وقفات مع عدنان زهار
في دفاعه عن الشيخ أحمد بن الصديق الغماري
لصاحبها
بدر العمراني الطنجي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و آله و صحبه
…هذه وقفات مع كتاب "دفاع عن كرامة و عرض سليل الأشراف الحافظ الإمام سيدي أحمد ابن الصديق رحمه الله تعالى" للأخ عدنان بن عبد الله زهار ، القصد منها النصح غيرة على الحق وأهله. و أسأل الله عز و جل العون و التوفيق ، و هو الهادي لأقوم طريق .
1- تصحيح بيت شعري وقع مكسورا
ذكر في الصفحة : 6 بيتا لأبي تمام هكذا :
نسب كأن عليه من شمس الضحى --- نوراً ومن فلق الصبح عمودا
قلت : البيت من بحر الكامل ، و الصواب أن ترسم الكلمة التي تحتها خط هكذا : الصباح . حتى يستقيم الوزن . و الله أعلم .
2- بيان الغلو المفرط في شأن مكانة الشيخ أحمد
نقل في ص: 11 عن الشيخ عبد الرحمن الكتاني : أتعلمون من هو الشيخ أحمد بن الصديق ؟ إنه شخصية بارزة ، اجتمع فيها ما افترق في غيرها من الشخصيات ، فهو في علم الفقه كالإمام مالك والإمام الشافعي و الإمام أحمد بن حنبل و الإمام أبي حنيفة و غيرهم رضي الله عنهم .
و علم الحديث كالأئمة : البخاري و مسلم و أبي داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه و الحافظ الزيلعي و الذهبي و ابن حجر و السخاوي و السيوطي و غيرهم .
و في علم التاريخ كالإمام علي بن المدني (كذا رسمت و الصواب : المديني) و الإمام يحيى بن معين الغطفاني ، و الإمام أبي بكر الخطيب و الإمام أبي القاسم ابن عساكر الدمشقي و الإمام ابن جرير وغيرهم .
و في علم التصوف كالشيخ الجنيد و الشيخ البكري و الشيخ الدرقاوي .
و في علم اللغة و الأدب كابن الأثير و ابن قتيبة و ابن ثابت العوفي و ابن عبد ربه .
و في الوطنية الإسلامية كصلاح الدين الأيوبي و الأمير عبد القادر الجزائري و عيرهما .(1/1)
قلت : و يكفي في هذه الشهادات ذكرها فقط ، و لا بأس من الإشارة إلى أن الكتاب المستقاة منه مطبوع باعتناء الأخ الدكتور حمزة الكتاني ، و في عمله مر عليها و لم يعرها اهتماما ، لكن لما قيل بأنه لم يأت بالمغرب بعد ابن القطان الفاسي حافظ يدانيه إلا أحمد بن الصديق ، استهجنه و استنكره، و إن كان هذا القول مقبولا في الجملة بخلاف ما سبقه ، و الله أعلم .
3- تقويم أبيات شعرية وردت مكسورة
قال [ص12]: و هنأه مرة الشيخ يوسف الدجوي بحلول رمضان فقال :
رمضان عيد المومنينا --- و أنت خير المومنين
إلى آخر الأبيات .
قلت : هي من الكامل المجزوء (متفاعلن متفاعلن)
و على هذا الوزن لا يستقيم ما رسمه الكاتب ، و الصواب : حذف الألف الأخيرة من الصدر ، وتسكين النون لأن القافية مقيدة . فيكون البيت هكذا :
رمضان عيد المومنينْ --- و أنت خير المومنينْ
في ص 112 ، ذكر قول الشاعر :
الشمس حق و العيون نواظر --- ولكنها تخفى على العميان
قلت : الصواب حذف "الواو" من العجز ، لأن البيت من الكامل و تقطيعه :
مستفعلن مستفعلن متفاعل --- مستفعلن مستفعلن مفعول
الشمس حق و العيون نواظر لكنها تخفى على العميان
في 119 أورد أبياتا جاء فيها :
و ما علي إذا ما قلت -- دع الجهول يظن الجهل عدوانا
و الله تالله بالله العظيم -- و من أقامه حجة لله برهانا
إن الذي قلت بعض من مناقبه -- ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا
و الصواب فيها :
و ما علي إذا ما قلت [معتقدي] -- دع الجهول يظن الجهل عدوانا
و الله تالله بالله العظيم و من -- أقامه حجة لله برهانا
إن الذي قلت بعض من مناقبه -- ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا
4- الإشارة إلى بيت مكسور
قال [ص19] : كما كان يحفظنا قول القائل :
سفينة العلم الإعراب --- تاركه ليس له صواب
قلت : البيت من الرجز ، لكن صدره به نقص لأجله انكسر الوزن .
5- إثبات كتاب "تنبيه المسلم بمن يدعي السنة و هو كذاب مجرم"(1/2)
قال [ص27] : و لم يعرف للشيخ الزمزمي كتاب بهذا العنوان ، و لا عرف من كريم أخلاقه أن يضيع الورق و الحبر و ينفق الوقت في مثل هذا البهتان ، و لا سمع به أحد من الناس ، إلا ما عزاه الفاري إلى شيخه "بو نبزة" [كذا ضبطت عنده ، و سيأتي الكلام على هذا الصنيع] الذي كان يزعم أن الزمزمي أحرق الكتاب بعد وفاة الشيخ رحمه الله !!! قال الحق سبحانه و تعالى : (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ، فالفسق صفة لازمة للفاري و شيخه حتى يبينا دعواهما ، فنثبت منها ، و دونهما خرط القتاد .
ثم علق بالهامش ، فقال : و لقد كنت سألت شيخنا العلامة سيدي عبد الباري الزمزمي ابن الصديق، هل فعلا لوالده الشيخ محمد كتاب بهذا العنوان و ذلك الموضوع ، فقال لي بأنه سأل السؤال نفسه والده الشيخ المذكور فأجابه بأن هذا كان يروجه خصوم الأسرة الصديقية ، و بأنه لم يخطر بباله شيء من ذلك أبدا ، فكيف يكتب فيه مصنفا كاملا ؟ انتهى
قلت : على كلامه ملاحظ كثيرة أذكر منها :(1/3)
الكتاب ثابت ثبوت الشمس في كبد السماء ، صرح به المؤلف نفسه في كتابه "رفع الستار عن أغلاط توجيه الأنظار لتوحيد المسلمين في الصوم و الإفطار" قال بعد الحمد و الصلاة : [ففي هذه الأيام وقع بيدي كتاب مكتوب على ظاهره ما يأتي (توجيه الأنظار لتوحيد المسلمين في الصوم و الإفطار . تأليف الشيخ محيي السنة و مميت البدعة أبي الفيض أحمد بن الشيخ سيدي محمد بن الصديق) . هذا ما كتب على ظاهر ذلك الكتاب .. و أظنك إذا قرأت هذا العنوان .. اعتقدت أن صاحب الكتاب حريص على اتحاد المسلمين و اجتماع كلمتهم في كل شيء .. حتى في الصوم و الفطر ! و لكن الحقيقة بخلاف ذلك .. فإنه لا رغبة له في اتحاد المسلمين في الصوم و الإفطار و لا في الحج و الصلاة ، و إنما ألف هذا الكتاب عنادا و غراما بالجدال الذي هو دأبه و ديدانه ، و مجارات [كذا] لأهواء أبناء هذا الوقت الذين يحبون التشبه بالفرنج في كل شيء .. حتى في الصيام و الأعياد ؛ فهم لأجل ذلك يحرصون على أن يكون العيد عند المسلمين كلهم في يوم واحد كما يكون عند الأوربيين كلهم في يوم واحد . و كما أنك قد تعتقد ما ذكر اغترارا بعنوان الكتاب .. كذلك قد تغتر بما حلي به مؤلفه من إحياء السنة و إماتة البدعة ؛ فتظن أنه محيي السنة حقيقة مع أنه ليس كذلك ! و كيف يكون محييا للسنة و هو يرد الأحاديث الصحيحة الصريحة بالتأويل البعيد ، و التعسف البارد .. انتصارا لهواه و اتباعا لشهواته ؛ الأمر الذي أنكره على المقلدة و كفرهم لأجله !؟ فقد خالف الحديث الصحيح الصريح الذي حدث به رسول الله صلى الله عليه و سلم- قبل وفاته بخمس ليال ، و نهى فيه عن اتخاذ القبور مساجد .. بتأويلات باطلة ، و تعسفات مضحكة ، و مكابرة ظاهرة ! و خالف الأحاديث الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم تشبه النساء بالرجال و الكفار .. و أعرض عن العمل بها بلا عذر و لا دليل مقبول ؛ بل بالتأويل البعيد و التعسف البارد و ملاحظة المعنى الباطل(1/4)
الذي هو الشهوة و اتباع الهوى و مجاراة النساء في أهوائهن ! و خالف الحديث الصحيح الوارد في النهي عن الصلاة إلى القبور بلا علم و لا هدى و لا كتاب منير ؛ بل بالتأويل الذي كفر به المقلدة و جعلهم لأجله مشركين ! و خالف القرآن و السنة و الإجماع و القياس في إتيانه الكهان .. و تصديقهم ، بالتأويل الباطل ، و المغالطة المفضوحة التي هي إلى الزندقة أقرب منها إلى التأويل !! و خالف السنة في تزويق المسجد و زخرفته ، و تفريشه بالزرابي .. بالتأويل الذي شنع به على المقلدة و كفرهم لأجله ؛ فقال في (إحياء مقبوره) : "و أجازوا –يعني المقلدة- تزويق المساجد و فرشها بالحصر و الزرابي ، لأنه أدعى للاحترام ، و لما فيه من مصلحة المصلين .. مع أنه ورد النهي بل الوعيد على ذلك" انتهى بلفظه!! وخالف السنة و الإجماع و القياس و الاستحسان ؛ بل و الملل كلها في بيعه المساجد وأحباسها .. بالتأويل الذي هو في الحقيقة تلاعب بالدين ، و استهزاء بآيات الله تعالى !! في مسائل أخرى .. ذكرتها برمتها في كتابي (تحذير المسلم ممن يدعي العمل بالسنة و هو كذاب مجرم) . فهذه المسائل كلها خالف فيها السنة اتباعا لشهواته و هواه ، و عملا بالتأويل الذي أنكره على المقلدة و كفرهم به ؛ حتى ألف كتابا ألحد فيه و حرف الكلام عن مواضعه بتنزيل الآيات الواردة في المشركين على الفقهاء أئمة المسلمين .. شأن الخوارج المارقين ، و سماه (الإقليد بتنزيل آيات الله على أهل التقليد) !! مع أننا علمنا بما ذكره في ذلك التأليف وجدناه أولى بما رمى به المقلدة .. و أجدر بما حكم عليهم منهم لأمرين : أحدهما أنه ارتكب عين الذنب الذي رماهم به و طبق عليهم لأجله ما ورد من الآيات في المشركين .. أعني رد النصوص الصريحة بالتأويل البعيد الذي لا ضرورة تدعو إليه ! الثاني : أنه لم يسلك مسلك التأويل لضرورة دينية ، كمعارضة النصوص بعضها لبعض .. أو ضرورة عقلية كمعارضتها للمعقول .. و إنما(1/5)
نحى نحوه انتصارا لهواه و متابعة لشهواته ، كما يشهد به ما تقدم ذكره من الأحاديث التي أولها لذلك .. الأمر الذي يدل على تهوره و تلاعبه ، و أنه أقبح حالا من المقلدة الذين كفرهم بالتأويل .. لما بين تأويله و تأويلهم من الفرق الذي لا يخفى !] انتهى المقصود و عذرا على الإطالة . (عن رسائل في الصيام للشيخ محمد الزمزمي رحمه الله 57-58) .
و صرح به المردود عليه –الشيخ أحمد- في الجواب المفيد 78 قال : (أعرضنا عن كتابة الحقيبة ، لأنهم أقل من أن يكتب فيهم و أسقط . فلينفردوا هم بكتابة من يدعي السنة وهو مجرم ، و البلاء الأزرق و غير ذلك) . فعلقت بالهامش قائلا : هذا الكتاب للشيخ محمد الزمزمي رحمه الله ، و اسمه الكامل : "تنبيه المسلم ممن يدعي السنة و هو كذاب مجرم" كتبه للرد على الشيخ و كان قصده الاطلاع عليه ، فلما توفي أحرقه لأن المعني بالرد توفي . أخبرني بهذا الأستاذ أبي الزمزمي . إذن مسألة الإحراق لم ينفرد بها شيخنا أبو أويس . فليعلم.
و أما ما ذكرته عن الأستاذ عبد الباري الزمزمي فوقع لك فيه تخليط و خبط ، فقد استفسرناه فأجابنا بثبوت نسبة الكتاب لوالده ، مع إنكار المضمون الوارد فيه . فتثبت .
و هناك نكتة لغوية لا أخلي هذه الوقفة من الإشارة لها ، و هي قوله : هل فعلا لوالده .. ، قلت : التعبير ب "فعلا" للدلالة على التأكيد ، خطأ شائع ، لم يعرف استعماله في الأساليب العربية الفصيحة ، و الفعل في اللغة : العمل ، لا يتعدى هذا المعنى بتاتا ، و لذلك صدر ابن منظور مادة فعل بقوله : الفِعل: كناية عن كل عمل متعدٍّ أَو غير متعدٍّ . فليعلم
تِلكَ الحقيقةُ والمريـ --- ـضُ القلبِ تجرحُهُ الحقيقةْ
6- تصحيح بيت شعري مكسور
في ص 31 أورد مقطوعة شعرية في مدح الأشعرية ، و هي طويلة اجتزأ منها دون أن يشير و هذا عيب في المنهج ، و جاء بآخرها :
ليسوا أولي التعطيل --- و لا ذوي إلحاد(1/6)
قلت : المقطوعة من المجتث ، و صدر هذا البيت جاء على وزن : مستفعلن مفعول . انتقص منه سكون بآخره و هذا عيب لا يجوز ، و الصواب أن يقول : ليسوا أولي تعطيلٍ .
