التنبيه على
المخالفات العقدية
في
فتح الباري
تقريظ لكبار العلماء
عبد العزيز بن باز صالح الفوزان
عبد الله بن عقيل عبد الله بن منيع
عبد الله الغنيمان
وهو إكمال لما بدأه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
على الفتح بإشارته ومتابعته ومراجعته وقراءته
كتبه
علي بن عبد العزيز بن علي الشبل
عفا الله عنه وعن والديه ومشايخه والمسلمين آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما.
أما بعد:
فإن الأمة قد أجمعت على صحة صحيح الإمام الموفق أبي عبد الله البخاري وعلى جلالته، ورفع درجته، وكان من أعظم الشروح عليه شرح الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني الذي سماه "فتح الباري بشرح صحيح البخاري"؛ فقد أبدع فيه، ووفق لجمع المتفرق من كلام العلماء السابقين في موضع واحد، حتى صار شرحه مُعول العلماء ومرجعَ الطلاب ومقصد الباحثين.
ولم يعكر صفو ذلك سوى بعض المخالفات العقدية التي عظمت من مثل الحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني، وأشغب بها عليه بعض الأغمار فطرحوا سفره النفيس هذا، وأهملوه وربما أهانوه، إلا أن كثيراً منها هي نقول ينقلها الحافظ عمن قبله من الشُرَّاح وغيرهم، هذا مع تنوع بحوث الكتاب وتشعبها والاستطراد فيها، وعلى كل حال فالله أسأل أن يعفو عنه وأن يبدل سيئاته حسنات ويعظم له المثوبة والأجر، ويرفع درجته ويمحو حوبته آمين.
ولما كان سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز قد نبَّه على بعض تلك المؤاخذات في المجلدات الثلاثة الأولى، فزينت تعقباته حواشي الفتح؛ فحققت تمام الإفادة من شرح الحافظ الحافل، مع عدم الانسياق وراء تلك الاختيارات المخالفة لصحيح عقيدة أهل السنة والجماعة.(1/1)
وتكرر الطلب مراراً على سماحته باستئناف ما بدأه من ذلك، ولكن كثرة الشواغل والصوارف منعته من ذلك.
وقد رغبت إلى سماحته بذلك مراراً، فأشار عليَّ بالشروع في ذلك، والعزم عليه، ثم عرض العمل على سماحته لينظر فيه، ولكنني هبتُ ذلك وأحجمتُ عنه في أول الأمر؛ لعظم الفتح وجلالته، ومكانة الحافظ وعلمه، ولكن شرح الله صدري لذلك بعد أمر سماحة الشيخ ثم الاستخارة؛ حتى عزمت على السير على منوال سماحة الشيخ في حواشيه بالاقتصار على موضع الملاحظة وبيان الخطأ فيها، دون التوسع بجلب الأدلة وتحرير الدلالة منها على المقصود، وتنويع الدلائل عليها، إذ مظنة ذلك مطولات كتب العقيدة والردود على مخالفي منهج أهل السنة والجماعة وهي معروفة، متداولة، مشهورة.
أيضاً وليكون العمل على نسق واحد مع تعليقات سماحة شيخنا على المجلدات الثلاثة الأولى. فإن وفقت لذلك فذا هو المقصود، وهو محض توفيق الله وهدايته وتسديده، وإن كانت الثانية فمن نفسي والشيطان، وأعوذ بالله منه ومن شر نفسي، وأستغفر الله من ذلك وأتوب إليه وأرجو ألا أعدم أحد الأجرين.
هذا وأسأل المولى جل وعلا أن يجعله لوجهه خالصاً، وللزلفى لديه مقرباً، ولمرضاته محققاً، ويعظم للأئمة: البخاري وابن حجر وسماحة شيخنا آجراً، ويرفع لنا ولهم في الدارين ذكراً، ويورثنا معهم المنازل العلى من الجنة إنه ولي ذلك، ولي ولوالديَّ ومشايخي والمسلمين، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.
الفقير إلى مولاه الأجلَِّ
علي بن عبد العزيز بن علي الشبل
في 10/8/1419هـ
الرياض 11415 ص ب 63128
فاكس 2270010
شكر وتنويه
هذا وإني أحمد الله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، فالحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.(1/2)
وأصلي وأسلم على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وأترضى عن صحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، والشكر والدعاء لسماحة شيخنا: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الذي أشار بهذا العمل وتابعه وراجعه واهتم به، وفَرَّغ له من وقته مجالس لقراءته وتسديده، ثم أوصى بطبعه، مصاحباً ذلك بدعائه ونصحه، جزاه الله عنا خير الجزاء وأنزله عليين.
والشكر متوجه لأصحاب المعالي والفضيلة:
- الشيخ د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان.
- والشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع.
- والشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل.
- والشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان.
- والشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.
حيث قرأوا – وفقهم الله – التعليقات ماحضين لي فيها النصح والتوجيه.
والشكر موصول لأصحاب المعالي والفضيلة:
- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ – المفتي العام للمملكة-.
- الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين.
- والشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك.
والذين كنت أرجع إليهما في المسائل المشكلة، وإيضاحها من تلكم التعليقات ولكل من كان له سهم في هذا العمل المبارك من محض نصح وحسن توجيه في مختلف مراحله.
فجزى الله الجميع خيراً، وضاعف لهم المثوبة، وبارك لهم في أعمارهم وأعمالهم، وثقَّل موازينهم ومحا ذنوبهم، وأورثنا وإياهم العلم النافع والعمل الصالح والفردوس الأعلى من الجنة، إنه سبحانه سميع قريب مجيب الدعاء.
مكانة الحافظ ابن حجر وكتابه "فتح الباري" :
إن الكلام عن الحافظ الكبير أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773-852)هـ وترجمته الذاتية والعلمية يضيق عنها هذا الموضع جداً، كيف وقد جعلت ترجمته بكتب طوال ككتاب تلميذه السخاوي "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" وقد طبع!وغيره من الكتب.(1/3)
لقد تميز الحافظ ابن حجر في طلبه العلم حتى فاق أقرانه، وحاز على إعجاب مشايخه على كثرتهم، فمنهم من درس عليه، وأكثرهم أجازه لنبوغه وتحصيله، وسعة علمه وجودة تصنيفه.
كما أعجب به وبعلومه العلماء بعد ذلك لما عرفوا قدره في العلم والتحقيق من خلال تصانيفه المحررة، ومؤلفاته الماتعه، وتحقيقاته المفيدة، والتي أبرزت علومه وسعة اطلاعه، واستيعابه ودقة نظره، وتوفيق الله له.
هذا وبجانب عنايته – رحمه الله – وهمته في علم حديث النبي صلى الله عليه وسلم وسنته دراية ورواية، فكانت لآثاره العلمية فيها قصب السبق، وعليها المعول في رجال الحديث ورواة الآثار جرحاً وتعديلاً، أو في تخريج حديث النبي صلى الله عليه وسلم وتميزه صحيحاً وضعيفاً، أو كان في فقه الحديث النبوي استنباطاً وتعليلاً.
ولقد كان من أعظم كتب الحافظ قدراً، وأعمقها علوماً، وأحظاها لدى المسلمين: شرحه على الجامع الصحيح – الذي اتفق المسلمون على أنه أصح كتاب بعد كتاب الله – وهو صحيح الإمام البخاري (256)هـ الذي سمَّاه "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" والذي يُعَّد بحق أحد دواوين الإسلام المعتبرة، ومصادره العلمية المهمة، فلا يستغني عنه طالب علم ولا فقيه؛ بل ولا مفتٍ ولا مجتهد، فجاء الشرح سفراً ضخماً جليلاً. أخذ في جمعه وتأليفه وإملائه وتنقيحه أكثر من خمس وعشرين سنة، حيث ابتدأه في أوائل سنة 817هـ، وعمره آنذاك 44 سنة، وفرغ منه في غرة رجب من سنة 842هـ فجمع فيه شروح من قبله على صحيح البخاري، باسطاً فيه إيضاح الصحيح وبيان مشكلاته، وحكاية مسائل الإجماع، وبسط الخلاف في الفقه والتصحيح والتضعيف واللغة والقراءات، مع العناية الواضحة بضبط الصحيح. صحيح البخاري ورواياته والتنويه على الفروق فيها، مع فوائد كثيرة وفرائد نادرة واستطرادات نافعة … إلخ حتى زادت موارد الحافظ فيه على (1200) كتاباً من مؤلفات السابقين له.(1/4)
وغدا كتابه هذا أعجوبة الزمان، ومفخرة العلماء، تقاصرت همة من بعده من العلماء عن مثل عمله أو السير على منواله فيه، حتى قال الشيخ الشوكاني لما طُلب منه شرح صحيح البخاري قولته المشهورة، المتجانسة مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "لا هجرة بعد الفتح".
فرحم الله الحافظ ابن حجر ورفع درجته، وأعلى في الدارين ذكره، وثقل موازينه، وجزاه عن الإسلام وأهله أفضل الجزاء وأوفاه على نصحه وبذله وخدمته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم آمين.
* * *
طريقة جمع المؤاخذات والتعليق عليها:
وتم ذلك – بتيسير الله وعونه – لما سمعت من غيري من الطلبة جلَّ صحيح البخاري على سماحة الشيخ ابن باز في دروسه المتعددة صباحاً ومساءً في الرياض بالجامع الكبير وجامع سارة، وفجراً بجامع سماحته في الطائف بقراءات متعددة من الصحيح عليه من سنة 1407هـ، حيث كنت أقيد الملاحظات العلمية وفيها مؤاخذات العقيدة على الحافظ ابن حجر رحمه الله منبهاً عليها في حواشي الفتح الجانبية، لأنني كنت أصحب في درس البخاري نسخة الفتح فأستفيد من مطالعة شروحه على الأحاديث المقروءة، ثم لما بعث الله الهمة مرة أخرى لجمع تلك الأخطاء والتعليق عليها، أعدت النظر في مظان أحاديث العقيدة ولا سيما ما يتعلق بالصفات والقدر من فتح الباري حتى تجمعت لي هذه المؤاخذات، وكان جلها من نقول ينقلها الحافظ ابن حجر عن علماء وشرَّاح متقدمين عليه، وبعضها من ابتداء كلامه هو.(1/5)
فلما توجه العزم على جمع المؤاخذات والتعليق عليها، صورت الصفحات ذات العلاقة بالموضوع من نسختي من الفتح، وأشرت على موضع الخطأ، وكتبت التعليق المناسب بورقة خارجية أرفقتها بمصورة الفتح حتى أعرض الأمرين على سماحة شيخنا: صورة الفتح، والتعليق، وهو ما أيده واستحسنه سماحته. حتى إذا انتهيت من الجميع والتعليق آذنت سماحة شيخنا فخصص لي جلسات بعد صلاة الظهر في دار سماحته، ابتدأت من أواخر شهر المحرم من سنة 1419هـ بالطائف، ثم واصلت مع سماحته البقية لما عاد إلى الرياض، فكان آخرها في مجلس ظهر الخميس انسلاخ شهر رجب الحرام من هذه السنة 1419هـ، فأشار الشيخ بطبعه مفرداً ليستفيد منه من عندهم الفتح جم غفير، وتلا ذلك تبييض الكتاب وإعداده للطبع، ومشاورة سماحة شيخنا في مسمى عنوان، وإن كان له ثمة تعليق بعد ذلك على الكتاب أو بعض منه، فلم ير سماحته حاجة في التعليق بعد ذلك، وكان موقفه – جزاه اله خيراً – من التعاليق لا يخرج عن ثلاثة مواقف:
الأول : إمضاء التعليق بدون إضافة أو نقص، وهو جلُّ التعاليق في الكتاب.
الثاني: الزيادة على التعليق بإضافة عبارات أو تعديل صياغة يمليها هو عليَّ في ما كتبها، ثم أعيد قراءتها عليه في الموضع المنتقد زيادة في التأكد.
الثالث: اختصار التعليق بما يسد الحاجة، ويحقق المقصود، وهما في الواقع في مواضع ليست بالكثيرة.
هذا وأحب التنبيه على أمور هي:
1- تكرر التأويل لبعض الصفات كاليدين والاستواء ونحوها في مواضع كثيرة، فاكتفينا بالتنبيه على بعضها تعليقاً، وعلى بعضها إشارة وإحالة، وأغفلنا بعض المواضع لحصول المقصود.
2- الطبعة المحال عليها من فتح الباري هي طبعة المكتبة السلفية ط 1 عام 1407هـ، وما صُوِّر عليها؛ لكونها الأشهر بين أهل وقتنا.(1/6)
3- هذه التنبيهات هي في الأصل حواشي الفتح على هيئة تعليقات طرداً لعمل سماحة شيخنا في الأجزاء الثلاثة الأولى، ولكنها جُردت هنا في كتاب مستقل؛ فكانت بهذه الصورة.
4- وقع التنبيه على مواضع من مقدمة الفتح والمجلد الأول والثالث لم ينبه شيخنا عليها فيما سبق.
تنبيه وتحذير!
وعطف على ما سبق من بيان حول مكانة الحافظ أحمد بن حجر، الذي يُعدُّ بحقٍ من كبار علماء الإسلام، وحول كتابه "فتح الباري" الذي هو أحد دواوين الإسلام المعتبرة، وما يسَّره الله من التنبيه على هنَّات وقعت فيه!
فإنه لا يجوز ديناً ولا مروءةً أن يُنال بذلك من مكانة الحافظ ابن حجر العلمية أو الانتقاص من عمله وقدره؛ فإن الرجل مجتهدٌ، باذلٌ وسعه، ولن يعدم برحمة الله أحد الأجرين، وحسناته في كتابه تغمر أغلاطه وتُكفِّرها. والحافظ حبيب علينا ولكن الحق والعقيدة أحب إلينا، وهي معقد الولاء والبراء.
هذا وقد أوتي – رحمه الله – من كثرة بحوثه وتنوعها، وضخامة كتبه، وجلالة المهمة، إلاَّ أنه كان ينقل كثيراً عن الشرَّاح عباراتهم بما فيها من أخطاء في العقيدة دونما تعليق إلا قليلاً. .، وعلى كل فأبرأ إلى الله عز وجل أن أظن فيه أنه قصد مخالفة الحق أو اتباع ضده من الباطل، وهذا قدر الله وما شاء فعل، و {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}.
وعليه فأعلن أني لا أبيح أحداً اتخذ من هذه التنبيهات مطعناً على الحافظ، أو أنقص بها من دينه وقدره، أو سخرها سهماً في تكفيره أو تبديعه. وأنا بحمد الله وتوفيقه لم أقصد منها ذلك ولا التقليل من شأنه، وما هي إلا نصح للحافظ وكتابه، ولله ورسوله، وللمسلمين وتتميماً للإفادة وغيرة على العقيدة وذباً عنها. والله حسبنا وهو نعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
* * *
تقريظ سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز(1/7)
المفتي العام، ورئيس هيئة كبار العلماء
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته…
بعده، لا أرى حاجة إلى التعليق عليها لأن الحق بحمد الله واضح. وقد أحسنتم فيما فعلتم، وأرى أن تطبعوها بأحد العناوين التي ذكرتم، رجاء أن ينفع الله بها المسلمين.
شكر الله سعيكم وجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من دعاة الهدى وأنصار الحق، إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
تقريظ معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وعضو هيئة كبار العلماء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين – وبعد:
فقد اطلعت على الاستدراكات التي وضعها الشيخ: علي بن عبد العزيز الشبل على كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني متمماً بذلك الاستدراكات التي بدأها سماحة الشيخ العلامة الإمام الجليل: عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، وسائراً على منواله من أجل تنبيه القراء على تلك الأخطاء وبيان الصواب فيها حتى لا يحتج أحد بوجودها في ذلك الكتاب النفيس الذي أصبح مرجعاً أساسياً بيد كل طالب علم من غير تعليق وإيضاح حتى يصفو هذا الكتاب من كل كدر. ويصبح مورداً عذباً نميراً بدون ضرر. وقد وجدت تلك الاستدراكات جيدة مفيدة منصفة – فجزى الله الشيخ علياً عما قام به من هذا المجهود العلمي خير الجزاء ونفع بتلك الاستدراكات من كان هدفه الحق والصواب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه:
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
6/9/1420هـ
تقريظ معالي الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع
عضو هيئة كبار العلماء(1/8)
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وأظهره على الدين كله ولو كره المشركون، هدانا للإيمان وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أحمده حمداً كثيراً كما هو أهله وأشكره شكر من يستزيده ويتضرع إليه وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وكمال ذاته وصفاته وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين وبعد.
فلقد سعدت بقراءة تعليقات لطيفة قيِّمة على "فتح الباري شرح صحيح البخاري" اقتداءً وإتماماً للنهج الذي نهجه سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فيما يتعلق بالأخطاء الواقعة في الشرح فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته وبيان الصراط المستقيم في الاعتقاد السليم في أسماء الله وصفاته مما هو معتقد أهل السنة والجماعة والسلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يوم الدين، الفرقة الناجية من النار ممن كانوا على مثل ما عليه صلى الله عليه وعلى أصحابه، فجزى الله فضيلة الشيخ علي خير جزاء وأتمه وجعله مباركاً أينما كان وأسعده في الدنيا وفي الآخرة وثقل بهذا موازين حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والله المستعان.
كتب هذا
عبد الله بن سليمان المنيع
5/5/1420هـ
تقريظ معالي الشيخ عبد الله بن عقيل
رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقاً
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.(1/9)
وبعد: فبما أن صحيح الإمام البخاري 194-256هـ هو أصح كتاب وضع في الحديث باتفاق أئمة الحديث ومن أجمع شروحه كتاب فتح الباري للحافظ أحمد بن علي بن حجر 773-852هـ لهذا اعتنى الأئمة بدراسته والتعليق عليه لما تميز به من الفوائد والاستنباطات وغيرها إلا أن المؤلف رحمه الله نظراً لتوسعه في كتابه وتشعب البحوث عليه مما ينسي بعضه بعضاً وقع في هنات ومخالفات وأغلاط فيما يتعلق بفن الحديث وعلومه وكذا البحوث اللغوية وأهم من ذلك مسائل العقيدة السلفية وأحاديث من الصفات، والسبب والله أعلم أنه نشأ في مجتمع اختلطت فيه المفاهيم وصار للأشاعرة ومن شاكلهم نفوذ ولمذاهبهم رواج، ومع أن بحوث الأسماء والصفات دقيقة وحساسة قل من يتخلص منها إلا من أخذ عن عالم سلفي.
وقد اهتم كثير من أهل العلم بما تضمنه هذان الكتابان ونبهوا على كثير مما وقع في الشرح، كل حسب وسعه، وإن أبرز من كتب في ذلك شيخنا العلامة أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله المتوفى في 27/1/1420هـ، فقد قرئ عليه فتح الباري حينما أشرف على طبعته الصادرة من المطبعة السلفية بالقاهرة عام 1380هـ وتتبع ما فيه مما يخالف مذهب السلف ونبه عليه من أوله إلى آخر الجزء الثالث بنهاية كتاب الجنائز وطبعت تلك التعليقات بهوامش الأجزاء الثلاثة من فتح الباري، ثم انشغل عنه وطبعت الأجزاء الباقية دون تعليق، وأخيراً عزم سماحته على مواصلة العمل وأوعز بتتبع ذلك إلى أخص تلاميذه وهو فضيلة الشيخ علي بن عبد العزيز الشبل الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فتتبع التلميذ ما ورد في بقية أجزاء الكتاب وعلق عليه وبين مذهب السلف في ذلك، فلما كمل الكتاب عرضه على شيخه فاستحسنه وأذن له بطبعه ونشره،
وهذا عمل جليل نسأل الله أن ينفع به ويثيب العاملين عليه إنه جواد كريم.
وكتبه الفقير إلى الله
عبد الله عبد العزيز بن عقيل
رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقاً(1/10)
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تقريظ فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان
رئيس قسم الدراسات العليا، والمدرس بالمسجد النبوي سابقاً
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد أفضل المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فإن من أصح الكتب المصنفة في الإسلام وأجمعها وأحسنها تبويباً واستنتاجاً كتاب الإمام البخاري، وقد عرف بشدة تمسكه بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترسمه طريقة الصحابة رضوان الله عليهم واتباعهم، فلم يضع في كتابه ما يخالف نهجهم.
وقد اعتنى العلماء بشرح كتابه وتقريبه وبيان ما اشتمل عليه من العلم والفوائد، وأعظم شروحه وأكثرها فوائد شرح الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله، وهذا معلوم لدى أهل العلم، غير أنه أدخل فيه من مسائل المتكلمين وتأويلاتهم لصفات رب العالمين ما شان كتابه.
نسأل الله تعالى أن يعفوَ عنه ويثيبه على اجتهاده، فإنَّا نعتقد أنه يطلب الحق ولم يقصد الباطل.
وقد قام الأخ الفاضل علي بن عبد العزيز الشبل بتتبع المواضع التي أخطأ فيها الحافظ وبيَّن الصواب في ذلك، وقد قرأت تتبعاته هذه فوجدته قد تبين فيها الصواب الذي هو مذهب أهل السنة.
والأخ علي عُرِفَ بسعة اطلاعه وكثرة بحوثه وملازمته للعلماء الذين يقتدى بهم.
أسأل الله تعالى أن يثيبه ويزيده علماً نافعاً وسداداً في القول والعمل.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.
