البدع
وأثرها السيء …………في الأمة
تأليف/ د. وسيم فتح الله
البدع وأثرها السيء في الأمة
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبع هداهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين أما بعد،
فهذا بحث مختصر في بيان البدع وما يترتب عليها من آثار سيئة تضر بالأمة في دينها ودنياها، راعيت فيه الاختصار والتركيز على الضوابط العامة التي تمكننا من التعامل مع الواقع بشيء من الموضوعية والمنهجية، حتى نتمكن من تشمير ساعد الجد للعمل على إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتخليص أمتنا من تبعات فشو البدع والظلمات في جنباتها، سائلاً المولى عز وجل التوفيق والصواب، رب يسر وأعن:
تمهيد:
إن العلم بأصول التعامل مع أهل الافتراق عن منهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرورةٌ يفرضها وجود هذه الفرق، ويحتمها ما يترتب على أسماء الدين وأحكامه من حقوق وواجبات شرعية، يأثم المرء بتعطيلها فضلاً عما يصيبه من ضنك العيش بالتفريط فيها، ولقد سلكت في هذا البحث مسلكاً مبسطاً، حيث تناولته في قسمين؛ أولهما بيان حد البدعة وضوابطها، وثانيهما بيان أهم الآثار المترتبة على فشو البدع في المجتمع والأمة. ولقد ابتعدت قدر الإمكان عن التفصيل والخوض في أعيان الفرق لأن مجال البحث وغايته لا يتسعان لذلك، إذ أن غرضي من البحث تقرير ضوابط عامة والتحذير من الآثار المجملة لفشو البدع وإهمال محاربتها والتصدي لها، أما تفصيل أعيان ذلك فيحتاج إلى مصنف مستقل ولقد أشبع ذلك العلماءُ كلاماً وبحثاً.
المبحث الأول: البدعة؛ تعريفها وضوابطها(1/1)
إن الحديث عن الأثر السيء للبدع في الأمة لا بد من أن يستهل بتحرير مصطلح البدعة، والمقصود في هذا المقام أن نبين ما إذا كان مصطلح البدعة مصطلحاً شرعياً تتعلق به أحكام وموجبات شرعية أم لا، إذ أنه من المقرر لدى العلماء أنه لا يجوز تعليق أحكام الشرع بما لم يجعله الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مناطاً لذلك. هذا بالإضافة إلى أن تفاوت حد مصطلح البدعة عند البعض قد يوهم بوجود بعض التعارض في أقوال أهل العلم حول مسائل البدع، في حين أن تحرير هذا المصطلح تحريراً دقيقاً يرفع هذا الوهم بإذن الله تعالى، وسوف أعرض مصطلح البدعة في هذا المبحث من جهة التعريف ومن جهة الضوابط الشرعية إن شاء الله.
المطلب الأول: تعريف البدعة:
البدعة في اللغة من بدع الشيء يبدعه بدعاً و ابتدعه أنشأه وبدأه، والبدع الشيء الذي يكون أولا1، ومنه قوله تعالى:" قل ما كنت بدعاً من الرسل"2، والبدع بالكسر الأمر الذي يكون أولا3،و بدع أبدع الشيء اخترعه لا على مثال4، ومنه قوله تعالى :" بديع السماوات والأرض"5، فمدار معنى البدعة في اللغة يدور حول الإحداث والأولية.(1/2)
وأما في الاصطلاح فلقد وردت تعريفات عدة منها أن البدعة "هي الفِعلة المخالفة للسنة، سميت البدعة لأن قائلها ابتدعها من غير مقال إمام وهي الأمر المحدث الذي لم يكن عليه الصحابة والتابعون ولم يكن مما اقتضاه الدليل الشرعي6"، وعرفها الإمام الشاطبي رحمه الله بقوله :"فالبدعة إذن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه"7، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :"البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب"8، وإن جملة أقوال العلماء في تعريف البدعة يدور في فلك ما تقدم، ولسوف نبين حد البدعة بتحرير أدق إن شاء الله عند الكلام على ضوابط البدعة، حيث تم المقصود في هذا الموضع وهو تحديد الفرق بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للبدعة لأن عدم تحرير ذلك سبب التباس الأمر على البعض حيث ورد كلام عن بعض السلف رحمة الله ورضوانه عليهم قد يفهم منه ارتضاء بعض البدعة وليس الأمر كذلك، تأمل معي قول أبي الفرج البغدادي رحمه الله :"وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية؛ فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك، فقال: نعمت البدعة هذه"9، وتأمل قول الحافظ ابن حجر رحمه الله :"قال الشافعي البدعة بدعتان محمودة ومذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم"10، قلت: فهذه النقول عن علماء السلف ينصرف استعمال لفظ البدعة فيها إلى الاستعمال اللغوي كما هو واضح، أما في استعمال الشرع فإنك لا تكاد تجد نصاً من الكتاب أو السنة ورد فيه لفظ البدعة إلا وهو في مقام الذم، وهذا يدل على أن البدعة بالاصطلاح الشرعي مذمومة، ولا يصح حمل كلام العلماء على غير هذا.
المطلب الثاني : تاريخ ظهور البدع:(1/3)
يمكن القول أن إرهاصات البدع وبوادر أصول الفرق قد ظهرت في عصر النبوة، ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: بعث عليٌ رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر؛ الأقرع بن حابس الحنظلي وعيينة بن بدر الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بنى كلاب وزيد الخير الطائي ثم أحد بنى نبهان، قال فغضبت قريش فقالوا: أيعطي صناديد نجد ويدعنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم". فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتىء الجبين محلوق الرأس فقال: اتق الله يا محمد. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فمن يطع الله إن عصيته؟ أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟! قال: ثم أدبر الرجل، فاستأذن رجلٌ من القوم في قتله - يرون أنه خالد بن الوليد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من ضئضئ هذا قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد"11، قال الإمام النووي رحمه الله : أي قتلاً عاماً مستأصلاً كما قال تعالى:"فهل ترى لهم من باقية"12،13 ثم مضى العهد النبوي ، وظلت كلمة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مجتمعة على الحق، إلى أن وقعت الفتنة كما ذكر محمد بن سيرين رحمه الله تعالى حيث قال:"لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا سمُّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"14، وذلك حين وقع أول اختلاف في هذه الأمة وهو بزوغ الخوارج وخلافهم للصحابة رضوان الله عليهم وتحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي سلمة وعطاء بن يسار أنهما أتيا أبا سعيد الخدري فسألاه عن الحرورية: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها؟ قال: لا أدري من(1/4)
الحرورية ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يخرج في هذه الأمة - ولم يقل منها - قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، فيقرأون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه فيتمارى في الفوقة هل علق بها من الدم شيء"15، قلت: تأمل كيف قال :" يخرج في هذه الأمة ولم يقل منها " أي أن سبيل أهل البدع مفارق لسبيل أهل الحق، ووجود أهل البدع والأهواء بين ظهراني أهل السنة والحق ليس من قبيل الانتساب إليهم في شيء، وما أجمل قول قتادة رحمه الله: أهل رحمة الله أهل الجماعة وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقته وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم"16، فالقضية قضية منهج لا قضية تواجد حسي بين ظهراني المسلمين، فتأمل كيف ظهرت بدعة الخوارج حيث قالوا بكفر العصاة من الموحدين واستباحوا بذلك دماء المسلمين مخالفين بذلك إجماع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ثم ظهر بعد ذلك قول المعتزلة في المنزلة بين المنزلتين، وظهر بعدئذٍ قول المرجئة بأن الفاسق مؤمن كامل الإيمان17. قلت: وفي مقابل بدعة الخوارج الذي كفّروا علياً رضي الله عنه ظهرت نزعة التشيع الغالي، وتعددت أصول البدعة فظهرت بالإضافة إلى هذه الفرقة العملية البدع العقدية حيث ظهرت أولى هذه البدع في مقولة القدرية في أول إمارة المروانية والتي أنكرها كبار الصحابة كعبد الله بن عمر وابن عباس رضي الله عن الجميع18، فعن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا(1/5)
ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف. قال :"فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني برئ منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أُحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر"19، قلت: وهنا إشكال حيث ذكر أهل العلم في بعض المواضع أن بدعة الخوارج هي أول الفتن ظهوراً في الأمة، في حين ذكر البعض أن مقولة القدرية هي أول بدعة، والجمع بينهما سهل بإذن الله إذ أن الأولية نسبية، فبدعة الخوارج كانت أول افتراق عملي في الأمة أما بدعة القدرية فكانت أول بدعة عقدية وإن كان مرد البدع جميعاً إلى العقيدة، والله أعلم.
ولقد قيض الله تعالى من علماء وجهابذة هذه الأمة من وقف لهذه البدع بالمرصاد بدءً من ابن عمر وباقي الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ومروراً بالتابعين فمن بعدهم من حملة لواء السنة، وقد صنف العلماء قديما وحديثا في هذه المسائل تصانيف متعددة وممن صنف في الإيمان من أئمة السلف الإمام أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن أسلم الطوسي20 وغيرهم كثير بعدهم، فالحمد لله الذي عقد لواء السنة وقيض لرفعه رجالاً أفذاذاً هم الظاهرين على الحق بإذن الله إلى يوم الدين.
المطلب الثالث : ضوابط البدعة:(1/6)
إن وقوع بعض التجوز في استعمال لفظ البدعة في كلام المتقدمين قد يوقع البعض في لبس وحيرة تجاه ما هو مذموم أو محمود من كل محدث جديد وقع بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما استحدث من علوم النحو والحديث والتفسير، فهذه لم تكن موجودة زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يحكم عليها بالبدعة؟ وفي المقابل فإن البدعة المذمومة تتعلق بها أحكام وموجبات شرعية توجب بيان حدها بياناً شافياً ييسر التعامل معها بما يؤمن به جانبها، فلا تستشري ولا تعود على دين الناس بالفساد. ولقد تكلم الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى كلاماً نفيساً في تحديد معالم وضوابط البدعة المذمومة ولكن كلامه جاء متناثراً، فعسى أن ييسر الله تعالى جمع هذه الضوابط في هذا الموضع.
