كتاب
التوضيح والتتمات
على كشف الشبهات(1/1)
(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد : فهذا شرح لكتاب كشف الشبهات للعلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، أضفت عليه مع شرحه تتمات في نفس المقصد وهى شبهات لأهل الإشراك في دفعها وكشف عوارها وقبحه ، والمقصود بالتتمات أي ما ذكره أئمة الدعوة من الرد على شبهات في باب التوحيد ، وشبهات المشركين وأذنابهم ، والتتمات هي :
1 ـ ما في كتاب مفيد المستفيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ،(1/3)
2 ـ ما في كتاب تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، وصرح أنها تتمة لكشف الشبهات مما لم يذكره المصنف ،
3 ـ ما في كتاب الانتصار للشيخ عبد الله ابابطين رحمه الله ،
4 ـ ما في كتاب منهاج التأسيس في الرد على داود بن جرجيس للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله ،
5 ـ خاتمة الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله ، على كتاب كشف الشبهات ، وضح فيها طبيعة ونوعية الشرك المعاصر ،
6 ـ إضافة الشبهات المعاصرة لأهل الضلال ، وهذه وضعناها في ثنايا الكتاب كلما سنحت الفرصة لبيان الشبهات المعاصرة وكشفها وردها وبيان قبحها ،
مع ملاحظة أن ما يتعلق بالسرد التاريخي وأسماء أهل الشبهات ومواقفهم فالمرجع فيها إلى كتاب دعوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب للشيخ عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف ،
سبب تأليف الكتاب :
هذا الكتاب من أحسن الكتب في باب الردود ، والمصنف ألفه في أوائل الدعوة، وكان أول ما ألف الشيخ هو كتاب التوحيد، ألفه في حريملاء(1)،
__________
(1) وقد ألّفه الشيخ رحمه الله بعد وفاة والده في بلدة حريملاء بعد عام 1153 هـ ( تاريخ نجد ص 84 ) وذكر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله في سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مجموعة الرسائل ( 3 / 380 ) أنه ألّف كتابه التوحيد في حريملاء ، ولعل هذا هو التأليف الرسمي الذي أظهر فيه الكتاب ، أما تأليف الكتاب كمسودة وبداية فقد كان قبل ذلك في مدينة البصرة ، قال الحفيد عبد الرحمن في رسالته في الرد على عثمان بن منصور في الدرر السنية ( 9 / 215 ) : إن جده ألّف في مدينة البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله وبتصنيفه القريب والبعيد ، أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث اهـ ففي البصرة بداية التأليف ثم أظهره في حريملاء رسميا ودرسه وشرحه لطلابه هناك معلنا بداية دعوته السلفية المباركة .(1/4)
وكان والده قاضياً فيها، وكان عمر الشيخ قريباً من الأربعين ، ثم انتقل إلى العيينة ، ثم خرج الكلام عنه أنه يكفر المسلمين وأنه يقول كذا وكذا شبهات مفتراة على الشيخ ،قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ، 3/340 ذكر مبدأ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فقال( إنه قدم على أبيه وأهله ببلد حريملاء فناداهم بالدعوة إلى التوحيد ونفي الشرك والبراءة منه ومن أهله وبين لهم الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وكلام السلف رحمهم الله فقبل منهم من قبل وهم الأقلون وأما الكبراء والظلمة والفسقة فكرهوا دعوته فخافهم على نفسه وأتى العيينة وأظهر الدعوة بها وقبل منه كثير منهم حتى رئيسهم عثمان بن أحمد بن معمر، ثم إن أهل الاحساء وهم خاصة العلماء أنكروا دعوته وكتبوا شبهات تنبئ عن جهلهم وضلالهم ) ومما يدل أنه رد على أهل الاحساء أنه قال في الشبهات الأولى قال إن هذه الشبهات الثلاث هي التي جاءت من الاحساء ،ثم ردود أهل الاحساء بعد رسالة ابن سحيم ، وبعد التحريض من الداخل ، وأول رسالة في تاريخ نجد هي رسالة من الشيخ محمد على أحد علماء الاحساء في ردود عليه ،
وقد ألف وكتب سليمان بن سحيم من علماء الرياض في وقته كتاباً وفيه ، ذكر أنه خرج في عصرنا مبتدع ، وذكر 16 شبهة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب موجودة في كتاب ( تاريخ نجد ) تلخيص وتهذيب د. ناصر الدين الأسد ص270، ط. دار الشروق ، وهي الرسالة السابعة في الكتاب.وراجع ص 301 ،
اسم الكتاب :
كشف الشبهات وهذا هو المشهور ، وسماه بذلك الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في كتاب تيسير العزيز الحميد في باب من الشرك أن يستغيث بغير الله ص 207 ، وسماه أيضا الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن( كشف الشبه وقال إن ابن منصور رد مسائل في كشف الشبهة ، مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ، 3/332 ،وسماه ابن بشر في تاريخه كشف الشبهات ص165 في حوادث سنة 1206هـ ،(1/5)
تاريخ الكتاب :
لا يُعرف تاريخ معين لتأليف الكتاب ، لكن الملاحظ ، أنه رد على ما أثاره خصوم الدعوة السلفية من شُبه حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية خصوصاً حول دعوة الشيخ بعد كتاب التوحيد ، لما ذكر الشيخ مذهب أهل السنة والجماعة في توحيد الألوهية ، عندما ألف كتاب التوحيد الذي هو حق اللَّه على العبيد ، قال الشيخ عبد اللطيف كما في المنهاج ص 9-10 ، قال إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما أظهر دعوته بعد الخمسين ومائة وألف هـ ... جمع أعداؤه شبهات في رد ما أبداه )، ومن أمثلة الشبه ما قاله المصنف في رسالة له قال : ( تاريخ نجد ص 261 ) وكذلك ابن إسماعيل إنه نقض ما أبرمت في التوحيد وتعرف أن عنده الكتاب الذي صنفه رجل من أهل البصرة كله من أوله إلى آخره في إنكار توحيد الألوهية وأتاكم به ولد محمد بن سليمان راعي وثيثيه وقرأه عندكم وجادل به جماعتنا وهذا الكتاب مشهور عند المويس وأتباعه مثل ابن سحيم وابن عبيد يحتجون به علينا ويدعون الناس إليه ويقولون هذا كلام العلماء فإذا كنت تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قاتل الناس إلا عند توحيد الألوهية وتعلم أن هؤلاء قاموا وقعدوا ودخلوا وخرجوا وجاهدوا ليلا ونهارا في صد الناس عن التوحيد يقرءون عليهم مصنفات أهل الشرك لأي شيء لم تظهر عداوتهم وأنهم كفار مرتدون ) وثارت الشبه أيضا عندما قام الشيخ بالجانب العملي من دعوته ،من هدم القباب والأضرحة وغيرها من الإجراءات العملية ، أو الجانب العملي لدعوته ، وتفعيل وتطبيق مسألة الولاء والبراء ، وإجراء الأسماء على من فعل الشرك الأكبر ، فأثيرت حوله شُبه وأقاويل ، فألف الشيخ هذه الرسالة . والحقيقة أنها ليست شبهات ضد دعوة الشيخ فقط ، أو أنها خاصة بشخصية الشيخ ودعوته بل هي شبهات تثار ضد أهل السنة والجماعة في كل عصر ومصر ، وضد الصحوة في كل مكان.(1/6)
إذن هي لم تؤلف إلا بعد ظهور الردود لهذه الدعوة ، و أنه ألفه بعد كتاب التوحيد ، وبعده ثلاثة الأصول ، وهو من أشهر الكتب المصنفة ، وهو من صنف كتب الردود .
هدف الشيخ من تأليف هذا الكتاب :
له هدفان :
1 - هدف إيجابي : وهو تفهيم التوحيد وما يُضاده .
2 - هدف دفاعي : وهو الرد على الشُبه - شُبه المعارضين -.
وصف الكتاب :
عبارة عن أربعة أقسام :
القسم الأول : المقدمة : وهي طويلة في بيان اعتقاد المشركين في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطبيعة تدينهم واعتقادهم في توحيد الربوبية والألوهية، والاختلاف في تعريف الألوهية ، والجهل والتأويل وبعض سنن الله من عداوة أهل الباطل، وهو يشمل أحد عشر مقطعا من المقطع الأول إلى نهاية الحادي عشر .
القسم الثاني : الرد على الشبه : وهي ما يُقارب من تسع شُبه ، ورد عليها بالأدلة منها أربع شبة كبار كما قال المصنف ، وقبل ذلك ذكر الرد الإجمالي على الشبه .
القسم الثالث : ردّ على بعض أدلة المعارضين، وهي أربعة أدلة .
القسم الرابع : الخاتمة : بيَّن فيها المصنف أهمية التوحيد ، وركنية العمل به ،وركز على هذا الجانب ، وتحدّث عن بعض الأعذار الواهية المانعة من العمل بالتوحيد .
طريقة الشرح :
سوف نقسم الكتاب إن شاء الله تعالى إلى مقاطع ، كلّ مقطع نجعل له عنواناً مختصراً ، ثم نحلل ونشرح بعض عبارات المصنف ، وقد كفانا المصنف المؤنة لاهتمامه بالأدلة اهتماماً جيداً .
تحليل عنوان الكتاب :
الكشف : الإيضاح ، كشف : أي أوضح ، وهو كشف إيضاحي فيه تفنيد لهذه الشبه .(1/7)
الشبهات: جمع شبهة ، مأخوذة من المشابهة ، قال ابن الأثير (1) في حديث حذيفة في الفتن فقال تُشبهه مُقْبلة وتُبيّن مُدبرة ، قال أي أنها إذا أقبلت ، شبَّهَت على القوم وأرتهم أنهم على الحق حتى يدخلوا فيها ويركبوا منها ما لا يجوز ، فإذا أدبرت وانقضت بان أمرها فعلم من دخل فيها أنه كان على الخطأ .
وذكر ابن منظور في اللسان (2) أن معنى الشبهة يطلق على المثل وعلى الالتباس، ويقال أمور مشتبهة أي مشكلة يشبه بعضها بعضاً فيطلق على المشكل، وتأتي بمعنى الخلطة أي اختلط الأمر .
والخلاصة أن الشبهة تطلق على أمور ، على المثل وعلى الالتباس أو الإشكال وعلى الأمر المختلط فهي تدور على هذه المعاني . وأراد المصنف أن يقول أن كلام أهل الباطل وإن كان باطلاً إلاّ أنه يختلط بالحق ويماثل الحق من وجه ويختلط على العوام ويُشكِل عليهم حتى يظنوا أن الباطل حقاً ، فكتب هذه الأوراق كما سماها هو بالأوراق فقال ( ثم تأمل جوابها ، فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق " (3) .
بداية الكتاب
قال المصنف رحمه اللَّه ( بسم اللَّه الرحمن الرحيم ) .
بدأ كتابه بالبسملة ، وهي من السُنة أن تبدأ الكتب والمقالات والخُطب والأفعال بالبسملة ، وهي إحدى صيغ الابتداء .
والقاعدة : أن من السنة أن يُبتدأ بذكر اللَّه ، وهي على ثلاثة أصناف :
__________
(1) ... ذكره ابن الأثير في غريب الحديث 2/442 ، ط. الباز .
(2) ... ذكره ابن منظور في اللسان 17/397 .
(3) ... كما قال ذلك في ص107 من هذه الرسالة .(1/8)
الصنف الأول : أن يُبتدأ بالبسملة لوحدها ، ويدل عليه ما جاء عند البخاري ومسلم من حديث أبي سفيان رضى الله عنه : لما كتب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتاباً إلى هرقل ، كتب في أوله " بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد رسول اللَّه إلى هرقل عظيم الروم"(1) . فبدأ ببسم اللَّه الرحمن الرحيم ، والأفضل أن تكون البسملة مستقلة لوحدها في السطر أعلى الصفحة ، وإن كتبت أول السطر على اليمين وكتب بعدها فلا مانع ، والأولى استقلال البسملة ، لأنها هي البداءة.
الصنف الثاني : أن يبتدأ بالحمد لله ، كما جاء في حديث جابر رضى الله عنه الذي رواه مسلم رحمه الله : أن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب حمد اللَّه وأثنى عليه(2) .
الصنف الثالث : البداءة بآيات من القرآن الكريم ، كما جاء في حديث رواه مسلم(3) : أن قوماً وفدوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكانوا فقراء ، فأتوا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى قام مُحرضاً الناس فقال : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة...}(4) ، وقرأ من سورة الحشر : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ ... }(5) . فابتدأ بالقرآن .
... وحديث جابر غير حديث ابن مسعود رضى الله عنه في " خطبة الحاجة "(6) رواه الخمسة.
__________
(1) ... رواه البخاري في بدء الخلق (7) ، وفي الإيمان (51) ، وفي الجهاد والسير (2941) ، وفي تفسير القرآن (4553) ، ورواه مسلم في الجهاد والسير (1773) ، ورواه الترمذي في الاستئذان والأدب (2860) .
(2) ... رواه مسلم في الجمعة رقم (867) .
(3) ... رواه مسلم من حديث جرير بن عبد اللَّه االبجلي في الزكاة رقم (1017) .
(4) ... النساء : 1 .
(5) ... الحشر : 18 .
(6) ... رواه الترمذي في النكاح (1105) ، والنسائي في الجمعة (1404) ، وأبو داود في الصلاة (1097) ، وابن ماجه (1892) ، وأحمد في مسند المكثرين (3712).(1/9)
وهل الأفضل أن يذكر هذا تارة ، وهذا تارة ، أو يبدأ بغير ذلك ،أقوال في المسألة ، أحدها هذا تارة ، وهذا تارة وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله وكثير من المعاصرين وفقهم الله ،وهي ضمن قاعدة ابن تيمية أن من السنة التنويع إذا وردت العبادة بعدة صيغ، مثل صيغ التشهد، وصيغ الأذان .
القول الثاني : الاقتصار . أي أن يختار صيغة من الصيغ السابقة ، ثم يقتصر ويستمر عليها ، ولا ينوع ، مع أنه يرى جواز جميع ما ورد و اختاره أحمد والشافعي وابن خزيمة في صحيحه وابن عبد البر في الاستذكار وهو الذي عليه فقهاء أهل الحديث رحم الله الجميع وجمع من السلف ، ويدل على هذا القول:
1 ـ ما جاء في قراءات القرآن نزل على سبعة أحرف كلها كافية شافية فيقتصر على واحدة منها ويجوز الباقي ، وكان يختلف الصحابة في ذلك فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما تحاكم إليه رجلان اختلفا في القراءة فقال : " كلاكما محسن "(1) .
وجه الدلالة : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقل : اقرأ بهذا تارة وبهذا تارة ، بل قال: "كلاكما محسن"ومن اقتصر على قراءة فقد احسن ،
2 ـ وكذلك بلال رضى الله عنه استمر على أذان واحد مع أنه يوجد صيغة أخرى وهي أذان أبي محذورة ولم يقل له الرسول - صلى الله عليه وسلم - نوّع تارة بهذا وتارة بأذان أبي محذورة رضى الله عنه .
3 ـ أنواع الحج من تمتع وقرآن وإفراد وفي هذه الصيغ الثلاث فاضل ومفضول ، ولم يقل أحد فيما أعلم تارة وتارة حتى أهل التارات ،
__________
(1) ... رواه البخاري في الخصومات (2410) ، وأحاديث الأنبياء (3476) ، وفضائل القرآن (5062) ، ورواه أيضاً الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة (3538) ، ومسند الأنصار (20222) .(1/10)
القول الثالث : التنزيل . أي أن كل صيغة تنزل في منزلة مناسبة . مثل : صلاة الخوف تنزل منازل فإذا كانت الحرب خفيفة فلها صورة ، وإن كانت الحرب شديدة فلها صورة ، وإن كان العدو في جهة القبلة فلها صورة فينظر لما يناسب ، فمثلاً إن كان الموضوع يتعلق بحاجة أو شدة أو عقد ونحوه كعقد النكاح فالأنسب خطبة الحاجة ، والخطب الجماعية بالحمد له ، وفي الكتب والرسائل بالبسملة ، مع جواز الزيادة والله أعلم ،.
والراجح في المسألة الجمع بين الأدلة : أن يقال : الأقرب فيها الاقتصار ، إلا إن كان هناك ما يدعو للتنزيل فالأفضل أن تنزل كل منزلة ما يناسبها ، مثل صلاة الخوف ونحوه .
وأمَّا حديث أبي هريرة : " كلّ أمرٍ لا يُبدأ فيه ببسم اللَّه فهو أبتر" (1) حديث ضعيف مرسل منقطع ، ضعّفه أبو داود رحمه الله في السنن في كتاب الآداب .
القسم الأول
والآن نبدأ بمقدمة الكتاب وقد وضعنا لكل مقطع عنواناً جانبياً :
المقطع الأول :
قال المصنف رحمه اللَّه : ( اعلم رحمك اللَّه أن التوحيد هو : إفراد اللَّه بالعبادة، وهو دين الرسل ، الذي أرسلهم اللَّه به إلى عباده ، فأولهم نوح عليه السلام أرسله الله إلى قومه ، لما غلوا في الصالحين : ودٍّ وسواعٍ ويغوثَ ويعوقَ ونسرٍ ، وآخر الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين ) .
العنوان : بيان أن دعوة الرسل هي إفراد اللَّه بالعبادة :
قول المصنف رحمه اللَّه ( اعلم رحمك اللَّه .. ) " اعلم " كلمة يؤتى بها للاهتمام بما بعدها ،
__________
(1) ... رواه أبو داود في الأدب (4840) ، وابن ماجه في النكاح (1894).(1/11)
والعلم : هو معرفة المعلوم على ما هو عليه (1) ، وفسرنا العلم بالمعرفة ، وهذا الذي اختاره المؤلف في ثلاثة الأصول : قال : العلم هو معرفة اللَّه ، ومعرفة نبيه ، ومعرفة دين الإسلام ، بالأدلة .
فتفسير العلم بالمعرفة ، يدل عليه قوله تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم .. }(2) (3) .
ويطلق العلم على العمل بدليل أنه يجوز نفي العلم والوصف بالجهل عمن لا يعمل .
قال مجاهد : " من عصى اللَّه فهو جاهل " ، وفعل المعصية يطلق عليه جهلاً .قال ابن تيمية (إن كل عاصي فهو جاهل وهو قول الصحابة والتابعين ) الفتاوى 11/675-690 ، والجهل هو عدم المعرفة وعدم العمل ، وسميت الجاهلية للجهل ولعدم العمل ،
وينقسم الجهل إلى قسمين :
1 - جهل بسيط : وهو عدم المعرفة.
__________
(1) ... هذا نص تعريف أبي يعلى في كتابه العُدة في أصول الفقه 1/76 ، ط. دار الرسالة ، واختاره أيضاً أبو الخطاب الحنبلي في كتابه التمهيد .
(2) ... البقرة : 146 .
(3) ... أمَّا أهل البدع فاختلف تعريفهم للعلم وكل من عرّف العلم بتعريف فإنه متأثر بمسألة الأسماء والصفات لله ، فالمعتزلة مثلاً تتحاشا أن تعرّف العلم بتعريف يفهم منه إثبات صفة العلم لله تعالى ، أو أن يعرفونه بتعريف يوحي بحلول الحوادث أو الأشياء كما زعموا لأن هذا يُقيم الحجة عليهم، لذا عرّف المعتزلة العلم : بأنه اعتقاد الشيء على ما هو به فقط ، فقصروا العلم على = =الاعتقاد فقط .
... أمَّا الأشاعرة فالعلم عندهم هو الإدراك أو تبيّن المعلوم ، وناقشهم أبو يعلى وقال : لا يكفي الإدراك في تفسير العلم لأن الإدراك بعض العلم ، فالإدراك معرفة الأشياء التي تُعرف بالحواس فقط وتدرك بها ، فهناك علم يعرف ويدرك بغير الحواس ، أمَّا تعريف أن العلم هو التبيّن قال: فهذا يُبْطَل بعلم اللَّه لأنه لا يوصف بأنه مبيِّن .(1/12)
2 - جهل مركب : وهو معرفة الشيء على خلاف ما هو عليه ، فالجهل المركب هو الذي يعطي معلومات خاطئة ، ويظن أنه يفهم ، فهو لا يدري ولا يدري أنه لا يدري وسمى مركبا لأنه مركب من جهلين ،
قول المصنف : ( رحمك اللَّه ) .
هذا دعاء من المصنف ومن عادته رحمه الله في كتبه يدعو للسامع وللقارئ ، وهذا من إخلاص المؤلف ومحبته .
قول المصنف ( أن التوحيد ) يقصد بالتوحيد هنا توحيد العبادة وهو توحيد الألوهية ، بدليل أنه فسر التوحيد بالعبادة .
فأراد المصنف نوعاً من أنواع التوحيد ولم يُرد كل التوحيد ، بل أراد توحيد العبادة، و توحيد الألوهية وأحيانا يسمى توحيد الإرادة والطلب والقصد ، ثم عرَّف توحيد الألوهية تعريفاً جامعاً فقال : هو إفراد اللَّه بالعبادة . ومعنى إفراد اللَّه : تتضمن شيئين : الأول : إثبات العبادة لله . الثاني : نفي العبادة عمّا سوى اللَّه ، ولا تسمى إفراداً حتى تجمع بين النفي والإثبات ، فلو قلت : قام محمد . هنا أثبت له القيام ، ولكن لم توحده بالقيام لاحتمال أن أحداً قائمٌ معه .
أمَّا إذا قلت : ما قام إلا محمد ، فهنا وحدته بالقيام ، لأنك أتيت بالنفي ، وهو قول ( ما ) ثم أعقبته بالإثبات ، وهو قول ( إلا ) فمن عبد اللَّه ، ثم ذبح لغير اللَّه، أوعبد الله ثم شرع قانوناً ، فهنا لم يوحد اللَّه .
تعريف العبادة : لغة : الذل والخضوع ، اصطلاحاً : تختلف باعتبارات :
باعتبار التعبد : هي الذل والخضوع لله بالطاعة .
باعتبار المتعبد به : اسم جامع لكل ما يحبه اللَّه ويرضاه ، من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة .
تعريف أهل البدع : العبادة هي الذل والخضوع لأوامر اللَّه القدرية الكونية. وهذا لا يكفي ويلزم منه أن الكافر عابد لله تعالى ؛ لأن كل إنسان خاضع لأوامر اللَّه القدرية .(1/13)
وبهذا الاعتبار حتى الشيطان يكون خاضعاً لأوامر اللَّه القدرية ، وهذا تعريف باطل ، والصحيح أن العبادة هي : الذل والخضوع لأوامر اللَّه الشرعية .
هذا تعريف العبادة المطلوبة من الناس ، مع أننا لا ننكر أن الخضوع لأوامر اللَّه القدرية ، هو عبودية لله ولكنها عبودية إلزامية ، يخضع لها كل شيء .
قال تعالى : { إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً }(1)، وفي الحديث القدسي قال : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ... "(2) ، ومعنى يا عبادي : أي يا من ذلوا وخضعوا لأوامري القدرية .
قال المصنف ( وهو دين الرسل ) . الدين يطلق على : الجزاء ، والعمل ، والاعتقاد . سُمي يوم الدين : لأنه يوم الجزاء ، ويطلق على العمل ، وذلك كقول : كما تدين ( أي كما تعمل ) تدان ( أي تجزى )
وهو اعتقاد وقول وعمل الرسل ، ودين الرسل عام يشمل كل ما جاءوا به من اعتقاد أو قول أو عمل لكن سمى الدين هنا بأهم أفراده وهو التوحيد ، لأنه أول وأعظم ما جاءوا به وما بعده تابع له ،
قوله ( إلى عباده ) مفرد مضاف ، تدل على العموم ، أرسله إلى جميع عباده .
قوله ( فأولهم نوح عليه السلام ): هل نوح أول الرسل أم قبله رسل ؟
حديث الشفاعة " يأتون إلى آدم ويقولون له : أنت أبو البشر... فيقول اذهبوا إلى نوح فإنه أول الرسل " (3) ، يدل على أن نوحاً هو أول الرسل ،لكن فيه إشكال لأن قبل نوح آدم وشيث وإدريس،فكيف ذلك ؟هذا يحتاج إلى معرفة آدم وشيث وإدريس هل هم أنبياء أو رسل ؟
أما آدم فعلى خلاف بين أهل العلم ، فذهب إلى كونه رسولاً ابن حجر والحكمي رحمهما الله واستدلا بقوله تعالى : { إن اللَّه اصطفى آدم ونوحاً } (4) اصطفى دليل الرسالة.
__________
(1) ... مريم : 93 .
(2) ... رواه مسلم في البر والصلة (2577) .
(3) ... رواه البخاري في كتاب التفسير (4712) ، وكتاب أحاديث الأنبياء (3361-3340) ، من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه .
(4) ... آل عمران : 33 .(1/14)
القول الثاني : أن آدم نبي . واستدلوا بعدة أدلة :
1 - ما رواه الطبراني والحاكم من حديث أبي أمامة : " أن النَّبِيّ سُئل أكان آدم نبياً قال : نعم وهو مكلم " (1) .
2 - مفهوم حديث الشفاعة ، بدلالة المخالفة : قال : " اذهبوا إلى نوح إنه أول الرسل"، وليس هناك رسول قبله .
وتميل النفس إلى القول الثاني ، ويكون نوح أول الرسل ، وهو الراجح وليس أول الأنبياء ، فقبله الأنبياء الثلاثة : آدم ، وشيث ، وإدريس عليهما الصلاة والسلام .
قوله ( عليه السلام ) هنا لم يذكر الصلاة ، وهذه عادة بعض العلماء إذا ذكر غير الرسول قال عليه السلام ، ويُستحب أن يجمع بينهما إذا ذكر الأنبياء أو الرسل وتأتى الأدلة إن شاء الله .
مسألة : إذا ذُكر نبي من الأنبياء غير الرسول محمد صلى اللَّه عليه وسلم فهل يقال عليه السلام فقط، أم يضاف الصلاة عليه أيضاً ؟
القول الأول : أنه يقتصر على السلام ، واستدلوا بما ذكر في سورة الصافات قال تعالى : {وتركنا عليه في الآخرين ( سلام على نوح في العالمين} (2)وقوله تعالى {وتركنا عليه في الآخرين ( سلام على إبراهيم} (3) ،: وقوله تعالى : {وتركنا عليهما في الآخرين ( سلام على موسى وهارون}(4) . فقال الآخرين هم الناس .
... واستدلوا بما في سورة النمل قال تعالى : { قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى} (5) وهم الرسل و الأنبياء ، وقال تعالى : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون ( وسلام على المرسلين } (6) .
__________
(1) ... رواه أحمد في مسند الأنصار (20566).
(2) ... الصافات : 78-79 .
(3) ... الصافات : 108-109.
(4) ... الصافات : 119-120 .
(5) ... النمل : 59 .
(6) ... الصافات : 180 .(1/15)
القول الثاني : أنه يستحب إذا مر على نبي أن يصلي ويسلم عليه ، واستدلوا بنفس أدلة القول الأول ، لكنهم اختلفوا في التفسير وقالوا أن السلام المتروك في قوله تعالى : { وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح } ليس بمعنى التحية ، وأنه يقتصر على لفظ التحية وهي عليه السلام ، بل يقصد به الثناء والدعاء ، وإذا كان بمعنى الثناء والدعاء فالأفضل الصلاة والسلام عليهم ، والقول الثاني أقرب ، راجع كلام ابن القيم ( كتاب جلاء الأفهام الباب السادس فيه ،وطريق الهجرتين : الطبقة الأولى ،وبدائع الفوائد ج 2/397 )
... وجاء في بعض الأحاديث أنه إذا ذكر الأنبياء يقال عليهم الصلاة والسلام .
مسألة : هل يجوز في حق غير الأنبياء ؟
... أما إن جُعل شعاراً كلما جاء ذكر شخص قيل له : عليه الصلاة والسلام، فهذا من البدع إذا اختُص به شخص معين كعلي وغيره .
... لكن لو قيل على وجه القلة لشخص عليه الصلاة والسلام فلا مانع لأن هذا دعاء ، وله أصل في الدعاء لمؤدي الزكاة لحديث (اللهم صل على آل أبي أوفى ) ،
قوله ( وأرسله إلى قومه ) هذه طبيعة الرسل أنهم يُرسلون إلى أقوام كفار والغالب أنهم أقوامهم .
والرسول : هو من أرسل إلى قوم كفار يدعوهم إلى شرع جديد . كفار : خرج المؤمنون . شرع جديد : خرج شرع من قبله . وليس شرط الرسول أن يُنزل عليه كتاب فقد يرسل بكتاب من قبله ، كإسماعيل عليه الصلاة والسلام ، فانه على كتب أبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وشرع جديد باعتبار المرسَل إليهم ،
والنبي : هو من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ ، وهذا التعريف هو المشهور ولكن عليه انتقادات ويخالف ظاهر القرآن . فقد جاء في القرآن آيتان تدلان على أن النَّبِيّ مرسَل :
قوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } (1) . وجه الدلالة فقد أخبر أن النبي مرسل ، وقوله تعالى : { فبعث اللَّه النبيين مُبشرين ومنذرين } (2)
__________
(1) ... الحج : 52 .
(2) ... البقرة : 213 .(1/16)
إذن فالنَّبِيّ مبعوث ومأمور بالنذارة والبشارة، فكيف تقولون بأنه لم يؤمر بالتبليغ.
أمَّا الدليل من السنة قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- : " أعطيت خمساً لم يُعطهن أحد من الأنبياء قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النَّبِيّ يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس كافة " (1) . متفق عليه ، والشاهد قوله " النَّبِيّ يبعث إلى قومه" فهو إذاً مبعوث .
والمصنف يختار أن النَّبِيّ مرسَل ، ولذا قال بعد عدة أسطر ( ولانبي مرسل ) إذاً التعريف الصحيح للنبي : أنه من أوحي إليه وأمر بالتبليغ وكان على شريعة الرسول الذي قبله
مسألة : ما الفرق بين النَّبِيّ والرسول ؟
1 - الرسول جاء بشرع جديد ، أمَّا النَّبِيّ فهو على شرع من قبله .
2 - الرسول من أرسل إلى قوم كفار ، والنبي من أرسل إلى قوم مؤمنين .
قول المصنف ( لما غلوا في الصالحين )
غلوا : أي غلو عبادة ، والغلو هو مجاوزة الحد قدحاً أو مدحاً ، والغلو هنا أنهم جاوزوا وعبدوهم من دون اللَّه ووقعوا في الشرك ،
قوله ( الصالحين ) وذكر خمساً من الصالحين: وداً ، وسواعاً ، ويغوثَ ، ويعوقَ ، ونسراً .
قوله ( وآخر الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - ) آخر الرسل والأنبياء ، والذي يُشرع عند ذكر النَّبِيّ أن يُصلى ويُسلم عليه .
المقطع الثاني:
__________
(1) ... رواه البخاري في التيمم (335) ، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (521) كلاهما عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما ، ورواه الترمذي في السير (1474) بنحوه.(1/17)
قول المصنف ( أرسله إلى قوم يتعبدون ، ويحجون ، ويتصدقون ، ويذكرون اللَّه كثيراً ، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين اللَّه ، يقولون : نريد منهم التقرب إلى اللَّه ، ونريد شفاعتهم عنده ، مثل الملائكة ، وعيسى بن مريم، وأناس غيرهم من الصالحين ، فبعث اللَّه محمداً صلى اللَّه عليه وسلم يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم ، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق لله ، لا يصلح منه شيء لغير اللَّه ، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل ، فضلاً عن غيرهما ، وإلاَّ فهؤلاء المشركون يشهدون أن اللَّه هو الخالق وحده لا شريك له ، وأنه لا يرزق إلا هو ، ولا يحيي إلا هو ، ولا يميت إلا هو ، ولا يدبر الأمر إلا هو ، وأن جميع السموات ومن فيهن والأرض وما فيها كلهم عبيده ، وتحت تصرفه ، وقهره ، وإذا أردت الدليل على أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يشهدون بهذا ، فاقرأ قوله تعالى : {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون اللَّه فقل أفلا تتقون}(1)
وقوله : { قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ( سيقولون لله قل أفلا تذكرون ( قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ( سيقولون لله قل أفلا تتقون ( قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يُجير ولا يُجار عليه إن كنتم تعلمون ( سيقولون لله قل فأنى تسحرون}(2) وغير ذلك من الآيات).
العنوان : طبيعة من أرسل إليهم الرسول اعتقاداً و عملاً :
الخلاصة : أن من أرسل إليهم الرسول ، كان عندهم شيئان :
1 - عندهم إقرار بالربوبية : فكفار العرب كانوا يقرون بالربوبية .
2 - عندهم بعض العبادات .
إذن فكفار العرب الذين أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، كانوا يقرون بالربوبية ، ومع ذلك لم ينفعهم ذلك، والمصنف ذكر أدلة على إقرارهم بالربوبية .
__________
(1) ... يونس : 31 .
(2) ... المؤمنون : 84-89 .(1/18)
وأيضاً عندهم بعض العبادات فهم يحجون لقوله ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس )،وفي الصحيح أنهم يقولون في تلبيتهم ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ) ، ولقوله ويتصدقون ، ويذكرون اللَّه عند الشدة ، ويصومون عاشوراء ، ومع ذلك لم تنفعهم ما دام أنهم لم يوحدوا في هذه العبادة ، فالإنسان إذا أقر بالخالق ، وذبح لغير اللَّه فلا ينفعه إقراره ، فلابد أن يأتي بتوحيد الألوهية والربوبية ، فلا يذبح إلا لله ، ولا ينذر إلا لله ، ويجعل جميع العبادات لله .
قوله ( يتعبدون ) بدأ بتفصيل العبادات التي يتعبدونها ، ويقصد بقوله هنا ( يتعبدون) أي الصيام، وإن كان اللفظ عاماً ، إلا أن بعض الشُرَّاح فسَّر يتعبدون بصيام يوم عاشوراء.وأيضا الاعتكاف لحديث عمر أنه نذر الاعتكاف في الجاهلية ،
قوله ( ويحجون ) لأنه كان من بقايا دين إبراهيم . قوله ( ويتصدقون ) بالمال والعتق ، كما جاء في الحديث عن عمرو بن العاص، وحكيم بن حزام ،
قوله ( ويذكرون اللَّه كثيراً ) في حال دون حال ، في حال الشدة يذكرونه فقط .
هذه أربع عبادات كانوا يتعبدون اللَّه بها ، ولم يذكر الصلاة لأنها لم تكن موجودة ، لكن هناك قوله تعالى : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } (1) ، الصلاة هنا الطواف . قوله ( ولكنهم ) " لكن " حرف استدراك . قوله ( يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين اللَّه ) مثل الملائكة ، وعيسى بن مريم ، وغيرهم من الصالحين ، وهذا هو شركهم فيأتون إلى الواسطة يقولون : يا عيسى ادع اللَّه لنا ، أو أحد الصالحين لأن له جاه عند اللَّه ، وكانوا يأتون إلى أصنامهم ويذبحون لها ، حتى تشفع لهم عند اللَّه ، وهذا هو
الاعتقاد الأول.
الاعتقاد الثاني : يشهدون أن اللَّه هو الخالق الرازق ، وعندهم إقرار بذلك.
__________
(1) ... الأنفال : 35 .(1/19)
والمصنف لم يذكر أن توحيدهم سليم ، وعدل عن هذه العبارة ، وقال : (يشهدون أن اللَّه هو الخالق وحده لا شريك له ...) إلخ .
لا شريك له في الربوبية ، وأنه لا يرزق إلا اللَّه ، ولا يحيي ولا يميت إلا هو ، ثم ذكر الدليل وخص الدليل باعتقاد الربوبية ، ولم يذكر الدليل على وجود عبادات عندهم ، وذكر عدة آيات على أن الكفار عندهم توحيد الربوبية .
الشاهد في الآية الأولى { فسيقولون للَّه }. والشاهد في الآية الثانية {سيقولون اللَّه}.
وهذه الشبهة ناقشها المصنف في رسالة أرسلها إلى محمد بن عباد مطوع ثرمداء ( تاريخ نجد ص 261 ) وكان قد أرسل إليه كتابا فيه كلام حسن في تقرير التوحيد وغيره وطلب من الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن يبين له إن كان فيه شيء يخفاه فكتب له رحمه الله وفيها العاشرة وأخرناها لشدة الحاجة إليها قولك إن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقروا بتوحيد الربوبية ثم أوردت الأدلة الواضحة على ذلك وإنما قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند توحيد الألوهية ولم يدخل الرجل في الإسلام بتوحيد الربوبية إلا إذا انضم إليه توحيد الألوهية فهذا كلام من أحسن الكلام وأبينه تفصيلا ولكن العام لما وجهنا إليه إبراهيم كتبوا له علماء سدير مكاتبة وبعثها لنا وهي عندنا الآن ولم يذكروا فيها إلا توحيد الربوبية فإذا كنت تعرف هذا فلأي شيء ما أخبرت إبراهيم ونصحته أن هؤلاء ما عرفوا التوحيد وأنهم منكرون دين الإسلام ) ،
واليوم مشركي زماننا يعتقدون في الله أنه ربا ولهم عبادات ولكن يجعلون التشريع لغير الله ، ولهم محاكم وضعية ونحوه ، يعتقدون في الله أنه ربا ولهم عبادات ولكن ينتهجون منهج العلمانية في السياسة والتعليم والاقتصاد والمرأة ....الخ ، يعتقدون في الله أنه ربا ولهم عبادات ولكن اتخذوا الحكام آلهة يطيعونهم في الشرك والكفر باسم طاعة ولاة الأمر ،
المقطع الثالث(1/20)
قال المصنف( فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا ، ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وعرفت : أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا "الاعتقاد" ، كما كانوا يدعون اللَّه سبحانه ليلاً ونهاراً ، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من اللَّه ليشفعوا له ، أو يدعو رجُلاً صالحاً مثل اللات ، أو نبياً مثل : عيسى ، وعرفت أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم على هذا الشرك ، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده ، كما قال تعالى : { فلا تدعوا مع اللَّه أحداً } (1) ،وقال تعالى:{ له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء } (2) وتحققت أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم ليكون الدعاء كله لله ، والنذر كله لله ، والذبح كله لله ، والاستغاثة كلها باللَّه، وجميع أنواع العبادات كلها لله ، وعرفت : أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام ، وأن قصدهم الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء يريدون شفاعتهم ، والتقرب إلى اللَّه بذلك ، هو الذي أحلَّ دماءهم وأموالهم ، عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل ، وأبى عن الإقرار به المشركون ) .
العنوان : التوحيد الذي جحده الكفار ، وقوتلوا عليه ، هو توحيد الألوهية .
فالكفار جحدوا توحيد الألوهية ، وقاتلهم الرسول على هذا الجحد .
قوله ( مقرون بهذا ) هذا يعود على توحيد الربوبية : أي أنهم مقرون بتوحيد الربوبية ، لكنهم يفعلون الشركيات ، ويشرعون القوانين ، ويذبحون لغير اللَّه ، ويطيعون رؤساءهم في الشرك ، ويصرفون شيئاً من أنواع العبادات لغير اللَّه . وقول المصنف : ( فإذا تحققت أنهم مقرون ) من أين جاء هذا التحقق ؟ جاء من الأدلة التي ذكرها المؤلف ، فذكر أدلة سبقت توجب التحقق ، ويكفي دليل واحد ومع ذلك ذكر عدة أدلة .
__________
(1) ... الجن : 18 .
(2) ... الرعد : 14 .(1/21)
قوله ( ولم يدخلهم في التوحيد ) " أل " : للخصوص ويقصد به : توحيد الألوهية .
فاعتقادهم في الربوبية لم يدخلهم في الألوهية الذي دعاهم إليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهذا وصف للتوحيد ، أي الألوهية .
قوله ( يدخلهم ) الضمير لتوحيد الربوبية.
الشاهد : قول المصنف : ( وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه ، هو توحيد العبادة ) ويسمى توحيد الألوهية ، ويسمى أيضاً توحيد اللَّه بأفعال العباد ، وهو مترادف والمعنى واحد
لكن باعتبار إضافته لله يسمى توحيد الألوهية ، وباعتبار إضافته للعبد يسمى توحيد العبادة أو توحيد الإرادة والقصد والطلب ،أو توحيد الإخلاص ،
قوله ( الذي يسميه المشركون ) .
المشركون: "أل": للعهد الحضوري ، والمشركون هم الذين في زمن المصنف.
وهو حكم من المصنف على من قال : لا إله إلا اللَّه في عهده ولكنه يعبد غير اللَّه ، فهو مشرك ، والضمير يعود على توحيد الألوهية لأنه هو الذي جحدوه ،وماذا سماه مشركي زمان المصنف ؟ سموه الاعتقاد ، وأحيانا يسمونه توسلا أو نداءا أو التجاء أو جاها ,
وماذا يسميه مشركي زماننا ؟ يسمونه حرية أو محاكم مدنية أو تجارية أو نظام أو لوائح أو ولي الأمر أو حكام أو تنظيم إداري مع أنه يخالف الشرع ، أو نظام عالمي جديد ، أو اتفاقيات دولية أو عولمة أو حضارة أو منظرين ، وعادات وتقاليد وسلوم وأعراف .....الخ
مسألة : هناك ثلاث معبودات للمشركين:
المعبود الأول :
قوله ( منهم من يدعو الملائكة ) ممن أقر بالربوبية من المشركين ، 2 ـ يدعو رجلا صالحا مثل اللات ، 3 ـ نبيا مثل عيسى ،(1/22)
قوله : ( يدعو ) : تأتي بمعنى العبادة وتأتي بمعنى الطلب ، لكنها هنا بمعنى الطلب فإمَّا أن يقول : يا ملائكة اللَّه اشفعوا لي عند اللَّه ، أو يقول : يا ملائكة أنت قريبة من اللَّه ، فادع اللَّه أن يرزقني ولداً ، أو ادع اللَّه أن يرزقني تجارة ، وهذا يسمى دعاء لأنه مسبوق بياء النداء، وأحياناً يدعو الملائكة يريد التقرب .
ويدعو الملائكة لسببين :
1 - لأجل صلاحهم وقربهم من اللَّه ومن ثَم فكل من فيه وصف الصلاح يجعله له واسطة ، فيدعو عبد القادر لأنه من الصالحين، ويدعو زينب لأنها من الصالحات ، ويدعو الحسين لأنه من الصالحين ، ودائماً هو يختار الصالحين فيدعوهم ، كي يكونوا واسطة له عند اللَّه .
2 - ليشفعوا له عند اللَّه . وهذه العلة موجودة في كل من يُعبد من دون اللَّه من الصالحين قوله ( ليشفعوا ) "اللام" : للتعليل، لام كي . يشفعوا : يكونوا وسطاء عند اللَّه
المعبود الثاني : قوله ( يدعو رجُلاً صالحاً مثل اللات ) : وهذا صنف آخر منهم ، فهم طوائف بحسب آلهتهم .
المعبود الثالث : قوله ( أو نبياً مثل عيسى ) :
وهذه أمثلة على المعبودات، ولم يُرد المؤلف الاستيعاب ، وإنَّما أراد أن يُبين أنهم مشركون في باب الألوهية ، وبيّن المصنف في هذا المقطع ، أن التوحيد الذي جحده الكفار هو توحيد الألوهية ، وإقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام . ومعبودات مشركي زماننا اليوم : الأنظمة والحكام والمناصب والدول ....الخ ،
مسألة : لماذا أورد المصنف هذه القضية ؟ وهي أن الكفار مُقِرون بالربوبية دون الألوهية؟
لكي يرد على شُبه كانت قائمة في زمانه ، وحتى في زماننا ، ومضمون هذه الشبهة أن الكفار في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا مقرين بتوحيد الربوبية ، ولا الألوهية جميعاً ، وهذا الكلام تزعمه بعض خصوم الشيخ المعاصرين له ، واستدلوا بآيات منها :(1/23)
1 - قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } (1) ، والشاهد أن الكفار أنكروا وكفروا بالرحمن .
2 - قوله : { وهم يكفرون بالرحمن } (2) .
... قالوا إن الكفار يكفرون بربوبيتة من أنه الخالق الرازق ونحوه ،
3 - وقوله : { وهم يجادلون في اللَّه وهو شديد المحال } (3) ، وموضوع المجادلة هي الربوبية ، ويجادلون أن اللَّه ليس رباً خالصاً ، وإنَّما معه أرباب .
4 - وقوله : { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً } (4) ، قالوا : وهم اتخذوا أرباباً ، والرب هو الخالق . وهذه الآية تدل على أن قريشاً كفروا في الربوبية .
5 - وقوله : { فلا تجعلوا لله أنداداً } (5) قالوا: لأنهم اتخذوا أنداداً من دون اللَّه.
وخلاصة شبهتهم : أن الكفار في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، كانوا كفاراً بالربوبية .
الرد عليهم :
1 - قوله : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } .
... الكفر هنا كفر بالاسم لا بالمسمى ، كما جاء عند البخاري في حديث صلح الحديبية ، " لما جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكتب بينه وبين قريش كتاباً ، كتب بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، قال سهيل وما الرحمن ؟ إنّا لا نعرف الرحمن ، لكن اكتب بسمك اللَّهم " (6) ، فاختاروا اسم اللَّه على اسم الرحمن فقط. فهؤلاء الكفار كفروا بالاسم لا بالمسمى . وأكبر دليل على هذا التلبية ، حيث يقولون : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك " ، فيدل هذا على أنهم مقرون في الربوبية ، منكرون الألوهية ،
2 - قوله : { وهم يجادلون في اللَّه وهو شديد المحال } .
__________
(1) ... الفرقان : 60 .
(2) ... الرعد : 30 .
(3) ... الرعد : 13 .
(4) ... آل عمران : 80 .
(5) ... البقرة : 22 .
(6) ... أخرجه البخاري في كتاب الشروط (2529).(1/24)
... الآية في بدايتها تدل على أن المجادلة في الألوهية ؛ لأنه استدل بما يؤمنون به على إثبات الألوهية ، فقوله { وهم يجادلون في اللَّه } أي في الألوهية . ولم يقل وهم يجادلون في الرب وإنما في الله وهي صفة الألوهية ،
3 - قوله : { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً } ، معنى أرباب : أي آلهة تعبد من دون اللَّه ، وهذا يدل على أنهم مشركون بالألوهية لا بالربوبية .
... وأيضاً هذه الآية لها سبب نزول يوضح معناها ، ذكر ذلك الشيخ السعدي رحمه اللَّه في تفسير سورة آل عمران : إن وفد نجران -وكانوا نصارى- جاءوا إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فناقشهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أتريد أن نعبدك، فنزلت الآية(1).
، ولا يعني ذلك أن ننكر أن الكفار يعبدون الملائكة ، ولكن هناك فرق بين أن يتخذوهم أرباباً ، وبين أن يتخذوهم آلهة ، قال تعالى : {ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ... } (2) مما يدل على أن النزاع في الألوهية لا في الربوبية .
4 ـ قوله ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) وما يؤمن أكثرهم بالله ربوبية إلا وهم مشركون ألوهية ،
5- قوله { فلا تجعلوا لله أنداداً } أي لا في الربوبية ولا في الألوهية مع أنهم اتخذوهم نداً في الألوهية .
... وهذه الشبه لا زالت موجودة في عباد القبور ، وتجد بعض الناس يعتقد أن كفار قريش كفارٌ بالربوبية والألوهية .
المقطع الرابع :
__________
(1) ... ذكره السعدي 1/239 ط. مؤسسة الرسالة ، وانظر : فتح القدير 1/356، وقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل ، وكذلك أورده ابن كثير في تفسيره 1/492.
(2) ... سبأ : 40 .(1/25)
قال المصنف : ( وهذا التوحيد هو معنى قولك " لا إله إلا اللَّه " فإن الإله عندهم هو الذي يُقصد لأجل هذه الأمور ، سواء كان ملكاً ، أو نبياً ، أو ولياً ، أو شجرة ، أو قبراً ، أو جنيَّاً ، لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر ، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك ، وإنَّما يعنون بالإله ، ما يعني المشركون في زماننا بلفظ " السيد " فأتاهم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي لا إله إلا اللَّه ) .
العنوان : أن المشركين يعرفون معنى لا إله إلا اللَّه .
الجمع بين المقاطع السابقة :
لما أثبت أن المشركين مقرون بتوحيد الربوبية ، انتقل إلى أنهم غير مقرين بتوحيد الألوهية ، ولم يفردوه بالعبادة وغير مقرين به ، ولذلك الكفار كفرهم كُفر عناد، وليس كفر عدم معرفة ؛ لأنهم يعرفون توحيد الألوهية ، ويعرفون معنى لا اله إلا الله فكفروا بعد أن جاءهم الرسول بذلك ،
هدف المصنف من هذا المقطع :
لكي يُبين أن كفر المشركين في باب الألوهية بعد البعثة كفر عناد ، لا عدم معرفة وجهل.
قول المصنف ( وهذا التوحيد ) يعني توحيد الألوهية ، وعرَّف المصنف كلمة "الإله" وأنه المقصود لأجل هذه الأمور ، وهذا المعنى عليه إجماع أهل اللغة والتفسير والفقهاء .
فعند أهل السنة والجماعة : الإله : معناه المعبود المقصود ، فيقصد بالذبح والنذر وغيرها من العبادات .
وأمَّا عند غير أهل السنة والجماعة ، كالأشاعرة والصوفية ، والقبورية ، والجهمية ، والرافضة ، والعصرانيين فالإله : بمعنى الرب الخالق ، وعلى هذا يدخل المشركون في التوحيد .
وهذا من أخطر الانحرافات عند الأشاعرة وغيرهم من أهل البدع ، أنهم يفسرون الألوهية بالربوبية.
قول المصنف ( لا إله إلا اللَّه ) . لا : نافية للجنس حرف مبني ، تحتاج إلى اسم وخبر
اسمها : " إله " مبني في محل نصب اسم لا . خبرها : غير موجود محذوف تقديره :(1/26)
عند أهل السنة والجماعة : لا إله حق إلا اللَّه ، فحق خبر مرفوع ، والمعنى لا معبود بحق إلا اللَّه .
وعند الأشاعرة والجهمية والرافضة والصوفية والقبورية : لا إله خالق أو قادر على الاختراع إلا اللَّه ، وهذا لا يكفي ، لأن الكفار يقرون بأنه خالق .
وعند الفلاسفة : لا إله موجود ، وعلى هذا يكون إبليس موحداً لأنه يقرّ بوجود اللَّه ، قال اللَّه تعالى : { فبعزتك لأغوينهم أجمعين } (1) .
فالفرق بينهم ، هو تقدير الخبر المحذوف .
مسألة : هل هناك فرق في الألوهية بين كون المألوه صنماً أو رجُلاً؟
ليس هناك فرق ، ولذا قال المصنف ( سواء كان مَلَكاً ، أو نبياً ، أو ولياً ، أو شجراً... ) الخ ، فليس هناك فرق ،
قضية معاصرة :
ونضيف في وقتنا المعاصر آلهة أخرى تعبد من دون اللَّه مثل القانون والأنظمة والحكام والنظريات ، و الهيئات الدولية وغيرها ممَّا يخالف شرع اللَّه ، كلها آلهة تعبد اليوم بالطاعة . وقوله يسميه المشركون في زماننا السيد ، هذا في زمن المصنف ، وفي زماننا يسمى بتسميات سبق ذكرها ،
قول المصنف : ( فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده ) .