قاله
عبد الله بن محمد الغنيمان
في 15/9/1420هـ
التنبيه على
المخالفات العقدية
في
فتح الباري
قال الحافظ في هدي الساري 143: "قوله (استوى على العرش) هو من المتشابه الذي يفوض علمه إلى الله تعالى، ووقع تفسيره في الأصل". اهـ.(1/11)
ت: هذا ليس صحيحاً؛ إذ نصوص الصفات ومنها آيات الاستواء من النصوص المحكمة المعلومة المعنى والمعقولة المراد، وإنما يُفوض إلى الله تعالى كيفياتها وحقائقها التي هي عليه، كما هو مذهب سلف الأمة رحمهم الله، قال الإمام مالك رحمه الله: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"؛ فالاستواء معلوم المعنى وهو العلو والاستقرار. هذا وليس المتشابه من القرآن ما لا يعلم معناه إلا الله، كما يقوله أهل التفويض من النفاة، وجرى عليه الحافظ ابن حجر هنا. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الهدي 219: "قوله: (أطولهم يداً) أي أسمحهن، ووقع ذكر اليد في القرآن والحديث مضافاً إلى الله تعالى، واتفق أهل السنة والجماعة على أنه ليس المراد باليد الجارحة التي هي من صفات المحدثات. وأثبتوا ما جاء من ذلك وآمنوا به؛ فمنهم من وقف ولم يتأول، ومنهم من حمل كل لفظ منها على المعنى الذي ظهر له، وهكذا عملوا في جميع ما جاء من أمثال ذلك". اهـ.
ت: الواجب إثبات اليدين حقيقة على الوجه اللائق بالله عز وجل حقيقة من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، وعلى هذا اتفق أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح.
أما التوقف عن الإثبات والتأويل بالتفويض، أو الجنوح للتأويل فمسلكا المؤولة والمفوضة من الأشاعرة والماتريدية في باب الصفات، وأهل السنة والجماعة منه براء. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 1/61: "قوله: (وهو) أي الإيمان(قول وفعل يزيد وينقص)…
والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته، والسلف جعلوها شرطاً في كماله". أهـ.
ت: الصواب أن الأعمال عند السلف الصالح: قد تكون شرطاً في صحة الإيمان، أي أنها من حقيقة الإيمان قد ينتفي الإيمان بانتفائها، كالصلاة.(1/12)
وقد تكون شرطاً في كماله الواجب فينقص الإيمان بانتفائها كبقية الأعمال التي تركها فسق ومعصية، وليس كفراً. فهذا التفصيل لابد منه لفهم قول السلف الصالح وعدم خلطه بقول الوعيدية. مع أن العمل عند أهل السنة والجماعة ركن من أركان الإيمان الثلاثة: قول وعمل واعتقاد، والإيمان عندهم يزيد وينقص. خلافاً للخوارج والمعتزلة. والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ في الفتح 1/147: "(تنبيه): دل سياق الحديث على أن رؤية الله في الدنيا بالأبصار غير واقعة، وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فذاك لدليل آخر".
ت: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم لم يَرَ ربَّه في الدنيا في أرجح أقوال العلماء؛ لأن رؤية الله محجوبة في الدنيا عن كل أحد، ولم يأت مخصص صحيح في ثبوتها لأحد لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا لغيره، فيبقى النفي على عمومه، وصح في الحديث "واعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت" أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سُئل : هل رأيت ربك؟فقال: "نور أنى أراه" وفي لفظ قال: "رأيت نوراً" أخرجهما مسلم. وانظر التعليق على حديث (4155) من كتاب التفسير. والله أعلم.
***
قال الحافظ في الفتح 1/164: "وأما الإيمان بمعنى التصديق فلا يحتاج إلى نية كسائر أعمال القلوب – من خشية الله وعظمته ومحبته والتقرب إليه – لأنها متميزة لله تعالى فلا تحتاج لنية تميزها. . "اهـ.
ت: هذا القول متعقب؛ إذ هو قول الأشاعرة، لأن الإيمان في اللغة ليس مجرد التصديق؛ بل هو التصديق وزيادة الإقرار، فهو لغة مشتق من الأمن. وقد نبَّه على هذا أبو العباس ابنُ تيمية في كتابه الإيمان الكبير 7/289-293 ضمن الفتاوى أما في الشرع فالإيمان؛ الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح والأركان.
* * *
قال الحافظ في الفتح 1/189: "قوله: (فاستحيا الله منه) أي رحمه ولم يعاقبه.(1/13)
قوله: (فأعرض الله عنه) أي سخط عليه، وهو محمول على من ذهب معرضاً لا لعذر، هذا إن كان مسلماً ويحتمل أن يكون منافقاً. . "اهـ.
ت: يوصف ربنا سبحانه وتعالى بالاستحياء والإعراض كما في النصوص الشرعية على وجه لا نقص فيه؛ بل على الوجه اللائق من غير تكييف ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل. ولا يجوز تأويلهما بغير معناهما الظاهر من لوازمها وغير ذلك، بل الواجب إثباتهما لله عز وجل على الوجه اللائق بجلاله وكماله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وانظر التعليق على حديث (282) باب 22 من كتاب. الغسل. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 1/276: "قوله: (إن الله لا يستحيي من الحق) أي لا يأمر بالحياء في الحق"اهـ.
ت: الواجب إثبات الحياء لله عز وجل على وجه لا نقص فيه وعلى الوجه اللائق به سبحانه حقيقة من غير تحريف ولا تكييف ولا تعطيل ولا تمثيل، كسائر الصفات عند أهل السنة والجماعة. وكونه سبحانه لا يأمر بالحياء في الدين حقٌ أيضاً، لكن ليس هو معنى صفة الاستحياء لله عز وجل، بل هو من آثارها.
وانظر التعليق على حديث (282) باب 22 من كتاب الغسل. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 1/419: "والمراد باليد هنا القدرة".
ت: هذا تأويل غير صحيح؛ بل اليد ثابتة لله عز وجل على حقيقتها، وهي صفة ذاتية من صفاته تعالى، فالواجب إثبات هذه الصفة على حقيقتها كما يليق بجلال الله وعظمته من غير تحريف ولا تكييف ولا تعطيل ولا تمثيل كسائر الصفات. فكما أن لله قدرة لا تشبهها قدرة المخلوقين، فكذلك له يد لا تشبه أيدي المخلوقين، وله صفات لا تشبه صفاتهم، وإلا كان ذلك تفريقاً بين المتماثلات.
وصح في الحديث الصحيح: أن"قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن". نسأل الله الثبات على دينه آمين. والله أعلم.
* * *(1/14)
قال الحافظ في الفتح 1/605: "والمراد بالمناجاة من قبل العبد حقيقة النجوى، ومن قبل الرب لازم ذلك فيكون مجازاً، والمعنى إقباله عليه بالرحمة والرضوان".
ت: دعوى المجاز في المناجاة من الله باطلة، وهو من ادعاء المجاز في نصوص الصفات، الذي هو باب تعطيلها، والواجب اللائق هنا إثبات المناجاة من الله لعبده حقيقة كما هي للعبد حقيقة من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، ولا يجوز تأويلها بإقبال الله عليه بالرحمة والرضا؛ ولا سيما وقد صحت المناجاة في القرآن من الله لموسى صلى الله عليه وسلم في سورة مريم {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 1/612: "ويستفاد منه أن التحسين والتقبيح إنما هو بالشرع…".
ت: الصواب أن التحسين والتقبيح يكونان بالعقل كما يكونان بالشرع، وذلك أننا نعقل بعقولنا قبح الشر وحسن الخير … وقول الحافظ هنا يتمشى على مذهب الأشاعرة والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (122) باب 22 من كتاب العلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 1/613: "لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلاً عضو مخصوص ولا مقابلة ولا قرب …".
ت: بل رؤية الباري سبحانه في الدار الآخرة حقيقة بمقابلة ولقاء ورؤية وهو في علوه سبحانه وتعالى كما قال : {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ}، مع قطع الاستشراف عن كيفية تلك الرؤية، أو تشبيه المرئي بالمخلوق. ونفي المقابلة والقرب بلا دليل صحيح – ما فيه من الإجمال – خطأ وباطل، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 1/650: قوله: (بنى الله) إسناد البناء إلى الله مجاز … ".(1/15)
ت: بل إسناد البناء لله عز وجل حقيقة على ظاهره اللائق بالله عز وجل عظمة وجلالاً، وهو صفة فعلية، ولا داعي لدعوى المجاز هاهنا، كسائر الصفات، فلا نكيف بناءه، ولا نمثله، ولا نحرفه، ولا نعطله، هذا هو الواجب على المسلمين في أسماء الله وصفاته.
وذلك أن بناء الله كخلق الله، هل يتطرق إليه المجاز؟بل هو في الجميع على الحقيقة اللائقة بالله وهكذا القول في سائر الأسماء والصفات، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 3/188: "وفي هذا الحديث من الفوائد-غير ما تقدم- جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم. . ".
ت: التبرك بالصالحين ممنوع إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته خاصة، ولا يجوز أن يُقاس غيره عليه عليه الصلاة والسلام. وأما التبرك بدعائهم لعموم النصوص في ذلك فنعم.
ومضى قريباً التعليق على التبرك بالصالحين وآثارهم من سماحة شيخنا غير مرة، وسيأتي له نظائر في هذا المجلد "وهو الثالث".
* * *
قال الحافظ في الفتح 3/541: "ومعاذ الله أن يكون لله جارحة. . ".
ت: نفي الجارحة عن الله من النفي المجمل الذي لم يرد به دليل شرعي، والاستفصال فيه أن يُقال:
أ- إن كان المراد بالجارحة، كما للمخلوق من أعضاء؛ فالنفي حق ويُعبَّر عنه بما في القرآن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
ب – وإن كان المراد بنفي الجارحة نفي اليد عن الله أو نفي الصفات، فالنفي والحالة هذه باطل، ولابد. ففي باب النفي لابد من التوقيف فلا تنفي عن الله إلا ما نفاه عن نفسه أو نفاه عن رسوله صلى الله عليه وسلم كما في باب الإثبات، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 4/112: "ومن بعد ذلك لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه".
ت: زيارة القبر إذا احتاجت إلى سفر مشروعة تبعاً لا استقلالاً، فلا يجوز السَّفر لقصد زيارة القبر، وإنما تشد الرحال لزيارة المساجد الثلاثة فقط.(1/16)
والتبرك بالمشاهد والآثار بدعة منكرة، ووسيلة إلى الشرك، ومضى في المجلد الأول والثالث التعليق على هذا في مواضع من سماحة شيخنا ابن باز.
* * *
قال الحافظ في الفتح 4/127: "قوله: (أطيب عند الله من ريح المسك) اختلف في كون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك – مع أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروائح، إذ ذاك من صفات الحيوان، ومع أنه يعلم الشيء على ما هو عليه – على أوجه. قال المازري: هو مجاز لأنه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله، فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم، أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم، وإلى ذلك أشار ابن عبد البر، وقيل: المراد أن ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما تستطيبون ريح المسك.
وقيل: المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم، وهو قريب من الأول. وقيل: المراد أن الله تعالى يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جرحه تفوح مسكاً. وقيل: المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك لاسيما بالإضافة إلى الخلوف، حكاهما عياض.
وقال الداودي وجماعة: المعنى أن الخلوف أكثر ثواباً من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر، ورجح النووي هذا الأخير، وحاصله حمل معنى الطيب على القبول والرضا، فحصلنا على ستة أوجه".
ت: هذا وما قبله تأويلات متكلفة لا مبرر لها، وخروج باللفظ عن حقيقته. والاستطابة لرائحة خلوف فم الصائم من جنس سائر الصفات العلى يجب الإيمان بها مع عدم مماثلة صفات المخلوقين، ومع عدم التكلف بتأويلها بآراء العقول ومستبعدات النقول، والذي يفضي بها إلى تعطيلها عن الله.(1/17)
فالواجب الإيمان بها كسائر الصفات على الوجه اللائق بالله من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} وقال: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 4/298: "والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح، وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة".
ت: البدعة في اللغة هي ما كان على غير مثال سابق، وتكون حسنة وسيئة، أما البدع في الشرع فكلها مذمومة مستقبحة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، وهذا عموم من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا مخصص له، فلا يجوز تخصيص قوله بأقوال الناس كائناً من كان. كما لا يصح أن تندرج البدعة شرعاً تحت الأحكام الخمسة. والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (7277) في كتاب الاعتصام بالسنة. باب (2) من المجلد 13.
* * *
قال الحافظ في الفتح 5/217: "وقد قال المازري: غلط ابن قتيبة فأجرى هذا الحديث على ظاهره وقال: صورة لا كالصورة. انتهى…
وقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" وأحمد من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعاً "لا تقولن: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته"، وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك. . ".
ت: أحسن الحافظ بذكر هذا التعليل في النهي عن ضرب الوجه، وهو أحسن من التعليل الأول وأصرح، كما أحسن بتخريجه زيادة: "على صورة الرحمن".
وقد غلط المازري بتغليطه ابن قتيبة، كما وهم الحافظ بجعله عود الضمير على المقول له ذلك.(1/18)
والصواب أن يقال: إن لله صورة تليق به سبحانه، ولآدم وذريته صور تليق بهم، من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل لصورة الله ولا صفاته؛ مع الفارق بين صفات المخلوق وصفات الخالق.
هذا، وإن نفي الصورة عن الله قول الجهمية، كما قال الإمام أحمد وغيره. وقد بسط الشيخ ابن تيمية الكلام في المسألة في آخر بيان تلبيس الجهمية بسطاً شافياً.
* * *
قال الحافظ في الفتح 5/345: "قوله (أحدث الأخبار بالله) أي أقربها نزولاً إليكم من عند الله عز وجل، فالحديث بالنسبة إلى المنزول إليهم، وهو في نفسه قديم".
ت: هذا الموضع فيه إيهام يتعلق بصفة الكلام لله عز وجل، ويحتاج إلى تفصيل:
أ - فإن كان المراد أنه معنى قديم نفسي، فهذا قول الأشاعرة بأن القرآن معنى نفسي قائم بالله.
ب - وإن كان جبريل لم يسمعه من الله وإنما تلقاه من غيره: من اللوح أو الهواء أو اللطيفة فهو باطل أيضاً. وهو قول الأشاعرة والمتكلمين لينفوا أن يكون الكلام مسموعاً. وهو راجع إلى الاحتمال الأول: بأن الكلام معنىً قديمٌ نفسيٌّ.
جـ – وإن أراد أنه قديم بمعنى أن الله كتبه في اللوح المحفوظ وسبق به علمه سبحانه ثم أنزله منجماً حسب الحوادث، وسمعه جبريل من الله. فهذا حق وصواب.
وبالتفصيل يتبين الأمر؛ لأن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد، كسائر أفعال الرب جلَّ وعلا. والله أعلم.
وانظر التعليق على باب (42) من كتاب التوحيد.
* * *
قال الحافظ في الفتح 5/395: "ووقع للمهلب استبعاد جواز هذه الكلمة – وهي "حابس الفيل" – على الله تعالى، فقال: المراد حبسها أمر الله عز وجل، وتعقب بأنه يجوز إطلاق ذلك في حق الله فيقال: حبسها الله حابس الفيل، وإنما الذي يمكن أن يمنع تسميته سبحانه وتعالى حابس الفيل ونحوه، كذا أجاب ابن المنير، وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توقيفية …".(1/19)
ت: هذه قاعدة سديدة مسددة في باب الأسماء والصفات أن مبناهما على التوقيف. وإطلاق حابس الفيل على الله ليس من باب التسمية، وإنما من باب الإخبار والإطلاق، وهو على كل حال أوسع من باب التسمية والوصف. ولا يكفي فقط ألا يكون ذلك الاسم مشعراً بنقص؛ بل لابد أن يكون توقيفياً.
والحبس هاهنا فعلٌ يليق بالله عز وجل لا يشبه حبس المخلوقين كسائر الصفات والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ في الفتح 5/402: "وفيه طهارة النخامة والشعر المنفصل والتبرك بفضلات الصالحين الطاهرة . . ".
ت: هذا ليس على إطلاقه، بل هو خاص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لغيره؛ لكونه لم يرد، ولكونه وسيلة إلى الشرك. ومضى في المجلدين الأول والثالث مواضع عديدة علق عليها سماحة شيخنا بما يكفي، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 5/413-414: "وفي رواية موسى بن عقبة عن الزهري: فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير، فقدم كتابه وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجداً…".
ت: هذا مخالف لما صح في الأحاديث الصحيحة المحذرة من اتخاذ القبور مساجد، وهذا إن صح!كيف وهو من مراسيل الزهري، وهي من أضعف المراسيل؛ فيكون الأثر غير صحيح. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/48: "قوله : (يضحك الله إلى رجلين) قال الخطابي: الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى، وإنما هذه مثل ضرب لهذا الصنيع الذي يحل محل الإعجاب عند البشر فإذا رأوه أضحكهم، ومعناه الإخبار عن رضا الله بفعل أحدهما وقبوله للآخر ومجازاتهما على صنيعهما بالجنة مع اختلاف حاليهما، قال: وقد تأول البخاري الضحك في موضع آخر على معنى الرحمة، وهو قريب، وتأويله على معنى الرضا أقرب، فإن الضحك يدل على الرضا والقبول".(1/20)
ت: هذا الكلام وما بعده غير صحيح؛ لأنه مذهب أهل التأويل ومذهب أهل التفويض وكلا المذهبين باطل.
ونفي الضحك عن الله، واعتبار نصوصه المثبتة له من ضرب المثل، وتأويله بصفة أخرى كالرضا أو إرادته، ليس بسديد، بل هو نفي لحقيقة ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربه، فالواجب إثبات صفة الضحك لله على الوجه اللائق به من غير تشبيه بضحك المخلوقات، ولا تعطيل لحقيقة ما له سبحانه من كمال الصفات، ولا تكييف ولا تحريف.
هذا؛ ولم أرَ البخاري رحمه الله تأول ذلك، وهو بعيد جداً عنه، لاسيما وقد قال الحافظ عفا الله عنه على حديث (4889) من كتاب التفسير: "قال الخطابي: وقال أبو عبد الله: معنى الضحك هنا الرحمة. قلت: ولم أرَ ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري" اهـ. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/138: "ويحتمل أن يكون معنى قوله : (رحمة من الله) أي كانت الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه لنزول الرضا عن المؤمنين عندها…".
ت: هذا احتمال بعيد، فليست الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه لنزول الرضا عن المؤمنين عندها.
ولو كانت كذلك لما جاز قطعها، وإنما هي شجرة سَمُرة كغيرها، والوصف بالرضوان تعلق بما حصل عندها لا بها. والصواب الأول أن خفاءها رحمة من الله حتى لا يغلو فيها أحد، ولهذا قطعها عمر رضي الله عنه لما رأى بعض الناس يذهبون إليها. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/158: "فناسب تنزيه الله عن صفات الانخفاض كما ناسب تكبيره عند الأماكن المرتفعة، ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله ألا يوصف بالعلو؛ لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس . . . ".(1/21)
ت: هذا جنوح إلى القول بعلو القهر وعلو الشرف. وهو الوصف بالعلو من جهة المعنى، دون علو الذات الذي أحاله الحافظ حساً، والحق أن لله العلو التام ذاتاً وقدراً وقهراً، وهو ما تواترت به نصوص الشريعة تواتراً قطعياً من وجوه كثيرة جداً تفوق الحصر، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/165: "هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه، فأما ما فيه ذكر الله فلا نهي فيه، فإنه إنما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسمائه وذكره …".
ت: الصواب النهي عن ذلك كله ألبته، فيُنهى عن تعليق التمائم مطلقاً، ولو كان بشيء فيه ذكر الله؛ لئلا يُمتهن، ولعموم النهي عن التمائم، ولا مخصص للعموم، وسداً لذريعة تعليق التمائم الشركية.
والتبرك بذكر الله من الأدعية والحروز الشرعية يكون بقراءتها والتلفظ بها والتعبد لله بها لا بتعليقها، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/168: "وقد تقدم توجيه العجب في حق الله في أوائل الجهاد وأن معناه الرضا ونحو ذلك…".
ت: هذا تأويل باطل للعجب المسند إلى الله بصفة أخرى وهي الرضا، وكما أن لله رضا يليق به فكذلك له عجب لائق به أيضاً. والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (4889) من المجلد الثامن – تفسير آية الحشر.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/336: "قوله: (كتب في كتابه) أي أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ…".
ت: لا مانع أن يكون كتبه سبحانه بنفسه كسائر ما أضافه إلى نفسه من صفاته وأفعاله على الوجه اللائق من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل كسائر صفاته عز وجل. كما ورد أن الله تعالى كتب التوراة لموسى بيده.(1/22)
والذي يظهر من سياق الحديث أن هذه الكتابة غير كتابة المقادير التي أمر الله سبحانه القلم بها، ويجوز أن يكون هذا الكتاب كذلك غير اللوح المحفوظ؛ فجزُمُ الحافظ أنه اللوح المحفوظ لم يذكر عليه دليلاً. وأبعد من هذا قوله – عفا الله عنه - : "ويحتمل أن يكون المراد . . إلخ، وما استشهد به لا يتعين فيه المعنى الذي ذكره؛ بل الأظهر أن هذا الحكم مكتوب في كتاب. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح6/337: "قوله: (فهو عنده فوق العرش)؛ قيل : معناه دون العرش. ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "فهو عنده" أي ذكره أو علمه، فلا تكون العندية مكانية بل هي إشارة إلى كمال كونه مخفياً عن الخلق مرفوعاً عن حيز إدراكهم…".
ت: بل الواجب إمراره على ظاهره، ولا حاجة إلى هذا التأويل، فهو كتاب عند الله فوق عرشه مع قطع الاستشراف عن كيفية ذلك. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/337: "والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب…".
ت: هذا تأويل لصفة الغضب إلى إرادة إيصال العقوبة. والواجب إثبات الغضب وسائر الصفات على الوجه اللائق بالله على الحقيقة من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل. وقد كثر تأويل الحافظ – عفا الله عنه – لصفتي الرحمة والغضب بإرادتي الثواب والعقاب، وهو في الحقيقة طرد لمذهب الأشاعرة فيهما. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/345 : " قال ابن العربي: أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن، وتأوله قوم على ما هي عليه من التسخير الدائم، ولا مانع أن تخرج عن مجراها فتسجد ثم ترجع. قلت: إن أراد بالخروج الوقوف فواضح، وإلا فلا دليل على الخروج، ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة، أو تسجد بصورة فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين".(1/23)
ت: هذا تأويل لسجود الشمس لله عز وجل، وذلك السجود حق كما صح في الحديث لكن الله أعلم بكيفيته، فلا نخوض فيه بعقولنا متأولين أو مكيفين، ولكن سجودها حق على ظاهره، والله أعلم به.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/406: "ويؤخذ منه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين تبركاً بهم…".
