نواقض الإيمان الاعتقادية
وضوابط التكفير عند السلف
إعداد
د. محمد بن عبد الله بن علي الوهيبي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وبعد:
فلا يخفى على أهل العلم، أن الانحراف في فهم حقيقة الإيمان، هو أول خلل اعتقادي يظهر قي صفوف الأمة، فبدأ هذا الغلو والانحراف الخوارج، ثم ظهرت المرجئة بعكس قولهم، ولا تزال آثار انحرافاتهم في تلكم القضية تؤثر في كتابات وأبحاث كثير من المنتسبين إلي الإسلام، ولا عاصم من هذه الانحرافات - بإذن الله - إلا بالالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة في فهمهم لمسائل الإيمان والتكفير، وضوابطه على ضوء الكتاب والسنة وفهم الصحابة رضي الله عنهم، فمن هنا تبرز أهمية دراسة مذهبهم في الإيمان، ونواقضه، وضوابطها، يقول الإمام ابن رجب - رحمه الله - مبيناً أهمية هذه المسائل: (وهذه المسائل: أعني مسائل الإسلام والإيمان والكفر والنفاق مسائل عظيمة جداً، فإن الله - عز وجل - علق بهذه الأسماء السعادة والشقاوة واستحقاق الجنة والنار، والاختلاف في مسمياتها أول اختلاف وقع في هذه الأمة، وهو خلاف الخوارج للصحابة، حيث أخرجوا عصاة الموحدين من الإسلام بالكلية وأدخلوهم في دائرة الكفر وعاملوهم معاملة الكفار، واستحلوا بذلك دماء المسلمين وأموالهم، ثم حدث بعدهم خلاف المعتزلة وقولهم بالمنزلة بين المنزلتين، ثم خلاف المرجئة وقولهم: إن الفاسق مؤمن كامل الإيمان، وقد صنف العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسائل تصانيف متعددة، وممن صنف في الإيمان من أئمة السلف الإمام أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن أسلم الطوسي، وكثرت فيه التصانيف بعدهم من جميع الطوائف)(1)، لذلك(1/1)
آثرت أن يكون موضوع رسالتي للدكتوراه التركيز على جانب من جوانب الإيمان عند أهل السنة ونواقضه، لتركيز وتعميق الدراسة فيه، واستقصاء الأدلة ووجوه الاستدلال ما أمكن، فوقع اختياري على موضوع ((نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف)) وذلك لأسباب عديدة منها:
1- كثرة الخائضين في هذه المسائل بمعزل عن الضوابط الشرعية أو أكثرها، وخاصة عند حكمهم على الأفراد والمجتمعات، فمن مائل إلى جانب الإرجاء أو إلي جانب التكفير دون النظر إلى ضوابط التكفير وموانعه.
2- ندرة البحوث في هذا الجانب، سواء في مجال ضوابط التفكير بشكل عام، أو النواقض الاعتقادية.
3- أهمية التركيز على النواقض الاعتقادية باعتبارها أصل النواقض - كما سيأتي - فكل ناقض عملي مرجعه إلى فساد في الاعتقاد، إما من جهة الاستحلال أو الرد والإعراض أو الاستخفاف أو الامتناع.. الخ.
4- بيان أهمية النظر إلي ضوابط التكفير عند الكلام عن النواقض، لكي يتضح دقة أهل السنة والجماعة في مواقفهم وأحكامهم.
5- ومن الأسباب - أيضاً - معالجة بعض الانحرافات في هذا الموضوع، وسنشير إلي بعضها في هذا ((التمهيد)).
أما خطة البحث فهي كالتالي:
تتكون من مقدمة وتمهيد، وثلاثة أبواب:
أما المقدمة فتتضمّن أهميّة الموضوع، وأسباب اختياره، وخطة البحث.
والتمهيد يشتمل على:
1- التعريف بأهل السنة والجماعة.
2- التحذير من أهل الأهواء والبدع.
3- موقف أهل السنة منهم ((إجمالاً)).
4- خطورة الكلام في مثل هذه المسائل بغير علم.
5- أبرز الانحرافات في هذا الباب ((إجمالاً)).
6- وتقويم موجز لأهم المراجع التي بحثت الموضوع.
الباب الأول:
الإيمان عند أهل السنّة ومخالفيهم، وقد اشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الإيمان عند أهل السنة، عرضت فيه للمسائل التالية:
- تعريفه لغة واصطلاحاً.
- الإيمان اعتقاد وقول وعمل.
- صلة العمل بالإيمان.
- الإيمان والإسلام والعلاقة بينهما.
- الإيمان يزيد وينقص.(1/2)
- مراتب الإيمان.
الفصل الثاني: المعاصي وأثرها على الإيمان عند أهل السنة، وفيه عرضت ل-:
- المعاصي تنقسم إلى كبائر وصغائر.
- الفرق بين الكبائر والصغائر.
- حكم أهل الكبائر عند أهل السنة وأدلتهم.
الفصل الثالث: الإيمان عند الفرق ((إجمالاً))، عرضت فيه لأقوال الوعيدية والمرجئة مع مناقشة أهم أقوالهم وأدلتهم:
أ- الإيمان عند الوعيدية:
- تعريفه - قولهم في الزيادة والنقصان.
- موقفهم من نصوص الوعد والوعيد.
- الفرق بين الكبائر والصغائر عندهم.
- حكم أهل الكبائر عندهم.
ب- الإيمان عند المرجئة:
تعريف:
- الصلة بين الإيمان والعمل عندهم.
- موقفهم من الزيادة والنقصان.
- موقفهم من نصوص الوعد والوعيد.
- الكفر عندهم.
الباب الثاني:
ضوابط التكفير وموانعه عند أهل السنة: ويشتمل على فصلين:
الفصل الأول: ضوابط التكفير: وأهم مباحثه:
- الحكم بالظاهر وأدلة ذلك.
- الاحتياط في تكفير المعين ((ليس كل من قال الكفر أو عمله يكون كافراً)).
- ما تقوم به الحجة.
- عدم التكفير بكل ذنب.
الفصل الثاني: موانع التكفير وأهمها:
(1) الجهل: حالات الجهل، ومتى يكون عذراً؟
- أدلة العذر بالجهل.
- أدلة من لا يعذرون ثم الترجيح.
حكم من لم تبلغهم الدعوة.
(2) الخطأ: المراد به.
- الفرق بينه وبين الجهل.
- متى يكون عذراً في العقائد والأحكام؟
(3) الإكراه:
- المراد به.
- أنواعه، متى يكون عذراً؟
(4) التأويل:
- المراد به.
- متى يكون عذراً؟
(5) التقليد - المراد به في العقائد والأحكام.
- هل يكون عذراً؟
الباب الثالث:
نواقض الإيمان الاعتقادية، وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: ما يناقض قول القلب: ويشمل:
1- كفر الجحود والتكذيب.
2- استحلال أمر معلوم تحريمه من الدين بالضرورة.
3- الشك في حكم من أحكام الله عز وجل أو خبر من أخباره.
4- من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -0
5- الجهل، ومتى يكون كفراً.
6- الشرك في الربوبية.(1/3)
7- اعتقاد ألوهية غير الله عز وجل.
الفصل الثاني: ما يناقض عمل القلب، ويشمل:
1- الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به.
2- النفاق الاعتقادي.
3- بغض أو كراهية بعض ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -.
4- كفر الإباء والاستكبار والامتناع.
- حكم من امتنع عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة.
- الفرق بين امتناع الفرد والطائفة.
5- الشرك الأكبر بعمل القلب كالمحبة والإرادة والقصد.
الفصل الثالث: العلاقة بين النواقض الاعتقادية وغيرها.
- مدى الارتباط بين النواقض الاعتقادية والقولية والعملية ((النواقض الاعتقادية)).
- أصل النواقض ((أمثلة لذلك)).
- فساد الظاهر دليل على فساد الباطن.
- الخاتمة.(1/4)
…ولقد حرصت - بقدر الإمكان - على العناية بصحة الدليل والاستدلال، وعلى توثيق النصوص والاعتماد على المصادر الأصلية، كما حرصت على تخريج الأحاديث، فإذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت - في الغالب - بعزوه إليهما، لأن المقصود بيان صحة الحديث، وإن لم يكن في الصحيحين، عزوته إلي مواضعه المختلفة من كتب السنة الأخرى ثم بحثت عن حكم الأئمة عليه بالصحة أو الضعف، وكذلك ترجمت للأعلام غير المشهورين، ثم وضعت فهارس شاملة للبحث: فهرس الأحاديث والأعلام المترجم لهم، ومصادر البحث وفهرس تفصيلي للموضوعات، وأخيراً - بعد شكر الله عز وجل - أشكر كل من كان سبباً في إتمام هذا البحث، وأخص بالشكر كلية أصول الدين متمثلة في عميدها فضيلة الشيخ فالح الصغير، ووكيل الكلية للدراسات العليا، فضيلة الشيخ محمد السعوي ورئيس قسم العقيدة فضيلة الشيخ ناصر العقل، وكذلك أشكر الأستاذ المشرف فضيلة الشيخ عبد الرحمن المحمود الذي كان لعنايته ومتابعته أثر كبير في إتمام هذا البحث، وقد استفدت منه كثيراً وخاصة من سعة اطلاعه ودقة عباراته، كما أشكر المناقشين(*) الفاضلين الدكتور أحمد الحمد، والدكتور عبد العزيز الشهوان اللذان أفاداني بملاحظاتهم القيمة فجزى الله الجميع خيراً، وأسال الله - عز وجل - أن يرزقنا الإخلاص والصواب في أقوالنا وأعمالنا وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
محمد الوهيبي
الرياض ص ب 85542
التمهيد
التعريف بأهل السنة ووجوب اتباع منهجهم:
حيث إن هذا الموضوع يبحث ((نواقض الإيمان الاعتقادية، وضوابط التكفير عند السلف))، ويعالج بعض الانحرافات في هذا الباب عند المبتدعة، صار من المناسب التعريف بإيجاز - بأهل السنة، وبيان موقفهم - بشكل مجمل - من أهل الأهواء والبدع)).(1/5)
السنة في الاصطلاح تأتي بعدة معان(1) ولا يعنينا في هذه المقدمة الموجزة تتبع تلك المعاني، وإنما يعنينا أن نعرف بمصطلح ((السنة)) أو ((أهل السنة)) كدلالة على اتجاه معين في الاعتقاد، يقول الإمام ابن رجب - رحمه الله -: (.... وعن سفيان الثوري قال: ((استوصوا بأهل السنة خيراً فإنهم غرباء))(2)
ومراد هؤلاء الأئمة بالسنة طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كان عليها هو وأصحابه السالمة من الشبهات والشهوات، ولهذا كان الفض--يل بن عياض يقول: ((أهل السنة من عرف ما يدخل في بطنه من ح-لال))(3)، وذلك لأن اجت-ناب أكل الحرام من أعظم خصال السنة التي كان عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه - رضي الله عنهم - ثم صار في عرف كثير من العلماء المتأخرين من أهل الحديث وغيرهم: السنة عبارة عما سلم من الشبهات في الاعتقادات، خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذلك في مسائل القدر وفضائل الصحابة، وصنفوا في هذا العلم تصانيف وسموها كتب السنة، وإنما خصوا هذا العلم باسم السنة لأن خطره عظيم، والمخالف فيه على شفا هلكة، وأما السنة الكاملة فهي الطريقة المسالمة من الشبهات والشهوات) (1).
وأهل السنة، هم المتبعون لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسنة أصحابه رضي الله عنهم، يقول الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -:
(.. ولا ريب في أن أهل النقل والأثر المتبعين آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وآثار أصحابه، هم أهل السنة، لأنهم على تلك الطريق التي لم يحدث فيها حادث: وإنما وقعت الحوادث والبدع بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه) (2).(1/6)
إذا أهل السنة يقصد به معينان: الأول: متابعة السنن والآثار الواردة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضي الله عنهم - والعناية بها وتمييز صحيحها من سقيمها والتزام موجبها من الأقوال والأعمال في مجال العقيدة والأحكام، الثاني: أخص من المعنى الأول، وهو الذي عناه بعض المصنفين، حيث سموا كتبهم باسم السنة كابن أبي عاصم وأحمد بن حنبل وابنه والخلال وغيرهم، ويعنون بذلك الاعتقاد الصحيح الثابت بالنص والإجماع، وفي كلا المعنيين يتبين لنا أن مذهب أهل السنة امتداد لما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، أما التسمية بأهل السنة فنشأت بعد الفتنة عند بداية ظهور الفرق، قال ابن سيرين - رحمه الله -: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم) (3)
وسئل الإمام مالك - رحمه الله - (من أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به لاجهمي ولا قدري ولا رافضي) (1) ثم لما صارت للجهمية شوكة ودولة امتحنوا الناس ودعوهم إلى التجهم بالترغيب والترهيب فآذوا الناس وعذبوهم، بل وقتلوا بعض من لم يقل بقولهم، فسخر الله لأهل السنة الإمام أحمد - رحمه الله - حيث صبر على امتحانهم وابتلائهم، وناظرهم، وفند حججهم، وأعلن السنة وأظهرها ووقف في وجه أهل البدع والكلام، فصار بسبب ذلك يقلب بإمام أهل السنة والجماعة، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (.. وأحمد بن حنبل، وإن كان قد اشتهر بإمام السنة والصبر في المحنة، فليس ذلك لأنه انفرد بقول أو ابتدع قولاً، بل لأن السنة التي كانت موجودة معروفة قبله علمها ودعا إليها، وصبر على من امتحنه ليفارقها، وكانت الأئمة قبله قد ماتوا قبل المحنة..) (2)(1/7)
نستنتج مما سبق أن مصطلح أهل السنة اشتهر عند الأئمة المتقدمين: كمصطلح مقابل ((لمصطلح أهل الأهواء والبدع)) من الرافضة والجهمية والخوارج والمرجئة وغيرهم، فأهل السنة هم الذين بقوا على الأصل الذي كان عليه رسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
أهل السنة والجماعة:
ويطلق على أتباع مذهب السلف الصالح في الاعتقاد، أهل السنة والجماعة، وقد وردت أحاديث كثيرة تأمر بلزوم الجماعة وتنهي عن الفرقة والخروج (3)، وقد اختلف العلماء في المقصود بالجماعة على عدة أقوال (4)، أحدها أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام، الثاني أنهم الأئمة المجتهدون، الثالث: أنهم الصحابة رضي الله عنهم، الرابع: هم جماعة المسلمين إذا أجمعوا على أمر، الخامس: جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير.(1/8)
وحاصل هذه الأقوال، يرجع إلى معنيين (الأول: أن الجماعة هم الذين اجتمعوا على أمير على مقتضى الشرع، فيجب لزوم هذه الجماعة، ويحرم الخروج عليها وعلى أميرها، الثاني: أن الجماعة ما عليه أهل السنة من الاتباع، وترك الابتداع، وهو المذهب الحق الواجب اتباعه والسير على منهاجه، وهذا معنى تفسير الجماعة بالصحابة، أو أهل العلم والحديث، أو الإجماع، أو السواد الأعظم...)(1)، يقول أبو شامة - رحمه الله -: (حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وان كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف كثيراً، لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى م-ن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم، ولا تنظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم)(2)،ويقول شيخ الإسلام (وسموا أهل الجماعة،لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين، ((والإجماع)) هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين..) (3)، ومصطلح ((أهل السنة والجماعة)) يؤدى نفس المعنى الذي يؤديه مصطلح ((أهل السنة)) فعامة استعمالات الأئمة له، مقابل أهل البدع والأهواء، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في تفسير قوله - تعالى -:
(يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) (4)(فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة)(1).(1/9)
وقال سفيان الثوري - رحمه الله -: (إذا بلغك عن رجل بالمشرق صاحب سنة وآخر بالمغرب فابعث إليهما بالسلام وادع لهما، ما أقل أهل السنة والجماعة) (2)، وقال عمرو بن قيس الملائي (3): (إذا رأيت الشاب أول ماينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه، فإن الشاب على أول نشوئة) (4)، إذاً يمكن أن نعتبر مسمى أهل السنة والجماعة بين الفرق، كمسمى المسلمين بين الملل، فالانتساب إليه والتسمي به واستعماله كدلالة على صحة الاعتقاد والمنهج أمر حسن وسائغ باعتباره انتساباً لاسم شرعي وقد استعمله أئمة السلف، ومن أكثر الأئمة استعمالاً لهذا المصطلح شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (5).
الأشاعرة والماتريدية ومصطلح أهل السنة والجماعة:
…يكثر استعمال هذا المصطلح بين الأشاعرة والماتريدية، ويعتبر كثير منهم أن مذهب السلف ((أهل السنة والجماعة)) هو ما قاله أبو الحسن الأشعرى وأبو منصور الماتريدي، وبعضهم يعتبر أهل السنة والجماعة ((الأشاعرة والماتريدية))، ويقول الزبيدي (1): (إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية) (2)، ويقول صاحب الروضة البهية: (اعلم أن مدار جميع عقائد أهل السنة والجماعة على كلام قطبين، أحدهما الإمام أبو الحسن الأشعري. والثاني الإمام أبو منصور الماتريدي...) (3)، أما الإيجي فيقول: (.. وأما الفرقة الناجية المستثناة: الذي قال فيهم: ((هم الذي--ن على ما أنا عليه وأصحابي)) فهم الأشاع-رة والسلف من المحدثين وأهل السنة والجماعة)(4)، ويقول حسن أيوب من المعاصرين: (أهل السنة هم أبو الحسن الأشعرى وأبو منصور الماتريدي ومن سلك طريقهما، وكانوا يسيرون على طريقة السلف الصالح في فهم العقائد)(5)،وعامة هؤلاء يذكرون عقائد الأشاعرة والماتريدية على انها مذهب أهل السنة والجماعة،وليس المقصود هنا مناقشة هذا الادعاء الباطل،وإنما أردت ذكر فائدتين في هذا المجال:(1/10)
الأولى: أن استعمال الأشاعرة والماتريدية ومن تأثربهم لهذا المصطلح،لا يغير شيئا من حقيقة ابتداعهم وانحرافهم عن منهج السلف الصالح في أبواب كثيرة لا
مجال لتفصيلها هنا(1) وسيأتي في الباب الأول مناقشة لمذهبهم في الإيمان حيث ذهبوا في ذلك مذهب المرجئة.
الثانية: إن استعمالهم لهذا المصطلح لا يمنعنا من استعماله والتسمي به باعتباره اسماً شرعياً استعمله أئمة السلف، ولا يعاب من يستعمله أو يذم، إنما يعاب إذا خالف اعتقاد ومذهب السلف الصالح في أي أصل من الأصول.
التحذير من أهل الأهواء والبدع وموقف أهل السنة منهم " إجمالا ":
من الأصول المقررة في مذهب السلف، التحذير من أهل البدع ويتمثل ذلك بذمهم وهجرهم وتحذير الأمة منهم والنهي عن مجالستهم ومصاحبتهم ومجادلتهم، ونحو ذلك، ولهم في ذلك أقوال كثيرة مشتهرة، لعلنا نشير إلى شيء منها، قال الإمام أحمد رحمة الله: (أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بهم، وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء وترك المراء والجدال...)(2)
وك-ان الإمام الحسن البصري - رحمه الله - يق-ول: (لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم)(3) وقال الإمام ابن المبارك - رحمة الله -: (.. وإياك أن تجالس صاحب بدعة)(4) وقال أبو قلابة:(5)(لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوك--م في الضلال-ة أو يلبسوا في الدين بعض ما لبس عليهم) =(1)
ولخص الإمام الصابوني مذهب السلف في ذلك فقال: (ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ولا يحبونهم ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم ولايصحبونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت بالقلوب ضرت وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت..)(2)(1/11)
ثم نقل إجماع السلف على ذلك حيث قال - رحمة الله -: (.. واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخراجهم وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم..)(3)، وممن نقل الإجماع على ذلك القاضي أبو يعلى - رحمه الله - حيث قال: (أجمع الصحابة، والتابعون على مقاطعة المبتدعة)(4)
وممن نقل ذلك الإمام البغوي - رحمه الله - حيث قال: (.. وقد مضت الصحابة والتابعون، وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع، ومهاجرتهم...)(5) والمقصود من الهجر، زجر المهجور، وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، وإظهار السنة وإماتة البدعة، ولكن هناك أسس وضوابط لابد من مراعاتها ويمكن تلخيصها بما يلي:
1- أن البدع مراتب مختلفة منها ما يوصل صاحبها إلى الكفر، ومنها ما دون ذلك، ومنها البدعة الحقيقية، ومنها الإضافية، فالموقف يختلف بحسب مرتبة البدعة
2- أن أهل السنة يفرقون بين الداعية للبدعة وغيره، وبين المعلن لها والمسر
3- ومن جهة كونها بينة أو مشكلة، وكون صاحبها مجتهداً أو مقلداً (1)
4- ومن وجهة كونه مصراً عليها أو غير مصر كأن تكون فلتة أو زلة عالم ثم لم يعاودها (2)
5- أيضا يفرق في الهجر وإظهار العداوة بين الأماكن التي كثرت فيها البدع، فصارت لهم القوة والدولة وبين الأماكن التي يغلب فيها السنة (فإذا كانت الغلبة والظهور لأهل السنة كانت مشروعية هجر المبتدع قائمة على أصلها، وإن كانت القوة والكثرة للمبتدعة - ولا حول ولا قوة إلا بالله - فلا المبتدع ولا غيره يرتدع بالهجر ولا يحصل المقصود الشرعي، لم يشرع الهجر وكان مسلك التأليف، خشية زيادة الشر)(3)
6- ذم أهل السنة للمبتدعة والتحذير منهم لم يمنعهم من ذكر ما عند بعضهم من إيجابيات في نصرة الإسلام من جهاد ونحوه أو رد بعضهم على من هو أشد انحرافاً كرد الأشاعرة على المعتزلة ورد المعتزلة على الفلاسفة ونحو ذلك.(1/12)
7- كذلك الذم والهجر لا يمنع الاعتراف بما في كلامهم من حق وصواب، ربما لدى بعضهم من زهد وعبادة (4) ولذلك يقبل أهل الحديث والسنة رواية المبتدع غير الداعية إذا توفرت فيه شروط الرواية المعروفة، مع شروط خاصة بذلك - لا مجال لتفصيلها هنا -
8- أيضاً إذا دعت الضرورة أو الحاجة لمناظرتهم ومجادلتهم - كأن يخشى فتنة العامة أو يطمع برد الشبهة فتشرع المناظرة في هذه الحالة
9- وأخيراً يجب أن نعلم أن مسألة هجر المبتدع تندرج تحت القاعدة الإسلامية الكبرى " الولاء والبراء " ولذلك فالمبتدع إذا كانت بدعته غير مكفرة لا يعادى من كل وجه كالكافر، وإنما يعادى ويبغض على حسب مامعه من بدعة ويحب ويوالى على حسب ما معه من إيمان
وإليك بعض النصوص عن أئمة السلف في بيان بعض الضوابط السابقة، يقول الإمام الآجري في بيان متى يشرع مناظرة المبتدع: (فإن قال قائل: فإن اضطر المرء وقتاً من الأوقات إلى مناظرتهم وإثبات الحجة عليهم ألا يناظرونهم؟ قيل الاضطرار إنما يكون مع إمام له مذهب سوء - فيمتحن الناس ويدعوهم إلى مذهبه - تفعل كما مضى في وقت أحمد بن حنبل - رحمه الله - ثلاثة خلفاء امتحنوا الناس، ودعوهم إلى مذهبهم السوء فلم يجد العلماء بدا من الذب عن الدين، وأرادوا بذلك معرفة العامة الحق من الباطل، فناظروهم ضرورة لا اختياراً فأثبت الله - عز وجل - الحق مع أحمد بن حنبل)(1) ويقول الإمام ابن عبد البر: (إلا أن يضطر أحد إلى الكلام فلا يسعه السكوت إذا طمع برد الباطل، وصرف صاحبه عن مذهبه، أو خشي ضلال عام--ة أو نحو هذا)(2)(1/13)
ويقول الإمام الشاطبي - رحمه الله - مبيناً اختلاف الهجر بحسب البدعة وصاحبها: (... إن القيام عليهم بالتثريب أو التنكيل أو الطرد والإبعاد أو الإنكار هو بحسب حال البدعة في نفسها من كونها عظيمة المفسدة في الدين، أم لا؟ وكون صاحبها مشتهراً بها أو لا؟ وداعياً إليها أو لا؟ ومستظهراً الأتباع وخارجاً عن الناس أو لا؟ وكونه عاملاً بها على جهة الجهل أو لا؟ وكل من هذه الأقسام له حكم اجتهادي يخصه، إذا لم يأت في الشرع في البدعة حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه) ثم بين - رحمه الله - اختلاف اجتهاد الأئمة في مواقفهم من المبتدعة بحسب ذلك من الطرد والإبعاد، أو السجن والقتل، أو التجريح والتشهير أو المناظرة والمداراة الخ(1)(1/14)
ولشيخ الإسلام في هذا المجال أقوال كثيرة نشير إلى شيء منها، يقول - رحمه الله - مبيناً اختلاف حكم الهجر باختلاف حال الهاجرين: (... وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين.. وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل، ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع، كما كثر القدر في البصرة، والتنجيم بخراسان، والتشيع بالكوفة، وبين ما ليس كذلك، ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم، وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه)(2) ويقول - رحمه الله - في بيان الفرق بين الداعية إلى البدعة وغير الداعية: (.. فأما من كان مستتراً بمعصية أو مسرا لبدعة غير مكفرة، فإن هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوع من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً أو عملاً، وأما من أظهر لنا خيراً فإنا نقبل علانيته ونكل سريرته إلى الله تعالى، فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم - يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون، ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة كمالك وغيره لا يقبلون راوية الداعي إلى بدعة، ولا يجالسونه، بخلاف الساكت....)(1)، ويقول - رحمه الله-.. (.. إذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة: استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير،(1/15)
واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه، فلم يجعلوا الناس إلا(2) مستحقاً للثواب فقط وإلا (3) مستحقاً للعقاب فقط....)(4)
ونختم هذه النقولات عن شيخ الإسلام، بنص قيم يبين فيه أن الرجل لا يعتبر مبتدعاً إلا بمخالفته أمراً مجمعاً عليه، أما الخلاف في مسائل الاجتهاد فلا تبديع فيه، يقول: (.. والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء، ما اشتهر عند أهل العلم، بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة، كبدع الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة......)(4)
ويقول أيضاً: (من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع....)(5)
والخلاصة في هذا المبحث (أن الأصل في الشرع هو هجر المبتدع لكل ليس عامًا في كل حال ومن كل إنسان ولكل مبتدع، وترك الهجر والإعراض عنه بالكلية، تفريط على أي حال وهجر لهذا الواجب الشرعي المعلوم وجوبه بالنص والإجماع وأن مشروعية الهجر هي في دائرة ضوابطه الشرعية المبنية على رعاية المصالح ودرء المفاسد، وهذا مما يختلف باختلاف البدعة نفسها، واختلاف مبتدعها واختلاف أحوال الهاجرين، واختلاف المكان والقوة والضعف، والقلة والكثرة...) (1).
خطورة الكلام في مثل هذه المسائل بغير علم:(1/16)
الكلام في هذه المسائل ينبني عليه أحكام دنيوية وأخروية كثيرة، لا مجال لتفصيلها، ومن هنا حذر أهل العلم من الكلام في ذلك بغير حجج شرعية واضحة، يقول الإمام الشوكاني - رحمه الله - (اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية عن جماعة من الصحابة أن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)) (2)، ويحذر الشيخ عبد الله بن محمد عبد الوهاب - رحمه الله - من الكلام في هذه المسائل، والحكم على الناس بغير علم فيقول: (وبالجملة فيجب على من نصح نفسه ألاَُ يتكلم في هذه المسألة إلاّ بعلم وبرهان من الله، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقله، فإن إخراج رجل من الإسلام، أو إدخاله فيه من أعظم أمور الدين.. وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة، فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره، وتعدى بآخرين فكفروا م-ن حكم الكتاب والسنة والإجماع بأنه مسلم) (1)، وعند الكلام عن مسألة ((الاحتياط في تكفير المعين)) سنشير إلى بعض النصوص وكلام أهل العلم في ذلك.
أبرز الانحرافات في هذا الموضوع:
وهذا من أهم الأسباب التي دفعتني إلى الكتابة في هذا الموضوع، حيث كثر اللبس والانحرافات لدى بعض من يتطرق إلى هذه الموضوعات، ومن أبرز ذلك:
أ- تبني منهج الوعيدية أو من يقابلهم من المرجئة، للجهل بحقيقة هذين المذهبين.
ب- عدم التفريق - أحياناً - بين التكفير بالعموم وتكفير المعين.
ج- - عدم التفريق في الحكم بين من ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو ينكر مادون ذلك.
د- الخلط - أحياناً - بين ما يعتبر كفراً مخرجاً من الملة أو غير مخرج.
ه- - الانحراف لدى البعض في حد الجهل الذي يعذر صاحبه والذي لا يعذر، ومتى يعذر؟(1/17)
و- وكذلك، ما الفيصل بين التأويل الذي يكفر صاحبه والذي لا يكفر، وما الحكم في الفرق المؤولة؟
ز- وهل يفرق بين الخطأ في أمور الاعتقاد والخطأ في أمور العمل؟
وكل ذلك يحتاج إلى جهد في التأصيل والاستقصاء وتتبع للأدلة ولكلام الأئمة لإبراز منهج السلف الصالح ودقتهم في مثل هذه المسائل العظام، أسأل الله - عز وجل - أن يكون في هذا البحث بعض الإسهام لإبراز هذا المنهج وتجليته.
أهم المراجع التي بحثت الموضوع:
يمكن تقسيم البحث إلى ثلاثة أقسام: الأول: مفهوم الإيمان عند أهل السنة ومخالفيهم ويشمل حقيقته، وأنه قول وعمل يزيد وينقص، والموقف من أهل المعاصي، والرد على الوعيدية والمرجئة في مفهومهم للإيمان وموقفهم من أهل المعاصي، والبحوث والدراسات في هذا القسم كثيرة ومن أبرزها "الإيمان" للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام، ومباحث الإيمان في كتاب " تعظيم قدر الصلاة" للمروزي(3)، "والإيمان" للإمام محمد بن إسحاق بن منده "والإيمان" لشيخ الإسلام ابن تيمية وهو من أوسع وأعمق الكتب في هذا الباب، ومن الكتابات المعاصرة كتاب "الإيمان أركانه، حقيقته، نواقضه"، للدكتور محمد نعيم ياسين وهو من الكتابات المتميزة، وقد بحث بعض النواقض العملية والقولية، وكتاب " حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة" لمحمد عبد الهادي المصري إلى غير ذلك من الكتب (3).(1/18)
أما القسم الثاني: وهو ضوابط التكفير وموانعه، فلم أطلع إلا على رسالة واحدة تجمع أكثر هذه الضوابط وهي رسالة "ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة" لعبد الله بن محمد القرني، وهو رسالة متميزة في بابها اجتهد الباحث في معالجة إشكالات كثيرة في هذا الجانب، ومن أميز ما في الرسالة - حسب رأيي - الرد المركز على جماعات التكفير والتوقف والمرجئة، أما البحوث والرسائل المستقلة عن بعض الضوابط، فتوجد بعض الرسائل المفردة في ذلك في مسألة "العذر بالجهل" وكذلك في "الإكراه"(3)، أما بقية الضوابط فلم أطلع على دراسات مستقلة عنها، وإنما مباحث قصيرة متفرقة ضمن بعض الكتب أو الدراسات.
والقسم الثالث من البحث حول نواقض الإيمان الاعتقادية، فلم أطلع على أية دراسة أو بحث يجمع أو يحاول جمع هذه النواقض، وإنما تبحث بعض هذه النواقض ضمن النواقض الأخرى، ومن الرسائل المتميزة في النواقض بشكل عام رسالتان: الأولى: رسالة "التكفير والمكفرات" لحسن بن علي العواجي وهي عبارة عن رسالة ماجستير من قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة 1407ه-، ((مطبوعة علي الآلة الكاتبة))وهذه الرسالة وإن كانت في المكفرات بشكل عام إلا أن تركيز الباحث انصب علي النواقض القولية والعملية أما الاعتقادية فلم يبحث منها إلا كفر الجحود والإنكار، والاعتقاد بأن بعض الناس يسعه الخروج على الشريعة، أيضاً بحث بعض الضوابط مثل الجهل والتأويل وعامة ما بحث في الرسالة بذل فيه جهد مناسب على ضوء منهج السلف الصالح وطريقتهم في البحث والاستدلال.(1/19)
والرسالة الثانية: ((نواقض الإيمان القولية والعملية)) للشيخ عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف، وهي رسالة دكتواره مقدمة لقسم العقيدة بجامعة الإمام وهي خاصة بالنواقض القولية والعملية (1) ورغم ذلك فقد درس الباحث بعض النواقض الاعتقادية مثل الإعراض التام عن دين الله، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة (2) وكذلك بعض الضوابط كالعذر بالجهل والتأويل، وهذه الرسالة تتميز بالدقة والتوثيق والمنهج السليم، وهي - بلا شك - تسد ثغرة في هذا المجال، وهناك كتب ورسائل أخرى (3)في هذا الباب أكثرها يعالج ناقضاً أو أكثر من النواقض القولية والعملية، وقد حرصت على الاستفادة من كافة الجهود في هذا المجال.
الباب الأول
الإيمان عند أهل السنة ومخالفيهم
الفصل الأول: الإيمان عند أهل السنة
الفصل الثاني: المعاصي وأثرها على الإيمان عند أهل السنة
الفصل الثالث: الإيمان عند الفرق "إجمالا"
أولا: تعريف الإيمان لغة واصطلاحا
الإيمان لغة: الإيمان له في لغة العرب استعمالان:
1- فتارة يتعدى بنفسه فيكون معناه التأمين أي إعطاء الأمان، وآمنته ضد أخفته، وفي الكتاب العزيز (وآمنهم من خوف)(1) فالأمن ضد الخوف
وفي الحديث الشريف: " النجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت النجوم، أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى الأمة ماتوعد " (2)
قال ابن الأثير (3)الأمنة في هذا الحديث جمع أمين، وهو الحافظ(4) وقوله - عز وجل -: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وآمنا)(5) قال أبو إسحاق: أراد ذا أمن فهو آمن وأمن وأمين وفي الكتاب العزيز: (وهذا البلد الأمين) (6) أي الآمن يعني مكة(1/20)
وقوله - عز وجل - (إن المتقين في مقام أمين)(7) أي قد أمنوا فيه الغير واستأمن إليه: دخل في أمانة، وقد أمنه وآمنه وقرئ في سورة براءة: (إنهم لا إيمان لهم)(1) (2) أي أنهم إن أجاروا وأمنوا المسلمين لم يفوا وغدروا، والإيمان هاهنا الإجارة
والأمنة والأمانة نقيض الخيانة
وفي الحديث: " المؤذن مؤتمن "(3)مؤتمن القوم: الذي يثقون فيه ويتخذونه أميناً حافظاً، تقول: اؤتمن الرجل فهو مؤتمن، يعني أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم
والمؤمن من أسماء الله تعالى. قيل: في صفة الله الذي أمن الخلق من ظلمه وقيل: المؤمن الذي آمن أولياءه عذابه وقيل: المؤمن الذي يصدق عباده ما وعدهم قال ابن الأثير: (في أسماء الله تعالى المؤمن وهو الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق، أو يؤمنهم في القيامة عذابه، فهو من الأمان ضد الخوف)(4).
2- وتارة يتعدى بالباء أو الكلام فيكون معناه التصديق.
وفى التنزيل: (وما أنت بمؤمن لنا) (5) أي بمصدق، آمنت بكذا، أي صدقت. والمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر.
والأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق.
قال الزجاج (*): أما قوله عز وج-ل: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها....)(1) والذي عندي فيه أن الأمانة ههنا النية التي يعتقدها الإنسان فيما يظهره باللسان من الإيمان، ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر، لأن الله - عز وجل - ائتمنه عليها ولم يظهر عليها أحداً من خلقه، فمن أضمر التوحيد والتصديق مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة، ومن أضمر التكذيب، وهو مصدق باللسان في الظاهر فقد حمل الأمانة ولم يؤدها (2).(1/21)
وقوله عز وجل: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) (3)، وقال ثعلب: يصدق الله ويصدق المؤمنين. ومنه قوله - عز وجل -: (قولوا آمنا بالله) (4)، و(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم)(5)، ويفهم من الكلام السابق، أن التصديق كما يكون بالقلب واللسان يكون بالجوارح أيضاً، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والفرج يصدق ذلك أو يكذبه))(6).
قال الجوهري (**): (والصديق مثال الفسيق: الدائم التصديق، ويكون الذي يصدق قوله بالعمل) (1). وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية بعض التنبيهات المهمة حول الفوارق بين التصديق والإيمان من جهة اللغة ومنها:
1- (أن الإيمان ليس مرادفاً للتصديق في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت، فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: صدق، كما يقال: كذب، وأما لفظ الإيمان ليس فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام أن من أخبر عن مشاهدة، كقوله: طلعت الشمس وغربت، أنه يقال: آمناه، كما يقال: صدقناه: فإن الإيمان مشتق من الأمن، فإنما يستعمل فيما يؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب، ولهذا لم يوجد قط في القرآن الكريم وغيره لفظ، آمن له إلا في هذا النوع) (2).
2- (أن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابل بالتكذيب، كلفظ التصديق، فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: صدقت أو كذبت، ويقال: صدقناه، أو كذبناه، ولا يقال لكل مخبر: آمنا له أو كذبناه، ولا يقال: أنت مؤمن له، أو مكذب له، بل المعروف في مقابله الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب...) (3).
الإيمان شرعا
ذهب عامة أهل السنة إلى أن الإيمان الشرعي هو اعتقاد وقول وعمل.
قال الإمام محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني:
(والإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب، والعمل بالأركان). (1)(1/22)
وقال الإمام البغوي: (اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان.. وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة).(2)
وقال الحافظ ابن عبد البر: (أجمع أهل الفقة والحديث على أن الإيمان قول وعمل ولا عمل إلا بنية... إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيماناً(3)...) (4).
(قال الإمام الشافعي في ((كتاب الأم)).. وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم ممن أدركنا: أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزيء واحد من الثلاثة عن الآخر)(5).
وروى الإمام اللالكائي(*) عن الإمام البخاري قوله: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص (1).
والنصوص عن الأئمة كثيرة جداً في قولهم: إن الإيمان قول وعمل، نقل كثيراً منها المصنفون في عقيدة أهل السنة من الأئمة المتقدمين كالإمام اللالكائي وابن بطه (*) وابن أبي عاصم وغيرهم.
ولا فرق بين قولهم: إن الإيمان قول وعمل، أو قول وعمل ونية، أوقول وعمل واعتقاد. فكل ذلك من باب اختلاف التنوع، فمن قال من السلف: إن الإيمان قول وعمل أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح.
ومن زاد الاعتقاد رأى لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك، فزاد الاعتقاد بالقلب.
ومن قال: قول وعمل ونية، قال: القول يتناول الاعتقاد (قول القلب)، وقول اللسان، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية (عمل القلب)، فزاد ذلك(2).
خلاصة ما سبق من حقيقة الإيمان الشرعي أنها (مركبة من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام.
والعمل قسمان: عمل القلب: وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح. فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد(1/23)
الصدق فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سراً وجهراً، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به) (1).
العلاقة بين المعنى اللغوى والشرعي:
عرفنا أن من معاني الإيمان لغة: التصديق، وأن التصديق يكون بالقلب واللسان والجوارح، وهكذا الإيمان الشرعي، عبارة عن تصديق مخصوص، وهو ما يسمى عند السلف، بقول القلب، وهذا التصديق لا ينفع وحده، بل لابد معه من الانقياد والاستسلام، وهو ما يسمى بعمل القلب ويلزم من ذلك قول اللسان، وعمل الجوارح، وهذه الأجزاء مترابطة، لا غنى لواحدة منها عن الأخرى ومن آمن بالله عز وجل، فقد أمن من عذابه.
ثانيا: الإيمان اعتقاد وقول وعمل
الإيمان أصله في القلب:
قال عز وجل: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)(1).
وقال تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم)(2).
وقال أيضاً: (كتب في قلوبهم الإيمان)(3).
وقال أيضاً: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)(4).
وقال - صلى الله عليه وسلم: " يا معشر من آمن بلسان، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه"(5).
إلى غير ذلك من الأدلة الصريحة في أن إيمان القلب شرط في الإيمان، ولا يصح الإيمان بدونه، وأنه إذا وجد سرى ذلك إلى الجوارح ولابد.
وإيمان القلب ليس مجرد العلم والمعرفة والتصديق بالله عز وجل، وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم - بل لابد مع ذلك من الانقياد والاستسلام، والخضوع والإخلاص، مما يدخل تحت عمل القلب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، ولابد فيه من شيئين:(1/24)
تصديق القلب وإقراره ومعرفته، ويقال لهذا: قول القلب، قال الجنيد بن محمد(1) " التوحيد قول القلب، والتوكل عمل القلب " فلا بد فيه من قول القلب وعمله، ثم قول البدن وعمله، ولا بد فيه من عمل القلب، مثل حب الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، وتوكل القلب على الله وحده، وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها الله ورسوله وجعلها جزءاً من الإيمان ثم القلب هو الأصل، فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن ضرورة لا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب (2).
فإذا كان القلب صالحا بما فيه من الإيمان علماً وعملاً قلبياً لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر، والعمل بالإيمان المطلق..)(3).
ويقول أيضاً (الإيمان أصله معرفة القلب وتصديقه وقوله، والعمل تابع لهذا العلم والتصديق ملازم له، ولا يكون العبد مؤمناً إلا بها) (4).
ويقول - رحمه الله - مبيناً شدة الترابط بين الأصل والفرع: (إذا قام بالقلب التصديق به، والمحبة له (قول القلب، وعمله) لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة، والأعمال الظاهرة، فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمه، ودليله ومعلوله، كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضاً تأثير فيما في القلب، فكل منهما يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له، والفرع يستمد من أصله، والأصل يثبت ويقوى بفرعه)(1).(1/25)
ويقول الإمام المروزي (*) - رحمه الله -: (أصل الإيمان التصديق بالله، وبما جاء من عنده، وعنه يكون الخضوع لله لأنه إذا صدق بالله خضع له، وإذا خضع أطاع.. ومعنى التصديق هو المعرفة بالله، والاعتراف له بالربوبية، بوعده، ووعيده، وواجب حقه، وتحقيق ما صدق به من القول والعمل.. ومن التصديق بالله يكون الخضوع لله، وعن الخضوع تكون الطاعات، فأول ما يكون عن خضوع القلب لله الذي أوجبه التصديق من عمل الجوارح والإقرار باللسان)(2).
ويقول أيضاً: (وإنما المعرفة التي هي إيمان، هي معرفة تعظيم الله، وجلاله، وهيبته، فإذا كان كذلك، فهو المصدق الذي لا يجد محيصاً عن الإجلال، والخضوع لله بالربوبية، فبذلك ثبت أن الإيمان يوجب الإجلال لله، والتعظيم له، والخوف منه، والتسارع إليه بالطاعة على قدر ما وجب في القلب من عظيم المعرفة) (3).
ويقول: (أصل الإيمان هو التصديق، وعنه يكون الخضوع، فلا يكون مصدقاً إلا خاضعاً، ولا خاضعاً إلا مصدقاً، وعنهما تكون الأعمال)(4)
يتضح لنا من النقل السابق أن العلم والمعرفة والتصديق (أي قول القلب)، إن لم يصحبها الانقياد والاستسلام والخضوع، (أي عمل القلب والجوارح) لم يكن المرء مؤمناً، بل تصديق هذا شر من عدمه (1) لأنه ترك الانقياد مع علمه ومعرفته.
والدليل على أن التصديق والمعرفة فقط لا تنفع صاحب-ها وصف الله به إبليس بقوله: (خلقتنى من نار) (2) وقوله: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين)(3)، فأخبر أنه قد عرف أن الله خلقه، ولم يخضع لأمره فيسجد لآدم كما أمره، فلم ينفعه معرفته إذ زايله الخضوع.(1/26)
والدليل على ذلك أيضاً شهادة الله على قلوب بعض اليهود أنهم يعرفون النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أنزل إليهم كما يعرفون أبناءهم، فلا أحد أصدق شهادة على ما في قلوبهم من الله، إذ يقول لنبيه: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به)(4)، وقال: (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)(5)، وقال: (ليكتمون الحق وهم يعلمون) (6) فشهد على قلوبهم بأنها عارفة عالمة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يوجب لهم اسم الإيمان بمعرفتهم وعلمهم بالحق إذ لم يقارن معرفتهم التصديق والخضوع لله ولرسوله بالتصديق له والطاعة (7).
ومما يجدر ذكره أن بعض السلف يطلق التصديق أو اعتاد القلب ويقصد به قول القلب وعمله جميعاً، أو عمل القلب وحده.(1/27)
يقول الإمام أحمد - رحمه الله -: " وأما من زعم أن الإيمان الإقرار، فما يقول في المعرفة؟ هل يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار؟ وهل يحتاج أن يكون مصدقاً بما عرف؟ فإن زعم أنه يحتاج على المعرفة مع الإقرار، فقد زعم أنه من شيئين، وإن زعم أنه يحتاج أن يكون مقرا ومصدقا بما عرف، فهو من ثلاثة أشياء، وإن جحد وقال: لا يحتاج إلى المعرفة والتصديق فقد قال قولاً عظيماً(1) فالملاحظ من كلام الإمام أحمد أنه يعني بالتصديق عمل القلب ويعني بالمعرفة قول القلب، أما الإقرار فقول اللسان(2) وقال الإمام أبو ثور لما سئل عن الإيمان ما هو؟: (فاعلم يرحمنا الله وإياك أن الإيمان تصديق بالقلب والقول باللسان وعمل بالجوارح، وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو قال: أشهد أن الله عز وجل واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق، وأقر بجميع الشرائع، ثم قال: ما عقد قلبي على شيء من هذا ولا أصدق به أنه ليس بمسلم ولو قال: المسيح هو الله، وجحد أمر الإسلام، قال لم يعتقد قلبي على شيء من ذلك أنه كافر بإظهار ذلك وليس بمؤمن، فلما (3) لم يكن بالإقرار إذا لم يكن معه التصديق مؤمناً ولا بالتصديق إذا لم يكن معه الإقرار مؤمناً، حتى يكون مصدقاً بقلبه مقراً بلسانه فإذا كان تصديق بالقلب وإقرار باللسان كان عندهم مؤمناً (4) وعند بعضهم لا يكون حتى يكون مع التصديق عمل، فيكون بهذه الأشياء إذا اجتمعت مؤمناً...)(5)
ثم رد على من أخرج العمل من الإيمان فالغالب أنه يقصد بالتصديق هنا (قول القلب وعمله) والله أعلم
يقول ابن تيمية (وكذلك قول من قال: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان وعمل بالجوارح، جعل القول والعمل اسماً لما يظهر، فاحتاج أن يضم إلى ذلك اعتقاد القلب، ولا بد أن يدخل في قوله: اعتقاد القلب، أعمال القلب المقارنة لتصديقه، مثل حب الله، وخشية الله والتوكل عليه، ونحو ذلك، فإن دخول أعمال القلب في الإيمان أولى من دخول أعمال الجوارح باتفاق الطوائف كلها)(1)(1/28)
ويقول الإمام ابن القيم موضحاً ذلك: (ونحن نقول: الإيمان هو التصديق، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيماناً لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما يعرفون أبناءهم مؤمنين صادقين) (2)
ونختم هذا البحث بالتأكيد على أهمية الخضوع والاستسلام والانقياد (عمل القلب والجوارح) وأنه أساس دعوة الأنبياء والرسل، وأن قضيتهم مع أقوامهم دائماً ليست قضية المعرفة والعلم المجرد (أي قول القلب) قال تعالى: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) (3)
وقال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً)(4)
فالكفار والمنافقون غالباً ما يقرون بالربوبية والرسالة ولكن الكبر والبغض وحب الرياسة والشهوات ونحوها تصدهم عن الطاعة والإخلاص والمتابعة (أي توحيد الألوهية) ومن ثم فلا ينفعهم ذلك، ولا ينجيهم من عذاب الله عز وجل في الآخرة ولا من سيف المؤمنين في الدنيا، فيجب على الدعاة إلى الله أن ترتكز دعوتهم على ذلك، وأن لا يقتصروا بالاهتمام بتوحيد الربوبية دون الدعوة إلى توحيد الألوهية، وإنما يكون اهتمامهم بالربوبية طريقاً ومنطلقاً لترسيخ وتثبيت توحيد الألوهية وعبادة الله وحده لا شريك له.
قول اللسان (الإقرار باللسان) (1)
قول اللسان جزء من مسمى الإيمان، والمقصود بقول اللسان: الأعمال التي تؤدى باللسان: كالشهادتين والذكر وتلاوة القرآن والصدق والنصيحة والدعاء وغير ذلك مما لا يؤدى إلا باللسان وهذه الأعمال منها ما هو مستحب ومنها ما هو واجب ومنها ما هو شرط لصحة الإيمان ولنبدأ أولاً بالنصوص الدالة على أن قول اللسان يدخل في مسمى الإيمان ومنها:(1/29)
1- قوله - عز وجل- (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) (2) ثم قال - عز وجل - (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق) (3).
قال الحليمي (*) (فأمر المؤمنين أن يقولوا " آمنا " ثم أخبر بقوله تعالى: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به) أن ذلك القول منهم إيمان، وسمي قولهم مثل ذلك إيمانا، إذ لا معنى لقوله (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به).
إلا فإن آمنوا بأن قالوا: " مثل ما قلتم " فكانوا مؤمنين كما آمنتم فصح أن القول إيمانا)(1).
2- وقال - عز وجل - في آية أخرى: (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) (2) هذا الإيمان منهم لما رأوا البأس لم ينقلهم من الكفر ولم ينفعهم فثبت أنه لو كان قبلها لنفعهم بأن ينقلهم من الكفر إلى الإيمان وبذلك يكون هذا القول منهم لو كان قبل رؤية البأس لكان إيمانا(3).
3- ومن الأحاديث الشريفة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " (4) فقد أخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أن العصمة المزايلة للكفر تثبت بالقول فبذلك يثبت أن القول إيمان لأن الإيمان هو العاصم من السيف (5).
4- ومن الأحاديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان (6).
فهذا الحديث أصل في دخول الأعمال والأقوال في مسمي الأيمان وسيأتي مزيد تفصيل لذلك.
نكتفي بهذه الأدلة الصريحة على دخول قول اللسان في مسمى الإيمان ونأتي إلى مسألة مهمة وهي:
الشهادتان أصل قول اللسان وهما شرط في صحة الإيمان:(1/30)
اتفق أهل السنة على أن النطق بالشهادتين شرط لصحة الإيمان قال الإمام النووي تعليقاً على حديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (وفيه أن الإيمان شرطه الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما واعتقاد جميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم (1)وقال أيضاً (واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين، على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة، ولا يخلد في النار، لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقاداً جازماً خالياً من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلا)(2)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر) (3)
وقال أيضاً (فأما الشهادتان) إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو كافر باطناً وظاهراً عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها) (4) وقال أيضاً (إن الذي عليه الجماعة أن من لم يتكلم بالإيمان بلسانه من غير عذر لم ينفعه ما في قلبه من المعرفة، وأن القول من القادر عليه شرط في صحة الإيمان) (5) وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي عند كلامه على حديث شعب الإيمان (وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها إجماعاً كشعبة الشهادتين، ومنها ما لا يزول بزوالها إجماعاً، كترك إماطة الأذى عن الطريق..) (1)
وقال الأمام ابن رجب الحنبلي: (ومن ترك الشهادتين خرج من الإسلام)(2)
ويق-ول الحافظ ابن حجر تعليقاً على حديث " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير.." الحديث (3)
(فيه دليل على اشتراط النطق بالتوحيد..)(4)(1/31)
والمقصود بالشهادتين كما لا يخفى ليس مجرد النطق بهما، بل التصديق بمعانيهما وإخلاص العبادة لله، والتصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم والإقرار ظاهراً وباطناً بما جاء به فهذه الشهادة هي التي تنفع صاحبها عند الله عز وجل، ولذلك ثبت في الأحاديث الصحيحة قوله صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله (مخلصاً) (5)من قلبه وفي رواية (صدقاً) (6) وفي رواية (غير شاك)(7)(مستيقناً) (8) قال الامام المروزي (ثم قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس لوفد عبد القيس: " آمركم بالإيمان، ثم قال أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله " فبدأ بأصله والشاهد بلا إله إلا الله هو المصدق المقر بقلبه يشهد بها لله بقلبه، ولسانه يبتديء بشهادة قلبه والإقرار به ثم يثني بالشهادة بلسانه والإقرار به ليس كما شهد المنافقون إذ (قالوا نشهد إنك لرسول الله) (1) والله يشهد إنهم لكاذبون، فلم يكذب قلوبهم أنه حق في عينه، ولكن كذبهم من قولهم، فقال (والله يعلم إنك لرسوله) (2)أي كما قالوا، ثم قال (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) (3) فكذبهم من قولهم، لا أنهم قالوا بألسنتهم باطلاً ولا كذباً، وكذلك حين أجاب النبي صلى الله عليه وسلم جبريل بقوله " الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله " لم يرد شهادة باللسان كشهادة المنافقين ولكن أراد شهادة بدؤها من القلب بالتصديق بالله بأنه واحد) (4)(1/32)
قال القرطبي ردا على من زعم أن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان (بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح وهو باطل قطعاً (5)وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب تعليقاً على قوله صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دونه حرم ماله ودمه، وحسابه على الله " قال (وهذا من أعظم ما يبين معنى " لا إله إلا الله " فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه فيالها من مسألة ما أعظمها وأجلها، وياله من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع)(6) والمقصود من النقل السابق التأكيد على أن التلفظ بالشهادتين وحده لا يفي لصحة الإيمان والنجاة في الآخرة ما لم يقترن ذلك بخضوع وانقياد وتصديق وإخلاص على حسب ما جاء في النصوص الأخرى وأجمل عبارة مختصرة يمكن أن تقال بهذه المناسبة ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية (وتواترت النصوص بأنه يحرم على النار من قال: لا إله إلا الله ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال)(1)
وسيأتي إن شاء الله مزيد بحث لهذه النقطة عند مناقشة شبه المرجئة
ثالثا: صلة العمل بالإيمان
مر معنا كلام السلف أن أعمال الجوارح داخلة في الإيمان، وفي هذه الفقرة سنشير إلى أدلة أهل السنة على إدخال الأعمال في مسمى الإيمان ومنها:(1/33)
1- قول الله - عز وجل (وما كان الله ليضيع إيمانكم) (1) ثبت في سبب نزول هذه الآية كما في حديث البراء الطويل وغيره وفي آخره " أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم) ووضع البخاري هذا الحديث في مواضع ومنها " باب الصلاة من الإيمان "(2) قال الحليمي (أجمع المفسرون على أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس، فثبت أن الصلاة إيمان، وإذا ثبت ذلك، فكل طاعة إيمان إذ لم أعلم فارقاً في هذه التسمية بين الصلاة وسائر العبادات) (3)
2- كذلك قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا)(4)ومثله جميع الآيات المشابهة كقول-ه عز وجل (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) (5) ففي هذه الآيات إشارة إلى أن جميع الأعمال المذكورة من واجبات الإيمان فلهذا نفي الإيمان عمن لم يأت بها، فإن حرف "إنما" يدل على إثبات المذكور ونفي غيره(1)
3- ومن الأدلة الصريحة في ذلك حديث وفد عبد القيس وفيه قوله صلى الله عليه وسلم " آمركم بالإيمان بالله وحده وقال: هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا الله ورسوله أعلم قال " شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من الغنائم الخمس " الحديث (2) ففي هذا الحديث فسر الرسول صلى الله عليه وسلم للوفد الإيمان هنا بقول اللسان، وأعمال الجوارح(1/34)
(ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب، لما قد أخبر في مواضع أنه لابد من إيمان القلب، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان، وأي دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان فوق هذا الدليل؟ فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق مع العلم بأن هذه الأعمال لا تفيد مع الجحود) (3)
4- ومن الأدلة أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " الحديث (4) وما في معناه من الأحاديث في نفي الإيمان عمن ارتكب الكبائر وترك الواجبات كقوله صلى الله عليه وسلم " لا إيمان لمن لا أمانة له " (5) يقول ابن رجب تعليقاً على ذلك (فلولا أن ترك هذه الكبائر من مسمى الإيمان لما انتفى اسم الإيمان عن مرتكب شيء منها لأن الاسم لا ينتفي إلا بانتفاء بعض أركان المسمى أو واجباته)(1) ويقول ابن تيمية (.... ثم إن نفي الإيمان عند عدمها دال على أنها واجبة فالله ورسوله لا ينفيان اسم مسمى أمر الله به ورسوله إلا إذا ترك بعض واجباته كقوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة إلا بأم القرآن " (2).
وقوله صلى الله عليه وسلم " لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له " (3)(4).
5- ومن الأحادي-ث أيضاً قوله صلى الله عليه وسل-م: " الطهور شطر الإيمان " (5) ومثله " حسن العهد من الإيمان " (6)وغيرها كثير.
6- ومنها قوله صلى الله عليه وسلم -: " من أعطى لله ومنع لله، وأحب لله وأبغض لله، وأنكح لله فقد استكمل إيمانه " (7)(1/35)
وهذا يدل على أن هذه الأعمال جزء من مسمى الإيمان يكمل بوجودها وينقص بنقصها، ومثل ذلك جميع الآيات والأحاديث الدالة على زيادة الإيمان ونقصانه كما سيأتي (لأن الأعمال إذا كانت إيمانا كان بكمالها تكامل الإيمان، وبتناقصها تناقص الإيمان وكان المؤمنون متفاضلين في إيمانهم كما هم متفاضلون في أعمالهم، وحرم أن يقول قائل (إيماني وإيمان الملائكة والنبيين واحد) لأن الطاعات كلها إذا كانت إيماناً فمن كان أكثر طاعة كان أكثر إيماناً ومن خلط الطاعات بالمعاصي كان أنقص إيماناً ممن أخلص الطاعات)(1)
7- ولعلنا نختم هذا المبحث بأبرز الأحاديث دلالة على المقصود وهو حديث شعب الإيمان.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان " (2) وقد اعتنى الأئمة بهذا الحديث واعتبروه أصلاً لإدخال الطاعات في الإيمان وعدوها من شعبه وألفوا في ذلك بعض المصنفات، ومن أغزرها المنهاج في شعب الإيمان للإمام أبي عبد الله الحليمي واختصره الإمام البيهقي في كتاب الجامع لشعب الإيمان مع عنايته بالأسانيد خلافاً للحليمي، واختصر كتاب البيهقي الإمام القزويني وجميعهم عدوا سبعاً وسبعين شعبة من شعب الإيمان مع شرحها
وممن اعتنى بحصر شعب الإيمان الإمام اللالكائي فقد ذكر في كتابه " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " اثنتين وسبعين خصلة من خصال الإيمان وذكر تحت كل خصلة ما يناسبها من الأحاديث (1)
وعد الإمام ابن بطه في الإيمان سبعين شعبة سرداً دون ذكر أدلتها (2)(1/36)
وقال أبو حاتم بن حبان (تتبعت معنى هذا الحديث مدة وعددت الطاعات فإذا هي تزيد على العدد شيئا كثيراً فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين فرجعت إلى كتاب الله فقرأته بالتدبر وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن وأسقطت المعاد فإذا هي كل شيء عده الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان تسع وسبعين شعبة لا يزيد عليها ولا تنقص فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنن) (3)
وعدها أيضاً الحافظ ابن حجر فقال: (هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن، فأعمال القلب فيه المعتقدات والنيات وتشتمل على أربع وعشرين خصلة ثم ذكرها وأعمال اللسان وتشتمل على سبع خصال ثم ذكرها وأعمال البدن وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة ثم ذكرها، إلى أن قال: فهذه تسع وستون خصلة ويمكن عدها تسعاً وسبعين خصلة باعتبار أفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر. والله أعلم) (4) وأخيراً ننقل كلاماً للقاضي عياض قال فيه: (وبقي بين هذين الطرفين [أي الشهادتان وإماطة الأذى] - أعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن وشدة التتبع لأمكنه وقد فعل ذلك بعض من تقدم، وفي الحكم بأن ذلك مراد النبي صلى الله عليه وسلم صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان، إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة والإيمان بأنها هذا العدد واجب في الجملة) (2)
الإيمان شعب، والكفر شعب:
قال الإمام الخطابي (*) (وفي هذا الحديث بيان أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى ذي شعب وأجزاء له أدنى وأعلى، فالاسم يتعلق ببعضها كما يتعلق بكلها، والحقيقة تقتضي جميع شعبها وتستوفي جملة أجزائها، كالصلاة الشرعية، لها شعب وأجزاء، والاسم يتعلق ببعضها كما يتعلق بكلها، والحقيقة تقتضي جميع أجزائها وتستوفيها) (3)(1/37)
ويقول الإمام ابن القيم (الإيمان أصل له شعب متعددة، وكل شعبة تسمى إيماناً، فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة والحج والصوم، والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل.. وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق، وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً، منها ما يلحق بشعبة الشهادة، ويكون إليها أقرب، ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى، ويكون إليها أقرب، وكذلك الكفر ذو أصل وشعب، فكما أن شعب الإيمان إيمان، فشعب الكفر كفر، والحياء شعبة من الإيمان، وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر، والصدق شعبة من شعب الإيمان، والكذب شعبة من شعب الكفر... والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان) (1)
خلاصة ما سبق:
من الأدلة السابقة يتبين لنا:
أولاً: أن الطاعات جميعاً ومنها أعمال الجوارح تدخل في مسمى الإيمان.
ثانياً: أن الإخلال والتقصير بأداء الطاعات يضر في الإيمان.
رابعا: الإيمان والإسلام والعلاقة بينهما
كثر نزاع أهل القبلة في مسمى الإيمان والإسلام هل مسماهما واحد؟ أم الإيمان أعم من الإسلام؟ أم الإسلام أعم من الإيمان؟.... الخ.
والذي يعنينا في هذا المبحث الإشارة إلى أقوال أهل السنة وأدلتهم، وإليك بيان ذلك.
اختلف أهل السنة في ذلك على قولين:
أحدهما: أن مسماهما يختلف على حسب الإفراد والاقتران.
والآخر: أن مسماهما واحد.
القول الأول: أكثر أهل السنة على هذا القول وممن قال بذلك ابن عباس والحسن البصري، ومحمد بن سيرين والزهري وقتادة وداود بن أبي هند، وحماد بن زيد، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وأحمد بن حنبل، وأبو جعفر الباقر، وعبد الرحمن ابن مهدي، وابن معين، وأبو خيثمة، والخطابي، واللالكائي، وابن الصلاح، وابن تيمية، وابن رجب وغيرهم (1).
ومن أبرز أدلتهم:(1/38)
1- قوله - تعالى -: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا). الآية: (2).
استدل أصحاب هذا القول بالآية على التفريق بين مسمى الإيمان الإسلام عند الافتران، فقالوا إن هذه الآية أثبتت لهم الإسلام ونفت عنهم الإيمان مما يدل على أن مرتبة الإيمان أعلى واستدلوا بها على أن الإسلام المثبت يثابون عليه وهذا أحد القولين في تفسير هذه الآية (1).
يقول ابن تيمية (والدليل على أن الإسلام المذكور في الآية هو إسلام يثابون عليه وأنهم ليسوا منافقين، قوله: (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً) فدل على أنهم إذا أطاعوا الله ورسوله مع هذا الإسلام، آجرهم الله على الطاعة، والمنافق عمله حابط في الآخرة (2) (وأيضاً قوله: (ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) (ولما) إنما ينتفي بها ما ينتظر ويكون حصوله مترقباً، كقوله: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) (3).
فقوله: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) يدل على أن دخول الإيمان منتظر منهم، فإن الذي يدخل في الإسلام ابتداء، لا يكون قد حصل في قلبه الإيمان ولكنه يحصل فيما بعد.. ولهذا كان عامة الذين أسلموا رغبة ورهبة دخل الإيمان في قلوبهم بعد ذلك، وقوله: (ولكن قولوا أسلمنا) أمر لهم بأن يقولوا ذلك، والمنافق لا يؤمر بشيء) (4).
أيضاً نفي الإيمان هنا عنهم من جنس قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) وقوله ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)) ونحوه، أي أن المنفى هنا هو الإيمان الواجب وليس أصل الإيمان (فكذلك الأعراب) في هذه الآية لم يأتوا بالإيمان الواجب فنفى عنهم ذلك وإن كانوا مسلمين معهم من الإيمان ما يثابون عليه) (1)(1/39)
ويق-ول ابن كثير: (استفيد من هذه الآية أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة...) (2).
2- عن عام-ر بن سعد، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى رجالاً ولم يعط رجلاً فقلت يا رسول الله: أعطيت فلاناً وتركت فلاناً لم تعطه، وهو مؤمن!! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أو هو مسلم)) قال: فأعدتها ثلاثاً وهو يقول: ((أو مسلم)).
ثم قال: ((إني لأعطى رجالاً، وأمنع رجالاً أحب إلي منهم مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم)) - أو قال ((على مناخرهم)) (3).
يقول ابن أبي العز الحنفي تعليقاً على هذا الحديث: (فأثبت له الإسلام، وتوقف في اسم الإيمان، فمن قال: هما سواء - كان مخالفاً) (4).
وأيضاً يمكن أن يقال: إن هذا الرجل الذي أثبت له - صلى الله عليه وسلم - الإسلام دون الإيمان من جنس الأعراب المذكورين في الآية السابقة، فهو معه إسلام يثاب عليه، ولكن لم يفعل الإيمان الواجب حتى يقال له مؤمن بدون قيد، وهذا من الأدلة الواضحة على أن الإيمان أخص وأعلى من الإسلام حين اقترانهما (5).(1/40)
3- ومن أدلتهم الكلية على التفريق بينهما قولهم: (إن الله جعل اسم المؤمن اسم ثناء وتزكية ومدحة أوجب عليه الجنة، فقال: (وكان بالمؤمنين رحيما * تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما) (1)وقال: (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم) (2)وقال: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم) (3) وقال: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) (4)وقال: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) (5)وقال: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) (6) ثم أجب الله النار على الكبائر، فدل بذلك على أن اسم الإيمان زائل عن من أتى كبيرة، قالوا: ولم نجد الله أوجب الجنة باسم الإسلام، فثبت أن اسم الإسلام له ثابت على حاله، واسم الإيمان زائل عنه... فإن قيل له-م: فالذين زعمتم أن النبي - صل-ى الله عليه وسلم - أزال عنه اسم الإيمان، هل فيه من الإيمان شيء؟ قالوا: نعم، أصله ثابت ولولا ذلك لكفر) (7).
ويزيد شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الأمر وضوحاً بنص قيم ننقله مع بعض الاختصار. قال (.... والوعد الذي في القرآن بالجنة وبالنجاة من العذاب إنما هو معلق باسم الإيمان، وأما اسم الإسلام مجرداً فما علق به في القرآن دخول الجنة، لكنه فرضه وأخبر أنه دينه الذي لا يقبل من أحد استفار، وبالإسلام بعث جميع النبيين قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (8).(1/41)
وقال: (إن الدين عند الله الإسلام) (1)وكذلك أخبر عن إبراهيم - عليه السلام - أن دينه الإسلام فقال - تعالى -: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (2)وقال: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا) (3)ولمجموع هذين الوصفين (أي الإسلام مع الإحسان علق السعادة فقال: (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (4) كما علقه بالإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح في قوله: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (5)، وهذا يدل على أن الإسلام الذي هو إخلاص الدين لله مع الإحسان وهو العمل الصالح الذي أمر الله به هو والإيمان المقرون بالعمل الصالح متلازمان، فإن الوعد على الوصفين وعد واحد وهو الثواب وانتفاء العقاب... وأما الإسلام المطلق المجرد، فليس في كتاب الله تعليق دخول الجنة به كما في كتاب الله تعليق دخول الجنة بالإيمان المطلق المجرد..) (6).
وقال رادا على من يطلق الإيمان على مرتكب الكبيرة في سياق الثناء والوعد بالجنة بأن ذلك (خلاف الكتاب والسنة، ولو كان كذلك لدخلوا في قوله: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) (1)وأمثال ذلك مما وعدوا فيه الجنة بلا عذاب) (2).
ومقصود الأئمة من الكلام السابق أن الإيمان أكمل من الإسلام حيث إن المؤمن المطلق موعود بالجنة أما المسلم المطلق فلم يرد أنه يدخل الجنة بلا عذاب، لأنه قد يكون مسلماً ولا يكون مؤمناً كاملاً، والله أعلم(1/42)
4- أيضاً ذكر من يفرقون بين مسمى الإيمان والإسلام قاعدة في الأسماء مفادها (أن من الأسماء ما يكون شاملاً لمسميات متعددة عند إفراده وإطلاقه، فإذا قرن ذلك الاسم بغيره صار دالا على بعض تلك المسميات، والاسم المقرون به دال على باقيها، وهذا كاسم الفقير والمسكين، فإذا أفرد أحدهما دخل فيه كل من هو محتاج، وإذا قرن أحدهما بالآخر دل أحد الاسمين على بعض أنواع ذوي الحاجات والآخر على باقيها، فهكذا اسم الإيمان إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده، فإذا قرن بينهما دل أحدهما على بعض ما يدل عليه بانفراده ودل الآخر على الباقي وقد صرح بهذا المعنى جماعة من الأئمة.. ويدل على صحة ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسر الإيمان عند ذكره مفرداً في حديث وفد عبد القيس بما فسر به الإسلام المقرون بالإيمان في حديث جبريل - عليه السلام - وفسر في حديث آخر الإسلام بما فسر به الإيمان، كما في مسند الإمام أحمد عن عمرو بن عبسة قال: جاء رجل إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا ر سول الله ما الإسلام؟ قال: ((أن تسلم قلبك لله، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك))، قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: ((الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت)).. الحديث (3).. فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان أفضل الإسلام، وأدخل فيه الأعمال... وبهذا التفصيل الذي ذكرناه يزول الاختلاف فيقال: إذا أفرد كل من الإسلام والإيمان بالذكر فلا فرق بينهما حينئذ، وإن قرن بين الاسمين كان بينهما فرق...) (1).(1/43)
5- وأخيراً لعلنا نذكر ما يمكن أن نعتبره أهم دليل يعتمده من يفرقون بينهما: وهو حديث جبريل المشهور وفيه قال جبريل عليه السلام: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً))، فقال: صدقت، فتعجبنا من سؤاله وتصديقه. ثم قال: فما الإيمان؟ قال: ((أن تؤمن بالله وحده وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار، وبالقدر خيره وشره)). فقال: صدقت، ثم قال: فما الإحسان؟ إلى أن قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ذلك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم)) (2).
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح تعليقاً على هذا الحديث: (هذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن وبيان لأصل الإسلام، وهو الاستسلام والانقياد الظاهر)(3)..(1/44)
ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات لكونها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان، ومقويات ومتممات وحافظات له، ولهذا فسر - صلى الله عليه وسلم - الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان، وإعطاء الخمس من المغنم، ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو بدل فريضة، لأن اسم الشيء مطلقاً يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهراً إلا بقيد، ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)) واسم الإسلام يتناول أيضاً ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن، ويتناول أصل الطاعات. فإن ذلك كله استسلام قال: فخرج مما ذكرناه وحققناه أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان، وأن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً قال: وهذا تحقيق وافر بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون، وما حققناه من ذلك موافق لجماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم)(1).
ويستنبط شيخ الإسلام ابن تيمية من هذا الحديث القاعدة التالية وهى أن (الإحسان أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإيمان، والإيمان أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإسلام، فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخص من المؤمنين، والمؤمنون أخص من المسلمين (2).. فجعل الدين ثلاث طبقات: أولها الإسلام، وأوسطها الإيمان، وأعلاها الإحسان، ومن وصل إلى العليا، فقد وصل إلى التي تليها، فالمحسن مؤمن، والمؤمن مسلم، وأما المسلم فلا يجب أن يكون مؤمناً (أي الإيمان التام) (3).(1/45)
وقال الخطابي: (والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا، ولا يطلق، وذلك أن المسلم قد يكون مؤمناً في بعض الأحوال، ولا يكون مؤمناً في بعضها، والمؤمن مسلم في جميع الأحوال، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن، وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الآيات واعتدل القول فيها، ولم يختلف شيء منها..) (1).
لكن - بعدما عرفنا أن مرتبة الإيمان أعلى - كيف يكون معناهما عند الاقتران؟ قالوا: (حقيقة الفرق أن الإسلام دين، والدين مصدر دان يدين ديناً: إذا خضع وذل، ودين الإسلام الذي ارتضاه الله، وبعث به رسله هو الاستسلام لله وحده.. وهو الخضوع له، والعبودية له، هكذا قال أهل اللغة: أسلم الرجل إذا استسلم، فالإسلام في الأصل من باب العمل، عمل القلب والجوارح. وأما الإيمان فأصله تصديق وإقرار ومعرفة، فهو من باب قول القلب المتضمن عمل القلب والأصل فيه التصديق، والعمل تابع له، فلهذا فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان بإيمان القلب وبخضوعه، (أي قول القلب وعمله) وفسر الإسلام باستسلام مخصوص هو المباني الخمس، هكذا في سائر كلامه - صلى الله عليه وسلم -: يفسر الإيمان بذلك النوع، ويفسر الإسلام بهذا، وذلك النوع أعلى) (2)، لأن المؤمن الإيمان التام لابد أن يكون مسلماً، ولذلك ورد في الشرع إطلاق الإيمان على أعمال الجوارح.
أما المسلم فلا يلزم أن يكون تام الإيمان، يقول الإمام ابن رجب: (قال المحققون من العلماء: كل مؤمن مسلم، فإن من حقق الإيمان ورسخ في قلبه قام بأعمال الإسلام كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)). فلا يتحقق القلب بالإيمان إلا وتنبعث الجوارح في أعمال الإسلام، وليس كل مسلم مؤمناً، فإنه قد يكون الإيمان ضعيفاً فلا يتحقق القلب به تحققاً تاما، مع عمل جوارحه أعمال الإسلام فيكون مسلماً، وليس بمؤمن الإيمان التام) (1).
القول الثاني:(1/46)
أن مسماهما واحد، وممن نقل عنه ذلك الإمام البخاري (2)، والإمام محمد بن نصر المروزي، وابن عبد البر وقال: (أكثر أصحاب مالك على أن الإسلام والإيمان شيء واحد) (3)، وقال أيضاً: (وعلى القول بأن الإيمان هو الإسلام، جمهور أصحابنا وغيرهم من الشافعيين والمالكيين، وهو قول داود وأصحابه، وأكثر أهل السنة والنظر، المتبعين للسنة والأثر) (4)(ونقل أبو عوانة الاسفرائيني في صحيحه عن المزني صاحب الشافعي الجزم بأنهما عبارة عن معنى واحد) (5)، وكذلك قال أصحاب أبي حنيفة (6) وابن منده (7).
ومن أبرز أدلتهم ما ذكره الإمام محمد بن نصر المروزي حيث أطال الكلام في حجج هذا القول ورجحه ورد على أصحاب القول الأول في كتابه القيم ((تعظيم قدر الصلاة)) (8). ولذلك فأكثر الحجج التي سأذكر منقولة من هذا الكتاب، وهناك حجج
قليلة ذكرها غيره، وإليك أدلتهم:
1- قال الإمام ابن عبد البر (أكثر أصحاب مالك على أن الإسلام والإيمان شيء واحد، ذكر ذلك ابن بكير في الأحكام، واحتج بقول الله عز وجل: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) (1)أي غير بيت منهم (2).