الخلاصة : أن مشركي العرب يعرفون معنى الألوهية ، وأنهم جحدوها جحد عناد لا جهل .
المقطع الخامس :
قال المصنف ( والمراد من هذه الكلمة معناها ، لا مجرد لفظها . والكفار الجهال يعلمون : أن مراد النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة هو : إفراد اللَّه تعالى بالتعلق ، والكفر بما يُعْبد من دون اللَّه والبراءة منه ، فإنه لما قال لهم : قولوا لا إله إلا اللَّه قالوا : { أَجَعَل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب } (2) .
فإذا عرفت : أن جهّال الكفّار يعرفون ذلك ، فالعجب ممن يدّعي الإسلام، وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهّال الكفّار . بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني .
__________
(1) ... ص: 82 .
(2) ... ص: 5 .(1/27)
والحاذق منهم يظن أن معناها : لا يخلق ولا يرزق إلا اللَّه ، ولا يدبر الأمر إلا اللَّه ، فلا خير في رجل جهّال الكفّار أعلم منه بمعنى لا إله إلا اللَّه ) .
العنوان : اختلاف الناس في معنى الألوهية ،
وذكر المصنف أصنافاً :
الصنف الأول : من يعرف هذه الكلمة ، لكن لا يعمل بها ولا يفرده بالعبادة ، وهؤلاء هم المشركون ، فهم يعرفون المعنى تاماً لكنهم يعاندون ويتأولون ويقلدون ، ومعنى لا يعملون بها أي لا يفردونه بالعبادة .
... ويُرد عليهم أن يقال : لو كانت المعرفة تكفي وأن العلم بمعناها كافٍ ، لما قاتلهم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- على عدم العمل وعلى الشرك .
الصنف الثاني : من يعتقد أن معنى الألوهية هو قول لا إله إلا اللَّه فقط ، فعندهم المسلم والموحد هو من قال : لا إله إلا اللَّه ، بغض النظر عن اعتقاده وعن عمله .
... وهذا الاعتقاد هو نفس اعتقاد الكُرَّاميّة يقولون يكفي في الإسلام والإيمان الكلمة ، نطقها باللسان ، واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال لا إله إلا اللَّه دخل الجنة " (1) ، والأدلة التي تذكر أنه يكفي لدخول الجنة قول لا إله إلا اللَّه .
... ويُرد عليهم أنه لو كان يكفي قول لا إله إلا اللَّه ويُعتبر من قالها بلسانه فقط موحداً للزم من ذلك أن يكون المنافق موحداً ، لأن المنافق يقول : لا إله إلا اللَّه بلسانه ومع ذلك كفّر اللَّه المنافقين في قوله تعالى : {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}(2) .
__________
(1) ... رواه الترمذي في الإيمان (2562) .
(2) ... النساء : 145 .(1/28)
الصنف الثالث : أوسع الأصناف وأكثرهم وهو : من يرى أن معنى الألوهية هو معنى الربوبية ولا فرق بينهما ، وأن معنى لا إله إلا اللَّه أنه لا يخلق ولا يرزق إلا اللَّه ، وهم الذين أشار إليهم المصنف بقوله : ( والحاذق منهم يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق إلا اللَّه ولا يدبر الأمر إلا اللَّه ... ) الخ ، وهذا يشمل الأشاعرة والجهمية والرافضة والباطنية والقبورية والصوفية .
... ويُرد عليهم بأن هناك فرق بين الألوهية والربوبية ، وممَّا يدل على الفرق بينهم:
1 - أن مشركي العرب مقرون بالربوبية ولم يقروا بالألوهية ، فلو كان معناهما واحد لكان إقرارهم بالربوبية هو إقرارهم بالألوهية .
2 - قوله تعالى : { قل أعوذ برب الناس ( ملك الناس ( إله الناس } (1) ، هنا فرّق بين كلمة رب وإله ، ولو كان معناهما واحداً لكان هذا تكرار .
3 - إجماع أهل اللغة على أنه هناك فرق بين معنى الرب ومعنى الإله .
4 - إجماع أهل التفسير أيضاً على ذلك .
مسألة : المصنف في المقطع السابق وصف الكفار بأنهم جهال ، فقد يقول قائل : إذن هم جهال يعذرون بالجهل ، وأيضاً المصنف قال : إن الكفار يعلمون معناها.
... فكيف مرة وصفهم بالجهل ، ومرة قال : يعلمون والعالم ليس يجهل ؟
الجواب : إن وصفهم بالجهل ليس عدم المعرفة لأنهم يعرفون معنى الإله لغة ، إنَّما الجهل لعدم العمل ، وباعتبار الشرع ، والذي يعرف ولا يعمل يسوغ وصفه بأنه جاهل
المقطع السادس :
قال المصنف ( إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلب ، وعرفت الشرك باللَّه الذي قال اللَّه فيه { إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}(2) ، وعرفت دين اللَّه الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم ، الذي لا يقبل اللَّه من أحد دينا سواه ، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا ، أفادك فائدتين :
__________
(1) ... سورة الناس : 1-3 .
(2) ... النساء : 48 .(1/29)
الأولى : الفرح بفضل اللَّه ورحمته ، كما قال تعالى : { قل بفضل اللَّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } (1) .
وأفادك - أيضاً - : الخوف العظيم ) .
العنوان : الفرح بمعرفة التوحيد وضده معرفة صحيحة :
قوله : ( إذا عرفت ما ذكرت لك ) أي من معنى الألوهية وما وضحته لك من المعنى الصحيح لمعنى الألوهية . قوله : (معرفة قلب) نسب المعرفة إلى القلب ؛ لأنها هي المعرفة النافعة .والإضافة بتقدير من أي معرفة من القلب ، معرفة القلب : وهو أن يوفق الإنسان لمعرفة المعنى الصحيح ثم العمل والامتثال، ويستفيد بذلك ، ومعرفة القلب هي : العلم والتصديق ، وأعمال القلب: من الانقياد والقبول والمحبة واليقين والإخلاص والصدق والبغض للكفار ومعاداتهم والكفر بالطاغوت .
أمَّا معرفة الذهن، فقد تنفع وقد لا تنفع ، فاليهود يعرفون اللَّه في أذهانهم ولم ينفعهم ذلك .ومشركي العرب يعرفون ذلك معرفة ذهن وتصور ،
ولذلك إذا عرفت معنى لا إله إلا اللَّه معرفة صحيحة ، سوف تفرح فرحاً عظيماً، وسبب الفرح :
1 - أنك عرفت الإسلام معرفة صحيحة وعرفت ضده وهو الشرك ، فسبب لك فرحاً عظيماً ، إذ حصل لك العلم الصحيح ، فما بالك إذا كان هذا العلم هو التوحيد، أعظم شيء ، وهذا فضل من اللَّه يُفرَح به { قل بفضل اللَّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا } .
2 - أنك سلمت من الاعتقاد الباطل ، الذي وقع فيه غيرك ، والسلامة من الشر والباطل يُفرح به .
3 ـ أنك أصبحت من أهل السنة والجماعة ومن أهل التوحيد ولم تكن من أهل الشرك وعباد القبور ،
والمصنف رحمه اللَّه أراد من هذا المقطع أن يبين أن الجمع بين معرفة التوحيد وضده هو النافع ، فمن الناس من يعرف التوحيد ولا يعرف الشرك ، أو يعرف الشرك ولا يعرف التوحيد أو يعرف التوحيد ولا يعمل به ، لكن الفرح والخير فيمن عرفهما جميعاً ، فعرف التوحيد ومعناه وحدوده وعمل به ، وعرف الشرك ومعناه وحدوده وتركه .
__________
(1) ... يونس : 58 .(1/30)
مسألة : المصنف ذكر آية { إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به ... } الآية ، لبيان أن الشرك أمره عظيم وخطير إذ أن مرتكبه لا يغفر له ، فهل المغفرة ممنوعة في الشرك الأكبر فقط أم حتى الشرك الأصغر لا يغفر ؟
قبل ذلك نتعرض لبعض مفردات الآية : لا : نافية ، نفت المغفرة . لا يغفر : لا يتجاوز ولا يستر . أن يُشرك : أفاد أن الشرك الأكبر إذا مات عليه الإنسان لا يدخل في الجنة ولا يغفر اللَّه له ، وهذا بالإجماع .
مسألة : الشرك الأصغر إذا مات عليه الإنسان من غير توبة هل هو تحت المشيئة كالكبائر إن شاء اللَّه عذبه وإن شاء غفر له أم أنه لا يدخل تحت المشيئة بل لا يغفره اللَّه ؟
الجواب : فيه قولان فيما أعلم : القول الأول : أن الشرك الأصغر ، مثل بقية الكبائر تحت المشيئة ، وقالوا أن الآية في الأكبر فقط ، واستدلوا بالآية : { إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به } ، فقوله " أن يشرك " أي يقصد الأكبر ، وقوله : { ويغفر ما دون ذلك} أي : الشرك الأصغر والمعاصي كبائرها وصغائرها . قالوا : لأن سياق الآية يدل أنه الشرك الأكبر . وأيضاً استدلوا بحديث عبادة . قال فيه : " بايعنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أن لا نزني ، ولا نشرك باللَّه ، فمن أتى من ذلك وأقيم عليه الحد فهو كفارة له وإن ستره اللَّه فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له " (1) . فقوله : " إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " بعدما قال في أول الحديث "أن لا نشرك" دل أنه تحت المشيئة ، وقالوا إن الحديث في سياق الشرك الأصغر .
__________
(1) ... رواه مسلم في الحدود (3224) ، وأحمد في باقي مسند الأنصار (21672) ، (21692).(1/31)
القول الثاني : أن الشرك الأصغر إذا مات عليه الإنسان لا يَكْفُر ، ولكنه لا يغفر له، فمن مات وهو على الشرك الأصغر يؤاخذ به واستدلوا بقوله تعالى : {إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } (1) . وجه الدلالة " أن " : حرف مصدري " يشرك " : فعل مضارع، وإن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، فيكون المعنى : إن اللَّه لا يغفر شركاً به، أو إن اللَّه لا يغفر الشرك به . وشركاً : نكرة في سياق النفي فتكون عامة تشمل الأكبر والأصغر ، وفي الصيغة الثانية قال الشرك : فتكون الألف واللام للعموم .
واستدلوا أيضاً بحديث عند الترمذي : " لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي ( شيئاً ) لأتيتك بقرابها مغفرة " (2) . بدلالة مفهوم المخالفة ، فإذا لقيتني تشرك بي شيئا لم آتيك بقرابها مغفرة ، وقوله في الحديث " لا تشرك بي شيئاً " : نكرة فتشمل الشرك الأكبر والأصغر، وقالوا أيضاً الحديث في سيق المسلمين الذين يُمكن أن يغفر لهم .
واستدلوا بحديث أنس وعائشة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : " الدواوين ثلاثة يوم القيامة : ديوان لا يعبأ اللَّه به وهو حقوق اللَّه ، وديوان لا يتركه اللَّه، وهو حقوق العباد، وديوان لا يغفره اللَّه ، وهو الشرك " (3) ،
__________
(1) ... النساء : 48 .
(2) ... رواه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (4852) ، ورواه الترمذي (3540).
(3) ... رواه أحمد في باقي مسند الأنصار (25500) عن عائشة رضي اللَّه عنها ورواه أيضاً البزار . وراجع كتابي الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد في بسط هذه المسالة في باب الخوف من الشرك ،(1/32)
الشاهد من الحديث آخره وهو ديوان لا يغفره الله المقصود به الشرك الأصغر ولماذا قلنا الأصغر لأن الحديث في المسلمين بدليل قوله ديوان لا يعبأ الله به أي قد يغفره وهذه ذنوب العصاة أما الكفار فلا يغفر الله ذنوبهم . واستدلوا أيضا بما رواه ابن أبى عاصم في السنة ص384.457 وحسنه الألباني رحمه الله عن ابن عمر قال كنا نوجب لأهل الكبائر النار وفي رواية ما زلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى نزلت (إن الله لا يغفر أن يشرك به ) والشاهد أن قوله ويغفر مادون ذلك ،أن هذه في الكبائر أما ما قبلها ففيما فوق الكبائر وهو الأكبر والأصغر ، وهذا فهم الصحابة كما قال ابن عمر (كنا ) ،
واستدلوا أيضا بقول ابن مسعود رضي الله عنه (لأن أحلف بالله كاذبا أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقا). قال الحفيد سليمان في التيسير ص530: ذكره ابن جرير غير مسند في التفسير وقد جاء عن ابن عباس وابن عمر نحوه ورواه الطبراني بإسناد موقوف،قال المنذري ورواته رواة الصحيحين. والشاهد أنه جعل الحلف بغير الله وهو شرك أصغر أعظم من الكبائر وهذا بالإجماع ومعلوم أن مذهب أهل السنة والجماعة أن الكبائر تحت المشيئة والشرك الأصغر أعظم من الكبائر فكيف يعطى حكمها وهو أعظم منها كما أن الشرك الأكبر أعظم منه فلم يعطَ حكمه ولذا فالشرك الأصغر في منزلة بين المنزلتين وهو جنس مستقل بنفسه فليس هو مثل الأكبر فيعطى حكمه وكذلك ليس هو مثل الكبائر فيعطى حكمها فاستقل بحكم خاص وهو أن الله لا يغفره لكن لا يكفر فاعله ولا يخلد في النار .
وهناك تعليل :وهو (أن الشرك مسبة لله تعالى وتنقص وجعل ند لله ولو من وجه أصغر
والكبائر المحضة نقص في النفس وضعف فكيف يُجعل ضعف النفس ونقصها مثل ما هو(1/33)
مسبة لله وتنقص ولو من وجة أصغر ، لا يستوون ، وهذا القول هو الراجح ، وقد اختاره الحفيد عبد الرحمن كما في قرة عيون الموحدين ص34 قال:أما الشرك الأكبر فلا عمل معه ويوجب الخلود في النار وأما الأصغر كيسير الرياء هذا لا يكفر إلا برجحان السيئات بالحسنات.أهـ واختاره أيضا ابابطين فإنه لما ذكر كلام ابن تيمية فيما نقل عنه تلميذه ابن مفلح في الفروع قال ابن تيمية (1) أن الشرك قد لا يغفر وإن كان أصغر فعقّب ابا بطين فقال وذلك والله أعلم لعموم قوله تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) مع أن الشيخ رحمه الله لم يجزم أنه يغفر لمن ذكرهم وإنما قال قد يغفر ) اهـ كلام ابا بطين في الدرر 10/388 واختاره أيضا عبد الرحمن بن قاسم كما في حاشيته على كتاب التوحيد ص 50قال (والشرك الأصغر حكمه أنه لا يغفر لصاحبه إلا بالتوبة لعموم (إن الله لا يغفر أن يشرك به ) ويدخل تحت الموازنة اهـ واختاره أيضا شيخنا الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله ،
أما اختيار المصنف فقد قال في تاريخ نجد ص 439 ما يدل على أن المصنف يفرق بين الشرك الأصغر والكبائر فقال (وأما معنى كل ذنب عُصى الله به شرك أو كفر فالشرك والكفر نوع والكبائر نوع آخر والصغائر نوع آخر ، ومن أصرح ما فيه حديث أبي ذر فيمن لقي الله بالتوحيد قوله وإن زنى وإن سرق، مع أن الأدلة كثيرة وإذا قيل من فعل كذا فقد أشرك أو كفر فهو فوق الكبائر ، وما رأيت مني ما يخالف ما ذكرت لك فهو بمعنى الذي هو أخفى من دبيب النمل ) اهـ وهذا صريح أن المصنف يرى أن الشرك الأصغر فوق الكبائر ، وأن الكبائر نوع غير الأصغر،كما أنها نوع غير الصغائر، فكل نوع مستقل في الاسم والحكم ،
__________
(1) ... المرجع : مختصر رسالة الرد على البكري . والفروع فبن مفلح ،(1/34)
إلاّ أنه ينبغي أن يُعرف أن الشرك الأصغر لا يخلد صاحبه في النار : والاشتراك في الاسم مع الشرك الأكبر حيث كلاهما يطلق عليه اسم شرك ، لا يدل على الاشتراك في الحكم ، وصاحب الشرك الأصغر ، يقال : فيه شرك ولا يقال من المشركين .
ومعنى قولنا : " لا يغفر " أي : لا يستره ولا يتجاوز عنه بل يحاسب ويناقش ويؤاخذ عليه ، ولا يلزم منه دخول النار ، فقد يعذب في القبر والبرزخ وعند الموت ، أو في عرصات القيامة ، أو يحبط ما يقابل الشرك الأصغر من الحسنات ، بخلاف الكبائر فقد يغفرها اللَّه وقد لا يغفرها .
قال المصنف ( أفادك فائدتين ) هاتان الفائدتان هما :
1 - الفرح بفضل اللَّه ورحمته ، وهذا من الفرح المحمود ، واستدل المصنف على ذلك بقوله { قل بفضل اللَّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}(1) .
2 - قول المصنف ( وأفادك -أيضاً- الخوف العظيم ) يعني أن تخاف أن يزيغ قلبك ، أو تختم بخاتمة سوء ، أو تقع في الشرك من حيث لا تدري ، وهذا يوجب الخوف من الشرك .
المقطع السابع :
قال المصنف : ( فإنك إذا عرفت : أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه ، وقد يقولها وهو جاهل ، فلا يعذر بالجهل ، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى اللَّه تعالى ، كما ظن المشركون ، خصوصاً إن ألهمك اللَّه ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة}(2) فحينئذٍ يعظم خوفك وحرصك على ما يخلصك من هذا وأمثاله ) .
عنوان المقطع السابع : هل الجهل أو التأويل عذر أو ليس بعذر في الشرك الأكبر ؟.
هذه من أصعب المسائل في التوحيد ، وأشق المسائل ، فتحتاج إلى تأمل ونظر ومراجعة ، وتحتاج إلى الدعاء أن يلهمه اللَّه الحق لصعوبة هذه المسألة .
وهناك نقاط قبل البدء في هذه المسألة :
__________
(1) ... يونس : 58 .
(2) ... الأعراف : 138 .(1/35)
1 - إن المصنف لم يقصد الموضوع بالذات ، وإنَّما جاء عرضاً في كلام المصنف من باب الاستطراد لما جاء مجال التحذير والتخويف من الشرك .
2 - كلامه في الجاهل ممن يقول لا إله إلا اللَّه ، أي من وقع في الشرك الأكبر من أهل القبلة ممن يدعي الإسلام ، وخرج بذلك جهّال الكفّار الأصليين كاليهود والنصارى وأمثالهم.
... ثم نعود إلى أصل المسألة ، ما هو رأي المصنف في مسألة الجهل ؟ هل هو عذر أو ليس بعذر ؟
الجهل : هو عدم المعرفة ، ويطلق أيضاً على عدم العمل ، وقيل عدم الإدراك، بمعنى لا يعرف أن هذا الأمر الذي وقع فيه أنه شرك أكبر ، فيسمى هذا جاهلاً، أمَّا من فعل الشرك وتعبد لله بما فعل من الشرك ، أو فعله محتسباً للأجر ، فهذا يسمى متأولاً وهو نوع من الجهل وهما سواء .
مسألة : هل الجهل عذر ؟
وهل من وقع في الشرك الأكبر يُسمى مشركا بمجرد الفعل والوقوع ويُخاف عليه من ذلك ولو كان جاهلا أو مقلدا أو متأولا أو مخطئا أم لا ؟
وينبنى على ذلك ،هل الجهل عذر في الشرك الأكبر ؟أم ليس بعذر كما هو مذهب السلف كما سوف يأتي إن شاء الله تعالى ، ومثله التأويل والتقليد والخطأ ،وهذا يجرنا إلى بسط هذه المسألة العظيمة التي هي من أهم أبواب تعلّم التوحيد وفهم الشرك ،وهى أيضا من أهم أبواب التفريق بين الأسماء والأحكام تارة ، وعدم التفريق في موضع آخر تارة ، وهذا يستوجب ذكر المسألة من خلال فصول ونقول وتعليقات نذكر فيها قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقول طلابه من لدن الشيخ إلى الآن ، وقبل ذلك قول ابن تيمية وابن القيم ،وقبل ذلك قول السلف عموما وننقل الإجماعات في ذلك وكلام أهل العلم ، والقياسات الصحيحة في ذلك والآن ندخل في المسألة فنقول :
الفصل الأول
نقولات توضيحية من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتضح فيها قوله في هذه المسألة
((1/36)
ملاحظة إن شاء الله سوف نضع حاشية أسفل الصفحة للتعليق على الأشياء التي تحتاج إلى ذلك للأهمية بعد الانتهاء مما يتعلق بالشيخ محمد ، أما ما يتعلق به فأغلب التعليق تابع لما ننقل عنه ) ،
1ـ و قبل النقولات نحب أن نبين أن الشيخ محمد له كتاب مستقل متخصص في هذه المسألة وهو كتاب (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ) وتأمل نصه في عنوان الكتاب على تكفير تارك التوحيد الذي هو بالضرورة فاعل للشرك ،ففي العنوان تكفير المعين إذا أشرك ،وقد تهجم على من قال أن ابن تيمية لا يكفر المعين في باب الشرك الأكبر ،
2ـ كتاب كشف الشبهات هذا الذي نشرح في مواضع منه التصريح بعدم العذر في الشرك الأكبر بالجهل ، وهو ما نقلنا قبل أسطر ،
3ـ أيضا في رسالة النواقض العشر ،لا يَعذر فيها بالجهل فقد نص الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما ذكر نواقض الإسلام على استواء حكم الجاد والهازل والخائف حال الوقوع فيها إلا المكره ولم يستثني الجاهل أو المتأول أو المخطئ اهـ . راجع فتاوى الأئمة النجدية 3/188
4- ومن النقولات قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب(في الدرر السنية 8/118) لما ذكر المرتدين وفرقهم فمنهم من كذب النبي صلى الله عليه وسلم ورجعوا إلى عبادة الأوثان ومنهم من أقر بنبوة مسيلمة ظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه في النبوة ومع هذا أجمع العلماء أنهم مرتدون ولو جهلوا ذلك ومن شك في ردتهم فهو كافر .(1/37)
5ـ وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرر ( 9 / 405-406 ) قال : لما نقل كلام ابن تيمية في التكفير : وكلام ابن تيمية(1)في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الأشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره(2)قبل أن تبلغه الحجة ، وأما إذا بلغته الحجة حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو معصية ، وصرح ابن تيمية رضي الله أيضا أن كلامه في غير المسائل الظاهرة فقال في الرد على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيرا قال : وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها ولكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة(3)من المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها وكفر من خالفها مثل عبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ومثل إيحابه للصلوات الخمس وتعظيم شأنها ومثل تحريم الفواحش والزنا والخمر والميسر ، ثم تجد كثيرا من رؤسهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين ، ثم ذكر مسألة تكفير المعين بعد بلوغ الحجة وقال لا نعلم عن واحد من العلماء خلافا في هذه المسألة .
__________
(1) هنا يدل أن الشيخ محمد قد فهم وهضم مذهب ابن تيمية في هذا وهو يمشى على منواله 0
(2) لاحظ أن النفي لاسم التكفير ، لا ، لاسم الشرك ،
(3) هذا هو ضابط الأمور الظاهرة ،أحيانا تُسمى المعلوم من الدين بالضرورة 0(1/38)
6ـ رسائل ونصوص للشيخ محمد بن عبد الوهاب تدل على أن الشيخ لا يعذر بالجهل ويُسمي من فعل الشرك مشركا ومن المشركين ،ويُقصَد باسم الكفر عند الشيخ أحيانا بمعنى الشرك إذا لم تقم عليه الحجة ،أما إذا قامت الحجة فيسميه مشركا كافرا ، وقد تَعْجَب من هذا وهو التفريق بين أسماء قبل الحجة و أسماء بعدها لكن هذا هو الحق ومذهب أهل السنة كما نقله ابن تيمية راجع الفتاوى 20/37-38 في صفحتين فيها درر تكتب بماء الذهب كما يقال ،وهى طريقة ابن القيم وأئمة الدعوة ، وكلهم ونقلوا الإجماع عليه كما سوف ترى ذلك كثيرا إن شاء الله إذا استكملت القراءة إلى آخر كلام أئمة الدعوة،
والآن نعود إلى النصوص هي :
النص الأول :
ما ذكره المصنف في نفس كتابه كشف الشبهات ص9 ، ط: دار الثقافة للطباعة ، حيث قال : " فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه قد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل .. " انتهى.(فلم يمنع من التكفير كونه جاهلا )
النص الثاني :(1/39)
رسالة في الرد على ابن صباح ، ذُكرت في تاريخ نجد تحقيق ناصر الدين الأسد ص468 في الرد على من اتهمه بتهم ، ورد على ذلك ، إلا أنه قال في أثنائها : "الحمد لله ، أمَّا بعد : فما ذكره المشركون ( لاحظ هنا سماهم مشركين ) عنّي أنني أنهى عن الصلاة على النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ، أو أني أقول لو أن لي أمراً هدمت قبة النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ، أو أني أتكلم في الصالحين ، أو أنهى عن محبتهم ، كل هذا كذب وبهتان افتراه عليّ الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل ، مثل أولاد شمسان وأولاد إدريس الذين يأمرون الناس أن ينذروا لهم وينخونهم ويندبونهم ، كذلك فقراء الشياطين الذين ينتسبون إلى الشيخ عبد القادر وهو منهم بريء كبراءة علي بن أبي طالب من الرافضة ، فلما رأوني آمر الناس بما أمرهم به نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- ألاّ يعبدوا إلا اللَّه وأن من دعى عبد القادر فهو كافر، وعبد القادر منه بريء ، وكذلك من نخى الصالحين أو الأولياء أو ندبهم أو سجد لهم ... " انتهى .
والشاهد قوله : " وأن من دعى عبد القادر فهو كافر " فهذا نص بأنه يُكفّر من دعى عبد القادر وأمثاله ( ولاحظ أنه وصفه بأنه يعبد عبد القادر ومن فعل الشرك أعطى اسمه ، فيُسمى مشركا كافرا ) ،
ثم قال في آخر الرسالة : " فإذا كان من اعتقد في عيسى بن مريم مع أنه نبي من الأنبياء وندبه ونخاه فقد كفر ، فكيف بمن يعتقد في الشياطين كالكلب أبي حديدة وعثمان ، الذين في الوادي ، والكلب الآخر في الخرج وغيرهم في سائر البلدان ... " انتهى .
والشاهد قوله : " من اعتقد في عيسى بن مريم فقد كفر " .
ثم قال في آخر الرسالة في الاعتقاد في الصالحين : " بل هو عبادة الأصنام من فعله كفر ... " انتهى .(علق الحكم بالفعل والفعل الذي فعله هو عبادة الأصنام ،ويستحيل شرعا أن يُسمى عابد الأصنام أو القبور مسلما ولو كان جاهلا )
النص الثالث(1/40)
موجود في تاريخ نجد ص474 في أوراق كتبها في الرد على ابن سحيم قال فيها : " فإذا كفّرنا من قال إن عبد القادر والأولياء ينفعون ويضرون قال كفّرتم الإسلام ، وإذا كفّرنا من يدعو شمساناً وتاجاً وحطّاباً قال كفّرتم الإسلام..."انتهى.
والشاهد منه : أن الشيخ يكفّر من عَبَد عبد القادر ، ويكفّر من دعى شمسان -وهو أحد الصوفية الموجودين في الخرج زمن من المصنف - .
النص الرابع :
وهي رسالة أرسلها إلى محمد بن عيد - أحد علماء ثرمدا - موجودة في تاريخ نجد ص263 ، قال بعد كلام : " ولكن أقطع أن كفر من عبَد قبة أبي طالب لا يبلغ عُشر كفر المويس وأمثاله ... " انتهى. والشاهد : أنه قطع بكفر من عبد القبور ولم يعذره بالجهل .
النص الخامس :
رسالة أرسلها إلى الشيخ عبد اللَّه بن عيسى قاضي الدرعية ، وهي موجودة في تاريخ نجد الرسالة الرابعة عشر ص324 ، أرسلها منكراً عليه كيف أشكل عليه تكفير الطواغيت ، فقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : " فقد ذكر لي أحمد أنه مشكل عليكم الفُتيا بكفر هؤلاء الطواغيت مثل أولاد شمسان وأولاد إدريس ، والذين يعبدونهم مثل طالب وأمثاله ... " انتهى
ويتضح من هذا النص تكفيره لمن عبد الطواغيت ، بل إنكاره على من لم يكفر الطواغيت ،أو من عبد الطواغيت ،ولاحظ أنه سماهم طواغيت وسمى طالبا وأمثاله مَنْ يعبد الطواغيت ولايمكن أن يكون من عبد الطواغيت مسلما ولو كان جاهلا فضلا عن كونه موحدا لأن اسم الشرك يتناوله ويصدق عليه ) ،
النص السادس :
رسالة أرسلها إلى عبد الرحمن بن ربيعة - أحد علماء ثادق - وهي الرسالة العشرون في تاريخ نجد ص341 ، قال بعد كلام : " فمن عبد اللَّه ليلاً ونهاراً ثم دعا نبياً أو ولياً عند(1/41)
قبره ، فقد اتخذ إلهين اثنين ولم يشهد أن لا إله إلا اللَّه ، لأن الإله هو المدعو ، كما يفعل المشركون اليوم عند قبر الزبير أو عبد القادر أو غيرهم ، وكما يفعل قبل هذا عند قبر زيد وغيره اهـ والشاهد : أنه سمّاهم مشركين لمن عبد أصحاب القبور المذكورة و أيضا أنهم ممن اتخذ الهين اثنين )
النص السابع :
رسالة أرسلها إلى سليمان بن سحيم قاضي الرياض ، وهي الرسالة التاسعة في تاريخ نجد ص304 ، قال بعد كلام : " وإنّا كفّرنا هؤلاء الطواغيت أهل الخرج وغيرهم للأمور التي يفعلونها هم ، منها أنهم يجعلون آباءهم وأجدادهم وسائط، ومنها أنهم يدعون الناس إلى الكفر ، ومنها أنهم يُبغّضون عند الناس دين محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- .... " انتهى .
والشاهد : " أنه كفّر من جعل بينه وبين اللَّه وسائط . وقال في نفس الرسالة ص305 مورداً إشكالاً على ابن سحيم ، قال : " وما تقول في الذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب مثل اعتقاد كثير من الناس في عبد القادر وغيره..." انتهى ( ولاحظ أنه كفر أهل الخرج بفعل الوسائط فجعل مناط الحكم الفعل و أجرى اسم الفعل عليهم وهو الشرك )
النص الثامن :
رسالة جوابية رداً على اتهامات ضده ، موجودة في تاريخ نجد ص274، وهي مجموعة من التهم والأقاويل ضد الشيخ .(1/42)
أقر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ببعضها أنه يقول بها ، ومنها : " تكفير الناذر إذا أراد به التقرب لغير اللَّه وأخذ النذور كذلك ، ومنها أن الذبح للجن كفر والذبيحة حرام ، ولو سمى اللَّه عليها إذا ذبحها للجن ، فهذه خمس مسائل كلها حق وأنا قائلها ... " إلى أن قال : " فصار ناس من الضالين يدعون أناساً من الصالحين في الشدة والرخاء مثل عبد القادر الجيلاني ، وأحمد البدوي ، وعدي بن مسافر ، وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح ... " ثم ذكر أن أهل العلم أنكروا عبادة الصالحين ، إلى أن قال : " وبيّن أهل العلم إن أمثال هذا هو الشرك الأكبر..." انتهى . والشاهد : أنه سمى من عبد هذه القبور الثلاثة ضالين ، وأنه الشرك الأكبر ، إلى أن قال : " فتأمل هذا إذا كان كلامه هذا في علي فكيف بمن ادعى أن ابن عربي وعبد القادر إله ... " انتهى .
النص التاسع :
رسالة أرسلها إلى أحد علماء الأحساء واسمه أحمد بن عبد الكريم ، وهي الرسالة الحادية والعشرون في تاريخ نجد ص346.
وكان أحمد بن عبد الكريم الأحسائي لما التبس عليه فعل عباد القبور مع جهلهم ،وكان الاحسائي هذا ينكر تكفير المعين لمن عبد القبور لجهله ويُجيز تكفير النوع لا العين أي فعله كفر وشرك وليس هو بمشرك ولا كافر لأنه جاهل ، وناقشه الشيخ في رسالة طويلة قال فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "وتأمل تكفير ( ابن تيمية ) لرؤسائهم فلاناً وفلاناً بأعيانهم ، وردتهم ردة صريحة .
و تأمل تصريحه بحكاية الإجماع على ردة الفخر الرازي عن الإسلام مع كونه عند علمائكم من الأئمة الأربعة ، هل يناسب هذا لما فهمت من كلامه أن المعين لا يكفر، ولو دعى عبد القادر في الرخاء والشدة ، ولو أحب عبد اللَّه بن عون وزعم أن دينه حسن مع عبادته أبي حديدة ... ،(1/43)
وقال في الرسالة أيضا بعد ذكر من كفره السلف قال : واذكر كلامه في الإقناع وشرحه في الردة كيف ذكروا أنواعا كثيرة موجودة عندكم ، ثم قال منصور البهوتي : وقد عمت البلوى في هذه الفرق وأفسدوا كثيرا من عقائد أهل التوحيد نسأل الله العفو والعافية . هذا لفظه بحروفه ، ثم ذكر قتل الواحد منهم وحكم ماله هل قال واحد من هؤلاء من الصحابة إلى زمن منصور البهوتي إن هؤلاء يكفر أنواعهم(1)لا أعيانهم الدرر السنية ( 10 / 63 ـ 74 ) ،فانظر إلى تكفير الشيخ محمد من عَبَد عبد القادر أعلاه ،
( والطوائف التي ذكرها البهوتي في باب المرتد هي : أهل الحلول والاتحاد ، والرافضة والباطنية والقرامطة ) ،
النص العاشر :
وهي رسالة في تفسير كلمة التوحيد في مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مجلد العقيدة القسم الأول ص363.
قال الشيخ : " وأنت ترى المشركين من أهل زماننا ولعل بعضهم يدّعي أنه من أهل العلم وفيه زهد واجتهاد وعبادة ، إذا مسّه الضر قام يستغيث بغير اللَّه مثل معروف أو عبد القادر الجيلاني ،وأجلِّ من هؤلاء مثل زيد بن الخطاب والزبير ، وأجلِّ من هؤلاء مثل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاللَّه المستعان ، وأعظم من ذلك أنهم يستغيثون بالطواغيت والكفرة والمردة مثل شمسان وإدريس ، ويقال له الأشقر ويوسف وأمثالهم انتهى .
والشاهد : تسميته لمن عبد هؤلاء بالمشركين حيث قال في أول الرسالة "وأنت ترى المشركين ... " الخ ،حيث وصفهم أنهم يستغيثون بغير الله فهل يمكن أن يكونوا مسلمين ويُعطون اسم الإسلام والإيمان وهم يعبدون غير الله هذا مستحيل شرعا فان الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ) ،
النص الحادي عشر :
__________
(1) أي أن الشيخ محمد لا يفرق بين النوع والعين في مسائل الشرك الأكبر والأمور الظاهرة ،وهنا نقل إجماع المسلمين عليه من لدن الصحابة إلى عصر البهوتي مؤلف كتاب الروض المربع 0(1/44)
وهذا النص يعتبر هو مسك الختام الذي يوضح المسألة توضيحاً جيداً ، يتضح فيها أن الشيخ لا يعذر بالجهل في الشرك الأكبر ، وسوف يذكر ذلك في الرسالة، ويُسمى من وقع في الشرك الأكبر جهلاً مشركا إلا في المسائل الخفية ، وعبادة القبور هي من المسائل الظاهرة لا الخفية ، أما التكفير فإذا قامت عليه الحجة وهو من لم تبلغه الدعوة فيكفر وهم الثلاثة ، أما غير الثلاثة فقد قامت عليهم الحجة فيلحقهم اسم الشرك والكفر ،
وهذه الرسالة كتبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب لبعض تلامذته في الدرعية لمّا كان الشيخ في العيينة في أول دعوته ، وتلامذته هم : عيسى بن قاسم ، وأحمد بن سويلم، وهي موجودة في تاريخ نجد ص410.
وتعجب الشيخ محمد بن عبد الوهاب كيف يَشُكُّون في تكفير الطواغيت وأتباعهم، وهل قامت عليهم الحجة أم لا ؟(1/45)
وأنكر الشيخ محمد عليهم لما توقفوا في تكفير(1)الطواغيت وأتباعهم لأنهم جهال لم تقم عليهم الحجة فقال ما ذكرت لكم من قول الشيخ ( ابن تيميه ) كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة فهذا من العجب كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا فإن الذي لم تقم عليه(2)الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرّف وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة .
، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة اللَّه مع قيامها عليهم ، كما قال تعالى : ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )ً.
وقيام الحجة وبلوغها نوع ، وفهمهم إياها نوع آخر ، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها نوع آخر .. " ،
__________
(1) ويجب أن يلاحظ على كلام الشيخ محمد انه أنكر على طلابه عدم إجراء اسم الكفر على الطواغيت ،أما اسم الطواغيت واسم المشركين فهو وهم يُجرونه عليهم ،ولذا دائما انتبه للشيخ عند النفي فهو دقيق فهو ينفي اسم الكفر لااسم الشرك أو اواسم مشركين ،وسوف نكرر هذا الكلام كثيرا حتى يُهضم جيدا ،وهنا الكلام منصب على نفي التكفير فقط أما اسم الإسلام فهو منتف عنهم ولاكرامة
(2) ـ أي لم تقم الحجة في لحوق اسم الكفر المعذب عليه أو الذي يُقتل به ،أما هؤلاء الثلاثة ومعهم من نشأ في بلاد الكفر فهؤلاء إذا فعلوا الشرك لحقهم اسمه لكن لم تقم عليهم الحجة في القتل والقتال والتعذيب ،واسم الكفر 0(1/46)
ثم ذكر أناساً قامت عليهم الحجة لكن لم يفهموها ، فذكر الخوارج ، وذكر الغالية الذين حرّقهم علي، وذكر غلاة القدرية ، ثم قال : " وإذا علمتم ذلك فهذا الذي أنتم فيه ، وهو الشك في أناس يعبدون الطواغيت ويعادون دين الإسلام ويزعمون أنه ردة لأجل أنهم ما فهموا..." انتهى. –
وخلاصة هذه الرسالة :
أن الشيخ أنكر على بعض طلابه التوقف في تكفير الجهال بحجة أنهم ما فهموا ولأنهم جهال ، وأن هذا غلط ، وأفاد طلابه ألاّ يتوقفوا في تكفير( لاحظ لفظ التكفير ) الجهال إلا ثلاثة : من كان حديث عهد بإسلام ، ومن نشأ وعاش في بادية وفي بعض رسائله أضاف شخصاً آخر وهو من نشأ وعاش في بلاد الكفر ، وفي المسائل الخفية ، وبيّن لهم أن عبادة القبور ليست من المسائل الخفية ،
ويجب أن يُفهم أن الشيخ محمد قال بعدم تكفير الثلاثة فنفى عنهم لحوق اسم الكفر لأن هؤلاء الثلاثة لم يسمعوا الحجة ولم تبلغهم أما اسم الشرك واسم المشركين فيلحق هؤلاء الثلاثة ويُسمون مشركين وعابدي غير الله واتخذوا مع الله آلهة ويُنفى عنهم اسم الإسلام ، كل ذلك يلحقهم لانهم يفعلون الشرك فاسمه يتناولهم ويصدق عليهم ،
أما اسم الكفر وأحكام الكفار من القتل والتعذيب فلا يلحقهم لأنه لم تقم عليهم الحجة ،لأن الكفر معناه جحد أو تكذيب للرسول فيكون أتاه خبر الرسول ثم جحده أو كذبه أو عانده أو تولى عنه أو أعرض ،ومعنى أتاه خبر الرسول أي قامت عليه الحجة ،أما اسم الشرك فهو عبادة غير الله وليس له ارتباط بالحجة كما قال ابن تيمية في الفتاوى 20/38-37 وهو مبحث مهم جدا قال اسم المشرك يثبت قبل الرسالة (أي قبل الحجة )لأنه يشرك بربه ويعدل به ،ويجب أن تفهم أن الشيخ إذا قال لا أكفر كذا وكذا أنه ينفي اسم الكفر فقط (وانتبه لهذا التفقيط ) لكن لا يلزم لمن نفى عنه التكفير أنه مسلم أو يُعطى حكم الإسلام أو المسلمين فلا لأن الشيخ يفرق بين ذلك ،(1/47)
وبعد استعرضنا لنصوص الشيخ محمد بن عبد الوهاب اتضح أن الشيخ يكفر بالجهل بعد ظهور دعوته إلا أشخاصاً معينين لا يكفرهم لكن لا يسميهم مسلمين أو موحدين بل مشركين كأهل البادية وحد ثاء العهد ومن عاش ونشا في بلاد الكفر ، وأنه لا يعذر ما عدا ذلك في اسم الكفر أما اسم الشرك لمن يفعله فلا يعذر أحدا لا الثلاثة ولاغيرهم
ويتضح أيضاً أن النصوص التي يفهم منها عدم التكفير أنها تحمل على أنه لم تبلغه الحجة ولكي يتضح الأمر أكثر فأكثر ،(1/48)
ننقل كلام الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن وهو من أحفاد الشيخ ، حيث تعرّض الشيخ إسحاق لهذه القضية في كتابه (تكفير المعين) ص16، ولا غريب فإن أولى الناس أن يفهموا كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب هم طلابه وأحفاده وهم يدركون علم الشيخ أكثر من غيرهم، فقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بعد كلام : " فنذكر من ذلك شيئاً يسيراً لأن المسألة وِفَاقِيَّةٌ ، والمقام مقام اختصار . فلنذكر من كلامه ما ينبهك على الشبهة التي استدل بها من ذكرنا في الذي يعبد قبة الكواز وأن الشيخ توقف في تكفيره ،(لاحظ التوقف في اسم التكفير أما كونه مشركا فلم يتوقف الشيخ فيه لأنه سماه يعبد قبة كذا وكذا ولايمكن أن يعبد غير الله ويُسمى مسلما أبدا لأن الإسلام والشرك ضدان لا يجتمعان)، ونذكر أولاً مساق الجواب ، وما الذي سيق لأجله وهو أن الشيخ محمداً رحمه اللَّه ومن حكى عنه هذه القصة يذكرون ذلك معذرة له عمّا يدعيه خصومه عليه من تكفير المسلمين ،(والشيخ لا يكفر المسلمين لأن كلمة مسلمون كلمة عامة وفيهم من لم تقم عليه الحجة في استحقاق اسم الكفر) وإلا فهي نفسها دعوى لا تصلح أن تكون حجة بل تحتاج لدليل وشاهد من القرآن والسنة ... " الخ . ثم قال في ص19 : " وتوقفه رحمه اللَّه -أي توقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب- في بعض الأجوبة يُحمل على أنه لأمر من الأمور ، وأيضاً فإنه كما ترى توقف مرة كما في قوله : ( وأمَّا من أخلد إلى الأرض فلا أدري ما حاله ) فياللَّه العجب كيف يترك قول الشيخ في جميع المواضع مع دليل الكتاب والسنة وأقوال ابن تيمية وابن القيم ، كما في قوله : من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة" ويقبل في موضع واحد مع الإجمال ... " انتهى .
ومن كلام الشيخ إسحاق يمكن أن نستخلص أمورا :(1/49)
الأمر الأول : أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إذا نفى أنه يكفر عبّاد القبور فإنه يقصد بذلك نفي العموم ، لان فيهم من لم تقم عليه الحجة مثل الثلاثة فلا يسميهم كفارا لكن اسم الشرك والمشركين يلحقهم لانهم يفعلونه ويصدق عليهم فمن عبد القبور عموما يطلق عليه بالعموم مشرك ولا يُستثنى أحد أما اسم الكفر ففيه تفصيل بالنسبة لعباد القبور حسب قيام الحجة ،فالشيخ دقيق في هذه الأسماء ويفرق بينهما باعتبار الحجة كما سوف يأتي أن شاء الله مزيد إيضاح في كلام طلابه صريحا خصوصا كلام الملازمين له،
بمعنى أنه ليس كل فرد عبد القبور يكفر لكن كل فرد عبد القبور يُسمى مشركا بل هناك ثلاثة أفراد يعبدون القبور ولا يكفرون لعدم قيام الحجة لكن ليسوا مسلمين ، وهو حديث عهد ، ومن عاش ونشأ في البادية ، ومن عاش ونشأ في بلاد كفر ، وإذا كفّر كل فرد يعبد القبور فسوف يُدخل هؤلاء الثلاثة ، وفي هذا الإطار يجب أن يفهم كلامه ،
الأمر الثاني أن توقف الشيخ في اسم الكفر لا الشرك في بعض المواضع لأمر ما ، لكن ليس هو الأصل .
الفصل الثاني
الإجابة عن الرسائل والنصوص التي احتج بها من لم يفهم كلام الشيخ محمد بن
عبد الوهاب وهى : (سوف نجعل التعليق إن شاء الله بين قوسين أثناء الكلام )
1ـ النص الأول :
رسالة أرسلها إلى الشريف وهي موجودة في كتاب ( تاريخ نجد ) تحقيق وتهذيب ناصر الدين الأسد ص407، ط: دار الشروق .(1/50)
وهذه الرسالة استغرقت صفحتين ونصف في مقدمتها قال الشيخ : " سألني الشريف عمّا نقاتل عليه وعمّا نكفر به الرجل ، (لاحظ أن السؤال عن التكفير والقتال ) فأجبته : .... " ثم ذكر من يكفره الشيخ وهم أربعة (يأتي في آخر الرسالة سبب التكفير ) ، ثم بعد ذلك انتقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الرد على شبهةٍ أُثيرت ضده ، وهو أنه يكفر بالعموم فألحق هذه المسألة في نفس الرسالة فقال: " وأمَّا الكذب والبهتان فمثل قولهم إنا نكفر بالعموم (لأن التكفير مرتبط بالحجة ولا يُعلم هل الجميع قامت عليهم الحجة أم لا ) ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ، وإنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل ومثل هذا وأضعاف أضعافه ، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين اللَّه ورسوله ، وإن كنا لا نكفر (لاحظ أن النفي للتكفير والقتل له ، أما كونه مشركا فنعم لأنه يعبد غير الله لذا قال يعبد الصنم الذي على القبر ومن عبد الصنم لا يُسمى مسلما ) من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي ، وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم (فالجهل مانع من التكفير والقتل والتعذيب لكن ليس مانعا من لحوق اسم الشرك لهؤلاء لأنه سماهم عُبّاد غير الله ) فكيف نكفر من لم يشرك باللَّه إذا لم يهاجر إلينا ولم يَكفر ويقاتل ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، بل نكفر تلك الأنواع الأربعة لأجل محادتهم لله ورسوله ، ( لانهم عرفوا ،ومن حاد وعاند فقد قامت عليه الحجة فيستحق اسم الكفر ) فرحم اللَّه امرأ نظر لنفسه وعرف أنه ملاق اللَّه الذي عنده الجنة والنار ، وصلى اللَّه على محمد وعلى آله وصحبه وسلم اهـ وقد أجاب عن ذلك عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف وابن سحمان وفي الدرر 10/434 فسروا توقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب في من كان على قبة الكواز وعدم تكفير الوثني حتى يدعوهما فإنه لم يكفر الناس ابتداء إلا بعد قيام الحجة والدعوة لأنه(1/51)
إذ ذاك في زمن فترة وعدم علم بآثار الرسالة ولذلك قال لجهلهم وعدم من ينبههم فأما إذا قامت الحجة فلا مانع من تكفيرهم وإن لم يفهموها ) اهـ ولاحظ أن الكلام في التكفير ، أما نفي الإسلام عنهم فينفيه وإن لم يكفرهم لأنهم يفعلون الشرك واسمه يتناولهم ويصدق عليهم فيلحقهم اسم الشرك ،
النص الثاني :
رسالة قديمة أرسلها وهو في العيينة وكانت في أول الدعوة إلى السويدي العراقي واسمه عبد الرحمن بن عبد اللَّه ، وهو أحد علماء أهل العراق ، موجودة في تاريخ نجد ص320
وهي رسالة رد بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب على بعض تساؤلات السويدي ، وكان السويدي سأل الشيخ عمّا يقول فيه الناس حيث أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يُتهم بتهم منها أنه يكفر جميع الناس ( سبق أن تكلمنا عن هذا التعميم في الرسالة التي قبلها )، فرد الشيخ على هذه التهمة وقال ما نصه : " منها - أي من التهم التي أتهم بها الشيخ محمد وأنكرها- ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة ويا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل ؟ هل يقول هذا مسلم أو كافر؟ أو عارف أو مجنون ؟ " . ثم رد على تهمة هدم قبة النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ، ومسألة إحراق كتاب ( دلائل الخيرات ) ، ثم عاد للرد على تهمة التكفير بالعموم فقال : " وأمَّا التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله ، فهذا هو الذي أكفره(لاحظ لأنه عرف وجحد فاستحق اسم الكفر لان الكفر هو الجحود وهذا جحد )، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك ..." انتهى .(أي ليسوا جاحدين بل أكثرهم إما جهال أو متأولين ولكن لا ينفعهم ذلك في باب الشرك ) فقوله : " فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه " ، وهذه صفة المعاند ، وهذه الرسالة - رسالة السويدي - ذُكرت في كتاب مصباح الظلام في ص43 ،
النص الثالث :(1/52)
رسالة أرسلها إلى محمد بن عيد - أحد علماء مدينة ثر مدا - وهي موجودة في تاريخ نجد ص263 ، وهي رسالة طويلة استغرقت سبع صفحات وهي رسالة جوابية رد بها الشيخ على رسالة لمحمد بن عيد . ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بدايتها أنه عُرف بأربع مسائل وسرد المسائل الأربعة وهي : 1 - أنه بيّن التوحيد . 2 - بيان الشرك3 - أنه يكفر من بان له التوحيد .(لاحظ كلمة بان له أي أنه لا يكفر إلا من عرف وبان له لأن التكفير مرتبط بالحجة ولم يقل أنه ليس مشركا إذا فَعَل الشرك ،فالشرك لا يرتبط بكلمة ـ بان له ـ )
4 - أنه يأمر بقتال من بان له التوحيد (لاحظ وأيضا القتل والقتال مرتبط بالحجة ) والشاهد من ذلك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما قال أنه يكفر من بان له التوحيد قال ما نصه : " والثالثة : تكفير من بان له أن التوحيد هو دين اللَّه ورسوله ثم أبغضه ، ونفّر الناس عنه وجاهد من صدق الرسول فيه ومن عرف الشرك ، وأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بُعث لإنكاره وأقر بذلك ليلاً ونهاراً ثم مدحه وحسّنه للناس وزعم أن أهله لا يخطئون لأنهم السواد الأعظم ، وأمَّا ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن والموالاة ، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة ، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين اللَّه ورسوله..."انتهى. فيُلاحظ من كلام الشيخ خصوصاً السطر الأخير وبالتحديد قوله : " أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة " (فالجاهل الذي لم تقم عليه الحجة ( فاعل الشرك) لا يكفر ولكن لا يسمى مسلما ولا موحدا وفرق بين مسمى الكفر ومتعلقاته وبين مسمى الشرك ومتعلقاته وكما قال ابن تيمية إن الله فرق بين أسماء وأحكام بين ما قبل الرسالة وما بعدها ،الفتاوى 20/-37-38 )
النص الرابع :(1/53)
ما ذكره عنه بعض تلامذته ، فقد ذكر عنه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في كتابه مصباح الظلام ص324 ، حيث تكلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وقال : " إنه لم يكفر (لاحظ النفي للتكفير فقط ) إلا بعد قيام الحجة وظهور الدليل حتى أنه رحمه اللَّه توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من ينبهه ( ومع أنه لم يكفره فقد سماه عابدا للقبر ،ولا يمكن أن يكون عابدا لغير الله ويُسمى مسلما لأن الإسلام والشرك ضدان لا يجتمعان ) ،
وفي كتاب منهاج التأسيس ص187 قال الشيخ عبد اللطيف : " كان شيخنا يُقرر في مجالسه ورسائله أنه لا يكفر إلا من عرف دين الرسول وبعد معرفته تبين في عداوته . وتارة يقول إذا كنا لا نكفر من يعبد قبة الكواز ، ويقول -أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب- في بعضها : وأمَّا من أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ما حاله " .
