بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فإن كتاب " أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة " لفضيلة الدكتور / محمود عبد الرازق الرضواني. من أفضل الكتب التي وقفت عليها مما ألف في موضوعه ولقد استفدت منه كثيرًا وكنت – ولا أزال – أحض من أعرفه من طلبة العلم على اقتنائه والاستفادة منه. وكنت ألاحظ فيه – وكذلك غيري من طلبة العلم – بعض الأخطاء ولكني كنت أتغاضى عنها في بداية الأمر لأنه ما من كتاب إلا وبه أخطاء، وأبى الله أن يصح إلا كتابه .
ولما ازدادت مطالعتي للكتاب ازدادت بالتالي كمية هذه الأخطاء التي لاحظتها، فأشار عليّ بعض إخواني أن أكتب هذه الملاحظات وأرسلها إلى فضيلة الدكتور / محمود عبد الرازق تعاونًا معه على الخير، وتنزيهًا لهذا الكتاب القيم مما وقع فيه من أخطاء، وبالفعل قمت بذلك واتصلت به هاتفيًّا وأخبرته بأنني سوف أرسل له مع بعض إخواني وريقات بها بعض ملاحظات على الكتاب فأصر أن يعرف مجملاً لهذه الملاحظات فأخبرته بها فأصر على موقفه ولم يبد أي تجاوب معي وقال مقالة عظيمة ما كنت أتوقع أبدا أن تصدر منه حيث قال لي: إنني اطلعت على خمس وثلاثين موسوعة إلكترونية لم يطلع عليها السلف الصالح .
فلما رأيت الأمر بهذه الصورة استخرت الله وعزمت على نشر هذه النقد في مقدمة أحد الكتب التي أقوم بتحقيقها في مجال " العقيدة " ولكن أشار علي أحد إخواني الفضلاء أن أفرده بالنشر حتى تعم الفائدة فاستجبت لطلبه مستعينًا بالله على تحقيق ذلك .
ولعل من الضرورة أن أشير إلى أهم تلك الأخطاء ليعلم القارئ أهمية هذا النقد. فأقول: يمكن حصر أهم الأخطاء في النقاط التالية :(1/1)
زعمه أنه لم يقم أحد من السلف الصالح ولا من علماء المسلمين وأئمتهم بإحصاء الأسماء الحسنى لعدم توفر الحاسب الآلي لديهم .
اشتراطه فحص جميع النصوص القرآنية والنبوية لإحصاء الأسماء الحسنى .
زعمه امتناع إحصاء الأسماء الحسنى بدون استخدام الحاسب الآلي .
ادعاؤه أنه أحاط علمًا بالسنة النبوية كلها .
عدم قبوله للحديث الحسن في باب إثبات الأسماء الحسنى .
رده كذلك للحديث الموقوف الذي له حكم الرفع .
زعمه أن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة تسعة وتسعون اسمًا فقط .
إخراجه لفظ الجلالة " الله " من التسعة والتسعين اسمًا .
جزمه بأن الأسماء التي قام بإحصائها هي المعنية بحديث " إن لله تسعة وتسعين اسمًا ... " .
تفسيره لحديث: " إن لله تسعة وتسعين اسمًا ... ". تفسيرا لم يقله أحد قبله .
وقوعه في أخطاء كثيرة نتيجة لاعتماده الكلي على الحاسب الآلي.
هذه هي أهم الأخطاء التي وقع فيها الدكتور، وسيجد القارئ أخطاء أخرى نبهت عليها في غضون هذه الرسالة ولم أستوعب كل الأخطاء الموجودة في الكتاب، ولكن ذكرت ما تيسر لي الوقوف عليه .
وليعلم القارئ الكريم أني لا أريد ببيان أخطاء هذا الكتاب أن أحط من قدره أو من قدر مؤلفه، بل إنما أريد الانتصار للحق بالحق، والدفاع عن السلف الصالح وعن عقيدتهم الطاهرة النقية الزكية، وتنزيها للكتاب عن الخطأ ما أمكن. فإن ذلك أدعى لإقبال الناس عليه واستفادتهم منه .
والله أسأل أن يجعل كتابي هذا خالصا لوجهه الكريم. وأن يتقبله مني بقبول حسن، وأن لا يخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
كتبه محمد محب الدين أبو زيد .
الدفاع عن السلف الصالح وبيان أن الإحصاء لا يتوقف
على استخدام الحاسب الآلي(1/2)
ذكر الدكتور ( ص: 14 ) أن ابن الوزير اليماني قال: (( تمييز التسعة والتسعين يحتاج إلى نص متفق على صحته أو توفيق رباني، وقد عدم النص المتفق على صحته في تعيينها فينبغي في تعيين ما تعين منها الرجوع إلى ما ورد في كتاب الله بنصه، أو ما ورد في المتفق على صحته من الحديث )) اهـ.
ثم علق الدكتور قائلًا: (( والرجوع إلى ما أشار إليه ابن الوزير مسألة أكبر من طاقة فرد وأوسع من دائرة مُجِدٍّ؛ لأن الشرط الأول والأساسي في إحصاء الأسماء الحسنى هو فحص جميع النصوص القرآنية وجميع ما ورد في السنة النبوية مما وصل إلينا في المكتبة الإسلامية، وهذا الأمر يتطلب استقصاءً شاملاً لكل اسم ورد في القرآن، وكذلك كل نص ثبت في السنة، ويلزم من هذا بالضرورة فرز عشرات الآلاف من الأحاديث النبوية وقراءتها كلمة كلمة للوصول إلى اسم واحد، وهذا في العادة خارج عن قدرة البشر المحدودة وأيامهم المعدودة؛ ولذلك لم يقم أحد من أهل العلم سلفًا وخلفًا بتتبع الأسماء حصرًا منذ أكثر من ألف عام، وإنما كان كل منهم يجمع ما استطاع باجتهاده أو ما تيسر له من جمع غيره واجتهاده. .. . لكن الله عز وجل لما يسر الأسباب في هذا العصر أصبح من الممكن إنجاز مثل هذا البحث في وقت قصير نسبيًّا، وذلك باستخدام الكمبيوتر والموسوعات الإلكترونية التي قامت على خدمة القرآن وحوت الآف الكتب العلمية واشتملت على المراجع الأصلية للسنة النبوية وكتب التفسير والفقه. .. ولم تكن هذه التقنية قد ظهرت منذ عشر سنوات تقريبًا، او بصورة أدق لم يكن ما صدر منها كافيًا لإنجاز مثل هذا البحث. .. )) أ هـ.