2- وقال الإمام محمد بن نصر المروزي: (الإيمان الذي دعا الله العباد له، وافترضه عليهم هو الإسلام الذي جعله ديناً، وارتضاه لعباده، ودعاهم إليه، وهو ضد الكفر الذي سخطه، فقال:(1/47)
(ولا يرضى لعباده الكفر) (3)، وقال: (ورضيت لكم الإسلام ديناً) (4).. وقال: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه)(5) فمدح الله الإسلام بمثل ما مدح به الإيمان، وجعله اسم ثناء وتزكية، فأخبر أن من أسلم فهو على نور من ربه وهدى، وأخبر أنه دينه الذي ارتضاه، فقد أحبه، وامتدحه، ألا ترى أن أنبياء الله ورسله، رغبوا فيه إليه، وسألوه إياه، فقال إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل ذبيحه: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) (6) وقال يوسف: (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) (7) وقال تعالى: (وقل للذين أوتوا الكتاب والأمين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا) (8) وقال في موضع آخر: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم) إلى قوله (ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) (1)فحكم الله بأن من أسلم، فقد اهتدى، ومن آمن فقد اهتدى فقد سوى بينهما) (2).
ومقصود الإمام هنا: أن مسمى الإيمان والإسلام واحد، لأن الله عز وجل مدح الإسلام بمثل ما مدح به الإيمان، وأخبر أنه دينه الذي ارتضاه، وأمر أهل الكتاب والأمين بالإسلام كما أمرهم بالإيمان، وأخبر أن الرسل والأنبياء، دعوا إلى الإسلام، وسألوه إياه، فلابد أن يكون كل مسلم مؤمناً.(1/48)
3- وقال أيضاً: (وقال الله عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (3)، وقال: (إن الدين عند الله الإسلام) (4)، فسمى إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ديناً قيماً، وسمى الدين إسلاماً، فمن لم يؤد الزكاة. فقد ترك من الدين القيم الذي أخبر الله أنه عنده الدين وهو الإسلام، بعضاً، وقد جامعتنا هذه الطائفة التى فرقت بين الإيمان والإسلام على أن الإيمان قول وعمل، وأن الصلاة والزكاة من الإيمان، وقد سماها الله ديناً، وأخبر أن الدين عند الله الإسلام، فقد سمى الله الإسلام بما سمى به الإيمان، وسمى الإيمان بما سمى به الإسلام، وبمثل ذلك جاءت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) (5).
4- (قالوا - أي من يساوون بينهما -: ومما يدلل على تحقيق قولنا أن من فرق بين الإيمان، والإسلام، قد جامعنا أن من أتى الكبائر أتى استوجب النار بركوبها،
لن يزول عنه اسم الإسلام، وشر من (1)الكبائر وأعظمهم ركوباً لها من أدخله الله النار، فهم يروون الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويثبتونه أن الله يقول: ((أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان، ومثقال برة، ومثقال شعيرة)) (2)فقد أخبر الله - تبارك وتعالى - أن في قلوبهم إيماناً، وأخرجوا بها من النار، وهم أشر أهل التوحيد، الذين لا يزول في قولنا وفي قول من خالفنا عنهم اسم الإسلام، ولا جائز أن يكون من في قلبه إيمان يستوجب به الخروج من النار (3)، ودخول الجنة ما ليس بمؤمن بالله، إذ لا جائز أن يفعل الإيمان الذي يثاب عليه بقلبه من ليس بمؤمن، كما لا جائز أن يفعل الكفر بقلبه من ليس بكافر) (4).
ومقصودهم هنا الرد على من أخرج أهل الكبائر من الإيمان، وقال: إنهم مسلمون وليسوا بمؤمنين، فيقال لهم: كيف تنفون عنهم الإيمان مع إثباتكم أن من في قلبه ذرة من إيمان - من أهل الكبائر - يخرج من النار؟
إذاً من يخرج من النار فلابد أن يكون مسلماً مؤمناً ولا فرق.(1/49)
5- (قالوا: ومما يدل على بطلان قول من خالفنا، ففرق بين الإيمان والإسلام وتحقيق قولنا: أنا وجدنا الله - عز وجل - افترض الفرائض، وأحل الحلال، وحرم الحرام، ووضع الأحكام والحدود بين المسلمين على اسم الإيمان، لا على اسم الإسلام، فزعم هؤلاء أن من أتى كبيرة، فهو خارج من الإيمان، وليس بمؤمن، ثم حكموا عليه، وله بأحكام المؤمنين، ولو كان الأمر كما قالوا فيمن
أتى كبيرة، للزم إسقاط عامة الفرائض، والأحكام والحدود التي أوجبها على المؤمنين على من أتى كبيرة، لأن اسم الإيمان زال عنه، وفي ذلك خروج من أحكام الكتاب، وما أجمعت عليه الأمة... قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) (1) وقال: (يأ أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) (2).... وقال (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة) (3).. وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) (4).
فمن زعم أن من أتى كبيرة، زال عنه اسم الإيمان، لزمه أن يسقط عنه هذه الفرائض كلها، لأن الله إنما أوجبها على المؤمنين باسم الإيمان،] إلى أن قال [: (وقال الله: (فتحرير رقبة مؤمنة) (5) فما تقولون في أمة أو عبد مسلم يصوم ويصلي، ويؤدى الفرائض إلا أنها سرقت، أو شربت خمراً هل يجوز عتقها عن من عليه عتق رقبة؟ فإن أجازوا عتقها، فقد أثبتوا لها اسم الإيمان، وتركوا قولهم، وإن قالوا: ليست بمؤمنة، وعتقها جائز، خالفوا حكم الكتاب، وإن زعموا أن عتقها ليس بجائز، خرجوا من لسان الأمة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمة السوداء حين امتحنها بالشهادتين، فأقرت: ((اعتقها، فإنها مؤمنة)) ولم يقل: إنها مسلمة) (6).(1/50)
وقال في تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزني الزاني... الحديث)): (فالذي صح عندنا في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) (1) وما روي من الأخبار مما يشبه هذا أن معنى ذلك كله أن من فعل تلك الأفعال لا يكون مؤمناً مستكمل الإيمان، لأنه قد ترك بعض الإيمان نفي عنه الإيمان، يريد به الإيمان الكامل، ولا جائز أن يكون معناه غير ذا، قلنا: لأن في إزالة الإيمان بأسره عنه حتى لا يبقى فيه منه شيء إزالة لاسم الإيمان عنه، وفي إزالة اسم الإيمان عنه إسقاط الفرائض، والأحكام التي أوجبها الله تبارك وتعالى، وإسقاط الحدود عنه...) (2).
وقالوا في الرد على بعض أدلة من يفرقون بينهما:(1/51)
1- قال المروزي: (وأما احتجاجهم بقول الله تبارك وتعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) (3) وبحديث سعد بن أبي وقاص أنه قال لرجل: أراه مؤمناً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((أو مسلم؟)) (4) فإن ذلك ليس بخلاف مذهبنا، وذلك أنا نقول: إن الرجل قد يسمى مسلماً على وجهين: أحدهما نية، والجهة الأخرى أن يخضع ويستسلم للرسول وللمؤمنين، خوفاً من القتل والسبي، فيقال: قد أسلم أي خضع خوفاً وتقية، ولم يسلم لله، وليس هذا الإسلام الذي اصطفاه الله وارتضاه، الذي هو الإيمان الذي دعا الله العباد إليه، والدليل على ذلك قوله: (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) (5)، يريد: ولم يدخل الإيمان في قلوبكم، نظير ذلك قوله: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) (6)، يريد: لم يلحقوا بهم.. وكذلك حدثنا محمد بن يحيي، ثنا محمد بن يوسف، ثنا سفيان عن مجاهد في قوله: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا)، قال: استسلمنا خوف السبي والقتل (1).. إلى أن قال: فكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد: ((أو مسلم؟)) إنما يريد الإسلام الذي هو استسلام من مخافة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمين، وذلك إسلام المنافقين، وليس بإسلام المؤمنين) (2).
وقال الإمام البخاري: (باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل، لقوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره: (إن الدين عند الله الإسلام) (3) ثم ذكر حديث سعد بن أبي وقاص.(1/52)
قال الشارح الحافظ ابن حجر: ((قوله: (باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة) حذف جواب قوله ((إذا)) للعلم به كأنه يقول: إذا كان الإسلام كذلك لم ينتفع به في الآخرة، ومحصل ما ذكره واستدل به أن الإسلام يطلق ويراد به الحقيقة الشرعية، وهو الذي يراد في الإيمان وينفع عند الله،، وعليه قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) (4) وقوله تعالى: (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) (5).
ويطلق ويراد به الحقيقة اللغوية وهو مجرد الانقياد والاستسلام، فالحقيقة في كلام المصنف هنا هي الشرعية) (6). وخلاصة ما سبق من كلامهم أن الإسلام الشرعي الذي ينفع عند الله مرادف للإيمان أما الإسلام المذكور في الآية السابقة وحديث سعد فهو إسلام لا ينفع عند الله، ومن ثم فليس بينه وبين الإيمان علاقة.(1/53)
2- قال الإمام المروزي: (وأما احتجاجهم بأن الله جعل اسم مؤمن اسم ثناء وتزكية، وأوجب عليه الجنة، ثم أوجب النار على الكبائر، فدل بذلك على أن اسم الإيمان زائل عن كل من أتى كبيرة، فإنا نقول: إن اسم المؤمن قد يطلق على وجهين، اسم بالخروج من ملل الكفر، والدخول في الإسلام، وبه تجب الفرائض التي أوجبها الله على المؤمنين، ويجري عليها الأحكام والحدود التي جعلها الله بين المؤمنين. واسم يلزم بكمال الإيمان، وهو اسم ثناء وتزكية، يجب به دخول الجنة، والفوز من النار، فالمؤمنون الذين خاطبهم الله بالفرائض، والحلال، والحرام، والأحكام، والحدود، الذين لزمهم الاسم بالدخول في الإسلام بالإقرار والتصديق، والخروج من ملل الكفر، والمؤمنون الذين زكاهم، وأثني عليهم، ووعدهم الجنة هم الذين أكملوا إيمانهم باجتناب كل المعاصي، واجتناب الكبائر، دل على ذلك في آيات كثيرة، نعت فيها المؤمنين، ثم وعدهم الجنة على تلك النعوت ثم ذكر بعض الآيات ومنها قوله عز وجل: (ويبشر المؤمنين الذين يعلمون الصالحات أن لهم أجراً حسنا ماكثين فيه أبداً) (1).. إلى أن قال: (فكل آية وعد الله المؤمنين فيها الجنة، وبشرهم بها، فإنما أراد الذين عملوا الصالحات، استدلالاً بهذه الآيات، ولو لم يكن ذلك كذلك، للزمنا أن نثبت الشهادة بالجنة لكل من لزمه اسم الإيمان، وجرت عليه الأحكام التي أجراها الله على المؤمنين على أي حال مات من تضييع الفرائض، وارتكاب المحارم بعد أن لا يكفر بالله) (2)
المناقشة والترجيح بين القولين
في مقدمة هذه الفقرة سنذكر قاعدتين مهمتين وباتضاحهما يمكن الفصل بين القولين بإذن الله.
القاعدة الأولى:] لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له. [.
والمقصود هنا الإيمان والإسلام المقبولان عند الله عز وجل.(1/54)
قال أبو طالب المكي: (.. فمثل الإسلام من الإيمان، كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى في المعنى والحكم، فشهادة الرسول، غير شهادة الوحدانية، فهما شيئان في الأعيان، وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم كشيء واحد، كذلك الإيمان والإسلام أحدهما مرتبط بالآخر، فهما كشيء واحد، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له، إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه، من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان، واشترط للإيمان الأعمال الصالحة، فقال في تحقيق ذلك: (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه) (1)
وق-ال ف-ي تحقي--ق الإي--مان بالعمل: (وم-ن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى..)) (2).(3).
ويقول ابن أبي شيبة: (لا يكون الإسلام إلا بإيمان، ولا إيمان إلا بإسلام...) (4).
وقال الإمام البغوي في تعليقه على حديث جبريل عليه السلام: (جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الإسلام اسماً لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسماً لما بطن
من الاعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان، أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام (1)، بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد، وجماعها الدين ولذلك قال: ((ذاك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم)) والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعاً....) (2).
إذاً يمكن تلخيص هذه القاعدة بما يلي:
إن بين الإسلام والإيمان تلازماً (3) فلا يمكن أن يوجد أحدهما بدون الأخر، فلا يصح الإسلام ولا يوجد بدون أصل الإيمان، فإذا انتفي أصل الإيمان بطل الإسلام، كذلك لا يصح ولا يوجد إيمان بدون إسلام (أي عمل الجوارح، وعمل القلب) فلو انتفي العمل لدل ذلك على بطلان الإيمان وفساده.(1/55)
القاعدة الثانية: (أن الاسم الواحد ينفي ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به، فلا يجب إذا أثبت أو نفى في حكم أن يكون كذلك في سائر الأحكام... كذلك كل ما يكون له مبتدأ وكمال، ينفى تارة باعتبار انتفاء كماله، ويثبت تارة باعتبار ثبوت مبدئه) (4).
ذكر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا من دقته - رحمه الله - وسعة بحثه واستقرائه، وقبل أن نطبقها على مسألة الإيمان نذكر مثالاً من الأمثلة التي ذكرها لتتضح القاعدة أكثر.
قال: (ولفظ النكاح وغيره في الأمر، يتناول الكامل، وهو العقد والوطء، كما في قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (1) وقوله: (حتى تنكح زوجاً غيره) (2) وفي النهي يعم الناقص والكامل، فينهي عن العقد مفرداً، وإن لم يكن وطء، كقوله: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) (3)، وهذا لأن الآمر مقصوده تحصيل المصلحة، وتحصيل المصلحة إنما يكون بالدخول كما لو قال: اشتر لي طعاماً، فالمقصود ما يحصل إلا بالشراء والقبض، والناهي مقصوده دفع المفسدة، فيدخل كل جزء منه، لأن وجوده مفسدة، وكذلك النسب والميراث معلق بالكامل منه، جزء منه، لأن وجوده مفسدة، وكذلك النسب والميراث معلق بالكامل منه، والتحريم معلق بأدنى سبب حتى الرضاع) (4).(1/56)
قال: (وكذلك الإيمان له مبدأ، وكمال وظاهر، وباطن، فإذا علقت به الأحكام الدنيوية من الحقوق والحدود كحقن الدم، والمال، والمواريث، والعقوبات الدنيوية، الدنيوية من الحقوق والحدود كحقن الدم، والمال، والمواريث، والعقوبات الدنيوية، علقت بظاهرة، لا يمكن غير ذلك، إذ تعليق ذلك بالباطن متعذر، وإن قدر أحياناً، فهو متعسر علماً وقدرة، فلا يعلم ذلك علماً يثبت به في الظاهر، ولا يمكن عقوبة من يعلم ذلك منه في الباطن... وأما مبدؤه فيتعلق به خطاب الأمر والنهي، فإذا قال الله: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) (5) ونحو ذلك، فهو أمر في الظاهر لكل من أظهره، وهو خطاب في الباطن لكل من عرف من نفسه أنه مصدق للرسول، وان كان عاصياً، وإن كان لم يقم بالواجبات الباطنة والظاهرة،..... وأما كماله فيتعلق به خطاب الوعد بالجنة، والنصرة والسلامة من النار، فإن هذا الوعد إنما هو لمن فعل المأمور وترك المحظور، ومن فعل بعضاً وترك بعضاً فيثاب على ما فعله، ويعاقب على ما تركه، فلا يدخل في اسم المؤمن المستحق للحمد والثناء دون
الذم والعقاب ومن نفى عنه الرسول الإيمان، فنفي الإيمان في هذا الحكم (1)، لأنه ذكر ذلك على سبيل الوعيد، الوعيد إنما يكون بنفي ما يقتضي الثواب ويدفع العقاب، ولهذا ما في الكتاب والسنة من نفي الإيمان عن أصحاب الذنوب، فإنما هو في خطاب الوعيد والذم، لا في خطاب الأمر والنهي، ولا في أحكام الدنيا) (2).
وكلام المروزي السابق يتفق مع هذه القاعدة حيث قال: (إن اسم المؤمن قد يطلق على وجهين: اسم بالخروج من ملل الكفر، والدخول في الإسلام، وبه تجب الفرائض.... ويجري عليه الأحكام والحدود. واسم يلزم بكمال الإيمان وهو اسم ثناء وتزكية، يجب به دخول الجنة والفوز من النار.. إلخ كلامه وقد مر قريباً (3)
وبتطبيق هاتين القاعدتين على القولين السابقين يمكن أن نستنتج ما يلي:(1/57)
1- أن الخلاف بين القولين يسير، فكلا الفريقين، يدخل العمل في مسمى الإيمان، وكلاهما لا يخرجون أهل المعاصي من الإيمان إلى الكفر، حتى الذين قالوا: إن أهل الكبائر يخرجون من الإيمان إلى الإسلام، لم يقولوا: إنه لم يبق معهم من الإيمان شيء، بل هذا قول الخوارج والمعتزلة، وأهل السنة الذين قالوا هذا يقولون: الفساق يخرجون من النار بالشفاعة، وإن معهم إيماناً يخرجون به من النار، لكن لا يطلق عليهم اسم الإيمان، لأن الإيمان المطلق هو الذي يستحق صاحبه الثواب ودخول الجنة بلا عذاب، بل من ينكر على هؤلاء إخراجهم أهل المعاصي من الإيمان إلى الإسلام، لا يطلقون على أهل المعاصي الإيمان المطلق، وإنما يقولون مؤمن ناقص الإيمان (4)، وأن المنفي في النصوص المختلفة إنما هو كمال الإيمان ومن ثم قالقولان متفقان على أن أهل الكبائر لا يستحقون اسم الثناء المطلق والوعد بالجنة، وأن ذلك لمن كمل إيمانه، أيضاً يتفقون على أن من لزمه اسم الإيمان من أهل الكبائر يدخل في خطاب الأمر والنهي وبه تجب الفرائض والحدود.
من كل ما سبق، يتبين لنا أن الالتزامات التي ألزمها الإمام المروزي من يفرقون بينهما غير لازمة فهم - أي من يفرقون - وإن لم يطلقوا الإيمان على أهل الكبائر، فلا يخرجونهم من الإيمان ومن ثم فالخطاب بالفرائض والحدود والأحكام يشملهم، لأنه يشمل كل من دخل الإيمان، وهذا متفق عليه بين الفريقين (1)
أما استدلال الإمام محمد بن نصر ب- " حديث الجارية " فلا حجة فيه، لأن المراد بالحديث، أي حكمها في الدنيا حكم المؤمنة، فإن الإيمان الذي علقت به أحكام الدنيا، هو الإيمان الظاهر، وهو الإسلام، فالمسمى واحد في الأحك--ام الظاهرة، وليس المقصود بالحديث أنها تستحق دخول الجنة بلا عذاب إذا لقيته بمجرد هذا الإقرار (2).(1/58)
2- وكذلك الاستدلال بقول--ه تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) (3)، على عدم التفريق، استدلال ضعيف لأن هؤلاء كانوا مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلم ولا ينعكس، فاتفق الاسمان ههنا لخصوصية الحال، ولا يلزم ذلك في كل حال (4). ويحتمل وجهاً آخر، أن قوله (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) أي المستسلمين في الظاهر، وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين، وكانت في الظاهر مع زوجها، وفي الباطن مع قومها على دينهم، خائنة لزوجها تدل قومها على أضيافه (5).
3- وأما استدلال الإمام المروزي] رقم (2) (3) [فقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية في مناقشته وخلاصة رده يتلخص بما يلي:
أ - أن المسلم الممدوح هو المؤمن الممدوح، وأن المذموم ناقص الإيمان والإسلام، وأن المؤمن المستحق لوعد الله هو المسلم المستحق لوعد الله، قال: وهذا متفق على معناه بين السلف والخلف، كلهم يقولون: إن المؤمن الذي وعد بالجنة لابد أن يكون مسلماً، والمسلم الذي وعد بالجنة لابد أن يكون مؤمناً، وكل من يدخل الجنة بلا عذاب فهو مؤمن مسلم، ويتبع ذلك الأنبياء الذين وصفهم الله بالإسلام كلهم كانوا مؤمنين، وقد وصفهم الله بالإيمان، ولو لم يذكر ذلك عنهم، فنحن نعلم قطعاً أن الأنبياء كلهم مؤمنون.(1/59)
ب - وقال جواباً عن استدلال المروزي بقوله عز وجل: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) (1). (هذا يقتضي أن كل من دان بغير الإسلام فعمله مردود، وهو خاسر في الآخرة، فيقتضي وجوب دين الإسلام وبطلان ما سواه، لا يقتضي أن مسمى الدين، هو مسمى الإيمان، فإن الإسلام الاستسلام له بقلبه وقصده وإخلاص الدين، والعمل بما أمر به، كالصلاة والزكاة خالصاً لوجهه، فهذا هو الذي سماه إسلاماً، وجعله ديناً (2) ولم يدخل فيما خص به الإيمان، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله (أي تصديق القلب) فإن هذه جعلها من الإيمان، والمسلم المؤمن يتصف بها، وليس إذا اتصف بها المسلم المؤمن يلزم أن تكون من الإسلام، بل هي من الإيمان، والإسلام فرض، والإيمان فرض والإسلام داخل فيه، فمن أتى بالإيمان الذي أمر به، فلابد أن يكون قد أتى بالإسلام المتناول لجميع الأعمال الواجبة، ومن أتى بما سمي إسلاماً لم يلزم أن يكون قد أتى بالإيمان إلا بدليل منفصل) (1)
ج - وأخيراً قال: (والآيات التي احتج بها محمد بن نصر تدل على وجوب الإسلام، وأنه دين الله، وأن الله يحبه ويرضاه، وأنه ليس له دين غيره، وهذا كله حق، لكن ليس في هذا ما يدل على أنه هو الإيمان، بل يدل على أنه بمجرد الإسلام يكون الرجل من أهل الجنة، فإن الله وعد المؤمنين بالجنة في غير أية، ولم يذكر هذا الوعد باسم الإسلام (أي المجرد) وحينئذ فمدحه وإيجابه ومحبة الله له تدل على دخوله في الإيمان، وأنه بعض منه) (2)
خلاصة المناقشة والترجيح:
الرأي الراجح كما يتضح من العرض السابق أن مسماهما مختلف وذلك للأدلة التالية:
1- أصل الإيمان التصديق، والخضوع والانقياد تابع، وأصل الإسلام الخضوع والانقياد، ومنه الأركان الخمسة، لذلك نجد في أكثر النصوص إطلاق الإيمان على الباطن، والإسلام على الظاهر، ومن ذلك حديث جبريل عليه السلام المشهور.(1/60)
2- لم يرد في النصوص الوعد بالجنة على الإسلام المطلق، كما في الإيمان المطلق.
3- لم يرد في النصوص أن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله (قول القلب)، يدخل في مسمى الإسلام، كما ورد في دخول أعمال القلب والجوارح في الإيمان، وإن كان يلزم الإسلام جنس تصديق.
4- لا يعرف في النصوص نفي الإسلام عمن ترك شيئاً من الواجبات، أو فعل الكبائر (3) كما ورد في الإيمان.
فالأدلة السابقة - كما ترى - صريحة في اختلاف مسماهما، ومع ذلك فهناك استعمالات وحالات تجعلهما يتفقان ومن ذلك:
1- الإيمان الكامل، لابد أن يكون معه إسلام كامل، أما الإسلام الكامل فلا يلزم منه الإيمان الكامل ولكن لابد أن يكون معه أصل الإيمان.
2- أيضاً يمكن أن يقال إن المسلم الممدوح هو المؤمن الممدوح، وذلك كمدح الأنبياء بالإسلام
3- ويشتركان في الخطاب بالإيمان أمراً أو نهياً من أحكام وحدود ومواريث وغيرها، لأن الخطاب بالإيمان يشمل كل الداخلين فيه سواء كان معهم أصل الإيمان أو كماله
4- في حال الافتراق يكون معناهما واحد، وعند الاجتماع يفترقان في المعنى وأخيراً نقول لعل من يساوون بينهما ظنوا أن التلازم بينهما يلزم منه أن يكون مسماهما (واحداً)، يقول محمد بن نصر: (ومن فرق بينهما، فقد عارض سنة النبي صلى الله عليه وسلم - بالرد، إلا أن أحدهما أصل للآخر، لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن أصل الإيمان هو التصديق، وعنه يكون الخضوع، فلا يكون مصدقاً إلا خاضعاً، ولا خاضعاً إلا مصدقاً..)(1) فكلام المروزي هنا يقتضي أن مسماهما مختلف، والله أعلم
خامسا: الإيمان يزيد وينقص
أجمع أهل السنة على أن الإيمان يتفاضل، وجمهورهم على أنه يزيد وينقص وسنبحث هنا:
(أ ) أدلة الزيادة والنقصان عندهم
(ب) حقيقة الخلاف حول النقصان
(ج) كيف تكون الزيادة والنقصان
أدلة الزيادة والنقصان:(1/61)
1- من القرآن الكريم قال الله - عز وجل (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم) (1)
وقال عز وجل (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً)(2).
وقال تعالى: (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون) (3).
وقال تعالى: (ويزداد الذين آمنوا إيماناً)(4).
وقال تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) (1).
وهذه صريحة بزيادة الإيمان، وبثبوتها يثبت المقابل، فإن كل قابل للزيادة قابل للنقصان ضرورة (2).
وقال ابن بطال* (فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص)(3).
2- أما الأحاديث فكثيرة جدا، منها:
1- قوله صلى الله عليه وسلم " يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير ".
وقال البخاري وقال أبان حدثنا قتادة حدثنا أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم من إيمان مكان من خير (4).
وضع الإمام البخاري هذا الحديث تحت باب (زيادة الإيمان ونقصانه) وهو ظاهر الدلالة على تفاوت الناس بما في قلوبهم من الإيمان (والمراد بحبة الخردل ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد (5) مثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً... إلى قوله وذلك أضعف الإيمان "(6)
وفي حديث الأمانة ".. وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.. الحديث " (7)
2- الأحاديث التي فيها نفي الإيمان كقوله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " (1)
وقوله صلى الله عليه وسلم " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.. الحديث " (2).
وقوله " لا إيمان لمن لا أمانة له.. الخ " (3).(1/62)
قال النووي (فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله ومختاره، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة) (4).
فالذي يترك هذه المعاصي أكمل إيماناً ممن يقترفها.
3- قوله صلى الله عليه وسلم " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً " (5).
قال الحليمي رحمة الله: (فدل هذا القول على أن حسن الخلق إيمان، وأن عدمه نقصان إيمان، وأن المؤمنين متفاوتون في إيمانهم، فبعضهم أكمل إيماناً من بعض)(6).
4- ومما استدل به أهل السنة من الأحاديث الدالة على نقص الإيمان قوله صلى الله عليه وسلم عن النساء في حديث طويل: " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن " قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: " أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ " قلن: بلى يا رسول الله، قال: " فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ " قلن: بلى قال: " فذلك من نقصان دينها " (1).
قال الإمام البغوي: وقالوا (أي أهل السنة): إن الإيمان قوله وعمل وعقيدة، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية على ما نطق به القرآن في الزيادة، وجاء الحديث بالنقصان في وصف النساء) (2)
وقال الحليمي: (فإذا كانت المرأة لنقصان صلاتها عن صلاة الرجال تكون أنقص ديناً منهم، مع أنها غير جانية بترك ما تترك من الصلاة، أفلا يكون الجاني بترك الصلوات أنقص ديناً من المقيم بها المواظب؟) (3)
أقوال الصحابة: صحت آثار كثيرة عن الصحابة رضوان الله عليهم نختار بعضاً منها
1- عن الأسود بن هلال (*) قال: قال لي معاذ بن جبل: " اجلس بنا نؤمن ساعة " (4) قال الحافظ في الفتح (ووجه الدلالة ظاهرة، لأنه لا يحمل على أصل الإيمان لكونه كان مؤمناً وأي مؤمن (1) وإنما يحمل على إرادة أنه يزداد إيماناً بذكر الله تعالى) (2).(1/63)
2- وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: " اللهم زدناً إيماناً ويقيناً وفقهاً " (3).
3- وعن أبي الدرداء أنه كان يقول " الإيمان يزداد وينقص " (4).
4- وعن أبي هريرة أنه كان يقول " الإيمان يزيد وينقص " (5).
5- وعن عروة بن الزبير أنه قال " (ما نقصت أمانة عبد قط إلا نقص إيمانه) (6).
6- وعن عمير بن حبيب الخطمي (*) قال: (الإيمان يزيد وينقص، قيل وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبحناه فتلك زيادته، وإذا غفلنا فذلك نقصانه) (1).
إلى غير ذلك من الآثار عن الصحابة الصريحة في إثباتهم الزيادة والنقصان في الإيمان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (وقد ثبت لفظ الزيادة والنقصان فيه عن الصحابة، ولم يعرف فيه مخالف من الصحابة) (2)
وبناء على ما سبق فقد قال جمهور السلف من التابعين وتابعيهم والأئمة من بعدهم بذلك ونقل الأئمة المصنفون في عقائد أهل السنة الكثير من الآثار عن الأئمة وفيما ذكرنا من الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة ما يشفي ويكفي لمريد الحق والصواب والله الموفق (3).
اختلاف الرواية عن مالك حول النقصان:
يقول الإمام ابن عبد البر: (وقد روى ابن القاسم عن مالك، أن الإيمان يزيد، ووقف في نقصانه، وروى عنه عبد الرزاق ومعمر بن عيسى وابن نافع وابن وهب أنه يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وعلى هذا مذهب الجماعة من أهل الحديث والحمد لله) (4).
وقال ابن تيمية (وكان بعض الفقهاء من أتباع التابعين لم يوافقوا في إطلاق النقصان عليه لأنهم وجدوا ذكر الزيادة في القرآن، ولم يجدوا ذكر النقص، وهذا إحدى الروايتين عن مالك، والرواية الأخرى عنه، وهو المشهور عند أصحابه كقول سائرهم أنه يزيد وينقص) (1).
ولم أجد الرواية عن مالك في التوقف التي أشار إليها الأئمة.
ووجدت عدة روايات، وإشارات من الأئمة على قول مالك بالزيادة والنقصان كبقية الأئمة، ومن ذلك.(1/64)
1- قال عبد الرزاق: سمعت سفيان الثوري، وابن جريج، ومالك بن أنس، ومعمر بن راشد وسفيان بن عيينة يقولون: إن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص) (2).
2- وطريق أخرى عن أبي الغنى الحسن بن علي نعمان قال أخبرنا عبد الرزاق قال لقيت اثنين وستين شيخاً وذكر منهم مالك بن أنس كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص) (3).
وطريق ثالثة عن عبد الرزاق من طريق أحمد بن منصور الرمادي عنه بمثل الرواية الأولى مع تقديم وتأخير في الأسماء (4).
2- وعن عبد الله بن نافع قال: قال مالك (الإيمان قول وعمل يزيد وينقص) (5).
3- ورواية ثالثة قال إسحاق بن محمد: " كنت عند مالك بن أنس فسمعت حماد بن أبي حنيفة يقول لمالك: يا أبا ع-بد الله إن لنا رأيا نعرضه عليك فإن رأيته حسناً مضينا عليه، وإن رأيته غير ذلك كففنا عنه، قال: ما هو؟ (فعرض عليه مسألة من أصول العقيدة، فوافقه الإمام مالك) فقام بعض تلامذة الإمام مالك فقالوا: يا أبا عبد الله إن هذا يقول بالإرجاء قال: ديني مثل دين الملائكة المقربين قال (أي مالك) لا والله الإيمان يزيد وينقص) (1).
أما رواية معمر بن عيسى، وابن وهب المشار إليها في التمهيد فلم أجدهما.
4- قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام هذه تسمية من كان يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وذكر ثلاثاً وثلاثين ومائة اسماً ممن يقول بذلك ومنهم الإمام مالك رحمه الله) (2)
والمقصود من نقل هذه الروايات الإشارة إلى أن الإمام مالك يقول كما يقول أهل السنة: إن الإيمان يزيد وينقص حتى من نقل عنه التوقف عن القول بالنقصان أشار إلى الروايات الأخرى عنه التي يقول فيها بالزيادة والنقصان كما قال ذلك ابن عبد البر وابن تيمية والنووي
والسؤال المطروح هنا، لماذا توقف الإمام مالك في بعض الروايات عن القول بالنقصان؟
والجواب:
1- لعله توقف في ذلك لأنه وجد ذكر الزيادة في القرآن ولم يجد النقص(3) وكذلك لأنه لم يوجد التصريح بالنقص في الأحاديث النبوية.(1/65)
2- قال الإمام النووي (قال بعضهم إنما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين) (4).
ولعل الإمام النووي يشير إلى أن القول بنقصان الإيمان يساوي عند البعض وخاصة ممن يقول بأن الإيمان واحد، وأن التصديق لا يتفاضل، وأن الأعمال لا تدخل في مسمي الإيمان يساوى عند هؤلاء القول بكفر أهل المعاصي فحيث إن الإيمان عند هؤلاء واحد فهو غير قابل للزيادة ولا النقصان فالقول بأن المعاصي تنقص الإيمان بمعنى تبطله عندهم فيكون القول بالنقصان يشبه قول الخوارج في زعمهم، أما القول بالزيادة فلا يحصل به عندهم هذا اللبس.
ولذلك توقف الإمام مالك في بعض الروايات خشية أن يظن أنه موافق للخوارج والله أعلم
وأخيراً يمكن أن يقال لعل ذلك كان قولاً قديماً له تراجع عنه لما بلغته الآثار عن الصحابة وفيها التصريح بالنقصان ولذلك نقل ذلك أكثر أصحابه وكذلك الأئمة نقلوا قوله بالزيادة والنقصان ولم يحكوا عنه خلافه.
مجالات الزيادة والنقصان
عرفنا أن الإيمان: قول وعمل، وأن القول يشمل قول القلب واللسان، وأن العمل يشمل عمل القلب والجوارح فهل التفاضل يكون بعمل الجوارح فقط؟ أم بعمل القلب فقط؟ أم أن التصديق والمعرفة يشملها التفاضل أيضاً؟ وإذا كان كذلك فكيف تكون الزيادة والنقصان في التصديق والمعرفة؟ وللجواب على ذلك نقول ابتداء: إن الكلام عن زيادة الإيمان ونقصانه فرع عن القول في الطاعات وأنها إيمان(1) فمن لا يدخل الطاعات في الإيمان، لا يقول بالزيادة والنقصان، لأن الإيمان عندهم واحد لا يتبعض ولا يتفاضل (2)(1/66)
أما من يدخل العمل في الإيمان - وهم أهل السنة - فيتفقون على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ويزيد بذكر الله عز وجل وينقص بالغفلة ونسيان ذكر الله عز وجل لكن قد يفهم البعض من ذلك أن السلف يقصرون مجال التفاضل على عمل الجوارح وقول اللسان، والحقيقة خلاف ذلك، فقول السلف إن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، لا يقصدون بالطاعة عمل الجوارح وقول اللسان فقط بل عمل القلب من الطاعة، فالح--ب في الله والبغض في الله وحب الأنصار، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، والخوف، والرجاء، والتوكل.. الخ كل ذلك من الطاعات وهو من الإيمان كما سبق، ومن ثم يتفاوت الناس فيه، والأمر في هذا بين، فهل يمكن أن يقال إن الناس متساوون في حبهم وبغضهم وخوفهم ورجائهم؟ كذلك أيضاً يقولون إن الإيمان ينقص بالحسد والكبر والعجب إلخ مما ينافي عمل القلب الواجب أيضاً التصديق والمعرفة والعلم (أي قول القلب) تشمله الزيادة والنقصان وهو من الطاعات(1).
يقول ابن رجب رحمه الله (... التصديق القائم بالقلوب يتفاضل، وهذا هو الصحيح.. فإن إيمان الصديقين الذي يتجلى الغيب لقلوبهم حتى يصير كأنه شهادة بحيث لا يقبل التشكيك والارتياب ليس كإيمان غيرهم ممن لا يبلغ هذه الدرجة بحيث لو شكك لدخله الشك.....)(2).
ويقول الإمام النووي: (فالأظهر والله أعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم، بحيث لا تعتريهم الشبهة ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك، فهذا مما لا يمكن إنكاره، ولا يشك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا يساويه آحاد الناس) (3).(1/67)
وعلق الحافظ ابن حجر في الفتح على (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " أنا أعلمكم بالله " وأن المعرفة فعل القلب...) مبيناً ما يؤخذ من الترجمة، قال (فيه دليل على زيادة الإيمان ونقصانه لأنه قوله صلى الله عليه وسلم " أنا أعلمكم بالله " ظاهر في أن العلم بالله درجات، وأن بعض الناس فيه أفضل من بعض) (4).
يؤخذ من النصوص السابقة القول بتفاضل التصديق والمعرفة، وأن ذلك يكون بكثرة الأدلة وقوتها (فمن كان مستند تصديقه ومحبته أدلة توجب اليقين، وتبين فساد الشبهة العارضة، لم يكن بمنزلة من كان تصديقه لأسباب دون ذلك) (5).
أيضاً (نفس التصديق والعلم في القلب يتفاضل باعتبار الإجمال والتفصيل، فليس تصديق من صدق الرسول مجملاً من غير معرفة منه بتفصيل أخباره كمن عرف ما أخبر به عن الله وأسمائه وصفاته والجنة والنار والأمم وصدقه في ذلك كله..) (1).
يقول ابن بطال (التفاوت في التصديق على قدر العلم والجهل فمن قل علمه كان تصديقه مثلاً بمقدار ذرة والذى فوقه في العلم بمقدار برة أو شعيرة) (2).
وكذلك (التصديق المستلزم لعمل القلب، أكمل من التصديق الذي لا يستلزم عمله فالعلم الذي يعمل به صاحبه، أكمل من العلم الذي لا يعمل به، وإذا كان شخصان يعلمان أن الله حق، ورسوله حق، والجنة حق والنار حق، وهذا علمه أوجب له محبة الله، وخشيته، والرغبة في الجنة، والهروب من النار، والآخر علمه لم يوجب ذلك فعلم الأول أكمل..) (3).
إذا التصديق والمعرفة يزيد وينقص من حيث:
أ - كثرة الأدلة وقوتها أو قلتها وضعفها
ب - ومن حيث الإجمال والتفصيل
ج- ومن حيث التصديق المستلزم لعمل القلب أو عدمه، والله أعلم (4)
سادسا: مراتب الإيمان
علمنا في المبحث السابق تفاوت الناس في إيمانهم على حسب علمهم وعملهم، وفي هذا المبحث سنبين مراتب الإيمان وطبقات الناس فيه، وما هو الحد الأدنى الذي من أخل به ذهب إيمانه، وما هو الحد الأعلى الذي يبلغ بصاحبه درجة الصديقين.(1/68)
اسم الإيمان، وحقيقته:
قال الإمام الخطابي (إن الإيمان الشرعي اسم لمعنى ذي شعب وأجزاء، له أدنى وأعلى، فالاسم يتعلق ببعضها كما يتعلق بكلها والحقيقة تقتضي جميع شعبها وتستوفي جميع أجزائها...) (1).
إذا حقيقة الإيمان واستكماله لا تكون إلا بأداء الفرائض واجتناب المحارم، وأما اسم الإيمان وحكمه فيشمل كل من دخل الإيمان وإن لم يستكمله وهكذا (الأمور كلها يستحق الناس بها أسماءها مع ابتدائها والدخول فيها، ثم يفضل فيها بعضهم بعضاً وقد شملهم فيها اسم واحد، من ذلك أنك تجد القوم صفوفاً بين مستفتح للصلاة، وراكع وساجد، وقائم وجالس، فكلهم يلزمه اسم المصلي، فيقال لهم مصلون، وهم مع هذا فيها متفاضلون وكذلك صناعات الناس، لو أن قوماً ابتنوا حائطاً وكان بعضهم في تأسيسه، وآخر قد نصفه، وثالث قد قارب الفراغ منه، قيل لهم جميعاً بناة وهم متبانيون في بنائهم وكذلك لو أن قوماً أمروا بدخول دار، فدخلها أحدهم فلما تعتب الباب أقام مكانه، وجاوزه الآخر بخطوات، ومضى الثالث إلى وسطها، قيل لهم جميعاً داخلون وبعضهم فيه-ا أكثر مدخلاً من بعض فكذلك المذهب في الإيمان.. هو درجات ومنازل وإن سمي أهله اسماً واحداً) (2).(1/69)
أيضاً مما ينبغي تأكيده في هذا المجال أن ما ورد من نفي الإيمان عمن ارتكب بعض الكبائر هو داخل في هذا المعنى الذي ذكرنا، أي أن المنفي ليس اسم الإيمان والدخول فيه إنما المنفي هو حقيقة الإيمان وكماله، يقول الإمام أبو عبيد (فإن قال قائل كيف يجوز أن يقال ليس بمؤمن واسم الإيمان غير زائل عنه؟ قيل هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عاملة إذا كان عمله على غير حقيقته، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله ما صنعت شيئاً ولا عملت عملاً وإنما وقع معناه هاهنا على نفي التجويد، لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالاسم، وغير عامل في الإتقان، حتى تكملوا به فيما هو أكثر من هذا، وذلك كرجل يعق أباه ويبلغ منه الأذى فيقال ما هو بولده، وهم يعلمون أنه ابن صلبه، ثم يقال مثله في الأخ والزوجة والمملوك وإنما مذهبهم في هذا المزايلة من الأعمال الواجبة عليهم من الطاعة البر، وأما النكاح والرق والأنساب، فعلى ما كانت عليه أحكامها وأسماؤها فكذلك هذه الذنوب التي ينفي بها الإيمان إنما أحبطت الحقائق منه الشرائع التي هي من صفاته، فأم-ا الأسماء فعلى ما كانت قبل ذلك ولا يقال لهم مؤمنون (1)وبه الحكم عليهم (2) ثم ذكر شواهد شرعية على ذلك فلتراجع.
يتبين لنا من النقل السابق أن هناك أمرين أحدهما عام والآخر خاص، فأما العام فهو استحقاق اسم الإيمان لكل من دخل الإيمان، سواء استكمله أم كان معه الحد الأدنى منه، وأما الخاص، فهو إطلاق الإيمان على معنى الكمال لمن عمل حقائق الإيمان.
فالمؤمنون متفاوتون في مراتب إيمانهم فمنهم من معه أصل الإيمان (الحد الأدنى منه) دون حقيقته الواجبة، ومنهم من بلغ درجات الكمال الواجب أو المستحب وإليك بيان ذلك.
1- أصل الإيمان:(1/70)
ويمكن أن يطلق عليه الإيمان المجمل أو مطلق الإيمان، والمقصود به الحد الأدنى من الإيمان الذي هو شرط صحة الإيمان والنجاة من الخلود في النار في الآخرة إن مات على ذلك، وبه تثبت الأحكام من فرائض ومواريث، وهذا الإيمان غير قابل للنقصان، لأن نقصانه يعني خروج الإنسان عن اسم الإيمان.
وهذه المرتبة يطلق على صاحبها الإسلام أو الإيمان المقيد (مؤمن ناقص الإيمان أو فاسق,فيدخل تحت هذه المرتبة أهل الكبائر عموماً, وكذلك من أسلم من أهل الطاعة ممن لم تدخل حقائق الإيمان في قلوبهم.
يقول ابن تيمية عن أهل هذه المرتبة: (... فعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر، أو ولدوا على الإسلام، والتزموا شرائعه، وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله، فهم مسلمون، ومعهم إيمان مجمل، ولكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم، إنما يحصل شيئاً فشيئاً إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثير من الناس لا يصلون إلى اليقين وإلى الجهاد، ولو شككوا لشكوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفاراً ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب، ولا عندهم قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عرفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة، وإن ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم، فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب وإلا صاروا مرتابين، وانتقلوا إلى نوع آخر من النفاق...) (1).
أيضاً كل من أزالت عنه النصوص الإيمان من أهل المعاصي هو داخل تحت هذه المرتبة لأن المنفي في النصوص هو حقيقة الإيمان، وكماله أو الإيمان الواجب، أما أصل الإيمان فلا ينتفي إلا عمل الكفر الأكبر. قال الإمام المروزي: (الكفر ضد أصل الإيم-ان، لأن للإيمان أصلاً وفروعاً يثبت الكفر حتى يزول أصل الإيمان... فإن قيل: فالذي زعمت-م أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أزال اسم عنه الإيمان (2) هل فيه من الإيمان شيء؟ قالوا: نعم، أصله ثابت ولولا ذلك الكفر) (1).(1/71)
1- الإيمان الواجب:
وقد يقال عنه الإيمان الكامل، أو الإيمان المفصل أو الإيمان المطلق أو حقيقة الإيمان، ويكون صاحبه ممن يؤدى الواجبات وبجتنب الكبائر وهو ممن وعد بالجنة بلا عذاب. قال الإمام المروزي: (إن اسم المؤمن قد يطلق على وجهين: اسم بالخروج من ملل الكفر والدخول في الإسلام (أصل الإيمان).. واسم يلزم بكمال الإيمان وهو اسم ثناء وتزكية يجب به دخول الجنة والفوز من النار..
] إلى أن قال [: والمؤمنون الذين زكاهم وأثنى عليهم، ووعدهم الجنة هم الذين أكملوا إيمانهم باجتناب كل المعاصي، واجتناب الكبائر...) (2). ولهذا لا يوصف أهل الكبائر بالإيمان المطلق، لأن الإيمان المطلق هو الذي يستحق صاحبه الثواب ودخول الجنة بلا عذاب، وهؤلاء معرضون للوعيد ودخول النار إلا أن يشاء الله.
قال ابن الصلاح: (ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو بدل فريضة لأن اسم الشيء مطلقاً يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهراً إلا بقيد....) (3).
ويقول ابن تيمية (من أتى بالإيمان الواجب استحق الثواب، ومن كان فيه شعبة نفاق، وأتى بالكبائر فذاك من أهل الوعيد، وإيمانه ينفعه الله به ويخرجه به من النار (إن دخلها) ولو أنه مثقال حبة من خردل، لكن لا يستحق به الاسم المطلق المعلق به وعد الجنة بلا عذاب) (4).
لكن يرد هنا سؤال، وهو: ما حكم من أتى الواجبات، واجتنب الكبائر، ولكنه ارتكب بعض الصغائر، هل ينقص عن مرتبة الإيمان الواجب؟
وقد أجاب عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بجواب محكم فقال: (والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينفه - أي الإيمان - إلا عن صاحب كبيرة وإلا فالمؤمن الذي يفعل الصغيرة هي مكفرة عنه بفعله للحسنات، واجتنابه الكبائر، لكنه ناقص الإيمان عمن اجتنب الصغائر فمن (1) أتى بالإيمان الواجب ولكنه خلطه بسيئات كفرت عنه بغيرها، ونقص بذلك درجة عمن لم يأت بذلك) (2).(1/72)
إذاً أهل هذه المرتبة متفاوتون على حسب تورعهم عن الصغائر، فمن كان منهم أحرص على اجتنابها كان إيمانه أكمل ممن يغشاها.
1- الإيمان المستحب:
أو الإيمان الكامل (3) بالمستحبات، وهذه المرتبة هي مرتبة الإحسان، وصاحب هذه المنزلة لا يكتفي بعمل الواجبات وترك المحرمات، بل يضيف إلى ذلك فعل المستحبات، وهذا حاله في عامة الأعمال كالصلاة والحج والصوم والغسل وغيره... فالحج مثلاً (فيه أجزاء ينقص الحج بزوالها عن كماله الواجب ولا يبطل، كرمي الجمار، والمبيت بمنى ونحو ذلك، وفيه أجزاء ينقص بزوالها عن كماله المستحب، كرفع الصوت بالإهلال، والرمل، والاضبطاع في الطواف الأول (4).
فمن أتى بالواجبات فقط فهو من أهل الإيمان الواجب، ومن زاد على ذلك المستحبات فهو من أهل الإيمان المستحب.
وقد ورد في القرآن الكريم في عدة مواضع الإشارة إلى هذه المراتب (أصل
الإيمان، الإيمان الواجب، المستحب قال - تعالى -: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) (1).
فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان هو الظالم لنفسه، والمقتصد هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب وترك المحرم، والسابق بالخيرات هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه، وقد ذكر - سبحانه - تقسيم الناس في المعاد إلى هذه الثلاثة في سورة الواقعة والمطففين، وهل أتى، وذكر الكفار أيضاً) (2).
الفصل الثاني:
المعاصي وأثرها على الإيمان عند أهل السنة
1- المعاصي تنقسم إلى كبائر وصغائر
2- الفرق بين الكبائر والصغائر
3- حكم أهل الكبائر عند أهل السنة وأدلتهم
المعاصي تنقسم إلى كبائر وصغائر
ذهب جمهور أهل السنة إلى انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، وحكى الإمام ابن القيم الإجماع على ذلك حيث قال: (والذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة وإجماع السلف وبالاعتبار) (1). واستدلوا لذلك بعدة أدلة منها:(1/73)
1- قوله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) (2).
قال القرطبي (لما نهى تعالى في هذه السورة عن آثام هي كبائر وعد على اجتنابها التخفيف من الصغائر، دل هذا على أن في الذنوب كبائر وصغائر وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء) (3).
وقال الإمام الشوكاني: ((أي إن تجتبوا كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها نكفر عنكم سيئاتكم أي ذنوبكم التي ه-ي صغائر، وحمل السيئات على الصغائر هنا متعين لذكر الكبائر قبلها وجعل اجتنابها شرطاً لتكفير السيئات) (4).
2- قوله عز وجل: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) (5)، هذه الآية صريحة الدلالة في تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر على خلاف بين العلماء في المقصود باللمم.(1/74)
فقد اختلف السلف في معين ((اللمم)) على قولين مشهورين، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (فأما اللمم فقد روي عن جماعة من السلف: أنه الإلمام بالذنب مرة، ثم لا يعود إليه، وإن كان كبيراً: قال البغوي: هذا قول أبي هريرة ومجاهد والحسن ورواية عطاء عن ابن عباس.. والجمهور على أن اللمم مادون الكبائر، وهو أصح الروايتين عن ابن عباس، كما في صحيح البخاري من حديث طاووس عنه قال: ((ما رأيت أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)) (1).. إلي أن قال رحمه الله: والصحيح: قول الجمهور: أن اللمم صغائر الذنوب، كالنظرة، والغمزة، والقبلة، ونحو ذلك. هذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم، وهو قول أبي هريرة وعبد الله بن مسعود، وابن عباس ومسروق والشعبي، ولا ينافي هذا قول أبي هريرة وابن عباس في الرواية الأخرى: ((انه يلم بالكبيرة ثم لا يعود إليها)) فإن ((اللمم)) إما أنه يتناول هذا وهذا ويكون على وجهين، كما قال الكلبي، أو أن أباهريرة وابن عباس ألحقا من ارتكب الكبيرة مرة واحدة - ولم يصر عليها، بل حصلت منه فلته في عمره - باللمم، ورأيا أنها إنما تتغلظ وتكبر وتعظم في حق من تكررت منه مراراً عديدة، وهذا من فقه الصحابة - رضى الله عنهم - وغور علومهم، ولا ريب أن الله يسامح عبده المرة والمرتين والثلاث، وإنما يخاف العنت على من اتخذ الذنوب عادته، وتكرر منه مراراً عديدة (2)، وذكر شيخ الإسلام ابن تيميه الآيات الدالة على انقسام الذنوب (3) ومنها قوله تعالى: ((والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون)(4) وقوله عز وجل: (وقال مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها)(5) وقوله تعالى: (وكل صغير وكبير مستطر)(6)(1/75)
3- قوله صلى الله عليه وسلم ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) (1).
قال النووي: (.. وتنقسم (أي المعاصي) باعتبار ذلك إلى ما تكفره الصلوات الخمس أو صوم رمضان أو الحج أو العمرة أو الوضوء أو صوم عرفة أو صوم عاشوراء أو فعل الحسنة أو غير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة، وإلى مالا يكفره ذلك كما ثبت في الصحيح " ما لم يغش كبيرة" فسمى الشرع ما تكفره الصلاة ونحوها صغائر ومالا تكفره كبائر)(2) ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم:- ((ما من امريء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله))(3)
4- ومن الأدلة على انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر الأحاديث الكثيرة في ذكر الكبائر من مثل حديث أنس رضي الله عنه قال: ((ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله وقتل النفس، وعقوق الوالدين.. الحديث))(4) (فخص الكبائر ببعض الذنوب، ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم يسغ ذلك)(5)
فالنصوص السابقة كما ترى صريحة في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر ومع ذلك فقد نقل عن بعض الأشاعرة إنكارهم تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، وقالوا: إن سائر المعاصي كبائر، منهم أبو إسحاق الإسفرائيني، والباقلاني، وإمام الحرمين وابن القشيري والتقي السبكي، بل حكاه ابن فورك عن الأشاعرة واختاره في تفسيره(1)، ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية، وحكاه القاضي عياض عن المحققين (2)
ولقد لخص الإمام ابن بطال أدلتهم تلخيصاً جيداً فقال:
(انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر هو قول عامة الفقهاء، وخالفهم من الأشعرية أبو بكر بن الطيب وأصحابه فقالوا: المعاصي كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، كما يقال القبلة المحرمة صغيرة بإضافتها إلى الزنا وكلها كبائر.(1/76)
قالوا: ولا ذنب عندنا يغفر عندنا يغفر واجباً باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبيرة، ومرتكبه في المشيئة، غير الكفر لقوله تعالى: ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء))(3) وأجابوا عن الآية التي احتج أهل القول الأول بها وهي قوله تعالى: ((إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه..))(4)، أن المراد الشرك وقد قال الفراء: من قرأ " كبائر " فالمراد بها كبير، وكبير الإثم هو الشرك، وقد يأتي لفظ الجمع والمراد به الواحد كقوله تعالى: ((كذب-ت قوم نوح المرسلين)) (5) ولم يرسل إليهم غير نوح، قالوا: وجواز العقاب على الصغيرة لجوازه على الكبيرة)(6) واستدلوا أيضاً بقول ابن عباس: ((كل ما نهى الله عنه كبيرة))(7) وأجاب الجمهور عن هذه الاستدلالات بما يلي:
1- قال ابن العز الحنفي: ((ومن قال: إنها سميت كبائر بالنسبة لما دونها، أو كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة يقتضي أن الذنوب في نفسها لا تنقسم إلى صغائر وكبائر، وهذا فاسد، لأنه خلاف النصوص الدالة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر))(1) فيكفي في بيان بطلان هذا القول مخالفته للنصوص الصريحة السابقة الذكر.
2- أما قولهم: لا ذنب عندنا يغفر واجباً باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبير، غير الشرك، وتأويلهم قوله تعالى: ((إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه..)) أن المراد الشرك لقراءة "كبير" فيقال لهم: وماذا عن قوله - صلى الله عليه وسلم:- ما اجتنبت الكبائر، ما لم تغش الكبائر؟
وماذا يجاب عن النصوص الصريحة في التفريق بين الصغائر والكبائر مثل قوله عز وجل: ((وقالوا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها))(2)(1/77)
3- أما استدلالهم بقول ابن عباس - رضي الله عنه - فيجاب عنه بأنه قد ورد أيضاً عن ابن عباس أنه قال: ((كل ما توعد الله عليه بالنار كبيرة))(3) فالأولى أن يكون المراد بقوله ((نهى الله عنه)) محمولاً على نهي خاص وهو الذي قرن به وعيد، فيحمل مطلق كلامه رضي الله عنه على مقيده جمعاً بين قوليه(4) وقال البيهقي في تعليقه على رواية ابن عباس: كل ما نهى الله عنه كبيرة ": ((فيحتمل أن يكون هذا في تعظيم حرمات الله والترهيب عن ارتكابها، فأما الفرق بين الصغائر والكبائر فلابد منه في أحكام الدنيا والآخرة))(1)، وطعن القرطبي في الرواية من جهة المتن. فقال: ((ما أظنه يصح عن ابن عباس أن كل ما نهى الله عزوجل عنه كبيرة لأنه مخالف لظاه-ر القرآن في الفرق بين الصغائر والكبائر (ثم ذكر الآيات) إلى أن قال فكيف يخفى ذلك على حبر القرآن)) (2)؟
ولوضوح الأدلة في الفرق بينهما اعتبر الحافظ ابن حجر القول الآخر شاذاً حيث قال: ((وقد اختلف السلف، فذهب الجمهور إلى أن من الذنوب كبائر وصغائر، وشذت طائفة منهم الأستاذ أبو اسحاق الاسفرائيني فقال: ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهى الله عنه كبيرة..))(3)
وقال أبو حامد الغزالي في كتابه الوسيط في المذهب: ((انكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه وقد فهما من مدارك الشرع))(4).
2- الفرق بين الصغائر والكبائر
بعدما بينا في الفقرة السابقة انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر سنبحث في هذه الفقرة تعريف الكبيرة والفرق بينها وبين الصغيرة.
تعريف الكبيرة:-
اختلف العلماء في تعريفها فبعضهم يعبر عن جانب منها من خلال الاستدلال ببعض النصوص دون بقيتها، وحاول البعض الآخر أن يأتي بتعريف شامل وسنستعرض بعض هذه التعريفات باختصار ثم نأتي بالقول الصحيح من خلال كلام الأئمة المحققين (1).(1/78)
1- ق-ال الرافعي في الشرح الكبير: (الكبيرة هي الموجبة للحد، وقيل ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة، هذا أكثر ما يوجد للأصحاب وه-م إلى ترجيح الأول أميل، ولكن الثاني أوفق لما ذكروه من تفصيل الكبائر (2). قال الحافظ في الفتح (وكيف يقول عالم إن الكبيرة ما ورد فيه الحد مع التصريح في الصحيحين بالعقوق واليمين الغموس وشهادة الزور وغير ذلك)(3).
وقال بعدما جمع ما ورد التصريح بأنه من الكبائر: (إذا تقرر ذلك عرف فساد من عرف الكبيرة بأنها ما وجب فيها الحد، لأن أكثر المذكورات لا يجب فيها الحد (4). أما من عرفها بأنها ما ورد فيها الوعيد فهو أقرب إلى الصحة كما سيأتي قال الحافظ في الفتح: (ولا يدل عليه إخلاله بما فيه الحد، لأن كل ما ثبت فيه الحد لا يخلو من ورود الوعيد على فعله) (1).
2- ومن الأقوال في تعريفها: أنها ما اتفقت الشرائع على تحريمه، دون ما اختلفت فيه، قال شيخ الإسلام عن هذا القول يوجب (هذا القول) أن تكون الحبة من مال اليتيم، ومن السرقة، والخيانة والكذبة الواحدة، وبعض الإساءات الخفية، ونحو ذلك كبيرة، وأن يكون الفرار من الزحف ليس من الكبائر، إذ الجهاد لم يجب في كل شريعة....... إلخ) (2).
3- وعرفها إمام الحرمين بقوله: (كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقاقة الديانة) (3)
ومثله قول أبي حامد الغزالي: (كل معصية يقدم المرء عليها من غير استشعار خوف ووجدان ندم تهاوناً واستجراء عليها فهي كبيرة، وما يحمل على فلتات اللسان ولا ينفك عن ندم يمتزج بها وينغص التلذذ بها فليس بكبيرة) (4).
واعتُرض على هذا التعريف، لأنه يشمل صغائر الخسة وليست بكبائر، وكذلك يرد على هذا التعريف أن م--ن ارتكب كبيرة من الكبائر المنصوص عليها كالزنا مثلاً لا يشمله التعريف إن صاحب فعله الخوف أو الندم (5).(1/79)
4- قال ابن عبد السلام: (إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر والكبائر فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فان نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر وأربت عليها فهي من الكبائر) (6).
واعترض على ذلك بتعذر الإحاطة بمفاسد الكبائر كلها حتى نعلم أقلها مفسدة (1).
5- وذهب بعض العلماء ومنهم الإمام الطبري إلى تعريفها بالعدد من غير ضبطها بحد قال رحمه الله: (وأولى ما قيل في تأوي--ل ((الكبائر)) بالصحة، ما صح به الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون ما قاله غيره).. فالكبائر إذن: الشرك به، وعقوق الوالدين، وقتل النفس...) (2)
ومقصود الإمام الطبري حصر الكبائر بما نص عليه الصلاة والسلام بأنه كبيرة دون غيره مما عليه حد أو وعيد ولم ينص على أنه كبيرة، ولازم هذا القول إخراج بعض الذنوب كالسرقة والرشوة مثلاً من أن تكون من الكبائر لعدم ورود نص يصرح بأنها من الكبائر، على الرغم من أن مفسدة هذه أكبر من بعض المنصوص عليها.
6- ومن أشهر التعريفات ما نقل عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن البصري وغيرهم: أن الكبائر كل ذنب ختمه الله تعالى بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقال ابن الصلاح: (لها أمارات منها: إيجاب الحد، ومنها الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة، ومنها وصف فاعلها بالفسق نصا ومنها اللعن) (3).
وقال الماوردي من الشافعية: (الكبيرة ما وجبت فيه الحدود أو توجه إليها الوعيد) (4) وورد مثل ذلك عن الإمام أحمد فيما نقله القاضي أبو يعلي (4) ورجحه القرطبي (1) وابن تيمية والذهبي (2) وغيرهم.
ولعل هذا التعريف أشمل التعاريف وأقربها للصواب لعدة اعتبارات ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية من أهمها:(1/80)
1- أنه يشمل كل ما ثبت في النصوص أنه كبيرة كالشرك، والقتل، والزنا، والسحر، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وغير ذلك من الكبائر التي فيها عقوبات مقدرة، ويشمل أيضاً ما ورد فيه الوعيد كالفرار من الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا وعقوق الوالدين واليمين الغموس وشهادة الزور، ويشمل كل ذنب توعد صاحبه بأنه لا يدخل الجنة، وما قيل فيه من فعله فليس منا، وما ورد من نفي الإيمان عن من ارتكبه كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.. الخ)) (3) فكل من نفي الله عنه الإيمان والجنة أو كونه من المؤمنين فهو من أهل الكبائر، لأن هذا النفي لا يكون لترك متسحب، ولا لفعل صغيرة، بل لفعل كبيرة.
2- أنه مأثور عن السلف من الصحابة والتابعين بخلاف غيره.
3- أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الصغائر والكبائر بخلاف غيره.
4- أن الله تعالى قال: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً)، فقد وعد مجتنب الكبائر بتكفير السيئات واستحقاق الوعد الكريم، وكل من وعد بغضب الله أو لعنته أو نار أو حرمان جنته أو ما يقتضي ذلك، فإنه خارج عن هذا الوعد فلا يكون من مجتنبي الكبائر، وكذلك من استحق أن يقام عليه الحد، لم تكن سيئاته مكفرة عنه باجتناب الكبائر. إذ لو كان كذلك لم يكن له ذنب يستحق أن يعاقب عليه، والمستحق أن يقام عليه الحد له ذنب العقوبة عليه (4).
3- حكم أهل الكبائر عند أهل السنة وأدلتهم
تواترت النصوص الدالة على عدم كفر مرتكب الكبيرة، وعدم خلوده في النار إن دخلها، ما لم يستحل، وهذا من الأصول الاعتقادية المجمع عليها بين أهل السنة، وسنبحث في هذه الفقرة ما يلي:
1- أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة، [الحكم الدنيوي والأخروي].
2- نصوص قد يظن أنها تخالف ما سبق، وإيضاح معناها.
3- نصوص عامة لعلماء أهل السنة تبين الخلاصة في الحكم على أهل الكبائر.(1/81)
أولا: أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة [الحكم الدنيوي والأخروي]:
استدل أهل السنة لذلك بأدلة كثيرة جداً، ونحن سنذكر هنا ما يمكن أن يسمى " أدلة كلية " وكل دليل يندرج تحته عدد من الأدلة التفصيلية
الدليل الأول: نصوص تدل على أن من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، وعلى أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ومنها:
1- قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)(1) (فحكم بأن الشرك غير مغفور للمشرك، يعني إذا مات غير تائب منه لقوله: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)(2) مع آيات غير هذه تدل على أن التائب من الشرك مغفور له شركه، فثبت بذلك أن الشرك الذي أخبر الله أنه لا يغفر: هو الشرك الذي لم يتب منه، وأن التائب مغفور له شركه، وأخبر أنه يغفر: ما دون الشرك لمن يشاء، يعني لمن أتى ما دون الشرك، فلقي الله غير تائب منه، لأنه لو أراد أن يغفر ما دون الشرك للتائب، دون من لم يتب لكان قد سوى بين الشرك، وما دونه، ولو كان كذلك لم يكن لفصله بين الشرك وما دونه معنى، ففصله بينهما دليل على أن الشرك لا يغفره لو مات وهو غير تائب منه، وأن يغفر ما دون ذلك الشرك لمن يشاء ممن مات وهو غير تائب، ولا جائر أن يغفر له، ويدخله الجنة إلا وهو مؤمن)(1)(2).
2- قوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية أبي هريرة:"... أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة "(1)
3- وحديث معاذ المشهور وفيه قوله صلى الله عليه وسلم " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً "(2)
4- وروى مسلم من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ".. ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيته بقرابها مغفرة "(3)(1/82)
قال الإمام ابن رجب " فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض، وهو ملؤها أو ما يقارب خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة "(4)
الدليل الثاني: نصوص فيها التصريح بعدم دخول الموحد النار أو خلوده فيها - إن دخل - مع تصريحها بارتكابه الكبائر ومنها:
1- حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة قلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق " (5).
قال النووي رحمه الله: " وأما قوله صلى الله عليه - وإن زنى وإن سرق فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وختم لهم بالخلود بالجنة) (6).
2- حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: " تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه " (7).
قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم " ومن أصاب شيئاً من ذلك " إلى آخره المراد به ما سوى الشرك وإلا فالشرك لا يغفر له " (8) ثم ذكر من فوائد الحديث (الدلالة لمذهب أهل الحق أن المعاصي غير الكفر لا يقطع لصاحبها بالنار إذا مات ولم يتب منها، بل هو بمشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) (9).(1/83)
وقال المروزي تعليقاً على هذا الحديث: (ففي هذا الحديث دلالتان على أن السارق، والزاني ومن ذكر في هذا الحديث غير خارجين من الإيمان بأسره إحداهما: قوله فمن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا، فهو كفارة له،والحدود لا تكون كفارات إلا للمؤمنين (10) ألا ترى قوله: " من ستر الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه " فإذا غفر له أدخله الجنة، ولا يدخل الجنة من البالغين المكلفين إلا مؤمن، وقوله (11) صلى الله عليه وسلم " إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه " هو نظير قول الله تبارك وتعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء) (12) وأن يغفر مادون ذلك الشرك لمن يشاء ممن مات وهو غير تائب، ولا جائز أن يغفر له ويدخله الجنة إلا وهو مؤمن) (13).
الدليل الثالث: نصوص فيها التصريح ببقاء الإيمان والأخوة الإيمانية مع ارتكاب الكبائر ومنها.
1- قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) (14).
……استدل أهل السنة بهاتين الآيتين على أن المؤمن لا يكفر بارتكابه الكبائر، لأن الله - عز وجل - أبقى عليه اسم الإيمان مع ارتكابه لمعصية القتل (15) ووصفهم بالأخوة وهي هنا أخوة الدين.
2- قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء) الآية (16)
قال ابن الجوزي: (دل قوله تعالى (من أخيه) على أن القاتل لم يخرج من الإسلام) (17)
واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بهذه الآية على أن الأخوة الإيمانية ثابتة مع ارتكاب المعاصي (18)(1/84)
3- لعل مما يدخل تحت هذا الدليل ما رواه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتى به يوماً فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم العنة، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تلعنوه، فو الله ما علمت إنه يحب الله ورسوله " (19)
فالحديث صريح هنا ببقاء محبة الله ورسوله، وهي من أعظم أصول الإيمان القلبي مع تكرار شربه للخمر.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - " وفيه الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر لثبوت النهي عن لعن، والأمر بالدعاء له وفيه أن لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه "(20)
الدليل الرابع: شرع الله - عز وجل - إقامة الحدود على بعض الكبائر:
لعل هذا من أقوى الأدلة على فساد مذهب من يكفر مرتكب الكبيرة إذ لو كان السارق والقاذف وشارب الخمر، والمرتد سواء في الحكم لما اختلف الحد في كل منها، قال الإمام أبو عبيد رحمه الله (... ثم قد وجدنا الله - تبارك وتعالى - يكذب مقالتهم، وذلك أنه حكم في السارق بقطع اليد، وفي الزاني والقاذف بالجلد، ولو كان الذنب يكفر صاحبه ما كان الحكم على هؤلاء إلا بالقتل لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من بدل دينه فاقتلوه)) (21)، أفلا ترى أنهم لو كانوا كفاراً لما كانت عقوباتهم القطع والجلد، وكذلك قول الله فيمن قُتل مظلوماً: [فقد جعلنا لوليه سلطاناً] (22) فلو كان القتل كفراً ما كان للولي عفو ولا أخذ دية، ولزمه القتل (23).(1/85)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (.. بل القرآن والنقل المتواتر عنه، يبين أن هؤلاء لهم عقوبات غير عقوبة المرتد عن الإسلام، كما ذكر الله في القرآن جلد القاذف والزاني، وقطع يد السارق، وهذا متواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانوا مرتدين لقتلهم، فكلا القولين مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام) (24).
وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي: (ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل، بل يقام عليه الحد، فدل على أنه ليس بمرتد) (25).
الدليل الخامس: نصوص صريحة في خروج من دخل النار من الموحدين بالشفاعة وبغيرها:
وهذا - أيضاً - من الأدلة الواضحة على عدم كفر مرتكب الكبائر وعدم خلوده في النار، إذ لو كان كافراً لما خرج من النار. والأدلة في هذا بلغت مبلغ التواتر، ونقل التواتر جمع من العلماء منهم الإمام البيهقي (26) وابن تيمية (27) وابن أبي العز الحنفي (28) وابن الوزير االيماني، وقال: (وأحاديث الشفاعة المصرحة بخروج الموحدين من النار قاطعة في معناها بالإجماع، وهي قاطعة في ألفاظها.. لورودها عن عشرين صحابياً أو تزيد في الصحاح والسنن والمسان-يد، وأم-ا شواهدها بغير ألفاظها فقارب-ت خمسمائة حديث) (29)، وقال (والتواتر يحصل بهذا بل بدون ذلك) (30).
ومن هذه الأحاديث:
1- حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير " وفي رواية " من إيمان " مكان "من خير" (31).(1/86)
2- ومن ذلك أحاديث شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكبائر الذين دخلوا النار أن يخرجوا منها فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله، من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً " (32) يوضح ذلك حديث الشفاعة المشهور وفيه ... فيقول " أي عيسى عليه السلام): ائتوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله، ثم يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأدخلهم الجنة (33)، ثم أعود إليه، فإذا رأيت ربي - وذكر مثله - ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة، ثم أعود الرابعة، فأقول: ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود " قال البخاري: إلا من حبسه القرآن يعني قول الله تعالى: (خالدين فيها) (34).
3- ومن الأحاديث في هذا الباب حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحيا - أو الحياة - (35) شك مالك - فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية " (36) إلى غير ذلك من الأحاديث الصريحة (37).
وهناك أدلة أخرى لبيان مذهب أهل السنة وما ذكرنا هو أبرزها وأهمها ولعل فيها الكفاية إن شاء الله.
ثانياً: نصوص يظن أنها تخالف ما سبق:(1/87)
تبين لنا من الأدلة السابقة قطعية النصوص الدالة على عدم كفر مرتكب الكبيرة وعدم خلوده في النار، وسنتكلم هنا عن أنواع من الأدلة قد يظن بعض المبتدعة أو قليلو العلم أنها تخالف مذهب أهل هذا الباب، والحقيقة أن من أسباب انحراف هؤلاء وغيرهم، في هذا الباب النظر إلى جانب من النصوص وترك الجانب المقابل، فبعضهم نظر إلى الأحاديث السابقة فأخذ جانب الوعد والرجاء، والبعض الآخر نظر إلى ما سيأتي فأخذ جانب الخوف والوعيد ومذهب أهل السنة متوازن يجمع بين أطراف النصوص ولا يضرب بعضهما ببعض، كما سنبين، ولنأت الآن لذكر أهم الأدلة وهي أنواع، وكل نوع يحتوي على أحاديث كثيرة:
1- النوع الأول: نصوص تنفي الإيمان عمن ارتكب بعض الكبائر:(1/88)
ومن أشهرها قوله - صلى الله عليه وسلم:- (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) (38)، فهم بعض أهل البدع من هذا النص وما في معناه أن المنفي أصل الإيمان أما أهل السنة فأجمعوا على أن المنفي هنا كمال الإيمان جمعاً بين هذا النص وغيره من النصوص، قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله، تعليقاً على هذا الحديث: (.. يريد مستكمل الإيمان، ولم يرد به نفي جميع الإيمان عن فاعل ذلك بدليل الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر - إذا صلوا للقبلة وانتحلوا دعوة الإسلام - من قرابتهم المؤمنين الذين آمنوا بتلك الأحوال، وفي إجماعهم على ذلك مع إجماعهم على أن الكافر لا يرث المسلم، أوضح الدلائل على صحة قولنا، أن مرتكب الكبيرة ناقص الإيمان بفعله ذلك) (39). وقال النووي رحمه الله: (فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله ومختاره كما يقال لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا الإبل ولا عيش إلا عيش الآخرة ...) (40) وقال المروزي رحمه الله، (فالذي صح عندنا في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وما روي عنه من الأخبار مما يشبه هذا أن معنى ذلك كله أن من فعل تلك الأفعال لا يكون مؤمناً مستكمل الإيمان، لأنه ترك بعض الإيمان، نفى عنه الإيمان، يريد به الإيمان الكامل.. وإقامة الحدود عليه دلي--ل على أن الإيمان لم يزل كله عنه، ولا اسمه، ولولا ذلك لوجب استتابته، وقتله، وسقطت الحدود) (41).(1/89)
إذاً لا مناص من تفسير هذا الحديث وما في معناه بأن المنفي كمال الإيمان أو الإيمان الواجب وليس أصل الإيمان، لأنا لو قلنا إن المنفي أصل الإيمان لوقعنا في تناقض ولضربنا بعض النصوص ببعض، إذ يلزم من هذا القول إسقاط الحدود، ورد الأحادي-ث المصرحة بدخول الموحد الجنة وإن زنى وإن سرق، وخروجه من النار ... الخ ما سبق بيانه (42).
وكما أن هذا الحديث رد على الوعيدية الذين يكفرون بالذنوب ففيه أيضاً رد على المرجئه الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب، حيث بين هذا الحديث خطورة المعاصي وأثرها في نقصان الإيمان.
3- النوع الثاني: نصوص فيها براءة النبي
4- - صلى الله عليه وسلم - ومنها:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: " من حمل علينا السلاح فليس منا " (43) وقوله عليه الصلاة والسلام. " من غش فليس مني " (44)، يقول الإمام أبو عبيد تعليقاً على هذا النوع: (لا نرى شيئاً منها يكون معناه التبرؤ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من ملته، إنما مذهبه عندنا أنه ليس من المطيعين لنا، ولا من المقتدين بنا ولا من المحافظين على شرائعنا) (45). ويقال فيه ما ذكرنا في النوع الأول من نقص اتباعه وطاعته بفعله ذلك.
3- النوع الثالث: نصوص فيها إطلاق الكفر والشرك على بعض المعاصي، ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" (46).
وقوله: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت " (47).
وقوله: " الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل " (48).
وقوله: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) (49).(1/90)
وهذه الأحاديث استدل بها الخوارج على كفر مرتكب المعاصي وخروجه من الملة، أما أهل السنة فجمعوا بين النصوص وفسروا هذه الأحاديث وأمثالها بعدة تفسيرات، أشهرها أن مرتكب هذه المعاصي قد تشبه بالكافرين والمشركين بأخلاقهم وسيرهم وعمل عملهم، وقد تحمل على المستحل، وقد يقال عن بعضها كفر نعمة.. الخ.