وقال -أي الشيخ عبد اللطيف- : " حتى إنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير اللَّه من أهل القبور أو غيرهم ، إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها (لاحظ أولا أن النفي للتكفير ، ثم لاحظ أنه قال في هؤلاء الذين نفى عنهم التكفير أنه قال عنهم يعبد قبة كذا أو يدعو غير الله من أهل القبور فهل يُعقل أن يعبدوا غير الله ويُسميهم مسلمين ؟؟ )
واما من أخلد إلى الأرض فلم يسمه كافرا ولا مسلما وتوقف فيه لكن أيضا يسميه مشركا لأنه عبد غير الله فاسم الشرك يصدق عليه ويتناوله ) ،
والخلاصة في كلام الشيخ محمد :
1 ـ أنه لم يُسمِ أي واحد ممن عبد غير الله مسلما أبدا ،
2 ـ أنه نفى مسمى الكفر والقتل فقط لاغير ،
3ـ أنه وصفهم بأنهم يعبدون غير الله ويدعون غيره ، فأثبت لهم صفة المشرك لكن الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة وإن وصفه بكونه مشركا وعابدا لغير الله فلا يسميه ويصفه بالكفر إلا بعد قيام الحجة 0
الفصل الثالث
نقولات توضيحية من كلام طلاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب :(1/54)
أولا المباشرين له الملازمين له (وفيه أحد عشر نقلا ونصا ) :
7ـ عن أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحمد بن ناصر قالوا في الدرر 10/136-138 لما سئلوا أن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرا جهلا منه بذلك فلا تكفرونه حتى تقوم عليه الحجة الرسالية فهل لو قتل من هذا حالة قبل ظهورهذه الدعوة موضوع أولا ؟
فأجابوا قائلين إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله أو عدم من ينبهه لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة ولكن لا نحكم بأنه مسلم(1)بل نقول عمله هذا كفر يبيح المال والدم وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص(2)لعدم قيام الحجة عليه ولا يقال إن لم يكن كافرا فهو مسلم بل نقول : عمله عمل الكفار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة الرسالية وقد ذكر أهل العلم : أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات ولم يجعلوا حكمه حكم الكفار ولا حكم الأبرار ، الدرر10/137،
8 ـ قال الشيخ حسين وعبد الله أبناء محمد بن عبد الوهاب في الدرر السنية 10/142 في من مات قبل هذه الدعوة ولم يدرك الإسلام وهذه الأفعال التي يفعلها الناس اليوم ولم تقم عليه الحجة ما الحكم فيه؟ ،
__________
(1) لاحظ هنا لم يحكم بإسلامه ولا يُسميه مسلما ،
(2) أي باسم الكفر ،واحكام الكفر من القتل أو القتال أو التعذيب ،أما إثبات اسم الشرك له وما يتبعه من عدم الاستغفار له فلم يُنف ،(1/55)
فأجابا أن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفا بفعل الشرك ويدين به ومات على ذلك فهذا ظاهرة أنه مات على الكفر(1)ولا يدعى له ولا يضحى له ولا يتصدق عليه أما حقيقة أمره(2)فإلى الله تعالى فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله تعالى .
( هنا أجازوا كونه في الظاهر على الكفر )
9ـ وقال الشيخ عبد العزيز قاضي الدرعية في الرسائل والمسائل النجدية 5/576 قال في جواب له لما سئل عن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرا جهلا منه بذلك فلا تكفرونه حتى تقوم عليه الحجة ؟
فقال إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله ولعدم من ينبهه لا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة ولكن لا نحكم بأنه مسلم(3)، بل نقول عمله هذا كفر يبيح المال والدم وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص لعدم قيام الحجة عليه ولا يقال إن لم يكن كافرا فهو مسلم بل نقول عمله عمل الكفار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة الرسالية إليه وقد ذكر أهل العلم أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات ولم يجعلوا حكمهم حكم الكفار ولا حكم الأبرار .
__________
(1) لاحظ سمياه قبل مشركا لانه يفعل الشرك ويدين به ،وقوله مات على كفر أي كفر شرك ولذا قالا بعده لايضحى له وهذه أحكام المشركين (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى )
(2) لاحظ لم يسمياه مسلما
(3) لاحظ لم يسميه مسلما ،فضلا عن موحدا فضلا عن مؤمنا 0ولا يلزم من نفي الكفر إثبات انه مسلم ، وهذا في كلامهم جميعا(1/56)
10- أما الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فله كتاب مستقل في ذلك وهو كتاب الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة وهي في الدرر 10/149 في ذكر كلام العلماء المجتهدين أصحاب المذاهب الأربعة فيما يكفر به المسلم ويرتد وأنهم أول ما يبدون في باب حكم المرتد بالكلام في الشرك الأكبر وتكفيرهم لأهله وعدم عذرهم بالجهل ،
فذكر كلام الشافعية وذكر منهم ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر في الكبيرة الأولى ونص على عدم العذر بالجهل في قوله بيان الشرك وذكر جملة من أنواعه لكثرة وقوعها في الناس وعلى السنة العامة من غير أن يعلموا ( أي جهال ) أنها كذلك ونقل كلام النووي في شرح مسلم في الذبح لغير الله تعظيما أنه شرك وصار بالذبح مرتدا (وهذا تعيين لأن المنع من الذبيحة لمعين بها ) ، ونقل كلام أبي شامة في الباعث ،
ونقل كلام صاحب كتاب تبين المحارم في باب الكفر وذكر أنواع من الشرك الأكبر منها من سجد لغير الله أو أشرك بعبادته شيئا من خلقه أنه كفر بالإجماع ويقتل إن أصر على ذلك ، ونقل كلام الشيخ قاسم في شرح الدرر فيمن دعاء غير الله أو نذر له وأنه كفر ، ومن كلام المالكية نقل كلام أبي بكر الطرطوشي وصرح أن الذي يفعل في زمانه من العمد إلى الشجر ونحوه أنه مثل فعل المشركين ،
ثم ذكر كلام الحنابلة ، فذكر كلام ابن عقيل في تكفيره من عظم القبور وخاطب الموتى بالحوائج أنهم كفار بذلك ، ونقل كلام ابن تيمية وابن القيم ووالده وأطال في ذلك في تكفير من أشرك بالله وعدم عذره بالجهل ، اهـ ملخصا(1/57)
11ـ وقال أيضا في الرسائل والمسائل القسم الأول من الجزء الأول (ص79) قال أما من مات وهو يفعل الشرك جهلا لا عناد فهذا نكل أمره(1)إلى الله تعالى ولا ينبغي الدعاء له والترحم عليه والاستغفار له وذلك لأن كثيرا من العلماء يقولون من بلغه القرآن فقد قامة عليه الحجة كما قال تعالى ( لأنذركم به ومن بلغ)
وقد قال قبل ذلك ولكن في أزمنة الفترات(2)وغلبة الجهل لا يكفر الشخص المعين بذلك حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ويبين له ويعرف أن هذا هو الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله فإذا بلغته الحجة وتليت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ثم أصر على شركه(3)فهو كافر بخلاف من فعل ذلك جهالة منه ولم ينبه على ذلك فالجاهل فعله كفر ولكن لا يحكم بكفره(4)إلا بعد بلوغ الحجة فإذا قامت عليه الحجة ثم أصر على شركه فقد كفر ولو كان يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصلى ويزكي ويؤمن بالأصول الستة ..وراجع الدرر 10/274
__________
(1) ولم يسمه مسلما ،ولذا قال بعدها لا ينبغي الدعاء له ولو كان مسلما لما قال ذلك ،بل أعطاه حكم المشركين من عدم الدعاء له
(2) هنا قال الفترات بالجمع ،وهذا مذهب أئمة الدعوة يرون أن زمن الفترات قد يتكرر بعد البعثة وكل زمن غلب فيه الجهل وعظم ولم توجد دعوة قائمة فهو زمن فترة وفي حكمها ،
(3) لاحظ سماه مصرا على الشرك وهو قبل الإصرار أصلا فاعل للشرك فسماه مشركا ونفى عنه اسم التكفير ،
(4) لاحظ نفى التكفير ولا يلزم من نفي التكفير إثبات اسم الإسلام(1/58)
12ـ وقال أيضا الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الرسائل والمسائل القسم الأول من الجزء الأول ص201، قال لما سئل عن من حلف بغير الله جهلا منه أنه شرك لا عنادا ولا معتقدا أن عظمته تساوي عظمة الله فقال الظاهر أن الذي يجهل مثل ذلك يعذر بالجهل(1)لأن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغ الرسالة إلى أن قال وكذلك إذا فعل شيئا من الشرك غير الحلف جهلا منه وخطأ فإذا نبه على ذلك تنبه وتاب ونزع كما جرى لقوم موسى عليه السلام وكما جرى للصحابة الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أجعل لنا ذات أنواط وأما من يفعل ذلك جهلا لا عنادا وماتوا عليه قبل أن يبلغهم أنه شرك هل يحكم بإسلامهم ويرجى لهم العفو من الله والمغفرة وينفعهم استغفار الأحياء لهم؟ فهذه المسألة أحسن الأجوبة فيها أن يقال الله أعلم بهم(2)كما قال موسى عليه السلام لما قيل له ( فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى).
13 ـ ونقل عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الدرر 10/274 إن سؤال الميت والاستغاثة به في قضاء الحاجات وتفريج الكربات من الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله واتفقت الكتب الإلهية والدعوات النبوية على تحريمه وتكفير فاعله والبراءة منه ومعاداته لكن زمن الفترات لا يكفر الشخص المعين بذلك حتى تقوم عليه الحجة الرسالة ويبين له ويعرف أن هذا هو الشرك الأكبر فان أصر على شركه فهو كافر ) باختصار ،
__________
(1) هذا في الشرك الأصغر ،لأن الحلف الذي ذكر هنا شرك أصغر ،
(2) لاحظ لم يسميهم مسلمين وهذا هو الشاهد ،(1/59)
14- قال الشيخ حمد بن ناصر(في الدرر 10/336) وأما من كان يعبد الأوثان ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدين فهذا ظاهره الكفر(1)وإن كان يحتمل انه لم تقم على الحجة الرسالية لجهله وعدم من ينبهه لأنا نحكم على الظاهر وأما الحكم على الباطن فذلك إلى الله والله تعالى لا يعذب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه كما قال تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وأما من مات منهم مجهول الحال(2)فهذا لا نتعرض له ولا نحكم بكفره ولا بإسلامه(3)وليس ذلك مما كلفنا به(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون )
15 ـ وقال أيضا في الدرر 11/75-77 قال إذا تقرر هذا فنقول إن هؤلاء الذين ماتوا قبل ظهور هذه الدعوة الإسلامية وظاهر حالهم الشرك(4)لا نتعرض لهم ولا نحكم بكفرهم ولا بإسلامهم(5).فتاوى الأئمة النجدية 3/99.
16ـ واعتبر الشيخ حمد بن ناصر أن الرافضة كفار أصليين ولا يُعذرون بالجهل ،( الدرر 10/335 ) ،
نقولات من كلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن :
(وهو من الطلاب الذين درسوا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب مباشرة في أول طلبه للعلم في آخر حياة جده )
وله كتب مستقلة في هذا الباب ،فقد عاصر من أثار شبة أن الجهل عذر في الشرك الأكبر أمثال داود بن جرجيس ، وعثمان بن منصور وأمثالهم كما سوف يأتي إن شاء الله وله رسائل خاصة وعامة في هذا الباب ،
__________
(1) لأنه يعبد الأوثان ،والكفر المسمى هنا كفر شرك
(2) لاحظ لم يسميه مسلما مع انه مجهول الحال ولم يسميه مسلما ولا مؤمنا ونفى عنه الكفر ولم يثبت له الإسلام لأنه يعبد الأوثان
(3) لاحظ لم يسميه مسلما فضلا عن مؤمنا فضلا عن موحدا
(4) إذا هم مشركون ، ومن ظاهر حاله الشرك فليس بمسلم
(5) وهنا نفى الكفر والإسلام وبقي يتناوله اسم الشرك لأنهم يفعلونه وماتوا عليه ،(1/60)
17 ـ فمن كتبه(1)في ذلك :كتاب القول الفصل النفيس في الرد على داود بن جرجيس ، و أحيانا يُسمى تأسيس التقديس ،
18 ـ كتاب المورد العذب في كشف شبه أهل الضلال وهى في الدرر9/128،109ط دار الإفتاء ،
19 ـ كتاب إرشاد طالب الهدى في الدرر 8/204،
20ـ الرد على ابن منصور في الدرر 9/،،200،194،187
21ـ رسالة في الرد على شبه من الأحساء في الدرر 9/151،135ط دار الإفتاء ،
22ـ رسالة في شرح أصل الإسلام وقاعدته في مجموعة التوحيد ،
23ـ رسالة في التحذير من التكفير في الدرر 9/179،163ط دار الإفتاء ،
24 ـ قال( في فتاوى الأئمة النجدية 3/155) والمقصود: بيان ما كان عليه شيخ الإسلام وإخوانه من أهل السنة والجماعة من إنكار الشرك الأكبر الواقع في زمانهم وذكرهم الأدلة من الكتاب والسنة على كفر من فعل(2)هذا الشرك أو اعتقده فإنه بحمد الله يهدم ما بناه ( هذا الجاهل المفتري) على شفا جرف هار .
25 ـ وقال 3/162 في جواب لأبن تيمية في الفتاوى المصرية في الفلاسفة بعد ما ذكر ما هم عليه قال فهم أكفر من اليهود ومن النصارى ، فعلّق على فتواه فقال ولم يقل شيخ الإسلام أنهم يعذرون بالجهل(3)بل كفرهم وقال أنهم ارتدوا ، قال ومن أضمره فهو منافق لا يستتاب عند أكثر العلماء .
26 ـ وقال ويقال وكل كافر قد أخطأ والمشركون لا بد لهم من تأويلات ويعتقدون أن شركهم بالصالحين تعظيم لهم ينفعهم ويدفع عنهم فلم يعذروا(4)بذلك الخطأ ولا بذلك التأويل ، فتاوى الأئمة النجدية3/168 .
__________
(1) المرجع في كتب ورسائل الشيخ عبد الرحمن ، كتاب المجدد الثاني (أي عبد الرحمن المذكور )للشيخ خالد الغنيم
(2) لاحظ علق الكفر بفعل الشرك ، ونقل الإجماع عليه
(3) ويقاس عباد القبور على هؤلاء بجامع المخالفة في الضرورات والمعلومة من الدين
(4) هنا لم يعذر المشركين ولا عباد القبور بالتأويل والجهل نوع من التأويل بل لم يحصل التأويل الخاطئ إلا من الجهل(1/61)
27 ـ ونقل عن ابن القيم في طبقات الناس في الطبقة السابعة عشر طبقة المقلدين وجهال الكفار(1)وأتباعهم قال اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع(2)أنه لا يحكم لهؤلاء بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) ولم يعتبر في ذلك غير المربى(3)والمنشأ على ما عليه الأبوان (وقال فما لم يأت العبد بهذا أي التوحيد فليس بمسلم وإن لم يكن كافرا معاند ا فهو كافر جاهل(4)،قاله في مقلدي الكفار) ، فتاوى الأئمة النجدية3/170 0
نقولات من كلام الشيخ عبد الله ابا بطين :
وله كتب في عدم العذر في الشرك الأكبر بالجهل ،
28ـ ومن كتبه المستقلة في ذلك كتاب الانتصار وهو من أهم الكتب في ذلك وقد رد فيه على داود بن جرجيس وأذنابه في ذلك ،
29ـ وله رسائل في تكفير المعين في الشرك الأكبر وعدم عذره بالجهل منها رسالة في الدرر 10/360 في تكفير المعين وعدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر ،
30 ـ وله رسالة أيضا أرسلها إلى إبراهيم بن عجلان في هذا الموضوع في عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر وهي في الدرر 10/376 0
31ـ وقال الشيخ أبا بطين أيضا في الدرر السنية 10/352 فلا عذر لأحد بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في عدم الإيمان به وبما جاء به بكونه لم يفهم حجج الله ،
32ـ ونقل عن ابن تيمية في الدرر السنية 10/355 أنه لم يتوقف في الجاهل ،
__________
(1) أي الأصليين
(2) أي في الكفار الأصليين
(3) أي يُسمى طفلا يهوديا وطفلا نصرانيا وهكذا وسماه يهوديا من اجل المربى والمنشأ أي العمل لانه يعمل عملهم ،واسم اليهودي ونحوه ليس له علاقة بالحجة ،
(4) ولم يكن الجهل مانعا من التكفير(1/62)
33ـ وقال إن من لم يكفر إلا المعاند إذا ارتكب كفرا فهذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة ، في الدرر السنية 10/359 ،
34ـ وقال في الدرر السنية 12/69-70 وقد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو شك في كفرهم ونحن نتيقن أن أكثرهم جهال .
35 - ونقل الشيخ أبا بطين في مجموعة الرسائل والمسائل 1/ 660 ، عن القاضي عياض في كتابه الشفاء في فصل بيان ما هو من المقالات كفر إلى أن قال إن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة غير الله أو مع الله فهي كفر إلى أن قال والذين أشركوا بعبادة الأوثان أو أحد الملائكة أو الشياطين أو الشمس أو النجوم أو النار أو أحد غير الله من مشركي العرب أو أهل الهند أو السودان أو غيرهم إلى أن قال أو أن ثم للعالم صانعا سوى الله أو مدبرا فذلك كله كفر بإجماع المسلمين ) فانظر حكاية إجماع المسلمين على كفر من عبد غير الله من الملائكة وغيرهم . 36- وقال الشيخ أبا بطين في الدرر السنية 12/72-73 ، وفي مجموعة الرسائل 1/659 قال فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولا أو مجتهدا أو مخطئا أو مقلدا أو جاهلا(1)معذور مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك مع أنه لا بد أن ينقض أصله فلو طرد أصله كفر بلا ريب كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك .
__________
(1) هنا لم يعذره بالجهل وما قبله ،واعتبر اعذاره بالجهل تناقض ومخالفة للإجماع(1/63)
37- وقال أيضا في الدرر 10/359 قال فكيف يقول هذا (أي الذي يعذر بالجهل في نواقض التوحيد) في من يشك في وجود الرب سبحانه وتعالى أو في وحدانيته أو يشك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو في البعث بعد الموت فإن طرد أصله في ذلك فهو كافر بلا شك كما قرره موفق الدين أي ابن قدامة في كلامه المتقدم وإن لم يطرد أصله في ذلك فلم لا يعذر بالشك في هذه الأشياء وعذر فاعل الشرك الأكبر المناقض لشهادة إلا إله إلا الله التي هي أصل دين الإسلام بجهله فهذا تناقض ظاهر .
38- قال أبا بطين في الرسائل والمسائل 2/211-213 قال أما حكم من مات في زمان الفترات ولم تبلغه دعوة رسول فإن الله سبحانه أعلم بهم واسم الفترة لا يختص(1)بأمة دون أمة كما قال الإمام أحمد في خطبة على الزنادقة والجهمية : الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة(2)من الرسل بقايا من أهل العلم ، ويروى هذا الفظ عن عمر) ونقل أبا بطين عن ابن القيم الطبقة الرابعة عشر : قوم لا طاعة لهم ولا معصية ولا كفر ولا إيمان(3)قال وهؤلاء أصناف منهم من لم تبلغه الدعوة بحال ولا سمع لها بخبر ومنهم المجنون الذي لا يعقل شيئا ومنهم الأصم الذي لا يسمع شيئا ومنهم أطفال المشركين الذين ماتوا قبل أن يميزوا فاختلفت الأمة في حكم هذا الطبقة وأختار هو ما اختار شيخه ابن تيميه أنهم يكلفون يوم القيامة ونقل ابابطين عن ابن كثير إن القول بالامتحان إن هذا القول حكاة الأشعري عن أهل السنة .
__________
(1) هذه اختياره وعليه أئمة الدعوة أن زمن الفترة يمكن أن يعود مرة أخرى إذا غلب وعظم الجهل ولم يكن قائم بالدعوة
(2) هذا اختيار الإمام احمد أن زمن الفترة في كل زمان
(3) انظر إلى كلام ابن القيم حيث جعل أن هناك من يُوصف ويُنفى عنه الطاعة والمعصية والكفر والأيمان هذه أربعة أمور نفاها ابن القيم عنه لكن لم ينف عنه اسم الشرك والمشركين ولو كان يسميه مسلما لم يقل هذا الكلام(1/64)
39ـ وقال أبا بطين في رسالة الانتصار ص11 وأرسل الله جميع الرسل يدعون إلى التوحيد ومعرفة ضده وهو الشرك الذي لا يغفر ولا عذر لمكلف في الجهل(1)بذلك اهـ
40ـ وقال وأول شئ يبدأ به العلماء في باب حكم المرتد الشرك يقولون من أشرك بالله كفر لأن الشرك عندهم أعظم أنواع الكفر ولم يقولوا إن كان مثله لا يجهله(2)كما قالوا فيما دونه اهـ .
41 ـ ونقل ابا بطين في الدرر 10/392 عن ابن جرير عند تفسير قولة تعالى ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) قال ابن جرير وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور(3)اهـ
42ـ وقال ابا بطين في الدرر السنية 10/393 لما نقل حديث عدي ابن حاتم ما عبدناهم وقال صلى الله عليه وسلم(أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه ..الحديث ) قال أبا بطين فذمهم الله سبحانه وسماهم مشركين مع كونهم لم يعلموا أن فعلهم معهم هذا عبادة لهم فلم يعذروا بالجهل(4)اهـ .
43 ـ وقال لما نقل كلام ابن تيميه الإجماع على أن من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم فيسألهم أنه كافر مشرك يتناول الجاهل(5)وغيره اهـ.وانظر الدرر ايضا 10 /355
__________
(1) وهذا صريح في عدم العذر بالجهل
(2) 35 مكرر كالذي قبله
(3) لاحظ أن هنا اظافة وهوانه اختيار أيضا ابن جرير عدم العذر بالجهل لكن ومع ملاحظة أن الشيخ ابا يطين ذكره بالمعنى عن ابن جرير ،ونص كلام ابن جرير في تفسير سورة الأعراف عند ذكر تلك الآية
(4) وهذا صريح في عدم العذر بالجهل
(5) 37 صريح كالذي قبله مكرر(1/65)
44-وقال أبا بطين في الدرر 12/69- 74 ، وأيضا 10/365) قال فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورا لجهلة فمن الذي لا يعذر ولازم هذه الدعوة أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند مع أن صاحب هذه الدعوة لا يمكنه طرد أصلة بل لا بد أن يتناقض فإنه لا يمكن أن يتوقف في من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو شك في البعث أو غير ذلك من أصول الدين والشاك جاهل وقال ولازم هذا أن لا نكفر جهلة اليهود والنصارى والذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم ولا الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار لأنا نقطع أنهم جهال وقد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو شك في كفرهم ونحن نتيقن أن أكثرهم جهال.
45 – وقال الشيخ أبا بطين في الدرر السنية ( 10 / 394 ، 395 ) قال : وقولك حتى تقوم عليهم الحجة الرسالية من إمام أو نائبه معناه أن الحجة الإسلامية لا تقبل إلا من إمام أو نائبة وهذا خطأ فاحش لم يقله أحد من العلماء بل الواجب على كل أحد قبول الحق ممن قاله كائنا
من كان ومقتضى هذا أن من ارتكب أمرا محرما شركا فما دونه بجهل وبين له من عنده علم بأدلة الشرع أن ما ارتكبه حرام وبين له دليله من الكتاب والسنة أنه لا يلزمه قبوله إلا أن يكون ذلك من إمام أو نائبه وأن حجة الله لا تقوم عليه إلا أن يكون ذلك من الإمام أو نائبه وأظنك سمعت هذا الكلام من بعض المبطلين وقلدته فيه ما فطنت لعيبه وإنما وظيفة الإمام أو نائبه إقامة الحدود واستتابة من حكم الشرع بقتله كالمرتد في بلاد الإسلام وأظن هذه العبارة مأخوذة من قول بعض الفقهاء في تارك الصلاة أنه لا يقتل حتى يدعوه الإمام أو نائبه إلى فعلها والدعاء إلى فعل شيء غير بيان الحجة على خطئه أو صوابه أو كونه حقا أو باطلا بأدلة الشرع فالعالم مثلا يقيم الأدلة الشرعية على وجوب قتل تارك الصلاة ثم الإمام أو نائبه يدعوه إلى فعلها ويستتيبه اهـ .(1/66)
46 – ... وقال الشيخ أبا بطين في مجموعة الرسائل والمسائل ، 1 / 657،( في رسالة له في تكفير المعين الذي أشرك بالله ولو جاهلا ) قال : فالأمر الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع العلماء على أن مثل الشرك بعبادة الله غيره سبحانه كفر فمن ارتكب شيئا من هذا النوع أو حسنه فهذا لا شك في كفره ولا بأس بمن تحققت منه أشياء من ذلك أن تقول كفر فلان بهذا الفعل(1)ويبين هذا أن الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتد أشياء كثيرة يصير بها
المسلم مرتدا كافرا ويستفتحون هذا الباب بقولهم : من أشرك بالله فقد كفر وحكمه أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، والاستتابة إنما تكون مع معين ،
47ـ وقال فيها أيضا : وكلام العلماء في تكفير المعين كثير وأعظم أنواع هذا الشرك عبادة غير الله وهو كفر بإجماع المسلمين ولا مانع من تكفير من اتصف(2)بذلك لأن من زنا قيل فلان زان ومن رابا قيل فلان رابا . اهـ وانظر مجموعة المسائل 1/657
__________
(1) لاحظ علقه بالفعل و أجاز إجراء الاسم عليه
(2) لاحظ ربطه باتصافه بذلك ولم يعذره بالجهل(1/67)
48ـ وقال الشيخ أبا بطين في الدرر10/401 قال : نقول في تكفير المعين ظاهر الآيات والأحاديث وكلام جمهور العلماء يدل على كفر من أشرك بالله فعبد معه غيره ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره(1)قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) وقال تعالى ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وهذا عام في كل واحد من المشركين ، وجميع العلماء في كتب الفقه يذكرون حكم المرتد وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة الشرك فقالوا : إن من أشرك بالله كفر ولم يستثنوا الجاهل(2)، ومن زعم لله صاحبه أو ولدا كفر ولم يستثنوا الجاهل ، ومن قذف عائشة كفر ، ومن استهزأ بالله أو رسله أو كتبه كفر إجماعا لقوله تعالى ( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) ويذكرون أنواعا كثيرة مجمعا على كفر صاحبها ولم يفرقوا بين المعين(3)وغيره ثم يقولون : فمن ارتد عن الإسلام قتل بعد الاستتابة ، فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته ، فالاستتابة بعد الحكم بالردة والاستتابة إنما تكون لمعين ويذكرون في هذا الباب حكم من جحد وجوب واحدة من العبادات الخمس أو استحل شيئا من المحرمات كالخمر والخنزير ونحو ذلك أو شك فيه يكفر إذا كان مثله لا يجهله ولم يقولوا ذلك في الشرك ونحوه مما ذكرنا بعضه بل أطلقوا كفره ولم يقيدوه بالجهل ولا فرقوا بين المعين وغيره وكما ذكرنا أن الاستتابة إنما تكون لمعين ، وهل يجوز لمسلم أن يشك في كفر من قال إن لله صاحبة أو ولدا أو إن جبريل غلط في الرسالة أو ينكر البعث بعد الموت أو ينكر أحدا من الأنبياء ؟ وهل يفرق مسلم بين المعين(4)
__________
(1) أي في مجال الشرك لافرق بين المعين وغيره والتفريق بينهم خلاف كلام هؤلاء الذين ذكرهم
(2) صريح في عدم العذر بالجهل بل ذكر الإجماع عليه
(3) هذه حكاية إجماع في عدم التفريق بين المعين وغيره في الشرك الأكبر بل بدعية ذلك
(4) انظر إلى تشديده على عدم التفريق بين المعين وغيره ،وصرح عن مسالة مهمة في الاستتابة أنها لاتكون إلا مع معين ،فإذا قيل استتابه فافهم أن ذلك مع معين ولابد ثم قال انه لا يقال استتابه إلا لمن سُمي أي جرى عليه اسم الشرك أو الكفر قبل ذلك ولابد(1/68)
وغيره في ذلك ونحوه وقد قال صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه ، وهذا يعم المعين وغيره ، وأعظم أنواع تبديل الدين الشرك بالله وعبادة غيره .. إلى أن قال ونحن نعلم أن من فعل ذلك ( الشرك ) ممن ينتسب للإسلام أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل ، فلو علموا أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد وأنه من الشرك الذي حرم الله لم يقدموا عليه ، فكفرهم جميع العلماء ولم يعذروهم بالجهل(1)كما يقول بعض الضالين : إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال .. إلى أن قال : وأما قول الشيخ ( ابن تيمية ) : ولكن لغلبة الجهل في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيره .. الخ فهو لم يقل أنهم معذورون(2)لكن توقف منه في إطلاق الكفر(3)عليهم قبل التبيين فيجمع بين كلامه بأن يقال : إن مراده إننا إذا سمعنا من إنسان كلام كفر أو وجدناه في كلام بعض الناس المنظوم أو المنثور إننا لا نبادر في تكفير من رأينا منه ذلك أو سمعناه حتى نبين له الحجة الشرعية ، هذا مع قولنا إن هؤلاء الغلاة الداعين للمقبورين أو الملائكة أو غيرهم الراغبين إليهم بقضاء حوائجهم مشركون(4)كفار .
__________
(1) وهذا صريح جدا لاتعليق بعده
(2) هذا قيد مهم
(3) لاحظ اىاسم الكفر فقط ومع ذلك لا يسمون مسلمين لأنهم يفعلون الشرك كما قال قبل كلامه ذلك
(4) لاحظ لم يسمه كافرا لكن سماه مشركا(1/69)
49 – وقال أبا بطين في الدرر ( 10 / 360 ، 375 ) قال : إن قول الشيخ تقي الدين : إن التكفير والقتل موقوف على بلوغ الحجة(1)يدل من كلامه على أن هذين الأمرين وهما التكفير والقتل ليسا موقوفين على فهم الحجة مطلقا بل على بلوغها ففهمها شيء وبلوغها شيء آخر ، فلو كان هذا الحكم موقوفا على فهم الحجة لم نكفر ونقتل إلا من علمنا أنه معاند خاصة ، وهذا بين البطلان بل آخر كلامه رحمه الله يدل على أنه يعتبر فهم الحجة في الأمور التي تخفى على كثير من الناس وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة كالجهل ببعض الصفات
وأما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد والإيمان بالرسالة فقد صرح رحمه الله في مواضع كثيرة بكفر أصحابها وقتلهم بعد الاستتابة ولم يعذرهم بالجهل(2)مع أننا نتحقق أن سبب وقوعهم في تلك الأمور إنما هو الجهل بحقيقتها فلو علموا أنها كفر تخرج من الإسلام لم يفعلوها ...
ثم ذكر أمثلة في كل من غلا في نبي أو صالح فجعل فيه نوعا من الألوهية .. إلى أن قال : ونحو هذه الأقوال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل ..،
__________
(1) انظر إلى فهمهم لكلام ابن تيمية ،وهذا النص يخصص إطلاقا ته في مواضع أخرى
(2) انظر لحكايته كلام ابن تيمية وهو صريح أن ابن تيمية لا يعذر بالجهل في الأمور المناقضة للتوحيد والأيمان بالرسالة أو الأشياء التي هي من خصائص الربوبية كما يأتي(1/70)
إلى أن قال : فانظر إلى قول ابن تيمية لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقل حتى يتبين لهم ونتحقق منهم المعاندة بعد المعرفة .. إلى أن قال : فانظر إلى تفريقه بين المقالات الخفية والأمور الظاهرة فقال في المقالات الخفية التي هي كفر : قد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة فالأمر ظاهر في الفرق بين الأمور الظاهرة والخفية فيكفر بالأمور الظاهرة حكمها مطلقا وبما يصدر منها من مسلم جهله كاستحلال محرم أو فعل أو قول شركي بعد التعريف ، ولا يكفر بالأمور الخفية جهلا كالجهل ببعض الصفات فلا يكفر الجاهل بها مطلقا وإن كان بها داعية كقوله للجهمية : انتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال .
وقوله عندي يبين أن عدم تكفيرهم ليس أمرا مجمعا عليه لكنه اختياره ، وقوله في هذه المسألة خلاف المشهور في المذهب ، فإن الصحيح من المذهب تكفير المجتهد الداعي إلى القول بخلق القران أو نفي الرؤية أو الرفض ونحو ذلك وتفسيق المقلد ،
قال المجد : الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها كمن يقول بخلق القران أو أن علم الله مخلوق أو أن أسماءه مخلوقة أو أنه لا يرى في الآخرة أو يسب الصحابة تدينا أو أن الإيمان مجرد اعتقاد وما أشبه ذلك ، فمن كان عالما بشيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره نص أحمد على ذلك في مواضع ,. اهـ انظر كيف حكموا بكفرهم مع جهلهم(1)والشيخ رحمه الله يختار عدم كفرهم ويفسقون عنده ،
__________
(1) هذا هو الشاهد عدم العذر بالجهل وهو قول من ذكر(1/71)
ونحوه قول ابن القيم رحمه الله فإنه قال : وفسق الاعتقاد كفسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ويحرمون ما حرم الله ويوجبون ما أوجب الله ولكن ينفون كثيرا مما أثبت الله ورسوله جهلا وتأويلا وتقليدا للشيوخ ويثبتون مالم يثبته الله ورسوله كذلك ، وهؤلاء كالخوارج المارقة وكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهم ، وأما غلاة الجهمية فكغلاة الرافضة(1)ليس للطائفتين في الإسلام نصيب ولذلك أخرجهم جماعة من السلف من الثنتين والسبعين فرقة وقالوا : هم مباينون للملة اهـ انتهى كلام ونقل ابا بطين .
قلت : والأقرب التفريق بين زمن ابن تيمية وزمن من قبله من حيث ظهور الحجة وظهور العلم والاختلاف في الاختيارين سببه الاختلاف في الزمانين .وزمن ابن تيمية زمن غلبة جهل وزمن فترة ،
نقولات من كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ
وله كتب في هذا الشأن حيث عاصر أناسا يرون العذر بالجهل في الشرك الأكبر
50ـ ومن أعظم كتبه في ذلك كتاب منهاج التأسيس في الرد على داود بن جرجيس
وله رسائل في ذلك موجودة في الدرر ، و مجموع الرسائل نذكر منها مقتطفات إن شاء الله 51ـ قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن (أهل العلم والإيمان لا يختلفون في أن من صدر منه قول أو فعل يقتضي كفره أو شركه أو فسقه أنه يحكم عليه بمقتضى ذلك وإن كان يقر بالشهادتين )الرسائل والمسائل 3/225 ،
__________
(1) فالسلف كفروا غلاة الجهمية وغلاة الرافضة ،وقاس عليهم ائمة الدعوة عباد القبور بجامع ارتكاب ما علم من الضرورة التكفير به ،والقياس هنا قياس شبه اما مع الرافضة فهو قياس اولى(1/72)
52– قال الشيخ عبد اللطيف في الدرر السنية ( 12 / 260 ، 264 ) قال : وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد رأى كفرا بواحا كالشرك بالله وعبادة ما سواه والاستهزاء به تعالى أو آياته أو رسله أو تكذيبهم أو كراهية ما أنزل الله من الهدى ودين الحق أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله ونحو ذلك ، فالمكفر بهذا وأمثاله مصيب مأجور مطيع لله ورسوله .. إلى أن قال : والتكفير بترك هذه الأصول وعدم الإيمان بها من أعظم دعائم الدين يعرفه كل من كانت له نهمة في معرفة دين الإسلام ... وقال : وما نقله القاضي عن مالك من حمله الحديث عن الخوارج موافق لإحدى الروايتين عن أحمد في تكفير الخوارج واختارها طائفة من الأصحاب وغيرهم لأنهم كفروا كثيرا من الصحابة واستحلوا دمائهم وأموالهم متقربين بذلك إلى الله فلم يعذروهم بالتأويل الباطل لكن أكثر الفقهاء على عدم كفرهم لتأويلهم وقالوا : من استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل كفر وإن كان استحلالهم ذلك بتأويل كالخوارج لم يكفر .
53– وقال الشيخ عبد اللطيف في منهاج التأسيس ص 315 : إن كلام الشيخين ( ابن تيمية وابن القيم ) في كل موضع فيه البيان الشافي أن نفي التكفير بالمكفرات قوليها وفعليها فيما يخفى دليله ولم تقم الحجة على فاعله وأن النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه قبل قيام الحجة وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النزاع بين الأمة وأما دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وقصدهم في الملمات والشدائد فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه أو الحكم بأنه من الشرك الأكبر(1)وتقدم عن الشيخ ( بن تيمية ) أن فاعله يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
__________
(1) انظر إلى فهمهم لكلام ابن تيمية وابن القيم بل نقل الإجماع وانه لا ينازع فيه أحد(1/73)
54– وقال الشيخ عبد اللطيف في المنهاج ( ص 320 ) قال : وكيف لا يحكم الشيخان ( ابن تيمية وابن القيم ) على أحد بالكفر أو الشرك وقد حكم به الله ورسوله(1)وكافة أهل العلم وهذان الشيخان يحكمان أن من ارتكب ما يوجب الكفر والردة والشرك يحكم عليه بمقتضى ذلك وبموجب ما اقترف كفرا أو شركا أو فسقا إلا أن يقوم مانع شرعي يمنع من الإطلاق وهذا له صور مخصوصة لا يدخل فيها من عبد صنما أو قبرا أو بشرا أو مدرا لظهور البرهان وقيام الحجة بالرسل اهـ .
نقولات من كلام الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن
55ـ وله رسالة عظيمة اسمها (تكفير المعين ) في عدم العذر بالجهل وأنه من البدع المحدثة التفريق بين القول والقائل في الشرك الأكبر ،وكل النقل الآتي كله من هذه الرسالة ،وقد ابتلي في عصره بطائفة من أهل الاحساء تعذر بالجهل وينتسبون إلى طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فبين أنهم ليسوا على طريقة الشيخ محمد ولا ابن تيمية ولا ابن القيم ولا غيرهم من السلف ونقل أكثر من إجماع في ذلك ،
56- ومن رسالة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن في حكم تكفير المعين قال فقد بلغنا وسمعنا من فريق ممن يدعي العلم والدين وممن هو بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب أن من أشرك بالله وعبد الأوثان لا يطلق عليه الكفر والشرك بعينه(2)وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض الأخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل دعا النبي صلى الله عليه وسلم و استغاث به فقال له الرجل لا تطلق عليه الكفر حتى تعرفه ، فتاوى الأئمة النجدية 3/116.
__________
(1) انظر نقله عن الكافة وان من عبد صنما أو بشرا كما قال هو انه لا يعذر أبدا بالجهل
(2) هذا صريح جدا في عدم العذر بالجهل ،وهل بعد هذا صراحة(1/74)
57ـ وقال أيضا في كتابه وذلك أن بعض من أشرنا إليه باحثته عن هذه المسألة فقال نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها ومن فيها فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك(1)واعتبر أن هذا القول بدعه ثم قال وذكر الذي حدثني عن هذا أنه سأله بعض الطلبة عن ذلك وعن مستندهم فقال : نكفر النوع ولا نعين الشخص إلا بعد التعريف ومستندنا ما رأيناه في بعض رسائل الشيخ محمد (قدس الله روحه )على أنه امتنع من تكفير من عبد قبة الكواز وعبد القادر من الجهال لعدم من ينبه ،قال ذلك إسحاق على وجه الإنكار على هذا القول الباطل ،
58ـ وقال ومسألتنا هذه وهي : عبادة الله وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة ، وهي أصل الأصول وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول(2)إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفي دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية : كالصرف والعطف ، وكيف يعرفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين(3)ولا يدخلون في مسمى الإسلام وهل يبقى مع الشرك عمل .
59ـ وقال ( ومن يشرك بالله فقد حبط عمله ) إلى غير ذلك من الآيات ولكن هذا المعتقد يلزم منه معتقد قبيح وهو : أن الحجة لم تقم على هذه الأمة بالرسول والقرآن نعوذ بالله من سوء الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب والرسول.
__________
(1) لاحظ ذلك ،وما يأتي بعده انه اعتبره بدعة
(2) لاحظ نسبه للائمة ان التعريف ليس في مسائل الأصول
(3) وهذا صريح ليس بعده صراحة في أن عباد القبور ليسوا مسلمين ولا يعذرون بالجهل(1/75)
60ـ وقال وهذه الشبهة التي ذكرنا قد وقع مثلها أو دونها لأناس في زمن الشيخ محمد رحمه الله ولكن من وقعت له يراها شبهة ويطلب كشفها وأما من ذكرنا فإنهم يجعلونها أصلا ويحكمون على عامة المشركين بالتعريف ويجهّلون من خالفهم فلا يوفقون للصواب
61ـ وقال فتأمل قوله في : تكفير هؤلاء العلماء وفي كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأنه صريح في كلام ابن القيم رحمه الله وفي حكايته عن صاحب الرسالة وحكم عليه بآية المنافقين وأن هذا حكم عام . وقال ثم تجد كثيرا من رؤسائهم وقعوا في هذه الأنواع : فكانوا مرتدين وكثيرا تارة يرتد عن الإسلام ردة صريحة إلى أن قال : وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في الردة كما صنف : الرازي في عبادة الكواكب وهذه الردة عن الإسلام باتفاق المسلمين ( أي ولم يعذره بالتأويل ،والتأويل مثل الجهل في الأحكام بل ما أول إلا جاهل )
62ـ وقال ثم تأمل كلام شيخ الإسلام في حكمه عليهم بالكفر وهل قال : لا يكفرون حتى يعرفوا أو لا يسمون : مشركين(1)بل فعلهم شرك كما قال من أشرنا إليه .
__________
(1) انتبه الى هذا في كلام ابن تيمية ،وهو تسمية من فعل الشرك انه مشرك(1/76)
63ـ وقال ثم تأمل حكاية الشيخ عن شيخ الإسلام في كلامه على المتكلمين ومن شاكلهم : وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها حتى يعرف لكن يكون ذلك في الأمور الظاهرة إلى أن قال : إن اليهود والنصارى والمشركين يعلمون أن محمدا بعث بها وكفر من خالفها مثل : أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سواه من النبيين والملائكة ثم تجد كثيرا من رؤسائهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين إلى أن قال الشيخ : فتأمل كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية وبين ما نحن فيه في كفر المعين وتأمل تكفيره رؤسائهم فقف وتأمل كما قال الشيخ . وقال وقد ذكر الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى في شرح التوحيد في مواضع منه : أن من تكلم بكلمة التوحيد وصلى وزكى ولكن خالف ذلك بأفعاله وأقواله من دعاء الصالحين والاستغاثة بهم والذبح لهم أنه شبيه باليهود والنصارى في تكلمهم بكلمة التوحيد ومخالفتهم ،
64ـ فعلى هذا يلزم من قال بالتعريف للمشركين(1): أن يقول بالتعريف باليهود والنصارى في تكلمهم بكلمة التوحيد ومخالفتها ولا يكفرهم إلا بعد التعريف وهذا ظاهر بالاعتبار جدا .
__________
(1) انظر إلى هذا التلزيم المفحم(1/77)
65ـ وقال أنه سقط السؤال وفرضه في التكفير في المسائل التي وقع فيها نزاع وخلاف بين أهل السنة والجماعة والخوارج والروافض فإنهم كفروا المسلمين وأهل السنة بمخالفتهم فيما ابتدعوه وأصلوه ووضعوه وانتحلوه ما أسقط هذا خوفا من أن يقال دعا أهل القبور وسؤالهم والاستغاثة بهم من هذا الباب ولم يتنازع فيها المسلمون بل هي مجمع على أنها من الشرك المكفر(1)كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيميه وجعلها مما لا خلاف في التكفير بها فلا يصح حمل كلامه هنا على ما جزم هو بأنه كفر مجمع عليه ولو صح حمل هذا العراقي لكان قوله قولا مختلفا وقد نزهه الله وصانه عن هذا فكلامه متفق يشهد بعضه لبعض . وقال فمن اعتقد في بشر أنه إله أو دعا ميتا وطلب منه الرزق والنصر والهداية وتوكل عليه وسجد له فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه . وقال فبطل استدلال العراقي وانهدم من أصله كيف يجعل النهي عن تكفير المسلمين متناولا لمن يدعو الصالحين ويستغيث بهم مع الله ويصرف لهم من العبادات ما لا يستحق إلا الله وهذا باطل بنصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة. وقال وقد سئل عن مثل هؤلاء الجهال فقرر : أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها يكفر(2)بعبادة القبور وأما من أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ما حاله .
__________
(1) انظر الى حكاية الإجماع
(2) لاحظ أن الكلام هل يطلق عليه اسم الكفر ام لا ؟،اما اسم الشرك وانه مشرك فهذا ثابت لم يتعرض له(1/78)
وقال وقد سبق من كلامه ما فيه كفاية مع أن العلامة ابن القيم رحمه الله جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته وتأهلوا لذلك وأعرضوا ولم يلتفتوا ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل فهو عنده من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة رسول من الرسل ، وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم ـ وسيأتيك كلامه ـ وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة أن لا إله إلا الله وبقاء الإسلام ومسماة مع بعض ما ذكره الفقهاء في باب حكم المرتد أظهر من بقائه مع عبادة الصالحين ودعائهم اهـ.
66ـ وقال فتأمل قوله رحمه الله : دعاء القبور وسؤالهم والاستغاثة بهم ليست من هذا الباب ولم يتنازع فيها المسلمون بل مجمع على أنها من الشرك المكفر كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيميه نفسه وجعله مما لا خلاف بالتكفير به. وقال وتفطن أيضا فيما قال الشيخ عبد الطيف فيما نقله عن ابن القيم أن أقل أحوالهم أن يكونوا مثل أهل الفترة الذين هلكوا قبل البعثة ومن لا تبلغه دعوة نبي من الأنبياء إلى أن قال : وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم(1)ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة ألا إله إلا الله اهـ
نقولات من كلام عبد الله وإبراهيم ابناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان:
وقد تكلموا عن ذلك كثيرا وقد عاصروا من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر ،وأكثر من أبلى بلاء حسنا في ذلك الشيخ سليمان بن سحمان حيث ألف كتبا في ذلك منها :
67 ـ كتاب كشف الشبهتين ،
68ـ وكتاب كشف الأوهام والالتباس
__________
(1) لاحظ نفى عنهم الإسلام وهذا هو الشاهد والمهم ومحل النزاع(1/79)
69ـ وكتاب تمييز الصدق من المين ،وهى ثلاثة كتب عظيمة جدا في هذا الباب بل هي تلخيص لكلام أئمة الدعوة في ذلك وهى توضيح لكلام الإمامين الجليلين ابن تيمية وابن القيم
70ـ قال عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان (وأما الجهمية وعباد القبور فلا يستدل بمثل هذه النصوص على عدم تكفيرهم إلا من لا يعرف حقيقة الإسلام 00وقالوا لأن ما قام به من الشرك يناقض ما تكلم به من كلمة التوحيد )
71 ـ ومسلك هؤلاء الأئمة الثلاثة قياس كفر عباد القبور على تكفير السلف للجهمية وعدم عذر السلف للجهمية في التكفير بالجهل 0الدرر 10/ 432،
72ـ وذكر الشيخ عبد الله وإبراهيم أبناء عبد الطيف وسليمان بن سحمان في الدرر
(10/437-433 ) قالوا إن أهل العلم والحديث لم يختلفوا في تكفير الجهمية إلى أن قالوا وقد ذكر شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم في غير موضع أن نفي التكفير بالمكفرات قوليها وفعليها فيما يخفى دليله ولم تقم الحجة على فاعلة وأن النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه قبل قيام الحجة وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النزاع بين الأمة وأما دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وقصدهم في الملمات والشدائد فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه والحكم بأنه من الشرك الأكبر(1)فليس في تكفيرهم وتكفير الجهمية قولان .
