العاشرة مساء فتحت ايميلي فوجدت رسالة منها ..
فتحتها و قرأت ما فيها و كان مما قالته : " لا استطيع شكرك على هذه الكلمات التي أيقظتني من غفلتي هذه و بإذن الله أني عازمة على عدم الذهاب معهم غدا
و لكن كم يضيق صدري لأني أخاف على أختي من النار ..
فانا أحبها و لكن لا اعلم كيف استطيع الوصول إلى قلبها ...
" و ذكرت لي كلاما طويلا كان يدور حول أختها .. فأرسلت لها و قلت :
" عفوا اخيتي , و لكن أريدك هذه الليلة و غدا أن لا تكثري النقاش مع أختك .. و بإذن الله سنتعاون سويا في إقناعها و نساعدها في الإقلاع عن ذلك .. و لكن نحتاج إلى صبر و تروي ..
فالآن ابدئي بنفسك أولا و ادع الله بان يهدي أختك و يلين قلبها لسماع الحق " ثم أعطيتها روابط لمواقع إسلامية مفيدة لأني استنتجت من رسائلها بأن لديها فراغا كبيرا قاتلا و أن لم نملأه بالمفيد و النافع فإنها ستملأه بالأسواق و غيرها من سبل الشيطان و طرقه ..
كان مما أعطيتها رابط مواقع الشيخ محمد صالح المنجد www.islam.ws و عدة مواقع تحتوي على كتب نافعة ممتعة ...
فكرت بأن اشتري لها كتبا من المكتبة و أوصلها إليها و لكن كيف؟
لأني أخشى على نفسي من الفتنة لو ذهبت إليها ..
كما أخشى أن افتح للشيطان طريقا إذا وصلت إلى مقر إقامتها بدعوى النصح و إرادة الخير لها ...(1/7)
و بعد تفكير عميق وجدت أن انسب الطرق هي أن أضعها عن احد مكاتب التوصيل مثل GTX و أرسله لها ...
في الغد و بعد عودتي من الجامعة ذهبت إلى احد المكتبات الإسلامية
في باريس و اخترت كتاب الرحيق المختوم و كتيبين عن العفاف و الحجاب و كتاب صور من حياة الصحابيات
و وضعتها داخل صندوق صغير و معه علبة متواضعة من الشيكولاته البلجيكية ..
غلفتها بغلاف جميل و ذهبت لمكاتب التوصيل GTX و معي هذا الصندوق .. التفت إلي المأمور و قال : " إلى أين تريدها ؟"
.. قلت : " باريس " .. نظر إلي باستغراب و قال " نحن في باريس " .. قلت :" نعم اعرف و لكن اريد منكم توصيلها إلى احد الفنادق و أعطيته العنوان كاملا " .. نظر إلي نظرة محدقة و قال : " أعطني عنوانك من فضلك " .. أعطيته عنواني كاملا ثم دفعت رسوم التوصيل و انصرفت ... ذهبت إلى مقر إقامتي لأرتاح قليلا ..
و بعد نصف ساعة تقريبا طرق باب غرفتي .. رددت " من ؟" ..
سمعت صوت رجل لم افقه ما يقول فقمت و فتحت الباب .. قلت :" نعم ؟" .. قال لي :" نحن من رجال المباحث .. و أنت مطلوب و ستذهب معنا الآن "
.. قلت: " و لماذا ؟" .. قال لي :" كذا هي الأوامر" ..
استرجعت و بدلت ملابسي و ذهبت معهم ...
وصلنا إلى احد مراكز الشرطة في باريس و نزلنا ثم أدخلت على احد الضباط ..
أذن لي بالجلوس ثم بدأ التحقيق معي و سألني عن سر الصندوق الذي أرسلته قبل سويعات ..
فقلت له " هذه هدية أرسلتها إلى احد من اعرفهم و يسكن في ذلك الفندق " .. قال : " و لماذا أرسلتها عبر مكاتب البريد و لم تقم أنت بإيصالها بنفسك مع أنهم يسكنون في نفس المدينة , أكيد أنها تحتوي على أشياء ممنوعة أو أن وراء ذلك سر " ..
قلت :" لا شئ من ذلك .. و بإمكانكم تفتيشها" .. أخذت إلى السجن ليتم التحقق من الأمر ..