قال الخطابي رحمه الله: (وقوله: (وقتاله كفر) فإنما هو على أن يستبيح دمه، ولا يرى أن الإسلام قد عصمه منه، وحرمه عليه.. وقد يتأول هذا الحديث وما جاء في معناه من الأحاديث على وجه التشبيه لأفعالهم بأفعال الكفار من غير تحقيق للحكم فيه ... وهذا لا يوجب أن يكون من فعل ذلك كافراً به خارجاً عن الملة، وإنما فيه مذمة هذا الفعل وتشبيهه بالكفر، على وجه التغليط لفاعله، ليجتنبه فلا يستحله، ومثله في الحديث كثير) (50)
يضاف في الرد أن أفراد هذه المسائل مثل - سباب المسلم - الحلف بغير الله - النياحة - الطيرة. وقد وردت نصوص أخرى تدل أنها وقعت من البعض ولم يكفر صاحبها، بل حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها. مثل قوله: (لا تحلفوا بآبائكم) وقوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) حيث لم يرتب عليها كفراً.
واستند أهل السنة في تأويلهم هذا إلى النصوص السابقة في حكم مرتكب الكبيرة من مثل قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (51) وأحاديث الشفاعة وغيرها (52) وبما ثبت عن ابن عباس وغيره من الأئمة في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (53): أنه قال: (ليس هو بالكفر الذي يذهبون إليه) فقالوا: كفر دون كفر وشرك دون شرك..الخ) (54).
وأول بعض العلماء الكفر الوارد في الأحاديث بكفر النعمة، وإن كان الأدق والله أعلم أن تؤول بعض النصوص وليس كلها فيها إطلاق الكفر على كفر النعمة مثل ما جاء في حديث كفران العشير ونحوه.(1/91)
قال النووي رحمه الله: (وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - فيمن ادعى لغير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه، فقيل فيه تأويلان أحدهما: أنه في حق المستحل، والثاني: أنه كفر النعمة والإحسان وحق الله تعالى وحق أبيه، وليس المراد الكفر الذي يخرجه من ملة الإسلام وهذا كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (يكفرن) ثم فسره بكفرانهن الإحسان وكفران العشير) (55).
وقال أبو بكر بن العربي: (فقرن حق الزوج على الزوجة بحق الله، فإذا كفرت المرأة حق زوجها - وقد بلغ من حقه عليها هذه الغاية - (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله) - كان ذلك دليلاً على تهاوناً بحق الله، فذلك يطلق عليها الكفر، لكنه كفر لا يخرج من الملة) (56).
والنوع الرابع: نصوص فيها تحريم النار على من تكلم بالشهادتين، وأخرى فيها تحريم الجنة على مرتكب الكبائر:
مثل قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها) (57).
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) (58).
وقوله: (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) (59).
وقوله: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار) (60)
فالأدلة الثلاثة الأولى ظاهرها - إذا لم يضم إليها ما يقابلها - يكاد يكون صريحاً في مذهب الخوارج، والدليل الرابع يكاد يكون صريحاً في مذهب المرجئة، ولكن كما كررنا من قبل، من أعظم أسباب ضلال هؤلاء أخذهم بجانب من الأدلة وتركهم الجانب الآخر، أما أهل السنة فينظرون إلى جميع الأدلة والأحاديث إذا ثبت في مسألة معينة فيضمون بعضها إلى بعض، وكأنها دليل واحد، أو حديث واحد فيحمل مطلقها على مقيدها ليحصل الاعتقاد والعمل بجميع ما في مضمونها (61).(1/92)
وهكذا نظروا لهذه الأدلة وما يشبهها فقال الإمام الطبري - رحمه الله - في تفسير آية قتل العمد المشار إليها بعد أن استعرض الأقوال في تفسيرها: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: ومن يقتل مؤمناً متعمداً، فجزاؤه جهنم خالداً فيها، ولكنه يعفو ويتفضل على أهل الإيمان به وبرسوله فلا يجازيهم بالخلود فيها، ولكنه عز ذكره إما أن يعفو بفضله فلا يدخله النار، وإما أن يدخله إياها ثم يخرجه منها بفضل رحمته، لما سلف من وعده عباده المؤمنين بقوله: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً) (62) (63) وقال الخطابي: (القرآن كله بمنزلة الكلمة الواحدة، وما تقدم نزوله وما تأخر في وجوب العمل به سواء مالم يقع بين الأول والآخر منافاة، ولو جمع بين قوله: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (64) وبين قوله: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها) (65)، وألحق به قوله: (لمن يشاء) لم يكن متناقضاً، فشرط المشيئة قائم في الذنوب كلها ما عدا الشرك، وأيضاً فإن قوله: (فجزاؤه جهنم) إن جازاه الله ولم يعف عنه، فالآية الأولى خبر لا يقع فيه الخلف، والآية الأخرى وعيد (66) يرضي فيه العفو والله أعلم) (67).
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة) وقوله: (فالجنة عليه حرام) ففيه جوابان: (أحدهما: أنه محمول على من يستحل الإيذاء مع علمه بتحريمه فهذا كافر لا يدخلها أصلاً، والثاني: معناه جزاؤه أن لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم، بل يؤخر ثم قد يجازى وقد يعفى عنه فيدخلها أولاً) (68).
إذا يمكن أن نقول لا يدخل الجنة ابتداء، والجنة عليه حرام ابتداء ونحو ذلك. وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (حرم الله عليه النار) أي حرم الله عليه الخلود في النار، أما دخولها إن كان من أهل الكبائر فأمره إلى الله إن شاء أدخله وإن شاء عفا عنه) (69).(1/93)
ثالثاً: نصوص عامة لعلماء أهل السنة تبين الخلاصة في الحكم على أهل الكبائر:
سننقل بعض النصوص عن أئمة السلف يتبين خلالها وضوح منهجهم في ذلك:
قال الإمام الصابوني (*) رحمه الله: (ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن أذنب ذنوباً كثيرة صغائر وكبائر، فإنه لا يكفر بها، إن خرج من الدنيا غير تائب منها، ومات على التوحيد والإخلاص، فإن أمره إلى الله - عز وجل - إن شاء عفا عنه، وأدخله الجنة يوم القيامة سالماً غانماً غير مبتلى بالنار ولا معاقب على ما ارتكبه واكتسبه ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار، وإن شاء عفا عنه وعذبه مدة بعذاب النار، وإن عذبه لم يخلد فيها، بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار) (70).
وقال الإمام البغوي رحمه الله: (اتفق أهل السنة على أن المؤمن لا يخرج عن الإيمان بارتكاب شيء من الكبائر إذا لم يعتقد إباحتها، وإذا عمل شيئاً منها، فمات قبل التوبة، لا يخلد في النار، كما جاء به الحديث، بل هو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه بقدر ذنوبه، ثم أدخله الجنة برحمته) (71).
وقال الإمام ابن بطة رحمه الله: (وقد أجمعت العلماء - لا خلاف بينهم - أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه من الإسلام بمعصية، نرجو للمحسنين، ونخاف على المسيء) (72) وقال الإمام الطحاوي رحمه الله: (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله) (73)، وأهل الكبائر في النار لا يخلدون، إذا ماتوا وهم موحدون) (74).(1/94)
وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي في تعليقه على كلام الإمام الطحاوي (إن أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفراً ينقل عن الملة بالكلية، كما قالت الخوارج؛ إذ لو كفر كفراً ينقل عن الملة لكان مرتداً يقتل على كل حال، ولا يقبل عفو ولي القصاص، ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر، وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام، ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام ولا يدخل في الكفر، ولا يستحق الخلود مع الكافرين ...) (75).
إذاً الخلاصة مما سبق من الآيات والأحاديث وكلام العلماء:
1- إجماع أهل السنة على عدم كفر مرتكب الكبيرة، ما لم يستحل.
2- أنه في الآخرة تحت المشيئة إذا لم يتب - إن شاء عذبه - عز وجل - وإن شاء عفا عنه.
3- أنه إن دخل النار فلا يخلد فيها.
4- تحذير الموحدين من ارتكاب الكبائر، ويخشى على مرتكبها أن تتراكم عليه الذنوب فتوصله إلى الكفر، وكذلك يخشى عليه من العقوبات المترتبة على بعض الذنوب. أما ما يظن أنه يخالف ذلك من بعض النصوص فله عدة تفسيرات عند الأئمة:
2- فالنصوص التي فيها نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة فالمقصود فيه نفي كمال الإيمان أو الإيمان الواجب.
2- أما النصوص التي فيها براءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فمعناها ليس من المقتدين بنا بفعله هذا.
3- وكذلك النصوص التي فيها إطلاق الكفر والشرك على بعض المعاصي، قال فيها أهل السنة. إنها كفر دون كفر، وإن المقصود بذلك أن مرتكب هذه المعصية قد تشبه بالكافرين والمشركين بفعله ذلك. وأولوا بعضها بكفر النعمة.
4- أما النصوص التي تحرم النار على الموحد فالمقصود تحريم خلوده في النار، وكذلك النصوص التي تحرم الجنة على من ارتكب بعض الكبائر فالمقصود دخول الجنة ابتداء. وبذلك يظهر تميز مذهب أهل السنة في هذا الباب وتوسطه بين الوعيدية، والمرجئة، وجمعه بين النصوص المختلفة دون تكلف ولا تناقض.
الفصل الثالث(1/95)
الإيمان عند الفرق إجمالا
أ- الإيمان عند الوعيدية
1- الإيمان عند الوعيدية
2- قولهم في الزيادة والنقصان
3- الفرق بين الكبائر والصغائر عندهم
4- حكم أهل الكبائر عندهم
5- موقفهم من نصوص الوعد والوعيد
ب- الإيمان عند المرجئة
1- تعريفه، الصلة بين الإيمان والعمل عندهم
2- موقفهم من الزيادة والنقصان
3- موقفهم من نصوص الوعد والوعيد
4- الكفر عندهم
الإيمان عند الوعيدية (76)
1- الإيمان عند الوعيدية:
يتفق المعتزلة(77)والخوارج(78)على أن الإيمان الشرعي يشمل جميع الواجبات من الأقوال والأفعال والاعتقادات وسنختار بعض أقوال شيوخهم الدالة على ذلك، يقول أبو الحسن البسيوي: (الإيمان هو التصديق بالطاعة والعمل بها، فمن ترك شيئا من ذلك، أو ركب ما حرم الله عليه، أو ترك ما أوجب الله عليه، خرج من الإيمان، ولحق بضده، فافهم ذلك إن شاء الله، لأن ضد الإيمان هو الكفر ...) (79).
ويقول عبد الله بن حميد السالمي(80)- أحد علماء الأباضية: (اعلم أن للإيمان والإسلام في الشرع استعمالاً غير الاستعمال اللغوي، وذلك أن الشرع نقلها عن معناهما اللغوي فاستعملهما مترادفين في مطلق الواجب، كان ذلك الواجب تصديقاً باللسان فقط أو تصديقاً بالجنان مع قول اللسان، أو كان معهما عمل لازم إتيانه، فمن أدى جميع ما وجب عليه كان مؤمناً مسلماً عندنا، ومن أخل بشيء من الواجبات لا يسمى مؤمناً مسلماً عندنا، بل يخص باسم المنافق والفاسق والعاصي والكافر ونحو ذلك(81)، ويقول في موضع آخر: (.. أن الإيمان عندنا فعل الواجبات فالكفر مقابله، أي فالكفر هو ترك شئ من الواجبات، أو فعل شيء من المحرمات من الكبائر ...)(82).
وهذا يتفق مع ما ذكره علماء الفرق عنهم، يقول أبو الحسن الأشعرى: _والإباضية يقولون: إن جميع ما افترض الله سبحانه على خلقه إيمان، وإن كل كبيرة فهي كفر نعمة لا كفر شرك، وإن مرتكبي الكبائر في النار خالدين مخلدون فيها) (83).(1/96)
ويلخص القاضي عبد الجبار(84) مذهب المعتزلة في الإيمان فيقول: (وجملة ذلك أن الإيمان عند أبي علي(85)، وأبي هاشم(86)عبارة عن أداء الطاعات، الفرائض دون النوافل، واجتناب المقبحات، وعند أبي الهذيل(87)عبارة عن أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل. واجتناب المقبحات، وهو الصحيح من المذهب (88)، ويلاحظ من النقل السابق اتفاق المعتزلة والخوارج في مفهومهم للإيمان، يقول عبد القاهر البغدادي: (وقالت القدرية والخوارج برجوع الإيمان إلى جميع الفرائض مع ترك الكبائر ...)(89).
وهذا يتفق - من حيث الإجمال - مع مفهوم أهل السنة للإيمان (90)، إلا أن أهل السنة لا يكفرون من أخل بالواجبات أو ارتكب الكبائر، أما هؤلاء فيجعلون الإيمان كلا لا يتجزأ، إذا ذهب بعضه ذهب كله.
2- قولهم في الزيادة والنقصان:
قولهم في الزيادة والنقصان فرع عن قولهم في الإيمان، فلما قالوا: إن جميع الطاعات داخلة في الإيمان، ظنوا أن القول بالنقص يلزم منه، ذهاب جميع الإيمان، فنفوا نقص الإيمان، وأجازوا زيادته من جانب اختلاف الناس في وجوب التكاليف على بعضهم دون البعض الآخر.
يقول أبو الحسن: (فإن قال: الإيمان يزيد وينقص؟ قيل له: قد اختلف الناس في زيادته، فأما نقصانه فلا نقص فيه، لأنه لو نقص من تصديقه شيء مما أمر به، وأقر به من الجملة لانتقض إيمانه ولم يسم مؤمناً، لأن أصل ذلك التصدي-ق، فمن لم يصدق بشيء مما جاء عن الله لم يؤمن حتى يصدق بالجملة التي أقر بها، فأما زيادته فقد قال بعضهم: إن الإيمان يزيد ولا ينقص).(1/97)
إلى أن يقول: (أما المؤمنون فيزدادون تصديقاً وإيماناً بما أنزل، و أما الإيمان فلا يزداد، ألا ترى أن الإيمان غير المؤمن، فالمؤمن هو الذي يزداد، و الإيمان ثابت لا زيادة فيه ولا نقصان، والله توفيقنا، فإن قال من أوجب نقصانه: أن من ركب الكبيرة، وقذف المحصنات، فقد نقص من الإيمان؟ قيل له: إن الإيمان لا ينقص، ولكن الفاسق قد خرج من الإيمان الذي صدق به نفسه ...)(91).
ويقول عبد الله بن حميد السالمي: (... الإيمان الشرعي لا ينقص لكن يزيد لأنه عندنا هو نفس فعل الواجبات فهي تزيد على المكلف ولا تنقص، بمعنى أنها إذا وجبت لا يصح تنقيص شيء منها، لا بمعنى أنه إذا وجبت على العبد لا يرفع، فإن سمي رفع بعض الواجبات عن بعض المكلفين نقصاناً في الإيمان فلا ضير فإنه خلاف لفظي، وقد صرح حديث ذم النساء، بذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم: - "ناقصات عقل ودين"(92)وبين نقصان الدين بترك الصلاة شطر دهرها بسبب الحيض..) (93)، ويقول أيضاً: (ونقصان الإيمان الذي نفاه أصحابنا، هو الإخلال بشيء من الواجبات لا رفع بعض المفترضات..) (94)، ويلخص مفتي السلطنة أحمد الخليلي مذهب الإباضية فيقول: (ذهب أصحابنا رحمهم الله إلى أن الإيمان يزيد ولا ينقص وهذا المذهب إذا حمل على معناه الشرعي الذي يشمل الاعتقاد والقول والعمل تجلت صحة هذا المذهب من حيث إن أول ما يتعبد به الإنسان الاعتقاد، و إذا اعتقد ما لزمه اعتقاده، ولم يحضره فرض قولي أو عملي كان مؤمناً كامل الإيمان، و إذا وجب عليه
شيء من الأقوال أو الأفعال وأداه كما وجب عليه ازداد إيمانه و إذا أخل بهذا الواجب انهدم إيمانه كله) (95).(1/98)
وهذا الرأي يتفق مع رأي المعتزلة، حيث أجازوا الزيادة والنقصان من جهة زيادة التكاليف على بعض الناس دون بعض، يقول القاضي عبد الجبار في تعليقه على قوله تعالى:{ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً.. الآية}(96): (إنه يدل على أن الإيمان يزيد وينقص على ما نقوله، لأنه إذا كان عبارة عن هذه الأمور التي يختلف التعبد فيها على المكلفين، فيكون اللازم لبعضهم أكثر مما يلزم الغير، فتجب صحة الزيادة والنقص-ان، وإنما كان يمتنع ذلك لو ك-ان الإيمان خصلة واحدة وهو القول باللسان، أو اعتقادات مخصوصة بالقلب) (97).
وخلاصة ما سبق: أن الوعيدية ينفون نقص الإيمان بمعنى الإخلال بشيء من الواجبات، أو فعل شيء من الكبائر ويجوزون ذلك بمعنى سقوط بعض التكاليف عن بعض المكلفين، وتفاوتهم في ذلك.
ويقولون بزيادة الإيمان، بمعنى، زيادة التكاليف على بعض الناس دون بعض.
فالخطأ عند الخوارج والمعتزلة في حصرهم للزيادة بهذا وفي قولهم إن النقص في غيره كفر، أما أهل السنة والجماعة فيوافقونهم على أن زيادة التكاليف و الإيمان بها والعمل بما يزيد الإيمان ويجعلونه من مجالات زيادة الإيمان - وليس المجال الوحيد - وهذه المجالات هي [كما في الإيمان لابن تيمية ص219 وما بعدها - ط المكتب الإسلامي]
1- الإجمال والتفصيل فيما أمروا به.
1- الإجمال والتفصيل فيما وقع منهم.
2- العلم والتصديق نفسه.
3- التصديق المستلزم لعمل القلب.
4- أعمال القلوب.
5- الأعمال الظاهرة والباطنة.
6- ذكر القلب لما أمر به.
وقد سبق مناقشة ذلك تفصيلاً.
3- الفرق بين الكبائر والصغائر عندهم:
يتفق عامة الوعيدية على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر وعلى تعريف الكبيرة، ويختلفون في الحكم على أصحابها، وسننقل رأي المعتزلة في تقسيم الذنوب وفي الفرق بين الصغائر والكبائر عندهم وحكمهم على مرتكب الصغائر(98)، ثم ننقل رأي الخوارج.
أ- رأي المعتزلة:(1/99)
يقول القاضي عبد الجبار (فإن قيل: وما تلك الدلالة الشرعية التي دلتكم على أن في المعاصي ما هو كبير وفيها ما هو صغير، أفي كتاب الله تعالى ذلك، أم في سنة رسوله عليه السلام، أم في اتفاق الأمة؟
قيل له: أما اتفاق الأمة على أن أفعال العباد تشتمل على الصغير والكبير غير أنَّا نتبرك به ونتلو آيات فيها ذكر الصغير والكبير وما في معناه، قال سبحانه وتعالى: {ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}(99)وقال تعالى: {وكل صغير وكبير مستطر}(100)... وقال أيضاً: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم}(101)فلابد من أن يكون المراد باللمم الصغائر، و إلا لا يكون للاستثناء
معنى وفائدة، إذ المستثنى لابد من أن يكون غير المستثنى منه...)(102).
وبين القاضي الفرق بين الصغائر والكبائر فقال: (فإذا قال: فما الفسق؟ قيل له: كل معصية وجب فيها حد وعقوبة، نحو القذف، ونحو السرقة والزنا، أو صح عن الرسول أو بالإجماع أنه من الكبائر وما عدا ذلك يجوز فيه أنه صغير من المعاصي..) (103). وذكر الأشعري ثلاثة أقوال للمعتزلة حول الفرق بين الصغيرة والكبيرة فقال: (.. فقال قائلون منهم: كل ما أتى فيه الوعيد فهو كبير وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير، وقال قائلون: كل ما أتى فيه الوعيد فكبير وكل ما كان مثله في العظم فهو كبير..) (104)ثم ذكر قولاً ثالثاً وهو قول بعضهم: (كل مرتكب لمعصية متعمداً لها فهو مرتكب لكبيرة).
والقولان الأولان قريبان من قول القاضي عبد الجبار، أما القول الثالث فيبدو أنه قول شاذ عندهم حيث لم ينسبه الأشعري إلى فرقة منهم، و إنما إلى شخص ينسب إليهم وهو، جعفر بن مبشر. (105)(1/100)
أما حكمهم على مرتكب الصغيرة، فهم يرون أن مرتكبها لا يكفر، وأنه يغفر له إذا اجتنب الكبائر. وفي هذا المعنى يقول القاضي عبد الجبار: (... إن ما يستحقه المرء على الكبيرة من العقاب يحبط ثواب طاعاته، وما يستحقه على الصغيرة مكفر في جنب ماله من الثواب ...)(106)
ب- رأي الخوارج:
نقل صاحب "مشارق أنوار العقول" ما كتبه ابن حجر الهيتمي في الزواجر من الأقوال في تعريف الكبيرة، ثم خرج بخلاصة في تعريف الكبيرة، فقال: (وحاصل ما ذكره أن الكبير من الذنوب هو ما ثبت فيه حد في الدنيا أو عذاب في الآخرة) (107)، وقال خميس بن سعيد الرستاقي أحد علماء الأباضية(108): (والكبائر ما جاء فيه وعيد في الآخرة أو حد في الدنيا، وقيل: ما قاد أهله إلى النار فهو كبير، وأما الصغير من الذنب فليس هو بشيء محدد إلا أنه قيل: ما دون الكبائر...)(109).
أما حكمهم على مرتكب الصغيرة فمتفاوت، وسنقتصر هنا على كلام الأباضية في ذلك باعتباره المذهب المنتشر، ثم نشير إلى آراء أخرى عند غيرهم، يلخص صاحب "مشارق الأنوار" رأيهم فيقول: (اعلم أن للصغائر حكمين، أحدهما أنها مغفورة بفعل الحسنات، بشرط اجتناب الكبائر قال تعالى { إن الحسنات يذهبن السيئات}(110)وقال تعالى: {إن تجتنبوا كبائر مما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}(111)
والحكم الثاني: إن الإصرار عليها كبيرة...)(112)ولذلك يكفر المصر على الصغيرة(113عندهم كفر نعمة.
ويذهب الأزارقة إلى القول بتكفير مرتكب الصغيرة(114)، وينسب هذا القول - أيضاً - إلى طائفة من الصفرية(115)، أما النجدات فيكفرون المصر على الذنب سواء كان الذنب صغيراً أو كبيراً، ولا يكفرون غير المصر و إن عمل الكبائر إذا كان من موافقيهم. (116)(1/101)
مما سبق نلاحظ، الاتفاق بين أهل السنة والوعيدية - من حيث الإجمال - في مسألة تقسيمهم الذنوب إلى صغائر وكبائر، وعلى تعريفهم الكبيرة، ويختلفون عمن يكفر مرتكب الصغيرة أو المصر عليها، فإذا كان أهل السنة لا يكفرون مرتكب الكبيرة، ولا المصر عليها(117)، فعدم تكفير المصر على الصغيرة من باب أولى. وهذا واضح، ومع مخالفة الوعيدية- لأهل السنة - في هذه الأمور على التفصيل، أعني مسألة تعريف الإيمان، وزيادته ونقصانه والفرق بين الكبائر والصغائر. إلا أن القضية الكبرى التي هي مدار خلاف طويل عريض بين أهل السنة والجماعة والوعيدية هى مسألة الحكم على مرتكب الكبيرة، وهذا ما سنفصله فيما يلي:
4- حكم أهل الكبائر عندهم:
يتفق رأي المعتزلة والأباضية(118) في الحكم على مرتكب الكبيرة، فكلاهما لا يرى أن مرتكب الكبيرة يخرج من الملة في الدنيا، ويرون خلوده في النار في الآخرة، و إن اختلفوا في اسمه، حيث يقول المعتزلة بأنه في "منزلة بين المنزلتين" وهو أحد أصولهم الخمسة، ويقول الأباضية بأنه كافر كفر نعمة، فالخلاف بينهم لفظي. (119)
أ- رأي المعتزلة:(1/102)
يلخص القاضي عبد الجبار مذهب المعتزلة في مرتكب الكبيرة (..فيقول: وجملة القول في ذلك أن الغرض بهذا الباب أن صاحب الكبيرة لا يسمى مؤمناً ولا كافراً، وإنما يسمى فاسقاً، والذي دل على الفصل الأول، وهو الكلام في أن صاحب الكبيرة لا يسمى مؤمناً، هو ما قد ثبت أنه يستحق بارتكاب الكبيرة الذم واللعن والاستخفاف والإهانة، وثبت أن اسم المؤمن صار بالشرع اسماً لمن يستحق المدح والتعظيم والموالاة، فإذا قد ثبت هذا من الأصلين، فلا اشكال في أن صاحب الكبيرة لا يجوز أن يسمى مؤمناً.. وهذه الجملة تنبني على أن المؤمن صار بالشرع اسماً لمن يستحق المدح والتعظيم، و أنه غير مبقي على موضوع اللغة، و أما الذي دل على أنه صار بالشرع اسماً لمن يستحق المدح والتعظيم، هو أنه تعالى لم يذكر اسم المؤمن إلا وقد قرن إليه المدح والتعظيم ألا ترى إلى قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون}(120)وقوله: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم}(121)وقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله و إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه}(122)إلى غير ذلك من الآيات..(1/103)
و إذا قد فرغنا من الكلام في أن صاحب الكبيرة لا يجوز أن يسمى مؤمناً وما يتصل به، فإنا نذكر بعده الكلام في أنه لا يسمى كافراً.. اعلم أن الكفر في أصل اللغة إنما هو الستر والتغطية، ومنه سمي الليل كافراً لما ستر ضوء الشمس عنا ومنه سمي الزارع كافراً لستره البذرة في الأرض، قال الله تعالى: {ليغيظ بهم الكفار}(123) أي الزراع، هذا في اللغة، و أما في الشرع فإنه جعل الكافر اسماً لمن يستحق العقاب العظيم، ويختص بأحكام مخصوصة نحو المنع من المناكحة والموارثة والدفن في مقابر المسلمين، وله شبه بالأصل، فإن من هذه حاله صار كأنه جحد نعم الله تعالى عليه وأنكرها ورام سترها، و إذا ثبت هذا، ومعلوم أن صاحب الكبيرة ممن لا يستحق العقاب العظيم، ولا تجري عليه هذه الأحكام فلم يجز أن يسمى كافراً...)(124).
ويلخص هذا الكلام بعبارة موجزة فيقول: (.. صاحب الكبيرة له اسم بين الاسمين، وحكم بين الحكمين لا يكون اسمه اسم الكافر، ولا اسمه اسم المؤمن، وإنما يسمى فاسقاً، وكذلك فلا يكون حكمه حكم الكافر، ولا حكم المؤمن، بل يفرد له حكم ثالث، وهذا الحكم الذي ذكرناه، هو سبب المسألة بالمنزلة بين المنزلتين، فإن صاحب الكبيرة له منزلة تتجاذبها هاتان المنزلتان، فليست منزلته منزلة الكافر ولا منزلة المؤمن، بل له منزلة بينهما) (125)، وهذه المسألة " المنزلة بين المنزلتين " مما أجمعت عليه فرق المعتزلة(126)، (وهذا هو الذي امتازت به المعتزلة، و إلا فسائر بدعهم قد قالها غيرهم...)(127).
ب- رأي الأباضية:(1/104)
يلخص صاحب "مشارق الأنوار" رأي الأباضية في ذلك، والفرق بينهم وبين المعتزلة، فيقول: (وذهبت المعتزلة إلى جعل منزلة الفسق بين منزلتين الإيمان والكفر، قالوا: لا يسمى الفاسق مؤمناً ولا كافراً فهو بين بين، لأن له في الدنيا أحكام المؤمنين وفي الآخرة أحكام الكافرين، والخلاف بيننا لفظي، لأنهم خصوا اسم الكفر بالمشرك، ومنعوا إطلاقه على الفاسق، ونحن نطلقه عليه لكنا نقيده بكفر النعمة، ولا نجري عليه أحكام المشركين، بل نقول فيه إن أحكامه في الدنيا أحكام المؤمنين إلا في الولاية وقبول الشهادة ونحوهما من الأحكام المختصة بالعدول، وليست التسمية بنفسها موجبة خلافاً معنوياً بين الفرق، وإنما الموجب لذلك الخلاف بناء الأحكام على الأسماء، كما ذهبت الأزارقة والصفرية والنجدات إلى تسمية صاحب الكبيرة كافراً وأجروا حكم المشركين عليه وزادت الأزارقة على الطائفتين بتسمية صاحب الصغيرة كافراً وإجراء حكم المشركين عليه) (128).
أما بقية فرق الخوارج فتتضارب أقوالهم في هذه المسألة، فالنجدات ينقل عنهم في المسألة قولان:
الأول: أن مرتكب الكبيرة كافر كفر نعمة(129)، والثاني: أن من فعل الذنب وأصر عليه فهو مشرك، و إن كان غير مصر فهو مسلم إن كان من موافقيهم(130)، والصفرية: انقسموا ثلاث فرق(131): ففرقة تقول بأن مرتكب الكبيرة كافر ومشرك(132)، وأخرى تقول: لا يكفر إلى أن يحده الوالي ويحكم بكفره(133)، وثالثة تقول: كل ذنب له حد في الشريعة لا يسمى مرتكبه مشركاً ولا كافراً، بل يدعى باسمه بأن يقال سارق وقاتل وقاذف.. الخ وكل ذنب ليس له حد فمرتكبه كافر. (134)
ومر معنا تكفير الأزارقة لمرتكب الصغيرة.
5- موقفهم من نصوص الوعد والوعيد:(1/105)
يترتب على ارتكاب الكبيرة مسألة الجزاء والثواب في الآخرة، وهو ما يسمى "الوعد والوعيد"، وهو أحد أصول المعتزلة الخمسة، ويتفق الخوارج جميعاً معهم في هذا الأصل، وتتطابق تعريفاتهم وأدلتهم - كما ستلاحظ - وسنذكر رأي المعتزلة ثم رأي الخوارج، ثم نذكر أدلتهم على هذا الأصل.
أ- رأي المعتزلة:
يقول القاضي عبد الجبار: (... و أما علوم الوعد والوعيد، فهو أنه يعلم أن الله تعالى وعد المطيعين بالثواب وتوعد العصاة بالعقاب، وأنه يفعل ما وعد به وتوعد عليه لا محالة،ولا يجوز عليه الخلف و الكذب،والمخالف في هذا الباب إما أن يخالف في أصل الوعد والوعيد،أو يقول:أنه تعالى وعد وتوعد ولكن يجوز أن يخلف في وعيده، فالكلام عليه أن يقال:إن الخلف في حق الله تعالى كذب لما تقدم،والكذب قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح لعلمه بقبحه،ولغناه عنه،وإلى هنا أشار تعالى بقوله: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}(135)، وبعد فلو جاز الخلف في الوعيد لجاز في الوعد، لأن الطريق في الموضعين واحد، فإن قال: فرق بينهما، لأن الخلف في الوعيد كرم وليس كذلك في الوعد، قلنا: ليس كذلك، لأن الكرم من المحسنات، والكذب قبيح بكل وجه، فكيف تجعله كرماً، أو يقال إن الله تعالى وعد وتوعد، ولا يجوز عليه الخلف والكذب، ولكن يجوز أن يكون في عمومات الوعيد شرطاً واستثناء لم يبينه الله تعالى، والكلام عليه أن يقال: إن الحكيم لا يجوز أن يخاطبنا بخطاب لا يريد به ظاهره، ثم لا يبين مراده به لأن ذلك يجري مجرى الألغاز والتعمية، وذلك لا يجوز على الله تعالى، وبعد، فلو جاز في عمومات الوعيد لجاز في عمومات الوعد، بل في جميع الخطاب من الأوامر والنواهي، والمعلوم خلافه...)(136)أيضاً من مذهبهم في الوعيد، أن من دخل النار لا يخرج منها، يقول يحيى بن الحسين*: (ثم يجب أن يعلم أن وعده ووعيده حق، من أطاعه أدخله الجنة، ومن عصاه أدخله النار أبد الآبدين، لا ما يقول الجاهلون من(1/106)
خروج المعذبين من العذاب المهين إلى دار المتقين ومحل المؤمنين، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: {خالدين فيها أبداً}(137)، ويقول: {وما هم بخارجين من النار}(138)، ففي كل ذلك يخبر أنه من دخل النار فهو مقيم فيها غير خارج منها..) (139)، ولذلك أنكروا شفاعته - صلى الله عليه وسلم - لمن دخل النار من أهل الكبائر، يقول القاضي عبد الجبار في ذلك: (فصل في الشفاعة، ووجه اتصاله بباب الوعيد، هو أن هذا أحد شبه المرجئة الذين يوردون علينا طعناً في القول بدوام عقاب الفساق، وجملة القول في ذلك، هو أنه لا خلاف بين الأمة في أن شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابتة للأمة، وإنما الخلاف في أنها ثبتت لمن؟ فعندنا أن الشفاعة للتائبين من المؤمنين، وعند المرجئة أنها للفساق من أهل الصلاة..) (140).
من كل ما سبق نستخلص، أن مذهب المعتزلة في الوعد والوعيد أن الله وعد المطيعين أن يثيبهم الجنة، أوعد العصاة النار، و أنه يفعل ذلك لا محالة، فلا خلف لوعده ولا وعيده، و أن من دخل النار فهو خالد مخلد فيها، فلا يخرج منها أحد ممن دخل فيها، وينكرون الشفاعة في أهل الكبائر وسنذكر أهم أدلتهم، بعد ذكر رأي الخوارج للتشابه بين أدلة الرأيين.
رأي الخوارج:
يقول خميس بن سعيد الرستاقي ملخصاً مذهب الأباضية في ذلك: (.. والوعد: هو ما وعد الله به أهل طاعته من الثواب في الآخرة، وهو حق، والوعيد: ما أوعد الله به أهل الكفر والمعاصي من العقاب في الآخرة، وهو حق، ومن زعم أن الله تعالى أوعد قوماً النار ثم لم يدخلهم إياها، فقد كذب على الله تعالى، والله تعالى(1/107)
يقول: { ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}(141)، وقال: { إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم * يصلونها يوم الدين * وما هم عنها بغائبين}(142)، فلا يجوز بطلان قول الله تعالى و الله تعالى يقول: { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين}(143)، فهذا يدل على بطلان قول من يقول: إن الله ينجز وعده ويبطل وعيده) (144).
ويعبر عن ذلك أبو الحسن البسيوي بعبارة موجزة، فيقول: (فمن لقي الله بعمل الكبائر، و الإصرار على الصغائر ولم يتب من ذلك فله النار، كما قال، لا خلف لوعيده في ذلك..) (145).
ويرد أبو عمار عبد الكافي الأباضي(146)على من يقول: إن إخلاف الوعيد قد يكون من الكرم والجود فلماذا لا يجوز على الله عز وجل ذلك، فيقول: (ويحك قد ناظرت ما لم يكن نظيراً، وشبهت ما ليس بشبيه، وذلك أن أحداً منا قد يعد ويوعد، وهو لا علم له بالذي تصير إليه عاقبة وعده وتوعده ثم يكون من بعد ذلك تبدو له أمور يتبين بها أن عاقبة وعيده، إذا هو أمضاه تصير إلى فساد، وتنتهي إلى هلاك، فيرى أن الخلف الذي توعد به أصلح من إمضائه وإتمامه، فيقصر عندما بداله من إنجاز ما توعد به، والله عز وجل غير موصوف بأن يكون يجهل عاقبة أمر من الأمور، فيكون يبدو له ما لم يكن يعلم من ذلك، ولو كان الله عز وجل يعد أحداً أو يتوعده، ثم هو لا يفي له بذلك لوقع التوهم في جميع موعوداته، وشك في جميع أخباره..) (147) أيضاً ينكر الأباضية الشفاعة لمن دخل النار من أهل الكبائر، ويقصرونها على المؤمنين ممن أدوا الواجبات، وجانبوا المحرمات. (148)
وبذلك يتضح لنا مذهب الأباضية في الوعد والوعيد حيث إنه لا يختلف عن مذهبه بقية الخوارج والمعتزلة، وقبل ذكر أدلتهم على هذا الأصل، نشير بإيجاز، إلى بعض الفروق التفصيلية بينهم في ذلك.(1/108)
الفرق بين الخوارج والمعتزلة في مسألة الخلود:
قد بينا فيما سبق أنه ليس هناك فروق في أصل الوعيد لأهل الكبائر في الآخرة، و أنهم متفقون على الخلود في النار، وهناك فروق يسيرة، يذكرها بعض المصنفين في الفرق والمقالات، لا تعارض الاتفاق العام بينهم على هذا الأصل، من ذلك، ما ذكره صاحب مشارق الأنوار من أن (أهل الاستقامة ويعني بهم الأباضية) يقولون: إن التعذيب بعدل الله والثواب بفضله، والمعتزلة يقولون بوجوب ذلك عليه تعالى عن ذلك، بناءاً على أصلهم الفاسد في التحسين والتقبيح العقليين) (149).
ومن الفروق ما ذكره الأشعري في المقالات، من أن الخوارج يقولون إن مرتكبي الكبائر ممن لم يتوبوا يعذبون عذاب الكافرين، أما المعتزلة فيقولون إن عذابهم أخف من عذاب الكافرين. (150)
ومن ذلك ما ذكره البغدادي عن بعض شيوخ المعتزلة أنهم أجازوا مغفرة الله عز وجل ذنوب أهل الكبائر من غير توبة(151)، بينما لم ينقل عن أي من فرق الخوارج أو شيوخهم رأياً مخالفاً في هذا.
أ-أدلة الوعيدية في مسألة الوعد والوعيد:
استدلوا بأدلة كثيرة، ومن أكثر استدلالاتهم، احتجاجهم بعمومات الوعيد، ليؤكدوا أن صاحب الكبيرة - إن لم يتب - فهو خالد مخلد في النار ولابد فلا تشمله المغفرة، ولا يخرج من النار لا بشفاعة ولا بغيرها، وردوا على بعض الأدلة المخالفة لمذهبهم، ومن باب الاختصار، سأختار أهم أدلتهم على ذلك، وأهم ردودهم، على أهل السنة وسأجمل أدلتهم بما يلي:(1/109)
1- عمومات الوعيد: قالوا: (إن غالب آيات الوعيد نصت على الخلود في النار ولم تفرق بين المشرك وغيره. ولا تجد بجانب ذلك في القرآن ما يشير إلى عدم خلود أحد ولو من بعيد..) (152)، ومن الآيات التي ذكروا قوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها}(153) قال عبد الجبار في شرحها: (فالله تعالى أخبر أن العصاة يعذبون بالنار ويخلدون فيها، والعاصي اسم يتناول الفاسق والكافر جميعاً فيجب حمله عليها، لأنه تعالى لو أراد أحدهما دون الآخر لبينه، فلما لم يبينه دل على ما ذكرناه) (154). ومن ذلك قوله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب}(155)وقوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}(156).
قالوا: (فقد بين أن من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فهو مخلد في النار، ما لم يلق الله تائبا منها) (157).
وقال القاضي عبد الجبار: (دلت الآية على أن من غلبت كبائره على طاعته - لأن هذا هو المعقول من الإحاطة في ب-اب الخطايا، إذ أن ما سواه من الإحاط-ة التي تستعمل في الأجسام مستحيل فيها - هو من أهل النار مخلد فيها) (158)ومن أدلتهم قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا}(159).
يقول القاضي: (و الآية تدل على أن الفاسق من أهل الصلاة متوعد بالنار، و أنه سيصلاها لا محالة ما لم يتب، لأن الذي يأكل أموال اليتامى ليس هو الكافر فلا يصح حمله عليه، ويجب كونه عاما في كل من هذه حاله...)(160).
ومنها قول-ه سبحان--ه: { إن الأبرار لفي نعيم و إن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين }(161).
قال السالمي: (فلو كانوا يخرجون منها لزم أن يغيبوا عنها، والفجور شامل للشرك وغيره) (162).(1/110)
ومما استدلوا به - أيضاً - قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً}(163) (ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى توعد فيها قاتل المؤمن - فيما توعده به - بالخلود في النار مع أن القتل كبيرة دون الشرك..) (164).
قال القاضي عبد الجبار بعدما ذكر بعض آيات الوعيد: (والذي يدل على أن الفاسق يخلد في النار ويعذب فيها أبداً ما ذكرناه من عمومات الوعيد، فإنها تدل على أن الفاسق يفعل به ما يستحقه من العقوبة، تدل على أنه يخلد، إذ ما من آية من هذه الآيات التي مرت إلا وفيها ذكر الخلود والتأبيد أو ما يجري مجراها) (165).
2- أدلتهم من السنة:
استدلوا ببعض الأحاديث(166) التى فيها التصريح بعدم دخول الجنة، أو الخلود في النار مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: " من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة ..."(167) وقوله عليه الصلاة والسلام: " لا يدخل الجنة نمام"(168، وقوله: " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً فيها أبداً.." (169)قال الخليلي - مفتي الأباضية في عصرنا هذا - في تعليقه على هذه الروايات: (والروايات - كما قلت - في ذلك كثيرة، تارة تدل على الخلود بالنص عليه، وتاره بالجمع بينه وبين التأبيد، وأخرى بالتوعد بحرمان الجنة أو حرمان شم ريحها، ومحصلها واحد و إن اختلفت ألفاظها، فإن حرمان الجنة ينافي دخولها في أي وقت من الأوقات، كما أن نفي دخولها يعم جميع الأزمنة) (170).
3- آيات الشفاعة:(1/111)
ينكر الوعيدية شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فيمن دخل النار من أهل الكبائر ويقصرون الأدلة الواردة على الشفاعة للمتقين، يقول القاضي عبد الجبار، في ذلك - وقد سبق نقله قبل قليل - (فصل في الشفاعة، ووجه اتصاله بباب الوعيد، هو أن هذا أحد شبه المرجئة(171)الذين يوردون علنيا، طعناً في القول بدوام عقاب الفساق، وجملة القول في ذلك، هو أنه لا خلاف بين الأمة في أن شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابتة للأمة وإنما الخلاف في أنها ثبتت لمن؟ فعندنا أن الشفاعة للتائبين من المؤمنين، وعند المرجئة أنها للفساق من أهل الصلاة) (172).
وقال عبد الله السالمي أحد علماء الأباضية: (... شفاعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - مقصورة على التقي من المكلفين، والتقي: من جانب المحرمات وأدى الواجبات فلا شفاعة لغيره من الأشقياء، لقوله تعالى: { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}(173)وقوله: {واتقوا يوماً لا تجزى نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة}(174)وقوله: { ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}(175)وهو اسم لكل من ظلم نفسه أو ظلم غيره، فلا يخص المشركين كما زعموا... ويعضد هذه الآيات ما سيأتي من الأدلة القاطعة في تخليد أهل الكبائر فإنهم متى ثبت تخليدهم في النار بالقطعيات الآتية، انتفت عنهم الشفاعة في الموقف ضرورة..) (176)
4- استدلوا لذلك ببعض الأدلة العقلية:
وسأقتصر على ثلاثة منها:
1- أنه- سبحانه - لو لم يعاقب العصاة، لاقتضى ذلك الخلف والتبديل والكذب في خبره. (177)
2- أن القول بأن صاحب الكبيرة قد لا يعذب (فيه إغراء بمعصية الله تعالى فإن من علم أنه إن أتى الكبيرة لا يعذب، سارع في إتيانها) (178).(1/112)
3- وم-ن أدلتهم العقلية على إنكار الشفاعة لأهل الكبائر ما قاله القاضي عبد الجبار: (..أن الأمة اتفقت على قولهم: اللهم اجعلنا من أهل الشفاعة، فلو كان الأمر على ما ذكرتموه لكان يجب أن يكون هذا الدعاء، دعاء لأن يجعلهم الله تعالى من الفساق، وذلك خلف"(179).
مناقشة مذهب الوعيدية في الإيمان:
سنركز في مناقشتنا لمذهب الوعيدية في الإيمان على رأيهم في الوعد والوعيد واستدلالاتهم عليه، وذلك للأسباب التالية:
1- لأنه سبق و أن ذكرنا في الفصلين السابقين، ما يمكن أن نعتبره رداً عليهم في بقية آرائهم، حيث ذكرنا مذهب أهل السنة في الإيمان، ودخول العمل في مسماه، وقولهم بزيادة الإيمان ونقصانه، وأدلتهم على عدم تكفير مرتكب الكبيرة، والرد على بعض الشبهات في ذلك.
2- ولأن مسألة " الوعد والوعيد" وخاصة القول بوجوب الوعيد لأهل الكبائر وخلودهم في النار، هي أكبر انحراف وابتداع للمعتزلة والخوارج في مسألة الإيمان، وهو من أصولهم الرئيسية، لذلك كثر استدلالهم لها.
2- إذا بينا فساد حججهم على ذلك، سقطت حججهم في غيرها من مسائل الإيمان التي هي في حقيقة الأمر فرع عن هذا الأصل، ولإيضاح ذلك يقال: إذا ثبت أن الله سبحانه يغفر لمن يشاء من أهل الكبائر، و أن من دخل النار منهم لا يخلد، دل ذلك على أن مرتكب الكبيرة لم يخرج من الإيمان فلم يحبط عمله، و إذا لم يخرج من الإيمان بارتكابه المعاصي فإن إيمانه سيكون أنقص ممن لم يعملها وهكذا..
مناقشة أدلتهم في "الوعد والوعيد":
أولاً: من أهم ما يرد عليهم به الاستدلال عليهم بآيات الوعد والرجاء والترغيب في مقابل استدلالهم بآيات الوعيد وهذا هو الرد الرئيس، أو الأصل الذي تتفرع عنه باقي الردود فيقال لهم:(1/113)
أ- إن آيات الوعيد التي احتج بها من ذهب مذهب المعتزلة والخوارج، لا يجوز أن تخص بالتعلق بها دون آيات العفو وأحاديث العفو التي احتج بها من أسقط الوعيد، بل الواجب جمع جميع تلك الآيات وتلك الأخبار وكلها حق وكلها من عند الله وكلها مجمل تفسيرها بآيات الموازنة وأحاديث الشفاعة التي هي بيان لعموم تلك الآيات وتلك الأخبار وكلها من عند الله) (180).
ب- (المعتزلة تقول: إن الإيمان يضيع ويحبط، وهذا خلاف قول الله تعالى: إنه لا يضيع إيماننا ولا عمل عامل منا، وقالوا هم: إن الخير ساقط بسيئة واحدة، وقال تعالى: { إن الحسنات يذهبن السيئات}(181)فقالوا هم: إن السيئات يذهبن الحسنات، وقد نص تعالى أن الأعمال لا يحبطها إلا الشرك والموت عليه، وقال تعالى: {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها}(182) فلو كانت كل سيئة أو كبيرة توجب الخلود في جهنم، وتحبط الأعمال الحسنة، لكانت كل سيئة أو كل كبيرة كفراً ولتساوت السيئات كلها وهذا خلاف النصوص. (183)
ج- أيضاً مما رد عليهم به الإمام ابن حزم - رحمه الله - قوله: (كل آية وعيد وخبر وعيد تعلق به من قال بتخليد المذنبين، فإن المحتجين بتلك النصوص هم أول مخالف لها لأنهم يقولون: إن من أتى بتلك الكبائر ثم تاب سقط عنه الوعيد، فقد تركوا ظاهر تلك النصوص، فإن قالوا: إنما قلنا ذلك بنصوص أخر أوجبت ذلك، قيل لهم: نعم وكذلك فعلنا بنص-وص أخر، وهي آيات الموازنة، و أنه تعالى لا يضيع عمل عامل من خير أو شر ولا فرق) (184).(1/114)
د- ومن ردوده عليهم - رحمه الله - رده على دعواهم استحالة اجتماع الولاية والعداوة والحمد والذم في الشخص الواحد، لذلك من عمل الكبيرة والسوء فقد صار عدواً لله، وليس وليا وهكذا، قال - رحمه الله - راداً على هذه الدعوى: (ثم يقال لهم: ما تقولون إن عارضتكم المرجئة بكلامكم نفسه، فقالوا: من المحال أن يكون إنسان واحد محموداً مذموماً محسناً مسيئاً عدواً لله وليا له معا، ثم أرادوا تغليب الحمد والإحسان والولاية، وإسقاط الذم و الإساءة والعداوة، كما أردتم أنتم بهذه القضية نفسها تغليب الذم والإساءة والعداوة، وإسقاط الحمد والإحسان والولاية، فإن قالت المعتزلة، إن الشرط في حمده وإحسانه وولايته أن تجتنب الكبائر، قلنا لهم: فإن عارضتك-م المرجئة فقالت: إن الشرط في ذمه وإساءته ولعنه وعداوته ترك شهادة التوحيد، فإن قالت المعتزلة: إن الله قد ذم المعاصي وتوعد عليها، قيل لهم فإن المرجئة تقول لكم إن الله تعالى قد حمد الحسنات [والتوحيد] ووعد عليها، وأراد بذلك تغليب الحمد، كما أردتم تغليب الذم، فإن ذكرتم آيات الوعيد ذكروا آيات الرحمة(185)إذاً كل شبهة ودعوى يتعلق بها الوعيدية، فبنفس دعواهم ومنطقهم يرد عليهم.
ه- يقال لهم - أيضاً - ترجيح عمومات الوعد أولى، لأنه ثبت في النصوص الصحيحة، أن رحمة الله غلبت غضبه أو سبقت غضبه(186)، و لأنها أدل على الجود والكرم من عمومات الوعيد. (187)
ولعلنا من باب زيادة الإيضاح نذكر بعض أدلة الوعد والترغيب المقابلة لأدلة الوعيد التي ذكروها في حججهم ثم نجيب عن بعض اعتراضاتهم عليها.
بعض آيات الوعد التي استدل بها أهل السنة وردودهم عليها:
منها قوله سبحانه وتعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها}(188).(1/115)
وقوله سبحانه: {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}(189)، وقوله عز وجل: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم}(190) وقوله عز وجل: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}(191)، وقوله سبحانه: {للذين أحسنوا بالحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}(192) وقوله عز وجل: { إن الله لا يظلم مثقال ذرة و إن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً}(193)، وغيرها من الآيات وهي كثيرة جداً، أما ردود الوعيدية على هذه الآيات فهي في الغالب عمومات - كما سنرى- فمثلاً قوله سبحانه {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} قالوا: إن ذلك يكون في حق من اتقى المعاصي والسيئات قبل إحسانه، ومن ركب المعاصي لم يقبل عمله فإذا كان ذلك كذلك لم يقبل إحسان مع السيئة، لأنه لا يقبل إلا من المتقين، وكيف يكون من المتقين من زنا وسرق وقذف وشرب الخمر ...؟(194) واحتجوا بقوله تعالى: {إنما يتقبل الله من المتقين}(195).(1/116)
وقد أجاب شيخ الإسلام عن ذلك بجواب مطول ومما قال فيه: (إن المراد من اتقى الله في ذلك العمل، كما قال الفضيل بن عياض، في قوله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا}(196)، قال: أخلصه، وأصوبه، قيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، و إن كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة(197)، فمن عمل لغير الله - كأهل الرياء- لم يقبل منه ذلك كما في الحديث الصحيح، يقول الله عز وجل: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، فأنا برئ منه، وهو كله للذي أشركه"(198)... لا يجوز أن يراد بالآية: أن الله لا يقبل العمل إلا ممن يتقي الذنوب كلها، لأن الكافر والفاسق حين يريد أن يتوب ليس متقياً، فإن كان قبول العمل مشروطاً بكون الفاعل حين فعله لا ذنب له امتنع قبول التوبة، بخلاف ما إذا اشترك التقوى في العمل، فإن التائب حين يتوب يأتي بالتوبة الواجبة ... أيضاً فالكافر إذا أسلم وعليه للناس مظالم من قتل، وغصب، وقذف - وكذلك الذمي إذا أسلم - قبل إسلامه مع بقاء المظالم عليه.. ولا نعرف أحداً من المسلمين جاءه ذمي يسلم فقال له، لا يصح إسلامك حتى لا يكون عليك ذنب...)(199)(1/117)
أما قوله سبحانه: { و إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم}(200)فقالت الوعيدية عنها:(إن الأخذ بظاهر الآية مما لا يجوز بالاتفاق، لأنه يقتضي الإغراء على الظلم وذلك لا يجوز على الله تعالى فلابد أن يؤول، وتأويله هو أنه يغفر للظالم على ظلمه إذا تاب) (201)، ويجاب عن ذلك بأنه ثبت في الصحيح، ما يدل على أن لا يختص بالتائب، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: " من كانت عنده لأخيه مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون درهم ولا دينار، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ثم ألقي في النار"(202)فثبت أن الظالم له حسنات يستوفي منها حقه(203)، ولو كان عمله حابطاً بالظلم، لم يأت بحسنات، ولو كان تائباً لم يسم ظالماً، أما القول إن الأخذ بظاهرها لا يجوز بالاتفاق فيقال له، اتفاق من؟ ثم، ليس في الآية إغراء على الظلم، لأن الأصل معاقبة الظالم على ظلمه إلا أن يشاء الله، كما دلت على ذلك آيات أخرى مثل قوله سبحانه: {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون}(204)، وكذلك قوله سبحانه: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (205)ثم الآية بعدها {والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها} إلى قوله عز وجل: {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}(206)قالوا عنها: (.. إنه توعد الذين عملوا السيئات بالنار مخلدين فيها وهذا الحكم يصدق على من أتى سيئة فإن السيئات جنس غير محصورة أفراده، وما كان كذلك فحكمه يصدق على كل فرد من أفراده سلباً وإيجاباً.." (207).
وهذا الطرف، يرد عليه بما يقابله فيقال، والحكم الأول يصدق على من أتى أي حسنة، فلابد من التوازن وربط ذلك بالنصوص الأخرى الشبيهة والمكملة.(1/118)
ثانياً: ومما يرد عليهم به بعض النصوص الصريحة - كما سبقت الإشارة إليه - في أن من مات موحداً، فهو تحت المشيئة وأن مآله إلى الجنة، من مثل حديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال " أتاني جبريل عليه السلام فبشرني: أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت:وإن زنى وإن سرق، قال و إن زنى وإن سرق"(208) وهذا من أقوى النصوص في إبطال مذهب الوعيدية، ولم أجد - حسب المراجع المتوفرة لدى - ما يردون به على الدليل.
أيضاً مما يستدل به على أن مرتكب الكبيرة تحت المشيئة، ومما يعتبر استثناءاً من عموم الوعيد قوله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}(209).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (فجعل ما دون ذلك الشرك معلقاً بمشيئته، ولا يجوز أن يحمل هذا على التائب: فإن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره، كما قال سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً}(210)فهنا عمم وأطلق لأن المراد به التائب، وهناك خص وعلق(211).(1/119)
وهذه الآية، اضطرب الوعيدية في الجواب عنها ومن أشهر أجوبتهم، قول بعضهم: (فإن سألوا عن قول الله عز وجل: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}(212قيل لهم: فقد قال الله أيضاً: إن الله يغفر الذنوب جميعا}(213)، ولم يخص ذنباً دون ذنب، ولا غير شرك من شرك، فيجب بهذا من قول الله، أن يكون يغفر الشرك وغير الشرك.. إلى أن يقول، وقوله عز وجل: {لمن يشاء} فقد شاء أن يغفر لمجتنب الكبائر ما دون الكبائر، ولم يشأ أن يغفر لمرتكبها إذا لقي الله بها..) (214)، ويقول القاضي في شرح الأصول الخمسة (اعلم أن (العلماء) رحمهم الله قالوا: إن الآية مجملة مفتقرة إلى البيان، لأنه قال: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ولم يبين من الذي يغفر له، فاحت-مل أن يكون المراد به أصحاب الصغائر، واحتمل أن يكون المراد به أصحاب الكبائر، فسقط احتجاجهم بالآية.. ووجه آخر، وهو أن أكثر ما في الآية تجويز أن يغفر الله تعالى ما دون الشرك على ما هو مقرر في العقل، فلو خلينا وقضية العقل لكنا نجوز أن يغفر الله تعالى، ما دون الشرك لمن يشاء إذا سمعنا هذه الآية، غير أن عمومات الوعيد تنقلنا من التجويز إلى القطع على أصحاب الكبائر يفعل بهم ما يستحقونه، و أنه تعالى لا يغفر لهم إلا بالتوبة والإنابة}(215).
ويرد على هذا الاستدلال بما يلي:
1- قوله سبحانه: { إن الله يغفر الذنوب جميعا}(216)، النظر في سياق الآية، وما بعدها يدل صراحة على أنها خاصة بالتائب، حيث قال سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}وقال في الآية بعدها، {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون}(217)، أما قوله سبحانه: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ... الآية}(218)، فلا يصح حملها على التائب، لأن التائب يغفر له حتى و إن أشرك، فوجب حملها على أن مرتكب الذنوب - غير المشرك- إذا لقي الله سبحانه بدون توبة فهو تحت المشيئة.(1/120)
2- أما قولكم: إن الآية مجملة فتحتمل الصغائر والكبائر.. إلخ، فيقال لكم: وما المانع من حملها على إجمالها وعمومها، على طريقتكم في الاستدلال؟
3- أما دعواكم، إن الآية فيها تجويز المغفرة لما دون الشرك، غير أن عمومات الوعيد تمنع ذلك، فيمكن يقال لكم عكس ذلك، أن عمومات الوعيد تدل على العقوبة وعدم المغفرة وهذه الآية تجوز المغفرة فتكون مخصصة للعموم، ويمكن أن يقال - بمثل ما سبق- ولماذا الذهاب إلى عمومات الوعيد وليس الوعد؟
ثالثاً: الرد على بعض أدلتهم التفصيلية في الوعيد، وسنختار دليلين منها - من باب الاختصار -:(1/121)
1- من أهم استدلالاتهم المذكورة استدلالهم بقوله سبحانه: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}(219)، وقد سبق في أول مبحث أدلة الوعيدية ذكر وجه استدلالهم بها(220)، وقد أجاب أهل السنة عنها، بعدم فصلها عن النصوص الأخرى المفسرة لها، يقول الإمام الطبري - رحمه إله -: (وأما السيئة التي ذكر الله في هذا المكان، فإنها الشرك بالله) ونقل هذا التفسير عن أئمة التابعين كمجاهد وقتادة وعطاء وغيرهم، ثم قال: (وإنما قلنا إن السيئة.. في هذا الموضع، إنما عنى الله بها بعض السيئات دون بعض، و إن كان ظاهرها في التلاوة عاماً، لأن الله قضى على أهلها بالخلود في النار والخلود في النار لأهل الكفر بالله دون أهل الإيمان به، لتظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن أهل الإيمان لا يخلدون فيها، و أن الخلود في النار لأهل الكفر بالله دون أهل الإيمان، فإن قال لنا قائل: فإن الله جل ثناؤه إنما ضمن لنا تكفير سيئاتنا باجتنابنا كبائر ما ننهى عنه، فما الدلالة على أن الكبائر غير داخلة في قوله: (بلى من كسب سيئة)؟ قيل: لما صح أن الصغائر غير داخلة فيه، و أن المعنى بالآية خاص دون عام، ثبت وصح أن القضاء والحكم بها غير جائز لأحد على أحد، إلا على من وقفه الله عليه بدلالة من خبر قاطع عذر من بلغه. وقد ثبت وصح أن الله تعالى ذكره قد عنى بذلك أهل الشرك والكفر به، بشهادة جميع الأمة، فوجب بذلك القضاء على أن أهل الشرك والكفر ممن عناه الله بالآية، فأما أهل الكبائر، فإن الأخبار القاطعة عذر من بلغته، قد تظاهرت عندنا بأنهم غير معنيين بها..) (221)(1/122)
خلاصة كلام الطبري - رحمه الله -: أن الآية و إن كانت عامة إلا أنها مخصصة بالأخبار المتواترة الدالة على عدم خلود من يدخل النار من أهل الكبائر، ومما يؤكد ذلك، أنها لا تشمل مرتكب الصغائر باتفاق الجميع، لذلك يقال لهؤلاء الوعيدية: إذا قلتم: لماذا أخرجتم مرتكب الكبائر من هذا العموم؟ قلنا لكم، ولماذا أخرجتم مرتكب الصغائر؟ فإن قالوا: للنصوص الدالة على تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، وفعل الحسنات، قلنا، ونحن أخرجنا الكبائر للنصوص الدالة على أن أهل الكبائر لا يخلدون في النار.
2- واستدلوا بقوله تعالى {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها.. الآية}(222 أيضاً هذه الآية مخصصة بالاتفاق، فالوعيدية يخصصونها فيقولون:
3- إن هذا جزاؤه إلا من تاب، و أهل السنة، يخصصونها بالتوبة، وبنصوص الوعد الأخرى، وبنصوص خاصة في أن القاتل تحت المشيئة، قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: (ليس الأخذ بظاهر الآية بأولى من الأخذ بظاهر قوله: {إن الحسنات يذهبن السيئات}(223)، وقوله تعالى: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده}(224)، وقوله: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}(225)والأخذ بالظاهرين تناقض فلابد من التخصيص(226)، ومما يدل على التخصيص حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - وفيه: " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه، و إن شاء عذبه"(227)فوضع أهل المعاصي، ومنهم القاتل تحت المشيئة، وقد سبق الحديث عن ذلك في الفصل السابق.
رابعاً: الرد على أدلتهم من السنة:(1/123)
من مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة نمام"(228)ونحو ذلك، قد سبق الكلام عن مثل هذه الأحاديث عند كلامنا عن حكم أهل الكبائر عند أهل السنة، وأشرنا إلى منهج أهل السنة في مثل هذه الأحاديث، حيث يضمونها إلى ما يقابلها من أحاديث الوعد وكأنها دليل واحد فيحمل مطلقها على مقيدها ليحصل الاعتقاد والعمل بجميع هذه الأدلة، فهذه الأحاديث يقابلها الأحاديث الدالة على أن من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، وفي بعض الروايات الصحيحة التصريح بأنه يدخل الجنة " وإن زنى وإن سرق" وأحاديث الشفاعة ومن قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة ونحو ذلك، فيجب الجمع بين هذه الأحاديث التي قد تبدو في الظاهر متعارضة، وهذا ما فعله أهل السنة: فقالوا: إن معنى هذه الأحاديث: لا يدخل الجنة ابتداءاً، أو تحمل على مستحل ذلك.. الخ.
خامساً: مناقشة رأيهم في الشفاعة:
قال ابن الوزير - رحمه الله -: (وأحاديث الشفاعة المصرحة بخروج الموحدين من النار قاطعة في معناها بالإجماع، وهي قاطعة في ألفاظها.. لورودها عن عشرين صحابيا أو تزيد..) (229)واعترض الوعيدية على إثبات ذلك بعدة أمور أهمها:
1- استدلالهم بعموم بعض الآيات القرآنية السابق ذكرها وهي قوله سبحانه: {واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة}(230)وقوله {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}(231).
قالوا: والظالم اسم لكل من ظلم نفسه أو ظلم غيره ولا تخص المشركين.
2- قالوا عن أحاديث الشفاعة: أنها لا تصح، ومن صححها منهم قال: إنه خبر واحد لا يعارض القطعي، ولو لم يعارض القطعي لما أوجب العلم فلا يحتج به في مثل هذه المسائل، وبعضهم قال: لا تصح لمخالفتها ما في القرآن وذكر بعضهم روايات تخالف هذه الرواية ونصها: " لا تنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي"(232).(1/124)
3- والبعض أول هذه الأحاديث - على فرض تصحيحه لها - على أن المراد به شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي إذا تابوا(233)، وأجاب أهل السنة عن ذلك بما يلي:
1- بالنسبة لمعارضتهم الأحاديث المتواترة بعموم الآيات مثل قوله تعالى: {ولا يقبل منها شفاعة}(234)وغيرها، أجاب الإمام القرطبي عن ذلك فقال: (فإن قالوا: قد وردت نصوص من الكتاب بما يوجب رد هذه الأخبار مثل قوله: {وما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}(235)، قالوا: وأصحاب الكبائر ظالمون، وقال: {من يعمل سوءاً يجز به}(236) {ولا يقبل منها شفاعة}(237)، قلنا: ليست هذه الآيات عامة في كل ظالم، والعموم لا صيغة له، فلا تعم هذه الآيات كل من يعمل سوءاً وكل نفس، وإنما المراد الكافرون دون المؤمنين بدليل الأخبار الواردة في ذلك، و أيضاً فإن الله تعالى أثبت شفاعة لأقوام، ونفاها عن أقوام، فقال في صفة الكافرين: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين}(238).(1/125)
وقال: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}(239)وقال: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}(240)، فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين، وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى: {واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة}(241)النفس الكافرة لا كل نفس، ونحن و إن قل-نا بعموم العذاب لكل ظالم عاص، فلا نقول: إنهم مخلدون فيها بدليل الأخبار التي روينا، وبدليل قوله تعالى: {ويغ-فر ما دون ذلك لمن يشاء}(242)، وقوله: {أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}(243) (244)، وقال الحافظ البيهقي في قوله تعالى: {وما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}(245): (فالظالمون هاهنا ه-م الكافرون ويشهد لذلك مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين) (246)، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيرها: (أي ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله، من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم..) (247)، وقد ورد تسمية الشرك ظلماً كما في قوله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}(248)، فيكون حمل الظلم هنا على الشرك أولى من حمله على الكبائر لسياق الآية، وللأحاديث المتواترة.
2- أما تضعيفهم لهذه الأحاديث، فلم يستندوا في ذلك لأي قاعدة من قواعد نقد الرواية، ولا إلى كلام أهل العلم بالحديث، أما قولهم أنها لو صحت فهي خبر واحد لا يحتج به، فيقال لهم قد نقلنا عن أئمة الحديث تواتره عن أكثر من عشرين صحابياً، فإذا لم يكن مثل ذلك متواتراً، فما هو المتواتر(249)؟، أما زعمهم أن خبر الواحد لا يحتج به في مثل هذه المسائل: فهذا من أصولهم الفاسدة التي ردوا بسببها أحاديث كثيرة، وهذا الأصل تكلم عنه علماء السنة كثيراً مما لا مجال لذكره هنا، خاصة و أن الروايات المذكورة متواترة، أما الحديث الذي ذكروا - وهو - لا تنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي - (فهو حديث موضوع باطل وفي أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب: أنه من أكاذيب المعتزلة) (250).(1/126)
3- أما قول بعضهم إن الشفاعة لمن تاب من أهل الكبائر، فيجاب عنه بجوابين الأول: أن الأحاديث ليس فيها هذا الاستثناء، الثاني: (عندكم يجب على الله تعالى قبول التوبة، فإذا قبل الله توبة المذنب فلا يحتاج إلى الشفاعة ولا إلى الاستغفار) (251).
سادساً: مناقشة بعض شبههم العقلية:
1- قولهم: لو لم يعاقب العصاة، لاقتضى ذلك الخلف والتبديل والكذب في خبره، والرد على ذلك من وجوه:
أ- أن الله عز وجل علق وعيده لأهل الكبائر بالمشيئة، فإذا تخلف الوعيد في حق بعضهم لم يكن في ذلك كذباً أو تبديلاً.
ب- الخلف والكذب يحصل إذا لم يعذب جميع العصاة، و أهل السنة لا يقولون ذلك، وإنما يقولون: أنهم تحت المشيئة، فبعضهم يعذب، ويغفر للآخرين، فهم يقولون بالوعيد المجمل، ومقتضاه، أنه لابد أن يدخل بعض أهل الكبائر النار لورود الأحاديث في ذلك(252)ثم يخرجون منها.
ج- ..(إخلاف الوعيد لا يذم، بل يمدح، والله تعالى يجوز عليه إخلاف الوعيد، ولا يجوز عليه خلف الوعد، والفرق بينهما، أن الوعيد حقه، فإخلافه عفو وهبة، وإسقاط ذلك موجب كرمه وجوده وإحسانه، والوعد حق عليه، أوجبه على نفسه، والله لا يخلف الميعاد..) (253)فإن قالوا: الكرم من المحسنات، والكذب قبيح بكل وجه، فكيف تجعله كرماً؟ فيقال لهم: لا نسلم لكم أن في هذا كذباً، وقد بينا ذلك.
2- قولهم: من علم أن من أتى كبيرة لا يعذب، سارع في إتيانها، ففي ذلك إغراء لهم، والجواب عن ذلك من وجهين:
الأول: لا أحد من أهل الكبائر يعلم أنه لا يعذب، بل النصوص دالة على دخول بعضهم النار كما سبق - فأين الإغراء؟
الثاني: يمكن أن يقال لكم عكس ذلك، وهو أن من قال: إن المذنب بمجرد ارتكاب المعصية يخلد في النار إن مات غير تائب، فهذه المقالة سوف تفتح أمامه باب اليأس والقنوط ومن ثم يبقى على عصيانه ومعاصيه.(1/127)
3- …أما استدلالهم على نفي الشفاعة لأهل الكبائر، بأنه يلزم من ذلك أن المرء إذا سأل الله الشفاعة كأنه سأل الله أن يجعله من الفساق، فيرد عليهم بأن المرء إنما يطلب الشفاعة (لاعتقاده أنه غير سالم من الذنوب ولا قائم لله بكل ما افترض الله عليه، بل كل واحد معترف على نفسه بالنقص، فهو لذلك يخاف العقاب ويرجو النجاة) (254).
ب- الإيمان عند المرجئة (255)
1- تعريفه - الصلة بين الإيمان والعمل عندهم:
تختلف فرق المرجئة في تعريفها للإيمان، وحاصل أقوالها يرجع إلى ثلاثة أقوال:
الأول: أن الإيمان مجرد المعرفة، وبعضهم يقول المعرفة والتصديق، ومن
هؤلاء، من يدخل عمل القلب كعامة فرق المرجئة، ومنهم من لا يدخل ذلك كجهم بن صفوان. (256)
الثاني: أن الإيمان مجرد قول اللسان وهو ما انفردت به الكرامية(257)دون سائر الفرق.
الثالث: تصديق القلب وقول اللسان وهو ما يسمى بإرجاء الفقهاء. (258)
ولما كان جميع المرجئة يجمعهم في تعريف الإيمان عدم إدخالهم العمل في مسماه، فسنقصر حديثنا عما استقر عليه الإرجاء في طوره الأخير، حيث تبنى جمهور الأشاعرة والماتريدية مذهب جهم في الإيمان - و إن لم يلتزم كثير منهم لوازمه - و إليك بعض النقولات المختصرة عن أئمتهم*المبينة لذلك، ثم نذكر أهم أدلتهم:
قال الأشعري في اللمع: (فإن قال قائل ما الإيمان عندكم بالله تعالى؟ قيل إنه هو التصديق بالله، وعلى ذلك إجماع أهل اللغة التي نزل بها القرآن ... فلما كان الإيمان في اللغة التي نزل بها القرآن الكريم هو التصديق - قال تعالى: { وما أنت
بمؤمن لنا لو كنا صادقين}(259)أي بمصدق لنا، وقالوا جميعاً، فلان يؤمن بعذاب القبر والشفاعة يريدون يصدق بذلك - وجب أن يكون الإيمان هو ما كان عند أهل اللغة إيماناً وهو التصديق) (260).(1/128)
2- وقال البغدادي: (261)الطاعات عندنا أقسام: أعلاها يصير بها المطيع عند الله مؤمناً ويكون عاقبته لأجلها الجنة إن مات عليها، وهي معرفة أصول الدين في العدل والتوحيد والوعد والوعيد والنبوات والكرامات ومعرفة أركان شريعة الإسلام وبهذه المعرفة يخرج من الكفر، والقسم الثاني إظهار ما ذكرناه باللسان مرة واحدة وبه يسلم من الجزية والقتال والسبي والاسترقاق وبه تحل المناكحة واستحلال الذبيحة والموارثة والدفن في مقابر المسلمين والصلاة عليه وخلفه، والقسم الثالث: إقامة الفرائض واجتناب الكبائر وبه يسلم من دخول النار ويصير به مقبول الشهادة، والقسم الرابع منها، زيادة النوافل وبها يكون له الزيادة في الكرامة والولاية..) (262) فالبغدادي - كما نلاحظ من النص - يقرر أن المعرفة وحدها كافية لخروج المرء من الكفر وللنجاة عند الله، ويجعل قول اللسان شرطاً لإجراء الأحكام الدنيوية وليس جزءاً من الإيمان.
3- ومثله قول أبي المعين النسفي(263): (الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق، فكل من صدق غيره فيما يخبره يسمى في اللغ--ة مؤمناً به، ومؤم-ناً به، قال الله تعالى خبراً عن إخوة يوسف صلوات الله عليهم: {وما أنت بمؤمن لنا}(264)أي بمصدق لنا، ثم إن هذا اللغوي، وهو التصديق بالقلب، هو حقيقة الإيمان الواجب على العبد حقا لله تعالى، وهو أن يصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيما جاء به من عند الله تعالى، فمن أتى بهذا التصديق فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى، و الإقرار، إقرار يحتاج إليه، ليقف عليه الخلق فيجروا عليه أحكام الإسلام، هذا هو المروي عن أبي حنيفة رحمه الله، و إليه ذهب الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله وهو أصح الروايتين عن أبي الحسن الأشعري..) (265)، أهم ما في هذا الكتاب تأويله لمذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، بما يوافق مذهب غلاة المرجئة ممن لا يشترطون النطق لصحة الإيمان والنجاة، في الآخرة.(1/129)
4- ويقول الشيخ الملا علي القاري، بعدما ذكر الخلاف في الإقرار هل شطر الإيمان يزول الإيمان بزواله، أم شرط لإجراء الأحكام في الدنيا: (وذهب جمهور المحققين، إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب، و إنما الإقرار شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، لما أن تصديق القلب أمر باطني لابد له من علامة، فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه فهو مؤمن عند الله تعالى، و إن لم يكن مؤمناً في أحكام الدنيا، ومن أقر بلسانه، ولم يصدق بقلبه كالمنافق، فهو بالعكس، وهذا هو اختيار الشيخ أبي منصور الماتريدي، رحمه الله والنصوص موافقة لذلك..) (266).