الضابط الأول: البدعة المذمومة يقصد بها الغلو في التعبد لله تعالى:(1/7)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :"قال بعض السلف: ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر"21، قلت: ومن هذا قوله تعالى :"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"22، فهذا الإخبار حقيقته أمرٌ بالعبادة، ويأبى الشيطان إلا أن يكون له في هذا الأمر مهالك ومصارع ينصب لبني آدم شراكها، فإما أن يغويه إلى المعاصي فيقع في مهالك التقصير، وإما أن يدفعه إلى الغلو والاختراع والتقول على الله تعالى فيما يزين كونه عبادة وحقيقته مهلكة العبد، ذلك أن الله تعالى جعل العبادة موقوفة على أمر الله تعالى تأمل معي قول الله عز وجل:" ورهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعَوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثيرٌ منهم فاسقون"23، فهذا إنكار من الله تعالى على النصارى في اختراع عبادة لم يكتبها أي لم يفرضها الله تعالى عليهم، والاستثناء في قوله تعالى (إلا ابتغاء رضوان الله ) استثناء منقطع، وهو يبين مقصود النصارى من هذه الطريقة المخترعة وهو بزعمهم طلب رضوان الله تعالى، قال ابن كثير رحمه الله:"وقوله تعالى ( إلا ابتغاء رضوان الله) فيه قولان؛ أحدهما أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، قاله سعيد بن جبير وقتادة، والآخر ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله"24.(1/8)
ولقد أشار إلى هذا الضابط الإمام الشاطبي في تعريفه المتقدم وذلك في قوله:" يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه"25، وبين رحمه الله أن هذا القيد يحدد البدعة بما يقصد به التعبد لله تعالى على وجه الغلو، قال رحمه الله :" وهو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها"26، والنكتة في ذم هذا السلوك أن المبتدع تجاوز بمحض رأيه وهواه حد الشرع في العبادة، فلم يره كافياً شافياً وارتضى أن ينصب نفسه وهواه إلهاً يشرع أصل العبادة أو يطلق وصفها، ولقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة ونقول السلف على تحريم ذلك والمنع منه، وفيما يلي طائفة من هذه الأدلة :
1- قوله تعالى:" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله "27، قال ابن جرير رحمه الله تعالى في تأويل الآية :"أم لهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، يقول ابتدعوا لهم من الدين ما لم يبح الله لهم ابتداعه"28، قلت: فهذا صريح في إنكار البدعة التي تضاهي الدين.(1/9)
2- قوله تعالى:" يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إلهٌ واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً"29، روى الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله بسنده عن قتادة قال:" لا تغلوا في دينكم ، يقول لا تبتدعوا" وذكر وجهاً ثانياً بسنده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يقول:" في قوله يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم : الغلو فراق الحق"30 ، قلت: فهذه الآية تنكر بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ على النصارى غلوهم في دينهم حيث جاوزوا بعيسى عليه السلام من مرتبة النبوة إلى مرتبة الألوهية وما قصدهم من ذلك - بزعمهم - إلا عبادة الله عز وجل خابوا وخسروا، والشاهد هنا تحرير ضابط الغلو في التعبد لله تعالى وهو واضحٌ من جهة نسبة الغلو إلى الدين في هذه الآية وإنكار ذلك عليهم وبيان أنه فراق للحق.
3- حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته القط لي حصى، فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف، فجعل ينفضهن في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا. ثم قال:" يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"31، فهذا صريح في النهي عن الغلو في الدين والمبالغة في التعبد لله تعالى بما لم يشرعه أو يأذن به الله تعالى.
4- حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد"32، فهذا صريح في عدم جواز الإحداث في الدين، وقوله (أمرنا) أي ديننا.(1/10)
5- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: تدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى :"والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم"33،34. قلت: والشاهد في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها)، فهذا أصل في أن العبادة - وهي هنا السجود - توقيفية مطلقاً ولا يجوز إحداثها إلا بأمر من الشارع، وهذا ما يعبر عنه العلماء بقولهم : الأصل في العبادة الحظر. قلت: ويدخل في هذا كل سلوك يلتزمه العبد تجاه ربه تعبداً وتألهاً له، فإنه لا بد وأن يكون بأمر من الله تعالى وإلا فهو رد كما تقدم في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
فهذه الأدلة صريحة في أن طريقة التعبد لله تعالى تفتقر إلى إذن الله عز وجل، وإنما بلغنا هذا الإذن عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أراد لعبادته القبول فلا مناص له عن تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى:" قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"35، قال ابن كثير رحمه الله :" هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"36 ولهذا قال : " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله "37،38.(1/11)
وفائدة هذا الضابط في تحرير مفهوم البدعة التمييز بينها وبين ما أحدث بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم مما لا يراد به التعبد بذاته، قال الإمام الشاطبي :"وقد تبين بهذا القيد أن البدع لا تدخل في العادات"39، قلت: ومثال هذا وسائل الركوب والاتصال وكل ما دخل على حياة الناس من وسائل الراحة التي سخرها الله تعالى لنا، بل إن هذا القيد يُخرج من البدعة أيضاً أموراً حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقصد التعبد لله بذاتها، وإنما هي من الوسائل التي يوجد في أصول الشرع ما يدل على مشروعية اتخاذها لتحقيق مقصود الشرع، وذلك من باب أن الوسائل لها حكم المقاصد وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإذا دل الشرع على مقصد مشروع - كتسوية الصف في الصلاة - فلا مانع من اتخاذ وسيلة مباحة لتحقيق ذلك، طالما لم يرد التعبد بهذه الوسيلة وإن لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومثال ذلك الخطوط التي ترسم في أرض المسجد فإن هذه لم تكن معروفة عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فإنها لا تعتبر بدعة لأننا لا نتعبد لله بها، وإنما نتعبد لله بتسوية الصف ونتخذ هذه الخطوط وسيلة لضبط ذلك، وكذلك ركوب السيارة إلى المسجد لا يراد منه التعبد بركوب السيارة، وإنما يتعبد لله بالسعي إلى المسجد وتتخذ السيارة وسيلة لتحقيق هذا المقصد المشروع، ومن ذلك أيضاً علوم النحو والإعراب ونقط المصحف وإعجام الحروف، فهي وسائل لحفظ القرآن الكريم ولكننا لا نتعبد لله تعالى بذاتها وإنما نتعبد لله بالمقصد الذي تبلغنا إياه.(1/12)
إن تحرير هذا الضابط مفيد جداً في التمييز ما بين البدع المذمومة والمستحدثات غير المذمومة، ويقطع دابر التشويش الذي يحدثه البعض حين يلبسون على الناس، فيوهمونهم أن دعاة الحق ممن يحاربون البدعة يريدون أن يعودوا بالناس إلى عصر الدواب والحمير والبغال، وهذا التشويش إرجافٌ وتضليلٌ بلا ريب، فدعاة الحق في كل زمان ومكان - نسأل الله أن يجعلنا منهم - ليس لهم همٌ سوى حمل الناس على متابعة هدي النبوة، ثم ليستمتعوا بما أباحه وسخره الله تعالى لهم في الكون ما شاؤوا، وهل كان ضلال أهل الكتاب إلا عندما فرطوا في هذه المتابعة فأحدثوا في دينهم وحرفوا كتاب ربهم حتى انتهى بهم الحال إلى عبادة العباد ومخالفة صراط رب العباد.
الضابط الثاني: البدعة تكون في أصل السلوك أو في صفته:(1/13)
وهذا القيد يبين لنا ماهية البدعة سواء أكانت قولاً أم فعلاً، فالبدعة قد تكون في إحداث أمرٍ لا أصل له في الدين مطلقاً، كثالوث النصارى الذي لا أصل له في الدين البتة، أو في إحداث صفةٍ على أمر له أصلٌ في الدين، كطواف مشركي العرب بالبيت عراة لقولهم : لا نطوف بثياب عصينا الله فيها40، فالطواف بالبيت له أصلٌ في ملة إبراهيم عليه السلام، ولكن المشركين أحدثوا صفاتٍ في بقايا الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام بمحض عقولهم وأهوائهم، وهذا الضابط مفيد جداً في تحرير الأعمال الموافقة للشرع، ذلك أن قبول العبادة منوط بأمرين هما تجريد القصد لله تعالى وتجريد المتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، فمتى اختل واحد من هذين الشرطين اختل العمل ورُد نسأل الله تعالى العافية من ذلك، ولئن كان حد البدعة واضحاً في الأمر المستحدث الذي لا أصل له في الدين، فإنه قد يلتبس على البعض بالنسبة لاستحداث صفة في العبادة التي لها أصلٌ في الدين، ولقد نبه الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى على جملة من هذه الصفات التي تضاد الشرع في معرض تعليقه على قيد مضاهاة الشريعة الوارد في تعريف البدعة فذكر أموراً تضاد بها البدعة الطريقة الشرعية منها:
1- وضع الحدود للعبادة: ومثال ذلك أن ينذر المكلف أن يصوم قائمأً، أو أن يقتصر على صنف من المأكل والمشرب، أو أن يلتزم صنفاً من الملبس ونحوه.
2- التزام كيفيات وهيئات معينة: ومثال ذلك الذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، والرقص والهز مع الذكر، ونحوه.
3- التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يدل دليل الشرع على تفضيل أو تخصيص ذلك الوقت المعين : ومثال ذلك تخصيص يوم النصف من شعبان بالصيام وليلته بالقيام.41(1/14)
فهذه صفات أدخلت على عبادات دل دليل الشرع على شرعيتها أعني العبادات، ولكن لم يدل على شرعية هذه الصفة المستحدثة. وهذا ضابطٌ عظيم في تمييز كثير من البدع، وإن كثيراً من اللبس على العوام يحدث بسبب غياب هذا الضابط، فعلى سبيل المثال تجد كثيراً من المسلمين يستشكلون الإنكار على اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، لأنهم يفعلون ذلك بدافع محبته صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم من الدين بل هي من الإيمان، ولكن كيفية التعبد لله تعالى بهذا الحب لا بد من أن تكون وفق طريقة الشرع، فالإنكار لا ينصب على التعبير عن حب النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ينصب على طريقة التعبير هذه التي تمثل كيفية في هذه العبادة لم يأذن بها الشرع ولم يدل عليها.