ت: التبرك بذوات الصالحين أو بجاههم أو بحقهم كل ذلك لا يجوز والصواب التبرك بدعائهم لا بذواتهم؛ لأن التبرك بذوات الصالحين أو بجاههم أو بحقهم كل ذلك لا يجوز وهو دائر بين الشرك الأكبر والأصغر فيُحذر منه. والتبرك بالذات خاص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيما انفصل عن جسمه في حياته فقط لا بعد موته والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/422: "وهذه الرواية تؤيد قول من قال: إن الضمير لآدم، والمعنى أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه عليها…".
ت: الصواب عود الضمير على الرحمن كما جاء مصرحاً به في روايات صحيحة، والمقصود إثبات الصورة لله ولآدم كلٌ على ما يليق به. وقد بسط الكلام على المسألة وبيان عود الضمير على الله أبو العباس ابن تيمية في بيات تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية بسطاً شافياً. ومضى نحوه في التعليق على حديث (2559) باب (20) من كتاب العتق، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/448: "وأما إطلاقه في حق الله تعالى فعلى سبيل المقابلة، وقيل: الخلة أصلها الاستصفاء، وسُمي بذلك لأنه يوالي ويعادي في الله تعالى، وخلة الله له نصره وجعله إماماً…".
ت: إطلاق الخلة وهي أعلى درجات المحبة على الله صحيح وعلى الحقيقة اللائقة بالله، كما في صريح القرآن والسنة. وهي صفة ثابتة لائقة بالله لا تستلزم تشبيهاً ولا تمثيلاً، بل لله خلة لائقة به كما أن له سمعاً وبصراً وحياة تليق به. ونفي الخلة عن الله هو قول الجهمية عن الجعد، كما قال ابن القيم:
ولأجل ذا ضحى بجعد خالدُ الـ
إذا قال إبراهيمُ ليس خليله
شكر الضحية كلُّ صاحب سنة(1/24)
قسريُّ يوم ذبائح القربان
كلا ولا موسى الكليم الداني
لله درك من أخي قربان
والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/502: "وروى البيهقي من طريق الحجاج بن قرافصة أن رجلين …".
ت: صوابه: الحجاج بن فُرافِصة بفاءين؛ الأولى مضمومة والثانية مكسورة بعدها صاد مهملة، الباهلي البصري، صدوق عابد، يهم، من السادسة. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/502: "قال: وكانوا يرون أنه الخضر".
ت: أطال الحافظ رحمه في تعمير الخضر، وعلى كل حال لو عُمر فإنه لن يُخلد.
والتحقيق أنه مات، ولو عاش لشمله حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيح يرفعه: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد". وأهل البدع ينسجون على الخضر أساطير وخرافات لا تحصى.
والصواب أن الخضر عليه السلام قد مات قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه نبي – على الصحيح-، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا نبي بعده، والقول بأنه موجود في حياة النبي أو بعدها قول باطل مخالف للأدلة الشرعية. والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/512: "لأن الأنبياء أحياء عند الله وإن كانوا في صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدنيا …".
ت: هذا إطلاق مبهم، والصواب التصريح بأن حياة الأنبياء برزخية ليست كحياتي الدنيا والآخرة، ولكن الله أعلم بحقيقتها، وأن حياتهم في القبور أكمل من حياة الشهداء.
والحافظ رحمه الله فصَّل ذلك وأبان عنه في مواضع من المجلد السابع على حديث (3649) و (3887) و (4042) بما أزال الإبهام هاهنا، فجزاه الله خيراً.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/562: "فدل ذلك على حياتهم. قلت: وإذا ثبت أنهم أحياء من حيث النقل فإنه يقويه من حيث النظر كون الشهداء أحياء بنص القرآن، والأنبياء أفضل من الشهداء …".(1/25)
ت: مضى بيان أن حياة الأنبياء في قبورهم حياة برزخية لا نعلم حقيقتها، وأنها أكمل من حياة الشهداء على حديث (3410) من هذا المجلد السادس. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 6/695: "وفيه التبرك بطعام الأولياء والصلحاء …".
ت: هذا الإطلاق ليس بسديد، والصواب تخصيصه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما انفصل عن جسمه في حياته فقط!، ومضى له نظائر كثيرة في المجلد الأول والثالث.
* * *
قال الحافظ في الفتح 7/28: "… أما خلة الله للعبد فبمعنى نصره له ومعاونته …".
ت: الواجب إثبات صفة الخلة لله على ما يليق به، والنصرة والمعونة من آثارها وكذلك الإحاطة وهي صفات أخرى تليق بالله لا يشابهه بها خلقه، ولأن الخلة هي أعلى درجات المحبة. ومضى لهذا نظير في المجلد السادس على حديث (3359) من كتاب أحاديث الأنبياء. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 7/36: "والأنبياء أحياء في قبورهم…".
ت: مضى غير مرة بيان أن حياة الأنبياء في قبورهم حياة برزخية الله أعلم بحقيقتها، وهي أكمل من حياة الشهداء، انظر التعليق على حديث (3410) من المجلد السادس.
* * *
قال الحافظ في الفتح 7/156: "وليس العرش بموضع استقرار الله …".
ت: بل الصواب أن الله سبحانه قد استوى على العرش، ومن معاني الاستواء: الاستقرار والارتفاع والعلو والصعود على الوجه اللائق به سبحانه من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل كسائر صفات الله عز وجل، كما نظمها ابن القيم في النونية:
ولهم عبارات عليها أربعٌ
وهي استقر وقد علا وكذلك ار
وكذلك قد صعد الذي هو رابع
يختار هذا القول في تفسيره
قد حُصَّلت للفارس الطَّعان
تفع الذي ما فيه من نكران
وأبو عبيدة صاحب الشيباني
أدرى من الجهمي بالقرآن
ولا يعني هذا المعنى السائغ لغة وشرعاً حاجته سبحانه أو افتقاره إلى عرشه، فهو الغني عما سواه، وكلٌ إليه محتاج فقير. والله أعلم.
* * *(1/26)
قال الحافظ في الفتح 7/156: "ومع ذلك فمعتقد سلف الأئمة وعلماء السنة من الخلف أن الله منزه عن الحركة والتحول والحلول ليس كمثله شيء …".
ت: هذا أيضاً من النفي المفصل المحدث الذي لم يدل عليه نصٌ من كتاب الله ولا سنته صلى الله عليه وسلم، بل هذا النفي عند المتكلمين يتضمن نفي صفات ثابتة ولائقة بالله كالنزول والإتيان والمجيء والعلو والاستواء على العرش، وليس الأمر كما قال الحافظ، كما أنه ليس النفي المفصل طريقة الوحيين الكتاب والسنة ولا من هدي السلف، بل هو خلاف ما عليه سلف الأمة وأتباعهم بإحسان، كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الحموية والتدمرية، والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ في الفتح 7/179: "والمراد بغضب الله إرادة إيصال العقاب …".
ت: هذا تأويل غير سائغ، حيث أوَّل صفة الغضب بصفة الإرادة، بل لله غضبٌ لائق به كما أن له إرادة لائقة به، بلا تمثيل ولا تشبيه، كذلك بلا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل، هذا قول أهل السنة والجماعة. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ في الفتح 7/476: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة"وأرقعة بالقاف جمع رقيع وهو من أسماء السماء، قيل: سميت بذلك لأنها رقعت بالنجوم، وهذا كله يدفع ما وقع عن الكرماني (بحكم الملك) بفتح اللام وفسَّره بجبريل؛ لأنه الذي ينزل بالأحكام، قال السهيلي: قوله: "من فوق سبع سموات" معناه أن الحكم نزل من فوق، قال: ومثله قول زينب بنت جحش: "زوجني الله من نبيه من فوق سبع سموات" أي نزل تزويجها من فوق، قال: ولا يستحيل وصفه تعالى بالفوق على المعنى الذي يليق بجلاله، لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التحديد الذي يفضي إلى التشبيه …".(1/27)
ت: إثبات الفوقية لله عز وجل حق، فهو سبحانه فوق العرش وفوق السموات والله أعلم بكيفية ذلك، فلا نحرف فوقيته كما لا نمثلها، ولا نكيفها ولا نتأولها بالتعطيل. كما ذكر سبحانه : {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}. وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}، وكما في حديث الباب أعلاه، والصواب الذي دلت عليه النصوص وقرَّره أهل السنة أن الله موصوف بفوقية الذات، وفوقية القدر وفوقية القهر، كما قال ابن القيم في النونية:
والفوق أنواع ثلاث كلُّها
لله ثابتةٌ بلا نكران
* * *
قال الحافظ 8/5: "قوله الرحمن الرحيم اسمان من الرحمة، أي مشتقان من الرحمة والرحمة، لغة (الرقة والانعطاف) وعلى هذا فوصفه به تعالى مجاز عن إنعامه على عباده، وهي صفة فعل لا صفة ذات … ".
ت: ليس في نصوص الصفات مجاز – على اصطلاح المتكلمين – بل الرحمن الرحيم اسمان من الأسماء الحسنى متضمنان صفة الرحمة على المعنى اللائق به سبحانه، فلا حاجة إلى تأويلها بأثر من آثارها – وهو إنعامه على عباده – عند أهل السنة والجماعة، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 8/187: "وتعقبه وابن المنيِّر بأن الإيمان لا يتبعض . وهو كما قال …
ت: الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان يتفاوت بالزيادة والنقصان ويتبعض ويكون بالقلب واللسان والجوارح، وهو يزيد وينقص، ولما كان الإيمان عند الأشاعرة اسماً للتصديق لم يتفاضل ولم يتبعض على ذلك عندهم.
وانظر التعليق على حديث (7) من كتاب الإيمان في المجلد الأول.
وبسط الكلام على هذا ابنُ تيمية في الإيمان الأوسط ضمن الفتاوى 7/562 وما بعدها.
* * *
قال الحافظ 8/191: "وفيه جواز سؤال الموسر من المال من ترجى بركته شيئاً من ماله لضرورة دينية".
ت: الصواب أن هذا التبرك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لا لغيره، فلا يجوز التبرك بأحد غيره ولا به بعد موته، ومضى لهذا نظائر في المجلدين الأول والثالث.
* * *(1/28)
قال الحافظ 8/234: "واختلف المعربون في "لا" فقيل: زائدة، وإلى هذا يشير كلام أبي عبيدة، وتُعقب بأنها لا تزاد إلا في أثناء الكلام، وأجيب بأن القرآن كله كالكلام الواحد …".
ت: الصواب أن كلام الله متعدد ومتنوع يتكلم سبحانه متى شاء وكيف شاء بما شاء فقد تكلم سبحانه بالتوراة والإنجيل والقرآن والزبور. وكونه كالكلام الواحد في أنه بدا من الله حق، لا في استوائه؛ لاسيما وهو متفاضل.
ويُخشى من هذه العبارة تطرق ما عول عليه المتكلمون من الأشاعرة وأمثالهم من كونه معنىً واحداً قائماً في نفس الله ليس بمتعدد، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 8/282: "وحكى ابن التين للداودي في هذا الموضع كلاماً في استشكال نزول الوحي في القضايا الحادثة، مع أن القرآن قديم …".
ت: الحق أن وصف الكلام قديم لأنه صفة ذاتية لله، وأما القرآن فهو متجدد تكلم الله به بعد التوراة والإنجيل فهو آخر الكتب الإلهية، كما قال سبحانه في أول الأنبياء: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}. وكونه قديماً كله عند الأشاعرة وغيرهم؛ لأنه عندهم معنى نفسي قائم بالله ليس بحرف ولا صوت مسموع، وهذا باطل ومخالف لمذهب السلف الصالح رحمهم الله، والله أعلم.
وانظر التعليق على باب (4) من كتاب التفسير – لسورة الحجر – من هذا المجلد.
* * *
قال الحافظ 8/365: "والمراد بالوجه الذات، والعرب تعبر بالأشرف عن الجملة ..."
ت: والتعبير بالوجه عن الذات أحياناً في اللغة، لا يعني أن الوجه هو الذات في كل حال، بل لله وجه حقيقي يليق به سبحانه هو من ذاته، كما في الحديث: "وما بين القوم وبين أن يروا ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنات عدن" متفق على صحته عن أبي موسى رضي الله عنه، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 8/413: "والأولى في هذه الأشياء الكف عن التأويل مع اعتقاد التنزيه".(1/29)
ت: إذا كان يريد بالتأويل صرف اللفظ عن ظاهره فهو حق، وهذه قاعدة سديدة ومهمة في باب الأسماء والصفات ليت الحافظ طردها فيه، ويضاف إليها: بلا كيف.
* * *
قال الحافظ 8/413: "فإن كل ما يستلزم النقص من ظاهرها غير مراد".
ت: نصوص الصفات ليس في ظاهرها نقص ألبتة، بل هو وهم يتوهمه المعطل قبل تعطيله؛ حيث يتوهم التشبيه، ثم يدفعه بصريح التأويل الذي هو في واقع الأمر تعطيل، والصواب إثبات ما دلت عليه النصوص من الأسماء والصفات لله سبحانه على الوجه اللائق به، من غير تمثيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تعطيل، كما درج على ذلك أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، كما أوضح ذلك أئمة السنة كالإمام أحمد وابن خزيمة، وقبلهما مالك والأوزاعي والثوري، وبعدهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما من أئمة السنة، والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ 8/413: "وقال ابن فورك: يحتمل أن يكون المراد بالإصبع إصبع بعض المخلوقات، وما ورد في بعض طرقه: "أصابع الرحمن" يدل على القدرة والملك".
ت: هذا أيضاً من التأويل، حيث أُولت أصابعُ الرحمن إلى صفتي القدرة والملك، والواجب هو اللائق بإثبات الأصابع لله حقيقة، دون التكييف أو التشبيه أو التعطيل، على ما ورد في الأحاديث الصحيحة، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 8/444: "قوله (فأخذت) كذا للأكثر بحذف مفعول أخذت، وفي رواية ابن السكن "فأخذت بحقو الرحمن"، وفي رواية الطبري " بحقوي الرحمن" بالتثنية، قال القابسي: أبى أبو زيد المروزي أن يقرأ لنا هذا الحرف لإشكاله … وقال عياض : الحقو معقد الإزار، وهو الموضع الذي يستجار به ويحتزم به على عادة العرب؛ لأنه من أحق ما يحامى عنه ويدفع، كما قالوا: نمنعه مما نمنع منه أزرنا، فاستعير ذلك مجازاً للرحم من استعاذتها بالله من القطيعة. انتهى. وقد يطلق الحقو على الإزار نفسه …(1/30)
والمعنى على هذا صحيح مع اعتقاد تنزيه الله عن الجارحة. قال الطيبي: هذا القول مبني على الاستعارة التمثيلية؛ كأنه شبه حال الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب عنها بحال مستجير يأخذ بحقو المستجار به، ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم للمشبه به من القيام، فيكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة، ثم رشحت الاستعارة بالقول والأخذ وبلفظ الحقو فهو استعارة أخرى، والتثنية فيه للتأكيد؛ لأن الأخذ باليدين آكد في الاستجارة من الأخذ بيد واحدة".
ت: لا حول ولا قوة إلا بالله!الواجب الإيمان بما دل عليه الحديث وإمراره كما جاء على حقيقته كباقي نصوص الصفات، والإيمان بمقتضى الحديث أن لله حقواً، كما أن له سمعاً ووجهاً وقدماً، كل ذلك على الحقيقة اللائقة بالله عز وجل من غير تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل.
أما تنزيه الله عن الجارحة فكلام مجمل لم يصح نفيه عن الله ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه فلا يجوز نفيه ولا إثباته حتى يُستفصل عن مراد قائله، لأنه يحوي حقاً وباطلاً.
وتكلُّف كونه مجازاً واستعارة مما يفضي إلى التعطيل ونفي الصفات الثابتة لله عز وجل. والواجب إثبات الصفات لله على الوجه اللائق بالله من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، كما هو قول أهل السنة والجماعة، والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ 8/461: "وقيل: المراد بالقدم الفرط السابق … وقيل : المراد بالقدم قدم بعض المخلوقين. أو المراد بالقدم الأخير … حتى يضع الرب فيها موضعاً … وأنه يجعل مكان كل واحد منهم واحداً من الكفار بأن يعظم حتى يسد مكانه ومكان الذي خرج، وحينئذ فالقدم سبب للعِظَمِ المذكور … قال : المراد بالقدم قدم إبليس … يكون المراد بالرجل إن كانت محفوظة الجماعة …".(1/31)
ت: كل هذه التأويلات للقدم غير صحيحة، بل لله قدم أو رجل على ما وردت في الأحاديث الصحيحة على وجه يليق بذات الله المقدسة، من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وعليه فلا داعي هاهنا إلى التأويل، كما يحرم التمثيل لها بقدم المخلوق، مع القطع بعدم العلم بالكيفية التي عليها هذه الصفة وغيرها. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 8/474: "وعلى هذا يمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب …".
ت: هذا هو الصحيح من أقوال السلف، وعليه تتفق الأدلة ولا تفترق، وتجتمع ولا تختلف، فلم ير ربه بعيني رأسه، وإنما بقلبه كما صح.
وفي الصحيح – صحيح مسلم – عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سئل هل رأيت ربك؟قال : "نور أنَّى أراه" وفي لفظ : "رأيت نوراً"، وفي الصحيح أيضاً أنه قال صلى الله عليه وسلم: "واعلموا أنه لن يرى أحدٌ منكم ربه حتى يموت".
وبذلك يُعلم أن الله سبحانه لا يُرى في الدنيا، وإنما يراه المؤمنون يوم القيامة، وفي الجنة كما تواترت بذلك الآيات والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو قول أهل السنة والجماعة. أما الكفار فلا يرونه سبحانه أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة لقوله تعالى : {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}، والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ 8/474-475: "وقد رجح القرطبي في "المفهم" قول الوقف في هذه المسألة وعزاه لجماعة من المحققين، وقواه بأنه ليس في الباب دليل قاطع، وغاية ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل، قال: وليست المسألة من العمليات؛ فيُكتفى فيها بالأدلة الظنية، وإنما هي من المعتقدات فلا يكتفى فيها إلا بالدليل القطعي …".(1/32)
ت: المراد بالقطعي على الصحيح: ما صح عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا على اصطلاح المتكلمين بأنه المتواتر فقط. فكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواتراً أو آحاداً فإنه يُبنى عليه الحكم الاعتقادي أو العملي فهما سيَّان في هذا، ولكن الشأن في ثبوته وصراحة دلالته، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 8/501: "قال الخطابي"إطلاق العجب على الله محال، ومعناه الرضا، فكأنه قال: إن ذلك الصنيع حل من الرضا عند الله حلول العجب عندكم، قال: وقد يكون المراد بالعجب هنا أن الله يعجب ملائكته من صنيعهما لندور ما وقع منهما في العادة. قال: وقال أبو عبد الله: معنى الضحك هنا الرحمة. قلت: ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري، قال الخطابي: وتأويل الضحك بالرضا أقرب من تأويله بالرحمة، لأن الضحك من الكرام يدل على الرضا فإنهم يوصفون بالبشر عند السؤال …".
ت: هذا كله تأويل لصفتي العجب والضحك الثابتتين لله، وصرف لهما عن ظاهرهما. والواجب إثباتهما حقيقة لله عز وجل من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل كسائر الأسماء والصفات، وهو قول أهل السنة والجماعة، ومثل ذلك التأويل بعيدٌ جداً عن الإمام البخاري رحمه الله، فلا معول عليه ألبتة.
* * *
قال الحافظ 8/532: "لا يظن أن الله ذو أعضاء وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين تعالى الله عن ذلك، ليس كمثله شيء".
ت: نفي الجوارح والأعضاء من النفي المجمل، والذي لم يرد به توقيف النص، فلا يجوز إطلاقه، بل الواجب فيه التفصيل:
أ- فإن قُصد بنفي الجوارح والأعضاء، تلك الصفات المشابهة لجوارح المخلوقين وأعضائهم، فالمعنى صحيح، ويغني عن هذا اللفظ المجمل ما ورد من نصوص شرعية تنفيه كقوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وقوله {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.(1/33)
ب- وإن قُصد بنفيها نفي الصفات الذاتية عن الله، كصفة الساق والقدم والأصابع وغيرها مما نطقت به النصوص الصحيحة، فهو من التأويل والتعطيل المذمومين، وهو أيضاً إلحاد في أسماء الله وصفاته.
والواجب إثبات ما جاءت به النصوص من صفات الله عز وجل كاليد والإصبع والقدم والساق وغير ذلك بلا تمثيل ولا تكييف، وبلا تعطيل ولا تحريف، بل على الوجه اللائق به سبحانه، من غير مشابهة لخلقه في شيء من صفاته تعالى وتقدس، لعموم قوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وغيرها من الآيات الواردة في هذا المعنى، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.
* * *
قال الحافظ 8/573: ". . وإسناد الاطمئنان إلى الله من مجاز المشاكلة، والمراد به لازمه من إيصال الخير ونحو ذلك …" اهـ.
ت: هذا إعمال للمجاز في نصوص الصفات، ولا يجوز هذا فيها، وإذا ثبتت الصفة فلا كلام عندئذ بالادعاء بتأويلها على أنها مجاز أو تفويضها، فالعبرة على ثبوت الاطمئنان إلى الله، فإن صح أثبتت حقيقة ذلك على ما يليق بالله.
كما نثبت الرضا له سبحانه حقيقة على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تمثيل ولا تكييف. والحسن هو البصري، وهو من سادات التابعين. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 8/687: "وقال القرطبي: أصل الأذن بفتحتين أن المستمع يميل بأذنه إلى جهة من يسمعه، وهذا المعنى في حق الله لا يراد به ظاهره، وإنما هو على سبيل التوسع على ما جرى به عرف المخاطب، والمراد به في حق الله تعالى إكرام القارئ وإجزال ثوابه، لأن ذلك ثمرة الإصغاء … " اهـ.