5-وقال اللقاني(267)في شرح الجوهرة: " وفسر الإيمان " أي حده جمهور الأشاعرة والماتريدية وغيرهم بالتصديق المعهود شرعاً، وهو تصديق بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في كل ما علم مجيئه به من الدين بالضرورة أي فيما اشتهر بين أهل الإسلام وصار العلم به يشابه العلم الحاصل بالضرورة بحيث يعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال..) ثم أشار إلى الخلاف في النطق فقال: (.. فقال محققو الأشاعرة الماتريدية وغيرهم النطق من القادر (شرط) في إجراء أحكام المؤمنين الدنيوية عليه، لأن التصديق القلبي و إن كان إيماناً إلا أنه باطن خفي فلابد له من علامة ظاهرة تدل عليه لتناط به تلك الأحكام، هذا فهم الجمهور، وعليه فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه لا لعذر منعه ولا لإباء بل اتفق له ذلك فهو مؤمن عند الله، غير مؤمن في أحكام الشرع الدنيوية..) (268).(1/130)
6- وقال السنوسي(269)في بيان حكم النطق بالشهادتين: (.. و أما الكافر فذكره لهذه الكلمة واجب شرط في صحة إيمانه القلبي مع القدرة، و إن عجز عنها بعد حصول إيمانه القلبي لمفاجأة الموت له ونحو ذلك سقط عنه الوجوب وكان مؤمناً هذا هو المشهور من مذاهب العلماء أهل السنة، وقيل لا يصح الإيمان بدونها مطلقاً ولا فرق في ذلك بين المختار والعاجز، وقيل يصح الإيمان بدونها مطلقاً، و إن كان التارك لها اختياراً عاصياً كما في حق المؤمن بالأصالة إذا نطق بها، ولم ينو الوجوب، ومنشأ هذه الأقوال الثلاثة الخلاف في هذه الكلمة المشرفة هل هي شرط في صحة الإيمان، أو جزء منها، أو ليست بشرط فيه ولا جزءاً منه و الأول هو المختار) لكن الدسوقي(270). خالف ذلك في الحاشية فقال: (.. حاصل ما ذكره الشارح أن الأقوال فيه ثلاثة، فقيل إن النطق بالشهادتين شرط في صحته خارج عن ماهيته، وقيل إنه شطر أي جزء من حقيقة الإيمان، فالإيمان مجموع التصديق القلبي، والنطق بالشهادتين وقيل ليس شرطاً في صحته ولا جزءاً من مفهومه بل هو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية، وهو المعتمد، وعليه فمن صدق بقلبه ولم ينطق بالشهادتين سواء كان قادراً على النطق أو كان عاجزاً عنه، فهو مؤمن عند الله يدخل الجنة و إن كانت لا تجري عليه الأحكام الدنيوية من غسل وصلاة عليه ودفن في مقابر المسلمين، ولا ترثه ورثته المسلمون، فقول الشارح: هذا هو المشهور غير مسلم بل هذا ضعيف) (271).(1/131)
7- ونختم هذه النقولات، بقول لأحد المشايخ المعاصرين - ممن تأثر بهذا المذهب - يتفق مع ما سبق، يقول: (... والنطق بهما (أي الشهادتين) شرط لإجراء الأحكام الدنيوية على المسلم، مثل تزويجه المسلمة، والصلاة خلفه، والصلاة عليه إذا مات، ودفنه في مقابر المسلمين، فإذا لم ينطق لعذر كالخرس، أو لم يتمكن من النطق بهما بأن مات عقب إيمانه بقلبه فهو ناج عند الله تعالى، أما إذا استطاع النطق ووجد وقتاً كافياً، ولم ينطق بالشهادتين، فإن كان عدم النطق عناداً فهو كفر، ولا عبرة بالتصديق القلبي، أما إذا كان عدم النطق لخوفه من الهلاك فالإيمان صحيح، لقوله تعالى: { إلا من كره وقلبه مطمئن بالإيمان}(272)، أما من لم ينطق بالشهادتين لغير سبب من الأسباب، ولكنه مصدق بقلبه ومطمئن إلى دين الله وأحكامه، فالقول الراجح أنه ناج عند الله و إن كان لا يعامل معاملة المسلمين لعدم العلم بإيمانه، وعدم الدليل عليه..) (273)وهذا الكلام ما هو إلا ترديد وتقليد لما قاله المرجئة المتكلمين، أردت بنقله الإشارة إلى أثر هذا الرأي على بعض الدعاة المعاصرين ممن يفترض فيهم توعية الأمة عن مثل هذه الانحرافات العقدية المخالفة لمنهج السلف الصالح، لا أن يدعو الأمة إليها!! (274)
خلاصة المشهور من مذهبهم في ذلك ما يلي: أن الإيمان هو مجرد المعرفة والتصديق، و أن قول اللسان ليس جزءاً من الإيمان داخلاً فيه، ولا شرطاً خارجاً عنه، وإنما هو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية على المرء، فمن كان مؤمناً بقلب-ه ولم ينطق بالشهادة بلسانه دون عذر فهو ناج عند الله، و إن أجريت عليه أحكام الكافرين في الدنيا.
أدلتهم*على ذلك: سأختصر أهم أدلتهم على ما سبق بإيجاز:
1- أن الإيمان في اللغة هو التصديق وهو باق على معناه اللغوي، لم ينقل عنه، فوجب أن يكون كذلك في الشرع. (275)(1/132)
2- أن الكفر ضد الإيمان، والكفر هو التكذيب والجحود، وهما يكونان بالقلب، فكذا ما يضادهما، قال تعالى: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}(276)، { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}(277)، (278).
3- وقالوا: إن الله فرق بين الإيمان والأعمال الصالحة، كما في كثير من الآيات من مثل قوله تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات}(279) {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة}(280، والعطف يقتضي المغايرة. (281)
4- وقالوا: إن الله تعالى خاطب المؤمنين باسم الإيمان، ثم أوجب الأعمال على العباد فدل ذلك على التغاير، وقصر اسم الإيمان على التصديق. (282)
5- وردوا على بعض أدلة من يدخل العمل في مسمي الإيمان، مثل الاستدلال بقوله تعالى: { وما كان الله ليضيع إيمانكم}(283)قالوا: (بأن المعنى: تصديقكم بوجوبها، أو بكونها جائزة عند التوجه إلى بيت المقدس، أو هو مجاز...)(284).
2- موقفهم من الزيادة والنقصان:
الخلاف في ذلك، بحسب الخلاف في تعريف الإيمان، فمن أدخل أعمال الجوارح في الإيمان أثبت الزيادة والنقصان فيه وهذا مذهب السلف ومن لم يدخلها لم يجوز الزيادة والنقصان فيه(285)، ولذلك اشتهر عن الأشاعرة والماتريدية القول بعدم الزيادة والنقصان، وأجاز بعضهم ذلك باعتبارات معينة.(1/133)
جاء في شرح المقاصد: (وعند أبي حنيفة رحمه الله، وأصحابه وكثير من العلماء - وهو اختيار إمام الحرمين - أنه لا يزيد ولا ينقص، لأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإذعان، ولا يتصور فيه الزيادة والنقصان، والمصدق إذا ضم الطاعات إليه، أو ارتكب المعاصي، فتصديقه بحاله لم يتغير أصلاً، وإنما يتفاوت إذا كان اسماً للطاعات المتفاوتة قلة وكثرة...)(286)وقال أبو المعين النسفي: (و إذا ثبت أن الإيمان هو التصديق وهو لا يتزايد في نفسه، دل على أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فلا زيادة له بانضمام الطاعات إليه، ولا نقصان له بارتكاب المعاصي، إذ التصديق في الحالين على ما كان قبلهما ...)(287)، وأولوا النصوص الصريحة الواردة في ذلك بعدة تأويلات منها، (...تأويل ما ورد به من الزيادة في الإيمان ما روي عن أبي حنيفة رحمه الله، أنهم كانوا آمنوا في الجملة، ثم يأتي فرض فيؤمنون بكل فرض خاص، فيزداد إيمانهم بالتفصيل مع إيمانهم بالجملة ... وكذا الثبات على الإيمان، والدوام عليه، زيادة عليه في كل ساعة ...)(288)وقال الملا علي القاري في تأويل قوله تعالى: { و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً}(289): فمعناه إيقاناً، أو مؤول بأن المراد زيادة الإيمان بزيادة نزول المؤمن به أي القرآن }(290).
ولخ-ص ذلك سعد الدين التفتازاني(291)في جوابه عن أدلة من يجوز الزيادة والنقصان فقال: (وأجيب بوجوه: الأول: أن المراد الزيادة بحسب الدوام والثبات وكثرة الأزمان والساعات ... الثاني: أن المراد الزيادة بحسب زيادة المؤمن به.. والناس متفاوتون في ملاحظة التفاصيل كثرة وقلة، فيتفاوتون في إيمانهم زيادة ونقصاً.
الثالث: أن المراد زيادة ثمرته، وإشراق نوره في القلب، فإنه يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي..) (292)(1/134)
إذاً يمكن أن نستنتج من كلامهم السابق، أنهم يقولون بالزيادة والنقصان - باعتبارات معينة - أما نفي الزيادة والنقصان الوارد عنهم، فالمقصود به عندهم نفي ذلك عن التصديق. قال ملا قاري: (وذكر ابن الهمام أن الحنفية ومعهم إمام الحرمين لا يمنعون الزيادة والنقصان، باعتبار جهات هي غير نفس ذات التصديق، بل يتفاوت بتفاوت المؤمن به عند الحنفية ومن وافقهم لا بسبب تفاوت التصديق) (293)، وقال أيضاً: (فالتحقيق أن الإيمان كما قال الإمام الرازي لا يقب-ل الزيادة والنقصان من حيثية أصل التصديق لا من جهة اليقين، فإن مراتب أهلها مختلفة في كمال الدين ... وعلى هذا فالمراد بالزيادة والنقصان القوة والضعف فإن التصديق بطلوع الشمس أقوى من التصديق بحدوث العالم، و إن كانا متساويين في أصل تصديق المؤمن به، ونحن نعلم قطعاً أن إيمان آحاد الأمة ليس كإيمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا كإيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه باعتبار هذا التحقيق. (294)
واقترب بعضهم أكثر من مذهب السلف فصرح بأن التصديق أيضاً قابل للزيادة والنقصان، قال الإيجي(295): (... والحق أن التصديق يقبل الزيادة والنقصان بوجهين.
الأول: القوة والضعف ... والثاني: التصديق التفصيلي في أفراد ما علم مجيئه به، جزء من الإيمان يثاب عليه ثوابه على تصديق بالإجمال، والنصوص دالة على قبوله لهما...)(296).
وجوز البغدادي الزيادة والنقصان، رغم تعريفه الإيمان بالمعرفة والتصديق، فقال بعد ما ساق الآيات الدالة على ذلك: (ففي هذه الآيات تصريح بأن الإيمان يزيد و إذا صحت الزيادة فيه، كان الذي زاد إيمانه، قبل الازدياد أنقص إيماناً منه في حال الازدياد) (297).
3- موقفهم من نصوص الوعد والوعيد:(1/135)
يتفق الأشاعرة والماتريدية - من حيث الأجمال - مع أئمة السلف في عدم تكفير مرتكب الكبيرة و أنه تحت المشيئة، إن شاء عذبه ثم لا يخلد في النار، يخرج منها بالشفاعة وبغيرها، قال النسفي ملخصاً مذهبهم في ذلك: (... و أما أهل الحق فإنهم يقولون: إن من اقترف كبيرة غير مستحل لها، ولا مستخف بمن نهى عنها، بل لغلبة شهوة أو حمية يرجو الله تعالى أن يغفر له، ويخاف أن يعذبه عليها، فهذا اسمه المؤمن، وبقي على ما كان عليه من الإيمان ولم يزل عنه إيمانه، ولم ينتقص، ولا يخرج من الإيمان إلا من الباب الذي دخله، وحكمه أنه لو مات من غير توبة فلله تعالى فيه المشيئة، إن شاء عفا عنه بفضله وكرمه أو ببركة ما معه من الإيمان والحسنات، أو بشفاعة بعض الأخيار، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه، ثم عاقبة أمره الجنة لا محالة، ولا يخلد في النار ...)(298)وقال إمام الحرمين: (..من مات من عصاة أهل الإيمان من غير توبة، فأمره مغيب، إن شاء الله غفر له، أو شفع فيه شفعاء، و إن شاء عرضه على النار بقدر ذنوبه، ثم عاقبته الفوز الأكبر والنجاة) (299). وقال البغدادي: (فأما أصحاب الذنوب من المسلمين إذا ماتوا قبل التوبة فمنهم من يغفر الله عز وجل له قبل تعذيب أهل النار، ومنهم من يعذبه في النار مدة ثم يغفر له ويرده إلى الجنة برحمته ...)(300)
وقال الإيجي: (الثواب فضل وعد به فيفي به من غير وجوب، لأن الخلف في الوعد نقص، تعالى الله عنه، والعقاب عدل فله أن يتصرف فيه وله العفو عنه لأنه فضل، ولا يعد الخلف في الوعيد نقصاً عند العقلاء..) (301)
وقال أيضاً: (أجمعت الأمة عل--ى أص-ل الشفاعة، وهي عندنا لأهل الكبائر من الأمة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"(302)،(303)(1/136)
وهكذا الكلام - كما هو واضح، يتفق مع مذهب السلف في الجملة، أما من حيث التفصيل فهناك بعض الفروقات، من مثل إطلاقهم الإيمان دون تقييد على مرتكب الكبائر، وقولهم إن إيمانه لا ينقص بذلك مهما فعل من الذنوب، وترك من الواجبات.
4- الكفر عندهم:
الكلام عن مفهومهم للكفر فرع عن مفهومهم للإيمان، فلما عرفوا الإيمان بأنه مجرد المعرفة والتصديق، حصروا الكفر بالجهل والتكذيب ونحوه من الجحود والإنكار والعناد، فلما قيل لهم: إن ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم-، أو الساجد للصنم، أو ملقي المصحف في القاذورات، كافر عند الجميع، ولا يلزم من ذلك انتفاء التصديق عن قلبه، اضطربوا في الجواب عن ذلك، فقال بعضهم إن هذه علامات على تكذيب القلب، وقال آخرون نحكم بالظاهر ويجوز أن يكون في الباطن مؤمناً، و إليك بعض النقولات عنهم الموضحة لمذهبهم- باختصار-: قال الإمام الباقلاني - رحمه الله - في تعريف الكفر: (وهو ضد الإيمان، وهو الجهل بالله عز وجل، والتكذيب به، الساتر لقلب الإنسان عن العلم به، فهو كالمغطي للقلب عن معرفة الحق، ومنه قول الشاعر: في ليله كفر النجوم غمامها، أي غطاها، ومنه قولهم: زيد متكفر بسلاحه.. وقد يكون الكفر بمعنى التكذيب والجحد والإنكار) (304)، وقال أبو المعين النسفي: (... الكفر هو التكذيب والجحود، وهما يكونان بالقلب...)(305)
وجاء في المقاصد: (وقال القاضي(306): هو الجحد بالله، وفسر بالجهل، ورد: بأن الكافر قد يعرف الله ويصدق به، والمؤمن قد لا يعرف بعض أحكامه، فأجيب: بأن المراد الجحد به في شيء مما علم قطعاً أنه من أحكامه، أو الجهل بذلك إجمالاً وتفصيلاً..) (307)قال التفتازاني في شرح ذلك: (... فإن قيل: من استخف بالشرع أو الشارع أو ألقى المصحف في القاذورات، أو شد الزنار بالاختيار كافر إجماعاً، و إن كان مصدقاً للنبي - صلى الله عليه وسلم- في جميع ما جاء به.. قلنا: لو سلم اجتماع التصديق(1/137)
المعتبر في الإيمان مع تلك الأمور التي هي كفر وفاقاً، فيجوز أن يجعل الشارع بعض محظورات الشرع علامة التكذيب، فيحكم بكفر من ارتكبه، وبوجود التكذيب فيه، وانتفاء التصديق عنه كالاستخفاف بالشرع..) (308)، فالتفتازاني، يرى أن هذه الأمور إذا وجدت دل ذلك على تكذيب القلب، فهي علامات على الكفر وهو تكذيب القلب.
وجوز بعضهم أن يكون مؤمناً في الباطن حتى لو سب الرسول - صلى الله عليه وسلم- وسجد للصنم، جاء في شرح المواقف: (قال: (309) (قلنا هو دليل عدم التصديق) أي سجوده لها يدل بظاهره على أنه ليس بمصدق، ونحن نحكم بالظاهر، ولذلك حكمنا بعدم إيمانه، لا لأن عدم السجود لغير الله داخل في حقيقة الإيمان، (حتى لو علم أنه لم يسجد لها على سبيل التعظيم، واعتقاد الإلهية) بل سجد لها، وقلبه مطمئن بالتصديق، (لم يحكم بكفره فيما بينه وبين الله) و إن أجري عليه حكم الكافر في الظاهر) (310)، وقال البغدادي: (.. والسجود للشمس أو للصنم وما جرى مجرى ذلك من علامات الكفر، و إن لم يكن في نفسه كفراً إذا لم يضامه عقد القلب على الكفر، ومن فعل شيئاً من ذلك أجرينا عليه حكم أهل الكفر و إن لم نعلم كفره باطناً ...)(311)، فالبغدادي خالف الإجماع الذي ينقلونه أيضاً، حيث اعتبر السجود للشمس والصنم ليس كفراً في نفسه، فيقال له: إذا لم تكن كفراً في نفسها فلماذا نجري عليه أحكام الكفر ونحن لا نعلم كفره باطناً؟(1/138)
وصور الكشميري هذا الإشكال والإلزام ثم أشار إلى جوابهم عنه فقال: (هاهنا إشكال يرد على الفقهاء والمتكلمين، وهو أن بعض أفعال الكفر قد توجد من المصدق كالسجود للصنم والاستخفاف بالمصحف، فإن قلنا إنه كافر ناقض قولنا: إن الإيمان هو التصديق، ومعلوم أنه بهذه الأفعال لم ينسلخ عن التصديق، فكيف يحكم عليه بالكف-ر؟ و إن قلنا: إنه مسلم فذلك خلاف الإجماع، وأجاب الكستلي تبعاً للجرجاني، إنه كافر قضاء ومسلم ديانة) (312)، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إلزام الإمام أحمد لهم بمثل ذلك، ثم ذكر عن جهم التزامه بهذا اللازم، فقال: (قال أحمد: فيلزمه أن يقول: إذا أقر، ثم شد الزنار في وسطه وصلى للصليب، وأتي الكنائس والبيع، وعمل الكبائر كلها إلا أنه في ذلك مقر بالله، فيلزمه أن يكون عنده مؤمناً وهذه الأشياء من أشنع ما يلزمهم، قلت: هذا الذي ذكره الإمام أحمد من أحسن ما احتج الناس به عليهم، جمع في ذلك جملاً يقول غيره بعضها، وهذا الإلزام لا محيد لهم عنه، ولهذا لما عرف متكلموهم مثل جهم ومن وافقه أنه لازم التزموه وقالوا: لو فعل ما فعل من الأفعال الظاهرة لم يكن كافراً في الباطن، لكن يكون دليلاً على الكفر في أحكام الدنيا) (313). إلى أن يقول: (ومن كان موافقاً لقول جهم في الإيمان، بسبب انتصار أبي الحسن لقوله في الإيمان، يبقى تارة يقول بقول السلف والأئمة، وتارة يقول بقول المتكلمين الموافقين لجهم، حتى في مسألة سب الله ورسوله، رأيت طائفة من الحنبليين، والشافعيين، والمالكيين، إذا تكلموا بكلام الأئمة قالوا: إن هذا كفر باطناً وظاهراً، و إذا تكلموا بكلام أولئك قالوا: هذا كفر في الظاهر، وهو في الباطن يجوز أن يكون مؤمناً تام الإيمان) (314)، وهذا القول الذي نقلناه عنهم، قال به بعض غلاة المرجئة من قبلهم، فقد نقل الأشعري والشهرستاني والبغدادي ذلك عن بعض متقدميهم، قال الشهرستاني: (و إلى هذا المذهب ميل ابن الراوندي،(1/139)
وبشر المريسي، قالا: الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعاً، والكفر هو الجحود والإنكار، والسجود للشمس والقمر والصنم ليس بكفر في نفسه، ولكنه علامة الكفر) (315)
مناقشة المرجئة:
سيقتصر النقاش على تعريفهم الإيمان، وعلى الكفر عندهم، لأنهما الأصل عندهم فإذا بطل الأصل، بطلت فروعه، و لأن مسألة الزيادة والنقصان سبق ذكر أدلتها من الكتاب والسنة وكلام الصحابة - في الفصل الأول - مما نعتبره كافياً في الرد عليهم، أما مسألة الوعد والوعيد فهم متفقون مع أهل السنة فيها.
أ- مناقشة تعريفهم للإيمان:
1- قولهم: الإيمان في اللغة هو التصديق، وهو باق على معناه اللغوي لم ينقل عنه، فوجب أن يكون كذلك في الشرع والرد على ذلك من وجوه(316)، منها: (ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث، إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم.. فاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك، قد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم- ما يراد بها في كلام الله ورسوله، وكذلك لفظ الخمر وغيرها، ومن هناك يعرف معناها، فلو أراد أحد أن يفسرها بغير ما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يقبل منه، و أما الكلام في اشتقاقها ووجه دلالتها، فذاك من جنس علم البيان، وتعليل الأحكام، هو زيادة في العلم، وبيان حكمه ألفاظ القرآن، ولكن معرفة المراد بها لا يتوقف على هذا، واسم الإيمان و الإسلام والنفاق والكفر، هي أعظم من هذا كله، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- قد بين المراد بهذه الألفاظ بياناً لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق شواهد استعمال العرب...)(317)(1/140)
2- أيضاً - الإيمان في اللغة ليس مرادفاً للتصديق (وذلك من وجوه: أحدها: أن يقال للمخبر إذا صدقته، صدقه، ولا يقال: آمنه وآمن به، بل يقال آمن له، كما قال تعالى: {فآمن له لوط}318، وقال {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه}(319).
الثاني: أنه ليس مرادفاً للفظ التصديق في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت، فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: صدق، كما يقال: كذب، و أما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام أن من أخبر عن مشاهده، كقوله طلعت الشمس، وغربت، أنه يقال: أمناه، كما يقال: صدقناه، ولهذا، المحدثون والشهود ونحوهم، يقال: صدقناهم، وما يقال آمنا لهم، فإن الإيمان مشتق من الأمن، فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر، ولهذا لم يوجد قط في القرآن وغيره لفظ: آمن له إلا في هذا الشرع..
الثالث: أن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابل بالتكذيب، كلفظ التصديق، فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: صدقت أو كذبت، ويقال: صدقناه، أو كذبناه، ولا يقال لكل مخبر: آمنا له أو كذبناه، ولا يقال: أنت مؤمن له، أو مكذب له، بل المعروف في مقابلة لفظ الكفر، ويقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق، لكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك، وأخالفك ولا أوافقك، لكان كفره أعظم، فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط، علم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط...)(320)
3- وعلى فرض أنه مرادف للتصديق، فلا حجة فيه لأسباب منها:
أ- أن الإيمان ليس هو التصديق بكل شيء، بل بشيء مخصوص وهو ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحينئذ فيكون الإيمان في كلام الشارع أخص من الإيمان في اللغة، ومعلوم أن الخاص ينضم إليه قيود ولا توجد في جميع العام...)(321).(1/141)
ب- أن التصديق لا يختص بالقلب (بل الأفعال تسمى تصديقاً، كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يتمنى ذلك ويشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"(322)، (323)
ج- أما قولهم: إن الكفر ضد الإيمان والكفر هو الجحود والتكذيب.. فيجاب عنه، بأن الكفر لا يختص بالجحود كما بينا ضمن الجواب الأول، أما الآيات التي ذكرت أن محل الإيمان في القلب، فلا تنفي دخول الأعمال في الإيمان لورود أدلة أخرى تبين ذلك، وغاية ما في هذه الآيات أن الإيمان أصله في القلب وهذا لا خلاف حوله.(1/142)
د- أما استدلالهم بالآيات التي فيها عطف الأعمال الصالحة على الإيمان، وقولهم: إن العطف يقتضي التغاير، فقد أجاب شيخ الإسلام عن ذلك فقال: (و أما قولهم: إن الله فرق بين الإيمان والعمل الصالح في مواضع، فهذا صحيح وقد بينا أن الإيمان إذا أطلق أدخل الله ورسوله فيه الأعمال المأمور بها، وقد يقرن به الأعمال ... وذلك لأن أصل الإيمان هو ما في القلب، و الأعمال الظاهرة لازمة لذلك، لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع الأعمال، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة، كان لنقص الإيمان الذي في القلب، فصار الإيمان متناولاً للملزوم واللازم، و إن كان أصله ما في القلب، وحيث عطفت عليه الأعمال، فإنه أريد أنه لا يكتفي بإيمان القلب، بل لابد معه من الأعمال الصالحة، ثم للناس في مثل هذا قولان، منهم من يقول: المعطوف دخل في المعطوف عليه أولاً، ثم ذكر باسمه الخاص تخصصاً له، لئلا يظن أنه لم يدخل في الأول، وقالوا: هذا في كل ما عطف فيه خاص على عام، كقوله: {من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال}(324)وقوله: { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح و إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم}(325)وقوله: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم}(326)فخص الإيمان بما نزل على محمد بعد قوله: {والذين آمنوا} وهذه نزلت في الصحابة وغيرهم من المؤمنين، وقوله: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}(327)، وقوله: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة}(328)، والصلاة والزكاة من العبادة، فقوله: {آمنوا وعملوا الصالحات} كقوله: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة}، فإنه قصد أولاً أن تكون العبادة لله وحده لا لغيره، ثم أمر بالصلاة والزكاة ليعلم أنهما عبادتان واجبتان، فلا يكتفي بمطلق العبادة الخالصة دونهما، وكذلك يذكر الإيمان(1/143)
أولاً، لأنه الأصل الذي لابد منه، ثم يذكر العمل الصالح، فإنه أيضاً من تمام الدين الذي لابد منه، فلا يظن الظان اكتفاءه بمجرد إيمان ليس معه العمل الصالح.. فعلى قول هؤلاء يقال: الأعمال الصالحة المعطوفة على الإيمان دخلت في الإيمان، وعطفت عليه عطف الخاص على العام، إما لذكره خصوصاً بعد عموم، وإما لكونه إذا عطف كان دليلاً على أنه لم يدخل في العام.
وقيل (القول الثاني): بل الأعمال في الأصل ليست من الإيمان، فإن أصل الإيمان هو ما في القلب، ولكن هي لازمة له، فمن لم يفعلها كان إيمانه منتفياً لأن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، لكن صارت بعرف الشارع داخلة في اسم الإيمان إذا أطلق ...)(329)وقد ذكرنا في الفصل الأول أدلة دخول الأعمال في مسمى الإيمان.
ه-- وأما قولهم: إن الله خاطب المؤمنين باسم الإيمان، قبل وجوب الأعمال، فدل ذلك على عدم دخولهما فيه، فيقال لهم: (إنهم خوطبوا به قبل أن تجب تلك الأعمال، فقبل وجوبها لم تكن من الإيمان، وكانوا مؤمنين الإيمان الواجب عليهم قبل أن يفرض عليهم ما خوطبوا بفرضه، فلما نزل إن لم يقروا بوجوبه لم يكونوا مؤمنين) (330).
و- أما تأويلهم قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}(331)، أي تصديقكم بوجوب الصلاة، فهذا تكلف في التأويل، وخروج عن ظاهر النص دون قرينة، ويرده سبب نزولها، وقد سبق بيان معناها(332)، وكذلك سبق ذكر الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع السلف على دخول الأعمال في مسمى الإيمان فلتراجع، وبذلك يتبين لنا فساد استدلالاتهم وبطلانها.
ب- مناقشة مفهومهم للكفر:(1/144)
1- إذا بطل مفهومهم للإيمان و أنه مجرد التصديق بطل حصرهم الكفر بالتكذيب والجحود، لأن الكفر لا يختص بالتكذيب(333)، كما سيأتي تفصيله في الباب الأخير، حيث سنشير إلى بعض أنواع الكفر كالإعراض والامتناع والبغض ونحوه مما لا يختص بالتكذيب، كذلك الإجماع على عدد من المكفرات القولية والعملية المعروفة وكثير منها لا يتضمن التكذيب كما هو معلوم.
2- أشار شيخ الإسلام - رحمه الله - إلى هذا الفهم الفاسد، ثم نقضه من عدة وجوه فقال: (... فهؤلاء القائلون بقول جهم والصالحي قد صرحوا بأن سب الله ورسوله، والتكلم بالتثليث وكل كلمة من كلام الكفر، ليس هو كفراً في الباطن، ولكنه دليل في الظاهر على الكفر ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشاتم في الباطن عارفاً بالله موحداً له مؤمناً به فإذا أقيمت عليهم حجة بنص أو إجماع أن هذا كافر باطناً وظاهراً، قالوا: هذا يقتضي أن ذلك مستلزم للتكذيب الباطن و أن الإيمان يستلزم عدم ذلك..) ثم رد على ذلك من وجوه فقال: (... أما الأول: فإنا نعلم أن من سب الله ورسوله طوعاً بغير كره، بل من تكلم بكلمات الكفر طائعاً غير مكره، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافر باطناً وظاهراً، و أن من قال: إن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمناً بالله وإنما هو كافر في الظاهر، فإنه قال قولاً معلوم الفساد بالضرورة من الدين، وقد ذكر الله كلمات الكفار في القرآن وحكم بكفرهم، واستحقاقهم الوعيد بها، ولو كانت أقوالهم الكفرية بمنزلة شهادة الشهود عليهم، أو بمنزلة الإقرار الذي يغلط فيه المقر لم يجعلهم الله من أهل الوعيد بالشهادة التي قد تكون صدقاً، وقد تكون كذباً، بل كان ينبغي أن لا يعذبهم إلا بشرط صدق الشهادة، وهذا كقوله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة}(334، {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم}(335)وأمثال ذلك.(1/145)
وأما الثاني: فالقلب إذا كان معتقداً صدق الرسول، و أنه رسول الله، وكان محباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- معظماً له، امتنع مع هذا أن يلعنه ويسبه فلا يتصور ذلك منه إلا مع نوع من الاستخفاف به وبحرمته، فعلم بذلك أن مجرد اعتقاد أنه صادق لا يكون إيماناً إلا مع محبته وتعظيمه بالقلب.. يبين ذلك قوله: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة}(336)، فقد ذكر تعالى من كفر بالله من بعد إيمانه وذكر وعيده في الآخرة، ثم قال: {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة} وبين تعالى أن الوعيد استحقوه بهذا، ومعلوم أن باب التصديق والتكذيب والعلم والجهل ليس هو من باب الحب والبغض، وهؤلاء يقولون: إنما استحقوا الوعيد لزوال التصديق و الإيمان من قلوبهم، و إن كان ذلك قد يكون سببه حب الدنيا على الآخرة، والله سبحانه وتعالى جعل استحباب الدنيا على الآخرة هو الأصل الموجب للخسران، واستحباب الدنيا على الآخرة قد يكون مع العلم والتصديق بأن الكفر يضر في الآخرة، وبأنه ماله في الآخرة من خلاق،، "و أيضاً " فإنه سبحانه استثنى المكره من الكفار، ولو كان الكفر لا يكون إلا بتكذيب القلب وجهله لم يستثن منه المكره، لأن الإكراه على ذلك ممتنع، فعلم أن التكلم بالكفر كفر لا في حال الإكراه(337).
ثالثاً: …مما يمكن أن يرد عليهم به أن يقال: قولكم إن ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكفر إذا كان مستحلاً و إن لم يكن مستحلاً فسق(338)، يلزم منه أن لا أثر للسب في التكفير وجوداً وعدماً، وإنما المؤثر هو الاعتقاد فإن اعتقد حل السب كفر سواء اقترن به وجود السب أو لم يقترن، وهذا خلاف ما أجمع عليه العلماء. (339)(1/146)
رابعاً: (أنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل فليس في السب ما يدل على أن الساب مستحل، فيجب أن لا يكفر لا سيما، إذا قال: أنا أعتقد أن هذا حرام وإنما أقول غيظاً وسفهاً أو عبثاً أو لعباً كما قال المنافقون: {إنما كنا نخوض ونلعب} وكما إذا قذفت هذا وكذبت عليه لعباً وعبثاً فإن قيل: لا يكونون كفاراً فهو خلاف نص القرآن، و إن قيل: يكونون كفاراً فهو تكفير بغير موجب، إذا لم يجعل نفس السبب مكفراً..) (340).
ولعل من أعظم أسباب اضطرابهم وتناقضهم إخراج كثير منهم أعمال القلوب من مسمى الإيمان، ولذلك ظنوا أن سب الرسول - صلى الله عليه وسلم- لا ينافي اعتقاد صدقه فيجوز اجتماع ذلك مع الإيمان، ولكن لو أدخلوا الأعمال في مسمى الإيمان لعلموا أنه يستحيل أن يسب المرء من أحبه وخضع واستسلم، لأن المحبة والاستسلام والانقياد إكرام وإعزاز، والسب والشتم إهانة وإذلال فلا يجتمعان. (341)
الباب الثاني
ضوابط التكفير وموانعه عند أهل السنة
الفصل الأول: ضوابط التكفير
الفصل الثاني: موانع التكفير
الفصل الأول: ضوابط التكفير
- الحكم بالظاهر وأدلة ذلك
- الاحتياط في تكفير المعين
(ليس كل من قال الكفر أو عمله يكون كافرا)
- ما تقوم به الحجة
- عدم التكفير بكل ذنب
الحكم بالظاهر وأدلة ذلك(1/147)
هذه من المسائل العظيمة في مذهب أهل السنة في الحكم على الناس، فلا تكون أحكامهم مبنية على ظنون وأوهام أو دعاوي لا يملكون عليها بينات، وهذه من رحمة الله وتيسيره على عباده ومن باب تكليفهم بما يطيقون ويستطيعون، وكل ما سبق المقصود به الحكم الدنيوي على الشخص بالإسلام أو الكفر، أما الحكم على الحقيقة فلا سبيل إليه، يقول الإمام الشاطبي - رحمه الله - مبيناً أهمية هذا الأصل وخطورة إهماله: (إن أصل الحكم بالظاهر مقطوع به في الأحكام خصوصاً، وبالنسبة إلى الاعتقاد في الغير عموماً، فإن سيد البشر مع إعلامه بالوحي يجري الأمور على ظواهرها في المنافقين وغيرهم، و إن علم بواطن أحوالهم، ولم يكن ذلك بمخرجه عن جريان الظواهر على ما جرت عليه. لا يقال: إنما كان ذلك من قبيل ما قال: (خوفاً من أن يقول الناس أن محمداً يقتل أصحابه) (342) فالعلة أمر آخر لا ما زعمت، فإذا عدم ما علل به فلا حرج. لأنا نقول: هذا أدل الدليل على ما تقرر، لأن فتح هذا الباب يؤدي إلى أن لا يحفظ ترتيب الظواهر فإن من وجب عليه القتل بسبب ظاهر، فالعذر فيه ظاهر واضح، ومن طلب قتله بغير سبب ظاهر بل بمجرد أمر غيبي ربما شوش الخواطر وران على الظواهر، وقد فهم من الشرع سد هذا الباب جملة ألا ترى إلى باب الدعاوي المستند إلى أن "البينة على المدعي واليمين على من أنكر"(343)، ولم يستثن من ذلك أحداً حتى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- احتاج في ذلك إلى البينة، فقال من يشهد لي؟ حتى شهد له خزيمة بن ثابت فجعلها الله شهادتين(344)فما ظنك بآحاد الأمة، فلو ادعي أكذب الناس على أصلح الناس لكانت البينة على المدعي، واليمين على من أنكر وهذا من ذلك والنمط واحد، فالاعتبارات الغيبية مهملة بحسب الأوامر والنواهي الشرعية) (345).
واستند أهل السنة في تقريرهم لهذا الأصل العظيم إلى أدلة كثيرة منها:(1/148)
1- قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا}(346) قال الشوكاني رحمه الله: (والمراد هنا: لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم لست مؤمناً فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام، وقيل هما بمعنى الإسلام: أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم التسليم فقال السلام عليكم: لست مؤمناً والمراد نهي المسلمين عن أن يهملوا ما جاء به الكافر مما يستدل به على إسلامه ويقولوا إنه إنما جاء بذلك تعوذاً وتقية) (347).
وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - (فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل، لقوله تعالى: {فتبينوا} ولو كان لا يقتل إذا قالها للتثبت معنى، إلى أن يقول: (و إن من أظهر التوحيد و الإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك) (348).
2- واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، و أن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله"(349)(1/149)
والشاهد من الحديث قوله (وحسابهم على الله) قال ابن رجب: (وأما في الآخرة فحسابه على الله عز وجل، فإن كان صادقاً أدخله الله بذلك الجنة، و إن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار (350). وق-ال الحافظ في الفتح: (أي أمر سرائرهم.. وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر) (351)وقال الإمام البغوي: (وفي الحديث دليل على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضاً إنما تجري على الظاهر من أحوالهم دون باطنها، و أن من أظهر شعار الدين أجري عليه حكمه، ولم يكشف عن باطن أمره، ولو وجد مختون فيما بين قتلى غلف، عزل عنهم في المدفن، ولو وجد لقيط في بلد المسلمين حكم بإسلامه) (352).
3- واستدلوا أيضاً بقصة أسامة رضي الله عنه المشهورة قال: " بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة (353)فأدركت رجلاً فقال لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أقال لا إله إلا الله وقتلته قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ"(354)، (355).(1/150)
والحديث فيه زجر شديد وتحذير من الإقدام على قتل من تلفظ بالتوحيد وتحذير صريح من تجاوز الظاهر والحكم على ما في القلب دون بينة، قال النووي - رحمه الله-: (وقوله - صلى الله عليه وسلم- أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ الفاعل في قوله أقالها هو القلب(356)، ومعناه أنك إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان، وقال أفلا شققت عن قلبه لتنظر، هل قالها القلب واعتقدها وكانت فيه أم لم تكن فيه بل جرت على اللسان فحسب، يعني وأنت لست بقادر على هذا فاقتصر على اللسان فحسب ولا تطلب غيره) (357)، وقال أيضاً في تعليقه على قوله - صلى الله عليه وسلم-: "أفلا شققت عن قلبه؟" (وفيه دليل على القاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام فيها بالظاهر والله يتولى السرائر) (358)
4- ومن الأحاديث العظيمة في هذا الباب حديث جارية معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله - صلى الله علي-ه وسلم-: " أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة"(359).
قال شيخ الإسلام في تعليقه على هذا الحديث (...فإن الإيمان الذي علقت به أحكام الدنيا، هو الإيمان الظاهر وهو الإسلام، فالمسمى واحد في الأحكام الظاهرة، ولهذا لما ذكر الأثرم لأحمد احتجاج المرجئة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أعتقها فإنها مؤمنة" أجابه بأن المراد حكمها في الدنيا حكم المؤمنة، لم يرد أنها مؤمنة عند الله تستحق دخول الجنة بلا نار إذا لقيته بمجرد هذا الإقرار) (360)، (لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة) (361).(1/151)
ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم- يعامل المنافقين على ظواهرهم مع علمه بنفاق كثير منهم ليقرر هذا الأصل العظيم (فهم في الظاهر مؤمنون يصلون مع الناس ويصومون، ويحجون ويغزون والمسلمون يناكحونهم ويوارثونهم.. ولم يحكم النبي -صلى الله عليه وسلم - في المنافقين بحكم الكفار المظهرين للكفر، لا في مناكحتهم ولا موارثتهم ولا نحو ذلك، بل لما مات عبد الله بن أبي سلول وهو من أشهر الناس بالنفاق ورثه ابنه عبد الله وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من كان يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون، و إذا مات لأحدهم وارث ورثوه مع المسلمين.. لأن الميراث مبناه على الموالاة الظاهرة، لا على المحبة التي في القلوب، فإنه لو علق بذلك لم تمكن معرفته، والحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها، وهو ما أظهروه من موالاة المؤمنين.. وكذلك كانوا في الحقوق والحدود كسائر المسلمين) (362) (وهكذا كان حكمه - صلى الله عليه وسلم- في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم لا يستحل منها شيئاً إلا بأمر ظاهر، مع أنه كان يعلم نفاق كثير منهم) (363)ومع ذلك (يجب أن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة التي يحكم فيها الناس في الدنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثواب والعقاب، فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمناً في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة) (364).
وبعد هذا التقرير الواضح لهذا الأصل القطعي ترد بعض التساؤلات التي قد يظن أنها مخالفة لهذا الأصل ومنها:
أ - لماذا حصل الخلاف في قبول توبة الزنديق(365)، مع أن الأصل يقتضي أخذه على ظاهره؟
ب- ما ذكر من أدلة ينطبق على من أظهر الإسلام، أو من أقر بالإسلام ونطق بالشهادتين من الكفار لكن هل ينطبق هذا الكلام على المسلم إذا أظهر الكفر فيحكم بكفره بمجرد ذلك بناءاً على هذا الأصل؟.
وللجواب عن ذلك يقال:(1/152)
أ - أما الأول فقد اختلف العلماء فيه فذهب بعضهم إلى قبول توبته وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد، والبغوي والنووي وحكاه الخطابي عن أكثر العلماء رحمهم الله، وذهب مالك و أبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه والرواية الأخرى عن أحمد وابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمه الله إلى عدم قبول توبته(366).
ولا نريد أن ندخل في تفاصيل أدلة الفريقين ولا في الترجيح، وإنما الذي يهمنا هنا، قول من قال بقتله بعدما يظهر التوبة، هل ينافي الحكم بالظاهر؟.
الواقع أن (من تأمل أقوال العلماء في هذه المسألة وجد أنه لا خلاف بينهم في مناط الحكم وهو اعتبار الظاهر في الحكم على الناس، وإنما اختلفوا في تحقيق ذلك المناط، فيما يتعلق بالزنديق فمنهم من يرى ظاهره الإسلام لتظاهره بذلك (مستدلاً بالأدلة السابقة التي ذكرناها)، ومنهم من يرى أن ظاهره خداع المسلمين لا الرجوع إلى الإسلام، ولهذا لم يجزم من قال بقتله أنه لابد أن يكون كافراً في الباطن) (367).(1/153)
قال الإمام ابن القيم رحمه الله (والزنديق بالعكس "من الكافر الأصلي إذا تاب" فإنه كان مخفياً لكفره مستتراً به، فلم نؤخذه بما في قلبه إذا لم يظهر عليه، فإذا ظهر على لسانه وآخذناه به فإذا رجع لم يرجع عن أمر كان مظهراً له غير خائف من إظهاره، وإنما رجع خوفاً من القتل) (368). ثم ذكر قاعدة مهمة تنسجم مع قاعدة الحكم بالظاهر فقال: (وههنا قاعدة يجب التنبيه عليها لعموم الحاجة إليها، وهي أن الشارع إنما قبل توبة الكافر الأصلي من كفره، بالإسلام لأنه ظاهر لا يعارضه ما هو أقوى منه، فيجب العمل به، لأنه مقتض لحقن الدم والمعارض منتف، فأما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه، فإظهاره بعد القدرة عليه التوبة و الإسلام لا يدل على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه دلالة قطعية ولا ظنية، أما انتفاء القطع فظاهر، و أما انتفاء الظن فلأن الظاهر إنما يكون دليلاً صحيحاً إذا لم يثبت أن الباطن بخلافه، فإذا قام دليل على الباطن لم يلتفت إلى ظاهر قد علم أن الباطن خلافه.. و إذا عرف هذا فهذا الزنديق قد قام الدليل على فساد عقيدته، وتكذيبه واستهانته بالدين، وقدحه فيه، فإظهاره الإقرار والتوبة بعد القدرة عليه ليس فيه أكثر مما كان يظهره قبل هذا.
وهذا القدر قد بطلت دلالته بما أظهره من الزندقة، فلا يجوز الاعتداء عليه لتضمنه إلغاء الدليل القوي وإعمال الضعيف الذي قد ظهر بطلان دلالته) (369)
ب- أما التساؤل الآخر: حول المسلم إذا ظهر منه الكفر:
…فيقال فيه إن هناك فرقاً بين الحكم بإسلام المعين والحكم بكفره فالحكم بإسلامه يكفي فيه الإقرار والظاهر، وهو إسلام حكمي قد يكون معه المعين منافقاً في الباطن.(1/154)
أما الكفر فليس حكماً على الظاهر فقط، و إنما هو حكم على الظاهر والباطن بحيث لا يصح أن نحكم على معين بالكفر مع احتمال أن يكون غير كافر على الحقيقة. ولذلك لابد من النظر للعمل الذي عمله هذا المعين هل هو أمر لا يحتمل غير الكفر؟ أم أمر يحتمل الكفر وعدمه؟ أم أن الأمر كفر في ظاهره ولكن يحتمل أن يكون معذوراً بجهل أو تأول(370)وسيأتي تفصيل هذه المسألة في المباحث التي بعدها.
الاحتياط في تكفير المعين
مذهب أهل السنة وسط بين من يقول: لا نكفر من أهل القبلة أحداً، وبين من يكفر المسلم بكل ذنب دون النظر إلى توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه، ويتلخص مذهب أهل السنة في أنهم يطلقون التكفير على العموم مثل قولهم: من استحل ما هو معلوم من الدين بالضرورة كفر، ومن قال القرآن مخلوق، أو أن الله لا يرى في الآخرة كفر، ولكن تحقق التكفير على المعين لابد له من توفر شروط، وانتفاء موانع، فلا يكون جاهلاً ولا متأولاً ولا مكرهاً.. الخ.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله -: " فقد يكون الفعل أو المقالة كفراً، ويطلق القول بتكفير من قال تلك المقالة، أو فعل ذلك الفعل، ويقال: من قال كذا، فهو كافر، أو من فعل ذلك، فهو كافر. لكن الشخص المعين الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. وهذا الأمر مطرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بأنه من أهل النار، لجواز أن لا يلحقه، لفوات شرط أو لثبوت مانع"(371)
فإذا توفرت الشروط وانتفت الموانع حكم بردته فيستتاب فإن تاب و إلا قتل، وسنبحث في هذه الفقرة:
أ - النصوص المحذرة من إطلاق التكفير على المعين دون بينة وتطبيقات السلف لذلك.
ب- نصوص تدل على تكفير المعين إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع وتطبيقات السلف لذلك.(1/155)
أ- …قال ابن أبي العز الحنفي: (و أما الشخص المعين، إذا قيل: هل تشهدون أنه من أهل الوعيد و أنه كافر؟ فهذا لا نشهد عليه إلا بأمر تجوز معه الشهادة، فإنه من أعظم البغي أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له ولا يرحمه بل يخلده في النار، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت، ولهذا ذكر أبو داود في سننه في كتاب الأدب " باب النهي عن البغي" وذكر فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول: " كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب، و الآخر مجتهد في العبادة فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر، فوجده يوماً على ذنب، فقال له أقصر، فقال خلني وربي، أبعثت على رقيباً؟ فقال: و الله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالماً؟ أو كنت على ما في يدي قادراً؟ وقال للمذنب اذهب فادخل الجنة برحمتي. وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار. قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده، لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته "(372)وهو حديث حسن، و لأن الشخص المعين يمكن أن يكون مجتهداً مخطئاً مغفوراً له، ويمكن أن يكون ممن لم يبلغه ما وراء ذلك من النصوص، ويمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أوجبت له رحمة الله) (373).
ومن الأحادي--ث المحذرة من تكفير المسلم قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهم-ا" (374) قال الحافظ في الفتح (... والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم من أن يقول ذلك لأخيه المسلم ... وقيل معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره... فمعنى الحديث فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفر نفسه لكونه كفر من هو مثله) (375) وقال القرطبي رحمه الله: (والحاصل أن المقول له إن كان كافراً كفراً شرعياً فقد صدق القائل وذهب بها المقول له، و إن لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول وإثمه) (376).(1/156)
وهذا الوعيد والزجر أن لم يكن مع الكفر بينه كما ذكر القرطبي، ولم يكن متأولاً ومن فقه البخاري أن وضع هذا الحديث تحت باب (من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال) ثم ذكر بعده باباً آخر بعنوان (باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً ...) ثم ذكر بعض الأحاديث(377) الدالة على المقصود.
ومن الأدلة التى يمكن الاستدلال بها للتحذير من التكفير موقف السلف من أحاديث الوعيد لمن ارتكب الكبائر وعدم إنفاذها على الأعيان من مثل قوله - صلى الله عليه وسلم-:" لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه"(378)ولعنه شارب الخمر، والواصلة والمستوصلة(379)والراشي والمرتشي" وقوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً}(380)إلى غير ذلك من الأدلة(381)، فهذه الأدلة القول بموجبها واجب على العموم والإطلاق من غير أن يعين شخصاً من الأشخاص فيقال: ملعون أو مستحق للنار لإمكان التوبة، أو الحسنات الماحية أو المصائب المكفرة وغيرها من مكفرات الذنوب بل عد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول بلحوق الوعيد لكل فرد من الأفراد بعينه، أقبح من قول الخوارج المكفرين بالذنوب والمعتزلة وغيرهم(382)، والتكفير هو من الوعيد(383) بل أشد أنواع الوعيد فإذا كان هذا التحذير فيما دون الكفر، فالتحذير من إطلاق الكفر على التعيين أشد والله أعلم.(1/157)
وقد التزم أهل السنة بموجب هذه التوجيهات فعرفوا باحتياطهم في التكفير رغم أن أغلب الفرق باستثناء المرجئة تتساهل في المسألة، بل وتكفر أهل السنة أما أهل السنة فالتزموا الضوابط الشرعية، يقول شيخ الإسلام: (فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم، و إن كان ذلك المخالف يكفرهم، لأن الكفر حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، كمن كذب عليك وزنى بأهلك، ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله، لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى) (384)وقال رحمه الله: (إني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى) (385).
(ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاه الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافراً، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم) (386).
فهذا أنموذج عظيم للتطبيق العملي لهذا المبدأ وفيه رد عملي على أدعياء العلم من المبتدعة الذين يزعمون أن شيخ الإسلام يكفر المسلمين إلى آخر هذا الكلام المستند إلى الهوى والتعصب.(1/158)
و إليك أنموذجاً آخر للتطبيق العملي لهذا المنهج وهو موقف الإمام أحمد إمام أهل السنة رحمه الله من أعيان الجهمية ممن آذوه، ودعوا الناس إلى بدعتهم وعاقبوا مخالفهم الجهمية: إن القرآن مخلوق، و إن الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك، ويدعون الناس إلى ذلك ويمتحنونهم ويعاقبونهم، إذا لم يجيبوهم ويكفرون من لم يجبهم، حتى أنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقر بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق، وغير ذلك، ولا يولون متولياً ولا يعطون رزقاً من بيت المال إلا لمن يقول ذلك، ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله ترحم عليهم واستغفر لهم لعلمه بأنهم لم يبين لهم أنهم مكذبون للرسول - صلى الله عليه وسلم- ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطأوا، وقلدوا من قال لهم ذلك(387).
يتبين مما سبق أن أهل السنة يطلقون التكفير بالعموم، وكذلك الوعيد ولكن الحكم على المعين بالكفر والوعيد لابد فيه من الدقة والاحتياط للتأكد من توفر الشروط وانتفاء الموانع.
لكن ظن بعض المتوهمين - بسبب قراءتهم لهذه النصوص وأمثالها - أن أهل السنة لا يكفرون المعين، هكذا بالإطلاق، وظنهم هذا شبيه بظن من اعتقد أن أهل السنة يتساهلون في مسألة التكفير، وسنبين في المبحث القادم موقف أهل السنة من كفر المعين إذا قامت عليه الحجة.
ب- نصوص تدل على تكفير المعين إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وتطبيقات السلف لذلك.(1/159)
من تأمل كلام أهل السنة في هذه المسألة يتضح له تحفظهم من إطلاق التكفير إلا إذا قامت الحجة على المعين ويفهم من ذلك بداهة أنه إذا قامت الحجة على المعين وأصر على عمل الكفر فإنه يحكم بكفره ويستتاب فإن تاب و إلا قتل ... انظر قول شيخ الإسلام رحمه الله: (إذا عرف هذا فتكفير "المعين" من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار - لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية، التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، و إن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر، وهكذا الكلام في تكفير جميع "المعينين" مع أن بعض هذه البدع أشد من بعض وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض، فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، و إن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزال إلا بعد إقامة الحجة، و إزالة الشبهة) (388).
إذاً إذا قامت الحجة وزالت الشبهة وتيقنا من إصراره وتكذيبه فلابد من تكفيره وهذا أمر معروف ومجمع عليه لدى علماء الأمة قاطبة.
ولذلك ذكر الفقهاء في كتبهم "كتاب المرتد" وذكروا فيه الأحكام المترتبة على من ارتد عن دينه من نكاح وإرث، ونحوه. وتصرفات المرتد في ردته من بيع وهبه وعتق.. وكذلك الأشياء التي يصير بها المسلم كافراً واستتابته فإذا لم يتب قتل إجماعاً(389).(1/160)
وهكذا فعل السلف مع من سب الرسول - صلى الله عليه وسلم- أو من لم يرض بحكم الرسول - صلى الله عليه وسلم- (390)، أو مع أعيان الجهمية كالجعد بن درهم وغيلان الدمشقي(391)وما ورد من قتل السحرة(392).. الخ وأيضاً (أصحاب رسول - صلى الله عليه وسلم- قاتلوا بني حنيفة، وقد أسلموا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- وهم يشهدون أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله، ويؤذنون ويصلون، فإن قال: إنهم يقولون: إن مسيلمة نبي، فقل هذا هو المطلوب. إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي - صلى الله عليه وسلم- كفر وحل ماله ودمه، ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة، فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف(393) أو صحابياً أو نبياً إلى مرتبة جبار السموات و الأرض؟ ويقال أيضاً: الذين حرقهم علي - رضي الله عنه - وتعلموا العلم من الصحابة، ولكنهم اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما، فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟ أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟.. ويقال أيضاً: بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس، كلهم يشهدون بألسنتهم أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله، ويدعون الإسلام، ويصلون الجمعة والجماعة، فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم، و أن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين ... ويقال أيضاً: الذين قال الله فيهم: { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}(394)أما سمعت الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم- ويجاهدون معه ويصلون معه ويزكون ويحجون ويوحدون، وكذلك الذين قال الله فيهم: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}(395)، فهؤلاء الذين صرح الله فيهم، أنهم كفروا بعد إيمانهم، وهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك،(1/161)
قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح..) (396).
ومن التطبيقات العملية لتكفير المعين إذا قامت عليه الحجة إجماع السلف على قتال الطائفة الممتنعة(397)عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، استناداً لقتال الصحابة لمانعي الزكاة رغم إقرارهم بها، واعتمد شيخ الإسلام هذه القاعدة في فتواه الشهيرة عن التتار ووجوب قتالهم كحال المرتدين فقال رحمه الله: (كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه و إن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنة ... فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام، أو الحج أو التزام تحريم الدماء والأموال، والخمر والزنا.. فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها و إن كانت مقره بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء) إلى أن يقول - رحمه الله -: (وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام أو الخارجين عن طاعته، كأهل الشام مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين، أو خارجون لإزالة ولايته، و أما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام (398)بمنزلة مانعي الزكاة، وبمنزلة الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه(399)، وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب- بعدما ذكر بعض الأمثلة - (ولو ذهبنا نعدد من كفره العلماء مع ادعائه الإسلام وأفتوا بردته لطال الكلام..) (400)(1/162)
وبهذه الأمثلة والتطبيقات تتضح الصورة لمريد الحق إن شاء الله. والخلاصة أن من أظهر شيئاً من مظاهر الكفر لا يكفر حتى تقام عليه الحجة للتأكد من دوافعه لهذا العمل فإذا زالت الشبهة وأصر استتيب فإن تاب و إلا قتل. لكن يرد تساؤل هنا وهوما مفهوم قيام الحجة؟ وهل كل من فعل مكفراً ولو كان في دار علم، يقال لم تقم عليه الحجة؟ فنقول هذا ما سنعرفه في المبحث القادم إن شاء الله.
ما تقوم به الحجة
مر معنا في المبحث السابق اتفاق السلف على عدم تكفير المعين إلا بعد قيام الحجة؟ فما أدلتهم على ذلك؟ وبم تقوم الحجة؟ وما الفرق بين بلوغ الحجة وفهمها.
كل هذه المسائل سنحاول- إن شاء الله - الإجابة عليها بما يتيسر من الأدلة وكلام أهل العلم، سائلين المولى عز وجل التوفيق والسداد.
1- التكفير والتعذيب بعد قيام الحجة:
استدل أهل السنة بأدلة كثيرة على أن التكفير، والتعذيب(401)لا يكون إلا بعد قيام الحجة ومنها قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}(402)وقوله عز وجل: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}(403)وقوله تعالى: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء}(404)وقال تعالى: {يا معشر الجن و الإنس ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين}(405) وقوله تعالى:{ ما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا}(406). وقوله تعالى: {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير}(407).(1/163)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " الكتاب والسنة قد دلا على أن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إبلاغ الرسالة، فمن لم تبلغه جملة لم يعذبه رأساً، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل لم يعذبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية).. ثم ذكر عدداً من الأدلة منها ما ذكرنا وغيرها إلى أن قال: (فمن قد آمن بالله ورسوله، ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول، فلم يؤمن به تفصيلاً، أما أنه لم يسمعه، أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله ورسوله ما يوجب أن الله عليه، وما لم يؤمن به(408)لم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها) (409).
وقام الإمام ابن القيم رحمه الله بعدما ذكر هذه الآيات: (وهذا كثير في القرآن يخبر أنه إنما يعذب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة) (410).
وقال الإمام الذهبي رحمه الله: (فلا يأثم أحد إلا بعد العلم وبعد قيام الحجة عليه، والله لطيف رءوف بهم، قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وقد كان سادة الصحابة بالحبشة ينزل الواجب والتحريم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يبلغهم إلا بعد أشهر، فهم في تلك الأمور معذورون بالجهل حتى يبلغهم النص، وكذا يعذر بالجهل من لم يعلم حتى يسمع النص والله أعلم) (411).
لكن قد يقول قائل: إن هذه الأدلة المستدل بها تنفي العذاب في الدنيا فقط؟ فيقال أولاً: (أنه خلاف ظاهر القرآن، لأن ظاهر القرآن انتفاء التعذيب مطلقاً، فهو أعم من كونه في الدنيا، وصرف القرآن عن ظاهره ممنوع إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
الوجه الثاني: أن القرآن دل في آيات كثيرة على شمول التعذيب المنفي في الآية للتعذيب في الآخرة، كقوله: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى}(412) وهو دليل على أن جميع أفواج أهل النار ما عذبوا في الآخرة إلا بعد إنذار الرسل) (413).(1/164)
ويمكن أن يقال ثالثاً: إن هذه النصوص إذا نفت التعذيب الدنيوي فالأخروي من باب أولى والله أعلم.
إذاً لا تقوم الحجة إلا بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبلوغ ذلك إلى المعين(414)، أما كيفية قيامها، والفرق بين قيامها وفهمها، فسيأتي بحثه في مسألة العذر بالجهل.
عدم التكفير بكل ذنب
من الأصول المجمع عليها عند أهل السنة: أنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب- ما لم يستحله(415)، ويقصدون بالذنب- الذي لا يكفر صاحبه- فعل الكبائر أو الصغائر أو ترك الواجبات، خلافاً للوعيدية، الذين يكفرون أهل الكبائر، وبعضهم يكفر أهل الصغائر، لكن قد يفهم البعض من عبارات السلف في ذلك أنهم لا يكفرون بكل ذنب، مطلقاً، فدفعاً لهذا اللبس (امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحداً بذنب، بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب، كما تفعله الخوارج وفرق بين النفي العام، ونفي العموم..) (416).
فالنفي العام قد يفهم منه عدم تكفير المعين مطلقاً مهما عمل من الذنوب، ولو عمل النواقض. أما نفي العموم، فيفهم منه أنهم يكفرون ببعض الذنوب، ولا يكفرون ببعضها فمن الذنوب التي يكفر مرتكبها نواقض الإسلام الكبرى المعلومة(417)، ومن ذلك - أيضاً - الخلاف المشهور عند أهل السنة في التكفير بترك الأركان وخاصة الصلاة، أما الذنوب التي لا يكفرون بها ففعل الكبائر وترك الواجبات ما لم يستحل الكبائر، أو ينكر الواجبات وقد مضى تفصيل مذهب أهل السنة في أهل الكبائر فليراجع.
الفصل الثاني: موانع التكفير
أولاً: الجهل
ثانياً: الخطأ
ثالثاً: الإكراه
رابعاً: التأويل
خامساً: التقليد
أولاً: الجهل
حالات الجهل، ومتى يكون عذرا؟(1/165)
الجهل يأتي بعدة معاني منها: خلو النفس من العلم418وهو المشهور، ومنها: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه(419)، ومنها: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقاداً صحيحاً أو فاسداً(420)، ومنه قوله سبحانه: { فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة}(421)، ومقصود العلماء بالجهل الذي يعذر صاحبه أو لا يعذر، أن يقول قولاً أو يفعل فعلاً بخلاف ما حقه أن يفعل، أو يعتقد اعتقاداً بخلاف ما هو عليه من الحق.
والعذر بالجهل - كما هو معلوم - له حالات، فهو يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، والأشخاص يختلفون فمنهم من قامت عليه الحجة، ومنهم من لم تقم عليه باعتباره - مثلاً - حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، وكذلك الجهل يختلف إن كان جهلاً بما هو معلوم من الدين بالضرورة أو ما دون ذلك، وهل يفرق في ذلك بين أصول وفروع؟
كل هذه المسائل سنشير إليها في هذا المبحث - من خلال الأدلة وكلام العلماء -، وسنبدأ أولاً: بذكر أدلة العذر بالجهل بشكل عام، ثم نناقش هل هذه الأدلة شاملة لكل جهل، أم لا؟
أدلة العذر بالجهل
1- لعل من أشهر الأدلة وأصرحها في هذه المسألة حديث الرجل من بني إسرائيل الذي أمر أهله بإحراقه، و إليك نصه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك، فغفر له"(422)(1/166)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على هذا الحديث: (فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك، وكل واحد من إنكار قدرة الله تعالى، وإنكار معاد الأبدان و إن تفرقت كفر، لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلاً بذلك، ضالاً في هذا الظن مخطئاً، فغفر الله له ذلك، والحديث صريح في أن الرجل طمع أن لا يعيده إذا فعل ذلك، وأدنى هذا أن يكون شاكاً في المعاد، وذلك كفر إذا قامت حجة النبوة على منكره حكم بكفره ....)(423)، وقال في موضع آخر: (فهذا الرجل كان قد وقع له الشك، والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم بعدما أحرق وذري، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك، وهذان أصلان عظيمان:
"أحدهما" متعلق بالله تعالى، وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير.
"والثاني": متعلق باليوم الآخر، وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله، ومع هذا فلما كان مؤمناً بالله في الجملة، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملاً صالحاً - وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه - غفر الله له بما كان فيه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح) (424)، وقال الإمام الخطابي رحمه الله: (قد يستشكل هذا فيقال: كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟ والجواب أنه لم ينكر البعث وإنما جهل فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب، وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله) (425)، و أيضاً فإنه قال: ليعذبني وهذا اعتراف منه بالعذاب في اليوم الآخر.(1/167)
وقال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله-: (... و أما جهل هذا الرجل المذكور في هذا الحديث بصفة من صفات الله في علمه وقدرته، فليس ذلك بمخرجه من الإيمان ....) ثم استدل على ذلك بسؤال الصحابة - رضي الله عنهم - عن القدر ثم قال: (ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم جاهلون به، وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك كافرين، .... ولم يضرهم جهلهم به قبل أن يعلموه) (426).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في معرض حديثه عن حكم من جحد فرضاً من فرائض الإسلام: (.... و أما من جحد ذلك جهلاً، أو تأويلاً يعذر فيه صاحبه: فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه، وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله له، ورحمه لجهله، إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه ولم يجحد قدرة الله على إعادته عناداً أو تكذيباً) (427).
وقال الإمام ابن حزم رحمه الله بعدما ذكر الحديث: (.... فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه، وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله) (428).
وقال ابن الوزير رحمه الله في تعليقه على الحديث: (.... وإنما أدركته الرحمة لجهله وإيمانه بالله والمعاد ولذلك خاف العقاب، و أما جهله بقدرة الله تعالى على ما ظنه محالاً فلا يكون كفراً إلا لو علم أن الأنبياء جاءوا بذلك و أنه ممكن مقدور ثم كذبهم أو أحداً منهم لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}(429)وهذا أرجى حديث لأهل الخطأ في التأويل) (430).
إذاً يمكن أن نستخلص من كلام الأئمة أمرين مهمين:
الأول: أن عمل هذا الرجل هو كفر لأن فيه إنكاراً لقدرة الله تعالى على إعادته بعدما يحرق، ولكنه عذر بسبب جهله الذي قاده إلى هذا الظن الفاسد.(1/168)
الثاني: أن هذا الرجل معه أصل الإيمان وهذا واضح في الحديث، وهكذا فهم الأئمة، انظر إلى قول شيخ الإسلام في النص السابق: (.... فلما كان مؤمناً بالله في الجملة، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل صالحاً - وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه - غفر الله له بما كان فيه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح)، وقول الخطابي: (.... وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله)، وقول ابن حزم: (... وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله) (431).
تأويلات أخرى للحديث:
ذكر بعض العلماء بعض التأويلات لهذا الحديث تخالف ما سبق وسنشير إلى تأويلين فقط من هذه التأويلات، للضعف الشديد في التأويلات الأخرى(432).(1/169)
الأول: أن قوله لئن قدر الله عليّ، أي قضاه، يقال منه قدر بالتخفيف، وقدر بالتشديد بمعنى واحد، أو قدر بمعنى ضيق علي من مثل قوله تعالى: {فقدر عليه رزقه}(433)وقوله تعالى: {فظن أن لن نقدر عليه}(434)علي أحد الأقوال في تفسيرها، لكن المتأمل لسياق الحديث يتبين له ضعف هذا القول، فكيف يقال لئن قدر الله علي العذاب ليعذبني أو لئن ضيق علي ليعذبني، فهذا لا معنى له، وكذلك لو كان المعنى مما سبق فما فائدة أمره لأهله بإحراقه ثم ذره. قال شيخ الإسلام: (ومن تأول قوله: لئن قدر الله علي بمعنى قضي، أو بمعنى ضيق فقد أبعد النجعة، وحرف الكلم عن مواضعه، فإنه إنما أمر بتحريقه وتفريقه لئلا يجمع ويعاد، وقال: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً، فذكر هذه الجملة الثانية بحرف الفاء عقيب الأولى يدل على أنه سبب لها، و أنه فعل ذلك لئلا يقدر الله عليه إذا فعل ذلك، فلو كان مفراً بقدرة الله عليه إذا فعل ذلك كقدرته عليه إذا لم يفعل لم يكن في ذلك فائدة له، و لأن التقدير والتضييق موافقان للتعذيب، وهو قد جعل تفريقه مغايراً، لأن يقدر الرب.
قال: فو الله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين، فلا يكون الشرط هو الجزاء) (435).
وقال ابن حزم: (... وقد قال بعض من يحرف الكلم عن مواضعه أن معنى لئن قدر الله عليّ إنما هو لئن ضيق الله علي كما قال تعالى: { و أما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه}(436)وهذا تأويل باطل لا يمكن لأنه كان يكون معناه حينئذ لئن ضيق الله علي ليضيق علي، و أيضاً فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق ويذر رماده معنى ولا شك في أنه إنما أمر بذلك ليفلت من عذاب الله) (437).(1/170)
التأويل الثاني: أنه قال ذلك في حال دهشته ولم يقله قاصداً لحقيقة المعنى وهذا القول رجحه ابن حجر - حيث قال في الفتح: (... وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلب الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول، ولم يقله قاصداً لحقيقة معناه، بل في حالة كان فيها كالغافل، والذاهل والناسي الذي لا يؤخذ بما يصدر منه) (438)، وهذا التفسير فيه ضعف ظاهر من وجهين:
الأول: أنه لو كان غير مدرك ولا عاقل لما يقول لفهم أولاده ذلك ولما نفذوا هذه الوصية.
الثاني: أن هذا الحديث يذكر لبيان سعة رحمة الله عز وجل حيث غفر لهذا الرجل رغم هذا الجهل الكبير، فلو كانت المغفرة لرجل أخطأ في كلام قاله دون شعور منه ولا إدراك لما يقول لما كان للمغفرة في هذه الحالة مزية، ولصار في حكم من سقط عنه التكليف، وحينئذ لا يعتبر قد ارتكب خطأ، ولذلك من فقه الإمام الزهري أنه لما روى هذا الحديث الذي تتبين فيه سعة رحمة الله وفضله، روى بعده حديث المرأة التي دخلت النار لهرة حبستها (حديث من أحاديث الخوف والوعيد) ثم قال: (ذلك لئلا يتكل رجل، ولا ييأس رجل) (439).(1/171)
2- ومن الأدلة أيضاً حديث حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب(440). حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسري على كتاب الله عز وجل في ليلة، فلا يبقي في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس، الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله فنحن نقولها" فقال له صلة(441): ما تغنى عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة ثم ردها عليه ثلاثاً كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلة تنجيهم من النار ثلاثاً) (442)هذا الحديث و إن كان يتحدث عن حال الناس في آخر الزمان، حيث لا يدري ما صلاة ولا صيام، فإن فيه دليلاً على العذر بالجهل حيث ينطبق الحديث على بعض الأمكنة أو الأزمنة حيث ينتشر الجهل ويضعف نور النبوة، فتخفى على بعض الناس كثير من الأحكام الظاهرة المتواترة كوجوب الصلاة والصوم، ولكن لابد من الإقرار الذي عليه مدار النجاة، لأنه بدون الإقرار لا يكونون مسلمين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيراً مما بعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم و الإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول، ولهذا جاء في الحديث: "يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا زكاة" ثم ذكر بقية الحديث(443).
إذاً أمثال هؤلاء عذروا بجهلهم لأن الحجة لم تقم عليهم.(1/172)
3- ومن ذلك حديث أبي واقد الليثي*- رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى حنين ونحن حديثو عهد بكفر - وكانوا أسلموا يوم الفتح- قال: فمررنا بشجرة قلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كمالهم ذات أنواط(444)وكان للكفار سدرة يعفكون حولها ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط فلما قلنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون}(445)لتركبن سنن من كان قبلكم"(446)واضح من هذه الحادثة أن الذي طلبه الصحابة هو شرك(447)، ولذلك شبهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بطلب بني إسرائيل لموسى أن يجعل لهم إلهاً بل وأقسم على أنه مثله، ولكنهم لم يكفروا بطلبهم لأنهم حدثاء عهد بكفر(448)، قال الإمام ابن القيم رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث: (فإذا كان اتخاذ هذه الشجرة لتعليق الأسلحة والعكوف حولها اتخاذ إله مع الله تعالى، مع أنهم لا يعبدونها ولا يسألونها، فما الظن بالعكوف حول القبر، والدعاء به، ودعائه، والدعاء عنده ...؟ قال بعض أهل العلم من أصحاب مالك(449): (فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس، ويعظمونها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها، ويضربون بها المسامير والخرق، فهي ذات أنواط فاقطعوها) (450)، وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (... وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم- لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا، وهذا هو المطلوب، ولكن القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك وهو لا يدري عنها فتفيد لزوم التعلم والتحرز... وتفيد أيضاً أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم-) (451)وقال الشيخ(1/173)
عبد الرحمن بن حسن: (... وفيها (أي الحادثة): أن الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء، ولهذا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم- طلبهم كطلب بني إسرائيل، ولم يلتفت إلى كونهم سموها ذات أنواط، فالمشرك مشرك، و إن سمي شركه ما سماه، كمن يسمي دعاء الأموات والذبح والنذر لهم ونحو ذلك تعظيماً ومحبة، فإن ذلك هو الشرك، و إن سماه ما سماه، وقس على ذلك(452).
وأخيراً مما ينبغي التنبيه إليه الإشارة إلى أن طلب الصحابة رضي الله عنهم- كما يظهر- ليس فيه ما يدل على أنهم أرادوا عبادة هذه الشجرة من دون الله ولكن لحداثة عهدهم بالإسلام ظنوا أن اتخاذ شجرة ليتبركوا بها ويعلقوا عليها أسلحته-م لا ينافي التوحيد، (فبين لهم أن ما طلبوا من التبرك ولو لم يكن صلاة ولا صياماً ولا صدقة هو الشرك بعينه) (453)، قال الإمام الشوكاني رحمه الله: (ولم يكن من قصدهم أن يعبدوا تلك الشجرة أو يطلبوا منها ما يطلبه القبوريون من أهل القبور فأخبرهم - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك بمنزلة الشرك الصريح و أنه بمنزلة طلب آلهة غير الله تعالى) (454).
4- ومن الأحاديث أيضاً ما رواه عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " ما هذا يا معاذ؟" قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(455).(1/174)
قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - في تعليقه على هذا الحديث: (وفي هذا الحديث دليل على أن من سجد جاهلاً لغير الله لم يكفر) (456)لكن ينبغي أن نعلم أنه لا يلزم من السجود للشخص عبادته، بل يحتمل العبادة، ويحتمل غيرها من التحية والاحترام كما في الحديث المذكور(457)، بخلاف السجود للصنم فإنه شرك في العبادة(458)، فعموم الآيات السابقة إضافة إلى الأحاديث المذكورة تقرر مسألة العذر بالجهل، وهذا أمر مجمع عليه، وإنما خالف بعض العلماء وبعض الباحثين بقولهم: إن مسائل أصول الدين وخاصة التوحيد والشرك لا يعذر فيها بالجهل، وسنذكر أبرز أدلتهم ثم رد العلماء عليهم ممن يرى أن الأدلة عامة لأصول الدين وغيرها.
لكن قبل ذكر أدلة الفريقين والمناقشة يحسن بنا أن نذكر - بشيء من الاختصار - بعض المسائل المهمة المتعلقة بهذه القضية، لأنه باتضاحها، يمكن بناء تصور صحيح عن هذه القضية، ويمكن - أيضاً- إدراك كثير من أسباب اللبس في فهمها والله أعلم.
المسألة الأولى: مجرد النطق بالشهادتين كاف في الحكم بإسلام الشخص:
بوب الإمام ابن منده في كتابه الإيمان(459) (ذكر ما يدل على أن قول لا إله إلا الله يوجب اسم الإسلام ويحرم مال قائلها ودمه، وذكر فيه حديث المقداد رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله أرأيت إن اختلفت أنا ورجل من المشركين ضربتين فقطع يدي، فلما هويت إليه لأضربه قال: لا إله إلا الله، أأقتله؟ أم أدعه؟ قال: "بل دعه"(460)(1/175)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: (وقد علم بالاضطرار من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم - واتفقت عليه الأمة، أن أصل الإسلام، وأول ما يؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فبذلك يصير الكافر مسلماً والعدو ولياً، والمباح دمه وماله: معصوم الدم والمال ...)(461)ويقول الإمام ابن الصلاح -رحمه الله- (...وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين ...)(462)وقال الإمام ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -: (ومن المعلوم بالضرورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلماً) (463)ويقول - أيضاً-: (من أقر صار مسلماً حكماً) (464)
ويقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله-(...وفي حديث ابن عباس من الفوائد [حديث بعث معاذ إلى اليمن]. الاقتصار في الحكم بإسلام الكافر إذا أقر بالشهادتين) (465).
وقال أيضاً: (...أما بالنظر إلى ما عندنا -[أي في الدنيا] - فالإيمان هو الإقرار فقط، فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم(466).
هذه النصوص عن الأئمة واضحة في تقرير هذا الأصل، وأهمية تقرير هذا الأصل هنا تكمن في أن بعض الباحثين يخلطون بين الحكم الدنيوي والأخروي، فيظنون أنه يلزم من الحكم بإسلام الشخص، الحكم له بالنجاة في الآخرة، أو يظنون أن الشروط التي ذكرها العلماء لكلمة التوحيد من العلم والاخلاص واليقين..الخ، لا يحكم بإسلام الشخص إلا بعد فهم هذه الشروط، ولكن الحقيقة أن مجرد النطق بكلمة التوحيد لا ينجي العبد عند الله إلا بالإتيان بشروطها.(1/176)
أما بالنسبة للحكم الدنيوي فمجرد النطق كاف في الحكم بإسلام المرء حتى يتبين لنا ما يناقض ذلك- بعد قيام الحجة وبذلك ندرك الخطأ الذي وقع فيه من يرى أن من يقعون في شئ من الشرك من نذر وذبح لغير الله وطواف على القبور ممن شهد بشهادة التوحيد كفار أصليون باعتبارهم لم يفهموا التوحيد(467)
المسألة الثانية:خطأ التقسيم إلى أصول لا يعذر بالجهل بها، وفروع يعذر الجاهل بها:
كثيراً ما يقال: هذه من مسائل العقيدة التي لا يعذر من يجهلها، أو من مسائل الأصول، أو هذه مسألة قطعية لا عذر فيها ونحو ذلك، وهذا التعبير غير دقيق وغير منضبط فمن قال: هذه من مسائل الأصول التي لا يعذر جاهلها، يقال له:ماذا تقصد بمسائل الأصول؟فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل العقيدة، ومسائل الفروع هي مسائل العمل، يقال له: هناك من مسائل العمل كوجوب الصلاة والزكاة وتحريم الفواحش..الخ، ما هو أعظم من كثير من مسائل الاعتقاد وأقوى وأوضح دليلاً ولا يعذر من يجهلها في دار الإسلام وهناك من مسائل الاعتقاد، اختلف السلف فيها ولم يورث اختلافهم تضليلاً ولا تبديعاً ولا تفسيقاً، كمسألة: هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والعذاب في القبر على الروح وإلا على الروح والبدن،وهل إبليس من الجن أو الملائكة...الخ...