أقول:
هذا الكلام يحتوي على عدة أخطاء وبيانها كالتالي:
أولًا: زعم الدكتور أن فحص جميع النصوص القرآنية والنبوية شرط أساسي في إحصاء الأسماء الحسنى التسعة والتسعين.(1/3)
وهذا كلام لا دليل عليه، ولم يشترط أحد من العلماء هذا الشرط، وكلام الإمام ابن الوزير اليماني رحمه الله لا يدل عليه كما هو ظاهر. ودليل بطلان هذا الشرط: هو أنه لا يوجد أحد يتسطيع فحص جميع النصوص النبوية، مهما أوتي من علم وحفظ، وتوفرت له سبل البحث بواسطة الكمبيوتر أو غيره، كما سيأتي بيانه قريبًا. فإذا اشترطنا هذا الشرط أدى إلى إلغاء العمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة )). فتبين من ذلك أن هذا الشرط غير صحيح، (( وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل )) .
وقد أدى اشتراط الدكتور لهذا الشرط إلى أن يدعي أن مسألة الإحصاء أكبر من طاقة البشر وخارجة عن قدرتهم المحدودة وأيامهم المعدودة !!
وجوابًا على ذلك أقول:
بل إن إحصاء الأسماء الحسنى التسعة والتسعين في وسع كل مؤمن، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قد رغّب المؤمنين من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى قيام الساعة على إحصائها، مما يدل على أن هذا الإحصاء في طاقتهم وداخل قدرتهم، وهل يرغّب النبي صلى الله عليه وسلم في أمر خارج عن قدرة البشر ؟!!
ولو كان هذا الإحصاء أكبر من طاقة فرد وأوسع من دائرة مُجد، ولا يستطيع أحد القيام به إلا بفرز عشرات الآلاف من الأحاديث واستخدام الحاسب الآلي كما يزعم الدكتور، لم يكن لهذا الحديث فائدة بدون الحاسب الآلي، ولقصرت فائدة هذا الحديث على هذا العصر، أو على الدكتور خاصة، وهذا ظاهر البطلان.
ثم إن أحكام الشريعة لا تتوقف على شيء من العلوم الكونية والاكتشافات العلمية، كالحاسب الآلي وغيره. فأحكام الشريعة يستوي في إمكانية معرفتها والقيام بها جمهور الناس، وهذا مقتضى شمولية دعوة الإسلام لجميع البشر.
ولا ننكر أن بعض الاكتشافات العلمية الحديثة قد تيسر من أمور الشريعة تتوقف معرفته على بعض الاكتشافات العلمية أو العلوم الكونية.
فهذا الذي لا نقبله أبدًا.(1/4)
قال الإمام الشاطبي في (( الموافقات )) ( 2 / 85 ):
(( هذه الشريعة المباركة أمية؛ لأن أهلها كذلك، فهو أجرى على اعتبار المصالح، ويدل على ذلك أمور:
أحدها: النصوص المتواترة اللفظ والمعنى، كقوله تعالى: ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ) ( الجمعة: 2 ): وقوله: ( فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه ) ( الأعراف: 158 )، وفي الحديث: (( بعثت إلى أمة أمية )) لأنهم لم يكن لهم علم بعلوم الأقدمين، والأمي منسوب إلى الأم، وهو الباقي على أصل ولادة الأم لم يتعلم كتابًا ولا غيره، فهو على أصل خلقته التي ولد عليها، وفي الحديث: (( نحن أمة أمية، لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا )). وقد فسر معنى الأمية في الحديث، أي: ليس لنا علم بالحساب ولا الكتاب. ونحوه قوله تعالى: ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ) ( العنكبوت: 48 ). وما أشبه هذا من الأدلة المبثوثة في الكتاب والسنة، الدالة على أن الشريعة موضوعة على وصف الأمية؛ لأن أهلها كذلك. .. ) أ هـ.
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله أيضًا في (( الموافقات )) ( 2 / 66، 74 / 76 ): (( ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها – وهم العرب – ينبني عليه قواعد:. .. ومنها: أن تكون التكاليف الاعتقادية والعلمية مما يسع الأمي تعقلها ليسعه الدخول تحت حكمها.
أما الاعتقادية: بأن تكون من القرب للفهم والسهولة على العقل بحيث يشترك فيها الجمهور، من كان منهم ثاقب الفهم أو بليدًا؛ فإنها لو كانت مما لا يدركه إلا الخواص لم تكن الشريعة عامة، ولم تكن أمية، وقد ثبت كونها كذلك، فلابد أن تكون المعاني المطلوب علمها واعتقادها سهلة المأخذ. وأيضًا فلو لم تكن كذلك لزم بالنسبة إلى الجمهور تكليف ما لا يطاق، وهو غير واقع كما هو مذكور في الأصول.(1/5)
وأما العمليات: فمن مراعاة الأمية فيها أن وقع تكليفهم بالجلائل في الأعمال والتقريبات في الأمور، بحيث يدركها الجمهور، كما عرف أوقات الصلوات بالأمور المشاهدة لهم، كتعريفها بالظلال، وطلوع الفجر والشمس، وغروبها وغروب الشفق، وكذلك الصوم. .. ولم يطالبنا بحساب مسير الشمس مع القمر بالمنازل؛ لأن ذلك لم يكن من معهود العرب ولا من علومها، ولدقة الأمر فيه، وصعوبة الطريق إليه. وأجرى لنا غلبة الظن في الأحكام مجرى اليقين وعذر الجاهل فرفع عنه الإثم، وعفا عن الخطأ، غلى غير ذلك من الأمور المشتركة للجمهور، فلا يصح الخروج عما حد في الشريعة، ولا تطلب ما وراء هذه الغاية؛ فإنها مظنة الضلال، ومزلة الأقدام )) أ هـ.
قلت: وكلام هذا الإمام يدل دلالة واضحة على أن الشريعة لا تتوقف معرفتها على شيء من العلوم الطبيعية والاكتشافات الحديثة، فما ذهب إليه الدكتور من تعذر إحصاء الأسماء التسعة والتسعين بدون وجود الحاسب الآلي باطل، اعتمادًا على الأدلة التي ساقها الإمام الشاطبي رحمه الله.
ثانيًا: زعم الدكتور أنه لم يقم أحد من أهل العلم سلفًا وخلفًا بتتبع الأسماء حصرًا منذ أكثر من ألف عام لعدم توفر الحاسب الآلي لديهم !!
أقول:
هل تظن يا فضيلة الدكتور أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من أهل القرون الثلاثة الأولى المفضلة لم يستطيعوا إحصاء الأسماء التسعة والتسعين لعدم توفر الحاسب الآلي لديهم ؟!