و كثيرة هي الأبيات المكسورة في رسالته ، مثل :
ص 63 جاء فيها :
يا أسماء لا تبكني --- لم يبق إلا حسبي و ديني
و صارم لاثت به يميني
و الصواب : [أسماء] يا أسماء لا تبكني
في ص 147 أورد أبياتا للعراقي هكذا :
والثالث المجهول للعداله --- في باطن فقد رأى له
حجية -في الحكم-بعض من منع --- ما قبلهم منهم سليم فقطع
به وقال الشيخ إن العملا --- يشبه أنه على ذا جعلا
في كتب من الحديث اشتهرت --- خبرة بعض من بها تعذرت
و الصواب :
وَالثَّالِثُ : المَجْهُولُ لِلعَدالَهْ --- في بَاطِنٍ فَقَطْ . فَقَدْ رَأَى لَهْ
حُجِّيَّةً -في الحُكْمِ-بَعْضُ مَنْ مَنَعْ --- مَا قَبْلَهُ ، مِنْهُمْ (سُلَيْمٌ) فَقَطَعْ
بِهِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ : إنَّ العَمَلا --- يُشْبِهُ أنَّهُ عَلَى ذَا جُعِلا
في كُتُبٍ منَ الحَدِيْثِ اشْتَهَرَتْ --- خِبْرَةُ بَعْضِ مَنْ بِهَا تَعَذَّرَتْ
7- خطأ مطبعي أحال المعنى
ذكر في ص 32 قول الذهبي المشهور : "كلام الأقرن يطوى و لا يروى" . قلت : هكذا الأقرن بحذف الألف بين الراء و النون ، و الصواب : الأقران ، أما الأقرن فهو ذو القرون .
8 – التنبيه على وهم لغوي
قال في ص 34 : التي خفف في الحكم فيها المحدثون .
قلت : ركاكة في الأسلوب يمجها ذو اللب السليم ، و الصواب أن يقول : التي خفف في الحكم عليها المحدثون .
و في ص 119 ، قال : و اعذرني عن الإطالة فيما نقلته منه .
و الصواب : "اعذرني من" ، و انظر أمالي المرزوقي ، و خزانة الأدب للبغدادي ، و أما عن فلها معنى آخر ينظر في لسان العرب 4/550 .
9- الكلام حول رسالة "كشف الأستار المسبلة" لابن الجراح(1/7)
في ص 34 أنكر ثبوت رسالة "كشف الأستار المسبلة" للشيخ أحمد ، و أقوى ما استدل به ما جاء في الجواب المفيد 47 : (و ابن الجراح هو اسم مستعار لبعض تلامذتنا الشوام الحلبيين بمصر ، و كان يحب المغاربة ، و يكثر مخالطتهم عند قدومهم للحج ، و يرافقهم طول إقامتهم بالقاهرة ، فأخذ عنهم معلومات كثيرة عن المغرب و المغاربة الذين منهم الشيخ عبد الحي ، و استعان برسالتنا "الاستعاذة و الحسبلة" ، و بكتابنا "الصواعق المنزلة" ، و كتب تلك الرسالة . و هو يعرف الشيخ عبد الحي شخصيا ، و زاره لما كان بالقاهرة برفقتنا . و العلم عند الله بحقيقة تلك الأخبار المذكورة فيه) .
قلت : أولا : يقبل من الشيخ هذا التصريح لو صدق في جميع أعماله ، أما أنه يدلس في موضع تدليسا غريبا هو بالكذب أقرب ثم ينسبه لنفسه في موضع آخر كما فعل بمنظومة "بعر النعجة" –و سيأتي الكلام عنها بعد- فهذا الصنيع يفقد الثقة بالشيخ ، فلا يقبل قوله في هذا الباب إلا بشاهد ، خصوصا و أنه يحيل على المجهول الذي لا يعرف إلا من قبله . فاعلم .
ثانيا : إن الكتاب أثبته له معاصرون أعرف به من غيره ، مثل : الشيخ عبد الحي الكتاني المردود عليه، و الأديب أحمد خيري في منشور له بخط يده –و إن كنا لا نصدق بمجمل ما جاء فيه من أباطيل و أكاذيب لكن فيه معلومات تاريخية يستأنس بها ، و قد كتبنا رسالة في نقده اسمها "كشف المستور عما تضمنه هذا المنشور- ...
ثالثا : الشهرة و الاستفاضة .
رابعا : التشابه الموجود بين كتبه في الأسلوب ، فسياق العورات المذكورة في الرسالة هي أشبه بما ذكر في رسالة "صدق اللهجة بالتحدث عن مساوئ أهل طنجة" .(1/8)
هذا من جهة و من جهة أخرى ، من المعلوم أن الشيخ قد شاركه أحد ما في كتابة الرسالة و التزويد بالمعلومات اللازمة ، و هو المقصود بذكره في الجواب المفيد ، و لذلك صرح به الشيخ عبد الحي في الرد ؛ إذ المواصفات التي ذكرها الشيخ أحمد تنطبق عليه تماما ، لكن رغم ذلك يبقى حضور الشيخ قويا في الأسلوب و الصياغة ، فإن سلمنا بأن الطرف الآخر هو الذي كتب ابتداءً ، فالشيخ هو الذي راجعه بالتقديم و التهذيب و الإضافة ، و ليس هذا بغريب عنه فقد فعله في كتاب "الصارم المبيد" لشيخنا أبي الفتوح عبد الله التليدي ، و لأجل ذلك كان الشيخ الزمزمي رحمه الله ينسب الكتاب لأخيه (انظر رسالة "إقامة الحجة على جواز الصلاة خلف أهل الفسق و البدعة" للزمزمي) ، و فعله في مقال لأخيه الزمزمي أثناء رده على الدكتور الهلالي في جريدة الأخبار التطوانية ، ولا زالت الزيادة محفوظة بخطه عند الأستاذ أبي الزمزمي حفظه الله .
10- التنبيه على خطإ لغوي
قال في ص 36 : و صرفوه من حب الشيخ ...
قلت : الصواب أن يقول : و صرفوه عن ، و منه قوله تعالى : (سأصرف عن آياتي) .
11- من ذم بعد مدح فقد كذب مرتين
قد طبق عدنان هذه المقولة في ص 37 على شيخنا أبي أويس بعد أن بين اختلاف أقواله في الشيخ أحمد ، و لكل ذلك مخارج معروفة يعرفها كل عاقل ، فلا داعي لذكرها ، لكن نلتفت إلى عدنان ونقول له : أنت تتلمذت للشيخ استجازة و مكاتبة و مشافهة ، و أثنيت عليه أكثر من مرة ، فوصفته بشيخنا ، العلامة ، الأستاذ ، الإمام في الأدب و اللغة ، و بالغت في رسالة فأنزلته منزلة النووي ، حين استشهدت ببيتي التقي السبكي :
وفي دار الحديث لطيفُ معنى ... على بسط بها أصبو وآوي
عساني أن أمَسّ بحُرِّ وجهي ... مكاناً مسَّه قدمُ النواوي(1/9)
و كنت تستشيره في الأعمال المقْدم عليها فيفيدك و ينصحك ، أتذكر لما استفسرته عن كتاب ابن منده في الأرداف فأخبرك بطبعه ؛ بل اشتراه ليهديه لك ، إلا أنك أعلمته بالعثور عليه واقتنائه ، فحظي راقم هذه السطور بالهدية و احتفى بها . و استفسرته عن منهج التفويض في تدريس عقيدة ابن أبي زيد القيرواني ، فأجابك برأيه الصريح .
بل أكثر من هذا أهديته صورة عن كتاب "سبحة العقيق" للشيخ أحمد ابن الصديق .. فعلى ماذا يدل هذا !؟
و الآن في هذا الكتاب تكيل له الشتائم ، و تصفه بالخائب ، و بونبزة ، و الخائن ، و ... فما عدا مما بدا . أو أن المقولة تنطبق عليك أيضا !؟
12- لطيفة نحوية : التكرار في العطف جائز لغرض بلاغي
قال في ص 37 : أن قوله "وعاينه" بعدما قال "من رأى الكتاب" زيادة للفظة قد أدت غيرها المعنى نفسه ، و هو تكرار فاحش و إطناب يتنزه عنه كلام الفصحاء ...
قلت : نعم قد تقرر عند النحويين أن العطف يقتضي المغايرة ، لكن لهذه القاعدة مستثنيات إذا كان مقصود المنشئ يقتضي غير ذلك ، فمثلا المقصود من هذا التكرار التأكيد على رؤية الكتاب ، و لا بأس بسرد ما قرره النحاة لتدركه ، (يقول النحاة : إن "المغايرة" هي الأصل الغالب في عطف النسق بين المتعاطفين . يريدون : أن يكون المعطوف مغايرا للمعطوف عليه في لفظه و في معناه معا ؛ فلا يعطف الشيء على نفسه . هذا هو الأصل الغالب ، لكن العرب قد تعطف –لغرض بلاغي- الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظان ؛ كقولهم ... "وألفى قولها كذبا و مينا" فقد عطفوا المين على الكذب (و معناهما واحد ، و اللفظان مختلفان) لغرض بلاغي هو تقوية معنى المعطوف عليه و تأكيده) . النحو الوافي 3/660 .
13- التفيهق لا التفيقه
في ص 38 ، قال : ... و لا حجة له إلا التنطع و التفيقه . بتقديم القاف على الهاء .(1/10)
قلت : لا تعرف كلمة "التفيقه" من مادة "فقه" ، و الصواب : "التفيهق" بتقديم الهاء على القاف ، جاء في المعجم الوسيط مادة "فَهِقَ" : تَفَيْهَقَ في كلامه : توسع و تنطع . و في الحديث : "إن أبغضكم إلى الثرثارون المتفيهقون" [رواه الترمذي 1941 و حسنه] .
14- ثنايا بمعنى أثناء خطأ شائع
في ص 44 ، قال : أتى الفاري في رسالته بكلام الشيخ من ثنايا كتبه ...
قلت : استعمال "ثنايا" بهذا المفهوم خطأ شائع و تعبير لا يصح ، لأن الثنايا ج ثنية و هي إحدى الأسنان الأربع التي في مقدم الفم ، ثنتان من فوق و ثنتان من تحت .
15- استشهاده بما لا يصح
في ص 45 ، قال : و هذا الذي تأول به معاوية الحديث كان في أول أمره لما سمع بمقتل عمار ، لكن بعد ذلك تأوله بما هو أضعف و أضعف ، و اعترف بأنه هو الذي قتله . فقد ذكر الطبري في التاريخ بعث علي بعض الصحابة إليه لموادعة الصلح فلما ذكره أحدهم ، و هو شبث بن ربعي بقتله عمارا ، قال معاوية : و ما يمنعني من ذلك ؟ و الله لو أمكنت من ابن سمية ما قتلته بعثمان ، و لكن كنت قاتله بقاتل مولى عثمان .
قلت : يلام عدنان على حذفه للسند و هو يعلم ما فيه ، و إليك إسناده ، قال الطبري : (فذكر هشام بن محمد ، عن أبي مخنف الأزدي قال : حدثني سعد أبو المجاهد الطائي ، عن المُحِلّ بن خليفة الطائي قال: ... ) يظهر أولا أن السند أتى به الطبري معلقا ، و لا حجة في معلق ، و ثانيا فيه : أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي ، قال الذهبي : إخباري تالف ، لا يوثق به . ميزان الاعتدال 3/419 ، و انظر اللسان 6/77-78 .
و كذلك فعل في روايتين بالصفحتين : 48-49 . و الأدهى و الأمر استشهد في ص 49 بخبر عن الناصري في الاستقصا !؟(1/11)
في ص 58 ، قال : ... معارضته لما هو أثبت و أصرح منه فقد روى الشافعي في الأم 1/180 والحاكم في المستدرك 1/357 و البيهقي في السنن الكبرى 2/49 و الدارقطني في السنن 1/311 و غيرهم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي بكر بن حفص بن عمر أن أنس بن مالك قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ فيها بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ، و لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة و لم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة ، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين و الأنصار من كل مكان ، يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت ؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن و كبر حين يهوي ساجدا .
ثم قال عدنان متفقها : و هذا ظاهر في ترك معاوية لبعض السنن المؤكدة في الصلاة حتى أنكر عليه من سمع ذلك من المهاجرين و الأنصار ...(1/12)
قلت : إذا ثبت العرش انتقش ، أما الحديث المحتج به فمعلوم ضعفه ، و قد تكفل ببيان ذلك الحافظ الزيلعي في كتابه "نصب الراية" قال : الوجه الأول : مداره على عبد الله بن عثمان بن خثيم ، وهو و إن كان من رجال مسلم (قال راقم هذه السطور : و لم يكثر من الإخراج له سوى حديث واحد استشهادا و متابعة 4246-باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه و آله و سلم) لكنه متكلم فيه ، أسند ابن عدي إلى ابن معين أنه قال : أحاديثه غير قوية ، و قال النسائي : لين الحديث ، ليس بالقوي فيه ، و قال الدارقطني : ضعيف لينوه ، و قال ابن المديني : منكر الحديث . و بالجملة فهو مختلف فيه ، فلا يقبل ما تفرد به ، مع أنه قد اضطرب في إسناده و متنه ، و هو أيضا من أسباب الضعف ، أما في إسناده ، فإن ابن خثيم تارة يرويه عن أبي بكر بن حفص عن أنس ، و تارة يرويه عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه . وقد رجح الأولى البيهقي في " كتاب المعرفة " لجلالة راويها، وهو "ابن جريج" ومال الشافعي إلى ترجيح الثانية ، ورواه ابن خثيم أيضا عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده ، فزاد ذكر الجد كذلك ، رواه عنه إسماعيل بن عياش ، و هي عند الدارقطني ، و الأولى عنده و عند الحاكم ، و الثانية عند الشافعي ، و أما "الاضطراب في متنه" فتارة يقول : صلى ، فبدأ " ببسم الله الرحمن الرحيم " لأم القرآن ، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها ، كما تقدم عند الحاكم ، وتارة يقول : فلم يقرأ : " بسم الله الرحمن الرحيم " حين افتتح القرآن ، وقرأ بأم الكتاب ، كما هو عند الدارقطني في رواية إسماعيل بن عياش ، وتارة يقول : فلم يقرأ : " بسم الله الرحمن الرحيم " لأم القرآن ولا للسورة التي بعدها ، كما هو عند الدارقطني في رواية ابن جريج ، ومثل هذا الاضطراب في السند والمتن مما يوجب ضعف الحديث ، لأنه مشعر بعدم ضبطه .(1/13)
الوجه الثاني : أن شرط الحديث الثابت أن لا يكون شاذا ، ولا معللا ، وهذا شاذ معلل ، فإنه مخالف لما رواه الثقات الأثبات عن أنس ، وكيف يروي أنس مثل حديث معاوية هذا محتجا به ، وهو مخالف لما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن خلفائه الراشدين ، ولم يعرف عن أحد من أصحاب أنس المعروفين بصحبته أنه نقل عنه مثل ذلك ، ومما يرد حديث معاوية هذا أن أنسا كان مقيما بالبصرة ، ومعاوية لما قدم المدينة لم يذكر أحد علمناه أن أنسا كان معه ، بل الظاهر أنه لم يكن معه ، والله أعلم .