73 ـ وفي الدرر 10/434 فسروا توقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب في من كان على قبة الكواز وعدم تكفير الوثني حتى يدعوهما فإنه لم يكفر الناس ابتداء إلا بعد قيام الحجة والدعوة لأنه إذ ذاك في زمن فترة وعدم علم بآثار الرسالة ولذلك قال لجهلهم وعدم من ينبههم فأما إذا قامت الحجة فلا مانع من تكفيرهم وإن لم يفهموها ) اهـ ولاحظ أن الكلام في التكفير ، أما نفي الإسلام عنهم فينفيه وإن لم يكفرهم لأنهم يفعلون الشرك واسمه يتناولهم ويصدق عليهم فيلحقهم اسم الشرك ،
__________
(1) لاحظ حكاية الإجماع وذكر نفي الخلاف بين السلف في تكفير الجهمية وعباد القبور(1/80)
74ـ وقال الشيخ عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان في الدرر السنية ( 10 / 432 ، 435 ) قالوا : وأما الجهمية وعباد القبور فلا يستدل بمثل هذه النصوص ( من صلى صلاتنا ونظائرها من النصوص النبوية ) على عدم تكفيره إلا من لم يعرف حقيقة الإسلام وما بعث الله به الرسل الكرام ، لأن حقيقة ما جاءوا به ودعوا إليه وجوب عبادة الله وحده لا شريك له ، وإخلاص العمل له وألا يشرك في واجب حقه أحد من خلقه وأن يوصف بما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال فمن خالف ما جاءوا به ونفاه وأبطله فهو كافر ضال وإن قال لا اله إلا الله وزعم أنه مسلم لأن ما قام به من الشرك يناقض ما تكلم به من كلمة التوحيد فلا ينفعه التلفظ بقول لا اله إلا الله لأنه تكلم بما لم يعمل به ولم يعتقد ما دل عليه ، وأما قوله : نقول بأن القول كفر ولا نحكم بكفر القائل فإطلاق هذا جهل(1)صرف لأن هذه العبارة لا تنطبق إلا على المعين ،
75ـ وقال الشيخ سليمان بن سحمان في كشف الشبهتين ص64 قال إن الشرك الأكبر من عبادة غير الله وصرفها لمن أشركوا به مع الله من الأنبياء والأولياء والصالحين فإن هذا لا يعذر أحد في الجهل به بل معرفته والإيمان به من ضروريات الإسلام ،
76ـ ونقل ابن سحمان عن شيخه الشيخ عبد الطيف في منهاج التأسيس ص102-105 قال ولذلك حكم على المعينين من المشركين من جاهلية العرب الأميين لوضوح الأدلة وظهور البراهين وفي حديث بني المنتفق (إذا مررت على قبر دوسي أو قرشي فقل إن محمد يبشرك بالنار ) هذا وهم أهل فترة فكيف بمن نشأ من هذه الأمة وهو يسمع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأحكام الفقهية في إيجاب التوحيد والأمر وتحريم الشرك والنهي عنه اهـ
__________
(1) لاحظ لهذا(1/81)
77ـ ونقل عن مشايخه مقررا لهم كما في فتاوى الأئمة النجدية 3/195-196 (وأما مسألة عبادة القبور ودعائهم مع الله فهي مسألة وفاقية التحريم وإجماعية المنع والتأثيم فلم تدخل في كلام الشيخ ( ابن تيميه) لظهور برهانها ووضوح أدلتها وعدم اعتبار الشبهة فيها وقال قد تقدم أن عامة الكفار والمشركين من عهد نوح إلى وقتنا هذا جهلوا وتأولوا وأهل الحلول والاتحاد كابن عربي وابن الفارض والتلمساني وغيرهم من الصوفية تأولوا وعباد القبور والمشركون الذين هم محل النزاع(1)تأولوا إلى أن قال والنصارى تأولت وقال من المعلوم بالضرورة من الدين أن الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان وعلية يستحيل تحت أي شبهة من الشبة أن يكون المشرك مسلما(2)لأن ذلك يؤدي إلى اجتماع النقيضين ووقوع المحال اهـ.
78ـ ونقل الشيخ ابن سحمان في كشف الشبهتين ص92- عن شيخه عبد اللطيف مقررا له قوله : فلا يعذر أحد في عدم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل(3)، وقد أخبر سبحانه بجهل كثير من الكفار ومع تصريحه بكفرهم ..
__________
(1) لاحظ نقل الاجماع من لدن نوح وان الجهل ليس عذرا وان السلف لم يعذروا هذه الطوائف بالجهل وهم خمسة
(2) لاحظ انه قال باستحالة أن يكون المشرك مسلما ولذا يستحيل شرعا أن يكون عباد القبور مسلمين وان نطقوا بالشهادة وصلوا وصاموا ،فكيف بمن قال أن من ذبح لغير الله أو دعا غير الله انه مسلم جاهل فجمع بين النقيضين
(3) لاحظ عدم العذر بالجهل في هؤلاء ومثلهم من لم يؤمن بألوهية الله(1/82)
79ـ وقال في كشف الشبهتين ص 93-94 : أما مسألة توحيد الله وإخلاص العبادة له فلم ينازع في وجوبها أحد من أهل الإسلام ولا أهل الأهواء(1)ولا غيرهم ، وهي معلومة من الدين بالضرورة ، كل من بلغته الرسالة وتصورها على ما هي عليه ، وكذلك الجهمية الذين أخرجهم أكثر السلف من الثنتين والسبعين فرقة .. إلى أن قال : فالشخص المعين إذا صدر منه ما يوجب كفره من الأمور التي هي معلومة من ضروريات دين الإسلام مثل : عبادة غير الله سبحانه وتعالى ومثل جحد علو الله على خلقه ونفي صفات كماله ونعوت جلاله الذاتية والفعلية ومسألة علمه بالحوادث والكائنات قبل كونها ، فإن المنع من التكفير والتأثيم بالخطأ في هذا كله رد على من كفر معطلة الذات ومعطلة الربوبية ومعطلة الأسماء والصفات ومعطلة إفراده تعالى بالإلهية(2)والقائلين بأن الله لا يعلم الكائنات قبل كونها كغلاة القدرية ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية ومن قال بالأصلين النور والظلمة ، فإن من التزم هذا كله فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى ،
80 ـ وقال في كشف الشبهتين ص 95 إن كلام شيخ الإسلام إنما يعرفه ويدريه من مارس كلامه وعرف أصوله ، فإنه قد صرح في غير موضع أن الخطأ قد يغفر لمن لم يبلغه الشرع ولم تقم عليه الحجة في مسائل مخصوصة إذا اتقى الله ما استطاع واجتهد بحسب طاقته ، وأين التقوى وأين الاجتهاد الذي يدعيه عباد القبور والداعون للموتى والغائبين والمعطلون للصانع عن علوه على خلقه ونفي أسمائه وصفاته ونعوت جلاله اهـ
__________
(1) هذا يدل أن أهل الأهواء ملتزمين بالتوحيد وليس من مذهبهم الشرك بالله قبل الرافضة لأنهم هم الوحيدون من أهل الأهواء الذين لم يلتزموا التوحيد وعندهم شرك اكبر
(2) هؤلاء المعطلة الخمسة حكمهم واحد في عدم العذر بالجهل :1ـمعطلة الذات ،2ـ معطلة الربوبية ،3ـ معطلة الأسماء والصفات ،4ـ معطلة إفراده بالعبادة و هؤلاء هم المقصودون 5ـ معطلة علم الله 0(1/83)
81 ـ وقال الشيخ ابن سحمان في كشف الشبهتين ص 79 –80 في ذكر مذهب ابن تيمية في عدم التكفير في المسائل الخفية حتى تقوم الحجة وأما المسائل الظاهرة الجلية المعلومة من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله .
82 ـ وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ، قال جامع الفتاوى في الفهرس هل يعذر بالجهل بالتوحيد ثم قال سئل (أي الشيخ محمد بن إبراهيم )ولو كان جاهلا فقال الشيخ :التوحيد ما فيه جهل ، هذا ليس مثله يُجهل إنما هذا معرض عن الدين يجهل الإنسان الشمس ؟ الفتاوى 12/198 0
نقولات من كلام اللجنة الدائمة وغيرها :
83 ـ في فتوى اللجنة (1/220) أجابوا قائلين كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر ما جاء به في الشريعة إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق يعتبر كافرا مرتدا عن الإسلام مشركا مع الله غيره في العبادة ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده لإتيانه ما ينقض قوله من سجوده لغير الله لكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم وتقام عليه الحجة ويمهل ثلاثة أيام عذرا إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته... فالبيان وإقامة الحجة للاعذار إليه قبل إنزال العقوبة به لا ليسمى كافرا بعد البيان فإنه يسمى كافرا بما حدث منه من سجود لغير الله(1)أو نذره قربه أو ذبحة شاة مثلا لغير الله اهـ
84- وقال الشيخ ابن باز (رحمه الله ) الأمور قسمان قسم يعذر فيه بالجهل وقسم لا يعذر فيه بالجهل فإذا كان من أتى ذلك بين المسلمين وأتى الشرك بالله وعبد غير الله فإنه لا يعذر لأنه مقصر لم يسع ولم يتبصر في دينة فيكون غير معذور في عبادته غير الله . فتاوى ابن باز(ج4/26-27) 0
__________
(1) أما كلام اللجنة وفقهم الله ورحم من مات منهم فهو واضح وضوح الشمس ،ومثله كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بعد هذا الكلام فهو واضح أيضا 0(1/84)
85 ـ وهو قول شيخنا الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله ورعاه 0
مسألة في تاريخ هذه الشبهة :
لم تظهر هذه الشبهة قبل عصر ابن تيمية لأن كل من ادعى العذر فإن اقدم ما يستدل به من الاقوال كلام ابن تيمية انه يعذر ،وهو في عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، اذا ظهرت هذه الشبهة في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب على محورين :1 ـ أناس ضلال أثاروها فرد عليهم في مفيد المستفيد ، 2 ـ أخف لأنها ظهرت في أناس من باب الاشتباه وكانوا يطلبون الحق ،أمثال بعض طلابه في الدرعية ،وفي الاحساء وخمدت
ثم ظهرت في الجيل الثاني في زمن الحفيد عبد الرحمن بن حسن ،تبناها داود بن جرجيس وعثمان بن منصور فتصدى لها الشيخ عبد الرحمن وساعده ابنه عبد اللطيف في مصنفات معروفة ،وساعدهم أيضا الشيخ ابابطين ، ثم ظهرت في الجيل الثالث فتصدى لها الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن والشيخ ابن سحمان في مصنفات وفتاوى وساعد على ذلك أبناء الشيخ عبد اللطيف وهما عبد الله وإبراهيم ، ولازالت موجودة وتتجددكل عصر ،
و هناك في العصر الحاضر من أظهر أن مسألة العذر بالجهل فيها خلاف، ثم يحكي الخلاف على قولين ، وهذا موجود في بعض الكتب المعاصرة ، مع أنه إذا ذكر الخلاف لاينسبه إلى أحد ، وإنما نسبة مطلقة ، و منشأ هذا الفهم هو ظنهم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب له قولان في المسألة حيث نظروا إلى بعض نصوص الشيخ محمد ففهموا منها العذر بالجهل ،
وهومبني على توهم وظن وفهم خاطئ ، وهذا تكلمنا عليه في فصول سابقة وأجبنا عمن فهم هذه النصوص وذكرنا الفهم الصحيح لذلك ،(1/85)
والخلاصة أن حكاية الخلاف في مسالة العذر بالجهل محدث لم يظهر إلا في العصر هذا ،أما العصور السابقة فإنها تذكر على أنها اجتهاد لا يُساق فيه خلاف ، وهذه مثل مسألة من قال إن تكفير الجهمية فيه خلاف على قولين ثم يحكي الخلاف ولا ينسبه إلى أحد إنما هو ظن خاطئ مبني على فهم خاطئ لبعض كلام ابن تيمية ، وهذه ظهرت في عصر الشيخ سليمان بن سحمان فرد عليهم أن المسالة وفاقية في تكفير الجهمية وليس فيها خلاف كما في كتابه رفع الالتباس وكتاب كشف الشبهتين ، وقد نقلنا نصوصه في ذلك في الفصول السابقة ، وأيضا تصدى لذلك عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف ، قالوا : ( وأما دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وقصدهم في الملمات والشدائد فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه والحكم بأنه من الشرك الأكبر فليس في تكفيرهم وتكفير الجهمية قولان )، (النجدية 3/66 ) والله اعلم ،
الفصل الرابع
في نقولات من كلام أهل العلم في مسألة الجهل :
1ـ وفي الصحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوم نوح عليه السلام (فلم نُسى العلم عُبدت ) اهـ فعُبدت وقت الجهل ،فسُمّوا عابدين لغير الله مع جهلهم ،
2ـ في بدائع الصنائع 7/132(كتاب السير ،باب الأحكام التي تختلف باختلاف الدارين قال : فإن أبا يوسف روى عن أبى حنيفة كان يقول لاعذر لأحد من الخلق في جهله معرفة خالقه لأن الواجب على جميع الخلق معرفة الرب سبحانه وتعالى وتوحيده لما يرى من خلق السموات والأرض وخلق نفسه وسائر ما خلق الله سبحانه وتعالى فأما الفرائض فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية اهـ(1/86)
3ـ قال الشيخ عبد اللطيف في مصباح الظلام ص 123 وفي كتاب السنة لعبد الله بن أحمد : حدثني أبو سعيد بن يعقوب الطالقاني أنبانا المؤمل بن إسماعيل سمعت عمارة بن زازان قال :بلغني أن القدرية يحشرون يوم القيامة مع المشركين فيقولون والله ما كنا مشركين فيقال لهم إنكم أشركتم من حيث لاتعلمون اهـ ، لاتعلمون أي جهالا ،
4ـ قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره عن قوله تعالى في سورة الأعراف ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) قال إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله وظُهراء جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى و حق وأن الصواب ما أتوه وركبوه وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية اهـ ونقل ابا بطين عن ابن جرير عند تفسير قولة تعالى ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) قال ابن جرير وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور اهـ الدرر 10/392 وراجع أيضا كلام ابن جرير في سورة الكهف آية 104
5 ـ ابن كثير رحمه الله نقل نفس كلام ابن جرير السابق نقله موافقا عليه ومقررا له عند تفسير الآية المذكورة ،
6ـ قال البغوي رحمه الله عند تفسير نفس الآية المذكورة قال ( وفيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء أهـ(1/87)
7ـ قال البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان في باب المعاصي من أمر الجاهلية قال :ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنك امرؤ فيك جاهلية وقال الله عز وجل ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) ،
8ـ قال ابن منده رحمه الله في كتابه التوحيد 1/314 : باب ذكر الدليل على أن المجتهد المخطئ في معرفة الله عز وجل ووحدانيته كالمعاند ،ثم قال :قال الله تعالى مخبرا عن ضلالتهم ومعاندتهم (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم قي الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )
ثم نقل أثر علي بن أبي طالب لما سُئل عن الأخسرين أعمالا فقال :كفرة أهل الكتاب كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم عز وجل وابتدعوا في دينهم وأحدثوا على أنفسهم فهم يجتمعون في الضلالة ويحسبون أنهم على هدى ويجتهدون في الباطل ويحسبون أنهم على حق ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وقال علي رضى الله عنه منهم أهل حروراء ، ثم ذكر أثر سلمان الفارسي رضى الله عنه لما ذكر للرسول حال النصارى قبل البعثة أنهم كانوا يصومون ويصلون ويشهدون أنك ستبعث فقال الرسول صلى الله عليه وسلم هم من أهل النار ،
9 ـ قال البربهاري رحمه الله في كتابه شرح السنة رقم 49 قال (ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل أو يرد شيئا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يذبح لغير الله أو يصلى لغير الله وإذا فعل شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام وإذا لم يفعل شيئا من ذلك فهو مؤمن مسلم بالاسم لا بالحقيقة اهـ
و نقل قبل ذلك قول عمر رضى الله عنه قال عمر ( لاعذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى ولا في هدى تركه حسبه ضلالة فقد بُينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر ) ،
10ـ قال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/528 ،(1/88)
باب سياق ما روي في تكفير المشبهة قال : تكلم داود الجواربي في التشبيه فاجتمع فيها أهل واسط منهم محمد بن يزيد وخالد الطحان وهشيم وغيرهم فأتوا الأمير وأخبروه بمقالته فأجمعوا على سفك دمه ، ونقل عن يزيد بن هارون قال :الجهمية والمشبهة يستتابون كذا رماهم بأمر عظيم اهـ ونقل عن نعيم بن حماد قال من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، ونقل عن إسحاق بن راهويه قال من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم اهـ
( ومن عبد غير الله فقد شبه الله بخلقه فجعل بعض خلق الله إله يعبد) ،
11ـ وقال القرطبي في تفسيره 7/319 عند آية الميثاق قال في آخرها ( ولا عذر للمقلد في التوحيد ) اهـ
12ـ قال القاضي عياض رحمه الله في كتابه الشفاء في آخره في فصل بيان ما هو من المقالات كفر وما يتوقف أو يختلف فيه وما ليس بكفر ، و أول ما بدأ به قال كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة أحد غير الله أو مع الله فهي كفر اهـ
13ـ قال أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله فيمن دعا صاحب التربة و دس الرقاع على القبور أنه شرك أكبر ،وقد نقل أئمة الدعوة عنه هذا كثيرا على وجه الإقرار له ،قال الشيخ محمد في تاريخ نجد ص266 (وابن عقيل ذكر أنهم كفار بهذا الفعل( أعني دعوة صاحب التربة ودس الرقاع ) وقال الشيخ ابا بطين (تقدم كلام ابن عقيل في جزمه بكفر الذين وصفهم بالجهل فيما ارتكبوه من الغلو في القبور نقله عنه ابن القيم مستحسنا له )الدرر 10/386 ،(1/89)
14ـ قال الشوكاني في إرشاد الفحول في باب الاجتهاد ( ما يكون الغلط فيه مانعا من معرفة الله ورسوله كما في إثبات العلم بالصانع والتوحيد والعدل قالوا فهذه الحق فيها واحد فمن أصابه أصاب الحق ومن أخطأه فهو كافر ) وقال أيضا (ليس مجرد قول لا اله إلا الله من دون عمل بمعناها مثبتا للإسلام فإنه لو قالها أحد من أهل الجاهلية وعكف على صنمه يعبده لم يكن ذلك إسلاما ) الدر النضيد ص 40 ،
15ـ قال ابن فرحون في تبصرة الحكام في باب الردة قال (مسألة ومن عبد شمسا أو قمرا أو حجرا أو غير ذلك فانه يقتل ولا يستتاب )
16ـ قال ابن قدامة في روضة الناظر في باب الاجتهاد قال ( وزعم الجاحظ أن مخالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن إدراك الحق فهو معذور غير آثم وهذا باطل يقينا وكفر بالله تعالى ورد عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فإنا نعلم قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتباعه وذمهم على إصرارهم ونقاتل جميعهم ونقتل البالغ منهم ونعلم أن المعاند العارف مما يقل وإنما الأكثر مقلدة اعتقدوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا معجزة الرسول ثم ذكر آيات في ذلك) 0
17ـ: أما الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فله كتاب مستقل في ذلك وهو كتاب الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة وهي في الدرر 10/149 في ذكر كلام العلماء المجتهدين أصحاب المذاهب الأربعة فيما يكفر به المسلم ويرتد وأنهم أول ما يبدون في باب حكم المرتد بالكلام في الشرك الأكبر وتكفيرهم لأهله وعدم عذرهم بالجهل ،(1/90)
فذكر كلام الشافعية وذكر منهم ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر في الكبيرة الأولى ونص على عدم العذر بالجهل في قوله بيان الشرك وذكر جملة من أنواعه لكثرة وقوعها في الناس وعلى السنة العامة من غير أن يعلموا ( أي جهال ) أنها كذلك ونقل كلام النووي في شرح مسلم في الذبح لغير الله تعظيما أنه شرك وصار بالذبح مرتدا (وهذا تعيين لأن المنع من الذبيحة لمعين بها ) ، ونقل كلام أبي شامة في الباعث ،
ونقل كلام صاحب كتاب تبين المحارم في باب الكفر وذكر أنواع من الشرك الأكبر منها من سجد لغير الله أو أشرك بعبادته شيئا من خلقه أنه كفر بالإجماع ويقتل إن أصر على ذلك ،ونقل كلام الشيخ قاسم في شرح الدرر فيمن دعاء غير الله أو نذر له وأنه كفر ، ومن كلام المالكية نقل كلام أبي بكر الطرطوشي وصرح أن الذي يفعل في زمانه من العمد إلى الشجر ونحوه أنه مثل فعل المشركين ،
ثم ذكر كلام الحنابلة ، فذكر كلام ابن عقيل في تكفيره من عظم القبور وخاطب الموتى بالحوائج أنهم كفار بذلك ، ونقل كلام ابن تيمية وابن القيم ووالده وأطال في ذلك في تكفير من أشرك بالله وعدم عذره بالجهل ، اهـ ملخصا
مسألة : بعد ذكر الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال أهل العلم على عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر ، نذكر ما دل عليه القياس في ذلك وهو نوعان قياس الأولى ،وقياس الشبه
أولا : قياس الأولى :
1ـ إجماع الصحابة على كفر مسيلمة وأتباعه بأعيانهم وعدم عذرهم بالجهل لما ادعى أنه شريك للرسول في النبوة ،ووجه القياس عدم عذره في هذه المشاركة فكيف بمن ادعى مشاركة الله في عبادته هو وأتباعه ،هذا من باب أولى ،
2ـ الإجماع على كفر المختار الثقفي وأتباعه لما ادعى المشاركة في النبوة ، كما قلنا في مسيلمة وأتباعه ، هذا من باب أولى ،(1/91)
3ـ إجماع الصحابة على عدم عذر مانعي الزكاة بالجهل لأنهم منعوا حقا من حقوق لااله إلا الله ،فأولى منه من امتنع عن لااله إلا الله التي هي الأصل ،
4ـ عدم عذر من نكح امرأة أبيه بالإجماع بالجهل بل لم يُستفسر منه لأن الأمر سيان في ذلك ، لأنه غير ملتزم لحقوق لااله إلا الله فكيف بالإله إلا الله ،
ثانيا : قياس الشبه :
1ـ أجمع السلف على كفر أهل الحلول والاتحاد ، لأنهم ادعوا أن الله قد حل في بعض خلقه تعالى الله عن ذلك ،فكذلك يشبهه من ادعى أن الألوهية حلت في الصالحين فعبدهم ،
2ـ إجماع السلف على كفر المشبهة الذين شبهوا الله بخلفه في الأسماء أو الصفات فمثله من شبه أحدا من خلق الله بالله في وصف الألوهية له فعبده من دون الله ،
3ـ إجماع السلف على كفر الجهمية المعطلة وكفر القدرية منكري ومعطلي صفة العلم لله فيشبهه من عطل صفة الألوهية عن الله وأعطاها بعض خلق الله ،
4ـ قياسه قياس شبة على من استهزاء بالله فانه بالإجماع كافر ولا يعذر بجهله والمشرك بإشراكه مستهزئ بالله كما قال السلف قال تعالى ( وسبحان الله وما أنا من المشركين)
مسالة :في اللوازم باطلة :
يلزم على القول بالعذر بالجهل في الشرك الأكبر لوازم باطلة منها
1ـ يلزم إعذار جهلة اليهود والنصارى وعوامهم ،وهذا خلاف الإجماع ،
2ـ يلزم إعذار أهل الفترات أو بعضهم لجهلهم وهذا خلاف الإجماع ،
3ـ يلزم إعذار جهلة المنافقين وعوامهم وهذا خلاف إجماع السلف
4ـ يلزم إعذار كل من أنكر ربوبية الله جهلا وهذا خلاف إجماع السلف
5ـ يلزم إعذار من أنكر علم الله جهلا أو تأويلا ، وهذا خلاف إجماع السلف
6ـ يلزم إعذار من عطل أسماء الله أو صفاته كالجهمية وهذا خلاف إجماع السلف ،
7ـ يلزم على هذا القول أن الحجة لم تقم على أحد من هذه الأمة لا بالرسول ولا بالقرآن(1/92)
قال الشيخ ابن سحمان في توضيح بطلان اللوازم السابقة قال في كتابه كشف الشبهتين (فإن المنع من التكفير والتأثيم بالخطأ في هذا كله (أي الشرك الأكبر ) رد على من كفر معطلة الذات ومعطلة الربوبية ومعطلة الأسماء والصفات ومعطلة إفراده تعالى بالإلهية والقائلين بأن الله لا يعلم الكائنات قبل كونها كغلاة القدرية ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية ومن قال بالأصلين النور والظلمة ، فإن من التزم هذا كله فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى ،اهـ 0
مسألة : حول قصة قوم موسى عليه الصلاة والسلام :
ذكر المصنف رحمه اللَّه قصة أصحاب موسى ، فما هو هدفه من هذه القصة ؟
هدف المصنف من هذه القصة ليبين لك وجوب الخوف من الشرك ، إذ قد يقع الإنسان فيه من حيث لا يشعر ، بل قد يقع فيه وهو رجل صالح عالم ، ولذا قال المصنف : ( خصوصاً إن ألهمك اللَّه ما قص عن قوم موسى ، مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين : { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } (1) فحينئذ يعظم خوفك وحرصك على ما يخلصك من هذا ، وأمثاله ) .
المقطع الثامن :
قال المصنف ( واعلم أن اللَّه سبحانه - من حكمته - لم يبعث نبيا بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء كما قال تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ، يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غروراً } (2) .
وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة ، وكتب وحجج ، كما قال تعالى : { فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم } (3) ) .
عنوان المقطع : كل نبي له أعداء معهم حجج وبراهين .
ملخص هذا المقطع : كل نبي جعل اللَّه له أعداء يعادونه ، ويُثيرون حوله الشبه والإشكالات ، ويقاومونه .
__________
(1) ... الأعراف : 138 .
(2) ... الأنعام : 112 .
(3) ... غافر : 83 .(1/93)
وقصد المصنف من هذه التوطئة أن ما يثار حول هذه الدعوة من شبه وحجج ومقالات ، ضمن هذه السنة ، ولابد أن يوجد ذلك لكل داعية ، أو طالب علم يقوم بهذا الدين ويوجه الناس ، فلابد له من أعداء يقاومونه ، ويُثيرون حوله الشبه، وعندهم قدرات مادية وكلامية ، فيحاربون على الصعيدين المادي والكلامي .
قول المصنف ( لم يبعث نبياً ) أي حتى النَّبِيّ له أعداء ، فمن باب أولى الرسول، لأن النَّبِيّ أعم من الرسول .
قول المصنف ( التوحيد ) أل : للعهد الذكري ، ويقصد به توحيد الألوهية.
قول المصنف ( إلا جعل ) الجعل جعلان :
1 - شرعي يحبه اللَّه ، ودليله قوله تعالى : { جعل اللَّه الكعبة البيت الحرام }(1)، وقوله تعالى : { وجعلها كلمة باقية في عقبه } (2) .
2 - جعل قدري كوني ، ودليله قوله تعالى : { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا}(3) ، وقوله تعالى : { وهو الذي جعل لكم الليل لباساً } (4) .
ولا يلزم أن اللَّه يحبه لكنه مرتبط بالمشيئة ، وقول المصنف (إلا جعل له أعداء): الجعل هنا قدري كوني ، فهي إذن سنة ثابتة في كل زمان ومكان .
قول المصنف : ( له أعداء ) الأعداء جمع عدو وهو : ما يسره ما يسؤك، ويسوءه ما يسرك قال تعالى : { إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها }(5) ، وهذا ضابط العدو.
قول المصنف : ( قال اللَّه تعالى : { وكذلك جعلنا لكلِّ نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً } (6) .
شياطين الإنس والجن وأعداء أهل الصلاح على قسمين : جن وأنس ، يتساعدون في هذا الأمر ، قوله ( زخرف القول ) معهم حجج وأقوال وشبه قد تقبل .
__________
(1) ... المائدة : 97 .
(2) ... الزخرف : 128 .
(3) ... الحجرات : 13 .
(4) ... الفرقان : 47 .
(5) ... آل عمران : 120 .
(6) ... الأنعام : 112 .(1/94)
وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة ، ويقصد بالعلوم الكثيرة هنا : ما في الصدور ، والعلوم المكتوبة . وذكر أن لأعداء الله ثلاثة أشياء 1 ـ علوم كثيرة 2 ـ كتب 3 ـ حجج ، وعطف بعضها على بعض فهل هو عطف الترادف أو التباين أو ماذا ؟ يحتمل هذا ويحتمل هذا ،وليس في السياق ما يرجح أحد الاحتمالين ولا أذكر للمصنف كلام آخر يوضح ذلك وإن كان الأصل في العطف التباين ،
قوله : ( وحجج ) ، أي : العلوم والكتب التي يستدلون لهم بها . والحجج يستدلون بها على دفع الخصم . ثم ذكر الدليل وهو قوله تعالى : (في آخر الآية { من العلم } ) أي التي ذكرها هنا وهى الكتب والحجج ، والعلم الذي عندهم هو العلم الباطل ، فالألف واللام ليست للعموم بل علم الكتب والحجج الباطلة ،.
مسألة : هل يجوز أن يقال إن الكفار عندهم علم وعلماء ؟
نعم يجوز قول أن الكفار عندهم علم وعلماء في باب الدين والثقافة والفكر ، ولكنه علم باطل وعلماء كذلك أهل باطل ،
قضية معاصرة :
أمَّا في عصرنا الحاضر، فتطورت وسائل مقاومة الدين، واستحدثت وسائل جديدة، مثل المؤتمرات العالمية، أو الإقليمية لوضع الخطط والنظريات لمقاومة الدين، ووضع استراتيجيات طويلة المدى للقضاء على الأصولية والتطرف والإرهاب، فتخطيط أهل زماننا أغلظ وأعظم من تخطيط السابقين، ويمكرون ويمكر اللَّه واللَّه خير الماكرين ، ومن أمثلة ذلك، التكاتف لمكافحة ما يسمونه الإرهاب والمد الأصولي .
والحصار الاقتصادي لإضعاف المسلمين ، ومن خططهم استحداث تيارات ترفع شعار الإسلام من أجل الضرب من الداخل لها اطروحات معينة وأهداف منها شق الصحوة ،
المقطع التاسع :(1/95)
قال المصنف ( إذا عرفت ذلك ، وعرفت أن الطريق إلى اللَّه لابد له من أعداء قاعدين عليه ، أهل فصاحة وعلم وحجج ، فالواجب عليك أن تتعلم من دين اللَّه ما يصير سلاحاً لك ، تقاتل به هؤلاء الشياطين ، الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل { لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين } (1) ولكن إذا أقبلت على اللَّه ، وأصغيت إلى حججه وبيِّناته ، فلا تخف ولا تحزن {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً} (2) ) .
عنوان المقطع : ضرورة التسلح بالعلم لمواجهة الأعداء ، أعداء هذا الدين .
الخلاصة : أنه يجب تعلم العلوم التي يرد بها على الشبه، ويسمى علم الردود.
قول المصنف ( إذا عرفت ذلك ) ذلك : اسم إشارة يعود على المقطع الذي قبله، وهو قوله : ( إذا عرفت أن لكل نبي أعداء عندهم حجج وبراهين ) .
وقول المصنف ( وعرفت أن الطريق إلى اللَّه ) ذكر المصنف كلمة : "عرفت" مرتين ، وهذا ليس تكراراً لأن عرفت الأولى غير عرفت الثانية ، وإنَّما عرفت الثانية معرفة زائدة ، هذه المعرفة تتعلق بالطريق أي عرفت أن الطريق إلى اللَّه ، والمعرفة الأولى تتعلق بالنبي واتباعه -أي بالشخص- أن لهم أعداء،
قول المصنف ( لابد له من أعداء ) أي أعداء لك وأعداء لدعوتك أي للطريق فمثلا من دعاء إلى التوحيد والولاء والبراء له أعداء لهذا الطريق هذه المعرفة الأولى : كما أن لكل نبي ، أعداء فكذلك العلماء والدعاة أيضاً .
المعرفة الثانية : التي ذكرها المصنف هنا : الطريق إلى اللَّه ، لابد له من أعداء ، تواجه الصحوة وطريق الصحوة ،
أي إما يعادون العلماء أو يعادون طريقتهم ، والفرق بينهما أنه أحيانا قد يعادونك أنت لكن لا يعادون الطريق وأحيانا يعادون الطريق ولا يعادونك وأحيانا يفعلون الجميع ،
__________
(1) ... الأعراف : 17 .
(2) ... النساء : 76 .(1/96)
قضية معاصرة : أنه لابد من أعداء يسمون اليوم بالعلمانيين ، و يسمون بالحكومات الكافرة و يسمون بالحكومات المرتدة و يسمى النظام العالمي الجديد و يسمى العولمة و العصرنة ،
وقد دل كلامه ، على أن ذلك سُنة لازمة من السنن القدرية ، أن اللَّه قَدَراً جعل على كل طريق خير أعداء يصدون عنه .
قول المصنف : ( قاعدين عليه ) على : للاستعلاء ، وقعودهم عليه قعودٌ أصلي ملازم ، بدلالة كلمة ( عليه ) بمعنى أن عداوتهم ليست طارئة ، وإنَّما أصلية متمكنة ، وهذا فائدة التعبير بالقعود.
قول المصنف ( أهل فصاحة وعلم وحجج ) سبق الحديث عن معنى هذا الكلام في المقطع الذي قبله .
قول المصنف ( فالواجب عليك ) تعريف الواجب : هو ما أُمر به على وجه الإلزام ، وقوله ( عليك ) : الكاف كاف الخطاب ، وعندنا صنفان من الناس :
1 - سائر المسلمين . 2 - العلماء وطلبة العلم . فهل قوله ( عليك ) توجه للجميع ، أو لصنف واحد من الناس ؟.... لنمضي قليلاً ، لنعرف من يقصد بالخطاب ...
قول المصنف ( أن تتعلم من دين اللَّه ما يصير سلاحاً لك ، تقاتل به هؤلاء الشياطين )
فالعلم الذي أوجبه المصنف هنا وقصده ، هو علم الردود لأنه قال ( سلاحاً لك تقاتل ) فإذن كلام المصنف في علم رد الشبه ، وهو مخصوص بالعلماء وطلبة العلم، أمَّا سائر الناس فالواجب عليهم أن يتعلموا ما يصححون به توحيدهم وعبادتهم ، فأصبح العلم علمين:
1 - العلم العيني : أن تتعلم ما يجب عليك في دينك ، وهذا واجب على كل شخص ، وهذا لا يقصده المؤلف .
2 - العلم الكفائي : علم الردود على الشبه وتفنيد الحجج ، وهذا هو علم الدفاع ، وهو واجب على العلماء وطلبة العلم ، وهو فرض كفاية. فقول المصنف : ( فالواجب عليك ) أراد به العالم وطالب العلم .والمؤهل من شباب الصحوة ،
قول المصنف ( أن تتعلم من دين اللَّه ) . من : تبعيضية ؛ لأن دين اللَّه على قسمين باعتبار مادته العلمية :(1/97)
1 - قسم لتصحيح عبادات الناس : كيف يوحدون ؟ وكيف يصلون ؟ ...الخ وهذا واجب على كل إنسان .
2 - قسم علم الردود وتفنيد الشبه : وهو المقصود هنا ، قال تعالى : { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً } (1) .
قول المصنف ( من دين اللَّه ما يصير سلاحاً لك ) .
هدف هذا التعلم أن يكون سلاحاً لك ، فهدفه هجومي وهو مقاتلة هؤلاء الشياطين بالحجة والبرهان .
قول المصنف ( سلاحاً ) : أي سلاحاً معنوياً يقصد به العلم .
قول المصنف ( وتقاتل به هؤلاء الشياطين : الذي قال مقدمهم { لأقعدن لهم صراطك المستقيم ... } (2) الآية ) . ويلزم من ذلك لازم ، وهو الاطلاع على كتب أهل الباطل .
فأصبح الواجب الأول : أن تتعلم من دين اللَّه ما ترد به الشبه .
والواجب الثاني : الاطلاع على كتبهم ، لتعلم ما يقولون فترد عليهم ، بشرط إذا أمن على نفسه ، فلا مانع من الاطلاع على باطلهم للرد عليه ؛ لأنه مقصود لغيره.
قول المصنف ( ولكن ) حرف استدراك للتطمين ، ولكن لا تخف ولا تحزن، قال تعالى : { إن كيد الشيطان كان ضعيفاً } (3)وسبب عدم الخوف من كيد الشيطان ، سببان ذكرهما المصنف :
1 - أنك سوف تجد في كتاب اللَّه حججاً وافية للرد عليهم ، وهذا المقصود من قوله ( وأصغيت إلى حججه وبيناته ) وما عليك إلا أن تُقْبل بإخلاص وتتفهمها فهماً واضحاً .
2 - ضعف كيد الشيطان : وإن كان عنده حجج وبراهين إلا إنه ضعيف ، فلا تخف وهذا مما يشجعك ويجعلك لا تخاف .
قول المصنف ( الشيطان ) أل : للعموم ، فكيد الشيطان ضعيف ولو كان الأمريكان، ولو كان النظام العالمي الجديد ، ولو كان أي تجمع دولي أو إقليمي أو محلي أو عصراني أو رافضي أو الطاغوت ومثقفيه ومنظريه وعسكره ، وهو عام في جميع الجن والإنس ، حتى كيد المتمردين من الإنس ضعيف ، وكذلك كيد المتمردين من الجن ضعيف
__________
(1) ... الفرقان : 33 .
(2) ... الأعراف : 17 .
(3) ... النساء : 76 .(1/98)
الربط بين المقطع التاسع والعاشر :
بعد ما بيَّن المصنف حكم علم الردود ، وأنه واجب على العلماء وطلبة العلم، وأن الردود موجودة في القرآن ، وأن كيد الأعداء ضعيف ،
كل هذا يدل على أنه يجب تعلم العلم ، وخصوصاً علم العقيدة ليرد على الأعداء ، لأن الأعداء عندهم شبه ، ولا يستطيع الرد عليهم إلا بعد أن يتعلم التوحيد ، وهنا تكلم عن العامي ووجّه له بعض النصائح ،
المقطع العاشر :
قال المصنف ( والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء هؤلاء المشركين، كما قال تعالى : { وإن جندنا لهم الغالبون } (1) فجند اللَّه هم الغالبون بالحجة واللسان ، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان ، وإنَّما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح ) ، فالعامي يدخل في قوله (جندنا) .
عنوان المقطع : أن الموحد غالب ولو كان عامياً .
الخلاصة : خاطب العوام هنا فقال إنكم أيضاً غالبون ومنتصرون بما معكم من عقيدة حقه ، ولأنكم من جند اللَّه ، وجند اللَّه غالبون وسوف يوفقكم الله وينصركم ، ونبههم إلى نقطة وهي : أنهم لا يدخلون إلى علم الردود ، لأنه يُخشى عليهم لأنهم لا يتقنونه ، ولا يدخلون أيضاً في معركة كلامية مع أهل الحجج والباطل لأنه يُخشى عليهم.
وكذلك يدخل في هذا المقطع اليوم شباب الصحوة وصغارهم ، فإنهم بحاجة لاستخدام هذه الطريقة للرد على شبه العلمانيين ، والعصرانيين والرافضة والقبورية ،
قال المصنف ( والعامي من الموحدين ) . تعريف العامي مرادف للأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب ، أمَّا العامي في كلام المصنف فيقصد به عامي الموحدين ، وهو الموحد صحيح الاعتقاد ، ولكن ليس عنده علم يدفع به الشُبه ، أو يقدر على الجدال ، والعامي ينقسم باعتباره إلى أقسام :
القسم الأول : عامي الحرف والقراءة : وهو الذي يرادف الأمي عُرْفاً ، وهذا لم يقصده المؤلف .
__________
(1) ... الصافات : 173 .(1/99)
القسم الثاني : عامي الاعتقاد : الذي اعتقاده منحرف، كالذي يعبد غير اللَّه ، وهذا لم يقصده المصنف وإن كان لديه شهادات .
القسم الثالث : عامي الموحدين : وهو من صح توحيده ، لكن لا قدرة له على الجدال ورد الشبه ، وهذا الذي قصد المصنف .
... قول المصنف ( والعامي من الموحدين ) .
(الموحدين) : جمع موحد ، وهو من أفرد اللَّه بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات .
قول المصنف ( يغلب الألف) .
أثبت المصنف له غلبة ، أي أنه يغلب مع أنه لا يقدر على الجدال ، وقوله الألف لبيان الكثرة أي أنه يغلب الكثير من الناس .
والغلبة المثبتة للعامي ثلاثة أشياء :
1 - غلبة بالاعتقاد الصحيح .
2 - غلبة بالتوفيق والثبات ، يوفقه اللَّه سبحانه وتعالى ، وعدوه ذاك يزيغ ، قال تعالى : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}(1)، وقال تعالى : { يثبت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} (2) . وقال تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا }(3) (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )
... فله غلبة باعتقاده الصحيح ، ويوفق .
3 - الغلبة الثالثة حسن العاقبة ، فيُختم له بخاتمة حسنة .
قول المصنف ( من علماء هؤلاء المشركين ) .
وهنا سماهم علماء لكنهم علماء باطل ، ثم ذكر الدليل على أن العامي غالب ، قوله تعالى : { وإن جندنا لهم الغالبون } (4) والدليل هنا أعم من الدعوى ، وهذا صحيح .
جندنا : يشمل العامي ، والعالم ، وطلبة العلم وشباب الصحوة.فجندنا هم الغالبون والغلبة على قسمين :
1 - غلبة الحجة والبيان : وهذه ثابتة لجند اللَّه دائماً ، وفي كل زمان ومكان ، لحديث ( لاتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين )
2 - غلبة السيف والسنان : وهذه ليست دائمة ، وإنَّما أحياناً وأحياناً .
__________
(1) ... الأنعام : 82 .
(2) ... إبراهيم : 27 .
(3) ... العنكبوت : 69.
(4) ... الصافات : 173 .(1/100)
قول المصنف ( وإنَّما الخوف ) بدأ المصنف يحذر العامي صحيح الاعتقاد ، ومثله شباب الصحوة وصغارهم أن دخولهم في جدال مع المنحرفين والزائغين أو العصرانيين ، قد يؤدي بهم إلى الانحراف.
قول المصنف ( على الموحد الذي يسلك الطريق ) أي طريق المجادلة ورد الشبه بدون سلاح .
قول المصنف ( وليس معه سلاح ) وهذا تنبيه للعامي .
ومع ذلك العامي يُخاف عليه من شيء ، ولا يُخاف عليه من شيء .
1 - فلا يُخاف عليه باعتبار ذاته ، أي أنه في الآخرة لا يخلد في النار ، وعند الموت يُثّبت ، وله حسن العاقبة ، قال تعالى : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } (1) .
2 - ويُخاف عليه خوفاً مؤقتاً ، وهو أن يناقش بدون علم ، فيخاف عليه في باب المجادلة والنقاش، ومثله اليوم شباب الصحوة .
المقطع الحادي عشر :
قال المصنف ( وقد منَّ اللَّه علينا بكتابه الذي جعله تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمةً وبُشرى للمسلمين ، فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبيِّن بطلانها ، كما قال تعالى : { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً } (2) .
قال بعض المفسرين : هذه الآية عامة في كل حجة ، يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة ) .
عنوان المقطع : أن القرآن مليء بالردود على أهل الباطل .
الخلاصة : أن القرآن فيه الردود على الشبه والحجج لمن تأمله .
قول المصنف ( إلا وفي القرآن ما ينقضها ) .
1 - ما ينقضها باعتبار الحجة .
2 - تبيين بطلانها باعتبار السامع .
والدليل قوله تعالى : { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً}.
__________
(1) ... الأنعام : 82 .
(2) ... الفرقان : 33 .(1/101)
هذه الآية عامة لكل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة والقرآن فيه ردود وحجج على شبه العلمانيين والحداثيين والقوميين والعصرانيين والرافضة وعباد القبور وعلى الحكام الطغاة وأذنابهم ، وبهذا نكون قد انتهينا من المقدمة التي قدّم بها المصنف رحمه اللَّه ، وندخل الآن في صلب الكتاب وهو كشف الشبهات باستعراض الشبه وكشفها والرد عليها ،
فصل
القسم الثاني من الكتاب
وهو مبني على فرعين :
1 ـ الفرع الأول الرد الإجمالي ( وهو المقطع الثاني عشر)
2 ـ الفرع الثاني الرد التفصيلي على الشبه (وهو المقطع الثالث عشر وما بعده )
الرد الإجمالي وهو المقطع الثاني عشر :
قال المصنف ( وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر اللَّه في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا ، فنقول : جواب أهل الباطل من طريقين : مجمل ، ومفصّل .
أمَّا المجمل : فهو الأمر العظيم ، والفائدة الكبيرة لمن عقلها ، وذلك قوله : {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هُنَّ أم الكتاب وأُخُر متشابهات فأمَّا الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } (1) ، وقد صح عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى اللَّه فاحذروهم " (2) .
مثال ذلك : إذا قال بعض المشركين { ألا إن أولياء اللَّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } (3) وأن الشفاعة حق ، وأن الأنبياء لهم جاه عند اللَّه .
__________
(1) ... آل عمران : 7 .
(2) ... رواه البخاري في التفسير (4547) ، ومسلم في العلم (2665) ، ورواه الترمذي وأبو داود وأحمد والدارمي .
(3) ... يونس : 62 .(1/102)
أو ذكر كلاماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - يستدل به على شيء من باطله ، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره ، فجاوبه بقولك: إن اللَّه ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه ، وما ذكرته من أن اللَّه ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية ، وأنه كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم {هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه} (1) .
هذا أمر محكم بيِّن ، لا يقدر أحد أن يغيّر معناه . وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن ، أو كلام النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، لا أعرف معناه ولكن أقطع أن كلام اللَّه لا يتناقض ، وأن كلام النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يخالف كلام اللَّه .
وهذا جواب سديد ، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه اللَّه ، فلا تستهن به ، فإنه كما قال تعالى : { وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } (2) ) .
والآن يبدأ المصنف في صلب الموضوع ، وهو القسم الثاني من الكتاب ،
عنوان المقطع : قواعد وخطوات في الرد على الشبه :
وتتميز هذه القاعدة بعدة ميزات :
1 - أنها قاعدة تصلح للعوام وقليلي العلم ، وتصلح لشباب الصحوة و صغارهم .
2 - أنها عامة باعتبار المواضيع ، فتصلح في باب العقائد ، وباب الأحكام الفقهية ، وتصلح في الأشخاص ، وتصلح في الجهات ، كجهة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وفي المجاهدين وباب منهج الدعوة ....الخ ،
3 - أن هذه القواعد ليس لها فائدة متعدية ، وإنَّما فائدتها مقصورة على نفس الشخص ، لأن الهدف من هذه القاعدة ، التخلص من إيرادات الخصم ، وفائدتها فائدة دفاعية ، فالخصم لا ينتفع بها ، ولكن المناقََََش ينتفع بها ،لأنها تصد عنه الأعداء وتُسكتهم ،
مضمون هذه القاعدة وضابطها :
__________
(1) ... يونس : 18 .
(2) ... فصلت : 35 .(1/103)
أنه إذا ذكر لك الخصم أشياء ، وأموراً تخالف القطعيات ، أو تخالف الإجماع ، أو تخالف القواعد ، أو تخالف النصوص الصريحة ،والأمور المعهودة ، فاثبت على القطعيات وما عُطف عليها، وانف كلام الخصم نفياً إجمالياً ،
مثل : إنسان يقول إن الذبح ليس شركاً ويورد أدلة ، فتقول في الرد عليه: اقطع قطعاً لا شك فيه أن الذبح لغير اللَّه شرك وان كلامك ليس صحيحا . ورجل قال مثلاً : عمر أفضل من أبي بكر ، فتقول رادا عليه : اقطع أن أبا بكر أفضل من عمر ، وأن كلامك ليس بصحيح. ويأتي مزيد إيضاح في الأمثلة المعاصرة إن شاء الله ،
مثال ذلك :
المثل الذي ذكره المصنف : قال تعالى : { ألا إن أولياء اللَّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون }(1) . يأتي إليك الخصم ويقول الأولياء يُدعون من دون اللَّه ، ويجوز الاستغاثة بهم، ويستدل بهذه الآية ، وقال لك إن الولي له حق ولا خوف عليه .
ماذا يفعل العامي ؟
يرجع إلى الأمور المقطوع بها والمجمع عليها ، ويتمسك بها ، فالنص الصريح : أن دعاء غير اللَّه لا يجوز ، ولا يجوز عبادة غير اللَّه ، ثم تنفي كلامه ، فتقول : أمَّا استدلالك بأنهم يُعْبَدون بهذه الآية غير صحيح ؛ لأن المجمع عليه أنه لا يجوز عبادة غير اللَّه .
المثال الثاني الذي ذكره المصنف : لو قال الخصم والمجادل للعامي : إن الشفاعة حق وإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشفع عند اللَّه ، فهذا يدل على أنه يجوز الاستغاثة بالرسول ، فتقول : اشفع لي يا رسول اللَّه .
جواب العامي : يثبت على القطعيات : أن عبادة غير اللَّه ، والاستغاثة بغير اللَّه لا تجوز بالإجماع ، وأمَّا استدلالك بأنه يجوز الاستغاثة بالرسول لأنه يشفع ، فهذا غير صحيح .
وقولنا : وانف إيراد الخصم نفياً إجمالياً : أي ينفي استنباطاته ، لأن الآية ثابتة والاستنباط غير صحيح .
__________
(1) ... يونس : 62 .(1/104)
مثال آخر : الشبه حول الأشخاص : لو أورد عليك الخصم شبهاً حول أبي بكر أو عمر ، وقال إنه ورد عنه كذا وكذا ، ممَّا لو كان في غير أبي بكر وعمر لكان خطأً .
جواب العامي : يثبت على القطعيات : أن أبا بكر وعمر من أفضل الصحابة ، وأمَّا استدلالك به على تنقيصهم فهذا غير صحيح .
مثال آخر : لو وجدت شخصاً يتهم هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويذكر من أخطائهم وما وقعوا فيه ، وأنت ليس عندك فكرة عَمَّا يقومون به.
جواب العامي : أنه يثبت على الأصل ، أن لهم جهوداً كبيرة وفضل وميزات، ثم ينفي كلامه .
مثال آخر لو قال لك إن المجاهدين إرهابيون ولهم مقاصد سيئة وأنهم يتطلعون للحكم والسلطة ثم تنقصهم ،ولمزهم ، فجواب العامي وشباب الصحوة : أن تنفي كلامه وتقول بل المجاهدون هم وفد اللَّه وأهل الصلاح وما ذكرت عنهم من النيات فليس بصحيح وقل له المعروف عن المجاهدين الصدق والإخلاص وأن لهم علماء يفتونهم بالحق ، أما ما ذكرت من سبهم ولمزهم فهو باطل وطريقة أعداء الدين ،
مثال آخر : عالم معروف بالعلم ، أو طالب علم معروف بالإصلاح والدعوة إلى اللَّه والإخلاص والعقيدة الصحيحة ، ثم ذكر لك بعض هفواته ، فإنك تتمسك بما تعرفه عنه من جهود طيبة وعلم وإخلاص ، وتفند الشبه بالنفي الإجمالي .
مثال آخر:إذا قال لك عصراني إن الحجاب من تقاليد المجتمع ، أو إنه يجوز ، أو إن فيه خلاف بين العلماء فلا حرج بالأخذ بالرخصة ، فقل له : الذي اقطع به أن الإسلام منع السفور والتبرج وصان المرأة من الاختلاط ونحوه وأقطع أن هذه أهواء لكم وأن تتبع الرخص لعب في الدين 0 وهذا ينسحب على جميع تخليطات العصرانيين لا كثرهم الله ،(1/105)
مثال آخر: لو قال لك إن هؤلاء الحكام المتنفذين أهل إسلام ودين ، وأنت ترى من أفعالهم الردة والكفر والشرك ،فقل أقطع إن المحاكم الوضعية كفر وإن الاستحلال ردة وإن محاربة الإسلام وأهله كفر ، أما ما ذكرت من إسلامهم فلا يصح مع هذه الأفعال ،
مثال آخر: إذا قال لك بعض المبطلين لا تتدخل فيما لا يعنيك ( يريد أن لا تنكر المنكرات لا على الناس ولا على الحكام ولا السياسة ) وذكر لك أدلة من المتشابه ، فقل الذي اقطع أن الله أمر بالقيام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وحث على ذلك ،
هذه القاعدة الأولى وهي التي سمّاها المصنف بالرد المجمل .