ت: ولماذا لا يُراد ظاهره وهو الاستماع، على وجهٍ يليق به عز وجل، ولو لم تكن نصوص الصفات مرادٌ لها ظواهرها فمن يعرفها إذن؟!(1/34)
والواجب على المسلم الإيمان بهذه الصفة وغيرها من صفات الله الذاتية والفعلية على ما يليق بالله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل كسائر أسمائه وصفاته كما قال سبحانه : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 9/231: "قال عياض: ويحتمل أن تكون الغيرة في حق الله الإشارة إلى تغير حال فاعل ذلك، وقيل: الغيرة في الأصل الحمية والأنفة، وهو تفسير بلازم التغير فيرجع إلى الغضب، وقد نسب سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتابه الغضب والرضا . وقال ابن العربي: التغير محال على الله بالدلالة القطعية فيجب تأويله بلازمه؛ كالوعيد أو إيقاع العقوبة بالفاعل، ونحو ذلك". اهـ.
ت: كل هذا تمحل وتأويل لا يجوز في حق صفات الله، فما المانع أن يكون لله غيرة لائقة به، لا تشبه ما للخلق من الغيرة كسائر الصفات، مع القطع بعدم العلم بكيفيتها؟فالواجب أن ما نطقت به النصوص الشرعية من أسماء الله وصفاته أثبتناه، وما نفته عن الله نفيناه، حيث هذا موجب الاستسلام والتسليم لله ورسوله، وهو قول أهل السنة والجماعة، وقولهم أسلم وأعلم وأحكم، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 10/102: " … والتبرك بآثار الصالحين …".
ت: مضى إبطال هذا في مواضع عديدة من المجلد الأول والثالث والسادس وغيرها. والتبرك بذوات الصالحين لا يجوز، بل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته بذاته، لا بعد موته، والحافظ – عفا الله عنه – توسع في هذا فأدخل عموم الصالحين، والحقُ ما عرفت من خصوصيته بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 10/208: " … وفي الحديث التبرك بالرجل الصالح وسائر أعضائه وخصوصاً اليد اليمنى".(1/35)
ت: مضى لهذا نظائر في المجلد الأول والثالث والسادس والعاشر، والتبرك بالذوات خاص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حياته لا بعد موته، أما غيره فلا يجوز لعدم الدليل، مع وجود السبب في الصحابة الذين هم أفضل الصالحين ولم يكن يُتبرك بهم. ولكونه ذريعة إلى الشرك الأكبر والأصغر، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 10/217: "قوله: (أنت الشافي) يؤخذ منه جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن بشرطين: أحدهما: ألا يكون في ذلك ما يوهم نقصاً. والثاني: أن يكون له أصل في القرآن. وهذا من ذاك، فإن في القرآن {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}".
ت: الصواب أن باب الأسماء والصفات توقيفي، يُقتصر فيه على ما ورد في القرآن والسنة فقط. فلا يُسمَّى الله إلا بما سمَّى به نفسه أو سمَّاه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك لا يُوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك الشافي فهو اسم سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما خرج عن هذه القاعدة فلا يُسمَّى الله به. والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (2733) من كتاب الشروط في المجلد الخامس.
* * *(1/36)
قال الحافظ 10/244: "وأخرجه الطبري في "التهذيب" من طريق يزيد ابن زريع عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأساً إذا كان بالرجل سحر أن يمشي إلى من يطلق عنه، فقال: هو صلاح. قال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك يقول: لا يعلم ذلك إلا ساحر، قال: فقال سعيد بن المسيب: إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع. وقد أخرج أبو داود في "المراسيل" عن الحسن رفعه: "النشرة من عمل الشيطان" ووصله أحمد وأبو داود بسند حسن عن جابر. قال ابن الجوزي: النشرة حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر. وقد سئل أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال: لا بأس به. وهذا هو المعتمد. ويجاب عن الحديث والأثر بأن قوله : "النشرة من عمل الشيطان" إشارة إلى أصلها، ويختلف الحكم بالقصد، فمن قصد بها خيراً كان خيراً وإلا فهو شر. ثم الحصر المنقول عن الحسن ليس على ظاهره لأنه قد ينحل بالرقى والأدعية والتعويذ، ولكن يحتمل أن تكون النشرة نوعين"اهـ.
ت: النشرة على نوعين:
1- نشرة بسحر مثله، فهذه لا تجوز على الصحيح من قولي العلماء؛ للحديث المذكور: "النشرة من علم الشيطان"، ولعموم النصوص في تحريم السحر، وكونه من الكفر والشرك بالله.
2- وتكون النشرة بالأدوية المباحة المجربة والأدعية والتعاويذ الشرعية، وهذه مشروعة بالاتفاق، ومع هذا ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم برقية جبريل عليه السلام له. والحسن هو البصري، وهو من سادات التابعين. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 10/270: "قوله : (لا ينظر الله) أي لا يرحمه، فالنظر إذا أضيف إلى الله كان مجازاً، وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية، ويحتمل أن يكون المراد لا ينظر الله إليه نظر رحمة … .(1/37)
وقال الكرماني: نسبة النظر لمن يجوز عليه النظر كناية؛ لأن من اعتد بالشخص التفت إليه، ثم كثر حتى صار عبارة عن الإحسان وإن لم يكن هناك نظر، ولمن لا يجوز عليه حقيقة النظر وهو تقليب الحدقة، والله منزه عن ذلك، فهو بمعنى الإحسان مجاز عما وقع في حق غيره كناية … ويؤيد ما ذكر من حمل النظر على الرحمة أو المقت … " اهـ.
ت: هذا كله تأويل لصفة نظر الله وصرف لها عن ظاهرها. والواجب في هذا – وغيره من نصوص الصفات – حمله على ظاهره وحقيقته اللائقة بالله عز وجل، من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، وأن النظر جائز على الله لثبوته في النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة. كما يجب عدم تكلف تفسير ذلك بمحض الأدلة العقلية.
وتنزيه الله سبحانه هو بإثبات ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوقوف فيما عدا ذلك، ومقته سبحانه من صفات أفعاله كنظره، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 10/342: "وفيه استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك والتيمن بها"اهـ.
ت: الحق في هذا قصر التبرك على النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بذاته في حياته لا بعد موته، لا من الصحابة الذين هم سادات الأولياء ولا من غيرهم. ومضى لهذا نظائر عديدة في المجلد الأول والثالث والسادس والعاشر، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 10/408: "واستدل به على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى؛ للحوق الوعيد بمن تشبه بالخالق …".
واستدل به على جواز التكليف بما لا يطاق، والجواب ما تقدم. وأيضاً فنفخ الروح في الجماد قد ورد معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو يمكن وإن كان في وقوعه خرق عادة، والحق أنه خطاب تعجيز لا تكليف كما تقدم، والله أعلم".(1/38)
ت: إطلاق القول في مسألة التكليف بما لا يطاق من إطلاقات المبتدعة، ويأتي التعليق على مثلها إن شاء الله، وإلا فإنه سبحانه لا يكلف شرعاً ما لا يطاق لقوله عز وجل : {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} ولقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وما ها هنا من باب الوعيد والعذاب، وليس من باب التكليف فتأمله!والله أعلم.
وانظر التعليق على الباب الأول من كتاب القدر، المجلد 11.
* * *
قال الحافظ 10/431: "أن المراد بالحجزة هنا قائمة العرش …".
ت: الحُجْزة والحقو من الصفات الذاتية الملازمة لذاته سبحانه يجب الإيمان بهما حقاً، وإمرارها كما جاءت من غير تكليف بتكييفها ولا تمثيلها ولا تحريفها ولا تعطيلها، كسائر الأسماء والصفات، والإيمان بها على الوجه اللائق بالله عظمة وإثباتاً وتنزيهاً، كما هو قول أهل السنة والجماعة في بقية الصفات. والله ولي التوفيق.
وانظر التعليق على حديث (4830) من باب 47 من كتاب التفسير.
* * *
قال الحافظ 10/431: "قال ابن أبي جمرة الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه، وإنما خاطب الناس بما يفهمون، ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال، وهو القرب منه، وإسعافه بما يريد، ومساعدته على ما يرضيه، وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى، عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده. قال: وكذا القول في القطع هو كناية عن حرمان الإحسان …"أهـ.
ت: بل الوصل والقطع فعلان ثابتان لله سبحانه لائقان به من باب المجازاة والمقابلة لمن يستحقها، وهما من الصفات الواجب إثباتهما له سبحانه كسائر الصفات، وليستا بمستحيلين على الله في حقيقتيهما، بل نؤمن بهما بلا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف كسائر نصوص الأسماء والصفات، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 10/447: "قلت: وحاصل كلامه أن الرحمة رحمتان؛ رحمة من صفة الذات وهي لا تتعدد، ورحمة من صفة الفعل وهي المشار إليهاهنا …"اهـ.(1/39)
ت: الرحمة لله سبحانه رحمتان:
أ- رحمة موصوف بها سبحانه على الوجه اللائق به سبحانه كسائر صفاته، يجب إثباتهما لله عز وجل من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، كما قال سبحانه : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
ب- والنوع الثاني: رحمة مخلوقة أنزل منها رحمة واحدة يتراحم بها الخلائق، وأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة يرحم الله بها عباده يوم القيامة كما هو نص الحديث، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 10/477: "والمراد بالقبول في حديث الباب قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه والرضا عنه …، والمراد بمحبة الله إرادة الخير …"اهـ.
ت: هذا التأويل للمحبة عين تعطيل الأشاعرة لهذه الصفة الإلهية.
والحق أن الله يوصف بالمحبة والغضب كما يوصف بالسمع والبصر، كما نطقت به نصوص الشرع الحنيف كقوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، وغيرها في الصفات الثابتة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كما تقدم التنبيه على هذا غير مرة، والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ 10/503: "ويدنو المؤمن من ربه أي يقرب منه قرب كرامة وعلو منزلة"اهـ.
ت: الواجب إثبات الدنو على ظاهره، وأنه تقريب من الله لعبده المؤمن حتى يضع عليه كنفه، والله أعلم بكيفية ذلك، ولا ريب أن هذا التقريب تكريم من الله للمؤمن، والله أعلم.
وانظر التعليق على الأحاديث (7514، 7517، 7536) من كتاب التوحيد.
* * *
قال الحافظ 10/503: "قوله: (حتى يضع كنفه) بفتح الكاف والنون بعدها فاء: أي جانبه، والكنف أيضاً الستر وهو المراد هنا، والأول مجاز في حق الله تعالى كما يقال: فلان في كنف فلان أي في حمايته وكلاءته . . "اهـ.(1/40)
ت: ادعاء المجاز على أن معنى الكنف هو الجانب مردود وباطل، والصواب أن الكنف ثابت لله عز وجل على ما صح في الأحاديث الصحاح ومنها حديث الباب، ومن معاني الكنف عند السلف: الناحية والستر والحجاب. فلا حاجة لادعاء المجاز فيه لنفيه وتعطيله عن الله حقيقة؛ لأن ذلك لا يجوز في حق الله وأسمائه وصفاته، بل يجب إثباته لله على الوجه اللائق بالله من غير تعطيل ولا تحريف، ومن غير تمثيل ولا تكييف كباقي الصفات. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/5: "والمراد بالصورة الصفة …"اهـ.
ت: تأويل الصورة في النصوص بالصفة ليس بجيد، بل لله صورة حقيقة لائقة به، كما أن له صفات كاملة حقيقة لائقة به أيضاً، وإثبات الصورة لربنا لا يلزم منه أن تكون مشابهة لصورة المخلوقين، كما أن إثبات وجه له سبحانه لا يلزم منه مُماثلة وجهه سبحانه لوجوه المخلوقين ولا حياته لحياتهم، وهذا باب مطرد في جميع الصفات بل والأسماء، لقوله سبحانه : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. ويجب الإيمان بذلك كله من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تحريف للآية المذكورة وغيرها من النصوص وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية الكلام على مسألة الصورة في آخر بيان تلبيس الجهمية، وتتبع تأويلات المؤولين مبطلاً لها فراجعه فإنه دقيق مفيد. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/105: "وقد استشكل وقوع الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم، والاستغفار يستدعي وقوع معصية. وأجيب بعدة أجوبة: منها ما تقدم في تفسير الغين، ومنها قول ابن الجوزي: هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد، والأنبياء وإن عصموا من الكبائر فلم يعصموا من الصغائر. كذا قال، وهو مفرع على خلاف المختار، والراجح عصمتهم من الصغائر أيضاً…". اهـ.(1/41)
ت: هذه مسألة اتسع فيها الخلاف، والقول الوسط بين الأقوال هو عصمة الأنبياء من الكبائر وعصمتهم من الإقرار على الصغائر، لا عصمتهم من الصغائر مطلقاً، وهو القول الصواب في المسألة كما دل عليه ظاهر القرآن في تأنيب النبي صلى الله عليه وسلم في الأعمى وغيره. كما أنهم معصومون فيما يبلغون عن الله عز وجل. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/109: "قال ابن العربي: كل صفة تقتضي التغير لا يجوز أن يوصف الله بحقيقتها. . "اهـ.
ت: هذا قول باطل؛ إذ ليس فيما وصف الله نفسه نقص ولا تغيير، فكل صفاته كمال، ومن ذلك صفة الفرح والضحك والرضا، بل النقص متصور في صفات المخلوقين، فيجب تنزيه الخالق وصفاته عن أن تماثل صفات خلقه. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/109: "وقال ابن أبي جمرة: كنَّى عن إحسان الله للتائب وتجاوزه عنه بالفرح؛ لأن عادة الملك إذا فرح بفعل أحد أن يبالغ في الإحسان إليه …"اهـ.
ت: هذا أيضاً من الباطل بتأويل صفة الفرح بالإحسان والتجاوز، فله سبحانه فرح ثابت ولائق به كما أن له إحساناً وتجاوزاً مناسبين لكماله وقدسيته وحكمته. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/109: "وهذا القول جار في جميع ما أطلقه الله تعالى على صفة من الصفات التي لا تليق به …"اهـ.
ت: ليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم صفات لا تليق بالله إلا ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز تأويل صفاته سبحانه بآثارها وثمارها؛ إذ لازمه نفي حقائق تلك الصفات عن الله، بل يجب إثباتها لله عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، كما هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان. والله أعلم.
* * *(1/42)
قال الحافظ 11/133: "وقال الكرماني …: النزول محال على الله؛ لأن حقيقته الحركة من جهة العلو إلى السفل، وقد دلت البراهين القاطعة على تنزيهه عن ذلك، فليتأول ذلك بأن المراد نزول ملك الرحمة ونحوه، أو يفوض مع اعتقاد التنزيه…"اهـ.
ت: هذا تأويل فاسد لصفة النزول وتحريف لمعناها، وتعطيل لحقيقتها، والواجب إثبات هذه الصفة على الحقيقة اللائقة به سبحانه من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل كسائر نصوص الصفات، هذا هو قول أهل السنة والجماعة.
والذي يُفوض من ذلك هو كيفية النزول، لا تفويض العلم بالمعنى. إذ مسلكا المتكلمين في الصفات: إما تأويل، وهو في الواقع تحريف وتعطيل … وإما تفويض، وهو في الواقع تجهيل. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/212: وقوله: "حبيبتان إلى الرحمن" تثنية حبيبة وهي المحبوبة، والمراد أن قائلها محبوب لله، ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم. . "اهـ.
ت: هذا تأويل لصفة المحبة لله عز وجل بإرادة إيصال الخير، وهذا لا يجوز ولا يليق في حقه سبحانه، والواجب إثبات المحبة لله عز وجل على ما يليق بالله عز وجل من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل كما وردت في نصوص الكتاب والسنة، كسائر صفات الله عز وجل، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/226: "واختلف في الأسماء الحسنى هل هي توقيفية بمعنى أنه لا يجوز لأحد أن يشتق من الأفعال الثابتة لله أسماء، إلا إذا ورد نص إما في الكتاب أو السنة، فقال الفخر: المشهور عن أصحابنا أنها توقيفية. وقالت المعتزلة والكرامية: إذ دل العقل على أن معنى اللفظ ثابت في حق الله جاز إطلاقه على الله. وقال القاضي أبو بكر والغزالي: الأسماء توقيفية دون الصفات، قال: وهذا هو المختار …" اهـ.(1/43)
ت: القاعدة الكلية عند أهل السنة والجماعة: أن أسماء الله وصفاته كلها مبناها على التوقيف من الكتاب والسنة عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن يُسمى الله ولا يُوصف إلا بما جاء في الكتاب والسنة، وبهذه القاعدة تسلم أسماء الله وصفاته من اجتهاد البشر.
وثمة قاعدة أخرى: هي أنه يؤخذ من الأسماء الحسنى صفات، ولا عكس؛ فلا يشتق من الصفة اسم.
ومعلوم أن باب الإخبار عن الله بمعنى حق في نفسه أوسع عند أهل السنة من بابي الوصف والتسمي، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (5745) باب 38 من كتاب الطب – المجلد العاشر - .
* * *
قال الحافظ 11/230: "ومعنى محبته له أنه أمر به وأثاب عليه…"اهـ.
ت: هذا تأويل لصفة المحبة بأثر من آثارها، والواجب إثبات هذه الصفة حقيقة على الوجه اللائق بالله عز وجل تعظيماً وتقديساً وإثباتاً وتنزيهاً من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل كالواجب في جميع أسماء الله وصفاته سبحانه، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/308 : "قلت: المراد بالرحمة هنا ما يقع من صفات الفعل كما سأقرره فلا حاجة للتأويل…"اهـ.
ت: الرحمة رحمتان: رحمة صفة من صفاته سبحانه، ورحمة مخلوقة يتراحم بها الخلق في الدنيا ويرحم الله بها عباده يوم القيامة، فالرسول رحمة والمطر رحمة وهكذا… والله أعلم.
ومضى تقرير ذلك على حديث (6000) من المجلد العاشر.
* * *
قال الحافظ 11/351: "قوله : يتقرب إليَّ، التقرب طلب القرب قال أبو القاسم القشيري: قرب العبد من ربه يقع أولاً بإيمانه، ثم بإحسانه. وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه، وفي الآخرة من رضوانه، وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه. ولا يتم قرب العبد من الحق إلا ببعده من الخلق. قال: وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس، وباللطف والنصرة خاص بالخواص، وبالتأنيس خاص بالأولياء…"اهـ.(1/44)
ت: هذا تأويل لقرب الله تعالى من عبده، والواجب إثباته لله عز وجل على ما يليق بالله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تحريف ولا تعطيل كسائر صفات الله عز وجل؛ فهو سبحانه{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} . والله وفي التوفيق.
وانظر التعليق على حديث (6069) من العاشر مع (7536) من كتاب التوحيد – باب 50 على حديث أنس رضي الله عنه.
* * *
قال الحافظ 11/365: "قال العلماء: محبة الله لعبده إرادته الخير له وهدايته إليه وإنعامه عليه، وكراهته له على الضد من ذلك"اهـ.
ت: هذا أيضاً من التأويل المذموم لصفتي المحبة والكره بصفة الإرادة وغيرها، فالحق أنهما صفتان ثابتتان لله حقاً. فالمحبة والكره صفتان حقيقتان لله سبحانه لا يلزم منهما مشابهة محبة وكره للمخلوق، لقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/411: "ومعنى قوله: {لاَ يَرْضَى} أي لا يشكره لهم ولا يثيبهم عليه، فعلى هذا فهي صفة فعل. وقيل: معنى الرضا أنه لا يرضاه ديناً مشروعاً لهم، وقيل: الرضا صفة وراء الإرادة، وقيل: الإرادة تطلق بإزاء شيئين: إرادة تقدير، وإرادة رضا، والثانية أخص من الأولى، والله أعلم. وقيل: الرضا من الله إرادة الخير، كما أن السخط إرادة الشر…" اهـ.
ت: الواجب إثبات هاتين الصفتين: الرضا والسخط كباقي الصفات على الحقيقة اللائقة بالله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، هذا الواجب في باب الأسماء والصفات جميعاً، كما قال سبحانه وتعالى؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وقد سد باب التأويل الذي هو في الحقيقة نفي وتعطيل، والله أعلم.
* * *(1/45)
قال الحافظ 11/449: "وقال عياض: استدل بهذا الحديث من جوَّز الخطايا على الأنبياء … واختلفوا فيما عدا ذلك كله من الصغائر؛ فذهب جماعة من أهل النظر إلى عصمتهم منها مطلقا…"اهـ.
ت: مضى أن الأنبياء – على القول الراجح – معصومون فيما يبلغون عن الله ومن الكبائر والمداومة على الصغائر، لا أنهم معصومون عن الصغائر مطلقاً، وهذا القول الراجح هو الذي عليه جمهور أهل العلم، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (3607) من كتاب الدعوات في هذا المجلد.
* * *
قال الحافظ 11/449: "وفيه جواز إطلاق الغضب على الله؛ والمراد به ما يظهر من انتقامه ممن عصاه، وما يشاهده أهل الموقف من الأهوال التي لم يكن مثالها ولا يكون، كذا قرره النووي. وقال غيره: المراد بالغضب لازمه وهو إرادة إيصال السوء للبعض…" اهـ.
ت: كلا هذين القولين تأويل لصفة الغضب لله عن حقيقتها. والواجب إثبات صفة الغضب لله حقيقة على ما يليق به من غير تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف، كبقية صفاته من سمعه وبصره وقدرته وعلمه وغيرها، لقوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، . والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/452: "وقوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِم} أي ينزل بهم جزاء سخريتهم واستهزائهم. . "اهـ.