الوجه الثالث : أن مذهب أهل المدينة قديما وحديثا ترك الجهر بها ، ومنهم من لا يرى قراءتها أصلا ، قال عروة بن الزبير ، أحد الفقهاء السبعة : أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا " بالحمد لله رب العالمين " ، وقال عبد الرحمن بن القاسم : ما سمعت القاسم يقرأ بها ، وقال عبد الرحمن الأعرج: أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا " بالحمد لله رب العالمين " ، ولا يحفظ عن أحد من أهل المدينة بإسناد صحيح أنه يجهر بها إلا شيء يسير ، وله محمل ، وهذا عملهم يتوارثه آخرهم عن أولهم، فكيف ينكرون على معاوية ما هو شبههم ؟ هذا باطل .
الوجه الرابع : أن معاوية لو رجع إلى الجهر بالبسملة ، كما نقلوه ، لكان هذا معروفا من أمره عند أهل الشام الذين صحبوه ، ولم ينقل ذلك عنهم ، بل الشاميون كلهم خلفاؤهم وعلماؤهم ، كان مذهبهم ترك الجهر بها ، وما روي عن عمر بن عبد العزيز من الجهر بها فباطل لا أصل له .
والأوزاعي إمام الشام ، ومذهبه في ذلك مذهب مالك ، لا يقرؤها سرا ولا جهرا ، ومن المستبعد أن يكون هذا حال معاوية ، ومعلوم أن معاوية قد صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فلو سمع النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالبسملة لما تركها حتى ينكر عليه رعيته أنه لا يحسن يصلي ، وهذه الوجوه من تدبرها علم أن حديث معاوية هذا باطل ، أو مغير عن وجهه ... نصب الراية 1/353-354 .(1/14)
أهكذا تورد الإبل يا سعد !؟
16- النووي متشدق !؟
في ص 46 ، قال بعد أن ذكر حديث معاوية "ما منعك أن تسب أبا تراب" : و في هذه القصة دليل على أن معاوية كان يأمر الناس بسب علي على المنابر و يحث عليه . و قد تكلف المتشدقون تأويل هذا بأغرب من سابقيه ...
قلت : و هل النووي متشدق لما حكى الأقوال و أقرها بالسكوت عنها !؟ و قبل حكايتها صدرها بقوله : قال العلماء ، فمن هم هؤلاء العلماء !؟ قطعا سيكون منهم شراح مسلم مثل : المازري والقاضي عياض رحمهما الله . فهل هما كذلك يدرجون ضمن زمرة المتشدقين !؟ اللهم إني أسألك الأدب مع أهل العلم ، آمين يا رب .
17- لحن جلي
في ص 47 ، قال : و قد صنف ابن أبي عاصم جزء في مناقبه .
قلت : هكذا رسم كلمة "جزء" بدون علامة النصب الدالة على المفعولية . و الصواب أن تكتب : جزءا ، أو جزءً .
18- إثبات لنفي
في ص 51 قال : و صاحبنا الفاري فهم من قول الشيخ : "فاعلم أن معاوية يبهمه رواة النواصب المنافقون" أنه يقصد أصحاب كتب السنن التي روت تلك الأحاديث ، و هذا مخالف للواقع ، لأن الشيخ لو كان يريد ذلك لصرح به كما هو (كذا) عادته .
قلت : و قد صرح بذلك في حق الإمام أحمد رحمه الله ، قال في الجواب المفيد 58 عن حديث ("يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت يوم يموت على غير ملتي" قال : و كنت تركت أبي يلبس ليخرج ، فخفت أن يطلع ، فطلع فلان) : هكذا ستره أحمد في المسند على عادته ، لكن البلاذري صرح به فطلع معاوية .
فهل بعد هذا التصريح من إنكار !؟
و في ص 53 قال : و من كذبه المفضوح أيضا قوله عن كتاب "النصائح الكافية لمن يتولى معاوية" المنسوب إلى ابن عقيل الحضرمي : "و هذا الكتاب كان أحمد يوزعه و ينصح بقراءته" .
قلت –القائل هو عدنان- : لم يذكر الفاري من أين له هذا و لا من أعلمه به ، و هكذا يكون التحقيق و التوثيق ، و كذلك يكون التبين و التثبت من المتعالمين ، و قد قال : (إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) .(1/15)
قلت –القائل هو بدر عفا الله عنه- : إليك الدليل ، قال الشيخ في الجواب المفيد 59 : و الكلام طويل و لو كان عندي كتابا "تقوية الإيمان" ، و "النصائح الكافية" لأرسلتهما للأستاذ فإن فيهما ما يكفي .
19- حدبث أم حرام فضيلة لمعاوية أثبتها شيخنا أبو الفتوح
في ص 55 ، قال : و من جهله كذلك استشهاده بحديث أم حرام في ركوبها البحر مع جيش معاوية الذي رواه البخاري و مسلم و غيرها و جعله دليلا على منقبة له .
قلت : و قد جعله كذلك شيخنا أبو الفتوح عبد الله التليدي في كتابه "جواهر البحار في الأحاديث الصحيحة القصار" 1/333-344 : "و كان هذا الجيش أيام الخليفة الثالث سيدنا عثمان رضي الله عنه برياسة معاوية بن أبي سفيان فإنه أول من ركب البحر بالجيش الإسلامي و مشى حتى نزل بقبرص فصالحهم ، و هو يدل على أن هذا الجيش من أهل الجنة" .
فاحكم بعد ذلك بما تشاء .
20- معاوية فقيه
في ص 57 ، قال : إن قولة ابن عباس رضي الله عنه : إنه فقيه ، لا تدل على فضيلة لو نظرنا إلى السياق الذي ذكرت فيه ...
قلت : أما غيرك فقد عدها فضيلة ، قال الحافظ ابن حجر : ... لأن ظاهر شهادة ابن عباس له بالفقه و الصحبة دالة على الفضل الكثير . الفتح 7/131 . هكذا يكون الفهم و إلا فلا .
في ص 58 ، قال : الوجه الخامس : أن لا أحد ممن صنف في طبقات الفقهاء و ترجم لهم ذكر معاوية منهم ، مما يدل على أنهم لم يحملوا كلمة ابن عباس فيه على مفهومها المشهور ، و الله أعلم .
قلت : طبقات الفقهاء كلها مذهبية ففي أي المذاهب يدرجونه !؟ هذا من ناحية و من ناحية أخرى، فقد عده من الفقهاء ابن حزم ، و أقره ابن القيم في "أعلام الموقعين عن رب العالمين" ، جاء فيه :(1/16)
[ الْمُتَوَسِّطُونَ فِي الْفُتْيَا مِنْهُمْ ] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَالْمُتَوَسِّطُونَ مِنْهُمْ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنْ الْفُتْيَا : أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، وَأُمُّ سَلَمَةَ ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ؛ فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ مِنْ فُتْيَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ صَغِيرٌ جِدًّا ، وَيُضَافُ إلَيْهِمْ : طَلْحَةُ ، وَالزُّبَيْرُ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ، وَأَبُو بَكْرَةَ ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ .
إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية 1/13 . و أقرهما الشيخ جمال الدين القاسمي في رسالته النافعة "نقد النصائح الكافية" 48 ، و قال :(1/17)
(دعوى أن معاوية لم يبلغ رتبة الاجتهاد تفريط في الإنصاف و إفراط في النجش ، و قد يفضي إلى ما لا يذهب إليه المناظر ، فإن معاوية أقام أميرا لعمر رضي الله عنه في الشام أيام خلافته يقضي و يفتي ، هكذا كل عامل لخليفة إنما يولى ليكفي الخليفة مؤونة ذلك ، و قد ذكر الإمام ابن القيم في أعلام الموقعين أن عمر بن عبد العزيز استعمل عروة بن محمد السعدي على اليمن و كان من صالحي عمال عمر و أنه كتب إلى عمر يسأله عن شيء من أمر القضاء فكتب إليه عمر : "لعمري ما أنا بالنشيط على الفتيا ، ما وجدت منها بدا ، و ما جُعلت إلا لتكفيني ، و قد حملتك ذلك فاقض فيه برأيك" . و هكذا كان عمال الخلفاء ؛ لا سيما عمال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، و ناهيك بعمر و تخيره و شدته و يقظته على عماله و مؤاخذته لهم بالقليل و الكثير ، فهل يتصور أن يولي عمر إقليما كالشام و هو أعظم أقاليم الخلافة في عهده تلك المدة عاملا ليس بأهل و لا كفؤ ، و لا بلغ رتبة من يجتهد في الدين ، ما أظن منصفا يقبل ذلك) .
21- إن كنت ناقلا فالصحة و أو مدعيا فالدليل
هذه من القواعد المشهورة الملتزمة في باب النقد ؛ لكن عدنان لم يلتزمها ، فيأتي بنصوص لا تصح نسبتها كما تقدم قبل بجلاء ، و يأتي بنقول محرفة ، مثل :
ص 59 قال : و هو معارض بما ذكره ابن كثير أيضا في التاريخ عن أبي اليمان عن شعيب الزهري قوله : مضت السنة أن لا يرث الكافر المسلم و لا المسلم الكافر ، و أول من ورث المسلم من الكافر معاوية ...
قلت : أولا : السند معلق ، و لا حجة في معلق ، ثانيا : لا يعرف شعيب الزهري في الرجال ، والصواب : شعيب عن الزهري .
و في ص49 نسب قول "أربع خصال كن في معاوية" للحسن بن علي رضي الله عنه ، و الصواب : الحسن بن أبي الحسن يسار البصري . على ضعف الأثر لأنه من رواية أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي. و قس على هذا في جل تضاعيف الكتاب .(1/18)
22- رأي الشيخ أحمد في كتاب المأمون عن معاوية و أبيه
في ص61 ، فقال عنه في الجؤنة 2/131 : ... "تقول بالإسلام غير منطو عليه و آسر الكفر غير مقلع عنه ..." و علق الفاري على هذا بقوله : "أشققت على قلبه حتى علمت ذلك ، و لكنه الحقد و الغيظ الذي امتلأ قلبك به ... هـ ثم قال عدنان : فلما رجعنا إلى "الجؤنة" وقفنا على ما كنا لا نشك فيه لحظة ، فإن الكلام المنسوب إلى الشيخ ، و المنتقد عليه على أنه قول له ليس كلاما له ، و إنما هو كلام الخليفة المامون الذي ضمنه كتابا كان ينوي توزيعه على الخطباء ، كما ذكر ذلك مفصلا الطبري في تاريخه ، و لفظ الشيخ جاء هكذا ، قال رحمه الله : "و الكتاب المذكور طويل جاء فيه : ..." و في نصه الكلمة التي نسبها المدلس الكذوب إلى الشيخ .
قلت : لكنه صدقه و صحح ما فيه ؛ بل عزم على بيان ذلك بدلائله ، ألا يكفي هذا ، و المقر بالقول كالقائل به !؟
23- تخريج حديث "آخركم موتا في النار" و درء الشبهات عن سمرة ابن جندب .
الحديث ورد عن :
أبي هريرة من طرق ، عن :
أبي أويس رواه الطبراني في المعجم الكبير 1084 و الأوسط 6386 .(1/19)
قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ بن كُسَا الْوَاسِطِيُّ، قَالَ : نا مُحَمَّدُ بن حَرْبٍ النَّشَّائِيُّ، قَالَ : نا أَبُو مَرْوَانَ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ يُونُسَ بن عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بن زَيْدٍ، عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ كُنْتُ تَاجِرًا بِالْمَدِينَةِ، قُلْتُ: أَقْدُمُ، فَإِذَا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ لَقِيَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ فَسَأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ، وَإِذَا قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ سَأَلَنِي سَمُرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنَّا سَبْعَةً فِي بَيْتٍ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:"آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ". فَلَمْ يَبْقَ إِلا أَنَا وَسَمُرَةَ. لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يُونُسَ بن عُبَيْدٍ إِلا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بن أَبِي زَكَرِيَّا الْغَسَّانِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بن حَرْبٍ .
قلت : أبو مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني ، قال فيه الحافظ في التقريب : ضعيف ، ما له في البخاري سوى موضع واحد متابعة .
و علي بن زيد بن جدعان ، ضعفه الحافظ أيضا .(1/20)
و أبي أُمَين رواها الدولابي في الكنى والأسماء 100048 قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ويزيد بن سنان قالا : ، ثنا موسى بن إسماعيل ، قال : ، ثنا أبو هلال ، عن جابر أبي حابس ، عن أبي الوازع عن أبي أمين عن أبي هريرة قال : انطلقت أنا وسمرة بن جندب ، وعبد الله بن عمرو نطلب النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لنا : تولى نحو مسجد التقوى فجلسنا فلما طلع قمنا ويده اليمنى على كاهل أبي بكر ، ويده اليسرى على كاهل عمر قال : فلما دنونا قال : « يا أبا بكر من هؤلاء » ؟ قال : أبو هريرة وسمرة بن جندب ، وعبد الله بن عمرو فقال : « أما إن آخرهم موتا في النار » ، سمعت العباس بن محمد يقول : عن يحيى بن معين قال : لم أسمع بأبي أمين ، إلا في حديث أبي هريرة : هذا آخركم موتا .