قال المصنف ( أمَّا المجمل ) .
سُمي مجملاً لأنه صالح لكل شبهة ولكل شخص ، ثم ذكر الآية والحديث في المتشابه به ، ليبين أن إيرادات الخصم وحججه احتمالية غير نصٍ في الموضوع ولذلك أورد الآية، وهؤلاء دائماً يخوضون في الآيات المتشابهة والمحتملة .
ومعنى المتشابه : هو ما يحتاج لبيان ، وما احتمل من التأويل وجوهاً ، أو ما لا يعرف كنهه وكيفيته . ومعنى المحكم : هو ما لا يحتاج لبيان ، وما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً .
كذلك المتشابه والمحكم في الحديث . وفائدة ذكر الآية والحديث -المتفق عليه - كي تفهم أن حُجج أهل الباطل حُجج محتملة غير نص في الموضوع ، وحججهم فيها لف ودوران
ففي المثال الأول : موضوع المتشابه عند الخصم :
هو أنهم يُدعَون من دون اللَّه ، ويُذبح لهم لأنهم أولياء ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ذلك لأن لهم مكانة ، ويُذبح لهم حتى يتوسطوا عند اللَّه بالمغفرة والرحمة.
أمَّا المحكم في الآية : فإن الأولياء المؤمنين لا يرضون بالشرك ، والمحكم قوله: {الذين آمنوا وكانوا يتقون }(1) .
المثال الثاني الذي ذكره المصنف :
أن الشفاعة حق : والذي تمسك به الخصم : إذا كانت الشفاعة حقاً ، فنحن نطلبها من الرسول الذي أعطيها .
قول المصنف ( فجاوبه ).
__________
(1) ... يونس : 63 .(1/106)
أولاً : أن الأخذ بالمتشابه طريق أهل الزيغ .
ثانياً : أن كلام الرسول لا يتناقض مع القرآن ولا يعارضه . وهذا أمر محكم ينبغي على العامي أن يثبت عليه ، لأنه محكم .
قول المصنف ( وهذا جواب سديد ) ، يعني المجمل . سديد : ساد للمكان .
وأخبر المصنف أن هذا الجواب سديد ، ولكن لا يفهمه ويعمل به إلا من وفقه اللَّه ، قال تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا } (1) ، وقال تعالى : {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (2) ، ثم حث المصنف على عدم الاستهانة والاحتقار بهذا الرد الإجمالي ولهذه الطريقة المختصرة في الرد على أهل الباطل ، فقال : ( فلا تستهن به ) ثم استدل على ذلك، وقال : {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } (3) .
الفرع الثاني
الرد التفصيلي على الشبه
المقطع الثالث عشر :
قال المصنف ( وأمَّا الجواب المفصّل : فإن أعداء اللَّه لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه ، منها قولهم : نحن لا نشرك باللَّه ، بل نشهد أنه ...).
عنوان المقطع : الجواب المفصل .
وهذا المقطع هو زبدة الكتاب ، وهو أطول مقطع في الكتاب ، حيث استعرض المصنف الشبه واحدة واحدة ، وردّ عليها ردوداً مفحمة من الكتاب والسنة ، وهي تسع شُبه ،
وهنا مقدمة للشبه الثلاث الأول ، ولماذا قلنا الثلاث الأول ؟ لأن المصنف جمع بينها ورتب بعضها على بعض وسماها الشبه الكبار ، وهي أكبر الشبه عندهم فلابد من ضبطها ومعرفتها معرفة قوية ، وتسلسلها كالتالي :
__________
(1) ... العنكبوت : 69 .
(2) ... الأنعام : 82 .
(3) ... فصلت : 35 .(1/107)
إذا قلت لعباد القبور إن الطلب من الأولياء والصالحين والأموات ليتوسطوا لك وليشفعوا لك عند الله شرك أكبر قالوا ليس بشرك فإنا لا نعتقد فيهم الربوبية إنما هم مجرد واسطة فقط ، لما لهم من الجاه والمكانة ، فإذا قلت له بل هو شرك بدليل كذا ثم ذكرت من الآيات مثل { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى } ، وقوله { هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه}
( وهنا الشبهة الأولى ) قال لك هذه الآيات ليست دليل في المسألة إنما هي فيمن عبد الأصنام والأوثان ( وهنا انتهت الشبه الثانية ) فقل له بل نزلت في كل من طلب من غير الله ثم اذكر آيات في الصالحين مثل { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب }{ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ( قل أتعبدون من دون اللَّه ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً واللَّه هو السميع العليم } (1) . ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ( قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون } (2) .
هنا سيقول لك الكفار يطلبون منهم مباشرة وأنا أطلب بواسطة الصالحين وليس مباشرة ( وهنا انتهت الشبة الثالثة) ، فالشبهة الأولى تبدأ من قوله (نحن لا نشرك بالله ... بل نشهد أنه لا يخلق إلا الله ...ولكن أطلب من الله بهم أي بالصالحين ) والثانية من قوله (هذه الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام ... ) والثالثة من قوله الكفار يريدون منهم ... وأنا أرجو من الله شفاعتهم ..) والذي يهمنا جدا هو التفريق بين الأولى والثالثة لأنهما موضع الاشتباه الشديد ، والتفريق هو التالي : الأولى قولهم إننا نطلب من الله بهم أي هم واسطة وشفعاء فقط أما
__________
(1) ... المائدة :75-76 .
(2) ... سبأ : 40-41 .(1/108)
الثالثة فهم يريدون أن يثبتوا أنهم غير المشركين الأصليين والفرق أن الطلب من الأصليين مباشرة من آلهتهم أما هم فالطلب ليس مباشرة بل بالواسطة ،
وبعد هذا السرد المختصر من أجل تفهيم المسألة ، نعود للتفصيل للشبه الثلاث بشكل تفصيلي فنقول :
الشُبهة الأولى :
مِنْ قول المصنف ( فإن أعداء اللَّه لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه ، منها قولهم : نحن لا نشرك باللَّه بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا اللَّه وحده لا شريك له ، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، فضلاً عن عبد القادر أو غيره ، ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند اللَّه ، وأطلب من اللَّه بهم .
فجاوِبهُ بما تقدم ، وهو : أن الذين قاتلهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مقرون بما ذكرت، ومقرون أن أوثانهم لا تدبّر شيئاً ، وإنَّما أرادوا الجاه والشفاعة ، واقرأ عليه ما ذكر اللَّه في كتابه ووضّحه ) .
موضوع الشبهة الأولى :
أن الطلب من الأولياء على أنهم شفعاء ووسطاء لا يعتبر شركاً ، إذا كان لا يُعْتَقد فيهم الربوبية ولا النفع ولا الضر ولا يُعتقد أنهم يُعطون من ذات أنفسهم ،ولذا قالوا بل نشهد ....( أي اعتقادنا أننا نشهد أنه لا يخلق ....)
مثال ذلك : إذا جاء رجل عند قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : يا رسول اللَّه اشفع لي عند اللَّه ، فعند أهل الباطل لا يسمى مشركا -من قال بهذا القول- بمجرد الطلب، حتى نسأل هذا السائل، ونقول : هل تعتقد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينفع أو يضر أو تعتقد أنه يُعطي من ذات نفسه استقلالا ؟، فإذا قال : لا أعتقد ، بل النافع والضار هو اللَّه ،لكن أطلب من الله بهم فأجعلهم واسطة لي فقط قالوا إذاً ليس دعاؤك هذا شركاً ، وليس ما فعلته شركاً، مادام أنك لا تعتقد فيه الربوبية أو النفع والضر ،(1/109)
مثال آخر : جاء رجل وذبح عند قبر من قبور الأولياء ، لكي يشفع له عند اللَّه ، فعندهم لا يكون مشركاً ، لأنه يعتقد أن النفع والضر بيد اللَّه لا بيد هذا الولي ، وإنما ذبح له لكي يتوسط له عند الله فهو يطلب من الله لكن بهم أي بواسطتهم ،
مثال آخر : لو نذر الإنسان إلى وليّ من الأولياء ، فقال : هذه نقود للولي الفلاني ، فلا يكون مشركا حتى يعتقد أنه ينفع ويضر ، أما مادام يريد وساطته فلا ،
أمَّا عند أهل السنة والجماعة : فإن مجرد الطلب والذبح للولي والنذر شرك أكبر، وهو شرك في الألوهية ، ولو كان لا يعتقد فيه أنه ينفع أو يضر ، أمَّا إن اعتقد أنه ينفع أو يضر ، فقد جمع بين شركين شرك في الألوهية ، وشرك في الربوبية.
وهذا الشبهة أثيرت في عصر الشيخ ، أثارها مجموعة من الخصوم فتبناها رجل اسمه محمد بن عفالق ، توفي سنة 1164هـ ألّف رسالتين للرد على الشيخ ، اسم الرسالة الأولى ( تهكم المقلدين لمدعي تجديد الدين ) ، والرسالة الثانية ( رسالة الرد على ابن معمَّر ) ، وفي ضمن الرسالة هذه الشبهة ،أنه لا يَكْفر إلا إذا اعتقد في الأولياء أنهم يضرون أو ينفعون ، وتبناها رجل اسمه محمد بن عبد المجيد ، مالكي المذهب ألف رسالة اسمها : (الرد على بعض المبتدعين من الطائفة الوهابية)، وأورد هذه الشبهة في رسالته.
خطوات الرد على هذه الشبهة التي ذكرها المصنف :
ذكر المصنف خطوة واحدة وهي : أن تقول إن فعلكم واعتقادكم هذا ، مثل اعتقاد المشركين الذين قاتلهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكفَّرهم ، يطلبون من الله بواسطة الشفعاء مع أنهم كانوا لا يعتقدون فيهم أنهم ينفعون أو يضرون، إنَّما يعتقدون أن النافع والضار هو اللَّه .(1/110)
ويدل عليه قوله تعالى { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى } (1) ، أي ما نعبدهم إلا لهدف واحد ، وهو التقريب لا لأنهم ينفعون أو يضرون ، ولذلك جاءت الآية بأسلوب الحصر ، وهو النفي والإثبات، "ما" : نافية ، و " إلا " : إثبات.
فيكون الرد عليهم بقياس الشَبَه بينهم وبين المشركين الذين قاتلهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - . لأن العلة واحدة ،
قول المصنف ( منها قولهم : نحن لا نشرك باللَّه ) . ومضمون هذا الكلام : أن اتخاذ وسائط إلى اللَّه ليس من الشرك .
قول المصنف ( لا ) : نافية ، نفوا عن أنفسهم الشرك . لماذا نفيتم عن أنفسكم الشرك ؟
قالوا : لأننا نشهد ونقر بأنه لا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا اللَّه ، فهم في اعتقادهم أنهم موحدون ، وهنا يتضح لك مدى معرفتهم بالتوحيد ، وهم يعتقدون أن التوحيد هو الإقرار بالربوبية . وأمَّا أهل السنة والجماعة فالتوحيد عندهم هو إفراد اللَّه بالربوبية والألوهية ، لا بالربوبية فقط .
قول المصنف ( وأن محمداً لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ) .
يعني لا نعتقد فيه الربوبية والنفع والضر عندما جعلناهم واسطة وشفعاء لنا ،.
قول المصنف ( فضلاً عن عبد القادر ) كان موجوداً في العراق ، يُذبح له ويُستغاث به
قول المصنف ( لكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند اللَّه ) . والقصد من هذا الكلام أننا اتخذناهم واسطة بيننا وبين اللَّه ، لما لهم من المكانة والمنزلة والجاه عند الله ،
الرد على هذه الشبهة : فجاوبه بما تقدم ، وهو أن المشركين مقرون بالربوبية ومع ذلك كُفِّروا .
وهناك شبه معاصرة متولدة عن الشبه السابقة : وهي قولهم إن الطلب من الأموات ليس شركا اكبر إنما هو بدعة فقط وينقلون نقولات عن ابن تيمية في ذلك لم يفهموا معنى كلمة بدعة في سياق ابن تيمية ،
__________
(1) ... الزمر : 3 .(1/111)
وقد أثارها بعض المعاصرين أن طلب الدعاء من الأموات إذا كان لم يعتقد فيه الربوبية أن هذا ليس شركاً ، مثل قول : يا حسين ادع اللَّه لي ، أو يا رسول اللَّه ادع اللَّه لي، أو يا ولي اللَّه ادع اللَّه لي ، وأشباهها ، لأنك غير معتقد ذلك ، وإنما هو بدعة غير مكفرة ، واستدل على ذلك بنقل لابن تيمية كما قال في الفتاوى 1/330 ، و 1/354 (1) .
قال ابن تيمية : " وكذلك الأنبياء والصالحون وإن كانوا أحياء في قبورهم وإن قدر أنهم يدعون للأحياء وإن وردت به آثار فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك ولم يفعل ذلك أحد من السلف ؛ لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم من دون اللَّه بخلاف الطلب من أحدهم في حياته فإنه لا يفضي إلى الشرك " اهـ.
وقالوا أن ذلك بدعة لأنه قال ذريعة إلى الشرك فهو ليس شركاً لكن ذريعة إليه وأيضاً نقلوا ما قاله في الفتاوى 1/354 قال : " إنه يفضي إلى الشرك " ، أي أن طلب الدعاء من الميت يفضي إلى الشرك .
الرد عليهم وبيان الأدلة على أنه من الشرك الأكبر :
أولاً : نقل الإجماعات في هذا :
1 - الإجماع الأول :
__________
(1) ... وأيضاً ذكر ذلك ابن تيمية في كتاب ( قاعدة في المحبة ) تحقيق د. محمد رشاد ص190، قال: "فأما مجيء الإنسان إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عند قبره وقوله استغفر لي أو سل لي ربك أو ادعو لي أو قوله في مغيبه يا رسول اللَّه ادع لي ، فهذا لا أصل له ، ولم يأمر اللَّه بذلك ولا فعله أحد من سلف الأمة ... "إلخ ، وفي آخر كلامه جعل هذه الأمثلة هي من باب دعاء الرسول من دون اللَّه .(1/112)
نقله ابن تيمية وهو من جعل بينه وبين اللَّه وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم الشفاعة كفر إجماعاً لأنَّ ذالك كفعل عابدي الأصنام القائلين { ما نعبدهم إلاّ ليقربونا إلى اللَّه زلفى } (1) ، ونقل هذا الإجماع جماعة من أهل العلم إقراراً ، منهم الإقناع وشرحه في باب المرتد والإنصاف وابن مفلح ونقله كذلك محمد بن عبدالوهاب في النواقض العشرة وحفيده سليمان في التيسير.
واسم ( وسائط ) عام يشمل هذه الصورة لأنه جعل الرسول أو الولي المقبور واسطة يدعو له .
2 - الإجماع الثاني :
نقله عبد اللطيف بن عبد الرحمن كما في كتاب دعاوى المناوئين (2) . قال : ولو قال يا ولي اللَّه اشفع لي .. فإن نفس السؤال محرم وطلب الشفاعة منهم يشبه قول النصارى: يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله . وقد أجمع المسلمون أن هذا شرك ، وإذا سألهم معتقدا تأثيرهم من دونه فهو أكبر وأطم . اهـ.
وقوله يا ولي اللَّه اشفع مثل قوله يا ولي اللَّه ادع اللَّه لي لأنه طلب شفاعة من ميت لا يقدر ولا يشفع.
3 - الإجماع الثالث :
نقله أيضاً عبد اللطيف بن عبد الرحمن كما في مجموع الرسائل (3) ، وراجع أيضاً كتاب دعاوى المناوئين (4) ، قال : " أما تكفير من أجاز دعاء غير اللَّه والتوكل على سواه واتخاذ الوسائط بين العباد بين اللَّه في قضاء حاجاتهم وتفريج كرباتهم وإغاثة لهفاتهم وغير ذلك من أنواع عباداتهم فكلامهم - أي العلماء - فيه وفي تكفير من فعله أكثر من أن يحاط به ويحضر وقد حكى الإجماع عليه غير واحد ممن يقتدى به ويرجع إليه من مشايخ الإسلام والأئمة الكرام " اهـ.
الشاهد : قوله " اتخاذ الوسائط " . فإن من قال : يا ولي اللَّه ادع اللَّه لي .. فقد اتخذه واسطة في الدعاء .
4 - إجماع خاص :
__________
(1) ... الزمر : 3 .
(2) ... كتاب دعاوى المناوئين ص296.
(3) ... مجموع الرسائل والمسائل 3/221 .
(4) ... دعاوى المناوئين ص205 .(1/113)
فقد أجمع علماء مكة ونجد عام1343هـ كما جاء في كتاب " البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء نجد من عقائد التوحيد" ، قالوا : ونعتقد أن الشفاعة ملك لله وحده ولا تكون إلاّ لمن أذن اللَّه له ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ولا يرضى اللَّه إلاّ عمن اتبع رسله فنطلبها من اللَّه مالكها ، فنقول : اللهم شفع فينا نبيك مثلاً ، ولا نقول يا رسول اللَّه اشفع لنا فذلك لم يرد به كتاب ولا سنة ولا عمل سلف ولا صدر ممن يثق به المسلمون فنبرأ إلى اللَّه أن نتخذ واسطة تقربنا إلى اللَّه أو تشفع لنا عنده فنكون ممن قال اللَّه فيهم وقد أقروا بربوبيته وأشركوا بعبادته { ويعبدون من دون اللَّه..}(1) .
5- الإجماع الخامس :
ما ذكره حمد بن ناصر بن معمر في الهدية السنية نقله عنه صاحب دعاوى المناوئين(2) ، قال : " ونحن نعلم بالضرورة من النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات ولا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا غيرها بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور وأن ذلك من الشرك الأكبر" اهـ. ومعنى " الاستغاثة ولا غيرها " ، أي : كالتوسل والتشفع علما بأن الشيخ حمد بن ناصر بن معمر قد ألف كتاباً أحياناً يسمى الإرشاد وأحياناً يسمى النبذة الشريفة ، والكتاب في الرد على من قال أن الاستشفاع والتوسل بالأنبياء والصالحين مثل قول يا رسول اللَّه أو يا ولي اللَّه اشفع لي أو ادع لي .. أنه من الشرك الأصغر ، فرد عليه الشيخ حمد منكراً كونه من الشرك الأصغر أفتى أنه من الشرك الأكبر.
6 - الإجماع السادس :
__________
(1) ... يونس : 18 .
(2) ... دعاوى المناوئين ص358 .(1/114)
إجماع السلف قاطبة على أن شرك مشركي العرب هو طلب الشفاعة والوساطة { ما نعبدهم إلاّ ليقربونا إلى اللَّه زلفى } (1) ، { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه } (2) ، ولم يعبدوهم لأنهم يخلقونهم أو يرزقونهم بل للوساطة ، ومن قال للولي المقبور ادع اللَّه لي أو اشفع لي فقد فعل فعل مشركي العرب .
قال سليمان بن عبد اللَّه في كتاب تيسير العزيز الحميد (3) في قوله : { لله الشفاعة جميعاً } وأمثالها من الآيات ، قال : والمقصد أن المشركين الأولين يدعون الملائكة والصالحين ليشفعوا لهم عند اللَّه كما تشهد به نصوص القرآن ، وكتب التفسير والآثار طافحة بذلك اهـ.
ثانياً : عموميات الأدلة الآتية تدل على أن طلب الدعاء من الأمور عند قبورهم داخلة فيها :
1 - قال تعالى : { ولا تدعو من دون اللَّه ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين } (4) .
2 –قال تعالى{ ومن أضل ممن يدعو من دون اللَّه من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين } (5) .
3 - قال تعالى : { إن الذين تدعون من دون اللَّه عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين } (6) ، وقوله : { والذين تدعون من دون اللَّه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون } (7) .
__________
(1) ... الزمر : 3 .
(2) ... يونس : 18 .
(3) ... تيسير العزيز الحميد ص245 .
(4) ... يونس : 106 .
(5) ... الأحقاف : 6 .
(6) ... الأعراف : 194 .
(7) ... الأعراف : 197 .(1/115)
وجه الدلالات من الآيات الثلاث أنك دعوت ميت لا يستجيب ولا ينفع ولا يضر بقولك يا فلان ثم طلبت الوساطة منه فإن قال قائل : هذا نداء وليس دعاء قلنا النداء دعاء ، قال تعالى : { ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له } (1) ، وفي آية أخرى سماه دعاء ، قال تعالى : { فدعا ربه أني مغلوب فانتصر } (2) ، وقال تعالى: {إذ نادى ربه نداء خفياً}(3) ، وقال تعالى : { فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك } (4) .
ومما يؤيد دخول العمومات السابقة أعلاه يؤيده الإجماعات السابقة ، علماً أنه في الدليل الثاني سمى الداعي من الكافرين .
4 - الدليل العام قوله تعالى : { والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير . إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم } (5) ، ومن دعاء الموتى دعاء من لا يستجيب له ثم سماه في آخر الآية كفراً ، وشركاً .
5 - قوله تعالى : { له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلاّ كباسط كفيه إلى الماء } (6) .
6 - قوله تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون اللَّه لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير . ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } الآية(7) .
... وهذا من أصرح الآيات في ذلك ، وهي واضحة أنها في الشفاعة والوساطة لمن دعا الأموات يطلب منهم التوسط عند اللَّه أن هذا لا يملكه الأموات .
7 - قال تعالى : { والذين يدعون من دون اللَّه لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } (8) ، والذي يطلب الدعاء من المقبورين يطلب من أموات غير أحياء لا يشعرون .
ثالثاً : فتاوى بعض العلماء :
__________
(1) ... الأنبياء : 76 .
(2) ... القمر : 10 .
(3) ... مريم : 3 .
(4) ... الأنبياء : 87 .
(5) ... فاطر : 14 .
(6) ... الرعد : 14 .
(7) ... سبأ : 22-23 .
(8) ... النحل : 21 .(1/116)
قبل ذكر ذلك نحب أن ننوّه أن مسألة الطلب من الموتى حدثت من قبل الرافضة وبعد القرون المفضلة ، ولذا قال ابن تيمية : وأما الحجاج إلى القبور والمتخذون لها أوثاناً ومساجد وأعياداً هؤلاء لم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم منهم طائفة تعرف ، ولا كان في الإسلام قبر ولا مشهد يحج إليه ، بل هذا إنما ظهر بعد القرون الثلاثة (1) .
وقال عبد اللطيف بن عبد الرحمن : " إن الاعتقاد في الأموات إنما حدث بعد موت الإمام أحمد ومن في طبقته من أهل الحديث والفقهاء والمفسرين " (2) .
إذا علم ذلك فإنا نجد أغلب فتاوى العلماء في ذلك فيما بعد عصر الإمام أحمد ، فقد تكلم عن ذلك ابن عقيل الحنبلي وكفر من جعل أوضاعاً مثل طلب الحوائج من الموتى ومسألة الرقاع (3) .
ومن فتاوى العلماء :
أولاً ابن تيمية :
فهو أكثر من اهتم بهذا الموضوع وله مؤلفات في ذلك وردود كما في الفتاوى والوسيلة والتوسل والرد على الأخنائي والبكري وقاعدة في الواسطة . واهتمينا بذكر ابن تيمية لأنَّ هناك من ينسب للشيخ ابن تيمية أنه يرى أن طلب الدعاء من الأموات عند قبورهم كقول يا ولي اللَّه ادع اللَّه لي ونحوها أنه من البدع فقط أي ليست من البدع الكبرى المكفرة إنما هي بدعة ووسيلة إلى الشرك وليست شركاً ، والحقيقة أن ابن تيمية له كلام في الفتاوى (4) وفي قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة وفي الأجوبة السبعة قد يفهم منه أنه يرى ذلك بدعة وليس شركاً ، لكن كلامه هذا له تفسير :
والجواب على ذلك في النقاط التالية :
__________
(1) ... الرد على الأخنائي ص66 ، الجواب الباهر ص57 نقلاً عن الدعاء ومنزلته في العقيدة 2/562.
(2) ... مدارج السالكين 1/346 .
(3) ... زاد المعاد 1/527 .
(4) ... انظر : إغاثة اللهفان .. فصل : اتخاذ القبور أعياداً ، ص159 ، ط. دار الفكر.(1/117)
1 - أنه قد يُسمى الشيء بدعة ولا يعني أنه ليس شركاً أكبر ؛ لأن الشرك الأكبر بدعة يدخل في مسماها، ولذا قال في الفتاوى 1/158 : ذَكَرَ طلب الدعاء من الأموات وسماه بدعة وسماه أيضاً شركاً ، فقال : " والمشركون من هؤلاء قد يقولون إنّا نستشفع بهم ، أي نطلب من الملائكة والأنبياء أن يشفعوا ، فإذا أتينا قبر أحدهم طلبنا منه أن يشفع لنا ، ثم ذكر مسألة التماثيل ثم قال : وقد يخاطبون - أي المشركون الذين سماهم في أول النقل - الميت عند قبره سل لي ربك أو يخاطبون الحي وهو غائب ، وذكر مثالاً لذلك مثل : أنا في حسبك واشفع لي إلى اللَّه وسل اللَّه لنا أن ينصرنا ، ثم ذكر أنهم يستدلون بآية { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم...}الآية(1)، إلى أن قال: " فهذه الأنواع في خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم -وقد نقلت في أول النقل كلامهم عند القبور - وفي مغيبهم وخطاب تماثيلهم وهو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين من غير أهل الكتاب ، وفي مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات ما لم يأذن به اللَّه". اهـ. فانظر سماه شركاً أكبر وسماه بدعة .
2 - قال في الفتاوى 1/351 بعدما ذكر مراتب الدعاء قال : " الثانية أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين ادع اللَّه لي أو ادع لنا ربك أو اسأل لنا كما تقول النصارى لمريم وغيرها ، فهذا أيضاً لا يستريب عالم أنه غير جائز وأنه من البدع". اهـ.
فانظر سماه بدعة مع أنه جعله مثل قول النصارى لمريم الذي يعتبر شركاً أكبر.
__________
(1) ... النساء : 64 .(1/118)
3 - وقال في اقتضاء الصراط المستقيم (1) كلاماً صريحاً أن الطلب من الأموات عين الشرك فقال : " فإن كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد نهى عن الصلاة التي تتضمن الدعاء لله وحده خالصاً عند القبور لئلا يفضي ذلك إلى نوع من الشرك بربهم فكيف إذا وجد ما هو عين الشرك من الرغبة إليهم سواء طلب منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات أو طلب منهم أن يطلبوا ذلك من اللَّه " . والشاهد قوله : "أو طُلب منهم أن يطلبوا ذلك من اللَّه " وهي نفس مسألتنا .
4 - يُقال أيضاً : ابن تيمية رحمه اللَّه له رسالة في نفس الموضوع في الوسائط موجودة في الفتاوى 1/121 ، وهي نفسها في مجموعة التوحيد وهي الرسالة السابعة عشرة باسم (قاعدة في الواسطة)، وهي عبارة عن سؤال وجه له عن قول: لابد لنا من واسطة بيننا وبين اللَّه ، فأجاب بكلام طويل استغرق تسع ورقات وهذه الرسالة في صميم الموضوع وفيها تصريح واضح أنه يرى أن اتخاذ الواسطة ، التي منها أن تدعو الميت وتطلب منه أن يدعو لك أن هذا من الشرك ، وسوف ننقل منها مواضع إن شاء اللَّه في نفس الموضوع .
قال في الفتاوى 1/123 : " وإن أراد بالواسطة أنه لابد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم يسألونه ذلك ويرجون إليه فيه ، فهذا من أعظم الشرك الذي كفر اللَّه به المشركين " اهـ.
وهذا النص ليس في المسألة لكن نقلته لأننا سوف نحتاجه بعد قليل .
__________
(1) ... اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ص438، ط. دار الكتاب .(1/119)
وقال في 1/126 : " وإن أثبتهم وسائط بين اللَّه وبين خلقه كالحُجّاب الذين بين الملك ورعيته ، بحيث يكونون هم يرفعون إلى اللَّه حوائج خلقه فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم وهم يسألون اللَّه كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك حوائج الناس لقربهم منهم والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك " اهـ.
والشاهد قوله : فالخلق يسألونهم وهم يسألون اللَّه ، بعدما ذكر قبلها الهداية والرزق وصورة هذه المسألة أن يقول : يا فلان - الميت المقبور - اسأل اللَّه لي بالرزق وادع لي بالهداية ، وهي نفس مسألتنا ، أما النقل الأول فالفائدة منه للرد على من ظن أن قول ابن تيمية السابق الذي احتج به من جعله بدعة فقط ، حيث قال ابن تيمية لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم ، فظن قوله ذريعة إلى الشرك أنه ليس شركاً ، لكنه ذريعة إليه ، فنقول ابن تيمية في النقل الأول 1/123 قال بعدما قال أنهم واسطة وصورته يا فلان - الميت المقبور - أغثني أو اكشف كربتي ، قال : "يسألونه ذلك ويرجعون إليه فيه ، فهذا من أعظم الشرك " اهـ. أي أن هناك شرك وهو قوله : يا فلان ادع اللَّه لي وهناك شرك أعظم منه أن يقول يا فلان اكشف كربتي لأن الأول جعله واسطة ، أما الصورة الثانية سأله مباشرة ولم يجعله واسطة ، والثاني أعظم ، فإذاً الأول شرك يفضي إلى شرك أعظم منه.
وهذا معنى كلامه لا أن طلب الدعاء من الأموات ليس شركاً لكن يفضي إلى شرك، فهو في صورة يا فلان - الميت المقبور - ادع اللَّه لي ذريعة إلى أن يطلب منه مباشرة يا فلان اهدني بدل ادع اللَّه لي بالهداية .(1/120)
ولذا يجب أن يفهم كلام ابن تيمية متكاملاً والأخذ بكلامه في جميع المواضع يوضح لك أنه يكفر بالوسائط التي منها طلب الدعاء من الأموات ، ولذا قال ابن سحمان في الصواعق المرسلة (1) بعدما نقل كلام ابن تيمية وهما النقلان اللذان نقلنا في 1/123 ، 126 ، قال بعدها بعدما رد على من يبيح السؤال على سبيل التوسط قال : " والشيخ ( أي ابن تيمية ) رحمه اللَّه في جميع كلامه ( هذا الشاهد ) جزم بأن فاعل ذلك ( أي بالوسائط ) كافر مشرك
ثم يقال أيضاً : لماذا يؤخذ كلام ابن تيمية في موضع واحد وفيه إجمال ويترك كلامه الصريح الواضح في كتبه الأخرى اهـ.
هذا فيما يتعلق بما قاله ابن تيمية وننتقل الآن إلى نقولات أخرى في هذا الباب للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في كتابه مصباح الظلام حيث تكلم عن هذه المسألة وهي مسألة طلب الدعاء من الأموات وعدها من الشرك الأكبر وأنها لا تختلف عن طلب الشفاعة بل هي جزء منها إذ أن طلب الدعاء من الميت في الحقيقة طلب أن يشفع لك ويتوسط لك عند اللَّه في أمر من الأمور التي تريدها سواء أكانت في الدنيا أم الآخرة دينية أم دنيوية ، والنقول كالتالي :
أ - قال في ص251 في رده على من قال : يجوز طلب الشفاعة من الرسول وغيره قال : " وحاصل كلام هذا الرجل تقريره أن الطلب من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أو غيره ممن له شفاعة أو قرب أو جاه يسوغ ولا يكره ولا يحرم لأنه ليس بشرك بل هو من جنس سؤال الأحياء من الآدميين ما يستطيعونه من الأسباب العادية ، وهذا هو المقصود إلى أن قال : " ومن قال بأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد موته أولى بالمسألة والطلب منه في حال حياته الدنيوية وأن ما جاز طلبه في الحياة يطلب من بعد الممات ، فقد فتح باب الشرك والتنديد وصرف عن توحيد اللَّه العزيز الحميد لأن هذا هو قول الصابئة المشركين ومذهب الجاهلية الأميين اهـ .
__________
(1) ... الصواعق المرسلة لابن سحمان ص148 .(1/121)
فانظر كيف جعل الطلب من الرسول بعد الموت ما يجوز طلبه في الحياة وهو الدعاء أنه من الشرك الأكبر .
ب - ونقل في ص258 : أن قول القائل يا فلان ( الميت ) ادع اللَّه لي بالهداية مثل قوله يا فلان ( الميت ) اهدني في الحكم ، لأنك في كلا الصورتين سألت فلان الميت ما لا يملك ولا يقدر عليه ، والقاعدة : " أن من سأل الأموات ما لا يقدرون ومالا يملكون فقد أشرك شركاً أكبر " ؛ لأنك سألتهم ما يملكه اللَّه وهم لا يملكونه، فقال : " أما تخصيص المعترض هداية القلوب وشفاء المريض وإنبات النبات وطلب الذرية ونحو ذلك بالمنع فهذا من جهله فإن الأسباب العادية التي يستطيعها الإنسان في حياته تنقطع بموته كما في الحديث : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله " (1) ، وبذلك تصير ملحقة في الحكم والشرع بما لا يستطيع في حياته كهداية القلوب وشفاء المريض وإنبات النبات وطلب الذرية فلا فرق بين قول الرجل للمسيح بعد رفعه أعطني كذا وكذا من القوت ونحوه ، وقوله : اهد قلبي واغفر ذنبي ، وقد تقدم أن قول يا والدة المسيح اشفعي لنا عند الإله ، شرك بإجماع المسلمين ولو طلب منها في حياتها أن تشفع بالدعاء والاستغفار كما كان يفعله -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أصحابه لم يمنع ذلك " اهـ. فانظر إلى حكاية الإجماع فإنها مهمة .
وانظر أول الكلام ثم انظر قوله : " تشفع بالدعاء " فجعل طلب الدعاء يدخل في مسمى طلب الشفاعة .
__________
(1) ... رواه الترمذي في كتاب الأحكام (ح1297) ، ورواه أيضاً النسائي في كتاب الوصايا (ح3591).(1/122)
ثم أيضاً ابن تيمية له كلام في الشفاعة وأنه يكفر بها نقله عنه محمد بن عبدالوهاب في كتاب التوحيد في آخر باب الشفاعة، قال ابن تيمية : " نفى اللَّه عما سواه كل ما يتعلق به المشركون ، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه ، أو يكون عونا لله ولم يبقى إلاّ الشفاعة فبين أنها لانتفع إلاّ لمن أذن له الرب كما قال : {ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى} (1) ، فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة ..."اهـ.
فانظر إلى نفيه لطلب الشفاعة وتسميته أن المتعلق بها( المشركون) والتي يظنها المشركون .
فظهر من ذلك أن قوله ( أي قول ابن تيمية ) أنها بدعة لا يلزم أنه ليس بدعة مكفرة ، بل إنه بدعة مكفرة ، كما ذكر ذلك في مواضع سبقت نقلناها.
ولا سيما وأن ابن تيمية نقل الإجماع على أن جعل الوسائط شرك أكبر ، فكون الشخص يفسر كلام ابن تيمية بعضه ببعض هذا أولى من اقتطاع بعض كلامه دون بعض ، ومثله جعل كلامه يخالف الإجماع ، كل ذلك لا يليق وليس من إحسان الظن بهذا الإمام العلامة الجليل ابن تيمية.
ثانياً : ابن القيم :
وله كلام كثير في ذلك ذكره في إغاثة اللهفان ومدارج السالكين .. قال رحمه اللَّه (2) :
" ومن أنواعه - أي الشرك - طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم وهذا أصل شرك العالم ، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فضلاً عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته أو سأله أن يشفع له إلى اللَّه فيها"اهـ. والشاهد ما تحته خط .
وقال أيضاً رحمه اللَّه تعالى (3) : " فأبى المشركون إلاّ دعاء الميت ، والإشراك به والإقسام على اللَّه به وسؤاله الحوائج والاستعانة به والتوجه إليه " اهـ. والشاهد قوله "التوجه إليه " وهي التشفع والتوسل وسماهم مشركين في أول كلامه .
__________
(1) ... الأنبياء : 28 .
(2) ... مدارج السالكين 1/346 .
(3) ... زاد المعاد 1/527 .(1/123)
وقال أيضاً رحمه اللَّه (1) :
" فقلب هؤلاء المشركون الأمر وعكسوا الدين وجعلوا المقصود بالزيارة الشرك بالميت ودعاءه والدعاء به " اهـ. فسماهم مشركين بالدعاء به وهي مسألة الواسطة.
وقال أيضاً رحمه اللَّه تعالى (2) : " فبدل أهل البدع والشرك قولا غير الذي قيل لهم، بدلوا الدعاء له بدعائه نفسه ، والشفاعة له بالاستشفاع به"اهـ. فسماهم مبتدعة ومشركين بالاستشفاع به .
ثالثاً : أما أئمة الدعوة :
فهذا بالإجماع ، يرون أن طلب الدعاء من الأموات من الشرك الأكبر .
مسالة : قد يقول قائل : إن طلب الدعاء من الأموات هو طلب فقط وليس دعاء:
نقول : التسمية وتغييرها مع وجود حقيقة الدعاء لا يغير من الأمر شيئاً ، والطلب دعاء ، فإن الطلب و الدعاء أو النداء من العبادة .
رابعاً : مناقشات وتناقضات :
ثم نوجه أسئلة لمن طلب الدعاء من الأموات عند قبورهم ، حيث جعله إما بدعة فقط وليس شركاً أو جعله شركاً أصغر فقط .. نوجه له عدة أسئلة :
السؤال الأول : ما الحكم لو أن رجلاً ذبح لصاحب القبر ولم يتكلم بأي كلمة، إنما ذبح له فقط عند قبره ، ويريد بهذا الذبح في قرارة نفسه أن يتوسط له المقبور عند اللَّه . ما الحكم ؟
يقولون هو شرك أكبر لأنه ذبح لغير اللَّه . قلنا : ما الفرق بين الذبح والطلب أو الدعاء كلاهما عبادة صرفت لغير اللَّه ، فبدل أن يذبح له لكي يشفع له نادى ودعاه ليشفع له .
السؤال الثاني : ما هو شرك المشركين ؟ أليس منه أنهم يطلبون التوسط من الأصنام والأوثان ، وينادونها لتشفع وتتوسط لهم عند اللَّه ، كما قال تعالى : {هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه} (3) ، فما الفرق ؟
__________
(1) ... انظر : إغاثة اللهفان ، فصل : اتخاذ القبور أعياداً ، ص159 ، ط. دار الفكر.
(2) ... نفس المصدر السابق ص162.
(3) ... يونس : 18 .(1/124)
فإن قالوا : هذه أصنام وأوثان . قلنا : والقبر إذا عبد أصبح وثنا ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد " (1) .
السؤال الثالث : أليس من شرك النصارى أنهم يأتون إلى تماثيل مريم وعيسى، ويقولون : يا مريم اشفعي لنا عند الإله .. كما ذكر ذلك ابن تيمية وغيره عنهم ، أليس من جاء إلى قبر وقال : يا فلان إني أريد السفر فادع اللَّه لي بالسلامه .. أليس مثل قول النصارى ؟
فإن قال لا ، هؤلاء نصارى كفار أصليون .. قلنا لا فرق فمن عمل الكفر الذي عمله الكفار الأصليون أصبح حكمه حكمهم ، قال عليه الصلاة والسلام: " من تشبه بقوم فهو منهم " (2) .
__________
(1) ... أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين (ح7054) ، ورواه أيضاً مالك في الموطأ في كتاب النداء للصلاة (ح3761).
(2) ... أخرجه أبو داود في اللباس (ح3512)، ورواه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة (4868)، و(ح4869) ، و(ح5409) .(1/125)
السؤال الرابع : يقال إذا كان طلب الدعاء من الأموات عند قبورهم بدعة وليس شركاً .. فما الحكم لو طلب الدعاء من الملائكة الحفظة الملازمين له ، وقال : يا ملائكة اشفعي لي عند اللَّه ، أو ادعي اللَّه لي ؟ فإن قال : بدعة وليست شركا خالف القرآن في قوله : { ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون } (1) ، وقوله : { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً ..} (2) ، وكان عبادتهم للملائكة أنهم يدعونها لتشفع لهم عند اللَّه ، ومخالف لقوله تعالى : { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب } (3) ، فإنها نزلت في معبودين منهم الملائكة بالشفاعة ، فكيف يسميه اللَّه : عبادة لهم .. وشركاً ، ونقول : إنه بدعة فقط لا عبادة لهم ولا شركاً . قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن (4) : " لو جاز التعلق بالأموات لجاز أن يستظهر العبد بالحفظة من الملائكة الذين هم لا يفارقونه بيقين ، وهذا لا يقوله مسلم أصلاً ، بل لو فعله أحد لكان مشركاً باللَّه ، فإذا لم يجز ذلك في حق الملائكة الحاضرين فإنه لا يجوز في حق أرواح أموات قد فارقت أجسادها .. " اهـ.
__________
(1) ... سبأ : 40 .
(2) ... النجم : 26 .
(3) ... الإسراء : 57 .
(4) ... مجموع الرسائل والمسائل 4/385 ، 387 .(1/126)
السؤال الخامس : ثم نقول أيضاً مثل ما سبق : ما الحكم لو دعا الجن وطلب منهم وقال : يا جن اشفعوا لي عند اللَّه ... فإن بعض العرب كخزاعة كانت تعبد الجن ، كما ذكر ذلك عنهم الشنقيطي (1) ، ومعلوم بالضرورة أن العرب ما كانت تعتقد فيمن تدعوه أنه خالق رازق ، إنما دعائهم للجن والملائكة من أجل الشفاعة . فإن قال قائل : كلامك كله عن الشفاعة ، وطلب الشفاعة من الأموات نقر أنه كفر، لوقوع الإجماع عليه كما نقله ابن تيمية ، فيكون خاصاً بطلب الشفاعة من الأموات فقط، أن يشفعوا له عند اللَّه في الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار.
قلنا : لا فرق لأنَّ لفظ الشفاعة اسم عام يشمل طلب التوسط بأي خير لك تطلبه ، سواء أكان في الدنيا أم تريده في الآخرة ، سواء طلب ديني تطلب منه أن يتوسط لك في الهداية أو التوفيق أو أمر دنيوي من المال أو الرزق .. لا فرق ، والشفاعة كما يعرفها العلماء يقولون : طلب الخير للغير . ولم يخصصوه بلفظ معين ، ولم يخصصوه بطلب الخير في الآخرة فقط ، كما قال تعالى : { من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها } (2) . بل من أكبر ما يوضح ذلك أن الكفار كانوا يطلبون من آلهتهم التوسط في أمور الدنيا لا الآخرة، لأنَّ الغالب عليهم عدم الإيمان بالآخرة والجنة والنار، فكل طلباتهم أن يتوسطوا لهم عند اللَّه في الرزق في الدنيا والمطر والسلامة من الأمراض والمصائب الدنيوية .
__________
(1) ... تفسير سورة الإسراء ص599 .
(2) ... النساء : 85 .(1/127)
ثم نقول لمن خصص ذلك بلفظ الشفاعة فقط وفي الآخرة فقط نقول له : ما الفرق بين قولك يا ولي اللَّه اشفع لي عند اللَّه في الآخرة بدخول الجنة أو النجاة من النار ، وبين قولك : يا ولي اللَّه اشفع لي عند اللَّه أن يغفر لي ذنبي الذي فعلته بالأمس، فما الفرق ؟ فلفظ اشفع موجود في الصيغتين وهو طلب أخروي في الصورتين، وطلب من ميت في الصورتين لم يختلف إلاّ أن هذا يريده في الدنيا وذاك يريده في الآخرة .
ثم يقال : ما الفرق بين الصورة الأولى الخاصة بالآخرة وبين ما لو أتى شخص يريد إجراء عملية جراحية فجاء إلى قبر ولي وقال : يا ولي اللَّه ادع اللَّه لي أن تنجح العملية التي أريد عملها ؟ بل إن الصورة الثانية أعظم كفراً لأنَّ من طلب من الولي أو الرسول في الآخرة معه شبهة حديث أن الرسول والأولياء يشفعون في الآخرة ، أما في هذه الصورة الثانية فأين الشبهة ؟
ثم ما الفرق بين الصورة الأولى الخاصة بالآخرة وقوله : يا ولي اللَّه ادع اللَّه لي بالهداية والمغفرة ؟ لأنَّ طلب الهداية والمغفرة هي حقيقتها طلب دخول الجنة والنجاة من النار لأنَّ الهداية طريق الدخول للجنة .
وهناك شبه أخرى معاصرة مشابه لذلك وهى قولهم : إن الصالحين لهم منزلة ومكانة عند الله فنحن نطلب من الله عند قبورهم ، لأنه مكان مبارك يُستجاب فيه الدعوات ، والجواب أن هذا بدعة وشرك أصغر ،
الشبهة الثانية :
قال المصنف ( فإن قال : هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام ، كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام ؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصناماً ؟.(1/128)
فجاوبه بما تقدم ، فإنه إذا أقرّ أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله ، وأنهم ما أرادوا ممن قَصَدُوا إلا الشفاعة ، ولكن إذا أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكر ، فاذكر له : أنّ الكفار منهم من يدعوا الأصنام ، ومنهم من يدعو الأولياء، الذين قال اللَّه فيهم { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب} (1) ، ويدعون عيسى بن مريم وأمه ، وقد قال تعالى : { ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ( قل أتعبدون من دون اللَّه ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً واللَّه هو السميع العليم }(2) .
واذكر له قوله تعالى : { ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ( قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون } (3) ، وقوله تعالى : { وإذ قال اللَّه يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأميَ إلهين من دون اللَّه قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب } (4) .
فقل له : عَرَفَت أن اللَّه كَفَّر من قصد الأصنام ، وكفَّر - أيضاً - من قصد الصالحين ، وقاتلهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ) .
موضوعها : أنهم قالوا : إن الآيات التي نزلت في المشركين ، لا تنطبق على المسلمين ، أو الآيات التي نزلت في الأصنام ، لا تنطبق على من يستشفع بالصالحين والأنبياء ، ويجعلهم واسطة وشفعاء ،
علاقة هذه الشبهة بالشبهة الأولى :
__________
(1) ... الإسراء : 57 .
(2) ... المائدة : 75-76 .
(3) ... سبأ : 40-41 .
(4) ... المائدة : 116 .(1/129)
أن المصنف طلب منك في الرد على الشبهة الأولى ، أن تذكر آيات في توحيد الألوهية ، فإنك إذا ذكرت له مجموعة من الآيات ، كقوله تعالى : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى } (1) ، وقوله { هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه} (2) ، وغيره من الآيات ، سوف يقول لك لا تستدل بهذه الآيات ، لأنها نزلت في المشركين أو نزلت في الأصنام.
وهذا هو مضمون الشبهة الثانية ، منع الاستدلال بآيات نزلت في الكفار على من فعل فعلهم .
وهذه الشبهة : تبناها سليمان بن عبد الوهاب (3)، وقال في كتابه : (الصواعق الإلهية) وأحياناً يسمى (فصل الخطاب) .
قال : " كيف تنزلون آيات نزلت في المشركين على من قال لا إله إلا اللَّه ".
وتبناها شخص اسمه : علوي حداد (ت1232هـ) ، ألف رسالتين كلتيهما في جواز الاستغاثة بالأموات ، وقال : " هذه آيات نزلت في حق الكفار فأين المناسبة بين المسلم والكافر
وتبناها شخص اسمه : علوي الأدمهوري ، وقال : " كما أن الخوارج حملوا آيات الكفار على المسلمين،فكذلك هؤلاء "وانتشرت هذه الشبهة فيما بعد ، وتبناها أكثر من يرد على الشيخ
قضية معاصرة :
وفي وقتنا الحاضر من تبنى مثل هذه الشبه ، فإذا استدللت بآية : { ومن لم يحكم بما أنزل اللَّه } (4) قال : هذه نزلت في اليهود فلا تطبقها على الحكّام المسلمين اليوم .
__________
(1) ... الزمر : 3 .
(2) ... يونس : 18 .
(3) ... هو أخو الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وقد تبنى أموراً ، وألف فيها كتباً ، وكان قاضياً في حريملاء : فمن الأمور التي تبناها :
... أ - ألف رسالة في أن الذبح عند القبر شرك أصغر .
... ب - قال إن الآيات التي نزلت في المشركين لا تقاس ولا تطبق على المسلمين .
... فألف الشيخ محمد بن عبد الوهاب كتاب (مفيد المستفيد) في الرد على شبه أخيه سليمان .
(4) ... المائدة : 44 .(1/130)
وإذا استدللت بآيات فيها أن مَن حارب اللَّه ورسوله من المسلمين ومن الحكام كَفَر ، قال هذه آيات نزلت في قريش فلا تطبقها على من يفعل ذلك اليوم
وإذا استدللت بأن الجهل ليس عذرا في الشرك الأكبر وأن من فعل الشرك الأكبر سُمى مشركا ولو كان جاهلا ثم استدللت بآيات في الجهال قبل البعثة قال هذه نزلت في غير أهل القبلة هذه في الكفار الأصليين ،
وكذلك العصرانيون إذا استدللت بآية ( أرايت من اتخذ إلهه هواه ) قال هذه نزلت في الكفار
أما الرد عليهم :
قال تعالى (وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولاتكونن من المشركين ) فنهاه أن يكون منهم لأنه إذا فعل فعلهم ( وحاشاه ذلك ، ولكن النهي لإمته ) لحق بهم ، وقال تعالى ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً ) فإذا فعلتم فعلهم الذي ودوا أن تفعلوه كنتم في حكمهم ولو كنتم من أهل القبلة ، وقال تعالى ( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) وقال تعالى( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ،
وعن ابن عمر مرفوعا ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود ، وعن أبي سعيد مرفوعا (لتتبعن سنن من كان قبلكم فذكر اليهود والنصارى ) متفق عليه ،
وقال ابن تيمية فيمن جعل الآيات النازلة خاصة لمن نزلت بسببه ولا يشمل النوع أو المثال فقال (فلا يقول مسلم أن آية الظهار لم يدخل فيها إلا أوس بن الصامت وآية اللعان لم يدخل فيها إلا عاصم بن عدي وأن ذم الكفار لم يدخل فيه إلا كفار قريش ونحو ذلك مما لا يقوله مسلم ولا عاقل ) الفتاوى 16/ 148
وقال أبا بطين (أما قول من يقول أن الآيات التي نزلت بحكم المشركين الأولين فلا تتناول من فعل فعلهم فهذا كفر عظيم ، قال ويلزم منه أن الحدود المذكورة في القرآن والسنة لأناس كانوا وانقرضوا ؟ فلا يُحد الزاني اليوم ولا تقطع يد السارق وبطل حكم القرآن ) الدرر 10/418
ومن خطوات الرد على هذه الشبهة أيضا :(1/131)
الخطوة الأولى : أن فعلكم مثل فعلهم ، والعبرة ليست بالأسماء وإنَّما بالأعمال، والأعمال المتشابهة حكمها واحد .