ت: استهزاء الله بالمنافقين ونحوهم وسخريته بهم من صفات الله التي يقابل بها من يستحقونها، وهي على الحقيقة اللائقة بالله عز وجل لا يجوز تأويلها، بل الواجب الإيمان بها من غير تعطيل ولا تحريف، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كبقية الصفات، وإنزال الجزاء بهم من استحقاقهم لذلك، وليس هو معنى سخرية الله بهم أو استهزائه بهم. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/452: "قال البيضاوي: نسبة الضحك إلى الله تعالى مجاز بمعنى الرضا…" اهـ.(1/46)
ت: ليس هذا صحيحاً، بل الضحك صفة فعلية ثابتة لله سبحانه وتعالى متعلقة بمشيئته، كالرضا، فلا يجوز تأويلها بالرضا، بل الواجب الإيمان بها من غير تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} كسائر صفاته سبحانه، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/455: "معناه بفتح أوله لا تضامون في رؤيته بالاجتماع من جهة، …فإنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة" اهـ.
ت: نفي الجهة في رؤية الله هو قول الأشاعرة والماتريدية ونفاة العلو عن الله، فالله سبحانه يُرى في الآخرة ويراه المؤمنون من فوقهم، وهو في علوه الذاتي الذي أثبته لنفسه وأثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم في نصوص كثيرة، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/458: "وقيل: الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمات الحدوث. وقيل: فيه حذف، تقديره: يأتيهم بعض ملائكة الله، ورجحه عياض. قال: ولعل هذا الملك جاءهم في صورة أنكروها لما رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الملك؛ لأنه مخلوق …"اهـ.
ت: هذا تأويل لإتيان الله عز وجل، وهي صفة فعلية ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة على الحقيقة اللائقة به سبحانه، من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تحريف ولا تكييف. هذا هو حقيقة تنزيه الله عن النقائص ومشابهة المخلوقين، لا أن تنفي عنه ما ثبت له من صفات الكمال، كما أن الصورة ثابتة لله على ما يليق به سبحانه إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل، فلا يشبه في ذلك خلقه لا في ذاته ولا في صفاته وأفعاله{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/459: "وعبر عن الصفة بالصورة … بقوله: "يكشف عن ساق" أي عن شدة … اهـ.
ت: هذا ليس بسديد، فالصفة غير الصورة، وكلاهما ثابتان لله، فله صفات تليق به، كما له صورة حقيقية كاملة كمال ذاته.
* * *(1/47)
قال الحافظ 11/459: "ومعنى كشف الساق زوال الخوف والهول …"اهـ.
ت: هذا من التأويل القبيح، ونفي للساق عنه سبحانه، بل لله صفة الساق كما ورد في الحديث الصحيح، وهي صفة ذاتية حقيقية لله، لائقة به، لا تماثل صفات الخلق، ولا يجوز تأويلها أو تعطيلها عن الله، كسائر الصفات الثابتة في الكتاب والسنة، والله أعلم.
وراجع التعليق على حديث (4830) في تفسير سورة محمد من المجلد الثامن.
* * *
قال الحافظ 11/498: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} فمن لم يشرك فهو داخل في المشيئة. واستدل به الأشعري في تجويزه تكليف ما لا يطاق؛ لأنه دل على أن الله كلف العباد كلهم بالإيمان مع أنه قدر على بعضهم أن يموت على الكفر…"اهـ.
ت: إطلاق القول بالتكليف بما لا يطاق من البدع المحدثة من المتكلمين في أصولي الدين والفقه، والقول به من بدع المتكلمين، والحق فيه التفصيل.
أ- فتكليف ما لا يطاق لعجز العبد عنه كالمشي على القفا وعلى الرأس وغيره فغير موجود في الشريعة البتة، أو كان لعدم استطاعة المكلف الإتيان به لعجزه عنه، فهو أيضاً مما لم يكلفه، كما قال سبحانه: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، وقال في آيات قبلها: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا}، وقال سبحانه في غير آية: {لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، فهو مما رفعه الله عنا من الحرج فخفف على عباده {وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
ب- أما تكليف ما لا يطاق لا للعجز عنه بل للاشتغال بضده من الكفر والفسوق والعصيان، فهذا مما جاءت الشريعة به أمراً ونهياً. وتسميته "ما لا يُطاق" خطأ، ولم يرد بها الشرع الحنيف.(1/48)
انظر في هذا التفصيل: مجموع الفتاوى لابن تيمية 8/269 وما بعدها، ودرء التعارض 1/65.
* * *
قال الحافظ 11/499: "وللعبد قدرة غير مؤثرة في المقدور، وأثبت بعضهم أن لها تأثيراً لكنه يسمى كسباً، وبسط أدلتهم يطول … "اهـ.
ت: هذا تقرير من المؤلف لكسب الأشاعرة في باب القضاء والقدر، والحق أن قدرة العبد ينشأ عنها فعله، ولهذا هو محاسب ومؤاخذ عليها، وهي على كل حال لا تخرج عن قدرة الله ومشيئته بحال والله تعالى خلق العبد وخلق قدرته، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/516: "… وإضافة الله خلق آدم إلى يده في الآية إضافة تشريف …" اهـ.
ت: الصواب أن هذه الإضافة على ما يليق بالله سبحانه إثباتاً وتنزيهاً؛ فقد خلقه سبحانه بيديه، فالواجب إثبات اليدين لله على ما يليق به سبحانه من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تحريف. وكون الإضافة حقيقة يستفاد منها – مع إثبات اليدين – تكريم وتشريف آدم وذريته بخلق الله له بيديه، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 11/535: "وفيه جواز تسمية الله تعالى بما ثبت من صفاته على الوجه الذي يليق به…"اهـ.
ت: مضى غير مرة أن القاعدة في الأسماء الحسنى والصفات العلى هي التوقيف على ثبوت النص فيهما. وأنه يشتق من الأسماء الحسنى صفات، ولا عكس؛ فلا يؤخذ من الصفة اسم، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (6410) من آخر الدعوات في المجلد الحادي عشر.
* * *
قال الحافظ 11/571: "وقوله: "ولا ينظر الله إليه"قال في الكشاف: هو كناية عن عدم الإحسان إليه عند من يجوز عليه النظر، مجاز عند من لا يجوزه، والمراد بترك التزكية ترك الثناء عليه، وبالغضب إيصال الشر إليه …" اهـ.(1/49)
ت: هذه من اعتزاليات الزمخشري صاحب الكشاف، والنص صريح في عدم النظر إلى هؤلاء احتقاراً لهم وتعذيباً وتبكيتاً، والنظر جائز على الله سبحانه؛ لأنه أثبته سبحانه لنفسه وأثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقول بأنه مجاز طريق لباب التعطيل والنفي في هذه الصفة.
أما غضبه سبحانه فهو غضب حقيقي كسائر صفاته سبحانه، يكون بمشيئته عز وجل، من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، نؤمن بذلك كله، والواجب الوقوف مع النصوص الصحيحة أينما دارت، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 12/447: "وقال المهلب في قوله: كلف أن يعقد بين شعيرتين" حجة للأشعرية في تجويزهم تكليف ما لا يطاق، ومثله في قوله تعالى : {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ}. وأجاب من منع ذلك بقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، أو حملوه على أمور الدنيا، وحملوا الآية والحديث المذكورين على أمور الآخرة.
انتهى ملخصاً. والمسألة مشهورة فلا نطيل بها" اهـ.
ت: مضى القول بأن إطلاق القول بتكليف ما لا يطاق من الإطلاقات الحادثة للمتكلمين، ومن بدعهم في باب القدر من أصول الدين وفي أصول الفقه، ومضى التفصيل في مثل هذه الإطلاقات المبتدعة، لكن يجب أن يُعلم أن التكليف في النصوص ها هنا إنما هو من باب العقوبة والوعيد والزيادة في النكال والتعجيز والتعذيب، كما أشار إليه الحافظ رحمه الله بعد ذلك، والله أعلم.
وانظر التعليق على أول باب من كتاب القدر – في آخره – من المجلد الحادي عشر.
* * *
قال الحافظ 13/103: "ولا يرد على ذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ليلة الإسراء؛ لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فأعطاه الله تعالى في الدنيا القوة التي ينعم بها على المؤمنين في الآخرة.(1/50)
ت: مضى غير مرة أن الصحيح فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج، ولا في الدنيا رأي عين، وإنما سمع صوته سبحانه، وكلمه ربه، أما الرؤية بالبصر فلا تكون إلا بعد الموت كما دل عليه حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (4855) من كتاب التفسير في المجلد الثامن.
* * *
قال الحافظ 13/112: "وقال ابن العربي: سمعت من يقول: إن الذي يقتله الدجال هو الخضر، وهذه دعوى لا برهان لها…"اهـ.
ت: صدق رحمه الله؛ لأن الخضر عليه السلام ميت بنص حديث ابن عمر رضي الله عنهما، "أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد" وقد مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه نبي، ونبينا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا نبي بعده، والله أعلم.
انظر التعليق على حديث (3402) من كتاب أحاديث الأنبياء، باب 27، المجلد السادس.
* * *
قال الحافظ 13/215: "ومعنى لا ينظر إليهم: يعرض عنهم. ومعنى نظره لعباده: رحمته لهم ولطفه بهم…"اهـ.
ت: هذا تأويل لنظر الله إلى الرحمة واللطف. والحق أن الله ينظر إلى من شاء من خلقه ويعرض عمن شاء إكراماً وإهانة، نظراً يليق بجلاله سبحانه، كما أن له عينين حقيقتين لائقتين به سبحانه، نؤمن بهما كسائر صفاته عز وجل من غير تمثيل ولا تكييف، ولا تعطيل ولا تحريف، على حد قوله سبحانه : : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، والله أعلم.
* * *(1/51)
قال الحافظ 13/268: "وقال ابن عبد السلام: في أواخر "القواعد": البدعة خمسة أقسام: "فالواجبة": كالاشتغال بالنحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله؛ لأن حفظ الشريعة واجب، ولا يتأتى بالنحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله؛ لأن حفظ الشريعة واجب، ولا يتأتى إلا بذلك فيكون من مقدمة الواجب، وكذا شرح الغريب، وتدوين أصول الفقه، والتوصيل إلى تمييز الصحيح والسقيم. "والمحرمة": ما رتبه من خالف السنة من القدرية والمرجئة والمشبهة. "والمندوبة": كل إحسان لم يعهد عينه في العهد النبوي كالاجتماع عند التراويح، وبناء المدارس والربط، والكلام في التصوف المحمود، وعقد مجالس المناظرة إن أريد بذلك وجه الله. "والمباحة": كالمصافحة عقب صلاة الصبح والعصر، والتوسع في المستلذات من أكل وشرب وملبس ومسكن. وقد يكن بعض ذلك مكروهاً أو خلاف الأولى، والله أعلم" اهـ.
ت: من قَسَّم البدعة إلى حسنة وسيئة، أو محمودة ومذمومة من الأئمة كالشافعي وغيره فمن ناحية الأصل اللغوي لا المعنى الشرعي.
ففي الشرع كل البدع مذمومة لعموم حديث: "فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" عموماً لا مُخصص له من جنسه.
كما أن تقسيم البدع إلى الأحكام التكليفية الخمسة تقسيم محدث غير مستوٍ ولا دليل عليه، وعابه جداً الشاطبي في كتابه الاعتصام في آخر الباب الثالث منه.
وانظر التعليق على حديث (2010) من كتاب صلاة التراويح في المجلد الرابع.
* * *
قال الحافظ 13/357: "وأما أهل السنة ففسروا التوحيد بنفي التشبيه والتعطيل. قال الجنيد فيما حكاه أبو القاسم القشيري: "والتوحيد إفراد القديم من المحدث … "اهـ.
ت: التوحيد عند أهل السنة والجماعة يقوم على ثلاثة أسس:
1- توحيد الله بأفعاله، وهو توحيد الربوبية.
2- توحيد الله بأفعال خلقه من عبيده، وهو توحيد الألوهية.(1/52)
3- توحيد الله بالأسماء والصفات: بأن نؤمن بكل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ننفي عنه إلا ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه له رسوله صلى الله عليه وسلم، كل ذلك من غير تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف على حد قوله عز وجل : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .
وقول الجنيد قول مجمل، فالمُحقُّ يحمله محملاً حسناً، وغيرُ المحق يُدخل فيه أشياء باطلة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الاستقامة 1/92، وانظر مدارج السالكين لابن القيم 3/412.
* * *
قال الحافظ 13/357: "وقال ابن بطال: تضمنت ترجمة الباب أن الله ليس بجسم؛ لأن الجسم مركب من أشياء مؤلفة …" اهـ.
ت: هذا النفي للجسم عن الله نفي محدث بدعي لم تنطق به النصوص الشرعية، ولا يجوز استعماله في حقه سبحانه.
ـ فإن أراد بذلك نفي مشابهة الله لخلقه، فهذا المراد حق لقوله تعالى : : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وقوله: : {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}.
ـ لكن هذا اللفظ المنفي – وهو نفي الجسم – مبتدع.
ـ وإن أراد بالنفي: نفي الصفات عن الله عز وجل ولا سيما الصفات الاختيارية والخبرية فالنفي باطل، واللفظ المستخدم فيه أيضاً باطل، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/370: "قال المازري ومن تبعه: محبة الله لعباده إرادته ثوابهم وتنعيمهم، وقيل: هي نفس الإثابة والتنعيم؛ ومحبتهم له لا يبعد فيها الميل منهم إليه وهو مقدس عن الميل، وقيل: محبتهم له استقامتهم على طاعته، والتحقيق أن الاستقامة ثمرة المحبة، وحقيقة المحبة له ميلهم إليه؛ لاستحقاقه سبحانه المحبة من جميع وجوهها. انتهى.(1/53)
وفيه نظر؛ لما فيه من الإطلاق في موضع التقييد، وقال ابن التين: معنى محبة المخلوقين لله إرادتهم أن ينفعهم وقال القرطبي في المفهم: محبة الله لعبده تقريبه له وإكرامه… فمعنى محبته إكرام من أحبه، ومعنى بغضه إهانته، وأما ما كان من المدح والذم فهو من قوله، وقول من كلامه، وكلامه في صفات ذاته، فيرجع إلى الإرادة، فمحبته الخصال المحمودة، وفاعلها يرجع إلى إرادته إكرامه، وبغضه الخصال المذمومة، وفاعلها يرجع إلى إرادته إهانته" اهـ.
ت: كل هذا من أنواع التمحلات لنفي حقيقة صفة المحبة لله عز وجل، لاعتقادهم مشابهة صفات الله لصفات المخلوقين، والحق أن الله سبحانه يحب حقيقة كما يبغض كذلك، ولا يلزم على هذه الصفات مشابهة ولا يجب فيها تأويل، وإنما غضب ومحبة لائقان بالله كمالاً واستحقاقاً من غير تمثيل ولا تكييف، ومن غير تعطيل ولا تحريف، على حد قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .
وكلام الله صفة ذاتية فعلية، فهي صفة ذاتية لتعلق هذه الصفة بذات الله وملازمتها له واتصافه بها أزلاً وأبداً، فكان الله وهو متكلم، لا أنه كان غير متكلم ثم أصبح متكلماً، وهي صفة فعلية لتعلقها بمشيئة الله، فالله يتكلم إذا شاء كيف شاء، والله أعلم.
وانظر التعليق على باب 32 من كتاب التوحيد على حديث (7483).
* * *
قال الحافظ 13/371: "قال ابن بطال: … والمراد برحمته إرادته نفع من سبق في علمه أن ينفعه … وقيل: يرجعان إلى معنى الإرادة، فرحمته إرادته تنعيم من يرحمه، وقيل: راجعان إلى تركه عقاب من يستحق العقوبة"اهـ.(1/54)
ت: هذا من التأويل الفاسد، وتعطيل رحمة الله عز وجل بنفي حقيقتها عن الله، وإرجاعها إلى صفة الإرادة، فكما أن لله إرادة لا تشبه إرادة خلقه، فكذلك له محبة ورحمة لا تُشبهان ما للخلق من محبة ورحمة، كذا عند أهل السنة على الوجه اللائق بالله، إذ القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر، وإلا لكان ذلك تفريقاً بين المتماثلات بغير ما دليل، وذلك مناقض لصريح الأدلة ومخالف لمذهب أهل السنة والجماعة، والأصل في هذا قوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وقوله: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، وقوله: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/372: "ولو قال من ينسب إلى التجسيم من اليهود: لا إله إلا الذي في السماء لم يكن مؤمناً كذلك، إلا إن كان عامياً لا يفقه معنى التجسيم فيكتفي منه بذلك، كما في قصة الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم : "أنت مؤمنة"، قالت : نعم، قال: "فأين الله"؟"قالت: في السماء، فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة"، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم … " اهـ.
ت: ليس في قوله: "إلا الذي في السماء" تجسيماً، بل هو ما وصف الله به نفسه في مثل قوله تعالى : {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}، وفي مثل ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الجارية هذا وغيره. ووصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان لإثباتها العلو، لا لأنها تجهل أن العلو لا يليق بالله كما زعموا.
ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم منها ذلك مخافة التجسيم أو التعطيل، وإنما لأنه حق وافق الفطرة، وهو ما نفاه ويأباه نفاة العلو، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (7417) من كتاب التوحيد.
* * *
قال الحافظ 13/380: "وفي الحديث إثبات اليمين صفة لله تعالى من صفاته ذاته وليست جارحة، خلافاً للمجسمة. انتهى ملخصاً" اهـ.(1/55)
ت: الواجب إثبات اليدين لله عز وجل حقيقة على الوجه اللائق به سبحانه إثباتاً بلا تكييف ولا تمثيل، وتنزيهاً بلا تحريف ولا تعطيل، كسائر أسمائه وصفاته تعالى وتقدس.
وقوله: "وليست جارحة" فهي عبارة محدثة مبهمة مجملة لا دليل على إثباتها أو نفيها، وهي تحتمل حقاً وباطلاً. فالواجب الوقوف مع النص الشرعي فيما أثبت لله أو نفي عنه، والسكوت فيما سوى ذلك مما سكت عنه ومن ذلك نفي الجارحة، والله أعلم.
وقد مضى لهذا نظائر على حديث (1597) من المجلد الثالث، وعلى باب (68) من كتاب التفسير من المجلد الثامن. وعلى ما يأتي على حديث (7410)، وعلى باب 19 من كتاب التوحيد من هذا المجلد الثالث عشر.
* * *
قال الحافظ 13/386: "وليس المراد قرب المسافة؛ لأنه منزه عن الحلول كما لا يخفى، ومناسبة الغائب ظاهرة من أجل النهي عن رفع الصوت…" اهـ.
ت: الواجب إثبات القرب لله حقيقة على الوجه اللائق به سبحانه من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا حلول، وترك التنطع في ذلك بتأويل يقتضي التعطيل، أو تفويض يقتضي التجهيل.
وقربه سبحانه لا يقتضي بحال حلوله ولا اتحاده بشيء من مخلوقاته كما توهمه النفاة المعطلة، فطلبوا بنفيه التنزيه – على حد زعمهم -، والله أعلم.
وانظر التعليق على باب 50 من كتاب التوحيد.
* * *
قال الحافظ 13/389: "كالإرادة وغيرها بخلق الله تعالى، وهي من الصفات الفعلية، ومرجعها إلى القدرة" اهـ.
ت: الصواب أن صفات الله الفعلية متعلقة بمشيئة الله وإرادته لا إلى قدرته فهو على كل شيء قدير، فصفاته سبحانه الفعلية كالنزول والاستواء والمجيء يفعلها سبحانه متى شاء وأراد سبحانه، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/389: "وجواز اشتقاق الاسم له تعالى من الفعل الثابت"اهـ.
ت: مضى أن القاعدة في الأسماء الحسنى والصفات العلى التوقيف عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. وأنه تؤخذ من الأسماء الحسنى صفات لله، ولا يُشتق من الصفة اسم.(1/56)
وعليه، فلا يجوز اشتقاق اسم لله تعالى من الفعل الثابت. وأهل السنة والجماعة يخبرون عن الله بالمعنى الحق في باب الإخبار والإطلاق، دون الوصف والتسمي، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (5742) من كتاب الطب، وحديث (7410) من آخر الدعوات.
* * *
قال الحافظ 13/391: قوله: (باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها) قال ابن بطال: مقصوده بهذه الترجمة تصحيح القول بأن الاسم هو المسمى …" اهـ.
ت: هذا المقصود بعيد عن الإمام البخاري، بل دلالة الترجمة على التعبد لله بأسمائه وصفاته وعبادته بها، سؤالاً واستعاذة.
وأما مسألة الاسم هو المسمى أم غيره، أو لا هو ولا غيره؟فمن بدع المتكلمة في هذا الباب.
فتارة يراد بالاسم المسمى كقوله تعالى : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} فالمسبَّح هو المُسمَّى وهو الله عز وجل، وكما هاهنا فإن المستعاذ به والمسؤول هو المسمَّى وهو الله عز وجل.
وتارة يراد بالاسم غير المسمى كقوله تعالى : {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} فاسم يحيى هنا غير ذاته، فليس اسمه هو ذاته والله أعلم.
وانظر فتاوى ابن تيمية 6/185-212، والتبصير في معالم الدين لابن جرير الطبري 108.
* * *
قال الحافظ 13/394: "والفرق بين صفات الذات وصفات الفعل، أن صفات الذات قائمة به، وصفات الفعل ثابتة له بالقدرة، ووجود المفعول بإرادته جل وعلا"اهـ.
ت: اضطرب المتكلمون وأتباعهم في تقسيم الصفات اضطراباً كبيراً، وما ذكره الحافظ من صفات الذات وصفات الفعل حق، لكن:
صفات الذات قائمة بالله أبداً وأزلاً لا تنفك عنه سبحانه بحال؛ كالعلم والحياة والسمع.
وصفات الفعل قائمة بالله، متعلقة بإرادته ومشيئته؛ كالاستواء والنزول والضحك والسخط … ولكنها ليست ملازمة لذاته لا تنفك عنه كملازمة صفاته الذاتية، والله أعلم.
* * *(1/57)
قال الحافظ 13/395: "والصواب الإمساك عن أمثال هذه المباحث والتفويض إلى الله في جميعها، والاكتفاء بالإيمان بكل ما أوجب الله في كتابه أو على لسان نبيه إثباته أو تنزيهه عنه على الإجمال، وبالله التوفيق"اهـ.