جاء في لسان الميزان لابن حجر 3 / 146 :
أبو أمين بالتصغير: روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " انطلقت أنا وعبد الله بن عمرو وابن جندب فذكر حديثا طويلاً آخره " آخركم موتاً في النار " ، وعنه أبو الوازع جابر بن عمرو ، قال يحيى بن معين في رواية عباس الدوري عنه : لم أسمع بأبي أمين إلا في هذا الحديث . قلت : أخرج حديثه أحمد في مسنده من هذا الوجه ، وقال الحسيني في رجال السند : مجهول . وأقول : بل هو شامي معروف روى عنه أيضاً : أرطاة بن المنذر ، ومعاوية بن صالح ، وذكر الحاكم أبو أحمد في الكنى أن اسمه كثير بن الحارث الذي روى عن القاسم بن عبد الرحمن ، وفي ما قاله نظر ؛ لأنه متأخر الطبقة عن هذا ، نعم هو يكنى أبا أمين أيضاً وهو في التهذيب .
قلت : لكن يبقى مجهول الحال . و شيخه أبو الوازع قال عنه الحافظ في التقريب : صدوق يهم . وأبو هلال الراسبي ، قال الحافظ أيضا : صدوق فيه لين . و جابر أبو حابس لم أقف عليه .(1/21)
و حجر أبي عمارة رواه الدولابي في الكنى والأسماء 955 قال : حدثنا أحمد ، وعلي ابنا حرب قالا : حدثنا القاسم بن يزيد ، عن شريك ، عن عبيد الله بن سعد ، عن حجر أبي عمارة ، قال : جلبت غنما إلى المدينة فجئت إلى أبي هريرة فسألني فأخبرته قال : ما فعل سمرة بن جندب ؟ قلت : حي قال: ما على الأرض أحد أحب إلي حياة منه . قلت : لم ذاك ؟ قال : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي وله ولآخر : « آخركم موتا في النار » .
فيه : شريك بن عبد الله النخعي ، قال الحافظ : صدوق ، يخطئ كثيرا ، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة .
و حجر أبو عمارة لم أقف له على ترجمة .
و أبي نضرة رواه البيهقي في دلائل النبوة 2788 قال : أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، ببغداد، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعشرة في بيت من أصحابه : « آخركم موتا في النار » . فيهم : سمرة بن جندب . قال أبو نضرة : فكان سمرة آخرهم موتا . قال البيهقي : رواته ثقات إلا أن أبا نضرة العبدي لم يثبت له عن أبي هريرة سماع ، فالله أعلم . وروي من وجه آخر موصولا عن أبي هريرة(1/22)
و أنس بن حكيم رواه البيهقي في دلائل النبوة 2789 قال : أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا إسماعيل بن حكيم ، حدثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن أنس بن حكيم الضبي ، قال : كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فلا يبدأ بشيء يسألني حتى يسألني عن سمرة ، فإذا أخبرته بحياته وصحته فرح ، فقال : إنا كنا عشرة في بيت ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فنظر في وجوهنا وأخذ بعضادتي الباب ، ثم قال : « آخركم موتا في النار » . فقد مات منا ثمانية ، ولم يبق غيري وغيره فليس شيء أحب إلي من أن أكون ذقت الموت .
فيه : إسماعيل بن حكيم الخزاعي ذكره ابن أبي حاتم في الجرح و التعديل و سكت عنه .
و أنس بن حكيم الضبي مجهول ، جهله كل من ابن المديني و ابن القطان . تهذيب التهذيب 1/327 و أما توثيق ابن حبان فلا عبرة به لأنه لم يخبر حال الرجل و اكتفى بقوله : روى عن أبي هريرة وروى عنه الحسن . 4/50 .
أبي محذورة :
رواه كل من البيهقي 2790 و أبي نعبم 478 في دلائل النبوة من طريق الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد عن علي بن زيد ، عن أوس بن خالد ، قال : كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة ، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة فقلت لأبي محذورة : ما لك إذا قدمت عليك سألتني عن سمرة ، وإذا قدمت على سمرة سألني عنك ؟ فقال : إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : « آخركم موتا في النار » . فمات أبو هريرة ، ثم مات أبو محذورة ، ثم سمرة . قال البيهقي : وروي من وجه آخر ذكر فيه عبد الله بن عمرو بدل أبي محذورة ، والأول أصح .
قال الهيثمي: رواه الطبراني ، و أوس بن خالد لم يرو عنه غير علي بن زيد ، و فيهما كلام ، وبقية رجاله رجال الصحيح . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي 8 / 290 .(1/23)
قلت : أوس بن خالد جُهِّل و ضُعِّف ، قال البخاري : عامة ما يرويه عن سمرة مرسل ، في إسناده كلام ؛ لأن أوسا لا يروي عنه إلا علي بن زيد ، وعلي فيه بعض النظر . وقال الأزدي : منكر الحديث . وقال ابن القطان : أوس مجهول الحال ، له ثلاثة أحاديث عن أبي هريرة منكرة . وذكره ابن حبان في الثقات . تهذيب التهذيب لابن حجر 1 / 334 .
و أما ابن حبان فلم يزد على أن كشف إرسال أوس ، و ذكر ثلاثة رواة عنه ، و لا يكفي في توثيقه على منهج جماهير المحدثين ، و لذلك قال عنه ابن القطان : مجهول الحال .
و أما علي بن جدعان و إن كان مختلفا فيه ، فالراجح التضعيف الوارد فيه مفسرا ، قال عنه شعبة : كانا رفاعا . و قال حماد بن زيد : يقلب الأحاديث ، و قال : كان علي بن زيد يحدث بالحديث فيأتيه من الغد فيحدث به كأنه حديث آخر . الضعفاء للعقيلي 3/231 . فهل بعد هذا يوثق !؟
و له طريق أخرى مرسلة رواها البيهقي في دلائل النبوة أيضا 2791 قال : أخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، حدثنا أحمد بن يوسف ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر، قال : سمعت ابن طاوس ، وغيره ، يقولون : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ولسمرة بن جندب ولرجل آخر : « آخركم موتا في النار » . فمات الرجل قبلهم وبقي أبو هريرة بالمدينة ، فكان إذا أراد الرجل أن يغيظ أبا هريرة يقول : مات سمرة بن جندب ، يعني فإذا سمعه غشي عليه وصعق ، ومات أبو هريرة قبل سمرة فقتل سمرة بشرا كثيرا .
قال البيهقي : هذا مرسل وهو يؤكد ما قبله .
فها هي ذي طرق الحديث كلها لا تخلو من مقال موهن للحديث .
و أما المتن فمنكر ، لأمرين :(1/24)
الأول : اضطرابه ، فمرة جاء فيه أن الرسول صلى الله عليه و آله قالها لعشرة من أصحابه ، و مرة لسبعة ، و مرة لثلاثة ، و مرة ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص ثالث الثلاثة ، و مرة عوض بأبي محذورة . و الاضطراب مانع من تقوية الطرق خصوصا إذا كانت الآفة من المجاهيل و ممن لا يعرف ، أو ممن عرف بالقلب و الخلط . و الدلائل على هذا شاهدة و معروفة في كتب التخريج .
الثاني : فطر الرسول صلى الله عليه و آله و سلم على الرحمة ، و سماه ربه عز و جل في محكم كتابه : رؤوفا رحيما ، فكيف يُفْزِع ثلاثة من أصحابه طول حياتهم بهذا الحديث ، في حين أن المنافقين أعداء الإسلام لم يعلن أسماءهم ؛ بل كتمها و أسرها لكاتم سره : حذيفة بن اليمان رضي الله عنه .
و أما إذا أراد التصريح بعيب في شخص ما فلا يواجهه به ؛ و إنما يفصح عن ذلك في غيبته من باب النصح والتحذير . و الله أعلم .
و أما قول عدنان : و قد صحح الحديث جمهرة من المحدثين ، منهم : البيهقي ، و ابن عبد البر ، والهيثمي ، و الذهبي ، و الحافظ ، و غيرهم ...
فغير صحيح ، و إليك التفصيل :
البيهقي : أتى بالطرق في الدلائل و تكلم على بعضها ، و لم يعط الحكم النهائي لمجموع الطرق ، قال ابن كثير في النهاية 6/254 : "وقد ضعف البيهقي عامة هذه الروايات لانقطاع بعضها وإرساله" . فأين صححها !؟
ابن عبد البر : لم يصحح تصريحا ، و إنما فهمت ذلك من قوله : وكانت وفاته بالبصرة في خلافة معاوية سنة ثماني وخمسين سقط في قدر مملوءة ماء حاراً كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز شديد أصابه فسقط في القدر الحارة فمات فكان ذلك تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبي هريرة ولثالث معهما: " آخركم موتاً في النار " . الاستيعاب 1/197 . و العمدة في التصحيح التصريح ، لا الإيحاء و الفهم السنيح .
الهيثمي : لم يصحح بتاتا في مجمع الزوائد ، و إنما عرض طريقين و تكلم عليهما من جهة علي بن زيد بن جدعان .(1/25)
الذهبي : لم يصحح و إنما استغرب طريق أبي نضرة ، ثم قال : و له شويهد بالتصغير ، والتصغير هنا دال على التوهين ، أليس كذلك !؟ و خصوصا الطريق التي أتى بها بعد اشتملت على مجهولين . و غيرها سكت عنها ، و لا ينسب لساكت قول .
الحافظ : لم يصحح و إنما حكى كلام ابن عبد البر فقط . و لا تقل : حكايته إقرار . لأن كتاب الإصابة تركه ابن حجر في المسودة ، هذا ما يفهم من كلام السخاوي : و كتاب شيخنا المسمى "بالإصابة" جامع لما تفرق منها مع تحقيق ، و لكنه لم يكمل . الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ 114 .
و أما سقوطه في النار ، فلا يحتفل به ، قال البيهقي في دلائل النبوة 2794 : بلغني عن هلال بن العلاء الرقي أن عبد الله بن معاوية حدثهم عن رجل قد سماه : « أن سمرة استجمر ، فغفل عنه أهله حتى أخذته النار » .
قلت : هذا معلق و فيه رجل مبهم ، فكيف يعتمد عليه !؟ و له طريق أخرى أشد ضعفا منها ذكرها العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 2544 قال : وقال ابن عبد البر : إنه سقط في قدر مملوء ماء حارا فمات . روي ذلك بإسناد متصل إلا أن فيه داود بن المحبر وقد ضعفه الجمهور .
و أما قول الذهبي : و قتل سمرة بشرا كثيرا . فنتساءل من هؤلاء البشر ؟
الجواب : ما قاله ابن عبد البر في الاستيعاب : (كان شديداً على الحرورية ، كان إذا أتي بواحد منهم إليه قتله ولم يُقِله ، و يقول : "شر قتلى تحت أديم السماء ، يكفرون المسلمين ، ويسفكون الدماء" . فالحرورية ومن قاربهم في مذهبهم يطعنون عليه وينالون منه) .
قلت : و هذا لا عيب فيه ، فقتل الخوارج كان مذهبا للصحابة و من جاء بعدهم ، في صحيح البخاري (21 / 250) - بَاب قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى . { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ }(1/26)
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ ، وَقَالَ : إِنَّهُمْ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . ثم روى 6418 عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَوَاللَّهِ لَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خِدْعَةٌ ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" . و روى عن 6420 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : وَذَكَرَ الْحَرُورِيَّةَ ، فَقَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ" .
إذن فلا عتب على سمرة بعد هذا البيان .
و قتله هذا كان أيام ولايته بالبصرة ، و انظر إلى معاصريه من المحدثين ما يقولون فيه :
قال ابن عبد البر في الاستيعاب : كان ابن سيرين والحسن وفضلاء أهل البصرة يثنون عليه ويجيبون عنه. وقال ابن سيرين : في رسالة سمرة إلى بنيه علم كثير.(1/27)
وقال الحسن: تذاكر سمرة وعمران بن حصين فذكر سمرة أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتة إذا كبر ، و سكتة إذا فرغ من قراءة "ولا الضالين" . فأنكر ذلك عليه عمران بن حصين فكتبوا في ذلك إلى المدينة ، إلى أبي بن كعب ، فكان في جواب أبي بن كعب : إن سمرة قد صدق وحفظ .
حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبو هلال ، حدثنا عبد الله بن صبيح ، عن محمد بن سيرين قال: كان سمرة - ما علمت - عظيم الأمانة ، صدوق الحديث ، يحب الإسلام وأهله .
و كذلك قال ابن كثير في النهاية .
24-هل الألباني يوهم حماداً و يعل به ؟
في ص 69 ، قال : ليس حسنا أبدا ؛ لأن فيه علتين لا يتأتى معهما تحسينه : أولهما حماد بن سلمة الذي يوهمه الألباني نفسه في غير هذا الحديث ؛ كما في سلسلته الضعيفة 2/333 .