ونزيد على رد المصنف الردود التالية :
1 - قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من تشبه بقوم فهو منهم " (1) ، فإذا فعلتم فعلهم انطبقت عليكم آياتهم .
2 - قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لتتبعن سنن من كان قبلكم " (2) ، فمن تبع طريقة الكفار ، فهو مثلهم.
3 - كما جاء في حديث أبي واقد الليثي " أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - جعل قول الصحابة مثل قول بني إسرائيل لما قالوا " اجعل لنا ذات أنواط ، قال : قلتم كما قال بنوا إسرائيل " (3) ، فشبَّه قولهم بقول بني إسرائيل ، ولم يقل أحد من الصحابة هذه الآية نزلت في بني إسرائيل فكيف تُنزِّلها علينا .
4 - أن حذيفة رضي اللَّه عنه " رأى رجلاً بيده خيط فقطعه (4) وتلا قوله تعالى : {وما يؤمن أكثرهم باللَّه إلا وهم مشركون} (5) " .
... مع أن هذه الآية نزلت في المشركين ، ونزَّلها على مسلم .
وعلى قولكم يلزم أن الآيات التي نزلت على اليهود والنصارى ومشركي العرب لا تنطبق على من قال مثل قولهم .
الخطوة الثانية : لمّا قالوا هذه الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام ، فكيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام ؟
__________
(1) ... رواه أبو داود في اللباس (4031) ، وأحمد في مسند المكثرين (5093) عن ابن عمر رضي اللَّه عنه .
(2) ... أخرجاه عن أبي سعيد ، رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3456) ، ومسلم في العلم (2669) ، وأحمد.
(3) ... رواه الترمذي في الفتن (2180) ، وأحمد في مسند الأنصار (21390) كلاهما من حديث أبي واقد الليثي .
(4) ... رواه ابن أبي حاتم ، وأورده صاحب تيسير العزيز الحميد ص116، ط: دار الفكر .
(5) ... يوسف : 106 .(1/132)
الجواب : أن يقال لهم : فيه آيات نزلت أيضاً في من عبد الصالحين لا في الأصنام . وذكر المصنف أربع آيات فيمن عبد الصالحين ، وأنتم عبدتم الصالحين فتنزل عليكم، ولا يستطيعون أن يقولوا هذه نزلت في الأصنام.
الآية الأولى : قوله تعالى : { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب } (1) . هذه الآية نزلت فيمن يدعو ، ويعبد الصالحين .
الآية الثانية : قوله تعالى : { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ( قل أتعبدون من دون اللَّه ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً واللَّه هو السميع العليم } (2) .
والشاهد من الآية : أن النصارى عبدوا المسيح وأمه وهما ليسا صنمين .
الآية الثالثة : قوله تعالى : { ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ( قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون } (3) . وهناك من عبد الملائكة وهم صالحون .
الآية الرابعة : قوله تعالى : { وإذ قال اللَّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأميَ إلهين من دون اللَّه ، قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب } (4) .
هذه الآية نزلت في الصالحين .
فالخلاصة : لو قالوا هذه آيات نزلت في الأصنام ، قلنا عندنا آيات نزلت في الصالحين
__________
(1) ... الإسراء : 57 .
(2) ... المائدة :75-76 .
(3) ... سبأ : 40-41 .
(4) ... المائدة : 116 .(1/133)
قضية معاصرة : وهذه قريبة من شبه بعض المعاصرين ، إذا قلت له إن الحكم بالقوانين الوضعية والتشريعات المخالفة شرك وردة لقوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال هذه نزلت في اليهود ولا تطبقها على المسلمين ،وإذا قلت إن الحكم بالعادات والتقاليد والسلوم في الخصومات شرك وردة لقوله تعالى ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) قال هذه نزلت في قريش ، وإذا قلت إن طاعة الحكام في الشرك والكفر ردة ، لقوله تعالى ( إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ماتبين لهم الهدى ـ إلى قوله ـ ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله سنطيعكم في بعض الأمر ) قالوا هذه نزلت في المنافقين زمن الرسول فلا تطبق على المسلمين ،
مسألة : هذه الشبهة الغالب أنها دفاعية عند القبورية يستخدمونها في الدفاع عن أنفسهم إذا قلت إن طلبكم الوساطة والشفاعة شرك أكبر في الألوهية واستدللت بآيات قال لك هذه الآيات في الكفار فيمن يعبد الأصنام ، هذه فيمن يعبد الأوثان ، وإذا قلت لرجل عصراني إن تتبع الرخص وخلافات العلماء ليأخذ منها ما يوافق هواه واستدللت عليه بقوله تعالى ( أرايت من اتخذ إلهه هواه ) قال هذه الآية في الكفار فلا تطبقها علينا وهكذا ،
الشبهة الثالثة :
قال المصنف : ( فإن قال :الكفار يريدون منهم ، وأنا أشهد أن اللَّه هو النافع الضار المدبر ، لا أريد إلا منه ، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء ، ولكن أقصدهم ، أرجو من اللَّه شفاعتهم .
فالجواب : أن هذا قول الكفار سواء بسواء ، واقرأ عليه قوله تعالى : {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى} (1) ، وقوله تعالى : { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه } (2) .
__________
(1) ... الزمر : 3 .
(2) ... يونس : 18 .(1/134)
واعلم أن هذه الشبه الثلاث (1) هي أكبر ما عندهم ، فإذا عرفت أن اللَّه وضّحها لنا في كتابه ، وفهمتها فهماً جيداً ، فما بعدها أيسر منها ) .
هذه الشبهة قريبة جداً من الشبهة الأولى ، وقد يشق أحياناً التفريق بينهما .
لكن الفارق بينهما :
أن الأولى قولهم إننا نطلب من الله بهم أي هم واسطة وشفعاء فقط وهذه الثالثة يريدون أن يثبتوا أنهم غير المشركين الأصليين والفرق أن الطلب من الأصليين مباشرة من آلهتهم أما هم فالطلب ليس مباشرة بل بالواسطة ،
مضمون هذه الشبهة :
هؤلاء المشركون الذين يناقشهم المصنف يقولون : إن هناك فرقاً بيننا وبين المشركين، فالمشركون يريدون من الأصنام فيقولون : يا أصنام اُرزقينا ، أعطينا ، اكشفي كربتنا وهكذا، فالطلب مستمد من الأصنام مباشرة بدون واسطة ، أمَّا نحن فلا نطلب من الأولياء مباشرة إنَّما هم واسطة ، فلا نقول : يا عبد القادر اكشف كربتي، لا وحاشا بل نقول : يا عبد القادر أدعو اللَّه لنا بكشف الكربة ، أو اشفع لنا عند اللَّه ، فهم مجرد واسطة فقط فكيف تجعلون من طلب من غير اللَّه كمن طلب من اللَّه لكن بواسطة الصالحين .
ولذا قال المصنف : ( فالكفار يريدون منهم ) أي من الأصنام بقولهم يا عزى ويا منآة اكشف كربتي أو اشفِ مريضي .
ثم قال المصنف على لسانهم : ( وأنا أشهد أن اللَّه هو النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه ) أي هو الكاشف لكن الأولياء واسطة ، فإذا قلت يا عبد القادر أدعو اللَّه أن يكشف كربتي ، فأنا أطلب من اللَّه بواسطة عبد القادر ، وليس كمن دعا الأصنام مباشرة .
ولذا قال المصنف ( أقصدهم أرجو من اللَّه شفاعتهم ) .
__________
(1) ... الشبهة الأولى : قولهم : نحن لا نشرك باللَّه شيئاً ، والثانية : قولهم : الآيات التي نزلت فيمن يعبد الأصنام ، والثالثة : قولهم : الكفار يريدون منهم .... إلخ .(1/135)
أقصدهم : أي أقول يا عبد القادر ، أي أن يسبق اسم الوليّ " يا " النداء ، ثم " ادعُ اللَّه ليّ " أو " اشفع لي عند اللَّه " ، هذا هو معنى " أرجو من اللَّه شفاعتهم".
وتبنى هذه الشبهة كثير من خصوم الشيخ في التفريق بين ألفاظ دعاء الكفار لأصنامهم، وألفاظ دعاء المشركين المعاصرين للشيخ للأولياء.
الجواب على هذه الشبهة :
أجاب المصنف رحمه اللَّه برد واحد ، قال :
( فالجواب : أن هذا قول الكفار سواء بسواء ) بمعنى أن صنيعكم مثل صنيع الكفار ، فهم يأتون إلى آلهتهم ، ويذبحون عندها ، وينذرون لها ، ويطلبون منها الشفاعة والواسطة فيقولون : يا أصنامنا ، أو يا العزى اشفع لنا عند اللَّه ، كما قال تعالى : { ما نعبدهم إلاّ ليقربونا إلى اللَّه زلفى } (1) .
والخلاصة : أن الصيغتين شرك أكبر سواء قال بصيغة : يا عبد القادر اكشف كربتي، أو بصيغة : يا عبد القادر ادعُ اللَّه لي أن يكشف كربتي، أو اشفع لي عند اللَّه أن يكشف كربتي.
فكلا الصيغتين شرك أكبر إلاّ أن الصيغة الأولى أعظم شركا ً لأن فيها بالإضافة إلى الشرك في الألوهية الشرك في الربوبية ، لأنه يعتقد أنه يرفع ويدفع وأنه رب مع اللَّه.
أمَّا الثانية ففيها شرك في الألوهية فقط ، ومعلوم أن الشرك متفاوت بعضه أغلظ من بعض .
بعض ألفاظ المصنف في هذه الشبهة :
قوله ( فإن قال ) : الضمير يعود على هؤلاء المشركين ، أي قال أحد هؤلاء المشركين
قوله ( يريدون منهم ) : أي يريدون منهم الإغاثة وكشف الكربة ،.
قوله ( وأنا أشهد ) : كلام المشرك المرتد .
قوله ( لا أريد إلا منه ) : لا من الأولياء والمقبورين .
قوله ( والصالحون ليس لهم من الأمر شيء ) " أل " للعهد ، أي ليس لهم من الربوبية شيء ، ولا من الخلق والتدبير شيء ، لذا لا أطلب منهم أن يكشفوا الكربة من عند أنفسهم بل يتوسطوا عند اللَّه في كشفها . و( الصالحون )أي الذي يطلب منهم ،
قوله ( لكن ) : حرف استدراك .
__________
(1) ... الزمر : 3 .(1/136)
قوله ( أقصدهم ) : القصد العملي والقولي ، أي أذبح لهم وأدعوهم وأنذر لهم ، وغيره من أنواع العبادات .
قوله ( أرجو من اللَّه شفاعتهم ) : ليتوسطوا لنا عند اللَّه .
ثم استدل عليهم المصنف بآيتين تدلان على أن المشركين طلبوا منهم الشفاعة فقط، قوله تعالى : {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه} ، وقوله تعالى : { هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه } (1)
واعترض بعض هؤلاء ، ومنهم المسمى بعلوي حداد قال : " أمَّا تفسير قوله تعالى : { ما نعبدهم إلا ليقربونا } أي وهم يعتقدون فيهم الربوبية ، وكذلك {هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه } أي شفعاؤنا ونحن نعتقد فيهم الربوبية ، أمَّا إذا استغثنا بهم ، ولا نعتقد فيهم الربوبية ، فليس هذا شركاً " .
الرد على هذا التفسير :
1 - أن اللَّه بيّن أن المشركين مقرون أن اللَّه هو الخالق الرازق .
2 - أن الآية جاءت بأسلوب الحصر ، وهو أسلوب ( ما ) ، و ( إلاَّ ) ، أي ما نعبدهم إلاَّ لغاية واحدة فقط ليس لها ثاني ، وهي التقرب وطلب الشفاعة ، لا لأنهم أرباب .
قول المصنف ( واعلم ) : للتنبيه والحث .
قوله ( أن هذه الشبه الثلاث ) : الشبهة : هي الشيء الذي يلتبس ويشبه الحق .
قوله ( الثلاث ) : " أل " للعهد الذكري - أي الثلاث المذكورة قبل قليل - وهي أكبر ما عندهم .
مسألة : وهي قضية معاصرة :
هناك أيضاً من يفرق بين صيغة وصيغة ، فيجعل صيغة( ما) ؛ هي من الشرك الأكبر، وصيغة أخرى إنَّما هي بدعة فقط وليست شركاً فيقول: إن صيغة يا عبد القادر اشفع لي عند اللَّه أنها شرك أكبر ، أمَّا صيغة يا عبد القادر ادعُ اللَّه لي أن يكشف كربتي، أو يغفر لي ، أنها بدعة فقط . وهذه سبق أن بسطنا القول فيها ونضيف هنا :
الرد عليه :
__________
(1) ... يونس : 18 .(1/137)
1 - أنه لا فرق ، فمن قال : ادعُ اللَّه لي ، فإنه جعله شفيعاً له عند اللَّه، لأن الشفاعة هي التوسط له ، إمَّا أن يشفع له في الآخرة بدخول الجنة ، أو المنع من النار، أو بين أن يجعله شفيعاً له في الدنيا بكشف الكربة أو المغفرة .
2 - ثم نقول لهذا المفرِّق بين الصيغتين ، ما الفرق لو قال يا عبد القادر اشفع لي عند اللَّه أن أدخل الجنة أو أُصرف عن النار ، وبين صيغة : يا عبد القادر ادعُ اللَّه لي بدخول الجنة ؟ لا فرق إلا كلمة اشفع وادعُ ، وهل هذا يمكن أن يكون فرقاً يُغيّر الحكم ؟
ثم نقول : لو قال له يا عبد القادر اشفع لي عند اللَّه أن يكشف مرضي الذي يمرضني الآن ، هل هذه بدعة أم شرك أكبر ؟.
3 - أن صيغة يا عبد القادر ادعُ اللَّه لي بالتوفيق ، تدخل في عموم قوله تعالى {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى} وفي عموم قوله تعالى : { هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه } أي سواء يشفعون في طلب الدنيا ( دنيوي ) أو يشفعوا في طلب الآخرة (أخروي).
4 ـ يقال إن فعل مشركي العرب أصلا هو الطلب في الدنيا ، فهم أصلا لا يؤمنون بالآخرة ، لذا فجميع طلبهم من آلهتهم أن تتوسط لهم في حاجيات الدنيا ، وهذا الذي قال يا عبد القادر أدعو الله لي بالشفاء هو طلب في الدنيا مثل طلب مشركي العرب سواء بسواء ،
قضية معاصرة : ومشركي زماننا اليوم في الطاعة والحاكمية ، لهم نفس الخطوات ، إذا قلت لهم إن طاعة الحكام في الشرك والكفر ردة وكفر ، قالوا لك نحن لم نجعلهم أربابا وآلهة ولم
نعتقد فيهم ذلك ، فإذا استدللت بآيات في ذلك قالوا هذه نزلت في اليهود أو نزلت فيمن يعتقد ذلك و كذا وكذا ،
الشبهة الرابعة :(1/138)
قال المصنف ( فإن قال : أنا لا أعبد إلا اللَّه ، وهذا الالتجاء إلى الصالحين، ودعاؤهم ليس بعبادة ، فقل له : أنت تُقر أن اللَّه فرض عليك إخلاص العبادة لله، وهو حقه عليك . فإذا قال : نعم . فقل له : بيِّن لي هذا الفرض عليك ، وهو إخلاص العبادة للَّه وحده ، وهو حقه عليك ، فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها ، فبيّنها له بقولك : قال اللَّه تعالى : { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية }(1)، فإذا أعلمته بهذا ، فقل له : هل علمت هذه عبادة للَّه ؟ فلابد أن يقول : نعم والدعاء مخ العبادة .
فقل له : إذا أقررت أنها عبادة ودعوت اللَّه ليلاً ونهاراً خوفاً وطمعاً ، ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره ، هل أشركت في عبادة اللَّه غيره ؟
فلابد أن يقول : نعم . فقل له : فإذا علمت بقول اللَّه تعالى { فصل لربك وانحر } (2) وأطعت اللَّه ونحرت له . هل هذا عبادة ؟ فلابد أن يقول : نعم . فقل له: إذا نحرت لمخلوق نبي ، أو جني أو غيرهما ، هل أشركت في هذه العبادة غير الله؟ فلابد أن يقر ويقول : نعم
وقل له - أيضاً - : المشركون الذين نزل فيهم القرآن هل كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك ؟ فلابد أن يقول : نعم ، فقل له : وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك ؟ وإلاّ فهم يقرون أنهم عبيده وتحت قهره ، وأن اللَّه هو الذي يدبِّر الأمر ، ولكن دَعَوْهُم والتجَأوا إليهم للجاه والشفاعة ، وهذا ظاهر جداً ) .
مضمون هذه الشبهة :
أنهم يقولون : إن دعاء الصالحين ، والالتجاء إليهم ، وطلبهم الشفاعة ، ليس عبادة لهم ، أي أن الدعاء والطلب ليس بعبادة .
إذن ما هي العبادة عندهم :
هي السجود للتماثيل ، وهذه ذكرها رجل يقال له : القباني .
__________
(1) ... الأعراف : 55 .
(2) ... الكوثر : 2 .(1/139)
وقال بعضهم العبادة هي : الذل والخضوع لمن يعتقد فيه النفع والضر ، أي يعتقد فيه الربوبية ، وإذا كانت العبادة هي السجود ، فنحن لا نسجد للأولياء وإنَّما نسألهم ، وإذا كانت العبادة هي الذل والخضوع لمن يُعتقد فيه الربوبية ، فنحن لا نعتقد فيهم الربوبية .
وقال شخص يُدعى : عبد اللَّه الزبيري في كتابه ( الصواعق والرعود ) قال: "إن طلب الشفاعة ممن أعطيها سواء كان نبياً ، أو ولياً ، أو مؤمناً ، ليس عبادة له ، إنَّما هي طلب ، كما طلب يوسف عليه الصلاة والسلام بقوله { اذكرني عند ربك } (1) لأحد صاحبي السجن ، ولم يكن عابداً له بهذا الطلب ، والنَّبِيّ حي قادر على أن يدعو له " .
وقال شخص آخر ، يُدعى إسماعيل التميمي (ت1248هـ) في كتابه (المنح الإلهية).
قال : " ليس الاستشفاع بمحمد - صلى الله عليه وسلم - عبادة له ، لأنه لا يعظم طالبه تعظيم المعبود".
وعندهم : أن الطلب من الأولياء الأموات ، كطلبك من الحي المسلم أن يدعو لك، ولا يفرقون بين الحي والميت .
خطوات الرد على هذه الشبهة :
المصنف أطال في الرد ، وتتتمثل الردود فيما يلي :
الرد الأول : أن يطلب منه أن يفسر معنى العبادة ، فتطلب منه تفسير العبادة ، وهو لا يخلو من ثلاث حالات :
أ - أن يفسر العبادة تفسيراً صحيحاً فيقول هي : الذل والخضوع بفعل الطاعات، بغض النظر عن كون المخضوع له ينفع أو لا ينفع . وهذا الاحتمال بعيد لما فيهم من العناد والإعراض .
ب - أن يقول لا أدري : فيوجه إليه انتقاد، ويقال : كيف تُنكر شيئاً لا تدري ما هو؟.
جـ - وهي المتوقعة منهم : أن يفسروها تفسيراً خاطئاً ، فيقولون العبادة هي: الركوع والسجود للتماثيل ، أو الأصنام ، أو هي : الذل والخضوع لمن تعتقد أنه رباً، وعلى كلّ حال فلن يُدْخِلوا الدعاء والطلب في تعريف العبادة .
__________
(1) ... يوسف : 42 .(1/140)
... وهنا يُفسر لهم المعنى الصحيح للعبادة ويقال : العبادة هي الذل والخضوع للَّه بما يحب ، واللَّه يحب الذبح له ، فإذا ذبحت له فقد عبدته ، ويحب أن تدعوه، فإذا دعوته فقد عبدته ، ويحب أن تستغيث به ، فإذا استغثت به فقد عبدته .
وطلب منّا المصنف أن ننظر إلى الخصم هل اقتنع أم لا ؟
فنقول : هل علمت أن هذا الكلام صحيح ، وهو بالتالي سوف يقول : صحيح ، وتكون هذه المقدمة متفق عليها بيننا ، فنستخرج نتيجة وهي : أن الذبح الذي يحبه اللَّه ، والدعاء الذي يحبه اللَّه ، والاستغاثة التي يحبها اللَّه ، أنها عبادة - والخطاب للخصم-.
فإذا استغثت بغير اللَّه فقد عبدته ، وإذا دعوت غير اللَّه فقد عبدته ، وهذا هو المطلوب ، وهو ما يسمونه الالتجاء والطلب .
واستدل المصنف بآيتين على توضيح العبادة :
الآية الأولى: قوله تعالى : { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية } (1) إذن الدعاء عبادة .
الآية الثانية: قوله تعالى : { فصل لربك وانحر } (2) إذن النحر عبادة .
فمن دعا ، أو نحر لغير اللَّه فقد عبده .
ومن الردود أيضاً :
الرد الثاني : يقال له هذا تحكم في قصر العبادة في نوع معين ، فمن ذبح لشخص يعتقد فيه الربوبية فقد عبده ، وهذا صحيح ، وأيضاً لو ذبح له ولا يعتقد فيه الربوبية فقد عبده .
وهذه قاعدة نافعة في الردود على من وقع في شيء وهو ينفيه ، فأول ما يُطلب منه أن يفسر هذا الشيء الذي نفاه -وهو واقع فيه- فلو رأيت رجلاً يشرب الخمر، وقلت له إن الخمر حرام ، فقال لك هذا ليس خمراً ، فتقول له : فسر لي معنى الخمر ، فإمَّا أن يفسره تفسيراً صحيحاً ، أو يقول لا أدري ، فتقول له كيف تقول إنه ليس بخمر وأنت لا تدري ؟.
أو يقول إن الخمر هو المعتصر من التمر فقط ، وهذا الذي أشربه اسمه كحول، فتقول قصْرُ الخمر على عصير التمر فقط هذا تحكم ، بل الخمر كلّ ما خامر العقل وغطاه .
__________
(1) ... الأعراف : 55 .
(2) ... الكوثر : 2 .(1/141)
قضية معاصرة : فيمن يطيع الحكام وغيرهم في الشرك والكفر ،ويسمى ذلك طاعة لهم وربما سماها طاعة واجبة ، يقال له فسر لنا الطاعة ؟ وفسر لنا الحكام ؟ وهو لا يخلو من الحالات الثلاث السابقة ،إما أن يقول لا أدري ؟ هنا يُفسر له المعنى الصحيح ، أو يُفسر تفسيرا خاطئا ، هنا يُفسر له التفسير الصحيح ، أو يقول هم أعلم وأفهم منا في السياسة ونسلم لهم ونطيع ، فيقال له قد اتخذتهم آلهة من دون الله ،
ومثله العصراني متتبع الرخص والخلاف والزلات والشواذ ، ويسميه حوارا وإظهارا للخلاف ،وواقعية واجتهاد وفقه تيسير ، يقال له فسر لنا تتبع الرخص ؟ ، يقال له فسر لنا الهوى ، يقال له فسر لنا الاجتهاد ، ولا يخلو من الحالات الثلاث السابقة ،
ومثله العلماني الذي يسمى العلمنه حضارة وتخصص وتقدم وعولمة ، ونظام عالمي جديد ؟ ولا يخلو من الحالات الثلاث السابقة ، وهكذا
نفس الخطوا ت لمشركي زماننا وعلمانيهم وروافضهم وعصرانيهم ....الخ 0
الشبهة الخامسة :
قال المصنف ( فإن قال : أتنكر شفاعة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وتبرأ منها ؟
فقل له : لا أنكرها ، ولا أتبرأ منها ، بل هو - صلى الله عليه وسلم - الشافع المشفّع ، وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله ، كما قال تعالى : { قل لله الشفاعة جميعاً } (1) ولا تكون إلا من بعد إذن اللَّه ، كما قال تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } (2) ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن اللَّه فيه ، كما قال تعالى : {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } (3)
__________
(1) ... الزمر : 44 .
(2) ... البقرة : 255 .
(3) ... الأنبياء : 28 .(1/142)
وهو لا يرضى إلا التوحيد ، كما قال عز وجل : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } (1) فإذا كانت الشفاعة كلها لله ، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره في أحد حتى يأذن اللَّه فيه ، ولا يأذن اللَّه إلا لأهل التوحيد تبيّن لك أن الشفاعة كلها لله ، أطلبها منه فأقول : اللهم لا تحرمني شفاعته ، اللهم شفِّعه فيَّ، وأمثال هذا .
فإن قال : النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أُعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه اللَّه .
فالجواب : إن اللَّه أعطاه الشفاعة ، ونهاك عن هذا ، فقال : { فلا تدعوا مع اللَّه أحداً } (2) فإذا كنت تدعو اللَّه أن يُشَفِّع نبيه فيك فأطعه في قوله : {فلا تدعوا مع اللَّه أحداً } .
وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون ، والأَفراط يشفعون (3) ، أتقول : إن اللَّه أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم ؟
فإن قلت هذا : رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر اللَّه في كتابه ، وإن قلت: لا ، بطل قولك : أعطاه اللَّه الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه اللَّه ) .
موضوع هذه الشبهة :
هذه الشبهة خاصة بالاستغاثة ودعاء النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا الموضوع : وهو الإنكار على هذه الدعوة السلفية ، بأنهم لا يحبون الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، بدليل أنهم ينكرون شفاعته، وهذه الدعوى من أكثر ما أثير من القضايا على دعوة الشيخ ، ولا يوجد أي خصم لهذه الدعوة إلا أثار هذا الموضوع ، وهي تثار ضد الموحدين في كل زمان ومكان ،
هذه الشبهة مركبة من شيئين :
1 - الادعاء بأن المصنف ينكر شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويبرأ منها .
__________
(1) ... آل عمران : 85 .
(2) ... الجن : 18 .
(3) ... الأَفراط هم : الأطفال .(1/143)
2 - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطي الشفاعة ، وما دام أنه أُعطي الشفاعة ، فنحن نطلب منه ما أعطاه اللَّه .
... ولذا قال بعضهم : لمّا أعطى اللَّه الشفاعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت بيد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فطلَبُها من الرسول - صلى الله عليه وسلم - كطلب حاجة في يد قادر . وقال بعضهم : الشفاعة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - جائزة ، وقد كان الصحابة يفعلونها في حياته - صلى الله عليه وسلم - ،
خطوات الرد على هذه الشبهة :
الخطوة الأولى : الاعتراف مع الخصم بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطي الشفاعة ، والتسليم بهذه المقدمة بل إن المصنف زادهم ، وقال وأرجو شفاعته . وهذا لا إشكال فيه .
الخطوة الثانية : نقض ما بنوه على المقدمة ، وهم يقولون : إذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطي الشفاعة فالنتيجة نطلبها منه .
... فنقول : أعطي الشفاعة هذا صحيح ، ولكن قولهم نطلبها منه في الحياة الدنيا هذا خطأ ، بل : إن شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - زمنها في الآخرة ، فأنت سألت الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيئاً لم يأت زمنه ، كما جاء في الحديث الصحيح : أن الناس يأتون يوم القيامة إلى الرسول ويطلبون أن يشفع ، أمَّا في الدنيا فلا .
الخطوة الثالثة : أن يقال : إن الشفاعة ليست مُلكاً للرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن كان أُعطيها ولو كانت مُلكاً للرسول لما احتاج يوم القيامة أن يستأذن من اللَّه ، فالمالك لا يستأذن أمراً ، واستدل المصنف على ذلك بقوله تعالى { قل للَّه الشفاعة جميعاً}(1) أي مُلكاً واستحقاقاً ، ومعروف عقلاً أن الإنسان يسأل ممن يملك .
الخطوة الرابعة : إذا كانت مُلكاً لله فاطلبها ممن يملكها ، واللَّه لا يأذن للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع إلا بشرطين : 1 - الإذن . ... 2 - الرضا عن المشفوع .
__________
(1) ... الزمر : 44 .(1/144)
... وأنت مشرك ، فلا تستحق الشفاعة من رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
الخطوة الخامسة : أن اللَّه أعطاه الشفاعة ونهاك أن تطلبها منه .
... مثال ذلك : شخص أعطيته مالاً ، ونهيت الناس أن يطلبوا منه المال ، وإنَّما يطلبون المال منك ، فلا تقل هذا أعطي مالا وأنا أطلب منه ، مع نهي المالك أن يطلب منه .
... والدليل : قوله تعالى : { فلا تدعوا مع اللَّه أحداً } (1) .
الخطوة السادسة : أن يقال إن الشفاعة ليست مختصة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، بل ذكر المصنف أن هناك شفعاء غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر منهم ثلاثة : 1 - الملائكة . 2 - الأفراط .
3 - الأولياء .
... ولم يقصد المصنف الاستيعاب ، مع أن هؤلاء خصوصاً الأفراط لا تستغيث بهم أيها المشرك ، ولا تطلب منهم الشفاعة ، وهنا ألزمه المؤلف بلازمين :
أ - إمَّا أن يقول أطلبها من غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - كالأفراط وهذا يكذبه الواقع .
ب - أو يقول لا أطلبها منهم ، لأنها تكون في الآخرة ، فينتقض كلامه ، ومناقضة الأقوال دليل الفساد .
ج ـ أو يقال هؤلاء الأفراط لا يملكون ، وهنا نقول والرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك أيضا ،
الخطوة السابعة : يقال له إن كنت تريد أن يشفع لك الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقل : يا اللَّه شفِّع فيَّ نبيك ، ولا توجه الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - فتقول : يا رسول اللَّه اشفع لي، إنَّما وجّه الخطاب لله فقل : يا اللَّه ...
وهذه الشبهة ليس فيها قضية معاصرة إنما يرددها أناس يُعتبرون امتدادا للوثنية والقبورية السابقة كالرافضة والصوفية والقبورية 0
الشبهة السادسة :
قال المصنف ( فإن قال : أنا لا أشرك باللَّه شيئاً حاشا وكلا ، ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك !.
__________
(1) ... الجن : 18 .(1/145)
فقل له : إذا كنت تقر أن اللَّه حرّم الشرك أعظم من تحريم الزنا ، وتقر : أن اللَّه لا يغفره ، فما هذا الأمر الذي حرّمه اللَّه وذكر أنه لا يغفره ؟ فإنه لا يدري.
فقل له : كيف تُبرِّىءُ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه ؟ أم كيف يُحرِّم اللَّه عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ؟ ولا تسأل عنه ولا تعرفه ؟ أتظن أن اللَّه يحرِّمه ولا يبيِّنه لنا ؟
فإن قال : الشرك عبادة الأصنام ، ونحن لا نعبد الأصنام ؟
فقل له : ما معنى عبادة الأصنام ، أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها ، فهذا يكذِّبه القرآن ، كما في قوله تعالى : { قل من يرزقكم من السماء والأرض } (1) .
وإن قال : هو من قصد خشبةً ، أوحجراً ، أو أبنيةً على قبرٍ ، أو غيره، يدعون ذلك ، ويذبحون له ، ويقولون إنه يقربنا إلى اللَّه زلفى ، ويدفع اللَّه عنا ببركته ، أو يعطينا ببركته
فقل له : صدقت ، وهذا هو فعلكم عند الأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها ، فهذا أقرَّ : أنّ فعلهم هذا هو عبادة الأصنام ، فهو المطلوب .
ويقال له -أيضاً- : قولك الشرك عبادة الأصنام ، هل مُرادك أن الشرك مخصوص بهذا ، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك ؟ فهذا يردُّهُ ما ذكر اللَّه في كتابه من كُفر من تعلّق على الملائكة، وعيسى، والصالحين .
فلابد أن يُقِرَّ لك أن من أشرك في عبادة اللَّه أحداً من الصالحين ، فهو الشرك المذكور في القرآن ، وهذا هو المطلوب .
__________
(1) ... يونس : 31 .(1/146)
وسِرُّ المسألة أنه إذا قال : أنا لا أشرك باللَّه ، فقل له : وما الشرك باللَّه ؟ فسره لي ؟ فإن قال هو عبادة الأصنام ، فقل : وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي؟ فإن قال : أنا لا أعبد إلا اللَّه وحده ، فقل : ما معنى عبادة اللَّه وحده فسرها لي؟ فإن فسرها بما بيّنه القرآن فهو المطلوب ، وإن لم يعرفه فكيف يدّعي شيئاً وهو لا يعرفه ؟ وإن فسّر ذلك بغير معناه ، بيَّنْتَ له الآيات الواضحات في معنى الشرك باللَّه وعبادة الأوثان ، وأنه هو الذي يفعلونه في هذا الزمان بعينه ، وأن عبادة اللَّه وحده لا شريك له هي التي ينكرون علينا ويصيحون فيه ، كما صاح إخوانهم ، حيث قالوا { أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب } (1).
مضمون هذه الشبهة :
انحرافهم في تعريف الشرك ، فلا يجعلون الدعاء والالتجاء يدخل في تعريف الشرك ، وهذا الانحراف في تعريف الشرك هو مثل انحرافهم في الشبهة الرابعة في تعريف العبادة .
والسبب في إثارة هذه الشبهة:
أنهم يُعرِّفون الشرك بأنه : عبادة الأصنام . وبعضهم عرَّف الشرك بأنه : السجود للأصنام . وبعضهم عرَّف الشرك بأنه : اعتقاد التأثير في غير اللَّه . وبعضهم عرَّف الشرك بأنه : اعتقاد الربوبية في غير اللَّه .
وهذه الشبهة تبناها في عصر الشيخ ، المدعو محمد بن عبد المجيد الفاسي ، المتوفى سنة 1227هـ . قال في كتابه ( الرد على بعض المبتدعة من الطائفة الوهابية) قال : " إنَّما كفر أهل الجاهلية بعبادة الأصنام " .
وقال أحمد دحلان : وهذا أتى بعد عصر الشيخ ، وكان مفتي الشافعية في زمانه ، ألف كُتباً كثيرةً في الرد على هذه الدعوة ، من هذه الكتب ( التحف السنية في الرد على الوهابية )
قال : " الشرك اعتقاد التأثير في غير اللَّه " ، وقال : " ليس هناك مسلم يعتقد التأثير في غير اللَّه " ، ومرة قال : " الشرك اعتقاد الربوبية في غير اللَّه " .
__________
(1) ... ص: 5 .(1/147)
وكونهم يُعَرِّفون الشرك بأنه عبادة الأصنام ، أو اعتقاد الربوبية في غير اللَّه ، فهذا مفهوم ضيق للشرك ، وإن كان ما قالوه حقاً ، لكنه بعض الحق وليس كل الحق .
أمَّا تعريف الشرك الذي يجمع جوانبه :
هو أن تجعل لله نداً في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات .
وهم يجعلون الشرك: أن تجعل لله نداً في الربوبية فقط .
وهذا مبني على اعتقادهم في التوحيد : أنه إفراد اللَّه بالربوبية فقط .
خطوات الرد على هذه الشبهة :
هذه الخطوات قريبة من خطوات الرد على الشبهة الرابعة في انحرافهم في تعريف العبادة ، وهي صالحة في كل من وقع في شيء وهو ينكره .
وخطوات الرد هي :
الخطوة الأولى : أن يوجه إليهم هذا السؤال :
... ما هو الشرك ؟ وعرِّفوا لنا الشرك ؟ وهم أمام هذا السؤال لهم ثلاث احتمالات :
أ - أن يقول لا أدري ، فهذا يدل على جهله بمعنى الشرك . وهنا يوجه إليه انتقاد ويقال : كيف تنفي شيئاً لا تدري معناه ؟
ب - أن يفسر الشرك تفسيراً صحيحاً ، وهذا أشار إليه المصنف قبل عدة أسطر عند ما قال : ( هو من قصد خشبةً ، أو حجراً ، أو أبنيةً على قبره ، أو غيره ).
... أي أن الشرك هو دعاء وعبادة غير اللَّه ، وهنا يقال له : صدقت وهذا ما نقصده . إلا أن هذا التفسير بعيد عنهم لما يُعرف عنهم من الجهل والعناد .
جـ - أن يفسروا الشرك تفسيراً خاطئاً : فيقولون : الشرك هو عبادة الأصنام ، وهذا أشار إليه المصنف ، وهنا يفسر لهم التفسير الصحيح لمعنى الشرك وهو : أن تجعل لله نداً في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات .
الخطوة الثانية في الرد عليهم : يقال لهم : إن اللَّه كفّر من تعلّق بالملائكة والصالحين وعبدهم ، وهؤلاء ليسوا أصناماً ، وبذلك انتقض قولهم ، وهو أن الشرك عبادة الأصنام ، بل هو عبادة غير اللَّه .
وفي آخر الشبهة :(1/148)
... لخّص المصنف الردود مرة أخرى ، وهذه أول مرة يعود المصنف لتلخيص شبهة بعد الرد عليها : ويبدأ تلخيص المصنف من قوله(وسر المسألة أنه إذا قال أنا لا أشرك ..).
فتكون هذه الشبهة فيها بسط ثم تلخيص ، والسبب أن هذه الشبهة مهمة نوعاً ما .
الشبهة السابعة :
قال المصنف : ( فإن قال : إنهم لا يكفرون بدعاء الملائكة والأنبياء ، وإنَّما يكفرون لمّا قالوا : الملائكة بنات اللَّه ، فإنّا لم نقل : عبد القادر ابن اللَّه ولا غيره؟
فالجواب : أن نسبة الولد إلى اللَّه كفر مستقل ، قال اللَّه تعالى { قل هو اللَّه أحد ( اللَّه الصمد } (1) . والأحد : الذي لا نظير له . والصمد : المقصود في الحوائج (2) ،
فمن جحد هذا فقد كفر ، ولو لم يجحد السورة ، وقال اللَّه تعالى : { ما اتخذ اللَّه من ولد وما كان معه من إله }(3).
ففرق بين النوعين ، وجعل كلا منهما كُفراً مستقلاً ، وقال تعالى : {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم } (4) ففرق بين كفرين .
والدليل على هذا أيضاً : أن الذين كفروا بدعاء اللات ، مع كونه رجلاً صالحاً لم يجعلوه ابن اللَّه ، والذين كفروا بعبادة الجن لم يجعلوهم كذلك .
وكذلك أيضاً : العلماء في جميع المذاهب الأربعة يذكرون في باب حكم المرتد : أن المسلم إذا زعم أن للَّه ولداً فهو مرتد ، ويُفرِّقون بين النوعين ، وهذا في غاية الوضوح ) .
مضمون هذه الشبهة :
__________
(1) ... الإخلاص : 1-2 .
(2) ... ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس 4/742 ، ط. مؤسسة الريان ، وانظر: شرح الكافية الشافية ، لابن القيم 2/232 ، أحمد إبراهيم عيسى .
(3) ... المؤمنون : 91 .
(4) ... تتمة الآية : { ... سبحانه وتعالى عما يصفون } [ الأنعام : 100 ] .(1/149)
أنهم قالوا : إن الكفار كفروا لأنهم قالوا الملائكة بنات اللَّه لا لأنهم يستغيثون بهم ويعبدونهم . وهذه الشبهة من هؤلاء يقولونها ، إذا قيل لهم أن الكفار كفروا لأنهم يستغيثون بالملائكة ، وكفروا لأنهم يدعون الملائكة . قال هؤلاء المشركون : لا بل كفروا لأنهم قالوا الملائكة هم بنات اللَّه، والصالحون هم أبناء اللَّه ، والأولياء هم أبناء اللَّه .
خطوات الرد على هذه الشبهة :
الخطوة الأولى : أن القول بأن الملائكة بنات اللَّه هذا كفر مستقل ، وأن القول بأن الأولياء أبناء اللَّه هذا كفر مستقل أيضاً .
واستدل المصنف على ذلك بثلاث آيات :
الأولى : قال تعالى : { قل هو اللَّه أحد ( اللَّه الصمد } .
الثانية : قال تعالى :{ ما اتخذ اللَّه من ولد وما كان معه من إله } .
الثالثة : قال تعالى : { وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم } . ومن قال لشيء أنه ابن اللَّه هذا كفر لوحده ، بغض النظر عن أي شيء آخر .
الخطوة الثانية : أنهم أيضاً كفروا بدعاء اللات ، ومضمون هذا الرد :
... أن اللَّه كفّر المشركين لأنهم دعوا الملائكة ودعوا اللات ودعوا الجن : لا لأنهم قالوا أن اللات ابن اللَّه ، ولا الجن أبناء اللَّه ، بل لأنهم عبدوهم .
الخطوة الثالثة : الرد عليهم بالإجماع : يقال لهم : أجمع العلماء في باب حكم المرتد أن المسلم إذا زعم أن للَّه ولداً فهو مرتد بغض النظر عن شيء آخر غيره.
الشبهة الثامنة :
قال المصنف : ( وإن قال : { ألا إن أولياء اللَّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } (1) ، فقل : هذا هو الحق ، ولكن لا يعبدون . ونحن لم نذكر إلاّ عبادتهم مع اللَّه ، وشركهم معه ، وإلا فالواجب عليك حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم. ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال .
__________
(1) ... يونس : 62 .(1/150)
ودين اللَّه وسط بين طرفين ، وهدى بين ضلالتين ، وحق بين باطلين ، فإذا عرفت: أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن ، وقاتل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الناس عليه .
فاعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين :
أحدهما : أن الأولين لا يشركون ، ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع اللَّه إلا في الرخاء ، وأمَّا في الشدة فيُخلصون لله الدين . كما قال تعالى : {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً } (1) .
وقوله : { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللَّه أوأتتكم الساعة أغير اللَّه تدعون إن كنتم صادقين ( بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون } (2) ، وقوله : { وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه} إلى قوله : { قل تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار } (3) . وقوله : { وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا اللَّه مخلصين له الدين } (4) .
فمن فهم هذه المسألة التي وضحها اللَّه في كتابه ، وهي : أن المشركين الذين قاتلهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعون اللَّه ويدعون غيره في الرخاء ، وأمَّا في الضر والشدة فلا يدعون إلا اللَّه وحده لا شريك له ، وينسون ساداتهم ، تبيّن له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين ، ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً راسخاً ؟ واللَّه المستعان .
والأمر الثاني :
أن الأولين يدعون مع اللَّه أُناساً مقربين عند اللَّه ، إمَّا أنبياء ، وإمَّا أولياء ، وإمَّا ملائكة ، أو يدعون أشجاراً ، أو أحجاراً مطيعةً لله ليست عاصية .
وأهل زماننا يدعون مع اللَّه أناساً من أفسق الناس ، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة ، وترك الصلاة وغير ذلك .
__________
(1) ... الإسراء : 67 .
(2) ... الأنعام : 40-41 .
(3) ... الزمر : 8 .
(4) ... لقمان : 32 .(1/151)
والذي يعتقد في الصالح والذي لا يعصي - مثل الخشب والحجر - أهون ممن يعتقد فيمن يُشاهد فسقه وفساده ويشهد به ) .
مضمون هذه الشبهة :
أنهم يستدلون بهذه الآية وبما جاء في كرامات الأولياء على أنه يجوز دعائهم والاستغاثة بهم .
خطوات الرد على هذه الشبهة :
أن يقال : نحن نقر بكرامات الأولياء والصالحين ، وأن لهم مقاماً عند اللَّه، ولكن لا يعني هذا عبادتهم ، فالكرامات شيء وجعلهم آلهة شيء آخر .
قول المصنف : ( فإذا عرفت : أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا "الاعتقاد" هو الشرك الذي أُنزل فيه القرآن ... إلخ ).
هذا المقطع هو مقطع استطرادي ، ذكره المصنف من باب الاستطراد ، وهي عملية مقارنة بين المشركين في زمن المصنف والمشركين الأولين ، وهو مقطع ذم وتوبيخ وبيان غلظة شرك أهل زمان المصنف .
وهذا المقطع هو القاعدة الرابعة من كتاب القواعد الأربع للمصنف
وذكر المصنف أن شرك الأولين أخف من شرك زمانه ، ولا شك أن المشركين بعضهم أغلظ من بعض ،وأن الشرك بعضه أغلظ من بعض ، واستدل المصنف على غلظة شرك أهل زمانه بدليلين:
الدليل الأول : أن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ، فيشركون في زمن ويخلصون في زمن .
وهذا أخف ممن يشرك في جميع الأزمنة ، واستدل على ذلك بأربع آيات :
الأولى : قوله تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } .
الثانية : قوله تعالى : { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللَّه أو أتتكم الساعة } .
الثالثة : قوله تعالى : { وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه } .
الرابعة : قوله تعالى : { وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا اللَّه مخلصين } .
الدليل الثاني : أن الأولين يعبدون أناساً مقربين إلى اللَّه ، إمَّا أنبياء ، أو أولياء ، أو ملائكة ، أو يعبدون أحجاراً ، أو أشجاراً مطيعة لله طاعة قدرية كونية .(1/152)
... وأمَّا أهل زمان المصنف ، فإنهم يدعون أناساً مجهولين ، أو فُسّاقاً ، والذي يدعو الصالحين أهون ممن يدعو الفسّاق .
قضية معاصرة :
واليوم أيضاً يقال إن مشركي زماننا في هذه الأيام أعظم وأغلظ من مشركي زمان الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ويزيدون عليهم شيئاً ،
1 ـ وهو أن مشركي زماننا تكاتفوا وتعاونوا تعاوناً عالمياً على محاربة الدين وأهله ، بل أحدثوا المؤتمرات والتجمعات الإقليمية والدولية لمقاومة ومحاربة ما يسمونه بالتطرف والإرهاب والأصولية، بل تواصوا بتبادل المعلومات والخبرات لمحاصرة الجهاد وأهله تحت مسميات جاهلية .
2 ـ وأيضا أهل زمان المصنف ، فإنهم يدعون أناساً مجهولين ، أو فُسّاقاً ، أهل زماننا يعبدون النصارى واليهود والعلمانيين والهيئات الكفرية العالمية وهذا في مشركي زماننا أغلظ
الشبهة التاسعة :
قال المصنف ( إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أصح عقولاً ، وأخفّ شركاً من هؤلاء ، فاعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا ، وهي من أعظم شبههم ، فأصغِ سمعك لجوابها .
وهي أنهم يقولون : إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا اللَّه ، ويكذبون الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وينكرون البعث ، ويكذّبون القرآن ، ويجعلونه سحراً ، ونحن نشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رسول اللَّه ، ونُصدّق القرآن، ونؤمن بالبعث ، ونصلي ونصوم ، فكيف تجعلوننا مثل أولئك ؟
فالجواب : أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدّق رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في شيء ، وكذّبه في شيء ، أنه كافر لم يدخل في الإسلام . وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه ، كمن أقرّ بالتوحيد ، وجحد وجوب الصلاة ، أو أقرّ بالتوحيد والصلاة ، وجحد الزكاة ، أو أقرّ بهذا كله ، وجحد الصوم، أو أقرّ بهذا كله ، وجحد الحج.(1/153)
ولمّا لم ينقد أناس في زمن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - للحج ، أنزل اللَّه في حقهم { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن اللَّه غني عن العالمين }(1)، ومن أقرّ بهذا كله وجحد البعث ، كفر بالإجماع ، وحل دمه وماله ، كما قال جل جلاله : { إن الذين يكفرون باللَّه ورسله ويريدون أن يفرقوا بين اللَّه ورسله ، ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً ( أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً } (2) .
فإذا كان اللَّه قد صرّح في كتابه : أن من آمن ببعض وكفر ببعض، فهو الكافر حقاً ، زالت هذه الشبهة ، وهذه التي ذكرها بعض أهل الأحساء في كتابه الذي أرسل إلينا .
ويقال : إذا كنت تقر أن من صدّق الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء ، وجحد وجوب الصلاة ، أنه كافر حلال الدم والمال بالإجماع ، وكذلك إذا أقر بكل شيء إلا البعث . وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان لا يجحد هذا ، ولا تختلف المذاهب فيه ، وقد نطق به القرآن ، كما قدمنا
فمعلوم : أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فكيف إذا جحد الإنسان شيئاً من هذه الأمور كفر، ولو عمل بكل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر ؟ سبحان اللَّه ، ما أعجب هذا الجهل !!
ويقال - أيضاً - : هؤلاء أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا بني حنيفة (3) وقد أسلموا مع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وهم يشهدون أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رسول اللَّه ، ويؤذنون ويصلون .
فإن قال إنهم يقولون : إن مسيلمة نبي .
__________
(1) ... آل عمران : 97 .
(2) ... النساء : 150-151 .
(3) ... هم مسيلمة الكذاب وأصحابه .(1/154)
قلنا : هذا هو المطلوب ، إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كفر ، وحل ماله ودمه ، ولم تنفعه الشهادتان ، ولا الصلاة ، فكيف بمن رفع شمسان ، أو يوسف (1) ، أو صحابياً ، أو نبياً إلى مرتبة جبار السموات والأرض ؟ سبحان اللَّه ، ما أعظم شأنه! { كذلك يطبع اللَّه على قلوب الذين لا يعلمون } (2) .
ويقال - أيضاً - : الذين حرقهم عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه بالنار كلهم يدّعون الإسلام ، وهم من أصحاب علي ، وتعلموا العلم من الصحابة، ولكن اعتقدوا في عليّ مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما ، فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم ؟
أتظنون أن الصحابة يكفِّرون المسلمين ؟ أتظنون أن الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر ، والاعتقاد في علي بن أبي طالب يكفِّر ؟
__________
(1) ... يوسف وشمسان وتاج ، أسماء لبعض المعتقدين في بعض البلاد ، كالبدوي والدسوقي والمتبولي وأمثالهم في مصر ، وكابن عربي في دمشق . قاله محب الدين الخطيب رحمه اللَّه . فيه ترجمة للطاغوت شمسان في تاريخ نجدص15 –490-324 ،
(2) ... الروم : 59 .(1/155)
ويقال - أيضاً - : بنو عبيد القداح (1) الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس ، كلهم يشهدون أن لا إله إلا اللَّه ، وأن محمداً رسول اللَّه ، ويدَّعون الإسلام ، ويصلون الجمعة والجماعة ، فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه ، أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم ، وأن بلادهم بلاد حرب ، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين .
ويقال - أيضاً - : إذا كان الأولون لم يكفروا ، إلا لأنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والقرآن ، وإنكار البعث ، وغير ذلك، فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب : " باب حكم المرتد" ، وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه ؟ ثم ذكروا أنواعاً كثيرة، كل نوع منها يكفِّر ويُحِلُّ دم الرجل وماله، حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها ، مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب .
__________
(1) ... هم الذين سموا أنفسهم " الفاطميين " كذباً وزوراً ، وهم كما قال فيهم غير واحد من العلماء: " ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض" ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "فإن غاية ما يزعمه أنهم كانوا يظهرون الإسلام والتزام شرائعه ، وليس كل من أظهر الإسلام يكون مؤمناً في الباطن ، إذ قد عُرف في المظهرين للإسلام المؤمن والمنافق، قال اللَّه تعالى : {ومن الناس من يقول آمنا باللَّه واليوم الآخر وما هم بمؤمنين } وهؤلاء القوم يشهد عليهم علماء الأمة وأئمتها وجماهيرها أنهم كانوا منافقين زنادقة ، يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، فالشاهد لهم بالإيمان شاهد لهم بما لا يعلمه ، إذ ليس معه شيء يدل على إيمانهم مثل ما مع منازعيه ما يدل على نفاقهم وزندقتهم ، وكذلك " النسب " قد عُلم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم ، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس أو اليهود " اهـ . انظر : مجموع الفتاوى 35/128 .(1/156)
ويقال - أيضاً - : الذين قال اللَّه فيهم : { يحلفون باللَّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } (1) . أما سمعت اللَّه كفَّرهم بكلمة ، مع كونهم في زمن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ويجاهدون معه ويصلون ويزكون ويحجون ويوحدون ؟
وكذلك الذين قال اللَّه فيهم: { قل أباللَّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } (2) . فهؤلاء الذين صرَّح اللَّه أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك (3) ، قالوا كلمةً ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح .
فتأمل هذه الشبهة وهي قولهم : تكفِّرون من المسلمين أناساً يشهدون أن لا إله إلا اللَّه ، ويصلون ويصومون ؟ ثم تأمل جوابها ، فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق .
ومن الدليل على ذلك - أيضاً - : ما حكى اللَّه عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم أنهم قالوا لموسى : { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة}(4) ، وقول أناس من الصحابة : " اجعل لنا ذات أنواطٍ ، فحلف النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أن هذا نظير قول بني إسرائيل لموسى { اجعل لنا إلهاً } " (5) .
ولكن للمشركين شبهة أخرى يُدْلون بها عند هذه القصة وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك . وكذلك الذين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " اجعل لنا ذات أنواط " لم يكفروا .
فالجواب : أن نقول : إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك ، وكذلك الذين سألوا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلوا ذلك ، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا.
__________
(1) ... التوبة : 74 .
(2) ... التوبة : 65-66 .
(3) ... رواه ابن جرير 10/119 ، وابن أبي حاتم كما في أسباب النزول للوادعي ص77 .
(4) ... الأعراف : 138.
(5) ... سبق تخريجه ص89.(1/157)
وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لو لم يطيعوه ، واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا ، وهذا هو المطلوب .
ولكن هذه القصة تفيد : أن المسلم - بل العالم - قد يقع في أنواع من الشرك، لا يدري عنها ، فتفيد التعلّم والتحرُّز ، ومعرفة أن قول الجاهل "التوحيد فهمناه" : أن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان .
وتفيد - أيضاً - : أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر - وهو لا يدري- فنُبِّه على ذلك وتاب من ساعته أنه لا يكفَّر ؛ كما فعل بنو إسرائيل ، والذين سألوا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - .
وتفيد - أيضاً - : أنه لو لم يكفَّر ، فإنه يُغلّظ عليه الكلام تغليظاً شديداً ، كما فعل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ) .
مضمون هذه الشبهة :
أن من قال : لا إله إلا اللَّه وصلى وصام أنه لا يكفر ولو أشرك مع الله أو كفر ، وهي ما تسمى بمسألة تكفير من قال : لا إله إلا اللَّه .
وهذه الشبهة تعتبر أطول الشبهات رداً ، فقد استغرقت أكثر من ثلاث صفحات ، والسبب أنها تعتبر من أكبر الشبهات التي وجهت لهذه الدعوة ، بل إن الشيخ رد عليها في كثير من كتبه ، فقد رد عليها في كتابه مفيد المستفيد ،
والمصنف رحمه اللَّه بيَّن عظم هذه الشبهة ، حتى قال : ( إنها من أعظم شبههم).
وقد ذكر في الشبه الثلاث الأولى : أنها من أكبر الشبه ، فأصبحت الشبه الكبار في هذا الكتاب أربع : وهي كبيرة لكثرة من يقتنع بها ، لا لأن أدلتهم قوية.
وقد أُثير عن الشيخ بأنه يُكفِّر المسلمين ، ويُكفِّر من قال : لا إله إلا اللَّه ، ولذا فقد تكلّم في كثير من رسائله حول مسألة التكفير لمن قال : لا إله إلا اللَّه ، وتكلّم عنها أئمة الدعوة بعده ، لأنها ما زالت تُثار حتى الآن .(1/158)
ومن أوائل من تولّى هذا الإفك : المدعو سليمان بن سحيم النجدي ، وهو من أشد خصوم الشيخ في نجد ، وقد شوَّه هذه الدعوة ، وكتب إلى كثير من البلدان على أن المصنف يُكفِّر المسلمين .
وتبعه على ذلك ابن عفالق الاحسائي ، فقد قال في رسالته إلى ابن معمر "إن هذا الرجل كفّر الأمة " ، وتابعه القباني في كتابه ( فصل الخطاب ) .
خطوات الرد على هذه الشبهة : وهي من قال : لا إله إلا اللَّه وصلى وصام أنه لا يُكَفّر إذا عبد واستغاث بغير اللَّه .
الخطوة الأولى : ساق المصنف الإجماع على أن من صدَّق بشيء من هذا الدين ، وأنكر شيئاً آخر أنه يكفر ، وضرب لذلك أمثلة :
1 - أن من آمن ببعض الكتاب ، وجحد بعضه فإنه كافر .
2 - أن من أقر بالتوحيد ، وجحد وجوب الصلاة فإنه كافر .
3 - أن من أقر بالتوحيد والصلاة ، وجحد وجوب الزكاة فإنه كافر ، ولو كان يقول لا إله إلا اللَّه .
4 - أن من أقر بالتوحيد والصلاة والزكاة ، وجحد وجوب الصوم فإنه كافر ، ولو كان يقول لا إله إلا اللَّه .
... واستدل بقوله تعالى : { إن الذين يكفرون باللَّه ورسله ويريدون أن يفرقوا بين اللَّه ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً ( أولئك هم الكافرون حقاً } (1) .
... ثم نعود إليهم ونقول : أنتم قلتم لا إله إلا اللَّه ، وصمتم وصليتم ، لكن ما وحدتم ، فآمنتم بشيء وكفرتم بشيء ، فلا ينفعكم قول : لا إله إلا اللَّه بالإجماع .
الخطوة الثانية : قياس الأَوْلى : أو الاستدلال عليهم بما يعتقدونه ، وهي أنكم تقرون أن من صدَّق الرسول ، وجحد وجوب الصلاة أنه كافر
... وأيضاً : أنكم تقرون أن من أقر بكل شيء ، وجحد البعث فهو كافر ، وهنا ندينكم بهذا الاعتقاد ، ونقول : من أقر بكل شيء ولم يوحد اللَّه فهو مشرك كافر بقياس الأَوْلى ؛ لأن التوحيد أعظم من الصلاة
__________
(1) ... النساء : 150-151 .(1/159)
الخطوة الثالثة : الرد بالأمثلة : وقد سرد المصنف ست أمثلة لأُناس يقولون : لا إله إلا اللَّه ، ويصلون ويصومون ، لكن العلماء كفّروهم ، ولم يمنع من تكفيرهم أنهم يقولون : لا إله إلا اللَّه .
المثال الأول : في بني حنيفة أتباع مسيلمة الكذاب (1) : فإنهم يشهدون أن لا إله إلا اللَّه ويُؤذنون ويصلون ، ومع ذلك كفّرهم الصحابة وقاتلوهم ؛ لأنهم رفعوا منزلة شخص إلى مرتبة النبوة ، فقالوا مسليمة نبي ، فكيف بمن رفع شخصاً إلى منزلة الألوهية ، فلا تنفعه الشهادة ولا الصلاة .
المثال الثاني : الذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب أنه إله (2) ، مع أنهم من أصحاب علي ، وتعلموا العلم من الصحابة ، ويقولون : لا إله إلا اللَّه ، ومع ذلك حرَّقهم علي بن أبي طالب في النار ، وأجمع الصحابة على كفرهم ، فلم ينفعهم قول : لا إله إلا اللَّه .
... وأنتم الآن تعتقدون في الأولياء ما اعتقدوا في علي بن أبي طالب فلا ينفعكم قول :
لا إله إلا اللَّه ، مع دعاء الأولياء .
المثال الثالث : في العبيديين : بني عبيد القداح ، ويسمون أنفسهم بالفاطميين : هؤلاء يشهدون أن لا إله إلا اللَّه ، ويدَّعون الإسلام ، ويصلون الجمعة والجماعة ، ومع ذلك أجمع علماء زمانهم ومن بعدهم على كفرهم ، ولم ينفعهم قول لا إله إلا اللَّه ، ولذا قال المصنف : ( وإن بلادهم بلاد حرب ) : أي بلاد العبيديين.
المثال الرابع : ما ذكره العلماء في أبواب الفقه : تحت مسمى "باب حكم المرتد" وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه ، فهذا الباب خاص فيمن يقول لا إله إلا اللَّه ثم يأتي بمكفر ، ولم يقل العلماء : من قال لا إله إلا اللَّه فلا يكفر .
__________
(1) ... انظر : كتاب استتابة المرتدين في صحيح البخاري (6924-6925).
(2) ... أنظره في البخاري (6922) .(1/160)
المثال الخامس : في المنافقين الذين كُفِّروا في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمّا سخروا بالصحابة(1) ، ونزل قول اللَّه تعالى { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون } (2) مع أنهم خرجوا مجاهدين ويقولون لا إله إلا اللَّه ، ومع ذلك كفروا .
المثال السادس : في طلب بعض الصحابة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهم ذات أنواط(3)، فسمى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - طلبهم كطلب بني إسرائيل { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } (4) . ووجه الدلالة أن أهل ذات انواط لو لم يطيعوا لكفروا وإن كانوا يقولون لااله إلا الله وكذلك بني إسرائيل لو لم يطيعوا لكفروا وإن كانوا يقولون لااله إلا الله ،
مسألة : على قصة بني إسرائيل وأهل ذات أنواط التي أوردها المصنف :
وهي أن بني إسرائيل وأصحاب ذات أنواط لم يكفروا بهذا القول ، مع أن المصنف اعتبر قولهم كلام كفر فقال ( وتفيد - أيضاً - : أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر - وهو لا يدري- فنُبِّه على ذلك وتاب من ساعته أنه لا يكفَّر ؛ كما فعل بنو إسرائيل ، والذين سألوا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ) .وسوف يأتي إن شاء الله أنه اعتبر طلبهم شركا أصغر ، فيكون هذا تفسير لكلمة أنه كلام كفر أي كفر أصغر ،
وهنا تكلم المصنف عن إيراد يورده الخصوم على هذه القصة ، ويقولون إن بني إسرائيل لم يكفروا ، وأن الصحابة الذين قالوا " اجعل لنا ذات أنواط " لم يكفروا .
وهنا رد المصنف على هذا الإيراد بقوله :
__________
(1) ... سبق تخريجه ص118.
(2) ... التوبة : 65 .
(3) ... سبق تخريجه ص89.
(4) ... الأعراف : 138 .(1/161)
فالجواب : أن نقول : إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك ، وكذلك الذين سألوا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلوا ذلك ، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا ، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لو لم يطيعوه ، واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا ، وهذا هو المطلوب .
وخلاصة كلام المصنف على ذلك كالتالي: 1 ـ أن أهل ذات أنواط لم يفعلوا وبني إسرائيل لم يفعلوا ، لكن متى زمن قوله ( لم يفعلوا ) قبل النهي أم بعده ؟ وتحديده أمر مهم ، كلام المصنف : أنهم لم يفعلوا بعد النهي لاقبله ولذلك قال (وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لو لم يطيعوه ، واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا ، وهذا هو المطلوب) .
2 ـ أنه اتفق جميع النقل عن المصنف كما سوف يأتي أن صورة طلبهم أنه شرك أصغر،
3 ـ أن قصد المصنف في قوله لكفروا أي لو عاندوا بعد النهي لكن ذلك كفرا ،(1/162)
4 ـ قد يقول قائل ، كيف يكفرون في المعاندة في الشرك الأصغر ؟ فإن طلب الشرك الأصغر أو الكفر الأصغر أو فعله أو قوله لا يزيد عن كونه شركا أو كفرا أصغر فيهما ، فكيف تحول إلى أكبر ، نقول لأن النهي لهم مباشرة وهم المخاطبون به فرده مثل رد النص عن الرسول ، والمعاندة في النصوص وردها وعدم قبولها كفر بالإجماع فهذا هو وجه التكفير ، لا أنهم لو فعلوا قبل النهي أنهم كفروا أو أشركوا ، لأن كلام المصنف أنهم طلبوا الشرك الأصغر ، ومما يدل أن علة التكفير لو وقع هي المعاندة ورد النصوص والمجادلة قول المصنف (قال في تاريخ نجد ص 428 عن هذه القصة : ( أما الشرك الذي يصدر من المؤمن وهو لا يدري مع كونه مجتهدا في اتباع أمر الله ورسوله فأرجو أن لا يخرجه هذا من الوعد وقد صدر من الصحابة أشياء من هذا الباب كحلفهم بآبائهم والكعبة وقولهم ما شاء الله وشاء محمد وقولهم اجعل لنا ذات أنواط ،ولكن إذا بان لهم الحق اتبعوه ولم يجادلوا فيه حمية الجاهلية لمذهب الآباء والعادات )،والشاهد آخره ،
5 ـ إنهم نُبِّهوا على ذلك فتابوا من ساعتهم كما قال المصنف ، أي أنهم لما نُبهوا من الشرك الأصغر والمنبه لهم الرسول تنبهوا ورجعوا ، أما لو كان المنبه أحد العلماء أو الناس فإن عدم الرجوع لا يُسمى كفرا لأنه ليس صريحا في المعاندة ورد النصوص ، وهذا التوجيه الذي قلنا مبني على اختيار المصنف أنهم طلبوا الشرك الأصغر ، وقول المصنف ( واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه ) أي بعد قيام الحجة ، مسألة : لو قال قائل عندنا شيئان :
أ ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمى طلبهم مثل طلب بني إسرائيل (اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة )(1/163)
ب ـ أنهم لو فعلوا بعد النهي لكفروا ، والمصنف أراد في استدلاله الثاني ، فظاهر الأمر الأول أنهم طلبوا إله وهذا شرك أكبر ، وظاهر قول المصنف أنهم طلبوا شركا أصغر فكيف ذلك ؟ والجواب أنهم فعلا كما قال المصنف طلبوا شركا أصغر وهو اختيار ابن تيمية كما في اقتضاء الصراط ، واختاره الشاطبي كما في الموافقات ، ويدل عليه :
1 ـ أنهم عرب ، يفهمون اللغة والمعاني ويعرفون ماذا يريد منهم الرسول فقد دعاهم قبل ذلك ويعرفون أن طلب إله هذه هو دينهم السابق الذي كانوا عليه وتركوه عن علم فكيف يطلبون إله وعزى ولات وقد تركوهما ، 2 ـ أنه مستبعد ذلك منهم لإسلامهم ،
يبقى كيف الإجابة على الآية ؟ يقال هي من باب الاستدلال بالآيات التي نزلت في الشرك الأكبر على الأصغر وهذه طريقة شرعية من أمثلتها استدلال حذيفة بآية ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) وهى في الأكبر ونزّلها حذيفة على الأصغر ، ومنها قول ابن عباس في القضاة الجائرين ( ومن لم يحكم بما أنزل الله ...الآية ) وأصلها في الأكبر ونحو ذلك ، وهذا الكلام كله على اختيار المصنف أن طلبهم في الشرك الأصغر ، والله أعلم ،
والمصنف ذكر قصة ذات أنواط في مواضع أخرى منها :
1 ـ كتاب التوحيد باب من تبرك بشجر أو حجر ، قال في المسائل نذكر بعضها وهو الثانية : معرفة صورة الأمر الذي طلبوا ، الثالثة : كونهم لم يفعلوا ، الرابعة : كونهم قصدوا التقرب إلى الله بذلك لظنهم أنه يحبه ، الحادية عشرة : أن الشرك فيه أكبر وأصغر لأنهم لم يرتدوا بذلك ، الخامسة عشرة : النهي عن التشبه بأهل الجاهلية اهـ ، فعد طلبهم من الشرك الأصغر ،(1/164)
2ـ تاريخ نجد (تحقيق ناصر الدين أسد ) ص 47 قال ( تأمل كيف أفتى صلى الله عليه وسلم وحلف على الفتيا أن هذا مثل قول بني إسرائيل لموسى ( اجعل لنا إلها كما لهم آله ) مع أنهم لم يتلفظوا بذلك وإنما قالوه بالمعنى مع أنهم مجتهدون في ذلك لم يشعروا أن هذا كقول بني إسرائيل ولهذا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين له ذلك جهلا منهم ومع هذا كله أخبر الصادق المصدوق وحلف على هذا الخبر أن هذا كقول بني إسرائيل لموسى سواء بسواء ، ثم قال بعده بأسطر : فإذا كان هذا تغليظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أولئك الصحابة لما طلبوا منه مشابهة المشركين في جعل سدرة لتعليق الأسلحة والتبرك بها والعكوف عندها ، فكيف بما هو أشد من ذلك وهو الشرك الأكبر الذي يفعله اكثر الناس ليومنا هذا / اهـ ) ،(1/165)
3 ـ وقال أيضا في تاريخ نجد ص 428 عن هذه القصة : ( أما الشرك الذي يصدر من المؤمن وهو لا يدري مع كونه مجتهدا في اتباع أمر الله ورسوله فأرجو أن لا يخرجه هذا من الوعد وقد صدر من الصحابة أشياء من هذا الباب كحلفهم بآبائهم والكعبة وقولهم ما شاء الله وشاء محمد وقولهم اجعل لنا ذات أنواط ،ولكن إذا بان لهم الحق اتبعوه ولم يجادلوا فيه حمية الجاهلية لمذهب الآباء والعادات ، وأما الذي يدعي الإسلام وهو يفعل من الشرك الأمور العظام فإذا تليت عليه آيات الله استكبر عنها فليس هذا بمسلم واما الإنسان الذي يفعلها بجهالة ولم يتيسر له من ينصحه ولم يطلب العلم الذي أنزله الله على رسوله بل أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ما حاله ،اهـ والشاهد أنه جعل طلب الصحابة من باب الشرك الأصغر لأن قوله في أول كلامه (أما الشرك ) أي الأصغر وقلنا الأصغر لعدة أدلة أ ـ أنه قال بعدها الذي يصدر من المؤمن أما الأكبر فيصدر من المشرك لا المؤمن ، ب ـ لأنه قرنه بالحلف بالآباء وهو شرك أصغر ، ج ـ قال بعد هذا الكلام وأما الذي يدعي الإسلام وهو يفعل من الشرك الأمور العظام فإذا تليت عليه آيات الله استكبر عنها فليس هذا بمسلم ) دل أن ما قبله غيره إنما هو في الأصغر ،(1/166)
4 ـ الموضع الآخر التي ذكر فيها ذات أنواط ذكرها في رسالة له أرسلها إلى عبد الله بن سحيم قاضي المجمعة في وقته في تاريخ نجد ص 253 يرد فيها على ابن مويس فقال :الأولى قوله إنهما نسبا من قبلهما إلى الخروج من الإسلام والشرك الأكبر أفيظن أن قوم موسى لما قالوا اجعل لنا إلها خرجوا من الإسلام أفيظن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قالوا اجعل لنا ذات أنواط فحلف لهم أن هذا مثل قول قوم موسى اجعل لنا إلها أنهم خرجوا من الإسلام أيظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعهم يحلفون بآبائهم فنهاهم وقال من حلف بغير الله فقد أشرك أنهم خرجوا من الإسلام إلى غير ذلك من الأدلة التي لا تحصر فلم يفرق بين الشرك المخرج عن الملة من غيره ولم يفرق بين الجاهل والمعاند ،اهـ الشاهد قوله أفيظن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قالوا اجعل لنا ذات أنواط فحلف لهم أن هذا مثل قول قوم موسى اجعل لنا إلها أنهم خرجوا من الإسلام ،أي ليس شركا أكبر بل أصغر لم يخرجهم من الإسلام ،
5 ـ الموضع الآخر التي ذكر فيها ذات أنواط ما نقله عن ابن تيمية في أنها من باب الأصغر ومن باب المشابهة بالمشركين الذي يوصل إلى الشرك الأكبر بعينه ،فنقل عن ابن تيمية قوله في اقتضاء الصراط المستقيم إذا كان كلامه صلى الله عليه وسلم في مجرد قصد شجرة لتعليق الأسلحة والعكوف عندها فكيف بما هو أعظم منها الشرك بعينه بالقبور ونحوها اهـ ) ،(1/167)
وقول المصنف (ولكن هذه القصة ) إلى أي شئ يرجع الضمير في قوله( هذه القصة )هل تعود إلى قصة بني إسرائيل أو ذات أنواط ؟ يحتمل هذا و يحتمل هذا ، والظاهر أن المصنف أراد كلا القصتين بدليل قوله لما ذكر قصة بني إسرائيل و ذات انواط قال (ومن الدليل على ذلك - أيضاً - : ما حكى اللَّه عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم أنهم قالوا لموسى : { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة}(1) ، وقول أناس من الصحابة : " اجعل لنا ذات أنواطٍ ، فحلف النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أن هذا نظير قول بني إسرائيل لموسى { اجعل لنا إلهاً } " (2) . ولكن للمشركين شبهة أخرى يُدْلون بها عند هذه القصة وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك . وكذلك الذين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " اجعل لنا ذات أنواط " لم يكفروا ) وهذا النقل وأضح فيه أنه أراد القصتين حيث دمجهما في موضع واحد ،
ثم ذكر أن قصة بني إسرائيل و ذات أنواط تفيد خمس فوائد:
الفائدة الأولى : أن المسلم الجاهل قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها فدل أنه يجتمع الجهل مع الشرك ، ويسمى مشركا مع جهله،
ثم قال المصنف ( بل العالم ) أي قد يقع في أنواع من الشرك وهو لا يدري عنها ، وهذا فيه إشكال : كيف يكون عالماً ويقع في أنواع من الشرك ؟ وإذا كان المسلم العادي لا يعذر بفعل الشرك إذا كان عائشاً مع المسلمين فما بالكم بالعالم ، فإنه من باب أولى يكفر ، ولذا فإنه يكفر إذا قام به الشرك لأنه عالم، هذا إذا أخذناها على ظاهرها .
__________
(1) ... الأعراف : 138.
(2) ... سبق تخريجه ص89.
راجع في ذات انواط كلام ابنه عبد الله في الرسائل والمسائل القسم الأول من الجزء الأول ص201،(1/168)
إلا أن يقال العالم بحسب اعتقاده هو ، وبحسب اعتقاد الناس فيه ، وإلا فهو في الواقع وفي حقيقة الأمر أنه ليس بعالم . أو يقال : أي العالم بغير التوحيد - مثل العالم بالفقه - فإنك تجد عالماً متبحراً في الفقه لكنه مشركا ، ويجيز الشرك الأكبر ، فيسمى عالماً من جهة وجاهلاً من جهة أخرى.
الفائدة الثانية : أن هذه القصة تفيد التعلم والتحرز .
الفائدة الثالثة : أنه لابد من تكرار تدريس التوحيد وشرحه ،و تفهيم الناس له حتى يفهموه فهماً جيداً ، فإذا كان هؤلاء من الصحابة حصل مهم ما حصل فما بالك بغيرهم .
الفائدة الرابعة : أنها تفيد أن المسلم المجتهد إذا تكلّم بكلام كفر وهو لا يدري فنُبه على ذلك ، فتاب من ساعته فإنه لا يكفر ، كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - . أما لو وقع في الشرك الأكبر وفعله فإنه يُسمى مشركا ويلحقه اسم الشرك ، أما الكفر فان كان حديث عهد فلا يكفر حتى تُقام عليه الحجة ، وفرق بين اسم الشرك وبينه وبين اسم الكفر بالنسبة للجاهل كما هو قول المصنف ،
وقول المصنف ( المسلم المجتهد ) أي المجتهد بفعله ، ويقصد به المتأول، كما تقول لفلان يعمل بجد واجتهاد ، لا أنه من أهل الاجتهاد والعلماء ، ولذا قوله (المسلم المجتهد ) يقصد به المعذور، حتى يخرج غير المعذور .
وسبب التقييد حتى لا يقول قائل إن المسلم إذا وقع في الكفر لا يكفر، وإن العالم إذا وقع في الكفر لا يكفر ، وإن المجتهد إذا وقع في الكفر لا يكفر ، وجعْلِها هكذا بإطلاق دون التقييد الذي ذكرنا فإنه يؤدي إلى رد النصوص القطعية .
الفائدة الخامسة : أن من وقع في الكفر وهو معذور فيه فإنه لا يكفر ، لكن يُغلّظ عليه الكلام ويشدد عليه كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - . أما من وقع في الشرك الأكبر بالفعل فيسمى مشركا خارجا عن الملة ،
ملاحظة : في قول المصنف في الشبهة التاسعة :(1/169)
قال ( ولمّا لم ينقد أناس في زمن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - للحج أنزل اللَّه في حقهم { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } (1) ) .
ظاهر صنيع المصنف أن هذا سبب نزول الآية ، وفي كتاب (لباب النقول في أسباب النزول) للسيوطي قال : أخرج سعيد بن منصور عن عكرمة قال : لما نزلت { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً ... } (2) الآية ، قالت اليهود : فنحن المسلمون فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إن اللَّه فرض على المسلمين حج البيت ، فقالوا : لم يُكتب علينا ، وأبوا أن يحجوا ، فأنزل اللَّه : { ولله على الناس حج البيت } " (3).
ويكون الإيهام في قول المصنف ( أناساً ) : أي من اليهود ، وظاهر هذا السند أنه مقطوع ؛ لأنه من قول عكرمة وهو من التابعين ، وقول التابعي يسمى مقطوعاً اصطلاحاً ، فيكون حتى الآن لم يثبت لنا سبب صحيح في سبب النزول.
وبذلك يكون قد انتهى القسم الثاني من الكتاب وقد استعرض المصنف شبههم التسعة ورد عليها ، منها أربع شبه كبار .
القسم الثالث
__________
(1) ... آل عمران : 97 .
(2) ... آل عمران : 85 .
(3) ... انظره في كتاب ( لباب النقول في أسباب النزول ) للسيوطي ص55 ، سورة آل عمران.(1/170)
أمَّا القسم الثالث من الكتاب ، فقد استعرض أدلتهم بعدما ناقش شبههم ، إلا أنه لم يستعرض كثيراً من الأدلة ، كما استعرض كثيراً من الشبه ، وإنَّما اكتفى ببعض الأدلة وهي أربعة ،لكن يشكل علينا أن قول المصنف هنا ( وللمشركين شبهة أخرى يقولون : إن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنكر على أسامة ..... الخ ) معطوف على قوله في المقطع الذي قبله وهو قوله (ولكن للمشركين شبهة أخرى يُدْلون بها عند هذه القصة وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك . وكذلك الذين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " اجعل لنا ذات أنواط " لم يكفروا ) ثم أجاب عن ذلك ثم قال وللمشركين شبهة أخرى ....الخ ، فلماذا جعلنا بداية القسم من قوله وللمشركين شبهة أخرى يقولون : إن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنكر على أسامة ..... الخ وهي الثانية ولم نجعله يبدأ من قوله ولكن للمشركين شبهة أخرى يُدْلون بها عند هذه القصة وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل وهى السابقة في الترتيب ؟ الجواب أن قوله الأول قاله من باب الاستطراد ، وإلا فهو تابع لما قبله ولم نجعل ما جاء به مستطردا ثانويا فنفرده في قسم آخر غيره ، لكن لما جاء بالكلام الآخر وللمشركين شبهة هنا علمنا أنه أراد الأدلة فجعلناه بداية الاستقلال بقسم جديد ، والله أعلم ، وعلى هذا فالأدلة في الحقيقة خمسة هنا أربعة مستقلة وواحد قبلها استطرادي تابع لمتبوع ،
ويبدأ القسم الثالث من قول المصنف :(1/171)
قال المصنف رحمه اللَّه تعالى : ( وللمشركين شبهة أخرى يقولون : إن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنكر على أسامة قتل من قال : لا إله إلا اللَّه ، وقال له : " أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا اللَّه " (1) ، وكذلك قوله : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا اللَّه " (2) ، وأحاديث أخرى في الكفّ عمّن قالها ، ومراد هؤلاء الجهلة أن من قالها لا يُكفّر ولا يُقتل ولو فعل ما فعل .
فيقال لهؤلاء الجهلة : معلوم أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون : لا إله إلا اللَّه ، وأن أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رسول اللَّه ويصلون ويدّعون الإسلام ، وكذلك الذين حرّقهم علي بن أبي طالب بالنار .
وهؤلاء الجهلة يقولون : إن من أنكر البعث كفر وقُتل ولو قال : لا إله إلا اللَّه ، وأن من جحد شيئاً من أركان الإسلام كفر وقتل ولو قالها ، فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعاً من الفروع ؟ وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أساس دين الرسل ورأسه ، ولكن أعداء اللَّه ما فهموا معنى الأحاديث .
فأمَّا حديث أسامة فإنه قتل رجلاً ادّعى الإسلام ، بسبب أنه ظن أنه ما ادّعى الإسلام إلا خوفاً على دمه وماله ، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبيّن منه ما يخالف ذلك ، وأنزل اللَّه تعالى في ذلك : { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللَّه فتبيّنوا } (3) أي تثبتوا ، فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت ، فإذا تبيّن منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله تعالى {فتبينوا} .
__________
(1) ... رواه البخاري في المغازي (4269) ، ومسلم في الإيمان (96).
(2) ... رواه البخاري في التوحيد (7510) ، ومسلم في الإيمان (193) عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه .
(3) ... النساء : 94 .(1/172)
ولو كان لا يُقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى ، وكذلك الأحاديث الأخر وأمثالها ، معناها ما ذكرناه وأنّ من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه إلا أن يُتبيَّن منه ما يناقض ذلك ، والدليل على هذا أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي قال: "أقتلته بعدما قال : لا إله إلا اللَّه ؟ " هو الذي قال في الخوارج : " أينما لقيتموهم فاقتلوهم ، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " (1) مع كونهم من أكثر الناس عبادة ، وتهليلاً وتسبيحاً، حتى إن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم، وتعلّموا العلم من الصحابة فلم تنفعهم لا إله إلا اللَّه ولا كثرة العبادة، ولا ادّعاء الإسلام لمّا ظهر منهم مخالفة الشريعة .
وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود وقتال الصحابة بني حنيفة ، وكذلك أراد - صلى الله عليه وسلم - أن يغزو بني المصطلق لمّا أخبره رجل منهم أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل اللَّه { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا } (2) ، وكان الرجل كاذباً عليهم (3) ، وكل هذا يدل على أن مراد النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه .
__________
(1) ... أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3344) ، وفي المغازي (4351) ، وفي التوحيد (7432) ، ورواه مسلم في الزكاة (1064) ، وأبو داود في السنة (4749) و(4750) كلهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه .
(2) ... الحجرات : 6 .
(3) ... أخرجه أحمد 2/279 ، والطبراني 3/310-311 ، وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير 7/351، من حديث الحارث بن ضرار الخزاعي ، وأورد الهيثمي في المجمع 7/109 وقال : رجال أحمد ثقات ( متن كشف الشبهات بتخريج بدر البدر ) .(1/173)
ولهم شبهة أخرى وهي ما ذكر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح ، ثم بإبراهيم ، ثم بموسى ، ثم بعيسى ، فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (1) ، قالوا : فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير اللَّه ليست شركاً.
والجواب أن نقول : سبحان من طبع على قلوب أعدائه ، فإن الاستغاثة بالملخوق فيما يقدر عليه لا ننكرها ، كما قال تعالى في قصة موسى { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه } (2) .
وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب أو غيره في أشياء يقدر عليها المخلوق ، ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا اللَّه .
إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا اللَّه أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف ، وهذا جائز في الدنيا والآخرة ، وذلك أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كلامك، تقول له : ادعُ اللَّه لي كما كان أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يسألونه ذلك في حياته ، وأمَّا بعد موته ، فحاشا وكلا أنهم سألوا ذلك عند قبره ، بل أنكر السلف على من قصد دعاء اللَّه عند قبره ، بدعائه نفسه ؟ بأبي هو وأمي .
ولهم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم لمّا ألقي في النار اعترض له جبريل في الهواء فقال له : ألك حاجة ؟ فقال إبراهيم أمَّا إليك فلا (3) ،
__________
(1) ... رواه البخاري في التوحيد (7510) ، ومسلم في الإيمان (193) ، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه .
(2) ... القصص : 15 .
(3) ... أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره 17/45 ، وذكر هذه القصة البغوي في تفسيره 5/327، قال ابن عراق في " تنزيه الشريعة " 1/250 : قال ابن تيمية : موضوع ، وقال الألباني في الضعيفة 1/28 : لا أصل له .
... وذكر ابن تيمية أن آخر الحديث وهو قوله : " حسبي من سؤالي " أن هذا كلام باطل من ثلاثة أوجه ، راجعها في الفتاوى 8/539 .(1/174)
فقالوا : فلو كانت الاستغاثة شركاً لم يعرضها على إبراهيم .
فالجواب : أن هذا من جنس الشبهة الأولى فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمرٍ يقدر عليه ، فإنه كما قال اللَّه تعالى فيه : { شديد القوى } (1) ، فلو أذن له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل ، ولو أمره اللَّه أن يضع إبراهيم عنهم في مكان بعيد لفعل ، ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل ، وهذا كرجل غني له مال كثير يرى رجلاً محتاجاً فيعرض عليه أن يقرضه ويهبه شيئاً يقضي به حاجته فيأبى ذلك المحتاج أن يأخذ ، ويصبر إلى أن يأتيه اللَّه برزق لا منة فيه لأحد ، فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟).
قوله : ( ولهم شبهة أخرى ) : على تقدير محذوف ، أي : ولهم أدلة على شبه أخرى ، وسبب التقدير أن هناك محذوفاً لأن السياق يدل على أن المصنف قصد أدلة ورد عليها وليست شبهاً مستقلة ، كما فعل في القسم السابق ، والآن نستعرض أدلة الشبه والرد عليها :
دليلهم الأول :
استدلوا بحديث أسامة : " أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنكر عليه لمّا قتل من قال : لا إله إلا اللَّه " .
تخريج الحديث : متفق عليه . واستدلوا بهذا الحديث لمنع تكفير وقتل من قال : لا إله إلا اللَّه . قالوا : لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لأسامة : أقتلته بعدما قال : لا إله إلا اللَّه ، وهذا إنكار على أسامة .
خطوات الرد على هذا الدليل : رد المصنف بردين :
الرد الأول :
... بيّن لهم التفسير الصحيح لمعنى حديث أسامة وهو كالتالي :
... أن الرجل إذا دُعي إلى الإسلام فأظهر الإسلام وقال : لا إله إلا اللَّه ، وجب الكفُّ عنه ، لكن ليس كفاً مطلقاً ، وإنَّما كف مؤقت حتى يتبيَّن منه استمراره على الإسلام ، أو يوجد منه ناقض ، فإن تبيَّن منه ناقض ، فإنه يجب تكفيره وقتله وإن قال لا إله إلا اللَّه .
__________
(1) ... النجم : 5 .(1/175)
... والرسول - صلى الله عليه وسلم - طلب من أسامة ألاَّ يقتله حتى ينتظر فيرى هل هو صادق أم لا ، لا أنه لا يقتله أبداً ، والدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " أشققت صدره " .
وذكر المصنف ما يدل على شرحه للحديث بآية ، وهي قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللَّه فتبيّنوا } (1) ، أي : تثبتوا ، فإنها تدل على أنه يجب الكف والتثبت ، فإن تبيَّن منه بعد ذلك ما يُخالف الإسلام ، وجب قتله ، لقوله {فتبينوا} . ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى .
الرد الثاني : الرد بالأمثلة على أناس قالوا : لا إله إلا اللَّه وقُتلوا :
أ - في اليهود : أنه قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون لا إله إلا اللَّه .
... ومِمَّا يدل على أن اليهود يقولون : لا إله إلا اللَّه ، قوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا اللَّه } (2) ، والكلمة السواء هي قول : لا إله إلا اللَّه ، التي هم يقولونها .
ب - في بني حنيفة (3) وهم يشهدون أن لا إله إلا اللَّه فقوتلوا وقُتلوا .
جـ - الذين حرّقهم علي بن أبي طالب بالنار (4) ، يقولون لا إله إلا اللَّه وقتلوا. ويسمون الغالية وهم أوائل الرافضة .
د - أن الخوارج يقولون لا إله إلا اللَّه فقوتلوا وقُتلوا (5) .
هـ - ما تعتقدونه أنتم مِنْ أن مَنْ أنكر البعث قُتل .
__________
(1) ... النساء : 94 .
(2) ... آل عمران : 64 .
(3) ... سبق تخريجه ص122.
(4) ... سبق تخريجه ص122.
(5) ... انظر : باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم ، من كتاب استتابة المرتدين في البخاري رقم (6930-6931).(1/176)
... وقد يقول قائل : لماذا كرر المصنف هذه الأمثلة ، وقد ذكرها قبل ذلك في الشبهة التاسعة ؟ فالجواب : ليس فيه تكرار ، فإن هذه الأمثلة ساقها المؤلف في الشبه السابقة، ليُبين أن قول لا إله إلا اللَّه لا تمنع من التكفير فقط . وهنا سيقت على أنها لا تمنع من القتال والقتل ، وفرق بين التكفير والقتل .
و - في بني المصطلق (1) ، فإنهم يقولون لا إله إلا اللَّه ، وقد عزم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على غزوهم لما منعوا الزكاة ، فلم يمنع قولهم لا إله إلا اللَّه أن يقاتلوا ويغزوا .
دليلهم الثاني :
ذكر المصنف الدليل الثاني الذي يستدل به أهل الشبه ، وهو حديث ابن عمر ، قال : قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه " (2) . متفق عليه
وجه الاستدلال به : استدل بهذا الحديث المشركون أهل الشبه على أنه لا يجوز قتال من قال لا إله إلا اللَّه .
خطوات الرد على هذا الدليل :
مثل خطوات الرد على حديث أسامة تماماً :
الخطوة الأولى : أن التفسير الصحيح لحديث ابن عمر: أن قول لا إله إلا اللَّه تعصم من القتل ما لم يأت بمكفر ، فإن أتى بمكفر ، أو شرك فلا عصمة له .
الخطوة الثانية : الرد بنفس الأمثلة التي ذكرت في حديث أسامة في أناس قالوا : لا إله إلا اللَّه لكن أتوا بمكفر فلم ينفعهم قول لا إله إلا اللَّه في دفع القتل عنهم.
دليلهم الثالث :
... يبدأ من قول المصنف ( ولهم شبهة أخرى وهي ما ذكر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - : أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم ... إلخ ) . قول المصنف : ( ولهم شبهة أخرى ) أي ولهم دليل شبهة أخرى . أمَّا هذا الدليل فهو حديث الشفاعة الطويل ، والحديث في الصحيح : " أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم ...، فينتهون إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث" (3) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ص128.
(2) ... سبق تخريجه ص127.
(3) ... سبق تخريجه ص10.(1/177)
قالوا : فهذا يدل على جواز الاستغاثة بغير اللَّه ، لأن هؤلاء استغاثوا بالأنبياء.
خطوات الرد على هذا الدليل :
الخطوة الأولى : نفي استدلالهم ، فهذا الحديث يدل دلالة مطابقة على أن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه وهو حيّ قادر يسمعك ، أن هذا جائز . ثم يقال -أيضاً- : إن الناس ذهبوا إلى الأنبياء ، وهم في ذلك الوقت أحياء وسألوهم ما يقدرون عليه ، وهي أن يشفعوا عند اللَّه . وأمَّا دعواكم فهي أعم من الاستدلال ، فأنتم تقولون : أنه يجوز الاستغاثة بالأنبياء وهم أموات .
الخطوة الثانية : أنكم تسألون الأولياء ما لا يقدرونه ، فهم الآن أموات ، ويجاء بحديث "إذا مات ابن آدم انقطع عمله ... الحديث " (1) ، وشفاعتهم لكم عمل وهو الآن منقطع .
الخطوة الثالثة : الرد بالقرآن : أن يقال هذا نظير قوله تعالى { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه } (2) .
هنا استغاثوا بموسى وهو حي قادر ، وفرق بين الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه ، والاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه .
الخطوة الرابعة : رد عقلي : وضَّحه المصنف بمثال ، فقال : ( مثل أن تأتي عند رجل صالح حي يُجالسك ويسمع كلامك ، وتقول له ادع اللَّه لي ، أمَّا أن تأتي لمن مات وتقول له اشفع لي عند اللَّه ، هذا هو محل النزاع ) .
دليلهم الرابع :
من قول المصنف ( ولهم شبهة أخرى وهي : قصة إبراهيم لما ألقي في النار اعترض له جبريل فقال " ألك حاجة " فقال : أمَّا إليك فلا (3) .... ) إلخ .
قالوا : هذا يدل على جواز الاستغاثة بغير اللَّه ؛ لأن إبراهيم لم ينكر على جبريل هذا .
تخريج الحديث : هذا الحديث رواه البغوي في تفسير سورة الأنبياء في قصة إبراهيم، رواه عن كعب الأحبار لكنه ساقه بغير سند .
__________
(1) ... رواه مسلم في الوصية (1631) ، والنسائي (3651) ، الترمذي (1376).
(2) ... القصص : 15 .
(3) ... سبق تخريجه ص130.(1/178)
قال ابن تيمية في كتاب (التوسل والوسيلة) : " أمَّا ما يُرَدد أن الخليل قال له جبريل ... ثم ساق القصة ، ثم قال : ليس له سند معروف وهو باطل ، بل الذي ثبت في صحيح البخاري أن إبراهيم قال : "حسبي اللَّه ونعم الوكيل " (1) .
فتكون القصة باطلة سنداً ومتناً ، والقصة ذكرها ابن جرير في سورة الأنبياء ، لكنه لم يذكر قصة العرض هذه . ومع ذلك تنزَّل معهم المصنف في نقاش استدلالهم بهذه القصة .
خطوات رد المصنف :
الخطوة الأولى : التفسير الصحيح لهذه القصة ، قال : إن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه ، وسؤال الإنسان ما يقدر عليه وهو حي قادر جائز .
الخطوة الثانية : رد عقلي وضَّحه بمثال : قال : ( مثل رجل غني له مال كثير ويرى رجلاً محتاجاً ، فيعرض عليه أن يقرضه ، أو أن يهب له شيئاً فيأبى ذلك الرجل ويصبر حتى يرزقه اللَّه رزقاً لا مِنَّة لأحد فيه ) .
الخطوة الثالثة : يرد عليهم ببطلان القصة ويُطالبون بإثباتها .