فاستدعوني عدة مرات ثم يسألونني نفس الأسئلة و أجاوبهم نفس الأجوبة .. و ذات مرة سألوني "لماذا لم تقم بإيصالها بنفسك " ..(1/8)
قلت :" ليس هنالك سر و لكني أرسلتها إلى فتاة و ديني يمنعني من مقابلة الفتيات اللاتي لسن بمحارم لي " .. .
ازدادت التحقيقات شدة و عرضوني للضرب عدة مرات و كلما أرادوا أن يجلدونني لأعترف بأني انتمي إلى احد خلايا الإرهاب قلت لهم :
"فتشوا كل شئ فان وجدتم دليلا فاضربوني " ..
فيمتنعون من ذلك و الحمدلله لأنهم ليس لديهم أدنى دليل ..
ثم أن مدة سجني طالت علي فراسلت احد المحامين المشهورين لينظر في قضيتي ..
و في مساء تلك الليلة دعوت الله بالفرج ...
فلما كان الغد علمت الشرطة و المباحث في اني استأجرت محاميا في قضيتي فخافوا لأنهم لم يجدوا علي أدنى دليل فأخرجوني من الغد ..
فقضيت في السجن اثنان و عشرون يوما عرضت فيها على الجلد و الصعق الكهربائي و لكن بفضل الله لم اجلد إلا سوطا واحد و أنقذني الله برحمته منهم و تم الإفراج ..
طيلة هذه المدة كنت أفكر بالهدية هل وصلت إليها أم لا ؟
و ماذا حصل لتلك الفتاة و كيف حالها ؟
و أسئلة كثيرة تدور في خلدي اريد الإجابة لها ..
الحقيقة أن أيام السجن العشر الأولى كانت من اشق الأيام علي ..
لان بالي كله مشغول بتلك الفتاة و ماذا صنعت .. هل ثبتت أمام الامتحان ؟ هل وجدت ما يشغل وقتها ؟ ...
فكل يوم ينقضي تكون ضريبته احد أصابعي
.. فمع التفكير و احتراق أعصابي و أنا انتظر الإفراج عني في كل ساعة استقبلها كنت أعض على احد أناملي ...
فلما انقضت عشرة الأيام الأولى ارتحت قليلا و هدأت لأنه على حسب تقديري أنهم رجعوا الآن إلى السعودية فازددت بالدعاء لهم بالهداية
و التثبيت ..
حصل ما حصل فانا لله و إنا إليه راجعون ...
وصلت إلى الفندق .. وجدت كل شئ رأسا على عقب بعد التفتيش ..
لم أبالي بذلك كله .. مباشرة اتجهت إلى كمبيوتري و فتحت ايميلي فوجدت احد عشر رسالة منها .. قرأت الرسائل فزاد همي هما و حزني حزنا ..
فرفعت يداي إلى السماء و دعوت الله لها بالثبات ..(1/9)
ثم أرسلت لها رسالة طويلة اعتذر إليها و اشرح ما حدث لي ...
مرت ثلاثة أيام و أنا لم أتلقى أي رد ... أرسلت لها رسالة ثانية و ثالثة رجاء أن تجيب ..
و في الغد فتحت ايميلي فوجدت رسالة منها.. فتحتها فوجدت كلاما باللغة الفرنسية يقول لي " من أنت ؟" .. أرسلت لها فقلت " أنا من واجهتك في فرنسا عند مدخل السوق قبل شهر تقريبا"
كتبت ذلك باللغة العربية .. ثم كتبت باللغة الفرنسية
أنا احمد .. من أنت ؟
ألست الفتاة العربية التي واجهتها في فرنسا؟
من الغد وجدت رسالة باللغة الفرنسية
تقول بلهجة ساخرة " الايميل مخترق منذ عشرة أيام أيها الأحمق ..
هكر فرنسا "
أمطار السعادة مع أم سعد
تخرجت من الجامعة و الحمدلله بمرتبة الشرف الثانية..
بعدها بشهر تقريبا أنهيت أوراقي و عدت إلى السعودية ..
لقد كانت آمالي كآمال كل شاب .. أفكر بعش الزوجية السعيد و أبحث عن فارسة أحلامي .. كم كانت فرحة أمي كبيرة عند قدومي ..
ثم بشرتها بتفوقي فلم تستطع منع دموعها فبكت ثم خرت ساجدة لله ..
بكيت و كان موقفا مؤثرا ...
مر شهر على هذه الحادثة و في صباح احد الأيام دخلت علي أختي و أنا اقلب بعض الأوراق في غرفتي ..