قلت : رجعت إلى سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة 2/333 ، فوجدت غير ما تقول ، وجدت الشيخ الألباني رحمه الله يدافع عن حماد و يدرأ عنه ، قال : و يتلخص مما تقدم (أي من كلام المحدثين في الحديث) أن الحديث أعل بأربع علل ، و ذكرها ، و قال : الثانية أن حمادا له أوهام ، ثم قال مدافعا عنه : (و هذا التعليل واه كالذي قبله ، فإن حماد بن سلمة إمام من أئمة المسلمين ثقة حجة ما في ذلك شك و لا ريب ، و لا يخرجه من ذلك أن له أوهاما ، و إلا فمن الذي ليس له أوهام ؟ ! ولو كان الراوي الثقة يرد حديثه لمجرد أوهام له ، لما سلم لنا إلا القليل من جماهير الثقات من رجال الصحيحين فضلا عن غيرهما . و لذلك جرى علماء الحديث سلفا و خلفا - و منهم النووي - على الاحتجاج بحديث حماد بن سلمة إلا إذا ثبت وهمه ، و هيهات أن يثبت هنا ، على أنه قد روي له متابع ، و إن كان السند بذلك واهيا كما يأتي) .(1/28)
و بعد ، هل الألباني يوهم حمادا و يعل به ؟ أم هو التقليد لشيخك حسن السقاف القائل في تناقضاته 3/302 بالهامش : لقد بينا في التناقضات الواضحات 2/77 و ما علقناه على "دفع الشبه" أن هذا المتناقض !! قد ضعف حماد بن سلمة في ضعيفته 2/333 و أنه جعله إحدى ثلاث علل في تضعيف حديث هناك !!
هكذا ، يكون الكذب الصريح ، لكن عدنان حاول التعديل من العبارة ، و لم يصنع شيئا . و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
25- تخريج حديث "اللهم اركسهما في النار ركسا"
في ص 70 قال : فقد قال السيوطي في "اللآلئ" 1/391 : أبو يعلى : حدثنا علي بن المنذر (في المسند : عثمان بن أبي شيبة) ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا يزيد بن زيادة (كذا و الصواب : يزيد بن زياد) ، سليمان بن عمرو ابن الأصل الأخوص (كذا و الصواب : سليمان بن عمرو بن الأحوص) ، [قال حدثني أبو هلال] ، عن أبي برزة قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم فسمع صوت غناء ، فقال : "انظروا ما هذا" فصعدت فنظرت فإذا معاوية و عمرو بن العاص يتغنيان ، فجئت فأخبرت النبي ، قال : "اللهم أركسهما في الفتنة ركسا ، اللهم دعهما إلى النار دعا" لا يصح ، يزيد كان يتلقن بأجرة (كذا و الصواب : بآخرة) فيتلقن .
قلت –القائل هو السيوطي- : هذا لا يقتضي الوضع ، و الحديث أخرجه أحمد في مسنده : حدثنا عبد الله بن [بن محمد بن أبي شيبة ، حدثنا]محمد بن فضيل به ، و له شاهد من حديث ابن عباس ، قال الطبراني في الكبير : حدثنا أحمد بن علي بن الجارود الأصبهاني ، حدثنا عبد الله بن عباد ، عن سعيد الكندي (كذا و الصواب : عبد الله بن سعيد الكندي) ، حدثنا عيسى ابن الأسود و النخعي والليث (كذا و الصواب : عيسى ابن سوادة النخعي ، عن ليث) ، عن طاووس ، عن ابن عباس ، قال: سمع النبي صوت رجلين يتغنيان و هما يقولان :
و لا يزال جوادي تلوح عظامه --- ذوي الحرب عنه أن يجن فيقبرا(1/29)
(كذا رسم البيت ، فإذا به مكسور ، و الصواب : حذف "الواو" من بداية الصدر ، و تعويض "ذوي" ب "زوى" ، و لو رجع إلى المعجم الكبير 10808لعلم هذا)
فسأل عنهما ، فقيل له : معاوية و عمرو بن العاص ، فقال : "اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ، ودعهما في النار دعا" .
و قال أبو (كذا و الصواب : ابن) قانع في معجمه : حدثنا محمد بن عبدوس كامل ، حدثنا عبد الله ابن عمر ، حدثنا سعيد أبو العباس التيمي ، حدثنا سيف بن عمر ، حدثني أبو عمر مولى إبراهيم بن طلحة ، عن زيد بن أسلم ، عن صالح ، عن شقران (كذا ، و الصواب : "صالح شقران" بحذف "عن" انظر تقريب التهذيب 2814) قال : بينما نحن ليلة في سفر إذ سمع النبي صوتا فقال : ما هذا؟ فذهبت أنظر ، فإذا هو معاوية بن رافع ، و عمرو بن رفاعة بن التابوت يقول :
و لا يزال جوادي تلوح عظامه --- ذوي الحرب عنه أن يموت فيقبرا
فأتيت النبي فأخبرته ، فقال : "اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ، و دعهما في النار دعا" . فمات عمرو بن رفاعة ، قبل أن يقدم النبي من السفر .
و هذه الرواية أزالت الإشكال ، و بينت أن الوهم وقع في الحديث الأول في لفظة واحدة ، و هي قوله : ابن العاص ، و إنما هو ابن رفاعة أحد المنافقين ، و كذلك معاوية بن رافع أحد المنافقين ، والله أعلم . اهـ
قلت : أوردت كلام السيوطي بطوله مع تصحيح ما تحرف و إثبات ما سقط منه في كتاب عدنان : الصواب وضعته بين قوسين ، و السقط أثبته بين معقوفين .
و أما حديث ابن عباس الذي يعد شاهدا لحديث أبي برزة ، فإسناده شديد الضعف ، فيه :
أبو هلال محمد بن سليم الراسبي يضعف ، و أعدل الأقوال فيه ما قاله ابن حبان في المجروحين 2/283 : و الذي أميل إليه في أبي هلال الراسبي ترك ما انفرد من الأخبار التي خالف فيها الثقات ، و الاحتجاج بما وافق الثقات ، و قبول ما انفرد من الروايات ، التي لم يخالف فيها الأثبات ، التي ليس فيها مناكير .(1/30)
عيسى بن سوادة النخعي ، قال عنه أبو حاتم : منكر الحديث ضعيف . الجرح و التعديل 6/277 . و قال يحيى بن معين : كذاب . لسان الميزان 2/275 .
ليث بن أبي سليم سيء الحفظ .
فهل بمثل هذا يستشهد و يصحح هذا الحديث !؟ اللهم لا .
و أما حديث صالح شقران ، فكفانا مؤنته عدنان ، هداه الله للخير و الإحسان .
26- بيت مكسور عجزه و محرف
في ص 77 قال : وقد قيل :
الناس كالأرض، ومنها هم --- فرخو منهم و فيهم الصلب
قلت : هذا البيت من السريع ، لكن عجزه مكسور و محرف ، و المشهور فيه كما في نفح الطيب :
الناس كالأرض، ومنها هُمُ --- مِنْ خَشِنِ اللَّمْسِ وَمِنْ لَيِّنِ
صَلْدٌ تَشَكّى الرِّجْلُ مِنْهُ الوَجَى --- وَ إِثْمِدٌ يُجْعَلُ في الأَعْيُنِ
27- أساليب ركيكة :
وقع في كلامه عبارات ركيكة ، و إليك نماذج منها :
قوله : لجوازه وقوعه منهم و عدم نقله إلينا . 50
قوله : و من شاء الاطلاع على حقيقة الإسراف في مناقشة آرائه و التعدي في محاورة اجتهاداته فليراجع "بيان تلبيس المفتري" للعلامة المحدث محمد زاهد الكوثري الذي أتى فيه بالعجاب ، و أغلق عن الإمام هذا الباب . و محاولة المعلمي رحمه الله في الرد عليه كستر ضوء الشمس بأرق و أرهف حجاب . ص 85
و قوله : و يقال هذا كذلك في رأي الشيخ في المناوي ... 103
و قوله : لكنه ما لبث أن غير مذهبه إلى التعلق بقول متى كان دليل . 108
و قوله : من أسندك فقد حملك . 134 . و الصواب : من أسند لك فقد حمّلك . و الذي سمعناه من المشايخ : من أسند لك فقد أحالك ، أي أحالك على السند لتنظر فيه .
و قوله : فسألناه عن هذه العلامة ما هي ؟ 138 و لم يورد الجواب . و المعلوم أن صاحب "تنبيه القاري" مجهول عنده ، فكيف يسأله ، و الصواب أن يقول : فنسأله . في المضارع لا في الماضي .
و قوله : ... فهذا الذي يشهد له مصنفاته و تحقيقاته ... 159
28- غمزه للشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني(1/31)
في ص 85 انتقص من قيمة كتاب "التنكيل" ، و ليس مستغربا منه هذا ، فهو على سنن شيخه محمود سعيد ممدوح الذي قال في "التعريف" غضا من شأن تعليقات المعلمي على الفوائد المجموعة للشوكاني : و من وقف على كتاب "الجواهر الغوالي في الاستدراك على اللآلي" ، و كتاب "الجواهر المرصوعة في ترتيب أحاديث اللآلئ المصنوعة" لشيخنا العلامة المحدث السيد عبد العزيز بن الصديق رحمه الله تعالى علم كيف يكون الاطلاع . 1/361
قلت : الرجل يحيل على المجهول و ما ليس له تعلق بالفن : فكتاب "الجواهر الغوالي" ضائع استعاره العلامة محمد بن الفاطمي ابن الحاج السلمي صاحب "إسعاف الطلاب الراغبين بثلة من علماء المغرب المعاصرين" من المؤلف فلم يرده ، و توفي الرجلان –أعني المؤلف و المستعير- فبحث عنه أنجال المؤلف فلم يجدوه ؛ بل سألوا عنه بعض أقرباء المستعير فما ظفروا بشيء ، فمن أين له بالاطلاع عليه !؟ ، و أما كتاب "الجواهر المرصوعة" فمجرد أطراف لما أودعه السيوطي في كتابه الآلئ من أحاديث ، و هو لا يعجز عنه أحد ، فلم التنويه به !؟ و أصله محفوظ بخزانة شيخنا أبي أويس هدية من جامعه إليه . فليعلم . أهكذا يكون التقويم و التنويه ؟؟
ثم نلتفت إلى عدنان و نقول له : إذا كان المعلمي لم يفعل شيئا في "التنكيل" ، فهل أنت مصدق لما جاء في "التأنيب" من طعون سافلة دنيئة في أعلام الأعلام أمثال ابن حجر ؟؟ فإن قلت : نعم ، فالله المستعان على ما تصفون ، و نسأل الله العفو و العافية .
29- حريز بن عثمان و القول الراجح فيه
في ص 87 قال : و ذلكم جرير (كذا ، و الصواب "حريز" بالحاء المهملة ، و الزاي المعجمة بآخره) ابن عثمان الذي جهر بسب علي ، و كان يلعنه في اليوم مائة مرة ، أحد من قفز القنطرة ...(1/32)
قلت : فالقول الراجح في هذا الأمر بالنسبة للرجل الترك و الرجوع عن ذلك ، قال أبو حاتم : لا أعلم بالشام أثبت منه ، و لم يصح عندي ما يقال عنه من النصب . قال ابن حجر : جاء عنه ذلك من غير وجه و جاء عنه خلاف ذلك . و قال البخاري : قال أبو اليمان : كان حريز يتناول من رجل ثم ترك . قال ابن حجر : فهذا أعدل الأقوال ، فلعله تاب . هدي الساري 369 و انظر تهذيب الكمال 5/577-578 .
30- تبرئة ابن عبد ربه مما وسم به
قال الشيخ أحمد ابن الصديق الغماري في كتابه "جؤنة العطار في طرف الفوائد و نوادر الأخبار" ، قال : (ذكر ابن تيمية في كتابه الخبيث(1)
__________
(1) وصفه بالخبث ، بينما تقي الدين السبكي و الحافظ ابن حجر وصفاه بالجودة ، قال الحافظ أثناء ترجمة ابن مطهر الحلي : له كتاب في الإمامة ، رد عليه فيه ابن تيمية بالكتاب المشهور ، المسمى بالرد على الرافضي ، وقد أطنب فيه وأسهب وأجاد في الرد ؛ إلا أنه تحامل في مواضع عديدة ، و رد أحاديث موجودة ، وإن كانت ضعيفة ، بأنها مختلفة ، وإياه عنى الشيخ تقي الدين السبكي بقوله : [البسيط]
و ابن المطهر لم تطهر خلائقه --- داع إلى الرفض غال في تعصبه
و لابن تيمية رد عليه له --- أجاد في الرد و استيفاء أضربه
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 2/188-189 .(1/33)
!! الذي سماه "منهاج السنة(1)" و هو يرد على ابن مطهر الحلي(2) كلاما قال فيه : (و لئن كان أهل السنة يربعون الخلفاء بعلي فإن جماعة من أهل السنة بالأندلس كانوا يربعون بمعاوية(3)
__________
(1) اسمه الكامل : منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة و القدرية ، مطبوع قديما بمصر في مجلدين و بهامشه كتاب "موافقة صحيح المنقول لصحيح المعقول" ، ثم طبع مرة أخرى بتحقيق : الدكتور محمد رشاد سالم في 10 أجزاء عن مؤسسة قرطبة .
(2) هو : الحسين بن يوسف بن المطهر الحلي المعتزلي جمال الدين الشيعى ، صنف في فقه الإمامية وكان قيما بذلك داعية إليه ، توفي سنة 725 أو في آخر سنة 736 هـ . الدرر الكامنة 2/188-189 .