وإن قال: الأصول هي المسائل القطعية (أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة) والفروع ليست قطعية، فيقال له:كون المسألة قطعية أو ظنية أمر نسبي إضافي، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (فكون الشيء معلوماً من الدين ضرورة أمر إضافي، فحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة قد لا يعلم هذا بالكلية، فضلاً عن كونه يعلمه بالضرورة، وكثير من العلماء يعلم بالضرورة أن النبي-صلى الله عليه وسلم -سجد للسهو، وقضى بالدية على العاقلة، وقضى أن الولد للفراش، وغير ذلك مما يعلمه الخاصة بالضرورة، وأكثر الناس لا يعلمه البتة) (468)(1/177)
ولكن مما ينبغي التنبيه إليه، أن هناك أموراً تعلم من الدين بالضرورة بلا خلاف(469)، وأموراً لا تعلم من الدين بالضرورة بلا خلاف، ويبقى بينهما أمور ومسائل تختلف حولها الأنظار والأفهام، ولذلك يمكن أن نقول: إن هذا التعبير غير دقيق لأننا لا نستطيع أن نضع حداً منضبطاً لا يختلف حوله والله أعلم.
المسألة الثالثة: في حال حكاية مذاهب العلماء في هذه المسألة أو في غيرها، يجب التفريق بين النصوص المطلقة والمقيدة:
فمثلاً يستدل البعض بقول عالم من العلماء:
إن من نذر أو استغاث بغير الله فهو كافر مشرك حلال الدم والمال ...الخ، فيقول هذا المستدل إن مذهب هذا العلم عدم العذر بالجهل في مسائل العقيدة أو التوحيد سواء في دار الإسلام أو غيرها، والدليل أنه قال كافر، مشرك ولم يقل ما لم تقم عليه الحجة أو نحو ذلك، وقد يرد على هذا الاستدلال، بأن هذا النص عام، وليس فيه تعيين شخص معين، فعند التعيين لابد من قيام الحجة، والعالم لم ينف ذلك، والصحيح في مثل هذه النصوص: أنه لا يجوز نسبة قول أو رأي لعالم في مسألة ما إلا بجمع النصوص المختلفة عنه في هذه المسألة أو تلك، ثم بعد ذلك استخلاص رأيه.
كما أنه لا يلزم أن يقال في كل نص من النصوص العامة: ما لم تقم عليه الحجة، لأن العلماء في كثير من الأحيان لا يذكرون الأعذار، فهم حين يقولون من فعل كذا فقد كفر، لا يقولون إلا إن كان متأولاً أو جاهلاً أو مكرهاً..الخ، ولعل هذا يشبه قولهم: إن الزاني والسارق وشارب الخمر لا يكفرون، لا يلزم أن يقال في كل نص إلا إن كان مستحلاً والله أعلم.
المسألة الرابعة: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص:(1/178)
فالمسألة نسبية فقد تقوم الحجة على أهل هذا البلد لانتشار العلم والعلماء،ولا تقوم على بلد آخر لضعف من يدعو ويبلغ، وقد تقوم الحجة على هذا الشخص لعلمه وفهمه، ولا تقوم على آخر لعدم تمكنه من العلم لأنه حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة ونحو ذلك.
يقول شيخ الإسلام-رحمه الله- وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيراً مما يبعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام، فأنكر شيئاً من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول) (470)،وقال أيضاً:...ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه،أو لم يعلم أن الخمر يحرم لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا وتحريم هذا. بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبوية (471)، وقد فصل في هذا المعنى، وزاده إيضاحاً الإمام الخطابي حيث قال: ...وهل إذا أنكرت طائفة من المسلمين في زماننا فرض الزكاة، وامتنعوا عن أدائها يكون حكمهم حكم أهل البغي؟(472).
قلنا: لا، فإن من أنكر فرض الزكاة في هذا الأزمان كان كافراً بإجماع المسلمين والفرق بين هؤلاء وأؤلئك أنهم إنما عذروا لأسباب وأمور لا يحدث مثلها في هذا الزمان، منها قرب العهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنسخ، ومنها أن القوم كانوا جهالاً بأمور الدين وكان عهدهم بالإسلام قريباً فدخلتهم الشبهة فعذروا، فأما اليوم وقد شاع دين الإسلام، واستفاض في المسلمين علم(1/179)
وجوب الزكاة حتى عرفها الخاص والعام واشترك فيه العالم والجاهل، فلا يعذر أحد بتأول يتأوله في إنكارها، وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين إذا كان علمه منتشراً كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنا والخمر ونكاح ذوات المحارم ونحوها من الأحكام إلا أن يكون رجلاً حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده فإنه إذا أنكر شيئاً منها جهلاً به لم يكفر وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه، فأما ما كان الإجماع فيه معلوماً من طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها و أن القاتل عمداً لا يرث، و أن للجدة السدس وما أشبه ذلك من الأحكام فإن من أنكرها لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة) (473)
ومثال ذلك ما قاله الإمام ابن قدامة - رحمه الله - في حكم من جحد وجوب الصلاة: (ولا خلاف بين أهل العلم في كفر من تركها جاحداً لوجوبها إذا كان ممن لا يجهل مثله ذلك، فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام والناشيء بغير دار الإسلام أو بادية بعيدة عن الأمصار و أهل العلم، لم يحكم بكفره، وعرف ذلك وتثبت له أدلة وجوبها فإن جحدها بعد ذلك كفر، و أما الجاحد لها ناشئا في الأمصار بين أهل العلم فإنه يكفر بمجرد جحدها، وكذلك الحكم في مباني الإسلام كلها وهي الزكاة والصيام، والحج لأنها مبادئ الإسلام وأدلة وجوبها لا تكاد تخفى إذ كان الكتاب والسنة مشحونين بأدلتها و الإجماع منعقد عليها، فلا يجحدها إلا معاند للإسلام يمتنع من التزام الأحكام غير قابل لكتاب الله تعالى ولا سنة رسوله ولا إجماع أمته، إلى أن يقول: وكذلك كل جاهل بشيء يمكن أن يجهله لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك وتزول الشبهة ويستحله بعد ذلك) (474)
ويمكن أن نستخلص من أقوال الأئمة السابقة ما يلي:
أ- اتفاق الأئمة على أن حديث العهد بالإسلام أو من نشأ ببادية بعيدة يعذر بجهل.(1/180)
الأحكام الظاهرة المتواترة كوجوب الصلاة والزكاة وتحريم شرب الخمر.. الخ.
ب- أن من أنكر هذه الأمور في دار إسلام وعلم ولم يكن حديث عهد بإسلام أنه يكفر بمجرد ذلك، وبذلك ندرك خطأ من يظن أن الجاهل لا يكفر مطلقاً.
ج- أن هناك أحكاماً ظاهرة متواترة مجمع عليها ومسائل خفية غير ظاهرة ولكنها لا تعرف إلا من طريق الخاصة من أهل العلم. فهذه من أنكرها من العامة لا يكفر، ولكن من أنكرها من الخاصة يكفر(475)إذا كان مثله لا يجهلها.
د- أيضاً يمكن أن يقاس على حديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة، من ينشأ في بلاد يكثر فيها الشرك والانحراف وتضعف بينهم دعوة التوحيد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - بعدما ذكر بعض أنواع الشرك: (... و إن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله ولكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم- مما يخالفه) (476).
وقول الإمام المجدد: (... و إذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم..) (477)
وقول الإمام عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب عن بعض من يعمل الشرك إنه لا يكفر (لعدم من يناضل في هذه المسألة في وقته بلسانه، وسيفه وسنانه، فلم تقم عليه الحجة ولا وضحت له المحجة....)(478)
إذاً الحجة تختلف من بلد إلى آخر ومن زمن إلى آخر، وكذلك تختلف الأنظار والاجتهادات بالنسبة لقيام الحجة على الأشخاص، فقد يرى شخص أن الحجة قائمة على فلان أو على أهل البلد الفلاني، لانتشار العلماء والدعاة وطلبة العلم والكتب والأشرطة والمذياع وما يشبه ذلك، وقد يرى آخر أنه رغم انتشار الدعاة وطلبة العلم إلا أنهم لا يعتنون بمسائل التوحيد والشرك، أو أنهم أنفسهم مصابون بهذا الداء، فمن أين يعرف أهل بلدهم حقيقة التوحيد؟(1/181)
وأعظم ما يؤدي إلى هذا الاختلاف واللبس أمران أحدهما: التقصير في الدعوة إلى الله وإقامة الحجة على الجهال والبدء بالأهم فالمهم، والثاني: عدم وجود السلطة التي تقيم الحجة وتستيب من يصر، والتي بها يتضح للناس من قامت عليه الحجة ومن لم تقم، ولعل هذا من أبرز أسباب كثرة الكلام حول هذه المسألة بين المتأخرين والله أعلم.
المسألة الخامسة: كيفية قيام الحجة على المعين:
أكد العلماء على ضرورة بلوغ الحجة للمعين، وثبوتها عنده وتمكنه من معرفتها، وكل ذلك لا يتم إلا بوجود من يحسن إقامة الحجة.
يقول شيخ الإسلام في ذلك: (... وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها: قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان...)(479)ويقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - (... و أما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفي الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل) (480).. ويقول أيضاً: (.... فإن حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسل،
وإنزال الكتب، وبلوغ ذلك إليه، وتمكنه من العلم به، سواء علم أو جهل، فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه، فقصر عنه ولم يعرفه، فقد قامت عليه الحجة، والله سبحانه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه) (481).
ويقول الإمام ابن حزم - رحمه الله -: (وكل ما قلناه فيه أنه يفسق فاعله أو يكفر بعد قيام الحجة، فهو ما لم تقم الحجة عليه، معذور مأجور و إن كان مخطئا، وصفة قيام الحجة عليه أن تبلغه فلا يكون عنده شيء يقاومها وبالله التوفيق) (482).(1/182)
وحكى الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن*عن الإمام المجدد أنه (قرر أن من قامت عليه الحجة، وتأهل لمعرفتها، يكفر بعبادة القبور...)(483)ويقول العلامة سليمان بن سحمان**كلاماً متيناً مهما حول من يقيم الحجة: (الذي يظهر لي والله أعلم أنها لا تقوم الحجة إلا بمن يحسن إقامتها، و أما من لا يحسن إقامتها كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه ولا ما ذكره العلماء في ذلك، فإنه لا تقوم به الحجة) (484).
إذاً خلاصة ما سبق أن يقال، لابد من قيام حجة صحيحة تنفي عمن تقام عليه أي شبهة أو تأويل، وبذلك ندرك عظم المسئولية الملقاة على عاتق العلماء والدعاة ممن يحسن إقامة الحجة، ليقيموا الحجة على الخلق ويزيلوا الشبه عنهم.
أدلة من لا يعذرون الجاهل في
أصول الدين وخاصة مسائل الشرك(1/183)
1- قال تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون}(485) استدل بعض الباحثين المعاصرين(486)بهذه الآية على عدم عذر من يقع في الشرك جهلاً، (لأن الله خلقهم على التوحيد، وليس مجرد كون آبائهم على الشرك سبباً كافياً في شركهم هم، لوجود ما يدفع ذلك الشرك عندهم وهو التوحيد المستقر في فطرهم فحين يشركون فإنما يفعلون ذلك بإرادتهم ولذلك فلا عذر لهم في المخالفة بالشرك، وهذا يعني أن الإشهاد على التوحيد ليس لمجرد إقامة الحجة بل هو أيضاً مناط للتكليف ومخالفته تقتضي التعذيب ولو لم يكن بلاغ عن طريق الرسل) (487)، وأيدوا كلامهم بما ثبت في الحديث المتفق عليه عن أنس رضي الله عنه وفيه: (يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من هذا و أنت في صلب آدم: ألا تشرك فأبيت إلا الشرك"(488) قال القاضي عياض: (... يشير بذلك إلى قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم.... الآية } فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن، ومن لم يوف به فهو الكافر، فمراد الحديث أردت منك حين أخذت الميثاق فأبيت إذا أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك) (489).(1/184)
ونقلوا أقوال بعض المفسرين حول هذه الآية مثل قول الإمام الطبري: (يقول تعالى ذكره: شهدنا عليكم، أيها المقرون بأن الله ربكم، كيلا تقولوا يوم القيامة: "إنا كنا عن هذا غافلين" إنا كنا لا نعلم ذلك، وكنا في غفلة منه، " أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم" اتبعنا مناهجهم "أفتهلكنا، بإشراك من أشرك من آبائنا، واتباعنا مناهجهم على جهل منا بالحق؟) (490)وقول الإمام البغوي: (يقول إنما أخذ الميثاق عليكم لئلا تقولوا أيها المشركون إنما أشرك آباؤنا من قبل ونقضوا العهد وكنا ذرية من بعدهم، أي كنا أتباعاً لهم فافتدينا بهم، فتجعلوا هذا عذراً لأنفسكم وتقولوا: (أفتهلكنا بما فعل المبطلون "أفتعذبنا بجناية آبائنا المبطلين؟ فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكلام بعد تذكير الله تعالى بأخذ الميثاق على التوحيد" وكذلك نفصل الآيات " أي نبين الآيات ليتدبرها العباد" ولعلهم يرجعون" من الكفر إلى التوحيد(491)ونقلوا أيضاً عن الإمام ابن القيم وعن ابن كثير ما يؤيد قولهم. (492)
ونقلوا - أيضاً - عن بعض المعاصرين ما يؤيد قولهم من مثل قول الشيخ رشيد رضا - رحمه الله -: (... والمراد أن الله تعالى لا يقبل منهم الاعتذار بتقليد آبائهم وأجدادهم، كما أنه لم يقبل منهم الاعتذار بالجهل، بعدما أقام عليهم من حجة الفطرة والعقل.
و الآيات تدل على أن من لم تبلغه بعثة رسول لا يعذر يوم القيامة بالشرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش والمنكرات التي تنفر منها الفطرة السليمة، وتدرك ضررها وفسادها العقول المستقلة، وإنما يعذرون بمخالفة هداية الرسل فيما شأنه أن لا يعرف إلا منهم، وهو أكثر العبادات التفصيلية) (493).(1/185)
2- واستدلوا ببعض الأحاديث الدالة على الحكم على المشركين في الجاهلية من أهل الفترة أنهم من أهل النار: ومنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت: يا رسول الله، إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين"(494).
وحديث أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: " في النار"، قال: فلما قفى الرجل دعاه فقال: " إن أبي وأباك في النار"(495).
قالوا: (فيتضح من الأحاديث السابقة أن جهل من مضى قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد، لم يكن عذراً لهم سواء في الحكم عليهم في الدنيا بظاهر أمرهم، أو في حقيقة أمرهم عند الله تعالى، وذلك بإخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم- أنهم في النار) (496).
3- ومن الأحاديث التي استدلوا بها، حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة(497)فقال: " انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً"(498)
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (فيه شاهد لكلام الصحابة: إن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، و أنه لم يعذر بالجهالة) (499).
(فإذا كان الرجل لم يعذر بالجهالة في أمر من أمور الشرك الأصغر فكيف بالشرك الأكبر؟!)(500).(1/186)
4- واستدلوا - أيضاً - بحديث طارق بن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرب له شيئاً، فقالوا لأحدهما: قرب قال ما عندي شيء، قالوا: قرب ولو ذباباً، فقرب ذباباً فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة"(501) قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ*: (وفي هذا الحديث التحذير من الوقوع في الشرك، و أن الإنسان قد يقع
فيه وهو لا يدري أنه من الشرك الذي يوجب النار) (502) (وفيه أن ذلك الرجل كان مسلماً قبل ذلك، و إلا فلو لم يكن مسلماً لم يقل دخل النار في ذباب).
5- واستدلوا ببعض أقوال العلماء لتأييد قولهم، بل حكي بعضهم الإجماع على ذلك. حيث قال صاحب الجواب المفيد: (أصل الدين هو معرفة الله عز وجل وعبادته وحده لا شريك له، وهذا لا عذر فيه بالجهل، سواء وجدت مظنة العلم - كدار الإسلام - أم لم توجد - كدار الحرب - وسواء ثبتت إقامة الحجة أم لم تثبت، ويجب اعتبار الجاهل فيه كافراً في ظاهر الأمر وهذا القدر متفق عليه بين الأئمة) (503).
وسأذكر أبرز ما وقفت عليه من نصوص عن العلماء تدل على ذلك:(1/187)
أ- فهمنا ما نقلوه عن الإمام القرافي حيث قال: (... النوع الثاني (من أنواع الجهل): جهل لم يتسامح صاحب الشرع عنه في الشريعة فلم يعف عن مرتكبه، وضابطه أن كل ما لا يتعذر الاحتراز عنه ولا يشق لم يعف عنه، وهذا النوع يطرد في أصول الدين، و أصول الفقه وفي بعض أنواع من الفروع، أما أصول الدين فلأن صاحب الشرع لما شدد في جميع الاعتقادات تشديداً عظيما، بحيث إن الإنسان لو بذل جهده واستفرغ وسعه في رفع الجهل عنه في صفة من صفات الله، أو في شيء يجب اعتقاده من أصول الديانات، ولم يرتفع ذلك الجهل، لكان بترك ذلك الاعتقاد آثماً كافراً يخلد في النيران على المشهور من المذاهب) (504).
ب- ومن النصوص المنقولة عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله: (فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح، كمثل علي رضي الله عنه أو عدي ونحوه، أو فيمن يعتقد فيه الصلاح كالحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر، أو يونس الفتي ونحوهم، وجعل فيه نوعاً من الآلهة مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده أو يقول إذا ذبح شاه: باسم سيدي، أو يعبده بالسجود له أو لغيره، أو يدعوه من دون الله تعالى مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب و إلا قتل) (505).(1/188)
وردوا على من يحكي عن شيخ الإسلام عذره بالجهل في أصول الدين إذا لم تقم عليه الحجة، ردوا على ذلك بقول شهير عن شيخ الإسلام قال فيه: (... وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال: إنه فيها مخطيء ضال، لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين المسلمين، بل اليهود والنصارى يعلمون: أن محمداً - صلى الله عليه وسلم- بعث بها، وكفر مخالفها، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سوى الله من الملائكة والنبيين والشمس والقمر والكواكب والأصنام وغير ذلك، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل أمره بالصلوات الخمس، وإيجابه لها وتعظيم شأنها، ومثل معاداته لليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك...)(506).
ج- ونقلوا عن الإمام ابن القيم رحمه الله، قوله: (و الإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، و الإيمان بالله وبرسوله، واتباعه فيما جاء به، فلما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، و إن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل. فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً، فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عناداً أو جهلاً وتقليداً لأهل العناد) (507).(1/189)
د- ما نقل عن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - حيث (.. قال: وأفادك أيضاً الخوف العظيم، فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل...)(508)وقوله - رحمه الله -: (... إذا عرفت هذا عرفت لا إله إلا الله، وعرفت أن من دعا نبياً أو ملكاً أو ندبه أو استغاث به فقد خرج من الإسلام، وهذا هو الكفر الذي قاتلهم عليه رسول - صلى الله عليه وسلم- (509)والقول المنقول عنه سابقاً في تعليقه على حديث عمران بن الحصين، حيث قال: (... فيه شاهد لكلام الصحابة أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر.. الثالثة أنه لم يعذر بالجهالة) (510).
ومما نقل عنه أيضاً قوله: (... فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرف، أما أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن: فمن بلغه فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وفهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا}(511))(512).
ه-- وقال الصنعاني- رحمه الله - في تأييد هذا الرأي: (... فإن قلت: أفيصير هؤلاء الذين يعتقدون في القبور والأولياء والفسقة، والخلعاء مشركين، كالذين يعتقدون في الأصنام؟ قلت: نعم، قد حصل منهم ما حصل من أولئك وساووهم في ذلك، بل زادوا في الاعتقاد والانقياد والاستعباد فلا فرق بينهم.. فإن قلت: هم جاهلون أنهم مشركون بما يفعلونه، قلت: قد صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة: أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر، و إن لم يقصد معناها، وهذا دال على أنهم لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولا ماهية التوحيد، فصاروا حينئذ كفاراً كفراً أصليا...)(513).(1/190)
و- واشتهر عن الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبي بطين*قوله بعدم العذر بالجهل في مسائل الشرك، وألف في ذلك رسالة معروفة ومما قال فيها: (وقولك 514إن الشيخ تقي الدين وابن القيم يقولان: إن من فعل هذه الأشياء لا يطلق عليه أنه كافر حتى تقوم عليه الحجة الإسلامية من إمام أو نائبه فيصر و أنه يقال هذا الفعل كفر وربما عذر فاعله لاجتهاد أو تقليد أو غير ذلك: فهذه الجملة التي حكيت عنهما لا أصل لها في كلامهما..) (515) إلى أن يقول: (وقولك أن الشيخ يقول: إن من فعل شيئاً من هذه الأمور الشركية، لا يطلق عليه أنه كافر مشرك حتى تقوم عليه الحجة الإسلامية، فهو لم يقل ذلك في الشرك الأكبر، وعبادة غير الله ونحوه من الكفر، و إنما قال في المقالات الخفية كما قدمنا من قوله، وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد قال: لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، فلم يجزم بعدم كفره، و إنما قد يقال) (516).
وقال في رسالة "الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين" (واحتج بعض من يجادل عن المشركين بقصة الذي أوصى أهله أن يحرقوه بعد موته على أن من ارتكب الكفر جاهلاً لا يكفر، ولا يكفر إلا المعاند. والجواب عن ذلك كله أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وأعظم ما أرسلوا به ودعوا إليه عبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن الشرك الذي هو عبادة غيره، فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذوراً لجهله فمن هو الذي لا يعذر؟ ولازم هذه الدعوى أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند...)(517)فهذه أهم وأوضح النقولات عن الأئمة في مسألة عدم العذر بالجهل في أصول الدين وخاصة الشرك.
ورد على هذه الأدلة من يرى أن أدلة العذر بالجهل شاملة فقالوا:(1/191)
1- بالنسبة للآية المذكورة فلا نختلف معكم حول أخذ الميثاق(518ولا على تذكير الله - عز وجل - لهم به يوم القيامة، و إنما الخلاف بيننا حول جعل هذا الميثاق حجة مستقلة على من يقع في الشرك جهلاً، ولو لم تقم عليه الحجة بإرسال الرسل، لأننا نقول: إنه يلزم من هذا القول (أن ما أقام الله لهم من البراهين القطعية كخلق السموات والأرض وما فيهما من غرائب صنع الله، الدالة على أنه الرب المعبود وحده، وما ركز فيهم من الفطرة التي فطرهم عليها، تقوم عليهم به الحجة، ولو لم يأتهم نذير، والآيات القرآنية مصرحة بكثرة، بأن الله تعالى لا يعذب أحداً حتى يقيم عليه الحجة بإنذار الرسل، وهو دليل عدم الاكتفاء بما نصب من الأدلة، وما ركز من الفطرة، فمن ذلك قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}(519)، فإنه قال فيها: حتى نبعث رسولاً ولم يقل حتى نخلق عقولاً، وننصب أدلة، ونركز فطرة. ومن ذلك قوله تعالى: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}(520)، فصرح بأن الذي تقوم به الحجة على الناس، وينقطع به عذرهم: هو إنذار الرسل لا نصب الأدلة والخلق على الفطرة) (521).
أما ما نقلوه عن الأئمة فهو قسمان، قسم عام محتمل لهذا المعنى وغيره فلا يؤخذ منه هذا الاستدلال لعدم وضوح مقصود الأئمة فيه وذلك مثل ما نقلوه عن القاضي عياض وعن الإمام الطبري رحمهم الله، والقسم الآخر ما نقلوه عن الإمام البغوي و الإمام ابن القيم وابن كثير، حيث اختاروا من كلامهم ما يؤيد رأيهم، وأغفلوا ما يعارضه، وهذا لا يليق بالباحث المنصف، لأنهم في هذه الحالة ينسبون لهؤلاء الأئمة من الأقوال ما لم يقولوها، بل قالوا عكسها.(1/192)
فمثلا نقلوا قول الإمام البغوي - كما سبق - وحذفوا أول كلامه حيث قال رحمه الله: (...فإن قيل: كيف يلزم الحجة واحداً لا يذكر الميثاق؟ قيل: قد أوضح الله تعالى الدلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا، فمن أنكره كان معانداً ناقضاً للعهد ولزمته الحجة، وبنسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر صاحب المعجزة.. إلى أن يقول: فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكلام بعد تذكير الله تعالى بأخذ الميثاق على التوحيد...)(522).
فهل يفهم من كلام الإمام البغوي أنه يضع الميثاق السابق حجة مستقلة؟
ومثل ذلك ما نقله صاحب كتاب "الجواب المفيد" عن ابن القيم حيث أوهم ببتر كلامه أنه- أي ابن القيم - يؤيد رأيهم، ولكن بقراءة النص دون تجزئة يتبين أن قوله يخالف ما يدعون. وللنقل كلامه هنا ولنتأمله حيث قال- رحمه الله -: (... ولما كانت هذه آية الأعراف في سورة مكية ذكر فيها الميثاق والإشهاد العام لجميع المكلفين ممن أقر بربوبيته ووحدانيته، وبطلان الشرك وهو ميثاق وإشهاد تقوم به عليهم الحجة وينقطع به العذر وتحل به العقوبة، ويستحق بمخالفته الإهلاك(523)، فلابد أن يكونوا ذاكرين له عارفين به، وذلك فطرهم عليه من الإقرار بربوبيته و أنه ربهم وفاطرهم، وأنهم مخلوقون مربوبون، ثم أرسل إليهم رسله يذكرونهم بما في فطرهم وعقولهم ويعرفونهم حقه عليهم وأمره ونهيه ووعده ووعيده ونظم الآية يدل على هذا من وجوه متعددة (ثم ذكره عشرة أوجه) ومنها، الخامس، أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد إقامة الحجة عليهم لئلا يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، والحجة إنما قامت عليهم بالرسل، والفطرة التي فطروا عليها كما قال تعالى: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}(524).(1/193)
الثامن: قوله تعالى: {أفتهلكنا بما فعل المبطلون} أي لو عذبهم بجحودهم وشركهم لقالوا ذلك وهو سبحانه إنما يهلكهم لمخالفة رسله وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجة عليهم بالرسل لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار.
التاسع: أنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه كقوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون}(525)أي فكيف يصرفون عن التوحيد بعد هذا الإقرار منهم، أن الله ربهم وخالقهم، وهذا كثير في القرآن، فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكرتهم بها رسله، بقوله تعالى: {أفي الله شك فاطر السموات و الأرض} فالله تعالى إنما ذكرهم على ألسنة رسله بهذا الإقرار والمعرفة، ولم يذكرهم قط بإقرار سابق على إيجادهم، و لا أقام به عليهم حجة...)(526)، فالإمام رحمه الله يقرر ويؤكد - كما رأينا - أن الحجة لا تقوم إلا بإرسال الرسل، وهذا واضح لأصحاب الفهوم السليمة.
أما ما نقلوه عن رشيد رضا فالرد عليه من وجهين:
الوجه الأول: أنه يقول: (والآيات تدل على أن من لم تبلغه بعثة رسول لا يعذر يوم القيامة بالشرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش والمنكرات التي تنفر منها الفطرة السليمة، وتدرك ضررها وفسادها العقول المستقلة.. الخ).
فهو لا يقصر عدم العذر على فعل الشرك، بل وحتى الفواحش والمنكرات التي تنفر منها الفطر السليمة، ولو لم يأتهم نذير، وصاحب "الجواب المفيد"(527)يرى العذر في جهل مثل هذه الأمور لمن لم تقم عليه الحجة، فكيف يستدل بهذا القول بعمومه؟ إذاً فقول رشيد رضا هنا مخالف لأجماع أهل السنة، فلم ينقل عن واحد منهم مثل هذا القول، لذلك لا يعتد بقول هذا لشذوذ رأيه.(1/194)
الوجه الثاني: أن هذا القول فيه تأثر بمذهب المعتزلة في التحسين والتقبيح العقليين، حيث يرتبون الثواب والعقاب على ذلك، أما أهل السنة فإنهم و إن قالوا بأن العقل يدرك الحسن والقبح بنفسه إلا أنهم لا يرتبون الثواب والعقاب إلا بما ورد بالشرع. (528)
وخلاصة مما سبق يقال: ليس في هذه الآية ما يدل على أن الميثاق المذكورة حجة مستقلة ولو لم يأتهم نذير، وليس في كلام الأئمة المعتبرين ما يدل صراحة على ذلك والله أعلم.
2- أما الاستدلال الآخر، والخاص بحكم أهل الفترة في الدنيا و الآخرة.
فيقال عنه، إن هذا الاستدلال لا علاقة له بمبحثنا هذا، حيث إن محل النزاع بيننا، حول المسلم الذي يثبت له عقد الإسلام ووقع في شيء من الكفر العملي أو الشرك جاهلاً ذلك.
أما هذه الأحاديث فهي في حكم من مات قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم- وفي حكم من لم تبلغهم الدعوة أصلاً، أي في أناس كفار كفراً أصليا، فلا مجال لقياسها على مسألتنا تلك. (529)
أضف إلى ذلك أن الأئمة وإن حكموا بكفر من لم تبلغهم الدعوة فقد اختلفوا اختلافاً واضحاً حول حكمهم في الآخرة، فلا نسلم للكاتب ما ذكر. (530)
3- أما حديث عمران بن الحصين - رضي الله عنه - وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً في يده حلقة من صفر.. الحديث.
فيجاب عنه بالتالي:
أ - الحديث ضعيف بجملته - كما بينا سابقاً - فلا يحتج به.
ب-كذلك الشاهد من الحديث على مبحثنا هنا هو قوله: "فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً" وهذه اللفظة لم ترد إلا في رواية الإمام أحمد - رحمه الله - وقد علمت ضعف الحديث بشواهده، فكيف بدون الشواهد؟(1/195)
ج- وعلى فرض صحة الحديث، يقال: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم- لم يكفره ابتداءاً، بل أمره بنزع الحلقة لأن ذلك من أعمال الشرك، وقال له: " فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً" أي إن عملت هذا العمل بعد ذلك أي بعد إقامة الحجة عليه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما أفلحت أبداً، إذاً الرسول - صلى الله عليه وسلم- عذره بالجهالة هذا يناقض استدلالكم. (531)
د- أما ما نقل عن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حيث قال: (فيه شاهد لكلام الصحابة: إن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، و أنه لم يعذر بالجهالة)، فهذا القول نترك مناقشته إلى مبحث مستقل حول مذهب الإمام في هذه المسألة.
4- ومن استدلالاتهم حديث" دخل الجنة رجل في ذباب".. الحديث.
فقد ذكرنا سابقاً أن هذا الحديث موقوف على سلمان رضي الله عنه ولا يصح مرفوعاً هذا جانب، وجانب آخر هذا الحديث ليس في مسألة العذر بالجهل، و إنما يدخل في العذر بالإكراه، ولذلك قتلوا من أبى أن يقرب، ومن قرب دخل النار لأن العذر بالإكراه من خصائص هذه الأمة و الله أعلم.
قال الشنقيطي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً}(532، أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن العذر بالإكراه من خصائص هذه الأمة، لأن قوله عن أصحاب الكهف: {إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم} ظاهر في إكراههم وعدم طواعيتهم ومع هذا قال عنهم {ولن تفلحوا إذاً أبداً} فدل على أن الإكراه ليس بعذر، ويشهد لهذا المعنى حديث طارق بن شهاب في الذي دخل النار في ذباب قربه مع الإكراه بالخوف من القتل لأن صاحبه الذي امتنع أن يقرب ولو ذباباً قتلوه.(1/196)
ويشهد له أيضاً دليل الخطاب أي مفهوم المخالفة في قوله - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(533فإنه يفهم من قوله "تجاوز لي عن أمتي" أن غير أمته من الأمم لم يتجاوز لهم عن ذلك، وهذا الحديث و إن أعله الإمام أحمد وابن أبي حاتم فقد تلقاه العلماء قديماً وحديثاً بالقبول، وله شواهد ثابتة في القرآن العظيم والسنة الصحيحة، أما هذه الأمة فقد صرح الله تعالى بعذرهم بالإكراه في قوله: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}(534).
أما ما ذكره من أقوال العلماء حول عدم العذر، فينبغي أن نعلم - قبل مناقشتها - أن الحجة تكون بالكتاب والسنة والإجماع، وليس المرجع في هذه المسائل خاصة إلى قول عالم بعينه مهما علا قدره.
و إليك مناقشة ما نسب إلى بعض العلماء في هذه المسألة:
1- ما نقل عن الإمام القرافي من قوله: (... النوع الثاني (من أنواع الجهل): جهل لم يتسامح صاحب الشرع عنه ...) إلى أن قال: (أما أصول الدين فلأن صاحب الشرع لما شدد في جميع الاعتقادات تشديداً عظيماً، بحيث إن الإنسان لو بذل جهده واستفرغ وسعه في رفع الجهل في صفة من صفات الله ... ولم يرتفع ذلك الجهل، لكان بذلك الاعتقاد آثماً كافراً).
يجاب عن ذلك بأمور:
الأول: مر معنا من حديث الرجل من بني إسرائيل عذر من جهل صفة من صفات الله عز وجل ونحوها.
الثاني: بينا من قبل خطأ هذا التقسيم إلى أصول، وفروع، و الإمام هنا يقصد بالأصول - كما هو واضح - جميع الاعتقادات وبينا أن هناك أصول عملية كثيرة أهم من بعض مسائل العقائد، ولا يجوز جهلها في دار الإسلام.
الثالث: يظهر أن الإمام يتكلم عن حكم من اجتهد فأخطأ، وسيأتي إن شاء الله بحث هذه المسألة.(1/197)
الرابع:نقل عن الإمام ما يخالف ذلك في نفس كتابه المذكور حيث قال: (إن التكليف بالتوحيد وعدم العذر بالجهل فيه من باب تكليف ما لا يطاق) (535)وغير التوحيد من مسائل أصول الدين من باب أولى أن يعذر بها.
2- مذهب شيخ الإسلام في هذه المسألة:
قبل مناقشة النصوص المذكورة عن شيخ الإسلام، نقدم مقدمة حول مذهبه في هذه المسألة فنقول: مر معنا تعليق شيخ الإسلام على حديث الرجل من بني إسرائيل الذي قال لأهله: لئن أنا مت فخذوني ثم ذروني ثم ارموني في البحر.. الحديث، حيث قال - رحمه الله - (فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك، وكل واحد من إنكار قدرة الله تعالى أو إنكار معاد الأبدان و إن تفرقت كفر، لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلاً بذلك، ضالاً في هذا الظن مخطئا، فغفر الله له ذلك، والحديث صريح في أن الرجل طمع أن لا يعيده إذا فعل ذلك، وأدنى هذا أن يكون شاكا في المعاد، وذلك كفر - إذا قامت حجة النبوة على منكره حكم بكفره...)(536).
وكذلك مر معنا قول حول مسألة تكفير المعين: (ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاه الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافراً، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم) (537).(1/198)
وهذه المسائل من أصول الدين التي لا يعذر بالجهل بها - على مذهب من لا يرى العذر بذلك- بل وبين شيخ الإسلام، فساد تقسيم الدين إلى أصول يكفر منكرها، والمخطيء فيها وفروع لا يكفر منكرها ولا المخطيء فيها، وبين أن هذا التقسيم لا أصل له عن السلف لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان، وهو تقسيم متناقض (... فإنه يقال لمن فرق بين النوعين: ما حد مسائل الأصول التي يكفر المخطيء فيها؟ وما الفصل بينهما وبين مسائل الفروع؟ فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد، ومسائل الفروع هي مسائل العمل، قيل له: فتنازع
الناس في محمد - صلى الله عليه وسلم- هل رأى ربه أم لا؟ وفي أن عثمان أفضل من علي، أم علي أفضل؟ وفي كثير من معاني القرآن وتصحيح بعض الأحاديث هي من المسائل الاعتقادية العلمية، ولا كفر فيها بالاتفاق، ووجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتحريم الفواحش والخمر هي مسائل علمية، والمنكر لها يكفر بالاتفاق، و إن قال: الأصول هي المسائل القطعية، قيل له: كثير من مسائل العمل قطعية، وكثير من مسائل العلم ليست قطعية، وكون المسألة قطعية أو ظنية هو من الأمور الإضافية، وقد تكون المسألة عند رجل قطعية لظهور الدليل القاطع له، كمن سمع النص من الرسول - صلى الله عليه وسلم- وتيقن مراده منه، وعند رجل لا تكون ظنيه، فضلا عن أن تكون قطعية لعدم بلوغ النص إياه، أو لعدم ثبوته عنده، أو لعدم تمكنه من العلم بدلالته) (538).(1/199)
وبين أن الاعتبار بالتكفير بقيام الحجة أو عدم قيامها، بصرف النظر عن كون المسألة من العقائد أو الأحكام، أو من الفرائض الظاهرة المتواترة أو غير ذلك، قال رحمه الله: (... و أما الفرائض الأربع فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر، وكذلك من جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها كالفواحش والظلم والكذب والخمر ونحو ذلك، و أما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك، أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر، كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر، وأمثال ذلك.
فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذ، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك، كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون، وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا من التأويل) (539).
وقال أيضاً: (... كما قال السلف: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر، ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم، كمن جحد وجوب الصلاة، والزكاة، واستحل الخمر، والزنا وتأول. فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه، فإذا كان المتأول المخطيء في تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له واستتابته - كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر - ففي غير ذلك أولى وأحرى..) (540)، وقال: (من شك في صفة من صفات الله تعالى، ومثله لا يجهلها فمرتد، و إن كان مثله يجهلها فليس بمرتد) (541).
أما من يقع في الشرك جهلاً فقد قال في حكمه - بعدما تكلم عمن اجتهد فأخطأ قال: (...بخلاف ما لم يشرع جنسه مثل الشرك، فإن هذا لا ثواب فيه، و إن كان الله لا يعاقب صاحبه إلا بعد بلوغ الرسالة، كما قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}(542).(1/200)
لكنه و إن كان لا يعذب فإن هذا لا يثاب ... و إذا نهاهم الرسول عنها فلم ينتهوا عوقبوا، فالعقاب عليها مشروط بتبليغ الرسول، و أما بطلانها في نفسها فلأنها غير مأمور بها...)(543)وقال أيضاً: (... والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، و إما مخطيء ضال، و أما بالمعنى الذي نفاه الرسول - صلى الله عليه وسلم-: فهو أيضاً مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضاً كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها) (544)
فهذا النص صريح في حكم من صرف شيئا من أنواع العبادة كالاستغاثة إلى غير الله أنه لا يكفر إذا لم تقم عليه الحجة، وأصرح منه قوله - رحمه الله -: (فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحداً من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور و إن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم- مما يخالفه) (545).
إذاً من كل ما سبق من النقولات يمكن أن نلخص مذهب شيخ الإسلام في هذه المسألة بما يلي:
إن من وقع في عمل من أعمال الكفر - سواء كان ذلك في العقائد أو الأحكام، وسواء كان في المسائل الظاهرة أو الخفية - بما في ذلك الوقوع في الشرك-(546وكان جاهلاً الحكم، مثل أن يكون حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، فإنه لا يكفر حتى تقام عليه الحجة والله أعلم.
بعد كل ما سبق نأتي لمناقشة النصوص المنقولة عن شيخ الإسلام حول عدم العذر بالجهل في أصول الدين:(1/201)
النص الأول: قوله (فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح ... إلى قوله: مثل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب و إلا قتل) فيقال عن هذا النص: لا شك عندنا بكفر من فعل كل هذه الأمور، لكن هذا الكلام من باب التكفير بالعموم، وحديثنا حول تكفير المعين إذا فعل شيئا مما ذكر، وكان جاهلاً لم يبلغه الحكم، و أيضاً لا يلزم أن يقال في كل نص، من فعل كذا فقد كفر إلا أن يكون جاهلاً كما بينا من قبل.
أما النص الآخر الذي قال فيه: (... وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال إنه فيها مخطيء ضال، لم تقم عليه الحجة التي يكفر منكرها...).
فيجاب عنه بالتالي:(1/202)
لو رجعنا إلى النص في الفتاوى، لوجدنا شيخ الإسلام يتكلم عن طائفة معينة، وهي طائفة أهل الكلام، حيث قال في أول الكلام: (و أيضاً فإنه لا يعرف من أهل الكلام أحد إلا وله في الإسلام مقاله يكفر قائلها عموم المسلمين حتى أصحابه، وفي التعميم ما يغني عن التعيين، فأي الفريقين أحق بالحشو والضلال من هؤلاء؟ وذلك يقتضي وجود الردة فيهم، كما يوجد النفاق فيهم كثيراً، وهذا إذا كان في المقالات الخفية.. إلى أن يقول: (ثم تجد كثيراً من رؤسائهم وقعوا في هذه الأمور، فكانوا مرتدين، و إن كانوا قد يتوبون من ذلك ويعودون إلى الإسلام، فقد حكى عن الجهم بن صفوان: أنه ترك الصلاة أربعين يوماً لا يرى وجوبها... وأبلغ من ذلك: أن منهم من يصنف في دين المشركين والردة عن الإسلام كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب والأصنام، وأقام الأدلة على حسن ذلك ومنفعته ورغب فيه، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين، و إن كان قد يكون تاب منه وعاد إلى الإسلام) (547فهو كما ترى يتكلم عن أهل الكلام، وهؤلاء - كما لا يخفى - ليسوا حديثوا عهد بإسلام، ولا نشأوا ببادية بعيدة، فليسوا ممن يعذر بالجهل في المسائل الظاهرة ومما يؤكد هذا الفهم، قول شيخ الإسلام - رحمه الله -: (لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين المسلمين... مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سوى الله.. ومثل أمره بالصلوات الخمس ... ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك) ومثل هؤلاء (أي المتكلمين) لا يعذرون في جهل مثل هذه الأمور، وغيرهم ممن لم تقم عليهم الحجة يعذرون في مثل هذه الأمور كما مر معنا من كلامه - رحمه الله - وبهذا نعرف أن كلام شيخ الإسلام هنا لا يعارض كلامه المقرر سابقاً، والله أعلم.
3- مذهب الإمام ابن القيم في ذلك:(1/203)
أما ما نقلوه عن الإمام ابن القيم - رحمه الله - فليس له علاقة بموضوع بحثنا. فالإمام ابن القيم يتحدث عن طبقات المكلفين في الدار الآخرة، فبعد ما ذكر طبقات أهل الجنة، أخذ في تعداد طبقات أهل النار، ومنهم (الطبقة السادسة عشر: رؤساء الكفر وأئمته ودعاته.. ثم ذكر الطبقة السابعة عشر: طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم...) إلى أن يقول: (وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار و إن كانوا جهالاً مقلدين لرءوسائهم وأئمتهم.. و الإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، و الإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به، فلما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، و إن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل..) (548).
فالإمام - كما ترى - يتكلم عن طبقات الكفار الأصليين ويبين أن منهم المعاند، ومنهم الجاهل... وكلهم كفار لم يخالف في ذلك إلا بعض أهل البدع(549)، وحديثنا ليس عن هذا، و إنما عن حكم من دخل في الإسلام بالشهادتين، ثم وقع في شيء من أعمال الكفر من الشرك أو غيره جاهلاً الحكم إما لحداثة عهده بالإسلام، أو غير ذلك، وهذا (أي موضوع بحثنا)، قال عنه الإمام ابن القيم وهو يتحدث عن أنواع كفر الجحود: (... والخاص المقيد: أن يجحد فرضاً من فروض الإسلام، أو تحريم محرم من محرماته، أو صفة وصف الله بها نفسه، أو خبراً أخبر الله به، عمداً، أو تقديماً لقول من خالفه عليه لغرض من الأغراض، و أما جحد ذلك جهلاً، أو تأويلاً يعذر فيه صاحبه، فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه..) (550)،
فهذا الإمام ابن القيم كما هو واضح من النص المذكور يرى العذر في إنكار حكم الفرائض واستحلال المحرمات، وأصول العقيدة من الصفات والأخبار ونحوها، فكيف يحكى عنه خلاف ذلك؟
4- مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب في هذه المسألة:(1/204)
اختلفت النقول عن الإمام - رحمه الله - فهناك من ينسب له عدم العذر بالجهل في مسألة الشرك ونحوها، وهناك من ينقل عنه خلاف ذلك، ولأهمية رأي الإمام في هذه المسألة، سنحاول تجلية مذهبه باستقراء ما أمكن جمعه من النصوص المنقولة عنه، وسنبدأ بالنصوص الواردة حول العذر بالجهل في مسائل الشرك ونحوها:
قال رحمه الله: (... و إنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك ...)(551).
وكذلك قال مدافعاً عمن يتهمه أنه يكفر بالعموم: (... ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه، وكذلك من عبد الأوثان بعدما عرف أنها دين للمشركين وزينه للناس، فهذا الذي أكفره، وكل عالم على وجه الأرض يكفر هؤلاء إلا رجلاً معانداً أو جاهلاً والله أعلم) (552).
وذكر في إحدى رسائله أربع مسائل مهمة، ومنها: (الثالثة: تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله، ثم أبغضه ونفر الناس عنه، وجاهد من صدق الرسول فيه، ومن عرف الشرك و أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعث بإنكاره وأقر بذلك ليلاً ونهاراً، ثم مدحه وحسنه للناس، وزعم أن أهله لا يخطئون لأنهم السواد الأعظم، وأما ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم) (553).
ومن النصوص الصريحة له إعذاره جهلة القبوريين حيث قال: (... و إذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل...)(554)وقوله - أيضاً -: (فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين نحكم بأنهم مشركون ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية) (555).(1/205)
قال العلامة عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ: (وقال شيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: سألني الشريف عما نقاتل عليه وما نكفر به؟ فقال في الجواب: إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف إذا عرف ثم أنكر"(556).
(وقال قد سئل عن مثل هؤلاء الجهال فقرر: أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها يكفر بعبادة القبور، و أما من أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ما حاله) (557.
وقوله: (... إن معصية الرسول في الشرك وعبادة الأوثان بعد بلوغ العلم، كفر صريح، بالفطرة والعقول والعلوم الضرورية..) (558).
وقال رحمه الله: في معرض رده على من يزعم أن شيخ الإسلام لا يكفر المعين: (على أن الذي نعتقده وندين الله به ونرجو أن يثبتنا عليه، أنه لو غلط هو أو أجل منه في هذه المسألة وهي مسألة المسلم إذا أشرك بالله بعد بلوغ الحجة أو المسلم الذي يفل هذا على الموحدين أو يزعم أنه على حق أو غير ذلك من الكفر الصريح الظاهر والذي بينه الله ورسوله وبينه علماء الأمة، أنا نؤمن بما جاءنا عن الله وعن رسوله من تكفيره) (559)فهذه النصوص - كما ترى - صريحة من الإمام في عدم تكفير المعين إلا بعد قيام الحجة " و أن ذلك يشمل مسألة الشرك، فلنأت الآن إلى مناقشة النصوص المنقولة عن الإمام المخالفة لذلك. (560)
النص الأول: قوله - رحمه الله -: (... إذا عرفت هذا عرفت لا إله إلا الله، وعرفت أن من نخا نبياً أو ملكاً أو ندبه، أو استغاث به فقد خرج من الإسلام)، فهذا النص - كما هو واضح - يتكلم حول التكفير بالعموم وليس حول مسألة تكفير المعين، ولا شك أن من فعل ذلك يكفر إذا قامت عليه الحجة.(1/206)
النص الثاني: قوله: (فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل..) أيضاً هذا النص لا يخالف ما نقلنا عن الإمام سابقاً، فإن على المسلم أن يتعلم التوحيد، و أن يخلص العبادة لله ويتجنب كل ما ينافي الوحدانية من خوف أو نذر أو ذبح.. الخ، ومن فعل ذلك في دار العلم، أو فعل شيئاً من هذه الأمور مما لا يجهلها مثله لم يعذر بالجهل، فالعذر بالجهل ليس مطلقاً لكل أحد - كما سيأتي - لكن لا يمكن أن يفهم من النص أن الإمام يكفر الجاهل ممن هو حديث عهد بكفر أو نشأ ببادية بعيدة إذا تكلم بالكفر، وهو لا يدري، يقول الإمام رحمه الله في تعليقه على قصة ذات أنواط: (...ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم، بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها، فتفيد التعلم والتحرز، ومعرفة أن قول الجاهل "التوحيد فهمناه" أن هذه من أكبر الجهل، ومكايد الشيطان. وتفيد - أيضاً - أن المسلم إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر، كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم-، وتفيد - أيضاً - أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظاً شديداً كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (561).
النص الثالث: قوله - رحمه الله - في تعليقه على حديث عمران بن حصين: (... أنه لم يعذر بالجهالة).
فيجاب عنه بما يلي:(1/207)
حديث عمران في الشرك الأصغر، وليس في الشرك الأكبر المخرج من الملة، فإذا كان الشيخ - كما نقلنا سابقاً - يعذر بالجهل في الشرك الأكبر، فالعذر بالشرك الأصغر من باب أولى، فيكون قول الشيخ " إنه لم يعذر بالجهالة" إما مقيد بأن ذلك بعد قيام الحجة عليه أو لأن الحجة قائمة عليه، أو أنه يقصد بقوله (لم يعذر بالجهالة) أي أنه يغلظ عليه كما في الحديث "انزعها" "لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً" ونحوه(562)، وكما في حديث ذات أنواط قال الإمام محمد في تعليقه عليه: (... وتفيد أيضاً أنه لو لم يكفر فأنه يغلظ عليه الكلام تغليظاً شديداً كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم-).
أما من قال: (فإذا كان الرجل لم يعذر بالجهالة في أمر من أمور الشرك الأصغر، فكيف بالشرك الأكبر؟!)(563)، فيقال له: إن الوقوع في الشرك الأصغر - حتى لو قامت الحجة على صاحبه - لا يصير صاحبه مرتداً عن الإسلام، بخلاف الوقوع في الشرك الأكبر بعد قيام الحجة، فكيف يقاس هذا على ذاك؟.
أما قول الإمام رحمه الله: (.... فإن الذي لم تقم عليه الحجة ...الخ).
فأصل هذه المقالة، إجابة عن سؤال من بعض المشايخ(564)يسألون الإمام عن قول شيخ الإسلام ابن تيمية يقول فيه: (من جحد ما جاء به الرسول وقامت به الحجة فهو كافر).
فأجاب الإمام: (... ما ذكرتموه من قول الشيخ كل من جحد كذا وكذا، وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعه-م هل قامت عليهم الحجة أم لا؟ فهذا من العجب العجاب، كيف تشكون في هذا وقد وضحته لكم مراراً؟ فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية، أو يكون في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرف، و أما أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه فقد بلغته الحجة...)(565)فقول الإمام هنا يجاب عنه بمثل ما أجيب به قول ابن تيمية السابق. (566).(1/208)
فالإمام هنا يتكلم عن أناس معينين قد قامت عليهم الحجة، حيث أقام عليهم الإمام الحجة، فشرح لهم التوحيد وحذرهم من الشرك، فمثل هؤلاء لا يعذرون في مسألة التوحيد والشرك ولا في المسائل الظاهرة المتواترة.
ومن تأمل سيرة الإمام - رحمه الله - وأطلع على رسائله الشخصية وخاصة القسم الرابع منها(567)، يتبين له، هذا الفهم، ففي رسالته إلى أحمد بن إبراهيم مطوع مرات قال: (...وصار الخلاف في أناس معينين أقروا أن التوحيد الذي ندعوا إليه دين الله ورسوله، و أن الذي ننهى عنه في الحرمين والبصرة والحسا هو الشرك بالله، ولكن هؤلاء المعينين هل تركوا التوحيد بعد معرفته، وصدوا الناس عنه؟ أم فرحوا به وأحبوه ودانوا به وتبرأوا من الشرك وأهله؟ فهذه ليس مرجعها إلى طالب العلم بل مرجعها إلى علم الخاص والعام، مثال ذلك إذا صح أن أهل الحسا والبصرة يشهدون أن التوحيد الذي نقول دين الله ورسوله، و أن هذا المفعول عندهم في الأحياء والأموات هو الشرك بالله، ولكن أنكروا علينا التكفير والقتال خاصة، والمرجع في هذه المسألة إلى الحضر والبدو والنساء والرجال. هل أهل قبة الزبير وقبة الكواز تابوا من دينهم، وتبعوا ما أقروا به من التوحيد؟ أو هم على دينهم...)(568).
فيتضح لنا من هذا النص أن الشيخ يتكلم عن أناس معينين قد أقام عليهم الحجة فعرفوا التوحيد، بعد ذلك وقعوا في الشرك وعادوا أهل التوحيد، ولكي يؤكد الإمام كلامه هنا، بين أن العامة والخاصة من الحضر والبدو والنساء والرجال يشهدون بذلك (أي وقوعكم بالشرك بعدما عرفتم التوحيد) فهي مسألة لا تحتاج إلى عالم أو طالب علم ليثبتها، والله أعلم.(1/209)
ومثل ذلك ما جاء في رسالته إلى سليمان بن سحيم، حيث قال فيها: (... أنكم تقرون أن الذي يأتيكم من عندنا هو الحق و أنت تشهد به ليلاً ونهاراً، و إن جحدت هذا شهد عليك الرجال والنساء ثم مع هذه الشهادة أن هذا دين الله و أنت وأبوك مجتهدان في عداوة هذا الدين ليلاً ونهاراً ومن أطاعكما، وتبهتون وترمون المؤمنين بالبهتان العظيم، وتصورون على الناس الأكاذيب الكبار فكيف تشهد أن هذا دين الله ثم تتبين في عداوة من تبعه؟
الوجه الثاني: إنك تقول إني أعرف التوحيد وتقر أن من جعل الصالحين وسائط فهو كافر والناس يشهدون عليك أنك تروح للمولد وتقرؤه لهم وتحضرهم وهم ينخون ويندبون مشايخهم ويطلبون منهم الغوث والمدد وتأكل اللقم من الطعام المعد لذلك، فإذا كنت تعرف أن هذا كفر فكيف تروح لهم وتعاونهم عليه وتحضر كفرهم؟.. إلى أن يقول: و أما الدليل على أنك رجل معاند، ضال على علم، مختار الكفر على الإسلام، فمن وجوه:
الأول: إني كتبت ورقة لابن صالح من سنتين فيها تكفير الطواغيت شمسان وأمثاله، وذكرت فيها كلام الله ورسوله وبينت الأدلة، فلما جاءتك نسختها بيدك لموسى بن سليم ثم سجلت عليها وقلت: ما ينكر هذا إلا أعمى القلب، وقرأها موسى في البلدان وفي منفوحة وفي الدرعية وعندنا، ثم راج بها للقبلة، فإذا كنت من أول موافقا لنا على كفرهم، وتقول: ما ينكر هذا إلا من أعمى الله بصيرته فالعلم
الذي جاءك بعد هذا يبين لك أنهم ليسوا بكفار بينه لنا...)(569).(1/210)
وبذلك نفهم من قول الإمام في آخر النص المذكور: (... و أما أصول الدين التى أوضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن: فمن بلغه فقد بلغته الحجة...)(570)، أي (أصول الدين) من مسائل التوحيد والشرك والواجبات الظاهرة المتواترة والمحرمات الظاهرة المتواترة، لا يعذر فيها أمثال هؤلاء المذكورين لأنهم ليسوا حديثي عهد بإسلام ولا نشأوا ببادية بعيدة، وليست هذه المسائل كالمسائل الخفية التي يعذرون بها مع عدم قيام الحجة.
يتضح لنا من كل ما سبق أن مذهب الإمام المجدد في هذه المسألة، هو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أما قول الإمام في آخر النص (... ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وفهم الحجة...) فيحتمل معنيين:
الأول: أن أمثال هؤلاء المذكورين، ممن بلغتهم الدعوة، وتمكنوا من فهمها، لا يعذرون بجهل الأحكام الظاهرة المتواترة ولا الواجبات الظاهرة المتواترة، ولذلك ضرب الإمام مثاليين يؤكدان هذا الفهم.
المثال الأول: الخوارج: فالخوارج عاشوا في دار العلم مع الصحابة فلا يمكن أن يدعوا أنهم لم يفهموا الحجة في مثل الأصول المجمع عليها.
والمثال الآخر: القدرية: قال رحمه الله: (وكذلك إجماع السلف على تكفير ناس من غلاة القدرية وغيرهم، مع كثرة علمهم، وشدة عبادتهم، مع كونهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً، ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم لأجل أنهم لم يفهموا) (571).
فانظر إلى قوله (مع كثرة علمهم) فهؤلاء ليسوا حديثي عهد بإسلام ولم يكن جهلهم في أمور خفية، فلا يعذرون بسبب سوء فهمهم، و أيضاً، انظر إلى دقة عبارة الشيخ حيث قال: (...على تكفير ناس من غلاة القدرية وغيرهم)، فلم يكفر السلف كل من قال بقول القدرية(572)، و إنما كفروا معينين قامت عليهم الحجة.(1/211)
ومما يؤكد هذا الفهم، ما ذكره الشيخ في موضع آخر حيث قال: (... فإذا كان المعين، يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله: {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه}(573)، وقوله: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}(574))(575)، وقال العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن في توضيح هذه المسألة عند تعليقه على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال فيه: (ولكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه)، قال الشيخ عبد اللطيف: (وشيخنا رحمه الله قد قرر هذا وبينه وفاقاً لعلماء الأمة واقتداءاً بهم، ولم يكفر إلا بعد قيام الحجة وظهور الدليل، حتى إنه رحمه الله توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من ينبهه، وهذا هو المراد بقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى: " حتى يبين لهم ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم- ".
فإذا حصل البيان الذي يفهمه المخاطب ويعقله فقد تبين له، وليس بين بين وتبين فرق بهذا الاعتبار لأن كل من بين له ما جاء به الرسول أصر وعاند فهو غير مستجيب، والحجة قائمة عليه سواء كان إصراره لشبهة عرضت له، أو كان ذلك عن عناد وجحود واستكبار.. إلى أن يقول: وكذلك كل من بلغته دعوة الرسل بلوغاً يعرف منه المراد والمقصود، فرد ذلك لشبهة أو نحوها فهو كافر و إن التبس عليه الأمر وهذا لا خلاف فيه) (576)، من كل ما سبق ندرك خطأ من يحتجون بالكلام المذكور للشيخ على أنه لا يعذر في الأصول المجمع عليها بشكل مطلق.(1/212)
الاحتمال الثاني: أن الفهم المقصود هنا هو (فهم الهداية، فليس كل من بلغته الحجة وفهمها يهتدى بها لكن الله قد جعل فهم الدلالة شرطاً في تكليف عموم الناس مؤمنهم وكافرهم، ولم يجعل فهم الهداية والتوفيق إلا لمن أراد لهم ذلك) (577، وهذا الفهم هو المذكور في الآيات من مثل قوله تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}(578)، وقال تعالى: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون...} الآية (579)وغير ذلك من الآيات، وبشكل عام لا تعارض بين الاحتمالين فكلاهما مكمل للآخر.
5- مذهب أئمة الدعوة في هذه المسألة:
هذا الذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، و الإمام المجدد - رحمهم الله - هو الذي فهمه عنهم عامة أئمة الدعوة، وسأسرد ما وقفت عليه من كلامهم مما يؤيد ذلك:
أ-فهذا الإمام عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب*، يقول معلقاً على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية:
(وتأمل كلامه فيمن دعا نبياً أو ولياً أن يقول: يا سيدي فلان أغثني ونحوه، أنه يستتاب فإن تاب و إلا قتل، تجده صريحاً في تكفير أهل الشرك وقتلهم بعد الاستتابة وإقامة الحجة عليهم...(580)).(1/213)
وفي موضع آخر نقل كلاماً طويلاً لشيخ الإسلام وفيه قوله: (... و أن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم-، ولكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول...)(581)، فقال الشيخ عبد الله بن محمد معلقاً على ذلك: (وتأمل - أيضاً - قوله الشيخ رحمه الله تعالى في آخر الكلام، ولا ريب أن أصل قول هؤلاء هو الشرك الأكبر والكفر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة، و أن ذلك يستلزم الردة عن الدين، والكفر برب العالمين، كيف صرح بكفر من فعل هذا أو ردته عن الدين إذا قامت عليه الحجة من الكتاب والسنة، ثم أصر على فعل ذلك، وهذا لا ينازع فيه من عرف دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم) (582).
وقال بعد كلامه عن الشفاعة، و أنها تطلب من الله عز وجل، وأن من قال: يا رسول الله أو يا ولي الله أسألك الشفاعة أو غيرها، فقد وقع في الشرك، قال: (فإن قال قائل منفر عن قبول الحق و الإذعان له: يلزم من تقريركم وقطعكم في أن من قال: يا رسول الله أسألك الشفاعة - أنه مشرك مهدر الدم - أن يقال بكفر غالبة الأمة، ولا سيما المتأخرين لتصريح علمائهم المعتبرين أن ذلك مندوب.. إلى أن قال: ونحن نقول فيمن مات (تلك أمة قد خلت) ولا نكفر إلا من بلغته دعوتنا للحق، ووضحت له المحجة، وقامت عليه الحجة، وأصر مستكبراً معانداً، كغالب من نقاتلهم اليوم يصرون على ذلك الإشراك، ويمتنعون من فعل الواجبات، ويتظاهرون بأفعال الكبائر المحرمات... فإن قلت: هذا فيمن ذهل فلما نبه انتبه، فما القول فيمن حرر الأدلة، واطلع على كلام الأئمة القدوة، واستمر مصراً على ذلك حتى مات؟
قلت: ولا مانع من أن نعتذر لمن ذكر، ولا نقول إنه كافر، لعدم من يناضل في هذه المسألة في وقته بلسانه، وسيفه وسنانه، فلم تقم عليه الحجة، ولا وضحت له المحجة...) (583)(1/214)
فانظر إلى آخر كلامه: (لعدم من يناضل في هذه المسألة في وقته..) نجده صريحاً في أن قيام الحجة يختلف من زمن إلى زمن ومن شخص إلى شخص، ولا فرق بين مسألة وأخرى.
ب- وهذا الشيخ الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن*يحكي مذهب الإمام المجدد، فيقول: (والشيخ محمد - رحمه الله - من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر حتى إنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور، أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه، ويبلغه الحجة التي يكفرمرتكبها) (584).
ويقول أيضاً: (فإنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسله، أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر) (585)، وفي رده على ابن جرجيس، ذكر أن الناس معهم أنواع (مع دعوة الشيخ) إلى أن قال: (و إذا كنا لا نكفر من عبد القبور من العوام لأجل جهلهم وعدم من ينبههم...)(586)، وفي "مصباح الظلام" كرر هذا بعدما نقل كلام شيخ الإسلام السابق في رده على البكري فقال الإمام عبد اللطيف: (... فمن بلغته دعوة الرسل إلى توحيد الله ووجوب الإسلام له، وفقه أن الرسل جاءت بهذا لم يكن له عذر في مخالفتهم وترك عبادة الله، وهذا هو الذي يجزم بتكفيره إذا عبد غير الله، وجعل معه الأنداد والآلهة، والشيخ وغيره من المسلمين لا يتوقفون في هذا وشيخنا رحمه الله قد قرر هذا وبينه وفاقاً لعلماء الأمة واقتداء بهم، ولم يكفر إلا بعد قيام الحجة وظهور الدليل، حتى إنه - رحمه الله - توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من ينبهه) (587).(1/215)
ج- أما الشيخ سليمان بن سحمان فقد نقل في دفاعه عن الإمام محمد وأئمة الدعوة، قول الإمام: (و إذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر أحمد البدوي لأجل جهلهم وعدم من ينبههم) (588)وقال - رحمه الله -: (أما تكفير المسلم فقد قدمنا أن الوهابية لا يكفرون المسلمين، والشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر، حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها) (589).
وقال أيضاً: (ونحن لم نكفر أحداً بذنب دون الشرك الأكبر الذي أجمعت الأمة على كفر فاعله، إذا قامت عليه الحجة، وقد حكى الاجماع على ذلك غير واحد كما حكاه في "الإعلام لابن حجر الشافعي"(590)، وقال ابن سحمان في كتابه "تبرئة الشيخين": (فلم يكفر- رحمه الله - إلا عباد الأوثان من دعاة الأولياء والصالحين وغيرهم ممن أشرك بالله وجعل له أنداداً بعد إقامة الحجة ووضوح المحجة، وبعد أن بدأوه بالقتال فحينئذ قاتلهم) (591).(1/216)
د- وذكر ابن سحمان في كتابه " منهاج الحق والاتباع" قول الشيخ حسين بن محمد، و أخيه الشيخ عبد الله بن محمد لما سئلا عن مسائل عديدة فأجابا عنها ثم قالا: (و أما المسألة الثامنة عشرة في أهل بلد بلغتهم هذه الدعوة، وأن بعضهم يقول إن هذا الأمر حق، ولا غير منكراً ولا أمر بالمعروف ولا عادي ... وينكر على الموحدين إذا قالوا تبرأنا من دين الآباء والأجداد... فما تقولون في هذه البلدة على هذه الحال؟ مسلمين أم كفاراً؟ وما معنى قول الشيخ إنا لا نكفر بالعموم؟ وما معنى العموم والخصوص؟ (الجواب) أن أهل البلد المذكورين إذا كانوا قد قامت عليهم الحجة التي يكفر من خالفها، حكمهم حكم الكفار، والمسلم الذي بين أظهرهم ولا يمكنه إظهار دينه تجب عليه الهجرة إذا لم يكن ممن عذر الله... والسامعين كلام الشيخ أنا لا نكفر بالعموم، فالفرق بين العموم والخصوص ظاهر، فالتكفير بالعموم أن يكفر الناس كلهم عالمهم وجاهلهم من قامت عليه الحجة ومن لم تقم، و أما التكفير بالخصوص فهو أن لا يكفر إلا من قامت عليه الحجة بالرسالة التي يكفر من خالفها) (592).(1/217)
ه-- وقال الشيخ السهسواني(593)صاحب كتاب: " صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان" مدافعاً عمن يتهم الإمام محمداً بأنه يجعل بلاد الإسلام كفاراً أصليين، فقال: (و أما قول المفتري وجعل بلاد المسلمين كفاراً أصليين فهذا كذب وبهت ما صدر وما قيل، ولا أعرفه عن أحد من المسلمين فضلاً عن أهل العلم والدين بل كلهم مجمعون على أن بلاد المسلمين لها حكم الإسلام في كل مكان وزمان، و إنما تكلم الناس في بلاد المشركين الذين يعبدون الأنبياء والملائكة والصالحين ويجعلونهم أنداداً لله رب العالمين، ويسندون إليهم التصرف والتدبير كغلاة القبوريين، فهؤلاء تكلم الناس في كفرهم وشركهم وضلالهم، والمعروف المتفق عليه عند أهل العلم، أن فعل ذلك ممن يأتي بالشهادتين، يحكم عليه بعد بلوغ الحجة بالكفر والردة ولم يجعلوه كافراً أصلياً...)(594).
ولخص كلام الشيخ أن هؤلاء المنتسبين إلى الإسلام ممن أتوا بالشهادتين، لا يحكم عليهم بالردة إذا فعلوا الشرك إلا بعد بلوغ الحجة.
و- هذا العلامة أبو المعالي محمود شكري الألوسي*أحد أكبر أنصار دعوة الشيخ في العراق في رده الشهير على النبهاني صاحب كتاب (شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق) يقرر هذا الأمر في كتابه، بعد ما ساق كلاماً طويلاً لشيخ الإسلام في رده على البكري، ومنه الكلام الذي ذكرنا من قبل فيقول - رحمه الله-: (والذي تحصل مما سقناه من النصوص: أن الغلاة ودعاة غير الله وعبدة القبور إذا كانوا جهلة بحكم ما هم عليه، ولم يكن أحد من أهل العلم قد نبههم على خطئهم فليس لأحد أن يكفرهم، و أما من قامت عليه الحجة و أصر على ما عنده واستكبر استكباراً، أو تمكن من العلم فلم يتعلم فسنذكر حكمه في الآتي ...)(595).(1/218)
فهذه مجموعة نقولات عن ستة من كبار أئمة الدعوة وأنصارها وهم الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وأخوه حسين بن محمد والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ السهسواني والعلامة الألوسي، وهي واضحة كل الوضوح، متشابهة في عباراتها - لا تحتاج إلى شرح وإيضاح، حرصت على سردها كلها ليتبين للقاريء أن هذا الأمر معروف ومشهور عندهم.
ولم أقف على ما يخالف ذلك عن أئمة الدعوة إلا ما نقل عن الإمام أبي بطين، مما ذكرناه سالفاً، وسنأتي الآن لمناقشة قوله - رحمه الله -.
6- مذهب الإمام عبد الله أبي بطين - رحمه الله - في هذه المسألة:
اشتهر عن الإمام قوله بعدم العذر بالجهل فيمن يقع في الشرك، ونقلنا سابقاً بعض النصوص عنه التي يحتج بها من لا يرى العذر بذلك، ونسب هذا القول إلى الإمامين ابن تيمية وابن القيم، وملخص كلامه السابق (أن العذر بالجهل لمن يقع في الشرك لا أصل له في كلام الإمامين، و إنما العذر يكون في المسائل الخفية، وقال: إن من يقول غير ذلك يلزم من قوله إنه لا يكفر إلا المعاند).
ولكن الإمام أبا بطين - رحمه الله - له كلام آخر يخالف هذا الكلام وفيه شيء من التوضيح، حيث قال: بعدما حكى قول شيخ الإسلام في رده على البكري(596)، قال: (فقوله رحمه الله: لم يمكن تكفيرهم حتى يبين لهم ما جاء به الرسول، أي لم يمكن تكفيرهم بأشخاصهم وأعيانهم بأن يقال فلان كافر ونحوه، بل يقال هذا كفر ومن فعله كافر، أطلق رحمه الله على فاعل هذه الأمور ونحوها في مواضع لا تحصى، وحكى إجماع المسلمين على كفر هذه الأمور الشركية ...)(597)، فكيف تجمع بين هذين المختلفين؟ فالجواب عن ذلك أن يقال:(1/219)
لعل مقصد الإمام رحمه الله الرد على من ينفي تكفير جاهل التوحيد بشكل مطلق، حتى لو كان في دار إسلام وعلم، انظر إلى تعليقه على قصة الرجل من بني إسرائيل حيث قال: (ولازم هذه الدعوى أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند)، والذين يعذرون بذلك لا يقولون هذا، و إنما يقولون إن جاهل التوحيد في دار العلم و الإسلام ولديه قدر من الإدراك لا يعذر فلا يلزم أن لا يكفر إلا المعاند.
وانظر إلى قوله: (وقولك: إن الشيخ تقي الدين وابن القيم يقولان أن من فعل هذه الأشياء لا يطلق عليه أنه كافر مشرك حتى تقوم عليه الحجة الإسلامية).. و الإمامان ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، لا يقولون ذلك بإطلاق، و إنما يقولان إن حديث العهد بإسلام، ومن نشأ ببادية بعيدة ونحوه يعذر بذلك أما غيرهم فلا.
ويحتمل أن يكون رجع عن هذا القول، ويحتمل أن يكون قد التبس عليه مذهب الشيخين في هذه المسألة. وبكل حال، فمذهب الشيخين واضح في هذه المسألة - كما بيناً سابقاً - فلا حاجة للإعادة والله الموفق للصواب.
مذهب الإمام الصنعاني:*
أما القول المروي عن الإمام الصنعاني فيمن يعتقدون في القبور و الأولياء بأنهم لا يعذرون بالجهل، و أنهم كفار كفراً أصلياً لأنهم لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولا ماهية التوحيد. (598)
فيمكن أن نلحظ عدة أمور:(1/220)
الأول: اعتبار هؤلاء كفاراً كفراً أصلياً، يظهر - والله أعلم - أنه رأي شاذ، و إنما من فعل هذه الأمور بعد قيام الحجة يكون مرتداً، قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: (...فهؤلاء تكلم الناس في كفرهم وشركهم وضلالهم، والمعروف المتفق عليه عند أهل العلم أن من فعل ذلك ممن يأتي بالشهادتين يحكم عليه بعد بلوغ الحجة بالكفر والردة، ولم يجعلوه كافراً أصلياً وما رأيت ذلك لأحد سوى محمد بن إسماعيل في رسالته تجريد التوحيد المسمى "بتطهير الاعتقاد" وعلل هذا القول بأنهم لم يعرفوا ما دلت عليه كلمة الإخلاص، فلم يدخلوا بها في الإسلام مع عدم العلم بمدلولها، وشيخنا لا يوافقه على ذلك) (599).
ووجه الشذوذ أن من نطق الشهادتين فقد دخل الإسلام، من جهة الحكم الدنيوي فيعامل معاملة المسلمين حتى يتبين لنا ما يناقضها، فإذا تبين صار مرتداً ومن قال إنه كافراً كفراً أصلياً فإنه يلزم من قوله أنه لم يدخل الإسلام أصلاً بحجة أنه لم يفهم معنى الشهادة، وهذا مخالف، لما قرره أهل العلم في ذلك، لأن فهم المعنى ليس شرطاً في الحكم على الشخص بالإسلام، و إنما هو شرد للنجاة في الآخرة.(1/221)
الثاني: والصنعاني - رحمه الله - و إن اعتبرهم كفاراً أصليين إلا أنه يظهر من كلامه عنهم أنهم لا يعاملون كمعاملة الكفار في كل شيء، قال: (فإن قلت: فإذا كانوا مشركين وجب جهادهم والسلوك فيهم ما سلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المشركين. قلت: إلى هذا ذهب طائفة من أئمة العلم فقالوا: يجب أولاً دعاؤهم إلى التوحيد وإبانة أن ما يعتقدونه ينفع ويضر، لا يغنى عنهم من الله شيئا.. وهذا واجب على العلماء أي بيان أن ذلك الاعتقاد الذي تفرعت عنه النذور والنحائر والطواف والقبور شرك محرم.. فإذا أبانت العلماء ذلك للأئمة والملوك بعث دعاة إلى إخلاص التوحيد، فمن رجع وأقر حقن عليه دمه وماله وذراريه، ومن أصر فقد أباح الله منه ما أباح الرسول -صلى الله عليه وسلم- من المشركين) (600) فانظر كيف لم يحكم بحل دم إلا من أصر بعد إقامة الحجة الواضحة عليه، ولو كانوا كفاراً أصليين لما كان هذا لازماً لأن الكافر الأصلي يقاتل إن كانت بلغته الدعوة. (601).
الثالث: أننا نقول حتى لو اعتبرهم مرتدين بهذا الفعل، فإن ذلك يكون بعد إقامة الحجة عليهم.
الرابع: ذكر الإمام الشوكاني - رحمه الله - رأيا آخر للإمام الصنعاني أكثر شذوذاً من هذا القول ويناقض قوله السابق، حيث حكى عنه أنه يعتبر دعاء الأولياء والاستغاثة بهم من الكفر العملي غير المخرج من الملة وليس من الشرك المخرج، مما يدل على نوع من اضطراب في مذهب الصنعاني في هذه المسألة.
