التعليقات
على الأصول الثلاثة
للشيخ العلامة
أحمد بن يحيى النجمي
حفظه الله وسدد خطاه
وجعل الجنة مأواه
بسم الله الرحمن الرحيم
المتن : اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل :
الأولى : العلم ، وهو معرفة الله ، ومعرفة نبيه ، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة [1] .
[1] قَولُه : ( اعلم رحمك الله ) أولاً كلمة ( اعلم ) هو استثارة لانتباه الشخص .
قوله : ( رحمك الله ) هذه دعوة من المؤلف رحمه الله تعالى .
قوله : ( أنه يجب علينا ) أي نحن المكلفين .
قوله : ( تعلم أربع مسائل ) هذه المسائل هي الملخصة من سورة العصر وهي :
أولاً : العلم :
والعلم هو معرفة الله ومعرفة نبيه ، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول مقسماً على ذلك : { بسم الله الرحمن الرحيم * وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْر } (سورة : العصر2،1) . أقسم الله على أن
كل إنسان خاسر ولا يستثنى من ذلك إلا من استثناهم الله عز وجل بقوله : { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا } .
الإيمان : هو التصديق ، والتصديق لابد من أن يكون بشيء سبق العلم به أي أن الإيمان : يقتضي شيئاً يصدق به وهو التصديق بشيء معلوم وهو ما
......................................................................
علمته ، فالعلم لابد أن يكون قبل القول والعمل ، إذن آمنوا بأي شيء : آمنوا بالله .
أولاً : الإيمان بوجوده وربوبيته .
ثانياً : الإيمان بألوهيته .
ثالثاً : الإيمان بأسمائه وصفاته وكونه هو المنفرد بسياسة هذا الكون .
فالعلم فسره المؤلف بقوله : الأولى : العلم :
العلم يقال له : { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا } يعني علموا وصدقوا . استنبط الشيخ من { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا } العلم يعني أنهم عملوا وصدقوا بذلك العلم فالإيمان مستلزم للعلم لأن الإيمان الذي هو التصديق لا يكون إلا بمعلوم .(1/1)
قوله : (وهو معرفة الله) ، كيف تعرف الله ؟ الجواب : معرفة الله عز وجل من الناحية الإجمالية تثبت بالفطرة فكل مخلوق يعلم أن الله خلقه ، ومن أنكر ذلك كالملحدين فإنه ينكر في الظاهر ، وهو في باطنه مستيقن بأن الله هو الذي خلقه ، أما معرفة الله بالتفصيل فهذا لا يمكن إلا من طرق الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني آدم ، قال تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } (لأعراف:35) .
.....................................................................
إذاً معرفة الله بالتفصيل لا يمكن لأحد إلا من طريق الرسل صلوات الله عليهم ، وفي شريعتنا من كتاب وسنة قد جاء ما يكفي ويشفي ، بين الله عز وجل في كتابه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وعلىآله وصحبه .
وسلم وهو القرآن ، بين فيه كل شيء ومن ضمن ذلك ، وأعظم شيء فيه وأهم المهمات معرفة الله ، عرفنا الله بنفسه من خلال آياته الكونية وآياته القرآنية قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } (فاطر:41) وقال تعالى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون } (الزمر:67) . إلى غير ذلك من الآيات التي عرفنا الله فيها بنفسه قال تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } (فصلت:53) .(1/2)
وإذاً فقد عرفنا الله بنفسه بأن له ذاتاً وأن له صفاتاً وأنه هو الإله الحق الذي ينبغي أن يفرد في العبادة دون ما سواه ، ومن خلال ذلك عرفنا وجود الله بأنه مستو على عرشه بائن من خلقه وعلمه بكل مكان ، وعرفنا وحدانيته وانفراده بالخلق والرزق قال تعالى : { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } (الملك:21) وعرفنا بما عرَّفنا به عن
الثانية : العمل به [1].
نفسه أن له أسماء حسنى وأن له صفات عليا ، علو ذات ، وعلو قدر وعلو قهر ، فهذه هي معرفة الله نتيجتها إفراده بالعبادة من دعوة وخوف ورجاء
وغير ذلك قال تعالى : { وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } (القصص:88) .
ثانياً : ( معرفة نبيه ) :
أي : معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه رسول الله أرسله إلى الناس جميعاً ليخرجهم من الظلمات إلى النور .
هذه هي مقتضيات الإيمان التي يؤمن بها المسلم .
ثالثاً : ( معرفة دين الإسلام بالأدلة ) : أي : بأن تعرف بأن هذا حكمه واجب ودليله كذا ، وهذا حكمه محرم ودليله كذا ، وهذا حكمه مستحب ودليله كذا ، وهذا حكمه مكروه ودليله كذا ، وهذا حكمه مباح ودليله كذا ، ولهذا قالوا في أصول الفقه حينما عرفوا الفقه : هو معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ، ثم قال :
[1] الثانية : العمل به : أي العمل بهذا الإيمان ، وبهذه المعرفة عرفت أن هذا حكمه الفرضية ففعلته هذا حكمه التحريم فتركته واجتنبته إلى آخر ما يقال .
الثالثة : الدعوة إليه [2] .(1/3)
الرابعة : الصبر على الأذى فيه ، والدليل قوله تعالى : { بسم الله الرحمن الرحيم *وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر } (العصر: 1،2،3) .
قال الشافعي رحمه الله : لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم .
وقال البخاري رحمه الله تعالى : باب : العلم قبل القول والعمل والدليل قوله تعالى :
{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } (محمد:19) . فبدأ بالعلم قبل القول والعمل . [1] .
[2] الثالثة : الدعوة إليه : أي إذا توفر فيك الإيمان والعمل انتقلت إلى الدعوة فأنت تدعو الناس إلى ما آمنت به وعلمته لكي يحُرزوا النجاة ، ولما
كانت الدعوة تحتاج : أولاً : إلى حكمة ، وثانياً : إلى صبر قال : ( الصبر على الأذى فيه ) .
[1] الرابعة : ( الصبر على الأذى فيه ) . الأذى في الله لابد أن يحصل ، ولكن قد يكون الأذى خفيف وقد يكون الأذى شديد ، لكن يجب عليك أن تواجه ذلك بالصبر ولا تتضجر ، ولهذا أخبر الله عز وجل عن قومٍ تضجروا من الأذى وانتكسوا : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِين } (العنكبوت:10) . هذا الدرس هو مقتضى سورة العصر { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر }(1/4)
(العصر: 1،2،3) ، فلا تكون النجاة من الخسارة مضمونة والفلاح مضمون إلا لمن اتصف بهذه الصفات الأربع ، ولهذا قال الشافعي رحمه الله ( لو ما أنزل الله حجةٌ على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم ) . وقال البخاري رحمه الله :
( باب العلم قبل القول والعمل ) ، والدليل قوله تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } (محمد: من الآية19) ، وبالله التوفيق .
قال : ( اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه الثلاث المسائل والعمل بهن :
الأولى : أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا ، بل أرسل إلينا رسولاً ، فمن أطاعه دخل الجنة ، ومن عصاه دخل النار ، والدليل قوله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } (المزمل:15،16) . [1] .
[1] وأقول : إن هذه الثلاث المسائل نعرف بها حقيقة التوحيد .(1/5)
فالمسألة الأولى : أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا أي : لا نؤمر ولا ننهى ، بل أرسل إلينا رسولاً دعانا إلى التوحيد وحذرنا من العصيان والمخالفة ، وحذرنا قبل ذلك أن نشرك مع الله أحداً ، فقد مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنوات لا يأمر أحداً بشيء غير التوحيد . فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : قال عمرو بن عبسة السلمي - رضي الله عنه - كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء ، وهم يعبدون الأوثان ، فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً فقعدت على راحلتي ، فقدمت عليه ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخفياً جرءاء عليه قومه ، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له : ما أنت ؟ قال : { أنا نبي } ، فقلت وما نبي ؟ قال : { أرسلني الله } ، فقلت : وبأي شيء أرسلك ؟ قال : { أرسلني بصلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء }(1) . وعلى هذا فيجب أن
......................................................................
نعلم أن الله لم يخلقنا ويرزقنا لغير حكمة ولغير غاية منشودة ومطلوبة ، إذ أن العاقل من المخلوقين يتنزه أن يعمل عملاً لغير حكمة منشودة في ذلك العمل فكيف بجبار السموات والأرض ؟ !! .
__________
(1) الحديث أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب إسلام عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - .(1/6)
إن الله خلق هذا الكون سمائه وأرضه وجباله وبحاره وما فيه من شمس وقمر وليلٍ ونهار وخلق العوالم الثلاثة كل ذلك خلقه لحكمة أرادها ، فجعل الملائكة عالم كله خير يأمرهم بما أراد من سياسة هذا الكون ، وقد جعل لكل شيء في هذا الكون ملائكة ، ملائكة للبحار ، وملائكة للريح وخزنها وإرسالها ، وملائكة للسحاب ، وملائكة للجنة وملائكة للنار ، وملائكة للأرحام ، وملائكة الموت ، إلى غير ذلك وجعل الجن والإنس مؤهلين للخير والشر ، والطاعة والمعصية ، ابتلاهم بذلك حكمة منه سبحانه وتعالى خلقهم للعبادة ، وسلط عليهم الشياطين ، وزين لهم الدنيا ، فمنهم من أطاعه ومنهم من عصاه ، والطاعة لا تكون طاعة إلا إذا كانت خالصة لله وتابعة لما بينه الله في كتابه وعلمَّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته فالأمم التي مضت كل أمة لها رسول أرسل إليها ، وختَم الرسل بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أرسله الله إلى هذه الأمة يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، ويحذرهم من عبادة غيره فمن أطاع هذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاز بخيري الدنيا والآخرة ، ومن عصاه لقي العذاب الأليم ، ولنتأمل ما هو السبب في إهلاك الأمم التي هلكت ؟ أليس عصيانهم الثانية : أن الله لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل والدليل قوله تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً } (الجن:18) . [1] .
لرسلهم ، نقول بلى هو عصيانهم لرسلهم ، فما أهلك الله قوم نوح إلا بسبب عصيانهم لرسولهم نوحاً - عليه السلام - ، وما أهلك الله قوم عاد إلا بذلك ، وكذلك قوم ثمود أي قوم صالح ومن بعدهم من الأمم فرعون وقومه ومدين الذين أُرسل إليهم شعيبٌ وقَومَ لوطٍ ، وكم من أممٍ هلكت ولم نعلم عنها ، وما أخبرنا الله إلا عن عدد قليل من الرسل .(1/7)
إذا علمنا أن سبب هلاك الأمم هو عصيانهم لرسلهم فإن الواجب علينا أن نطيع رسولنا فيما أمرنا به من عبادة الله وحده ، ولنعلم علم اليقين أن الله ما خلقنا ورزقنا إلا لنعبده وحده لا شريك له ، فمن عبد غيره فقد أتى بالذنب الذي لا يغفر واستوجب الخلود في النار وتحريم الجنة عليه ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } (النساء:48) .