وهل نفهم من ذلك أن الله عز وجل قد حرم السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم من هذه الفضيلة وخصك بها يا فضيلة الدكتور ؟!(1/6)
يجب علينا أن نعلم أن السلف الصالح رضي الله عنهم قد شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية في قوله صلى الله عليه وسلم: (( خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )). فهم خير الناس علمًا وعملًا. وكل فضيلة في علم أو عمل، وكل جزء من الدين صغير أو كبير فإنهم قد سبقونا إلى معرفته والعمل به.
فلا شك أنهم قد قاموا بإحصاء الأسماء التسعة والتسعين؛ لأنه جزء من الدين وفضيلة في العلم والعمل، وليس عدم نقل ذلك إلينا دليلاً على عدم وقوعه. والله أعلم.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في (( أعلام الموقعين )) ( 4 / 77 – 78 ): (( ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في (( الصحيح )) من وجوه متعددة أنه قال: (( خير الناس القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )).
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير القرون قرنه مطلقًا، وذلك يقتضي تقديمهم في كل باب من أبواب الخير، وإلا لو كانوا خيرًا من بعض الوجوه، فلا يكونون خير القرون مطلقًا، فلو جاز أن يخطئ الرجل منهم حكمًا وسائرهم لم يفتوا بالصواب، وإنما ظفر بالصواب من بعدهم وأخطئوا هم – لزم أن يكون ذلك القرن خيرًا منهم من ذلك الوجه؛ لأن القرن المشتمل على الصواب خير من القرن المشتمل على الخطأ في ذلك الفن. .. ومعلوم أن فضيلة العلم ومعرفة الصواب أكمل الفضائل وأشرفها، فيا سبحان الله ! أي وصمة أعظم من أن يكون الصِّدِّيق أو الفاروق أو عثمان أو علي أو ابن مسعود أو سلمان الفارسي أو عبادة بن الصامت وأضرابهم رضي الله عنهم قد أخبر عن حكم الله أنه كيت وكيت في مسائل كثيرة وأخطأ في ذلك، ولم يشتمل قرنهم على ناطق بالصواب في تلك المسائل حتى نبغ من بعدهم فعرفوا حكم الله الذي جهله أولئك السادة، وأصابوا الحق الذي أخطأه أولئك الأئمة ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم )) ا هـ.(1/7)
قلت: رحم الله الإمام ابن القيم فكأنه يتكلم في مسألتنا هذه، ولا أظن الدكتور يدعي أن قرنه الذي استطاع فيه إحصاء الأسماء التسعة والتسعين بواسطة الحاسب الآلي أفضل من القرون الثلاثة الأولى المشهود لها بالخيرية !!
ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله في (( الموافقات )) ( 1 / 74 – 76 ) بيانه لطرق أخذ العلم عن أهله:
((. .. أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد؛ فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين، وأصل ذلك التجربة والخبر:
أما التجربة: فهو أمر مشاهد في أي علم كان، فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما بلغه المتقدم. وحسبك في ذلك أهل كل علم عملي أو نظري، لإعمال المتقدمين في إصلاح دنياهم ودينهم على خلاف أعمال المتأخرين، وعلومهم في التحقيق أقعد، فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين، والتابعون ليسوا كتابعيهم، وهكذا إلى الآن، ومن طالع سِيَرهم وأقوالهم وحكاياتهم أبصر العجب في هذا المعنى.
وأما الخبر: ففي الحديث: (( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )). وفي هذا إشارة إلى أن كل قرن مع ما بعده كذلك.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك وجبرية، ثم ملك عضوض )). ولا يكون هذا إلا مع قلة الخير، وتكاثر الشر شيئًا بعد شيء، ويندرج ما نحن فيه تحت الإطلاق. وعن ابن مسعود أنه قال: (( ليس عام إلا الذي بعده شر منه، لا أقول عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم، ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيهدم الإسلام ويثلم )). ومعناه موجود في (( الصحيح )) في قوله: (( ولكن ينتزعه مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال يُستفتَون فيُفتون برأيهم، فيضلون ويضلون )). .. ..(1/8)
والأخبار هنا كثيرة، وهي تدل على نقص الدين والدنيا، وأعظم ذلك العلم، فهو إذا فى نقص بلا شك. فلذلك صارت كتب المتقدمين وكلامهم وسيرهم أنفع لمن أراد الأخذ بالاحتياط في العلم، على أي نوع كان، وخصوصًا علم الشريعة، الذي هو العروة الوثقى، والوَزَر الأحمى. وبالله تعالى التوفيق )) ا هـ .
أقول: فالسلف الصالح هم سادات هذه الأمة علمًا وعملًا، فمن ادعى أنه علم شيئًا من الدين لم يعلموه فهو كاذب؛ إذ الدين هو ما جاء عنهم رضي الله عنهم، فما لم يعلموه فليس هو من الدين قولاً واحدًا. وإذا انفرد أحد المتأخرين بقول ولم يسبقه إليه أحد من السلف الصالح فلا بد أن يكون خطأ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (( مجموع الفتاوى )) ( 21 / 291 ): (( وكل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين، ولم يسبقه إليه أحد منهم، فإنه يكون خطأ، كمال قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام )) ا هـ.
وقال الإمام الشاطبي في (( الموافقات )) (3 / 56 ):
(( فالحذر الحذر من مخالفة الأولين. فلو كان ثَمَّ فضل ما، لكان الأولون أحق به. والله المستعان )) ا هـ.
فيجب علينا – وعلى الدكتور كذلك – أن نتواضع لعلم السلف الصالح وأن نقر لهم بالسبق في كل باب من أبواب الدين.
كان الإمام أبو عمرو بن العلاء نقول: (( ما نحن فيمن مضى إلا كبَقل في أصول نخل طوال )).
وأبو عمرو هذا تابعي ثقة جليل أحد الأئمة القراء السبعة، وهو يقول هذا في مشايخه من الصحابة والتابعين، فماذا نقول نحن ؟! هل نقول: إنهم رجال ونحن رجال ؟! أم نقول: إنهم لم يستطيعوا إحصاء الأسماء التسعة والتسعين لعدم توفر الحاسب الآلي لديهم ؟!
كلا والله، بل نقول كما قال الإمام أبو عمرو بن العلاء نقول: (( ما نحن فيمن مضى إلا كقطرة في بحر خضم )).
قال الإمام الشافعي في (( الرسالة البغدادية )):(1/9)
(( وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهنأهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، أدوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عامًّا وخاصًّا وعزمًا وإرشادًا، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد، وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا. .. )) ا هـ.
