بسم الله الرحمن الرحيم
الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف
تأليف
الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني
تحقيق
عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة معالي مدير الجامعة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن أشرف ما تتجه إليه الهمم العالية هو طلب العلم، والبحث والنظر فيه، وتنقيح مسائله، وسلوك طريقه، لأن ذلك هو الذي يوصل إلى السعادة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة]. وقال الله تعالى: ((إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)) [فاطر:28].
وأول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو وحي الله إليه بالعلم ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)) [العلق:1-5] وقال تعالى يخاطبه: ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ..)) [محمد:19]. وقال تعالى: ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)) [طه:114].
وما قامت الحياة السعيدة في الحياة الدنيا والآخرة إلا بالعلم النافع.(1/1)
ولذا كان التعليم هو الهدف الأعظم لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز رحمه الله، ولأبنائه كذلك من بعده، ففي عهد خادم الحرمين الشريفين، أول وزير للمعارف بلغت مسيرة التعليم مستوى عالياً، وازدهر التعليم العالي وارتقت الجامعات، ومن هذه الجامعات العملاقة، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، فهي صرح شامخ، يشرف بأن يكون إحدى المؤسسات العلمية والثقافية، التي تعمل على هدى الشريعة الإسلامية، وتقوم بتنفيذ السياسة التعليمية بتوفير التعليم الجامعي والدراسات العليا، والنهوض بالبحث العلمي والقيام بالتأليف والترجمة والنشر، وخدمة المجتمع في نطاق اختصاصها.
ومن هنا، فعمادة البحث العلميِ بالجامعة تضطلع بنشر البحوث العلمية، ضمن واجباتها، التي تمثل جانباً هاماً من جوانب رسالة الجامعة ألا وهو النهوض بالبحث العلمي والقيام بالتأليف والترجمة والنشر.
ومن ذلك كتاب ((الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف)) تأليف الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني، دراسة وتحقيق د/عبد الرزاق بن عبد المحسن بن حمد البدر. نفع الله بذلك ونسأله سبحانه أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
مدير الجامعة الإسلامية
د/صالح بن عبد الله العبود
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:(1/2)
فإن من أصول أهل السنة والجماعة الإيمان بكرامات الأولياء وإثباتَها والتصديقَ بها واعتقاد أنها حق، وذلك (باتفاق أئمة أهل الإسلام والسنة والجماعة، وقد دل عليها القرآن في غير موضع، والأحاديث الصحيحة، والآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين وغيرهم)(1).
ولذا أودع أهل السنة والجماعة رحمهم الله هذا الأصل العظيم في كتب المعتقد، ليُدرس ويُتعلم في ضمن أصول أهل السنة، بل أن من الأئمة من أفرده بالتصنيف كأبي بكر الخلال وابن الأعرابي وابن أبي الدنيا واللالكائي وغيرهم.
وقد انقسم الناس في هذا الأصل إلى أقسام ثلاثة طرفين ووسط(2):
1- فقسم غلوا في شأن الكرامة وأفرطوا وتجاوزوا فيها الحد -وهم المتصوفة- حيث ادعوا باسم الكرامة للأولياء ما هو من خصائص الله وحده؛ كقول بعضهم: أن لله عباداً لو شاءوا من الله ألا يقيم القيامة لما أقامها، وقول بعضهم: إنه يعطى في أي شيء أراده قول كن فيكون، وقول بعضهم: لا يعزب عن قدرته ممكن كما لا يعزب عن قدرة ربه محال إلى غير ذلك من الضلالات الواضحة والكفريات الظاهرة، التي يدعيها هؤلاء باسم الكرامة.
2- قسم جفوا في شأنها وفرطوا، فقالوا بإنكار الكرامة، ونفوا وقوعها -وهم المعتزلة ومن تأثر بهم- وزعموا أن الخوارق لو جاز ظهورها من الأولياء لالتبس النبي بغيره إذ فرق ما بينهما -عندهم- إنما هو المعجزة، وبنوا على ذلك أنه لا يجوز ظهور خارق إلا لنبي.
3- قسم أهل وسط واعتدال، وهم الخيار العدول؛ لتوسطهم بين الطرفين المذمومين، حيث ارتفعوا عن تقصير المفرطين، و لم يلحقوا بغلو المعتدين، وهم أهل السنة والجماعة، فأثبتوا الكرامات للأولياء على ضوء النصوص ووَفقِ الأدلةِ دون غلو أو جفاء أو إفراط أو تفريط.(1/3)
وفي هذا الموضوع المهم كتب الإمام الصنعاني رحمه الله هذه الرسالة التي بين أيدينا والتي أسماها (الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف) صنفها رحمه الله رداً على عصري له غلا في شأن الأولياء وكرامتهم، وادعى أن لهم ما يريدون، وأنهم يقولون للشيء كن فيكون، وأنهم يخرجون من القبور لقضاء الحاجات، وإنهم في قبورهم يأكلون ويشربون وينكحون، إلى أمور أخرى عجيبة تمجها الأسماع، وتقذفها الأفهام، وينكرها من لديه بالشرع أدنى اطلاعة أو إلمام.
وقد بين الصنعاني رحمه الله في رده هذا ما في كلام هذا المبطل من تناقض، وأوضح ما فيه من غلو في الأولياء المزعومين أمن أوتاد وأنجاب وأقطاب وأغواث وما خالف فيه بهذه البدعة من أدلة الكتاب والسنة. وإن كان رحمه الله قد جنح في كتابه هذا إلى قول أبي إسحاق الإسفرايني ومن قبله المعتزلة من أن الكرامة إنما تكون في غير الأمر الخارق للعادة، وهو قول مخالف للحق والصواب، وسيأتي الكلام عليه ومناقشته وبيان بطلانه في الدراسة الآتية عن موضوع الكتاب.
ولم يكن هذا مانعاً -فيما أرى- من الإفادة من مادة الكتاب العلمية الجيدة في الرد على المتصوفة وأضرابهم ممن غلوا في الأولياء، مع التنبيه في هامشه إلى ما يحتاج إلى تنبيه.
وقد كنت بادئ الأمر متردداً في تحقيق ونشر هذا الكتاب نظراً لما فيه من أخطاء ومخالفات ليست باليسيرة غير أنه دفعني لذلك أمران:
الأول: اشتماله على ردود جيدة ومناقشات مفيدة مع المتصوفة الذين غلوا في الأولياء. وكراماتهم غلواً شديداً.
الثاني: خشية أن تقوم بعض دور النشر بطبعه على علاته وأخطائه دون تنبيه على ما فيه أو كشف لخوافيه، اعتماداً على مكانة مؤلفه.(1/4)
هذا وقد جعلت بين يدي الكتاب دراسة موجزة للمؤلف وأخرى للكتاب نبهت فيها على جوانب مهمة في الموضوع، راجياً من الله الكريم القبول والتوفيق، كما أرجوه سبحانه أن يغفر لمؤلفه ومحققه وقارئه ووالدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنه سميع الدعاء، وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
دراسة موجزة عن المؤلف
1- نسبه:
هو محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن علي بن حفظ الدين ابن شرف الدين بن صلاح بن الحسن بن المهدي بن محمد بن إدريس بن على بن محمد بن أحمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
الكحلاني ثم الصنعاني المعروف بالأمير، ويكنى بأبي إبراهيم.
2- مولده:
ولد ليلة الجمعة نصف جمادى الآخرة سنة (1099هـ) بكحلان، ثم انتقل مع والده إلى مدينة صنعاء سنة (1107هـ)، وأخذ عن علمائها.
3- شيوخه:
أخذ الصنعاني العلم عن شيوخ كثيرين منهم:
1- زيد بن محمد بن الحسن.
2- صلاح بن الحسين الأخفش.
3- عبد الله بن علي الوزير.
4- علي بن محمد العنسي.
4- رحلاته:
رحل إلى مكة والمدينة وقرأ الحديث على العلماء فيهما.
5- مؤلفاته:
له رحمه الله من التصانيف ما يربو على المائتين، منها:
1- سبل السلام شرح بلوغ المرام.
2- منحة الغفار على ضوء النهار.
3- العدة شرح العمدة.
4- التنوير شرح الجامع الصغير.
5- قصب السكر نظم نخبة الفكر.
6- تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد.
7- إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة.
وقد اعتنى غير واحد بجمع مؤلفات الصنعاني رحمه الله، منهم الدكتور عبد الله شاكر الجنيدي في تحقيقه لكتاب ((إيقاظ الفكرة...)) وبلغ عدة ما ذكر (229) مؤلفاً.
6- تلاميذه:
تلقى العلم على الصنعاني رحمه الله جمع غفيرٌ من طلاب العلم منهم:
1- عبد القادر بن أحمد.(1/5)
2- أحمد بن محمد قاطن.
3- أحمد بن صالح بن أبي الرجال.
4- الحسن بن إسحاق بن المهدي.
5- محمد بن إسحاق بن المهدي. وغيرهم.
7- ثناء العلماء عليه:
وأكتفي هنا بإيراد نقلين:
أ- قال الشوكاني رحمه الله: (الإمام الكبير المجتهد المطلق صاحب التصانيف... برع في جميع العلوم وفاق الأقران وتفرد برئاسة العلم في صنعاء)(3).
2- قال الشيخ عثمان بن بشر: (... فريد عصره في قطره، عالم صنعاء وأديبها الشيخ المحقق محمد بن إسماعيل -رحمه الله تعالى- وكان ذا معرفة في العلوم الأصلية والفرعية، صنف عدة كتب في الرد على المشركين المعتقدين في الأشجار والأحجار والرد على أهل وحدة الوجود وغير ذلك من الكتب النافعة...)(4).
8- عقيدته:
كان رحمه الله على عقيدة السلف الصالح، وهذا أمر معروف مشهور عنه رحمه الله، في بلائه الحسن وجهوده الكبيرة التي قام بها نصرة للسنة وذوداً عن حماها ورداً للبدع والأهواء.
وخير شاهد على ذلك كتبه العديدة التي أفردها في هذا الباب العظيم، ولاسيما كتابه العظيم (تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد) الذي فند فيه شبه القبوريين وزيف فيه باطلهم، ونصر الحق وبينه أحسن بيان، بل لقد لقي في سبيل ذلك الأذى الشديد من قومه وعشيرته، وجرت له معهم محنٌ وخطوب، فقد وشوا به إلى السلطان غير مرة، وتآمروا على قتله، وتسببوا في سجنه، ورموه بالنصب لكونه عاكفاً على الأمهات وسائر كتب الحديث عاملاً بما فيها(5).
قال رحمه الله:
وكم رام أقوام وهموا بسفكهم……دمي فأبى الرحمن نيلي بالضر(6)
إلا أنه مضى في دعوته صابراً محتسباً ينشر العقيدة الصحيحة ويحذر من البدع والأهواء، ويحث الناس على لزوم الكتاب والسنة، ومن جميل شعره في هذا قوله:
وقد أخذ الرحمن جل جلاله…على من حوى علم الرسول وعلما
بنصح جميع الخلق فيما ينوبهم…ولا سيما فيما أحل وحرما
ولاسيما علم العقيدة إنها الأ…ساس عليه ينبني العبد كلما(7)(1/6)
فصحح أساساً للبناء فكم ترى…على جرف هار بناءاً تهدما
وناصح بني الدنيا بترك ابتداعهم…فقد صيروا نور الشريعة مظلما
وقد فتحوا باب العداوات بينهم…على بدع كل بها قد تحكما
فجانب مهاوي الابتداع متابعاً…لما سنّه المختار فينا مسلماً
فما الحق إلا ما أتى عن محمد…فصلى عليه الله عز وسلما(8)
ومع هذا الخير العظيم الذي كان عليه رحمه الله والجهد البالغ في نصرة العقيدة ونشر السنة ورد البدع والأهواء، إلا أنه لم يسلم من الوقوع في بعض ضلالات أهل البدع، وقد يكون السبب في ذلك نشأته في مجتمع الزيدية، ومن أمثلة ذلك:
1- قوله في ديوانه مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ويا سيد الرسل الكرام شفاعة…أفز بها في يوم حشري والنشر(9)
وقوله أيضاً:
يا خاتم الرسل الكرام إغاثة…تطفي من القلب التهاب غليله
وشفاعةً في يوم يبدو كل ما…كسب الفتى بدقيقه وجليله(10)
وقوله أيضاً:
فيا رب بالمختار من آل هاشم…أقِلْ عثرات لا تكاد تقال(11)
وقوله أيضاً:
شفيع الخلق أولهم وجوداً……ختامهم فبورك من ختام(12)
2- ومن ذلك قوله في مسألة عدالة الصحابة: (واعلم أن الذي نختاره أنَ الأصل عدالة الصحابة إلا من ظهر اختلالها منه بارتكاب مفسق، وهم قليل كما أفاده النظم، وهذا الذي ذهب إليه أئمة أهل البيت والمعتزلة، واختاره المهدي في شرح المعيار، وهو كلام الباقلاني من الأشعرية...)(13).
3- وموقفه من الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- كما في كتابه ثمرات النظر(14)، وكما في ديوانه إذ فيه أبيات قبيحة مشتملة على ثلب لهذا الصحابي الجليل(15)، وإن كان بعض الباحثين قد جزم بعدم صحة نسبتها إليه(16).
4- وكذلك موقفه كما في هذه الرسالة التي بين أيدينا من كرامات الأولياء في الأمور الخارقة للعادة، حيث جحد ذلك وأنكره كقول المعتزلة سواء، وسيأتي بيان ذلك عند دراسة موضوع الكتاب.
5- قوله في ديوانه:
لقد سار الإمام أبو المعالي…طريقاً سارها ذوو الاعتزال(1/7)
ووافقهم بلا قصد وطالع…حوافل كتبهم بالاحتفال
ووافقه على ما قال قوم…جهابذة من الأمم الخوالي
أبو العباس أوحدهم ذكاء…وتابعهم أولو الهمم العوالي
وسمى بعض من تأثر بأبي المعالي ثم قال:
ولكن آل بحثهم جميعاً……إلى ما قاله ذوو الاعتزال
فراجع كتبهم تجده……بلا شك مقال أبي المعالي(17)
ومراده بأبي العباس أي: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكل عدل منصف يعلم أن شيخ الإسلام هو خير من فند أصول المعتزلة ونقض باطلهم، وباطل من تأثر بهم كأبي المعالي الجويني وغيره، فكيف يحشر في زمرتهم ويعد من المتأثرين بهم؟! هذا وإن من الملاحظ على الأبيات المتقدمة ولا سيما في الفقرة الأولى شدة بعدها عن الحق مما يتنافى مع مكانة هذا العالم وعلمه بالكتاب والسنة وعقيدة سلف الأمة وبخاصة مع ما قرره في كتابه تطهير الاعتقاد، وكتابه هذا الذي بين أيدينا وغيرهما من كتبه، ومن ذلك قوله في هذا الكتاب: (... وكذلك أصحابه من بعده لا يعلم عن أحد منهم أنه استغاث به صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولا يمكن أحدٌ أن يأتي بحرف واحد عن الصحابة في أنه قال: يا رسول الله ويا محمد مستغيثاً به عند شدة نزلت به بل كلٌ يرجع عند الشدائد إلى الله تعالى...)(18)، ولهذا تشكك بعض مشايخنا من صحة نسبة هذه الأبيات إليه، وعلى كل فإن الديوان الذي جمع فيه شعره بعد وفاته يحتاج إلى تحر دقيق وتوثيق متقنٍ لتحقيق صحة نسبة جميع ما فيه للصنعاني رحمه الله.
9- موقفه من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
لا يخفى على كل عدل منصف فضل الدعوة المباركة التي قام بها الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وعظم عائدتها على المسلمين في تصحيح المعتقد وإظهار السنة ومحاربة الشرك وقمع البدع والأهواء؟ ولهذا فإن من الحسن هنا معرفة موقف الإمام الصنعاني رحمه الله من هذه الدعوة لاسيما وهو من المعاصرين لها في بدايتها.(1/8)
يقول ابن بشر رحمه الله: (ولما بلغه ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وما دعا إليه من التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كتب إليه قصيدة يمدحه فيها عن القيام بالتوحيد وإقامة شرائع الإسلام، ويذكر ما عليه الناس من الجهل والضلال والتبرك بالقبور والأشجار والأحجار، ويذكر ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون من بعدهم ويمدح أهل الحديث ويذم البدع وأهلها، وذكر أهل وحدة الوجود وإنه أكفر أهل الأرض، وهى قصيدة نحو سبعين بيتاً...) ومطلعها:
قفي واسألي عن عالم حل سوحها……به يهدي من ضل عن منهج الرشد
محمد الهادي لسنة أحمد……فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كل الطوائف قوله……بلا صدر في الحق منهم ولا ورد
على أنه ذُكر أنَ الصنعاني رحمه الله كتب بعد هذه بوقت قصيدة أخرى أعلن فيها رجوعَه عن الذي قاله في مدح الشيخ، قال في مطلعها:
رجعت عن القول الذي قلت في النجدي……فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي
وهذا الذي وصفه رحمه الله بأنَه صح عن الشيخ عنده لا يزيد على وشاية ألقاها إليه بعض المغرضين من أعداء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ذكروا فيها أن من حال الشيخ (سفكه الدماء، ونهبه الأموال، وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال، وتكفيره الأمة المحمدية في جميع الأقطار)(19).
ولهذا فإن الصنعاني أعلن في أثناء هذه القصيدة عن عدم تحوله عن معتقده السابق في نظمه الذي مدح فيه الشيخ وعقيدته، وبين أن انتقاده على الشيخ إنما هو في تجاريه على سفك الدماء وتكفيره أهل الأرض استناداً على تلك الوشاية، ولذا يقول:
نعم واعلموا أنّي أرى كل بدعة…ضلالاً على ما قلت في ذلك العقد
ولا تحسبا أنّي رجعت عن الذي…تضمنه نظمي القديم إلى نجد
بلى كل ما فيه هو الحق إنَّما…تجاريك في سفك الدماء ليس من قصدي
وتكفير أهل الأرض لست أقوله…كما قلته لا عن دليل به تهدي(20)(1/9)
والمتأمل بعدلٍ وإنصافٍ في دعوة شيخ الإسلام رحمه الله يجد أن كل هذا من الكذبَ والبهتان والافتراء على هذا الإمام المجدد رحمه الله، فقد تبرأ من ذلك شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في حياته، وبرأه منه كل عدلٍ منصفٍ عرف الشيخ حقيقة وعرف دعوته، سوى من تلقفتهم الوشايات المغرضة، وأبعدكم الأراجيف الكاذبة.
يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في التبرؤ من هذا الذي ألصقه به أعداؤه كذباً وزوراً: (وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله... إلى أن قال: وزعموا أني أكفر أهل الإسلام وأستحل أموالهم...)(21).
وأقواله في هذا كثيرة، وهي مبثوثة في كتبه ورسائله رحمه الله. وإذا كانت هذه الوشاية المغرضة قد أثرت في مثل هذا العلم رحمه الله، فكيف الأمر بمن هو دونه في العلم والفهم والحذق؟! والله المستعان. هذا إن صحت نسبتها إليه، وإلا فإن من العلماء من يرى عدم صحة ثبوت رجوع الصنعاني عن قصيدته، وأن القصيدة المبدوءة بـ(رجعت عن النظم الذي قلت في النجدي...) ليست للصنعاني محمد بن إسماعيل، وإنما هي لغيره، كما حقق ذلك الشيخ العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله في كتابه (تبرئة الشيخين من تزوير أهل الكذب والمين) حيث جزم فيه بأن القصيدة وشرحها كلاهما مكذوب موضوع على الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني.(1/10)
قال في أولها: (وذلك أن اعتراضه على الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بذلك اعتراض جاهلٍ يتمعلم يصان عنه كلام الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني لعلو قدره، وعظم فضله وإمامته، وتمام رغبته في اتباع السنة وذم البدع وأهلها، فكيف جوز أن ينسب إليه مثل هذا الكلام الذي لا يقوله إلا جاهل لا يعرف الأدلة الشرعية، والأحكام المعلومة النبوية، وهل يقول مثل هذا الاعتراض إلا جاهل، فلو لم يكن عن الأمير محمد قولٌ يناقض هذا لعلمنا أنه لا يقوله، لأنه يناقض ما ذكره في (تطهير الاعتقاد) وفي غيره من كتبه.
وقد بلغني أن الذي وضع هذا النظم وشرحه رجل من ولد ولده، وهو اللائق به؛ لعدم معرفته ورسوخه في العلم، فاستعنت الله على رد إفكه وعدوانه وكذبه وظلمه وبهتانه؛ ليعلم الواقف علينها براءة الأمير محمد بن إسماعيل منها، وأنها موضوعة مكذوبة عليه). اهـ(22).
ثم أطال رحمه الله في تفنيد ما في القصيدة وشرحها من باطل وتناقض يتنافى مع مكانة الصنعاني رحمه الله، وعلو قدره، وسعة علمه، وإمامته، وورعه، وحسن معتقده، كما في كتابه (تطهير الاعتقاد) وغيره من كتبه.
ويقول الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع كما في مقدمة ديوان الصنعاني: (والمصنف رحمه الله من أئمة التوحيد، وقد أثنى عليه الشيخ سليمان بن سحمان وعبر عنه بالإمام، وبين أن القصيدة الدالية التي مطلعها: (رجعت ى القول الذي قلت في النجدي) ليست للأمير، وإنما هي وشرحها لأحد أولاده فنسبها لأبيه كذباً وافتراء).
وهذا الذي ذهب إليه العلامة سليمان بن سحمان وحققه، وكذلك العلامة محمد بن مانع هو الحري بمثل هذا الإمام والأليق بمكانته وقدره.
10- وفاته:
توفي رحمه الله في يوم الثلاثاء ثالث شهر شعبان سنة (1182) للهجرة، رحمه الله، وغفر له، وأسكنه الجنة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
دراسة عن الكتاب
أولاً: عنوان الكتاب:(1/11)
أثبت في أول الكتاب في أول صفحة منه في نسخة (أ) قبل البسملة اسم الكتاب [الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف] وأما النسخة (ب) فقد كتبت في أولها بخط مغاير لخط ناسخها [سؤال في شأن الأولياء من الأحياء والأموات وكراماتهم].
ثانياً: توثيق نسبته للمؤلف:
لا ريب في ثبوت نسبة هذا الكتاب لمؤلفه الصنعاني رحمه الله لأمور عديدة أهمها أن المؤلف أحال فيه في مواطن عديدة إلى كتبه المعروفة، وفيما يلي ذكر ما سمى المؤلف في هذا الكتاب من مؤلفاته:
1- جمع الشتيت شرح أبيات التثبيت. أحال إليه في ثلاثة مواطن.
2- تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد. أحال إليه في موطنين.
3- التنوير شرح الجامع الصغير. أحال إليه في موطن واحد.
4- الأنفاس الرحمانية في الأبحاث على الإفاضة المدنية. أحال إليه في موطن واحد.
5- ثمرات النظر في علم الأثر. أحال إليه في موطن واحد.
ثم إن اسم المؤلف الصنعاني رحمه الله قد أثبِت في أول النسختين الخطيتين للكتاب.
ثالثاً: سبب تأليفه:(1/12)
لقد أوضح الصنعاني رحمه الله سبب تأليفه لهذا الكتاب، حيث ذكر في مقدمته أنه وقف على رسالة تضمنت جواب سؤال عن شأن الأولياء، الأحياء منهم والأموات، وما لهم من الأحوال والكرامات، غلا فيها مؤلفها في شأن الأولياء، وزعم أن لهم ما يريدون، وأنهم ممن يقول للشيء كن فيكون؛ وأنهم يخرجون من قبورهم لقضاء الحوائج ومجاهدة الكفار، وتدريس العلم إلى غير ذلك من الخرافات العجيبة والخزعبلات الغريبة، فتصدى رحمه الله إلى إبطال ما فيه ونقض مبانيه وتزييف باطله، وكما يقول رحمه الله: (... فرأيته يتعين إبانة الصواب وبيان حقيقة ما افتراه من الأوتاد والأنجاب والأقطاب، وما خالف فيه بهذه البدعة من أدلة السنة والكتاب، أرجو ببيان ذلك الإثابة من الرب الوهاب، والهداية لمن هو من أولي الألباب، وأما من غلب عليه الابتداع وخالف طريقة من هم للكتاب والسنة أتباع فإنه يسد عما نلقيه الأسماع، والواجب علينا هو البلاغ المبين، وأما الهداية والتوفيق فمن رب العالمين).
و لم يتبين لي من هو هذا المردود عليه، إذ لم يسمه الصنعاني رحمه الله، و لم يتيسر معرفته من خلال كتب التراجم إلا أنه رحمه الله ذكر كما في خاتمة النسخة (ب) أنها (ردٌ على رسالة وصلت من مصر فيها عجائب وغرائب تنافي الشريعة المحمدية).
رابعاً: أهمية موضوع الكتاب:
لا ريب أن موضوع هذا الكتاب في غاية الأهمية؛ لأنه يعالج جانباً خطيراً من الانحراف يتمثل في غلو فئة كبيرة من الناس. ممن يعتقدون فيهم الولاية، بسبب ما قد يرونه يجري على أيديهم من أمور وأحوال خارقة للعادة.(1/13)
على أن العادة قد تنخرق بفعل الساحر والمنجم والمشعوذ والكاهن؛ إذ هؤلاء قد يكون لأحدهم القرين من الشياطين فيخبره ببعض الأمور المغيبة مما يسترقه من السمع، ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع، ومنهم من يطير به الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما، ومنهم من تحمله عشية عرفة ثم تعيده من ليلته، ومنهم من يستغيث بمخلوق إما حي أو ميت سواء كان ذلك المخلوق مسلماً أو نصرانياً أو مشركاً فيتصور الشيطان بصورة ذلك المُستغاث به، ويقضي بعض حاجته، ومن هؤلاء من يتصور له الشيطان ويقول له: أنا الخضر، وربما أخبره ببعض الأمور، وأعانه على بعض المطالب، ومنهم من يموت لهم الميت فيأتي الشيطان بعد موته على صورته وهم يعتقدون أنه ذلك الميت، ويقضي الديون ويرد الودائع ويفعل أشياء تتعلق بالميت، ومنهم من يرى عرشاً في الهواء وفوقه نور ويسمع من يخاطبه ويقول: أنا ربك، ومنهم من يرى أشخاصاً في اليقظة يدعي أحدهم أنه نبي أو صديق أو شيخ من الصالحين، ويكون من الشياطين، ومنهم من يرى ذلك عند قبر الذي يزوره، فيرى القبر قد انشق وخرج إليه صورة، فيعتقدها الميت وإنما هو جني تصور بتلك الصورة إلى أمثال هذه الأمور الكثيرة التي يطول وصفها، والإيمان بها إيمان بالجبت والطاغوت(23) ؛ إذ كلها من طريق الشيطان وبواسطته.