وقال على لسان عيسى - عليه السلام - : { يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } (المائدة: من الآية72) .
[1] الثانية : يجب أن نعلم أن الله لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ، فلا يجوز لأحد من الناس أن يدعو أحداً من
.....................................................................
دون الله مهما ارتفع مقامه عند ربه وعلت مرتبته عنده ، وإن أعظم المخلوقين مرتبة عند الله هما :
1. جبريل من الملائكة عليه الصلاة والسلام
2. ومحمد من بني آدم عليه الصلاة والسلام
فمن دعا واحداً منهما أو دعا غيره فإنه يعتبر قد أشرك بالله شركاً أكبر موجباً للخلود في النار ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله :(1/8)
( الثانية : أن الله لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ) وقد مثلنا الملك للملك المقرب بجبريل عليه السلام ، والنبي المرسل بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وأن الله عز وجل لا يرضى أن يدعى أحد من هؤلاء ولا غيرهم والادلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تحصى ومن ذلك قوله تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً } (الجن:18) يصح أن نقول : أن المساجد هي أعضاء السجود السبعة وأولها الجبهة ، وكذلك اليدين والركبتين وأطراف القدمين .
ويصح أن نقول : أن المساجد هي المساجد المبنية التي بنيت لعبادة الله ، هذه المساجد مبنية على الأرض من الذي خلق الأرض التي تسجد عليها ؟ لا شك أنه الله عز وجل فلا يجوز لك أن تسجد عليها لغيره ، لأنك إذا فعلت استعملت ملكه في عبادة غيره ، ويصح أن تفسر بالأعضاء التي خلقها
الثالثة : أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة : { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (المجادلة:22) [1] .
الله فيك ، فتبين أن المساجد يصح أن تفسر بالأعضاء والله هو الذي خلقها فيك فلا يجوز لك أن تسجد بها لغيره لأنك إذا فعلت ذلك تكون قد
استعملت خلقه في عبادة غيره ، ويصح أن تفسر بالمساجد المعروفة فلا يجوز لك أن تسجد فيها لغير الله .(1/9)
[1] الثالثة : أن من أطاع الرسول ووحد الله ، فلا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله والدليل قوله تعالى : { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ... } (المجادلة: من الآية22) .
فمن أشرك بالله فقد حاد الله ورسوله ، ومن أقر الشرك وأجازه فقد حاد الله ورسوله . ولنتذكر هنا أن بعض مؤسسي المناهج الدعوية ، عمل الشرك بنفسه وأقره وأجازه من غيره ، ولنضرب مثلا :
(حسن البنا) كان يقول في حفل المولد في الليالي الأولى من ربيع الأول :
هذا الحبيب مع الأحباب قد حضرا ... وسامح الكل فيما قد مضى وجرى
.....................................................................
نقل هذا أخوه عبد الرحمن البنا في كتاب " أحداث صنعت التاريخ " .
إذاً فلا يجوز لنا أن نتخذه إماماً لأنه زعم أن رسول الله يحضر حفلهم ويغفر ذنوبهم وهكذا غيره من أهل منهجه الذين وقع منهم الشرك أوأقروا غيرهم عليه ، مع أنه قد حاضر في وكر من أكبر أوكار الشرك وهو مشهد
( السيدة زينب ) ، ولم ينطق بكلمة ولا حرف في النهي عن الشرك بالله وعمر التلمساني يقول : ( ليس في دعوة الصالحين شرك ولا وثنية ، بل هي تذوق إلى غير ذلك مما أثر عن هؤلاء القوم ) .(1/10)
وكذلك مؤسس منهج التبليغ : كان يدين بأربع طرق من الطرق الصوفية وكان يرابط عند بعض القبور راجيا للفيوضات التي تنزل عليه من أهلها . أما السروريه والقطبية فهم يحبون المشركين ويبغضون الموحدين علما بأن سيد قطب قد حصل منه فواقر ، فقد كفر أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو يعلم علم اليقين عن الدولة السعودية أنها دولة موحدة وأهلها كلهم سنيون ، فنجده يقول في مقدمة سورة الحجر من " الظلال " : ( إنه لا يوجد اليوم على وجه الأرض مجتمع مسلم ولا دولة مسلمة قاعدة التعامل فيها على مقتضى شريعة الله ) . ( ا . هـ ) ، فهل يجوز لنا أن نتولى هؤلاء القوم أو أن نسير في ركابهم ونأخذ بما هم عليه من الحزبيات حاشا لله والله سبحانه وتعالى يقول: { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ
.....................................................................(1/11)
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (المجادلة:22) فهذه دعوة الأنبياء التي أرسل الله بها محمداً - صلى الله عليه وسلم - ، وأرسلت بها جميع الرسل كما يقول الله عز وجل : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (الانبياء:25) ، وقال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (النحل: من الآية36) وقد فسر الطاغوت بأنه ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ، وإذا فكرت في حال أولئك المتبوعين ، وجدتَ أنهم أطيعوا في معصية الله وأباحوا الشرك والبدع فتوبعوا عليها(1)
__________
(1) علماً بأن المحادة التي عندهم ليست محادة كلية بل هي محادة جزئية غالباً ، وقد توجد المحادة الكلية عند من أشرك بالله شركاً أكبر أورضي بالشرك الأكبر وأقر عليه ، وعلى هذا فالمحادة الكلية توجب الكفر المخرج من الملة لقول الله عز وجل : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (الزمر:65) ولما ذكر الله الأنبياء في سورة الأنعام قال : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (الأنعام: من الآية88) ، أما من كان منهم محادته بالبدع وترك السنة فإن محادته جزئية موجبة للفسق فقط وهو باق على السلامة وبالله التوفيق .(1/12)
.
( اعلم أرشدك الله لطاعته ، أن الحنيفية ملة إبراهيم ، أن نعبد الله وحده مخلصين له الدين ) [1] .
[1] قوله : ( اعلم أرشدك الله لطاعته ) كلمة ( اعلم ) للتنبيه ، ثم دعا لك بالرشد أن يرشدك الله لطاعته ويوفقك لها .
قوله : ( أن الحنيفية ملة إبراهيم ) الحنيفية هي : دين الحق ، وهو التوحيد قال تعالى : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (آل عمران:67) . ومعنى حنيفا : أي : مائلا عن الشرك إلى التوحيد وعن المعصية إلى الطاعة وعن الفجور إلى البر وعن البدعة إلى السنة ويقول جل من قائل : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين } صلوات الله وسلامه على نبييه وخليله إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما ، لقد سلكا سبيل الحق
والرشد وهو إفراد الله بالعبادة ودعوا إلى ذلك أمتيهما وقد أمرنا باتباعهما
في ذلك لأن ذلك هو الأمر الذي خلقت الجن والإنس من أجله وقد أخبرنا
الله عز وجل أنه ما خلق الجن والإنس إلا للعبادة لم يخلقهما للهو ولا للعب
ولكن كثير من الجن والإنس عملوا بغير ما أمروا به فسلكوا غير طريق الحق الذي رسم لهم ، واستحقوا بذلك غضب الله ومقته وعقوبته .
أما من اتبع ملة إبراهيم ومحمدا صلى الله عليهما وسلم فوحد الله بعبادته ؛ فإنه ولو أذنب ولو قارف المعاصي الكبائر فإنه يرجو من الله الخلاص إلى
وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ، كما قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذريات:56) . ومعنى يعبدون : أي : يوحدون ، وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة ، وأعظم ما نهى عنه الشرك وهو دعوة غيره معه [1] .(1/13)
الجنة وقد دلت النصوص على أن أقواما من الموحدين يخرجون من النار وقد صاروا حمما فيوضعون على نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل .(1) أخرجه البخاري ومسلم وأنظر السلسلة الصحيحة (2250) .
[1] فالشرك الأكبر محبط للعمل موجب للخلود في النار ، قال تعالى على لسان عيسى ابن مريم : { يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } (المائدة: من الآية72) ، وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء } (النساء: من الآية48) ، وقال جلا من قائل : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } (الأنعام:82) ، وقد اهتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذه الآية فقالوا يا رسول الله ! أينا لم يظلم نفسه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { إنه ليس الذي تذهبون إليه وإنما المراد بالظلم الشرك ، ألم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه : { يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ
.....................................................................
__________
(1) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب فضل السجود من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفي كتاب الرقاق باب صفة الجنة والنار وفي كتاب الإيمان باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال . ومسلم أخرجه في كتاب الإيمان أيضاً من صحيحه باب معرفة طريق الرؤية والحديث عن الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - .(1/14)
لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } (1) (لقمان: من الآية13) – وفي رواية – : { ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه : { يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } .. }(2) . ومعنى يعبدون يوحدون لأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل العبادة إلا بالتوحيد كما أن الصلاة لا تكون صلاة إلا بطهارة فكذلك العبادة لا تكون عبادة إلا بالتوحيد ، وقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه أنه قال : { أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه } ، فالشرك نجاسة للقلوب ينجسها ويحبط العبادة جميعا سواء جاءت من القلب أو من اللسان أو من الجوارح ولهذا قال الله عز وجل لنبيه : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } (المدثر:4-5) .
ومن هنا نعلم أن المشرك مهما تقرب إلى الله من عبادة فهي باطلة وحابطة لا يقبل الله منها شيئاً ما دامت ممزوجة بالشرك ، وبالله التوفيق .
والدليل قوله تعالى : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً } (النساء: من الآية36) [1] .
فإذا قيل لك : ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها ؟ فقل : معرفة العبد ربه ، ودينه ، ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ). [2] .
[1] قال الله تبارك وتعالى : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً }
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب استتابة المرتدين باب إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - وأورده في كتاب تفسير القرآن باب : { لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } .
(2) وهذه الرواية أخرجها الإمام مسلم في كتاب صدق الإيمان وإخلاصه ، وأخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين باب ما جاء في المتأولين .(1/15)
(النساء: من الآية36) ، فهذه الآية اشتملت على أعظم أمر وعلى أعظم نهي ، فأعظم الأمر هو التوحيد وأعظم النهي هو الشرك الأكبر المخرج من الملة .