وقد رد الإمام ابن رجب الحنلبي في (( فضل علم السلف على الخلف )) ( ضمن مجموع رسائل ابن رجب: 3 / 22 – 24 ) على من ظن في شخص من المتأخرين أنه أعلم من السلف الصالح بكلام قوي رأيت نقله هنا لنفاسته، قال رحمه الله:
(( وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم، فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم؛ لكثرة بيانه ومقاله، ومنهم من يقول: هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين، وهذا يلزم منه ما قبله؛ لأن هؤلاء الفقهاء المشهورين المتبوعين أكثر قولاً ممن كان قبلهم، فإذا كان من بعدهم أعلم لاتساع قوله، كان أعلم ممن كان أقل منهم قولاً بطريق أولى كالثوري والأوزاعي والليث وابن المبارك وطبقتهم، وممن قبلهم من التابعين والصحابة أيضًا؛ فإن هؤلاء كلهم أقل كلامًا ممن جاء بعدهم.(1/10)
وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح، وإساءة ظن بهم، ونسبة لهم إلى الجهل وقصور العلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولقد صدق ابن مسعود في قوله في الصحابة: (( إنهم أبر الأمة قلوبًا، وأعمقها علومًا، وأقلها تكلفًا )). ورى نحوه عن ابن عمر أيضًا. وفي إشارة إلى أن من بعدهم أقل علومًا وأكثر تكلفًا. وقال ابن مسعود أيضًا: (( إنكم في زمان كثير علماؤه، قليل خطباؤه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه، كثير خطباؤه )). فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح، ومن كان بالعكس فهو مذموم )) ا هـ.
وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن بالإيمان والفقه. أهل اليمن أقل الناس كلامًا وتوسعًا في العلوم، لكن علمهم علم نافع في قلوبهم ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك. وهذا هو الفقه والعلم النافع، فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثورًا عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ينتهي إلى زمن أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم الذين سميناهم فيما سبق.
فضبط ما رُوي عنهم في ذلك أفضل العلوم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه، وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه، إلا أن يكون شرحًا لكلام يتعلق من كلامهم. وأما ما كان مخالفًا لكلامهم فاكثره باطل أو لا منفعه فيه، وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة، فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة، ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة ما لا يهتدي إليه من بعدهم ولا يلم به. فمن لم يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير كله، مع ما يقع من الباطل متابعة لمن تأخر عنهم. .. )) ا هـ.
وقال أيضًا رحمه الله ( 3 / 31 – 32 ):(1/11)
((. .. وأما من علمه غير نافع؛ فليس له شغل سوى التكبر بعلمه على الناس، وإظهار فضل علمه عليهم، ونسبتهم غلى الجهل، وتنقصهم ليرتفع بذلك عليهم، وهذا من أقبح الخصال وأردئها.
وربما نسب من كان قبله من العلماء إلى الجهل والغفلة والسهو، فيوجب له حب نفسه، وحب ظهورها، وإحسان ظنه بها، وإساءة ظنه بمن سلف من العلماء.
وأهل العلم النافع على ضد هذا: يسيئون الظن بأنفسهم ويحسنون الظن بمن سلف من العلماء، ويقرون بقلبوهم بفضل من سلف عليهم، وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها ومقاربتها.
وما أحسن قول أبي حنيفة! وقد سئل عن علقمة والأسود أيهما أفضل ؟ فقال: (( والله ما نحن بأهل أن نذكرهم، فكيف نفضل بينهم ؟! )).
وكان ابن المبارك إذا ذكرأخلاق من سلف ينشد:
لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهم …ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
ومن علمه غير نافع إذا رأى لنفسه فضلاً على تقدمه في المقال وتشقق الكلام، ظن لنفسه عليهم فضلاً في العلوم أو الدرجة عند الله لفضل خص بع عمن سبق، فاحتقر من تقدمه، وأزرى عليه بقلة العلم، ولا يعلم المسكين أن قلة كلام من سلف غنما كان ورعًا وخشية لله، ولو أراد الكلام وإطالته لما عجز عن ذلك. .. )) ا هـ.
قلت: فكلام هؤلاء الأئمة يدل على أن السلف الصالح قد تفوقوا علينا في العلوم الشرعية، وقد سبقونا إلى كل باب من أبواب الخير، فلا سبيل لنا أن نصل إلى درجة علمهم وفقههم ومعرفتهم بأسرار الشريعة فضلاً عن أن نفقوهم، ولو يسر لإنسان في هذا العصر كل وسائل التقنية الحديثة، وحصل على مئات الموسوعات الإلكترونية وآلاف الكتب المجلدات فلن يصل أبدًا إلى ما وصل إليه السلف الصالح من العلوم الدينية والمعارف الشرعية، ولن يتمكن من معرفة شيء من أمور الدين لم يعرفه السلف الصالح. والله أعلم.
فيتبين من ذلك أن ما ادعاه الدكتور من عدم قيام السلف الصالح بمسألة إحصاء التسعة والتسعين اسمًا ادعاء باطل. والله الموفق.
* * *(1/12)
* ثالثًا: قوله: (( ويلزم من هذا بالضرورة فرز عشرات الآلاف من الأحاديث النبوية وقراءتها كلمة كلمة للوصول إلى اسم واحد. .. )).
أقول هذا حجة عليه؛ لأنه إذا كان الأمر كذلك، فكثير من السلف الصالح والعلماء المتقدمين كانو يحفظون أضعاف أضعاف هذا العدد من الأحاديث، فإحصاء الأسماء الحسنى أيسر عليهم بكثير.
فهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كان يحفظ (( مليون )) حديث، فقد روى الخطيب البغدادي في (( تاريخ بغداد )) ( 6 / 100 ) عن أبي زرعة الرازي أنه قال: كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث. فقيل له: وما يدريك ؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.
وهذا الإمام يحيى بن معين قد كتب بيده (( مليون )) حديث.
وكان الإمام أبو زرعة الرازي يحفظ ستمائة ألف حديث . وكان يقول: (( أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان: قل هو الله أحد )) ا هـ.
وقد أخرج الإمام البخاري أحاديث (( صحيحه )) من ستمائة ألف حديث. وكان يقول: (( أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح )) أ هـ.
وقال الإمام مسلم: (( صنفت هذا (( المسند الصحيح )) من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة )) أ هـ.
ولو ذهبت أسرد علماء السلف الذين كانو يحفظون مئات الآلاف من الأحاديث لطال المقام جدًّا، وفيما ذكرته كفاية.
فإذا تبين أن الأئمة المتقدمين كانوا يحفظون مئات الآلاف من الأحاديث النبوية والآثار السلفية تقرر أنهم كانوا أوسع إحاطة للسنة من هذه الموسوعات الإلكترونية؛ لأن هذه الموسوعات التي اعتمد عليها الدكتور في إحصاء الأسماء التسعة والتسعين لا يبلغ ما تحتويه عشر ما حفظه هؤلاء الأئمة وذلك بشهادة الدكتور نفسه، وهذا يدل دلالة واضحة انهم كانوا أقدر على إحصاء الأسماء الحسنى التسعة والتسعين منا. والله أعلم.