رأيت في وجهها ابتسامة كبيرة و كأن كنوز الدنيا في جوفها ..
نظرت إليها و ضحكت لما رأيت البشر يعلو وجهها و أنا لا اعلم ما تخفيه لي من مفاجأة ..
سألتها عن سبب كل هذا الفرح فأخبرتني بأنهم يرغبون بالخطبة لي من إحدى زميلاتها المقربات و التي تحبها كثيرا ..
دار الحديث بيني و بينها حول زميلتها هذه .. ثم فكرت بالأمر كثيرا
و استخرت الله فيها .. فيسر الله لي و تم الزفاف بعد عشرة أشهر ...
في الحقيقة كانت زوجتي أم سعد امرأة لطيفة جدا و خفيفة ظل ..
و كانت و لله الحمد تتحلى بالاستقامة على الدين و تحفظ كتاب الله
.. كانت ودودة لطيفة جميلة ظريفة .. لم تصل خيالاتي يوما من الأيام لمثلها ..(1/10)
فالحمد لله الذي اقر عيني بمثلها ... عشت معها أياما جميلة رائعة و كنا نطبق فيما بيننا قاعدة " إذا غضبت رضيني و إذا غضبت رضيتك " ...
بعد شهرين من زواجنا راجعنا احد المستشفيات أنا و أم سعد ..
دخلت أم سعد إلى الطبيبة للكشف و بقيت أنا خارج الغرفة بانتظارها ..
فتح باب الغرفة فخرجت الممرضة و نادتني ثم أخبرتني بأن زوجتي حامل
ففرحت فرحا شديدا و لم يقر لي قرار فطفقت أسعى في الممر ذهابا و إيابا انتظر زوجتي الغالية تخرج لأهنئها و أكحل عيني بها ...
بعد عدة أشهر اقترحت علي أم سعد أن نذهب إلى السوق لنشتري أغراض مولودنا الجديد فهي الآن بالشهر الثامن و ما بقي إلا شهر تقريبا
على الولادة .. ذهبنا إلى سوق المجد .. دخلناه و كانت يدي بيدها
ثم اتجهنا الى احد محلات ملابس الأطفال ..
فلما خرجنا منه تعرقلت زوجتي بعربية احد الأطفال فسقطت على جانبها الأيسر ..
هرعت إليها فسميت عليها ثم ساعدتها بالنهوض ..
سألتها "هل تحسين بألم ؟" ..
فهمست بأذني "بطني يؤلمني بشدة ياأحمد" ثم زفرت تعبيرا عن شدة الألم ..
فأخذتها بسرعة إلى مستشفى الحمادي
ثم جلست على في خارج الغرفة انتظرها ..
رن هاتفي الجوال فنظرت فإذا هي زوجتي ..
رددت و كان صوتها ضعيف جدا و ينبئ عن أوجاع شديدة تنتابها ..
اعتصر قلبي الألم وأطرقت برأسي للأسفل رحمة بها
فانحدرت من عيني دمعة لطالما حاولت منعها مرارا و لكنها أبت إلا الخروج من عيني و تدحرجت على خدي ..
ذهبت إلى استراحة الرجال و بقيت هناك
و طفقت ادعوا الله لها بالشفاء و العافية ..
رن هاتفي مرة أخرى فنظرت إليه فإذا هي أمي الحنونة حفظها الله ..
رددت عليها فقالت لي " فيك شئ يا ولدي ؟" ..
قلت " ليه يا يمه الله يسلمك ؟!!!! .. مابي إلا العافية " ..
قالت :" لا و أنا أمك .. قلبي عورني و حسيت أن فيك شئ " ..
اندهشت و تعجبت اشد العجب و قلت :" اجل دامه كذا ..
فأنا أللحين بالمستشفى لان أم سعد طاحت بالسوق(1/11)
و أن شاء الله إنها طيبه و ما نبغي إلا دعاك " ..
طال وقت انتظار تقرير الطبيبة عن حالة زوجتي فمكثت على أعصابي
لا يهدأ لي بال و بقيت أتساءل هل هي على ما يرام ؟ ..
بعد نصف ساعة خرجت الطبيبة من غرفة زوجتي و قالت لي
:" يمكنك الآن الدخول للاطمئنان على زوجتك " ..