قال الشوكاني - رحمه الله -: (ومن جملة الشبه التي عرضت لبعض أهل العلم ما جزم به السيد العلامة محمد بن اسماعيل الأمير- رحمه الله تعالى - في شرحه لأبياته التي قال في أولها:(1/222)
رجعت عن النظم الذي قلت في نجدي(602) فإنه قال: إن كفر هؤلاء المعتقدين للأموات هو من الكفر العملي لا الكفر الجحودي، ونقل ما ورد في كفر تارك الصلاة.. وكفر تارك الحج.. ونحو ذلك من الأدلة الواردة فيمن زنى وسرق ومن أتى أمرأة حائضاً أو امرأة في دبرها أو أتى كاهناً أو عرافاً أو قال لأخيه يا كافر، قال: فهذه الأنواع من الكفر و إن أطلقها الشارع على فعل هذه الكبائر فإنه لا يخرج به العبد عن الإيمان ... ثم قال السيد المذكور: قلت: ومن هذا (يعني الكفر العملي) من يدعو الأولياء ويهتف بهم عند الشدائد ويطوف بقبورهم ويقبل جدرانها وينذر لها بشيء من ماله فإنه كفر عملي لا اعتقادي... إلى أن يقول: فالذي أتوه من تعظيم الأولياء كفر عمل لا اعتقاد، فالواجب وعظهم وتعريفهم جهلهم وزجرهم، ولو بالتعزير كما أمرنا بحد الزاني والشارب والسارق من أهل الكفر العملي، وقد ثبت أن هذه الأمة تفعل أموراً من أمور الجاهلية هي من الكفر العملي كحديث "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن، الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم والنياحة" أخرجه مسلم في صحيحه) (603) (604)فهذا الاضطراب في مذهب الإمام إضافة إلى الأسباب الأخرى التي ذكرنا - تجعلنا لا نعتمد رأيه في هذه المسألة و الله أعلم.
أقوال أخرى للأئمة في مسألة العذر
بالجهل في أصول العقيدة المجمع عليها
1- قال الإمام الشافعي: رحمه الله - (لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، و أما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر) (605).(1/223)
2- وقال الإمام الطبري - رحمه الله -: عند تفسيره لقوله تعالى: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين}(606): (... و أما قوله: "قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" فإنه يعني: قال عيسى للحواريين القائلين له: " هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء"، راقبوا الله، أيها القوم، وخافوا أن ينزل بكم من الله عقوبة على قولكم هذا، فإن الله لا يعجزه شيء أراده، وفي شككم في قدرة الله على إنزال مائدة من السماء، كفر به، فاتقوا الله أن ينزل بكم نقمته، " إن كنتم مؤمنين" يقول: إن كنتم مصدقي على ما أتوعدكم به من عقوبة الله إياكم على قولكم:" هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء"؟)(607).
3- وقال الإمام ابن حزم - رحمه الله-: (وصدق أبو يوسف القاضي إذا سئل عن شهادة من يسب السلف الصالح فقال: لو ثبت عندي على رجل أنه يسب جيرانه ما قبلت شهادته فكيف من يسب أفاضل الأمة؟ إلا أن يكون من الجهل بحيث لم تقم عليه حجة النص بفضلهم والنهي عن سبهم، فهذا لا يقدح سبهم في دينه أصلاً، ولا ما هو أعظم من سبهم لكن حكمه أن يعلم ويعرف، فإن تمادى فهو فاسق، و إن عاند في ذلك الله تعالى أو رسوله - صلى الله عليه وسلم- فهو كافر مشرك، ولو أن آمرءاً بدل القرآن مخطئا جاهلا أو صلى لغير القبلة، كذلك ما قدم ذلك في دينه عند أحد من أهل الإسلام حتى تقوم عليه الحجة بذلك) (608).(1/224)
4- وقال الإمام ابن العربي المالكي - رحمه الله -: (الطاعات كما تسمى إيماناً، كذلك المعاصي تسمى كفراً، لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد عليه الكفر المخرج من الملة، فالجاهل والمخطيء من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركاً أو كافراً فإنه يعذر بالجهل والخطأ، حتى يتبين له الحجة التي يكفر تاركها بياناً واضحاً ما يلتبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، مما أجمعوا عليه إجماعاً قطعياً يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع) (609)
5- وقال الإمام الشوكاني:- رحمه الله-: (...فلابد من شرح الصدر بالكفر، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ يلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه...)(610).(1/225)
6- وقال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني: أحد أبرز أئمة المدرسة السلفية في هذا الوقت في شرحه لهذه المسألة: (كثير من جماهير المسلمين اليوم يعيشون بين المسلمين يصومون ويصلون، ومع ذلك لم يفقهوا التوحيد الذي هو أس الإسلام كما ذكرنا، هل بلغتهم الدعوة؟ أنا أقول لم تبلغهم الدعوة، المفروض أن هؤلاء تبلغهم الدعوة من مشايخهم الذين يتلقون عنهم العلم ولكن لا أقول أن هؤلاء (أي المشايخ) ينطبق عليهم الكلام المأثور فاقد الشيء لا يعطيه... فعامة المسلمين اليوم الذين نسمع منهم الشرك... وهو داخل المسجد تزل القدم فيقول يا "باز" أأنت ذاهب إلى مسجد الباز، تعبد الباز، أم تعبد خالق الباز ورب الباز؟ مسكين هذا لا يعلم لكنه يجهل أن قوله "أغثني يا باز" هو عبادة للباز من دون الله تبارك وتعالى... وليس هذا فقط فهو يدخل المسجد ويكون في المسجد قبر فيأتيه ويطلب منه ما يطلبه من الله تعالى أقول مع هذه الدلالات كلها نحن لا نستطيع أن نكفر هؤلاء المسلمين لأنه لم تقم الحجة عليهم، لأنه ليس هناك دعاة كفؤ سيطروا على جو سوريا مثلاً فضلاً عن بلاد أخرى وبلغت هذه الجماهير دعوة التوحيد خالصة لا شرك فيها...)(611).
أكتفي بهذه الأقوال الصريحة التي لا تحتاج إلى تعليق، وتنسجم مع ما نقل عن الأئمة سابقاً.
خلاصة ما سبق:(1/226)
من خلال عرض أدلة الفريقين يتبين لنا شكل جلي أن أدلة العذر بالجهل عامة وشاملة للأصول المجمع عليها، للدلالة الصريحة من نصوص السنة على ذلك، مثل حديث الرجل من بني إسرائيل، وحديث صلة بن زفر عن حذيفة، وحديث ذات أنواط، وحديث سجود معاذ للنبي - صلى الله عليه وسلم وهذا الذي فهمه أئمة أهل السنة وقرروه في مصنفاتهم، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية، و الإمام ابن القيم، و الإمام محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة من بعده، وخلاصة مذهبهم - باختصار -: (أن حديث العهد بإسلام، أو من نشأ ببادية بعيدة، من في حكمهم مثل أن ينشأ في بيئة ينتشر فيها الشرك ويقل فيها الدعاة إلى التوحيد، يعذر بجهل الأحكام الظاهرة المتواترة من الواجبات والمحرمات، وكذلك في أصول العقائد ولا فرق، أما من أنكر شيئاً مما ذكر في دار إسلام وعلم فإنه يكفر بمجرد ذلك، ولا يكفر بإنكاره مسائل خفية، أو شيئاً من الأمور المتواترة التي لا تعرف إلا عند الخاصة).
أما من يذهب إلى أن أصول العقائد، أو مسائل أصول الدين المجمع عليها من الأحكام والعقائد، أو مسألة الوقوع في الشرك خاصة، لا يعذر فيها فليس معه أدلة من الكتاب أو السنة إلا أن يكون دليلاً عاماً غير صريح الدلالة، أو دليلاً ضعيفاً من جهة سنده، أما ما نسبوه إلى بعض العلماء من القول بذلك فيجاب عنه بجوابين: أحدهما:أن الحجة تكون بالكتاب والسنة والإجماع، أما أقوال العلماء، فيحتج لها بالأدلة الشرعية، لا يحتج بها على الأدلة الشرعية.
الثاني: أن هذه الأقوال المنسوبة إلى العلماء، إما آراء شاذة، أو أقوال محتملة، أو نسبة غير دقيقة، مثل ما نسبوه إلى شيخ الإسلام وإلى الإمام محمد بن عبد الوهاب رجمهم الله كما بينا سابقاً.*
حكم من لم تبلغهم الدعوة
ويسمون أهل الفترة، قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله - في تعريف الفترة: (هي ما بين كل نبيين كانقطاع الرسالة بين عيسى عليه السلام ومحمد - صلى الله عليه وسلم -(612)).(1/227)
وقال الألوسي في تفسيره: (أجمع المفسرون بأن الفترة هي انقطاع ما بين رسولين) (613)و أهل الفترة: (هم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول، ولا أدركوا الثاني كالأعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى ولا لحقوا النبي - صلى الله عليه وسلم-..) (614)ثم صار يطلق عند كثير من العلماء على كل من لم تبلغهم الدعوة، بما فيهم أطفال المشركين(615).
ومن باب الاختصار سأكتفي بعرض لأهم الأقوال ثم بيان القول الراجح في هذه المسألة لعدة أسباب منها:
1- أن الكلام في هذه المسألة ليس له علاقة بمسألة العذر بالجهل - سواء قلنا: إن أهل الفترة معذورون أو غير معذورون، فمحل النزاع في مسألة العذر بالجهل، حول من يثبت له حكم الإسلام، ثم يقع في شيء من النواقض جاهلاً ذلك. (616)
2- أيضاً، الخلاف في هذه المسألة هو في الحكم الأخروي. وليس الدنيوي فلم يقل أحد من الأئمة إن هؤلاء مسلمين أو تجري عليهم أحكام المسلمين في الدنيا، ولذلك لا يترتب على هذا الخلاف أي حكم من أحكام الدنيا، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، و أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول، هذا في الجملة، والتعين موكول إلى علم الله وحكمه، هذا في أحكام الثواب والعقاب، و أما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم) (617).
3- هذه المسألة من مسائل الاجتهاد والخلاف حولها مشهور بين العلماء، فهي ليست من أصول الدين ولا من مسائل الإجماع، ولذلك لا تذكر في عامة كتب العقيدة المشهورة.
أقوال العلماء في المسألة:
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال كثيرة ومن أشهرها:(1/228)
الأول: أن من مات ولم تبلغه الدعوة مات ناجياً، قال السيوطي - رحمه الله-: (وقد أطبقت أئمتنا الأشاعرة من أهل الكلام و الأصول، والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجياً...)(618)ونص بعض الأئمة على دخول أطفال المشركين الجنة- دون غيرهم من أهل الفترة - كالإمام ابن حزم حين قال: (وذهب جمهور الناس إلى أنهم في الجنة وبه نقول) (619). والنووي (620)، والحافظ ابن حجر العسقلاني وذكر أنه ترجيح البخاري(621)، و الإمام القرطبي (622)والإمام ابن الجوزي(623).
الثاني: أن من مات ولم تبلغه الدعوة فهو في النار، قال الإمام ابن القيم - رحمه الله- (وهو قول جماعة من المتكلمين، و أهل التفسير، وأحد الوجهين لأصحاب أحمد وحكاه القاضي نصا عن أحمد، وغلطه شيخنا....)(624 كما هو قول جماعة من أصحاب أبي حنيفة(625).
الثالث: الوقف في أمرهم، وقد يعبر عنه بأنهم تحت المشيئة(626) (وهو منقول عن الحمادين وابن المبارك وإسحاق بن راهويه، وقال ابن عبد البر: وهو مقتضى صنيع مالك وليس عنده في المسألة شيء منصوص، إلا أن أصحابه صرحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة، وأطفال الكفار خاصة في المشيئة) (627).
الرابع: أنهم يمتحنون في عرصات القيامة بنار يأمرهم الله سبحانه وتعالى بدخولها، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً ومن لم يدخلها فقد عصى الله تعالى فهو من أهل النار، وهذا قول جمهور السلف، حكاه الأشعري عنهم(628)، وممن قال به محمد بن نصر المروزي(629)، والبيهقي(630)، وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وابن كثير وغيرهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (.. ومن لم تقم عليه الحجة في الدنيا بالرسالة كالأطفال والمجانين و أهل الفترات فهؤلاء فيهم أقوال أظهرها ما جاءت به الآثار أنهم يمتحنون يوم القيامة، فيبعث إليهم من يأمرهم بطاعته، فإن أطاعوه استحقوا الثواب، و إن عصوه استحقوا العذاب) (631).(1/229)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله بعد حكايته المذاهب في أطفال المشركين وأدلتها: (المذهب الثامن: أنهم يمتحنون في عرصات القيامة، ويرسل إليهم هناك رسول وإلى كل من "لم"(632) تبلغه الدعوة، فمن أطاع الرسول دخل الجنة، ومن عصاه أدخله النار وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة وبعضهم في النار، وبهذا يتألف شمل الأدلة كلها وتتوافق الأحاديث) (633)، ثم ساق أدلة لهذا القول، وقال: (فهذه الأحاديث يشد بعضها بعضا، وتشهد لها أصول الشرع وقواعده، والقول بمضمونها هو مذهب السلف والسنة، نقله عنهم الأشعري رحمه الله..) (634)، ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: (.. وقد اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى فيها قديماً وحديثاً وهي الولدان الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار ماذا حكمهم؟ وكذا المجنون والأصم والشيخ الخرف ومن مات في الفترة ولم تبلغه دعوته وقد ورد في شأنهم أحاديث أنا أذكرها لك بعون الله وتوفيقه) (635) ثم ساق عشرة أحاديث في هذه المسألة، ثم أشار إلى الأقوال في المسألة، ورجح أنهم يمتحنون يوم القيامة حيث قال: (... وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضه لبعض..) (636)، ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - بعدما رجح هذا القول -:(إن الجمع بين الأدلة واجب متى ما أمكن بلا خلاف، لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ولا وجه للجمع بين الأدلة إلا هذا القول بالعذر و الامتحان..) (637).
ومن أهم أدلتهم على هذا القول دليلان:
الأول: استدلوا بعموم الآيات الدالة على نفي التعذيب قبل بلوغ الحجة(638)، من مثل قوله تعالى عن أهل النار: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا}(639).(1/230)
وقوله سبحانه: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}(640)وغيرها من الآيات الدالة على عذر أهل الفترة بأنهم لم يأتهم نذير(641)يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - في تفسيره لهذه الآية: (والله تعالى أعدل العادلين، لا يعذب أحداً حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة، و أما من انقاد للحجة، أو لم تبلغه حجة الله تعالى فإن الله تعالى لا يعذبه، استدل بهذه الآية على أن أهل الفترات، وأطفال المشركين، لا يعذبهم الله، حتى يبعث إليهم رسولاً، لأنه منزه عن الظلم) (642).
الثاني: استدلوا بعدد من الأحاديث المصرحة بأن أهل الفترة ومن لم تبلغه الدعوة يمتحنون يوم القيامة، ومن أشهرها ما رواه الأسود بن سريع أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:
"يكون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم ورجل مات في فترة فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، و أما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، و أما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، و أما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً) (643).(1/231)
وعن أبي هريرة مثل هذا غير أنه قال في آخره: "فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها سحب إليها "(644)، والقول بموجب هذا الحديث فيه جمع للأدلة كما في النقل السابق عن الأئمة - قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: (وهذا التفصيل يذهب الخصومات التي كره الخوض فيه لأجلها من كرهه، فإن من قطع لهم بالنار كلهم، جاءت نصوص تدفع قوله، ومن قطع لهم بالجنة كلهم، جاءت نصوص تدفع قوله..) (645)، وقال الشيخ الشنقيطي - رحمه الله - بعد ترجيحه لهذا القول: (وهذا ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و ثبوته عنه نص في النزاع فلا وجه للنزاع البتة مع ذلك..) (646).
وردوا على ما ذكر بعض الأئمة كالإمام ابن عبد البر، و الإمام القرطبي والحليمي، وملخص قولهم: أن هذه الأحاديث لا تصح و أن (هذا مخالف لأصول المسلمين لأن الآخرة ليست بدار امتحان) (647)وردوا على هذا القول بما يلي:
1- أن هذه الأحاديث صحيحة وردت من طرق مختلفة، وقد سبق الإشارة إلى ذلك.(1/232)
2- قال شيخ الإسلام - رحمه الله-: (والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار، وأما عرصات القيامة فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ، فيقال لأحدهم: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وقال تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) (648)...)(649) وقال الطيبي(650): (لا يلزم من أن الدنيا دار بلاء و الآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحده منهما ما يخص الأخرى، فإن القبر أول منازل الآخرة، وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره(651) ولخص الإمام ابن القيم رحمه الله الرد على ذلك فقال: (... فإن قيل: فالآخرة دار جزاء، وليست دار تكليف، فكيف يمتحنون في غير دار التكليف؟ فالجواب: أن التكليف إنما ينقطع بعد دخول دار القرار، و أما في البرزخ وعرصات القيامة فلا ينقطع، وهذا معلوم بالضرورة من الدين من وقوع التكليف بمسألة الملكين في البرزخ وهي تكليف، و أما في عرصة القيامة، فقال تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} فهذا صريح في أن الله يدعوا الخلائق إلى السجود يوم القيامة، و أن الكفار يحال بينهم وبين السجود إذ ذاك) (652)، وذكروا أحاديث على جواز التكليف في الآخرة ذكرها ابن القيم وابن كثير وغيرهم فلتراجع.
ثانياً: الخطأ
1-المراد به لغة و اصطلاحاً:(1/233)
(الخطأ والخطاء: ضد الص-واب، وقد أخطأ، قال تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به}(653)عداه بالباء لأنه في معنى عثرتم أو غلطتم، وأخطأ الطريق، عدل عنه، وأخطأ الرامي الغرض: لم يصبه.. والخطأ: مالم يتعمد، والخطأ: ما تعمد، وقال الأموي: المخطيء: من أراد الصواب فصار إلى غيره، والخاطيء: من تعمد ما لا ينبغي، والخطيئة الذنب على عمد، والخطء: الذنب في قوله تعالى: {إن قتلهم كان خطئاً كبيراً}(654) أي إثماً، وقال تعالى: فيما حكاه عن أخوة يوسف: {إنا كنا خاطئين}(655)آي آثمين..) (656)، وقال الراغب في "المفردات": (الخطأ: العدول عن الجهة) ثم ذكر بعض صور الخطأ ومنها: (أن يريد ما يحسن فعله، ولكن يقع منه خلاف ما يريد فيقال أخطأ فهو خطيء، وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل، وهذا المعنى بقوله - صلى الله عليه وسلم- "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"(657)، وبقوله: " من اجتهد فأخطأ فله أجر"(658)، {ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة}(659) إلى أن يقول (وجملة الأمر أن من أراد شيئاً فاتفق منه غيره يقال: أخطأ، و إن وقع منه كما أراده يقال: أصاب، وقد يقال: لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد إرادة لا تجمل إنه أخطأ) (660).
والخلاصة أن معنى الخطأ في اللغة: أن يريد ويقصد أمراً، فيقع في غير ما يريد، أما الخطء: فهو الإثم أو الذنب المتعمد والله أعلم.(1/234)
أما معنى الخطأ في الاصطلاح: فهو قريب من المعنى اللغوي، قال الحافظ ابن رحب- رحمه الله -: (الخطأ: هو أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غير ما قصده، مثل أن يقصد قتل كافر فصادف قتله مسلماً) (661)، أو يظن أن الحق في جهته، فيصادف غير ذلك(662)، وقال الجرجاني: (الخطأ وهو ما ليس للإنسان فيه قصد.. كما إذا رمى شخصاً ظنه صيداً أو حربيا فإذا هو مسلم..) (663)، وهناك تعريفات أخرى(664) قريبة مما ذكر وحاصلها أن الخطأ في الاصطلاح: (كل ما يصدر عن المكلف من قول أو فعل خال عن إرادته وغير مقترن بقصد منه) (665).
2- الفرق بينه وبين الجهل:
الجهل يأتي بعدة معانى منها: خلو النفس من العلم(666)وهو المشهور، ومنها: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه(667)، ومنها: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقاداً صحيحاً أو فاسداً (668)ومنه قوله سبحانه: {فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة}(669). وقد سبق الكلام عن أدلة أهل العلم في العذر بالجهل، ومقصودهم بالجهل الذي يعذر صاحبه: أن يقول قولاً أو يعتقد اعتقاداً بخلاف (الحق)، غير عالم وغير قاصد للمخالفة، رغم اجتهاده في رفع الجهل عن نفسه، وهو بهذا المعنى يتفق مع الخطأ حيث إن الجاهل والمخطئ - حسب هذا المفهوم- غير قاصدين للمخالفة، لذلك وردت النصوص من الكتاب والسنة في إعذارهما ورفع الإثم عنهما - في الحقيقة- في حكم من لم تقم عله الحجة والله أعلم.
3- متى يكون عذرا في العقائد والأحكام؟
اتفق الأئمة على الإعذار بالخطأ-كما في الجهل- وإنما الخلاف في شمول ذلك للعقائد والأحكام، أم للأحكام فقط؟
وسنذكر هنا الأدلة العامة على العذر بالخطأ، ثم نشير إلى شمولها أو عدمه.
أ- أدلة عامة حول العذر بالخطأ:
استدل أهل السنة لذلك بأدلة كثيرة، سنأخذ أهمها ومنها:(1/235)
1- قوله سبحانه: {ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً}(670)، قال الحافظ في الفتح: (.. قال ابن التين: أجرى البخاري قوله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به}، في كل شئ، وقال غيره: هي في قصة مخصوصة وهي: ما إذا قال الرجل يا بني وليس هو ابنه... ولوسلم أن الآية نزلت فيما ذكر لم يمنع ذلك من الاستدلال بعمومها، وقد أجمعوا على العمل بعمومها في سقوط الإثم) (671).
2- واستدلوا بقوله تعالى:{ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها... الآية}(672)، فقيد الوعيد على قاتل المؤمن بالتعمد(673، وفرقت النصوص بين القتل المتعمد والقتل الخطأ في أحكام الدنيا والآخرة.
3- ومن الأدلة المشهورة قوله تعالى:{ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا}(674وثبت في الحديث الصحيح أن الله سبحانه استجاب لهذا الدعاء فقال:فقد فعلت(675).(1/236)
4- ومن الأحاديث المشهورة في العذر بالخطأ قوله-صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه" (676)، قال الحافظ ابن رجب في شرحه لهذا الحديث (الخطأ:هو أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غير ما قصده، مثل أن يقصد قتل كافر فصادف قتله مسلماً، والنسيان أن يكون ذاكراً الشئ فينساه عند الفعل، وكلاهما معفو عنه: يعني لا إثم فيه، ولكن رفع الإثم لا ينافي أن يترتب على نسيانه حكم، ولو قتل مؤمناً خطأ فإن عليه الكفارة والدية بنص الكتاب، وكذا لو أتلف مال غيره خطأ بظنه أنه مال نفسه..) إلى أن يقول:(والأظهر، والله أعلم أن الناسي والمخطئ إنما عفي عنهما بمعنى رفع الإثم عنهما لأن الإثم مرتب على المقاصد والنيات، والناسي والمخطئ لا قصد لهما فلا إثم عليهما، وأما رفع الأحكام عنهما فليس مراداً من هذه النصوص فيحتاج في ثبوتها ونفيها إلى دليل آخر) (677). وقد استدلوا بالحديث المشهور في قصة الرجل من بني إسرائيل(678)، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في تعليقه عليها: (فهذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو شك، وأنه لا يبعثه، وكل هذين الاعتقادين كفر، يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته، فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد، من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح، لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل فيغفر الله خطأه، أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك، فعظيم..) (679).
فهذا الحديث كثيراً ما يستدل به شيخ الإسلام في مسائل العذر بالجهل والخطأ، والتأويل.(1/237)
فهذا الرجل وقع في الخطأ - فتكلم بالكفر من غير قصد - بسبب جهله - فعذره الله سبحانه لعدم قيام الحجة عليه، أما الاستدلال به على مسألة العذر بالتأويل فمن باب أولى، لأن المتأول في حقيقته مجتهد مخطيء، فإذا لم يكفر المخطيء من غير اجتهاد- كما في هذه القصة - فعدم كفر من اجتهد في طلب الحق فأخطأ من باب أولى، وفي هذا المعنى يقول ابن الوزير - رحمه الله -: (.. قد تكاثرت الآيات والأحاديث في العفو عن الخطأ والظاهر أن أهل التأويل أخطأوا، ولا سبيل إلى العلم بتعمدهم) ثم ذكر بعض أدلة الإعذار بالخطأ ومنها قصة الرجل من بني إسرائيل، ثم علق عليها قائلاً (وإنما أدركته الرحمة لجهله وإيمانه بالله والمعاد ولذلك خاف العقاب.. وهذا أرجى حديث لأهل الخطأ في التأويل) (680)، فذكر أنه أخطأ بسبب الجهل فعذر، ثم استدل به على الخطأ بسبب التأويل والله أعلم..(1/238)
5- ونختم هذه الأدلة بحديث خاص بإعذار المجتهد المخطيء في الأحكام، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم-: " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، و إذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" (681)قال الحافظ الخطيب البغدادي - رحمه الله -: (فإن قيل: كيف يجوز أن يكون للمخطيء فيما أخطأ فيه أجر، وهو إلى أن يكون عليه في ذلك إثم لتوانيه وتفريطه في الاجتهاد حتى أخطأ؟ فالجواب، أن هذا غلط لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يجعل للمخطيء أجراً على خطئه، و إنما جعل له أجراً على اجتهاده، وعفا عن خطئه لأنه لم يقصده، و أما المصيب فله أجر على اجتهاده، وأجر على إصابته) (682)، واستدل جمهور العلماء بهذا الحديث على تخطئة بعض المجتهدين ممن لم يصب الحق و أن الحق مع أحدهم أو بعضهم، وفيه رد على من قال: كل مجتهد مصيب، يقول الإمام ابن قدامة - رحمه الله-: (والحق في قول واحد من المجتهدين ومن عداه مخطيء، سواء كان في فروع الدين أو أصوله) (683)، ثم ذكر الأدلة على ذلك ومنها هذا الحديث، وقال الإمام الزركشي(684): (واختلف العلماء في حكم أقوال المجتهدين، هل كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد؟ ذهب الشافعي و أبو حنيفة ومالك وأكثر الفقهاء رحمهم الله إلى أن الحق في أحدهما، و إن لم يتعين لنا فهو عند الله متعين، لاستحالة أن يكون الشيء الواحد في الزمان الواحد في الشخص الواحد حلالاً حراماً، و لأن الصحابة تناظروا في المسائل و احتج كل واحد على قوله: وخطأ بعضهم بعضاً، وهذا يقتضي أن كل واحد يطلب إصابة الحق، ثم اختلفوا، هل كل مجتهد مصيب أم لا؟ فعند الشافعي أن المصيب منهم واحد و إن لم يتعين، و إن جميعهم مخطيء إلا ذلك الواحد وبه قال مالك وغيره..) (685)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (فإذا أريد بالخطأ الإثم، فليس المجتهد بمخطيء بل كل مجتهد مصيب مطيع لله، فاعل ما أمره الله به، و إذا أريد به عدم العلم بالحق في نفس الأمر فالمصيب واحد، وله(1/239)
أجران..) (686)، ونختم الكلام حول هذا الحديث بالإشارة إلى أن من أخطأ فحكم أو أفتى بغير علم واجتهاد فهو آثم عاص(687)، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - (.. فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن و الإيمان مثلاً، أو لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهى عنها، أو لاتباع هواه بغير هدى من الله، فهو الظالم لنفسه، وهو من أهل الوعيد، بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطناً وظاهراً الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره الله ورسوله فهذا مغفور له خطؤه.....)(688)، لكنه لا يكفر إن فرط في الاجتهاد فوقع في الكفر خطأ، لأن الكفر يكون بعد قيام الحجة، يقول شيخ الإسلام: (.. و أما "التكفير" فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- وقصد الحق، فأخطأ لم يكفر، بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين: فهو كافر، ومن اتبع هواه، وقصر في طلب الحق، وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقاً، وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته..) (689)، ويقول - أيضاً -: (وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، و إن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة و إزالة الشبهة) (690)، وخلاصة هذا المبحث ما يلي:
قد تواترت النصوص من الكتاب والسنة في إعذار المخطيء، و أن حكمه حكم الجاهل والمتأول - فلا يكفر إلا بعد قيام الحجة عليه -، و أنه إن كان مجتهداً فيما يسوغ فيه الاجتهاد - فله أجر باجتهاده - ولو أخطأ - أما إن لم يكن مجتهداً وأخطأ فيأثم لتفريطه.
لكن هل يفرق في ذلك بين العقائد و الأحكام؟
ب- هل يفرق بين العقائد و الأحكام؟(1/240)
سبقت الاشارة في مبحث الجهل إلى بطلان التقسيم إلى فروع يعذر الجاهل فيها، و أصول لا يعذر، و أن هذا التقسيم لا دليل عليه ولا يعرف عن السلف، والمفرقون لم يذكروا حدا منضبطاً يمكن به التفريق بين الأصول والفروع، والعذر بالخطأ من جنس العذر بالجهل، لذلك بين أئمة السلف أنه لا يأثم المجتهد المخطيء لا في الأصول ولا في الفروع، والخلاف في هذه المسألة بين أئمة السلف ومخالفيهم من المتكلمين ومن تأثر بهم، فرع عن الخلاف في أصل عام شامل، وهو: هل يمكن لكل أحد أن يعرف باجتهاده الحق في كل مسألة فيها نزاع، و إذا لم يمكنه فاجتهد واستفرغ وسعه فلم يصل إلى الحق، بل قال ما اعتقد أنه هو الحق في نفس الأمر، ولم يكن هو الحق في نفس الأمر: هل يستحق أن يعاقب أم لا؟ وهل يفرق في ذلك بين الأصول والفروع أو بين المسائل العلمية والعملية691؟(1/241)
نقل شيخ الإسلام الأقوال في هذه المسألة، ثم بين أن قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة، والشافعي، والثوري وداود بن علي وغيرهم أنهم (لا يؤثمون مجتهداً مخطئاً لا في المسائل الأصولية ولا في الفروعية، كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره، ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء(692إلا الخطابية(693، ويصححون الصلاة خلفهم، والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين، ولا يصلي خلفه. وقالوا: هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين: إنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحداً من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية، قالوا: والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام من المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه، ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره، قالوا: والفرق في ذلك بين مسائل الأصول والفروع كما أنه بدعة محدثة في الإسلام، لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع، بل ولا قالها أحد من السلف والأئمة، فهي باطلة عقلاً، فإن المفرقين بين ما جعلوه مسائل أصول ومسائل فروع لم يفرقوا بينهما بفرق صحيح يميز بين النوعين، بل ذكروا ثلاثة فروق أو أربعة كلها باطلة..) (694) ثم ذكر هذه الفروق ورد عليها، وفي مواضع أخرى، ذكر بعض الأمثلة عن السلف فقال: (... و أيضاً فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل(695)، واتفقوا على عدم التكفير بذلك مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة، وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه، ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف، وكذلك لبعضهم في قتال بعض، ولعن بعض، وإطلاق تكفير بعض، أقوال معروفة، وكان القاضي شريح ينكر قراءة من قرأ: (بل عجبت) (696)ويقول: إن الله لا يعجب... فكان يقول (بل عجبت) فهذا قد أنكر قراءة ثابتة وأنكر صفة دل(1/242)
عليها الكتاب والسنة، واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة، وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروفاً من القرآن، مثل إنكار بعضهم قوله: { أفلم ييأس الذين آمنو}(697)وقال: إنما هي: أو لم يتبين الذين آمنوا،و إنكار الآخر قراءة قوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}(698)
وقال: إنما هي: ووصى ربك وبعضهم كان حذف المعوذتين، وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر، ومع هذا فلما لم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا، و إن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة بالنقل المتواتر..) (699).(1/243)
إذاً العذر بالخطأ يعم المسائل العلمية والعملية، وليس في النصوص ما يدل على التفريق، لكن قد يقول قائل: إذا قلنا: إن المجتهد المخطيء في مسائل العقيدة يرفع عنه الإثم، فهل نقول أيضاً: إن المجتهد المخطيء يؤجر أجراً واحداً، كالمجتهد في أمور الأحكام والعمل؟ فيجاب عن ذلك، بأن النصوص الواردة، فيها رفع الاثم عن المجتهد المخطيء، وليس فيها ما يدل على أن كل مجتهد مخطيء يكون مأجوراً باستثناء قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب.. الحديث"، وهذا كما هو واضح من سياقه خاص بالحاكم أي القاضي، ومثله المفتي، وقد أشار شيخ الإسلام إلى شيء من هذا المعنى حيث قال: (.. وكذلك كل من عبد عبادة نهى عنها ولم يعلم بالنهي - لكن هي من جنس المأمور به - مثل من صلى في أوقات النهي، وبلغه الأمر العام بالصلاة ولم يبلغه النهي، أو تمسك بدليل خاص مرجوح، مثل صلاة جماعة من السلف ركعتين بعد العصر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلاهما ... بخلاف ما لم يشرع جنسه مثل الشرك، فإن هذا لا ثواب فيه، و إن كان لا يعاقب صاحبه إلا بعد بلوغ الرسالة كما قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}(700).. فالعقاب عليها مشروط بتبليغ الرسالة، و أما بطلانها في نفسها فلأنها غير مأمور بها، فكل عبادة غير مأمور بها فلابد أن ينهى عنها، ثم إن علم أنها منهي عنها استحق العقاب، فإن لم يعلم لم يستحق العقاب، و إن اعتقد أنها مأمور بها وكانت من جنس المشروع فإنه لم يعلم لم يستحق العقاب، و إن اعتقد أنها مأمور بها وكانت من جنس المشروع فإنه يثاب عليها، وإن كانت من جنس الشرك فهذا الجنس ليس فيه شيء مأمور به، لكن قد يحسب بعض الناس في بعض أنواعه أنه مأمور به...)(701).(1/244)
فشيخ الإسلام - فيما يبدو - استند في كلامه هذا إلى القاعدة المعروفة في أن العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً أريد به وجه الله، صواباً بما شرع الله، فلما لم يشرع جنسه غالباً يكون في أمور العقيدة كصور الشرك ونحوها من البدع الحقيقية التي يكثر وجودها لدى الفرق المشهورة، أما الاجتهاد الخاطيء فيما شرع جنسه فغالباً يكون في مسائل الاجتهاد من أمور التعبد ونحوها.
ثالثاً: الإكراه (*)
1- تعريفه لغة واصطلاحاً:
أ- معنى الإكراه في اللغة:
جاء في اللسان: (وقد أجمع كثير من أهل اللغة أن الكَره والكُره لغتان، فبأي لغة وقع فجائز...))702(.
وقال الفراء: (الكره، بالضم، المشقة، يقال: قمت على كره: أي على مشقة، قال: ويقال أقامني فلان على كره، بالفتح، إذا أكرهك عليه، وقال ابن سيده: الكره الإباء والمشقة تحتملها من غير أن تكلفها..) )703 (.
وجاء في المعجم: (كره الشيء كرهاً وكراهة وكراهية: خلاف أحبه فهو كريه ومكروه، وأكرهه على الأمر: قهره عليه، وكره إليه الأمر، صيره كريهاً إليه، والمكره: ما يكرهه الإنسان ويشق عليه، وجمعه مكاره))704(، وجاء في المصباح المنير: (الكره، بالفتح، المشقة، بالضم، القهر، وقيل: بالفتح، الإكراه، بالضم، والمشقة، وأكرهته على الأمر إكراهاً، حملته عليه قهراً، يقال: فعلته كرهاً، بالفتح، أي إكراهاً، ومنه، قوله تعالى: (طوعاً وكرهاً))705( فقابل بين الضدين ))706(
فنلاحظ مما سبق، أن معاني الإكراه، تدور حول المشقة والقهر والإجبار، ومنافاة الرضى والمحبة والاختيار.
ب- المعنى الاصطلاحي:
عرف الفقهاء الإكراه، بتعريفات كثيرة، بينها بعض الاختلافات اليسيرة، بحسب اختلافهم في بعض شروط الإكراه وأنواعه، وسأذكر بعض التعريفات باختصار:(1/245)
قال ابن حزم - رحمه الله - في تعريف الإكراه: (والإكراه هو كل ما سمي في اللغة إكراهاً، وعرف بالحس أنه إكراه، كالوعيد بالقتل ممن لا يؤمن منه إنفاذ ما توعد به، والوعيد بالضرب كذلك ...))707(. وعرفه ابن حجر - رحمه الله - بقوله:(هو إلزام الغير بما لا يريده))708 (.
وعرفه الشرقاوى )709 (من الشافعية فقال في تعريفه: (الإلجاء إلى فعل الشيء قهراً) )710 (.
وعرفه علاء الدين البخاري )711 (، تعريفاً شاملاً، فقال: (حمل الغير على أمر يمتنع عنه، بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه، ويصير الغير خائفاً فائت الرضا بالمباشرة) )712 (.
وهذه التعريفات وإن اختلفت عباراتها، إلا أنها متفقة في معانيها من حيث الإجمال: فتتفق هذه التعريفات على: أن في الإكراه إلزاماً للغير قهراً - بالوعيد بالقتل أو غيره - على فعل أمر لا يريده ولا يحبه، وهذه المعاني تتفق مع المعنى اللغوي، وبعض تفصيلات التعريف، سنتحدث عنها عند الكلام عن أنواع الإكراه وشروطه.
2- أنواع الإكراه:
قسم جمهور الأصوليين والفقهاء والإكراه إلى نوعين إكراه ملجيء وهو الإكراه التام، وإكراه غير ملجيء، وهو الإكراه الناقص.
أ-الإكراه الملجيء (التام):
وهو الذي يقع على نفس المكره: ولا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار: كأن يهدد الإنسان بقتله أو بقطع عضو من أعضائه كيده أو رجله، أو بضرب شديد يفضي إلى هلاكه أو بإتلاف جميع ماله، فمتى غلب على ظنه أن ما هدد به سيقع عليه، جاز له القيام بما دفع إليه بالتهديد، باعتباره في حالة ضرورة شرعية )713 (.
ب-الإكراه غير الملجيء (الناقص):
وهو التهديد أو الوعيد بما دون تلف النفس أو العضو، كالتخويف بالضرب أو القيد أو الحبس أو إتلاف بعض المال، وهذا النوع يفسد الرضا، ولكنه لا يفسد الاختيار لعدم الاضطرار إلى مباشرة ما أكره عليه لتمكنه من الصبر على ما هدد به )714 (.(1/246)
وقد يلحق بهذا النوع، التهديد بحبس الأب أو الابن أو الزوجة و الأخت والأم والأخ، وهناك نزاع في اعتبار هذا القسم من أقسام الإكراه )715 (، فالقياس يقتضي عدم اعتباره من الإكراه لأن الضرر فيه لا يلحق بالمكره - والأصل في اعتبار المكره به (وسيلة الإكراه) - أن يلحق المكره بالتهديد به، الخوف والمشقة والضيق، أما الاستحسان فيعده من الإكراه، لأن المكره يلحقه الغم والاهتمام والحزن والحرج إذا أصاب أحداً من محارمه مكروه، فيندفع إلى الإتيان بما أمر به كما لو وقع الضرر به أو أشد )716 (.
قال الإمام ابن قدامة - رحمه الله -: (وإن توعد بتعذيب ولده، فقد قيل ليس بإكراه لأن الضرر لاحق بغيره، والأولى أن يكون إكراهاً لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله، والوعيد بذلك إكراه فكذلك هذا) )717 (.
قال في الإنصاف: (ضرب ولده وحبسه ونحوهما: إكراه لوالده، على الصحيح من المذهب، صححه في الفروع، والقواعد الأصولية، وغيرهما) )718 (.
3- بعض المسائل المتعلقة بالإكراه:
سنشير - بإيجاز - إلى بعض المسائل المهمة المتعلقة بمفهوم الإكراه وأنواعه.
أ- ما الحكم لو أكره المرء على قتل معصوم؟(1/247)
نقل الأئمة الإجماع على أنه لا يحل للمرء أن يفدي نفسه بقتل غيره، وممن نقل ذلك الإمام ابن العربي والقرطبي وابن رجب - رحمهم الله - قال القرطبي: (أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غيره، أنه لا يجوز له الإقدام على قتله ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره، ويصبر على البلاء الذي نزل به، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة) (719 (. وقال الإمام ابن رجب - رحمه الله -: (اتفق العلماء على أنه لو أكره على قتل معصوم لم يصح له أن يقتله، فإنه إنما يقتله باختياره افتداء لنفسه من القتل، هذا إجماع من العلماء المعتد بهم ...))720(. لكن إن قتله فما الحكم يقول ابن رجب: (فإذا قتله في هذه الحال فالجمهور على أنهما يشتركان في وجوب القود المكرِه والمكرَه لاشتراكهما في القتل، وهو قول مالك والشافعي في المشهور عنه وأحمد، وقيل يجب على المكرِه وحده، لأن المكَره صار كالآلة، وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وروى عن زفر كالأول، وروى عنه أنه يجب على المكَره لمباشرته، وليس هو كالآلة، لأنه آثم بالاتفاق ...))721(.
ب- هل يفرق بين الأقوال والأفعال؟
لا خلاف بين الفقهاء في أن أفعال القلوب كالحب والبغض لا مجال للإكراه فيها )722 (. ومحل الإكراه أفعال الجوارح من الأقوال والأفعال، فهل هناك فرق في الرخصة بين الإكراه على القول، والإكراه على الفعل؟
يقول الإمام القرطبي في حكاية الخلاف في هذه المسألة: (ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرخصة إنما جاءت في القول، وأما في الفعل فلا رخصة فيه، مثل أن يكرهوا على السجود لغير الله أو الصلاة لغير القبلة، أو قتل مسلم أو ضربه أو أكل ماله، أو الزنى وشرب الخمر وأكل الربا، يروى هذا عن الحسن البصري، وهو قول الأوزاعي وسحنون ...
وقالت طائفة: الإكراه في الفعل والقول سواء إذا أسر الإيمان، روى ذلك عن عمر بن الخطاب ومكحول، وهو قول مالك وطائفة من أهل العراق ... )723 (.(1/248)
وق-ال الإمام ابن رجب - رحمه الله -: (ولو أكره على شرب الخمر أو غيره من الأفعال المحرمة، ففي إباحته قولان:
أحدهما: يباح له ذلك استدلالاً بقوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) )724 ( ...وهذا قول الجمهور كالشافعي وأبي حنيفة، وهو المشهور عن أحمد، وروى نحوه عن الحسن ومكحول ومسروق، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يدل عليه.
القول الثاني: أن التقاة تكون في الأقوال ولا تقاة في الأفعال ولا إكراه عليها، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وأبي العالية وأبي الشعثاء، والربيع بن أنس والضحاك وهو رواية عن أحمد، وروي عن سحنون أيضاً، وعلى هذا لو شرب الخمر أو سرق مكرهاً حد ...))725(.
والصحيح عدم التفريق بين الأقوال والأفعال، لعموم قوله تعالى: من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) )726 (.
فلم يفرق في الآية بين الأقوال والأفعال، قال الإمام الشوكاني: (وذهب الحسن البصري، والأوزاعي والشافعي وسحنون إلى أن هذه الرخصة المذكورة في هذه الآية، إنما جاءت في القول، وأما الفعل فلا رخصة، مثل أن يكره على السجود لغير الله، ويدفعه ظاهر الآية فإنها عامة فيمن أكره من غير فرق بين القول والفعل، ولا دليل لهؤلاء القاصرين للآية على القول، وخصوص السبب لا اعتبار مع عموم اللفظ ...))727(.
وكذلك يقال:إذا أبيح للمكره سب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم أنواع الكفر، فمن باب أولى رفع الحرج عما دونه من الأقوال والأفعال.
ومن الأدلة على شمول العذر بالإكراه للأفعال قوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا، ومن يكرههن، فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) )728 (.(1/249)
قال الإمام الشوكاني - رحمه الله -: (وشرط الله سبحانه هذا النهي بقوله (إن أردن تحصناً)، لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة الإحصان، ...وقيل إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب، لأن الغالب أن الإكراه لا يكون إلا عند إرادة التحصن، فلا يلزم منه جواز الإكراه عند عدم إرادة التحصن، وهذا الوجه أقوى هذه الوجوه..) )729 (. وقوله تعالى (ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم).
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: (فإن فعلتم فإن الله غفور رحيم، وإثمهن على من أكرههن، وكذا قال مجاهد وعطاء الخراساني والأعمش وقتادة ...وعن الزهري قال: غفور لهن ما أكرهن عليه، وعن زيد بن أسلم قال: غفور رحيم للمكرهات، حكاهن ابن المنذر في تفسيره بأسانيده... ) )730 (.
وقال الإمام ابن العربي - رحمه الله - حول هذه الآية: (وهذه الآية تدل على تصور الإكراه في الزنا، خلافاً لمن أنكر ذلك من علمائنا، وهو ابن الماجشون وغيره، ولا ينهى الله إلا عن متصور، ولا يقع التكليف إلا بما يدخل تحت القدرة، لذلك قلنا: إنه لا حد عليه، لأن الإكراه يسقط حكم التكليف، ... وقوله تعالى: (فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) هذه المغفرة إنما هي للمكُرهَ لا للذي أكره عليه وألجأ المكره المضطر إليه، ولذلك كان يقرؤها عبد الله بن مسعود، (فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم)، والمغفرة تتعلق بالمكره المضطر إليه فضلاً من الله ...))731(.
والخلاصة أن الرخصة بالإكراه شاملة للأقوال والأفعال، باستثناء الإجماع على عدم الرخصة في القتل، والخلاف في مسألة الزنا.
ج- - هل يكفي التهديد والوعيد بمفرده في اعتبار الإكراه؟(1/250)
اتفق العلماء على أن الوعيد إن اقترن بنوع من العذاب فهو إكراهاً، وإنما وقع الخلاف في الوعيد المجرد، فالأحناف والمالكية والشافعية، ورواية عن أحمد ذهبوا إلى أن الوعيد المجرد يعد إكراهاً، والرواية الأخرى عن أحمد يذهب فيها إلى وجوب اقتران الوعيد بمفرده فعن أحمد فيه روايتان:
إحداهما: ليس بإكراه، لأن الذي ورد الشرع بالرخصة معه ما ورد في حديث عمار وفيه (أنهم أخذوك فغطوك في الماء) )732 (، فلا يثبت الحكم إلا فيما كان مثله.
والرواية الثانية: أن الوعيد بمفرده إكراه، قال في رواية ابن منصور حد الإكراه إذا خاف القتل أو ضرباً شديداً، وهذا قول أكثر الفقهاء وبه يقول أبو حنيفة والشافعي) ثم رجح الإمام ابن قدامة الرواية الثانية وعلل ذلك بقوله: (لأن الإكراه لا يكون إلا بالوعيد، فإن الماضي من العقوبة لا يندفع بفعل ما أكره عليه، ولا يخشى من وقوعه، وإنما أبيح له فعل المكره عليه دفعاً لما يتوعده به من العقوبة فيما بعد،...ولأنه متى توعده بالقتل وعلم أنه يقتله فلم يبح له الفعل أفضى إلى قتله وإلقائه بيده إلى التهلكة، ولا يفيد ثبوت الرخصة بالإكراه شيئاً ...وثبوت الإكراه في حق من نيل بشيء من العذاب لا ينفي ثبوته في حق غيره ) )733 (.
وفرق القاضي أبو يعلى بين التوعد بالقتل والتوعد بغيره فقال - رحمه الله -: (...فإن كان التوعد بالقتل، وكان ذلك من قاهر مقتدر فيجب أن يقال: إنه إكراه، رواية واحدة، لأن الفعل إذا وقع لم يمكن رفعه، وليس كذلك، إذا كان التوعد بضرب وحبس لأن الفعل إذا وقع يمكن رفعه ...))734(.(1/251)
وقال الإمام مالك - رحمه الله -: (والوعيد المخوف إكراه وإن لم يقع، إذا تحقق ظلم ذلك المعتدي وإنفاذه لما يتوعد به ) )735 (، وقال الإمام أبو بكر بن العربي - رحمه الله -: (وقد اختلف الناس في التهديد، هل هو إكراه أم لا؟ والصحيح أنه إكراه، فإن القادر الظالم إذا قال لرجل: إن لم تفعل كذا وإلا قتلتك، وضربتك أو أخذت مالك، أو سجنتك، ولم يكن له من يحميه إلا الله، فله أن يقدم على الفعل، ويسقط عنه الإثم في الجملة، إلا في القتل ...))736(، كل ما سبق يتعلق بوسيلة الإكراه، وهناك جانب آخر يتعلق بالمكره عليه، نبه إليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث قال: (تأملت المذاهب، فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره، فليس المعتبر في كلمات الكفر، كالإكراه المعتبر بالهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب وقيد، ولا يكون الكلام إكراهاً، وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها بمسكنه فلها أن ترجع على أنها لا تهب إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها، فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراهاً، ولفظه في موضع آخر لأنه أكرهها، ومثل هذا لا يكون إكراهاً على الكفر، فإن الأسير إن خشي الكفار أن لا يزوجوه أو أن يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر ) )737 (، فشيخ الإسلام - رحمه الله - يفرق بين الإكراه على الكفر، والإكراه على غيره من الأحكام، فمن أكره على الكفر لا يباح له التكلم بذلك إلا بعد التعذيب، أما غير ذلك فيكفي فيه الكلام والتخويف.
إذاً نستنتج مما سبق ما يلي:
أن الوعيد يعتبر إكراهاً، وخاصة الوعيد بالقتل، يستثنى من ذلك الإكراه على الكفر فلا يكفي فيه مجرد الوعيد إلا إن كان وعيداً بالقتل من قادر يغلب على الظن تنفيذ ما يعد به.
4- متى يكون الإكراه عذراً (شروط الإكراه)؟ (*)(1/252)
ليس كل من ادعى الإكراه يقبل منه، بل لابد من شروط يجب توافرها ليكون الإكراه معتبراً ومؤثراً فيما يقدم عليه المكلف من أقوال أو أفعال أو تروك، وهذه الشروط هي:
أ- أن يكون المكره قادراً على تحقيق ما أوعد به، لأن الإكراه لا يتحقق إلا بالقدرة، فإن لم يكن قادراً لم يكن للإكراه معنى ولا اعتبار.
ب- أن يكون المكره عاجزاً عن الدفع عن نفسه بالهرب أو الاستغاثة أو المقاومة ونحو ذلك.
ج- أن يغلب على ظنه وقوع الوعيد، إن لم يفعل ما طلب منه.
أ-(أن يكون مما يستضر به المكره ضرراً كثيراً كالقتل والضرب الشديد، والقيد والحبس الطويلين، فأما الشتم والسب فليس بإكراه رواية واحدة، وكذلك أخذ المال اليسير، فأما الضرر اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه، وإن كان من ذوي المروءات على وجه يكون إخراقاً بصاحبة وغضباً له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره...))738(.
وفي هذا المعنى يقول الإمام السرخسي (*)(*) - رحمه الله -: (والحد في الحبس الذي هو إكراه في هذا ما يجيء منه الاغتمام البين، وفي الضرب الذي هو إكراه ما يجد منه الألم الشديد، وليس في ذلك حد يزاد عليه ولا ينقص عنه، لأن معنى المقادير بالرأي لا يكون، ولكن على قدر ما يرى الحاكم إذا رفع ذلك إليه فما رأي أنه إكراه أبطل الإقرار به لأن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس، فالوجيه الذي يضع الحبس من جاهه، تأثير الحبس والقيد يوماً في حقه فوق تأثير حبس شهر في حق غيره فلهذا لم يقدر منه بشيء وجعلناه موكلاً إلى رأي القاضي لينبني ذلك على حال من ابتلي به) )739 (، إذا ليس هناك حد منضبط إذا وجد تحقق الإكراه، بل ذلك بحسب الشخص ووسيلة الإكراه، وإنما المعتبر في ذلك وجود الضرر البدني على جسمه، والنفسي من الخوف والرهبة في نفسه بسبب التهديد والوعيد ونحوه )740 (.
5- الإكراه على الكفر:(1/253)
والأصل في ذلك قوله سبحانه: (من كفر من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) )741 (.
والمشهور في سبب نزولها ما رواه أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر )742 ( عن أبيه قال: (أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ما وراءك)؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير قال: (كيف تجد قلبك)، قال: مطمئناً بالإيمان، قال: (إن عادوا فعد) )743 (، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (واتفقوا على أنه (أي عمار ) نزل فيه (إلا من أكره وقلبه مطمئن) )744 (. قال أبو بكر الجصاص عن هذه الآية: (هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه) )745 (، بل إن هذا أصل العذر بالإكراه في الأصول والفروع، قال ابن العربي: (لما سمح الله تعالى في الكفر به، وهو أصل الشريعة، عند الإكراه، ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به) )746 (.(1/254)
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان): (فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظة مكرهاً، لما ناله من ضرب وأذى، وقلبه يأبى ما يقول وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله) )747 (، وقال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: (وقلبه مطمئن بالإيمان) أي: ساكن إليه راض به، (ولكن من شرح بالكفر صدراً) قال قتادة: من أتاه بإيثار واختيار، وقال ابن قتيبة: من فتح له صدره بالقبول، وقال أبو عبيدة: المعنى: من تابعته نفسه، وانبسط إلى ذلك، يقال: ما ينشرح صدري بذلك، أي: ما يطيب) (748 (، وقال الإمام الشوكاني: (ولكن من شرح بالكفر صدراً) أي اعتقد وطابت به نفسه، واطمأن إليه) )749 (، إذاً لابد من طمأنينة القلب بالإيمان، وبغض وكراهية الكفر، وهذا شرط مجمع عليه )750 (.
قال ابن بطال تبعاً لابن المنذر: (أجمعوا على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن بالإيمان أنه لا يحكم عليه بالكفر ولا تبين منه زوجته ...))751(.
وقال ابن العربي - رحمه الله -: (وأما الكفر بالله، فذلك جائز له (أي المكرَه) بغير خلاف على شرط أن يلفظ وقلبه منشرح بالإيمان، فإن ساعد قلبه في الكفر لسانه كان آثماً كافراً، لأن الإكراه لا سلطان له في الباطن، وإنما سلطانه على الظاهر ...))752(.
لكن ينبغي أن نعلم، أنه وإن جاز قول الكفر أو فعله بسبب الإكراه - إلا أن الصبر أفضل وأعظم أجراً، قال ابن بطال - رحمه الله -: (أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل، أنه أعظم أجراً عند الله ممن اختار الرخصة) )753 (، ويقول الإمام ابن العربي - رحمه الله -: (إن الكفر وإن كان بالإكراه جائزاً عند العلماء فإن من صبر على البلاء ولم يفتتن حتى قتل فإنه شهيد، ولا خلاف في ذلك، وعليه تدل آثار الشريعة التي يطول سردها ...))754(.(1/255)
وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: (والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه ولو أفضى إلى قتله) )755 (.
واستدلوا لذلك بأحاديث كثيرة من أشهرها حديث خباب بن الأرت - رضي الله عنه - وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه) )756 (.
قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: (فوصفه صلى الله عليه وسلم هذا عن الأمم السالفة على جهة المدح لهم، والصبر على المكروه في ذات الله، وأنهم لم يكفروا في الظاهر، وتبطنوا الإيمان ليدفعوا العذاب عن أنفسهم، وهذه حجة من آثر الضرب والقتل والهوان على الرخصة...))757(.
ويتأكد الصبر في حق من يفتدي به العوام ويتبعونه في تصرفاته وأقواله، فلو تلفظ - مثل هذا - بالكفر رخصة - مع احتمال أن الكثير من العوام لا يعرفون حقيقة الأمر، وهو أن ما أظهره خلاف ما يبطنه، فيؤدي هذا التصرف إلى فتنتهم، بل قد يصل الأمر إلى التحريم في حقه بسبب ما يسببه من فساد )758 (، وفي هذا المعنى قول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل - رحمه الله - حين سئل عن العالم وهل يأخذ بالتقية قال: (إذا أجاب العالم تقية، والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟ ) )759 (.
رابعاً: التأويل
1-المراد به (في اللغة والاصطلاح)
أ- في اللغة:(1/256)
مادة (أول) في كل استعمالاتها اللغوية تفيد معنى الرجوع، والعود، جاء في اللسان: (الأول: الرجوع: آل الشيء يؤول أولاً ومآلاً: رجع، وأول إليه الشيء: رجعه، وآلت عن الشيء: ارتددت ...والإيل والأيل: من الوحش، وقيل ه-و الوعل، قال الفارسي: سمي بذلك لمآله إلى الجبل يتحصن فيه ...وقال أبو عبيد في قوله: (وما يعلم تأويله إلا الله) )760 (قال: التأويل المرجع والمصير، مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي صار إليه، وأولته: صيرته إليه ...))761( وفي تهذيب اللغة: (وأما التأويل فهو تفعيل من أول يؤول تأويلاً وثلاثيه آل يؤول: أي رجع وعاد) )762 ( وقال ابن فارس: (أول الحكم إلى أهله: أي أرجعه ورده إليهم ...وآل الجسم إذا نحف، أي رجع إلى تلك الحالة، ومن هذا الباب تأويل الكلام وهو عاقبته وما يؤول إليه، وذلك قوله تعالى: (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق) )763 (، ويقول: ما يؤول إليه في وقت بعثهم ونشورهم ...))764(.
إذا التأويل هو ما أول إليه أو يؤول إليه، أو تأول إليه، والكلام إنما يرجع ويعود ويستقر ويؤول إلى حقيقته التي هي عين المقصود به )765 (، وهذا هو المعنى الوارد في الكتاب والسنة.
ب- أما معنى التأويل في اصطلاح العلماء، فله ثلاثة معان:
الأول: (أن يراد بالتأويل حقيقة ما يؤول إليه الكلام، وإن وافق ظاهره، وهذا هو المعنى الذي يراد بلفظ التأويل في الكتاب والسنة، كقوله تعالى: (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق) )766 (، ومنه قول عائشة - رضي الله عنها -: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد: اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) )767 (.(1/257)
الثاني: يراد بلفظ التأويل: (التفسير) وهو اصطلاح كثير من المفسرين، ولهذا قال مجاهد - إمام أهل التفسير -: إن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، فإنه أراد بذلك تفسيره وبيان معانيه، وهذا مما يعلمه الراسخون.
الثالث: أن يراد بلفظ (التأويل): صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه ظاهره إلى ما يخالف ذلك، لدليل منفصل يوجب ذلك، وهذا التأويل لا يكون إلا مخالفاً لما يدل عليه اللفظ ويبينه، وتسمية هذا تأويلاً لم يكن في عرف السلف، وإنما سمي هذا وحده تأويلاً طائفة من المتأخرين الخائضين في الفقه وأصوله والكلام، وهذا هو التأويل الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض، ورموا في آثارهم بالشهب ...))768، وهذا التأويل الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في مسألة الصفات والقدر ونحوها.
وهو من أعظم أصول الضلال والانحراف حيث صار ذريعة لغلاة الجهمية والباطنية والمتصوفة في تأويل التكاليف الشرعية على غير مقصودها أو إسقاطها أو تأويل جميع الأسماء والصفات.
وأهل التأويل المذموم (مراتب ما بين قرامطة وباطنية يتأولون الأخبار والأوامر، وما بين صائبة فلاسفة عامة الأخبار عن الله واليوم الآخر، حتى عن أكثر أحوال الأنبياء، وما بين جهمية ومعتزلة يتأولون بعض ما جاء في اليوم الآخر وفي آيات القدر ويتأولون آيات الصفات، وقد وافقهم بعض متأخري الأشعرية على ما جاء في بعض الصفات، وبعضهم في بعض ما جاء في اليوم الآخر، وآخرون من أصناف الأمة وإن كان تغلب عليهم السنة، فقد يتأولون أيضاً مواضع يكون تأويلهم من تحريف الكلم عن مواضعه ...))769(.
وليس مقصودنا الكلام عن فرق التأويل ومراتبها، أو الرد التفصيلي على تأويل بعض النصوص، وإنما حديثنا هنا يقتصر على حكم من وقع بالكفر متأولاً بسبب - بعض الشبه - هل يعذر؟
2- العذر بالتأويل(1/258)
العذر بالتأويل متفق عليه عند الأئمة - كالعذر بالجهل والخطأ - وإنما الخلاف في حدود التأويل الذي يعذر صاحبه والذي لا يعذر، يقول الإمام ابن حزم - رحمه الله -: (ومن بلغه الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من طريق ثابتة، و هو مسلم، فتأول في خلافه إياه، أو رد ما بلغه بنص آخر، فلما لم تقم عليه الحجة في خطئه في ترك ما ترك، وفي الأخذ بما أخذ، فهو مأجور معذور، لقصده إلى الحق، وجهله به، وإن قامت عليه الحجة في ذلك، فعاند فلا تأويل بعد قيام الحجة ) )770 (.وقرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مواضع، واستدل بقصة الرجل من بني إسرائيل، وقدامة بن مظعون وغيرها، قال - رحمه الله: (والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فقد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئاً، وكنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: (إذا أنا مت فأحرقوني، ثم أسحقوني، ثم ذروني في اليم، فوالله لأن قدر الله على ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين، ففعلوا به ذلك، فقال الله له ما حملك على ما فعلت، قال: خشيتك، فغفر له ) )771 ( فهذا الرجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك، والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا) )772 (، وقال أيضاً: (إن القول قد يكون كفراً كمقالات الجهمية الذين قالوا: إن الله لا يتكلم ولا يرى في الآخرة، ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر فيطلق القول بتكفير القائل، كما قال السلف: من(1/259)
قال القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر، ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم، كمن جحد وجوب الصلاة، والزكاة، واستحل الخمر والزنا وتأول، فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه، فإن كان المتأول المخطيء في تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له واستتابته - كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر )773 (، ففي غير ذلك أولى وأحرى ...))774(.ويقول: (وكذلك التكفير حق الله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله، وأيضاً فإن تكفير الشخص المعين، وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئاً من الدين يكفر، ولهذا لما استحل طائفة من الصحابة والتابعين كقدامة بن مظعون وأصحابه شرب الخمر وظنوا أنها تباح لمن عمل صالحاً على ما فهموه من آية المائدة )775 (، واتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على أنهم يستتابون، فإن أصروا على الاستحلال كفروا، وإن أقروا به جلدوا، فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداءاً لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق) )776 (، وكذلك الحكم على كل من استحل محرماً من المحرمات الظاهرة المتواترة، إذا لم تقم عليه الحجة، وعرضت له شبهات من جنس ما عرض لهؤلاء، فالتكفير يكون بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
1- ويقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - بعدما بين كفر من جحد فريضة من فرائض الإسلام، أو تحريم محرم من محرماته: (وأما من جحد ذلك جهلاً، أو تأويلاً يعذر فيه صاحبه، فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه، أمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله له، ورحمه لجهله، إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه، ولم يجحد قدرة الله على إعادته عناداً أو تكذيباً) )777 (.(1/260)
2- وممن قرر ذلك أيضاً ابن الوزير(*) - رحمه الله - واستدل بأدلة العذر بالخطأ فقال: (قد تكاثرت الآيات والأحاديث في العفو عن الخطأ، والظاهر أن أهل التأويل أخطأوا ولا سبيل إلى العلم بتعمدهم لأنه من علم الباطن الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، في خطاب أهل الإسلام خاصة: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) )778 (، وقال تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) )779 وصح في تفسيرها أن الله تعالى قال: قد فعلت في حديثين صحيحين )780... ())781(، واستدل بقصة الرجل من بني إسرائيل حيث قال عنهما:
(...وهذا أرج-ى حديث لأه-ل الخطأ في التأوي-ل) )782 (، واستدل بقوله تعالى: (ولكن من شرح بالكفر صدراً...))783(، حيث قال: (إن المتأولين غير كف-ار لأن صدورهم لم تنشرح بالكفر قطعاً أو ظناً أو تجويزاً أو احتمالاً) )784 (، وكذلك استدل بقول أمير المؤمنين على بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن الخوارج: (من الكفر فروا)، فقال: (فكذلك جميع أهل التأويل من أهل الملة، وإن وقعوا في أفحش البدع والجهل)785 (، فقد علم منهم أن حالهم في ذلك هي حال الخوارج ...))786(.
3- التأويل الذي يعذر صاحبه والذي لا يعذر(1/261)
هناك مسائل وأصول لا خلاف في عذر المتأول فيها ممن لم تقم عليه الحجة، ومن أبرز ذلك التأويل في استحلال المحرمات الظاهرة المتواترة، أو جحد وجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، أو بعض تأويلات المعتزلة والمرجئة والجهمية، ونحوهم حيث يستندون ببعض الشبه النصية، وكذلك هناك تأويلات لا خلاف في عدم العذر بها كتأويلات الباطنية، والفلاسفة وغيرهم من الغلاة، وبين ذلك أصول تختلف الأنظار والاجتهادات في العذر من عدمه. يقول الإمام الشافعي - رحمه الله - حاكياً الإجماع على قبول شهادة أهل الأهواء وإن تأولوا واستحلوا المحرمات: (..فلم نعلم أحداً من سلف الأمة يقتدى به، ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله، ورآه استحل فيه ما حرم عليه، ولا شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله، وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول، وذلك أنا وجدنا الدماء أعظم ما يعرض الله بها بعد الشرك، ووجدنا متأولين يستحلونها بوجوه، وقد رغب لهم نظراؤهم عنها وخالفوهم فيها، ولم يردوا شهادتهم بما رأوا من خلافهم فكل مستحل بتأويل من قول أو غيره فشهادته ماضية ولا ترد من خطأ في تأويله ...))787( وهذا الكلام من الإمام الشافعي يدل على إعذاره المتأولين ممن يستحلون المحرمات، ولو كانوا كفاراً لم تقبل شهادتهم، وأطال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بيان أن الوعيد لا يلحق المعين إلا بتوفر شروط وانتفاء الموانع، وضرب لذلك أمثلة كثيرة منها، من استحل بعض صور الربا ببعض التأويلات، كما أفتى بذلك بع-ض أئمة السلف، قال - رحمه الله -: (...لا يحل لمسلم أن يعتقد أن أحداً منهم بعينه أو من قلده بحيث يجوز تقليده: تبلغهم لعنة آكل الربا، لأنهم فعلوا ذلك متأولين تأويلاً سائغاً في الجملة..)، وكذلك قال عن بعض ما يستحلون بعض الأشربة من جنس الخمر: (وقد كان رجال من أفاضل الأمة علماً وعملاً من الكوفيين يعتقدون أن لا خمر إلا من(1/262)
العنب، وأن ما سوى العنب والتمر لا يحرم من نبيذه إلا مقدار ما يسكر، ويشربون ما يعتقدون حله، فلا يجوز أن يقال: إن هؤلاء مندرجون تحت الوعيد، لما كان لهم من العذر الذي تأولوا به، أو لموانع أخرى ...وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفهما، فالقاتل والمقتول في النار) )788 (، يجب العمل به في تحريم قتال المؤمنين بغير حق، ثم إنا نعلم أن أهل الجمل وصفين ليسوا في النار، لأن لهم عذراً وتأويلاً في القتال، وحسنات منعت المقتضى أن يعمل عمله) إلى أن يقول: (وهذا باب واسع، فإنه يدخل فيه جميع الأمور المحرمة بكتاب أو سنة إذا كان بعض الأمة لم يبلغهم أدلة التحريم فاستحلوها، أو عارض تلك الأدلة عندهم أدلة أخرى رأوا رجحانها عليها، مجتهدين في ذلك الترجيح بحسب عقلهم وعملهم، فإن التحريم له أحكام من التأثيم والذم والعقوبة والفسق وغير ذلك، لكن شروط وموانع ) )789 (.
إذاً هؤلاء وأمثالهم ممن استحل بعض المحرمات الظاهرة المتواترة كشرب الخمر والربا والقتل لا يلحقهم الوعيد الوارد من اللعنة أو التكفير أو غيره، بسبب تأولهم وتمسكهم ببعض الشبهات حتى تقام عليهم الحجة وتزول عنهم الشبهة.
وقد سبق نقل بعض النقولات عن الأئمة، عند بحث (العذر بالجهل) وبينا عدم التفريق بين العقائد والأحكام في ذلك، وفي الفقرة السابقة إشارة من ابن تيمية وابن القيم حول بعض المسائل العقدية التي يعذر المتأول فيها، إن لم تقم عليه الحجة، فلتراجع وسيأتي مزيد من إيضاح لذلك، في بيان الموقف من المتأولين، في الفقرة التالية.(1/263)
أما التأويلات التي لا يعذر أصحابها، فتأويلات الباطنية والفلاسفة ونحوهم ممن حقيقة أمرهم تكذيب للدين جملة وتفصيلا، أو تكذيب لأصل لا يقوم الدين إلا به كإنكار الفلاسفة لحشر الأجساد وقولهم إن الله سبحانه لا يعلم الجزئيات، أو تأويل الفرائض والأحكام بما يخرجها عن حقيقتها وظاهرها، أو الاعتقاد بألوهية بعض البشر كتأليه علي أو الحاكم بأمره كما عند النصيرية والدروز، أو القول بتحريف القرآن، أو تأويل جميع الأسماء والصفات أو القول بسقوط التكالي-ف عن البعض ونحو ذلك من الاعتقادات الغالية التي لا تعتمد على أي مستند نصي أو لغوي ولو من وجه محتمل.
يقول ابن الوزير - رحمه الله -: (... وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم ضرورة للجميع، وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى بل جميع القرآن والشرائع والمعاد الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار، وإنما يقع الإشكال في تكفير من قام بأركان الإسلام الخمسة المنصوص على إسلام من قام بها إذا خالف المعلوم ضرورة للبعض أو للأكثر لا المعلوم له، وتأول وعلمنا من قرائن أحواله أنه ما قصد التكذيب أو التبس ذلك علينا في حقه وأظهر التدين والتصديق بجميع الأنبياء والكتب الربانية مع الخطأ الفاحش في الاعتقاد، ومضاده الأدلة الجلية، ولكن لم يبلغ مرتبة الزنادقة المقدمة ...))790(.(1/264)
ويقول أيضاً: (... أما من كذب اللفظ المنزل أو جحده، كفر متى كان ممن يعلم بالضرورة أنه يعلمه بالضرورة، وإنما الكلام في طوائف الإسلام الذين وافقوا على الإيمان بالتنزيل، وخالفوا في التأويل فهؤلاء لا يكفر منهم إلا من تأويله تكذيب، ولكن سماه تأويلاً مخادعة للمسلمين ومكيدة للدين كالقرامطة الذين أنكروا وصف الله تعالى بكونه موجوداً وعالماً وقادراً ونحو ذلك من الصف-ات التي عل-م الكاف-ة بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بها على ظاهرها ...))791(، وقال الملا القاري الحنفي: (...وأما من يؤول النصوص الواردة في حشر الأجساد، وحدوث العالم، وعلم الباري بالجزئيات فإنه يكف لما علم قطعاً من الدين أنها على ظواهرها بخلاف ما ورد في عدم خلود أهل الكبائر في النار لتعارض الأدلة في حقهم ...))792(، وذكر الإمام ابن حزم - رحمه الله - أمثلة كثيرة لبعض الطوائف الغالية المنسوبة إلى الإسلام، وبعض ضلالاتها فقال: (وقد تسمى باسم الإسلام من أجمع جميع فرق الإسلام على أنه ليس مسلماً، مثل طوائف من الخوارج غلوا فقال: إن الصلاة ركعة بالغداة، وركعة بالعشي فقط ...، وقالوا: إن سورة يوسف ليست من القرآن، وطوائف كانوا من المعتزلة ثم غلوا فقالوا بتناسخ الأرواح، وآخرون قالوا: إن النبوة تكتسب بالعمل الصالح، وآخرون ...قالوا قد يكون في الصالحين من هو أفضل من الأنبياء، وأن من عرف الله حق معرفته فقد سقطت عنهم الأعمال والشرائع وقال بعضهم بحلول الباري تعالى في أجسام خلقه كالحلاج وغيره ...))793(.
وبعد الإشارة إلى الأصول التي يعذر المتأول بها، والأصول التي لا يعذر المتأول بها، يرد علينا تساؤل مهم، وهو هل هناك حد منضبط نفرق به بين ما يعذر صاحبه، وما لا يعذر؟(1/265)
في حدود بحثي ومطالعتي المحدودة، لم يتبين لي حد أو ضابط يمكن أن يكون فاصلاً في ذلك. سوى ما سبقت الإشارة إليه من عمومات قال بها بعض العلماء، ولكن الاعتبار في ذلك يكون بقيام الحجة أو عدمها، وذلك بوجود من يقيم الحجة ويزيل الشبهة عن المعين حتى يتبين له الحق، أو يصر على ضلالة وباطله فيحكم بردته.
4- الموقف من أهل التأويل
الخلاف بين العلماء في حدود التأويل المقبول وغير المقبول، أدى إلى خلاف بينهم في الحكم على الفرق المتأولة، ونحن لن نبحث تفصيل الحكم على كل فرقة، وهل الراجح تكفيرها أو عدمه، وإنما مقصودنا الإشارة المجملة إلى إعذار الأئمة للمتأولين المعينين، مهما بلغ خطؤهم إذا لم تقم عليهم الحجة.(1/266)
يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - موقف الأئمة من الفرق المشهورة فيقول: (...وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير (المرجئة) و(الشيعة المفضلة) ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع - من هؤلاء وغيرهم - خلافاً عنه، أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم وهذا غلط على مذهبه، وعلى الشريعة، ومنهم من لم يكفر أحداً من هؤلاء إلحاقاً بأهل المعاصي، قالوا: فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب، فكذلك لا يكفرون أحداً ببدعة، والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير (الجهمية المحضة) الذين ينكرون الصفات، ...وأما الخوارج والروافض ففي تكفيرهم نزاع وتردد عن أحمد وغيره، وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال) (794 (، ثم بين سبب التنازع، فيقول: (وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة، فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم، ثم إنهم يرون من الأعيان، الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافراً، فيتعارض عندهم الدليلان، وحقيقة الأمر أنهم أصابوا في ألفاظ العموم في كلام الأئمة، ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، كلما رأوهم قالوا: من قال كذا فهو كافر، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط انتفت الموانع، بين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة، الذين أطلقوا هذه العمومات )795 (، ولم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه..) )796 (، ثم ضرب مثالاً كرره في عدة مواضع - وهو موقف الإمام أحمد من أعيان الجهمية فقال: (...مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال: إنه جهمي كفره، ولا كل من(1/267)
وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم، وإمامتهم، ويدعو لهم، ويرى الائتمام بهم في الصلاة خلفهم، والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة، وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم، وإن لم يعلموا هم أنه كفر، وكان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان، فيجمع بين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين، وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة، وإن كان-وا جهالاً مبتدعين، وظلمة فاسقين ))797 (، أما تكفير الإمام أحمد لبعض أعيان الجهمية، فبين شيخ الإسلام ذلك بقوله: (...وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية، الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى في الآخرة، وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه كفر به قوماً معينين، فإما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التفصيل، فيقال: من كفر بعينه، فليقام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير، وانتفت موانعه، ومن لم يكفره بعينه فلانتفاء ذلك في حقه، هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم ...))798(.(1/268)
ونختم هذه النقولات عن شيخ الإسلام، بنص أشبه بالقاعدة، التي تساعدنا على فهم كلام الأئمة في التكفير أو التبديع على العموم وعلى التعيين، يقول: (...فإذا رأيت إماماً قد غلط على قائل مقالته، أو كفره فيها فلا يعتبر هذا حكماً عاماً في كل من قالها، إلا إذا حصل فيه الشرط الذي يستحق به التغليظ عليه، والتكفير له، فإن جحد شيئاً من الشرائع الظاهرة، وكان حديث العهد بالإسلام، أو ناشئاً ببلد جهل لا يكفر حتى تبلغه الحجة النبوية، وكذلك العكس إذا رأيت المقالة المخطئة، قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت، عدم بلوغ الحجة له، فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول ...))799(.(1/269)
ونختم هذه الفقرة بتفصيل جيد ذكره الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - بين فيه موقف السلف المبتدعة ومن يعذر منهم ومن لا يعذر، قال: (... أما أهل السنة والجماعة فيسلكون معهم ومع جميع أهل البدع المسلك المستقيم المبني على الأصول الشرعية والقواعد المرضية، ينصفونهم، ولا يكفرون منهم إلا من كفره الله ورسوله، ويعتقدون أن الحكم بالكفر والإيمان من أكبر حقوق الله وحقوق رسوله، فمن جحد ما جاء به الرسول أو جحد بعضه غير متأول من أهل البدع فهو كافر، لأنه كذب الله ورسوله واستكبر على الحق وعانده، فكل مبتدع من جهمي وقدري وخارجي ورافضي ونحوهم عرف أن بدعته مناقضة لما جاء به الكتاب والسنة ثم أصر عليها ونصرها فهو كافر بالله العظيم مشاق لله ورسوله من بعد ما تبين له الهدى، زمن كان من أهل البدع مؤمناً بالله ورسوله ظاهراً وباطناً معظماً لله ورسوله ملتزماً ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه خالف الحق وأخطأ في بعض المقالات وأخطأ في تأويله، من غير كفر وجحد للهدى الذي تبين له لم يكن كافراً، ولكنه يكون فاسقاً مبتدعاً، أو مبتدعاً ضالاً، أو معفواً عنه لخفاء المقالة، وقوة اجتهاده في طلب الحق الذي لم يظفر به، ولهذا كان الخوارج والمعتزلة والقدرية ونحوهم من أهل البدع أقساماً متنوعة: منهم من هو كافر بلا ريب كغلاة الجهمية)800 (، الذين نفوا الأسماء والصفات وقد عرفوا أن بدعتهم مخالفة لما جاء به الرسول، فهؤلاء مكذبون للرسول عالمون بذلك، ومنهم من هو مبتدع ضال فاسق كالخوارج المتأولين والمعتزلة الذين ليس عندهم تكذيب للرسول ولكنهم ضلوا ببدعتهم، وظنوا أن ما هم عليه هو الحق، ولهذا اتفق الصحابة رضي الله عنهم، في الحكم على بدعة الخوارج ومروقهم كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة فيهم، واتفقوا - أيضاً على عدم خروجهم من الإسلام )801 (مع أنهم استحلوا دماء المسلمين، وأنكروا الشفاعة في أهل الكبائر، وكثيراً من الأصول الدينية، ولكن(1/270)
تأويلهم منع من تكفيرهم، ومن أهل البدع من هو دون هؤلاء ككثير من القدرية وكالكلابية والأشعرية، فهؤلاء مبتدعة ضالون في الأصول التي خالفوا فيها الكتاب والسنة، وهي معروفة مشهورة، وهم في بدعهم مراتب بحسب بعدهم عن الحق وقربهم، وبحسب بغيهم على أهل الحق بالتكفير والتفسيق والتبديع، وبحسب قدرتهم على الوصول إلى الحق، واجتهادهم فيه، وضد ذلك، وتفصيل القول فيه يطول جداً ...))802( وخلاصة موقف السلف من المتأولين ...أنهم لا يحكمون على جميع الفرق المتأولة المنتسبة لهذه الأمة، حكماً عاماً بالكفر أو عدمه، وإذا حكموا على بعضها بالكفر (كحكمهم على غلاة الجهمية) فيفرقون بين الحكم العام، وبين الحكم على المعين، فالمعينون متفاوتون بحسب قيام الحجة عليهم أو عدم قيامها، وبحسب اجتهادهم وتأويلهم، أو استكبارهم وجحدهم، ففيهم المنافق والزنديق، وفيهم المبتدع الضال، وفيهم الفاسق، وفيهم المجتهد المغفور له خطؤه والله أعلم.