[2] أقول : لقد أجمل المؤلف الأصول الثلاثة في هذه الكلمات : معرفة العبد ربه بأن يعرفه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وكمالاته التي لا يعتريها نقص ودوامه الذي لم يطرأ عليه حدوث،وبقائه الذي لا يطرأ عليه فناء قال الله تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ } (الرحمن: 26،27) . وسيلم المؤلف بتفاصيل هذه الثلاثة الأصول : معرفة العبد ربه ، ومعرفته دينه ، ومعرفته نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - .وهذه الثلاثة الأصول هي التي يبنى عليها الدين كله ، فلا يدخل العبد إلى الإسلام إلا بالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ولا يقبل له أذان إلا بهاتين الشهادتين ولا تصح له صلاة إلا بهاتين الشهادتين ولا يسأل في قبره إلا عن ربه ودينه ونبيه ، ولا يسأل يوم القيامة عند البعث والنشور لا يسأل إلا عن هذه الأصول ، ولا يقبل عمله إلا بها ولا يثقل ميزانه إلا بها ولا يمر على الصراط وينجو من النار ولا يدخل الجنة إلا بها ، ولهذا فإنه ينبغي الاعتناء بهذه الأصول الثلاثة والتعلم بها وإتقان معرفتها ليكون العبد من الناجين يوم القيامة وبالله التوفيق .
( فإذا قيل لك من ربك ؟ فقل : ربي لله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه وهو معبودي ليس لي معبود سواه والدليل قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الفاتحة:2) وكل ما سوى الله عالم وأنا واحد من ذلك العالم ) . [1] .(1/16)
[1] قوله : ( إذا قيل لك من ربك ؟ فقل : ربي الله ) هذا تعليم من الشيخ رحمه الله تعالى لأنه ربما سئل وربما حاك هذا السؤال في القلب لأن هذا ليس بالأمر اليسير بل هو الأصل الذي عليه مدار الحياة الأولى والأخرى فلا بد أن تعرف من هو ربك ، وإذا كنت لا تعرف فهذا شيخ الإسلام يلقنك بأنك إذا سئلت من ربك؟ أي : سئلت هذا السؤال تجيبه بقولك : ( ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه ) .
العالمين : جمع ، وكل جنس من المخلوقات عالم ، فعالم الإنسان ، وعالم الجن ، وعالم الإبل ، وعالم الجنس من الطيور ، كل جنس منها عالم وحتى عالم الذر والنمل والذباب ، كل هذه عوالم ، وأنت واحد يا عبد الله من أحد تلك العوالم وكل هذه العوالم الموجودة على وجه الأرض كلها تسترزق الله عز وجل فهو الذي خلقها وهو الذي يرزقها بأن يوصل إليها أرزاقها قال تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وكل ما سوى الله من المخلوقات عوالم كما بينا سابقا ، وكل جنس من المخلوقات عالم .
( فإذا قيل لك : بما عرفت ربك ؟ فقل : بآياته ومخلوقاته [1] .
ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر) [2] .
[1] وأقول : الآيات تنقسم إلى قسمين:
آيات كونية وهي ما ذكره المؤلف رحمه الله .
[2] وآيات قرآنية وهي آيات القرآن . فأما الآيات الكونية : فهي الليل والنهار ، قال الله عز وجل : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } (الاسراء:12) ، وكذلك الشمس والقمر هما آيتان أيضا من آيات الله عز وجل الكونية .(1/17)
وقد عرف المعافى النهرواني في كتابه : ( الجليس ) الآية بقوله : هي العلامة الفاصلة وهي الأعجوبة الحاصلة ، وهي البلية النازلة ، هذا من حيث تعريف الآية ، فمثال العلامة الفاصلة : { آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } (مريم: من الآية10) ، وأما كونها الأعجوبة الحاصلة ، فهي الأمر العجيب الذي فيه العبرة كقوله تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً } (الشعراء:8) .
قوله : وهي البلية النازلة : أي العقوبة المفاجئة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : { وأعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك }(1) لأنها تدل على قوة المنتقم ، ومن ذلك قوله : { وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَة }
(القمر: من الآية15) .
ومن مخلوقاته السموات السبع ، والأرضون السبع وما فيهن ، وما بينهما ، والدليل قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } (فصلت:37) وقوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَار يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (الأعراف: من الآية54) [1] . والرب هو المعبود [2] .
والآية من القرآن جمعت المعاني الثلاثة لدلالتها وفصلها وإبانتها.
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب الذكر والدعاء باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء .(1/18)
[1] ومن مخلوقاته ما جاء في قوله تعالى { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَار } (لأعراف: من الآية54) ، إلى الآية قوله : { تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } .
[2] :(والرب هو المعبود ) أي : هو المستحق للعبادة لأنه هو الذي خلق ورزق وأعطى كل مخلوق ما يصلح له وكان ينبغي أن يقول الشيخ رحمه الله ( والرب هو المعبود بحق ) لأن المعبودات بغير حق كثيرة ، ولست مستدركا
على الشيخ رحمه الله ، ولكن يتبين من هذا أن أعمال العباد مهما جلت وكثرت ، فإن النقص يلازمها ؛ لأن كلمة الرب هو المعبود يمكن أن يقع
على المعبود بحق ، والمعبود بغير حق ، وإذا احترز القائل وقال : الرب هو المعبود بحق فإنه يسد الباب على الخرافيين .
والدليل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون }
(البقرة : 21،22) . قال ابن كثير : الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة .[1](1/19)
[1] قال الله عز وجل { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:21) ، أي : خلقكم وخلق الذين من قبلكم { لعلكم تتقون } و { لعل } من الله واجبة الوقوع كما يقال فمن عبد الله عز وجل عبادة مبنية على الإيمان به أحدث له ذلك في نفسه التقوى والخوف من الله عز وجل قوله : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون } (البقرة:22) أي : أنه هو الذي استقل بخلق ما ترون خلق الأرض التي تحتكم ، وجعلها الله فراشا لكم والسماء التي فوقكم بناها وسواها بغير عمد وأنزل من السماء ماء فأخرج به أزواجا من نبات شتى
أشجار لا ثمر فيها هي رزق للبهائم ، وأشجار فيها ثمر هي رزق للبهائم وبنى آدم ، كلها تنبت في أرض واحدة ، وتسقى من ماء واحد ، وتختلف ثمراتها ، وذلك يدل على قدرة الصانع جل وعلا .
وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل الإسلام والإيمان والإحسان ومنه الدعاء . [1] . والخوف .[2]
[1] أما الدعاء ؛ فهو جائز للمخلوق الحي فيما يقدر عليه ، وغير جائز فيما لا يقدر عليه إلا الله ، فلو قلنا : يا فلان ! أنزل لنا مطرا ، لكان هذا الدعاء محرم وكفر مخرج من الملة .
أما لو قلت : يا فلان ! أعطني المسحات أو القدر أو الفأس لأنتفع بهذه الحاجة وأردها ، فإن هذا جائز لا شيء فيه .
وإذاً فقد عرفنا من خلال هذا أن الدعاء ينقسم إلى قسمين :
1. دعاء للمخلوق فيما يقدر عليه ، فهذا جائز .
2. دعاء للمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا ممنوع .
[2] كما أن الخوف ينقسم إلى قسمين :
1.خوف طبيعي ، كخوف الإنسان من الحية ، وخوفه من العدو ، فهذا لا شيء عليه فيه ولا يكون من العبادة .(1/20)
2. والخوف من المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله ، كمخافة بعض الناس ممن يزعمون أن لهم الولاية ، ويزعمون أنهم يطلعون على الغيب ، وأنهم يقدرون على أن ينزل بك كارثة ، فهذا الخوف شرك مخرج من الملة .
والرجاء [1] . والتوكل والرغبة والرهبة ، والخشوع ، والخشية ، والإنابة والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة ،والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها ، كلها لله تعالى [2] . والدليل قوله تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }
( الجن : 18 ) فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر ، والدليل قوله تعالى : { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }
( المؤمنون : 117 ) وفي الحديث : { الدعاء مخ العبادة }(1) والدليل قوله تعالى : { وقال ربكم ادعوني استجب لكم إنَّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين }
[1] وهكذا الرجاء كأن ترجو من المخلوق أن يقرضك مالا أو ينفعك فيما يستطيع عليه ، فهذا جائز .
__________
(1) الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب ما جاء في فضل الدعاء قال أبو عيسى الترمذي هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة ، من حديث أنس - رضي الله عنه - وقد ضعف الحديث الإمام الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته صفحة 441 طبعة المكتب الإسلامي برقم الحديث (3003) .(1/21)
أما أن ترجوه في أمر من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله كشفاء المرض وصرف العاهة ، وإنزال الغيث ، والنصر على الأعداء فهذا الرجاء للمخلوق ، محرم(1) بل شرك أكبر ؛ لأن هذا من صفات الألوهية التي لا يتصف بها أحد غير الله عز وجل ، وهكذا يقال في جميع هذه الأشياء من التوكل ، والرغبة ، والرهبة ، وغيرها ، ويستثنى من ذلك الخشوع ، والذبح والنذر فإنه لا يجوز للمخلوق بحال . والمقصود ( بالذبح : العبادة ) .
ودليل الخوف قوله تعالى : { فلاتخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } ( آل عمران : 175 ) ودليل الرجاء قوله تعالى : { فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولايشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) ودليل التوكل قوله تعالى :
{ وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } ( المائدة : 23 ) وقوله : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } ( الطلاق : 3 ) ودليل الرغبة ، والرهبة ، والخشوع =
أما الذبح للمأكل ، وإكرام الضيف ، وللتكسب كالجزار ، فهذا جائز والحمد لله .
والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا بأن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه جائز كما في قوله تعالى : { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ } (القصص: من الآية15) ، أما الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله فهي حرام بل وشرك أكبر قال تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ } (لأنفال:9) وما أشبه ذلك .
والذبح : إراقة الدم لغير الله عز وجل الذي خلقه في الدابة كأن تريق الدم لهذا المخلوق تريد منه مالا يقدر عليه إلا الله كإعطاء الولد ، وإنزال المطر وغير ذلك .