وعلى هذا (فإن كانت الخوارق دليلاً على ولاية الله، فلتكن دليلاً على ولاية الساحر والكاهن والمنجم والمتفرس ورهبان اليهود والنصارى وعباد الأصنام، فإنهم يجري لهم من الخوارق ألوف، ولكن هي من قِبَل الشياطين؛ فإنهم يتنزلون عليهم لمجانستهم لهم في الأفعال والأقوال)(24).(1/14)
ولما كان الأمر بهذه المثابة وعلى هذا الوصف التبس الحال على كثير من الناس، وضلوا في هذا الباب ضلالاً بعيداً، بل ظن بعض الناس و (استقر عند العامة أن خرق العادة يدل على أن من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى، وهو غلط ممن يقوله؟ فإن الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب، فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارق، وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له ذلك، فإن كان متمسكاً بالأوامر الشرعية والنواهي كان ذلك علامة ولايته، ومن لا فلا)(25).
وهذا ضابطٌ دقيق، وميزانٌ مُحكمٌ يميز به المسلمُ الخبيثَ من الطيب، والباطلَ من الحق، وقد فصله شيخ الإسلام أجمل تفصيل في كتابه الفذ (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان).
هذا وإن ممن ضل في هذا الباب الخطير مؤلفَ هذا الجواب الذي رد عليه الصنعاني رحمه الله في هذه الرسالة التي بين أيدينا، والتي اعتنى فيها رحمه الله بإبطال ضلال هذا المردود عليه، وبيان زيف ما تعلق به من شُبَهٍ، وإيضاح فساد ما أتى به من تلبيس، مما سيقف عليه القارئ لهذه الرسالة.
إلا أن الصنعاني رحمه الله يؤخذ عليه في رسالته هذه ميولُه إلى القول بإنكار الكرامة إذا كانت من قبيل الخارق للعادة، وقد أحس بذلك رحمه الله، فهو يقول في رسالته هذه: (ولا يقول قائل إن هذا منا إنكار للكرامات، إنا قد قدمنا أنه لا ينكرها بإجابة الدعوات وتيسير المطلوبات ودفع المحذورات إلا جاهل بالحقائق... إلى أن قال: ولا نعرف من الكرامات إلا إجابة الدعوات بعافية المريض والسلامة من المخاوف والتيسير للمطالب ونحو ذلك...).
ولا ريب أن إنكار الكرامة في الأمور الخارقة للعادة والذي مال إليه الصنعاني في هذه الرسالة قولٌ باطلٌ يخالف الأدلة الصريحة في الكتاب والسنة، ويخالف النقول الثابتة المأثورة عن سلف الأمة.
ولذا قال السفاريني رحمه الله في درته المضية:
وكلّ خارق أتى عن صالح…من تابع لشرعنا وناصح(1/15)
فإنَّها من الكرامات التي…بها نقول فاقف للأدلة
ومن نفاها من ذوي الضلال…فقد أتى في ذاك بالمحال
فإنَّها شهيرة ولم تزل…في كلّ عصر يا شقا أهل الزلل(26)
وأما ما ذكره الصنعاني رحمه الله من عدم إنكاره للكرامة بمعنى إجابة الدعوة وتيسير المطلوب ونحو ذلك، فهذا لا يخالف فيه أحد، وهو موضع اتفاقٍ بين المسلمين، حتى المعتزلة الذين ينكرون كرامات الأولياء لا ينكرون هذا ولا يخالفون فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والذين ذكر عنهم إنكار كرامات الأولياء من المعتزلة وغيرهم كأبي إسحاق الإسفرايني وأبي محمد ابن أبي زيد، وكما ذكر ذلك أبو محمد بن حزم لا ينكرون الدعوات المجابة ولا ينكرون الرؤيا الصادقة فإن هذا متفقٌ عليه بين المسلمين)(27). ولهذا فإن المؤلف رحمه الله قد غلط غلطاً كبيراً في رسالته هذه عندما قال بنفي الكرامة في الأمر الخارق للعادة؛ إذ هذا ليس من قول أهل السنة والجماعة، وإنما هو متلقى عن المعتزلة ومن تأثر بهم في هذا الباب كأبي إسحاق الإسفرايني وغيره.
وليت أن الصنعاني رحمه الله أخلى مؤلفه من هذا القول؛ ليكون على وفق مسماه، إذ ليس من الإنصاف في شيء إنكار الكرامة بالمعنى المتقدم؛ لثبوته وكثرة أدلته، وإنكار ذلك هو في الحقيقة جفاء وتفريط، وهو شأن المتكلمين، كما أنه أيضاً ليس من الإنصاف في شيء رفعها فوق قدرها وجعلها فوق حدها، إذ هذا غلو وإفراط وهو شأن المتصوفة (وخيار الأمور أوساطها، لا تفريطها ولا إفراطها)(28)، وهو قول أهل السنة والجماعة والحق والاستقامة، الذين توسطوا بين الطرفين المذمومين: (الإفراط) و (التفريط)، فهم أهل النمط الأوسط الذين يلحق بهم المقصر، وإليهم يرجع الغالي.(1/16)
إذ من أصولهم الثابتة وأسسهم الراسخة (التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة)(29) ومن ذلك:
1- ما ثبت في البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلين خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة وإذا نور بين أيديهما حتى تفرق النور معهما)(30).
2- وقصة أبي بكر الصديق مع أضيافه الثلاثة -وهي مخرجة في الصحيحين- لما ذهب بهم إلى بيته، فكانوا لا يأكلون لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا جميعاً، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أو أكثر، فقال لامرأته: ما هذا؟! قالت: لا، وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار، قال فأكل منها أبو بكر، ثم حملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده، قال: وكان بيننا وبين قوم عقد فمضى الأجل، فعرفنا اثنا عشر رجلاً مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل، فأكلوا منها أجمعون(31).(1/17)
3- وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده إذ جالت فرسه فقرأ، ثم جالت أخرى فقرأ، ثم جالت أيضاً، قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى فقمت إليها، فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أرها قال: فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله بينما أن البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي إذ جالت فرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ ابن حضير) قال: فقرأت ثم جالت أيضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ ابن حضير) قال: فقرأت ثم جالت أيضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ ابن حضير) قال: فانصرفت، وكان يحيى قريباً منها خشيت أن تطأه فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السرُج عرجت في الجو حتى ما أراها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم)(32).
4- وفي البخاري في قصة أسر المشركين لخُبيب الأنصاري رضي الله عنه، وسياقها طويل، وفيها تقول ابنة الحارث بن عامر الذي لبث خبيب عندهم أسيراً: والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يوماً يأكل من قطف عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر، وكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيباً(33).
فهذه بعض الأمثلة و (تعداد هذا مثل المطر)(34)، وقد ذكر جملةً كبيرةً منها شيخ الإسلام في كتابه الفرقان وغيره من كتبه، وكأنك من أفرد هذا الموضوع -من أهل السنة- بالتصنيف، كالخلال وابن الأعرابي وابن أبي الدنيا واللالكائي وغيرهم، وهو أمر متقرر لا نزاع فيه. لكن قد يُعتذر للمؤلف رحمه الله في غلطه في هذا الباب بأمرين:(1/18)
الأول: ما شهده من غلو فظيع في أمر الكرامة والأولياء، بلغ حد الشرك والإلحاد والزندقة، والعياذ بالله، فتصدى رحمه الله لنقض هذا الباطل ونسفه وبيان فساده، وهو -بلا ريب- محمود فيما ردة من الباطل وقاله من الحق، إلا إنه تجاوز في رده، بحيث جحد بعض الحق وقال ببعض الباطل، فيكون بذلك قد رد بدعة ببدعة ورد باطلاً بباطل، ومثل هؤلاء كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولاً يفارقون به جماعة المسلمين، يوالون عليه ويعادون، كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك)(35).
فهو نوع من الخطأ وقع فيه -رحمه الله- ولم يكن تعصباً لمذهب باطل، أو انتصاراً وحميةً لعقيدة فاسدة يوالي عليها ويعادي.
الثاني: نشأته في مجتمع على مذهب الزيدية، ومعلوم أن الزيدية في المعتقد على طريقة المعتزلة، وإن كان المؤلف رحمه الله بجهاده الصادق في تحري الحق وإصابته قد وفق في التحرر من هذه العقيدة الفاسدة والفكاك من هذا المذهب الباطل، يقول رحمه الله في كتابه (الأنفاس الرحمانية): (... وإنما قدمت هذا لئلا يظن الناظر أني أذهب إلى قول فريق من الفريقين المعتزلة والأشعرية، فإن الكل قد ابتدعوا في هذا الفن الذي خاضوا فيه)(36).
فهو مخالف للمعتزلة والأشعرية ولا يقول بقولهما، بل يرى أن كلا منهما قد ابتدع في الدين في هذا الفن الذي خاضوا فيه، لكنه مع ذلك لم يسلم من بعض شبههم، ولم ينفك من بعض باطلهم في أمور قليلة معدودة، منها قول المعتزلة في هذا الباب.
وقد كان رحمه الله صاحب جهاد صادق ومنافحة عظيمة عن العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة، ولاسيما في كتابه (تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد) وغيره من كتبه النافعة التي اجتهد فيها في نشر السنة وذم البدع والخرافات، ولا يخفى هذا الأمر على المطلع على كتبه رحمه الله.(1/19)
وقد أبلى في ذلك بلاءً عظيماً في مجتمع كان يعج بالاعتزال والتصوف، وكان يظن رحمه الله إنه وحيد عصره في هذه الدعوة حتى بلغته جهود الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فسُر بها سروراً عظيماً، وكتب قصيدته المشهورة في مدح الشيخ ودعوته، وأما رجوعه عن مدح الشيخ فهذا ثبوته محل نظر كما تقدم، ثم هو إن صح فهو ناشئ عن وشاية مغرضة ودعاية كاذبة نمت إليه، ورحم الله من قال: (يفسد النمام في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة).
وعلى كل فمثل هذا العالم الجليل إذا وقع في بعض الأخطاء لا ينبغي أن تهدر جهوده وينتقص قدره، بل تحفظ الجهود ويعرف القدر، والباطل مردود، أما من أسس مذهبه على الباطل، وبناه على الأهواء فشأنه آخر.
ونسأل الله أن يتولاَنا والمؤلف وجميع المسلمين بعفوه وصفحه ورحمته.
خامساً: التعريف بالنسخ الخطية المعتمدة:
وقفت على نسختين خطيتين لهذا الكتاب:
إحداهما: مصورة في قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم (9/8607) عن مكتبة الجامع الكبير بصنعاء، وهي فيه ضمن مجموع برقم (58) يشمل رسائل عديدة، منها:
- سؤال عن الاستعاذة من الهدم والغرق والحرق مع ثبوت أن منها ما هو شهادة وأنها مطلوبة.
- بحث في ما النكتة في تنوع عبارات الخضر في قوله ((فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا)) [الكهف:79]، ((فَأَرَدْنَا)) [الكهف:81]، ((فَأَرَادَ رَبُّكَ)) [الكهف:82].
- مسألة هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
- المسائل المهمة فيما تعم به البلوى.
- إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد.
- الإشاعة في بيان من نهي عن فراقه من الجماعة.
- غاية البيان لخصائص رمضان.
- شفاء الصدور بنكتة تقديم الرحيم على الغفور.
وغيرها من الرسائل.(1/20)
ويقع كتاب (الإنصاف...) ضمن هذا المجموع في اثنتين وعشرين صفحة (597-619)، في كل صفحة سبعة وعشرون سطراً تقريباً، وهو بخط النسخ المعتاد، وقد ذكر في آخر المجموع أن ناسخه هو محمد بن عبد الكريم بن حسين، وقد تم نسخ كتاب (الإنصاف...)) كما ذكر في آخره في يوم الأربعاء من شهر ربيع الأول عام (1299هـ). وقد رمزت لها بالحرف (أ).
الثانية: مصورة عن دار المخطوطات اليمنية تحت رقم (659)، وهي تقع في (37) صفحة، في كل صفحة (17) سطراً تقريباً، كتب عليها في صفحة الغلاف بخط مغاير: (سؤال في شأن الأولياء من الأحياء والأموات وكرامتهم)، وهي بخط النسخ، وناسخها هو عبد الله بن محمد العدوي سنة (1332)، وقد نسخها عن نسخة منقولة من خط المؤلف ناسخها هو سعيد بن حسن العنسي في (1177). وقد رمزت لها بالحرف (ب).
وقد حصلت على هذه النسخة مؤخراً هديةً من الأخ الفاضل النبيل الشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي وفقه الله وشكر له وجزاه خير الجزاء، وقد أفدت منها كثيراً في استدراك جملة من التصويبات لأخطاء واقعة في النسخة الأولى.
سادساً: عملي في الكتاب:
لقد كان عملي في الكتاب على النحو التالي:
1- نسخ الكتاب، ومقابلة المنسوخ على الأصلين الخطيين، وأثبت في المتن عند الاختلاف ما رأيته صحيحاً صواباً، مع الإشارة في الحاشية إلى ما في النسخة الأخرى، وأما الأخطاء الواضحة كسقط كلمة أو حرف أو نحو ذلك فلم أر حاجة في أثقال الحواشي بذكرها.
2- عزو الآيات الكريمة إلى أماكنها، وتخريج الأحاديث والآثار مع نقل كلام أهل العلم عليها صحة وضعفاً ما أمكن ذلك.
3- التعريف بالأعلام غير المشهورين تعريفاً موجزاً.
4- التعليق على ما يحتاج إلى تعليق.
5- توثيق النقول التي يوردها المؤلف بالإحالة إلى مصادرها.
6- الإشارة إلى نهاية الصفحات في المخطوطة من النسخة (أ).
7- تقديم دراستين موجزتين، الأولى عن المؤلف، والثانية عن الكتاب المحقق.(1/21)
8- وضع بعض الفهارس العلمية [للآيات، والأحاديث، والأعلام، والموضوعات] وذلك لتيسير الإفادة من الكتاب.
سابعاً: نماذج من النسختين الخطيتين:
بداية النص المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
التحذير من الإحداث في الدين:
الحمد لله الذي له الملك والملكوت، الحي الجبار الذي لا يموت، الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ((إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً)) [مريم:93]، فليس للعبد تصرفٌ مع مولاه، ولا له تقدمٌ بين يديه، ولا شفاعة، ولا غيرها إلا بإذنه ورضاه، والصلاة والسلام على من تركنا على الواضحة البيضاء ليلها كنهارها، وأشرقت شمس نبوته فامتلأت الأرض بأنوارها.
أخرج ابن ماجه عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نتذاكر الفقر ونتخوفُه، فقال: آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتُصبن عليكم الدنيا صباً، حتى قال: لقد تركتكم على البيضاء ليلها ونهارها سواء)(37)، [قال أبو الدرداء: صدق والله رسول الله، لقد تركنا على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء](38). وعلى آله الذين بهديه يهدون، وبه يقتدون.
واعلم إنه صلى الله عليه وآله وسلم قد حذر أمته من الابتداع لما أعلمه الله من أن أمته تأتي من الابتداع(39) بأجناس وأنواع، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)(40)، وقال: (خير الأمور كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)(41)، وقال: (لا يقبلُ الله لصاحب بدعة صوماً، ولا صلاة ولا صدقة ولا حجاً ولا عمرةً، ولا جهاداً، ولا صرفاً، ولا عدلاً، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرةُ من العجين)(42)، أخرج هذه الأحاديث ابن ماجه وغيُره.
الإحداث في الدين كالرد لقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ):(1/22)
قلت: ووجه عظمة الابتداع في الدين أنه كالرد على قول الله ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)) [المائدة:3] فالابتداع بزيادة(43) في الدين أو نقصان منه، فلهذا عظم شأن البدعة في الدين، وخرج(44) بها صاحبها من الدين كما تخرج الشعرة من العجين.
سبب تأليف الكتاب:
وبعد:
فإني وقفتُ على رسالة جواب سؤال عن شأن الأولياء الأحياء منهم والأموات، وما هو لهم من الأحوال والكرامات، فقضى الجواب فيها أن للأولياء ما يريدون، وأنهم ممن يقول لأي شيء أرادوه كن فيكون، وأنهم من القبور لقضاء الحوائج يخرجون، وأنهم لمواقف جهاد الكفار يحضرون، وأن العلماء منهم بعد الموت للعلوم يدرسون، وأن الخضر أخذ عن أبي حنيفة علوم الشريعة بعد أن ضمه الرخام، ولازم قبره خمسة عشر من الأعوام(45)، وأنهم ينكحون في القبور، ويأكلون، ويشربون، ويطعمون، ولهم ما يشتهون، ومن هذا الكلام الذي تمجه الأسماعُ، وتقذفه الأفهامُ.
فتعين إيقاظُ أهل الغفلة والمنام من القاصرين والعوام ببيان حقيقة الولي، وما ورد في صفته من الآثار، وبيانه من الكتاب والسنة والأخبار، ثم بيان رد ما أورده المجيب من الهذيان، وإنه جعل الأولياء من جملة الأصنام والأوثان، ووصفهم بأنهم كالإله تقدس وتعالى يقولون للشيء كن فكان.
فرأيته يتعين إبانة الصواب، وبيان حقيقة ما افتراه من الأوتاد والأنجاب والأقطاب، وما خالف فيه هذه البدعة من أدلة السنة والكتاب، أرجو ببيان ذلك الإثابة من الرب الوهاب، والهداية لمن هو من أولي الألباب، وأما من غلب عليه الابتداع، وخالف طريقة من هم للكتاب والسنة أتبِاع، فإنه يسد عما نلقيه الأسماع، والواجب علينا(46) هو البلاغ المبين، وأما الهداية والتوفيق فمن رب العالمين.
تعريف المردود عليه للأولياء والرد عليه:
فنقول:(1/23)
قوله: (نعم أولياء الله، وهم العارفون به حسبما يمكن، المواظبون على الطاعات، والمعرضون عن الانهماك في اللذات والشهوات).
أقول: هذا رسم(47) لحقيقة(48) الأولياء، وهذا اللفظ نقله من شرح المحلي على جمع الجوامع(49)، إلا أنه فاته(50) قوله: (المجتنبون للمعاصي) وهو قيد لا بد منه اتفاقاً، فكأنه وقع من سقط القلم.
والانهماك يقال: همكه في الأمر فانهمك لَججَهُ فلج، كما في القاموس(51)، وفسر اللجاجة بالخصومة(52). ولا يظهر مناسبتها لما هنا، وهي عبارة المحلي.
تلاقي تفسير الولي مع تفسير العدل:
ثم هذا التفسير للولي هو الذي يفسرون به العدل، فإنه قال ابن حجر في شرح النخبة أن العدل: (من له مَلَكَةٌ تحمِلُهُ على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة)(53) انتهى بلفظه، وقد فاته أيضاً فيه قيد لا بد منه في تفسير التقوى، وهو الإتيان بالواجبات، فإنه لا يكفيه فيه اجتناب السيئة(54)، ولكنه كأنه لما قال: (من شرك أو فسق أو بدعة) علم إنه لو لم يأت بالواجبات ما صدق عليه اجتناب السيئات، وأي: سيئة أعظم من ترك الواجبات.
وإذا عرفت هذا علمت أن الولي عند العلماء هو العدل؟ لتلاقي التفسيرين، بل تعريف العدل أضيق، لإنه أخذ فيه الملكة، وأخذ فيه عدم التلبس ببدعة، وقد أوضحنا ما في تفسيرهم العدالة. مما ذكر في مؤلفاتنا(55) كثمرات النظر في علم الأثر(56) وغيرها.
تعريف الولي من خلال قوله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ):(1/24)
وأقول: اعلم أن الله تعالى قد عرفنا بأوليائه في كتابه العزيز فقال: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [يونس:62] ثم فسرهم(57) تعالى بقوله: ((الَّذِينَ آمَنُوا...)) [يونس:63] الآية، فإنها مستأنفة استئنافاً بيانياً كأنه قيل: من هم؟ فقال: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)) [يونس:63].
يدل على ذلك(58) ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد: (في قوله ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [يونس:62] قيل: من هم يا رب؟ قال: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)) [يونس:63](59)، وفسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإيمان في حديث جبريل الذي أخرجه مسلم من حديث عمر حين جاء يسأله عن الإيمان، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)(60) والحديث مأخوذ من قوله تعالى: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)) [البقرة:285] و لم يذكر في الآية إلا أربعة أركان والحديث ستة(61)، لأن من آمن بكتب الله ورسله فقد آمن باليوم الآخر، وبالقدر، أي: سَبقُ تقدير كل كائن، وإنما الحديثُ فَصلَ والآية أَجملت بعض الإجمال، لإنه تعالى قال لرسوله: ((لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)) [النحل:44] فبين بزيادة التفصيل لأركان الإيمان، وقد ذكر تعالى المؤمنون حقاً بقوله: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ(1/25)
حَقّاً)) [الأنفال:2-4] ففسرهم بإنهم مَنِ اتصف بهذه الست الصفات، وأما المتقون فإن الله تعالى بين مَن هم وفسرهم في صدر سورة البقرة حيث قال: ((هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)) [البقرة:2] كإنه قيل من هم؟ قال: ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)) [البقرة:2-3] فوصفهم بإنهم من اتصف بهذه الصفات الست، وهي صفاتٌ مركبة من أجزاء الإسلام ومن أجزاء الإيمان، كما أن آية الأنفال حيث ذكر الله تعالى صفات المؤمنين حقاً مركبة من أجزاء النوعين، وذلك إنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث جبريل الذي تقدمت الإشارةُ إليه(62)، وقد قال له: ما الإسلام يا محمد؟ قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) الحديث. فجعل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة من أجزاء الإسلام.
فالآيتان أشارتا بذكر بعض أجزاء الإسلام وهما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة إلى اعتبار الإسلام بجميع أفراده، إلا إنهما خصتا أعظم أجزائهما البدنية والمالية، وتعلم الصوم والحج بالسنة التي وردت بياناً للقرآن، فإن بيانه بتفصيل مجمله، وتقييد مطلقه، وتفسير مبهمه وغير ذلك، وأشارتا بالإيمان وزيادته إلى اعتبار الإيمان بأجزائه، فأفادتا إنه لا يكون العبد مؤمناً إلا باستكماله لخصال الإسلام والإيمان، وأشارت آيةُ البقرة إلى أن المتقين هم الجامعون بين الإسلام بقوله: ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)) [البقرة:3] والإيمان بقوله: ((وَالذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ)) الآية.(1/26)
وإذا عرفت هذا فقد بين القرآن أولياء الله بياناً شافياً إنهم الذين جمعوا بين الإيمان والتقوى، ثم بين تعالى الإيمان وأجزاءه، والتقوى وأجزاءها.
رتبة الإيمان تتفاوت وكذلك التقوى:
ثم بعد تقرير هذا فلا ريب أن رتبة الإيمان تتفاوت(63) إلى زيادة ونقصان حتى ينتهي الإيمان إلى مقدار مثقال الخردلة، كما وردت به الأحاديث النبوية الثابتة الصحيحة(64)، وقد قرر في مجاله، كما أن رتبة(65) التقوى تتفاوت.
فقد أخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب قال: (قال الحواريون يا عيسى بن مريم من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ قال عيسى عليه السلام: الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، والذين نظروا إلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا فيها ما يخشون أن يميتهم، وتركوا ما علموا إنه سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالاً، وذكرهم إياها فواتاً(66)، وفرحهم. مما أصابوا منها حزنا، وما عارضهم من نائلها رفضوه، وما عارضهم من رفعتها بغير الحق وضعوه، خَلِقَت الدنيا عندهم فليسوا يجددونها، وخربت بينهم فليسوا يعمرونها وماتت في صدورهم فليسوا يحيونها، يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها ويشترون بها ما يبقى لهم، رفضوها فكانوا برفضها الفرحين، وباعوها فكانوا ببيعكها المربحين، ونظروا إلى أهلها صرعى، وقد خلت منهم المثلات، فأحيوا ذكر الموت، وأماتوا ذكر الحياة، يحبون الله تعالى، ويستضيئون بنوره، ويضيئون به، لهم خبر عجيب، وعندهم خبر عجيب، بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق وبه نطقوا، وبهم علم الكتاب وبه علموا، ليسوا يرون نائلاً مع ما نالوا، ولا أماني دون ما يرجون، ولا خوفاً دون ما يحذرون)(67) انتهى.(1/27)
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس مرفوعاً وموقوفاً: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [يونس:62] [قال: (هم:] الذين إذا رؤوا يذكر الله لرؤيتهم)(68).
حديث (لا يتسحق العبد صريح حق الإيمان حتى يحب الله...) وشرح المؤلف له:
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي عن عمرو بن الجموح إنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يستحق العبد صريح حق الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله، فإذا أحب لله وأبغض لله فقد استحق الولاية من الله، وإن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم)(69).
وهذا المعنى كثيرٌ(70) في الأحاديث كثرة واسعة. والمراد من قوله: (يحب لله) أي: يحب الطاعة؛ لأن الله يحبها، ويبغض المعصية؛ لأن الله يبغضها.