5- التكفير بالمآل أو (بلازم المذهب) )803 (
قال الإمام ابن رشد الحفيد - رحمه الله -: (ومعنى التكفير بالمآل: أنهم لا يصرحون بقول هو كفر، ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم) )804 (. أما اللازم فمعناه: ما يمتنع انفكاكه عن الشيء، وقد يكون هذا اللازم بيناً وهو الذي يكفي تصوره مع ملزومه في جزم العقل باللزوم بينهما، وقد يكون غير بين، وهو الذي يفتقر جزم الذهن باللزوم بينهما إلى وسيط )805 (، والذي يظهر من كلام الأئمة أنهم لا يفرقون في الحكم بين اللوازم البينة الظاهرة، واللوازم الخفية، فإن الإنسان قد يذهل عن اللازم القريب، بل غالب كلامهم عن اللوازم البينة التي ثبت لزومها، فإذا ثبت عدم المؤاخذة بها وعدم لزومها، فالخفية من باب أولى )806 (.
أقوال الأئمة في ذلك:(1/271)
قال الإمام ابن حزم - رحمه الله -: (وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ لأنه كذب على الخصم، وتقويل له ما لم يقل به، وإن لزمه، فلم يحصل على غير التناقض فقط، والتناقض ليس كفراً، بل قد أحسن إذ فر من الكفر ...))807(.
وتكلم شيخ الإسلام من هذه المسألة في مواضع، ومنها قوله - رحمه الله -: (...لازم قول الإنسان نوعان:
أحدهما: لازم قوله الحق، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحق حق، ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذاهب الأئمة: من هذا الباب.(1/272)
الثاني: لازم الذي ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقص، وقد ثبت أن التناقص واقع من كل عالم غير النبيين، ثم إن عرف من حاله: أنه يلتزمه بعد ظهوره له، فقد يضاف إليه، وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه، لكونه قد قال ما يلزمه وهو لا يشعر بفساد ذلك القول ولا يلزمه، وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب هل هو مذهب؟ أو ليس بمذهب هو أجود من إطلاق أحدهما، فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله، وما لا يرضاه فليس قوله وإن كان متناقضاً ...))808(، ويقول أيضاً: (...ولو كان لازم المذهب مذهباً للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة، فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه أو صفاته حقيقة ...))809(، وقال الإمام ابن الوزير - رحمه الله - في رده على من يكفر بالإلزام: (إن التكفير بالإلزام، ومآل المذهب رأي محض، لم يرد به السمع لا تواتراً، ولا إجماعاً، والفرض أن أدلة التكفير والتفسيق لا تكون إلا سمعية، فانهدت القاعدة، وبقي التكفير به على غير أساس ...))810(، ويقول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله -: (...فالصواب والتحقيق الذي يدل عليه الدليل أن لازم المذهب الذي لم يصرح به صاحبه ولم يشر إليه ولم يلتزمه ليس مذهباً، لأن القائل غير معصوم، وعلم المخلوق مهما بلغ فإنه قاصر، فبأي برهان نلزم القائل بما لم يلتزمه، ونقوله ما لم يقله، ولكننا نستدل بفساد اللازم على فساد الملزوم، فإن لوازم الأقوال من جملة الأدلة على صحتها وضعفها وعلى فسادها، فإن الحق لازمه حق، والباطل يكون له لوازم تناسبه، فيستدل بفساد اللازم - خصوصاً اللازم الذي يعترف القائل بفساده - على فساد الملزوم ...))811(، ويفصل الشيخ محمد العثيمين الكلام حول حالات اللازم، ثم يتكلم عن اللازم المسكوت عنه فيقول:(1/273)
الحالة الثالثة: أن يكون اللازم مسكوتاً عنه فلا يذكر بالتزام ولا منع، فحكمه في هذه الحال أن لا ينسب إلى القائل لأنه يحتمل لو ذكر له أن يلتزم به أو يمنع التلازم، ويحتمل لو ذكر فتبين له لزومه وبطلانه أن يرجع عن قوله، لأن فساد اللازم يدل على فساد الملزوم، ولورود هذين الاحتمالين لا يمكن الحكم بأن القول قول، فإن قيل: إذا كان هذا اللازم لازماً من قوله لزم أن يكون قولاً له، لأن ذلك هو الأصل - لاسيما مع قرب التلازم -، قلنا: هذا مدفوع بأن الإنسان بشر وله حالات نفسية وخارجية توجب الذهول عن اللازم، فقد يغفل أو يسهو أو ينغلق فكره، أو يقول القول في مضايق المناظرات من غير تفكير في لوازمه ونحو ذلك) )812 (، نكتفي بهذه الأقوال، وهناك أقوال أخرى عن الأئمة في هذا المعنى)813 ( وملخصها: أن لازم قول الإنسان ليس قولاً له، ونسبته إليه تقويل له ما لم يقل، والتكفير باللازم افتراء لا يجوز ولا دليل عليه، وإنما نستفيد من معرفة اللازم، بيان تناقض الخصم وفساد قوله، والله أعلم.
خامساً: التقليد
1-المراد به (تعريفه لغة واصطلاحاً):
أ- أصل التقليد في اللغة: وضع الشيء في العنق محيطاً به، وذلك الشيء يسمى قلادة، والجمع قلائد، ومنه تقليد الهدي، فكأن المقلد جعل الحكم الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده، ويستعمل التقليد - أيضاً - في تفويض الأمر إلى الشخص كأن الأمر جعل في عنقه كالقلادة، قالت الخنساء:
يقلده القوم ما نابهم……وإن كان أصغرهم مولداً)814 (
ب- أما في اصطلاح: فتكاد تنحصر تعريفات الأئمة في ثلاثة تعريفات متقاربة المعنى.
الأول: أن التقليد: قبول قول القائل وأنت لا تعلم من أين قاله، (أي لا تعرف مأخذه) )815 (.
الثاني: قبول قول الغير بلا حجة )816 (.
الثالث: اتباع قول من ليس قوله حجة )817 (، وهو قريب من الثاني.(1/274)
(فخرج بقولنا: "من ليس قوله حجة" اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع أهل الإجماع، واتباع الصحابي إذا قلنا حجة فلا يسمى اتباع شيء من ذلك تقليداً لأنه اتباع للحجة..) )818 (.
وبذلك نلاحظ تقارب هذه التعريفات، وأن التعريف الثالث أدق، لأن من يتبع من قوله حجة لا يحتاج إلى معرفة مأخذه، أو حجته باعتباره حجة بنفسه.
التقليد في الأحكام )819 (
يلخص شيخ الإسلام - رحمه الله - مذهب جماهير الأمة في التقليد والاجتهاد، فيقول: (...والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد في الجملة، والتقليد جائز في الجملة، لا يوجبون الاجتهاد على كل أحد ويحرمون التقليد، ولا يوجبون التقليد على كل أحد ويحرمون الاجتهاد، وأن الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد، والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد، فأما القادر على الاجتهاد، فهل يجوز له التقليد؟
هذا فيه خلاف، والصحيح أنه يجوز حيث عجز الاجتهاد: إما لتكافؤ الأدلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له، فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه وانتقل إلى بدله وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء، وكذلك العامي إذا أمكنه الاجتهاد في بعض المسائل جاز له الاجتهاد، فإن الاجتهاد منصب يقبل التجزيء والانقسام، فالعبرة بالقدرة والعجز ...))820(، ويقول الإمام ابن عبد البر - رحمه الله - بعدما ساق من الأدلة والأقوال في إبطال التقليد وفساده -: (هذا كله لغير العامة، فإن العامة لابد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها، لأنها لا تبين موقع الحجة ولا تصل - بعدم الفهم - إلى علم ذلك، لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة والله أعلم، ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها) )821 (. وفصل الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - في بيان التقليد الجائز وغير الجائز.(1/275)
فقال: (والتحقيق أن التقليد منه ما هو جائز، ومنه ما ليس بجائز، ومنه ما خالف فيه المتأخرون المتقدمين - من الصحابة وغيرهم - من القرون الثلاثة المفضلة، أما التقليد الجائز الذي لا يكاد يخالف فيه أحد من المسلمين فهو تقليد العامي عالماً أهلاً للفتيا في نازلة نزلت به، وهذا النوع من التقليد كان شائعاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف فيه، فقد كان العامي، يسأل من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم النازلة تنزل به، فيفتيه فيعمل بفتياه، وإذا نزلت به نازلة أخرى لم يرتبط بالصحابي الذي أفتاه أولاً، بل يسأل عنها من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعمل بفتياه، وأما ما لا يجوز من التقليد بلا خلاف، فهو تقليد المجتهد الذي ظهر له الحكم باجتهاده، مجتهد آخر يرى خلاف ما ظهر له هو، للإجماع على أن المجتهد إذا ظهر له الحكم باجتهاده، لا يجوز له أن يقلد غيره المخالف لرأيه)822 (، أما نوع التقليد الذي خالف فيه المتأخرون الصحابة وغيرهم من القرون المشهود لهم بالخير، فهو تقليد رجل واحد معين غيره من جميع العلماء، فإن هذا النوع من التقليد، لم يرد به نص من كتاب ولا سنة، ولم يقل به أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير، وهو مخالف لأقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله، فلم يقل أحد منهم بالجمود على قول رجل واحد معين دون غيره من جميع علماء المسلمين، فتقليد العالم المعين من بدع القرن الرابع، ومن يدعي خلاف ذلك فليعين لنا رجلاً واحداً من القرون الأولى التزم مذهب رجل واحد معين ولن يستطيع ذلك أبداً، لأنه لم يقع البتة ...))823(.(1/276)
والخلاصة مما سبق، أن التقليد يجوز العامي العاجز عن فهم الحجة، ويحرم على العالم إذا اجتهد وبان له الحق في المسألة أن يقلد مجتهداً مثله، أما إذا لم يجتهد في المسألة مع قدرته فيجوز له التقليد في حالات معينة على الصحيح والله أعلم.
3- التقليد في العقائد، وهل يكون عذراً؟
اختلف الأئمة والعلماء في مسألة التقليد في العقائد، فذهب كثير من الأصوليين والمتكلمين إلى تحريم التقليد، وذهب كثير من الفقهاء من الحنابلة والظاهرية وغيرهم إلى جواز ذلك، وسنعرض إلى هذين الرأيين - باختصار -.
الرأي الأول: قال الزركشي - رحمه الله -: (..والعلوم نوعان: عقلي وشرعي، الأول: العقلي، وهو المسائل المتعلقة بوجود الباري وصفاته، واختلفوا فيها، والمختار أنه لا يجوز التقليد، بل يجب تحصيلها بالنظر، وجزم به الأستاذ أبو منصور )824 ( والشيخ أبو حامد الأسفراييني في تعليقه، وحكاه الأستاذ أبو إسحاق في "شرح الترتيب" عن إجماع أهل العلم من أهل الحق وغيرهم من الطوائف، وقال أبو الحسين بن القطان في كتابه: لا نعلم خلافاً في امتناع التقليد في التوحيد...وحكاه ابن السمعاني عن جميع المتكلمين، وطائفة من الفقهاء وقالوا: لا يجوز للعامي التقليد فيها، ولابد أن يعرف ما يعرفه بالدليل..) )825 (.
وقال الفخر الرازي - رحمه الله -: (لا يجوز التقليد في أصول الدين، لا للمجتهد، ولا للعوام، وقل كثير من الفقهاء بجوازه) )826 ( ومن أهم أدلة من يمنع ذلك ما يلي:
1- أن النظر واجب، وفي التقليد ترك للواجب فلا يجوز )827 ( واستدلوا لذلك بالأدلة العامة الواردة في ذلك من مثل قوله تعالى: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض..) الآية )828 (.(1/277)
وبعضهم وضع ذلك شرطاً في صحة الإيمان، قال الزركشي: (وجزم أبو منصور بوجوب النظر، ثم قال: فلو اعتقد من غير معرفة بالدليل، فاختلفوا فيه، فقال أكثر الأئمة: إنه مؤمن من أهل الشفاعة، وإن فسق بترك الاستدلال، وبه قال أئمة الحديث، وقال الأشعري وجمهور المعتزلة: (لا يكون مؤمناً، حتى يخرج فيها عن جملة المقلدين ) )829 (.
2- وفرقوا بين العقائد والأحكام، وقالوا: إن المطلوب في العقائد العلم واليقين، وذلك لا يحصل من التقليد، بخلاف الفروع فإن المطلوب فيها الظن، وهو حاصل م--ن التقليد )830 (، وقالوا: العقائد أهم الفروع والمخطيء فيها كافر )831 (.(1/278)
الرأي الثاني: جواز التقليد في العقائد، ونقل عن الأئمة الأربعة، واشتهر عن الحنابلة والظاهرية وغيرهم )832 ( ونسبه شيخ الإسلام - رحمه الله - إلى جمهور الأمة. قال رحمه الله: (أما في المسائل الأصولية فكثير من المتكلمة والفقهاء من أصحابنا وغيرهم من يوجب النظر والاستدلال على كل أحد ...وأما جمهور الأمة فعلى خلاف ذلك، فإن ما وجب علمه إنما يج--ب على من يقدر على تحصيل العلم، وكثير من الناس عاجز عن العلم بهذه الدقائق، فكيف يكلف العلم بها؟ ) )833 (. ومن أهم أدلتهم: (أن الأصول والفروع قد استويا في التكليف بهما، وقد جاز التقليد في الفروع فكذلك في الأصول) )834 (، ولا دليل على التفريق بينهما، وردوا على ما اشترط أو أوجب النظر على الجميع، بأن ذلك يقتضي تضليل أو تكفير عوام المسلمين، وأن ذلك من تكليف ما لا يطاق، يقول المظفر بن السمعاني - رحمه الله - (إيجاب معرفة الأصول على ما يقوله المتكلمون، بعيد جداً عن الصواب، ومتى أوجبنا ذلك، فمتى يوجد من العوام من يعرف ذلك؟ ويصدر عقيدته عنه؟ كيف وهم لو عرضت عليهم تلك الأدلة لم يفهموها، وإنما غاية العامي أن يتلقى ما يريد أن يعتقده ويلقى به ربه من العلماء، ويتبعهم في ذلك ويقلدهم) إلى أن يقول: (ونحن لا ننكر من الدلائل العقلية بقدر ما ينال المسلم به رد لخاطر، وإنما المنكر إيجاب التوصل إلى العقائد في الأصول بالطريق الذي اعتقدوا، وساموا به الخلق، وزعموا أن من لم يفعل ذلك لم يعرف الله تعالى، ثم أدى بهم ذلك إلى تكفير العوام أجمع..) )835 (.(1/279)
ويقول الحافظ صلاح الدين العلائي في بيان ذلك: ( من لا أهلية له لفهم شيء من الأدلة أصلاً وحصل له اليقين التام بالمطلوب، إما بنشأته على ذلك أو لنور يقذفه الله في قلبه، فإنه يكتفي منه ذلك، ومن فيه أهليه لفهم الأدلة لم يكتف منه إلا بالإيمان عن دليل، ومع ذلك فدليل كل أحد بحسبه وتكفي الأدلة المجملة التي تحصل بأدنى نظر، ومن حصلت له شبهة وجب عليه التعلم إلى أن تزول عنه ...أما من غلا فقال لا يكفي إيمان المقلد فلا يلتفت إليه، لما يلزم منه القول بعدم إيمان أكثر المسلمين، وكذا من غلا - أيضاً فقال: لا يجوز النظر في الأدلة، لما يلزم منه من أن أكابر السلف لم يكونوا من أهل النظر) )836 (، ورد الإمام الشوكاني على ما حكاه أبو منصور البغدادي عن أئمة الحديث بأنهم يفسقون تارك الاستدلال، فقال: (فيالله العجب من هذه المقالة التي تقشعر لها الجلود وترجف عند سماعها الأفئدة، فإنها جناية على جمهور هذه الأمة المرحومة، وتكليف لهم بما ليس في وسعهم ولا يطيقونه، وقد كفى الصحابة الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد، ولا قاربوها - الإيمان الجملي، ولم يكلفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرهم بمعرفة ذلك ولا أخرجهم عن الإيمان بتقصيرهم عن البلوغ إلى العلم بذلك بأدلته، وما حكاه الأستاذ أبو منصور عن أئمة الحديث من أنه مؤمن وإن من فسق فلا يصح التفسيق عنهم بوجه من الوجوه بل مذهب سابقهم ولاحقهم الاكتفاء بالإيمان الجملي، وهو الذي كان عليه خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ...))837(.
أما اشتراط بعضهم النظر، واستدلاله--م بالآي-ات الواردة في ذلك (فلا حجة فيها لأن من لم يشترط النظر لم ينكر أصل النظ-ر، وإنما أنكر توقف الإيمان على وجود النظر بالطرق الكلامية إذا لا يلزم من الترغيب في النظر جعله شرطاً) )838 (.
الخلاصة والترجيح:(1/280)
بعرض الرأيين ندرك بطلان اشتراط النظر والاستدلال، أو إيجابه على الجميع، لضعف الاستدلال على ذلك، ولقيامه على أصل فاسد، وهو التفريق بين الأصول والفروع، وقولهم: إن الأصول يجب فيها اليقين والعلم فلا يجوز فيها التقليد، والفروع يكفي فيها الظن، وقد بينا في مبحثي الجهل والخطأ فساد هذا التقسيم، إذا يجوز التقليد في العقائد للعامي الذي لا يستطيع النظر والاستدلال، كجواز ذلك في الأحكام ولا فرق. أما من يستطيع الاستدلال فلا يجوز له التقليد في العقائ-د أو الأحكام، للأدلة الواردة في ذم التقليد والمقلدين)839 (. لكن لا يشترط النظر والاستلال لصحة الإيمان والله أعلم.
4- هل يكون التقليد عذراً؟
بينا في الفقرات السابقة: أنه لا فرق بين العقائد والأحكام في مسألة جواز التقليد لمن عجز عن الاستدلال أو الاجتهاد، وفي هذه الفقرة، سنشير إلى حكم من وقع في الكفر تقليداً، هل يعذر بذلك؟
الذي يظهر من كلام الأئمة أن العذر بالتقليد من جنس العذر بالتأول والجهل، باعتبار المقلد جاهلاً لا يفهم الدليل أو الحجة، فإذا عذر من وقع في الكفر متأولاً رغم علمه واجتهاده، فعذر من يقلده من العوام الجهال من باب أولى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بعدما تكلم عن كفر وضلال أهل الحلول والاتحاد من غلاة المتصوفة كابن سبعين وابن عربي وابن الفارض وأمثالهم: (... فكل من كان أخبر بباطن هذا المذهب، ووافقهم عليه، كان أظهر كفراً، وإلحاداً، وأما الجهال الذين يحسنون الظن بقول هؤلاء ولا يفهمونه، ويعتقدون أنه من جنس كلام المشايخ العارفين الذين يتكلمون بكلام صحيح لا يفهمه كثير من الناس، فهؤلاء تجد فيهم إسلاماً وإيماناً، ومتابعة للكتاب والسنة بحسب إيمانهم التقليدي، وتجد فيهم إقراراً لهؤلاء وإحساناً للظن بهم، وتسليماً لهم بحسب جهلهم وضلالهم، ولا يتصور أن يثني على هؤلاء إلا كافراً ملحد، أو جاهل ضال ...))840(.(1/281)
فنلاحظ من كلام شيخ الإسلام إعذاره للجهال الذين يحسنون الظن بكلام هؤلاء الغلاة ولا يفهمونه حيث قال: إن فيهم إسلاماً وإيماناً ومتابعة للكتاب والسنة رغم ضلالهم وجهلهم، وفي موضع آخر يشير - رحمه الله - إلى موقف الإمام أحمد -رحمه الله - من ولاة الأمر الذين قالوا بقول الجهمية، وامتحنوا وعاقبوا من خالفهم (ومع هذا فالإمام أحمد - رحمه الله تعالى - ترحم عليهم واستغفر لهم، لعلمه بأنهم لم )841 ( يبين لهم أنهم مكذبون للرسول، ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطأوا، وقلدوا من قال لهم ذلك ...))842( فالإمام أحمد رحمه الله عذر هؤلاء لأنهم مقلدون لمن يظنونهم من أهل العلم، وقد استدل شيخ الإسلام بهذا الموقف من إمام أهل السنة من بعض أتباع الجهمية على العذر بالتأويل والجهل - كما سبق - مما قد يدل على أن العذر بالتقليد عنده من جنس العذر بالجهل والخطأ والله أعلم.
وفي موضع ثالث يشير إلى عذر بعض من يقلد الشيوخ والعلماء فيما هو من جنس الشرك، قال - رحمه الله - بعد كلام حول هذا الموضوع: (..وإن كانت من جنس الشرك، فهذا الجنس ليس فيه شيء مأمور به، لكن قد يحسب بعض الناس في بعض أنواعه أنه مأمور به، وهذا لا يكون مجتهداً، لأن المجتهد لابد أن يتبع دليلاً شرعياً، وهذه لا يكون عليها دليل شرعي، لكن قد يفعلها باجتهاد مثله، وهو تقليده لمن فعل ذلك من الشيوخ والعلماء, والذين فعلوا ذلك قد فعلوه لأنهم رأوه ينفع، أو لحديث كذب سمعوه، فهؤلاء إذا لم تقم عليهم الحجة بالنهي لا يعذبون..) )843 (.(1/282)
وقال أيضاً: (وأما المنتسبون إلى الشيخ يونس، فكثير منهم كافر بالله ورسوله، لا يقرون بوجوب الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، بل لهم من الكلام في سب الله ورسوله والقرآن والإسلام ما يعرفه من عرفهم. أما من كان فيهم من عامتهم لا يعرف أسرارهم وحقائقهم، فهذا يكون معه إسلام عامة المسلمين الذي استفاده من سائر المسلمين لا منهم ...))844(.
ويفصل الإمام ابن القيم - رحمه الله - في بيان أقسام أهل البدع فيقول: (...وأما أهل البدع الموافقون أهل الإس-لام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم، فهؤلاء أقسام: أحدهما:
الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق، ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادراً على تعلم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله غفوراً رحيماً.
القسم الثاني: المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالاً بدنياه ورئاسته ولذته ومعاشه وغير ذلك، فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات، فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته، وإن غلب ما فيه من السنة والهدى قبلت شهادته.
القسم الثالث: أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى، ويتركه تقليداً أو تعصباً، أو بغضاً ومعاداة لأصحابه، فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقاً، وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل ...))845(.
مما سبق يتبين لنا إعذار الأئمة لمن وقع في الكفر تقليداً إن كان جاهلاً لا بصيرة له ولا فقه، أما إن كان قادراً على فهم الحجة وفرط في طلبها فإنه يأثم، ولكنه لا يكفر إلا بعد قيام الحجة والله أعلم.
الباب الثالث
نواقض الإيمان الاعتقادية(1/283)
الفصل الأول: ما يناقض قول القلب.
الفصل الثاني: ما يناقض عمل القلب.
الفصل الثالث: العلاقة بين النواقض الاعتقادية وغيرها.
الفصل الأول: ما يناقض قول القلب
1- كفر الجحود والتكذيب.
2- استحلال أمر معلوم تحريمه من الدين بالضرورة.
3- الشك في حكم من أحكام الله عز وجل أو خبر من أخباره.
4- من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
5- الجهل ومتى يكون كفراً؟
6- الشرك في الربوبية.
7- اعتقاد ألوهية غير الله.
1- كفر الجحود والتكذيب
2- استحلال أمر معلوم تحريمه من الدين بالضرورة
(أ) إن المتأمل جيداً لا يكاد يفرق بين مفهوم كفر الجحود والتكذيب والاستحلال والإنكار حين يبحث في كلام العلماء حول المكفرات، ولعل السبب في ذلك أن هذه النوقض كلها من النواقض الاعتقادية التي يكفر من وقع في واحد منها إجماعاً، ولذلك لم يعتن في الغالب في التفريق بين معانيها، وإليك مجموعة من الأمثلة من كلام العلماء يتضح من خلالها هذا التشابه.
قال الإمام ابن بطة - رحمه الله -: (فكل من ترك شيئاً من الفرائض التي فرضها الله في كتابه أو أكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سننه - على سبيل الجحود لها والتكذيب بها - فهو كافر بين الكفر ...))846(.
فالإمام هنا - كما نلاحظ - عبر عن إنكار الواجبات - الظاهرة - بالجحود والتكذيب، ومثله قول العلامة ابن سحمان: (لا خلاف بين العلماء أن الإنسان إذا صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء لم يدخل الإسلام كمن جحد فريضة أو واجباً ...))847(. وقال القاضي عياض: (...وكذلك نقطع بتكفير كل من كذب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع وما تواتر كمن أنكر وجوب الصلوات الخمس) )848 ( فالقاضي ساوى بين التكذيب والإنكار.(1/284)
وكذلك نجد الترابط والتشابه بين الجحود والاستحلال في كلام الإمام ابن قدامة، حيث قال في حق جاحد فريضة الصلاة: (وأما إذا كان الجاحد لها ناشئاً في الأمصار بين أهل العلم فإنه يكفر بمجرد جحدها ) )849 ( إلى أن قال: (ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر لما ذكرنا في تارك الصلاة، وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك ...))850(، ومثله ما قاله العلامة ابن الوزير: (المتواتر نوعان: أحدهما: ما علمه العامة مع الخاصة فيكفر جاحده ...الثاني: ما لا يعرف تواتره إلا الخاصة فلا يكفر مستحلة) )851 (. ومثله قول سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (...وأما استحلال المحرمات المجمع على حرمتها أو بالعكس فهو كفر اعتقادي لأنه لا يجحد تحليل ما أحل الله ورسوله أو تحريم ما حرم الله ورسوله إلا معاند للإسلام ...))852(.
وكذلك نجد في كلامهم التسوية بين الجحد والإنكار، قال الإمام الملا علي القاري الحنفي: (وفي جواهر الفقه، من جحد فرضاً مجمعاً عليه كالصوم والصلاة، والزكاة والغسل من الجنابة كفر، قلت: وفي معناه من أنكر حرمة محرم مجمع عليه كشرب الخمر والزنا وقتل النفس وأكل مال اليتيم والربا) )853 ( ومثله ما قاله الإمام الشوكاني في الدواء العاجل: (وقد تقرر في القواعد الإسلامية أن منكر القطعي أو جاحده، والعامل على خلافه تمرداً وعناداً أو استحلالاً أو استخفافاً كافر بالله وبالشريعة المطهرة التي اختارها الله تعالى لعباده) )854 (.
فالنصوص السابقة كما نلاحظ تبين لنا التداخل بين هذه المعاني في الغالب.(1/285)
ولذلك لم أر داعياً للفصل بين (أ) كفر الجحود والتكذيب. و(ب) استحلال أمر معلوم تحريمه من الدين بالضرورة. فوضعت هاتين الفقرتين في فقرة واحدة؛ لأن المصلحة العلمية تقتضي ذلك كما يظهر لي والله أعلم.
ب- الفرق بين الجحد والتكذيب والاستحلال والانكار:
من الآيات الصريحة في التفريق بين الجحد والتكذيب قوله تعالى: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) فالآية نفت عنهم التكذيب وأثبتت الجحود مما يدل على عدم تلازمها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية حول هذه الآية: (فنفى عنهم التكذيب وأثبت الجحود ومعلوم أن التكذيب باللسان لم يكن منتفياً عنهم، فعلم أنه نفى عنهم تكذيب القلب، ولو كان المكذب الجاحد مع علمه يقوم بقلبه خبر نفساني لكانوا مكذبين بقلوبهم، فلما نفى عنهم القلوب عل-م أن الجحود الذي هو ضرب من الكذب والتكذيب بالحق معلوم ليس هو كذباً في النفس ولا تكذيب فيها ...))855( إذا يمكن أن يقال أن التكذيب أعم من الجحود إذ الجحود يكون في اللسان، والكذب يكون في القلب واللسان والعمل، ويمكن أن يقال أيضاً كل جحود تكذيب وليس كل تكذيب جحوداً.
ولذلك يفرق بعض العلماء بين كفر التكذيب، وكفر الجحود، قال الشيخ حافظ حكمي - رحمه الله -: (أنواع الكفر لا تخرج عن أربعة، كفر جهل و تكذيب، وكفر جحود، وكفر عناد واستكبار، وكفر نفاق)، وقال في إيضاح ذلك: (...وإن انتفى تصديق القلب مع عدم العلم بالحق فكفر الجهل والتكذيب قال الله تعالى: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله))856 ( ...وإن كتم الحق مع العلم بصدقه فكفر الجحود والكتمان، قال الله تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) )857 ( )858 (.(1/286)
ومن الفروق التي يذكرها بعض العلماء بين الجحد والتكذيب، أن الجحد يقترن بالعناد في كثير من الأحيان، قال الخفاجي: (الفرق بين التكذيب والجحد أن الأول مطلق الإنكار، والثاني: الإنكار لما يعلم حقيقته عناداً) )859 وذكر الإمام ابن القيم - رحمه الله - من أنواع الكفر: (كفر جحود وعناد وقصد مخالفة الحق..وغالب ما يقع هذا النوع فيمن له رياسة علمية في قومه من الكفار أو رياسة سلطانية..) )860 (.
أما الاستحلال فمعناه: أن يعتقد في المحرمات أن الله لم يحرمها أو أنها مباحة )861 (، ونجد كلام العلماء عن الاستحلال حينما يتكلمون عن الكبائر وعدم كفر مرتكبها إلا إذا استحلها، فالاستحلال إذا: كفر اعتقادي محض يختص بمخالفة النواهي باستحلالها، بخلاف التكذيب الذي لا يختص بالجانب الاعتقادي فقط، ولا يختص بتكذيب الأمر والنهي بل يستعمل غالباً للأخبار فيقال مصدق ومكذب.(1/287)
أما الإنكار: فيقابل المعرفة، كما أن التكذيب فيقابل التصديق(*)، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: (إن الإنسان قد يكون مكذباً ومنكراً لأمور لا يعلم أن الرسول أخبر بها وأمر بها، ولو علم ذلك لم يكذب ولم ينكر، بل قلبه جازم بأنه لا يخبر إلا بصدق ولا يأمر إلا بحق، ثم يسمع الآية أو الحديث، أو يتدبر ذلك، أو يفسر له معناه، أو يظهر له ذلك بوج-ه من الوجوه فيصدق بما كان مكذباً به، ويعرف ما كان منكراً له، وهذا تصديق جديد وإيمان جديد يزداد به إيمانه) )862 (، ولكن هذا الفرق دقيق ولا يترتب عليه أي خلاف شرعي بين هذين المصطلحين على حسب مفهوم السلف للإيمان، وذلك تجد كثيراً من النصوص عن أهل السنة تعبر عن التصديق بالمعرفة وعن المعرفة بالتصديق، بل ويعرف بعض أهل السنة المعرفة بأنها التصديق والتصديق بأنه المعرفة، يقول الإمام المروزي: (وإنما المعرفة التي هي إيمان، هي معرفة تعظ-يم الله، وجلال--ه وهيبته، فإذا كان كذلك، فهو المصدق الذي لا يجد محيصاً عن الإجلال، والخضوع لله بالربوبية...))863(، ويقول أيضاً: (ومعنى التصديق: هو المعرفة بالله، والاعتراف له بالربوبية، وبوعده، ووعيده، وواجب حقه، وتحقيق ما صدق به من القول والعمل))864 (، والإمام ابن القيم - رحمه الله - يعبر عن التصديق بالمعرفة فيقول: (ومن تأمل ما في السيرة والأخبار الثابتة في شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له صلى الله عليه وسلم بالرسالة وأنه صادق فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام علم أن الإسلام أمر وراء ذلك وأنه ليس هو المعرفة فقط، ولا المعرفة والإقرار فقط، بل المعرفة والإقرار والانقياد والتزام طاعته ظاهراً وباطناً))865 (، ويقول شيخ الإسلام حول الفرق بين المعرفة والتصديق: (...وأيضاً فإن الفرق بين معرفة القلب وبين مجرد تصديق القلب الخالي عن الانقياد الذي يجعل قول القلب، أمر دقيق، وأكثر العقلاء ينكرونه وبتقدير صحته لا يجب على كل أحد أن يوجب(1/288)
شيئين لا يتصور الفرق بينهما، وأكثر الناس لا يتصورون الفرق بين معرفة القلب وتصديقه، ويقولون: إن ما قاله ابن كلاب والأشعري من الفرق، كلام باطل لا حقيقة له، وكثير من أصحابه اعترف بعدم الفرق..إلى أن قال: (والمقصود هنا أن الإنسان إذا رجع إلى نفسه عسر عليه التفريق بين علمه بأن الرسول صادق وبين تصديق قلبه تصديقاً مجرداً عن انقياد وغيره من أعمال القلب بأنه صادق ) )866 (. إذاً يمكن أن نستنتج من الكلام السابق حول صعوبة التفريق بين المعرفة والتصديق، وصعوبة التفريق بين التكذيب والإنكار، فقولنا من أنكر حكم الفرائض فقد كفر، كقولنا من كذب بحكمها فقد كفر، والله أعلم.
ج- كلام الأئمة حول كفر الجاحد والمكذب والمنكر:
أجمع العلماء على كفر من جحد فريضة من الفرائض الظاهرة المتواترة أو كذب حكماً من أحكام الله الظاهرة المتواترة أو خبراً من أخبارهم، وكلامهم في هذا متواتر منتشر في عامة كتب العقائد والأحكام، وسأختار بعض الأقوال الصريحة في كفر من هذه حاله، وفي أغلبها حكاية الإجماع على ذلك.
1- …قال الإمام ابن بطة - رحمه الله -: (فكل من ترك شيئاً من الفرائض التي فرضها الله - عز وجل - في كتابه أو أكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سننه - على سبيل الجحود لها والتكذيب بها - فهو كافر بين الكفر لا يشك في ذلك عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر ) )867 (.
2- …يقول القاضي عياض - رحمه الله -: (وكذلك نقطع بتكفير كل من كذب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع وما عرف يقيناً بالنقل المتواتر من فعل الرسول ووقع الإجماع المتصل عليه كمن أنكر وجوب الصلوات الخمس أو عدد ركعاتها وسجداتها) )868 (.(1/289)
وقال أيضاً: (وكذلك من أنكر القرآن، أو حرفاً منه، أو شيئاً منه، أو زاد فيه، ...وكذلك من أنكر شيئاً مما نص فيه القرآن - بعد علمه - أنه من القرآن الذي في أيدي الناس ومصاحف المسلمين، ولم يكن جاهلاً به، ولا قريب عهد بالإسلام، ... وكذلك من أنكر الجنة أو النار، أو البعث أو الحساب أو القيامة فهو كافر بإجماع للنص عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواتراً ...))869(.
3- ويقول الإمام النووي - رحمه الله -: (إن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه فيعرف ذلك فإن استمر حكم بكفره) )870 (.
4- يقول الإمام ابن قدامة - رحمه الله - عند كلامه عن حكم من جحد وجوب الصلاة: (ولا خلاف بين أهل العلم في كفر من تركها جاحداً لوجوبها إذا كان ممن لا يجهل مثله ذلك،...وكذلك الحكم في مباني الإسلام كلها وهي الزكاة والصيام والحج؛ لأنها مباني الإسلام وأدلة وجوبها لا تكاد تخفي إذ كان الكتاب والسنة مشحونين بأدلتها والإجماع منعقد عليها فلا يجحدها إلا معاند للإسلام يمتنع من التزام الأحكام غير قابل لكتاب الله تعالى ولا سنة رسوله ولا إجماع أمته) )871 (، إذا العلة في التكفير أن الكتاب والسنة مشحونان بأدلتها وأدلتها لا تخفى فلا يجحدها بعد ذلك إلا معاند.
5- يقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: (ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة: كالفواحش، والظلم والخمر والميسر والزنا وغير ذلك، أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة: كالخبز واللحم والنكاح. فهو كافر مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل) )872 (.(1/290)
6- ويقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (وكفر الجحود نوعان: كفر مطلق عام، وكفر مقيد خاص، فالمطلق: أن يجحد جملة ما أنزله الله وإرساله الرسول، والخاص المقيد: أن يجحد فرضاً من فروض الإسلام، أو تحريم محرم من محرماته، أو صفة وصف الله بها نفسه، أو خبراً أخبر الله به، عمداً أو تقديماً لقول من خالفه عليه لغرض من الأغراض )873 (.
7- ويقول ابن أبي العز الحنفي: (فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة والمتواترة، ونحو ذلك، فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل كافراً مرتداً) )874 (.
8-وقال الإمام ملا قاري في شرح الفقه الأكبر: (فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة، والمتواترة، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً) )875 (.
وقال: (وفي المحيط: من أنكر الأخبار المتواترة في الشريعة كفر مثل حرمة لبس الحرير على الرجال، ومن أنكر أصل الوتر وأصل الأضحية كفر)(2)، فالعبرة ليست باستحباب الشيء أو وجوبه وإنما بتواتره وظهوره، وأشار الإمام الحليمي إلى أنه لا فرق بين إنكار الفريضة أو النافلة إذا ثبتت)876 (.
نكتفي بهذه النصوص المختارة البينة والتي يتضح من خلالها إجماع العلماء على هذا الأمر باعتباره مناقضاً لتصديق القلب ومعرفته، ناقضاً لأصل إيمان المرء)877 (.
د- كفر من استحل المحرمات الظاهرة المتواترة:(1/291)
أشرنا من قبل إلى أن كلام الأئمة عن الاستحلال كثيراً ما يقترن بكلامهم عن حكم مرتكب الكبائر ومعلوم إجماع أهل السنة على عدم تكفير مرتكب الكبائر لكن إن اقترن ذلك بالاستحلال كفر فاعل ذلك، بل إنه يكفر إن استحل فعل الكبائر ولو لم يفعلها)878 (. وإليك بياناً لشيء من ذلك من كلام أهل العلم: فمن ذلك ما قاله الإمام الطحاوي - رحمه الله -: (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله) )879 (، ونقل الإمام البغوي - رحمه الله - الإجماع على عدم تكفير فاعل الكبائر إذا لم يستحل)880 (. وقال القاضي عياض - رحمه الله -: (...وكذلك أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل أو شرب الخمر أو الزنا مما حرم الله بعد علمه بتحريمه، كأصحاب الإباحة من القرامطة وبعض غلاة المتصوفة) )881 (، ومثل ذلك ما قاله الإمام ابن قدامة - رحمه الله -: (ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر ...))882(، ومثله ما ذكر الإمام النووي - رحمه الله - أن من استحل محرماً بالإجماع كالخمر والميسر والزنا واللواط أو حرم حلالاً فإن هذا كفر)883 (، وقال ملا قاري: (من استحل حراماً وقد علم في دين النبي صلى الله عليه وسلم تحريمه كنكاح ذوي المحارم أو شرب الخمر أو أكل ميتة أو دم أو لحم خنزير من غير ضرورة فكافر) )884 (.(1/292)
لكن الأئمة وإن قالوا أن مستحل الكبائر يكفر، وضربوا الأمثلة على الاستحلال المكفر بعدد من الكبائر المتواترة الظاهرة كتحليل شرب الخمر أو الزنا أو أكل لحم الخنزير، فإنهم لم يقصروا التحريم على مستحل الكبائر فقط، بل من استحل المحرمات المتواترة الظاهرة من الصغائر يكفر ولذلك نجد بعض العلماء كما في بعض النصوص السابقة، يقول من استحل محرماً ظاهراً متواتراً فإنه يكفر ولم يقيد ذلك بالكبائر، حتى لو اقتصر ضربهم للأمثلة على ذلك، يقول صاحب نهاية المحتاج فيما يوجب الردة: (أو كذب رسولاً ...أو حلل محرماً بالإجماع وقد علم تحريمه من الدين بالضرورة، ولم يجز خفاؤه عليه (كالزنا) واللواط وشرب الخمر والمكس..، أو نفي مشروعية مجمع على مشروعيته معلوماً كذلك ولو نقلاً كالرواتب، وكالعيد كما صرح به البغوي ) )885 (.
وقال ملا قاري - رحمه الله -: (إن استحلال المعصية صغيرة كانت أو كبيرة كفر إذا ثبت كونها معصية بدلالة قطعية ) )886 (، وبين شيخ الإسلام أنه (لا فرق في ذلك بين سب النبي وبين قذف المؤمنين والكذب عليهم والغيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أن الله حرمها فإنه من فعل شيئاً من ذلك مستحلاً كفر) )887 ( ولعل من المناسب هنا أن نقف وقفة قصيرة نبين فيها تفريق الأئمة بين إنكار أو جحد أو استحلال الأمر الظاهر المتواتر وبين غيره.
ه-- الفرق بين جحد أو إنكار الأمر الظاهر المتواتر وبين غيره:
سبق عند الكلام عن العذر بالجهل إشارة سريعة إلى ذلك، ومر معنا كما تلاحظ عبارات كثيرة ملائمة حول حكم جاحد أو مكذب أو منكر الواجبات الظاهرة المتواترة ونحو ذلك، وهذا يفهم منه أن غير المتواتر لا يكفر منكره ويعذر بجهله وكذلك المتواتر غير الظاهر يعذر بجهله كما بينا سابقاً، وإليك بيان ذلك.
قال العلامة ابن الوزير - رحمه الله -: (إن المتواتر نوعان:(1/293)
أحدهما: ما علمه العامة مع الخاصة، كمثل كلمة التوحيد، وأركان الإسلام، فيكفر جاحده مطلقاً لأنه قد بلغه التنزيل.
وثانيهما: ما لا يعرف تواتره إلا الخاصة فلا يكفر مستحله من العامة، لأنه لم يبلغه، وإنما يكفر من استحله وهو يعلم حرمته بالضرورة مثل: تحريم الصلاة على الحائض إلى أمثال لذلك كثيرة ) )888 (.
فالإمام يبين أن التواتر لا يكفي ولابد معه من أن يعلمه الخاصة والعامة (الظهور والانتشار)، ومثل ذلك قول الإمام النووي - رحمه الله -: (أطلق الإمام الرافعي القول بتكفير جاحد المجمع عليه، وليس هو على إطلاقه، بل من جحد مجمعاً عليه فيه نص، وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة والزكاة أو الحج أو تحريم الخمر أو الزنا ونحو ذلك فهو كافر، ومن جحد مجمعاً عليه لا يعرفه إلا الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب، وتحريم نكاح المعتدة ...فليس بكافر) )889 (.
لكن ليس كل أمر مجمع عليه يكون متواتراً، لذلك الأولى أن يقال من جحد أمراً متواتراً ...الخ. أو من جحد أمراً مجمعاً عليه ومتواتراً، قال الإمام ابن دقيق العيد - رحمه الله - في إيضاح ذلك: (المسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر بالنقل عن صاحب الشرع كوجوب الصلاة مثلاً وتارة لا يصحبها التواتر فالقسم الأول يكفر جاحده لمخالفته المتواترة لا لمخالفته الإجماع، والقسم الثاني لا يكفر به) )890 (.(1/294)
إذاً خلاصة ما سبق: أن من أنكر أو جحد أو كذب خبراً من الأخبار الظاهرة المتواترة (كالإيمان بعذاب القبر أو بوجود الجن أو برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ونحو ذلك )، أو أنكر حكماً من الأحكام الظاهرة المتواترة سواء كان هذا الحكم واجباً أو محرماً أو مستحباً (كفرضية الصلاة والزكاة وبقية الأركان، ووجوب بر الوالدين وصلة الأرحام ...وما يشبه ذلك) (أو تحريم الخمر والسرقة والربا ...الخ ). (أو أنكر سنية الوتر أو الأضحية أو السنن الرواتب..الخ ) فإنه يكفر، إذا قامت عليه الحجة ومثله من استحل محرماً من المحرمات الظاهرة المتواترة سواء كان هذا المحرم من الكبائر، أو من الصغائر كاستحلال الغيبة، والنظر إلى النساء ونحو ذلك والله أعلم.
3- الشك في حكم من أحكام الله عز وجل أو خبر من أخباره(1/295)
ذكر علماء السنة أن شروط لا إله إلا الله (اليقين المنافي للشك)، واستدلوا لذلك بنصوص كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم (??..أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما غير شاك فيهما إلا دخل الجنة) )891 وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة (اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة) )892 (، قال الشيخ حافظ حكمي ? -رحمه الله -? موضحاً هذا الشرط: (بأن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن، فكيف إذا دخله الشك، قال الله -? عز وجل -: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) )893 (، فاشترط في الصدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا،)894( أي لم يشكوا، فأما المرتاب فهو من المنافقين -? والعياذ بالله -? الذين قال الله تعالى فيهم: (إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) )895 (، ثم ذكر الحديثين السابقين وعلق عليهما قائلاً: (فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط) )896 (.(1/296)
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - موضحاً منزلة اليقين وأهميتها، ومعارضتها لكل شك وريب: (فاليقين روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصديقية، وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره ...ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نوراً وإشراقاً، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط ) ثم ذكر من تعريفات اليقين (المكاشفة، وهو على ثلاثة أوجه: مكاشفة في الأخبار، ومكاشفة بإظهار القدرة، ومكاشفة القلوب بحقائق الإيمان، ومراد القوم بالمكاشفة: ظهور الشيء للقلب بحيث يصير نسبته إليه كنسبة المرئي إلى العين، فلا يبقى معه شك ولا ريب أصلاً، وهذا نهاية الإيمان، وهو مقام الإحسان) )897 (، إذاً هناك ترابط بين اليقين والإحسان، فغاية اليقين، هي الإحسان، لكن الإحسان في عمل الجوارح واليقين في عمل القلب، وكذلك هناك ترابط بين العلم واليقين فالعلم أول اليقين )898، وليس مقصودنا هنا الكلام عن اليقين وأنواعه ودرجاته، وإنما المقصود الإشارة إلى اليقين الذي هو شرط في الإيمان والنجاة في الآخرة، وكذلك الكلام عن الشك الذي هو ناقض من نواقض أصل الإيمان، فأما اليقين الذي هو شرط في صحة الإيمان فهو حقيقة العلم بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن ثم ذكر بعض العلماء (العلم) شرط مستقل من شروط الشهادتين مستدلين بقوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) )899 (، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة) )900 ( فمن شك في الله أو في رسوله وما جاء به عن الله فهو كافر لا شهادة له ولا إيمان)901 (فالشك نقيض اليقين)902 (، (وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه..) )903 (.(1/297)
قال الإمام ابن القيم ?- رحمه الله ?- في معرض كلامه عن أنواع الكفر الأكبر: (أما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه ولا يكذبه، بل يشك في أمره، وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألوم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم جملة، فلا يسمعها ولا يلتفت إليها، وأما مع التفاته إليها ونظره فيها، فإنه لا يبقى معه شك...) )904 (.
فكفر الشك ?- كما يظهر من كلام الأئمة، يشير كفر الإعراض، إلا أن كفر الإعراض يتعلق بعمل القلب فلا يلزم أن يكون صاحبه جاهلاً، أما كفر الشك فيتعلق بقول القلب بسبب اختلال شرط العلم والله أعلم.
بعض الأمثلة التي ذكرها العلماء حول كفر الشك:
منها الشك في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أو الشك في البعث، أو الشك في كفر الكافر، أو الشك في شيء من القرآن أو الشك في حكم من الأحكام، قال القاضي عياض - رحمه الله - عند كلامه عن بعض المكفرات: (وكذلك من أضاف إلى نبينا الكذب فيما بلغه وأخبر به، أو شك في صدقه، أو سبه... فهو كافر بإجماع )905 (. وقال أيضاً: (... ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهار ما أظهره من خلاف ذلك) )906 (، وقال: (اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه، أو سبهما، أو جحده، أو حرفاً منه آية، أو كذب به أو بشيء منه، أو كذب بشيء مما حرم به من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته علي علم بذلك، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع) )907 (.(1/298)
وذكر شيخ الإسلام حكم من لم يكفر الكافر سواء كان كافراً أصلياً كاليهود والنصارى، أو من ثبت كفره يقيناً كالباطنية فقال - رحمه الله - في رده على أهل الحلول والاتحاد: (وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى، وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى، ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فإنه مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه، فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين) )908 (، وقال في بيان حكم من زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً أو أنهم فسقوا عامتهم، قال: (فهذا لا ريب - أيضا- في كفره لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفره مثل هذا فإن كفره متعين...) )909 (.
وذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - من نواقض الإسلام: (الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر إجماعاً) )910 (، وقال الإمام سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله -: (...فإن كان شاكاً في كفرهم أو جاهلاً بكفرهم بينت له الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كفرهم، فإن شك بعد ذلك وتردد فإنه بإجماع العلماء على أن من شك في كفر الكفار فهو كافر) )911 (. وقال الشيخ ابن سحمان - رحمه الله -: (وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر، والشك هو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا كذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ونحو ذلك كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ولا عدم وجوبها، أو لا يعتقد تحريم الزنا ولا عدم تحريمه، وهذا كفر بإجماع العلماء )(5).(1/299)
وفي آخر هذا المبحث نشير إلى فائدتين هامتين متعلقتان بمبحثنا، وقد ذكرهما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
الأولى: التنبيه إلى الفرق بين الشك والوسوسة، (فالوسوسة هي مما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه كانت كراهته صريح الإيمان) )912 (، أما الشاك فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو تارك للإيمان الذي لا نجاة ولا سعادة إلا به.
الثانية: مر معنا في أول هذا المبحث أن معنى الريب: الشك هذا من حيث الإجمال، ويذكر شيخ الإسلام فرقاً دقيقاً بين الريب والشك، فيقول: (والريب يكون في علم القلب وفي عمل القلب، بخلاف الشك، فإنه لا يكون إلا في العلم، ولهذا لا يوصف باليقين إلا من اطمأن قلبه علماً وعملاً) )913 (، وبذلك يكون الشك أخص من الريب، ويكون الشاك كافراً بسبب الإخلال بشرط العلم الذي هو أصل قول القلب، والله أعلم.
4- من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباع النبي صلى الله عليه وسلم
اشتهر هذا المعتقد عند غلاة الصوفية والباطنية (*)، ويعبرون عنه بتعبيرات مختلفة مؤداها واحد. وسأعرض رأيهم باختصار، ثم الرد على ذلك، و بعد ذلك أبين حكم من اعتقد ذلك.
أ- رأيهم باختصار:
يقول داعيهم الباطني سنان بن راشد الدين: (إن الإنسان متى عرف الصورة الدينية فقد عرف حكم الكتاب، ورفع عنه الحساب، وسقط عنه التكليف، وسائر الأسباب) )914 (.(1/300)
ويقول الداعي الإسماعيلي طاهر بن إبراهيم الحارثي اليماني: (حجج الليل هم أهل الباطن المحض، المرفوع عنهم في أدوار الستر التكاليف لعلو درجاتهم ) )915 (، وينسبون إلى جعفر بن محمد الباقر قوله: (من عرف الباطن فقد سقط عنه عمل الظاهر)... ورفعت عنه الأغلال والأصفاد وإقامة الظاهر ) )916 (، ويقول أحد الدعاة الباطنيين: (من عرف هذا الباطن فقد عمل الظاهر وإنما وضعت الأصفاد والأغلال على المقصرين، أما من بلغ وعرف هذه الدرجات التي قرأتها عليك فقد أعتقته من الرق ورفعت عنه الأغلال والأصفاد وإقامة الظاهر) )917 (، هذا عن الباطنية، أما المتصوفة فقد قال عنهم الإمام الأشعري رحمه الله: (وفي النساك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى درجة تزول فيها عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا وغيره مباحات لهم) )918 (.(1/301)
وقالوا: (إذا وصلت إلى مقام اليقين سقطت عنك العبادة، مؤولين قول الله عز وجل: (واعبدوا ربك حتى يأتيك اليقين) )919 ( )920 ( وقال عنهم الإمام ابن حزم -? رحمه الله ?- (ادعت طائفة من الصوفية أن في أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل، وقالوا: من بلغ من الولاية سقطت عنه الشرائع كلها من الصلاة والصيام والزكاة، وغير ذلك، وحلت له المحرمات كلها من الزنا والخمر وغير ذلك، واستباحوا بهذا نساء غيرهم، وقالوا: بأننا نرى الله، ونكلمه، وكل ما قذف في قلوبنا فهو حق...) )921 (، وصور الإمام ابن الجوزي ?- رحمه الله ?-حال هؤلاء فقال: (إن قوماً منهم داموا على الرياضة مدة فرأوا أنهم قد تجوهروا فقالوا: لا نبالي الآن ما عملنا وإنما الأوامر والنواهي رسوم للعوام، ولو تجوهروا لسقطت عنهم، قالوا: وحاصل النبوة ترجع إلى الحكمة والمصلحة والمراد منها ضبط العوام، ولسنا من العوام، فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة...) )922 (، وأطال شيخ الإسلام ?- رحمه الله ? في وصف حال هؤلاء فقال: (ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش: كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب، والخلو بهن، زعماً منه أنه يحصل لهن البركة بما يفعله معهن، وإن كان محرماً في الشريعة، وكذلك يستحل ذلك مع المردان ويزعم أن التمتع بالنظر إليهم ومباشرتهم هو طريق لبعض السالكين حتى يترقى من محبة المخلوق إلى محبة الخالق، ويأمرون بمقدمات الفاحشة الكبرى، وقد يستحلون الفاحشة الكبرى...))923( وقال عنهم: (ومن هؤلاء من يحتج بقوله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) )924 (، ويقول معناه: اعبد ربك حتى يحصل لك العلم والمعرفة، فإذا حصل ذلك سقطت العبادة، وربما قال بعضهم: اعمل حتى يحصل لك حال، فإذا حصل لك حال تصوفي سقطت عنك العبادة، وهؤلاء فيهم من إذا ظن حصول مطلوبه من المعرفة والحال استحل ترك الفرائض، وارتكاب المحارم ...))925(، وربما احتج بعضهم (بقصة موسى(1/302)
والخضر فيحتجون بها على وجهين: أحدهما: أن يقولون: إن الخضر كان مشاهداً للإرادة الربانية الشاملة، والمشيئة الإلهية العامة، وهي (الحقيقة الكونية)، فلذلك، سقط عنه الملام فيما خالف فيه الأمر والنهي الشرعي، ...وأما الوجه الثاني: فإن من هؤلاء من يظن: أن من الأولياء من يسوغ له الخروج عن الشريعة النبوية، كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة موسى، وأنه قد يكون للولي في المكاشفة والمخاطبة ما يستغني به عن متابعة الرسول في عموم أحوال أو في بعضها، وكثير منهم يفضل الولي في زعمه إما مطلقاً، وإما من بعض الوجوه على النبي، زاعمين أن قصة الخضر حجة لهم ...))926(.
وكثيراً ما يحكي الصوفية قصصاً وروايات عمن يسمونهم الأولياء، تتضمن هذه القصص سقوط الفرائض، أو بعضها عنهم، بل ويحكي عنهم فعل الفواحش والمنكرات واستحلالها، وفي طبقات الشعراني، وجامع كرامات الأولياء للنبهاني من ذلك الكثير، فمنه مثلاً: ما ذكره العطار عن ذي النون المصري أنه نصح أحد مريديه بترك الصلاة، فعلق العطار قائلاً: (لو سأل سائل ما الحكمة في الأمر بترك الصلاة؟ فالجواب إن الطريق أحياناً تخالف ظاهر الشريعة كقتل الخضر الولد بدون سبب ظاهري، فإذن لا إنكار في الطريقة على مثل هذه الأمور) وحكي عن العطار نفسه أنه كان تاركاً للصلاة وكان يقول: (إن الله رفع عني فريضة الصلاة) )927 (.
وذكر الشعراني (*) في أخر كتابه (الطبقات الكبرى) مشايخه الذين أدركهم في القرن العاشر، فقال: (وفيهم سيدي بركات الخياط رضي الله تعالى عنه: كان رضي الله عنه من الملامتية)928 (.. قال: مدحته للشيخ جمال الدين الصائغ مفتي الجامع الأزهر وجماعة فقالوا: امضوا بنا نزوره وكان يوم جمعة فسلم المؤذن على المنارة، فقالوا: نصلي الجمعة، فقال: ما لي عادة بذلك، فأنكروا عليه، فقال: نصلي اليوم لأجلكم ...))929(.(1/303)
(ومنهم سيدي الشريف المجذوب - رضي الله عنه ورحمه -، وكان رضي الله عنه يأكل في نهار رمضان، ويقول: أنا معتوق، أعتقني ربي ...))930(، (ومنهم الشيخ شعبان المجذوب)، وذكر من أحواله أنه كان يقرأ سوراً غير السور التي في القرآن على كرسي المساجد يوم الجمعة وغيرها، ...وكان يرى حلال زينة الدنيا كالحرام في الاجتناب، وكان الخلائق تعتقده اعتقاداً زائداً لم أسمع قط أحد ينكر عليه شيئاً من حاله، بل يعدون رؤيته عيداً عندهم ...))931(.
لعل فيما ذكرنا كفاية وغنية يتبين من خلالها إتيان الصوفية للمحظور وتركهم الواجب وادعائهم أن بعض الناس، يصل إلى درجة يسقط عنه التكليف، ويستغني عن الشريعة وعن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم )932 (.
ب- الرد على هذا الادعاء:
سأحاول اختصار الرد على هذه الفكرة بشكل مجمل:
1- التكاليف الشرعية مشروطة بالعلم والقدرة، فمتى ما تحققت وجب العمل، ولذلك يسقط التكليف عمن لا يمكنه العلم كالطفل والمجنون، كما يسقط عمن يعجز، كسقوط الجهاد عن الأمي والأعرج والمريض، وكما لا تجب الطهارة بالماء، والصلاة قائماً، والصوم على من يعجز عنه)933 ( ?الخ، أما غير هؤلاء فلا يسقط عنهم شيء من التكاليف باتفاق المسلمين.
2- أعظم الناس درجة ومنزلة ومعرفة لله عز وجل هم الأنبياء والمرسلون ومع ذلك لم يستغنوا عن الشريعة، بل كانوا أشد الناس عبادة وإقامة للشعائر، واجتناباً للفواحش والمنكرات.
3- معلوم إجماع العلماء على كفر من استحل محرماً من المحرمات الظاهرة المتواترة، وكفر جاحد أو منكراً واجباً من الواجبات الظاهرة والمتواترة، فكيف بمن يستحل جميع المحرمات، وجحد جميع الواجبات؟
4- من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز لمن بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يتبع شريعة رسول غيره كموسى وعيسى ? عليهم السلام -، فإذا لم يجز الخروج من شريعته إلى شريعة رسول، فكيف بالخروج عن شريعته، وعن الرسل جميعاً؟)934(.(1/304)
5- حقيقة الولاية تنال بتقوى الله عز وجل والتزام الأوامر والنواهي (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون) )935 (، وكلما ازداد المرء عبودية وعلماً ازدادت واجباته وصار مطالباً بأمور وزيادات لا يطالب بها من لم يصل إلى ذلك، لا أنه يخلع عن عنقه ربقة التكليف.
6- أما استدلالهم بقوله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) )936 (، فهي عليهم لا لهم، قال الحسن البصري: إن الله لم يجعل لعمل المؤمنين أجلاً دون الموت، وقرأ قوله: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) وذلك أن اليقين هنا الموت وما بعده باتفاق علماء المسلمين، وذلك مثل قوله: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين) ? إلى قوله -: (وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين) )937 (، فهذا قالوه وهم في جهنم، وأخبروا أنهم كانوا على ما هم عليه من ترك الصلاة والزكاة والتكذيب بالآخرة، والخوض مع الخائضين حتى أتاهم اليقين، ومعلوم أنهم مع هذا الحال لم يكونوا مؤمنين بذلك في الدنيا، ولم يكونوا مع الذين قال الله فيهم:(وبالآخرة هم يوقنون) )938 (، وإنما أراد بذلك أنه أتاهم ما يوعدون، وهو اليقين?...))939(. ويقول الإمام ابن كثير- رحمه الله -: (ويستدل بها (أي هذه الآية) على تخطئة من ذهب من الملاحدة، إلى أن المراد باليقين المعرفة فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم، وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته وما يستحق من التعظيم وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة، وإنما المراد باليقين ههنا الموت كما قدمنا) )940 (.(1/305)
7- وأخيراً نأتي إلى أشهر استدلالاتهم، وهو احتجاجهم بقصة الخضر مع موسى التي وردت في القرآن الكريم في سورة الكهف ووردت في صحيح البخاري وغيره، فقد جعلوا هذه القصة دليلاً على أن هناك ظاهراً شرعياً، وحقيقة صوفية تخالف الظاهر، وجعلوا إنكار علماء الشريعة على علماء الحقيقة أمراً مستغرباً، وجعلوا الخضر مصدراً للوحي والإلهام، ونسبوا طائفة كبيرة من علومهم التي ابتدعوها إلى الخضر، وليس منهم صغير أو كبير ممن دخل في طريقهم إلا وادعى لقياً الخضر والأخذ عنه، كما زعموا أن الخضر حي إلى أبد الدهر، وأن علمه علم لدني موهوب له من الله بغير وحي الأنبياء، وأن هذه العلوم تنزل إلى جميع الأولياء في كل وقت قبل البعثة وبعدها)941 (...الخ، هذه الخيالات والخزعبلات، كل هذه الأشياء لا تعنينا هنا، فهي تحتاج إلى دراسات موسعة، وقد ألف في شأن الخضر عدة كتب)942 (، وإنما الذي يهمنا في هذا المبحث دعوى: أن بعض الأولياء يسوغ له الخروج عن الشريعة، لأن الخضر وهو من أعظم الأولياء خرج عن شريعة موسى.(1/306)
يجيب على هذه الدعوى الإمام ابن تيمية- رحمه الله- في عدة مواضع من كتبه)943 (، وسأذكر إجابته بعدما أذكر فقرات من رواية الإمام البخاري- رحمه الله- لقصة موسى مع الخضر: قال ابن عباس- رضي الله عنه-: حدثني أبي ابن كعب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (موسى رسول الله عليه السلام قال ذكر الناس يوماً، حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى، فأدركه رجل فقال: أي رسول الله، هل في الأرض أحداً أعلم منك؟ قال: لا فعتب عليه إذ لم يرد العلم إلى الله، قيل: بلى. قال: أي رب فأين؟ قال: بمجمع البحرين.. إلى أن لقي الخضر، فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه وقال:بأرض من سلام؟)944( من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشداً...يا موسى، إن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه...) )945 ( ثم ذكر باقي القصة المذكورة في القرآن.
والآن نأتي إلى رد الإمام ابن تيمية على هذه الشبهة، قال- رحمه الله تعالى-: الأول: (موسى عليه السلام لم يكن مبعوثاً إلى الخضر، ولا كان على الخضر اتباعه، فإن موسى كان مبعوثاً إلى بني إسرائيل، وأما محمد صلى الله عليه وسلم فرسالته عامة لجميع الثقلين الجن والإنس )946 (، ولو أدركه من هو أفضل من الخضر: كإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم اتباعه، فكيف بالخضر سواء كان نبياً أو ولياً، ولهذا قال الخضر لموسى: (أنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه) وليس لأحد من الثقلين الذين بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول مثل هذا.(1/307)
الثاني: أن ما فعله الخضر لم يكن مخالفاً لشريعة موسى عليه السلام، وموسى لم يكن علم الأسباب التي تبيح ذلك فلما بينها له وافقه على ذلك، فإن خرق السفينة ثم ترقيعها لمصلحة أهلها خوفاً من الظالم أن يأخذها إحسان إليهم وذلك جائز، وقتل الصائل جائز وإن كان صغيراً، ومن كان تكفيره لأبويه لا يندفع إلا بقتل جاز قتله، قال ابن عباس رضي الله عنهما لنجدة الحروري لما سأله عن قتل الغلمان، قال له: إن كنت علمت منهم ما علمه الخضر من ذلك الغلام فاقتلهم، وإلا فلا تقتلهم، وأما الإحسان إلى اليتيم بلا عوض، والصبر على الجوع، فهذا من صالح الأعمال فلم يكن في ذلك شيء مخالفاً شرع الله) )947 (.
الثالث: يمكن أن يقال: إن ما فعله الخضر كان عن وحي من الله تعالى وليس مجرد خيال، وهذا لا يمكن أن يكون بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لأحد من الناس، إذ بموته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي، ومن ادعى حصوله فقد كفر)948.
ج- حكم من اعتقد هذا الاعتقاد:
هذا الاعتقاد يناقض الشريعة من وجوه كثيرة أشرنا إليها، ولذلك شدد الأئمة في كلامهم على من يعتقد مثل هذا الاعتقاد، وسأنقل بعض كلامهم فيمن يعتقد ذلك:
1- قال القاضي عياض- رحمه الله-: (أجمع المسلمون على تكفير من قال من الخوارج: إن الصلاة طرفي النهار،... وقول بعض المتصوفة: إن العبادة وطول المجاهدة إذا صفت نفوسهم أفضت بهم إلى إسقاطها، وإباحة كل شيء لهم، ورفع عهد الشرائع عنهم) )949 (.
2- وقال الإمام ابن قدامة- رحمه الله-: (ومن اعتقد لأحد طريقاً إلى الله غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو لا يجب عليه اتباعه، أو أن لغيره خروجاً عن اتباعه، أو قال: أنا محتاج إليه في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، أو قال: إن من العلماء من يسعه الخروج عن شريعته كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى كفر في هذا كله) )950 (.(1/308)
3- وتكلم شيخ الإسلام عن كفر هؤلاء في مواضع كثيرة نختار بعضاً منها :
أ- قال- رحمه الله-: (..فمن لم يؤمن بأن هذا رسول الله إلى جميع العالمين، وأنه يجب على جميع الخلق متابعته، وأن الحلال ما أحله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، فهو كافر مثل هؤلاء المنافقين ونحوهم ممن يجوز الخروج عن دينه وشريعته وطاعته، إما عموماً وإماً خصوصاً...ويعتقدون مع هذا أنهم من أولياء الله، وأن الخروج عن الشريعة المحمدية سائغ لهم، وكل هذا ضلال وباطل...) )951 (.
ب- وقال أيضاً: (ومن فضل أحداً من المشايخ على النبي صلى الله عليه وسلم، أو اعتقد أن أحداً يستغني عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، استتيب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وكذلك من اعتقد أن أحداً من أولياء الله يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم كما كان الخضر مع موسى عليه السلام، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه) )952 (.
ج- وقال- رحمه الله-: (فمن كان من قوله هو أنه أو طائفة غيره قد خرجت عن كل أمر ونهي، بحيث لا يجب عليها شيء، ولا يحرم عليها شيء، فهؤلاء أكفر أهل الأرض، وهم من جنس فرعون وذويه) )953 (.
د- وأحاب حينما سئل عمن يقول: إن غاية التحقيق، وكمال سلوك الطريق، ترك التكليف، وإن العبد يعمل حتى تحصل له المعرفة، فإذا حصلت زال عنه التكليف، قال: (ومن قال هذا فإنه كافر باتفاق أئمة الإسلام فإنهم متفقون على أن الأمر والنهي جار على كل بالغ عاقل إلى أن يموت...) )954 (.
4- قال الإمام ملا قاري: (ذهب بعض أهل الإباحة إلى أن العبد إذا بلغ غاية المحبة، وصفا قلبه من الغفلة، واختار الإيمان على الكفر سقط عنه الأمر والنهي، ولا يدخله الله النار بارتكاب الكبائر، وذهب بعضهم إلى أنه سقط عنه العبادات الظاهرة، وتكون عباداته التفكر وتحسين الأخلاق الباطنة،...وهذا كفر وزندقة وضلال وجهالة) )955 (.(1/309)
5- وعد الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله-، هذا المعتقد من نواقض الإسلام، حيث قال: (التاسع: من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباعه صلى الله عليه وسلم، وأنه يسعه الخروج من شريعته كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليهما السلام فهو كافر) )956 (
5- الجهل، ومتى يكون كفراً؟
الجه-ل في حقيقته مناف للعلم الذي هو أساس قول القلب، ولذلك عد بعض العلماء الجهل ناقضاً من نواقض الإيمان )957 (، وأما متى يكون الجهل كفراً؟ فقد مضى إيضاح ذلك في مبحث العذر بالجهل، وملخص ما ذكر حول ذلك: أن حديث العهد بإسلام، أو من نشأ ببادية بعيدة، ومن في حكمهم، مثل أن ينشأ في بيئة ينتشر فيها الشرك ويقل فيها الدعاة إلى التوحيد يعذر بجهل الأحكام الظاهرة المتواترة من الواجبات والمحرمات وكذلك في أصول العقائد ولا فرق، أما من يجهل شيئاً من ذلك بعد قيام الحجة مثل أن يكون في دار إسلام وعلم فإنه يكفر بمجرد ذلك )958 (.
6- الشرك في الربوبية
1- أنواع التوحيد
يحسن قبل الكلام عن الشرك في الربوبية الكلام عن أنواع التوحيد، وهي- كما هو معلوم- ثلاثة:
النوع الأول: توحيد الربوبية: وهو توحيد الله عز وجل بأفعاله بالإقرار بأنه الخالق الرازق، المدبر المحيي المميت النافع الضار...الخ.
النوع الثاني: توحيد الأسماء والصفات: وهو أن يسمى ويوصف سبحانه وتعالى بما سمى ووصف به نفسه، أو سماه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولا تأويل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل)959 (.
النوع الثالث: توحيد الإلهية (توحيد العبادة) وهو توحيد الله عز وجل بأفعال العباد، فلا يدعى إلا إياه، ولا يستغاث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه إلى غير ذلك من أنواع العبادة.(1/310)
وهذا النوع هو مقتضى لا إله إلا الله ومعناها وهو الذي أنكره المشركون، وهو الذي من أجله شرع الجهاد وقامت الحروب على ساقها بين الموحدين والمشركين)960 (، قال الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله-: (فإن قيل لك ما الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية؟ فقل: توحيد الربوبية فعل الرب مثل: الخلق، والرزق والإحياء، والإماتة، وإنزال المطر، وإنبات النبات، وتدبير الأمور، وتوحيد الإلهية فعلك أيها العبد مثل: الدعاء والرجاء والخوف والتوكل والإنابة والرغبة والرهبة والنذر والاستغاثة، وغير ذلك من أنواع العبادة) )961 (.
وهناك تقسيم آخر يذكره بعض أهل العلم كالإمام ابن تيمية وابن القيم- رحمهما الله- يقول ابن القيم: (وأما التوحيد الذي دعت إليه رسل الله، ونزلت به كتبه...فهو نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الطلب والقصد.
فالأول: هو حقيقة ذات الرب تعالى، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، وعلوه فوق سمواته على عرشه..
النوع الثاني: مثل ما تضمنته سورة:(قل يا أيها الكافرون) )962 (، وقوله: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم..) الآية )963 (...وغالب سور القرآن، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة بنوعي التوحيد. بل نقول قولاً كليا: إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه، فإن القرآن: إما أخبر عن الله، وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي،...) )964 (.
ولا فرق بين التقسيمين، فتوحيد المعرفة والإثبات أو التوحيد العلمي الخبري هو نفيه توحيد الربوبية والأسماء والصفات، والتوحيد الإرادي الطلبي هو توحيد الألوهية.(1/311)
يقول الشيخ حافظ حكمي- رحمه الله- في ذلك: (وهو- أي التوحيد- نوعان: الأول: التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال لله وجل وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل، وتنزيهه عن صفات النقص وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات، الثاني: التوحيد الطلبي القصدي الإرادي وهو عبادة الله وحده لا شريك له...وهو توحيد الإلهية) )965 (.
2- العلاقة بين النوعين:
هناك علاقة وثيقة بينهما فالألوهية تتضمن الربوبية، والربوبية تستلزم الألهية: يقول الإمام محمد بين عبد الوهاب- رحمه الله-: (فاعلم أن الربوبية والألوهية يجتمعان ويفترقان كم في قوله: (قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس) )966 (، وكما يقال رب العالمين وإله المرسلين، وعند الإفراد يجتمعان كما في قول القائل من ربك؟ مثاله الفقير والمسكين نوعان في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) )967، ونوع واحد في قوله: (افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم) )968 (.
إذا ثبت هذا فقول الملكين للرجل في القبر: من ربك؟ معناه: من إلهك؟ لأن الربوبية التي أقر بها المشركون ما يمتحن أحد بها (إلا أن يقال: هي داخلة تضمناً)، وكذلك قوله: (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) )969، وقوله: (قوله أغير الله أبغي رباً) )970 (، وقوله: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) )971 (، فالربوبية في هذا هي الألوهية ليست قسيمة لها عند الاقتران فينبغي التفطن لهذه المسألة) )972 (.