(3) ما هكذا وردت العبارة ، و إنما قال : (… وهذا كان من حجة من كان يربع بذكر معاوية رضي الله عنه ولا يذكر عليا رضي عنه كما كان يفعل ذلك من كان يفعله بالأندلس وغيرها ، قالوا : لأن معاوية رضي الله عنه اتفق المسلمون عليه بخلاف علي رضي الله عنه ، ولا ريب أن قول هؤلاء وإن كان خطأ فقول الذين يذكرون عليا وحده أعظم خطأ من هؤلاء ، وأعظم من ذلك كله ذكر الإثنى عشر في خطبه أو غيرها أو نقشهم على حائط أو تلقينهم لميت ، فهذا هو البدعة المنكرة التي يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنها من أعظم الأمور المبتدعة في دين الإسلام … ) منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة و القدرية 4/162 . و قال في موضع آخر من نفس الكتاب 4/401-402 : (وكان بالأندلس كثير من بني أمية يذهبون إلى هذا القول ويترحمون على علي ويثنون عليه ؛ لكن يقولون لم يكن خليفة ، وإنما الخليفة من اجتمع الناس عليه ولم يجتمعوا على علي ، وكان من هؤلاء من يربع بمعاوية في خطبة الجمعة فيذكر الثلاثة ويربع بمعاوية ولا يذكر عليا ، ويحتجون بأن معاوية اجتمع عليه الناس بالمبايعة بما بايعه الحسن بخلاف علي فإن المسلمين لم يجتمعوا عليه ، ويقولون لهذا ربعنا بمعاوية لا لأنه أفضل من علي بل علي أفضل منه … ) فتأمل .(1/34)
…) ، فمنذ رأيت هذا الكلام ، و أنا متعجب من نسبته إلى أهل السنة بالأندلس ، و باحث عن مصدر ذلك الأمر الغريب الذي تفرد به ابن تيمية، حتى وجدت في كتاب "التكملة لكتاب الصلة(1)" لابن الأبار في ترجمة خلف بن فتح بن عبد الله بن جبير المعروف بالجبيري(2) قول ابن الأبار ما نصه : (أنبأني أبو بكر بن أبي جمرة ، عن أبيه ، عن أبي عمر النمري إجازة ، قال : أخبرني أبو مروان عبيد الله بن محمد بن قاسم الكزني -وكان من ثقات الناس وعقلائهم- عن أبي عبيد القاسم بن خلف الجبيري الطرطوشي قال : نزل القاضي منذر بن سعيد على أبي بطرطوشة ، وهو يومئذ يتولى القضاء في الثغور الشرقية(3) قبل أن يلي قضاء الجماعة بقرطبة ، فأنزله في بيته الذي كان يسكنه ، فكان إذا تفرغ نظر في كتب أبي ، فمر على يديه كتاب فيه : أرجوزة ابن عبد ربه يذكر فيها : الخلفاء ، ويجعل معاوية رابعهم ، ولم يذكر عليا فيهم ، ثم وصل ذلك بذكر الخلفاء من بني مروان إلى عبد الرحمن بن محمد ، فلما رأى ذلك منذر غضب وسبّ ابن عبد ربه وكتب في حاشية الكتاب : [الكامل]
أو ما علي -لا برحت ملعنا --- يا بن الخبيثة- عندكم بإمام
رب الكساء وخير آل محمد --- داني الولاء مقدم الإسلام
قال أبو عبيد : والأبيات بخطه في حاشية كتاب أبي إلى الساعة … )
__________
(1) التكملة لكتاب الصلة 1/239-240 . و عنه نقل المقري في نفح الطيب 2/984-985 .
(2) وكان من أهل العلم والنزاهة ، قاله ابن الأبار .
(3) قال ابن الأبار : وكانت ولاية منذر للثغور مع الإشراف على العمال بها والنظر في المختلفين من بلاد الافرنج إليها سنة ثلاثين وثلاثمائة .(1/35)
قال ابن الصديق : فعلمت أن هذا مصدر ما حكاه ابن تيمية ، فازددت عجبا و يقينا بخبثه و نصبه وكذبه ، فإنه دلس و لبس ، و نسب ما قاله ابن عبد ربه إلى أهل الأندلس ، و سمى فاعل ذلك من أهل السنة !! فقبحه الله ما أشد عداوته لآل بيت رسول الله صلى الله تعالى عليه و آله و سلم ، و ما صنع شيئا إلا أنه برهن على نفاقه ، فقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام : "لا يحبك إلا مومن و لا يبغضك إلا منافق(1)" … ثم هو غير مومن بنص كتاب الله تعالى : (إنما يفتري الكذب الذين لا يومنون بآيات الله)(2) … و قد افترى هذا المجرم الدجال على أهل السنة ، و على أهل الأندلس(3) ، و نسب إليهم ما هم منه براء ، و إنما قاله الخبيث ابن عبد ربه وحده …)(4)
__________
(1) رواه مسلم في الصحيح - باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه من الإيمان ، وعلاماته ، وبغضهم من علامات النفاق- رقم : 74 .
(2) النحل : 105 .
(3) إذا كان هنا يبرئ أهل الأندلس مما ألصق بهم من طرف ابن تيمية حسب زعمه ، فهو بعد أسطر معدودة من نفس الكتاب يعمم تهمة النصب على أهل الأندلس كلهم ؛ إذ يقول [ الجؤنة 2/10 ] : ترجم أبو حيان النحوي لبعض شيوخه ممن ضل عني اسمه الآن وأثنى عليه ثم قال : "واختلط بآخر عمره فجعل يهجو يزيد بن معاوية … " . فجعل هجوه ليزيد بن معاوية من اختلاطه ، فاعجب لنصب أهل الأندلس و محبتهم في آل أمية قبحهم الله …
(4) جؤنة العطار في طرف الفوائد و نوادر الأخبار 2/9-10 . فائدة : 245 .(1/36)
قلت : و الخبر الذي اعتمد عليه ابن الصديق عموده هو الإمام منذر بن سعيد البلوطي القاضي الثقة ، و تاريخ الحادثة لم يكن ببعيد عن زمن أبي عمر (ت 328هـ) إن لم نقل معاصرا له ، فقد حدد تاريخها ابن الأبار حين عقب بقوله : (وكانت ولاية منذر للثغور مع الإشراف على العمال بها والنظر في المختلفين من بلاد الإفرنج إليها سنة ثلاثين وثلاثمائة) . و الإسناد الذي نقلت به كان من طريق جلة من الأعلام الذين اتسموا بالعدالة و الأمانة . و لأجل ذلك قام الباحثون بمحاولة كشف الغطاء عن مضمون هذا الخبر ، من أجل دفع التهمة و تبرئة أبي عمر . و من هؤلاء الباحثين الذين قاموا بهذه المحاولة نجد :
الدكتور جبرائيل جبور يقول : (و لا أدري كيف يسوغ لنا الاستناد إلى مثل هذا الخبر عن شعر غير معروف نصه ، و نهمل الآثار الكثيرة التي بين أيدينا في عقد ابن عبد ربه نفسه ، في كل هذه المواضع التي ذكرنا و في غيرها ؛ بل إننا نرى في العقد نفسه أيضا كتابا خاصا في أخبار الخلفاء و تواريخهم ؛ يبدأ به بالنبي ثم يذكر الخلفاء واحدا واحدا حتى يأتي إلى علي فلا يهمله ، بل يطيل و يشيد بذكر فضائله، ويستنزل رضى الله عليه حتى أنه يرحم من كان من شيعته قال : و قال السيد الحميري رحمه الله : [البسيط]
إني أدين بما دان الوصي به --- و شاركت كفه كفي بصفين(1/37)
و يصدر ابن عبد ربه الباب عن علي بعبارة "خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه" ثم يقول : "لما قتل عثمان بن عفان أقبل الناس يهرعون إلى علي بن أبي طالب ، فتراكمت عليه الجماعة في البيعة فقال : ليس ذلك إليكم إنما ذلك لأهل بدر ليبايعوا ، فقال : أين طلحة و الزبير و سعد فأقبلوا فبايعوا، ثم بايعه المهاجرون و الأنصار ثم بايعه الناس" . و يرى القارئ أن لا لبس في هذا الكلام فابن عبد ربه يحسب عليا خليفة بعد عثمان ، و يذكر خبر البيعة له من أهل بدر و المهاجرين و الأنصار وعامة الناس . و من الخير أن نلاحظ أن ابن عبد ربه قد أتبع عليا في بحثه عن أخبار الخلفاء وتواريخهم بابنه الحسن لا بمعاوية … و لابن عبد ربه في عقده فصل في آخر كتاب المجنبة الثانية في التوقيعات يذكر فيه توقيعات الخلفاء ، فيه باب في توقيعات علي بن أبي طالب ، و يتبع اسم علي بعبارة "كرم الله وجهه(1)" . و كم نود لو كانت هذه الأرجوزة المفقودة المنسوبة لابن عبد ربه و التي تفرد -فيما نعلم !؟- بذكرها المقري موجودة الآن ، علّنا نستطيع أن نكشف منها خبر صاحبها ، أما وهي غير معروفة لدينا فإنّا لا نستطيع تعيين ناظمها بالضبط ، إنما لا أرى مانعا يمنعنا من الظن –بعد ما قدمنا من حب ابن عبد ربه لعلي- أنها لرجل من آل ابن عبد ربه غير صاحب العقد، و لعلها لابن أخيه(2) ، أو لأحد أحفاده ، اللذين سيرد ذكرهما عند بحثنا عما ينسب لصاحب العقد في الشعر الموشح ؛ لا سيما و أن المقري سواء أكان يتكلم بلسانه أم يروي عن غيره(3) ، لم يكن يكتفي في أكثر المواضع بذكر "ابن عبد ربه" فقط ؛ بل كان يتبعه ب "صاحب العقد" أو يسبقه ب "أحمد" و كلتا
__________
(1) هذه العبارة قد تكون من إدراجات النساخ . و الله أعلم .
(2) سعيد بن عبد الرحمن ابن عبد ربه الطبيب المنجم ، و انظر ما قاله فيه عمه . شعر ابن عبد ربه للدكتور محمد أديب جمران 180 .
(3) بل هو مجرد ناقل من تكملة ابن الأبار ، كما تقدم .(1/38)
اللفظتين غير موجودة في النص الذي يدور على الأرجوزة)(1) .
ثم الدكتور جمران يقول : (ثم إن الأرجوزة التي يقال : إن الشاعر جعل معاوية رابع الخلفاء الراشدين فيها ، و لم يذكر عليا ، و وصل ذلك بذكر خلفاء بني مروان في الأندلس ، هذه الأرجوزة لم تصل إلينا ، و يظن أن أمرها إنما هو محض ادعاء ؛ لأنها لو كانت موجودة حقا ، لكان الشاعر ذكرها مع أرجوزته التي ذكر فيها مغازي الناصر و حروبه ، تلك التي أثبتها ابن عبد ربه في عقده . و عودة سريعة إلى أرجوزة الشاعر في الناصر ترينا أن هذه الأرجوزة في أبياتها الأولى إنما هي قطعة مستقلة لا أثر لشيء قبلها . يقول الشاعر في أولها :
سبحان من لم تحوه أقطار --- و لم تكن تدركه الأبصار
و من عنت لوجهه الوجوه --- فما له ند و لا شبيه
إن هذا الأمر يجعلنا ندفع ما نقل عن خبر هذه الأرجوزة المطولة التي تبدأ مع الخلفاء الراشدين ، وتتجاوز عليا لتجعل معاوية رابعهم . و يظن أن هذا الموقف الذي سجله و أرخه مؤرخونا القدامى إنما هو من قبيل دفع صفة التشيع عن الشاعر )(2).
إذن كل من جبور و جمران شككا في نسبة الأرجوزة لأبي عمر ، و أنا مثلهما في هذا الأمر، للغموض الذي يكتنف القضية ، و فقدان الدليل القاطع على إثبات النازلة المروية .
__________
(1) ابن عبد ربه و عقده 91-92 . و كلام جبور ركيك و مفكك ، و هذا من أبرز الملاحظات التي لاحظها الأستاذ سعيد الأفغاني في مقاله المنشور بمجلة المجمع العلمي بدمشق . المجلد 15 . سنة 1937 . ص : 488-492 . فليعلم .
(2) شعر ابن عبد ربه الأندلسي 31-32 .(1/39)
و زيادة على ما احتجا به لتعضيد تشكيكهما ، أذكر قرينة أخرى اهتدى إليها نظري ، و ارتضاها فكري و قدري ، و هي : جاء في العقد أن الحجاج ألقى خطبة يوم موت عبد الملك بن مروان ، و خلال خطابه سرد الخلفاء وفق الترتيب الآتي ، قائلا : (… فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومات الخلفاء الراشدون المهتدون المهديون ، منهم : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان الشهيد المظلوم ، ثم تبعهم معاوية … )(1)
و هذه الخطبة ذكرها أبو عمر و لم يردفها بشيء ، و ليس هذا من عادته ؛ إذ أنه كثيرا ما يردف نُقُولَه و اختياراته بما لديه من إنتاج يناسب المقام ، كما فعل(2) في كلمة الحسن البصري(3) حيث نظمها ، و أظن لو كان له مثل هذه الأرجوزة في تربيع الخلفاء بمعاوية لأردفها غير متردد ، و الله أعلم .
فانظر أيها القارئ كيف حرف الشيخ أحمد كلام ابن تيمية و لم يأت به على وجهه ، ثم بنى عليه شتائمه من بعد ، و قد انتقلا إلى ربهما ، و عند الله تجتمع الخصوم ، و ما علينا إلا أخذ العبرة . والله المستعان .
31- الفرق بين الصفحة و الصحيفة
في ص 123 قال : الرابع : جهله بقواعد اللغة و التعابير السليمة ؛ إذ قال : في "نفس الصفحة" والصفحة لا نفس لها حتى تكون هي مضافة ، و الصواب أن يقول في الصحيفة نفسها لتعرب بدلا منها .
قلت : هذا كلام لا أساس له ، نعم تقرر في باب التوكيد أن التوكيد المعنوي يتأخر عن المؤكد ، لكن أثر العكس عن العرب الفصحاء ، فلم التهويل !؟ جاء في لسان العرب 6/236 : نفس الشيء: ذاته ، و منه ما حكاه سيبويه من قولهم : نزلت بنفس الجبل ، و نفس الجبل مقابلي ، و نفس الشيء عينه يؤكد به .
__________
(1) العقد 4/132 .
(2) و كما يفعل في معارضاته لأشعار من تقدمه من المشارقة في مختلف الفنون .
(3) العقد 3/206 .(1/40)
و أما إعرابك كلمة "نفسها" بدلا ، فمما يستحيى من ذكره ، لأن البدل إذا حذف المبدل منه يقوم البدل مقامه و يؤدي معناه ، و أما هنا إذا حذف صارت الجملة هكذا : في نفسها . و هذا لا معنى له . و الصواب إعرابها توكيدا . فتنبه .
ثم قال : إن "الصفحة" كلمة مصحفة محرفة عن معناها ، و صوابه "الصحيفة" .