موقف الدكتور من الحديث الحسن(1/13)
قال الدكتور ( ص: 52 ): (( إن من أعظم الأسس في الاعتماد على السنة الالتزام بقواعد المحدثين في معرفة المقبول من المردود والصحيح من الضعيف. وقد التزمت في منهجية العمل بالشرط الأول أنه إذا لم يرد الاسم نصًا في القرآن فيلزم لأخذه من السنة أن يكون الحديث ثابتًا صحيحًا، فلا يعتد في النص على ذكر الأسماء الحسنى بالضعيف، ولا يعتمد اعتمادًا كاملاً على ما ثبت وخف ضبطه كالحسن؛ لأن الحسن على ما ترجح عند المحدثين من رواية الصدوق، أو هو ما اتصل سنده بنقل العدل الذي خفَّ ضبطه قليلاً عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، وربما يثير ذلك إنكار البعض، ولكنهم لا يختلفون معنا في تطرق الاحتمال إلى ضبط النص والتيقن منه في ثبوت لفظ الاسم دون الوصف اللهم إلا إذا كان الحديث صحيحًا بمجموع طرقه وكثرتها، ومن ثم لم أعتمد على الحديث الحسن في إحصاء الأسماء الحسنى، وإن اعتمدته حجة في إثبات الأوصاف وشرح معاني الأسماء. .. )) ا هـ.
أقول:
هذا كلام ينقض أوله آخره! فكيف يكون الدكتور ملتزمًا بقواعد المحدثين ثم لا يأخذ بالحديث الحسن في إثبات الأسماء الحسنى؟! فهل عدم الأخذ بالحديث الحسن في هذا الأمر من قواعد المحدثين؟! فليأتنا الدكتور بمن قال بهذه القاعدة من المحدثين!!
*فإذا تبين أن الأئمة المتقدمين كانوا يحفظون مئات الآلاف من الأحاديث النبوية والآثار السلفية تقرر أنهم كانوا أوسع إحاطة للسنة من هذه الموسوعات الألكترونية؛ لأن هذه الموسوعات التي اعتمد عليها الدكتور في إحصاء الأسماء التسعة والتسعين لا يبلغ ما تحتويه عُشر ما حفظه هؤلاء الأئمة وذلك بشهادة الدكتور نفسه، وهذا يدل دلالة واضحة أنهم كانوا أقدر على إحصاء الأسماء الحسنى التسعة والتسعين منَّا. . والله أعلم.
* * *(1/14)
بل إن صنيع المحدثين يدل على خلاف ذلك؛ فإن المحدثين يقبلون خبر الآحاد في العقيدة والأحكام، والحسن من جملة اخبار الآحاد، وإثبات الأسماء الحسنى من العقيدة، فعلى ذلك فالمحدثون يقبلون الحديث الحسن في إثبات الأسماء الحسنى .
فهذا الإمام المنذري رحمه الله في (( مختصر سنن أبي داود )) ( 2 / 167 – دعاس ) نقل عن شيخه الحافظ أبي الحسن المقدسي رحمه الله أنه قال في حديث بريدة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا احد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لقد سألت الله بالاسم الذي سئل به أعطي وإذا دُعي به أجاب )). قال الحافظ المقدسي في هذا الحديث: (( وهو إسناد لا مطعن فيه، ولا علم أنه رُوِي في هذا الباب حديث أجود إسنادًا منه، وهو يدل على بطلان مذهب من ذهب إلى نفي القول بأن لله تعالى اسمًا هو الاسم الأعظم، وهو حديث حسن )) ا هـ.
قلت: فقد أثبت هذا الإمام أن لله اسمًا هو الاسم الأعظم بهذا الحديث الحسن عنده.
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (( مجموع الفتاوى )) ( 22 / 484 ) قد أثبت اسم الله (( النظيف )) معتمدًا على حديث (( إن الله نظيف يحب النظافة )). وهو حديث حسَّنه العلامة الألباني في (( المشكاة )) ( 4487 )، كما ذكر ذلك الدكتور ( ص: 678 )، ومع ذلك فقد صرح الدكتور بتنحية اسم الله (( النظيف )) من الأسماء الحسنى لأنه لم يثبت إلا في حديث حسن!
فإن قال قائل: لعل هذا الحديث صحيح عند شيخ الإسلام وليس حسنًا؛ فلذلك اعتمد عليه في إثبات (( النظيف )) اسمًا من أسمائه تعالى.(1/15)
قلت: لو كان هذا الحديث صحيح عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فما الذي جعل الدكتور يقلد الألباني في تحسينه لهذا الحديث ولا يقلد شيخ الإسلام في تصحيحه ؟! بل لو قال قائل: إن تقليد شيخ الإسلام أولى من تقليد العلامة الألباني في هذا الأمر. لم يكن بعيدًا عن الصواب؛ لما علم من سعة اطلاع شيخ الإسلام على السنة النبوية، حتى قال فيه الإمام الذهبي رحمه الله: (( كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث )). فقد يكون اطلع على طريق يصحح به الحديث وخفي هذا الطريق على العلامة الألباني. فعلى ذلك يلزم الدكتور قبول هذا الاسم في جملة الأسماء الحسنى. والله أعلم.
ومن اطلع على كتب علماء المسلمين التي صنفوها في بيان الاعتقاد، مثل: كتاب السنة لعبد الله بن أحمد، و(( خلق أفعال العباد )) للبخاري، و(( التوحيد )) لابن خزيمة، و(( السنة )) لابن أبي عاصم، و(( الشريعة )) للآجري، و(( شرح أصول الاعتقاد )) للالكائي، و(( الآبانة )) لابن بطة، و(( الحجة في بيان المحجة )) لقوام السنة الأصبهاني وغير ذلك، وجد أنهم يحتجون بالأحاديث الحسنة .
ولا أعلم أحدًا من السلف الصالح ولا من العلماء المجتهدين – رحمهم الله اجمعين – قد ردَّ اسمًا من اسمائه سبحانه لمجرد أنه ثبت في حديث حسن.
ومما يدل دلالة واضحة على حجية الحديث الحسن في أجمع أمور العقيدة والأحكام: أن عددًا من الأئمة والحفاظ يدخلون الحسن في قسم الصحيح ولا يفرقون بينهما.
قال الإمام ابن الصلاح في (( معرفة علوم الحديث )) ( ص: 186 ): (( من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجًا في أنواع الصحيح؛ لاندراجه في أنواع ما يحتج به. .. ) أ هـ.