قال تعالى: ((وَلَكِنَّ الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)) [الحجرات:7]، وفي الحديث: (المؤمن من سرته حسنته، وساءته سيئته)(71)، وكذلك يبغض العاصي لعصيانه ويحب التقي لتقواه، فهذا هو الحب لله والبغض له.
وقوله: (الذين يذكرون بذكري) يحتمل المراد الذين يذكرون(72) بسبب ذكرهم إياي، أي: أن ذكرهم [لله](73) تعالى كان سبباً لذكره تعالى لهم، من باب قوله تعالى: ((فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)) [البقرة:152]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم حاكياً عن الله: (إن العبد إذا ذكره في ملأ ذكره الله تعالى في ملأ خير من ملئه، وإن ذكره في نفسه ذكره تعالى في نفسه)(74).
ويحتمل أن يراد الذين يذكرون بسبب ذكري إياهم، أي إنه تعالى إذا ذكرهم في الملأ الأعلى ذكروا الله فبسبب ذكر الله لهم ذكروا، وأذكرهم، أي: بسبب ذكرهم إياي إذا ذكروني(75)، فهم يذكرون العباد بالله وبنعمه ونقمه، فيذكرون الله عند ذلك.(1/28)
ويحتمل أن المراد يذكرون الله بالأذكار الشريفة من التسبيح والتقديس والتهليل فيذكر الله العباد بذلك بسبب تذكرهم إياي(76).
إذا عرفت هذا عرفت أولياء الله، وأن صفاتهم الخوف من الله، والإقبال على ما يرضاه، والإعراض عن كل ما سواه، ويعرف بطلان ما يأتي من تفسير القوم للأقطاب والأوتاد والأنجاب بإنهم الذين لهم التصرف في الأكوان، وإنهم الذين يقولون للشيء كن فكان، وغير ذلك من الافتراء والبهتان والهذيان مما لا يقبله من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ممن جعل إمامه القرآن وكلام سيد ولد عدنان صلى الله عليه وآله وسلم ما اختلف الملوان.
الأحاديث الواردة في بقاء الطائفة المنصورة إلى يوم القيامة:
قوله: (موجودون إلى يوم القيامة، لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة)). أقول: هو خبر قوله: أولياء الله؟ أي: أولياؤه تعالى(77) موجودون إلى يوم القيامة واستدل بحديث: (لا تزال طائفة...) الحديث، أخرجه أئمة الحديث.
فأخرج الشيخان البخاري ومسلم عن المغيرة إنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)(78).
وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجه عن ثوبان عنه صلى الله عليه وآله وسلم إنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)(79).
وأخرج مسلم عن عقبة(80) بن عامر إنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم كذلك)(81).
وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال)(82).(1/29)
وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم إنه قال: (لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عنه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة)(83).
وأخرج أبو داود الطيالسي وعبد بن حميد عن زيد بن أرقم عنه صلى الله عليه وآله وسلم إنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله)(84).
وأخرج أبو داود أيضاً والحاكم عن عمر مرفوعاً إنه قال: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين حتى يأتي أمر الله))(85).
وأخرج الطبراني في الكبير عن جابر بن سمرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه(86) عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة)(87).
وأخرج مسلم وأحمد عن جابر عنه صلى الله عليه وآله وسلم إنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى فيقول أميرهم: صل بنا. فيقول: لا. إن بعضكم على بعض أمير تكرمة [الله](88) لهذه الأمة)(89) والأحاديث في هذا كثيرةٌ شهيرةٌ.
من هم الطائفة المنصورة؟
وقد اختلف العلماء في هذه الطائفة من هم؟ فذهب طائفة من العلماء إلى أنهم أئمة الحديث(90)، وذهبت طائفة أخرى إلى أن المراد بهم أهل الإجماع وهم العلماء المجتهدون، وعليه بنى الحسين بن الإمام في شرح الغاية(91) في بحث الإجماع وفي بحث الاجتهاد.
والحق ما قاله جماعة من العلماء أن المراد هم المجاهدون في سبيل الله لتصريح الأحاديث بقوله: (يقاتلون) و (ينصرون) ونحوه(92)، وما أطلق فهو محمول على ما قيد. كيف وقد صرح بإنه ينزل عيسى عليه السلام، وهؤلاء الذين ينزل فيهم هم الذين يقاتلون الدجال، وهو واضح من لفظ الأحاديث في غير موضع.
نعم الأولياء وهم المؤمنون العدول باقون حتى تقوم الساعة على القول بإنه لا تخلو الأرض من(93) مؤمن، وإلا فقد ثبت في الأحاديث إنها: (لا تقوم الساعة حتى لا يعبد الله في الأرض، ولا يقال الله)(94).
تعريف الأبدال وذكر غلو أهل الباطل في ذلك:(1/30)
قوله: (كالأبدال).
أقول: في القاموس: (الأبدال: قوم بهم يقيم الله عز وجل الأرض، وهم سبعون: أربعون بالشام وثلاثون بغيرها، لا يموت أحدهم(95) إلا قام مقامه واحدٌ من سائر الناس)(96) انتهى.
وفي النهاية من حديث علي: (الأبدال بالشام وهم الأولياء والعُباد. الواحد منهم بدل كجمل. سموا بذلك لإنه كلما مات منهم واحد بُدل بآخر)(97).
وفي التعريف للمناوي: (أن الأبدال سبعة(98) لا يزيدون ولا ينقصون، يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة فكل بدل له إقليم(99) فيه ولايته، منهم واحد على قدم الخليل وله الإقليم الأول، والثاني على قدم الكليم، والثالث على قدم هارون، والرابع على قدم إدريس، والخامس على قدم يوسف، والسادس على قدم عيسى، والسابع على قدم آدم. على ترتيب الأقاليم، وهم عارفون. مما أودع الله في الكواكب السيارة من الأسرار والحركات والمنازل وغيرها، ولهم من الأسماء أسماء الصفات، وكل واحد بحسب ما يعطيه حقيقة ذلك الاسم الإلهي من الشمول والإحاطة)). انتهى(100).
قلت: وهذا افتراء على الله فإنه لم يأت عنه تعالى ولا عن رسله حرفٌ واحدٌ من هذه الأقوال في هؤلاء السبعة، ولم يأت في الأبدال(101) إلا ما سنذكره لك قريباً من الأحاديث، وفي كل منها مقال.
الأوتاد عند المتصوفة وعددهم وخصائصهم:
ومن عجائب ما في التعريفات أن (الأوتاد أربعة في كل زمان، لا يزيدون ولا ينقصون، أحدهم(102) يحفظ الله به المشرق وولايته فيه، والآخر المغرب، والآخر الجنوب، والآخر الشمال، ويعبر عنهم بالجبال لحكمهم في العالم حكم الجبال في الأرض، وألقابهم في كل زمن: عبد الحي، وعبد العظيم(103)، وعبد القادر وعبد المريد)(104).
القطب وقد يسمى غوثاً وخصائصه عند المتصوفة:(1/31)
وفي التعريفات أيضاً القطب، وقد يسمى غوثاً باعتبار التجاء الواحد(105) إليه، عبارة عن الواحد الذي هو موضع نظر الله في زمانه(106)، أعطاه الله الطلسم الأعظم من لدنه، وهو يسري في الملكوت(107) وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد، بيده قسطاس الفيض(108) الأعم، وزنه يتبع علمه، وعلمه يتبع علم الحق، وعلم الحق يتبع الماهيات الغير المجعولة، [فهو] يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل، وهو [على] قلب إسرافيل من حيث حصته الملكية الكاملة(109) مادة الحياة [والإحساس، لا] من حيث الإنسانية(110)، وحكم جبريل فيه كحكم النفس الناطقة في النشأة الإنسانية، وحكم ميكائيل فيه كحكم القوة الجاذبة(111) فيها، وحكم عزرائيل فيه كحكم القوة الواقعة فيها(112)(113).
النجباء وعددهم وخصائصهم عند المتصوفة:
وقال في التعريفات: (النجباء ثمانية في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون عليهم أعلام القبول في أحوالهم، ويغلب عليهم الحال بغير اختيارهم، هم أهل علم الصفات الثمانية، ومقامهم الكرسي لا يتعدونه ماداموا نجباء، ولهم القدم الراسخ في علم تسيير الكواكب كيفاً(114) واطلاعاً لا من جهة طريقة علماء هذا الشأن، والنقباء(115) هم الذين حازوا علم الفلك التاسع))(116) انتهى كلامه.
بيان مجانبة أقوال هؤلاء لما جاءت به الرسل ولما وردت به الكتب:
وإنما نقلناه بألفاظه ليعلم من يقف عليه ممن له بقية نظر لدينه ولإيمانه بالله ورسله وما جاءت به الرسل أن هذه النقولات كلها مجانبةٌ لما جاءت به الرسل ولما وردت به كتب الله تعالى المنزلة، وأن هذه كلها نقطةٌ من نقطات(117) المعطلين لله ولرسله، وإنها من كلمات العُباد للعباد، وأن هذا عائدٌ إلى قول من يقول بإلهية الأفلاك والكواكب، وانظر تلعبه بملائكة الله، بل إنكارهم وهزوهم(118) نعوذ بوجه الله من الخذلان.(1/32)
فهؤلاء أولياء الله عند هؤلاء المبتدعة؟ بل المعطلة. وانظر بالله عليك إن كان فيك بقية من عقلٍ كم بين وصف عيسى عليه السلام لأولياء الله الذي سقت حديثه في أول هذه الرسالة من الخشوع والعبادة والزهادة وبين وصف هؤلاء لمن وصفوه لمشاركة الله في التصرف في العالم، بل أن العالم قد استغنى بهم عن الله، وانظر في كلام رسل الله فإن نوحاً يقول لقومه: ((وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ)) [هود:31] ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم يقول له الله: ((قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله [وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ] وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ)) [الأنعام:50](119) وهؤلاء الضلال جعلوا الملائكة الأربعة أبعاضاً لهؤلاء الأقطاب.
بيان أن هذه الألفاظ مبتدعة محدثة إلا الأبدال فقد وردت فيه أحاديث:
وكل هذه الألفاظ من الأقطاب وغيرها مبتدعةٌ اصطلاحيةٌ لم تأت سنةٌ بها ولا كتابٌ ولا لغةٌ، إلا الأبدال(120) كما أفاده القاموس والنهاية؛ لإنه قد روى في ذلك أحاديث(121).
ذكر الأحاديث الواردة فيه:
فأخرج أحمد عن عبادة بن الصامت مرفوعاً: (الأبدال في هذه الأمة ثلاثون رجلاً، قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن، كلما مات رجلٌ أبدل الله مكانه رجلاً)(122).
وأخرج الطبراني عن عبادة أيضاً مرفوعاً: (الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض، وبهم يمطرون، وبهم ينصرون)(123).
وأخرج الطبراني عن عوف بن مالك مرفوعاً: (الأبدال في أهل الشام وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشمام بهم العذاب)(124).
وأخرج الخلال في كرامات الأولياء والديلمي في مسند الفردوس عن أنس مرفوعاً: (الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة)(125).(1/33)
بيان أنّ في صحتها عند أهل الحديث مقالاً:
فهذه الأحاديث في الأبدال وفي صحتها عند أئمة الحديث(126) مقالٌ، وإن سلمنا صحة الأحاديث في ذلك فإنه لم يجعل الله لهم علامةً يعرفون بها بأعيانهم اتفاقاً، فلا يعرف أن الشخص من الأبدال حتى يعتقد إنه ولي الله الولاية الخاصة التي يزعمون، وإلا فالمؤمنون المتقون أولياء الله قال الله تعالى: ((إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ)) [الأنفال:34] على أحد الوجهين في الآية كما في البيضاوي(127)، فهذا مثل آية يونس التي قدمناها، وإنما هذه حصرت أولياءه على المتقين، فالمتقي هو الولي، وغير المتقي لا يكون ولياً، والمتقي هو المؤمن الآتي بالواجبات والمجتنب للمقبحات، والذي يصدق عليه كلامُ المجيب في حده للولي، ولكن المجيبَ وأشباهه يريدون بالولي غير هذا.
جعل بعض المتصوفة الولاية قسيماً للنبوة وبيان فساد ذلك:
ولقد كبرت كلمةٌ قالها شيخ شيخنا إبراهيم الكردي(128) في كتابه (قصد السبيل) فإنه قال في خطبته: (إن معرفة الله التي وراء طور العقول مما لا تستقل العقول بإدراكها بطريق الفكر وترتيب المقدمات وإنما يدرك بنور النبوة والولاية)(129) ولم يزل هكذا يجعل الولاية قسيماً للنبوة كإنه يريد أن الولي غيرُ داخلٍ تحت الدعوة النبوية، ولا من الأمة المحمدية، بل هو قسيمٌ له، وهذا من الجهل أولاً بدعوى أن الولي غيرُ المؤمن التقي، بل له رتبةٌ غير هذه الرتبة، ثم دعوى أنه يستمد من غير واسطة الرسول، وهم كذا يصرحون بذلك.
قول البيضاوي أن التقوى ثلاث مراتب:
واعلم أن البيضاوي وغيره يقسمون التقوى(130) ثلاث مراتب: (التقي صفة مشبهة من قولهم وقاه الله فاتقى، والوقاية فرط الصيانة، وهي في عرف الشرع اسم لمن صان نفسه عما يضره في الآخرة، ولها ثلاثُ مراتب:
الأولى: التقوى عن العذاب المخلد بالتبري عن الشرك، وعليه قوله: ((وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى)) [الفتح:26].(1/34)
والثانية: التجنب عما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم، وهو المتعارف باسم التقوى في الشرع وهو المعني بقوله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّ [أَهْلَ] الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا)) [الأعراف:96](131).
والثالثة: أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق ويقبل لله بشراشره(132)، وهو التقوى الحقيقي المطلوب بقوله: ((اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ)) [آل عمران:102](133) انتهى.
والشراشر بالشين المعجمة والراء المهملة مكررتين بينهما ألف هي النفس هنا(134).
تعقب المصنف عليه:
وهذا التقسيم اصطلاحي ليس عليه دليلٌ من لغةٍ ولا شرع، وكلمة التقوى هي لا إله إلا الله كما في التفاسير الأثرية، والضمير في (ألْزَمَهُمْ) له صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابهِ، وهذه هي كلمة التقوى لكل مؤمن. قال ابن عباس: (وَأَلْزَمَهُمْ كلِمَةَ التقْوَى) هي: (شهادة أن لا إله إلا الله وهي رأسُ كل تقوى)(135) حتى رأس الثلاثة الأقسام وغيرها.
وقد قدمنا لك أن التقوى تزيد وتنقص كالإيمان، وأما حصره في ثلاث أو أقل أو أكثر فلا دليل عليه.
وقد فسر السلف قوله: (حَق تُقَاتِهِ) بقول بعضهم: (وهو استفراغ الوسع بالقيام بالواجب والاجتناب عن المحارم)(136) كقوله: ((فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ)) [التغابن:16]. وعن ابن مسعود (وهو أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى)(137) انتهى.
قول المردود عليه (وكراماتهم ثابتة، وتصرفهم باقٍ إلى يوم القيامة):
قوله: (وكراماتهم ثابتة، وتصرفهم باقٍ إلى يوم القيامة، ولا تنقطع بالموت؛ لأن مرجع الكرامة -كالمعجزة- إلى قدرة الله تعالى التامة العامة المحيطة المتعلقة بجميع الممكنات بأسرها إيجاداً وإعداماً، على وَفقِ الإرادة الأزلية التي يترجح بها حصول الممكن على مقابله، ولا يمتنع شيٌ منها على قدرته وإرادته).
نقله عن المعتزلة وكذلك أبي إسحاق الإسفرايني عدم إثبات وقوع الخوارق من الأولياء:(1/35)
أقول: في (جمع الجوامع) لابن السبكي وشرحه للمحلي ما لفظه: (وكرامات الأولياء حق؛ أي: جائزةٌ وواقعةٌ). قال القشيري: (ولا ينتهون إلى نحو ولد بلا والد، وقلب جماد بهيمة)(138). قال المصنف وهذا حق يخصص قول غيره: ما جاز أن يكون معجزةً لنبي جاز أن يكون كرامة لولي، لا فارق بينهما إلا التحدي. قال: ومنع أكثر المعتزلة الخوارق من الأولياء وكذلك الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني(139) قال: (كلما جاز تقديره معجزة للنبي لا يجوز أن يكون ظهور مثله كرامة لولي، وإنما مبالغ الكرامات إجابة دعوته أو موافاة ماء في بادية في غير موقع المياه، أو نحو ذلك مما ينحط عن خرق العادات) انتهى(140).
تقريره أن إعطاء المؤمن الكرامات بإجابة الدعوات وتيسر الطلبات أمر لا شك فيه:
واعلم أن إعطاء الله المؤمن الكرامات بإجابة الدعوات وتيسير الطلبات [وتسهيل المتعسرات وتخفيف المشقات] أمر [حق] لا شك فيه، [ولا يخالف فيه مؤمن، إذ كل مؤمن قد جرب من إجابة الدعوات وتيسير الطلبات أمر لا شك فيه](141) ولكن هذا لا يختص به طائفةٌ معينةٌ، بل هو حاصلٌ للمؤمنين إذا أخلصوا النيات، وأقبلوا على الله تعالى إقبال صدق وثبات ووثوق بتيسير المطلوبات، ومراعاةً لمواقع الإجابات(142)، فإنه تعالى خاطب جميع المؤمنين بقوله: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) [غافر:60]، وبقوله: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..)) [البقرة:186] الآية، لكن إعطاؤه تعالى للمطلوب وتفريجه عن المكروب يتوقف على مشيئته وحكمته، فقد لا يُعَجل للعبد ما أراده، إذ قد يكون فيه هلاكه في دينه أو في دنياه قال تعالى: ((عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)) [الإسراء:18] وثبت في الأحاديث أن للدعوة ثلاث حالات:
إما أن يعجلها الرب، أو يدخرها لعبده ليوم القيامة، أو يعطيه خيراً مما سأل. وفي رواية: أو يكفر عنه بها(143).(1/36)
موافقة المصنف لأبي إسحاق والمعتزلة في المنع من إثبات الخارق للأولياء وعدة ذلك توسطاً:
فإن أريد بالكرامات ما ذكره أبو إسحاق الإسفرايني فهو حق لا ريب فيها، ولا يخالف فيها إلا جاهل. أعني نفي الكرامة بهذا المعنى، فمن أنكرها بهذا المعنى قد فرط، كما أن من ادعى إثبات الخوارق قد أفرط، والحق التوسط بين الطرفين، كما يقوله أبو إسحاق وغيره(144).
وأما قولهم: (إن كل معجزة لنبي تصح أن تكون كرامةً لولي) فهذه دعوى لا دليل عليها، وقد نقل أقوامٌ عوامٌ كذبات لقومٍ من الصالحين تجاوزوا حد الإعجاز(145) كما في حلية أبي نعيم أنه قال قائل لأبي يزيد البسطامي بلغني أنك تمر في الهواء. قال: وأي أعجوبة في هذا! الطير يأكل الميتة ويمر في الهواء، والمؤمن أشرف من طير)(146). انتهى.
ولا يقول هذا عارفٌ؛ فإن الله تعالى جعل من آياته مرور الطير في جو السماء ((أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الله إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [النحل:79] وقال: ((وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ)) [النور:41] ونحوها من الآيات، ولا يعاب الطير بأنه يأكل من الميتة، بل هي رزقه، و لم تحرم عليه كما أنها حرمت الزكاة على الغني وأحلت للفقير، والله سبحانه لما أسرى برسوله صلى الله عليه وآله وسلم لم يطر في السماء، بل أرسل إليه البراق ثم صعد إليها على المعراج(147). فما هذا الكلام الفارغ الذي ينقلونه عن أبي يزيد، إن صح فهو من شطحات هؤلاء المتهوكة.
الإشارة إلى كتاب السيوطي (تطورات الولي) وبيان ما فيه من باطل:(1/37)
ولقد راجت هذه الدعاوى الفارغة على جماعة من علماء الإسلام صاروا كالعامة في قبول المحالات، فلقد ألف الحافظ السيوطي رسالة سماها: (المنجلي في تطورات الولي)(148)، وأتى فيها بحكايات باطلة، وأقوال عن الأدلة عاطلة، حتى كأنه ما عرف السنة والكتاب، ولا ملأ الدنيا بمؤلفاته التي أتى فيها بكل عجاب، فلا يغتر الناظر بنقل ما يخالف السنة والكتاب، وإن حكاه من العلماء بحرُ علمٍ عبابِ.
نقل مطول عن ابن الجوزي من كتابه صيد الخاطر في التحذير من قبول الباطل اعتماداً على منزلة قائله في النفس:
وما أحسن ما قاله ابنُ الجوزي في كتابه صيد الخاطر قال: (واعلم أن اَلمحقق لا يهوله اسمٌ معظمٌ، كما قال رجل لعلي رضي الله عنه: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على باطل؟ فقال له علي (عليه السلام)(149): (إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله) ولعمري إنه قد وقر في النفوس تعظيم أقوام، فإذا نقل عنهم شيءٌ فسمعه الجاهلُ بالشرع قبله لتعظيمهم في نفسه.
حلف أبي يزيد البسطامي أن لا يشرب الماء سنة:
كما ينقل عن أبي يزيد أنه قال: ((تراعنت عليّ نفسي فحلفت أنْ لا أشرب الماء سنة))(150).
بيان ما في ذلك من باطل ومخالفة للسنة:
وهذا إذا صح عنه كان خطئاً قبيحاً، وزلةً فاحشةً، لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن، ولا يقوم مقامه شيء، وإذا لم يشرب فقد سعى في أذية بدنه، وقد كان يُستعذب الماءُ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(151)، أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له، وأنه لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن من مالكها، وكذلك ينقلون عن بعض الصوفية إنه قال: (سرت إلى مكة على طريق التوكل حافياً فكانت الشوكة تدخل في رجلي فأحكها بالأرض ولا أرفعها، وكان علي مسحٌ، فكانت عيني). إذا آلمتني أدلكها بالمسح، فذهبت إحدى عيني. وأمثال هذا كثيرٌ، وربما حملها القصاص على الكرامات وعظموها عند العوام فتخايل لهم أن فاعل هذا أعلى مرتبة من الشافعي وأحمد.(1/38)
ولعمري إن هذا من أعظم الذنوب وأقبح العيوب، فإن الله تعالى قال: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)) [النساء:29]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن لنفسك عليك حقاً)(152)، (وقد طلب أبو بكر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في طريق الهجرة ظلاً حتى رأى صخرة ففرش له في ظلها)(153). قلت: وفي هذا الحديث أيضاً أنه حلب له صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر كُثبة من لبن ثم صب عليها الماء لتبرد، ثم أسقاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكم ينقلون عن ذي النون أنه لقي امرأة في السياحة فكلمها وكلمته(154)، وينسون ما في الأحاديث الصحاح: (لا يحل لامرأة أن تسافر يوماً وليلة إلا بمحرم)(155).
وكم ينقلون أن أقواماً مشوا على الماء(156) وقد قال إبراهيم الحربي: (لا يصح أن أحداً يمشي على الماء قط). فإذا سمعوا هذا قالوا تنكرون كرامات الأولياء فنقول: لا ننكرها؛ بل نتبع ما صح، والصالحون هم الذين يتبعون الشرع ولا يتعبدون بآرائهم.
لا يحتج بأسماء الرجال وإنما يحتج بالرسول صلى الله عليه وسلم:
قال: (واسمع مني بلا محاباة: لا تحتجن علي بأسماء الرجال، وتقول قد قال إبراهيم بن أدهم، قد قال بشر الحافي من احتج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبأصحابه رضي الله عنهم أقوى حجة).
قول ابن الجوزي: إن فقيهاً واحداً أفضل من ألوف يتمسح العوام بهم تبركاً:
إلى أن قال: (ومن تأمل هذه الأشياء علم أن فقيهاً واحداً وإن قل أتباعه وخفت إذا مات أشياعه أفضلُ من ألوفٍ يتمسح العوام بهم تبركاً، ويشيع جنائزهم مالا يحصى.
وهل الناس إلا صاحباً أثر يتبعه أو فقيهٌ يفهم مراد الشرع ويفتي به؟! نعوذ بالله من الجهل وتعظيم الأسلاف تقليداً لهم بغير دليل.
من ورد المشرب الأول رأى سائر المشارب كدرة:(1/39)
فإن من ورد المشرب الأول رأى سائر المشارب كدرة، والمحنة العظمى مدائح العوام(157)، فكم غرت كما قال علي رضي الله عنه: (ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئاً)(158).
بيان أن علماء المتصوفة أتباع للعوام يروجون لهم الباطل:
انتهى من فصل طويل أردت بنقله إعلاماً للناظرين أن أكثر الكرامات التي شاعت بين العوام وحازت على عقول الخواص كذب من العوام الذين هم فتنة دين الإسلام أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم وهم الهمج الرعاع كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في كلامه لكميل بن زياد(159) ولكنه نفذ سهام العوام فصار العلماء لهم أتباعاً ولأقوالهم أشياعاً يؤلفون ترويجاً لما يروونه من الكذبات وينحلون(160) لهم في التصانيف بوارد الدلالات كما قدمناه عن (تطورات الولي)(161) وكهذه الرسالة التي نحن الآن بصدد الرد على ما فيها وكم وكم ولا إله إلا الله ما أشد ضرر العالم المعروف بين الأنام إذا روج لهم الأباطيل وزخرف لهم باطل الأقاويل ويحاول إجراءها على سنن السنة وتنزيلها التنزيل(162) فيصدق الكذب المحال عقلاً وشرعاً ويؤلف في صحتها ليكون لمن يأتي بعده أصلاً متبعاً، فإذا أراد العالم بالكتاب والسنة أن يبين بطلان تلك الأساطير صدمه الجاهل ورد عليه بقوله: قد قال بصحة هذا السيوطي وابن حجر الهيتمي وفلان الرملي(163) وفلان وفلان. فأين يقع من هؤلاء الأعيان وقد يسخر(164) به العوام ويقولون أنكر كرامات الصالحين الأعلام ولله الكلمة العلوِية (اعرف الحق تعرف أهله) لكن أين مَن يتأهل للخطاب ويسمع ويعقل(165)، إن هم إلا كالدواب.