أما أدلة الشرع على عدم مشروعية العمل المتلبس بهذا الضابط فأذكر منها ما يلي:
1- قال الله تعالى:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"42، فهذا الدين كاملٌ في تشريعه وأحكامه وفروضه وسننه، ومن أتى بشيءٍ مُحدَثٍ ينسبه إلى الدين فقد نسب النقص إلى هذا الدين، وطعن في شهادة الله عز وحل على كمال الدين والعياذ بالله، بل ونسب الخيانة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن الماجشون: سمعت مالكاً يقول: من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله يقول:"اليوم أكملت لكم دينكم" فما لم يكن يومئذِ ديناً فلا يكون اليوم ديناً.43 اهـ.(1/15)
2- قال الله تعالى :" وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرَّق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"44، قال الإمام الشاطبي رحمه الله :" فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه وهو السنة، والسُبُل هي سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع، "45، قلت: وتأمل كيف جاء وصف الصراط المستقيم مفرداً في حين جاءت السبل المضاهية لطريق الشريعة بالجمع، وذلك بسبب تعدد الأهواء في مقابل طريق الحق. ولقد أجاد الإمام الشاطبي رحمه الله حيث نبه إلى أن هذه السبل الواردة في الآية لا يقصد بها المعاصي46 لأنها - أي المعاصي - لم توضع لمضاهاة التشريع، أي ليس أحد من الناس يقترف المعصية وهو يرى أنها معصية ويزعم أنه يتقرب إلى الله تعالى بذلك، أما السبل والطرق والكيفيات المستحدثة فإنهم يقصدون بها التعبد لله تعالى، وهذه قد تشمل في بعض الأحيان أفعالاً هي بحد ذاتها من المعاصي ولكن الذين يمارسونها على سبيل التعبد لا يرون أنها معصية في هذا السياق.(1/16)
3- عن ابن عباس قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجلٍ قائم، فسأل عنه، فقالوا أبو إسرائيل؛ نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" مُره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه"47، والشاهد هنا أن هذا الرجل قد أدخل على عبادة الصوم المشروعة صفةً غير مشروعة بقصد التعبد لله تعالى - بدليل أنه نذر ذلك والنذر لا يكون إلا للعبادة - فألغى النبي صلى الله عليه وسلم الصفة غير المشروعة التي أدخلها الرجل على العبادة، وهي أن يصوم واقفاً في الشمس من غير كلام، وهذا صريح في أن إدخال صفة على العبادة التي دل الشرع على أصلها يعتبر بدعة مذمومةً وأنه يعود على العبادة بالبطلان ما لم يقلع عن هذه الصفة، وهذا ينطبق على كل العبادات المشروعة في أصلها كالتهجد مثلاً، فإنه نفلٌ مطلق فلا يصح تقييده بزمانٍ أو مكانٍ يعتقد فضله بدون دليل شرعي، لأن هذا التقييد صفة زائدة على العبادة، وقد رد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلو اعتقد أن التهجد ليلة كل أربعاء له فضلٌ زائدٌ فهذه صفة بدعية لم يرد بها الشرع، وهكذا.
هذه بعض الأدلة التي تبين حقيقة هذا الضابط وأصله في الشرع، وهو ضابط مفيد جداً في تمييز كثير من البدع التي تشكل على الناس لأن لها أصل في الشرع ولكن بغير الصفة المقحمة فيها، ولعل التمسك بصفة العبادة الشرعية دون غلو وابتداع هو مقصود عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله:"اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة"48، ويفسره أيضاً قول حذيفة رضي الله عنه وكان مر بحلقة في المسجد :" اتقوا الله معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم، فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن تركتموه شمالاً ويميناً ضللتم ضلالاً بعيداً أو قال مبيناً"49، قلت: وواضح من سياق الحال أن التنبيه والإنكار منصبٌ على صفة العبادة وإلا فإن أصل قراءة القرآن وتدارسه قد دل عليه دليل الشرع، فتأمل.(1/17)
الضابط الثالث : البدعة تكون فعلية أو تركية:
وهذا الضابط الثالث يراد منه بيان أن البدعة لا تقتصر على اقتراف ما ليس بمشروع، بل قد تكون البدعة بترك ما هو مشروع، إذا كان مقصود هذا الترك التعبد لله تعالى بذلك، ولقد نبه الإمام الشاطبي رحمه الله على هذا حيث أشار في تعليقه على تعريف البدعة إلى أنه يدخل في عموم لفظها البدعة التركية إضافة إلى البدعة غير التركية، قال رحمه الله:" فقد يقع الابتداع بنفس الترك تحريماً للمتروك أو غير تحريم"50 ، ولكن مسألة الترك هذه بحاجة إلى تحرير، فليس كل ترك يعتبر بدعة، وإنما ينظر في هذا الذي تركه المكلف هل تركه لسبب معتبر شرعاً أو لا؟ فإن كان سبب الترك معتبر شرعاً - كأن يترك طعاماً يضره في صحته- فهذا لا حرج فيه من جهة حفظ النفس، وهو مقصد معتبر شرعاً، أو تركه خشية الوقوع في المحذور كترك المتشابه استبراءً لدينه وعرضه فهذا لا حرج فيه من جهة حفظ الدين، وهو بلا شك مقصدٌ معتبر شرعاً، أما إن كان الترك بغير سبب معتبر، فلا يخلو من أن يكون مجرد عبث لا يقصد به التعبد أو يقصد به التعبد؛ أما الأول فلا يعتبر بدعة لانخرام الضابط الأول ولكن يحترز من اعتقاد تحريم ما أحل الله، وأما الثاني فهو المقصود من وصف البدعة هنا وهو التعبد لله تعالى بترك ما أباحه الله تعالى، كأن يتعبد لله تعالى بترك لبس القطن أو بترك أكل الفاكهة، وإليك الدليل على ذلك:(1/18)
1- قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"51، وفي الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود قال :كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا:"يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين""52، فهذا نصٌ صريحٌ في المنع من ترك المباحات مبالغةً في التعبد لله تعالى، قال إمام المفسرين ابن جرير في تأويل هذه الآية:" لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم، يعني بالطيبات اللذيذات التي تشتهيها النفوس وتميل إليها القلوب، فتمنعوها إياها كالذي فعله القسيسون والرهبان، فحرموا على أنفسهم النساء والمطاعم الطيبة والمشارب اللذيذة وحبس في الصوامع بعضهم أنفسهم وساح في الأرض بعضهم، يقول تعالى ذكره فلا تفعلوا أيها المؤمنون كما فعل أولئك ولا تعتدوا حد الله الذي حد لكم فيما أحل لكم وفيما حرم عليكم"53.
2- قال الله تعالى منكراً على المشركين :"وقالوا هذه أنعام وحرثٌ حِجرٌ لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعامٌ حُرِّمت ظهورها وأنعامٌ لا يذكرون اسم الله عليها افتراءً عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون"54، قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى ( افتراءً عليه):" أي على الله وكذباً منهم في إسنادهم ذلك إلى دين الله وشرعه فإنه لم يأذن لهم في ذلك ولا رضيه منهم"55، قلت: والآيات في القرآن التي تنكر على المشركين والكفار مثل هذه التحريمات كثيرة وكلها جاءت بلغة الإنكار، فلا حرام إلا ما حرم الله ولا حلال إلا ما أحل الله، ومن تعبد لله تعالى بشيء من التركيات ينسبه للدين بغير دليل أو إذن من الشرع فقد أعظم الفرية على الله، وبدهي أن تعبده هذا باطل وأن بدعته هذه مردودة.(1/19)
3- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" 56 ، فالنبي صلى الله عليه وسلم علل تعنت هؤلاء في العبادة بتوهم كونه دليلاً على التقوى والخشية لله تعالى، فبين لهم وللأمة صلوات الله وسلامه عليه أن هذا التلازم موهومٌ وباطل، وأن حقيقة الخشية والتقوى هي الوقوف عند أمر الله عز وجل بدليل أنه صلى الله عليه وسلم هو أتقى هذه الأمة وأخشاها لله، ومع ذلك لم يترك شيئاً مما أباحه الله تعالى معتقداً القربة في ذلك، ولهذا فإن العلامة الحقيقية لتقوى الله تعالى وخشيته هي تجريد متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الأسوة الحسنة الكفيلة بالوقوف عند حد الله وعدم تجاوز مقام العبودية بفعل أو ترك لم يأذن به الله تعالى.
والحقيقة أن الأدلة في هذا المقام كثيرة، ويكفي ما قدمنا لبيان المقصود بهذا الضابط وهو أن البدعة لا تقتصر على تعاطي الأمور المستحدثة في الدين بالفعل، وإنما تشمل استحداث ترك مباحات طيبات بدافع توهم التقرب إلى الله تعالى بذلك، وهو ضابط مهم يقي المسلم من الوقوع في جملة من البدع قد لا يتنبه لها فيقع في الحرج في دينه ويفارق منهج نبينا صلى الله عليه وسلم.