وقال الإمام السيوطي في (( تدريب الراوي )) ( 1 / 198 ):
(( الحسن كالصحيح في الاحتجاج، وإن كان دونه في القوة؛ ولهذا أدرجته طائفة في نوع الصحيح، كالحاكم وابن حبان وابن خزيمة، مه قولهم بأنه دون الصحيح )) ا هـ.(1/16)
وقال شيخنا طارق بن عوض الله في (( لغة المحدث )) ( ص: 137 ): (( وعلم أن تخصيص اسم (( الحسن )) بالرواية المتفرد بها من هو موصوف بخفة الضبط، اصطلاح حادث، درج عليه جماعة من المتأخرين، حتى صار هو السائد بينهم، أما المتقدمون فيدرجون هذا في اسم (( الصحيح ))؛ لأن الحديث عندهم إما صحيح وإما ضعيف، وإذا تبين لهم خطأ ذلك الراوي في روايته بمخالفته أو تفرده بما لا يحتمل، فإنهم يحكمون على روايته حينئذ بالشذوذ أو النكارة. والله أعلم )) ا هـ.
بل إن بعض العلماء قد ذهب إلى أن في (( الصحيحين )) أحاديث حسنة، وهذا يدل على أن الحسن محتج به؛ لاندراجه داخل (( الصحيح )) المتلقى بالقبول.
قال الإمام الذهبي في (( سير أعلام النبلاء )) ( 7 / 399 ):
((. .. وبهذا يظهر لك أن (( الصحيحين )) فيهما الصحيح، وما هو أصح منه، وإن شئت قلت: فيهما الصحيح الذي لا نزاع فيه، والصحيح الذي هو حسن، وبهذا يظهر لك أن الحسن قسم داخل الصحيح، وأن الحديث النبوي قسمان ليس إلا: صحيح، وهو على مراتب، وضعيف وهو على مراتب. والله أعلم )) ا هـ.
وبهذا يتضح أن الحديث الحسن كالصحيح تمامًا يحتج به في جميع أمور العقيدة والأحكام، وتفريق الدكتور بين الحسن والصحيح في باب إثبات الأسماء الحسنى، تفريق باطل لا دليل عليه، ولم يقل به أحد من علماء المسلمين. والله الموفق.
* * *
* وقال الدكتور: (( وربما يثير ذلك إنكار البعض، لكنهم لا يختلفون معنا في تطرق الاحتمال إلى ضبط النص والتيقن منه في ثبوت الاسم دون الوصف. .. )) .
قلت:(1/17)
جزى الله الدكتور خيرًا في حرصه على الاحتياط في إثبات الأسماء الحسنى، ولكن ليعلم الدكتور أن السلف الصالح وأئمة المسلمين كانوا أشد منه احتياطًا وغيرة على عقيدتهم أن يدخل في أسماء الله ما ليس منها، كما أنهم كانوا أورع وأتقى وأكثر علمًا وفهمًا. فلو كان الاحتياط يقتضي رد الحديث الحسن في هذا الأمر لبينوا لنا ذلك في مصنفاتهم التي صنفوها في بيان العقيدة، وهي تعد بالمئات، وإذا لم يأتنا نقل واحد منهم في ذلك دل على خطأ الدكتور فيما ذهب إليه، وأذكره بقول شيخ الإسلام في (( مجموع الفتاوى )) ( 21 / 291 ):
(( وكل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين، ولم يسبقه إليه أحد منهم، فإنه يكون خطأ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام )) ا هـ .
كما أن هذه الحجة التي أبداها الدكتور ضعيفة في نفسها، وبيان ذلك كالآتي:
أولاً من كان من الرواة غير تام الضبط، وحسن له العلماء حديثًا، فهو في هذا الحديث بعينه تام الضبط، إنما تظهر خفة ضبطه إذا عارضه غيره، أو أنكر عليه العلماء حديثًا بعينه.
ثانيًا: إن الأئمة النقاد الذين حفظ الله بهم السنة وأوصلوها إلينا صافية من الأكدار، هؤلاء الأئمة قد بينوا في كتبهم – التي وضعوها في علل الأحاديث – أوهام الرواة وأخطاءهم، فلو افترضنا أن هذا الراوي - الذي خف ضبطه - قد أخطأ في اسم من أسماء الله عز وجل ورواه بالمعنى – وهذا الاحتمال بعيد – لبين ذلك الحفاظ في كتب العلل، ولم يتركوا هذا الحديث يمر هكذا – إن شاء الله. وإليك مثالاً واحدًا يوضح ذلك:
قال الإمام ابن أبي حاتم في (( العلل )) ( 107 ):
(( سمعت أبي وذكر حديث شعبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا وضوء إلا من صوت أو ريح )).
قال أبي: هذا وهم، اختصر شعبة متن هذا الحديث، فقال: (( لا وضوء إلا من صوت أو ريح )).(1/18)
ورواه أصحاب سهيل عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا كان احدكم في الصلاة فوجد ريحًا من نفسه، فلا يخرجن حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا )) ا هـ.
قلت: فهذا الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله قد بين أن شعبة – وهو أحد الحفاظ الثقات الأكابر – قد وهم واختصر متن هذا الحديث ورواه بالمعنى، ولم يمنعه حفظ شعبة وثقته وإتقانه من أن يدقق في الحديث ويكتشف هذا الخطأ. وهذا في أمر من امور الفقه كما هو ظاهر، فلو كان مكان شعبة راوٍ آخر غير تام الضبط وروى حديثًا في أمر من أمور العقيدة خاصة في باب إثبات الأسماء الحسنى ولم يضبطه تمام الضبط، أما كان الإمام أبو حاتم الرازي وأحمد بن حنبل والبخاري وابن المديني وأبي داود والنسائي والدارقطني وغيرهم – يبينون خطأ هذا الراوي ويردون الحديث عليه ؟!
أقول: بلى والله – إن شاء الله – لو حدث ذلك لبينوه، ولم يتوانوا في ذلك؛ فهم أحرص على الدين وعلى السنة النبوية منا رحمهم الله ورضي عنهم.
ويتضح من هذا: أن هذه القاعدة التي أتى بها الدكتور لا أساس لها من الصحة، ولم يقل بها أحد من السلف الصالح ولا من علماء المسلمين في باطلة مردودة. والله أعلم.