رده على المردود عليه في قوله: إن كرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم:
قوله: (ولا ينقطع) أي: تصرفهم وكراماتهم بالموت. لم يعلل هذه الدعوى إلا بأن مرجع الكرامة إلى قدرة الله تعالى، وأنه لا يمتنع شيء على قدرته وإرادته).(1/40)
أقول: علل وقوع الكرامة للأولياء بعد موتهم بعموم قدرة الله تعالى المتعلقة بجميع الممكنات، وقدرة الله على جميع الممكنات مما لا نزاع فيه بين المسلمين، فإنه قد علم من ضرورة الدين أن الله على كل شيء قدير، ولكن ما كل مقدورٍ واقعٌ اتفاقاً وقطعاً عقلاً وسمعاً، قال الله تعالى: ((إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ)) [فاطر:16] قال: ((وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)) [الزخرف:60] ((إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)) [الشعراء:4] وفي بعضها بين الله تعالى الحكمةَ التي اقتضت عدم إيجاده المقدور، كقوله: ((وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ)) [الزخرف:33] الآية، وجميع ما تمدح به تعالى من هذه الأمور المقدورة لم يقع، والبحث عن وقوع المقدور لا في إمكانه(166).
استدلال المردود عليه لذلك بأن الله قادر على كل الممكنات:
وما قوله(167): أن الكرامات للأموات واقعة، لأنه تعالى قادر على كل الممكنات إلا نظير قولك لجبل من الجبال هذا ذهب، لأن الله تعالى قادر على أن يجعله ذهباً. فيقال: صدق نصف هذا الكلام وكذب نصفه، فإن قولك إنه ذهب كاذب وقولك أن الله قادر على أن يجعله ذهباً صادق، لكن لا ينفع صدقه في مدعاك(168).
نقده الأشاعرة في تسميتهم أنفسهم أهل السنة:
قوله: (وهذا أمرٌ قطعي لا مرية فيه البتة عند أهل السنة والجماعة).(1/41)
أقول: إن أراد كونه تعالى على كل شيء قدير، وأنه لا يمتنع شيء عن قدرته فهذا يقوله جميع فرق المسلمين؟ بل وأهل الكتابين بلا نزاع فيه لمن أثبت الرب تعالى، وإن أراد بالإشارة ثبوت الكرامات للأموات وتصرفهم كما قاله، فهذا أبو إسحاق الإسفرايني من أئمة أهل السنة بلا نزاع(169) وقد ثبت نزاعه معهم(170) في الكرامات للأحياء فضلاً عن الأموات. وهب أنه يقول أهل السنة والجماعة(171) بذلك فلا دليل في ذلك إذ ليسوا بأهل الإجماع حتى يكون قولهم دليلاً وقد أطلنا الكلام على تسميتهم أنفسهم بأهل السنة والجماعة في مؤلفنا (الأنفاس الرحمانية في الأبحاث على الإفاضة المدنية)(172).
قوله: (قال شيخ الإسلام... إلى آخره).
أقول: دليل شيخ الإسلام هو الدليل الأول وهو كونه تعالى على كل شيء قدير ولا نزاع في الدليل لكنه لا يدل(173) على مدعاه، وليس له إلى إثباته سبيل.
قوله: (تارة بدعائهم وتارة بفعلهم واختيارهم).
أقول: هذا يتم في الأحياء دون الأموات.
قوله: (وتارة بغير قصدٍ ولا شعورٍ ولا اختيارٍ منهم).
أقول: فما وجه نسبتها إليهم فإنه إنما ينسب إلى الإنسان ماله فيه اختيار وإلا فهو وغيره فيه سواء.
رد المصنف قول المردود عليه بأن الكرامات للأولياء قد أثبتها علماء الإسلام قاطبة:
قوله: (فقد أثبت علماء الإسلام قاطبة).
اعتماد المصنف مخالفة المعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني:(1/42)
أقول: في القاموس (قاطبة: جميعاً. لا تستعمل إلا حالاً)(174). انتهى، ولا يخفى ما في هذه الدعوى، فإن المعتزلة من علماء الإسلام عند العلماء جميعاً، منهم أهل السنة والجماعة لأنهم لا يخرجون أحداً من أهل الإسلام ولا يكفرونه، فعلماء المعتزلة غيرُ داخلين فيما ذكره، وكذلك الأستاذ أبو إسحق من علماء الإسلام بلا مرية وقد خالف هو والمعتزلة في وقوع الخوارق من الأولياء(175) فكيف يجازف المجيب هذه المجازفة ويذكر الاتفاق عن علماء الإسلام قاطبة، والواجب على من يريد أن يتكلم أن يتحرى الصدق في مقاله، سيما في مسائل العلم والنسبة إلى العلماء.
شروط المعجزة عند المصنف والتعقب عليه:
ثم تعليله لهذه الدعوى بأن معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تنحصر، ومنها كرامات الأولياء. فجعل الكرامات بعضها من المعجزات، وهذا جهل أو تجاهل بحقيقة المعجزة، فإن للمعجزة شروطاً خمسة(176): ثالثها أن تكون عقيب دعوى المدعي للنبوة(177) وهذا معلوم قطعاً أن لا يكون شرطاً في الكرامة، إذن لكان الولي نبياً(178)، والغرض إنه ولي، وكأنه يريد أن الكرامة كالمعجزة من حيث إنها دلت على صدق الرسول حيث وقعت على يد بعض من اتبعه فدلت على صدقه كما قال: الدال على صحة نبوته. وهذه الدلالة لا أدري لمن تكون، إن كانت للولي الذي حصلت له الكرامة فالغرض أنه قد آمن بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصارت نبوته عنده قطعية وصحتها لديه ضرورية وإلا فما قد كمل الإيمان فضلاً عن الولاية، وإن أراد أنها تكون دالة لمن لم يدخل في الإسلام ويصدق نبوة سيد الأنام فهذا أعجب(179)، فإن الكافر لم يصدق بالمعجزة الحقيقية، فكيف بالكرامة وهذا القرآن باق ببقاء الأزمان وسائر المعجزات الواقعة في عصره صلى الله عليه وآله وسلم قد تواترت لمن له أذنان(180).(1/43)
ولا يقول قائل: أن هذا منا إنكارٌ للكرامات. فإنا قد قدمنا أنه لا ينكرها بإجابة الدعوات وتيسر المطلوبات ودفع المحذورات إلا جاهلٌ بالحقائق(181)، لكنا لا نخصها بفريق معين مثل هؤلاء الذين ينصون عليهم من الشيخ أحمد البدوي(182) وغيره(183)، بل نقول عطاء ربنا غير محصور، فإنه أَمَرَ بالدعاء جميع عباده ووعد بالإجابة، فقال: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) [غافر:ة60] ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)) [البقرة:186] ولا نعرف من الكرامات إلا إجابة الدعوات بعافية المريض والسلامة من المخاوف والتيسير للمطالب ونحو ذلك، وهذا عامٌ للمؤمنين، لا يمنع الإجابة إلا ما عُرف من أكل الحرام أو الدعاءِ بالقطيعة والآثام؛ بل قد أخبر الله تعالى بأنه يجيب دعوة المظلوم وإن كان كافراً، بل قال تعالى في خطاب المشركين: ((وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً)) [الإسراء:67] وهذه للمشركين كما قال ((ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)) [الإسراء:67] وقال تعالى: ((وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [يونس:12] إنما وسع القاصرون نطاق الكرامة قالوا: كلما كان معجزة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم جاز أن يكون كرامة لولي، وأنه يقلب العصا حية ويخرج الناقة العشراء من الصخرة الصماء(184)، فهذا لا نقوله ولا كرامة، ولا دليل عليه ولا يقول الإمام أبو إسحاق الإسفرايني، وقد قال ابن السبكي إنه يستثنى مثل هذا ويقيد به الإطلاق.
قوله: (قال شيخ مشايخنا أحمد الرملي) إلى آخره.(1/44)
أقول: ليس في نقل كلامه فائدة فإنه ليس إلا أنه أخبر عن اعتقاده ونحن نطالبه في دليل هذه العقيدة.
مسألة حياة الأنبياء في قبورهم:
قوله: (أما الأنبياء فلإنهم أحياءٌ في قبورهم يأكلون ويشربون ويصلون ويحجون، بل وينكحون كما وردت بذلك الأخبار).
أقول: الذي وردت به الأخبار: حياة الأنبياء عليهم السلام في قبورهم وقد ألف فيما ورد في ذلك الحافظُ السيوطي رسالة سماها (إنباه الأذكياء بحياة الأنبياء)(185) وسبقه إلى ذلك البيهقي فجمع كتاباً لطيفاً في حياة الأنبياء عليهم السلام(186) ذكره ابن حجر في فتح الباري وسرد أحاديث لا تقوى على هذا الأصل وذهب أنهم أحياء في القبور(187)، والكلام في الأولياء، وأصل السؤال فيهم مع أنه لا يمكن دعوى معجزة للنبي تحصل بعد موته لما عرفت من حقيقتها ولإنه قد ثبت إنه (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صاع يدعو له) أخرجه البخاري في الأدب ومسلم في الصحيح وأبو داود والترمذي والنسائي(188) ووردت أحاديث فيها خصال أخرى انتهت إلى عشر وقد سردناها منظومة في (جمع الشتيت شرح أبيات التثبيت)(189) وهذا لفظ يعم كل إنسان، وسلمنا أنه يخص الأنبياء عليهم السلام بالصلاة في قبورهم، فالأولياء أين الدليل على حياتهم فيها؟ ثم لا يعزب عنك أن في ذكره حياة الأنبياء عليهم السلام في القبور ما يشعر أن الكرامات لا تثبت عنده إلا للأحياء وإلا فمالنا وللخوض في حياة الأنبياء عليهم السلام في القبور على أنه قد أخرج أبو داود والبيهقي عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم تعرض علي. فقالوا: يا رسول الله: كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت -يعني: بليت-؟ قال: أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)(190)، وهذا ظاهر في إنه صلى الله عليه وآله وسلم كغيره من الأموات إلا أن جسده لا تأكله الأرض(1/45)
ولو كان صلى الله عليه وآله وسلم حياً في قبره لقال إني حي في قبري، وقد بين هذا الغرض وإدراكه صلى الله عليه وآله وسلم لما يعرض ما أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)(191) ولا ريب أن هذا دالٌ على إنه صلى الله عليه وآله وسلم تفارقه روحه، وقد تكلف السيوطي من القائلين بحياة الأنبياء عليهم السلام إلى تأويل هذا الرد وهو قوله: (إلا رد الله على روحي). مما هو مردودٌ(192)، وقد حقق ابنُ القيم أن للأرواح بعد مفارقتها الأبدان اتصالٌ(193) بالأبدان بسببه يعرف الميت زائره كما ثبتت به الأحاديث في كل مؤمن، وبسببه يرد السلام على من يسلم عليه وهو مع ذلك ميت مفارق لروحه(194) وقد نقلنا كلامه في (جمع الشتيت)(195) وبسطناه في (أوائل التنوير شرح الجامع الصغير) في حديث الإسراء.
قول المردود عليه عن الأنبياء عليهم السلام بأنهم (يأكلون ويشربون ويصلون ويحجون بل وينكحون) ومناقشة المصنف له:
وأما قوله: (يأكلون، ويشربون، ويصلون، ويحجون، بل وينكحون) فلم يأت خبر هذه من الأخبار التي ادعاها(196)، ولا رأينا ما يدل عليها إلا ما ورد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبر موسى عليه السلام وهو قائم يصلى فيه(197).(1/46)
وأخرج أبو يعلى في مسنده والبيهقي في كتاب حياة الأنبياء عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلون)(198). أخرجه أبو نعيم في الحلية(199). فهذا الذي ورد في موسى عليه السلام وفي عموم الأنبياء أنهم يصلون في قبورهم على أن طرق هذه الأحاديث مظلمة(200)، إذ ليس رجالها لنا بمعروفين ولئن قلنا بصحتها فأين أدلة أنهم يأكلون ويشربون ويحجون وينكحون، فإن هذا الحافظ السيوطي ألف كتاباً في حياتهم و لم يأت بحرف واحد في أنهم يفعلون شيئاً غير الصلاة وهو أكثر الآخرين اطلاعاً وأوسعهم تأليفاً.
حياة الشهداء في قبورهم الحياة البرزخية وذكر الأدلة عليها:
نعم ثبت نص القرآن أن الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله، بل نهى الله عن تسميتهم أمواتاً فقال: ((وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتٌ(201) بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ)) [البقرة:154] وثبت في الأحاديث أن أرواح الشهداء في [جوف](202) طير خضر ترعى في رياض الجنة ثم يكون مأواها إلى قناديل معلقة بالعرش(203)، وأرواحهم في قباب بيض من قباب الجنة(204)، وورد أنهم يرزقون من ثمار الجنة ويجدون ريحها ولا يدخلونها(205)، والأحاديث في هذا كثيرة(206). وكأنهم أنواع وكل منهم له رزقٌ ونعيمٌ، فالثابت بلا شك حياتهم، وأنهم يرزقون.
وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم من الشهداء كما قاله ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف تسعاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل قتلاً أحب إلي من أن أحلف يميناً واحدة إنه لم يقتل)(207)، وذلك أن الله اتخذه نبياً واتخذه شهيداً، أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني والحاكم في المستدرك والبيهقي في دلائل النبوة.(1/47)
وأخرج البخاري والبيهقى عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في مرضه الذي توفي فيه: لم أزل أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم)(208) وحينئذ فيكون صلى الله عليه وآله وسلم شهيداً، وبهذا استدل السيوطي على حياته صلى الله عليه وآله وسلم في قبره(209)، إلا أن هذه الشهادة سماها العلماء شهادة الأخرى؛ كالمبطون والمطعون فلهم حكم الشهداء في الآخرة، ولهذا غسل صلى الله عليه وآله وسلم وصلي عليه صلاة الجنازة، ثم لا يخفى بعد هذا كله أن هذا الخوض في الأنبياء عليهم السلام خوض أجنبي لا يتعلق به سؤال السائل(210)؟ بل سؤاله عن الأولياء وكراماتهم، لا عن الأنبياء ومعجزاتهم، ولكنه تدرج بذكرهم إلى إلحاق الأولياء بهم في حياتهم بعد الموت وكراماته وهو استدلالٌ باطلٌ وقياسٌ فاسد، فإن النبوة رتبةٌ عاليةٌ، والمعجزات منهم مطلوبةٌ عند التحدي، فلا يلحق أحد بالأنبياء عليهم السلام في لوازم النبوة بالاتفاق، إذ من شرط القياس مشاركة الفرع للأصل في علة الحكم(211)، والحكم هنا ثبوت المعجزات، والعلة النبوة والتحدي، والولي ليس له نبوةٌ اتفاقاً فلا معجزة، والكرامةٌ بإجابة الأدعية ونحوها ثابتة بأدلة القرآن والسنة، وغيرُها من الخوارق ممنوعٌ صدوره عن الأولياء كما تقدم نقله عن ابن السبكي والقشيري والأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني الذي قال الأسنوي في وصفه: (أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفرايني صاحب العلوم الشرعية والعقلية واللغوية والاجتهاد في العبادة والورع)(212) وأثنى عليه ثناء كثيراً. ذكره في طبقات الشافعية. إذا عرفت هذا فإنه لم يثبت دليلٌ على ما ادعاه من أن الأنبياء(213) عليهم السلام يأكلون ويشربون وينكحون. غاية ما في ذلك أنه ثبت للشهيد منهم الرزق الذي ذكره الله تعالى ولا ينفعه هذا جميعه في جواب السؤال.(1/48)
مناقشة المردود عليه في قوله: (والشهداء أيضاً أحياء عند ربهم شوهدوا نهاراً وجهاراً يجاهدون الكفار):
قوله: (والشهداء أيضاً أحياءٌ عند ربهم شوهدوا نهاراً وجهاراً يجاهدون الكفار).
أقول: يكذب هذه الدعوى ما أخرجه الحاكم وصححه عن جابر رضي الله عنه إنه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا جابر أن الله أحيا أباك وكلمه كفاحاً، قال: ألا تمنى؟ قال: أتمنى أن ترد روحي وتنشئ خلقي كما كان وترجعني إلى نبيك فأقاتل، فأقتل في سبيل الله مرة أخرى، قال إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون)(214).
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن مسروق قال: (سألنا عبد الله ابن مسعود عن هذه الآية ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله...)) [آل عمران:169] الآية. وفيه: أنه تعالى اطلع على الشهداء اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث نشاء، ففعل بهم ذلك ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجةٌ تركوا)(215).
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول له الله يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خيرُ منزل. فيقول له: سل وتمنه. فيقول: ما أسألك وأتمنى: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات. لما رأى من فضل الشهادة)(216).
وأخرج أحمد والنسائي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من نفس تموت ولها عند الله خيرٌ تحب أن ترجع إليكم إلا القتيل في سبيل الله فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى)(217).(1/49)
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وغيرهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من أحد من أهل الجنة أحدٌ يسره أن يرجع إلى الدنيا وله عشرة أمثالها إلا الشهيد فإنه ود لو رُد إلى الدنيا عشر مرات فاستشهد لما يرى من فضل الشهادة)(218). والأحاديث كثيرةٌ بأن الشهداء لا يرجعون إلى الدنيا ولا يقاتلون ولا يقتلون؟ بل يحبون ذلك وأجاب الله بأنهم إليها لا يرجعون. فأعجب لدعوى المجيب، ثم أي حاجة له إلى إثبات عود الشهداء إلى الدنيا يقاتلون فيها مع أن الكرامة عنده ثابتة للموجود والميت المفقود.
قوله: (وأما الأولياء.. إلى قوله: والدليل على جوازها أنها أمورٌ ممكنةٌ).
أقول: قدمنا لك أن إمكان الشيء ودخوله تحت القدرة الإلهية لا يستدل أحدٌ به بوقوع الممكن فما كل ممكن واقع، وقدمنا لك الأدلة على هذا فلا نعيدها.
الاستدلال على كرامات الأولياء بقصة مريم:
قوله: (وعلى الوقوع).
أقول: أي: والدليل على وقوع الكرامة للأولياء قصة مريم، وأن الله كان يأتيها بفاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء وهذا قد نطق به التتريل فكذلك ما ذكره من القصص الواقعة للصحابة(219).(1/50)
والجواب: أن هذا أولاً في حق الأحياء، وكلامه في الأحياء والأموات، ثم إنه قال القرطبي: (الصحيح أن مريم نبية)(220)، وبهذا فليست قصتها من محل النزاع، ثم إن أراد أنا نثبت الكرامات لمن ادعاها؟ لأجل أنها قد وقعت لمن ذكر فهذا غير صحيح؟ لإنه إثبات لها بالقياس، وإثبات الكرامات بالقياس ما يقوله أحدٌ من أهل الإسلام لا من العلماء ولا العوام، لأن الكرامة إنما هي فضلٌ من الله يؤتيه من يشاء لا من نشاء نحن، والقياس لا يُحكم به على الرب عز وجل؛ فيقال كما أحدث كرامة لمريم يحدثها لفلان هذا هذيان وتحكم على جناب الله الرحمن، وإن كان المراد إنها وقعت لا ننكرها فقد قدمنا لك عدم إنكار غير الخارق وأما الخارق فهو محل النزاع، ولا يتم الاستدلال بقصة مريم فإن الله اختصها بخوارق لم تكن لغيرها؟ مثل الإتيان بولد من غير أب، ونطق ولدها في المهد فدل أن لها رتبةً ومزية ليست لغيرها.
قصة أبي بكر مع أضيافه وتكثير الطعام له:
وأما قصة أبي بكر(221) فهي من إحداث البركة في الطعام، ولا يُنكر فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن صلة الأرحام سبب لزيادة الأرزاق والأعمار(222) وكذلك كثير من أنواع الخير أسبابٌ لحصول كثيرٍ من أنواع الخيرات(223) أمرٌ لا يُنكر(224). فعله الله من باب الأسباب والمسببات لا يختص به الولي؟ بل أخبر أن طعام الواحد يكفي الاثنين لحصول البركة(225).
قصة سارية مع عمر:
وأما قصة سارية مع عمر فلم يسندها ولم نجدها مسندة(226) ومثلها لو كان لشاع وكان متواتراً، وهذا مما يقول أهل الأصول أنه إذا انفرد الواحد بخبر توفر الدواعي على نقله فإنه يرد خبره ومثلوه بقتل خطيب على المنبر، وهذه نقلها لا بد من تواترها(227).
ادعاء المردود عليه أن الولي يقول للشيء كن فيكون، وإبطال المصنف ذلك:
قوله: (فأجاب بأنه ما قاله صحيح).
أقول: أي من أن الولي هو يقول للشيء كن فيكون.(1/51)
قلت: سبحانك هذا بهتان عظيم، بينما المجيب يخوض في إثبات الكرامة لولي صار الكلام في إثبات خواص الإلهية له(228)، والحال أن الرسل الذين هم الهداة للأمم وباتباع شعاع أنوارهم صار الولي ولياً إذا قالت لهم الأمم يأتون بآية يقولون: إنما الآيات عند الله، ويأمر أفضل رسله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول: ((قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ الله)) [الأعراف:188] ونهاه أن يقول لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله. وهؤلاء يقولون أمر الولي بين الكاف والنون، وهذا غلو كغلو النصارى في المسيح أو نوع من الجنون، وقد اختلفت أئمة الأصول هل يجوز أن يفوض الله إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حكماً من الأحكام الشرعية(229) فكيف إطلاق التصرف في الأكوان إيجاداً أو إعداماً في الأمور الكونية، وبالجملة فرد هذا الهذيان لا يحتاج إلى دليل من سنة ولا قرآن، إنما يحتاج إلى عقل يفرق بين خالق الأكوان وبين الإنسان.
قوله: (قال شيخ الإسلام أحمد بن علي: ما يقع من العامة من قولهم عند الشدائد: يا شيخ فلان.. إلى قوله: فأجاب بأن الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين جائزة وعلله بأن معجزات الأنبياء وكرامة الأولياء لا تنقطع بموتهم)(230).
أقول: هذا الكلام كما يقال: لحم جمل غث على جبل وعر لا سمينٌ فينتقى ولا سهل فيرتقى.(1/52)
أما قوله: (المعجزات لا تنقطع بالموت بمعنى أن الله يحدثها للنبي عليه السلام بعد موته فقد عرفت أن المعجزة من شرطها مقارنة التحدي عند دعوى النبوة(231) والميت لا يدعي النبوة ولا يتحدى باتفاق العقلاء وكتبِ الله ورسله، قال عيسى عليه السلام ((وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ)) [المائدة:117] وقال تعالى: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) [آل عمران:144] فأي دعوى للنبوة بعد الموت، وأي تحدي، وأي معجزة، ثم هذه الاستغاثة معلوم يقيناً أنها بدعة(232)، فلم يعلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم استغاث برسول من أولي العزم ولا غيرهم عند الشدائد التي لاقاها؛ بل كان أعظم ما لاقاه منها يوم الطائف فكان دعاؤه الدعاء المعروف واللجأ إلى الله تعالى(233).
لا يعلم عن أحد من الصحابة أنه استغاث به صلى الله عليه وسلم بعد موته:(1/53)
وكذلك أصحابه من بعده لا يعلم عن أحد منهم أنه استغاث به صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته، ولا يمكن أحدٌ يأتي بحرفٍ واحدٍ عن أصحابه أنه قال: يا رسول الله ويا محمد مستغيثاً به عند شدة نزلت به؛ بل كل يرجع عند الشدائد إلى الله تعالى(234)، حتى عُباد الأصنام إذا مسهم الضر في البحر ضل من يدعون إلا إياه(235)، وهذا خليل الله إبراهيم لما أرمي به إلى النار لاقاه جبريل في الهواء فقال له: هل من حاجة؟ قال: أما إليك فلا(236). وهذه الأدعية النبوية المأثورة قد ملأت كتب الحديث ليس منها حرفٌ واحدٌ فيه استغاثة بمخلوق وسؤال بحقه. وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين أنه ورد في أثرٍ إسرائيلي أن داود عليه السلام قال: (يا رب أسألك بحق آبائي عليك، فأوحى الله إلى داود، يا داود أي حق لآبائك علي، ألستُ أنا الذي هديتهم ومننت عليهم واصطفيتهم فلي الحق عليهم)(237).
الاستغاثة بالأموات بدعة بل هي بقية من عبادة الأصنام:
فهذه البدعة وهي الاستغاثة بالأموات وإنزال الحاجات بهم والتوسل إنما هو بقية من عبادة الأصنام؟ فإن الجاهلية كانوا يستغيثون بهم ويطلبون الحاجات منهم، وكل بدعة ضلالة، كما ثبت في الأحاديث(238)، وأي ضلالةٍ أعظم من عبدٍ يُنزل حاجاته بالأموات ويعرض عن باري البريات.
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم بايعه جماعه من الصحابة على أن لا يسألوا الناس شيئاً، فكان أحدهم إذا سقط سوطه وهو على راحلته لم يسأل من يناوله، بل ينزل بنفسه(239)، كل هذا لتفرد الله بالسؤال وطلب الحاجات.
إن قال المستغيث بالقبور لم أعرض عن الله إنما تقربت بهم إليه، يقال: هذا بعينه هو الذي قاله المشركون:(1/54)
وإن قال: لم أعرض عن الله، إنما تقربت بهم إليه. فيقال: هذا بعينه هو الذي قاله من قال إنه لا يعبد الأصنام إلا لتقربه إلى الله زلفى، غاية الفرق أن صنمه من حجارة أو خشب وصنمك من سلالة من طين، وأما التوسل وطلب الحاجات فهو العبادة بل هو مخ العبادة كما ثبت في الأحاديث(240).