الضابط الرابع: البدعة ما توافر دافعه وارتفع مانعه زمن النبوة:(1/20)
لقد أشار الإمام الشاطبي في كتابه النفيس الموافقات إلى أمر دقيق جداً فيما يتعلق بسكوت الشارع عن تشريع أمرٍ ما، أو بيان شرعية العمل به مع قيام المعنى المقتضي له، حيث نبه إلى أن سكوت الشارع عن الحكم يكون على ضربين اثنين؛ أحدهما أن يسكت الشرع عن الحكم لأن الداعي إليه والمقتضي له لم يوجد زمن النبوة، وإنما حدثت النازلة المقتضية لهذا الحكم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القسم تجري فروعه على أصول الشرع المقررة، فيعرف الحكم من جهتها بالنظر الصحيح والقياس ونحوه، والضرب الثاني هو ما سكت الشارع عنه مع وجود المقتضي له زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقرر له حكماً زائداً على ما كان في زمانه صلى الله عليه وسلم، فهذا الضرب من السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص، لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لتشريع الحكم العملي موجوداً ثم لم يشرع الحكم دلالةً عليه، كان ذلك صريحاً في أن الزائد على ما كان هنالك - أي زمن النبوة - بدعة زائدة ومخالفة لما قصده الشارع.57
وهذا الذي أشار إليه الإمام الشاطبي في غاية الحسن، ولعله يحتاج إلى تحرير بسيط فأقول والله المستعان إن هذه الشريعة شريعة كاملة تفي حاجة الناس إلى آخر الزمان، وإن النوازل المقتضية لحكم الشرع عليها لا تنتهي، فمنها ما قد حدث زمن الوحي ومنها ما يحدث بعد زمن الوحي، فأما ما يحدث بعد الزمن الوحي ولا سابق له في زمن الوحي فلا يخرج عن كونه جزئية أو فرعاً له أصلٌ في الشرع مقررٌ بحيث يمكن قياسه أو تخريجه عليه، ودليل ذلك نصوص الشرع الناطقة بكمال التشريع وبلزومه للناس إلى قيام الساعة، وهذا أمر مستفيض بل معلوم من الدين بالضرورة، وأما ما حدث زمن الوحي فهذا قد حكم الشرع عليه إما صراحةً أو ضمناً، فأما صراحة فببيان الحكم عليه كما حدث في مسألة الأسرى يوم بدر مثلاً، وأما ضمناً فبالسكوت عنه مع وجود ما يقتضيه وهذا السكوت على درجات هي:(1/21)
1- إما أن يكون السكوت عن حدٍ زائد على ما قرره الشرع: ومثال ذلك التشريعات العملية المتعلقة بحب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن المقتضي الشرعي والعقلي لحب الرسول صلى الله عليه وسلم موجود زمن الوحي، وقد أقر الشرع التشريعات العملية المتعلقة بالدلالة على هذا الحب كتفضيله صلى الله عليه وسلم على النفس وكالصلاة عليه وكعدم رفع الصوت بحضرته وعدم مناداته باسمه مجرداً، وسكت عما سوى ذلك كالاحتفال بيوم مولده ونهى عن صراحة عن بعض ذلك كالسجود له، فدل هذا السكوت على عدم مشروعية هذا الحد الزائد، لأنه لو كان مشروعاً لما سكت عنه الشارع كما أنه لم يسكت عن الصلاة عليه وعدم رفع الصوت بين يديه ونحو ذلك.
2- وإما أن يكون السكوت عن الأمر بالكلية ولربما كان الداعي والمقتضي له موجوداً ولكن ثمة موانع من تشريع العمل، ومثال ذلك جمع المصحف فإن الداعي له هو الحفظ وهذا الداعي لا شك أنه موجود زمن النبوة، ولكن منع من تقرير حكمه استمرار الوحي، فلما انقطع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم ارتفع المانع وبقي الدافع موجوداً، واحتاج الناس لأمر فوق ما كان مشروعاً زمن النبوة من حفظ وكتابة مفرقين في الصدور والسطور، فكان الأمر بجمع المصحف نوعاً من المصلحة المرسلة، ولا لعلاقة له بالبدعة البتة، وقل مثل هذا فيما أحدثه المسلمون من دواوين ووزارات وأنظمة للدولة ونحو ذلك.(1/22)
ولعل البعض يقول بعد هذا كله ، وما الدليل على كل ما تقدم؟ والجواب أن الدليل قد تقدم حيث أشرنا إلى أن كمال الشريعة يقتضي هذا الذي قرره الإمام الشاطبي ، فلقد قال الله تعالى:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"58، فكون الشريعة كاملة يستلزم ما ذكرناه من أن كل الأحكام التي يحتاجها المكلفون قد بينها الشرع إما صراحةً أو ضمناً ، وإما بذكر آحادها أو بتقرير الأصول التي تتفرع عليها هذه الآحاد والجزئيات، ويشهد لهذا أيضاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما بقي شيء يُقرِّب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم"59، وذكره المنذري عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب من النار إلا وقد نهيتكم عنه"60، قلت: وهذا يصلح أن يكون دليلاً عاماً على ما ذكرنا، ويدل عليه كلام الشاطبي رحمه الله حيث قال:" ودل على أن وجود المعنى المقتضي مع عدم التشريع دليل على قصد الشارع عدم الزيادة على ما كان موجوداً قبل، فإذا زاد الزائد ظهر أنه مخالفٌ لقصد الشارع فبطل"61، فإذا نظرنا إلى الداعي للتشريع عموماً وجدنا الرسول صلى الله عليه وسلم قد صرح به في الحديث ألا وهو القرب من الجنة والبعد من النار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكل ما حكم به الشرع من أحكام عملية تدل على ما يقتضيه هذا الدافع، وعليه فإن كل ما يأتي به أحد مما لم يَرِد عن طريق الشرع فإنه لا يحقق مقصود الشرع ولا يدل على مقتضاه، وإن من أتى ببدعة يزعم أنه تقرب إلى الله تعالى فقد كذَّب محمداً صلى الله عليه وسلم في قوله إنه بين لنا كل ما يقرب من الجنة ويبعد من النار حاشاه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، والذي يطالب بدليل بعد هذا فإنما هو مُكابرٌ جَحود لا شأن لنا به.(1/23)
بهذا تجتمع لنا أربعة ضوابط تبين لنا حد البدعة بياناً شافياً يمكن أن نلخصه بقولنا : البدعة هي التعبد لله تعالى بما ليس له أو لصفته أصل في الشرع بالفعل أو الترك وكان الداعي إليه موجوداً والمانع مفقوداً زمن الوحي.
ولقد أطلت في هذا المطلب قليلاً لأن موضوع البحث كله مفرعٌ عليه، إذ لا يمكن المضي في بيان الأثر السيء للبدعة على الأمة قبل أن تتصور ماهية البدعة اصطلاحاً، ويستقر في الأذهان قبح هذه البدع شرعاً وعقلاً، وهنا مسألة وهي أنه لما أطلنا النفس في بيان وتحرير ضوابط البدعة فكذلك يجب أن يكون الدعاة إلى طريق السنة طويلي النفس مع من تلبسوا بالبدع، لا يأخذونهم بالشدة في موضع الرأفة ولا يحملونهم على الظن السيء ما وسعهم الظن الحسن، وليكن حال الداعي إلى السنة مع من خالف رسم النبوة كحال الطبيب مع المريض تلبسه المرض فجعل يترك الدواء تبرماً ويعرض عنه تسخطاً، ولكنه في قرارة نفسه محتاج لهذا الدواء لا غني له عنه - بعد الله - في صلاح نفسه وبدنه، فليتأمل.
المبحث الثاني: أثر البدعة في الأمة :
إذا علم أن البدعة ليست من الشرع فهي بالضرورة مضادة له، والدليل على ذلك أن الشرع قد حذر من هذه البدع ونهى عنها، ومعنى هذا أن البدعة ليست من أمور المباح التي يسع المرء فعلها أو تركها، بل هي من جنس المرض الذي لا بد من استئصاله لصلاح البدن، ولعل هذا المبحث الذي نستعرض فيه آثار البدع يؤكد لنا هذه الحقيقة بما لا يدع مجالاً للشك إن شاء الله تعالى. ولسوف أستهل هذا المبحث إن شاء الله ببيان الأثر العام المترتب على ظهور البدع والانتساب إليها والاجتماع عليها في مقابل منهج أهل الحق، ثم أستعرض بتفصيل مناسب بعض الآثار المترتبة على ظهور البدع في الأمة.
المطلب الأول: أثر البدعة في ظهور التفرق والاختلاف في الأمة:(1/24)
لقد صح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة"62، ولقد جاء هذا الحديث بروايات عدة خرجها الإمام الزيلعي رحمه الله حيث قال :" في الحديث (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وهي الناجية وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين كلها في الهاوية إلا واحدة) قلت63: روي من حديث أبي هريرة ومن حديث أنس ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث معاوية ومن حديث عمرو بن عوف المزني ومن حديث عوف بن مالك ومن حديث أبي أمامة ومن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم"64 ثم أخذ يسرد هذه الطرق عن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم، ولعلي أثبت هنا ما ذكره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة"65، قال الترمذي حديث حسن صحيح وزاد الترمذي كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي"66، وإنما أثبت هذه الزيادة لأهميتها في تحرير ضابط الفرقة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.(1/25)
هذا الحديث هو حديث الباب كما يقال، ولقد اعتنى العلماء والمحققون به سنداً ومتناً بما لا مجال للخوض فيه في هذه العجالة، وموضع الشاهد في بحثنا هذا هو حصول الافتراق في أمة محمد صلى الله عليه وسلم مع تحرير ضابط هذا الافتراق ألا وهو مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل هذا الضابط قد جاء صريحاً في حديث الصحيح عند مسلم من حديث حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال:"نعم". فقلت : هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال:" نعم، وفيه دخن" قلت: وما دخنه؟ قال:"قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر" فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال:" نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها" فقلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال:" نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال:" تلزم جماعة المسلمين وإمامهم". فقلت : فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال:" فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك" 67.