دخلت مسرعا فسلمت على زوجتي و كانت و لله الحمد و المنة في صحة جيدة و لم تتأثر كثيرا .. مضت لحظات قليلة و إذا بباب الغرفة يطرق .. فتحته فإذا هي والدتي أتت للاطمئنان على زوجتي فانفرجت أساريري
و قمت اقبل أمي و اشكرها على مجيئها و قلت في نفسي
" سبحان الله .. دائما أبقى صغيرا في نظرها و أتت للاطمئنان علي " ... بعد ذلك قرر الأطباء أن تبقى زوجتي لديهم إلى الغد حتى لا يتأثر الجنين .. و في الغد أتيت لزيارتها ..
فلما دخلت المستشفى أحببت أن أفاجأ زوجتي بهدية ..
فدخلت محل الهدايا في المستشفى و بينما أنا أتجول فيه و ابحث عن الهدية المناسبة إذا برجل كثيف اللحية و وجه مشرق ينظر إلى بابتسامة جميلة
و كأنه يعرفني و معه طفل و بجانبه زوجته .. بادلته الابتسامة نفسها و أحببت أن أصافحه لكن استحييت أن أحرجه لان زوجته بجانبه ..
التفت إلى الجهة الأخرى لأختار هدية زوجتي ..
إذ بصوت من خلفي يقول : " السلام عليكم " ..
التفت فإذا هو ذلك الرجل فقلت " و عليكم السلام"
ثم تصافحنا و سلم علي سلاما حارا و كأنه يعرفني من قبل
ثم قال لي و هو يقدم لي ابنه :" هذا أحمد " ..
فنظرت إلى ابنه ذو الأشهر الستة جميل وديع لطيف فقبلته و قلت :
" ما شاء الله .. الله يصلحه و يهديه " ..
فناولني ابنه و قال لابنه و هو ينظر إليه :" رح مع سميك " ..
حقيقة لا اعرف هذا الرجل من قبل و لا اذكر اني رأيته فتعجبت من تصرفه اللبق معي ثم بلغت مني الدهشة أقصاها عندما قال لابنه "رح مع سميك " فكيف عرف هذا اسمي ؟(1/12)
كنت أقول ربما كان مشتبها بي بشخص يعرفه , لكن أراه يعرف اسمي .. أمسكت ابنه و بدأت اقبله كل هذه الأفكار تتعارك في رأسي و أنا اضحك
و الدهشة تعلوني .. فنظر إلى الرجل و ضحك ثم قال :
" شكلك مستغرب وشلون عرفت اسمك " ..
ضحكت و ارتحت قليلا لأنه عرف ما يدور في خلدي و قلت :
"إيه صحيح لأني ما اذكر اني شفتك " .. قهقه بلباقة جمة ثم قال لي :
" تصدق أنت أكثر واحد أغار منه !! " ..
اتسعت دائرة عيناي و أنا انظر إليه باندهاش و أقول في نفسي :
" الله يستر .. وش دخلني أنا " .. ثم أكمل فقال :" ذبحتنا هذي المرأة فيك حتى الولد سميناه على اسمك " ..
حقيقة أنا انقلب رأسي و أصبحت أتنقل بين الألغاز و الاستفهامات
و علامات الدهشة لا تفارقني ..
فضحك كثيرا على منظري و حالتي ثم قال لي :" شف هذه المرأة " .. فنظرت فإذا امرأة متحشمة متسترة لا يكاد يخرج منها شئ ..
فالقفازات تغطي كفيها و عباءتها واسعة تغطي تقاسيم بدنها ..
حقيقة كانت قمة في الستر حتى انك لا تكاد تعرف وجهها من ظهرها ..
ثم أكمل حديثه فقال :" دخلت أنا و إياها المستشفى فلما رأتك قالت هذا هو احمد ..
و سبحان الله كانت دائما ما تقول
( يا رب وفقني و اجعلني أرد الجميل لأحمد ) ..
فهي التي قابلتها عند مدخل السوق في باريس و نصحتها ثم انك انقطعت عنها فجأة و هي من ذلك اليوم و هي قلقة عليك و تدعو الله لك بالسلامة وان تراك بصحة و عافية " ..
عقدت الدهشة لساني و بقيت واجما لا اهمس ببنت شفة ..
فضحك ثم قال :" الظاهر انك لم تصدق قولي !!!" ..
فقلت :" إلا .. لكن ؟؟؟!!!!!" ..