لو كان التوسل بالأموات جائزاً أو مندوباً لعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته:
ولو كان التوسل بالأموات جائزاً أو مندوباً لعلم رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته ذلك فإنه قد علمهم كل خير ونهاهم عن كل شر، فإنه علمهم صلاة الاستخارة، وأذكار الصباح والمساء والدعوات عند العوارض من الهم والغم والأخواف(241) ؛ بل قال لهم: (من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي)(242) الحديث، فعلمهم التأسية عند المصايب، ولم يأت عنه حرفٌ إنه قال: من نزل به أمر فليستغث بي. وقد نهى العلماء عن هذه البدعة والضلالة وبينوا أنها حرامٌ.
قول أبي حنيفة: (لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به..):
قال أبو حنيفة: (لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، فلا يقول أسألك بفلان وفلان وبملائكتك أو بأنبيائك أو نحو ذلك لإنه لاحق للمخلوق على خالقه)(243). قال ابن عبد السلام: إنه لا يجوز سؤال الله بشيء من مخلوقاته لا الأنبياء ولا غيرهم إلا أنه توقف في نبينا صلى الله عليه وسلم لاعتقاده أنه جاء فيه حديثٌ، ولا يعرف صحته(244).
نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية في أن الأمور المبتدعة عند القبور مراتب:
قال ابن القيم: (قال شيخنا- يريد ابن تيمية-: هذه الأمور المبتدعة عند القبور مراتبُ أبعدها عن الشرع أن يسأل الميت حاجته ويستغيث به فيها كما يفعله كثير من الناس، قال: وهؤلاء من جنس عُباد الأصنام، ولهذا قد يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت أو الغائب كما يتمثل لعُباد الأصنام، وكذلك السجود للقبر والتمسحُ به وتقبيلُه.(1/55)
الثانية: أن يسأل الله به وهذا يفعله كثير من المتأخرين وهو بدعة باتفاق المسلمين.
الثالثة: أن يسأله بعينه.
الرابعة: أن يظن أن الدعاء عند القبر مجاب، أو إنه أفضل من الدعاء
في المسجد فيقصد زيارته والدعاء عنده؟ لأجل طلب حوائجه، وهذا أيضاً من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين، وهي محرمةٌ وما علمت في ذلك نزاعاً بين أئمة الدين، وإن كان كثيرٌ من المتأخرين يفعل ذلك))(245) انتهى.
رد استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (وحق العباد على الله) وبيان المراد بحقهم عليه:
فإن قلت: قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: أتدري ما حق الله على العباد. قال: الله ورسوله أعلم. قال: حقه عليهم أن يعبدوه فلا يشركوا به شيئاً. أتدرىِ ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال حقهم عليه أن لا يعذبهم بالنار(246).
قلتُ: هذا الحق الذي أثبته لعباده على نفسه هو الإثابة لهم بإفراده بالعبادة، ولا دليل أنا نسأله بحقهم، وكذلك كما قيل:
ما للعباد عليه حقٌّ واجب…كلا ولاسعيٌ لديه ضايع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا……فبفضله وهو الكريم الواسع(247)
معنى ما روي في الحديث (وبحق السائلين عليك):
وورد في دعاء الصلاة(248): (وبحق السائلين عليك)(249). أي: بما وعدت به إجابة السائلين، فهو توسل إلى الله بإجابة السائلين الذي جعله(250) على نفسه حقاً لهم بقوله: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) [غافر:60] فهو نظير قول زكريا عليه السلام: ((وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً)) [مريم:4] أو المراد: بحقك الواجب على المسلمين(251) من الإخبات وإنزالهم الحاجات بك ورفع الأكف إليك فهذا حق لله على السائلين أن يفعلوه لقوله ادعوني، فقد أمر بالدعاء فصار حقاً له، فالإضافة في حق السائلين إضافة إلى المفعول؛ أي: بحقك على السائلين، ثم حذف حرف الجر بعد حذف فاعل المصدر وأضيف إلى مفعوله وهذا الأخير أقوى.(1/56)
حديث توسل آدم عليه السلام بحق محمد صلى الله عليه وسلم وبيان عدم صحته:
فإن قلت: قد أخرج الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي [كلاهما](252) في الدلائل وابن عساكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى العرش فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فأوحى الله إليه ومن محمد؟ فقال: تبارك اسمك لما خلقتني رفعتُ رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوبٌ لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أن ليس أحدٌ أعظم عندك قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك، فأوحى الله: يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك ولولاه ما خلقتك)(253).
قلتُ: بعد صحة الحديث فيختص هذا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وحده، ولكني لا أدري كيف صحته، ولعله الذي توقف فيه ابن عبد السلام لعدم معرفته بصحته، ويحتمل أن الذي توقف فيه حديث صلاة الحاجة فإن فيه يا محمد أتشفعُ بك إلى الله الحديث وفيه مقال(254)، كما في الحديث الذي أخرجه ابن النجار من حديث ابن عباس، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه؟ سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين(255) انتهى.
والحاصل أن سؤال الله بحق غيره عليه أمرٌ عظيمٌ لا يؤخذ فيه إلا بأحاديث صحيحة؛ لإنه خطابٌ للرب عز وجل وإثبات لحق المخلوقين عليه وكيف جزم به القائل والله تعالى أمر عباده أن يدعوه بأسمائه الحسنى، فقال ((وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)) [الأعراف:180] وقد ثبتت الأحاديث وصحت إنه لا يجوز الحلف إلا بالله، وأن من حلف بغيره فقد أشرك(256)، وذلك لما فيه من تعظيم المخلوق به، فالاستغاثة والإقسام على الله بحقه إذا لم يكن أعظم من الحلف به كان مثله في أنه شرك، وقد وسعنا الكلام في هذا في رسالتنا (تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد).(1/57)
نقل المردود عليه عن ابن الشِّحنة أنه ينبغي الدعاء عند القبور، وإبطال المصنف ذلك:
قوله: (في جواب ابن الشحنة(257) وينبغي الدعاء عندها).
أقول: هذا بدعة قطعاً فالزيارة النبوية التي كان يفعلها صلى الله عليه وآله وسلم عند زيارة الصالحين كعمه حمزة وسائر الشهداء وغيرهم أن يقولوا (السلام عليكما دار قوم مؤمنين ورحمة الله وبركاته) وفي بعضها (نسأل الله لنا ولكم العافية)(258)، فالدعاء بطلب الحاجات عند قبر الميت كلام في غير محل السؤال، فإن محله التوسل وهذا شيء آخر هو أن محل قبره(259) مما يستجاب فيه الدعاء.
زيارة الأموات التي شرعها الله لعباده تكون بثلاثة أمور:
والحاصل أن زيارة الأموات التي شرعها الله لعباده تكون بثلاثة أمور:
الأول: تذكر الآخرة والاعتبار والاتعاظ كما أفاده قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة)(260).
والثاني: الإحسان إلى الميت كما يحسن إلى الحي بزيارته فإنه إذا زاره وأهدى إليه هدية من صدقة أو دعاء واستغفار سر به وفرح، ولذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عليهم ويدعو لهم بالعافية والرحمة كما يسر الحي ويفرح به إذا زاره وأهدى إليه هدية.
الثالث: إحسان الزائر إلى نفسه باتباع السنة والمتابعة له صلى الله عليه وآله وسلم فيما فعله واقتداؤه به فيما قاله فهذه الزيارة النبوية بلا زيادة.
الطواف بالقبور وتقبيلها وسؤال الحاجات منها هي عبادة المشركين:
وأما طواف الزائر بقبر الميت وتقبيلُه الأركان وسؤالُ الحاجات منه وعنده فهي عبادة المشركين لأصنامهم كما قررناه في تلك الرسالة.
قول المردود عليه: (وقد اشتهر عند أهل بغداد إجابة الدعاء عند قبر معروف الكرخي) ومناقشة المصنف له:
قوله: (وقد اشتهر عند أهل بغداد: إجابة الدعاء عند قبر الشيخ معروف الكرخي)(261).(1/58)
أقول: قال بعض المحققين: أن العبد إذا وقف على قبر من يستعظمه حصل له رقة وخشوع وإقبالُ قلب وإخلاصٌ في الدعاء فقد يجاب فيظن إنه ببركة صاحب القبر(262)، والمعلوم أن صاحب القبر طالبٌ من الزائر أن يدعو له ويستغفر له فهو في برزخ قد انقطع عن الأعمال. يفرح بما يهدى إليه من الأحياء، لا إنه بصدد قضاء حاجات الأحياء. وعلى الجملة هب أن الدعاء عند قبور الأولياء مندوبٌ كما قال: (ينبغي)، فالندب حكمٌ لا بد له من دليل ثم هذا غيرُ محل السؤال قطعاً(263).
احتجاج المردود عليه بتوسل عمر بالعباس وبيان المصنف لمعناه الصحيح:
قوله: (وقد توسل عمر بالعباس).
أقول: هذا غير محل السؤال فإن عمر إنما جعل العباس إماماً يدعو لهم ويستسقي ويسأل الله(264)، لاعتقاد عمر إنه مجاب الدعوة لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا أنه توسل به كما يتوسل القبوريون بالأموات، ولا قال عمر: أسألك بحق العباس، بل هو مثل طلب الصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يستسقي لهم، فهذا غير محل النزاع.
قوله: (لأن الطلب إنما هو من الله).(1/59)
أقول: هذا هو الحق لكن التوسل إليه بالمخلوقين شيء لم يأذن الله لعباده به فهو بدعة، وهو تهجم على الجناب العلي بما لم يأت به شرع؛ بل هو طريقة عُباد الأوثان القائلين إنهم يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى، والذي أمر الله به عباده في كتابه بقوله: ((وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5] أي: نخصك بالاستعانة فلا نستعين إلا بك كما عرف في علم البيان أن تقديم المفعول هنا أفاد الاختصاص(265) سيما وقد قدم قوله: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) [الفاتحة:5] أي: نخصك بالعبادة فكما أنه مختصٌ بالعبادة لا يُعبَدُ سواه بالاتفاق، فهو مختصٌ بأن لا يستعان بغيره، والتوسل بالمخلوقين استعانةٌ بهم، ثم إنه تعالى يقول ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)) [البقرة:255] ويقول: ((وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)) [الأنبياء:28] فمن أين للمتوسل بالمخلوقين أن الله تعالى قد أذن لهم بالشفاعة للسائل في قضاء حاجاته؟ ثم قد قرر آنفاً هذا المجيبُ أن لهؤلاء الأولياء أن يقول للشيء كن فيكون. فأي حاجةٍ إلى التوسل بهم؟ بل منهم تُطلب الحاجات وتسأل الحياة والممات، وقد صيرهم آلهة يفعلون ما يريدون وتنقاد لهم الأكوان وما فيها كما يشاؤن، وربنا جلِ جلاله يقول لأشرف مخلوقاته: ((قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ)) [يونس:49] ويقول له أن يقول: ((قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ(266) عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ)) [الأنعام:50]، وهؤلاء الجهلة قالوا: الولي يقول للشيء كن فيكون فزاد على رتبة الملائكة ورتبة الأنبياء وصاروا أرباباً؛ بل جعلوا الملائكة الأربعة أبعاضاً للقطب كما أسلفنا الإشارة إليه(267).
التوسل بالمخلوقين إلى رب العالمين هي طريقة الصائبة:(1/60)
واعلم أن التوسل بالمخلوقين إلى رب العالمين هي طريقة الصابئة -أحد الفرق الست التي عدهم الله في سورة الحج حيث قال: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)) [الحج:17] وذكرهم الله في آيات تضمهم إلى أهل الكتاب -كما حققه الأئمة من أهل الملل والنحل كعبد الكريم الشهرستاني(268) وغيره.
التوسل المشروع ثلاثة أنواع:
والمعروف كتاباً وسنة أن نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته وهذا هو أحد التأويلين في قوله تعالى: ((وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)) [الأعراف:180] مثل الدعاء المأثور الصحيح إنه قال: (ما أصاب عبداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، وشفاء صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله تعالى همه وغمه، وأبدل مكانه فرحاً)(269) وهذا أحد ثلاثة أنواع شرعت في الدعاء.
الثاني: أن تدعوه متوسلاً بفقرك وحاجتك نحو أن تقول: أنا العبد الفقير الخائف المستجير، ومنه قول أبي البشر ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) [الأعراف:23] فتوسل بظلمه(270) أن جعله عنوان سؤاله، ومثله الدعاء الذي علمه صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر وقد سأله أن يعلمه دعاءً يدعو به في صلاته، فقال: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً...)(271) الحديث صحيح.
والثالث: أن تدعو الله طالباً لحاجتك غير متوسل باسم من أسمائه(272)، ولا بحاجتك وفقرك، وأما التوسل بالمخلوقين في الأدعية فهو بدعة وكل بدعة ضلالة ولا يقبل لصاحب بدعة صرفاً ولا عدلاً.(1/61)
كلام المصنف على (عمارة المشاهد):
قوله: (أو عمارة مشهده).
أقول: هذا هو مسألة النذر على القبور وقد أشبعنا الكلام عليه في رسالتنا (تطهير الاعتقاد) وَأَبَنا أن الواجب هدم ما يعمرونه في القبور ويسمونه مشهداً عملاً بأمره صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) حين بعثه إلى اليمن أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا هدمه وسواه بالأرض والحديث أخرجه مسلم(273).
من هم أهل السنة والجماعة:
قوله: (وقال العلامة ابن حجر: الحق أن أهل السنة والجماعة من الفقهاء والمحدثين والأصوليين.. إلى آخر كلامه).
أقول: فيه أولاً أبحاث:
الأول: أن أهل السنة هم الذين كانوا على طريقة المصطفى وأصحابه الذين لم يبتدعوا بدعة في الدين ولا خالفوا طريق سيد المرسلين وهؤلاء الذين أرادهما ابن حجر من أهل الابتداع لمسائل الكلام وغيرها وأعظمها بدعة عبادة القبور والتسريج عليها والنذور، فإن قلنا أن البدعة لا تضرهم في تسميتهم أهل السنة فإنها لا تضر المعتزلة وأشباههم؛ بل والخوارج لأن لكل نسبة في الجملة إلى السنة.
الثاني: اشترط في الأولياء السلامة من الهفوات والزلل، فإنه شرط لم يأت به المجيب في أول كلامه ولا يقوله أحدٌ فإن بني آدم كلهم خطاءون كما في الحديث، وخيرُ الخطائين التوابون(274).(1/62)
الثالث: ذكر إنه يخرج الولي من قبره ويقضي حوائج الناس، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمعلوم من الضرورة الدينية أن من واراه القبر لا يخرج منه إلا في المحشر. قال الله تعالى: ((مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)) [طه:55] ولم يقل تارات أخر. وقال تعالى: ((ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)) [عبس:21-22] قال الله تعالى ((أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ)) [يس:31] وأما الأحاديث النبوية فإنها متواترة أن من أدخل قبره لا يخرج منه إلا عند النفخة الثانية في الصور وقد سردها السيوطي في شفاء الصدور في أحوال الموتى والقبور(275)، وقد ذكرنا من ذلك عدة أحاديث صحيحة في كتابنا (جمع الشتيت)(276).
وبالجملة فالقول بخروج الميت من قبره وبروزه بشخصه لقضاء أغراض الأحياء قول مخالف للعقل والنقل، وهو غير محل النزاع، فإن النزاع إنما هو في حصول الكرامة للميت لا في خروجه من قبره.
مناقشة المردود عليه في قوله: (إن الخضر كان يحضر مجلس فقه أبي حنيفة يتعلم علم الشريعة):
الرابع: قوله: (إن الخضر كان يحضر مجلس فقه أبي حنيفة يتعلم علم الشريعة).(1/63)
أقول: أولاً أن أئمة العلم من المحققين قائلون بعدم حياة الخضر ولم يأت حديثٌ صحيحٌ أنه حيٌ، ولا أتى حديث صحيح(277) أنه لقي نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم. قال الحافظ ابن حجر: الذي جزم به البخاري وإبراهيم الحربي وابن العربي وطائفة عدهم من الأئمة أنه قد مات، وذكر أدلة القائلين بحياته والقائلين بوفاته وأطال في ذلك وقوى وفاته(278)، والجواب لا يتسع لها. هذا الجواب، ثم سلمنا أنه حي(279)، أما كان له في التعلم للشريعة المحمدية من الآتي بها محمد بن عبد الله في حياته كفاية يأخذ عنه كما أخذ عنه الصحابة، ثم هلا أخذها عن الصحابة من بعده صلى الله عليه وآله وسلم، ولم تأخر أخذه لها إلى عصر أبي حنيفة وصبر على الجهل بها هذه المدة الطويلة، ثم ماذا كان يأخذ منه؟ هل علم درايته وفروعه التي قاسها، أم علم روايته؟
الأول لا يحتاج إليه إلا من يقلد أبا حنيفة، وللفرض(280) أن الخضر نبي لا يجوز له التقليد، وإن كان الثاني فأبو حنيفة ليس من المكثرين في علم الرواية.
والعجب من هزوهم بالأنبياء ونيلهم من قصور همة الخضر كيف لم يأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم الشريعة ولا عن علي(281) ولا عن أحد من الصحابة، وكأنه أخذ عن أبي حنيفة فروعه الفقهية طمعاً في أن يتولى القضاء في بلاد الحنفية ولعله أدرك فتاوى القاضي خان(282) وغيره من حنفية الزمان فإن لم يكن هذا القول من أقوال أهل الجنون وإلا فلا جنون في الأكوان، وأعجب من هذا قول السيوطي: (أن من كرامة الولي أن يرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويجتمع به في اليقظة ويأخذ عنه ما قسم من مذاهب ومعارف).(1/64)
قال: (وممن نص على ذلك من أئمة الشافعية الغزالي والسبكي واليافعي، ومن المالكية القرطبي وابن أبي حمزة وابن الحاج في المدخل). قال: (وحكي عن بعض الأولياء أنه حضر مجلس فقيه فروى ذلك الفقيه حديثاً، فقال له الولي: هذا الحديث باطل. فقال له الفقيه: من أين لك هذا؟ قال: هذا النبي واقفٌ على رأسك يقول: إني لم أقل هذا الحديث. وكُشف للفقيه فرآه. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: لو حجب عني النبي صلى الله عليه وآله وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين)(283).
وهذا استدل به السيوطي على أن عيسى بن مريم إذا نزل من السماء آخر الزمان فإنه يأخذ علم شريعة النبي محمد عنه صلى الله عليه وآله وسلم وهو في قبره(284).
وأما الخضر فقالوا: أخذ عن أبي حنيفة خمسة عشر سنة بعد موته، وفيه دلالة على بلادة الخضر عندهم وقلة فهمه حيث بقي هذه المدة يأخذ العلم.
والحاصل: أن هذا كلام لا تجري به أقلام من لهم عقول فضلاً عمن يعرف آثارة(285) من علم معقول أو منقول، وقد ثبت أن أبا بكر الصديق وعمر الفاروق كانا يتمنيان لو سألا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مسائل من علم الدين، وهذا أبو بكر يقول للجدة لما جاءت تطلب ميراثها من ابن ابنها أو ابن بنتها. ما أجد لك في الكتاب شيئاً ولا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً وسأسأل الناس العشية، فلما صلى الظهر أقبل على الناس فقال: أن الجدة أتتني تسألني ميراثها. إلى أن قال: فهل سمع أحدٌ منكم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقضى لها بالسدس فقال: هل سمع ذلك معك أحد فقام محمد بن سلمة فقال: كقول المغيرة(286).(1/65)
ومثله قصة عمر في الاستئذان(287) ورجوعه إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في عدة وقائع(288)، وكم من مسائل اجتهد فيها الصحابة وهم في الحجرة النبوية وفي المدينة الطيبة. فكيف ساغ لهم الاجتهاد مع إمكان وجود النص وأخذه عن لسان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. وكم وكم من قضايا حار فيها الصحابة فرجعوا إلى الرأي وبعضهم كان لا يعلم الحديث في القضية التي حار فيها حتى يرويها له بعض الصحابة، ولا حاجة إلى التطويل لذلك.
فيا عجباه لعقول تقبل هذا الهذيان، ومن قوم يعدون أنفسهم من العلماء الأعيان، ثم يصيرون كعبدة الأوثان يعتقدون في القبور والموتى بما لم يأتوا عليه ببرهان، وينسون ما قاله سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم وعلى آله ما اختلف الملوان حيث يقول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)(289)، ويقول: (خير القرون قرني)(290) ثم تأتي هذه الحثالة هذه الجهالة بعد مضي القرون الفاضلة وذهاب الأمم الفاضلة فيجعلون القبور أوثاناً، وأموالهم لها نذراً وقرباناً، وينبذون وراء ظهورهم سنة وقرآنا، ويأتون هذه البدع التي تقشعر منها الجلود وبهذه الكذبات على عباد الله التي ضمتهم بطون اللحود؛ كقولهم أن هذا الحنفي قال في مرض موته: إنهم يأتون لحاجتهم إلى قبره وإنه لا يحجبه عنهم ذراع من تراب فإن كان هذا كذباً عليه فقد خاب من افترى، وإن كان قاله فما على المريض حرج، فإنه يحصل الهذيان للمرضى، ويأتون من الأقوال والأفعال بما لا يُرضى.(1/66)
ويا عجباه هذا رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم القيامة وهو على حوضه ورأى جماعة من أصحابه يذادون عن الحوض فيقول أصحابي! أصحابي! فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فيقول سحقاً سحقاً. لمن بدل بعدي(291)، فلم يعرف صلى الله عليه وآله وسلم تبديل من بدل إلا يوم القيامة وهؤلاء يقولون: لا يحجب الولي عن أصحابه ذراع من تراب، بل يعلم بأصحابه ويقضى حوائجهم. وأحاديث إنه يذاد عن الحوض أقوامٌ من أصحابه صحيحة متواترة.
مناقشة المصنف لقول المردود عليه بتقبيل توابيت الأولياء وأعتابهم:
قوله: (وأما تقبيل توابيت الأولياء وأعتابهم فلا خلاف في جوازه ولا كراهة).
أقول: التقبيل للجمادات لم يثبت إلا في تقبيل الحجر الأسود، كما أخرجه النسائي من حديث عمر. عن ابن عباس قال: رأيت عمر قبل الحجر ثلاثاً ثم قال: إنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبلك ما قبلتك(292). قال الطبري: ((إنَّما قال عمر ذلك لأنَّ النَّاس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال أن تقبيل الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية فأراد أن يبين لهم أنَّ ما فعله اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا لأن الحجر يضر أو ينفع(293)))(294) انتهى.(1/67)
فهذا الذي ورد في تقبيل الجماد ولا يقاس على الحجر الأسود غيرها(295) ؛ لإنها اختصت بخصائص ليست لشيء من الجمادات؛ ولأن تقبيلها لحكمة تختص بها فإنه أخرج الحاكم من حديث أبي سعيد أن عمر لما قال هذا قال له علي بن أبي طالب: إنه يضر وينفع، وذكر أن الله لما أخذ الميثاق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر الأسود. قال: وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسانٌ ذلقٌ يشهد لمن استلمه بالتوحيد)(296). انتهى. فهذه خاصة بالحجر الأسود ولا يلحق بها غيرها؟ إذ من شرط القياس الاشتراك في العلة اتفاقاً، وبهذا يعلم بطلان ما نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري من أنه استنبط بعضهم من تقبيل الحجر الأسود تقبيلَ كل من يستحق التعظيم(297) فإنه استنباطٌ باطلٌ، ولو سلمنا صحته فقد عارضه مفسدةٌ عظيمةٌ وهي أن تقبيل القبور والأخشاب التي تنحت عليها ويقال لها التوابيت هو بعينه التي كانت تفعله عباد الأوثان لأوثانهم وهي من جملة عبادتها(298)، إذ كل تعظيم فهو من العبادة، وتعظيم جماد لا يضر ولا ينفع منهي عنه؛ لأن التعظيم من خاصية المعبود بحق فلا تعظيم إلا له تعالى بالعبادة بكل جارحة من الجوارح ومن أذن لنا بأن نعظمه من الأحياء من الأنبياء والمرسلين والعلماء العاملين ونحو ذلك.
وأما قوله: (أنه أفتى بجواز ذلك الرملي).
فمجرد فتواه لا يحق باطلاً ولا يحلل محرماً ولا يحرم حلالاً حتى يأتي بالدليل وعليه يدور القال والقيل.(1/68)
والعجب قوله آخراً: (وهذا كله ظاهرٌ غنيٌ عن طلب دليل) كأنه جعله من ضروريات الدين. نعم هو من ضروريات الدين دين الجاهلين عُباد القبور المغفلين الذين يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، بل التحقيق أنهم ما عرفوا ظاهر الحياة حيث قَبلوا بالأفواه وعفروا الجباه لمن لا ينفعهم شيئاً ولا يضرهم، أفٍ لهم ولما يعبدون، فإن من عرف الظاهر من الدنيا يحرص على أن لا يبذل مقالاً ولا مالاً ولا قُبلةً ولا استلاماً إلا إذا كان لأمر يعود عليه نفعه في دينه أو دنياه، ولقد عقل هذا المشركون عُباد الأصنام لما قال لهم الخليل: ((قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)) [الشعراء:70-74] فانظر كيف أجابوا بإنها لا تسمع ولا تضر ولا تنفع، بل أثبتوا عبادتها لإنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون، فلقد عقل المشركون(299) مالا يعقله الجاهلون من هذه الأمة فإن هؤلاء الجهلة قالوا بنفع هؤلاء الأموات وتقبيل القبور لما فيها من العظام النخرة الرفات وهذا ليس وراءه ضلال، وليس لإبليس بعده في الغواية مجال، إذ ابتدع هؤلاء القبوريون هذه الابتداعات من العمارة على القبور وإضاعة الأموال في رص الأحجار عليها والصخور وتسميتها بالقباب والمشاهد وإقرار عين إبليس هذه البدع التي هي للشريعة أعظم مضادة، ثم جعل عليه التابوت وكسوته بنفيس الثياب، وهذا هو والله بعينه الذي كانت تصنعه عُباد الأوثان والكلاب ثم الكتب عليه وإيقاد الشموع والقنديل والمصباح وهذا هو الذي لعن المصطفى فاعله في الأحاديث الصحاح.