ت: التفويض الواجب في صفات الله هو تفويض العلم بكيفياتها، هذا هو الواجب في صفات الله كما أخبر عنها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة، أما معانيها فمعلومة، وهو سبحانه لا يشابه فيها صفات خلقه، كما قال مالك رحمه الله: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
وهكذا القول في المحبة والرحمة والغضب والرضا والعلم والقدرة والنفس والقدم والأصابع وغير ذلك مما ثبت في النصوص من الكتاب والسنة، والقول في ذلك هو ما قاله مالك رحمه الله وغيره من أهل السنة من أن المعاني معلومة، والكيف مجهول، وهو سبحانه في جميع معاني صفاته لا يشابه خلقه في شيء منها، كما قال عز وجل :، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث.
والواجب على كل مؤمن ومؤمنة التمسك بما قاله أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات وغيرها، والحذر من أقوال أهل البدع، والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ 13/396: "وقيل: إن إضافة النفس هنا إضافة ملك، والمراد بالنفس نفوس عباده. انتهى ملخصاً، ولا يخفى بُعد الأخير وتكلفه"اهـ.
ت: صدق رحمه الله في بعد هذا التأويل وتكلفه، ولا يقل عنه بعداً وتكلفاً ما قبله من القول بأن إضافة النفس إلى الله إضافة ملك.
والصواب أن النفس هنا هي ذاته سبحانه، نؤمن بها على الوجه اللائق بالله إثباتاً وتنزيهاً من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وقد بيَّن ذلك ابن تيمية في رده على الرازي، في كتابه "بيان تلبيس الجهمية" وفي الفتاوى 9/293، والله أعلم.
* * *(1/58)
قال الحافظ 13/396: "وقيل: غيرة الله كراهة إتيان الفواحش، أي عدم رضاه بها لا التقدير، وقيل: الغضب لازم الغيرة، ولازم الغضب إرادة إيصال العقوبة"اهـ.
ت: هذا تأويل لصفتي الغيرة والغضب عن الله، والواجب إثباتهما على الحقيقة اللائقة به سبحانه كسائر صفاته من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، كما قال سبحانه : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/397: "والله منزه عن الحلول في المواضع؛ لأن الحلول عرض يفنى، وهو حادث، والحادث لا يليق بالله …
وقال ابن التين: معنى العندية في هذا الحديث العلم بأنه موضوع على العرش"اهـ
ت: هذا تأويل فاسد من ابن التين ومن ابن بطال للعندية، بل هو عند الله على الحقيقة اللائقة بالله. ودعوى تنزيه الله عن المكان مسكوت عنها في النصوص، وهي تحوي حقاً وباطلاً.
-فإن أريد بها نفي حلول به، واختلاطه وامتزاجه به فهو حق؛ لأنه سبحانه فوق كل شيء بائن منه.
وإن أريد به نفي العلو والاستواء على العرش حقيقة فباطل، وسيرد لمثل هذا نظير، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (3804) باب 12 من المجلد السابع، وحديث (7422) من كتاب التوحيد في هذا المجلد.
* * *
قال الحافظ 13/397: "الحديث الثالث: قوله: (يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي) أي قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به . . " اهـ.
ت: الله سبحانه قادر على كل شيء، ومعنى الحديث أن الله عند ظن عبده به، فيعمل بهذا العبد ما ظن العبد أن الله يعمله به من خيرً أو شرٍ؛ لما روى الإمام أحمد في مسنده 3/491 وغيره بسند جيد عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه مرفوعاً: "قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء"، والله أعلم.
* * *(1/59)
قال الحافظ 13/398: "قوله: "فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" أي إن ذكرني بالتنزيه والتقديس سراً ذكرته بالثواب والرحمة سراً. وقال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون مثل قوله تعالى : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}؛ ومعناه اذكروني بالتعظيم أذكركم بالإنعام" اهـ.
ت: كلا هذين التأويلين باطل، والصواب أن الله يذكر عبده في نفسه وفي غيرها على الحقيقة اللائقة به سبحانه؛ إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل.
أما الثواب والرحمة والإنعام فهي من آثار رحمة الله وإحسانه، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/400 : "وليس بجارحة ولا كالوجوه التي نشاهدها من المخلوقين … ولو كانت صفة من صفات الفعل لشملها الهلاك كما شمل غيرها من الصفات، وهو محال"اهـ.
ت: لله وجه على ما يليق به سبحانه من غير مشابهة لوجوه خلقه، وهو من صفات الله الذاتية. أما صفاته الفعلية فهي بمشيئته وإرادته يفعلها سبحانه إذا شاء؛ كالنزول والاستواء والمحبة والبغض، وعدم فعلها إذا لم يشأ سبحانه لا يلزم منه هلاكها ولا فناؤها. أما نفي الجارحة عنه سبحانه فلفظ مجمل مسكوت عنه في الشريعة، ومضى له نظير، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (7514) – حديث الحبر – من كتاب التوحيد، باب 19.
* * *
قال الحافظ 13/401: "وهو على سبيل التمثيل والتقريب للفهم، لا على معنى إثبات الجارحة" اهـ.
ت: بل الخبر على حقيقته بنفي العور عن الله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه إثبات لصفة العين لله عز وجل كما في صريح القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، خلافاً لصفة الدجال، والعينان صفة كمال تليق بجلال ذاته سبحانه، ولا تشبه جوارح المخلوقين بحال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
* * *
قال الحافظ : "قال: ولأهل الكلام في هذه الصفات – كالعين والوجه واليد – ثلاثة أقوال: أحدها: أنها صفات ذات أثبتها السمع ولا يهتدي إليها العقل"اهـ.(1/60)
ت: نعم لا يهتدي العقل إلى كنهها وحقيقتها التي هي عليه، ولكنه في العقل السليم لا ينفيها ولا يحيلها، بل يوافق السمع الصريح في إثباتها. أما أهل الكلام فيزعمون أن عقولهم تنفي هذه الصفات عن الله – تعالى الله عن ذلك-.
وإذا نفينا علمنا بكيفيات الصفات فإن معانيها معلومة وهي ثابتة لله عز وجل على الوجه اللائق بالله، لا يشابه فيها خلقه، هذا قول أهل السنة والجماعة، وهو قول أهل الحق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، وأتباعهم بإحسان، فالواجب على كل مسلم ومسلمة التمسك بهذا والحذر مما يخالفها، والله الموفق.
* * *
قال الحافظ 13/401-402: "والثاني: أن العين كناية عن صفة البصر، واليد كناية عن صفة القدرة، والوجه كناية عن صفة الوجود.
والثالث : إمرارها على ما جاءت مفوضاً معناها إلى الله تعالى" اهـ.
ت: الواجب إثبات صفة العينين واليدين والوجه لله عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه كبقية صفاته، بل كإثبات ذاته، فهي ذات لا تماثل الذوات، فكذلك صفاته لا تماثل بقية الصفات، فالقول في الجميع واحد، والواجب على المؤمن الإيمان بذلك كله من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل.
وكما أن الواجب عدم التأويل، فكذلك لا يجوز التفويض في باب الأسماء والصفات إلا الكيفية، لا المعنى لها، والله أعلم.
* * *(1/61)
قال الحافظ 13/402: "وقد سئلت هل يجوز لقارئ هذا الحديث أن يصنع كما يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟فأجبت وبالله التوفيق: أنه إن حضر عنده من يوافقه على معتقده وكان يعتقد تنزيه الله عن صفات الحدوث وأراد التأسي محضاً جاز، والأولى به الترك خشية أن يدخل على من يراه شبهة التشبيه – تعالى الله عن ذلك -، ولم أر في كلام أحد من الشراح في حمل هذا الحديث على معنى خطر لي فيه إثبات التنزيه، وحسم مادة التشبيه عنه، وهو أن الإشارة إلى عينه صلى الله عليه وسلم إنما هي بالنسبة إلى عين الدجال؛ فإنها كانت صحيحة مثل هذه ثم طرأ عليها العور لزيادة كذبه في دعوى الإلهية، وهو كان صحيح العين مثل هذه فطرأ عليها النقص، ولم يستطع دفع ذلك عن نفسه"اهـ.
ت: قال سماحة شيخنا: الصواب أنه لا حرج في ذلك إذا أراد إثبات العينين لله عز وجل، على الوجه اللائق به سبحانه من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل. فهذا الحديث من أدلة إثبات العينين لله عز وجل من غير مشابهة لخلقه، والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ 13/405: "باب قول الله تعالى : {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} قال ابن بطال: في هذه الآية إثبات يدين لله، وهما صفتان من صفات ذاته وليستا بجارحتين، خلافاً للمشبهة من المثبتة، وللجهمية من المعطلة…"اهـ.
ت: هذا من النفي المسكوت عنه في باب الصفات، والواجب الوقوف فيما نفاه الله ورسوله في باب الأسماء والصفات، كما يجب الوقوف فيه على ما أثبته الله و رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/405: "وقال غيره: هذا يساق مساق التمثيل للتقريب؛ لأنه عهد أن من اعتنى بشيء واهتم به باشره بيديه، فيستفاد من ذلك أن العناية بخلق آدم كانت أتم من العناية بخلق غيره…"اهـ.(1/62)
ت: هذا من التعطيل في باب الصفات الذاتية بتأويل صفة اليدين لله عز وجل إلى العناية والاهتمام، وهذا باطل، والواجب إثبات اليدين على الوجه اللائق بالله عز وجل من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فنؤمن بأن الله خلق آدم بيديه حقيقة اختصاصاً وتشريفاً، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/406: "ووقع فيها بدل يد الله "يمين الله" ويتعقب بها على من فسر اليد هنا بالنعمة، وأبعد منه من فسرها بالخزائن وقال أطلق اليد على الخزائن لتصرفها فيها … " اهـ.
ت: أصاب – رحمه الله – في رفضه ذينك التأويلين، والواجب منع سائر التأويلات في جميع النصوص، وإجراؤها على ظاهرها اللائق بذات الله وصفاته سبحانه.
فله سبحانه يدان كما له أصابع وسمع وبصر وحياة وعلم. . وغيرها من الصفات العلى، كما له الأسماء الحسنى. نؤمن بذلك كله إيماناً من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فإن ذلك هو الواجب والمتعين في هذا الباب العظيم، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/409: "وعن ابن فورك: يجوز أن يكون الإصبع خلقاً يخلقه الله فيحمله الله ما يحمل الإصبع، ويحتمل أن يراد به القدرة والسلطان…" اهـ.
ت: كلا القولين باطل وجحود للصفة الذاتية لله سبحانه، وتعطيل لله عن صفة الأصابع حقيقة على ما ورد في الأحاديث الصحيحة، ويتضمنان نفي هذه الصفة عن الله، والواجب إثباتها حقيقة لله عز وجل بلا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، وقطع الاستشراف عن حقيقتها وكيفيتها، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/409: "وقد تقرر أن اليد ليست بجارحة … "اهـ.
ت: هذا من النفي المجمل المسكوت عنه، وهو يتضمن حقاً وباطلاً:
أ- فإن أريد به نفي مشابهة أيدي المخلوقين فهذا حق، لكن يعبر بالنفي الصحيح.
ب- وإن أريد به نفي حقيقة يدي الله اللائقة به فهو باطل بلا شك.
والواجب السكوت عما سكتت عنه النصوص في بابي النفي والإثبات للأسماء والصفات، والله أعلم.(1/63)
وانظر التعليق على باب 19 على حديث (7410) من كتاب التوحيد في هذا المجلد.
* * *
قال الحافظ 13/410: "ولعل ذكر الأصابع من تخليط اليهودي، فإن اليهود مشبهة ويما يدعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه ولا تدخل في مذاهب المسلمين، وأما ضحكه صلى الله عليه وسلم من قول الحبر فيحتمل الرضا والإنكار، وأما قول الراوي"تصديقاً له" فظن منه وحسبان، وقد جاء الحديث من عدة طرق ليس فيها هذه الزيادة، وعلى تقدير صحتها فقد يستدل بحمرة الوجه على الخجل، وبصفرته على الوجل، ويكون الأمر بخلاف ذلك، فقد تكون الحمرة لأمر حدث في البدن كثوران الدم، والصفرة، لثوران خلط من مرار وغيره، وعلى تقدير أن يكون ذلك محفوظاً فهو محمول على تأويل. . .
وقد تعقب بعضهم إنكار ورود الأصابع لوروده في عدة أحاديث كالحديث الذي أخرجه مسلم: "إن قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن"ولا يرد عليه لأنه إنما نفى القطع، هذا كله قول اليهودي وهم يعتقدون التجسيم وأن الله شخص ذو جوارح كما يعتقده غلاة المشبهة من هذه الأمة، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو للتعجب من جهل اليهودي . . .
وأما من زاد: "وتصديقاً له" فليست بشيء فإنها من قول الراوي وهي باطلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصدق المحال وهذه الأوصاف في حق الله محال؛ إذ لو كان ذا يد وأصابع وجوارح كان كواحد منا فكان يجب له من الافتقار والحدوث والنقص والعجز ما يجب لنا، ولو كان كذلك لاستحال أن يكون إلهاً؛ إذ لو جازت الإلهية لمن هذه صفته لصحت للدجال وهو محال، فالمفضي إليه كذب، فقول اليهودي كذب ومحال، ولذلك أنزل الله في الرد عليه : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} وإنما تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من جهله فظن الراوي أن ذلك التعجب تصديق وليس كذلك.(1/64)
فإن قيل : قد صح حديث: "إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن"فالجواب أنه إذا جاءنا مثل هذا الكلام الصادق تأولناه أو توقفنا فيه إلى أن يتبين وجهه مع القطع باستحالة ظاهره لضرورة صدق من دلت المعجزة على صدقه، وأما إذا جاء على لسان من يجوز عليه الكذب بل على لسان من أخبر الصادق عن نوعه بالكذب والتحريف كذبناه وقبحناه، ثم لم سلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بتصديقه لم يكن ذلك تصديقاً في المعنى بل في اللفظ الذي نقله من كتابه عن نبيه، ونقطع بأن ظاهره غير مراد. انتهى ملخصاً. وهذا الذي نحا إليه أخيراً أولى مما ابتدأ به لما فيه من الطعن على ثقات الرواة ورد الأخبار الثابتة" اهـ.
ت: هذا وما بعده من الباطل البين، وتجرؤ على نفي النصوص بمولدات العقول وشبه الضلال، وتعطيل لله عما استحقه من الصفات التي كلها كمال وحق فيه سبحانه.
فإن الواجب إثبات الصفات لله عز وجل، ومن ذلك الأصابع على الحقيقة اللائقة بالله، كما أن له سبحانه حياة وعلماً وقدرة ووجهاً كل ذلك على ما يليق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فننزهه سبحانه عن مشابهة خلقه في شيء من ذاته أو صفاته أو أفعاله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. وهو سبحانه {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، {لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. وضحكه صلى الله عليه وسلم تصديقاً وإقراراً لقول الحبر؛ لأنه في مقام التبليغ والبيان، ولا يجوز عليه الكتمان، فنعوذ بالله من التقول على الله وعلى رسوله بلا علم، أو الفرية بجهل وظلم. والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (7514) من هذا المجلد.
* * *(1/65)
قال الحافظ 13/411: "قال ابن دقيق العيد: المنزهون لله إما ساكت عن التأويل وإما مؤول، والثاني يقول: المراد بالغيرة المنع من الشيء والحماية، وهما من لوازم الغيرة فأطلقت على سبيل المجاز كالملازمة، وغيرها من الأوجه الشائعة في لسان العرب" اهـ.
ت: هذا قول باطل، وهو حكاية لمسلكي الأشاعرة تجاه النصوص: إمّا بالتفويض، أو التأويل.
أما المنزهون لله حقيقة، فهم المثبتون لله ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم – ومن ذلك صفة الغيرة – كسائر الصفات على ما يليق بالله عز وجل من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تحريف. ويعتقد المؤولة أن المجاز يتطرق إلى الصفات الإلهية، والصواب أن الصفات كلها على الحقيقة اللائقة بالله عظمة وجلالاً، وأنه لا مجاز في القرآن والسنة على اصطلاح المتكلمين.
والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/412: "قال ابن بطال: أجمعت الأمة على أن الله تعالى لا يجوز أن يوصف بأنه شخص؛ لأن التوقيف لم يرد به . . . فقال : إطلاق الشخص في صفات الله تعالى غير جائز؛ لأن الشخص لا يكون إلا جسماً مؤلفاً، فخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة وأن تكون تصحيفاً من الراوي. . . "اهـ.
ت: دعوى الإجماع باطلة، ولا يجوز نفي وصف الله بالشخص، كما صح ذلك في حديث الباب، ولا محذور في ذلك على ما توهمته المؤولة، فإن الشخص في اللغة ما ارتفع وشخص وظهر، ولا أعظم من الله ولا أظهر، ولا أرفع ولا أكبر منه سبحانه. والله أعلم.
والشخص كالشيء {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ}، وكالأحد "لا أحد أغير من الله"، فالواجب على المؤمن الإيمان بما جاء في الكتاب والسنة إثباتاً وإطلاقاً ونفياً، والله أعلم.
* * *(1/66)
قال الحافظ 13/413: "ثم قال ابن فورك: وإنما منعنا من إطلاق لفظ الشخص أمور؛ أحدها: أن اللفظ لم يثبت من طريق السمع، والثاني: الإجماع على المنع منه، والثالث: أن معناه الجسم المؤلف المركب، ثم قال: ومعنى الغيرة الزجر والتحريم" اهـ.
ت: ما ذكره ابن فورك وغيره من المؤولة من منع إطلاق الشخص على الله ووصفه بالغيرة، تعطيل لله عن هاتين الصفتين، والواجب الوقوف مع النص وإثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم الخوض في ذلك بآراء العقول وتخرصات الأقيسة.
فلله غيرة تليق به، وهو شخص على ما يليق به كسائر صفاته وأسمائه، نؤمن بذلك من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/413: "ثم قال الكرماني: لا حاجة لتخطئة الرواة الثقات، بل حكم هذا حكم سائر المتشابهات، إما التفويض، وإما التأويل"اهـ.
ت: قول الكرماني – عفا الله عنه – باطل؛ لأن نصوص الصفات من المحكمات وليست من المتشابهات، وطريقا التفويض والتأويل في باب الصفات مسلكان باطلان، أما أهل السنة والجماعة فيقابلون نصوص الأسماء والصفات بالإيمان بها والتسليم والإثبات والتنزيه على الكمال اللائق بالله. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/413: "وكأن لفظ الشخص أطلق مبالغة في إثبات إيمان من يتعذر على فهمه موجود لا يشبه شيئاً من الموجودات، لئلا يفضي به ذلك إلى النفي والتعطيل، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم للجارية: "أين الله؟قالت: في السماء. فحكم بإيمانها مخافة أن تقع في التعطيل لقصور فهمها عما ينبغي له من تنزيهه مما يقتضي التشبيه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً" اهـ.
ت: لفظ الشخص صح في الحديث الصحيح إطلاقة على الله، فلا محذور فيه على ما يليق به سبحانه، ولا وجه لقوله: إنه أطلق على الله مبالغة في إثبات إيمان من يتعذر . . . إلخ.(1/67)
وقوله: فحكم بإيمانها مخافة . . . إلخ، قول خطأ، بل حكم بإيمانها لأنها أثبتت لله الكمال في علوه، بأنه في السماء، وليس في ذلك مخافة التعطيل!ولو كان فيه محذور لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم ولسددها، إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم، هذا في غير مسائل أصول الدين، فما بالك في مسائل الإيمان بالله وأصول الدين فهي من باب أولى. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/414: "والمراد بالوجه الذات، وتوجيهه أنه عبر عن الجملة بأشهر ما فيها"اهـ.
ت: الصواب أن الوجه صفة حقيقة لائقة بالله، وهو من الصفات الذاتية لله، فكما أن له ذاتاً لا تشبه الذوات، فكذلك له وجه لا يشبه غيره، كما قال عز وجل : {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}.
* * *
ثم قال الحافظ : "ويحتمل أن يراد بالوجه ما يعمل لأجل الله أو الجاه".
ت: هذا في الواقع نفي لصفة الوجه، وتأويل فاسد، وعليه فالاحتمال باطل، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/416: "وقالت الجسمية: معناه الاستقرار"اهـ.
ت: هذا المعنى للاستواء صحيح لغة وشرعاً من غير حاجة الله للمخلوق، ونسبة القول للجسمية من إسفاف القول بأهل السنة، ونبذهم بالألقاب الشنيعة تهويلاً وتنقيصاً.
والصواب أن الاستواء له معانٍ أربع عند أهل السنة والجماعة، هي: العلو والارتفاع والاستقرار والصعود.
وينبغي أن يُعلم أن الاستواء على العرش من صفات الأفعال التي تكون بمشيئة الله، أما علوه سبحانه فهو صفة ذاتية ملازمة لذاته عز وجل أزلاً وأبداً لا تنفك عنه بحال، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (3804) من المجلد السابع في مناقب الأنصار، باب 12.
* * *
نقل الحافظ 13/418: "وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظاهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الله تعالى . . . " اهـ.(1/68)
ت: نسبة تفويض معاني الصفات للسلف الصالح خطأ بالغ، وتجهيل لهم، وتقوّل عليهم بما لم يعتقدوه وإنما مذهبهم إثبات معاني الصفات وفهمها ومعرفتها، وتفويض كيفياتها، كما قاله إمام دار الهجرة الإمام مالك في الاستواء بأنه: معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن كيفيته بدعة. وهكذا قال غيره من أئمة السلف كالثوري والأوزاعي وربيعة وغيرهم. وقد ظن إمام الحرمين في الرسالة النظامية أن التفويض للمعنى والحقيقة جميعاً هو قول السلف، وليس هو كذلك، والله أعلم.
* * *
ثم نقل الحافظ 13/418: "أحدهما يقول: لا نؤول شيئاً منها، بل نقول: الله أعلم بمراده، والآخر يؤول فيقول – مثلاً – معنى الاستواء الاستيلاء، واليد القدرة، ونحو ذلك. . . " اهـ.