عانقني بحرارة ثم قال " أعطني رقم جوالك و سأتصل عليك اليوم لنجلس سويا و نأخذ أخبارك .. أظن أن زوجتي احترقت أعصابها و هي تنتظرني لتسمع الأخبار " .. أعطيته رقم جوالي ثم ودعته بابتسامه واسعة تعلوها علامات التعجب و الاندهاش ..
انصرف عني و كدت أنسى هدية زوجتي لولا أن بائع المحل قال لي(1/13)
" ايوه بابا " .. تذكرت عندها اني جئت لاشتري هدية لزوجتي فاخترت هدية كبيرة ثم صعدت إلى غرفتها ..
سلمت عليها ثم ناولتها الهدية ففرحت بها كثيرا ثم جلست بجانبها
و كنت كمن أجر عقله و فكره و ذهب بجسده فقط ... دخلت الممرضة علينا ثم ناولتني تقريرا يسمح لزوجتي بالخروج معي ..
فأخذتها ثم اتجهنا إلى بيت أهلها لترتاح عندهم و أعود إليها في المساء ... بعد صلاة العصر رن هاتفي الجوال فإذا به أبو احمد ذلك الرجل الذي قابلته هذا اليوم ..
رددت عليه فسلم ثم قال إن زوجتي تدعوك اليوم إلى العشاء و لا تسمح لك بالرفض إلا إذا كان هناك عذر شرعي ..
تلعثمت محاولا الرفض لكن أم احمد أقفلت كل سبل الاعتذار فقبلت دعوتها .. بعد صلاة العشاء ذهبت إلى البيت حسب الوصف فلما وصلت إليه خرج لي أبو احمد و استقبلني بكل حفاوة و ابتسامته تملأ وجهه الوضيء .. أدخلني إلى المجلس و كان بيته جميلا و أنيقا ..
تناولنا القهوة ثم بدأنا بالحديث .. قال لي :" أم احمد إلى الآن مستغربه ليه انقطعت عنها يوم انتم بباريس .. وش صار لك ؟
" .. ضحكت و قلت له :" اللحين أنا جاي أبي اسمع قصتها منك و بعدين أقولك وش صار لي .. لأني ما عندي صبر انتظر إلى أن أقولك وش صار لي .. فابدأ أنت و ريحني و اقولك اللي تبي " ..
ضحك ثم قال :" تامر أمر .. أنا إمام المسجد المقابل لهذا البيت ..
ذات يوم كنت في درس أسبوعي لأحد العلماء
و بعد الدرس دعاني الشيخ لوحدي و قال لي هل أنت متزوج ؟ ..
قلت : لا .. قال : هل ترغب بالزواج من زوجة مستقيمة و نحن نساعدك في تكاليف الزواج
.. فقلت : جزاك الله خيرا يا شيخ لكن ابنة من تكون ؟(1/14)
فذكر لي أم احمد و قال لي أنها تدرس في إحدى دور تحفيظ القران بالرياض .. و أنها اختارتني لأبحث لها عن زوج صالح فوقع اختياري عليك ... فرحت بهذا الخبر ثم أرسلت أختي لتراها و بعد شهر تم الزواج بيننا .. و بعد زواجنا بشهرين جلست معها و أخذنا نتجاذب أطراف الحديث فقالت لي أم احمد قصتها معك ثم انك انقطعت عنها فجأة فعادت إلى الرياض و اتصلت على إحدى زميلاتها المستقيمات و طلبت منها مصاحبتها و رغبتها في الاستقامة ثم ألتحقت بدور تحفيظ القرآن و صارت لا تترك أي محاضرة أو دورة علمية أو ندرة إلا بعذر شرعي و أصبحت و لله الحمد من طالبات العلم و مدرسات القرآن و مربيات الفتيات نحسبها صالحة تقية نقية و لا نزكي على الله أحدا ..
كانت دائما ما تذكرك و تدعو لك و تأمرني بالدعاء لك فما غرت من احد أبدا مثل غيرتي منك .. فلما رزقنا الله بالمولود الأول و كان ذكرا رجتني رجاءا أن اسميه على اسمك فقد علمت أن اسمك ( احمد ) من اسم أيميلك .. فزادت غيرتي عليك .. و لكن ما زلت إلى يومي هذا أدعو لك
لأنك دللت زوجتي على طريق الهداية و اشهد الله اني لم أر قط مثل زوجتي خلقا و دينا و أدبا و أحبها حبا عظيما فأحمد الله أن جعلها زوجتي
" .. عند ذلك قاطعنا صوت رنين جواله .. فقال لي " معذرة هذا أخي ..