__________
(1) محرم بدل وفيه محرم .(1/22)
أما النذر : فلا يجوز لأحد أن ينذر لغير الله تعالى ، وقد استدل على ذلك كله في قوله : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً } ، فمن
قوله تعالى : { إنَّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين } ( الأنبياء : 90 ) ودليل الخشية قوله تعالى : { فلاتخشوهم واخشون } ودليل الإنابة قوله تعالى : { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له } ( الزمر : 54 ) ودليل الاستعانة قوله تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } ( الفاتحة : 5 ) وفي الحديث : { إذا استعنت فاستعن بالله }(1) ودليل الاستعاذة قوله تعالى : { قل أعوذ برب الفلق } ( الفلق : 1 )
و { قل أعوذ برب الناس } ( الناس : 1 ) ودليل الاستغاثة قوله تعالى : { فيما لا يقدر عليه إلا الله فهي حرام وشرك أكبر قال تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ } ( لأنفال : 9 ) ودليل الذبح قوله تعالى : { قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له } ( الأنعام : 162 ، 163 ) ومن السنة : { لعن الله من ذبح لغير الله }(2) ودليل النذر قوله تعالى : { يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا }
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام الترمذي في كتاب صفة القيامة باب ما جاء في صفة أواني الحوض وقال عنه الترمذي هذا حديثٌ حسن صحيح ، وأخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما برقم الحديث 2664 و2758 و2800 وقد صحح الحديث الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ج2 / 1317 طبعة المكتب الإسلامي برقم الحديث 7957 .
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الأضاحي باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله .(1/23)
صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر ، والمراد به الأشياء الممنوعة على حسب التقسيم الذي سبرناه سابقا ، قال تعالى { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }
(المؤمنون:117) .
ثم أتى بالأدلة على ذلك ..... وبالله التوفيق .
ودليل الخوف قوله تعالى : { فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين }
(آل عمران: من الآية175) [1] .
[1] سبق أن قلنا إن الخوف منه طبيعي ومنه خوف عبادة ، فالطبيعي كأن يخاف الإنسان الحية ، أو يخاف الأسد ، أو يخاف العدو ، أو ما أشبه ذلك فهذا خوف طبيعي ليس له دخل في العبادة إلا أنه إذا أسرف فيه ربما أنه يحصل منه ضررٌ عليه أما كونه يكون شركاً فلا .
والخوف الذي هو من العبادة أن تخاف من مخلوق بأن يفعل فيك شيئا لا يقدر عليه إلا الله كالتأثير في الرزق وما أشبه ذلك والله تعالى يقول :
{ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين } (آل عمران: من الآية175) ، أي : لا تخافوا العدو فأنا أنصركم عليهم ، وذلك أن بعض الناس يعتقد في الشخص الفلاني أن له سلطانا غيبيا يدرك به الذين يتكلمون فيه ويعمل بهم ما يعمله من الإيذاء وقد علمنا أن الخوف ينقسم إلى قسمين :
1. خوف عبادة 2. خوف طبيعي من العدو الظاهر وأن المحرم هو خوف العبادة
أما قوله : ودليل الرجاء قوله تعالى : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } (الكهف: من الآية110) الرجاء ينقسم إلى قسمين :
1. مباح : وهو أن ترجو من المخلوق أن يعطيك قرضا مثلا لتتغلب به على أزمة مالية عندك هذا لا شيء فيه .
.....................................................................(1/24)
2. لكن الرجاء الممنوع هو أن ترجوه فيما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء المرض وإنزال المطر ، ورفع العاهة ، وإعطاء الولد ، وما أشبه ذلك أما معنى الآية { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ } أي أن يؤمن بلقائه بعد الموت
{ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً } ومعنى كونه { صَالِحاً } أن يكون خالصا لله وصوابا على ما شرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وهكذا يقال في التوكل ؛ فإذا قلت للإنسان : أنا متوكل على الله ثم عليك في هذا الأمر ، وكان ذلك الأمر مما يقدر عليه البشر ، فإن ذلك جائز .
أما التوكل : وهو الاعتماد القلبي على المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا لا يجوز إلا لله ، فإن حصل من العبد في أمور يقدر عليها العباد فليقل : إني متوكل على الله ثم عليك في قضاء هذه الحاجة ، بأن تجعله مرتبا بعد الله بثم وبدون ذلك لا يجوز ، لأنه تشريك في التوكل ، فالتوكل على المخلوق لابد أن يكون مقيداً بما يستطيعه العبد وفي حاجة بعينها أما إطلاق التوكل فلا يجوز ولا ينبغي أن يحصل إلا لله عز وجل .
ودليل الرغبة والرهبة والخشوع ، قوله تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } (الأنبياء: من الآية90) فهذه الأمور منها ما هو جائز كأن تقول : أنا راغب إليك أن تزوجني ابنتك ، أو راغب إليك أن تعطيني كذا مما يقدر عليه فهذا جائز ، لكن الرغبة إلى
.....................................................................
المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق وكذلك الرهبة منه فيما لا يقدر على فعله إلا الخالق فهذا هو المحرم .
وكذلك الخشوع : وهو الخضوع للمخلوق ، خضوع يشعر بأنك تخاف منه أن يفعل بك ما لا يقدر عليه إلا الله ، ويتنافى مع حرية المسلم واستعلائه على الأسباب المادية ، فهذا لا يجوز إلا لله سبحانه وتعالى وحتى في الصورة .(1/25)
فلو قبلت ركبة شخص أو يده إذا كان ذلك مما يشعر بتباين الطبقات فإن هذا لا يجوز ، أما إذا كان من ابن إلى أبيه أو عمه أو خاله أوجده فهذا ليس فيه شيء ، لأنه لا يشعر برفعة طبقة على طبقة .
وكذلك يقال في الاستعانة فهي تجوز فيما يقدر عليه الإنسان ، وتمنع الاستعانة فيما يكون من خصائص الله مع أن الاستعانة بغير الله أي : بالمخلوق فيما يقدر عليه هذه ينبغي أن تكون مقيدة بمشيئة الله عز وجل ومرتبة بأن تقول أستعين بالله ثم بك في الحاجة الفلانية .
كذلك الخشية أيضا الخشية من المخلوق الذي له سلطة ويخاف منه وممن تحت يده من أن يؤذيه بأذى ، هذا لا يكون شركا ولكن الخشية من المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه هذه هي التي تكون من
الشرك المخرج من الملة والله سبحانه وتعالى يقول : { فَلا تَخْشَوْهُمْ
....................................................................
وَاخْشَوْنِ } (المائدة: من الآية3) ، كقوله تعالى : { فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُون }
(آل عمران: من الآية175) .
أما الإنابة : فلا تجوز إلا لله عز وجل ، ومعنى الإنابة : الرجوع ، والتوبة من الذنوب .
أما الذبح : فكل ذبح يقصد به التقرب إلى من سفك له الدم فهذا يعتبر شركاً أكبر ومن ذلك ما يجري بين القبائل أو الأشخاص ، فإذا حصل بينهم شيء قالوا : نذهب إلى فلان ، وتكون معنا ذبائح نرضي بها القوم فيصلون إلى فناء الدار ، ويذبحون تلك الذبائح إرضاء لأولئك القوم ويجلسون عليها حتى يأتي أولئك القوم الذين ذبح من أجلهم فيقولون : عفونا أو تجاوزنا ، فهذا يدخل في الشرك ويسمى عند أهل اليمن ( عقير ) ويسمى عند بعضهم ( مراضي ) يعني يرضون بها الخصم الذي صار عليه الغلط .
أما الذبح : عند القبور ، والأولياء ، والنذور لهم ، فهذا الأمر واضح والحمد لله ، أنه من الشرك الأكبر المخرج من الملة .(1/26)
لكن إن ذبحت الذبيحة للضيف إكراما له فهذا أمر مباح ، ومعلوم أن الذبح له أحكام متباينة فمنه شرك أكبر مخرج من الملة كما سبق أن مثلنا له بالذبح على القبور الذبح للولي أو الجن ، فيشترطون إذا كان للجن أن يكون على شعرة سوداء هكذا يقولون .
.....................................................................
والذبح منه : ما يكون حراما ؛ لكنه غير شرك كالذبح على المآتم ، وكذلك الإسراف ، ومنه ما هو مباح كالذبح للأكل يذبح الإنسان لنفسه ليأكل ، أو الذبح للتجارة كذبح الجزار ، وذبح أصحاب المنادي هذا كله جائز .
ومن الذبح ما يكون واجبا أو مسنوناً كذبح الهدي ودم الجزاء .
فالذبح المذموم الذي يكون من الشرك والذي يقع على صاحبه اللعنة هوما ذبح لغير الله بقصد التعبد .
وكذلك النذر لا يجوز النذر إلا لله سبحانه وتعالى فمن نذر لمخلوق بشيء ثم تاب قبل أن ينفذه فلا يلزمه تنفيذه ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :{من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه }(1) وبالله التوفيق .
وكذلك النذر لا يجوز النذر إلا لله سبحانه وتعالى فمن نذر لمخلوق بشيء ثم تاب قبل أن ينفذه فلا يلزمه تنفيذه لقول النبي صلى الله عليه وسلم :{من وكذلك النذر لا يجوز النذر إلا لله سبحانه وتعالى فمن نذر لمخلوق بشيء
( معرفة دين الإسلام بالأدلة ) . [1] .
( هو الإستسلام لله بالتوحيد ، والإنقياد له بالطاعة ) [2] .
( والبراءة من الشرك وأهله ) [3] .
[1] أقول : هذا يلزم طلبة العلم . أما العوام فإنه يجوز أن يعلم أن هذا مباح وهذا محرم وهذا واجب ولو لم يعرف الأدلة .
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة وفي باب النذر فيما لايملك وفي معصية ، وأخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور باب ما جاء في النذر في المعصية من حديث عائشة رضي الله عنها .(1/27)
وقد عرفوا الفقه في أصول الفقه : بأنه معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية .
فيقال : هذا الحكم حرام لهذا الدليل ، وذلك الحكم فرض أو واجب بالدليل الفلاني ، وذلك الحكم مستحب أو مكروه ، أو مباح بحسب الأدلة .
[2] قوله : (هو الاستسلام ) : أي تعريف الإسلام هو : ( الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة ، والخلوص من الشرك ) ، هذا تعريف بكلمة الإسلام
ومعنى ( الاستسلام لله ) بالتوحيد بأن تكون مستسلما منقادا لأوامره ونواهيه مطيعا لها .
[3] قوله : ( والبراءة من الشرك وأهله ) أي : بأن تصفي عقيدتك وأعمالك من الشرك على حد قوله تعالى : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } (المدثر:4) ، هذا التعريف هنا مناسب ، والتعريف الآخر الذي فيه الولاء والبراء فهذا التعريف شيء وذاك شيء . وكلها تدل إلى معنى واحد فالخلوص من الشرك هو تصفية التوحيد ،
وهو ثلاث مراتب : الإسلام ، والإيمان ، والإحسان ، وكل مرتبةٍ لها أركانٌ [1] .
فأركان الإسلام خمسة : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام ، فدليل الشهادة قوله تعالى :
{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( آل عمران : 18 ) . ومعناها : لا معبودٌ بحقٍّ إلا الله ، " لا إله " نافياً جميع ما يعبد من دون الله " إلاَّ الله " مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته كما لا شريك له في ملكه [2] .