ت: هذا هو مذهب الأشاعرة في باب صفات الله بالتردد بين التفويض المطلق، أو التأويل الفاسد، الذي هو في واقع الأمر تعطيل، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/421: "قوله: (كان الله ولم يكن شيء قبله) تقدم في بدء الخلق بلفظ: "ولم يكن شيء غيره"، وفي رواية أبي معاوية: "كان الله قبل كل شيء"، وهو بمعنى"كان الله ولا شيء معه"، وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب، وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية، ووقفت في كلام له على هذا الحديث يرجح الرواية التي في هذا الباب على غيرها. . " اهـ.
ت: كلام ابن تيمية رحمه الله تجده في شرحه حديث عمران بن الحصين رضي الله عنهما ضمن مجموع الفتاوى 18/210-244؛ حيث سلك رحمه الله مسلك الترجيح بين الروايات.
وإنكار حوادث لا أول لها هو قول الأشاعرة ومن وافقهم، وهو مبني على أصل لهم هو: أن القول بحوادث لا أول لها يُفضي إلى القول بقدم العالم، الذي زعمته فلاسفة اليونان، فلذلك نفوه.(1/69)
والصواب أن كل ما سوى الله فهو مخلوق، وهو شامل لجميع الحوادث ولا يفضي ذلك إلى القول بقدم العالم مادام وصفها أنها مخلوقة بعد أن لم تكن، والواجب الوقوف مع النصوص أينما دارت نفياً وإثباتاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "كان الله ولم يكن شيء قبله".
وقد أطال على هذا الموضع – على مسألة "إنكار حوادث لا أول لها" – ابنُ تيمية في درء تعارض العقل والنقل مبيناً ما حوته المسألة من تضاعيف ولوازم فاسدة، فراجعه إن شئت.
والحاصل أن صفات الله من الخلق والرزق وغيرها من صفات الأفعال ليس لها بداية كما أن ذاته سبحانه ليس لها بداية. وأما أعيان الحوادث فلها بداية من وقت حدوثها، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/423: "قال الكرماني: قوله: "في السماء" ظاهره غير مراد؛ إذ الله منزه عن الحلول في المكان، لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات"اهـ.
ت: هذا الظاهر مراد فالله مستوٍ على عرشه وعالٍ على خلقه، فلله علو الذات والصفات، كما له علو الحقيقة، فهو فوق عباده حقيقة كما قال سبحانه : {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}، وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، فهو سبحانه مستوٍ على عرشه، لا تخفى عليه من عباده خافية.
وكونه في السماء يراد بها معنيان متنوعان غير متضادين، هما:
1-الله في السماء أي عليها؛ فيكون حرف الجر (في) بمعنى (على)، كقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} الآية؛ أي عليها.
2- ويراد بالسماء العلو، كما في اللسان العربي الفصيح؛ فكونه في السماء أي في العلو؛ فتكون (في) ظرفية، وهذا هو الأصل في السماء أن يُراد بها العلو.(1/70)
ولا يلزم من ذلك كله حلوله سبحانه بالمخلوقات بالعرش أو السماء أو غيرها، فهذا لازم من قام التشبيه في خاطره فدفعه بالتأويل والنفي، وأهل الحق لا يلزم من ذلك تمثيل عندهم ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف، بل هو سبحانه في العلو وفوق العرش، وقد استوى عليه استواء يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/424: "ويكون معنى "فهو عنده فوق العرش" أي ذكره وعلمه، وكل ذلك جائز في التخريج . . . {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي ما شاءه من قدرته، وهو كتابه الذي وضعه فوق العرش" اهـ.
ت: هذا من التناقض؛ فمرة يُؤول عندية الكتاب إلى ذكره وعلمه، ومرة تؤول صفة الاستواء إلى القدرة مع إثبات الكتاب بالذي وضعه الله سبحانه فوق العرش. والتأويلان باطلان، والصواب ما دلّ عليه الحديث الصحيح من كون الكتاب عند الله فوق العرش، والحق الواجب اعتقاده إثبات عندية اللوح المحفوظ فوق العرش، واستواء الله على عرشه حقيقة لائقة بالله، فلا مسوغ للنفي والتأويل أو التعطيل والتمثيل، والله المستعان.
وانظر: الحاشية على حديث (3804)، باب 12 من المجلد السابع.
* * *
قال الحافظ 13/427: "قال البيهقي: صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول، وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء، وأما ما وقع من التعبير في ذلك بقوله: "إلى الله" فهو على ما تقدم عن السلف في التفويض، وعن الأئمة بعدهم في التأويل" اهـ.
ت: مضى قريباً تبرئة السلف عن التفويض المطلق، وتحقيق أن تفويضهم هو للكيفية ليس إلا، كما روي عن الإمام مالك وغيره من الأئمة.
* * *(1/71)
قال الحافظ 13/427: "وقال ابن بطال: غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر، وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه فقد كان ولا مكان، وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف، ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه مع تنزيهه عن المكان. انتهى"اهـ.
ت: هذا النقل عن ابن بطال – عفا الله عنه – فيه منكرات:
أ- منها نفي الجسمية والاستقرار في مكان عن الله، وهو نفي لم يرد في الكتاب والسنة، وإنما يتوصل به إلى نفي الصفات والاستواء على العرش.
ب- ومنها قوله: "أضاف المعارج إليه إضافة تشريف"، والصواب أنه إضافة معان وصفات، لأن المعارج: العلو.
جـ- ودعوى تنزيه الله عن المكان، يُرمى منها نفي استواء الله على العرش، وهو ليس بسديد، بل الله مستوٍ على العرش حقيقة كما ذكر الله وذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف كما قاله سلف الأمة، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/429: "وقِدَمه يحيل وصفه بالتحيز فيها، والله أعلم"اهـ.
ت: يزعم النفاة والمؤولة أن الله لا داخل العالم ولا خارجه؛ فإن هذا يلزم عنه نفيه سبحانه وعدم وجوده، فإن الذي لا داخل العالم ولا خارجه لا وجود له، وهو رفع للنقيضين، وهذا ممتنعٌ كالجمع بين النقيضين، كما يزعمون أنه ليس متحيزاً في مكان، ومع ما في هذا النفي من المحاذير، حيث إنه نفي لم يرد في الوحيين الشريفين، فهو يتضمن سلب الله بعض صفات الكمال كالعلو والاستواء على العرش. فالله في العلو وإن قيل إنه جهة، وهو مباين للعالم باستوائه على العرش وعلوه عليه، والعرش سقف المخلوقات. والأشاعرة وغيرهم ينفون ويعطلون صفتي العلو والاستواء. وقولهم باطل، والصواب إثبات استوائه سبحانه على العرش استواء يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في ذلك، ولا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه، كما قال مالك وربيعة رحمهما الله وغيرهما من أهل السنة والجماعة والله أعلم.(1/72)
* * *
قال الحافظ 13/435: "ومنع جمهور المعتزلة من الرؤية، متمسكين بأن من شرط المرئى أن يكون في جهة، والله منزه عن الجهة، واتفقوا على أنه يرى عباده، فهو راء لا من جهة، واختلف من أثبت الرؤية في معناها؛ فقال قوم: يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات، وهو على وفق قوله في حديث الباب: "كما ترون القمر"، إلا أنه منزه عن الجهة والكيفية"اهـ.
ت: الحق أن الله عز وجل يُرى في الآخرة بالأبصار، يراه المؤمنون في جنان الأبرار، خلافاً للجهمية والمعتزلة وأضرابهم.
ونفي الجهة في الرؤية باطل؛ إذ لا رؤية إلا في جهة، وهو سبحانه يرى وهو في علوه يرونه من فوقهم كما نرى الشمس والقمر من فوقنا، فالتشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي فافطن!ويراه المؤمنون بلا كيف؛ بل الله أعلم بكيفيتها، رزقنا الله لذة النظر إليه مع والدينا ومشايخنا والمسلمين، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/436: "وقال البيهقي : سمعت الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي يقول في إملائه في قوله : "لا تضامون في رؤيته": بالضم والتشديد معناه لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا يضم بعضكم إلى بعض، ومعناه بفتح التاء كذلك، والأصل: لا تتضامون في رؤيته باجتماع في جهة. وبالتخفيف من الضيم، ومعناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض؛ فإنكم ترونه في جهاتكم كلها، وهو متعالي عن الجهة"اهـ.
ت: نفي الجهة في هذا التقرير مبني على نفي المؤولة من الأشاعرة والماتريدية للعلو، وهم ها هنا يزعمون إثبات رؤية الله مع نفي أن تكون في جهة، فوقعوا في التناقض والمحال.
والحق أنه سبحانه يُرى في الدار الآخرة حقيقة كما وصف بذلك نفسه في غير ما آية، كقوله في القيامة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، وكما وصفه بذلك نبيه وأعرف الخلق به في غير ما حديث، ورؤيته حق وهو سبحانه في علوٍ كذا عند أهل السنة والجماعة، والله أعلم.
* * *(1/73)
قال الحافظ 13/437: "وقال ابن بطال: تمسك به المجسمة فأثبتوا لله صورة . . . "اهـ.
ت: هذا تمحلٌ من ابن بطال ونبزٌ لأهل السنة والجماعة وللسلف الصالح بالتجسيم؛ لأنهم يثبتون لله عز وجل صورة حقيقية تليق بجلاله وعظمته، لا تقتضي مماثلة صور المخلوقين ألبتة كما وصفه بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وغيره، كحديث معاذ عند أهل السنة "رأيت ربي في أحسن صورة"، فهل يكون الرسول بهذا الوصف مجسماً؟!والصواب إثبات الصورة على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل كذا عند أهل السنة والجماعة، والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ 13/437: "وقال الخطابي: تهيب كثير من الشيوخ الخوض في معنى الساق، ومعنى قول ابن عباس أن الله يكشف عن قدرته التي تظهر بها الشدة، وأسند البيهقي الأثر المذكور عن ابن عباس بسندين كل منهما حسن، وزاد: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فأتبعوه من الشعر، وذكر الرجز المشار إليه، وأنشد الخطابي في إطلاق الساق على الأمر الشديد "في سنة قد كشفت عن ساقها . . . "اهـ.
ت: وهذا أيضاً تأويل فاسد من الخطابي لصفة الساق لربنا عز وجل والتي صحت صراحة في أحاديث صحيحة، والواجب إثبات هذه الصفة كسائر الصفات اللائقة بالله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، والله أعلم.
وراجع التعليق على حديث (4919) من المجلد الثامن، وحديث (1574) من الحادي عشر.
* * *
قال الحافظ 13/438: "قال: ومثله من التبكيت ما يقال لهم بعد ذلك: {ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}. وليس في هذا تكليف ما لا يطاق، بل إظهار خزيهم، ومثله "كلف أن يعقد شعيرة" فإنها للزيادة في التوبيخ والعقوبة. انتهى. ولم يجب عن قصة أبي لهب. وقد ادعى بعضهم أن مسألة تكليف ما لا يطاق لم تقع إلا بالإيمان فقط، وهي مسألة طويلة الذيل ليس هذا موضع ذكرها" اهـ.(1/74)
ت: بل هذه المسألة من الإطلاقات الحادثة في العقيدة وأصول الفقه، ومضى التفصيل فيها. وهذه الآية وما في معناها هي من باب الوعيد والعقوبات والتعذيب والتعجيز، لا من باب التكليف، والله أعلم.
وانظر التفصيل في التعليق على أواخر الباب الأول من كتاب القدر من المجلد الحادي عشر.
* * *
قال الحافظ 13/439: "وقوله فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه". قال الخطابي هذا يوهم المكان والله منزه عن ذلك، وإنما معناه في داره، الذي اتخذها لأوليائه وهي الجنة، وهي دار السلام، وأضيفت إليه إضافة تشريف مثل بيت الله وحرم الله" اهـ
ت: توهم الخطابي لا مبرر له؛ لأن الحديث لا يفيد أن الدار مكانه، فهو سبحانه فوق كل شيء مستوٍ على العرش الذي هو أعلى المخلوقات، وليس حالاً في شيء من مخلوقاته ألبتة.
والتنزيه الواجب في حقه سبحانه هو تنزيهه عن كل نقص، كما أنه سبحانه وتعالى له الكمال الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وهكذا جميع أسمائه وصفاته المثبتة والمنفية في الكتاب والسنة. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/440: "فإن ظاهره ليس مراداً قطعاً، فهي استعارة جزماً. وقد يكون المراد بالحجاب في بعض الأحاديث الحجاب الحسي، لكنه بالنسبة للمخلوقين، والعلم عند الله تعالى"اهـ.
ت: بل ظاهره مراد بإثبات رداء الكبرياء على وجهه سبحانه وتعالى وحجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، فهو حجاب حقيقي، وليس ذلك مجازاً ولا استعارة، بل على الحقيقة اللائقة به سبحانه من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل كسائر الصفات عند أهل السنة والجماعة، طردً لهذه القاعدة في عموم نصوص الأسماء والصفات، فلابد من اعتبار ذلك وإعماله لقوله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، والله أعلم.
* * *(1/75)
قال الحافظ 13/441: "قال المازري: . . . ومن لم يفهم ذلك تاه، فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم، ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يؤولها . . .، وقال الكرماني: هذا الحديث من المتشابهات فإما مفوض، وإما متأول بأن المراد بالوجه الذات . . . " اهـ.
ت: هذا خطأ، فمن أجرى النص على ظاهره على الوجه اللائق بالله عز وجل فقد سلك جادة أهل السنة والجماعة، وليس مقتضى ذلك النقص أو التشبيه. وهذه المسالك: إما تكذيب نقلتها، أو تأويل الصفة، أو تفويضها لا تصح في هذا الباب، بل هي طريقة من شرق بمثل هذه الصفة، وأبت قلوبهم إثباتها وأمثالها على الحقيقة اللائقة بالله.
وفساد آخر في تفسير الوجه بالذات، فالواجب الإيمان بوجهه سبحانه على ما يليق به، كما أن له ذاتاً تليق به من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل في جميع الأسماء والصفات، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/422: "وقال القرطبي في المفهم: الرداء استعارة كنى بها عن العظمة، كما في الحديث الآخر "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري". وليس المراد الثياب المحسوسة، لكن المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا متلازمين للمخاطب من العرب عبّر عن العظمة والكبرياء بهما . . .
قوله: (في جنة عدن) قال ابن بطال: لا تعلق للمجسمة في إثبات المكان، لما ثبت من استحالة أن يكون سبحانه جسماً أو حالاً في مكان، فيكون تأويل الرداء: الآفة الموجودة لأبصارهم المانعة لهم من رؤيته، وإزالتها فعل من أفعال يفعله في محل رؤيتهم، فلا يرونه مادام ذلك المانع موجوداً"اهـ.(1/76)
ت: ادعاء القرطبي أن الرداء استعارة باطل، وكذا تأويل ابن بطال للرداء، فيه نفي لألفاظ لم يرد النص الشريف بنفيها عن الله كالجسم والمكان. وهذه الألفاظ مجملة تحوي حقاً وباطلاً، ولا يصح نفي المجمل حتى يُستفصل عن المراد بها ليتبين الحق من الباطل، ومضى للاستفصال فيها وفي أمثالها مواضع سابقة عديدة.
والواجب إثبات رداء الكبرياء وإزار العظمة على حقيقته اللائقة بالله عظمة وجلالاً وتنزيهاً من غير تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف، وهذه قاعدة مسددة ومطردة في باب الأسماء والصفات، من التزمها وفق لحقيقة الإيمان بهذا التوحيد، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/444: "قوله: (باب ما جاء في قول الله تعالى : {إِنَّ رَحْمةََ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}. قال ابن بطال: الرحمة تنقسم إلى صفة ذات وإلى صفة فعل، وهنا يحتمل أن تكون صفة ذات، فيكون معناها إرادة إثابة الطائعين، ويحتمل أن تكون صفة فعل فيكون معناها أن فضل الله بسوق السحاب وإنزال المطر قريب من المحسنين، فكان ذلك رحمة لهم لكونه بقدرته وإرادته. . . " اهـ.
ت: الواجب إثبات رحمة الله على الحقيقة اللائقة بذات الله عز وجل كمالاً وجلالاً، وعدم الخوض فيها بأنواع التأويل الذي هو في الواقع تعطيل. فلله عز وجل رحمة تليق به كما له إرادة تليق به، وهذا مطرد في جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/445: " قال ابن بطال عن المهلب: يجوز أن يكون هذا الخصام حقيقة بأن يخلق الله فيهما حياة وفهماً وكلاماً والله قادر على كل شيء، ويجوز أن يكون هذا مجازاً كقولهم: "املأ الحوض وقال قطنى"والحوض لا يتكلم وإنما ذلك عبارة عن امتلائه وأنه لو كان ممن ينطق لقال ذلك، وكذا في النار: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} . . . " اهـ.(1/77)
ت: الاختصام وكلام الجنة والنار وقع حقيقة، وهو المتعين، لكن على كيفية الله أعلم بها فلا داعي للتأويل أو اعتبار ذلك مجازاً، لا سيما وقد وردت رواية في كتاب التفسير من هذا الصحيح بلفظ "تحاجت"، وفي مسلم بلفظ "احتجت" كما أشار الحافظ، وكلها من أفعال الاشتراك، فالواجب الإيمان بما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من اختصامهما حقيقة. وكذا يُقال أيضاً في قول النار: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/449: "وتصرف البخاري في هذا الموضع يقتضي موافقة القول الأول، والصائر إليه يسلم من الوقوع في مسألة حوادث لا أول لها، وبالله التوفيق"اهـ.
ت: ليس هذا مؤدَّى كلام البخاري، وإنما هو قول المتكلمين، والصواب أن أفعال الله تعالى قديمة النوع متجددة الآحاد حسب ما تقتضيه مشيئته سبحانه. فقد كان الله بذاته وصفاته وأفعاله ولم يكن قبله شيء كما صح في حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه.
أما مراد البخاري رحمه الله فهو التفريق بين الفعل والمفعول، والرد على من لم يفرق بينهما، كما هو بين من ترجمته، لا ما أشار إليه ابن بطال.
وانظر التعليق على حديث عمران (7418) في باب (22) من كتاب التوحيد.
* * *
قال الحافظ 13/450: "وأشار به إلى ترجيح القول بأن الرحمة من صفات الذات. . . من قال: المراد بالرحمة إرادة إيصال الثواب، وبالغضب إرادة إيصال العقوبة. . . " اهـ.(1/78)
ت: الحافظ – عفا الله عنه – في أول كلامه يثبت صفة الرحمة ثم يُؤولها بعد ذلك إلى صفة الإرادة بإرادة الثواب، وهو باطل، فإن الرحمة صفة حقيقة لائقة بالله، ومن آثارها إيصال الثواب وإكرام الطائعين، وهذا أيضاً يرد على إثبات صفة الغضب، فهو كذلك، يجب إثباتهما لله على الوجه اللائق بالله سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل على حد قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وقوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} والله الموفق، وقد مر له نظائر.
* * *
قال الحافظ 13/457: ". . . فمن قدر عليه بالمعصية كان ذلك علامة على أنه قدر عليه بالعقاب إلا أن يشاء أن يغفر له من غير المشركين، ومن قدر عليه بالطاعة كان ذلك علامة على أنه قدر عليه بالثواب، وحرف المسئلة أن المعتزلة قاسواالخالق على المخلوق؛ وهو باطل . . "اهـ.
ت: يفهم من هذا القول نفي الأسباب، وهو باطل؛ لأنه تقرر في العقيدة والشريعة أن المعصية سبب للعقاب، وأن الطاعة سبب للثواب.
والله عز وجل قدَّر الجميع، وترك لعبده المشيئة في الاختيار، وإلا فـ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا},{وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} والله تعالى أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/462: "قال ابن بطال: استدل البخاري بهذا على أن قول الله قديم لذاته قائم بصفاته لم يزل موجوداً به . . . وملخص ذلك قال البيهقي في "كتاب الاعتقاد": القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفات ذاته. . . "اهـ.(1/79)
ت: هذا تقريرلقول الأشاعرة في كلام الله، ويُراد به عندهم ذلكم المعنى النفسي القائم بذات الله، والصواب أن كلام الله تعالى صفة من صفات كماله، ونوعه قديم لكن آحاده متجدد لارتباطه بمشيئته، فهو يتكلم متى شاء، بما شاء، كيف شاء سبحانه لا إله إلا هو كذا لدى أهل السنة والجماعة، ويُنزَّه البخاري عن هذا الاعتقاد الفاسد، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (2685) من كتاب الشهادات، باب 29 من المجلد الخامس.
* * *
قال الحافظ 13/466: "قال: فسمّاه كلاماً قبل التكلم به، قال: فإن كان المتكلم ذا مخارج سمع كلامه ذا حروف وأصوات، وإن كان غير ذي مخارج فهو بخلاف ذلك، والباري عز وجل ليس بذي مخارج، فلا يكون كلامه بحروف وأصوات. . . "اهـ.
ت: هذا باطل ونفي لحقيقة الكلام الإلهي، ليقرروا أن كلام الله هو المعنى النفسي ليس إلا، وهو على هذا ليس بحرف ولا صوت. ويرده ما صح في الكتاب والسنة، ومن ذلك ما ساقه البخاري من أن كلام الله يسمع وبكل حرف منه أجر، كما قال سبحانه: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}. ولا يسمى الكلام في اللغة كلاماً إلا إذا كان بحروف وأصوات. كما صحَّ الكلام نداء بصوت مرتفع، ومناجاة بصوت منخفض، وكلاهما وقع لموسى صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}، فكلامه سبحانه بحرف وصوت، ولا يشابه كلام الخلق لعموم قوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/466: "وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به، ثمّ: إما التفويض، وإما التأويل، وبالله التوفيق"اهـ.(1/80)
ت: هذا – كما مرّ مثله – طرد لمسلكي الأشاعرة في نصوص الصفات، وكان اللائق بالحافظ وغيره أنه إذا ثبتت الصفة في الأحاديث الصحيحة تُلقيت بالقبول والتسليم على الوجه اللائق بالله عز وجل، إثباتاً بلا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف.
وأما التفويض والتأويل فباطلان عند أهل السنة والجماعة، والله الموفق.