وهنا أمر يجب التنبيه عليه: وهو أن الدكتور قد صرح في كتابه ( ص: 53 ) أنه يقلد المحدثين وخاصة العلامة الألباني رحمه الله في تصحيح وتضعيف الأحاديث، ثم إذا به يجتهد في قواعد علم الحديث الشريف؛ فلا يحتج بالحديث الحسن، ولا بالحديث الموقوف الذي له حكم الرفع في إثبات الأسماء الحسنى، ويزعم أنه أحاط علمًا بالسنة النبوية. .. فليت شعري؛ كيف يجتهد في الأصول ويقلد في الفروع ؟! والمعروف أن الإنسان يقلد – أو بمعنى أصح: يتبع – قواعد وأصول العلم ثم يجتهد في تطبيق هذه القواعد والأصول على الفروع، أما أن يعكس القضية؛ فهذا لم أره إلا من الدكتور، ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب. والله المستعان.
* * *(1/19)
حول الاعتماد الكلي على الحاسب
وأصول البحث العلمي
الحاسب الآلي من نعم الله عز وجل على المسلمين وعلى طلبة العلم خاصة في هذا العصر، ذلك لأنه يسر عليهم طرق البحث وأمدهم بمعلومات هائلة في وقت قصير، ولكن الاعتماد الكلي على الحاسب الآلي كثيرًا ما يوقع أخطاء فادحة؛ لأن الموسوعات العلمية التي في الأقراص المدمجة بها أخطاء كثيرة منها: وقوع تصحيفات وتحريفات في كثير من الكلمات، وبها سقط كلمات وجمل كاملة في كثير من المواضع، كذلك فإن بها أخطاء في العزو، فقد تعزو كلامًا لكتاب ليس هو فيه، إنما هو في كتاب آخر. .. إلى غير ذلك من الأخطاء.
فعلى ذلك يمكن للباحث أن يستعين بـ ( الكمبيوتر ) في البحث، وإن يتخذه فهرسًا يدله على موضع الفائدة في الكتاب المطبوع، لكن أن يكون اعتماده الكلي على ذلك دون الرجوع إلى المصادر المطبوعة، فهذا خلاف البحث العلمي الجاد.
قال العلامة الدكتور محمود الطناحي في (( مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي )) ( ص: 8 ):
(( إن طلبة العلم مطالبون بمعرفة فرق ما بين الطبعات، حتى تقوم دراستهم على أساس صحيح متين ،وحتى تمضي إلى ما يراد لها من كمال ونفع )) ا هـ. فطلاب العلم مطالبون بالحصول على أدق الطبعات وأتقنها؛ حتى تقوم دراساتهم وبحوثهم على أسس صحيحة متينة، والموسوعات الألكترونية التي تستخدم بواسطة ( الكمبيوتر ) في الغالب مليئة بتلك الأخطاء التي بينتها، فإذا اعتمد طالب العلم على ( الكمبيوتر ) اعتمادًا كليًّا جاءت دراسته سقيمة مليئة بتلك الأخطاء والأغلاط.
تقيم لإصلاح الورى وهو فاسد ، وكيف استواء الظل والعود أعوج(1/20)
وقد عد الدكتور رمضان عبد التواب رحمه الله في كتابه (( مناهج تحقيق التراث )) ( ص: 165 ) ذكر اسم المؤلف قبل اسم الكتاب في مصادر التخريج من بدع التحقيق، مع أن هذا الأمر لا يؤثر على صحة وإتقان البحث أو الكتاب المحقق، فكيف لو رأى اعتماد الباحثين والمحققين الآن على الموسوعات الإلكترونية وما فيها من اخطاء كثيرة تؤثر على صحة البحث وإتقانه ؟!
ومن جانب آخر: فان الباحث مطالب بمراعاة أصول البحث العلمي، ومن ذلك أن لا يعزو كلامًا لمصدر ويوجد مصدر آخر هو أولى بالعزو منه، وأن لا يعزو كلامًا في فن معين إلى مصدر لفن آخر. فيقبح جدًّا بالباحث أن يعزو حديثًا إلى كتاب اللغة، أو يعزو ترجمة راوٍ إلى كتاب من كتب الفقه، أو ما شابه ذلك .
قال العلامة الألباني رحمه الله في معرض رده على محمد علي الصابوني في (( السلسلة الصحيحة )) ( 4 / المقدمة: ك ):
(( وذكر ( ص: 50 ) – يعني: الصابوني – حديث: (( أرحنا بها يا بلال )). فقال في الحاشية مخرجًا له: (( لسان العرب )) !!
فلم يعرف هذا المسكين مصدرًا لهذا الحديث غير هذا الكتاب المعروف بأنه ليس من كتب الحديث، وإنما هو في اللغة، مع أنه في (( سنن أبي داود )) ومخرج في كتب السنة مثل (( المشكاة )) ( 1253 ) وغيره ! )) ا هـ.
هذا، وقد وقع الدكتور في أخطاء كثيرة نتيجة لعدم مراعاته لأصول البحث العلمي ولاعتماده الكلي على الحاسب الآلي، ولقد أخبرته ببعض هذه الأخطاء، فرد علي قائلًا: مادامت هذه الأخطاء ليست في إثبات الأسماء الحسنى نفسها فهي غير مهمة !!
سبحان الله ! أنقدم للناس أخطاء وأغلاطًا وأوهامًا ونقول: مادامت ليست في إثبات الأسماء الحسنى فهي غير مهمة ؟!
وإليك الآن بعضًا من هذه الأخطاء التي وقعت في بحث الدكتور:(1/21)
( 1 ) قال الدكتور ( ص: 303 ): (( وممن تسمى بإضافة العبودية لاسم الله (( الأول )) الإمام أبو الوقت عبد الأول بن عيسى، وقال محمد بن طاهر القيسراني في وفيات سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة: (( وفيها مات مسند زمانه الإمام أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي ببغداد عن خمس وتسعين سنة )) ا هـ .
وقال في الحاشية: (( تذكرة الحفاظ، أطراف أحاديث المجروحين لابن حبان للقيسراني ( 4 / 1315 ) )) ا هـ.
قلت:
وهذا خطأ فاحش، فليس هذا الكلام لمحمد بن طاهر القيسراني، وكيف يكون له وهو قد مات قبل أبي الوقت بست وأربعين سنة ؟!! فإن ابن طاهر قد مات سنة ( 507 هـ )، فكيف يذكره في وفيات سنة ( 553 هـ )) ؟!
كذلك فإن كتاب ابن طاهر الذي عزا إليه الدكتور هذا الكلام هو في أطراف أحاديث كتاب (( المجروحين )) لابن حبان؛ فكيف يكون كتابًا في أطراف الأحاديث مصدرًا لذكر ترجمة هذا الإمام ؟! وكتاب (( تذكرة الحفاظ )) للقيسراني مجلد واحد فكيف يكون العزو هنا إلى مجلد الرابع ؟! ظلمات بعضها فوق بعض !!