ولا يكون التوحيد صافياً إلا بالبراءة من الشرك على حد قوله : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى (البقرة: من الآية256) .
[1] قال : ( وهو ثلاثة مراتب : الإسلام والإيمان والإحسان وكل مرتبة لها أركان ) .(1/28)
أقول : هذه ثلاث مراتب قد جمعها حديث جبريل الذي رواه عمر الخطاب رضي الله تعالى عنه أخرجه مسلم(1) .
فأما الإسلام ، فهو يتعلق بأمور الدين الظاهرة أولها التلفظ بالشهادتين :
شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسول الله : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّه إلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
[2] ومعناها : ( لا معبودٌ بحقٍّ إلا الله ) ( لا إله ) نافياً جميع ما يعبد من دون الله . إلاَّ الله مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته كما لا شريك له في ملكه .
وتفسيرها الذي يوضحها ؛ قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِين * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ( الزخرف : 28 ) وقوله : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألاَّ نعبد الله إلاَّ الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنَّا مسلمون } ( آل عمران : 64 ) [1] .
[1] وتفسيرها الذي يوضحها ؛ قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِين * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } وقوله : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألاَّ نعبد إلاَّ الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنَّا مسلمون } .
الثاني: إقامة الصلاة : وهو فعلها بشرائطها ، وأركانها ، وواجباتها .
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان .(1/29)
الثالث : إيتاء الزكاة : وهو الحق في المال ، وقد قال أبو بكر : ( والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعه )(1) . وفي رواية : ( والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها ) (2) .
.....................................................................
الرابع : صوم رمضان :أي : صوم شهر رمضان .
الخامس : حج بيت الله الحرام : فهذه الأفعال الظاهرة ، هي أركان الإسلام وقد أورد عليها المؤلف رحمه الله الأدلة واحداً واحداً ، فأورد الدليل على شهادة أن لا إله إلا الله قوله تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ومعنى ( لا إله إلا الله ) أي لا معبود بحق إلا الله وحده ، وكلمة (لا إله إلا الله ) تتكون من نفي ، وإثبات
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الإقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلاَّ الله محمدٌ رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا بما بجميع ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(2) هذه الرواية أخرجها الإمام البخاري في كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة ، وفي باب أخذ العناق في الصدقة وفي كتاب استتابة المرتدين باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوه إلى الردة(1/30)
( فلا إله ) تنفي جميع الآلهة ( وإلاَّ الله ) تثبت العبادة لله وحده لا شريك له ، وإن مما يتعلق بذلك البراءة من الشرك وأهله التي قررها إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِين * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أسلم أحدهم انفصل من أهله ، وقرابته انفصالا كليا ، فحققوا بذلك معنى الولاء والبراء ، وقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: { أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ؛ قالوا يا رسول الله ولم ؟ ! قال : لا تراءى ناراهما }(1) وبالله التوفيق .
( ودليل الشهادة أن محمدا رسول الله ، قوله تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم } ٌ(التوبة:128) . [1] . [1] قوله : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } أي : من بني جنسكم لسانه لسانكم ، وأحاسيسه أحاسيسكم ، وهو منكم قلبا وقالبا ، إلا أنه فضله الله بالرسالة واختاره لتحملها ، وهذا الخطاب للعرب خاصة ، وللناس عامة .
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام أبو داود في كتاب الجهاد باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود من حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - وأورده الإمام الترمذي بهذا اللفظ في كتاب السير باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين غير أنه قال : ( لا ترايا ناراهما ) وأورده الإمام النسائي في كتاب القسامة باب القود بين الأحرار والمماليك في= =النفس ( القود بغير حديدة ) قال عنه الإمام الألباني في صحيح الجامع ج1 / 306 حديث حسن وأحال الإرواء برقم (1207) وإلى السلسلة الصحيحة برقم 636 .(1/31)
أما كونه للعرب فلأنه من أنفس العرب لسانه لسان العرب ، وهم يعرفونه ويفهمونه كان قبل أن ينزل عليه القرآن أصدقهم لهجة وأعظمهم أمانة مع فقره وقلة ذات يده ، عرف بالأمانة العظيمة ، حتى أن من يريد أن يودع شيئا يأتي به إليه ، وكانوا يقولون : محمد بن عبد الله الأمين ، فلما جاءهم بهذه الدعوة كذبوه وعادوه وألصقوا به التهم فتارة يقولون كذاب وتارة يقولون ساحر وتارة يقولون كاهن ، فصبر وصابر حتى نصره الله عليهم ، ودخل من بقي منهم في دينه ، وبالأخص بعد أن فتحت عليه مكة ، فجعل العرب ترسل كل قبيلة منهم ترسل وفدا بإيمانهم ولم يتوفاه الله حتى أوعبت جزيرة العرب على اعتناق دينه صلوات الله وسلامه عليه .
ومعنى قوله { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } أي : عزيز عليه ما أعنتكم أي: ما يشق عليكم فهو يهمه ويعز عليه ، قال تعالى : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ
جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ
ومعنى شهادة أنَّ محمداً رسول الله : طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلاَّ بما شرع [1] .
وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير } (الحج:78) ، وقال جل من قائل :
{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } (آل عمران: من الآية144) ، ومعنى كونه حريص على أمته(1/32)
أي :حريص على إيمانهم ومتابعتهم لما جاء به حتى أن الله عاتبه في شدة حرصه بقوله جل من قائل : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفا } (الكهف:6) .
والمهم أن شهادة أن محمدا رسول الله هي الجزء الثاني من الشهادتين المكملة للتي قبلها ، فشهادة أن لا إله إلا الله ، شهادة لله بالوحدانية وحدانية الخلق فهو متوحد بخلق هذا الكون ، ورزق من فيه وتدبيرهم ومن ثم فإن الواجب توحده بالألوهية
[1] وأما شهادة أن محمدا رسول الله فمعناها : الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم أنه رسول من عند الله مكلف بنشر الشريعة التي حملها وأمته مكلفة باعتقاد رسالته وأنه لا يشرع إلا ما أمره الله بشرعه ولا يقول إلا ما أمره الله بتبليغه ومن ثم فإنه تجب طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه ،
عبد عبادة إلا أن تكون على شرعه - صلى الله عليه وسلم - ، وهاتين الشهادتين هما القطبان الأساسيان للإسلام وهما الشرطان لقبول الأعمال فلا يقبل عمل أي عبد إلا
ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } ( البينة : 5 ) [1].
باعتقاد رسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ووجوب متابعته وطاعته قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ } (النساء: من الآية64) .(1/33)
[1] وأعظم ما أمر الله به من العبادات الصلوات الخمس وهي حق الله في البدن ، وعلى كل عبد أن يأتي بها ومن لم يفعل فإنه لا دين له وقد دلت الأدلة على كفر تارك الصلاة وأنه يقتل إذا دعي إليها ولم يفعلها فإنه يقتل كفراً على قول كثير من أهل الأثر وبه قال الإمام أحمد من أئمة المذاهب ، ويقتل حدا على قول الجمهور أيضا وهو مذهب الشافعية والمالكية ورواية في المذهب الحنبلي .
فالصلاة حق الله في البدن ، والزكاة حق الله في المال ، والدليل على ذلك قول الله تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (البينة:5) .
عبد عبادة إلا أن تكون على شرعه - صلى الله عليه وسلم - ، وهاتين الشهادتين هما القطبان الأساسيان للإسلام وهما الشرطان لقبول الأعمال فلا يقبل عمل أي عبد إلا عبد عبادة إلا أن تكون على شرعه - صلى الله عليه وسلم - ، وهاتين الشهادتين هما القطبان الأساسيان للإسلام وهما الشرطان لقبول الأعمال فلا يقبل عمل أي عبد إلا عبد عبادة إلا أن تكون على شرعه - صلى الله عليه وسلم - ، وهاتين الشهادتين هما القطبان الأساسيان للإسلام وهما الشرطان لقبول الأعمال فلا يقبل عمل أي عبد إلا
ودليل الصيام قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( البقرة : 183 ) [1] .
ودليل الحج قوله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } ( آل عمران : 97 ) [2] .(1/34)
[1] ودليل الصيام قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:183) .
[2] ودليل الحج قوله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (آل عمران: من الآية97) والصيام والحج هما الركنان المكملان لأركان الإسلام ، وبالله التوفيق .
المرتبة الثانية : الإيمان . [1] .
[1] المرتبة الثانية : (الإيمان ) : أي المرتبة الثانية من مراتب الدين الثلاث . والإيمان أخص من الإسلام فإذا جمعا وقع اسم الإسلام على الأعمال الظاهرة ، واسم الإيمان على العقائد الباطنة .
وإذا ذكر واحد منهما شمل الآخر . إلا أن الإيمان أخص من الإسلام , والإسلام أعم من الإيمان قال الله تعالى مخاطبا الأعراب الذين قالوا آمنا فعاتبهم الله في ذلك وقال : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } (الحجرات: من الآية14) .
هذه مراتب الإسلام والإيمان والإحسان أي هذه الدوائر هي مراتب الدين .
وهو بضع وسبعون شعبة ، فأعلاها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان [1] .
[1] قال : ( وهو ) أي : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ) ، ورد بضع وسبعون وورد بضع وستون .
( فأعلاها قول ، لا إله إلا الله ) ، فأعلى هذه الشعب قول لا إله إلا الله ، لأنها هي الكلمة التي يدخل بها العبد في الإسلام ،وهي الكلمة التي تعصم دم العبد وماله ، وهذه الشعب مترددة بين أعلاها وأدناها .(1/35)
ومنها ما هو أعظم من غيره في الأجر ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم منيحة الشاة (1) .
وورد أيضا في الصدقة بالماء أنه أعظم أجرا من غيره(2) . أما إماطة الأذى عن الطريق - أخرجه البخاري ومسلم أنظر شرح الطحاوية (406) للشيخ الألباني - فهي من أدنى الحسنات إلا أن الحسنات لا يستهان بشيء منها .
وأركانه ستة : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره [1] . والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } (البقرة: من الآية177) . ودليل القدر قوله تعالى : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } (القمر:49) .
__________
(1) والحديث أورده الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - برقم الحديث 8486 و 8892 ترقيم إحياء التراث قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { خير الصدقة المنيحة تغدو بأجر وتروح بأجر ومنيحة الناقة كعتاقة الأحمر ومنيحة الشاة كعتاقة الأسود } قال المحدث الشيخ الألباني : ( قلت وهذا إسناد ضعيف عبيد الله بن صبيحة مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان ) ( ا . هـ ) .