و لو كان أحدا غيره لما رددت عليه لأني لا أريد أن أفرط بدقيقة واحدة
في وقت جلوسي معك " .. أخذتني الأفكار و هو يهاتف أخيه ..
فالتفت إلي فجأة و هو يقول :
" يسلم عليك أخي و يقول وش نسمي البنت ؟ جاهم مولودة و نبغاك
تختار لها اسم ؟" .. ارتبكت و قلت :" و الله ما ادري .. على كيفكم !!!" .. فقال :" اختر لنا أي اسم تحبه ؟ اخوي و زوجته يقولون ما يسميها إلا أنت .. قلت :" و الله ما ادري لكن إذا ملزمين خيروني بين الأسماء
اللي مرشحينها و اختار لكم اسم " ..
فقال لي أبو احمد " فيه : أروى و شذى .. وش رأيك ؟" ..(1/15)
قلت :" كلهن حلوات .. لكن أنا اختار شذى " ..
فقال أبو احمد لأخيه فقالوا " خلاص نسميها شذى و على بركة الله " ...
ثم أغلق أبو احمد هاتفه و التفت إلي فقال :" هذا أخي الذي يصغرني تزوج من أخت زوجتي " ..
قلت له بسرعة " ماذا قلت ؟!!! من أخت زوجتك؟ " ..
فقال و هو يضحك " نعم .. أبشرك استقامت على دين الله مع أختها بعد عودتها من باريس بشهر و أصبحت معها تدرس القران في دار التحفيظ .. و هي كذلك مثيلة أختها في أخلاقها و أدبها و الحمد لله ..
و لقد استشارني أخي في الزواج منها فقلت له استعن بالله و انكحها فو الله ما رأيت من أختها إلا كل خير بل ما رأيت قط مثل أختها ...
و تم الحمد لله الزواج بينهما و بالأمس رزقهم الله بمولودتهم الأولى ..
و عندما قابلناك أنا و زوجتي كنا ذاهبين لزيارتهم و أخبرناهم بأننا رأيناك ففرحوا بذلك واتفقوا على أن يجعلوا اسم ابنتهم على ابنتك أو من اختيارك
" .. انفرجت أساريري و قمت احمد الله على أن من علي برؤية هاتين الفتاتين معلمات للقران صالحات مصلحات ثم سجدت سجود الشكر و حمدت الله على أن وهبني محبة الناس لي و القبول من عباده ..
ثم التفت إليه و قلت له :" أكيد انك متشوق لسماع ما حدث لي في باريس يوم انقطعت عن زوجتك " ..
فقمت أقص عليه قصتي و ما حدث لي حتى أتممتها ...
تناولنا العشاء ثم خرجت من عنده و قد أخذت منه المواعيد و المواثيق على زيارتي هو و أم احمد و أخوه و زوجته في الأيام المقبلة ...
ركبت السيارة و ودعته ثم اتجهت إلى بيت أهل زوجتي و أخذتها معي
و ذهبنا سويا إلى البيت .. كانت أسارير وجهي منفرجة و كنت احمد الله ما بين كل فترة و أخرى و اغرق زوجتي بالتدليل و التغنج حتى لا تثير ثائرتها من الغيرة ..(1/16)
و بعد أن وصلنا إلى البيت ذهبت إلى غرفتي لأبدل ملابسي ثم جاءت زوجتي فجلست أنا و إياها على زاوية السرير و بدأت أحدثها بما حصل لي هذا اليوم .. كنت مندهشا و مسرورا و متعجبا لما حدث ..
و أحدثها بكل حماسة و فرح و ابتهاج .. فلما بدأت اصف لها ستر أم احمد و حشمتها قامت من عندي و ذهبت لتجلس على كرسي تسريحتها ..
أكملت حديثي و كأن شيئا لم يكن لأني اعرف أم سعد و غيرتها
.. استمريت في الحديث فلما أخبرتها أنهم طلبوا مني أن اسمي ابنتهم الجديدة إلتفت علي بكرسيها الدوار و حدقت في النظر و الغضب يملأ عينيها ثم قالت :" الحمدلله ما عندهم بنت ثالثة " ... عندها لم أتمالك نفسي من الضحك فاستلقيت على السرير و أنا أقهقه و أقول ( إن كيدكن عظيم )
تمت ,,,
في شهر جمادي الثاني عام 1424 هـ
كتبها الأستاذ / عقد(1/17)