نقل مطول عن ابن القيم رحمه الله في أن أصل تعظيم القبور مأخوذ من عبّاد الأصنام:(1/69)
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: (أصل تعظيم القبور مأخوذ من عُباد الأصنام فإنهم قالوا: الميت المعظم الذي لروحه قرب من الله تعالى ومزية لا تزال تأتيه الألطاف من الله وتفيض على روحه الخيرات، فإذا علق الزائر روحه به وأدناها منه فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف(300) بواسطتها؟ كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوه على الجسم المقابل له. قالوا: فحق الزيارة(301) أن يتوجه الزائر بروحه وبقلبه إلى الميت ويعكف همته عليه ويوجه قصده كله وإقباله عليه بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره، وكلما كان جَمعُ الهمة والقلب عليه كان أعظمَ لانتفاعه به(302)، وذكر هذه الزيارة على هذا الوجه ابن سينا والفارابي وغيرهما، وصرح بها عُباد الكواكب في عبادتها، قالوا: إذا تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العُلوية فاض عليها منها النور، وهذا السر عُبدت الكواكبُ، واتخذت لها الهياكلُ، وصُنعت(303) لها الدعواتُ، واتَخذت الأصنام المتخذة(304) لها وهذا بعينه هو الذي أوجب لعُباد القبور اتخاذها أعياداً، وتعليق الستور عليها وإيقاد السرج عليها، وبناء المساجد عليها، وهذا هو الذي قصد صلى الله عليه وآله وسلم إبطاله بالكلية، وسد الذرائع المفضية إليه، فوقف المشركون في طريقه وناقضوه من قصده، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شق وهؤلاء في شق، وهذا الذي ذكره هؤلاء في زيارة القبور هي الشفاعة التي ظنوا أن آلهتهم تنفعهم بها وتشفع لهم عند الله [قالوا: فإن العبد إذا تعلقت روحه بروح الوجيه المقرب عند الله](305) وتوجه بهمته إليه وعكف قلبه عليه صار بينهم وبينه اتصال يفيض به عليه [منه] نصيب مما يحصل له من الله وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاه وحظوة وقرب من السلطان فهو شديد التعلق به فما حصل لذلك من السلطان من الإفضال والإنعام فإنه ينال ذلك المتعلق به بحسب تعلقه.(1/70)
فهذا سر عبادة الأصنام وهو الذي بعث الله رسله وأنزل كتبه بإبطاله وتكفير أصحابه ولعنهم وأباح أموالهم ودماءهم وسبى ذراريهم وأوجب لهم النار، والقرآن من أوله إلى آخره مملوء من الرد على أهله وإبطال مذهبهم.
قال تعالى: ((أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) [الزمر:42-44] فأخبر أن الشفاعة لمن له ملك السموات والأرض وهو الله وحده، والشفاعة له، والذي يشفع إنما يشفع بإذنه له وأمره بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه وهي إرادته من نفسه أن يرحم عبده وهذا ضد الشفاعة الشركية التي أثبتها هؤلاء المشركون ومن وافقهم وهي التي أبطلها سبحانه وتعالى في كتابه بقوله: ((وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)) [البقرة:123] وقوله: ((مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ)) [البقرة:254] وقوله: ((وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)) [الأنعام:51] وقال تعالى: ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ)) [السجدة:4] فأخبر سبحانه إنه ليس للعباد شفيع من دونه؟ بل إذا أراد تعالى رحمة عبده أذن هو لمن يشفع فيه كما قال تعالى: ((مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ)) [يونس:3] وقال تعالى: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)) [البقرة:255] فالشفاعة بإذنه ليست شفاعته من(1/71)
دونه، فالشفاعة التي أبطلها شفاعة الشريك، والشفاعة التي أثبتها شفاعة العبد المأمور الذي لا يشفع ولا يتقدم بين يدي مالكه حتى يأذن له ويقول: اشفع في فلان إذا كان المشفوع له ممن ارتضاه سبحانه لقوله: ((وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)) [الأنبياء:28] وقال ((يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً)) [طه:109] فأخبر تعالى أنها لا تحصل يومئذ شفاعة تنفع إلا بعد رضاه قول المشفوع له وإذنه للشافع فيه، وسر هذا كله أن الأمر كله بيده وحده فليس لأحد معه من الأمر شيء، وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده هم الرسل والملائكة المقربون وهم عبيدٌ لا يسبقونه بالقول ولا يتقدمون بين يديه ولا يفعلون شيئاً إلا بعد إذنه وأمره.
وأما قياس رب العالمين على الكبراء حيث يتخذ الرجل من خواصه وأوليائه من يشفع عنده في الحوائج فهذا قياسٌ فاسدٌ والفرق بينهما هو الفرق بين الخلق والخالق والرب والعبد والمالك والمملوك والغني والفقير والذي لا حاجة له إلى أحد قط، والمحتاج من كل وجه إلى غيره))(306)، فأي قياس أبطل في الوجود من هذا القياس مع مخالفته للنصوص القرآنية والسنة الإلهية والطريقة الإيمانية.
نهاية الرسالة:
وقد انتهى ما أردت بطلانه لوجوب ذلك علي، ووجوب بيانه، حذراً من اغترار الجهال بهذه الضلالات من الأقوال، لعموم الجهال وعدم العلماء العاملين الناصحين للأمة بالأقوال والأفعال وحسبنا الله ونعم والوكيل، عليه لا على غيره الاتكال وصلى الله على سيدنا محمد وآله خير آل.
انتهت الرسالة الجليلة والحمد لله كثيراً، فرغت من نقلها يوم الأربعاء من بواقي ربيع الأول عام(307).
فهرس المصادر والمراجع
إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: للشيخ حمود التويجري، طبع مطابع الرياض، الأولى (1394هـ).(1/72)
إجابة السائل شرح بغية الأمل: للصنعاني، تحقيق حسين السياغي، والدكتور حسن الأهدل، مؤسسة الرسالة، بيروت، ومكتبة الجيل الجديد، صنعاء، الأولى (1406هـ).
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: لعلاء الدين علي بن بلبان، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الأولى (1408هـ).
أخبار أصفهان: لأبي نعيم، طبعة مطبعة بريل، ليدن.
الأدب المفرد: للبخاري، عالم الكتب، بيروت، الأولى (1404هـ).
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: للألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى (1399هـ).
الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
إغاثة اللهفان: لابن القيم، تحقيق محمد الكيلاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.
الاقتباس لمعرفة الحق من أنواع القياس: للصنعاني، تحقيق عبد الله بن محمد الحاشدي، مكتبة السوادي، الأولى (1416هـ).
الأولياء: لابن أبي الدنيا، تحقيق مجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن، القاهرة.
إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون: لإسماعيل باشا، الفيصلية، مكة.
إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة: للصنعاني، تحقيق عبد الله شاكر محمد الجنيدي، رسالة علمية مقدمة في الجامعة الإسلامية لنيل درجة الدكتوراه.
البحر المحيط: للزركشي، نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، الثانية (1413هـ).
البداية والنهاية: لابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت، الثانية (1397هـ).
البدر الطالع. محاسن من بعد القرن السابع: للشوكاني، مطبعة السعادة، القاهرة، الأولى (1348هـ).
تبرئة الشيخين الإمامين من تزوير أهل الكذب والمين: لسليمان بن سحمان، طبعة دار العاصمة، الرياض، الثانية (1410هـ).
تذكرة الموضوعات: لمحمد بن طاهر الهندي الفتني، نشر أمين دمج، بيروت.
تفسير البيضاوي المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل: دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى (1408هـ).
تفسير القرآن العظيم: لابن كثير، طبعة الشعب، القاهرة.(1/73)
تقريب التهذيب: للحافظ ابن حجر، تحقيق أبي الأشبال صغير أحمد شاغف، دار العاصمة، الرياض، الأولى (1416هـ).
التوقيف على مهمات التعاريف: للمناوي، تحقيق الدكتور عبد الحميد صاع حمدان، عالم الكتب، القاهرة، الأولى (1410هـ).
تيسير العزيز الحميد: للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبدالوهاب، المكتب الإسلامي، بيروت، الثالثة (1397هـ).
ثمرات النظر في علم الأثر: للصنعاني، تحقيق رائد بن صبري بن أبي علفة، دار العاصمة، الرياض، الأولى (1417هـ).
جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لابن جرير الطبري، دار الفكر (1405هـ).
جامع العلوم والحكم: لابن رجب، دار المعرفة، بيروت.
الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى (1408) حص.
جمع الجوامع: لابن السبكي مع شرحه للمحلي، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، الثانية (1356هـ).
جمع الشتيت في شرح أبيات التثبيت: للصنعاني، مطبعة القادر، كراتشي، الثانية (1398هـ).
جمع جهود الحفاظ النقلة بتواتر روايات زيادة العمر بالبر والصلة: للطفي بن محمد بن يوسف الصغير، أضواء السلف، الرياض، الأولى (1418هـ).
حصول الرفق في أصول الرزق: للسيوطي، تحقيق أبي الفضل الحويني دار الصحابة للتراث، الأولى (1410هـ).
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم، دار الكتاب العربي، بيروت، الثانية (1387هـ).
حياة الأنبياء صلوات الله عليهم بعد وفاتهم: للبيهقي، تحقيق الدكتور أحمد عطية الغامدي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة، الأولى (1414هـ).
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: للسمين الحلبي، تحقيق د. أحمد الخراط، دار القلم، دمشق، الأولى (1406هـ).
درء تعارض العقل والنقل: لابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الأولى (1399هـ).
دفاع عن الحديث النبوي والسيرة: للألباني، مؤسسة الخافقين، دمشق.(1/74)
دلائل النبوة: للبيهقي، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى (1405هـ).
ديوان الأمير الصنعاني: مطبعة المدني، القاهرة، الأولى (1384هـ).
الرسائل التسع: للسيوطي، دار إحياء العلوم، بيروت، الأولى (1405هـ).
الرسالة التبوكية: لابن القيم، تحقيق طارق السعود، مكتبة المنار ودار الهجرة، الثالثة (1405هـ).
الرسالة القشيرية: لأبي القاسم عبد الكريم القشيري، دار الكتاب العربي، بيروت.
رصف المباني في شرح حروف المعاني: لأحمد المالقي، تحقيق د. أحمد الخراط، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
الروح: لابن القيم، دار الكتاب العربي، الثالثة (1408هـ).
الزهد: للإمام أحمد، تحقيق محمد زغلول، دار الكتاب العربي، بيروت، الأولى (1406هـ).
الزهد: لهناد بن السري، تحقيق عبد الرحمن الفريوائى، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت، الأولى (1406هـ).
زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه: لعبد الرزاق البدر، دار القلم والكتاب، الرياض، الأولى.
سلسلة الأحاديث الصحيحة: للألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الثالثة (1403هـ).
سلسلة الأحاديث الضعيفة: للألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الرابعة (1398هـ).
السنة: لابن أبي عاصم، المكتب الإسلامي، بيروت، الثانية (1405هـ).
سنن أبي داود: تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء السنة النبوية.
سنن ابن ماجه: تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، دار إحياء الكتب العربية.
سنن الترمذي: تحقيق أحمد شاكر وآخرين، دار إحياء التراث العربي.
سنن الدارمي: تحقيق عبد الله هاشم يماني، شركة الطباعة الفنية المتحدة، (1386هـ).
السنن الكبرى: للبيهقي، دار المعرفة، بيروت.
سنن النسائي بشرح السيوطي: دار إحياء الكتاب العربي، بيروت، الأولى (1348هـ).
سير أعلام النبلاء: للذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الثانية (1401هـ).
شذرات الذهب: لابن العماد، دار المسيرة، بيروت، الثانية (1399هـ).(1/75)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: لأبي القاسم اللالكائي، تحقيق د. أحمد سعد حمدان الغامدي، دار طيبة للنشر، الرياض.
شرح السنة: للبغوي، تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى (1390هـ).
شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور: للسيوطي، مطابع الرشيد، المدينة، (1403هـ).
شرح العقيدة الأصفهانية: لابن تيمية، تحقيق حسنين محمد مخلوف، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
شرح العقيدة الطحاوية: تحقيق د. عبد الله التركى وشعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الثانية (1413هـ).
شرح الكوكب المنير: لابن النجار، تحقيق الدكتور محمد الزحيلي والدكتور نزيه حماد، نشر مركز البحث العلمى بجامعة أم القرى.
شرح صحيح مسلم: للنووي، المطبعة المصرية، القاهرة.
صحيح سنن النسائي: للألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الأولى (1409هـ).
صحيح مسلم: تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
الصنعاني وكتابه توضيح الأفكار: للدكتور أحمد محمد العليمي، دار الأمة، دبي ودار الكتب العلمية بيروت، الأولى (1408هـ).
صيد الخاطر: لابن الجوزي، المكتبة العلمية، بيروت.
ضعيف سنن النسائي: للألباني، المكتب الإسلامى، بيروت، الأولى (1411هـ).
طبقات الشافعية: للأسنوي، تحقيق عبد الله الجبوري، مطبعة الإرشاد، بغداد (1390هـ).
الطبقات الكبرى: لابن سعد، دار صادر، بيروت.
عمل اليوم والليلة: لابن السني، تحقيق بشير عيون، مكتبة دار البيان، دمشق، الأولى (1407هـ).
عنوان المجد في تاريخ نجد: لعثمان بن بشر، مكتبة الرياض الحديثة.. الفتاوى الكبرى الفقهية: لابن حجر الهيتمي، نشر المكتبة الإسلامية، ديار بكر، تركيا.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري: لابن حجر، دار المعرفة، بيروت.
الفردوس بمأثور الخطاب: للديلمي، دار الباز، مكة، الأولى (1406هـ).(1/76)
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: لابن تيمية، تحقيق الدكتور عبد الرحمن بن عبد الكريم اليحيى، طبعة دار طويق للنشر والتوزيع، الأولى (1414هـ).
الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: للشوكاني، تحقيق عبدالرحمن المعلمي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، الأولى (1380هـ).
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: لابن تيمية، تحقيق الدكتور ربيع بن هادي مدخلي، مكتبة لينة، الأولى (1409هـ).
القاموس المحيط: للفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الثانية (1457هـ).
قصد السبيل إلى توحيد الحق الوكيل: نسخة مصورة في قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية برقم (590 فلم).
اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: للسيوطي، دار المعرفة، بيروت، الثانية فى (1395هـ).
لوامع الأنوار البهية: للسفاريني، مطبعة المدني، القاهرة.
المجروحين: لابن حبان، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الأولى (1306هـ).
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، الثالثة (1402هـ).
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة المعارف، الرباط.
مجموع مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب: نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
مختصر الفتاوى المصرية: لشيخ الإسلام ابن تيمية، اختصار أبي عبد الله محمد بن علي البعلي، دار نشر الكتب الإسلامية، لاهور. مدارج السالكين: لابن القيم، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت (1392هـ).
المستدرك على الصحيحين: للحافظ أبي عبد الله الحاكم، دار المعرفة، بيروت.
المسند: للإمام أحمد، المكتب الإسلامي، بيروت، الخامسة (1405هـ)..
المسند: للإمام أحمد، تحقيق أحمد شاكر، دار المعارف، مصر (1373هـ).
مسند أبي يعلى الموصلي: تحقيق حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، بيروت، الثانية (1410هـ).
مسند الطيالسي: دار المعرفة، بيروت.(1/77)
مشكاة المصابيح: للخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الثالثة (1405هـ).
المصنف: للإمام عبد الرزاق، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الثانية (1403هـ).
المعجم الصغير: للطبراني، تحقيق محمد شكور محمود الحاج أمرير، المكتب الإسلامي، بيروت، ودار عمار بعمان، الأولى (1405هـ).
المعجم الكبير: للطبراني، تحقيق حمدي السلفي، الدار العربية للطباعة، بغداد.
معجم المؤلفين: لعمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
المعجم الوسيط: لعدد من المؤلفين، دار إحياء التراث العربي، الثانية.. المغني في الضعفاء للذهبي، نشر إدارة إحياء التراث الإسلامي، قطر.. مفتاح دار السعادة: لابن القيم، دار الكتب العلمية، بيروت.
الملل والنحل: للشهرستاني، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت (1404هـ).
المنار المنيف في الصحيح والضعيف: لابن القيم، تحقيق عبد الفتاح أبي غدة، نشر مكتبة المطبوعات الإسلامية، الثانية (1403هـ).
المنتخب من مسند عبد بن حميد: للحافظ أبي محمد عبد بن حميد، تحقيق صحبي السامرائى ومحمود الصعيدي، عالم الكتب، بيروت، الأولى (1408هـ).
الموضوعات: لابن الجوزي، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة، الأولى (1386هـ).
النبوات: لابن تيمية، دار الكتب العلمية، بيروت (1402هـ).
نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر: لابن حجر، المكتبة العلمية.
نزول عيسى بن مريم آخر الزمان: للسيوطي، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى (1405هـ).
النهاية في غريب الحديث والأثر: لابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحى، دار الباز، مكة.
نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول: للحكيم الترمذي، دار صادر، بيروت.
الفهرس
مقدمة معالي مدير الجامعة الإسلامية…2
المقدمة…4
دراسة موجزة عن المؤلف…6
1- نسبه:…6
2- مولده:…6
3- شيوخه:…6(1/78)
4- رحلاته:…6
5- مؤلفاته:…6
6- تلاميذه:…7
7- ثناء العلماء عليه:…7
8- عقيدته:…8
9- موقفه من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:…10
10- وفاته:…13
دراسة عن الكتاب…14
أولاً: عنوان الكتاب:…14
ثانياً: توثيق نسبته للمؤلف:…14
ثالثاً: سبب تأليفه:…14
رابعاً: أهمية موضوع الكتاب:…15
خامساً: التعريف بالنسخ الخطية المعتمدة:…19
سادساً: عملي في الكتاب:…20
سابعاً: نماذج من النسختين الخطيتين:…21
بداية النص المحقق…22
التحذير من الإحداث في الدين:…22
الإحداث في الدين كالرد لقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ):…23
سبب تأليف الكتاب:…23
تعريف المردود عليه للأولياء والرد عليه:…24
تلاقي تفسير الولي مع تفسير العدل:…24
تعريف الولي من خلال قوله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ):…25
رتبة الإيمان تتفاوت وكذلك التقوى:…26
حديث (لا يتسحق العبد صريح حق الإيمان حتى يحب الله...) وشرح المؤلف له:…27
الأحاديث الواردة في بقاء الطائفة المنصورة إلى يوم القيامة:…28
من هم الطائفة المنصورة؟…29
تعريف الأبدال وذكر غلو أهل الباطل في ذلك:…30
الأوتاد عند المتصوفة وعددهم وخصائصهم:…31
القطب وقد يسمى غوثاً وخصائصه عند المتصوفة:…31
النجباء وعددهم وخصائصهم عند المتصوفة:…32
بيان مجانبة أقوال هؤلاء لما جاءت به الرسل ولما وردت به الكتب:…32
بيان أن هذه الألفاظ مبتدعة محدثة إلا الأبدال فقد وردت فيه أحاديث:…33
ذكر الأحاديث الواردة فيه:…33
بيان أنّ في صحتها عند أهل الحديث مقالاً:…34
جعل بعض المتصوفة الولاية قسيماً للنبوة وبيان فساد ذلك:…34
قول البيضاوي أن التقوى ثلاث مراتب:…34
تعقب المصنف عليه:…35
قول المردود عليه (وكراماتهم ثابتة، وتصرفهم باقٍ إلى يوم القيامة):…35
نقله عن المعتزلة وكذلك أبي إسحاق الإسفرايني عدم إثبات وقوع الخوارق من الأولياء:…35(1/79)
تقريره أن إعطاء المؤمن الكرامات بإجابة الدعوات وتيسر الطلبات أمر لا شك فيه:…36
موافقة المصنف لأبي إسحاق والمعتزلة في المنع من إثبات الخارق للأولياء وعدة ذلك توسطاً:…37
الإشارة إلى كتاب السيوطي (تطورات الولي) وبيان ما فيه من باطل:…37
نقل مطول عن ابن الجوزي من كتابه صيد الخاطر في التحذير من قبول الباطل اعتماداً على منزلة قائله في النفس:…38
حلف أبي يزيد البسطامي أن لا يشرب الماء سنة:…38
بيان ما في ذلك من باطل ومخالفة للسنة:…38
لا يحتج بأسماء الرجال وإنما يحتج بالرسول صلى الله عليه وسلم:…39
قول ابن الجوزي: إن فقيهاً واحداً أفضل من ألوف يتمسح العوام بهم تبركاً:…39
من ورد المشرب الأول رأى سائر المشارب كدرة:…39
بيان أن علماء المتصوفة أتباع للعوام يروجون لهم الباطل:…40
رده على المردود عليه في قوله: إن كرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم:…40
استدلال المردود عليه لذلك بأن الله قادر على كل الممكنات:…41
نقده الأشاعرة في تسميتهم أنفسهم أهل السنة:…41
رد المصنف قول المردود عليه بأن الكرامات للأولياء قد أثبتها علماء الإسلام قاطبة:…42
اعتماد المصنف مخالفة المعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني:…42
شروط المعجزة عند المصنف والتعقب عليه:…42
مسألة حياة الأنبياء في قبورهم:…44
قول المردود عليه عن الأنبياء عليهم السلام بأنهم (يأكلون ويشربون ويصلون ويحجون بل وينكحون) ومناقشة المصنف له:…45
حياة الشهداء في قبورهم الحياة البرزخية وذكر الأدلة عليها:…46
مناقشة المردود عليه في قوله: (والشهداء أيضاً أحياء عند ربهم شوهدوا نهاراً وجهاراً يجاهدون الكفار):…47
الاستدلال على كرامات الأولياء بقصة مريم:…48
قصة أبي بكر مع أضيافه وتكثير الطعام له:…49
قصة سارية مع عمر:…50
ادعاء المردود عليه أن الولي يقول للشيء كن فيكون، وإبطال المصنف ذلك:…50
لا يعلم عن أحد من الصحابة أنه استغاث به صلى الله عليه وسلم بعد موته:…51(1/80)
الاستغاثة بالأموات بدعة بل هي بقية من عبادة الأصنام:…52
إن قال المستغيث بالقبور لم أعرض عن الله إنما تقربت بهم إليه، يقال: هذا بعينه هو الذي قاله المشركون:…52
لو كان التوسل بالأموات جائزاً أو مندوباً لعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته:…52
قول أبي حنيفة: (لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به..):…53
نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية في أن الأمور المبتدعة عند القبور مراتب:…53
رد استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (وحق العباد على الله) وبيان المراد بحقهم عليه:…53
معنى ما روي في الحديث (وبحق السائلين عليك):…54
حديث توسل آدم عليه السلام بحق محمد صلى الله عليه وسلم وبيان عدم صحته:…54
نقل المردود عليه عن ابن الشِّحنة أنه ينبغي الدعاء عند القبور، وإبطال المصنف ذلك:…55
زيارة الأموات التي شرعها الله لعباده تكون بثلاثة أمور:…56
الطواف بالقبور وتقبيلها وسؤال الحاجات منها هي عبادة المشركين:…56
قول المردود عليه: (وقد اشتهر عند أهل بغداد إجابة الدعاء عند قبر معروف الكرخي) ومناقشة المصنف له:…56
احتجاج المردود عليه بتوسل عمر بالعباس وبيان المصنف لمعناه الصحيح:…57
التوسل بالمخلوقين إلى رب العالمين هي طريقة الصائبة:…57
التوسل المشروع ثلاثة أنواع:…58
كلام المصنف على (عمارة المشاهد):…58
من هم أهل السنة والجماعة:…59
مناقشة المردود عليه في قوله: (إن الخضر كان يحضر مجلس فقه أبي حنيفة يتعلم علم الشريعة):…60
مناقشة المصنف لقول المردود عليه بتقبيل توابيت الأولياء وأعتابهم:…62
نقل مطول عن ابن القيم رحمه الله في أن أصل تعظيم القبور مأخوذ من عبّاد الأصنام:…64
نهاية الرسالة:…65
فهرس المصادر والمراجع…66
الفهرس…71
(1) مختصر الفتاوى المصرية (ص:600).
(2) ولي في هدا رسالة بعنوان (كرامات الأولياء بين الغلو والجفاء) يسر الله إكمالها ونشرها.
(3) البدر الطالع (2/133).
(4) عنوان المجد (1/53).(1/81)
(5) انظر تفاصيل ذلك في البدر الطالع للشوكاني (2/133-137).
(6) ديوان الأمير (ص:205).
(7) كذا في الأصل ولعلها (يبتغي العبد سلما).
(8) ديوان الأمير (ص:340-341).
(9) ديوان الأمير (ص:312).
(10) ديوان الأمير (ص:310).
(11) ديوان الأمير (ص-: د.33).
(12) ديوان الأمير (ص:205).
(13) إجابة السائل شرح بغية الآمل للصنعاني (ص:130-131)، وانظر أيضاً: ثمرات النظر للصنعاني (106-116).
(14) (ص:113، 114).
(15) انظر: ديوان الأمر (ص:127).
(16) انظر: كتاب (الصنعاني وكتابه توضيح الأفكار) للدكتور أحمد محمد العليمي (ص:102).
(17) انظر: ديوان الأمر (ص:310).
(18) (ص:105-106).
(19) من مقدمة الصنعاني لقصيدته التي رجع فيها عن مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله. انظر: ديوان الأمير (ص:134، 135).
(20) ديوان الأمير (ص:137).
(21) مجموع مؤلفاته (5/25، 26).
(22) تبرئة الشيخين الإمامين من تزوير أهل الكذب والمين (ص:82، 83).
(23) انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية (ص:322-332).
(24) تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ (ص:396).