فهذان الحديثان يقرران لنا جملة من الأصول المهمة في مسألة الافتراق منها :
1- إن هذا الافتراق حاصل في الأمة قدراً لا أنه مرضي شرعاً، بل إن توطئة الخبر بذكر ما كان من الافتراق في بني إسرائيل دليل على أن سبب هذا الافتراق مخالفة الأمر الشرعي بلزوم السنة، وهذا ما عبر عنه الإمام الشاطبي رحمه الله بقوله إن الاختلاف المقصود في هذا الباب هو الاختلاف الكسبي 68(1/26)
2- إن البدعة التي تؤدي بأهلها إلى هذا النوع من الافتراق تكون مخالفتها للملة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعده، لا في جزئي من الجزئيات اللهم إلا أن تكثر الجزئيات فإنها حينئذٍ تجري مجرى الكلي69، ويمكن الاستدلال على هذا باستدلال لطيف من حديث الافتراق المتقدم؛ فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر افتراق بني إسرائيل ثم ذكر افتراق النصارى وزادهم فرقة ثم ذكر افتراق أمة الإسلام وزادهم فرقة، فإذا اعتبرنا أن المقصود بأمته صلى الله عليه وسلم أمة الدعوة - وهو وجه في هذا الحديث - فإننا نرى أن اليهود افترقوا إحدى وسبعين فرقة إلى أن جاءهم عيسى عليه السلام فآمنت به طائفة وكفرت طائفة فكانت هذه التي كفرت به فرقة جديدة افترقت على أمر كلي في الدين يتعلق بالإيمان بنبي من أنبياء الله عز وجل هو عيسى عليه السلام، فأصبحوا ثنتين وسبعين فرقة، ثم جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم فآمنت به طائفة من النصارى وكفرت طائفة، فهذه التي كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم قد أحدثت أمراً في مسألة كلية من مسائل الدين وفارقت الجماعة بالكفر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدونه في كتابهم فزادت الفرق فرقة أخرى، ولست أقصد بهذا التأمل أن أثبت مفهوم عدد السبعين لأن الراجح فيه أنه لمطلق التكثير كما هو عند العرب، وإنما أردت أن أثبت أن ذكره صلى الله عليه وسلم فرقة زائدة في كل أمة إضافة إلى السبعين يقوي اعتبار مفهوم هذا العدد الزائد عن السبعين، ولا وجه لاعتباره إلا ما ذكرت من كفر طائفة من هذه الأمم بالنبي الذي بعث إليهم آخراً70، ووجه الدلالة هنا أن الافتراق إنما حصل بالاجتماع على أصل كلي بدعي فارقت به الفرقة منهج أهل الحق، والله تعالى أعلم.(1/27)
3- إن ضابط الفرقة إذاً هو الاجتماع على أصل بدعي تفارق به جماعة المسلمين منهجاً أو حساً أو منهجاً وحساً، وهذا صريح في قوله صلى الله عليه وسلم :" قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر"71، وهو ما يشعر به قوله صلى الله عليه وسلم في بيان صفة الملة الناجية حيث قال:" ما أنا عليه وأصحابي"72 فهذا يُفهم بالمخالفة أن ما ليس على نهجه صلى الله عليه وسلم ونهج صحابته فإنه ليس من الملة الناجية، وقد تقدم أن هذا الأصل البدعي إما أن يكون كلياً من الدين أو يكون اجتماع جزئيات كثيرة فينزل منزلة الكلي بسبب ما يؤول إليه من معارضة قسم كبير من الدين.
4- إن تهدد باقي الفرق بالنار وعيدٌ لا يستلزم الكفر وإن كان يحتمله، ولعل الصحيح في هذا المقام أن من هذه الفرق من يخرج بمفارقته الجماعة عن دائرة الإسلام فيكفر فيكون توعده بالنار نافذاً من جنس توعد الكفار بها، وتكون نسبة هذه الفرق إلى أمته صلى الله عليه وسلم باعتبار ادعائها ذلك، ومنها ما لا يخرج عن دائرة الإسلام العامة فيكون الوعيد من جنس وعيد عصاة الموحدين فهو في خطر المشيئة إن شاء الله عذبه بالنار وإن شاء عفا عنه، وتكون نسبة هذه الفرق إلى أمته صلى الله عليه وسلم نسبة صحيحة وإن كان فيها دخن كما بين النبي صلى الله عليه وسلم. وبهذا التحرير يندفع الإشكال الذي يورده البعض على حديث الافتراق ويزعمون به أن أهل الحق المنتسبين إلى نهج السنة والجماعة يسلطون سيف التكفير على رقاب الأمة، وهي فرية لا حظ لها من الحقيقة كما تبين.(1/28)
هذه بعض الملاحظات التي أردت أن أثبتها في هذا المقام، حيث إنها تعين إن شاء الله على تصور ما يلي من بيان الآثار السيئة للبدع على هذه الأمة، والتي يمكن تلخيصها في أمر واحد هو الاختلاف والفرقة المذمومة، فالبدعة بكل بساطة طريق سالك إلى الفرقة والاختلاف المذمومين، لقد ثبت ذم هذا الاختلاف في نصوص كثيرة (منها) قوله تعالى:" ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات"73، قال الإمام السيوطي رحمه الله:" أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الإختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين الله"74، و(منها) قوله تعالى:"إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء"75 قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:" وكانوا شيعاً :أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات فإن الله تعالى قد برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه"76، و(منها) قوله تعالى:"ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزبٍ بما لديهم فرحون"77، قال الإمام الطبري رحمه الله :" وقوله (كل حزب بما لديهم فرحون) يقول كل طائفة وفرقة من هؤلاء الذين فارقوا دينهم الحق فأحدثوا البدع التي أحدثوا (بما لديهم فرحون) يقول بما هم به متمسكون من المذهب فرحون مسرورون يحسبون أن الصواب معهم دون غيرهم"78، قال الإمام الطبري رحمه الله :" (فتفرق بكم عن سبيله) يقول فيشتت بكم إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق ولا أديان"79. قلت: فهذه النصوص كلها صريحة في ذم الاختلاف والتفرق، وأقوال المفسرين كلها مجتمعة على أن المراد بهذا التفرق مخالفة الجماعة حساً ومنجهاً على أصل بدعي مستحدث يمس كلياً من كليات الدين، على تعدد بينهم في التمثيل لذلك فبعضهم يذكر اليهود والنصارى وبعضهم يذكر أهل الاهواء في هذه الملة والحق أن الذم يتعلق بكل ذلك لأنه مخالف لرسم النبوة بلا خلاف.(1/29)
المطلب الثاني : الآثار التفصيلية للبدع في الأمة:
لقد تقدم معنا في تاريخ ظهور البدع80 نبذة عن التطور التاريخي لأبرز البدع الكلية في هذه الأمة، وذكرنا قول من قال إن بدعة الخوارج كانت أول ما ظهر وقول من قال إن بدعة القدرية هي أول ما ظهر من أصول الافتراق في هذه الأمة، ولقد رجحت في ذلك الموضع أن تكون الأولية أولية نسبية أي أن أول ما ظهر من الفرق التي فارقت الجماعة حساً باجتماعها هي على أصل بدعي هم الخوارج وأن بدعة القدرية كانت أول البدع الفكرية العقدية المنهجية ظهوراً كما هو في حديث ابن عمر عند مسلم في أول كتاب الإيمان81. ولعل هذه التوطئة تمهد لتقسيم أنواع آثار البدع السيئة في الأمة إلى القسمين التاليين:
أولاً: الافتراق العملي الحسي
ثانياً: الافتراق العلمي العقدي
وهذا التقسيم فيه شيء من التداخل لأن الافتراق الحسي لا يكون إلا باجتماع على أصل بدعي ضال، ولكن فائدة التقسيم تظهر من حيث الآثار المترتبة على الأمة كما سيظهر في الأمثلة التالية.
أولاً: الافتراق العلمي العقدي:(1/30)
إن أخطر آثار البدع تتمثل في معارضتها الشريعة في أصولها الكلية أو في منهج فهم وتطبيق نصوص الشريعة الدالة على هذه الأصول، حتى إذا تأصلت مثل هذه المحدثات واتخذها بعض المنتسبين إلى الإسلام معقداً للولاء والبراء فضلوا بذلك عن جادة الحق، حدث الشرخ بين هذه الجماعة وبين جماعة الإسلام الأصيلة المتمسكة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا التسلسل في نشأة الفرقة والخلاف قد دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال العرباض بن سارية :صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال:" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" 82 ، والشاهد في قوله صلى الله عليه وسلم (وكل بدعة ضلالة) فإن الضلالة لا يمكن أن تصل بالمرء إلى صراط ربه المستقيم، وقد صح في الحديث أيضاً عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد"83، وعليه يمكن تلخيص أهم الآثار السيئة للبدع في مجال العقيدة فيما يلي:(1/31)
1- الضلال : فالبدعة والضلال قرينان، فأينما وجدت البدعة وجدت الضلالة، قال الله تعالى :" وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله"84، قال الإمام الطبري بسنده عن مجاهد :(ولا تتبعوا السبل) : البدع والشبهات"85، وعن قتادة قال:" (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم): قال صاحب بدعة يدعو إلى بدعته"86، وأكثر ما يكون هذا النوع من الضلال ناجماً عن اتباع الهوى ممن قدموا عقولهم وأهواءهم وتحسيناتهم العقلية على نصوص الشرع فاعتقدوا أموراً واعتمدوا آراءً ثم أخذوا يلوون أعناق النصوص لتوافق هواهم فهؤلاء الذين قال الله تعالى فيهم:" فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"87، وإن خطر هؤلاء على الأمة عظيم جداً لأنهم - كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :"دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها"88.(1/32)