أقول : من أين لك بهذا العلم و هذا التصويب ، هل قال به أحد من اللغويين ، أم هو من استدراكاتك التي ألهمتها !؟ أما ما قاله اللغويون فخلاف ذلك و إليك الدليل :
في المعجم الوسيط مادة "صفح" : صفحة الشيء وجهه و جانبه . و صفحة الورقة : أحد وجهيها . 516 . و في مادة "صحف" : الصحيفة : ما يكتب فيه من ورق و نحوه . و يطلق على المكتوب فيها . (ج) صحف . و في التنزيل العزيز : (إن هذا لفي الصحف الأولى ، صحف إبراهيم وموسى) . و الصحيفة : إضمامة من الصفحات تصدر يوميا أو في مواعيد منتظمة بأخبار السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و الثقافة و ما يتصل بذلك (محدثة) . 508 .
و في المنجد في اللغة و الأعلام : الصحيفة ج صحائف و صحف : الورقة من الكتاب بوجهيها 417 . الصفحة من الكتاب : الوجه من الورق . 427 .
و حتى قواعد البلاغة الأثيرة لديك تشهد لها ، لأن "الصفحة" استعيرت من صفحتي الوجه و السيف، يقال : صفحتا الوجه : خداه ، و صفحتا السيف : وجهاه . انظر لسان العرب 2/512 .
32- "أو" تفيد التخيير و الشك ، و تفيد معنى الواو أيضا
في ص 129 قال : ثانيا : قوله "تصحيحه أو احتجاجه" اضطراب ناتج عن قلة فهم و جهل باصطلاحات أهل الحديث ، فلو قال "تصحيحه و احتجاجه" عطفا بالواو لسلم ، لأن العطف بأو يفيد التخيير ...
قلت : أنسيت أن "أو" تفيد معنى الواو : الاشتراك و مطلق الجمع .
قال ابن مالك : [شرح الألفية لابن عقيل - (ج 2 / ص 231)]
خير، أبح، قسم - بأو - وأبهم، * واشكك، وإضراب بها أيضا نمى
وربما عاقبت الواو، إذا * لم يلف ذو النطق للبس منفذا(1/41)
و قد أوضح ضوابط المعاقبة العلامة اللغوي عباس حسن في كتابه الفذ "النحو الوافي" فقال : وملخص ما سبق من معاني "أو" ، أن هذه المعاني المتعددة القياسية خاضعة في إدراكها للسياق والقرائن خضوعا تاما ؛ كي يتميز و يتحدد كل نوع منها ، و أن التخيير و الإباحة لا يكونان إلا بعد أمر ، و أن الشك و الإبهام لا يكونان إلا بعد جملة خبرية . أما المعاني الأخرى التي تخالف ما سبق (كالتفصيل ، و الإضراب ، و معنى الواو ...) فتكون بعد الجمل الخبرية ، و الطلبية ، و ... و الأفضل في الإضراب أن يسبقه نفي أو نهي ... 3/609
و الجملة التي أتى بها صاحب "تنبيه القاري" جملة خبرية ، فلا مانع إذن أن تفيد بها "أو" معنى الواو . و الله أعلم .
33- حديث : "إذا رأيتم معاوية فوق منبري فاقتلوه" صحيح على شرط البخاري !؟
في ص 135 قال : أما حديث "إذا رأيتم معاوية فاقتلوه" فلم يخف على الشيخ رحمه الله درجته ، لكن ذكره تحت قوله "طريفة" ليبين لك بعض تأويلات النواصب لهذا الحديث الغريبة المضحكة ، كمن قال : أنه (كذا ، و الصواب : كسر الهمزة) معاوية غير ابن أبي سفيان ، يسمى : معاوية ابن تابوه ، و من قال : أنها (كذا بفتح الهمزة !؟) محرفة من "فاقبلوه" بالباء الموحدة التحتانية ، و لو ساقه محتجا به لقال "فائدة" كما هي طريقته في "الجؤنة" ...
قلت : هذه الفلسفة لا معنى لها و لا شاهد يعضدها ، و الحديث صححه الشيخ أحمد على شرط البخاري في الجواب المفيد 57 محيلا على جؤنة العطار . فتنبه .
34- تفنيد تكذيب
قال : و تضعيف الشيخ للحديث في جريدة الأخبار لم نره و لم تسق لنا كلامه ، و لذلك نحن نكذبك فيه ... 143(1/42)
قلت : إليك كلامه لتكتحل به عينك ، قال : ... و ليس هذا بأول حديث منكر يأتي به سماك ، ويثير به ما قدر به من الإشكال ، فكم تعب الناس فيما انفرد به أيضا من حديث الأوعال ، و كثر على بابه ضرب الأبطال ، من مثبت و ناف و قابل و راد ، و منذ أربع سنوات كادت تلك الفتن تنبعث من مراقدها بسبب طبع بعض المتسلفين رد الدارمي على بشر المريسي ، و فيه تخريج حديث الأوعال ، فقام ضجيج بين شيوخ الأزهر و طائفة المتسلفين بسبب رواية الراوي المذكور حتى سكن على يد أخي السيد عبد الله بتأليف رسالة أبطل فيها حديث الأوعال بالطعن في سماك ، و قدمها للجنة المكلفة بذلك ، و عليها بني فصل النزاع ، فمنفردات سماك ، لا تخلو من طامات و دواهي في الفروع و الأصول ، كهذا الحديث الذي ليس لإشكالاته المتعددة و أدوائه المزمنة علاج ناجع سوى رده بمرهم العلل السابقة ، و العلم عند المولى تعالى . جريدة الأخبار التطوانية سنة 1 عدد 185 بتاريخ 10 قعدة 1362 ق 9/11/1943 .
و للإشارة فإن صاحب "تنبيه القاري" قد وثق المقال في صفحة سابقة من كتابه 135 ، فلم هذا التهويل ، أهكذا يكون البحث و النقد !؟
و في الصفحة نفسها ، قال : و ما نقل عن الشيخ في مسألة قول الصحابي أمرنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من المثنوني (ص214) غير موجود فيه ، فهو كاذب ...
قلت : النص موجود في الكتاب لكن في صفحة 198 ، لعله وقع الغلط في ضبط الرقم فكان ماذا ؟
ثم قال : و كذلك لا وجود لما ذكره عن الشيخ أنه أقسم في "المطابقة" بأن قوله تعالى : (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) في الوطنيين فهو كاذب مرة أخرى .(1/43)
قلت : لا تكن حرفيا أخي ، و اعلم بأن الكتاب له ثلاث طبعات كل واحدة منها وقع فيها النقص و التهذيب ، و إليك ما جاء في طبعة دار الرشاد الحديثة : فهؤلاء الأحداث المذكورون هم الشباب الفاسد الكافر الملحد المارق من الدين الذين يتمشدقون بالوطنية و الجهاد ... و قد ذكرهم الله تعالى في كتابه العزيز و أخبر بأنهم كافرون غير مؤمنين كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخادِعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمُ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ(1/44)
وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
فهذه الآيات يزعم كثير من المفسرين أنها نازلة في المنافقين و ليس كما زعموا ؛ بل هي نازلة في هؤلاء الملاحدة المفسدين ، كما بينته في كتابي "بيان غربة الدين بواسطة العصريين المفسدين" ، من وجوه تزيد على العشرين ، كلها قاطعة في تحقيق نزولها فيهم ، و أن المنافقين إنما أدخلهم المتقدمون فيها لأنه لم يكن أمامهم غيرهم ... و المقصود أن هذه الآية لم تنزل إلا في المنافقين المارقين الملاحدة المتفرنجين الذين ولدهم الاستعمار الكافر و أنتجتهم مدارسه الإفرنجية للقضاء على الإسلام ... وكذلك المثل الذي ضربه الله تعالى لهم فإنه لا يتنزل على المنافقين ، و إنما يتنزل على هؤلاء المارقين ؛ لأن المنافق الأصلي ما استضاء بنور الإيمان قط ، و ما دخل قلبه منه شيء ؛ بل هو مستمر على كفره و ظلمة قلبه به ، و إنما الذي استضاء أولا بنور الإيمان و انتفع به ، ثم حرمه الله منه و أذهب نوره من قلبه هم هؤلاء المارقون الذين ولدوا في الإسلام ... 66-74
هكذا استرسل في سرد دلائله و هي أوهى من نسج العنكبوت ، و يكفي أن نشير إلى أمر طريف وهو أنه يورد أدلة عامة و ينزلها على أشخاص مخصوصين و يقول بأنها قاطعة في الانطباق عليهم ، في حين أنه لما تطرق إلى إيمان فرعون الذي نزلت الأدلة القاطعة من القرآن الكريم بكفره و خلوده في النار ، قال بأنها مسألة اجتهادية لا قطع فيها أصلا ، و من قال بأنها قطعية ، فلا يفهم معنى القطعي. انظر الجواب المفيد 97 . اللهم عفوك يا رب .(1/45)
35- ورود آية على غير وجهها دون انتباه إليها
جاء في 143 قوله تعالى هكذا : (مثل الذي استوقد نارا) .
و الصواب : (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ...) و الآية من سورة البقرة : 17 .
36- خطأ في باب الصرف
قال : .. قضيتان لا تلازم بينهما ، أديا إلى نتيجة فاسدة ... 148
قلت : الصواب : أدتا . لأن قضية مؤنث . و الشواهد على ذلك في اللغة كثيرة . فلتراجع .
37- الكتب مؤنث
قال : ... على مثل ذلك الكتب قد أبرأ ذمته ... 149
قلت : الصواب : تلك الكتب ، لأن الكتب مؤنث ، و ذلك مذكر مؤلف من : اسم إشارة للمفرد المذكر و لام البعد و كاف الخطاب .
38- لحن جلي
قال : ... و جعلته مفقود ... 149
قلت : الصواب : مفقوداً . لأنه مفعول به .
قال : ... مقابل تلك الأربعين وهما و تناقضا المكذوبين ، المتهم بهما الشيخ رحمه الله ... 158
قلت : تقرر في باب تمييز العدد أن النعت يجوز فيه : أن يتبع العدد أو أن يتبع المعدود . فنقول :
في الحالة الأولى : مقابل تلك الأربعين وهما و تناقضا المكذوبة ، المتهم بها الشيخ رحمه الله ...
و في الحالة الثانية : مقابل تلك الأربعين وهما و تناقضا مكذوباً ، المتهم بها الشيخ رحمه الله ...
لأن النعت لا يثنى في حالتي : العطف و الإضافة ، فهو يتبعهما على انفراد في الحالات الإعرابية ، ويشملهما معا في المعنى . هذا ما قعده النحويون في أبواب : (تمييز العدد – النعت – العطف) . والله أعلم .
39- مسند بقي بن مخلد مفقود
قال : و مسند بقي منه نسخة ناقصة بألمانيا فاعرفه . 149
قلت : قد أثبت الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه عن بقي بن مخلد بأنه طرق الكثير من المكتبات العالمية خصوصا في ألمانيا للبحث عن هذا الكتاب فلم يظفر بشيء . و أما أنت تقول بوجوده في ألمانيا ، ففي أي المكتبات يوجد ، وثق كلامك هداك الله لما فيه الخير ، و أخشى أن يكون مصدرك "مسيلة اللعاب" على حد تعبير الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله تعالى .(1/46)
40- عائشة بنت أحمد القصبية
سألت في ص 150 عن المصدر في بيان تدليس الشيخ أحمد بن الصديق للاعويشة زوجته و سترها تحت اسم : عائشة بنت أحمد القصبية ، فأقول هو : شيخنا أبو أويس محمد بو خبزة عن كتاب السفينة المشحونة لشيخنا أبي اليسر عبد العزيز بن الصديق .
و أرجوك أن لا تسارع إلى التكذيب بدعوى أن كتاب السفينة متداول و خال من هذا الكلام ، لأن المتداول من الكتاب جزؤه الأول و فيه بتر و طمس لمجموعة من الصفحات ، هذه الأولى ، و الثانية : الكتاب يحتوي على جزئين ، فأين الجزء الثاني !؟
عند ذلك نقول : يحتمل أن المعلومة موجودة في الجزء الثاني ، أو في الجزء الأول و طمست أو بترت صفحاتها لما توفي الشيخ أحمد ، فكان مصيرها شبيها بمصير كتاب "تنبيه المسلم" . و الله أعلم .
41-توثيق فقط
قال : فخلاصة كلامه أنه يتهم الشيخ أحمد و أباه مولاي محمد و أخاه سيدي عبد الله بالخيانة العظمى في حكايات مطولة ، و لا حجة في ذلك و لا مرجع معتمد إلا قوله كتاب "تاريخ المهدي (كذا و الصواب : التهامي) الوزاني" و كتاب المقاومة لمحمد بن عزوز حكيم و هو كذب . و أنا أقسم أنه لم ير أحدا منهما و لا رأى من رآه ... 153
قلت : المعلومات المذكورة عن الشيخ محمد بن الصديق موجودة في كتاب "تاريخ المغرب" للشيخ التهامي الوزاني ، الجزء الثالث ، صفحة 155 ، الطبعة الأولى سنة 1359-1940 . مطبعة الريف – تطوان – المغرب . ثم في كتاب المقاومة المسلحة و الحركة الوطنية في شمال المغرب للشيخ التهامي الوزاني أيضا ، تحقيق و تعليق : محمد ابن عزوز حكيم ، الصفحات 82-89-101 . مطبعة الساحل – الرباط – سنة : 1980 .
فها هو ذا التوثيق و ليس بعده شيء ، لأن الغرض هو تفنيد التكذيب ، و البيان بأن عدنان ينكر كل ما لا يعرفه ، و ليس هذا من منهج البحث و النقد العلمي .