(25) فتح الباري، لابن حجر (7/383).
(26) وانظر شرحه لهذه الأبيات في كتابه لوامع الأنوار البهية (2/392).
(27) النبوات (ص:405).
(28) الاقتباس لمعرفة الحق من أنواع القياس للصنعاني (ص:24).
(29) العقيدة الواسطية [ضمن مجموع الفتاوى:3/56].
(30) البخاري (7/124 فتح).
(31) البخاري (2/76فتح)، ومسلم (3/1628).
(32) البخاري (9/63 فتح) ومسلم (1/548).
(33) البخاري (6/166 فتح).
(34) هذه عبارة شيخ الإسلام قالها عقب ذكره جملةً من الكرامات. انظر: الفتاوى (11/318).
(35) الفتاوى (3/349).
(36) الأنفاس الرحمانية (ق:27/أ) نقلاً عن مقدمة تحقيق كتاب إيقاظ الفكرة (1/80).(1/82)
(37) سنن ابن ماجه (1/4) قال حدثنا هشام بن عمار الدمشقي حدثنا محمد بن عيسى بن سميع حدثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبد الرحمن الجريش عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء فذكره.
ورواه ابن أبي عاصم في السنة (1/26) عن هشام بن عمار به.
قال الألباني حفظه الله في تخريجه: (حديث صحيح، رجاله ثقات على ضعف في إبراهيم بن سليمان الأفطس وهشام بن عمار، لكنه ينجبر بالحديث الذي بعده)؟.
أي ما رواه ابن أبي عاصم وغيره عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ بعدي عنها إلا هالك).
(38) زيادة من نسخة (ب).
(39) في (أ) "بالابتداع" والتصويب من (ب).
(40) جزء من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وقد رواه الإمام أحمد في المسند (4/126) والترمذي (5/45) وأبو دواد (5/13) والدارمي (1/44) والبغوي في شرح السنة (1/205) والحاكم (1/96) وابن حبان (الإحسان:1/104) وابن أبي عاصم في السنة (1/19). وقال الترمذي: ((حديث حسن صحيح)) وصححه ابن حبان، وقال الحاكم: ((صحيح على شرط الشيخين)). وصححه الألباني في الإرواء (8/107).
(41) جزء من حديت رواه مسلم في صحيحه (2/592) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(42) رواه ابن ماجه في سننه (1/19) قال حدثنا داود بن سليمان العسكري ثنا محمد بن على أبو هاشم بن أبي خداش الموصلي قال حدثنا محمد بن محصن عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الله بن الديلمي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وفي إسناده محمد بن محصن قال الحافظ في التقريب: (كذبوه).
ولذا حكم عليه الألباني حفظه الله في السلسلة الضعيفة (3/684) بأنه موضوع.
(43) في نسخة (ب): "من زيادة".
(44) في (أ): "شأن البدعة الذي خرج بها.. " والتصويب من (ب).
(45) في (ب) "ولازم بين خمسة عشر من الأعوام" وهو تصحيف.
(46) في (ب) "عليها" وهو تصحيف.(1/83)
(47) الرسم: في علم المنطق هو: تعريف الشيء بخصائصه. انظر: المعجم الوسيط (1/345).
(48) في (أ) "بحقيقة".
(49) جمع الجوامع في أصول الفقه وهو من تأليف عبد الوهاب بن علي ابن السبكي المتوفى سنة (771هـ)، وله شروحات كثيرة منها: الشرح المذكور لجلال الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي المتوفى سنة (864هـ). وانظر: جمع الجوامع مع شرحه للمحلي (2/420).
(50) في (أ) "إلا أنه حذف منه".
(51) القاموس المحيط (ص:1237).
(52) القاموس المحيط (ص:261).
(53) انظر نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر (ص:29).
(54) ولهذا فإن أحسن وأجمع ما عرفت به التقوى هو قول طلق بن حبيب رحمه الله حيث قال: (هي العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله على نور من الله مخافة عذاب الله). ذكره الذهبي في السير (4/601) ثم قال: (أبدع وأوجز، فلا تقوىَ إلا بعمل، ولا عمل إلا بترو من العلم والاتباع، ولا ينفع ذلك إلا بالإخلاص لله، لا ليقال: فلانِ تارك للمعاصي بنور الفقه، إذ المعاصي يفتقر اجتنابها إلى معرفتها ويكون الترك خوفاً من الله، لا ليمدح بتركها، فمن داوم على هذه الوصية فقد فاز). وقال ابن القيم في أول الرسالة التبوكية (ص:13): (وهذا من أحسن ما قيل في حد التقوى).
(55) في (ب) "مؤلفنا".
(56) انظر: ثمرات النظر في علم الأثر للمؤلف (53 وما بعدها).
(57) في (ب) "بشرهم".
(58) في (ب) "يدل لذلك".
(59) جامع البيان (7/132) قال ابن جرير رحمه الله: (ولي الله هو من كان بالصفة التي وصفه الله بها وهو الذي آمن واتقى كما قال الله (الذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتقُونَ))).
(60) صحيح مسلم (1/37).
(61) بل الركن الخامس أشير إليه في الآية بقوله في تمامها (وإليك المصير) أي: المرجع والمآل، وهو اليوم الآخر.
(62) (ص:42).
(63) في (ب): "أن رتب الإيمان متفاوتة".(1/84)
(64) انظر بسط هذه الأدلة في كتاب (زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه) لعبد الرزاق البدر.
(65) في (ب) "رتب".
(66) في (أ): "موتا".
(67) الزهد للإمام أحمد (ص:100)، ورواه أبو نعيم في الحلية (1/10) وابن أبي الدنيا في الأولياء (ص:40) وانظر الدر المنثور للسيوطي (4/370) وهو من الإسرائيليات، ووهب بن منبه رحمه الله كما يقول الذهبي-: (إنما غزارة علمه في الإسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب) السير (4/545).
وفي شأن الإسرائيليات عموماً يقول شيخ الإسلام: ((يجوز أن يروي منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما يعلم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا، فأما أن يثبت شرعنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم) الفتاوى (1/251).
(68) رواه الطبراني في المعجم الكبير (12/13) عن شيخه الفضل بن أبي روح. قال الهيثمي في المجمع (7/36): (ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات) وانظر الدر المنثور للسيوطي (4/370)، وما بين المعكوفتين زيادة من المصادر.
(69) المسند (3/430)، نوادر الأصول (ص:141)، ورواه ابن أبي الدنيا في الأولياء (ص:41). قال الهيثمي في المجمع (1/89): (وفيه رشدين بن سعد وهو منقطع ضعيف).
(70) في (أ): "كثيراً" وهو خطأ.
(71) قطعة من حديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. رواه الترمذي (4/465) وأحمد (1/18) والحاكم (1/114) وصححه، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: (هذا حديث حس صحيح غريب من هذا الوجه).
وله شاهد من حديث أبي أمامة. أخرجه أحمد (5/251) والحاكم (1/14)، وصححه الألباني. انظر السلسلة الصحيحة (2/83).
(72) في (ب): "يحتمل أن يراد الذين يذكرون".
(73) زيادة يقتضيها السياق.(1/85)
(74) رواه البخاري (13/384 فتح) ومسلم (4/2061) من حديت أبي هريرة رضي الله عنه. ولفظه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم..). الحديث.
(75) في (ب): "إذا ذكروا بي".
(76) في (ب): "بسبب تذكيرهم إياهم".
(77) في (ب): "أن أولياء الله...".
(78) البخاري (13/293 فتح) ومسلم (3/1523).
(79) مسلم (3/1523) سنن الترمذي (4/504) سنن ابن ماجه (1/5).
(80) في الأصل (عبيد) وهو خطأ.
(81) مسلم (3/1525).
(82) المسند (4/429) سنن أبي داود (3/504) المستدرك (4/450) وقال الحاكم: ((صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)). ولم أجده عند ابن ماجه.
(83) مسلم (3/1524).
(84) مسند الطيالسي (689) المنتخب من مسند عبد بن حميد (ص:115). ورواه أحمد (4/369)
(85) مسند أبي داود الطيالسي (38) المستدرك (4/449)، وقال الحاكم: (صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
(86) في (ب): "عنه".
(87) المعجم الكبير (2/217) وهو عند مسلم.
(88) ما بين المعكوفتين زيادة من مصادر التخريج.
(89) صحيح مسلم (1/137) المسند (3/345).
(90) نص: على أن هذه الطائفة هم أهل الحديث غيرُ واحد من أهل العلم، منهم الإمام أحمد وغيره كما بسط ذلك الخطيب في كتابه (شرف أصحاب الحديث).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى:4/95): (ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته، بل نعني بهم كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهراً وباطناً، واتباعه باطناً وظاهراً، وكذلك أهل القرآن، وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث والبحث عنهما وعن معانيهما، والعمل بما علموه من موجبهما).(1/86)
(91) هو الحسين بن الإمام القاسم بن محمد، من علماء الزيدية، من مؤلفاته غاية السول في علم الأصول، وشرحه المسمى هداية العقول إلى غاية السول، توفي سنة (1050هـ). البدر الطالع (1/226).
وكتابه الهداية يوجد منه نسحة خطية في مكتبة جامعة أم القرى برقم (308).
(92) لا وجه للتقييد بهذا الوصف، بل يجوز أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في مكان واحد، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض. راجع في ذلك شرح صحيح مسلم للنووي (13/67)، وفتح المجيد (ص:234)، وإتحاف الجماعة للشيخ حمود التويجري (1/268 وما بعدها).
(93) ي (أ) "عن".
(94) أخرجه مسلم (1/131) من حديث أنس رضي الله عنه.
(95) في (ب) "أحد".
(96) القاموس المحيط للفيروزآبادي (ص:1247).
(97) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/107). ولفظه: (الواحد بدل كحمل وأحمال، وبدل كجمل).
(98) في التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي: (وهم عند القوم سبعة).
(99) في التوقيف: (لكل بدل إقليم).
(100) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص:36).
(101) في (ب): "في الآية" وهو تصحيف.
(102) في التوقيف: (ولا ينقصون، قال ابن عربى: رأيت رجلاً منهم بمدينة فاس ينخل الحناء، بالأجرة اسمه ابن جعد وأن أحدهم... الخ).
(103) في التوقيف (عبد العليم) بدل (عبد العظيم). وفي (ب) "عبد العالم".
(104) التوقيف في مهمات التعاريف للمناوي (ص:66).
(105) والتوقيف: (الملهوف).
(106) في التوقيف: (في كل زمان).
(107) في التوقيف: ((في الكون)).
(108) في (ب) "القبض".
(109) في التوقيف: (الحاملة).
(110) في التوقيف: (من حيث إنسانيته).
(111) في (ب): "الحادثة".
(112) في التوقيف: (الدامعة فيها).(1/87)
(113) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص:273) وما بين المعكوفتين زيادة منه.
(114) في التوقيف: (كشفاً).
(115) في (أ): (والنجباء).
(116) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص:322).
(117) في (ب): "نبطة من نبطات".
(118) في (أ) "هروبهم".
(119) ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل.
(120) قال شيخ الإسلام: ((كل حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة (الأولياء) و (الأبدال) و (النقباء) و (النجباء) و (الأوتاد) و (الأقطاب) مثل أربعة أو سبعة أو اثني عشر أو أربعين أو سبعين أو ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو القطب الواحد، فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ إلا بلفظ (الأبدال) وروى فيهم حديث إنهم أربعون رجلاً وأنهم بالشام وهو في المسند من حديث علي رضي الله عنه، وهو حديث منقطع ليس بثابت). الفتاوى (11/167).
وقال ابن الجوزي في الموضوعات (3/152) بعد أن أورد جملة من الأحاديث الواردة في الأبدال: (وليس في هذه الأحاديث شيء يصح).
(121) في (أ) "قد روي ذلك على أحاديث".
(122) المسند (5/322) وقال الإمام أحمد عقبه: (هو منكر).
وانظر تفصيل القول فيه في السلسلة الضعيفة للألباني (2/340) وقد حكم عليه بأنه منكر.
(123) ذكره الهيثمي في المجمع (10/63) وقال: (رواه الطبراني من طريق عمر والبزار عن عنبسة الحواص: وكلاهما لم أعرفه) وانظر السلسلة الضعيفة للألباني (2/340).
(124) روى الطبراني (18/65) عن عوف بن مالك إنه قال: (لا تسبوا أهل الشام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منهم الأبدال وبهم تنصرون وبهم ترزقون). قال الهيثمي في المجمع (10/63): (فيه عمرو بن واقد ضعفه جمهور الأئمة ووثقه محمد بن المبارك الصوري، وشهر اختلفوا فيه، وبقية رجاله ثقات).(1/88)
وأما اللفظ الذي أورده المصنف فقد أحرجه الإمام أحمد في المسند (1/112) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال ابن القيم في المنار المنيف (ص:133): (ولا يصح أيضاً فإنه منقطع)، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند (2/171): (إسناده ضعيف لانقطاعه...).
(125) مسند الفردوس (1/119). وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (3/152) وذكر له طريقين، قال: (وأما حديث أنس ففيه العلاء بن زيدك قال ابن المديني: كان يضع الحديث، وقال أبو داود والدارقطني: متِروك الحديث، وقال ابن حبان: روى عن أنس نسخة موضوعة لا يحل ذكره إلا تعجباَ، وأما الطريق الثانية ففيه مجاهيل).
(126) في (أ): "أهل الحديث".
(127) تفسير البيضاوي (1/383).
(128) هو إبراهيم بن حيدر بن أحمد الكردي الصفوي الشافعي توفي سنة (1151هـ).
انظر ترجمته في معجم المؤلفين (1/27).
وشيخ شيخ المصنف المشار إليه هو: إبراهيم بن حسن الكوراني الكردي الشافعي له مصنفات كثيرة منها: (قصد السبيل إلى توحيد الحق الوكيل) توفي سنة (1101هـ).
انظر: إيضاح المكنون للبغدادي (4/227) ومعجم المؤلفين لكحالة (1/21).
(129) انظر: قصد السبيل إلى توحيد الحق الوكيل لإبراهيم الكوراني (ق:16/أ).
(130) في (أ): (يفسرون التقوى).
(131) ما بين المعقوفتين ساقط من (أ).
(132) في (ب): (وتبتل لله شراره).
(133) تفسير البيضاوي (1/16).
(134) انظر: القاموس المحيط (ص:532).
(135) رواه ابن جرير في تفسيره (13/105).
(136) نظير هذا قول الحسن البصري رحمه الله: (المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما افترض الله عليهم) أورده ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص:149).
(137) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (3/28).
(138) انظر: الرسالة للقشيري (ص:160).
(139) هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفرايني الأصولي الشافعي، صاحب التصانيف الكثيرة. توفي سنة (418هـ). انظر ترجمته في السير (13/353-356).(1/89)
وقوله الذي يشير إليه المصنف ذكره القشيري في الرسالة، قال: كان الإمام أبو إسحاق الإسفرايني رحمه الله يقول: (المعجزات دلالات صدق الأنبياء، ودليل النبوة لا يوجد مع غير النبي، كما أن العقل المحكم لما كان دليلاً في كونه عالماً لم يوجد إلا ممن يكون عالماً، وكان يقول: الأولياء لهم كرامات شبه إجابة الدعاء فأما جنس ما هو معجزة الأنبياء فلا). الرسالة للقشيري (ص:158).
قال الذهبي في السير (13/355): (وحكى أبو القاسم القشيري عنه إنه كان ينكر كرامات الأولياء، ولا يجوزها، وهذه زلة كبيرة).
(140) انظر: جمع الجوامع مع شرحه للمحلي (2/420). وهذا الذي نقله المصنف عن المعتزلة وأشار إلى قول الإسفرايني به قول باطل، وسبب إنكار هؤلاء حصول الخوارق للأولياء هو اعتقادهم أن نبوة النبي إنما تثبت بالمعجزات؛ لأجل هذا التزموا إنكار خرق العادات لغير الأنبياء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العقيدة الأصفهانية (ص:88): (هذه الطريقة هي من أتم الطرق عند أهل الكلام والنظر حيث يقررون نبوة الأنبياء بالمعجزات، ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء، لكن كثير من هؤلاء بل كل من بنى إيمانه عليها يظن أن لا تعرف نبوة الأنبياء إلا بالمعجزات، ثم لهم في تقرير دلالة المعجزة على الصدق طرق متنوعة، وفي بعضها من التنازع والاضطراب ما سننبه عليه، والتزم كثير من هؤلاء إنكار خرق العادات لغير الأنبياء حتى أنكروا كرامات الأولياء والسحر ونحو ذلك).
وقال في كتابه النبوات (ص:150): (والمعتزلة... ظنوا أن مجرد كون الفعل خارقاً للعادة هو الآية على صدق الرسول، فلا يجوز ظهور خارق إلا لنبي، والتزموا طرداً لهذا إنكار أن يكون للسحر تأثير خارج عن العادة مثل أن يموت ويمرض بلا مباشرة شيء، وأنكروا الكهانة وأن تكون الجن تخبر ببعض المغيبات وأنكروا كرامات الأولياء).
(141) ما بين المعكوفتين زيادة من (ب).
(142) في (أ) (الإحسان).(1/90)
(143) روى الإمام أحمد (3/18) والحاكم في المستدرك (1/493) عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وأورده الهيثمى في المجمع (10/148) ثم قال: (رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد وأبي يعلى وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير علي بن علي الرفاعي وهو ثقة).
(144) بل الذي قاله أبو إسحاق ومن قبله المعتزلة ليس من التوسط في شيء بل هو جفاء وتفريط، وإنما التوسط حقاً هو قول أهل السنة والجماعة الذين آمنوا بكرامات الأولياء بلا إفراط ولا تفريط، فتوسطوا في ذلك بين غلو المتصوفة وجفاء المعتزلة.
(145) في (ب) (وقد نقل أقوام عوام كذبات القوم، من أن الصالحين تجاوزوا حد الإعجاز).
(146) حلية الأولياء (10/35).
(147) والحديث متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه، البخاري (6/302) ومسلم (1/145).
(148) قال الصنعاني في رسالته جمع الشتيت (ص:129): (... ثم إن الجلال السيوطي قائل بأن التطورات كائنة مقدورة غيرُ محالةٍ على بني آدم، والكون في مكانين في آن واحد غير محال عنده، وفيه ألف رسالته المعروفة (القول المنجلي في تطورات الولي) وإن كنا نرى بطلان ما قاله من التطورات، ورددنا عليه رسالته التي ما كانت تليق بعلومه ومعرفته السنن النبوية، ويحتمل إنها مكذوبة عليه). أ.هـ، وهي مطبوعة ضمن كتاب الحاوي لفتاوى السيوطي (2/264).(1/91)
(149) في صيد الخاطر: (فقال له: إن الحق...). فقوله: (علي عليه السلام) زيادة ليست موجودة في صيد الخاطر، والمؤلف أحياناً يقول عند ذكر علي رضي الله عنه (عليه السلام) ولست أدري أهو منه أو من الناسخ، وتخصيص: علي رضي الله عنه هذا دون سائر الصحابة غير صواب، يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره (6/468): (قلت: وقد غلب هذا في عبارة كثير من النُساخ للكتب، أن يفرد علي رضي الله عنه بأن يقال: (عليه السلام) من دون سائر الصحابة، أو (كرم الله وجهه) وهذا وإن كان معناه صحيحاً، لكن ينبغي أن يُساوى بين الصحابة في ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه، رضي الله عنهم أجمعين).
(150) ذكره القشيري في الرسالة (ص:14) قال: (وقيل لأبي يزيد ما أشد ما لقيت في سبيل الله فقال: لا يمكن وصفه، فقيل له: ما أهون ما لقيت نفسك منك، فقال: أما هذا فنعم دعوتها إلى شيء من الطاعات فلم تجبني فمنعتها الماء سنة).
(151) عقد البخاري في كتاب الأشربة (10/174 فتح) باباً بعنوان (استعذاب الماء) ساق فيه بسنده عن أنس بن مالك قال: (كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب ماله إليه بيرحاء، وكانت مستقبل المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب...) الحديث.
وروى أبو داود في كتاب الأشربة من سننه (3/340) عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُستعذب له الماء من بيوت السقيا). قال الحافظ في الفتح (10/74): (بسند جيد وصححه الحاكم).
وفي الباب أحاديث أخرى عديدة انظرها في الفتح.
(152) جزء من حديث رواه البخاري (3/38 فتح) ومسلم (2/815) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(153) رواه البخاري (6/566 فتح) عن البراء بن عازب رضي الله عنه.
(154) انظر على سبيل المثال حلية الأولياء (9/344، 348، 356).(1/92)
(155) رواه البخاري (2/566 فتح) ومسلم (2/977) عن أبى هريرة رضي الله عنه.
(156) انظر على سبيل المثال الرسالة للقشيري (ص:162، 356).
(157) في (أ) و (ب) (العموم) وهو خطأ، والمثبت من صيد الخاطر.
(158) صيد الخاطر (ص:28-33) نقله المصنف باختصار وتصرف يسير في بعض المواطن.
(159) رواه أبو نعيم في الحلية (1/79) ولفظه: (يا كميل بن زياد القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق...).
وفي إسناده: ثابت بن أبي صفية الثمالي، قال الحافظ في التقريب: (ضعيف رافضي).
وقد اعتنى ابن القيم بشرح هذا الأثر في كتابه مفتاح دار السعادة (1/321-153).
(160) في (ب): (ويتخيلون).
(161) للسيوطى، وقد تقدمت تحت عنوان: الإشارة إلى كتاب السيوطي (تطورات الولي) وبيان ما فيه من باطل.
(162) في (ب): (وينزلها على التتريل).
(163) هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسين بن أرسلان الرملي المقدسي الشافعي الصوفي، ولد برملة فلسطين توفي سنة (844هـ). شذرات الذهب لابن العماد (7/248-250).
(164) في (أ): (سخر).
(165) في (أ): (أو يعقل).
(166) في الأصل: (إلا في إمكانه) وهو خطأ.
(167) في (أ): (وأما قوله).
(168) قال شيخ الإسلام في شرح العقيدة الأصفهانية (ص:92): (فليس كل ما علم إمكانه جوز وقوعه، فإنا نعلم أن الله قادر على قلب الجبال ياقوتاً والبحار دماً، ونعلم أنه لا يفعل ذلك...).
(169) بل هو من أئمة الأشاعرة. وانظر: درء التعارض لابن تيمية (7/36).
(170) في (أ): (وقد ثبت معه نزاعهم).
(171) يقصد الأشاعرة، وسيأتي بيان نقده لهم في تسميتهم أنفسهم بأهل السنة والجماعة.
(172) وانظر ما سيأتي عند المصنف في تعريف أهل السنة بأنهم (الذين كانوا على طريقة المصطفى وأصحابه الذين لم يبتدعوا بدعة في الدين ولا خالفوا طريقة سيد المرسلين).
(173) في (أ): (ما يدل).(1/93)
(174) القاموس المحيط للفيروز آبادي (ص:162).
(175) ولكن لا قيمة لمخالفة هؤلاء، وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله فإن (النزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً، كخلاف الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة، ممن قد اشتهرت لهم أقوال خالفوا فيها النصوص: المستفيضة المعلومة وإجماع الصحابة...). الفتاوى (13/26).
(176) في (أ) (خمساً).
(177) بل هذا الاشتراط لا دليل عليه ولا أصل له، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ((والذين قالوا من شرط الآيات أن تقارن دعوى النبوة غلطوا غلطاً عظيماً، وسبب غلطهم أنهم لم يعرفوا ما يخص: الآيات، ولم يضبطوا خارق العادة بضابط يميز بينها وبين غيرها، بل جعلوا ما للسحرة والكهان هو أيضاً من آيات الأنبياء إذا اقترن بدعوىَ النبوة، ولم يعارضه معارض، وجعلوا عدم المعارض هو الفارق بين النبي وغيره، وجعلوا دعواه النبوة جزءاً من الآية فقالوا: هدا الخارق إن وُجد مع دعوى النبوة كان معجزة، وإن وُجد بدون دعوى النبوة لم يكن معجزة، فاحتَاجوا لذلك أن يجعلوه مقارناً للدعوى..) النبوات (ص:322)، وانظر أيضاً النبوات (ص:151 وما بعدها).
(178) وعلى هذا بنى هؤلاء إنكار كرامات الأولياء؛ إذ هذه الطريقة عند المتكلمين هى أتم الطرق التي يقررون بها نبوة الأنبياء، ولأجلها التزموا إنكار كرامات الأولياء؛ لظنهم أن النبوة لا تُعرف إلا بالمعجزة.
(179) في (ب) (فهذا عجيب).
(180) والحق أن هذا تقرير لاطائل وراءه إلا إنكار الكرامة في الأمور الخارقة للعادة لأولياء الله المتقين، وهى ثابتة لهم بلا ريب، وتقع لهم إما لحجةٍ في الدين أو لحاجةٍ بالمسلمين.
(181) تقدم التنبيه على أن هذا لا ينكره حتى المعتزلة القائلين بإنكار كرامات الأولياء.
(182) هو أحمد بن على بن محمد بن أبي بكر البدوي، من شيوخ الصوفية الضلال، له خزعبلات وترهات كثيرة يسميها أتباعه كرامات. توفي سنة (675هـ). انظر ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد (5/345).(1/94)
(183) في (أ): (لكنا نخصها بفريق معين مثل هؤلاء الذين ينصون عليهم مثل من الشيخ أحمد البدوي وغيره).
(184) والتحقيق في هذا أنه ليس كل ما كان من آيات الأنبياء يكون كرامة للصالحين، بل إن آيات الأنبياء عليهم السلام التي دلت على نبوتهم هي أعلى مما يشتركون فيه هم وأتباعهم مثل الإتيان بالقرآن، ومثل الإخبار بأحوال الأنبياء المتقدمين وأممهم، والإخبار بما يكون يوم القيامة وأشراط الساعة، ومثل إخراج الناقة من الأرض، ومثل قلب العصا حية، وشق البحر، ومثل أن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وتسخير الجن لسليمان. انظر: النبوات لابن تيمية (ص:169).