2- الخلل المنهجي: إن من أسوأ ما باءت به الأمة جراء استشراء البدع ظهور الخلل العميق في منهج فهم نصوص الشريعة وتطبيقها، وهذا قد أدى بدوره إلى تشتت وتشرذم الأمة كلٌ يسير وفق هواه، وكل يطوع الدين لغايته ومبتغاه، ولقد وعى حبر هذه الأمة وترجمانها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما هذا الداء فعن إبراهيم التيمي قال: خلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم يحدث نفسه، فأرسل إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وكتابها واحد وقبلتها؟ فقال ابن عباس:" يا أمير المؤمنين، إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيم أنزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يعرفون فيم نزل، فيكون لكل قوم فيه رأي، فإذا كان لكل قوم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا". فزبره عمر وانتهره فانصرف ابن عباس، ثم دعاه بعد فعرف الذي قال، ثم قال: إيه أعد علي"89، قلت: وإنما نهره عمر رضي الله عنه استعظاماً لهذا الذي ذكره ابن عباس لا إنكاراً لما قاله فلقد علم أن ما قاله هو الحق، وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما هو الذي جر على هذه الأمة الويلات، وتأمل كيف ظهر هذا الخلل المنهجي في الأمة عندما بدأ البعض يسير في فهم النصوص سيراً ما سبقه إليه أحد ممن شهد الوحي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر في الفتح:" وأخرج البيهقي بسندٍ جيدٍ عن عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك، فدخل رجلٌ فقال: يا أبا عبد الله الرحمن، "على العرش استوى"، كيف استوى؟ فأطرق مالك، فأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه فقال:" الرحمن على العرش استوى" كما وصف به نفسه، ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وما أراك الا صاحب بدعة، أخرِجوه"90، وقل مثل هذا في كل خلل منهجي استحدثه أهل البدع كتحكيم العقل في النقل كما هو مذهب المعتزلة والقول بوجود معان باطنة خفية للقرآن لا يعلمها إلا آحاد من الأئمة كما يدعيه الباطنية وغيرهم، ولا زلنا نتجرع آثار هذا(1/33)
الخلل المنهجي في فهم نصوص عقيدتنا إلى يومنا هذا وما هذا إلا بسبب سلوك طريق البدعة، ولله در الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز حيث كتب إلى بعض عماله وفيه :" فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة واعلم أن من سن السنن قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والتعمق والحمق فان السابقين الماضين عن علم وقفوا وببصر نافذ كفُّوا"91، فكل منهج على خلاف منهج السنة فهو منهج خاطئ، والخير كل الخير في الوقوف عند ما وقف عليه من عاين الوحي وشهد التنزيل واستعصم بتصويب الوحي أو إقراراه لما فهم وطبق وعمل به من نصوص الوحي.(1/34)
3- خفوت السنة وضياعها: وهذا أثر خطير من آثار البدع على عقيدة الأمة وعلمها، ذلك أنه لا تظهر بدعة إلا بخفوت سنة، ولا تظهر سنة إلا بذبول بدعة تعارضها، فعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" ما يأتي على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا سنة حتى تحيا البدع وتموت السنن"92، وذكر الإمام الشاطبي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه أخذ حجرين فوضع أحدهما على الآخر فقال لأصحابه: هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟ قالوا: يا أبا عبد الله ما نرى بينهما من النور إلا قليلاً. قال:" والذي نفسي بيده لتظهرن البدع حتى لا يُرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور، والله لتفشون البدع حتى إذا تُرك منها شيء قالوا: تركت السنة"93، وقال الفضيل بن عياض:" أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وينهون عن أصحاب البدع "94،والنكتة في الأمر أن القصد إلى مرضاة الله ليس له إلا طريق واحد هو الصراط المستقيم، فإما أن ينشغل المكلف به وهو ما جاء عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم وإما أن ينشغل عنه، ولا يجتمع هذا الضدان أبداً، والدليل قوله تعالى:" اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب علهم ولا الضالين"95 فالتزام الصراط المستقيم يقتضي مباينة صراط أهل الجحيم، وكذلك فإن سلوك طريق السنة يقتضي مباينة طريق البدعة.(1/35)
4- بغض الحديث والتفريط فيه: وهذا أثر متعلق بالأثر السابق، إذ أنك لا تكاد تجد صاحب بدعة إلا وهو يبغض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن بقية قال: قال لي الأوزاعي: يا أبا محمد، ما تقول في قوم يبغضون حديث نبيهم؟ قلت: قوم سوء. قال: "ليس من صاحب بدعة تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف بدعته بحديث إلا أبغض الحديث"96، فإذا أبغض الناس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هلكت الأمة لا محالة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض"97 فمفهوم المخالفة لهذا الحديث يعني أن من ترك واحداً من الهديين فقد ضل، ولا شك أن بغض الحديث طريق إلى هجر سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم كما هو شأن أصحاب البدع والأهواء الذين تعييهم السنن فيبغضوها، فعن عمر بن الخطاب قال:" إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا"98.(1/36)
5- هدم الإسلام:وإنما كانت البدع طريقاً إلى هدم الإسلام لأنها تأتي بما يعارض الإسلام في أصوله وكلياته أو في كثير من جزئياته فلا يبقى للحق مقام ولا مقال، تأمل قول الله تعالى:" يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين"99، ومعلوم أن أهل الكتاب جاؤوا بأشنع البدع كبدعة الثالوث وبدعة الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض وبدعة الرهبنة كما جاء اليهود ببدع محدثة في صفات الله عز وجل فنسبوا إلى الله تعالى صفة الفقر واللغوب تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ولعنهم لعناً كبيراً إلى يوم القيامة، فكل من أحدث وابتدع صفات النقص ونسبها إلى ذات الله عز وجل فإن فيه شبهاً من أهل الكتاب وله فيهم سلف وهو على طريقهم في الزندقة وهدم الدين ماضٍ، وتأمل قول إبراهيم بن ميسرة قال:" ومن وقَّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام"100، وقال الفضيل بن عياض:" من أتاه رجل فشاوره فدله على مبتدع فقد غش الإسلام واحذروا الدخول على صاحب البدع فإنهم يصدون عن الحق"101، وعن ميمون بن مهران قال: قال لي ابن عباس : احفظ عني ثلاثاً؛ إياك والنظر في النجوم فإنه يدعو إلى الكهانة، وإياك والقدر فإنه يدعو إلى الزندقة، وإياك وشتم أحد من أصحاب محمد فيكبك الله في النار على وجهك"102، والشاهد قوله (وإياك والقدر فإنه يدعو إلى الزندقة) فالمقصود بالقدر الخوض فيه على نحو بدعة القدرية والجبرية، فدل على أن انتحال البدع سبيل الزندقة وهدم الدين.(1/37)
6- التلبس بالنفاق : والمقصود في هذا المقام أن انتشار البدع واستعلان أهلها بها مع سكوت أهل السنة عنهم وتقريرهم لما هم عليه - ولو بالسكوت - بل والاستئناس بمخالطتهم وعدم رؤية بأس بذلك هو علامة من علامات النفاق، تضافرت على هذا نقول السلف رحمهم الله، قال الفضيل رحمه الله :"إن لله ملائكة يطلبون حلق الذكر فانظروا من يكون مجلسك لا يكون مع صاحب بدعة فإن الله لا ينظر إليهم وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة"103، وقال أيضاً:" الأرواح جنوده مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالىء صاحب بدعة إلا من النفاق"104، وقال مصعب بن سعد:"لا تجالس مفتوناً فإنه لن يخطئك منه إحدى خصلتين إما أن يفتنك فتتابعه أو يؤذيك قبل أن تفارقه"105، وعن أبي قلابة قال:" لا تجالسوا أهل الأهواء فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون"106، وعن الحسن قال:" لا تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك"107، والنقول في هذا كثيرة جداً، قلت: ولعل الأصل في هذا النهي كله قوله تعالى:" وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم"108قال الإمام الطبري:" وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم"109.(1/38)
7- حبوط الإيمان: ذلك أن الإيمان عمل، والبدعة سبيل إلى حبوط العمل فهو يستلزم حبوط الإيمان، وهذا لعمري غاية الخسران، أما دليل حبوط العمل بالبدعة فقوله تعالى:"ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً"110، وحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"111، وعلى هذا المعنى تضافرت نقول السلف فعن الحسن قال: صاحب البدعة لا يزداد اجتهاداً صياماً وصلاةً إلا ازداد من الله بعداً"112، وعن الفضيل بن عياض قال:" لا تجلس مع صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه"113، وعن أيوب السختيانى قال:" ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا زاد من الله عز وجل بعداً"114، وعن محمد بن النضر الحارثي قال:" من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم أنه صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه"115 وغير هذا كثير يشهد لما قررناه.(1/39)
8- مرض القلب وقسوته: وإذا انتشر مرض القلب بين الناس انتشر في الأمة وفسدت وهلكت، والأصل في هذا قوله تعالى:" فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"116، وهذا الزيغ إن هو إلا مرض الشبهات التي يلقيها الشيطان في أفئدة القوم من أتباع الهوى، ولقد قال الفضيل رحمه الله:" صاحب البدعة لا تأمنه على دينك ولا تشاوره في أمرك ولا تجلس إليه فمن جلس إلى صاحب بدعة ورثه الله العمى"117، وقال عبد الله بن المبارك:" صاحب البدعة على وجهه الظلمة وإن ادهن كل يوم ثلاثين مرة"118 ، وكان يقول رحمه الله:" اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي"119، وغير هذا كثير مما يدل على تخوف السلف رضوان الله عليهم من تأثرهم بأصحاب البدعة وتسرب أمراضهم إلى قلوبهم، ولهذا كان من منهج كثيرٍ منهم مفارقة أهل البدعة وعدم مجالستهم بل وعدم مناظرتهم إلا للضرورة، وكل ذلك إمعاناً في هجر الوقاية منهم والنكاية بهم.
هذه جملة من الآثار السيئة للبدع التي يظهر أثرها في الافتراق العلمي والعقدي والمنهجي عن صراط أهل الحق، ولئن بقي عند شاك أو متردد شبهة حول خطورة ظهور هؤلاء في الأمة متوهماً أن السلامة تحصل بمجرد التزام باقي الأمة للصراط المستقيم دون اكتراث بخطر هؤلاء المبتدعة على الأمة بأسرها فليقرأ قوله تعالى:" واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب"120، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في رواية عن ابن عباس في تفسير هذه الآية:" أمر الله المؤمنين أن لا يُقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب، وهذا تفسيرٌ حسنٌ جداً"121، فتأمل.