(2) كما ورد في سنن الإمام ابن ماجة في كتاب الزهد باب الحلم عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله } وقد صححه الإمام الألباني في صحيح ابن ماجة ج3/368 برقم الحديث (4264) .(1/36)
وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : { بينما رجل يمشي في الطريق ، وجد غصن شوك على الطريق فأخره ، فشكر الله له فغفر له ... }(1) .
وورد عن أي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغَي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته إياه فغفر لها به }(2) .
والمهم أن هذه الشعب من عمل بشيء منها مخلصا لله فيه فهو قد أرضى الله عز وجل ولعل الله عز وجل أن يغفر له بشيء من ذلك .
[1] قال : (وأركانه ستة ) أي : أركان الإيمان ستة كما ورد في حديث جبريل وغيره (3).
.....................................................................
- أن تؤمن بالله 2 - وملائكته 3- وكتبه 4- ورسله 5- واليوم الآخر 6- وتؤمن بالقدر خيره وشره .
أما الإيمان بالله فهو يشمل :
__________
(1) الحديث أخرجه مسلم في كتاب الإمارة باب بيان الشهداء ، وأخرجه البخاري في كتاب الأذان باب فضل التهجير إلى الظهر ، وفي كتاب المظالم والغضب باب من أخذ الغصن وما يؤذي الناس في الطريق فرمى به .
(2) الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب حديث الغار ، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب السلام باب فضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها .
(3) الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان . وأخرجه الإمام الترمذي في كتاب الإيمان باب ما جاء في وصف جبريل - عليه السلام - للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان والإسلام والإحسان ، وأخرجه الإمام النسائي في كتاب الإيمان وشرائعه صفة الإيمان والإسلام ، وأخرجه الإمام أبو داود في كتاب السنة باب في القدر . وأخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة برقم إحياء التراث رقم (376) وفي مسند بني هاشم برقم (27848) .(1/37)
أولاً : الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى ، قال الله تعالى : { أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض } (إبراهيم: من الآية10) ، وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ } (فاطر: من الآية41) .
ثانيا : الإيمان بتوحده بالألوهية ، وأنه لا إله غيره ولا مستحق للعبادة سواه جل ربا وتقدس إلهاً ، هو الذي خلق هذا الكون ، وهو المتصرف فيه وهو المدبر له يسعد ويشقي ، ويمنع ويعطي ، ويفقر ويغني ، ويمرض ويصح ، ويحيي ويميت ،كل الأمور بيده ، ومصير كل العباد إليه ، لا إله إلا هو ولا يستحق العبادة أحد سواه .
ثالثاً : الإيمان بأسمائه وصفاته ، فله القدرة الكاملة ، والحكمة الشاملة هو السميع البصير، وهو الحكيم ، الذي أعجزت حكمته العقول اللطيف بعباده ، يجب أن نصفه بالصفات العليا .
ونسميه بالأسماء الحسنى إلا أن أسماءه وصفاته توقيفية لا تؤخذ إلا عن الله ، أو عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - . نؤمن بأنه على العرش استوى بائن من خلقه ،
.....................................................................
وعلمه شامل لهم ، ونؤمن بأنه ينزل كل ليلة في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا فيقول : { من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه(1/38)
من يستغفرني فأغفر له }(1) . نؤمن بأن له وجها لا كالوجوه ، وأن له يدا لا كالأيدي ، صفاته كاملة كذاته ، يجب أن نؤمن بها ، ونعتقد معناها ، ونفوض كيفيتها ، قال مالك لمن قال له : ( كيف استوى ؟ قال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والجحود به كفر )(2) .
والمهم أن الإيمان به يشمل الإيمان بوجوده والإيمان بتوحده بالألوهية والإيمان بأسمائه وصفاته .
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجمعة باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل . وأخرجه الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(2) قال الشيخ الإمام الحافظ تقي الدين أبي محمد عبد الغني المقدسي في كتابه البديع ( الاقتصاد في الاعتقاد ) ص86 :
[ أما قول مالك فثابت عه أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص516 من طريقين ، وذكر الحافظ في الفتح 13/406- 407 وحكم بأن إسناده جيد ورواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم (644 ج2/398) وأبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف ضمن الرسائل المنيرية 1/111 وأبو نعيم في الحلية 6/325 والدارمي في الرد على الجهمية ص27 والذهبي في العلو ص103 وقال : وهذا ثابت عن مالك ] ( ا . هـ ) .(1/39)
ثانياً : أما الإيمان بالملائكة ، فيجب أن نؤمن بجميع أجناسهم ، وأن منهم حملة العرش ومنهم الملائكة الكروبيون الذين حول العرش ، وأقربهم إليه جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وخازن النار وخازن الجنة ، خازن النار مالك ، وخازن الجنة رضوان ، وخزان النار خلقهم الله لغضبه فهم لا يضحكون ، ولا يرحمون ، وخزان الجنة بخلاف ذلك . ومما يدل على كثرة الملائكة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زار ليلة أسري به البيت المعمور فأخبره جبريل بأنه : { يصلي فيه كل يومٍ سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم }(1) .
فإذا كانوا منذ خلق الله السموات والأرض هذا دأبهم ، فمن الذي يقدر على إحصائهم قال - صلى الله عليه وسلم - : { إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله لوددت أني كنت شجرة تعضد ؛ قال أبو عيسى الترمذي ، وفي الباب عن أبي هريرة ، وعائشة ، وابن عباس ، وأنس ؛ قال هذا حديث حسن غريب ويروى من غير هذا الوجه أن أبا ذر قال : لوددت أني كنت شجرة تعضد }(2).
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة ، وفي كتاب المناقب باب المعراج ؛ وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات وفرض الصلاة من حديث أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما .
(2) الحديث بهذا اللفظ أخرجه الإمام الترمذي في كتاب الزهد باب في قول النبي : { لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا } وأخرجه الإمام ابن ماجة في كتاب الزهد باب الحزن والبكاء ؛ وأخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار بترقيم إحياء التراث رقم 21005 من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - .(1/40)
فيجب علينا أن نؤمن بالملائكة ، وأنهم موجودون معنا ، ولكن لا نراهم كما أن الجن موجودون معنا ، ونحن لا نراهم .
ثالثاً : ونؤمن بالكتب المنزلة ، منها ما سمي ومنها ما لم يسم ، فالمسمى : توراة موسى وإنجيل عيسى ، وزبور داود ، وصحف إبراهيم ،
وقرآن محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأن كل رسول قد أعطي كتابا ، وأن كل رسول قد
.....................................................................
أمر بالتوحيد وأن كل رسول قد حذر من الشرك قال تعالى : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين } (الزمر:65) . يجب أن نؤمن بالكتب المنزلة على الرسل إجمالاً فيما أجمل ، وتفصيلاً فيما فصل ، أما كتابنا القرآن فيجب أن نؤمن به إيماناً مفصلاً .
رابعاً : أما الإيمان بالرسل ، وهو أن نؤمن برسل الله ، من ذكر منهم نؤمن به على التعيين ، ونؤمن برسالته على الإجمال ، ومن لم يذكر منهم فنحن نؤمن بأن الله قد أرسل رسلا لهداية البشرية ، أولهم نوح ، وأخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم - .
خامساً : أما الإيمان باليوم الآخر ، وهو اليوم الذي لا يوم بعده ، اليوم الذي يقدر بخمسين ألف سنة ، اليوم الذي تأتي فيه كل نفس تجادل عن نفسها ، وأن ذلك اليوم يقع فيه الجزاء على الأعمال ، فالمؤمنون لهم الجنة ، والكافرون دارهم النار نعوذ بالله منها ، ونؤمن بالجنة والنار ، وأن إحداهما مأوى المحسنين والأخرى مأوى المسيئين .
سادساً : وأخيرا الإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره وأن كل ذلك من الله سبحانه وتعالى بقدر منه ، وأنه كتب في اللوح المحفوظ كل ذلك وعلم الشقي منهم والسعيد ، وأنهم صائرون إلى ما كتب عليهم ، غير أن ذلك
سيكون باختيار منهم ، وأن الله سبحانه وتعالى يعاقبهم على ذلك لأنهم
استحبوا الضلالة على الهدى ، والغي على الرشد نسأل الله عز وجل أن يجعلنا(1/41)
المرتبة الثالثة الإحسان : ركن واحد وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والدليل قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } (النحل:128) وقوله : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (الشعراء:217-220) وقوله : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيه } (يونس: من الآية61) [1] .
من الراشدين المهديين . ثم أورد الأدلة ، فآية البقرة دليل على أركان الإيمان ماعدا القدر. أما دليل القدر فهو قول الله عز وجل : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } (القمر:49) .
[1] سبق لنا أن شرحنا مرتبة الإسلام بأركانه ، ومرتبة الإيمان بأركانه وقلنا أن مرتبة الإسلام أعم ، ومرتبة الإيمان أخص ، وأنه إذا ذكر الإسلام والإيمان معا فإن الإسلام يكون مقصودا به الأعمال الظاهرة والإيمان مقصودا به العقائد الباطنة .
أما الإحسان : فهو أعلى مراتب الدين وأفضلها ، والإحسان في اللغة : يقع على معنيين :
1. يقع على معنى الإتقان بأن يتقن العبد عبادة ربه مخلصا فيها حتى يكون الإيمان بالغيب كالشهادة .
2. وقد فسر الإحسان : ( بأن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) فقوله : ( تعبد الله كأنك تراه ) أعلى المرتبتين ، بمعنى أنه يكون الإيمان بالغيب كالشهادة ، وهذا معنى قوله ( كأنك تراه ) .
المرتبة الثانية في الإحسان ، وهي أقل من المرتبة الأولى : ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) أن تؤمن وتعتقد بأن الله يراك في عبادتك فتحسنها .
هناك معنى آخر يقع عليه اسم الإحسان ، عرفنا أن المعنى الأول هو الإتقان .(1/42)
والدليل من السنة حديث جبريل المشهور عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ طلع علينا رجلٌ . الحديث
أما المعنى الثاني فهو الإحسان إلى المخلوقين ببذل المعروف لهم وإيصاله إليهم ، وكل معروف داخل في ذلك ، فالصدقة على الفقراء والمساكين بقدر الاستطاعة هذا من المعروف ، تعليم الجاهل هذا من المعروف ، إنقاذ الواقع في الورطة ولم يكن محدثا فيها حدثا فسعيت في إنقاذه أو خففت هذه الورطة عنه ، أو أعنته بنوع من الإعانة إما بجاهك أو بمالك هذا من المعروف ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا من المعروف ، الكلمة الطيبة هذا من المعروف الإحسان إلى الجار هذا من المعروف ... إلى غير ذلك من المعروف الذي تتعدد أنواعه وتكثر جهاته .