* * *
قال الحافظ 13/468: "قوله: (فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار) هذا آخر ما أورد منه من هذه الطريق، وقد أخرجه بتمامه في تفسير سورة الحج بالسند المذكور هنا، ووقع "فينادي" مضبوطاً للأكثر بكسر الدال، وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول، ولا محذور في رواية الجمهور؛ فإن قرينة قوله: "إن الله يأمرك" تدل ظاهراً على أن المنادي ملك يأمره الله بأن ينادي بذلك. . . "اهـ.
ت: الصواب أن المنادي هو الله عز وجل كما عليه رواية الأكثر، ولا حرج في ذلك لثبوت المناداة لله عز وجل في صريح القرآن في آيات كثيرة كقوله: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ. . .} الآية. ونفي المناداة عن الله لازم مذهب الأشاعرة والماتريدية الكلابية في كلام الله من أنه معنى نفسي لا يسمع وليس بحرف. . . والصواب ما عليه أهل السنة والجماعة من إثبات النداء والكلام على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، كما هو الحق عند أهل السنة من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/469: "وأثبتت الحنابلة أن الله متكلم بحرف وصوت . . . "اهـ.
ت: ليس إثبات الحرف والصوت من مفردات الحنابلة في كلام الله، بل هو قول أتباع السلف الصالح من أهل السنة والجماعة قاطبة، ولله الحمد.
* * *
قال الحافظ 13/470: "قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: في تعبيره عن كثرة الإحسان بالحب تأنيس العباد وإدخال المسرة عليهم . . . "اهـ.(1/81)
ت: الواجب إثبات صفة الحب لله على ما يليق به، سبحانه عظمة وتنزيهاً وإيماناً، كما أن له إحساناً يليق به، وكذلك له حب وبغض على الوجه اللائق بجلال الله وكماله، نؤمن بذلك وببقية أسمائه وصفاته سبحانه من غير أن نكيف أو نمثل، أو نحرف أو نعطل، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/475: "قوله: (باب قول الله تعالى : {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} كذا للجميع، زاد أبو ذر "الآية". قال ابن بطال: أراد بهذه الترجمة وأحاديثها ما أراد في الأبواب قبلها أن كلام الله تعالى صفة قائمة به، وأنه لم يزل متكلماً ولا يزال"اهـ.
ت: فيه محذور؛ لأنه قد يُراد به الموافقة لقول الأشاعرة بأن القرآن معنى نفسيٌ قائم بالله. والصواب أن القرآن من كلام الله حقيقة، وكلام الله صفة ذاتية فعلية من صفاته عز وجل، نؤمن بذلك إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل، والله أعلم.
وانظر التعليق على باب 32 من كتاب التوحيد.
* * *
قال الحافظ 13/476: "وهو ظاهر في المراد سواء كان المنادي به ملكاً بأمره أو لا، لأن المراد إثبات نسبة القول إليه وهو حاصلة على كل من الحالتين، وقد نبهت على من أخرج الزيادة المصرحة – بأن الله يأمر ملكاً فينادي – في "كتاب التهجد" اهـ.
ت: تلكم الزيادة رواها النسائي في عمل اليوم والليلة ص 340 من طريق أبي إسحاق السبيعي، وهو قد اختلط وشاخ ونسي، فتركوه لأجل ذلك، ولا تعارض روايته ما استفاض وتواتر في حديث أبي هريرة في الباب أعلاه كما نص عليه الحافظ ابن عبد البر وغيره، وبسط الكلام على هذا الشيخ أبو العباس ابن تيمية في شرحه لحديث النزول.
فالواجب إثبات ذلك على الوجه اللائق بالله عز وجل من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، والله أعلم.
* * *
ثم قال الحافظ 13/476: "وتأول ابن حزم النزول بأنه فعل يفعله الله في سماء الدنيا. . . "اهـ.(1/82)
ت: تأويل ابن حزم للنزول باطل، كتأويل متقدمي المتكلمين للاستواء بأنه فعل يفعله الله في العرش. والواجب الإيمان بإثبات الصفات لله على حقائقها اللائقة بجلال الله، من غير تعطيل ولا تحريف، ومن غير تمثيل ولا تكييف، فالله ينزل حقيقة وقد استوى على عرشه حقيقة، كما يجيء ويأتي، ويغضب ويرضى، ويحب ويسخط حقيقة، ندرك معنى ذلك ولا نحيط بكيفيته، والله أعلم.
* * *
ثم قال الحافظ 13/476: "فكما قبل النزول التأويل لا يمنع قبول الصعود التأويل، والتسليم أسلم كما تقدم، والله أعلم" اهـ.
ت: ولا يجوز تأويل النزول والعلو على غير حقيقتهما اللائقتين بالله، والاستسلام والانقياد لما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هو الواجب على المؤمنين، وهو الإيمان بمعنى ذلك وتفويض كيفيته إلى الله لا تفويض الجميع بدعوى التسليم!! فالواجب تفويض الكيفية لا تفويض المعنى، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/485: "ثم قال: والظاهر أن هذا من تخليط اليهود وتحريفهم، وأن ضحكه عليه الصلاة والسلام إنما كان على معنى التعجب والنكير له، والعلم عند الله تعالى"اهـ.
ت: هذا من الباطل البيّن البطلان، فالنبي صلى الله عليه وسلم ضحك في الحديث تعجباً وتصديقاً لقول الحبر فكيف يكون ذلك نكيراً؟ولو كان من تحريف اليهود وتخليطهم لرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وبيّن ذلك أوضح البيان!وإنما التحريف ها هنا من أولئك المعطلة لمخالفته أصولهم في هذا الباب، والواجب إثبات ما دل عليه الحديث من إثبات الأصابع على الوجه اللائق به سبحانه من غير مشابهة لخلقه، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (7415) باب 19 من كتاب التوحيد.
* * *
قال الحافظ 13/485: "قوله : (يدنو أحدكم من ربه) قال ابن التين: يعني يقرب من رحمته، وهو سائغ في اللغة يقال: فلان قريب من فلان ويراد الرتبة"اهـ.(1/83)
ت: هذا تأويل باطل من ابن التين لصفة الدنو من الله عز وجل، والواجب إثباتهما على ما يليق بالله عز وجل من غير تعطيل ولا تمثيل، وعلى حقيقتها وأنها دنوٌ وقربٌ من الله، لا أنها قرب من رحمته، والله أعلم.
وانظر التعليق على حديث (7517) بعد قليل، وحديث (7536).
* * *
قال الحافظ 13/493: "وقد أزال العلماء إشكاله؛ فقال القاضي عياض في الشفاء: إضافة الدنو والقرب إلى الله تعالى أو من الله ليس دنو مكان ولا قرب زمان، وإنما هو بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إبانة لعظيم منزلته وشريف رتبته، وبالنسبة إلى الله عز وجل تأنيس لنبيه وإكرام له، ويتأول فيه ما قالوه في حديث: "ينزل ربنا إلى السماء"، وكذا في حديث: "من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً"، وقال غيره: الدنو مجاز عن القرب المعنوي لإظهار عظيم منزلته عند ربه تعالى"اهـ.
ت: ما نقله الحافظ عن القاضي عياض وغيره ليس بجيد، والصواب الإيمان بدنو الله وقربه، وهما من صفات أفعاله سبحانه التي يفعلها متى شاء كيفما شاء على ما يليق به سبحانه.
والدنو والتدلي في آية النجم يُغاير ما هاهنا، لأنه دنو ذلك المعلم الشديد القوي وهو جبريل كما يدل عليه السياق والأحاديث الصحيحة، وما رُوي عن بعض الصحابة كعائشة وابن مسعود وغيرهما رضي الله عنهم، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/500: "والمذهب الحق أن لا جبر ولا قدر"اهـ.
ت: قال سماحة شيخنا: والمذهب الحق أن لا جبر ولا نفي للقدر. اهـ.
* * *
قال الحافظ 13/500: "فالجواب أن يقال: بل للعبد قدرة يفرق بها بين النازل من المنارة والساقط منها، ولكن لا تأثير لها، بل فعله ذلك واقع بقدرة الله تعالى، فتأثير قدرته فيه بعد قدرة العبد عليه، وهذا هو المسمى بالكسب"اهـ.(1/84)
ت: قول الأشاعرة بالكسب مما ليس له حقيقة، وهو من آثار قول الجبرية في القدر، إذ لا يعتقدون للعبد تأثيراً في فعله فأشبه المكره أو المجبور، وصورته التقريبية أن القطع حصل عند السكين لا بها.
والصواب أن العبد له قدرة بها يفعل الشيء أو يتركه، والله خالقه وخالق قدرته، ولكن فعله وقدرته على كل حال لا تخرج عن تقدير الله وقضائه وقدره، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/502: "والخامس: أنه كلام الله غيرمخلوق، أنه لم يزل يتكلم إذا شاء، نص على ذلك أحمد في كتاب الرد على الجهمية، وافترق أصحابه فرقتين: منهم من قال: هو لازم لذاته والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة. . . "اهـ.
ت: هذا هو قول السالمية، المذكورين في القول الثالث، ونسبهم الحافظ لأصحاب أحمد، لأن متكلم السالمية ومنظرهم أبو الحسن ابن الزاغوني الحنبلي (527هـ)، وهم الاقترانية لقولهم بأن حروف الكلام، وعلاماته وقعت مقترنة لم يسبق بعضها بعضاً، وهو قول باطل. والحق ما ذهب إليه عامة أصحاب أحمد بما يوافق قول أهل السنة والجماعة من أن كلام الله بحرف وصوت يُسمع حقيقة على ما يليق بالله، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/502: "فمرادهم الكلام النفسي القائم بالذات المقدسة فهو من الصفات الموجودة القديمة، وأما الحروف فإن كانت حركات أدوات كاللسان والشفتين فهي أعراض، وإن كانت كتابة فهي أجسام، وقيام الأجسام والأعراض بذات الله تعالى محال"اهـ.(1/85)
ت: هذا من النفي الذي لم يرد في الكتاب والسنة في باب الصفات، ويُتوصَّل بهذا النفي إلى تعطيل الصفات الذاتية كالوجه والقدم والأصابع، والصفات الفعلية كتجدد كلام الله لمن شاء، ونزوله واستوائه وغضبه عن الله تعالى بدعوى لزومها للجسمية أو قيام الأعراض بالله. والواجب إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف، وكذلك نفي ما نفاه الله عن نفسه وما نفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان، والله أعلم.
وانظر التعليق على أول كتاب التوحيد من هذا المجلد.
* * *
قال الحافظ 13/505: "وهذا ينفصل عنه من ذهب إلى أن الكلام صفة قائمة بذاته"اهـ.
ت: وهم المتكلمون من الكلابية والأشاعرة والماتريدية، والحق أن الله يتكلم بكلامه الشرعي والقدري متى شاء، كما شاء، على ما يشاء، سبحانه وتعالى وتقدس، لا شبيه له في ذلك ولا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه، هذا هو قول أهل السنة والجماعة، والله ولي التوفيق.
وانظر التعليق على الباب 32 من كتاب التوحيد.
* * *
قال الحافظ 13/506: "فإذا لم يجز وصف كلامه القائم بذاته تعالى بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث . . .
قلت: والاحتمال الأخير أقرب إلى مراد البخاري؛ لما قدمت قبل أن مبنى هذه التراجم عنده على إثبات أن أفعال العباد مخلوقة، ومراده هنا الحدث بالنسبة للإنزال"اهـ.
ت: هذا تحريف لمعنى كون الذكر من الله محدثاً، والحق ما دلت عليه لغة العرب من كونه محدثاً أي متجدداً على ما يليق بالله لا يماثل كلام المخلوقين. أي أن الله يتكلم بما يشاؤه في أي وقت يشاؤه، لا أن الله كان متكلماً ثم لم يكن كذلك، فكلامه سبحانه لآدم سابق لكلامه لإبراهيم، ثم موسى ثم عيسى ثم محمد صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
* * *(1/86)
قال الحافظ 13/507: "فقال ابن التين أيضاً: هذا من الداودي عظيم؛ لأنه يلزم منه أن يكون الله تعالى متكلماً بكلام حادث فتحل فيه"اهـ.
ت: إلزام ابن التين ليس بلازم؛ لأن معنى الحدوث هو التجدد، وليس معناه أنه مخلوق أو مصنوع. لأنه سبحانه تكلم بكلامه المتجدد في وقت شاءه هو سبحانه، وإن كان قبله لم يكن متكلماً بذلك الكلام، وإنما بكلام غيره، وهذا معنى ارتباط كلامه بمشيئته سبحانه عز وجل.
وهو سبحانه لم يزل متكلماً إذا شاء على الوجه اللائق به سبحانه، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل عند أهل السنة والجماعة، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/509: "وقال الكرماني: المعية هنا معية الرحمة"اهـ.
ت: هذا تأويل باطل من الكرماني، بل المعية في الحديث معية خاصة من الله لأوليائه من عباده تقتضي – مع علمه المحيط بهم – قربه منهم ونصره وتأييده لهم ومن آثار ذلك رحمته بهم، ولا تعني بحال حلوله أو مخالطته أو اتحاده بهم كما تزعمه زنادقة الصوفية وغيرهم. وهناك المعية العامة لعموم عباده بعلمه واطلاعه عليهم، فهي معية لائقة بكمال الله وعلوه على مخلوقاته، وأنه فوق سماواته مستوٍ على عرشه جلّ وعلا، والله أعلم.
هذا قول أهل السنة والجماعة، وهو الحق، والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ 13/509: "ففيه بيان لكل ما أشكل من كل فعل ينسب إلى الله تعالى مما لا يليق به فعله من المجيء والنزول ونحو ذلك. انتهى" اهـ.
ت: وهذا من الباطل أيضاً المقتضي نفي الصفات الفعلية من المجيء والنزول أو الصفات الذاتية كالعلو عن الله تعالى بسبب ما قام في عقول أولئك من تصور التشبيه أو التمثيل في صفات الله، ومن ثم اعتقاد عدم لياقته بالله.
والواجب تنزيه الله وصفاته وأفعاله وذاته عن كل تمثيل، وإثباتها على وجه الكمال والحقيقة له عز وجل إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تحريف ولا تعطيل، والله أعلم.
* * *(1/87)
قال الحافظ 13/510: قوله : (باب قول الله تعالى : {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ} أشار بهذه الآية إلى أن القول أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره، فإن كان بالقرآن فالقرآن كلام الله وهو من صفات ذاته"اهـ.
ت: القرآن من كلام الله، وكلام الله صفة ذاتية فعلية، فهو صفة ذاتية لأن الله كان ولا يزال متكلماً، والكلام ملازم لذاته أبداً، وهو صفة فعلية لأنه سبحانه يتكلم متى شاء، كيف شاء، بما شاء، فبتعلق الكلام بالمشيئة والإرادة صار صفة فعلية.
أما عند جمهور المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم فالكلام معنى نفسي قائم بالله، وهو بذلك صفة ذاتية فقط ليس بصفة فعلية، كما أنه ليس بحرف ولا صوت عندهم، والله أعلم.
وانظر التعليق على باب 32 من كتاب التوحيد، وحديث (4731) من كتاب التفسير من الثامن، وغيرهما.
* * *(1/88)
قال الحافظ 13/522: "قوله: (ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة). لم يقع "وإذا أتاني . . . " إلخ في رواية الطيالسي، قال ابن بطال: وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب إلى عبده، ووصف العبد بالتقرب إليه، ووصفه بالإتيان والهرولة كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز، فحملها على الحقيقةيقتضي قطع المسافات وتداني الأجسام وذلك في حقه تعالى محال، فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته في كلام العرب، فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبراً وذراعاً وإتيانه ومشيه معناه التقرب إليه بطاعته وأداء مفترضاته ونوافله، ويكون تقربه سبحانه من عبده وإتيانه والمشي عبارة عن إثابته على طاعته وتقربه من رحمته، ويكون قوله: أتيته هرولة أي أتاه ثوابي مسرعاً . . فإن المراد به قرب الرتبة وتوفير الكرامة. والهرولة كناية عن سرعة الرحمة إليه ورضا الله عن العبد وتضعيف الأجر، قال: والهرولة ضرب من المشي السريع وهي دون العدو، وقال صاحب المشارق: المراد بما جاء في هذا الحديث سرعة قبول توبة الله للعبد أو تيسير طاعته وتقويته عليها وتمام هدايته وتوفيقه، والله أعلم بمراده"اهـ.
ت: الواجب إثبات ذلك كله على الحقيقة اللائقة بالله عز وجل، وقطع الاستشراف في التنطع في صورها وكيفياتها، فنؤمن بما جاء عن الله من صفات الله على مراد الله، وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤمن بقرب الله ودنوه من عبده مع علوه فوق سماواته، ونكل حقيقته إلى عالمه سبحانه؛ لأن عقولنا تقصر عن إدراك ذلك، بل تحار فيما فيما دون ذلك، والله أعلم.
والواجب في هذا وأمثاله الإيمان بذلك وإثباته بلا تمثيل ولا تشبيه، وتنزيه الله عن مشابهة خلقه في كل شيء؛ لأنه سبحانه أعلم بنفسه وأعلم بصفاته، ولا يجوز لأحد أن يعطلها بسبب فهمه السيء، والله ولي التوفيق.
* * *(1/89)
قال الحافظ 13/527: "المراد منه كما قال البيهقي فيه دليل على أن أهل الكتاب إن صدقوا فيما فسروا من كتابهم بالعربية كان ذلك مما أنزل إليهم على طريق التعبير عما أنزل، وكلام الله واحد لا يختلف باختلاف اللغات، فبأي لسان قرئ فهو كلام الله"اهـ.
ت: كلام الله متعدد ليس واحداً، فليست التوراة هي الإنجيل وليست هي القرآن، كما هو مذهب الأشاعرة؛ إذ عندهم الكلام كله معنى واحد وأن الأمر عين النهي والخبر والاستفهام.
والحق أن كلام الله متنوع؛ فكلام الله لآدم غير كلامه لموسى ولمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن التوراة غير الإنجيل وغير القرآن، ولكن الجميع كلام الله حقيقة، وإن تليت بأي لسان؛ فالمتلو كلام الله الذي تكلم به وأنزله على رسله، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/538: "قال الكرماني: . . . ويسند إلى الله تعالى من حيث إن وجوده إنما هو بتأثير قدرته، وله وجهتان: جهة تنفي القدر، وجهة تنفي الجبر، فهو مسند إلى الله حقيقة وإلى العبد عادة، وهي صفة يترتب عليها الأمر والنهي والفعل والترك، فكل ما أسند من أفعال العباد إلى الله تعالى فهو بالنظر إلى تأثير القدرة، ويقال له: الخلق: وما أسند إلى العبد يحصل بتقدير الله تعالى، ويقال له: الكسب"اهـ.
ت: الصواب أن نسبة الفعل إلى العبد نسبة لائقة به من حيث حقيقة فعله له مختاراً طائعاً، وفعله وقدرته لا تخرج عن قدرة الله وتقديره بحال. وعلى فعله يقع الثواب والعقاب.
أما عقيدة الأشاعرة في الكسب فإنه ثمرة لجبر الجهمية، ليس تحته فعل حقيقي للعبد يؤاخذ أو يثاب عليه، والله أعلم.
* * *(1/90)
قال الحافظ 13/541: "وقال تعالى : {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ} فسلب عنهم هذه الأفعال وأثبتها لنفسه ليدل بذلك على أن المؤثر فيها حتى صارت موجودة بعد العدم هو خلقه، وأن الذي يقع من الناس إنما هو مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها على ما أراد، فهي من الله تعالى خلق بمعنى الاختراع بقدرته القديمة، ومن العباد كسب على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي كسبهم. . . "اهـ.
ت: ليس هذا مناط كسبهم فحسب، بتعلق القدرة المخلوقة بمباشرتهم، وإنما باجتماع قدرتهم على الفعل مع حقيقة وقوع الفعل منهم، ليحصل لهم بذلك الثواب على فعلهم أو العقاب.
وذا أيضاً جنوح من المؤلف إلى كسب الأشعرية، وهذا ليس بسديد، والله سبحانه هو خالقهم وخالق أفعالهم، وهو الذي يسّر لهم صلاح الزرع وسلامته. والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/544: "وقال الكرماني: أسند الخلق إليهم صريحاً، وهو خلاف الترجمة، لكن المراد كسبهم. . . ثم قال الكرماني: هذه الأحاديث تدل على أن العمل منسوب إلى العبد؛ لأن معنى الكسب اعتبار الجهتين فيستفاد المطلوب منها . . . "اهـ.
ت: مضى قريباً بيان أن مثل هذا جنوح إلى مذهب الأشاعرة في القول بالكسب، والحق أن كسب الأشاعرة لا حقيقة له في الواقع، والحق أن العبد له فعل حقيقة، حاصل بقدرته وفعله، وواقع عليه ثوابه أو عقابه، وهو على كل حال لا يخرج بفعله عن تقدير الله وخلقه وإرادته، كما أنه لا يخرج عن علمه به وكتابته، والله أعلم.
وانظر التعليق على باب 56 من كتاب التوحيد في هذا المجلد.
* * *
قال الحافظ 13/548: "وتعقب أنه مجاز عن حقارة قدره، ولا يلزم منه عدم الوزن، وحكى القرطبي في صفة وزن عمل الكافر وجهين؛ أحدهما: أن كفره يوضع في الكفة ولا يجد له حسنة يضعها في الأخرى فتطيش التي لا شيء فيها، قال: وهذا ظاهر الآية؛ لأنه وصف الميزان بالخفة لا الموزون . . . والصحيح أن الأعمال هي التي توزن" اهـ.(1/91)
ت: نعم، الغالب في النصوص الشرعية وزن الأعمال، ولكن وردت نصوص تدل على وزن العاملين؛ كحديث ابن مسعود رضي الله عنه: "أتعجبون من دقة ساقي عبد الله، لهي أثقل في الميزان من جبل أحد" رواه أحمد وغيره بسند جيد، وحديث أبي هريرة: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، واقرأوا إن شئتم {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} متفق عليه، والله تعالى أعلم.
* * *(1/92)