ثانياً: الافتراق العملي الحسي:(1/40)
وهذا النوع الثاني من الافتراق يشترك مع النوع الأول في كل ما تقدم لأنه يقوم على أساس الاجتماع على أصل بدعي يفارق به الجماعة، ولكنه يزيد خطورة على النوع الأول بسبب آثاره الخطيرة على الجماعة المسلمة، وتأمل قول أيوب السختياني رحمه الله وكان يسمي أصحاب البدع خوارج ويقول:" إن الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف"122، وهذه الكلمة الجامعة تلخص لنا طبيعة الآثار السلبية للبدعة التي تتطور إلى درجة المفارقة الحسية العملية لجماعة المسلمين، وفيما يلي عرض لأبرز هذه الآثار:
1- التفرق والتشرذم والخروج عن الجماعة: والأصل في هذا ما حذر منه الله تعالى حيث قال:" أو يَلبِسَكم شِيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض"123، قال الإمام الطبري بسنده عن مجاهد : ( أو يلبسكم شيعاً) : الأهواء المفترقة"124، ولعمري إن هذا لهو كفران النعمة فلقد امتن الله تعالى على هذه الأمة بالجماعة وبالاعتصام بحبله المتين حيث قال تعالى:"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً"125، قال الإمام الطبري بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في قوله (واعتصموا بحبل الله جميعاً) قال:"الجماعة"126، وتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم :"إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان127" قلت : تأمل هذا الحديث لتدرك خطورة هذا الافتراق والتشرذم حتى أباح النبي صلى الله عليه وسلم دم من تربص للأمة به.(1/41)
2- استحلال السيف في رقاب المسلمين: عن ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"128، فلا يستغرب لمن انتحل البدعة وخالف السنة أن تكون أولى ثمار بدعته هذه استحلال السيف في رقاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان، وهاك نموذجاً من تأويلات الخوارج الباطلة واستحلالهم الدم الحرام والعرض الحرام فعن حميد بن هلال قال: حدثني رجل من عبد القيس قال: كنت مع الخوارج فرأيت منهم شيئاً كرهته ففارقتهم على أن لا أكثر عليهم، فبينا أنا مع طائفة منهم إذ رأوا رجلاً خرج كأنه فَزِع وبينهم وبينه نهر، فقطعوا إليه النهر فقالوا: كأنا رعناك؟ قال: أجل. قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب بن الأرت. قالوا: عندك حديث تحدثناه عن أبيك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته يقول أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إن فتنة جائية القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، فإذا لقيتهم فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول فلا تكن عبد الله القاتل" قال: فقربوه إلى النهر فضربوا عنقه، فرأيت دمه يسيل على الماء"129. وليس الأمر خاصاً بالخوارج فحسب، فعن أبي قلابة قال:" ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف"130،
3- استباحة الأعراض والأموال المحرمة: ففي الحادثة التي سقناها عن الخوارج وقتلهم عبد الله بن خباب قال :" ثم دعوا بسرية له حبلى فبقروا عما في بطنها"131، قلت: ووجه الدلالة أن السرية مال حرام وقد استباحوه بالإتلاف، وهي فرج حرام وقد عقروا بطنها وهتكوا عرضها، وهذا كله مفرع على تأويلاتهم الفاسدة التي استحلوا بها محارم الله .(1/42)
4- امتحان المسلمين: فأهل البدع يمتحنون الناس ويفتشون عما في قلوبهم لا سيما عند ظهور شوكتهم، ولقد عانت الأمة جراء ذلك ردحاً من الزمن كما كان من محنة خلق القرآن حين ظهرت شوكة المعتزلة مع بعض الخلفاء العباسيين، وأياً ما كان فإن هذا المسلك هو مسلك أهل البدع يفارقون به أهل السنة والجماعة، فأتباع منهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمتحنون الناس فلقد قال الله تعالى :" يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيَّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا"132،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تُخفروا الله في ذمته"133، قال الحافظ ابن حجر في شرحه :" وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر , فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"وتجوز الصلاة خلف كل مسلم مستور الحال باتفاق الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين، فمن قال : لا أصلي جمعة ولا جماعة إلا خلف من أعرف عقيدته في الباطن فهذا مبتدع مخالف للصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وأئمة المسلمين الأربعة وغيرهم والله أعلم"134،فالحاصل أن أتباع منهج الصحابة يأخذون بظواهر الناس التي قررها الشرع ولا ينقبون عما في قلوبهم ولا يمتحنون الناس بسؤالهم ماذا تقول في كذا وماذا تعتقد في كذا، وإنما هذا التفتيش والامتحان مسلك أهل البدع لأنهم محتاجون إلى هذا القمع حيث أعوزهم الدليل الشرعي والحجة العقلية.(1/43)
وبعد، فهذه أهم الآثار العملية السيئة المترتبة على ظهور البدع وفشوها في الأمة، ولقد تبين من خلال هذا العرض الموجز لها أن أمر البدع كلها سيء وأن مآلها كلها إلى سوء، وأن لا مندوحة للأمة عن الاعتصام برسم النبوة للنجاة من هذه الفتنة التي تكاد تأتي على كل شيء، نسأل الله السلامة من ذلك.
الخاتمة:
إنه مهما أعيت المنافحَ عن السنة الحيلةُ في رد الخصوم وبيان تهافت الضلالات فإن له ملاذاً آمناً لا يخذله البتة ألا وهو قوله تعالى:" ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً"135، ومعلوم أن هذا التحاكم إنما ينضبط بمنهج الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كما تقدم في قوله تعالى:" ومن يشاقق الرسولَ من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولى ونُصلِه جهنم وساءت مصيراً"136، قال الإمام أحمد رحمه الله: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم"137، ولهذا فإنك مهما وجدت صاحب فرقة وهوى يزعم الانتساب إلى الكتاب والسنة، فإنك لن تجده ينتسب إلى منهج الصحابة البتة، بل إن علامة أهل الفرقة ترك منهج الصحابة، وأمامك تاريخ الفرق وأهل الأهواء تأمله وراجعه لتوقن أن أحداً منهم لا ينتسب إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء، ناهيك عن أن ينتسب إليهم بأصلهم البدعي المفارق، فمهما لبَّس هؤلاء بتأويل آية متشابهة أو حمل حديث على غير وجه الحق فلنخاصمهم بسنن الصحابة رضوان الله عليهم فإن كان لهم فيهم سلف وإلا، فهم صدر هذه الأمة ؛ إجماعهم حجة لازمة واختلافهم رحمة واسعة، ولن تجد الحق خارجاً عن مجموع أقوالهم البتة، فتأمل.
ومما تقدم في هذا البحث يمكن استخلاص ما يلي:(1/44)
1- إن البدعة بمعناها الشرعي مذمومة البتة، وإن أي سياق استحسن شيئاً من البدع ممن يعتد بقوله فإنما يدور ذلك على معنى لغوي أو معنى اصطلاحي خاص لا ينازع الأصل الذي قررناه، ولا مشاحة في الاصطلاح.
2- إن للبدعة ضوابط لا بد من تمييزها حتى يتمكن طالب العلم والعالم من ضبط مصطلح البدعة ومعرفة ما يجب قمعه مما يحتمل السكوت عنه مما ليس ببدعة كمصلحة مرسلة ونحوها.
3- إن تاريخ الفرقة والاختلاف في هذه الأمة قديم وهو سائر على سنن الأمم الماضية، والنكتة في ذلك أن بعض هذه الأمة قد سلك مسلك الأمم الماضية في الاختلاف على نهج أنبيائها، فخالف بعض المنتسبين لهذه الأمة رسم النبوة المعصوم وانتهوا إلى آراء وأهواء سلكت بهم كل مسلك سوى الحق، فضلوا وأضلوا.
4- إن ثبوت الافتراق في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قبيل الأمر القدري الكوني فلا حجة فيه لأحد البتة، وإنما كان مجيئه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزاً من جهة التنبؤ بما لا علم له به صلى الله عليه وسلم إلا بوحي من الله سبحانه وتعالى، أما الأمر الشرعي فواضح في الدعوة إلى الوحدة والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف.
5- إن آثار البدع السيئة على الأمة تتناول كلاً من أمنها العقائدي وأمنها الاجتماعي السياسي نتيجة الويلات التي تجرها عليها في كل من المحورين، وحري بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تنهض للدفاع عن سنة نبيها صلى الله عليه وسلم فتميت البدعة وتحيي السنة وتلتزم رسم النبوة كما حفظه الله تعالى لنا خروجاً من العهدة وإبراءً للذمة أمام الله عز وجل.