إلا أن حديث جبريل فسر الإحسان بالمعنى الأول ، والمعنى الثاني يدخل فيه ، فإذا تصدقت موقنا بالخلف دخل في ذلك ، وإذا صبرت على الأذى موقنا بالأجر دخل في ذلك .
وقد تبين أن الإحسان له معنيان أحدهما ، هو الإتقان للعمل ، والثاني بذل المعروف للخلق عبودية للحق .
الأصل الثالث : ( معرفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، وهاشم من قريش وقريش من العرب ، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام )[1] وله من
[1] هذا إلمام بنسبه صلوات الله وسلامه عليه ، فهو من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، والعرب تنقسم إلى قسمين :
عرب عاربة ، وهي الأصل في العرب ، وهم القحطانيون .
وعرب مستعربة وهم العدنانيون الذين ينتهي نسبهم إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - من العرب المستعربة الذين يعود نسبهم إلى إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه .(1/43)
وهو دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله : { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } (البقرة: من الآية129) ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { إني عبد الله في أم الكتاب لخاتم النبيين ، وإن آدم لمجندل في طينته ، وسأنبئكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه ، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له
ا قصور الشام ، وكذلك ترى أمهات النبيين صلوات الله عليهم }(1) .
لببيلبيلبيلبيلبيلبل
العمر ثلاث وستون سنة منها أربعون قبل النبوة وثلاث وعشرون نبياً رسولاً [1]
قال: ( نبئ بإقرأ وأرسل بالمدثر ) [2] .
وبلده مكة ، بعثه الله بالنذارة عن الشرك ، ويدعوا إلى التوحيد والدليل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } (المدثر:1-7) ومعنى : { قُمْ فَأَنْذِرْ } ينذر عن الشرك ويدعوا إلى التوحيد { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي طهر اعمالك عن الشرك { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } الرجز : الأصنام وهجرها تركها والبراءة من أهلها [3] .
[1] وقد توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وله من العمر ثلاث وستون سنة أربعون قبل النبوة وثلاث وعشرون نبياً ورسولاً
[2] قال: ( نبئ بإقرأ وأرسل بالمدثر ) .أول سورة إقرأ هي أول ما بدأ به من الوحي ، أما سورة المدثر فهي بعد فترة الوحي ، وهي التي أمر فيها بالإنذار .
[3] قال : ( وبلده مكة ) أي : بلده التي ولد فيها وعاش فيها مكة حتى هاجر إلى المدينة ، ( بعثه الله بالنذارة عن الشرك ، ويدعو إلى التوحيد ) .
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين بترقيم إحياء التراث من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - .(1/44)
لا شك أن الله سبحانه وتعالى أمره وأمر كل نبي بالدعوة إلى التوحيد فيكون التوحيد هو الأساس الذي يبنى عليه الدين قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } (المدثر:1،2،3) .
معنى { المدثر } : المتلفف بثيابه { قم } : أمر له بالإنذار ، بالإنذار عن الشرك والدعوة إلى التوحيد { وربك فكبر } : عظمه بالتوحيد { وثيابك فطهر } طهر أعمالك من الشرك { والرجز فاهجر } الرجز : المراد به
الأصنام كما قاله العلماء { ولا تمنن تستكثر } لا تهدي الهدية تريد أفضل
أخذ على هذا عشر سنين يدعوا إلى التوحيد [1] . لبييلبيلبلسيبسئيبسبيبيسبيسببسسشيشس
وبعد العشر عرج به إلى السماء ، وفرضت عليه الصلوات الخمس ، وصلى في مكة ثلاث
سنين [2] .
وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة ، والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، وهي باقيةٌ إلى أن تقوم الساعة [3] .
منها { ولربك فاصبر } اصبر لربك فيما قدره عليك من حاجة أو مرض أو غيرهما .
[1] يقول الشيخ رحمه الله : ( أخذ على هذا عشر سنين ) أي : اخذ على الدعوة إلى التوحيد عشر سنين ، لم يأمر أحدا بصلاة ، ولا صوم ، ولا زكاة ، ولا شيء إذًا أن هذه الأشياء إنما فرضت بعد الهجرة ، إلا الصلاة فإنها فرضت قبل الهجرة بثلاث سنوات .
[2] قال : ( وبعد العشر عرج به إلى السماء ، وفرضت عليه الصلوات الخمس وصلى في مكة ثلاث سنين ) وقبل فرض الصلاة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتين في الصباح ، وركعتين في المساء ويقوم الليل . قال : ( وصلى في مكة ثلاث سنين وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة ) وهي يثرب .(1/45)
[3] ومعنى الهجرة : أن تهجر بلد الشرك أي تتركها وتجيء إلى بلد الإسلام ، لأن الهجرة مأخوذة من الهجر وهو الترك ، وقد أمر المسلمون بترك بلاد الشرك ، والقدوم إلى بلد الإسلام . وحكمها الوجوب على من قدر عليها ولهذا أخبر الله عن أقوام بأنهم تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم بسبب تركهم الهجرة وإيثارهم لبلاد الشرك .
والدليل قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } ( النساء : 97 - 99 ) وقوله تعالى : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } ( العنكبوت : 56 ) قال البغوي رحمه الله تعالى : سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين بمكة لم يهاجروا ناداهم الله باسم الإيمان [1] .(1/46)
[1] قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } (النساء:97_99) وقوله تعالى : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } (العنكبوت:56)
قال البغوي رحمه الله تعالى : سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين في مكة لم يهاجروا ناداهم الله باسم الإيمان .
يؤخذ من هذه الآيات : وجوب الهجرة على من قدر عليها ، أن ينتقل من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ، ذلك لأن بلد الكفر يتعرض فيها المؤمن للإيذاء وتكون السلطة عليه لا معه ، وإن سلم من الإيذاء فإنه لا يسلم من التحاكم إلى غير حكم الله من القوانين التي قننها البشر، وحكموا بها عباد
.....................................................................
الله .ولكن الهجرة لابد أن تكون في زمننا الحاضر بإذن من الدولة المهاجر
إليها ، فإذا منعت الدولة أن تقبل هذا المهاجر ، فإنه لا حول له ولا قوة إلا بالله لقد كانت الأمور ميسرة .
أما الآن ففي الهجرة صعوبة إما أن يكون من ناحية البلد المهاجر منها ، وإما أن يكون من ناحية البلد المهاجر إليها ، فمن تيسرت له الهجرة إلى بلد إسلامي فإنه يجب عليه أن يفعل ذلك ، وأن بعض بلدان المسلمين الآن تشدد على من التزم دين الله في كل ما يأتي ويذر .(1/47)
والخلاصة أن أي مسلم في بلد يحكمها الكفار بالقوانين الكفرية ، يجب عليه أن يهاجر منها إن تيسر له فإن لم يتيسر له فإنه فيما يظهر أنه يكون معذورا ، لقول الله تعالى : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } .
(البقرة: من الآية286) وبالله التوفيق .
والدليل على الهجرة من السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - : { لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها } [1] .
فلما استقر في المدينة أمر ببقية شرائع الإسلام مثل الزكاة ، والصوم ، والحج ، والأذان والجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ؛ أخذ على هذا عشر سنين ، ثم توفي صلوات الله وسلامه عليه ودينه باقٍ وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه والخير الذي دلها عليها التوحيد وجميع ما يحبه الله ويرضاه والشر الذي حذرها منه الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه . بعثه الله إلى الناس كافة وافترض طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس والدليل قوله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعا } (لأعراف: من الآية158) ، وكمل الله به الدين والدليل قوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً } ( المائدة: : 3 ) والدليل على موته - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } ( الزمر :30 ، 31 )[2] .(1/48)
[1] قال : والدليل على الهجرة من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : { لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها }(1)
هذا دليل الهجرة على استمرار الهجرة وأنها باقية ما بقيت الدنيا .
[2] أقول : وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من ربيع الأول
وفي العام العاشر من الهجرة قال سبحانه وتعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئا } ً(آل عمران: من الآية144) .
ثم تولى الخلافة بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي بن أبي طالب بعد مقتل عثمان من قبل الخوارج سنة 36 هـ .
ودينه باق ما بقي القرآن بين أظهرنا وما بقيت السنة في بطون الكتب .
لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه والخير الذي دلها عليه التوحيد وجميع ما يحبه ويرضاه والشر الذي حذرها منه الشرك ، وجميع ما يكرهه ويأباه .
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام أبو داود في سننه في كتاب الجهاد باب في الهجرة هل تنقطع ، وأخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين بترقيم إحياء التراث رقم 16463 وعند الإمام الدارمي في كتاب السير باب إنَّ الهجرة لاتنقطع من حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وقد صحح الحديث الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع في ج1 / 1244 برقم الحديث 7469 .(1/49)
أقول : إن الأوامر والنواهي باقية في مصادرها الشرعية من كتاب وسنة ويجب على الناس أن يلتمسوها من مظانها ويعملوا بها لأن الله كلفهم بذلك لقوله تعالى: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُون } (لأعراف:3) ، وقوله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (الحشر: من الآية7) ، وقوله تعالى :
{ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِير * فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ
عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ } (الشورى: من الآية 47،48) ، وأشد وأفظع ما يجب اجتنابه هو الشرك الأكبر المخرج من الملة .
إن طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجبة في كل ما أمر به وكل ما نهى عنه بشرط الاستطاعة ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }
.....................................................................(1/50)
(التغابن: من الآية16) ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع المؤمنين ويقول للمبايع : { عليك السمع والطاعة فيما استطعت }(1) حتى قالت امرأة من المؤمنات : ( لَله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا )(2)
إن وجوب طاعته - صلى الله عليه وسلم - ، واعتقاد عموم رسالته ، واجب على كل مكلف كقوله جل وعلا : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } (لأعراف: من الآية158) . وقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر في الخمس الخصائص :
__________
(1) كما في الحديث الذي رواه مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : ( كنا نبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعت ) . وفي رواية عند البخاري في كتاب الأحكام باب كيف يبايع الإمام الناس ( فيما استطعتم ) .
(2) الحديث في ذلك ورد في مواضع من كتب السنة ، فقد أخرجه الإمام النسائي في كتاب البيعة باب بيعة النساء عن الصحابية الجليلة أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها وذكر أن الحديث صحيح كما أشار إلى ذلك في صحيح سنن النسائي ج3/127 وأشار إلى صحته أيضاً عند ابن ماجة برقم (2874) ، وأيضاً في كتاب الجهاد باب بيعة النساء ، وأخرج الرواية الإمام الترمذي في كتاب السير باب ما جاء في بيعة النساء ، وأخرجه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم (26466) و ( 26467) و ( 26468) و ( 26469) و ( 26522) بترقيم إحياء التراث وأخرجه الإمام مالك في كتاب الجامع باب ما جاء في البيعة .(1/51)
{ وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة }(1) .