(185) وقد طبعت ضمن مجموع الرسائل التسع للسيوطي ط دار إحياء العلوم بيروت.
(186) وقد طبع حديثاً بتحقيق الدكتور أحمد عطية الغامدي.
(187) انظر: فتح الباري لابن حجر (6/444).
(188) الأدب المفرد (ص:30) مسلم (3/1255) أبو داود (3/117) الترمذي (3/660) النسائي (6/251).
(189) سردها المصنف رحمه الله في كتابه (تأنيس الغريب وبشرى الكئيب بلقاء الحبيب) الذي جعله كالذيل لجمع الشتيت. ونظمها أيضاً نظماً آخر في ستة أبيات. انظرها في ديوانه (ص:15، 16).
(190) سنن أبي داود (1/275) السنن الكبرى للبيهقي (3/248) وقال الألباني في تخريج المشكاة (1/430): (وإسناده صحيح، وقد صححه جماعة).
(191) المسند (2/527) سنن أبي داود (2/218) شعب الإيمان (2/117). قال الألباني في تخريج المشكاة: (وإسناده حسن).
(192) انظر: إنباه الأذكياء في حياد الأنبياء عليهم السلام (ص:255، 256) ضمن جموع الرسائل التسع.
(193) كذا في الأصل، والصواب: اتصالاً.
(194) انظر: الروح لابن القيم (ص:84 وما بعدها).
(195) انظر: جمع الشتيت (صر:163 وما بعدها).
(196) في (أ): (ادعها).
(197) أخرجه مسلم (4/1845) من حديث أنس رضي الله عنه.(1/95)
(198) رواه أبو يعلى (6/147 رقم:3425) ومن طريقه البيهقي في حياة الأنبياء (ص:72) عن أبي الجهم الأزرق بن علي ثنا يحيى بن أبي بكر ثنا المستلم بن سعيد، عن الحجاج عن ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه. قال الألباني في السلسلة الصحيحة (2/189): (وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، غير الأزرق هذا قال الحافظ في التقريب: (صدوق يغرب)، و لم يتفرد به، فقد أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (3/83) من طريق عبد الله بن إبراهيم بن الصباح عن عبد الله بن محمد بن يحيى بن أبي بكير ثنا يحيى بن أبي بكير به، أورده في ترجمة ابن الصباح هذا، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وعبد الله بن محمد بن يحيى بن أبي بكير، فترجمه الخطيب (10/8) وقال: (سمع جده يحيى بن أبي بكير قاضي كرمان... وكان ثقة) فهذه متابعة قوية للأزرق، تدل على أنه قد حفظ ولم يغرب، وكأنه لذلك قال المناوي في فيض القدير بعدما عزاه أصله لأبي يعلى: (وهو حديث صحيح). اهـ.
(199) لم أجده في الحلية، وقد أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/38) من طريق عبد الله بن إبراهيم بن الصباح عن عبد الله بن محمد بن يحيى بن أبي بكير ثنا يحيى بن أبي بكير به، أورده في ترجمة ابن الصباح هذا، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.(1/96)
(200) تقدم معنا أن الحديث صحيح، كما حقْقه العلامة الألباني حفظه الله، بل قد قال الصنعاني نفسه رحمه الله في جمع الشتيت (ص:158): (ثبت في الأخبار بأنهم يصلون في قبورهم، فأخرج أبو يعلى والبيهقي عن أنس رضي الله عنه) فذكر الحديث. ولا يلزم من إثباته إثبات ما ذكر من أنهم يأكلون ويشربون وينكحون، قال العلامة الألباني حفظه الله: (اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء، ولذلك وجب الإيمان بها، دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكييفها وتشبيهها. مما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا، هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته صلى الله عليه وسلم في قبره حياة حقيقية! قال: يأكل ويشرب ويجامع نساءه!! وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى). السلسلة الصحيحة (2/190، 191).
ويلزم من القول بأنها حياة حقيقية أن يكون الصحابة رضي الله عنهم دفنوا نبيهم وهو حي، وإذا عُلِم فساد اللازم عُلِم فساد الملزوم.
(201) في (أ): (أمواتاً) وهو خطأ.
(202) ليست في الأصل.
(203) روى مسلم في صحيحه (3/1502) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل).
(204) روى ابن جرير في تفسيره (2/40) عن الأفريقى عن ابن بشار السلمي أو أبي بشار شك أبو جعفر قال: (أرواح الشهداء في قباب بيض من قباب الجنة...).
(205) روى ابن جرير (2/39) عن مجاهد في قوله: (((بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبهِمْ يُرْزَقُونَ)) [آل عمران:169] من ثمر الجنة ويجدون ريحها، وليسوا فيها).(1/97)
(206) انظر: الدر المنثور للسيوطي (2/371-375).
(207) رواه الإمام أحمد (1/381) والحاكم (3/58) وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي. وأورده الهيثمي في المجمع (9/34) وقال: (رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح).
(208) رواه البخاري تعليقاً (8/131) قال الحافظ: (وصله البزار والحاكم والإسماعيلي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بهذا الإسناد، وقال البزار تفرد به عنبسة عن يونس، أي: بوصله وإلا فقد رواه موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري لكن أرسله...) ثم أورد له بعض الشواهد.
(209) انظر: إنباه الأذكياء في حياة الأنبياء للسيوطي (ص:252) ضمن مجموع الرسائل التسع له.
(210) في (ب): (لا تعلق له بسؤال السائل).
(211) انظر في الكلام على هذا الشرط البحر المحيط للزركشي (5/146)، وانظر: رسالة الصنعاني (الاقتباس لمعرفة الحق من أنواع القياس) (ص:36 وما بعدها) وهي مقتبسة من إعلام الموقعين لابن القيم.
(212) طبقات الشافعية للأسنوي (1/59).
(213) في (ب): (الأولياء).
(214) مستدرك الحاكم (2/120)، وفي إسناده أبو حماد المفضل بن صدقة، نقل الذهبي في تلخيص: المستدرك عن النسائي إنه قال: (متروك)، والحديث رواه ابن ماجه (1/68) وابن أبي عاصم في السنة (1/267) من طريق موسى بن إبراهيم بن كثير، قال: سمعت طلحة بن خراش قال: سمعت جابر بن عبد الله، وذكره بلفظ قريب من هذا. قال الألباني: (إسناده حسن، رجاله صدوقون على ضعف في موسى بن إبراهيم بن كثير).
وله طريق أخرى في السنة لابن أبي عاصم: عن صدقة أبي معاوية عن عياض بن عبد الله عن جابر. قال الألباني: (حديث صحيح وإسناده ضعيف، رجاله ثقات غير صدقة، وهو ابن عبد الله السمين أبو معاوية، وهو ضعيف كما في التقريب، لكن الحديث صحيح يشهد له ما قبله).(1/98)
(215) رواه عبد الرزاق (5/263) وهناد في الزهد (1/120) ومسلم (3/1502) والترمذي (5/231) وابن ماجه (2/936) وابن جرير (3/172) والطبراني في الكبير (9/237) والبيهقي في الدلائل (3/303)، وقد أورده السيوطي في الدر المنثور (2/373) وعزاه لجميع المصادر التي أوردها المؤلف عدا ابن ماجه.
(216) رواه أحمد في المسند (3/208) والنسائي (6/36) والحاكم (2/75) واللفظ له وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (2/664).
(217) رواه أحمد (5/318) والنسائي (6/35) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (5/269).
(218) رواه أحمد (3/251) والبخاري (6/14 فتح) ومسلم (3/1498) واللفظ لأحمد. وقع في الأصل: ((من أخذ من أهل الجنة يسر أن يرجع...)) وهو تصحيف.
(219) قال شيخ الإسلام: (وكرامات الصحابة والتابعين بعدهم وسائر الصالحين كثيرة جداَ... وأطال في ذكر جملة منها ثم قال: وهذا باب واسع، وقد بسط الكلام على كرامات الأولياء في غير هذا الموضع، وأما ما نعرفه نحن عياناً ونعرفه في هذا الزمان فكثير). الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص:300-320). وقد بسط رحمه الله في كتابه هذا القول في الفرق بين الكرامات الإيمانية وبين الأحوال الشيطانية مما يميز به المرء المسلم بين الخبيث والطيب، والهدى والضلال، وهو كتاب عظيم القدر جليل الفائدة ينبغي قراءته لمن أراد معرفة الحق والصواب في هذا الباب.
(220) الجامع لأحكام القرآن (4/53). والتحقيق أنها ليست نبية، فالذكورية شرط في الرسالة، كما قال الله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ)) [يوسف:109]، وهذا قول جمهور أهل العلم، ولهذا قال شيخ الإسلام في كتابه النبوات (ص:169): (ومريم عليها السلام لم تكن نبية، وكانت تؤتى بطعام)، وانظر تفسير ابن كثير (2/496).(1/99)
(221) يشير إلى ما ثبت في الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكر، وفيه (أن أبا بكر رضي اللَه عنه ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته، وجعل لا يأكل لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك). البخاري (2/75 فتح) ومسلم (3/1628).
(222) أخرج البخاري (4/301 فتح) ومسلم (4/1982) عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه). قال ابن أبي العز: (أي: هي سبب طول العمر، وقد قدر الله أن هذا يصل رحمه، فيعيش بهذا السبب إلى هذه الغاية، ولولا ذلك السبب لم يصل إلى هذه الغاية). شرح العقيدة الطحاوية (ص:128). وانظر كتابه (جمع جهود الحفاظ النقلة بتواتر روايات زيادة العمر بالبر والصلة) للطفي بن محمد بن يوسف الصغير.
(223) انظر في هذا رسالة (حصول الرفق بأصول الرزق) للسيوطي.
(224) في (أ): (لا ننكرها).
(225) أخرج مسلم (3/1630) عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية).
(226) أسندها غير واحد من أهل العلم منهم الحافظ اللالكائي في شرح الاعتقاد (2/1330) من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب، وذكر القصة. قال ابن كثير في تاريخه (7/131): (وهذا إسناد جيد حسن)، وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة (2/3): (أخرجها البيهقي في الدلائل، واللالكائي في شرح السنة، والزين عاقولي في فوائده، وابن الأعرابي في كرامات الأولياء) وذكر الإسناد، ثم قال: (وهو إسناد حسن)، وقد أورد لها الحافظ ابن كثير طرقاً أخرى، ثم قال: (فهذه طرق يشد بعضها بعضاً).(1/100)
(227) انظر هذه القاعدة مع مثالها في البحر المحيط للزركشى (4/251)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (2/356) وقصة عمر ثبتت بإسناد جيد، وليست هذه القاعدة بمسوغة انكارها.
(228) قال شيخ الإسلام: (لكن من الناس من يُدعى له من الكرامات ما لا يجوز أن يكون للأنبياء، كقول بعضهم: إن لله عباداً لو شاءوا من الله أن لا يقيم القيامة لما أقامها، وقول بعضهم: أنه يعطى كن، أي شيء أراده قال له كن فيكون، وقول بعضهم: لا يعزب عن قدرته ممكن، كما لا يعزب عن قدرة ربه محال، فإنه لما كثر في الغلاة من يقول بالحلول والاتحاد وإلهية بعض البشر كما قاله النصارى في المسيح، صاروا يجعلون ما هو من خصائص: الربوبية لبعض البشر، وهذا كفر). النبوات (ص:405، 406).
(229) انظر في هذه المسألة: البحر المحيط للزركشي (6/214 وما بعدها)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/474 وما بعدها).
(230) انظر الفتاوى الكبرى الفقهية لأحمد بن علي الهيتمى (2/24).
(231) وتقدم التنبيه على أن هذا الاشتراط لا دليل عليه، لكن يبقى على المدعي أن الكرامة لا تنقطع بموت الأنبياء أو الأولياء ذكر الدليل على دعواه ثم مع ذلك فيقال: ما صلة ثبوت الكرامة لهم بعد موتهم بجواز الاستغاثة بهم ودعائهم مع اللْه؟!.
(232) بل شرك بالله العظيم.
(233) حديث ذكر شدة ما لقيه صلى الله عليه وسلم من قومه يوم الطائف ثابت في الصحيحين [البخاري (6/312 فتح) ومسلم (3/1420) ] من حديث عائشة رضي الله عنها، أما الدعاء المشهور الذي يشير إليه الصنعاني، وهو قوله: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس...) فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق صحيحة، وانظر تفصيل القول في ذلك في كتاب (دفاع عن الحديث النبوي والسيرة...) للألباني (ص:19).
(234) راجع في هذا: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية (ص:256 وما بعدها).(1/101)
(235) يشير إلى قوله تعالى: ((وَإِذَا مَسكُمُ الضر فِي الْبَحْرِ ضَل مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِياهُ)) [الإسراء:67].
(236) قال ابن كثير في تفسيره (5/345): (وذكر بعض السلف أنه عرض له جبريل وهو في الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، وأما من الله فبلى). وقد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (10/45) عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه.
(237) لم أجده في مدارج السالكين لابن القيم، وقد ذكره شيخ الإسلام في (التوسل والوسيلة) (ص:281) وعزاه إلى الحلية لأبي نعيم.
(238) تقدم تخريج بعض الأحاديث في هذا المعنى في صدر هذه الرسالة.
(239) أخرجه مسلم في صحيحه (2/721) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.
(240) ثبت في مسند الإمام أحمد (4/267) وسنن الترمذي (5/211) وسنن ابن ماجه (2/1258) ومستدرك الحاكم (1/491) وغيرها عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة).
وقال الحاكم: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح)، وقال الحافظ في الفتح (1/49): (وإسناده حسن).
وأما حديث (الدعاء مخ العبادة) فقد أخرجه الترمذي (5/456) من حديث أنس بن مالك، وقال: (حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة). لكن معناه صحيح؟ لحديث النعمان المتقدم.
(241) ينظر في هذا كتب الأذكار؛ كالأذكار للنووي، والكلم الطيب لابن تيمية، والوابل الصيب لابن القيم، وتحفة الذاكرين للشوكاني وغيرها.
(242) روى ابن سعد في الطبقات (2/275) والدارمي في السنن (1/43) عن عطاء بن أبي رباح مرفوعاً: (إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب). وصححه الألباني. انظر: السلسلة الصحيحة (3/97).
ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص:275) من حديث بريدة رضي الله عنه باللفظ الذي ذكره المصنف.
وقد نظم أحدهم هذا المعنى ببيت من الشعر فقال:
وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها…فاذكر مصابك بالنبي محمد(1/102)
(243) انظر النص: مع التعليق عليه في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية (ص:82 وما بعدها).
(244) انظر النص: مع التعليق في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية (ص:285). والحديث المشار إليه هو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة).
قال ابن أبي العز في فتاويه (ص:126) وقد ذكر هذا الحديث: (وهذا الحديث إن صح فينبغي أن يكون مقصوراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم...).
وانظر في الكلام على هذا الحديث سنداً ومتناً (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) لابن تيمية (ص:186 وما بعدها).
(245) انظر: إغاثة اللهفان (1/235، 236) وفي النقل تصرف يسير.
(246) رواه البخاري (13/347 فتح) ومسلم (1/59).
(247) قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (2/338): (فالرب سبحانه ما لأحدٍ عليه حق، ولا يضيع لديه سعى) ثم أنشد البيتين.
(248) في (ب): (الصباح) وهو خطأ.
(249) جزء من حديث رواه الإمام أحمد (3/21) وابن ماجه (1/256) وغيرهما.
قال شيخ الإسلام: (وهذا الحديث هو من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد وهو ضعيف بإجماع أهل العلم). قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص:215) ثم قال: (ولفظه لا حجة فيه فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم وحق العابدين أن يثيبهم...).
(250) في (أ) و (ب): فعله.
(251) في (أ) (الواجب على السائلين أن يفعلوه المسلمين).
(252) زيادة من الدر المنثور.(1/103)
(253) رواه الطبراني في الصغير (ص:182) والحاكم (2/615) والبيهقى في الدلائل (5/489) وأورده السيوطي في الدر المنثور (1/142) وعزاه إلى الطبراني في الصغير والحاكم وأبي نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل، وابن عساكر في تاريخه، وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال البيهقي في الدلائل: (تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف)، قال شيخ الإسلام: (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً، ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم، وقال أبو حاتم بن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك). التوسل والوسيلة (ص:167)، وتعقب الذهبي تصحيح الحاكم له بقوله: (بل هو موضوع، وعبد الرحمن واهٍ).
(254) تقدم معنا كلام ابن عبد السلام تحت عنوان: قول أبي حنيفة: (لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به..).
(255) أورده السيوطي في اللآلئ (1/404) والشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة (ص:394) والفتني في تذكرة الموضوعات (ص:98). قال الدار قطني: تفرد به عمرو بن ثابت، وقد قال يحيى (إنه لا ثقة ولا مأمون)، وقال النسائي: (متروك الحديث)، وقال أبو داود: (رافضي)، وقال ابن حبان: (كان ممن يروي الموضوعات لا يحل ذكره إلا على سبيل الاعتبار). انظر: المجروحين لابن حبان (76/2) والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2/224)، والمغني في الضعفاء للذهبي (62/2).
(256) منها ما ثبت في المسند (2/86) وسنن أبي داود (3/223) وغيرها عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). وفي الباب أحاديث عديدة.(1/104)
(257) هو أبو الوليد محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن الشحنة محمود، يعرف بابن الشحنة نسبة إلى جده الأعلى محمود، التركي الاْصل، الحلبي، الحنفي. (ت:815هـ). انظر: شذرات الذهب لابن العماد (7/113).
(258) روى مسلم في صحيحه (2/671) عن بريدة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية).
(259) في (ب) (أن محله غيره) وهو تصحيف.
(260) رواه مسلم في صحيحه (2/671) وابن ماجه (1/500) عن أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ لابن ماجة.
(261) هو أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي البغدادي، أحد الزهاد، توفي سنة (200هـ). انظر ترجمته في السير للذهبي (1/339).
(262) انظر إغاثة اللهفان لابن القيم (1/234).
(263) انظر: الفتاوى لابن تيمية (1/246 و350) و(27/172-179).
(264) والحديث رواه البخاري في صحيحه (2/494 فتح).
(265) انظر: رصف المباني شرح حروف المعاني للمالقي (ص:138) والدر المصون للسمين الحلبي (1/55).
(266) (لكم) ساقطة من الأصل.
(267) ص: (54).
(268) ومن ذلك ما نقله الشهرستاني في الملل والنحل (2/32) عن الصابئة إنهم قالوا: (طريقنا في التوسل إلى حضرة القدس ظاهر، وشرعنا معقول، فإن قدماءنا من الزمان الأول لما أرادوا الوسيلة عملوا أشخاصاً في مقابلة الهياكل العلوية على نسب وإضافات راعوا فيها جوهراً وصورة، وعلى أوقات وأحوال وهيئات أوجبوا على من يتقرب بها إلى ما يقابلها من العلويات: تختم ولباساً، وتبخراً ودعاء وتعزيماً، فتقربوا إلى الروحانيات، فتقربوا إلى رب الأرباب، ومسبب الأسباب، وهو طريق متبع، وشرع ممهد، لا يختلف بالأمصار والمدن، ولا يتسخ بالأدوار والأكوار. ونحن تلقينا مبدأه من عاذيمون وهرمس العظيمين، فعكفنا على ذلك دائمين).(1/105)
(269) أخرجه أحمد (1/391) والحاكم (1/509) وغيرهما. قال الهيثمي في جمع الزوائد (10/136): (رواه أحمد وأبو يعلى والبزار إلا إنه قال: (وذهاب غمي) مكان (همي) والطبراني، ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير الجهني، وقد وثقه ابن حبان). اهـ.
(270) في (أ): (لظلمه).
(271) رواه البخاري (2/317 فتح) ومسلم (4/2078).
(272) في (أ) (أسمائك) وهو تصحيف.
(273) صحيح مسلم (2/666).
(274) رواه أحمد (3/198) والترمذي (4/659) وابن ماجه (2/1420) والبغوي في شرح السنة (5/92) وقال الألباني في تخريج المشكاة (2/725): (وإسناده حسن).
(275) انظر: شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور للسيوطي (ص:100 وما بعدها).
(276) انظر: جمع الشتيت (ص:57 وما بعدها).
(277) في (أ) (حديثاً صحيحاً). وهو تصحيف.
(278) انظر: فتح الباري (6/434) وقد أفرد ابن حجر في الخضر رسالة مستقلة أسماها (الزهر النضر في نبأ الخضر).
(279) أي: جدلاً على وجه التنزل مع الخصم.
(280) في (ب): (والغرض).
(281) لا وجه لتخصيص: علي رضي الله عنه بالذكر من بين الخلفاء رضي الله عنهم.
(282) هو أبو المحاسن حسن بن منصور بن محمود البخاري الحنفي الأوزجندي، من مؤلفاته الفتاوى، وقد طبع منه بعض الأجزاء، توفي سنة (592هـ). انظر ترجمته في السير للذهبي (21/231).
(283) انظر: نزول عيسى بن مريم آخر الزمان للسيوطي (ص:44-46).
وقول الشاذلي هذا إن صح عنه فهو ضلال وباطل، وهو مردود بما جاء في ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد (5/279) أنه قال: (كل علم تسبق إليك فيه الخواطر وتميل النفس وتلتذ به فارم به وخذ بالكتاب والسنة). وبقوله هذا يرد كل ضلاله وأباطيله المخالفة للكتاب والسنة.
(284) ذكر السيوطى في رسالته: (نزول عيسى بن مريم آخر الزمان) (ص:29-43) أنْ معرفة عيسى لأحكام هذه الشريعة يمكن أن يكون من أربعة طرق، والرابع منها هذا الذي أشار إليه المصنف هنا؟!
(285) في (ب) (بارقة).(1/106)
(286) رواه الترمذي (4/419) وأبو داود (3/121) وابن ماجه (2/909). قال الألباني في الإرواء: (6/124) (ضعيف).
(287) روى هذه القصة البخاري (11/27 فتح) ومسلم (3/1694) عن أبي سعيد الخدري قال: (كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنتُ على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنتُ ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع. فقال: والله لتقيمن عليه بينة. أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم، فقمت معه فأخبرت عمرَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك).
(288) لو قال: ورجوع الصحابة بعضهم إلى بعض في عدة وقائع لكان أولى.
(289) جزء من حديث العرباض بن سارية.
(290) رواه البخاري (7/3 فتح) ومسلم (4/1963) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ولفظه: (خير الناس قرني...).
(291) رواه البخاري (13/3 فتح) ومسلم (4/1793) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، وفي الباب أحاديث أخرى عديدة عن أنس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وغيرهم.
(292) حديث ابن عباس أنه قال: (رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر ثلاثاً قال: إنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك) رواه النسائي (5/227) وفي زيادة: (ثم قال عمر رأيت رسول الله فعل مثل ذلك). قال الألباني في ضعيف سنن النسائي (ص:106) (ضعيف الإسناد، منكر بهذا السياق) لكن قول عمر بن الخطاب موقوفاً عليه: (إنى أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى قبلك ما قبلتك) صحيح ثابت. رواه البخاري (3/462 فتح) ومسلم (2/925).
(293) في الأصل (تضر أو تنفع).
(294) نقله الحافظ في الفتح (3/463).(1/107)
(295) تكرر عند المصنف هنا وفيما سيأتي إعادة الضمير على الحجر الأسود بضمير التأنيث وهو خطأ.
(296) رواه الحاكم (1/457) وفي إسناده أبو هارون العبدي، قال الذهبي في تلخيص المستدرك: (وأبو هارون ساقط)، وقال ابن حجر وقد أورد الحديث في الفتح (3/462): (وفي إسناده أبو هارون وهو ضعيف جدا).
(297) انظر: فتح الباري (3/475).
(298) في (أ): (وهم من جملة عبادها).
(299) في (أ): (المشركين) وهو خطأ.
(300) في الأصل: (من روح المزور فاض من روح الزائر من تلك الألطاف) والتصويب من الإغاثة.
(301) في الإغاثة: (فتمام الزيارة).
(302) في الإغاثة: (وكلما كان جمع الهمة والقلب عليه أعظم كان أقرب إلى انتفاعه به).
(303) في (ب) (وصيغت) وفي الإغاثة: (وصُنفت).
(304) في الإغاثة: (المجسدة).
(305) زيادة من الإغاثة.
(306) إغاثة اللهفان لابن القيم (1/237-239)، وفي النقل حذف في عدة مواطن، وتصرف يسير، وقد أضفت من الإغاثة إلى النقل ما يلزم إضافته، وجعلته بين معكوفتين.
(307) هذا ما ختمت به النسخة (أ)، وأما النسخة (ب) فقد كان في خاتمتها ما يلي: (فرغ من نقلها ليلة ثمان يوم من شهر جمادى الآخرة سنة (1177)، قال في الأصل المنقول منها هذه النسخة من خط العلامة الزاهد ضياء الإسلام سعيد بن حسن العنسي تلميذ المؤلف والمجاز له في مؤلفاته، وعلى ظهر النسخة المنقول منها بخط المؤلف السيد محمد بن إسماعيل الأمير ما لفظه: (هذا الفتاة رداً على رسالة وصلت من مصر فيها عجائب وغرائب تنافي الشريعة المحمدية فوجب بيان ما يجب بيانه مما هو مخالف للكتاب والسنة بل وللعقل كما يعرفه من يقف عليه) انتهى وكتبها لنفسه الفقير إلى الله سعيد بن حسن العنسي وفقه الله، وحرر هذه النسخة من الأصل المذكور (...) شهر جمادى الأولى سنة (1332) بخط الفقير إلى الله عبد الله بن محمد العدوي وفقه الله) انتهى.(1/108)
وهذا آخر ما أردت تعليقه على هذا الكتاب، والله وحده الموفق للصواب، له الحمد لا شريك له.
??
??
??
??
15
تم تحميل هذه المادة من موقع الصوفية www.alsoufia.com(1/109)