وختاماً، أسأل الله تعالى القبول لما وفقت إليه من صواب والعفو عما زل به القلم، وأسأله تعالى أن يستعملنا في نصرة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقمع ما سواها، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وسيم محمود فتح الله
…………فهرس المراجع(1/45)
أصول السنة - الإمام أحمد- دار السلام - القاهرة_الطبعة الثانية -1999
الاعتصام - الإمام الشاطبي - دار المعرفة - بيروت - الطبعة الأولى - 1997
الاعتقاد - البيهقي- دار الآفاق الجديدة - بيروت - الطبعة الأولى - 1401
اعتقاد أهل السنة - اللالكائي- دار طيبة - الرياض - 1402
إغاثة اللهفان - ابن قيم الجوزية - دار الحديث - القاهرة - 2002
تخريج الأحاديث والآثار - الإمام الزيلعي - دار ابن خزيمة - الرياض - الطبعة الأولى - 1414
الترغيب والترهيب - المنذري - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى - 1417
التعريفات - الجرجاني - دار الكتاب العربي - بيروت - الطبعة الأولى - 1405
تفسير ابن أبي حاتم - الإمام عبد الرحمن بن إدريس الرازي - المكتبة العصرية - صيدا
تفسير الطبري - الإمام الطبري - دار الفكر - بيروت - 1405
تفسير القرآن العظيم - الإمام ابن كثير - دار الفكر - بيروت - 1401
جامع العلوم والحكم - البغدادي - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة السابعة - 1417
حلية الأولياء - الأصبهاني - دار الكتاب العربي - بيروت - الطبعة الرابعة - 1405
الدر المنثور في التفسير بالمأثور - السيوطي - دار الفكر - بيروت - 1993
السنة - الإمام المروزي - مؤسسة الكتب- بيروت - الطبعة الأولى - 1408
سنن ابن ماجة - الإمام ابن ماجة - دار الفكر - بيروت
سنن أبو داود - الإمام أبو داود السجستاني - دار الفكر - بيروت
سنن الترمذي - الإمام الترمذي - دار إحياء التراث - بيروت
سنن الدارقطني - الإمام الدارقطني - دار المعرفة - بيروت - 1386
سنن الدارمي - الإمام الدارمي - دار الكتاب العربي -بيروت - الطبعة الأولى - 1407
سنن سعيد بن منصور - سعيد بن منصور الخراساني - الدار السلفية - الهند - الطبعة الأولى - 1403
شرح صحيح مسلم - الإمام النووي - دار إحياء التراث - بيروت - الطبعة الثانية - 1392(1/46)
شرف أصحاب الحديث - أحمد بن علي البغدادي - دار إحياء السنة - أنقرة
شعب الإيمان - البيهقي - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى - 1410
صحيح البخاري - الإمام البخاري - دار ابن كثير - بيروت - الطبعة الثالثة - 1407
صحيح مسلم - الإمام مسلم - دار إحياء التراث - بيروت
صفة الصفوة - محمد أبو الفرج - دار المعرفة - بيروت - الطبعة الثانية - 1399
فتح الباري - الحافظ ابن حجر - دار الفكر - بيروت
القاموس المحيط - الفيروزآبادي - مؤسسة الرسالة - 1997
لسان العرب - ابن منظور - دار صادر - بيروت - الطبعة الأولى
مجموع الفتاوى - ابن تيمية - دار الجيل - بيروت
مختار الصحاح - الرازي - مكتبة لبنان - بيروت - 1415
المستدرك على الصحيحين - الحاكم النيسابوري - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى - 1411
مصنف ابن أبي شيبة - أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي - مكتبة الرشيد - الرياض - لطبعة الأولى - 1409
المعجم الكبير - الطبراني - مكتبة العلوم والحكم - الموصل - الطبعة الثانية - 1404
الموافقات- الإمام الشاطبي - دار الفكر - بيروت -
…………فهرس الموضوعات
الموضوع ……………………الصفحة
مقدمة……………………1
تمهيد……………………1
المبحث الأول: البدعة؛ تعريفها وضوابطها……………1
المطلب الأول: تعريف البدعة ………………2
المطلب الثاني : تاريخ ظهور البدع……………… 3
المطلب الثالث : ضوابط البدعة ………………5
المبحث الثاني: أثر البدعة في الأمة ………………16
المطلب الأول: أثر البدعة في ظهور التفرق والاختلاف في الأمة ………16
المطلب الثاني : الآثار التفصيلية للبدع في الأمة ……………20
الخاتمة ……………………28
1 لسان العرب - ابن منظور - 8/6
2 سورة الأحقاف - 9
3 القاموس المحيط - الفيروزآبادي - 906
4 مختار الصحاح - الرازي - 1/18
5 سورة البقرة - 117
6 التعريفات - الجرجاني - 1/62
7 الاعتصام - الشاطبي- 1/24
8 مجموع الفتاوى - ابن تيمية - 4/67
9 جامع العلوم والحكم - البغدادي - 1/266(1/47)
10 فتح الباري - ابن حجر - 13/253
11 صحيح مسلم - 2/741- حديث 1064
12 سورة الحاقة - 8
13 شرح صحيح مسلم - النووي - 3/132
14 صحيح مسلم - 1/15
15 صحيح مسلم - 2/743 - والنصل هو حديدة السهم، والرصاف مدخل النصل في السهم، والفوقة هو الحز الذي يجعل فيه الوتر
16 تفسير القرآن العظيم - ابن كثير - 4/455 (طبعة دار الفتح)
17 جامع العلوم والحكم - البغدادي - 1/130 بتصرف
18 اعتقاد أهل السنة - اللالكائي - 16/1
19 صحيح مسلم - 1/36-37
20 جامع العلوم والحكم - البغدادي - 1/130
21 إغاثة اللهفان - ابن قيم الجوزية - 114
22 سورة الذاريات - 56
23 سورة الحديد - 27
24 تفسير القرآن العظيم - ابن كثير - 4/316
25 الاعتصام - الشاطبي- 1/24
26 السابق - 1/26
27 سورة الشورى - 21
28 تفسير الطبري - 25/21
29 سورة النساء - 171
30 تفسير ابن أبي حاتم - 4/1180
31 سنن ابن ماجة - كتاب المناسك - باب قدر حصى الرمي- حديث 3029- 2/1008 ، وصححه الألباني رحمه الله
32 صحيح البخاري - 2/959 - حديث 2550
33 سورة يس - 38
34 صحيح البخاري - 3/1170- حديث 3027
35 سورة آل عمران - 31
36 صحيح مسلم - كتاب الأقضية - باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الامور - حديث 1718
37 سورة آل عمران - 31
38تفسير القرآن العظيم - ابن كثير - 1/359
39 الاعتصام - 27
40 الاعتصام - 26
41 الاعتصام - 25-26 بتصرف
42 سورة المائدة - 3
43 الاعتصام - 33
44 سورة الأنعام - 153
45 الاعتصام - 41
46 السابق - بتصرف
47 صحيح البخاري - كتاب الأيمان - باب النذر فيما لا يملك وفي معصية - 6/2465 - حديث 6326
48 المعجم الكبير - الطبراني - 10/207
49 السنة - المروزي - 1/30
50 الاعتصام - 28
51 سورة المائدة - 87
52 صحيح البخاري- كتاب النكاح - باب ما يكره من التبتل - 5/1953 - حديث 4787
53 تفسير الطبري - 7/8
54 سورة الأنعام - 138
55 تفسير ابن كثير - 2/181(1/48)
56 صحيح البخاري - كتاب النكاح - باب الترغيب في النكاح - حديث 4776 - 5/1994
57 الموافقات - الشاطبي - 2/287-288 بتصرف يسير
58 سورة المائدة - 3
59 المعجم الكبير - الطبراني - 2/155 - حديث 1647 وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم 1803
60 الترغيب والترهيب - المنذري - 2/339، ورواه الحاكم في المستدرك - كتاب البيوع - 2/5 - حديث 2136
61 الموافقات- 2/291
62 سنن الترمذي - كتاب الإيمان - باب ما جاء في افتراق هذه الأمة - 5/25 - حديث 2640 ، وفي الباب عن سعد وعبد الله بن عمرو وعوف بن مالك قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح -
63 القائل هو الإمام الزيلعي
64 تخريج الأحاديث والآثار - الزيلعي - أحاديث سورة الأنعام - 1/ 447-448
65 تقدم برقم 62
66 سنن الترمذي - كتاب الإيمان - باب ما جاء في افتراق هذه الأمة - 5/25 - حديث 2641
67 صحيح مسلم - باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن - 3/1475 - حديث 1847
68 الاعتصام - 438 بتصرف
69 الاعتصام - الشاطبي - 468 بتصرف يسير
70 هذا التأمل من كلامي ولا أجزم به وإنما هو أمر بدا لي من خلال التدبر في هذه الزيادة العددية التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وذلك عملاً بقاعدة "إعمال الكلام أولى من إهماله".
71 تقدم برقم 67
72 تقدم برقم 66
73 سورة آل عمران - 105
74الدر المنثور - السيوطي - 2/289
75 سورة الأنعام - 159
76 تفسير القرآن العظيم - ابن كثير - 2/179
77 سورة الروم - 31-32
78 تفسير الطبري - 21/34
79 تفسير الطبري - 8/88
80 راجع غير مأمور المطلب الثاني من المبحث الأول من هذا البحث
81 صحيح مسلم - 1/36-37
82سنن أبو داود - باب لزوم السنة - 4/200
83 صحيح البخاري - كتاب الصلح - باب إذا اصطلحوا على صلح جور - 2/959- حديث 2550
84 سورة الأنعام - 153
85 تفسير الطبري - 8/88
86 اعتقاد أهل السنة - اللالكائي - 1/115
87 سورة آل عمران - 7
88 تقدم برقم 67(1/49)
89 سنن سعيد بن منصور - 1/176، وذكره البيهقي في شعب الإيمان، والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع
90 فتح الباري - الحافظ ابن حجر العسقلاني- 13/407
91حلية الأولياء - 5/338
92 اعتقاد أهل السنة - اللالكائي - 1/92
93 الاعتصام - الشاطبي - 61 وقال الإمام الشاطبي رحمه الله أن ابن وضاح خرج هذا الأثر وغيره عن حذيفة رضي الله عنه
94 اعتقاد أهل السنة - اللالكائي - 1/138
95 سورة الفاتحة - 6-7
96 شرف أصحاب الحديث - أحمد بن علي البغدادي - 1/73
97 المستدرك على الصحيحين - الحاكم النيسابوري - 1/172، وأخرجه البيهقي وغيره
98 سنن الدارقطني - 4/146
99 سورة آل عمران - 100
100 اعتقاد أهل السنة - اللالكائي - 1/139، وذكره الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال مرفوعاً عن ابن عباس وفي إسناده مقال
101اعتقاد أهل السنة - اللالكائي - 1/137
102 اعتقاد أهل السنة - 4/633
103 اعتقاد أهل السنة - 1/138
104 السابق
105 شعب الإيمان - 7/61
106 الاعتقاد - البيهقي - 1/238
107 الاعتصام - 65
108 سورة النساء - 140
109 تفسير الطبري - 5/330
110 سورة النساء - 115
111 صحيح مسلم - باب نقض الأحكام الباطلة ورد الأمور المحدثة - 3/1343- حديث 1718
112 الاعتصام - 64
113 اعتقاد أهل السنة - 1/138
114 صفة الصفوة - 3/295
115 اعتقاد أهل السنة - 1/136
116 سورة آل عمران - 7
117 اعتقاد أهل السنة - 1/136
118 السابق - 1/141
119 السابق - 1/140
120 سورة الأنفال - 25
121 تفسير ابن كثير - 2/300
122 الاعتصام - 65
123 سورة الأنعام - 65
124 تفسير الطبري - 7/ 221
125 سورة آل عمران - 103
126 تفسير الطبري - 4/30
127 صحيح مسلم - باب حكم من فرق أمر المسلمين - 3/1479 - حديث 1852
128 صحيح البخاري - كتاب الفتن - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفاراً - 6/ 2593 - حديث 6666(1/50)
129 مصنف ابن أبي شيبة - 7/555 وأخرج عبد الرزاق مثله في المصنف
130 سنن الدارمي - 1/58
131 مصنف ابن أبي شيبة - 7/555 وأخرج عبد الرزاق مثله في المصنف
132 سورة النساء - 94
133 صحيح البخاري - كتاب الصلاة - باب فضل استقبال القبلة - 1/153
134 مجموع الفتاوى - 4/ 331
135 سورة النساء - 59
136 سورة النساء - 115
137 أصول السنة - الإمام أحمد
??
??
??
??
9(1/51)