والناس إذا ماتوا يبعثون والدليل قوله تعالى : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } (طه:55) وقوله تعالى : { وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً } (نوح:17، 18) وبعد البعث محاسبون ، ومجزيون بأعمالهم والدليل قوله تعالى : { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } (لنجم:31) [1] .
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام البخاري في أول كتاب التيمم من حديث جابر بن عبد الله وفي كتاب الصلاة باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } . وأخرجه الإمام مسلم في أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ : { فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون } .(1/52)
لم يمت حتى أكمل الله به الدين قال سبحانه وتعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً } (المائدة: من الآية3) أخبره الله سبحانه وتعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } (الزمر:30،31) . وبعد الموت البعث قال رحمه الله : والناس إذا ماتوا يبعثون والدليل : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } (طه : 55) . وقال جل من قائل : { وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً } (نوح:17) .[1] قال رحمه الله : ( وبعد الموت محاسبون ومجزيون عن أعمالهم ) ، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر ، قال جل من قائل : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } (لنجم:31) ، فالله سيجزي كل عبد بما عمل ؛ المحسنون يجزيهم بإحسانهم ، والمسيئون يجزيهم بإساءتهم ، وأهل الإحسان هم أتباع الرسل ، وأهل الإساءة هم مخالفوهم ، وقد أخبرنا الله عز وجل بهلاك الأمم المكذبة ، وفي ضمن ذلك الإخبار ، إنذار لمن يقرأه ويسمعه من العواقب السيئة التي لابد
ومن كذب بالبعث بعد الموت كفر والدليل قوله تعالى : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } (التغابن:7) . [1] .
أن تحصل لمن كذب الرسل ، وكفر بما جاءوا به وذلك بأن يجمع الله عز وجل عليهم عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو يعافيهم من عذاب الدنيا ثم يجمع الله عليهم العذاب يوم القيامة في النار وبالله التوفيق .(1/53)
[1] الإيمان بالبعث بعد الموت ركن من أركان الإيمان لا يتم إيمان العبد إلا به ولذلك فإن من كذب بالبعث بعد الموت كفر كفراً يخرجه من الإسلام إن كان مسلماً ويوجب عليه الخلود في النار قال تعالى : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } (التغابن:7) .
لقد ذكر الله عز وجل في القرآن نماذج تدل على البعث بعد الموت : النموذج الأول : منها إحياء القتيل الذي قتل من بني إسرائيل واشتجروا في قتله وكان الذي قتله قريب له فاحتكموا إلى موسى فأمرهم الله عز وجل أن يضربوه بعضو من أعضاء بقرة تذبح وبعد الحوار بين موسى وقومه توصلوا إلى البقرة وذبحوها فأمرهم الله عز وجل أن يضربوه ببعضها ، فضربوه ببعضها فعادت إليه الحياة فقام وجلس ثم قال قتلني فلان ثم عاد ميتا .
والنموذج الثاني : الذي مر على القرية بعد أن خربت وخرج منها أهلها فقال: ( أنا يحيي هذه الله بعد موتها ) ، كيف يحيي الله هذه بعد موتها
( فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) بعد ذلك ، كما ذكر الله عز وجل ذلك في سورة البقرة وأحيا حماره وهو ينظر وأتي له بطعامه وشرابه لم يتسنه أي: لم يتعفن من تلك المدة الطويلة .
النموذج الثالث : الذي ذكره الله أيضا في سورة البقرة أن جماعة خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت أي : حاذرين من وقوعه بهم ، فقال لهم
الله : موتوا ثم أحياهم بعد ذلك ، وماتوا بآجالهم وهذه النماذج كلها في سورة البقرة .
النموذج الرابع : في سورة الكهف وهم أصحاب الكهف ، وهذه النماذج جعلها الله لعباده في الحياة الدنيا ليستدلوا بها على الحياة بعد الموت وإلا فإن الحياة بعد الموت ثابتة بخبر الله عنها والمهم أن الحياة بعد الموت يوم القيامة والإيمان بها يحصل للناس في عرصات القيامة .(1/54)
والجنة والنار التي يؤولون إليها كل ذلك داخل في الركن الخامس وهو الإيمان باليوم الآخر ، وقد رد الله على المكذبين بهذا اليوم في آيات عدة ودل إحياء الأرض بعد موتها على ذلك نسأل الله أن يصبغ قلوبنا بصبغة الإيمان قوله تعالى : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا } (التغابن: من الآية7) ، الزعم هو مطية الكذب كما يقولون ! وهو القول بلا دليل . قوله : ( أن لن يبعثوا ) أي : أن لن يحيوا بعد الموت . قال الله عز وجل قل يا محمد : { بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } (التغابن: من الآية7) . قال تعالى : { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ } (القيامة:1،2،3،4) .
وأرسل جميع الرسل مبشرين ومنذرين ، والدليل قوله تعالى : { مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } (النساء: من الآية165) وأولهم نوح - عليه السلام - ، وأخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين والدليل على أن أولهم نوح قوله تعالى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا [1] .
[1] ثم قال : وأرسل الله جميع الرسل { مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } (النساء: من الآية165) الرسل : هم الأدلاء على الله وهم القادة إلى مرضاته وجنانه ، فبهم يعرف الله عز وجل ، وتعرف(1/55)
مرضاته والطرق الموصلة إليها ، فلا سبيل إليه إلا من طريقهم قال عز وجل : { يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (لأعراف:35،36)
فالعبادة فيها شرطان أولا: شرط الإخلاص .
وثانيا : شرط المتابعة بأن تكون متبعا لرسول من الرسل وأخبرنا الله عز وجل أن أول الرسل نوح وأخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه الحقائق مقطوع بها لا تقبل الجدل ، قال جل من قائل : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ } (النساء: من الآية163) وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - لقوله جلا وعلا : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } (الأحزاب: من الآية40) .
أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ } (النساء: من الآية163) وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم بعبادة الله وحده ، وينهاهم عن عبادة الطاغوت ، والدليل قوله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت } (النحل: من الآية36) [1] . وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت ، والإيمان بالله ، قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – معنى الطاغوت : ( ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع [2] .
[1] ولقد بعث الله في كل أمة رسولاً يحذرهم وينذرهم ويأمرهم بعبادة الله وينهاهم عن عبادة الطاغوت قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً(1/56)
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت } (النحل: من الآية36) فكل الرسل متفقون على هذين الأمرين :
1. الأمر بعبادة الله وحده .
2. النهي عن عبادة الطاغوت والكفر به .
[2] الطاغوت يشمل كل من عبد بباطل ، وأحسن ما فسر به الطاغوت قول ابن القيم رحمه الله : ومعنى الطاغوت : ( ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ) .
فمن عبد من دون الله عز وجل فقد تجاوز به العابد حده ، إذ من حق كل مخلوق أن يكون عبداً لا معبوداً ، وأن يدين لله بالألوهية وحده .
وكذلك قوله : ( أو متبوع ) فالعبد يجب عليه أن يكون تابعا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أمر الله به في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن تبع مخلوقا وترك المتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد اتخذه طاغوتا ، ومن حق كل مخلوق أن يكون تابعا
والطواغيت كثيرة رؤوسهم خمسة : إبليس لعنه الله ، ومن عُبد وهو راض ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب ، ومن حكم بغير ما أنزل الله ، والدليل قوله تعالى : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ } (البقرة: من الآية256) وهذا معنى لا إله إلا الله [1] .
لكتاب الله ، ولسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فمن اتخذه متبوعا فقد تجاوز به حده وغلا فيه غلوا يخرجه عن الحق ، لأن الطاعة المطلقة حق لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - .
أما قوله : ( أو مطاع ) فهو كذلك أيضا ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق }(1)
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، مسند العشرة المبشرين بالجنة برقم (3879) وفي مسند البصريين برقم
(20230) وبرقم (20133) عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - والحديث قد صححه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم (179) وفي المشكاة برقم (3696) انظر صحيح الجامع الصغير وزيادته ج2/1250 طبعة المكتب الإسلامي .(1/57)
.
[1] الطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة :
( إبليس لعنه الله ، ومن عبد وهو راضٍ ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ، ومن ادعى شيئا من علم الغيب ، ومن حكم بغير ما أنزل الله ) .
فإبليس هو رأس الطواغيت ، لأنه عارض ربه في أمره ، واعترض عليه في سلطانه فلعنه الله وأبعده من الجنة وطرده منها .
ومن عبد وهو راض : فقد اتخذ مقام الألوهية وأخذ ما ليس له ، إذ من حقه أن يكون عابدا لا معبودا ومربوبا لا ربا ، لأنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا .
وفي الحديث { رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله } والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم [1] .
كذلك من ادعى شيئا من علم الغيب ، فقد ادعى حق الألوهية .
ومن حكم بغير ما أنزل الله ، فقد ادعى حق الألوهية .قال تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } (الشورى: من الآية21) .
وكل ذلك خروج عن طاعة الله سبحانه وتعالى وتمرد عليه وادعاء لحقه بغير حق قال تعالى : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (البقرة:256) قال :( وهذا هو معنى لا إله إلا الله) .
قلت : ومعنى لا إله إلا الله : لا معبود بحق في الوجود إلا الله .
[1] قوله : وفي الحديث : { رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله }(1)
__________
(1) الحديث أخرجه الإمام الترمذي في كتاب الإيمان باب ما جاء في حرمة الصلاة ، وأخرجه الإمام ابن ماجة في كتاب الفتن باب كف اللسان في الفتنة ، وأخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار بترقيم إحياء التراث رقم
(21511) و (21563) من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، وقد صحح الإمام الألباني في صحيح الجامع في
ج2/913 برقم الحديث (5136) المكتب الإسلامي(1/58)
.
فالإسلام هو رأس الأمر ، إذ لا يدخل أحد الجنة إلا بالإسلام ولا يثبت له الأمن من عذاب الله إلا بالإسلام ، ولا تصح صلاته ، وزكاته ، وصومه وحجه ، إلا بالإسلام .
وعموده الصلاة أي : أن العمود الذي يقوم عليه فسطاط الإسلام هو الصلاة ، فإن لم يكن للدين عمود فقد ذهب الدين .
وقوله : وذروة سنامه الجهاد أي : أعلاه ، وأفضل شيء فيه هو الجهاد في سبيل الله .
وبذلك تمت هذه التعليقات على كتاب الأصول الثلاثة .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(1/59)