42- "بعر النعجة في أخبار طنجة" و شرحها من تأليف الشيخ أحمد(1/47)
أنكر عدنان نسبة هاتين الرسالتين للشيخ أحمد ، و تعلق في إنكاره بما أثبت على طرتهما من اسم مختلق أو مدلس . و الصواب أنهما له ، و الدليل على ذلك :
-تصريحه بذلك في الجواب المفيد ، قال : و تاريخ طنجة هو كما رأيت في جؤنة العطار ، و عندنا "بعر النعجة" قصيدة تائية في خمسمائة و أربعين بيتا ، في نحو كراستين أو ثلاث فيها العجائب و الغرائب ، و كنت أول شيء عملته في الاعتقال أني شرعت في إملاء شرح لها سميته "صدق اللهجة في التحدث عن تاريخ طنجة" كتبت منه عدة كراريس ...73-74
-إثباتهما ضمن لائحة مؤلفاته بآخر كتابه "فتح الملك العلي ، بصحة حديث باب مدينة العلم علي" الطبعة الثانية : 1389 هـ /1969 م ، جاء بآخره : إجابة لرغبة كثير من أفاضل العلماء بالمغرب و مصر و غيرها نثبت هنا أسماء أغلب مؤلفات المؤلف مرتبة على حروف المعجم لتستفاد ، و ذكر منها : بذل المهجة منظومة تائية في ستمائة بيت في التاريخ 119 (و هي بعر النعجة بلا شك غير اسمها هنا) ، و صدق اللهجة 120 .
43- الشيخ أحمد يكفر معاوية بن أبي سفيان
قال : فإن قيل : هذا رأيه ، فما القول في لعنه و لم نسمع من سبق إليه . قلت : لا تسليم بأن أحدا من الأسبقين لم يحصل منه ذلك ، لجوازه وقوعه منهم و عدم نقله إلينا . 50
قلت : الشيخ أحمد رحمه الله و غفر له لم يقف عند حد اللعن و السب ؛ بل تجاوزه إلى التكفير ، وهذا لم يقل به أحد إلا الخوارج و الروافض .
قال في الجواب المفيد : و المقصود أن هذه الأحاديث الصحيحة المتفق عليها !؟ مع ما تواتر من لعن معاوية لعلي على المنبر طول حياته ، و حياة دولته إلى عمر بن عبد العزيز و قتاله و بغضه ، يطلع منه أنه منافق كافر ... 59(1/48)
قلت : و ما ذا يفعل في حديث "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ" رواه البخاري ، و حديث أم حرام ("أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا" ، قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا فِيهِمْ ، قَالَ : أَنْتِ فِيهِمْ ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ ، فَقُلْتُ : أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : لَا) و الحديث في صحيح البخاري أيضا ؟
و في الجملة فإن الشيخ أحمد تأثر بالنصائح الكافية لابن عقيل الحضرمي ، و من أراد معرفة الحقيقة في المسألة ، فليطالع كتابي : "نقد النصائح الكافية لمن تولى معاوية" للشيخ جمال الدين القاسمي ، و"إسكات الكلاب العاوية بذكر فضائل خال المومنين معاوية" لأبي معاذ محمود بن إمام بن منصور ، و الثاني أجود على لحن فيه . و الله أعلم .
44- تنكيت
قال : و الغريب من الفاري المتعالم نقل تحسين هذا الحديث عن الألباني دون تمحيص النظر فيه ، قال حسن السقاف في "التناقضات" : قال الألباني عن حديث "من سب أصحابي ، فعليه لعنة الله والملائكة و الناس أجمعين" ما نصه : رواه الطبراني عن الحسن بن قزعة ، عن عبد الله بن خراش ، عن العوام بن حوشب ، عن عبد الله بن هذيل ، عن ابن عباس مرفوعا . قلت : و هذا إسناد ضعيف ، عبد الله بن خراش ، قال الحافظ : ضعيف ، و أطلق عليه ابن عمار الكذب اهـ كلام الألباني .
قال السقاف : على الألباني في هذه الفقرة عدة مماسك لا يمكنه الإفلات منها نذكر بعضها فنقول :
الممسك الأول : أنه حذف اسم شيخ الطبراني فلم يذكره لأنه مجهول فيعكر عليه ! و بذلك يزداد الحديث و هاء على وهائه ! .... 40(1/49)
قلت : أكتفي بهذا و أقول بأن الشيخ الألباني وهل عن ذلك لما رأى ابن خراش المشهور بضعف حديثه ، و هذا يقع من كل أحد ، حتى من السقاف و له من ذلك نماذج كثيرة في كتبه ، بعضها يوحي بالكذب و التدليس ، لكنه يبصر القذى في عين أخيه و يترك الجذع في عينه .
و من ذلك ما وقع للشيخ أحمد في حديث "أترعون بذكر الفاجر" :
قال الطبراني في المعجم الصغير - 599 - : حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي السري العسقلاني ، حدثني أبي ، حدثني عبد الوهاب بن همام ، أخو عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده رضي الله عنه قال : خطبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : « حتى متى ترعون عن ذكر الفاجر ، اهتكوه حتى يحذره الناس » لم يروه عن معمر إلا عبد الوهاب .
قال الشيخ أحمد : و قد وثقه يحيى بن معين و ابن حبان ، و لذلك حكم الحافظ الهيثمي في الزوائد بأن هذا الطريق حسن . 1/137 .
قلت : و فيه محمد بن أبي السري العسقلاني ، لينه أبو حاتم ، و قال ابن عدي : كثير الغلط ، له أحاديث تستنكر . الميزان 6/317 . أمع هذا يحسن الحديث !؟
ثم ألتفت إلى عدنان فأقول : و إذا كان هذا ضعيفا ، فما تقول في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : "لا تسبوا أحدا من أصحابي ، فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحُدٍ ذهبا ما أدرك مد أحدهم و لا نصيفه" رواه الشيخان !؟
45- قد تستفاد الفضيلة من السياق التاريخي و لو لم يقع التصريح
قال : ... الفضيلة أو المنقبة الواردة في الصحابي تؤخذ بتصريح النبي صلى الله عليه و آله و سلم بها في حق من ذكرت فيه كما يعرفه من قرأ كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري ... 55
قلت : و قد تستفاد الفضيلة من السياق التاريخي المرتبط بها الحديث ، و إن لم يتم التصريح بذلك من النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، من أمثلة ذلك :
ما جاء في صحيح مسلم - بَاب مِنْ فَضَائِلِ زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :(1/50)
4490 - عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا ، قَالَتْ : فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا ، قَالَتْ : فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ .
قلت : و هذا حديث تضمن فضيلة لأم المؤمنين زينب رضي الله عنها ، رغم الإبهام الذي اكتنفه ، بحيث لم تعرف صاحبتها إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم . و هي المنقبة الوحيدة الواردة فيها بكتاب الفضائل من صحيح مسلم .
و ما رواه الترمذي – كتاب العلم- بَاب مَا جَاءَ فِي عَالِمِ الْمَدِينَةِ - 2604 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : "يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ"
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا: سُئِلَ مَنْ عَالِمُ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ : إِنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ...
و قيل غيره ، لكن الجمهور على تعيين الإمام مالك ، و خصوصا المالكية . و هذا أيضا حديث أبهم فيه صاحب الفضل .
و هكذا ، و الأمثلة على ما ذكرنا موجودة بكتب الفضائل ، فليطلبها من شاء .
بهذا أختم وقفاتي مع عدنان زهار هداه الله للخير و أعانه عليه .
و لا بأس أن أنشد لنفسي معربا عن نقدي ، فأقول من المجتث :
نقد نزيه تبدّى – نحو الهدى ما تعدّى
للحق لاح غيوراً – لا غيره رام بُدّا
في طيه حوى عِلْما – و للهوى بثّ سدّا
بالله أرجو سدادا – للخصم حقّا و ردّا
و حسن ختم و فوزا – لنا غدا ثم سعْدا
و الحمد لله رب العالمين . و كتب : بدر العمراني غفر الله له و لوالديه .
كشف المستور ، عما تضمنه هذا المنشور(1/51)
وقع بيدي منشور بخط الشاعر الأديب أحمد خيري حوى مثالب مدعاة على الشيخ أحمد بن الصديق رحمه الله و غفر له ، فلما طالعته استهجنته و استنكرته ، و أيقنت بطلان الدعاوى الواردة فيه ، و من الأسباب الدالة على ذلك :
العداء و الحقد :
فأحمد خيري تلميذ للشيخ زاهد الكوثري الجركسي ، متعصب له ، و لا يخفاك ما وقع بينه وبين الشيخ أحمد من شحناء إلى أن كتب فيه الشيخ أحمد "بيان تلبيس المفتري محمد زاهد الكوثري" ، و بطبيعة الحال فالتلميذ المخلص لا يصبر على نقد شيخه ؛ بل يكر إلى الدفاع عنه و لو بالباطل، و هذا شأن أحمد خيري ، الذي كان هاجسه تتبع الشيخ أحمد في حركاته وسكناته ، و الدليل على ذلك النميمة التي كان يسعى فيها بين الشقيقين أحمد و الزمزمي من خلال الرسائل المتبادلة بينه و بين الأخير ، و الدلائل لا زالت شاهدة إلى الآن ، محفوظة بمكتبة الأستاذ السيد أبي الزمزمي حفظه الله . و من هانت عليه النميمة يهون عليه الكذب أيضا .
و مما يؤكد هذا تصريحه بالدافع حين قال : "و كنت أود تركه تحت ستر الله تعالى لولا تعرضه بلسانه البذئ المقذع لقوم لا يطمع أن يرقى إلى مواطئ نعالهم ، فقد بلغني من ثقات أنه يقع في إمامنا أبي حنيفة رضي الله عنه –كما أنه ذكر في آخر مؤلفه (توجيه الأنظار لتوحيد المسلمين في الصوم و الإفطار) ثبت مؤلفاته بل مفترياته و ترهاته فجاء في ص 117 برقم 30 ما نصه : (بيان تلبيس المفتري محمد زاهد الكوثري تمت مقدمته في مجلد) يعرض بمولانا الكوثري رضي الله عنه المتوفى بمصر بعد عصر الأحد تاسع عشر ذي القعدة سنة 1371 هـ . فرأيت بيان ما أعلمه من سوء حاله و قبيح فعاله ...
و لا يخفاك أن الحقد أدى به إلى حذف تقريظ الشيخ زاهد الكوثري لكتاب الشيخ عبد الله بن الصديق "إقامة البرهان على نزول عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان" من كتاب "مقالات الكوثري" . انظر سبيل التوفيق في ترجمة عبد الله بن الصديق 145 .
تهمة الإدمان :(1/52)
قد اتهم أحمد خيري الشيخ أحمد بالإدمان على الموبقات المذكورة في منشوره ، و من المعلوم بالضرورة وفقا للواقع المشاهد و الوقائع المتكررة في الحياة اليومية أن المدمن لا يستطيع ستر الشهوات المعتادة ، فإذا اهتاجت شهوته لا يصبر عليها ، بل يفعلها غير مبال بما يقع .
و هذا منتف عن الشيخ أحمد ، لأنه لو كان مدمنا لصدر منه ذلك في طنجة ، و لعلمه خصومه من أهل البلد ، خصوصا و أنه ألب عليه الأعداء من جميع الاتجاهات : صوفية ، فقهاء ، سياسيون ... فهؤلاء كلهم لو علموا موبقة من هذه الموبقات لكشفوها ، و لأقاموا الدنيا للإعلان عنها بكل ما أوتوا من قوة .
و لا يعقل أن يكون مدمنا على تلك القبائح بشراهة -كما يصورها أحمد خيري- في مصر ، و لا تؤثر عنه بالمغرب ، و هي مما تعم بها البلوى ؛ على حد تعبير الفقهاء ، و نسأل الله السلامة من هذا البلاء .
انفراد أحمد خيري بالدعوى :
أحمد خيري انفرد بما أتى به من تهم في منشوره ، و لا يشفع له استشهاده بنشرة عزة العطار ، إذ أنها لا تعرف إلا من طريقه ، و ربما اختلقها أيضا ، خصوصا و أنه يقول "وزعت" ، فكيف توزع ، و لا يعثر عليها إلا في مكتبة أحمد خيري ، و لا يعرفها الشيخ عبد الحي الكتاني المردود عليه برسالة "كشف الأستار المسبلة" ، و الذي تطلب مثالب أحمد بن الصديق من خلال سؤال بلديي الشيخ أحمد من أهل طنجة فلم يظفر بشيء ، فلو وزع هذا المنشور لظفر به عبد الحي الكتاني و لكفاه معرة السؤال و البحث ، و الدليل على ذلك أنه في كتابه "سوط الأقدار" لم يعرج على التهم المذكورة في كتابة خيري . و أما حسين المراكشي فمجهول العين يحتاج إلى من يرفع عنه وسم الجهالة ، و يثبت له نيشان التوثيق و العدالة .
كذبه :(1/53)
جاء في الصفحة الأخيرة من المنشور قوله : "و عذر المفترين على ابن الصديق أنهم لم يدعوا حفظ الحديث ، و لعله أراد التشبه بالخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ و ابن حزم الظاهري المتوفى سنة 456 هـ فقد اشتهر كل منهما بالشذوذ الجنسي أكثر من شهرته بعلم الحديث" .
قلت : و هذا كذب محض ، و هو من كيس شيخه محمد زاهد الكوثري الذي أودع كتابه التأنيب أنواعا من الافتراءات ، تولى تفنيدها الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني في كتابه "التنكيل" . و أما ابن حزم فيكفي قسمه الذي صرح به في كتابه طوق الحمامة حيث قال : "والله ما حللت سراويلي على حرام قط" .
…فهذه أربعة أسباب كافية لتفنيد التهم الموجهة للشيخ أحمد بن الصديق ، و لأجل هذا كتبت على ظهر المنشور بخطي منشدا لنفسي :
منشور خزي غَرور --- سناد إفك و زور
به الأكاذيب تترى --- حوت جميع الشرور
راوي المثالب خصم --- أعماه حقد الشعور
أنى يصدق خصم --- في حق كل غيور !؟
لا خير يرجى لديه --- و الضر خلف الستور
و نسأل الله عز و جل الإنصاف في الرضا و الغضب . و الحمد لله رب العالمين .
بدر العمراني(1/54)