وهنا نكون انتهينا من الشبه التسع والرد عليها ومن استدلالاتهم الخمس أو الأربع والرد عليها ، فنذكر فصلا في تتمة لشبة من كتب أخرى والرد عليها تتميما للفائدة وهى :
فصل في التتمات
وقبل الانتقال إلى القسم الأخير نذكر التتمات التي فيها شبهات والرد عليها ،
أولا :
الشبهات التي في كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب والرد عليها ومن الشبهات التي كشفها المصنف وفندها ، : قولهم إن ابن تيمية لا يكفر المعين ولذا قال المصنف ( وأنا أذكر لفظه ( أي ابن تيمية ) الذي احتجوا به على زيغهم ثم ذكره فقال ( قال ابن تيمية أنا أعظم الناس نهيا أن ينسب معين إلى تكفير أو تبديع أو تفسيق أو معصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة وفاسقا أخرى وعاصيا أخرى اهـ كلام ابن تيمية ،
__________
(1) ... رواه البخاري في التفسير (4563).(1/179)
هذه هي الشبهة التي تمسكوا بها وبنوا عليها أن ابن تيمية لا يكفر المعين ، وأخذوا صدر كلامه (أنا أعظم الناس نهيا أن ينسب معين إلى تكفير) وتركوا ما بعدها ،
وهذه الشبه موجودة في وقتنا الحاضر، فيوجد من يمتنع عن تكفير العين وإنما يكفر النوع ويقول إن هذا هو قول ابن تيمية ،
أما كشف المصنف لهذه الشبهة فقال ما ملخصه :
1 ـ إن كلام ابن تيمية قبل أن تبلغه الحجة لقوله (إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة )
2 ـ رد المصنف الثاني : أن كلام ابن تيمية السابق في المسائل الخفية وليس في المسائل الظاهرة التي يعلمها الخاصة والعامة من المسلمين ، ثم ذكر نصا لابن تيمية مأخوذ من كتابه ( نقض المنطق ) ذكر فيه مثالا على ذلك في ردة أحد المتكلمين وذكر اسمه لما صنف في دين المشركين ، ووجه الدلالة أنه لم يقل حتى تقام عليه الحجة ، بل لا يتصور ذلك لأنه مات قبل عصر ابن تيمية ،
3 ـ الرد الثالث ذكر نصوصا لابن تيمية تدل على أنه يكفر المعين ، مثل تكفيره فيمن غلا في علي بن أبي طالب أو الصالحين أو المسيح عليه السلام ، وجه الدلالة على التعين قوله يستتاب ، ولا يقال يستتاب إلا لمعين ، وما ذكر من قتال المرتدين وتكفيرهم ، وهم معينون ، ومن تكفير ابن سيناء وهو معين ، ومن تكفير الرازي وهو معين ، ( ملخصا ) 0
شبهة أخرى ذكرها المصنف أثيرت على ابن القيم ناتجة عن سوء فهم لترتيب كلام ابن القيم فقالوا إنه يقول إن الذبح والنذر لغير الله من الشرك الأصغر ، وذلك أن ابن القيم في فصل في كتاب مدارج السالكين ذكر أمثلة للشرك الأكبر ثم قال فصل أما الشرك الأصغر ثم ذكر له أمثلة ثم قال ومن أنواع هذا الشرك سجود المريد والنذر لغير الله والتوكل على غير الله وطلب الحوائج من الموتى اهـ ملخصا ،(1/180)
فظن أهل الباطل أن هذا الكلام يتبع الشرك الأصغر ، فبنوا عليه أن ابن القيم يعتبرأن النذر لغير الله ...الخ من الأصغر ، فبين لهم المصنف أن هذا الكلام في الشرك الأكبر وليس الأصغر ، وهذا يقع في الوقت الحاضر لبعض الناس فيفهم من كلام العلماء مالم يقصدوه ، ولم يكن ممارسا لكلامهم ، ومعتادا على ألفاظهم فيخطئ الفهم ،
ثانيا :
الشبهات التي في كتاب تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب والرد عليها ، قال الشيخ سليمان في باب من الشرك أن يستغيث بغير الله ص 207
قال (ولكن لعباد القبور شبهات ذكر المصنف ( يقصد جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب ) كثيرا منها في كشف الشبهات ونحن نذكر هنا ما لم يذكره ثم ذكر ذلك على النحو التالي :
الشبهة الأولى :
أن عباد القبور احتجوا بحديث رواه الترمذي في جامعه حيث قال حدثنا محمود بن غيلان ثنا عثمان بن عمرو ثنا شعبة عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله أن يعافيني قال إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك قال فادعه فأمره أن يتوضأ ويحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني توجهت به إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي اللهم فشفعه في قال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من رواية أبي جعفر وهو غير الخطمي هكذا رواه الترمذي ورواه النسائي وابن شاهين والبيهقي كذلك وفي بعض الروايات يا محمد إني أتوجه إلى آخره وهذه اللفظة هي التي تعلق بها المشركون وليست عند هؤلاء الأئمة قالوا فلو كان دعاء غير الله شركا لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى هذا الدعاء الذي فيه نداء غير الله اهـ
ثم رد عليهم بالخطوات التالية :(1/181)
1 ـ تضعيف الحديث ، حيث ناقش الترمذي في تصحيحه فقال : إن هذا الحديث من أصله وإن صححه الترمذي فإن في ثبوته نظرا لأن الترمذي يتساهل في التصحيح كالحاكم لكن الترمذي أحسن نقدا كما نص على ذلك الأئمة ووجه عدم ثبوته أنه قد نص أن أبا جعفر الذي عليه مدار هذا الحديث هو غير الخطمي وإذا كان غيره فهو لا يعرف ولعل عمدة الترمذي في تصحيحه أن شعبة لا يروي إلا عن ثقة وهذا فيه نظر فقد قال عاصم بن علي سمعت شعبة يقول لو لم أحدثكم إلا عن ثقة لم أحدثكم إلا عن ثلاثة وفي نسخة عن ثلاثين ذكره الحافظ العراقي وهذا اعتراف منه بأنه يروي عن الثقة وغيره فينظر في حاله و يتوقف الاحتجاج به على ثبوت صحته ،(1/182)
2 ـ أنه في غير محل النزاع فأين طلب الأعمى من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له وتوجهه بدعائه مع حضوره من دعاء الأموات والسجود لهم ولقبورهم والتوكل عليهم والالتجاء إليهم في الشدائد والنذر والذبح لهم وخاطبهم بالحوائج من الأمكنة البعيدة يا سيدي ويا مولاي افعل كذا فحديث الأعمى شيء ودعاء غير الله تعالى والاستغاثة به شيء آخر فليس في حديث الأعمى شيء غير أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ويشفع له فهو توسل بدعائه وشفاعته ولهذا قال في آخره اللهم فشفعه فيّ فعلم أنه شفع له وفي رواية أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له فدل الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم شفع له بدعائه وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره هو أن يدعو الله ويسأله قبول شفاعته فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غير الله شرك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يسأل قبول شفاعته فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعى ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يقدر على شفائه إلا بدعاء الله له فأين هذا من تلك الطوام ، والكلام إنما هو في سؤال الغائب أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله أما أن تأتي شخصا يخاطبك فتسأله أن يدعو لك فلا إنكار في ذلك على ما في حديث الأعمى فالحديث سواء كان صحيحا أو لا وسواء ثبت قوله فيه يا محمد أو لا ، لا يدل على سؤال الغائب ولا على سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله بوجه من وجوه الدلالات ومن ادعى ذلك فهو مفتر على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه إن كان سأل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه فهو لم يسأل منه إلا ما يقدر عليه وهو أن يدعو له وهذا لا إنكار فيه وإن كان توجه به من غير سؤال منه نفسه فهو لم يسأل منه وإنما سأل من الله به سواء كان متوجها بدعائه كما هو نص أول الحديث وهو الصحيح أو كان متوجها بذاته على قول ضعيف فإن التوجه بذوات المخلوقين والإقسام بهم على الله بدعة منكرة لم تأت(1/183)
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه والتابعين لهم بإحسان ولا الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة الدين قال أبو حنيفة لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وقال أبو يوسف أكره بحق فلان وبحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت والمشعر الحرام وقال القدوري المسألة بحق المخلوق لا تجوز فلا يقول أسألك بفلان أو بملائكتك أو أنبيائك ونحو ذلك لأنه لا حق للمخلوق على الخالق واختاره العز بن عبد السلام إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم خاصة إن ثبت الحديث يشير إلى حديث الأعمى وقد تقدم أنه على تقدير ثبوته ليس فيه إلا أنه توسل بدعائه لا بذاته وقد ورد في ذلك حديث رواه الحاكم في مستدركه فأبعد النجعة من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى العرش فقال أسألك بحق محمد إلا غفرت لي الحديث وهو حديث ضعيف بل موضوع لأنه مخالف للقرآن قال تعالى قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين فهذا هو الذي قاله آدم قال الذهبي في هذا الحديث أظنه موضوعا وعبد الرحمن بن زيد متفق على ضعفه قال ابن معين ليس حديثه بشيء ،
3 ـ الرد الثالث أن قوله يا محمد إني أتوجه الخ لم تثبت في اكثر الروايات وبتقدير ثبوتها لا يدل على جواز دعاء غير الله لأن هذا خطاب لحاضر معين يراه ويسمع كلامه ولا إنكار في ذلك فإن الحي يطلب منه الدعاء كما يطلب منه ما يقدر عليه فأين هذا من دعاء الغائب والميت لو كان أهل البدع والشرك يعلمون 0
الشبه الثانية :(1/184)
واحتجوا أيضا بحديث رواه أبو يعلى وابن السني في عمل اليوم والليلة فقال ابن السني حدثنا أبو يعلى ثنا الحسن بن عمرو بن شقيق ثنا معروف بن حسان ثنا أبو معاذ السمرقندي عن سعيد عن قتادة عن أبي بردة عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فليناد يا عباد الله احبسوا هكذا في كتاب ابن السني وفي الجامع الصغير فإن لله عز وجل في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم ،
ثم أجاب عن هذه الشبة فقال :
1 ـ الجواب الأول : أن هذا الحديث مداره على معروف بن حسان وهو أبو معاذ السمرقندي فقوله في الأصل ثنا أبو معاذ السمرقندي خطأ أظنه من الناسخ قال ابن عدي منكر الحديث وقال الذهبي في الميزان قال ابن عدي منكر الحديث قد روى عن عمرو بن ذر نسخة طويلة كلها غير محفوظة وقال السيوطي حديث ضعيف وأقول بل هو باطل إذ كيف يكون عند سعيد عن قتاده ثم يغيب عن أصحاب سعيد الحفاظ الأثبات مثل يحيى القطان وإسماعيل بن علية وأبي أسامة وخالد بن الحارث وأبي خالد الأحمر وسفيان وشعبة وعبد الوارث وابن المبارك والأنصاري وغندر وابن أبي عدي ونحوهم حتى يأتي به هذا الشيخ المجهول المنكر الحديث فهذا من أقوى الأدلة على وضعه ،
2 ـ الجواب الثاني : وبتقدير ثبوته لا دليل فيه لأن هذا من دعاء الحاضر فيما يقدر عليه كما قال فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم ،
الشبهة الثالثة :(1/185)
واحتجوا أيضا بحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير فقال حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المصري ثنا أصبغ بن الفرج ثنا ابن وهب عن أبي سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المديني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي ابن حنيف فشكا إليه ذلك فقال له عثمان بن حنيف أئت الميضأة فتوضأ ثم أئت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك ليقضي لي حاجتي الحديث ،
ثم أجاب عن هذه الشبة فقال :
1 ـ الجواب الأول أن راوية طاهر بن عيسى ممن لا يعرف بالعدالة بل هو مجهول قال الذهبي طاهر بن عيسى بن قيرس أبو الحسين المصري المؤدب عن سعيد ابن أبي مريم ويحيى بن بكير وأصبغ بن الفرج وعنه الطبراني توفي سنة اثنتين و تسعين ومائتين ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو إذا مجهول الحال لا يجوز الاحتجاج بخبره لا سيما فيما يخالف نصوص الكتاب والسنة ،
2 ـ الجواب الثاني قوله عن أبي سعيد المكي أشد جهالة من الأول فإن مشايخ ابن وهب المكيين معروفون كداود بن عبد الرحمن وزمعة بن صالح وابن عيينة وطلحة بن عمرو الحضرمي وابن جريج وعمر بن قيس ومسلم بن خالد الزنجي وليس فيهم من يكنى أبا سعيد فتبين أنه مجهول ،(1/186)
3 ـ الجواب الثالث إن قلنا بتقدير ثبوته فليس فيه دليل على دعاء الميت والغائب غاية ما فيه أنه توجه به في دعائه فأين هذا من دعاء الميت فإن التوجه بالمخلوق سؤال به لا سؤال منه والكلام إنما هو في سؤال المخلوق نفسه ودعائه والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله وكل أحد يفرق بين سؤال الشخص وبين السؤال به فإنه في السؤال به قد أخلص الدعاء لله ولكن توجه على الله بذاته أو بدعائه وأما في سؤاله نفسه مالا يقدر عليه إلا الله فقد جعله شريكا لله في عبادة الدعاء فليس في حديث الأعمى وحديث ابن حنيف هذا إلا إخلاص الدعاء لله كما هو صريح فيه إلا قوله يا محمد إني أتوجه بك وهذا ليس فيه المخاطبة لميت فيما لا يقدر عليه إنما فيه مخاطبته مستحضرا له في ذهنه كما يقول المصلي السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ،
4 ـ الجواب الرابع أنهم زعموا أنه دليل على دعاء كل غائب وميت من الصالحين فخرجوا عما فهموه من الحديث بفهمهم الفاسد إلى أنه دليل على دعاء كل غائب وميت صالح ولا دليل فيه أصلا على دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته ولا في حياته فيما لا يقدر عليه ثم لو كان فيه دليل على ذلك لم يكن فيه دليل على دعاء الغائب والميت مطلقا لأن هذا قياس مع وجود الفارق وهو باطل بالإجماع إذا ما ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم من الفضائل والكرامات لا يساويه فيه أحد فلا يجوز قياس غيره عليه وأيضا فالقياس إنما يجوز للحاجة ولا حاجة إلى قياس غيره عليه فبطل قياسهم بنفس مذهبهم هذا غاية ما احتجوا به مما هو موجود في بعض الكتب المعروفة ،
ثم ذكر قاعدة لشبههم فقال وما سوى هذه الأحاديث الثلاثة فهو مما وضعوه بأنفسهم كقولهم إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور وقولهم لو حسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه قال ابن القيم وهو من وضع المشركين عباد الأوثان 0
ثالثا:(1/187)
الشبهات التي في كتاب الانتصار لحزب الله والرد على المجادل عن المشركين للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن ابا بطين و من الشبهات :
1 ـ قول بعضهم إن ابن تيمية أحيانا يذكر كلاما وحكايات تدل على أن دعاء الأموات ليس شركا ثم ذكر بعضها ،( ولم يرد على هذه المصنف ابابطين و لكن الرد هو أنه أحيانا يذكرها في معرض بيان أن المشرك قد يستجاب له وأن الأسباب قد يترتب عليها مسبباتها وإن كانت من مشرك ، ولم يكن السياق هو بيان حكمها ، )
2 ـ الشبهة الثانية : قالوا إن ابن تيمية في اقتضاء الصراط ذكر أن المتأول في الشرك والكفر والجاهل والمخطئ والمقلد مغفور له ما ارتكبوه من الشرك والكفر ،
ورد عليهم بأن ابن تيمية قال ذلك في سياق بعض البدع ولم يقله في الشرك ولا الكفر ، ثم ذكر سياق كلام ابن تيمية بنصه ، اهـ ملخصا ،
وفي وقتنا الحاضر من يردد هذه الشبهة بأن ابن تيمية يعذر بالجهل في الشرك الأكبر ويستدل بكلام لابن تيمية قاله في سياق البدع أو المسائل الخفية كبدع المرجئة أو الخوارج والاشاعرة ونحوهم ، ثم ينزل ذلك على من فعل الشرك الأكبر ،
3 ـ الشبهة الثالثة : قال الاحتجاج بقصة الرجل الذي أوصى أهله أن يحرقوه ، الحديث ، رده على هذه الشبهة فقال :
أ ـ أن هذا الرجل جاهل لأنه لم تبلغه الحجة ، ب ـ أن جهله كان في باب الصفات أي جهل بعض الصفات ، وليس في باب الشرك الأكبر وبينهما فرق ، ثم ذكر كلاما لابن تيمية في تكفيره في الشرك ولم يعذر بالجهل ، ج ـ رد بلوازم باطلة إذا عذرنا بالجهل في الشرك الأكبر منها يلزم عذر جهال اليهود والنصارى والرافضة ونحوهم ،و يلزم عذر من جهل البعث ورسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ، و يلزم اعذار كل أحد ، فمن هو إذا الذي يعذر4 ـ الشبهة الرابعة : أنهم لا يرجون قضاء حاجاتهم من الميت ونحوه إنما من الله ،(1/188)
ورد عليهم يقوله هذه مكابرة بل يرجون من الميت سواء استقل بذالك أو هو واسطة إلى الله كله سواء في الاسم والحكم ، ثم رد على من سماه نداء وليس دعاء للأموات ،
5 ـ الشبهة الخامسة دعواهم أن الشرك هو الصلاة والسجود لغير الله فقط ، فرد عليهم بأن الشرك أوسع من ذلك بل يشمل الدعاء والنذر والذبح ...الخ ،
6 ـ الشبهة السادسة قولهم إن ابن تيمية يعذر بالجهل في الشرك الأكبر ، وسبق أن تكلم عن ذلك لكن أعاده نظرا لأهميته وكثرة الاشتباه في هذا ، لكن هنا توسع وذكر أمثلة أخرى تدل على أنه لا يعذر ولا يقيده بالجهل وجعل ذلك في فصل مستقل هو الفصل الخامس وهو أطول فصل ذكره ، ثم ختم المصنف الكتاب بذكر المنع من التقليد في التوحيد وأصول الدين والأدلة في ذلك ، وبلزوم الخير والجماعة 0اهـ مختصرا 0
رابعا:
ردود الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن على شبهات المشركين في كتابه منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس، وقد ألف الأخير كتابا سماه صلح الإخوان ذكر فيه من الشبهات أن ابن تيمية وابن القيم يعذران من ينادي أهل القبور ويستغيث بهم يعذرانه بالجهل ، أو التقليد أو الاجتهاد ، فذكر داود بن جرجيس في الباب الأول خمسين موضعا في عدم تكفير من استغاث ودعاء غير الله ، وخلاصة رد الشيخ عبد اللطيف على هذه النقولات : 1 ـ أن غالبها حرفه هذا العراقي ابن جرجيس بتحريف أو تصرف بزيادة أو نقص ،
2 ـ التعسف في حمله على دعواه ،
3 ـ وبعضها لم يفهم مراد ابن تيمية ،
4 ـ وهو أهم الردود أن كلام ابن تيمية في العذر إذا عذر هو في المسائل الاجتهادية أو مسائل البدع وليس في أصول الدين والتي من أهمها التوحيد فان ابن تيمية لا يعذر بالجهل به ، واستغرق رد المصنف على الشبهات من ص 95 ، إلى ص 320 ،(1/189)
القسم الثاني من الكتاب رد على خمسين دليلا في جواز دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وطلب الحوائج منهم على أنهم واسطة ، فذكر داود بن جرجيس أمورا يظنها أدلة على جواز الشرك الأكبر ؟ ! فرد عليه المصنف الشيخ عبد اللطيف ، ابتداء من ص 321 إلى ص 395 ، رد على أحد عشر دليلا فقط ، إلا أن المصنف الشيخ عبد اللطيف وافته المنية قبل إتمام الكتاب ، فقام الشيخ محمود شكري الالوسي بإكمال الرد وسماه فتح المنان في الرد على صلح الإخوان تتمة لمنهاج التأسيس 0
خامسا :
كتاب خاتمة كشف الشبهات للشيخ عبد الرحمن بن محمد الدوسري ، الطبعة الأولى عام 1385 هـ ، حيث جعل خاتمة على كتاب كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، كشف فيه رحمه الله أستار الوثنية الجديدة ، والشرك المعاصر كما كشف الشيخ محمد بن عبد الوهاب الشرك المعاصر له ،
وقال الشيخ عبد الرحمن الدوسري إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه كشف الشبهات عالج شرك التخريف بصورته المتمثلة في دعاء الأموات والغائبين وتقديس القبور ، ثم حدثت ضروب من الشرك برزت بأسماء وألقاب ينخدع بها الجهلة ويتعلق بها المغرضون والحاقدون ،ثم قال إن الذي تولى كبره هم اليهود والمجوس ، لما خافوا من البعث الإسلامي الصحيح الذي ندب إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقام به مع أعوانه ،
وفي هذا الوقت كسبوا أنصارا من بني جلدتنا فألهبوا حماس الجهلة بنعرات العصبيات القومية في كل أمة إسلامية ، فظهرت الوثنية الجديدة وعبادة المادة والشهوات وتقديس الأشخاص ،بحجة الجنسية والوطنية ،حتى تكونت في المحيط الإسلامي والعربي خاصة ردة جديدة بما انتحلوه من مبادئ وطنية ومذاهب مادية مزخرفة بألقاب ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، وبعد هذه المقدمة تكلم الشيخ عبد الرحمن الدوسري عن معنى الألوهية وأصولها وهما أصلان 1 ـ الكفر بكل معبود 2 ـ إفراد الله بالعبادة والاستسلام لحكمه ،(1/190)
ثم تكلم عن حقيقة العبادة والحب في الله وبغض أعداء الدين ، ثم تكلم عن حقيقة ملة إبراهيم وقال وبه تعرف مدى ما انغمس فيه غالب المحسوبين على الإسلام من الوثنية الجديدة وما استجلبوه من مبادئ الغرب ومذاهبه المادية فجعلوا حدود الوطن فوق حدود الله وجعلوا لأنفسهم الخيرة فيما يشرعون وينظمون خلافا لما قضى الله ورسوله ، واتبعوا ما يمليه رجال تألهوهم بالحب والتعظيم وجعلوهم أندادا من دون الله كالقومية والوطنية وما يستلزمها من المذاهب المادية ...، ثم ذكر من جعل الوطن ندا لله :
بلادك قدمها على كل ملة ............. ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
وجلبوا موالاة أعداء الله بحجة الجنس والوطن ، وتعطيل الشريعة بحجة التطوير الفاسد وعبادة كل طاغوت في سبيل ذلك كقولهم ( الدين لله والوطن للجميع ) وكقولهم ( الدين علاقة بين العبد وربه فقط لا شأن له في الحياة ) وكقولهم ( إرادة الشعب من إرادة الله ) وذكر أنه لا يزال خريجو المدارس الاستعمارية يركزون هذه المفاهيم في طبقات الأمة الإسلامية ، وقال إن المدارس هي أول ما فرض الاستعمار علينا ثقافته بواسطتها ،
ثم قال : فعلى المسلمين شيبا وشبانا وحكومات وشعوبا أن يقاوموا هذا الشرك الجديد والوثنية الجديدة ، اهـ ملخصا 0
القسم الأخير من الكتاب
ويعتبر القسم الرابع (1)
__________
(1) ... القسم الأول : المقدمة .
... القسم الثاني : رد إجمالي مع استعراض للشبهات وهي تسع، والرد التفصيلي عليها ،
... القسم الثالث : ذكر أدلة يستدلون بها وهي أربعة أدلة :
... 1 - حديث أسامة رضى الله عنه . 2 - حديث عمر رضى الله عنه .
3 - حديث الشفاعة واستغاثة الناس بالأنبياء .
... 4 - قصة عرض جبريل على إبراهيم عليه الصلاة والسلام ،
... وهذه كلها أدلة يستدلون بها على عدم جواز قتل أو قتال من قال : لا إله إلا اللَّه .(1/191)
قال المصنف رحمه اللَّه تعالى : ( ولنختم الكلام بمسألة عظيمة مهمة تفهم ممّا تقدم ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها فنقول :
ولا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً ، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند ككفر فرعون وإبليس وأمثالهما ، وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون : إن هذا حق ونحن نفهم هذا ونشهد أنه الحق ، ولكن لا نقدر أن نفعله ، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم ، أو غير ذلك من الأعذار . ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق ،
، ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار كما قال تعالى ( اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا )
... ... ... وغير ذلك من الآيات كقوله { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } ، فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه ، فهو منافق ، وهو شر من الكافر الخالص { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } ،
وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة تُبيّن لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به ، لخوف نقص دنيا أو جاه أو مداراة لأحد ، وترى من يعمل به ظاهراً لا باطناً ، ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب اللَّه : أولاهما قوله تعالى : { لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } ،
فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول اللَّه ، كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزح ، تبيّن لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفاً من نقص مال أو جاه أو مداراة لأحد ، أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها .(1/192)
والآية الثانية قوله تعالى : { من كفر باللَّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من اللَّه ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة } فلم يعذر اللَّه من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان ، وأمَّا غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعل خوفاً أو مداراة ، أو مشحةً بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله ، أو فعل على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره .
فالآية تدل على هذا من وجهين :
الأول : قوله تعالى : { إلا من أكره } فلم يستثن اللَّه تعالى إلا المكره . ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل ، وأمَّا عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها .
و الثاني : قوله تعالى : ( ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخر) فصرّح أن الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد والجهل والبغض للدين ومحبة الكفر ، وإنَّما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا فآثره على الدين ، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم وأعز وأكرم ، وصلى اللَّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ) .
العنوان : حكم ترك العمل بالتوحيد مع القدرة عليه بأعذار واهية ،
أمَّا إذا كان مكرها فيعذر بما يتعلق باللسان ، و ما يتعلق بالجوارح ، أمَّا ما يتعلق بالقلب فلا يعذر بحال من الأحوال .
وقد بيّن المصنف في بداية هذه المسألة أهميتها فقال :
( مسألة عظيمة مهمة ) ووصفها بأنها عظيمة ، ومرة قال : ( كبيرة طويلة )، وذكر أن شأنها عظيم لكثرة الغلط فيها ، فوصفها بأنها مهمة وكبيرة وعظيمة وطويلة وما ذاك إلا لأهميتها وهي خطورة ترك العمل بالتوحيد، وهي أيضاً قضية مهمة في واقعنا المعاصر .
وقد عانى الشيخ وغيره من أهل السنة والجماعة من وجود مثل هذه الطوائف التي تعرف التوحيد وتعرف أنه حق لكنها لا تعمل به ، فإمَّا أن تتركه ، أو تعمل بالشرك ؛ لأن الذي يعمل بالشرك لا يعمل بالتوحيد .(1/193)
وبدأ المصنف بمقدمة دخل فيها إلى الموضوع فقال( لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل ، فإن اختل شيء لم يكن الرجل مسلماً ) وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة : أنهم يقولون : أن الإيمان اعتقاد بالجنان ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان ، والتوحيد جزء من الإيمان بالمعنى العام ، فلابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل .وهو إجماع للسلف كما قال المصنف ( لاخلاف ) ،
أمَّا عند المرجئة بجميع أصنافهم ، كالأشاعرة والماتريدية والجهمية والرافضة والكرامية وجماعة التبليغ والعصرانيين ، فإن التوحيد عندهم يكون بالقلب فقط وبعضهم يضيف اللسان ، ولا يدخلون العمل في مسمّى الإيمان والتوحيد ، لا عمل القلب ولا عمل الجوارح .
أمَّا الخوارج الأوائل ، والمعتزلة الأوائل : فإنهم مثل أهل السنة والجماعة ، يُدخلون العمل في مسمّى الإيمان والتوحيد ، فلابد أن يكون بالقلب واللسان والجوارح. إلاَّ أن الفرق بين أهل السنة والجماعة ، وبين الخوارج والمعتزلة هو أن كل العمل شرط عند الخوارج والمعتزلة ، أمَّا أهل السنة فبعضه شرط وجزء يكفر بتركه وبعضه من الواجبات يفسق بتركه ، وبعضه مستحب وهكذا فعند الخوارج من سرق يكفر ، ومن فعل كذا من الكبائر يكفر . وأمَّا أهل السنة والجماعة فبعض الأعمال جزء وشرط صحة ، وبعضها ليس بشرط. والخوارج يقولون كل الأعمال الواجبة شرط للإيمان ، وهي شرط صحة ، ولا يصح الإيمان إلا بها ، ولذلك يُكفّرون من ترك ولو عملاً واحداً منها ، ومثلهم المعتزلة ..
أمَّا أهل السنة والجماعة : فيقولون بعضها شرط للصحة كالتوحيد والصلاة مثلا ، وبعضها شرط للإيمان الواجب، وبعضها شرط لكمال الإيمان المستحب .
وخلاصة قصد المصنف : أنه لابد أن يكون التوحيد بالقلب واللسان والعمل، فإن تخلّف العمل لم يكن الإنسان موحداً .
وهنا نصل إلى مسألة : حكم من ترك العمل بالتوحيد ؟
قسّم المصنف التوحيد باعتبار محله ثلاثة أقسام :(1/194)
الأول : توحيد القلب ، وهذا هو أهم الأقسام وأعظمها ، ولا يسقط أبداً ولا يتصور فيه الإكراه أو العذر قال المصنف وأمَّا عقيدة القلب ، فلا يكره عليها أحد. ، سواء قول القلب : وهو العلم والتصديق والإقرار ، أو عمل القلب : وهو المحبة والخوف والتوكل والخشية والرهبة والانقياد والقبول والإخلاص وبغض الشرك والمشركين واعتقاد كفرهم والبراءة من الطاغوت ..الخ ، وعمل القلب أكثر من قول القلب
الثاني : توحيد اللسان : وهو قول لا إله إلا اللَّه ، وهو فرض لازم ، لا يعذرفيه إلا بالاكراه ، ومثال توحيد اللسان مثل سب الشرك و أهله وتقبيح الطاغوت وتكفيره ..الخ ،
الثالث : توحيد الجوارح : وهو العمل بلا إله إلا اللَّه ، كالاستغاثة باللَّه وحده ، والذبح لله وحده ، وصرف أنواع العبادات العملية لله وحده ،
ثم بيّن المصنف أقسام الناس باعتبار هذه الثلاثة :
القسم الأول :
وهو من عرف التوحيد ولم يعمل به : فجاء بقول واعتقاد القلب وهو المعرفة، ولم يأت بعمل اللسان والجوارح وعمل القلب ، وهذا أشار إليه المصنف بقوله ( فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس ) ، وبيّن المصنف حكمه وهو أنه كافر .
وهذا القسم هو الذي ركَّز عليه المصنف وأطال فيه ، وهو على نوعين : ولكن نترك الكلام عنه الآن حتى ننتهي من القسم الثاني .
القسم الثاني :
من عمل بالتوحيد ولم يفهمه ، أو يعتقده بقلبه ، وهنا جاء بعمل الجوارح واللسان ، وتخلف القلب ، وهذا أشار إليه المصنف بقوله ( فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ، أو لا يعتقده بقلبه ) وسمى هذا القسم بالمنافق ، وقسم منه يسمّى في زماننا بالعلماني بجميع أصنافهم ، سواء أكانوا سياسيين أو فكريين ، حكام أو غيرهم .
قول المصنف ( وهو شر من الكافر الخالص ) ، قال تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } (1) .
__________
(1) ... النساء : 145 .(1/195)
هذا قسم من يعمل بالتوحيد ظاهراً لا باطناً ، مثل العلمانيين وغيرهم .
واقتصر المصنف على هذين القسمين، وتكملة للقسمة نقول إن هناك قسماً ثالثاً:
وهو من لم يعرف ولم يعمل ، أي ليس معه شيء من الثلاثة ، لا بالقلب ، ولا باللسان ، ولا بالجوارح ، وهذا هو كفر الجهل.
ونعود الآن إلى القسم الأول : وهو من عرف التوحيد ولم يعمل به مع قدرته عليه، وهو على نوعين :
النوع الأول : غير معذور لترك العمل بالتوحيد .
النوع الثاني : المكره .
النوع الأول :
غير المعذور : وهو الذي بدأ به المصنف ، وهو على أصناف :
1 - الذي ترك العمل بالتوحيد عناداً ، قال المصنف : (كفرعون وإبليس وأمثالهما).
2 - من ترك العمل بالتوحيد وعمل بالشرك وليس له عذر صحيح ، ومثَّل له المصنف بقوله : (لا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم ) وهذا القسم ركّز عليه المصنف لأنه من القضايا المعاصرة في زمانه ، وهو الذي لا يعمل بالتوحيد وليس له عذر صحيح إنَّما له أعذار واهية باطلة ، ذكر المصنف منها خمسة أعذار باطلة لا تغني ولا تسمن من جوع ، ومن هذه الأعذار الزائفة :
... أن يترك العمل بالتوحد خوف نقص دنيا ، وهو العذر الأول من الأعذار الباطلة :
... ويقصد بالخوف - خوف نقص الدنيا - الخوف غير الملجئ ، ومثاله : إذا علموا أنه موحد لا يشترون منه ، أو لا يبيعون له ، أولا يعطوه إذا كان فقيراً، أو لا يُقرضوه ، فهذا ليس عذراً له فيجب العمل و المجاهرة بالتوحيد .
... وقول المصنف ( نقص دنيا ) أعم من قوله (نقص مال) ، حتى يشمل المال وغيره، كما لو خاف أن يهجروه أو أن لا يزوجوه .
... أمَّا لو كان الخوف ملجئاً ( وهو ما يسمى بالإكراه ) فإنه يعذر .. مثل لو ضربوه أو سجنوه ، فهذا يعذر قال تعالى ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) .
... ويأتي في آخر الباب ما هو الخوف الملجىء .(1/196)
العذر الثاني : من الأعذار الواهية الزائفة التي ليست هي عذراً مقبولاً في ترك العمل بالتوحيد وهو : أن يترك العمل بالتوحيد بعذر خوف نقص جاه .
... كأن يكون له مكانة عندهم فإذا عمل بالتوحيد ، وأنكر الشرك ، نزلت مكانته الاجتماعية ، وهذا أيضاً من الأعذار الواهية .ومثله اليوم منصب أو وزارة أو مؤسسة أو هيئة عليا ونحوه ،
العذر الثالث من الأعذار الواهية :
... أن يترك العمل بالتوحيد بعذر المداراة لهم ومراعاة لخواطرهم ، وهذا ليس بعذر، وهو أن يعمل مكفراً من أجل إرضاء أحد .
العذر الرابع من الأعذار الواهية :
... أن يترك العمل بالتوحيد مشحة بالوطن ، كأن يكون وطنه غالياً عليه ، فلو أنكر الشرك اضطر لترك بلاده وهي غالية عليه ويحب البقاء فيها ، فآثر السكوت مع البقاء في بلده والتمتع بالبقاء فيه .
العذر الخامس من الأعذار الزائفة :
... أن يترك العمل بالتوحيد مشحة الأهل والعشيرة ، فيؤدي حبه لأهله وعشيرته، ومخافة تركهم إلى عدم العمل بالتوحيد ، وإنكار الشرك والبراءة منه ومن أهله .
... هذه الأمثلة التي نص عليها المؤلف كلها أعذار غير صحيحة لعدم العمل بالتوحيد وإنكار الشرك والبراءة منه ومن أهله ،
ومثلها اليوم من يعمل في البرلمان وغيره أو يحارب الصحوة والجهاد والمجاهدين بأعذار واهية ،
ثم نص المصنف عليها لأنها وجدت في زمانه ، وهي في الحقيقة في كل زمان ، تجد من لا ينكر الشرك ويتعذر بهذه الأعذار .
واستدل على بطلان الأعذار الخمسة بأناس كفروا واعتذروا بأعذار غير صحيحة، فلم يُقبل منهم ، وهي قصة الذين سخروا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة في غزوة تبوك (1) ، فلم يعذرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ويقاس عليه هذه الأعذار التي ذكرها المصنف بقياس الشبه ، بجامع أنها غير مقبولة شرعاً .
ومن الأدلة على بطلان هذه الأعذار :
__________
(1) ... سبق تخريجه ص118.(1/197)
قوله تعالى : { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من اللَّه ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي اللَّه بأمره واللَّه لا يهدي القوم الفاسقين } (1) هذه كلها ليست أعذاراً .
قضية معاصرة :
وهي أن الكلام السابق في الأفراد أنه ليس لهم عذر في ترك العمل بالتوحيد إذا احتجوا بتلك الأعذار الخمسة الواهية ، نقول وكذلك بالنسبة للدول والتجمعات أن بعض الدول تترك العمل بالتوحيد ، و تعمل الكفر أو الشرك وتحتج بأعذار واهية، مثل خشية الفتنة الطائفية، أو الحرب الأهلية، أو خشية المقاطعة الاقتصادية، أو خشية العزلة السياسية ، أو خشية بعض الدول الإقليمية أو العالمية، أو خشية ذهاب الملك، أو ذهاب المنصب، أو خشية ضعف الدعم الشعبي أو الجماهيري، أو خشية هبوط شعبيته عند الناخبين، فهذه إحدى عشر عذراً من الأعذار الباطلة المعاصرة التي يحتج بها من يحتج لعدم تطبيق الشريعة ولعدم فرض التوحيد عليهم.
النوع الثاني :
هناك صنف من الناس يُعذرون ، ولكن بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان ، وإنَّما يوافقهم ظاهراً لا باطناً ، هذا الصنف هو المكره .
ولذا قال المصنف : فلم يعذر اللَّه من هؤلاء إلا من أكره ، مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان
وأمَّا غير هذا فقد كفر ، واستدل على ذلك بقوله تعالى { من كفر باللَّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } (2) .
ولم يذكر المصنف وسائل الإكراه التي يعذر فيها .
مسألة : وسائل الإكراه فيما يعذر فيه وما لا يعذر فيه :
وعلى ذلك فالإكراه على قسمين :
1 - الإكراه المُلجىء (3) ، قال المصنف : ( الذي يعذر صاحبه ) .
__________
(1) ... التوبة : 24 .
(2) ... النحل : 106 .
(3) ... الذي يُلجه إلى الفعل .(1/198)
مثل : أن يهدد بالقتل ، فلو عمل بالتوحيد قُتل ، بشرط أن يكون المُهَدِّد (1) بالقتل قادر على قتله .
مثال آخر : الضرب المبرح الذي لا يتحمله ، أو هُدد به من قادر ، أمَّا لو كان ضرباً يسيراً يتحمله ، ليس فيه كسر عضو ونحو ذلك فليس بعذر .
ومثله السجن : أمَّا لو كان سجناً قليلاً وأياماً معدودة يتحملها فلا يعذر ، فالسجن يعتبر إكراهاً .
أمَّا التكلم في عرضه (2) وشتمه هذا ليس بعذر .
2- الإكراه غير الملجىء : ويقصد به أن يكره على شيء ، ويهدد بشيء يتحمله كما لو هُدد بضرب بسيط، أو أخذ مال ، فهذا ليس بعذر
ومن الإكراه غير الملجىء لو خاف خوفاً غير سائغ؛ كما لو خاف التعيير أو الانتقاد أو التشهير، فهذا ليس بملجئ ولا يعذر به ، قال تعالى : { إنَّما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين }(3) ، وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : " أن اللَّه يقول للعبد يوم القيامة الذي رأى المنكر فلم ينكر قال اللَّه : ما منعك أن تنكر ، قال العبد : خشية الناس ، قال اللَّه : إيايَّ أحق أن تخشاه " (4) .
مسألة : هل يكفي التهديد بالقول أو لابد أن يُمسَّ بعذاب ؟
بمعنى لو هَدده قادرٌ بالقتل ، هل هو عذر أم لابد أن يحصل الفعل ثم يوافق ؟
فيه خلاف بين أهل العلم :
القول الأول : أن التهديد كافٍ .
ذهب الجمهور إلى أنه يكفي التهديد الكلامي ، بشرط أن يكون قادراً على تنفيذ تهديده ، أو يغلب على الظن أنه يقوم به . واستدلوا بعموم قول اللَّه تعالى : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } (5) .
__________
(1) ... يعني الذي يريد أن يقتل .
(2) ... مثلاً : يقول لو قصَّرت ثوبي لتكلم بعرضي ، أو لو أطلقت لحيتي لتكلم بعرضي ، فهذا ليس بعذر .
(3) ... آل عمران : 175 .
(4) ... رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين (11016) ، (11435) ، ورواه ابن ماجه في الفتن ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (3998).
(5) ... النحل : 106 .(1/199)
القول الثاني : أنه لابد أن يُمسَّ بعذاب .
وهو رأي الإمام أحمد ، ولذا أنكر الإمام أحمد على يحيى بن معين وغيره ممن وافق على القول بخلق القرآن لما هددهم السلطان .
قال الإمام أحمد : " يستدلون بحديث عمّار ، وعمّار عُذب ، وهؤلاء قيل لهم سوف نضربكم " .
وهناك جمع بين القولين :
والذي تميل إليه النفس في هذه المسألة هو : الجمع بين القولين باعتبار الأشخاص ، فأمَّا العلماء وطلبة العلم الذين يُقتدى بهم ، ويتأثر الناس بأقوالهم، فهؤلاء لا يوافقون بالتهديد القولي حتى يُمسّوا بعذاب ، وإن صبروا حتى قتلوا فهذا أكمل ، لأنه نوع من الجهاد ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا} (1) .
ويدل عليه حديث طارق بن شهاب ، رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد ، وجاء من طريق ابن أبي شيبة والحديث حسن " في الرجل الذي طُلب منه أن يذبح لغير اللَّه فامتنع حتى قتل " (2) ، وأيضاً يحمل عليه قصة الغلام الذي فيها "بسم اللَّه رب الغلام" (3) لأنه صابر حتى قتل .
أمَّا سائر الناس والذين لا فتنة في موافقتهم كشباب الصحوة مثلاً والعوام ، فيجوز أن يقبلوا بالتهديد ، ويكون عذراً في حقهم ، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن اللَّه يحب أن تؤتى رخصه " (4) .
ويختلف أيضاً باعتبار الزمان :
فإن الزمن الأول في دعوة الحق ، وأوائل الدعاة هؤلاء يصبرون ويصدعون بالتوحيد حتى يُقتلوا ، أو يُعذبوا حتى ولو كانوا من عوام الناس ،
__________
(1) ... آل عمران : 200 .
(2) ... هو موقوف ولم يوجد مرفوعاً ، انظره في : الزهد لأحمد ص25 ، ورواه ابن أبي شيبة 12/358 ، ورواه أبو نعيم في الحلية 1/203 .
(3) ... رواه مسلم في الزهد والرقائق (3005) من حديث صهيب رضي اللَّه عنه .
(4) ... رواه أحمد في مسند المكثرين (5832) عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما .(1/200)
فلا ينظر إلى الأشخاص في أول دعوة أهل السنة والجماعة إذا كانوا في مجتمع جاهلي ، وعليه يحمل حديث خباب بن الأرت ، وكان هذا في أول الدعوة المكية ، قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - : " ألا تدعو لنا ، ألا تستنصر لنا ، قال : كان فيما قبلكم يؤتى بالرجل فيشق بالمنشار ... " (1) ، وذكر القصة التي تدل على المصابرة ، ويحمل عليه عمل بعض الصحابة كأبي ذر وبلال وياسر وزوجته سميّه ، لكن لو وافق القليل بحيث لا يكون ظاهرة عامة فلا مانع .
مسألة في الإكراه : الإكراه عذر بشرط أن لا يكون متعدياً ضرره على الغير:
أمَّا إن كان متعدياً للغير فهذا لا يُقبل فيه الإكراه . مثلاً : لو سجنوه ، أو مسوه بعذاب ، وقالوا : لابد أن تقتل فلاناً ، فهنا لا يجوز أن يقتل فلاناً بحجة الإكراه لأن درء القتل عن نفسك لا يُبيح قتل غيرك . وأيضاً : أكره على أن يزني بفلانة ، فهذا لا يجوز حتى لو قتل .
ولو قيل له : حتى تضرب فلاناً ، فهذا لا يجوز لو قتل . ولو قيل له : لا نتركك حتى تدلنا على فلان ، فهذا كذلك لا يجوز ،
والدليل على هذه المسألة قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا ضرر ولا ضرار " (2) ، وقول المصنف : ( الآية تدل على هذا من جهتين :
الأولى قوله : { إلا من أكره } فلم يستثن اللَّه تعالى إلا المكره ، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل ، وأمَّا عقيدة القلب ، فلا يكره عليها أحد.
والثاني : قوله تعالى : { ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا } (3) .
مسألة : على ماذا يقع الإكراه ؟
الجواب : يقع الإكراه على ثلاثة أشياء :
الأول : الإكراه على العمل ، كأن يسجد لغير اللَّه ، أو يذبح لغير اللَّه ، الذي هو شرك أو كفر .
__________
(1) ... رواه البخاري في المناقب (3612) ، والإكراه (6943) ، ورواه أبو داود أيضاً .
(2) ... رواه ابن ماجه في الأحكام (2340) ، (2341) ، ورواه أحمد ومالك .
(3) ... النحل : 107 .(1/201)
الثاني : الإكراه على قول الشرك ، كسب الرسول أو الدين .
الثالث : الإكراه على عمل القلب .
أمَّا الإكراه على العمل : هذا يجوز لو أُكره أن يسجد لغير اللَّه ، إذا كان الإكراه مُلجئاً ، إلا أن فيه تقسيم بالنسبة للعمل :
أ - أمَّا العمل المتعدي ضرره للآخرين : فهذا لا يجوز أن يوافق عليه ، كما لو أُكره على قتل فلان فلا يجوز أن يوافق ، ولو أكره وسُجن، لأنه لا يمكن أن يدرأ القتل عن نفسه بإتلاف نفسٍ معصومة أخرى ، ومثله لو أكره أن يكون جندياً في جيش الكفار لقتال المسلمين ، فإن هذا الإكراه لا يجوز لقوله تعالى : { قالوا فيمَ كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللَّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم .... } الآية (1) ، فإنها نزلت في مسلمين لم يهاجروا وجلسوا في مكة ، فأكرههم أهل مكة على أن يقاتلوا مع الكفار ضد المسلمين في معركة بدر فنزلت الآية تُبيّن عدم عذرهم ، وإن مأواهم جهنم وهذا دليل ردتهم لأنهم ساعدوا جيش الكفار ضد المسلمين ، ولمزيد من البحث في هذه المسألة بالذات راجع الموالاة للشيخ سليمان بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد الوهاب في مجموعة التوحيد .
قال تعالى : {ولا تعتدوا إن اللَّه لا يحب المعتدين} (2) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المرفوع : " لا ضرر ولا ضرار " .
ب - أمَّا لو كان العمل لا يتعدى : كما لو أُجبر أن يسجد لغير اللَّه ، أو يذبح لغير اللَّه ، هذا يجوز إذا كان الإكراه مُلجئاً ، وكان قلبه مطمئناً بالإيمان .
أمَّا الإكراه على قول الكفر ، فهذا يجوز قوله .
مسألة : الإكراه على عمل القلب واعتقاد القلب :
هذا لا يتصور فيه إكراه ، ولا يسوغ. مثل لو قالوا : نقتلك إذا لم تبغض الرسول في قلبك ، وهذا ليس فيه إكراه مهما كان .
وذلك لأنه ليس له سلطة على قلبك ، ولذا قال المصنف ( أمَّا عقيدة القلب فلا يكره عليها أحد ) .
__________
(1) ... النساء : 97 .
(2) ... البقرة : 190 .(1/202)
إلا أنه يجب على المكره أن يُهاجر إلى بلد يأمن فيه ، إذا كان قادراً على الهجرة، كما قال تعالى : { قالوا فيمَ كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللَّه واسعة فتهاجروا فيها } (1) وهذه نزلت فيمن يقدر على الهجرة وتركها.
تم شرح كشف الشبهات ، نسأل اللَّه
أن يرحم مؤلفها ويغفر له ، وأن يثبت
قلب شارحها ويحميه من الشر
وأن يجعل لنا نصيباً من أجرها
وثوابها ، والحمد لله رب
العالمين وصلى اللَّه على
سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ........................................................................4
- سبب تأليف الكتاب ... 5
اسم الكتاب ، وتاريخه ................................................................6
- هدف الشيخ من تأليف هذا الكتاب ... 7
- وصف الكتاب ... 7
- طريقة الشرح ... 8
- تحليل عنوان الكتاب ... 8
- الأقوال في مسألة البداءة بذكر اللَّه ... 9
القسم الأول
المقطع الأول
العنوان : بيان أن الدعوة هي إفراد اللَّه بالعبادة ... 11
شرح مفردات وكلمات المقطع الأول ..............................................11
- تعريف العلم الجهل وأقسامه ......................................................11
- تعريف توحيد الألوهية العبادة.....................................................12
- مسألة : هل نوح أول الرسل أم قبله رسل ؟ ... 13
- مسألة : ما الفرق بين النَّبِيّ والرسول ؟ ... 15
المقطع الثاني
العنوان : طبيعة من أرسل إليهم الرسول ... 16
شرح مفردات وكلمات المقطع الثاني .............................................17
المقطع الثالث
العنوان : التوحيد الذي جحده الكفار ... 19
__________
(1) ... النساء : 97 .(1/203)
شرح مفردات وكلمات المقطع الثالث .............................................19
- معبودات المشركين الثلاثة ... 20
- الكفار مقرون بالربوبية دون الألوهية والشبهة في ذلك والرد عليهم ......20
المقطع الرابع
العنوان : الكفار يعرفون معنى لا إله إلا اللَّه ... 22
- الجمع بين المقاطع السابقة ... 22
- هدف المصنف من هذا المقطع ... 23
- معنى لا إله إلا الله ... 23
- مسألة : هل هناك فرق في الألوهية بين كون المألوه صنماً أورجلاً؟ ... 23
قضية معاصرة ........................................................................24
المقطع الخامس
العنوان : اختلاف الناس في معنى الألوهية ... 24
أدلة للتفريق بين الربوبية والألوهية .............................................25
المقطع السادس
العنوان : الفرح بمعرفة التوحيد ... 26
أسباب الفرح بمعرفة التوحيد.......................................................26
- هل الشرك الأصغر مثل الكبائر تحت المشيئة ؟ أم لا ؟ ... 27
- فائدة معرفة التوحيد ... 29
المقطع السابع
هل الجهل أو التأويل عذرفي الشرك الأكبر أو ليس بعذر ؟ وفيه فصول ... 30
الفصل الأول :
في نقولات من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عدم العذر............31
الفصل الثاني
الإجابة عن الرسائل والنصوص التي احتج بها من لم يفهم كلام الشيخ
محمد بن عبد الوهاب وظن بها أنه يعذر بالجهل ..............................39
الفصل الثالث
نقولات توضيحية من كلام طلاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الملازمين
له في عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر......................................42
نقولات توضيحية من كلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن في عدم العذر
بالجهل في الشرك الأكبر...........................................................46
نقولات توضيحية من كلام الشيخ عبد الله بابطين في عدم العذر(1/204)
بالجهل في الشرك الأكبر............................................................47
نقولات توضيحية من كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في عدم العذر
بالجهل في الشرك الأكبر............................................................52
نقولات توضيحية من كلام الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن في عدم العذر
بالجهل في الشرك الأكبر............................................................54
نقولات توضيحية من كلام عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف بن
عبد الرحمن وابن سحمان في عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر.........57
نقولات توضيحية من كلام اللجنة الدائمة وغيرها من المشايخ في عدم العذر
بالجهل في الشرك الأكبر............................................................60
تاريخ هذه الشبهة ....................................................................61
الفصل الرابع
نقولات توضيحية من كلام أهل العلم في عدم العذر بالجهل في
الشرك الأكبر..........................................................................62
باب في ذكر دلالة القياس الصحيح في عدم العذر بالجهل في
الشرك الأكبر..........................................................................65
مسالة في لوازم باطلة تلزم لمن عذر بالجهل في الشرك الأكبر..............66
مسالة حول قصة موسى عليه الصلاة والسلام..................................66
المقطع الثامن
العنوان : كل نبي له أعداء معهم حجج وبراهين باطلة ... 67
شرح مفردات وكلمات المقطع الثامن .............................................67
قضية معاصرة في وسائل العدو الحديثة ؟ ... 68
المقطع التاسع
العنوان : ضرورة التسلح بالعلم لمواجهة الأعداء ... 69
شرح مفردات وكلمات المقطع التاسع .............................................69
- العلم الذي أوجبه المصنف هو ... 70
- العلم علمان ... 70(1/205)
- سبب عدم الخوف من كيد الشيطان ... 71
- الربط بين المقطع التاسع والعاشر ... 72
المقطع العاشر
العنوان : الموحد غالب ولو كان عامي ... 72
- تعريف العامي - أقسامه ... 72
- الغلبة المثبتة للعامي ثلاثة أشياء وأنواع الغلبة ... 73
- العامي يُخاف عليه من شيء ولا يخاف عليه من شيء ... 74
المقطع الحادي عشر
العنوان : القرآن مليء بالردود على أهل الباطل ... 74
القسم الثاني من الكتاب وهو الرد الإجمالي
وهو المقطع الثاني عشر
الرد الإجمالي .........................................................................75
العنوان : قواعد في الرد على الشبه ... 76
- مضمون هذه القاعدة وضابطها وأمثلة عليها ... 76
- طريقة العامي في الرد الإجمالي ؟ ... 77
- معنى الرد المجمل ... 78
الأمثلة التي ذكر المصنف وطريقة الرد الإجمالي عليها .....................78
الفرع الثاني
الرد التفصيلي على الشبه وهو المقطع الثالث عشر
العنوان : الجواب المفصل ... 79
الشبهة الأولى
- موضوع هذه الشبهة ... 81
- متى أثيرت هذه الشبهة ... 81
- خطوات الرد عليها ... 82
شبهة معاصرة مثلها وهي أن طلب الدعاء من الأموات عند قبورهم
ليست من الشرك الأكبر إنما بدعة فقط.......................................... 83
الرد على هذه الشبهة .................................................................83
أولا : نقل الاجماعات في الرد عليها وهى خمس إجماعات ...................83
ثانيا :الرد بعموم الآيات مع ذكرها وهي سبع آيات .............................85
ثالثا الرد بذكر فتاوى بعض العلماء منهم : ابن تيمية ، وابن القيم ،
وأئمة الدعوة ...........................................................................87
رابعا : مناقشات لأهل هذا القول المحدث وبيان تناقضهم ......................92
شبهة معاصرة اخرى :وهى الدعاء لله عند القبور................................95
الشبهة الثانية(1/206)
- موضوع هذه الشبهة ... 95
- علاقة الشبهة الثانية بالشبهة الأولى ... 95
- الذين تبنوا هذه الشبهة ... 96
- قضية معاصرة ... 96
- خطوات الرد على هذه الشبهة ... 97
- قضية معاصرة .....................................................................99
الشبهة الثالثة
- الفرق بين الشبهة الأولى وهذه الشبهة ... 99
- مضمون هذه الشبهة ... 100
- الجواب على هذه الشبهة ... 100
شرح مفردات ألفاظ المصنف في هذه الشبهة ... 101
- تفسير المعارضين لقوله تعالى ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى ) ... 101
- الرد على هذا التفسير ... 102
- الرد على من يفرق بين صيغة وصيغة وهي قضية معاصرة والرد عليه ... 102
قضية معاصرة أخرى................................................................102
الشبهة الرابعة
- مضمون هذه الشبهة ... 103
- خطوات الرد على هذه الشبهة ... 104
قضية معاصرة وفيها كشف للعصرانيين..........................................105
الشبهة الخامسة
- موضوع هذه الشبهة ... 106
- هذه الشبهة مركبة من شيئين ... 107
- خطوات الرد على هذه الشبهة ... 107
الشبهة السادسة
- مضمون هذه الشبهة ... 109
- سبب إثارة هذه الشبهة ... 110
- تعريف الشرك ... 110
- خطوات الرد على هذه الشبهة ... 110
الشبهة السابعة
- مضمون هذه الشبهة ... 111
- خطوات الرد على هذه الشبهة ... 112
الشبهة الثامنة
نصها ..................................................................................112
- مضمون هذه الشبهة ... 113
- خطوات الرد على هذه الشبهة ... 113
- الأدلة على غلظة شرك أهل زمان المصنف ... 114
- قضية معاصرة ... 114
الشبهة التاسعة
نصها ..................................................................................115
- مضمون هذه الشبهة ... 118
- خطوات الرد على هذه الشبهة ... 118
- الأمثلة الست التي سردها المصنف ... 119
مسالة على قصة بني إسرائيل وأهل ذات أنواط ................................120(1/207)
- إيرادات الخصوم حول قصة ذات أنواط و رده على هذه الإيرادات ... 121
... المواضع التي ذكر فيها المصنف قصة ذات انواط من كتبه الأخرى .....122
فوائد قصة ذات انواط ...............................................................124
تعليق حول قول المصنف ( ولما لم ينقد أناس في زمن الرسول للحج ......125
القسم الثالث
مقدمة ..................................................................................125
- أدلة الشبه والرد عليها : دليلهم الأول ... 128
- خطوات الرد على هذا الدليل ... 129
- دليلهم الثاني ... 130
- خطوات الرد عليه ... 130
- دليلهم الثالث ... 130
- خطوات الرد عليه ... 130
- دليلهم الرابع ... 131
- خطوات رد المصنف عليه ... 132
فصل في التتمات
أولا : تتمة للشبهات من كتاب مفيد المستفيد للمصنف ولرد عليها..........132
ثانيا: : تتمة للشبهات من كتاب تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن
عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ولرد عليها .................................133
ثالثا تتمة للشبهات من كتاب الانتصار للشيخ عبد الله ابا بطين ولردعليها137
رابعا : تتمة للشبهات من كتاب منهاج التأسيس للشيخ عبد اللطيف بن
عبد الرحمن ولرد عليها ..........................................................138
خامسا خاتمة لكتاب كشف الشبهات للشيخ عبد الرحمن الدوسري ..........139
القسم الأخير من الكتاب
النص ..................................................................................140
- العنوان : حكم ترك العمل بالتوحيد مع القدرة عليه ... 141
- معنى التوحيد عند الفرق المخالفة ... 142
- أقسام التوحيد باعتبار محله ... 142
- أقسام الناس بذلك الاعتبار ... 143
- أنواع من عرف التوحيد ولم يعمل به مع قدرته ... 143
- الأعذار الزائفة لمن ترك العمل بالتوحيد ... 144
الأدلة على بطلان هذه الأعذار ....................................................145(1/208)
- قضية معاصرة ... 145
- أقسام الإكراه ... 146
- مسألة : هل يكفي التهديد بالقول أم لابد أن يمس بعذاب ؟ ... 147
- مسألة : الإكراه عذر بشرط أن لا يتعدى ضرره على الغير ... 148
- مسألة : على ماذا يقع الإكراه ؟ ... 149
- مسألة : الإكراه على عمل القلب واعتقاد القلب ... 149
- فهرس الموضوعات ... 150(1/209)