والصواب في ذلك: أن هذا الكلام هو للإمام الذهبي في (( تذكرة الحفاظ )) ( 4 / 1315 ) وليس هو لابن طاهر القيسراني. والسر في هذا الخطأ أن كتاب (( تذكرة الحفاظ )) للذهبي معزو خطأ في (( المكتبة الألفية )) إلى كتاب (( تذكرة الحفاظ في أطراف أحاديث المجروحين )) لابن طاهر القيسراني، فلو كان الدكتور يراجع المصادر المطبوعة لما وقع في هذا الخطأ إن شاء الله تعالى.
( 2 ) قال الدكتور ( ص: 599 ): (( هل سمي أحد من أهل العلم عبد المالك ؟ جاء في (( المدونة الكبرى )) للإمام مالك بن أنس أنه قال: (( سمعت عبد المالك ( كذا ) بن عبد العزيز بن جريح ( كذا بالحاء المهملة ) يحدث أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( الحميل غارم )) ا هـ.
قلت:(1/22)
وهذا خطأ، والصواب في اسمه هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الإمام المشهور، تصحف على الدكتور فحسبه رجل آخر يدعى (( عبد المالك ))، وهو في (( المدونة )): (( عبد المالك )) على الصواب. والله أعلم.
( 3 ) قال الدكتور ( ص: 385 ): (( وأما من تسمى بالتعبد لاسم الله (( الواحد )) فكثير، منهم عبد الواحد بن زياد العبدي بصري ثقة حسن الحديث، روى عنه البخاري الكثير )) ا هـ.
وقال في الحاشية: (( معرفة الثقات لأبي الحسن الكوفي 2 / 107 )).
قلت:
لا أظن كثيرًا من القراء سيعرفون بسهولة من هو أبو الحسن الكوفي هذا ؟ وإني لم أعرفه في بادئ الأمر، ثم سألت شيخنا الفاضل طارق بن عوض الله – حفظه الله- : هل تعرف أبا الحسن الكوفي هذا الذي له كتاب (( معرفة الثقات )) ؟ فقال لي: لا أعرفه. ثم فكر قليلاً ثم قال لي: لعله هو العِجلي صاحب كتاب (( الثقات )). ثم تناول كتاب (( الثقات )) للعجلي من مكتبته، فإذا على طرة الكتاب: أحمد بن عبد الله بن صالح أبو الحسن العجلي الكوفي. فقال لي: لعل من نسبه هكذا لم يكن يعرفه وأخذ اسمه من على طرة الكتاب ! فقلت له: ليت هذا هو الذي حدث؛ لأن الذي قال هذا لا يعتمد أصلاً على الكتب، إنما يعتمد على ( الكمبيوتر ) !!
ثم إن عبد الواحد بن زياد العبدي قد روى عنه أصحاب الكتب الستة فالعزو إلى الكتب التي اختصت بذكر الرواة الذين روى لهم الأئمة الستة أولى مثل: تهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب، والكاشف، وغيرها.
* * *
( 4 ) قال الدكتور ( ص: 463 ): (( وممن تسمى بالتعبد لله بإضافته للاسم الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، قال السيوطي: (( النوع التاسع والخمسون: المبهمات أي معرفة من أبهم ذكره في المتن أو الإسناد من الرجال والنساء، صنف فيه الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري )) ا هـ.
وقال في الحاشية: (( تدريب الراوي 2 / 342 )) ا هـ.
قلت:(1/23)
وهذا عجيب؛ فإن (( تدريب الراوي )) كتاب في مصطلح الحديث، فكيف يجعل مصدرًا للتعريف بهذا الإمام ؟! وهذا الإمام له ترجمة في كثير من كتب الرجال ومن أشهرها: (( تاريخ دمشق )) ( 36 / 395 )، و(( سير أعلام النبلاء )). فالعزو إلى هذين الكتابين أو إلى غيرهما من كتب التراجم أولى. والله أعلم.
* * *
( 5 ) قال الدكتور ( ص: 392 ): (( وممن تسمى عبد الحق: أبو محمد عبد الحق بن أبي بكر بن غالب بن عطية الغرناطي، صاحب كتاب (( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز )) ا هـ.
وقال في الحاشية: (( كشف الظنون 2 / 1613. .. . )) ا هـ.
قلت:
(( كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون )) وهو كتاب لمعرفة أسماء الكتب، كما يتضح من اسمه، فكيف يجعله الدكتور مصدرًا للتعريف بهذا الإمام ؟! مع أن له ترجمة في (( سير أعلام النبلاء )) ( 21 / 198 ) !!
( 6 ) قال الدكتور ( ص: 53 ): (( وقال أبو عمرو بن الصلاح: أول من صنف في الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل. .. )) ا هـ.
وقال في الحاشية: (( هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ص 10 )).
قلت:
كلام الإمام ابن الصلاح في كتابه (( معرفة علوم الحديث )) ( ص: 160 ) وهو من أشهر الكتب في علم مصطلح الحديث، وهو موجود على (( المكتبة الألفية )) و(( المكتبة الشاملة )) وقد اعتمد عليهما الدكتور، فالعزو إليه أولى. والله أعلم.
هذه أمثلة للأخطاء التي وقعت في بحث الدكتور، والتي كان بعضها نتيجة لاعتماده الكلي على الحاسب الآلي، ومنه يتبين للقارئ الكريم أن الدكتور لم يكن مصيبًا في قوله ( ص: 707 ): (( بعد جهد كبير ووقت طويل وأنا عاكف على المراجع وبين يدي حاسوبي الشخصي وأقلب في الموسوعات وأراجع النتائج على المطبوعات. .. )) !!(1/24)
وما كنت أود أن أذكر هذه الأخطاء التي نتجت عن استخدام الدكتور (( الكمبيوتر ))؛ لأنه ما من أحد إلا وله أخطاء، خاصة مثل هذه الأخطاء التي ذكرتها، ولكن دفعني إلى أن أذكرها هنا: هو أن الدكتور ظن أنه باستخدام ( الكمبيوتر ) قد امتلك ناصية العلوم، وفاق السلف في العلم والبحث والاطلاع، فأردت أن أبين له أن هذا ظن باطل لا يغني من الحق شيئًا، وأن الاعتماد الكلي على ( الكمبيوتر ) يوقع في أخطاء فادحة، وإن ستخدامنا (( الكومبيوتر)) دليل على نقص علمنا وحفظنا، وإن السلف الصالح لعظيم علمهم وحفظهم واطلاعهم كانوا في غنى عن ( الكمبيوتر ). فكيف يكون النقص دليلاً على الكمال ؟!
وأكتفي بهذا القدر، سائلاً الله عز وجل التوفيق والسداد في الأقوال والأفعال. إنه نعم المولى ونعم النصير.
{ ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم } .(1/25)