ومنهج القرآن في تقرير التوحيد أنه يقرر توحيد الربوبية، ويبين أنه لا خالق إلا الله، وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد إلا الله، فيجعل الأول دليلاً على الثاني، إذ كان يسلمون في الأول وينازعون في الثاني، فالقرآن يستدل لإثبات توحيد الإلهية بإثبات توحيد الربوبية، فالربوبية باب لتوحيد الإلهية )973 (.(1/312)
من كل ما سبق يتبين لنا أن توحيد الربوبية والأسماء والصفات أو التوحيد العلمي الخبري يتعلق بقول القلب، وتوحيد الألهية أو التوحيد الإرادي الطلبي يتعلق بعمل القلب من الخوف والرجاء والتوكل والإخلاص والانقياد والاستسلام لله وحده لا شريك له.
3- ومما سبق من بيان أنواع التوحيد يتبين أن أنواع الشرك الأكبر: المناقض لأصل التوحيد والإيمان نوعان:
شرك الربوبية: مثل أن يعتقد أن المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل أو المدبر أو الرازق أو الخالق غيره.
وشرك في الألوهية: مثل أن يصرف نوعاً من أنواع العبادة لغيره من خوف ورجاء ومحبة وتوكل واستغاثة ونذر وذبح وغيره )974 (.
فمن وقع في شيء من ذلك ومات على الشرك فقد انطبق عليه قوله عز وجل: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) )975 (.
وفي مبحثنا هذا سنتحدث عن الشرك في الربوبية باختصار باعتباره مما يناقض قول القلب، أما الشرك في الألهية، فنبحثه في الفصل القادم باعتباره يناقض عمل القلب.
الشرك في الربوبية(1/313)
وذلك مثل أن يوصف أحد من الخلق بأي صفة من صفات الله عز وجل الذاتية أو الفعلية المختصة به كالخلق أو الرزق أو علم الغيب أو التصرف في الكون، حتى مع إثبات هذه الصفات لله عز وجل. وهذا الشرك يكثر لدى بعض الفرق المنحرفة كغلاة الصوفية والرافضة والباطنية عموماً، حيث يعتقد الرافضة- مثلاً- في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب، وتخضع لهم ذرات الكون ونحو ذلك، وكذلك يعتقد الباطنية والصوفية في أوليائهم نحو ذلك، فعامة شرك الربوبية عند هؤلاء يقع في العلم والتصرف، أما في الخلق، والرزق فيقر به عامة الصوفية، وكذا المشركون الأوائل يعتقدون بأن الله عز وجل هو الخالق الرازق، لكنهم يدعون ويستغيثون بالأولياء من دون الله لزعمهم أنها تقربهم إلى الله زلفى، لذلك اقتصر مفهومهم للشرك باعتقاد أن الأولياء يخلقون أو يرزقون من دون الله، أو باعتقاد تصرفهم في الخلق استقلالاً )976 (. وبعد تقرير هذا الأصل ولكثرة أنواع الشرك في الربوبية، فقد رأيت أن أختار مثالين منهما وهما في العلم والشرك في التصرف ومن خلال نقل بعض أقوال الفرق يتضح انحرافها في هذا الأصل، ثم نرد عليهم و نبين المنهج الحق في ذلك:
أولاً: الشرك في العلم
أ- نقول عن الفرق فيها نقض لتوحيد الربوبية
الأقوال كثيرة ومشتهرة وسأقتصر على الأقوال الصريحة منها:(1/314)
فالباطنية زعموا أن أئمتهم وأوليائهم يعلمون ما كان وما يكون، ومن النقولات في ذلك ما ذكره صاحب تأويل الدعائم من أنه (جاء عن أولياء الله من الأخبار عما كان ويكون من أمر العباد) )977 ( وجاء في كتاب (المجالس المؤيدية) أن الأئمة يعلمون من أمر المبدأ والمعاد ما حجبه الله عن كافة العباد) )978 (، وروى النعمان القاضي عن المعز لدين الله أنه قال: (... أفمن أودعه الله علم ما يكون يجهل فضله...فكيف بمن علمه الله علم ما يكون مما لم يكن بعد) )979 (، وقال المعز: إن عندنا علم ما يطلب، كقول جده علي سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي خلق الحبة وبرأ النسمة لا تسألوني عن علم ما كان وما يكون، ومن علم ما لا تعلمون إلا أخبرتكم به...) )980 (، فهذه النصوص- كما نلاحظ- فيها دعوى أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون من أمر العباد وأمر الجن أو المعاد.
ومثل ذلك ما نقل عن الرافضة حيث ينسب الكليني إلى جعفر الصادق قوله: (ورب الكعبة ورب البنية لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما إني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر (عليهما السلام) أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثنا من رسول الله وراثة) )981 (. وينسبون إلى الحسن بن علي رضي الله عنه قوله: (إنا نعلم المكنون والمخزون والمكتوم الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل غير محمد وذريته) )982 (.
ولا حاجة للإشارة إلى كذبهم على الحسن- رضي الله عنه- أو جعفر الصادق- رحمه الله- وإنما المقصود أن الرافضة يعتقدون فيهم هذا، ولهذا نقلوا هذه الأقوال عنهم ونسبوها إليهم.
وهذه الفكرة موجودة لدى المتصوفة فبينهم وبين الرافضة أوجه شبه كثيرة من أهمها تقديس الأئمة والأولياء.(1/315)
فهذا عبد الكريم الجيلي (*) صاحب كتاب (الإنسان الكامل) يزعم أنه كشف عن حقائق الأمور على ما هي عليه من الأزل إلى الأبد وأنه رأى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة...الخ)983 (.
وه-ذا الشعراني في كتابه الطب-قات الكبرى ينقل عن شيخه الخواص أنه كان يعلم ما في اللوح المحفوظ ساعة بساعة)984 (، ومما قاله المتصوفة: (...وينبغي على المريد أن يعتقد في شيخه أنه يرى أحواله كلها كما يرى الأشياء في الزجاجة) )985 (.
ويدخل في ذلك الكهانة والعرافة)986 ( ونحوها، وكذلك إتيان الكهنة والعرافين وتصديقهم بما يقولون.
ب- اعتقاد أهل السنة في ذلك وحكم من ادعى علم الغيب
(1) اعتقاد أهل السنة في ذلك
يؤمن أهل السنة بأن الله وحده هو الذي يعلم الغيب، دون من سواه من ملك مقرب أو نبي مرسل، وأنه يطلع من يرتضيه من رسله على بعض الغيب متى شاء وإذا شاء وبذلك جاءت الآيات والأحاديث، قال سبحانه: (ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله) )987 (، وقال تعالى: (فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين) )988 (، وقال عز وجل: (قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض) )989 (، وقال سبحانه (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) )990 (، وقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) )991 (، يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: (قل لهؤلاء المنكرين نبوتك: لست أقول لكم إني الرب الذي له خزائن السموات والأرض، فأعلم غيوب الأشياء الخفية التي لا يعلمها إلا الرب الذي لا يخفى عليه شيء، فتكذبوني فيما أقول من ذلك، لأنه لا ينبغي أن يكون رباً إلا من له ملك كل شيء، وبيده كل شيء، ومن لا يخفى عليه خافية، وذلك لا إله غيره) )992 (.
ومن الآيات في هذا المعنى قوله عز وجل: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) )993 (.(1/316)
يقول الإمام القرطبي في تفسيرها: (فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه وتعالى شيئاً عن الخلق ويثبته لنفسه ثم يكون له في ذلك شريك، ألا ترى إلى قوله تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله)، وقوله (لا يجليها لوقتها إلا هو ) فكان هذا كله مما استأثر الله بعلمه لا يشركه فيه غيره) )994 (.
ومن أصرح الآيات دلالة ما جاء في سورة الأنعام، قال تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر...) الآية)995 (، وتفسيرها في سورة لقمان، قال تبارك وتعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) )996 (، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره آية لقمان (هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها، فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب (لا يجليها لوقتها إلا هو) وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك ومن يشاء الله من خلقه، وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه الله تعالى سواه ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء الله من خلقه، وكذا لا تدري نفس ماذا تكسب غداً في دنياها وأخرها، (وما تدري نفس بأي أرض تموت) في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان لا علم لأحد بذلك، وهذه (أي الآية) شبيهة بقوله تعالى:(وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس مفاتيح الغيب) )997 (.(1/317)
ثم ساق الحافظ عدة أحاديث في هذا المعنى، ومنها ما رواه البخاري عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله،لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعل-م متى يأتي المط-ر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله) )998 (. وحديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: (ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: (لا يعلم الغيب إلا الله) )999 (.
فالآيات والأحاديث المذكورة وغيرها مما لم نذكره قطيعة الدلالة على اختصاصه عز وجل بعلم الغيب دون سواه من الأنبياء والرسل أو الملائكة أو الأولياء.
2- تفسير قوله تعالى:
(عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول..)
الآية)1000 (.
مرّ معنا نصوص صريحة بأن الرسل وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلمون الغيب مثل قوله تعالى: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) )1001 (، وسنزيد هذه المسألة إيضاحاً قبل أن نتكلم عن الاستثناء المذكور في الآي-ة، ق-ال تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) )1002 (. (أي لو كنت أعلم جنس الغيب، لتعرضت لما فيه الخير، فجلبته إلى نفسي، وتوقيت ما فيه السوء، حتى لا يمسني، ولكني عبد لا أدري ما عند ربي، ولا ما قضاه في، وقدره لي، فكيف أدري غير ذلك وأتكلف علمه؟))1003(.
وقال- عز وجل-: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك...) الآية)1004 (.
وقال سبحانه: (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب) )1005 (.
ففي هذه الآية دليل على نفي علم الأنبياء بالغيب، وإذا لم يعلم الرسل والأنبياء ذلك فمن ادعاه لنفسه أو لغيره فهو مضاد ومكذب بما جاء في القرآن.(1/318)
وقال سبحانه في حكاية المحاورة بين موسى عليه السلام وفرعون: (قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) )1006 (، فأضاف موسى عليه السلام هذا العلم إلى الله سبحانه، ونفاه عن نفسه فدل على أن الأنبياء لا يعلمون منه شيئاً إلا ما يخبرهم به سبحانه )1007 (.
وقال سبحانه: (قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) )1008 (.
لقد قص علينا- سبحانه وتعالى- من أحوال الأنبياء والرسل وأخبارهم ما يؤكد هذا المعنى ويرسخه، فها هو إبراهيم عليه السلام لم يعلم بأنه يولد له ولد من زوجته سارة إلا بعد أن جاءته الملائكة، وجاءته الملائكة في صورة بشر فلم يعرفهم فذبح لهم عجلاً وقربه إليهم، ولم يكن يعرف مقصدهم حتى أعلموه أنهم ذاهبون لتدمير قرى قوم لوط، وأما لوط فإنه ساءته رؤية الملائكة ولم يعلم حقيقة أمرهم إلا بعد أن أعلموه أنهم جاءوا لإنجائه وإنجاء أهله)1009 (.
وه-ا هو المصطفى صلى الله عليه وسلم أصابه هم عظيم وقلق وانشغل باله فيما قذف المنافقون عائشة رضي الله عنه-ما، ومك-ث أياماً يستشير أصحابه في الأمر، ولم يعلم حقيقة الأمر حتى أنزل الله عز وجل براءتها وكذب المنافقين)1010 (، فكل هذه الآيات والأخبار تدل دلالة قطعية على أن الأنبياء لا يعلمون الغيب فإذا كان الأنبياء الأصفياء المقربون لا يعلمون ذلك، فغيرهم من باب أولى.
أما الاستثناء الوارد في قوله تعالى: (إلا من ارتضى من رسول) فمعناه: "أي من اصطفاه من الرسل، أو من ارتضاه منهم لإظهاره على بعض غيبه، ليكون ذلك دالاً على نبوته")1011(.(1/319)
وقال الإمام ابن العربي المالكي "وعند الله تعالى علم الغيب وبيده الطرق الموصلة إليه لا يملكها إلا هو، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه عنها حجبه، فلا يكو ذلك من إفاضته إلا على رسله بدليل قوله تعالى: (وما كان ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء) )1012 ("، وقال الطيبي: (..فلا يظهر إظهاراً تاماً وكشافاً جلياً إلا لرسول يوحى إليه مع ملك وحفظه، ولذلك قال: (فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً) وتعليله بقوله: (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم) وأما الكرامات فهي من قبيل التلويح واللمحات، وليسوا في ذلك كالأنبياء")1013(، وقال الحافظ ابن حج--ر: (وفي الآية رد على المنجمين، وعلى من يدعي أنه مطلع على ما سيكون من حياة أو موت أو غير ذلك لأن-ه مكذب للقرآن وهم (أي المنجمين ومن في حكمهم) أبعد شيء من الارتضاء مع سلب صفة الرسلية عنهم) )1014 (.
إذاً الآية صريحة الدلالة في أن الغيب مختص به ولا سبيل إلى علمه إلا من إخبار الله تعالى لمن يشاء من رسله وأنبيائه. ومن أمثلة ذلك ما ذكره الله عز وجل عن يوسف عليه السلام، قال تعالى: (لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيك-ما ذلكما مما علمني ربي))1015 (وقوله عن عيسى عليه السلام: (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) )1016 (.(1/320)
ومن ذلك أيضاً ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من فتوحات إسلامية، وفتن وملاحم وقعت كما أخبر بها صلى الله عليه وسلم، وإخباره عن علامات الساعة، والشهادة لبعض الصحابة بالجنة وأحوال أهل الجنة والنار...الخ)1017 (. والرسول يخبر أمته بما أعلمه الله تعالى، وقد أورد الشوكاني سؤالاً وأجاب عنه فقال: (إذا تقرر بهذا الدليل القرآني أن الله يظهر من ارتضى من رسله على ما شاء من غيبه، فهل للرسول الذي أظهره الله على ما شاء من غيبه أن يخبر به بعض أمته؟ قلت (أي الشوكاني): نعم ولا مانع من ذلك وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا ما لا يخفى على عارف بالسنة المطهرة، فمن ذلك ما صح أنه قام مقاماً أخبر فيه بما سيكون إلى يوم القيامة، وما ترك شيئاً مما يتعلق بالفتن ونحوها حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، كذلك ما ثبت من أن حذيفة بن اليمان كان قد أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث من الفتن بعده، ومنها تحدثه لعمر رضي الله عنه عن الفتن التي تموج كموج البحر، وكذلك ما ثبت من إخباره صلى الله عليه وسلم لأبي ذر بما يحدث له، وإخباره لعلي بن أبي طالب بخبر ذي الثديه، ونحو هذا الكلام مما يكثر تعداده ولو جمع جاء منه مصنف مستقل")1018(.
3- أنواع الغيب
لما كان أصل معنى الغيب (كل ما غاب عنك من شيء) )1019 (، فقد قسم العلماء الغيب إلى قسمين:
الأول: الغيب المطلق أو الحقيقي:
وهو أن يغيب عن الحواس والعقول معا، وهو المقصود عند الإطلاق مثل الأمور الخمسة وغيرها.
الثاني: الغيب النسبي أو المقيد:(1/321)
وهو ما يغيب عن بعض المخلوقين دون البعض الآخر، كالذي يعلمه الملائكة عن أمر عالمهم دون البشر، وكالذي يعلمه بعض البشر دون البعض الآخر مثل العلم بالأقطار النائية والطبقات الأرضية، والأمور الطبية ونحو ذلك، ومن ذلك أن يغيب الشيء عن حس الناس جميعاً ولكنه يكون في متناول عقولهم إما بالتجربة أو المقايسة، كعلم ما سيقع في المستقبل من الكسوف والخسوف والشروق والغروب ومنازل القمر ونحو ذلك استنباطاً من التجارب الكونية والسنن الربانية)1020، كل ذلك ظني وليس قطعياً. قال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة في ذلك: (والمراد بنفي العلم عن الغيب الحقيقي، فإن لبعض الغيوب أسباباً قد يستدل بها عليها لكن ليس ذلك حقيقياً)1021 (. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان هذين القسمين: (...وهو سبحانه قال: (قل لا يعلم من) ولم يقل (ما)، فإنه لما أجتمع ما يعقل وما لا يعقل غلب ما يعقل وعبر عنه ب- (من) لتكون أبلغ، إنهم مع كونهم أهل العلم والمعرفة لا يعلم أحد منهم الغيب إلا الله، وهذا هو الغيب المطلق عن جميع المخلوقين الذي قال فيه: (فلا يظهر على غيبه أحداً).
والغيب المقيد: ما علمه بعض المخلوقات من الملائكة أو الجن أو الإنس وشهدوه، فإنما هو غيب عمن غاب عنه، وليس غيباً عمن شهده، الناس كلهم قد يغيب عن هذا ما يشهده هذا، فيكون غيباً مقيداً- أي غيباً عمن غاب عنه من المخلوقين لا عمن شهده، ليس غيباً مطلقاً غاب عن المخلوقين قاطبة، وقوله: (عالم الغيب والشهادة) أي عالم ما غاب عن العباد مطلقاً ومعيناً وما شهدوه، فهو سبحانه يعلم ذلك كله) )1022 (
4- حكم من ادعى علم الغيب
بيّنا في المباحث السابقة اختصاصه سبحانه بعلم الغيب، وأنه يطلع من يشاء من رسله على شيء منه، وكذلك ذكرنا شيئاً من انحرافات الباطنية والمتصوفة في هذا الباب حيث زعموا أن أولياءهم يعلمون الغيب.
وسنتكلم في هذا المبحث عن كلام أهل العلم في حكم من ادعى معرفة الغيب أو شيئاً منه.(1/322)
يقول الإمام ابن العربي المالكي في ذلك: (مقامات الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله لا إمارة عليها، ولا علامة عليها، إلا ما أخبر به الصادق المجتبى...، فكل من قال: إنه ينزل الغيث غداً فهو كافر، أخبر عنه بأمارات ادعاها، أو بق-ول مطلق)1023 (، ومن ق-ال: إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر، فأما الأمارة على هذا فتختلف، فمنها كفر، ومنها تجربة)1024 (، والتجربة منه أن يقول الطبيب: إذا كان الثدي الأيمن مسوداً الحلمة فهو ذكر، وإن كان ذلك في الثدي الأيسر فهو أنثى، وإن كانت المرأة تجد الجنب الأيمن أثقل فهو ذكر، وإن وجدت الجنب الأشأم أثقل فالولد أنثى، وادعى ذلك عادة لا واجباً في الخلقة لم نكفره ولم نفسقه، وأما من ادعى علم الكسب في مستقبل العمر فهو كافر أو أخبر عن الكوائن الجميلة أو المفضلة فيما يكون قبل أن يكون فلا ريب في كفره أيضا...) )1025 (.
وقال صديق خان- رحمه الله-: (فمن اعتقد في نبي، أو ولي، أو جن، أو ملك، أو إمام، أو ولد إمام، أو شيخ، أو شهيد، أو منجم، أو رمال، أو جفار، أو فاتح فال، أو برهمن، أو راهب، أو جنية، أو خبيث أن له مثل هذا العلم، وهو يعلم الغيب بعلمه ذلك فهو مشرك بالله، وعقيدته هذه من أبطل الباطلات وأكذب المكذوبات، وهو منكر لهذه الآية القرآنية وجاحد لها) )1026 ( (أي قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب...) الآية).(1/323)
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: (.. والمقصود من هذا: معرفة أن من يدعي معرفة علم الشيء من المغيبات فهو إما داخل في اسم الكاهن، وإما مشارك له في المعنى فيلحق به، وذلك أن إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان يكون بالكشف، ومنه ما هو من الشياطين، ويكون بالفأل والزجر والطيرة والضرب بالحصى والخط في الأرض والتنجيم والكهانة، ونحو هذا من علوم الجاهلية.. فمن أتاهم (أي الكهنة والعرافين) فصدقهم بما يقولون لحقه الوعيد، وقد ورث هذه العلوم عنهم أقوام فادعوا بها علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وادعوا أنهم أولياء وأن ذلك كرامة، لا ريب أن من ادعى الولاية، استدل بإخباره ببعض المغيبات فهو من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن،... إلى أن يقول-رحمه الله- بل مجرد دعواه علم الغيب كفر، فكيف يكون المدعي لذلك ولياً لله؟))1027(.
ومن مجموع هذه النقولات يتبين لنا تكفير العلماء لمن ادعى علم الغيب وذلك لمناقضته وتكذيبه للنصوص القطعية في اختصاصه سبحانه وتعالى بذلك.
ثانياً: الشرك في التصرف
أ-نماذج من انحراف الفرق في ذلك(1/324)
من المعروف عن الباطنية تأليههم لبعض الأشخاص، فالنصيرية مثلاً يقولون مثلاً يؤلهون على بن أبي طالب رضي الله عنه، والدروز يؤلهون الحاكم بأمره وهكذا، فالباطنية لديهم غلو ظاهر في هذا الجانب، ولعلنا نقتصر هنا على إبراز معتقد النصيرية في ذلك، وملخصه ما يلي: يعتقدون أن الله يحل في الأشخاص، وأن آخر حلول له كان في علي بن أبي طالب، بل ذهبوا إلى ما يشبه عقيدة التثليث عند النصارى، إذ أنهم ألفوا ثالوثاً يتكون من علي، ومحمد، وسلمان الفارسي، ويزعمون أن العلاقة بين أطراف هذا الثالوث علاقة إيجاد، فعلي خلق محمداً، ومحمد خلق سلمان، وسلمان خلق الأيتام الخمسة ويقصدون بهم: المقداد بن الأسود، وأبا ذر الغفاري، وعثمان بن مظعون، وعبد الله بن رواحة، وقنبر بن كادان مولى علي، وأكدوا لهؤلاء مسئوليات معينة في تصريف الكون، فالمقداد موكل إليه الرعد والصواعق والزلازل، وأبو ذر موكل بالرياح وقبض أرواح البشر، وقنبر موكل بنفخ الأرواح في الأجسام)1028 (، إذاً علي بن أبي طالب وسلمان والأيتام الخمسة يتفردون بتصريف أمور الكون من الخلق والموت والحياة وغيرها، وهذه من أخص صفات الربوبي-ة، ولا غرابة في هذا الاعتقاد عند النصيرية ماداموا يؤلهون البشر، ويعتقدون بالحلول على طريقة النصارى.(1/325)
أيضاً يعتقد الرافضة الإمامية في أئمتهم شيئاً من ذلك، فينسون إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه من رواية جعفر بن محمد قوله: (انتقل النور إلى غرائزنا ولمع في أئمتنا، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاة ومنا مكنون العلم، وإلينا مصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج..) )1029 ( وينسون إليه أيضاً قوله: (? ونحن الذين بنا تمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا تمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وتنشر الرحمة...) )1030 (، ويقول أحد أئمتهم المعاصرين وهو الخميني: (فإن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية، وخلافه تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون...) )1031 (. فالكون بذلك خاضع لولايتهم وسيطرتهم وتصرفهم.
أما المتصوفة فاعتقادهم بأوليائهم وتصرفهم في الكون وشئون الخلق مشهور معلوم، (فعامتهم يجعلون الولي مساوياً لله عز وجل في جميع صفاته فهو يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويتصرف في الكون، ولهم تقسيمات للولاية فهناك الغوث المتحكم في كل شيء في العالم والأقطاب الأربعة الذين يمسكون الأركان الأربعة في العالم بأمر الغوث، والأبدال السبعة الذين يتحكم كل واحد منهم في قارة من القارات السبع بأمر الغوث والنجباء وكل واحد منهم يتصرف في ناحية نتحكم في مصائر الخلق) )1032 (.
بل يزعم بعض المتصوفة أن من كرامات أوليائهم أنهم يحيون الموتى، فهذا البدوي تستغيث به امرأة ليحيي ولدها الذي مات (فمد سيدي أحمد البدوي يده إليه ودعا له فأحياه الله تعالى) )1033 (، والبدوي يميت من يتعرض له من الأحياء كما فعل مع معارضيه في العراق، فقد قال لهم موتوا فوقعوا على الأرض قتلى، ثم قال: قوموا بإذن من يحي ويميت الأحياء، فقاموا)1034 (.
ومما يدخل تحت دعوى المخلوقات بشئون الكون من دون الله ما يدعيه أهل الجاهلية ومن تبعهم من الاعتقاد بأن الأنواء والنجوم والكواكب هي التي تنشيء السحاب وتنزل المطر من دون الله عز وجل.(1/326)
ب- اعتقاد أهل السنة في ذلك، وحكم من أثبت
لمخلوق تصرفاً في الكون من دون الله عز وجل
من أصول اعتقاد أهل السنة ومما تواترت به النصوص من الكتاب والسنة الاعتقاد الجازم بأن النفع والضر، والخير والشر، والخلق والرزق والموت والحياة والتصرف في الكون وفي شئون العالم لا يكون إلا لله عز وجل، وبقضائه وقدره وأمره لملائكته أو أحد من خلقه بفعل شيء من ذلك.
ق-ال تعالى موجهاً نبيه صلى الله عليه وسلم: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله) )1035 (، وقال عز وجل: (قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً، قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً) )1036 (، وقوله: (قل إن الأمر كله لله) )1037 (، وقوله تعالى: (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) )1038 (، وقوله تعالى: (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر...) الآية )1039 (، بل إن الأمر معلوم حتى لمشركي العرب، قال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله) )1040 ( وقال- عز وجل-:(قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون الله) )1041 (، وقال- عز وجل- عن الكفار: (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً) )1042 (، وقال تعالى: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين) )1043 (، وقوله سبحانه: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) )1044 (، وقوله تعالى أيضاً:(ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده) )1045 (، وقال سبحانه وتعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيها من شرك(1/327)
وما له منهم من ظهير) )1046 (، أي ليس لهم قدرة على خير ولا شر، ولا على جلب نفع، ولا دفع ضر في أمر من الأمور (ومالهم فيهما من شرك) أي ليس للآلهة الباطلة في السموات والأرض مشاركة لا بالخلق ولا بالملك ولا بالتصرف) )1047 (.
والأحاديث الشريفة في هذا المعنى كثيرة ومنها حديث وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس حيث جاء فيها:(...واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك...) الحديث(1048(.
وجاء في دعائه صلى الله عليه وسلم قوله: (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا لجد منك الجد) )1049 ( فهذه كلها نصوص صريحة الدلالة في أن النفع والضر والرزق والخلق والتصرف والنصر كلها من الله عز وجل، فلذلك لا يجوز أن يدعى ويطلب من غيره النفع والضر أو الرزق كما لا يجوز أن يعتقد في غيره أن له تصرفاً في الكون من خلق وغيره، فكل ذلك شرك صريح مناقض لقول القلب.(1/328)
قال الشيخ صنع الله الحنفي (*) رحمه الله في الرد على من ادعى ذلك: "هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدعون أن للأولياء تصرفاً بحياتهم وبعد مماتهم، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات وبهممهم تكشف المهمات،.... قال: وهذا كلام فيه تفريط وإفراط، بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي، لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومضادة الكتاب العزيز المصدق، ومخالفة لعقائد الأئمة وما اجتمعت عليه الأمة"، ثم قال: فأما قولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات: فيرده قوله تعالى: [ أإله مع الله] )1050 (، وقوله تعالى: [ألا له الخلق والأمر] )1051 (، (لله ملك السموات والأرض] )1052 (، ونحوها من الآيات الدالة على أنه المتفرد بالخلق والتدبير والتصرف والتقدير، ولا شيء لغيره في شيء ما بوجه من الوجوه فالكل تحت ملكه وقهره تصرفاً وملكاً وإماتة وخلقاً... ")1053( وقال الشيخ صديق خان في تعليقه على قوله تعالى: [ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً] )1054 (.
(ومفهوم الآية أن قول العامة: إن الأنبياء والأولياء والشهداء والأئمة لهم تصرف في العالم، وقدرة عليه، ولكنهم شاكرون لتقدير الله تعالى، راضون بقضائه، ولا يقولون شيئاً ولا يفعلون أمراً، أدباً منهم، ولو شاءوا لغيروا الأمور في آن، وسكوتهم إنما هو ? تعظيماً للشرع الشريف غلط- فاضح، وكذب واضح لأنهم لا يستطيعون شيئاً لا حالاً ولا استقبالاً، ولا ح-ول له-م على ذلك أصلاً، وهذه العق-يدة فيها شرك بالله سبحانه وتعالى، لأنه ليس في الدار غيره ديار )1055 (.
ومن خلال هذه النقول يتبين حكم هذه المسألة، القطعية المجمع عليها. وأحب في ختام هذا المبحث أن أشير إلى مسألة الاستسقاء بالنجوم لأن البعض قد يغلط فيها فأقول:(1/329)
قال الشافعي في تعليقه على حديث زيد بن خالد: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمت-ه فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) )1056 (، قال رحمه الله: (... ومن قال مطرنا بنوء كذا، وهو يريد أن النوء أنزل الماء، كما عني بعض أهل الشرك من الجاهلية فهو كافر، حلال دمه إن لم يتب)، وقال الإمام ابن عبد البر في معنى الحديث، قال: فمعناه على وجهين: أما أحدهما: فإن المعتقد بأن النوء هو الموجب لنزول الماء، وهو المنشيء للسحاب دون الله عز وجل، فذلك كافر كفراً صريحاً، يجب استتابته وقتله إن أبى، لنبذه الإسلام ورده القرآن، والوجه الثاني: أن يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء، وأنه سبب الماء على ما قدره الله وسبق في علمه، وهذا وإن كان وجهاً مباحاً، فإن فيه أيضاً كفراً بنعمة لله عز وجل وجهلاً بلطيف حكمته...) )1057 (.
7- اعتقاد ألوهية غير الله عز وجل
ومما يناقض قول القلب، "اعتقاد ألوهية غير الله "، وهذا يختلف عن شرك الألوهية "أي صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله سبحانه وتعالى"، فهو مما ينافي قول القلب، أما الشرك في الألوهية فينافي عمل القلب، وسيأتي إيضاح ذلك، وهذا النوع ذكره بعض أهل العلم ضمن أقسام الشرك في الربوبية.
يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله- عن هذا النوع، عند كلامه عن أقسام الشرك: (الشرك شركان: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وأفعاله، وشرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته، ولا صفاته ولا في أفعاله.(1/330)
والشرك الأول نوعان: أحدهما: التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون إذ قال: (وما رب العالمين) )1058 (...، أما النوع الثاني: شرك من جعل معه إلهاً آخر ولم يعطل أسماؤه وربوبيته وصفاته، كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، فجعلوا المسيح إلهاً وأمه إلهاً. ومن هذا شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة، ومن هذا شرك القدرية القائلين بأن الحيوان هو الذي يخلق أفعال نفسه، وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته وإرادته، ولهذا كانوا من أشباه المجوس...ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات، ويجعلها أرباباً مدبرة لأمر هذا العالم، كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم، ومن هذا شرك عباد الشمس وعباد النار وغيرهم، ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده هو الإله على الحقيقة، ومنهم من يزعم أنه أكبر الآلهة، ومنهم من يزعم أنه إله من جملة الآلهة..) )1059 (.
وقال الشيخ صديق حسن خان- رحمه الله- عن ذلك: (... والنوع الثاني: الشرك به تعالى في الربوبية، كشرك من جعل معه خالقاً آخر كالمجوس وغيرهم، الذين يقولون بأن للعالم ربين، أحدهما خالق الخير، والآخر خالق الشر، كالفلاسفة ومن تبعهم الذين يقولون: بأنه لم يصدر عنه إلا واحد بسيط، وأن مصدر هذا العالم عن العقل الفعال، فهو رب كل ما تحته ومدبره،...وشرك القدرية نختصر من هذا المطول، وباب يدخل منه إليه...) )1060 (، وكذلك الباطنية وغلاة الصوفية، يقعون في شيء من هذا، فيعتقدون ألوهية بعض الأشخاص كعلي رضي الله عنه، وكالحاكم بأمره، أو يصبغون على بعض البشر بعض الصفات الربوبية من الإطلاع على علم الغيب أو التصرف في الكون أو الإماتة والإحياء ونحو ذلك.(1/331)
لكن هذه الطوائف وإن ألهت بعض الخلق أو البشر أو الكواكب، إلا إنها- مع ذلك- لم تقل بالتساوي بين هذه الآلهة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: (...ومعلوم أن أحداً من الخلق لم يزعم أن الأنبياء والأحبار والرهبان أو المسيح ابن مريم شاركوا الله في خلق السموات والأرض، بل ولا زعم أحد من الناس أن العالم له صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، بل ولا أثبت أحد من بني آدم إلهاً مساوياً لله في جميع صفاته، بل عامة المشركين بالله مقرون بأنه ليس له شريك مثله،... وقد ذكر أرباب المقالات ما جمعوا من مقالات الأولين والآخرين في الملل والنحل والآراء والديانات، فلم ينقلوا عن أحد إثبات شريك له في خلق جميع المخلوقات، ولا مماثل له في جميع الصفات، بل من أعظم ما نقلوا في ذلك قول الثنوية، اللذين يقولون بالأصلين: النور والظلمة، وأن النور خلق الخير، والظلمة خلقت الشر، ثم ذكروا لهم قولين: أحدهما أنها محدثة، فتكون من جملة المخلوقات له، والثاني أنها قديمة، ولكنها لا تفعل إلا الشر، فكانت ناقصة في ذاتها وصفاتها ومفعولاتها عن النور) )1061 (.(1/332)
ويقول ابن أبي العز الحنفي- رحمه الله-: (...ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال: إن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والأفعال، فإنه الثنوية من المجوس، والمانوية القائلين بالأصلين: النور والظلمة، وأن العالم صدر عنهما- متفقون على أن النور خير من الظلمة، وهو الإله المحمود، وأن الظلمة شريرة مذمومة، وهم متنازعون في الظلمة، هل هي قديمة أو محدثة؟ فلم يثبتوا ربين متماثلين، وأما النصارى القائلون بالتثليث، فإنهم لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض، بل متفقون على أن صانع العالم واحد، ويقولون باسم الابن والأب وروح القدس إله واحد، وقولهم في التثليث متناقض في نفسه، وقولهم في الحلول أفسد منه، ولهذا كانوا مضطربين في فهمه، وفي التعبير عنه، ولا يكاد واحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول، ولا يكاد اثنان يتفقان على معنى واحد، فإنهم يقولون: هو واحد بالذات، ثلاثة بالأقنوم(*)! والأقانيم يفسرونها تارة بالخواص، وتارة بالصفات، وتارة بالأشخاص،... والمقصود هنا: أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين...) )1062 (. ولما كان هذا الاعتقاد- أي ألوهية غير الله- موجوداً لدى طوائف من أهل الضلال، فقد أشار إليه القرآن وبين بطلانه، قال تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) )1063 (. وقال سبحانه: (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً) )1064 (.(1/333)
وقال سبحانه: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون) )1065 (، قال ابن أبي العز الحنفي حول هذه الآية: (فتأمل هذا البرهان الباهر، بهذا اللفظ الوجيز الظاهر، فإن الإله الحق لابد أن يكون خالقاً فاعلاً، يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر، فلو كان معه سبحانه إله آخر شركه في ملكه، لكان له خلق وفعل، وحينئذ فلا يرضى تلك الشراكة، بل إن قدر على قهر ذلك الشريك وتفرده بالملك والألوهية دونه، فعل، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه، وذهب بذلك الخلق، كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بملكه إذا لم يقدر المنفرد منهم على قهر الآخر والعلو عليه، فلابد من أحد ثلاثة أمور:
إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه، وإما أن يعلو بعضهم على بعض، وإما أن يكونوا تحت قهر ملك واحد يتصرف فيهم كيف يشاء، ولا يتصرفون فيه، بل يكون وحده هو الإله، وهم العبيد المربوبون والمقهورون من كل وجه. وانتظام العالم واحد، لا إله للخلق غيره، ولا رب لهم سواه، كما قد دل دليل التمانع )1066 (على أن خالق العلم واحد لا رب غيره، ولا إله سواه، فذلك تمانع في الفعل والإيجاد، وهذا تمانع في العبادة والإلهية، فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان، كذلك يستحيل أن يكون له إلهان معبودان) )1067 (.(1/334)
وقد بين شيخ الإسلام فساد اعتقاد إله وشريك مع الله سبحانه، من وجه آخر، فقال- رحمه الله-:(...وهو سبحانه مستحق للكمال المطلق، لأنه واجب الوجود بنفسه، يمتنع العدم عليه، ويمتنع أن يكون مفتقراً إلى غيره بوجه من الوجوه، إذ لو افتقر إلى غيره بوجه من الوجوه كان محتاجاً إلى الغير، والحاجة إما إلى الحصول كمال له، وإما إلى دفع ما ينقص من كماله، ومن احتاج في شيء من كماله إلى غيره لم يكن كماله موجوداً بنفسه، بل بذلك الغير، وهو بدون ذلك الكمال ناقص، والناقص لا يكون واجباً بنفسه، بل ممكناً مفتقراً إلى غيره، لأنه لو كان واجباً بنفسه مع كونه ناقصاً مفتقراً إلى كمال غيره، لكان الذي يعطيه الكمال: إن كان ممكناً فهو مفتقر إلى واجب آخر، والقول في هذا كالقول في الأول، وإن كان واجباً كاملاً فهذا هو الواجب بنفسه، وذاك الذي قدر واجباً ناقصاً فهو مفتقر إلى هذا في كماله، وذاك غني عنه، فهذا هو رب ذاك، وذاك عبده، ويمتنع مع كونه مربوباً معبداً أن يكون واجباً، ففرض كونه ناقصاً محال) )1068 ثم أطال في إيضاح هذا المعنى إلى أن قال: (فتبين أنه يمتنع كون شيئين كل منهما معطياً للآخر شيئاً من صفات الكمال أو شيئاً مما به يصير معاوناً له على الفعل، سواء أعطاه كمال علم أو قدرة أو حياة أو غير ذلك، فإن هذا كله يستلزم الدور في تمام الفاعلين وتمام المؤثرين، وهذا ممتنع، وبهذا يعلم أنه يمتنع أن يكونا للعالم صانعان متعاونان لا يفعل أحدهما إلا بمعاونة الآخر، ويمتنع أيضاً أن يكونا مستقلين، لأن استقلال أحدهما يناقض استقلال الآخر...) )1069 (.(1/335)
وأخيراً يقال: لا يعتقد هذا الاعتقاد إلا من بلغ الغاية في الكفر والضلال، للناقضة الصريحة بين ذلك وبين نصوص الوحي بل والفطرة السليمة والعقل الصريح، ولذلك لم يعرف هذا الاعتقاد، إلا عن طوائف من البشر لم يختلف في تكفيرها كالمجوس، والباطنية ونحوهم، وهذا أمر بين معلوم، فإذا اتفق الأئمة على تكفير من وصف غير الله عز وجل بشيء من الصفات المختصة به سبحانه كالعلم والتصرف ونحوها، فتكفيرهم لمن وصف أحداً من الخلق بغالب أو كثير من صفات الخالق جل وعلا من باب أولى.
الفصل الثاني
ما يناقض عمل القلب
1- الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به.
2- النفاق الاعتقادي.
3- بغض أو كراهية بعض ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
4- كفر الاباء والاستكبار والامتناع.
- حكم من امتنع عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة والمتواترة.
- الفرق بين امتناع الفرد والطائفة.
5- الشرك الأكبر بعمل القلب كالمحبة والإرادة والقصد.
1- الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به
ذكر الإمام ابن القيم- رحمه الله- والإمام محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة الإعراض كناقض من نواقض الإسلام، فما المقصود بالإعراض؟ وما هو الإعراض المناقض للإسلام؟
أ- مفهوم الإعراض
ورد ذكر الإعراض في القرآن الكريم في أكثر من خمسين موضعاً) 1070(، سنستعرض بعضها، وننقل شيئاً من أقوال المفسرين حولها، وقبل ذلك نشير بإيجاز إلى كلام أهل اللغة في معنى الإعراض، ثم نذكر الخلاصة.
قال في اللسان::(...والمعرض: الذي يستدين ممن أمكنه من الناس،..وقال الأصمعي: قوله فأدان معرضاً: أي أخذ الدين ولم يبال أن لا يؤديه، ولا ما يكون من التبعة،...وقيل: إن أراد أن يعرض إذا قيل له لا تستدن فلا يقبل، من أعرض عن الشيء إذا ولاه ظهره، وقيل: أراد معرضاً عن الأداء مولياً عنه) )1071 (.
(والإعراض عن الشيء: الصد عنه، وأعرض عنه: صد) )1072 (. (والإعراض الصدود، اعرض عنه: صد وولى) )1073 (.(1/336)
وقال في اللسان في معنى التولي (وتولى عنه: أعرض: وولى هارباً: أي أدبر...وقد ولى الشيء وتولى إذا ذهب هارباً ومدبراً، وتولى عنه إذا أعرض، والتولي يكون بمعنى الإعراض، ويكون بمعنى الاتباع، قال الله تعالى: (وإن تتولوا يستبدل بمعنى الإعراض، ويكون بمعنى الاتباع، قال الله تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم) )1074 ( أي إن تعرضوا عن الإسلام?))1075(. وقال الراغب الأصفهاني:(وقولهم: تولى) إذا عدي بنفسه اقتضى معنى الولاية وحصوله في أقرب المواضع منه، يقال: وليت سمعي، ووليت عيني كذا، ووليت وجهي كذا أقبلت به عليه، قال الله عز وجل: (فلنولينك قبلة ترضاها) )1076? (وإذا عدي بمن لفظاً أو تقديراً اقتضى معنى الإعراض وترك قربة..(فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين) )1077 (، (وإلا من تولى وكفر) )1078 ( ...والتولي قد يكون بالجسم، وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار) )1079 (.
وقال أبو البقاء الكفوي(*) في (الكليات): (الإعراض): أن تولي الشيء عرضك: أي جانبك ولا تقبل عليه، والتولي: الإعراض مطلقاً، ولا يلزمه الإدبار ... والإعراض: الانصراف عن الشيء بالقلب، قال بعضهم: المعرض والمتولي يشتركان في السلوك إلا أن المعرض أسوأ حالاً ...وغاية الذم الجمع بينهما) )1080 (.
وبعد هذه الإشارة السريعة للمعنى اللغوي نستعرض بعض الآيات المتعلقة بالموضوع مع ذكر أقوال بعض المفسرين.
1- …قال تعالى:(وم-ن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها) )1081 (، قال الإمام القرطبي:("ثم أعرض عنها" بترك القبول) )1082 ( وق-ال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- (...أي تناساها، وأعرض عنها، ولم يصغ لها ولا ألقى إليها بالاً) )1083 (.(1/337)
وقال الإمام الشوكاني- رحمه الله-: (أي لا أحد أظلم لنفسه ممن وعظ بآيات ربه التنزيلية أو التكوينية أو مجموعهما فتهاون بها، وأعرض عن قبولها، ولم يتدبرها حق التدبر، ويتفكر فيها حق التفكر)1084 (، وقال محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله-: (فأعرض عنها: أي تولى وصد عنها) )1085 (.
2- …قال سبحانه: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) )1086 ( قال أبو حيان- رحمه الله-: (...الغفلة عن الشيء، والإعراض عنه متنافيان، لكن يجمع بينهما باختلاف حالين، أخبر عنهم، أولاً: أنهم لا يتفكرون في عاقبة بل هم غافلون عما إليه أمرهم، ثم أخبر ثانياً، أنهم إذا نبهوا من سنة الغفلة وذكروا بما يؤول إليه أمر المحسن والمسيء أعرضوا عنه ولم يبالوا بذلك) )1087 (.
3- …قال ع-ز وجل: (من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً) )1088 ( " أي أعرض عنه فلم يؤمن به، ولا عمل بما فيه" )1089 (.
4- …وقال تعالى: (بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون) )1090 (، قال أبو حيان (*)-رحمه الله -:(...والظاهر أن الإعراض متسبب عن انتفاء العلم لما فقدوا التمييز بين الحق والباطل أعرضوا عن الحق، وقال ابن عطية ثم حكم عليهم تعالى بأن أكثرهم لا يعلمون الحق لإعراضهم عنه، وليس المعنى فهم معرضون لأنهم لا يعلمون، بل المعنى فهم معرضون ولذلك لا يعلمون الحق) )1091 (.
5- …وقال سبحانه: (ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً) )1092 (.
قال الإمام القرطبي- رحمه الله-: (يعني القرآن، قاله ابن زيد، وفي إعراضه عنه وجهان: أحدهما: عن القبول، إن قيل في أهل الكفر، الثاني عن العمل، إن قيل إنها في المؤمنين) )1093 (.
6- …وقال تعالى:(ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون) )1094 ( قال ابن عباس رضي الله عنه: (...ثم توليتم): أعرضتم عن طاعتي، "إلا قليلاً منكم" قال: القليل الذين اخترتهم لطاعتي، وسيحل عقابي عمن تولي وأعرض عنها) )1095 ((1/338)
وقال أيضاً: (ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون)، أي تركتم ذلك كله)1096 (.
7-…قال سبحانه: (ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) )1097 (قال الإمام الطبري- رحمه الله-: (ثم يستدبر عن كتاب الله الذي دعا إلى حكمه، معرضاً عنه منصرفاً، وهو بحقيقته وحجته عالم")1098(.
وورد في القرآن الكريم ذكر التولي بمعنى الإعراض، وترك الطاعة مثل:
8- …قوله سبحانه:(ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين) )1099 (، قال ابن جرير- رحمه الله-: (ثم توليتم) ثم أعرضتم، وإنما هو (تفعلتم) من قولهم، ولاني فلان دبره) إذا استدبر عنه وخلفه خلف ظهره، ثم يستعمل ذلك في كل تارك طاعة أمر بها) )1100 (.
9- …وقال تعالى: (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) )1101، قال الإمام الطبري: ("يتولون" يقول: يتركون الحكم به، بعد العلم بحكمي، فيه، جرأة علي وعصياناً لي) )1102 (.
وقال- رحمه الله-:(وأصل "التولي عن الشيء" الانصراف عنه...))1103(.
10- وورد لفظ التولي بمعنى التولي عن الطاعة في مواضع من القرآن، كقوله تعالى: (فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً) )1104 (.
وقوله سبحانه: (لا يصلاها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى) )1105، وقوله عز وجل: (فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى) )1106 (قال شيخ الإسلام: "فالتكذيب للخبر، والتولي عن الأمر، وإنما الإيمان تصديق الرسل فيما أخبروا، وطاعتهم فيما أمروا) )1107 (.
وقال في موضع آخر تعليقاً على هذه الآيات: (فعلم أن التولي ليس هو التكذيب، بل هو التولي عن الطاعة، فإن الناس عليهم أن يصدقوا الرسول فيما أخبر، ويطيعوه فيما أمر، وضد التصديق التكذيب، وضد الطاعة، التولي) )1108 (.
وقال- رحمه الله-: (والمتولي هو العاصي الممتنع عن الطاعة) )1109 (.
الخلاصة:(1/339)
بعد هذا الإيجاز لكلام أهل اللغة والمفسرين، يمكن أن نستخلص من معاني الإعراض ما يلي:
1- يأتي بمعنى: عدم الاستماع لأوامر الله عز وجل، وعدم المبالاة بها أو التفكر فيها وهو الغالب.
2- ويأتي بمعنى: عدم القبول لها، وهذا يأتي بعد الاستماع لها والتذكير بها.
3- ويأتي بمعنى الامتناع والتولي عن الطاعة، وهذا يكون بعد الاستماع والقبول.
4- ويأتي بمعنى: ترك العمل.
5- ويأتي بمعنى: الصدود.
6- ويأتي بمعنى: ترك حكم الله، والانصراف عنه مع العلم بحقيقته.
وحاصل ذلك يرجع إلى ثلاثة أمور:
الأول: يتعلق بالعلم (قول القلب)، من عدم الاستماع، وعدم المبالاة.
الثاني: يتعلق بالعمل (عمل القلب والجوارح).
أ - عمل القلب: من عدم القبول والاستسلام.
ب- عمل الجوارح: من الامتناع)1110 ( وترك العمل، والتولي عن الطاعة.
الثالث: الإعراض عن حكم الله والتحاكم إليه.
فهذا هو مفهوم الإعراض، وهذه هي أنواعه وحالاته.
ب- الإعراض المكفر وغير المكفر
بعد ذكر مفهوم الإعراض وحالاته، يرد علينا هذا التساؤل، ما الإعراض الذي هو ناقض من نواقض الإسلام؟ ذكر الإمام ابن القيم- رحمه الله- من أنواع الكفر الأكبر: كفر الإعراض، وعرفه قائلاً: (وأما كفر الإعراض: فإن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول، لا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة...))1111(، وفضل ذلك في موضع آخر فقال (..أن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها، والثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها، فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد، وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل)1112 (.(1/340)
فالإعراض المكفر على حسب ما ذكره هو نوع من اللامبالاة فلا يسمع الحجة، ولا يبحث عنها، ولا يفكر في ذلك، ولا يعني ذلك أن الإمام يحصر كفر الإعراض بما ينافي قول القلب فقط، لكنه لا يسمي في كلامه ترك العمل بعد العلم كفر إعراض، وإنما يطلق عليه كفر عناد وهو نفسه كفر الإعراض من جهة التولي وترك العمل والامتناع. وكذلك تكلم الإمام عن كفر المعرض عن حكم الرسول كما سيأتي.
كذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- كفر الإعراض المنافي لقول القلب حيث قال: (...والكفر أعم من التكذيب فكل من كذب الرسول كافر، وليس كل كافر مكذباً، بل من يعلم صدقه، ويقر به وهو مع ذلك يبغضه أو يعاديه
كافر، أو من أعرض فلم يعتقد لا صدقه ولا كذبه كافر وليس بمكذب...))1113(.
وكذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- ذكر ضمن نواقض الإسلام (العاشر: الإعراض عن دين الله لا يتعلم-ه ولا يعمل ب-ه، والدليل قول-ه تعالى: (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون))1114 ((1115 (، فالإمام كما يبدو من كلامه يعتبر جهل أصول الدين والإعراض عن تعلمه مع القدرة كفر أكبر وكذلك ترك العمل بعد ما يعلم.
أما الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ- رحمه الله- فقد أجاب إجابة شاملة وموجزة حينما سئل عن الإعراض الناقض للإسلام، فقال: (إن أحوال الناس تتفاوت تفاوتاً عظيماً وتفاوتهم بحسب درجاتهم في الإيمان إذا كان أصل الإيمان موجوداً والتفريط والترك إنما هو فيما دون ذلك من الواجبات والمستحبات،وأما إذا عدم الأصل الذي يدخل به الإسلام وأعرض عن هذا بالكليه، فهذا كفر إعراض، فيه قوله تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس) )1116 (، وقوله: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) )1117 ( الآية، ولكن عليك أن تعلم أن المدار على معرفة حقيقة الأصل وحقيقة القاعدة وإن اختلف التعبير واللفظ...))1118(.(1/341)
فالشيخ عبد اللطيف- رحمه الله- بين ووضح أنه إذا اختل الأصل (أي أصل الإيمان وقد سبق بيانه) بالإعراض التام عن قول القلب أو عمله، أو قول اللسان أو جنس عمل الجوارح فهذا هو الإعراض الناقض لأصل الإيمان، أما ترك الواجبات والمستحبات والإعراض عن فعلها فلا يعد ضمن الإعراض المكفر، ويلاحظ في كلام الشيخ أنه لم يذكر ترك الأركان ضمن الإعراض غير الناقض ولعل ذلك للخلاف المشهور حول حكم تارك الأركان، وخاصة الصلاة.
كذلك من صور الإعراض المكفر، والإعراض عن حكم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون إنما قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) )1119، قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في تعليقه على هذه الآيات: (فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن، وإن المؤمن هو الذي يقول سمعنا وأطعنا، فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره مع أن هذا ترك محض، وقد يكون سببه قوة الشهوة فكيف بالنقض والسب ونحوه) )1120 (، فشيخ الإسلام يبين أن الإيمان يزول بمجرد الإعراض والترك المحض لحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لو لم يقترن بهذا الترك استحلال أو جحود والله أعلم.(1/342)
وقال تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً) )1121 (، قال الإمام ابن القيم في معنى هذه الآية: (فجعل الإعراض عما جاء به الرسول والالتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق، كما أن حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدور بحكمه والتسليم لما حكم به رضى واختيار ومحبة فهذا حقيقة الإيمان، وذلك الإعراض حقيقة النفاق...) )1122 (.
وإذاً نستخلص من كلام الأئمة في تفسيرهم للآيات وكلامهم عن كفر الإعراض أن الإعراض الناقض للإسلام هو إعراض عن أصل الإيمان، إما أن يعرض إعراضاً تاماً عن تعلم أصول الدين مع قدرته على ذلك أو عن قبولها والانقياد القبلي لها، أو يعرض إعراضاً تاماً عن العمل بالجوارح (أن يترك جنس العمل)، أو يعرض عن حكم الله ورسوله.
وقد سبق وأن بينا حكم المعرض عن تعلم أصول الدين (تارك العلم أو الجاهل المعرض) في مبحث العذر بالجهل، وكذلك سبق وأن بينا عمل القلب من القبول والتسليم والانقياد والإذعان كشرط لصحة الإيمان. وسنبين في هذا المبحث ضرورة وجود عمل الجوارح أو جنس العمل كشرط لصحة الإيمان، أو ترك عمل الجوارح بالكلية والإعراض عنها من نواقض الإسلام، لأنه يلزم من ذلك فساد عمل القلب من القبول والتسليم والانقياد.
ج- حكم ترك العمل والتولي عن الطاعة (ترك جنس العمل): (*)(1/343)
مر معنا في الباب الأول بيان مذهب أهل السنة في الإيمان، وإجماعهم على أنه قول وعمل، (قول القلب من المعرفة والتصديق، وقول اللسان، وعمل القلب من القبول والتسليم، وعمل الجوارح) وذكرنا الأدلة من الكتاب والسنة على دخول أعمال الجوارح في مسمى الإيمان، كذلك بينا انحراف الفرق في مفهومها للإيمان، فالمرجئة اعتقدوا أن الإيمان هو التصديق أو المعرفة فقط، ولم يشترطوا لا النطق ولا عمل الجوارح، والخوارج والمعتزلة جعلوا جميع العمل شرط لصحة الإيمان فترك الواجب وارتكاب الكبيرة- أو الصغيرة عند البعض- يخرجه من الإيمان بالكلية، أما أهل السنة فأوجبوا العمل ومن ثم قالوا عن مرتكب الكبيرة أنه لا يكفر، فكانوا وسطاً بين طرفين.
وفي هذا المبحث سنذكر كلام أهل السنة في حكم تارك العمل بالكلية، والمعرض عنه:
1- يقول الإمام الشافعي- رحمه الله-: (...وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم، ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، ولا يجزي واحد من الثلاث إلا بالآخر) )1123 (، فكما لا يجزي العمل بدون وجود نية فكذلك لا يجزي النية بدون عمل ولا تنفع صاحبها عند الله.(1/344)
2- وقال حنبل:حدثنا الحميدي قال: وأخبرت أن أناساً يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، ويصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذ)1124 (كان مقراً بالفرائض واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين، قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) )1125 (، وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا، فقد كفر بالله، ورد عليه أمره)1126 ( وعلى الرسول ما جاء به عن الله)1127 (. ففي هذا الكلام رد صريح على أهل الإرجاء ممن يزعمون أن إقرار المرء بالفرائض والواجبات كاف للنجاة عند الله ولو لم يعمل منها شيئاً، ولا يكفر إلا بالجحود فقط. وسيأتي بعد قليل بيان سبب انحرافهم من كلام شيخ الإسلام رحمه الله.
3- ويقول الإمام أبو ثور (*) حينما سئل عن الإيمان ما هو؟ يزيد وينقص؟...فأجاب إجابة طويلة جاء فيها: (فأما الطائفة التي زعمت أن العمل ليس من الإيمان فيقال لهم: ما أراد الله عز وجل من العباد إذ قال لهم: (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)؟ الإقرار بذلك؟ أو الإقرار والعمل؟ فإن قالت: إن الله أراد الإقرار ولم يرد العمل فقد كفرت،...فإن قالت: أراد منهم الإقرار والعمل، قيل: فإذا أراد منهم الأمرين جميعاً لم زعمتم أنه يكون مؤمناً بأحدهما دون الآخر؟ وقد أرادهما جميعاً.
أرأيتم لو أن رجلاً قال: أعمل جميع ما أمر الله ولا أقر به أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: لا. قيل لهم فإن قال: أقر بجميع ما أمر الله به ولا أعمل منه شيئاً أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: نعم. قيل لهم: ما الفرق؟ وقد زعمتم: أن الله عز وجل أراد الأمرين جميعاً، فإن جاز أن يكون بأحدهما مؤمناً إذا ترك الآخر، جاز أن يكون بالآخر إذا عمل ولم يقر مؤمناً، لا فرق بين ذلك.(1/345)
فإن احتج فقال: لو أن رجلاً أسلم فأقر بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أيكون مؤمناً بهذا الإقرار قبل أن يجيء وقت عمل؟ قيل له: إنما نطلق له الاسم بتصديقه أن العمل عليه بقوله أن يعمله في وقته إذا جاء، وليس عليه في هذا الوقت الإقرار بجميع ما يكون به مؤمناً (وإذا) )1128 ( قال: أقر ولا أعمل لم نطلق له اسم الإيمان) )1129 (. فالإمام يبين أنه لا فرق بين ترك الإقرار (أي القبول والانقياد) وبين ترك العمل، وأن المرء لا يكون مؤمناً إلا بالإقرار والعمل.
4- ويقول الإمام سفيان بن عيينة(*) مبيناً الفرق بين أهل السنة والمرجئة: (يقولون (أي المرجئة): الإيمان قول، ونحن نقول الإيمان قول وعمل، والمرجئة وأوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض وسمو ترك الفرائض ذنباً بمنزله ركوب المحارم وليس بسواء لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر، وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود، أما آدم فنهاه الله عز وجل عن أكل الشجرة، وحرمها عليه فأكل منها متعمداً ليكون ملكاً أو يكون من الخالدين فسمى عاصياً من غير كفر، أما إبليس فإنه فرض عليه سجدة واحدة فجحدها متعمداً فسمي كافراً، وأما علماء اليهود فعرفوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي رسول (كما يعرفون أبناءهم)،وأقروا به باللسان ولم يتبعوا شريعته فسماهم الله عز وجل كف-اراً، فركوب المحارم مثل ذنب آدم وغيره من الأنبياء، وتركها على معرفة من غير جحود مثل كفر علماء اليهود) ) 1130(.(1/346)
فالإم-ام ابن عيينة- رحمه الله-يفرق بين من يرتكب المعاصي من غير استحلال، وبين من يصر على ترك الفرائض، فيعتبر الأول عاصياً، وتارك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر كافراً، فمناط التكفير عنده مجرد ترك الفرائض والإصرار على ذلك، ولو لم يجحد أو يكذب، بخلاف فاعل المعاصي فلا يكفر إلا إذا استحل وشبه- رحمه الله- تارك الفرائض مع المعرفة والإقرار بعلماء اليهود، حيث أنهم عرفوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأقروا باللسان لكنهم لم يتبعوه، ويلاحظ في هذا الكلام تنبيه الإمام رحمه الله إلى أن القول بأن ترك الفرائض من غير جحود كفعل المعاصي من غير الاستحلال هو مذهب المرجئة.
5- ومن الأقوال المهمة ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام أبي طالب المكي(*)- رحمه الله- حيث بين رحمه الله استحال-ة انفكاك الظاهر ع-ن الباط--ن أو العكس وأنه لا يصح أحدهما ولا ينفع إلا بوجود الآخر قال- رحمه الله-: )1131 ((1/347)
(... وكذلك الإيمان والإسلام أحدهما مرتبط بالآخر، فهما كشيء واحد، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له، إذ لا يخلو المسلم (من يأتي بالأعمال الظاهرة) من إيمان به يصح إسلامه، ولا يخلو المؤمن (الملتزم في الباطن) من إسلام به يحقق إيمانه (جنس العمل) من حيث اشتراط الله للأعمال الصالحة الإيمان، واشترط للإيمان الأعمال الصالحة فقال في تحقيق ذلك: (فمن يعمل الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه) )1132 (، وقال في تحقيق الإيمان بالعمل: (ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى) )1133 ( فمن كان ظاهره أعمال الإسلام ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب، فهو منافق نفاقاً ينقل عن الملة، ومن كان عقده الإيمان بالغيب (التصديق والقبول) ولا يعمل بأحكام الإيمان، وشرائع الإسلام (أي تارك لجنس العمل)، فهو كافر كفراً لا يثبت مع--ه توح--يد، وم--ن كان مؤمناً بالغيب مما أخبرت به الرسل عن الله عاملاً بما أمر الله فهو مؤمن مسلم...
...قال: ومثل الإيمان في الأعمال كمثل القلب في الجسم لا ينفك أحدهما عن الآخر، لا يكون ذو جسم حي لا قلب له، ولا ذو قلب بغير جسم، فهما شيئان منفردان، وهما في الحكم والمعنى منفصلان... فلا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بعقد، ومثل ذلك مثل العلم الظاهر والباطن، أحدهما مرتبط بصاحبه من أعمال القلوب وعمل الجوارح،...فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان لا يصح الكلام إلا بهما، لأن الشفتين تجمع الحروف، واللسان يظهر الكلام، وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام، وكذلك في سقوط العمل ذهاب الإيمان،...)(1/348)
ثم قال معلقاً على حديث ابن عمر: بني الإسلام على خمس، وحديث وفد عبد القيس لما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، قال تعليقاً على ذلك: (فدل بذلك على أنه لا إيمان باطن إلا بإسلام ظاهر، ولا إسلام ظاهر علانية إلا بإيمان سر، وأن الإيمان والعمل قرينان لا ينفع أحدهما بدون صاحبه...)
وقال معلقاً على حديث جبريل المشهور: (وأيضاً الأمة مجتمعة أن العبد لو آمن بجميع ما ذكره من عقود القلب في حديث جبريل من وصف الإيمان ولم يعمل بما ذكره من وصف الإسلام أنه لا يسمى مؤمناً، وأنه إن عمل بجميع ما وصف به الإسلام، ثم لم يعتقد ما وصفه من الإيمان أنه لا يكون مسلماً...) )1134 (.
6- وقد تكلم شيخ الإسلام عن هذه المسألة في مواضع مختلفة، وخاصة عند كلامه عن حكم تارك الصلاة، وربط المسألة باعتقادات أهل السنة في الإيمان وأنه قول وعمل (وأن الإيمان الباطن يستلزم الإقرار الظاهر، بل وغيره، وأن وجود الإيمان الباطن تصديقاً وحباً وانقياداً، بدون الإقرار الظاهر ممتنع) )1135 (.
فقال- رحمه الله- بعدما ذكر خلاف السلف حول تارك الأركان: (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه، بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح) )1136 ((1/349)
ومثل ذلك قوله: (...فيمنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئاً مما أمر به من الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويفعل ما يقدر عليه من المحرمات، مثل الصلاة بلا وضوء وإلى غير القبلة، ونكاح الأمهات،وهو ذلك مؤمن في الباطن، بل لا يفعل ذلك إلا لعدم الإيمان الذي في قلبه) )1137 (، لكن قد يرد تساؤل هنا، وهو، هل يتصور واقعاً أن يترك المرء جنس الأعمال الصالحة بالكلية؟ يجيب عن ذلك شيخ الإسلام مبيناً أن الرجل الذي (يؤدي الأمانة، أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر. فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم) )1138 (.
إذاً ليس المقصود أن المرء لا يعمل شيئاً من أعمال البر والخير الظاهرة إنما المقصود أن يكون هذا العمل عن إيمان وتصديق ونية، وأن يكون من الواجبات التي اختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا التزم الشرطين فقد حصل له جنس العمل الذي به يصح إسلامه وهذا تنبيه مهم في المسألة، والله أعلم.
7- ونختم هذه الأقوال بكلام للإمام الشوكاني، هو عبارة عن جواب للإمام عن سؤال ورد عليه، وهو: (ما حكم الأعراب سكان البادية الذين لا يفعلون شيئاً من الشرعيات إلا بمجرد التكلم بالشهادة، هل هم كفار أم لا؟ وهل يجب على المسلمين غزوهم أم لا؟)
أجاب- رحمه الله- عن السؤال ومما قاله أثناء جوابه:(وأقول من كان تاركاً لأركان الإسلام، وجميع فرائضه ورافضاً لما يجب عليه من ذلك من الأقوال والأفعال ولم يكن لديه إلا بمجرد التكلم بالشهادتين، فلا شك، ولا ريب أن هذا كافر شديد الكفر حلال الدم والمال...) )1139 (.
والخلاصة التي نستنتجها من هذه النقولات ما يلي:
1- أن وجود جنس العمل شرط لصحة الإيمان وأن ترك العمل والإعراض عن الطاعة بالكلية ناقض لأصل الإيمان.(1/350)
2- أن الكلام عن مسألة ترك العمل بالكلية، متعلق بكلام السلف عن الإيمان وأنه قول وعمل ولا يغني أحدهما عن الآخر، وقد سبق في أول الرسالة بيان ذلك.
3- ويتبع ذلك ارتباط هذه المسألة في مسألة العلاقة بين الظاهر والباطن، وأنه لا يوجد باطن صحيح، بدون ظاهر صحيح.
4- من أسباب الانحراف في هذا الأصل، الظن بأن الإيمان مجرد التصديق القلبي، وأن الكفر هو التكذيب والجحود فقط، لذلك يظنون أن المرء إذا ترك جميع الواجبات والفرائض، وفعل المحرمات فإنه لا يكفر مادام لم يجحد الفريضة أو يستحل المعصية، وهذا القول هو قول المرجئة ومن تأثر بهم.
وما سبق متعلق بإجماع السلف على كفر تارك جنس العمل، فما قولهم في تارك الأركان، هذا ما سنعرض له في المبحث القادم إن شاء الله.
د- مذهب السلف في تارك الأركان الأربعة
مر معنا في الفصل الأول إجماع السلف على تكفير من لم يأت بالشهادتين.
أما الأركان الأربعة ففي تكفير تاركها أو بعضها مع الإقرار بالوجوب، خلاف معروف، وقد ذكر شيخ الإسلام الخلاف في ذلك، وعرض الأقوال- ذاكراً ما كان منها رواية عن الإمام أحمد- فقال:
(...أحدهما: أنه يكفر بترك واحدة من الأربعة حتى الحج، وإن كان في جواز تأخيره نزاع بين العلماء، فمتى عزم على تركه بالكلية كفر، وهذا قول طائفة من السلف، وهي إحدى الروايات عن أحمد اختارها أبو بكر.
الثاني: أنه يكفر بترك شيء من ذلك مع الإقرار بالوجوب، وهذا هو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وهو إحدى الروايات عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره.
الثالث: لا يكفر إلا بترك الصلاة، وهي الرواية الثالثة عن أحمد، وقول كثير من السلف، وطائفة من أصحاب مالك، والشافعي، وطائفة من أصحاب أحمد.
الرابع: يكفر بتركها (أي الصلاة)، وترك الزكاة فقط.
الخامس: بتركها، وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج...) )1140 (.(1/351)
وليس مقصودنا في هذا المبحث، ذكر أدلة قول الترجيح بينها، وإنما المقصود أن نبين أن قول السلف ترك جنس العمل يختلف عن قولهم في مسألة ترك الأركان، فالأول أمر لم يخالف فيه منهم أحمد لأنه مقتضى إجماعهم على حقيقة الإيمان، وأنه قول وعمل، أما الثاني فهو من مسائل الاجتهاد، وإن كان بين الأمرين علاقة، لكن ينبغي أن نعلم: أن الخلاف الأهم والأقوى هو خلافهم في مسألة ترك الصلاة كسلاً وهو ما سنشير إليه، أما غير الصلاة فالأقرب وهو قول الأكثرين عدم تكفير تاركها- ما لم يقاتل الإمام عليها- فالزكاة فبالإضافة إلى أخذها من الفرد بالقوة في حديث: (إنا آخذوها وشطر ماله) )1141 (، فقد ورد حديث صريح في عدم تكفير من لا يؤديها، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمى عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح، فيكوي بها جنباه وجبينه، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار..) الحديث)1142 (. قال الإمام المروزي- رحمه الله- في تعليقه على هذا الحديث:(...فدل ما ذكرنا أن مانع الزكاة ليس بكافر، ولا مشرك، إذ أطمعه دخول الجنة لقول الله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).. )1143 (..) )1144 (، أما الصوم فيكاد يكون إجماعاً القول بعدم تكفير تاركه، قال الإمام محمد بن نصر- رحمه الله-: (وقد اتفق أهل الفتوى، وعلماء أهل الأمصار على أن من أفطر في رمضان متعمداً أنه لا يكفر بذلك، واختلفوا فيما يجب عليه عند ذلك... فإن أفطر رمضان كله متعمداً، فمنهم من أوجب عليه لكل يوم كفارة مع القضاء،...ولم يقل أحد من العلماء أنه قد كفر ) )1145 (.
أما الحج فحيث أنه يجب في العمر مرة واحدة، ومختلف في وجوبه هل هو على الفور أم التراخي؟ فبذلك يصعب الجزم بأنه تارك للحج بالكلية والله أعلم.(1/352)
ه-- الخلاف في كفر تارك الصلاة كسلاً
أيضاً ليس مقصودنا، حكاية الأقوال والترجيح)1146 (، وإنما الإشارة إلى حالات يظن أنها داخلة في الترك كسلاً وهي ليست كذلك، والإشارة- أيضاً- إلى علاقة هذا الموضوع بمذهب المرجئة في الإيمان، وقبل بيان هاتين المسألتين نشير إلى مدى الخلاف في هذه المسألة.
قال الإمام ابن قدامة المقدسي- رحمه الله-:(...واختلفت الرواية هل يقتل لكفره أو حداً، فروي أنه يقتل لكفره كالمرتد، فلا يغسل ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين، ولا يرثه أحد ولا يرث أحداًً، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وابن حامد، وهو مذهب الحسن والشعبي وأيوب السختياني والأوزاعي وابن المبارك وحماد بن زيد وإسحاق ومحمد بن الحسن...
والرواي-ة الثانية: يقتل حداً مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة وأنكر قول من قال: إنه يكفر، وذكر أن المذهب على هذا لم يجد في المذهب خلافاً فيه، وهذا قول أكثر الفقهاء، وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي) )1147 (.
وقال الإمام النووي- رحمه الله-: (فرع في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا المشهور ما سبق أنه يقتل حداً ولا يكفر، به وقال مالك والأكثرون من السلف والخلف، وقالت طائفة: يكفر ويجرى عليه أحكام المرتدين في كل شيء، وهو مروي عن علي بن أبي طالب، وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو أصح الروايتين عند أحمد،وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا...وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة والمزني، لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي) )1148 (.(1/353)
وحكى الإمام محمد بن نصر المروزي خلاف أهل الحديث في هذه المسألة فقال- رحمه الله-:(...وقد حكينا مقالة هؤلاء الذين أكفروا تارك الصلاة متعمداً وحكينا جملة ما احتجوا به، وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث، وقد خالفهم جماعة أخرى من أصحاب الحديث فأبوا أن يكفروا تارك الصلاة، إلا أن يتركها جحوداً أو إباءاً...) )1149 (وذكر منهم الإمام الشافعي، وأصحابه وأبا ثور وغيره، وأبا عبيد في موافقيهم ) )1150 (.
بعد هذه الإشارة السريعة للخلاف في المسألة يمكن أن نستنتج ما يلي:
1- أن الخلاف في حكم تارك الصلاة كسلاً من حيث التكفير وعدمه، خلاف قديم معروف عند السلف المتقدمين، فقد قال بعدم التكفير أئمة أعلام من أصحاب الحديث كالإمام الشافعي ومالك، وأبي حنيفة والثوري وأبي عبيد..الخ.
2- لذلك ينبغي أن نعلم بأن الترجيح بين الأقوال في هذه المسألة لا علاقة له بمذهب الإرجاء، فمن رجح عدم تكفير التارك كسلاً لا يلزم أن يكون متأثراً بمذهب المرجئة هذا من حيث الأصل، وهناك حالات معينة قد يكون لرأي المرجئة في الإيمان أثر في الترجيح فيها ومنها:
أ- ما حكاه بعض الأئمة من علاقة بين مذهب المرجئة وهذه المسألة كما قال الإمام ابن عبد البر- رحمه الله- مبيناً الفرق بين ترجيح بعض أهل السنة عدم تكفير تارك الصلاة كسلاً وبين مذهب المرجئة، قال بعدما حكى أدلة من قال بعدم التكفير: (...هذا قول قد قال به جماعة من الأئمة ممن يقولون: الإيمان قول وعمل، وقالت به المرجئة أيضاً، إلا أن المرجئة تقول: المؤمن المقر مستكمل الإيمان، وقد ذكرنا اختلاف أئمة أهل السنة والجماعة في تارك الصلاة، فأما أهل البدع، فإن المرجئة قالت: تارك الصلاة مؤمن مستكمل الإيمان، إذا كان مقراً غير جاحد، ومصدقاً غير مستكبر، وحكيت هذه المقالة عن أبي حنيفة وسائر المرجئة...) )1151 (، فلعل ترجيح بعض مرجئة الفقهاء قد استند إلى مذهبهم في الإيمان.(1/354)
هذا جانب، والجانب الآخر أن أئمة السلف الذين لم يكفروا تارك الصلاة كسلاً، لم يقولوا أنه مستكمل الإيمان، بل قالوا: إن ذلك ينقص إيمانه كحال تارك الطاعة وفاعل المعصية، وقالوا بأنه معرض للعقوبة الأخروية والدنيوية، وقال كثير منهم بقتله حداً للأحاديث الواردة في ذلك.
ب- خلط بعض متأخري الفقهاء بين ترك الصلاة كسلاً مع اعتقاد، وجوبها وبين الإصرار والامتناع عن أدائها حتى يقتل، قال شيخ الإسلام- رحمه الله-: (ولهذا فرض متأخروا الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها وهو أن الرجل إذا كان مقراً بوجوب الصلاة فدعي إليها وامتنع واستتيب ثلاثاً مع تهديده بالقتل، فلم يصل حتى قتل، هل يموت كافراً أو فاسقاً؟ على قولين: وهذا الفرض باطل، فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه، وأنه يعاقبه على تركها، ويصبر على القتل ولا يسجد لله سجدة من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله بشر قط، بل ولا يضرب أحد ممن يقر بوجوب الصلاة إلا صلى، ولا ينتهي الأمر به إلى القتل، وسبب ذلك أن القتل ضرر عظيم لا يصبر عليه إنسان، إلا لأمر عظيم مثل لزومه لدين يعتقد أنه إن فارقه هلك فيصبر عليه حتى يقتل، وسواء كان الدين حقاً أو باطلاً، أما مع اعتقاده أن الفعل يجب عليه باطناً فلا يكون فعل الصلاة أصعب عليه من احتمال القتل قط...) )1152 (.(1/355)
وقال في موضع آخر: (...ولا يتصور في العادة أن رجلاً يكون مؤمناً بقلبه، مقراً، بأن الله أوجب عليه الصلاة، ملتزماً لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، يأمره ولي الأمر بالصلاة فيمتنع حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمناً في الباطن، وقد لا يكون إلا كافراً، ولو قال: أنا مقر بوجوبها غير أني لا أفعلها كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه...فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب، وعلم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه، فإنه قد دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في "مسألة الإيمان"، وأن الأعمال ليست من الإيمان، وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم القلب، وأن، إيمان القلب التام، بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع، سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان، أو جزء من الإيمان كما تقدم بيانه ) )1153 (.
إذاً هناك فرق بين من يمتنع عن الفعل حتى يقتل، وبين من يتركها كسلاً مع اعتقاد الوجوب (ومن أطلق من الفقهاء أنه لا يكفر إلا من يجحد وجوبها، فيكون الجحد عنده متناولاً للتكذيب بالإيجاب، ومتناولاً للامتناع عن الاقرار والالتزام...) )1154 (.
فهذا الكلام من شيخ الإسلام- رحمه الله- يجيب على تساؤل مهم، يرد على أذهان بعض أهل العلم، وهو ظنهم: أن القول بإجماع أهل السنة بكفر تارك جنس العمل يلزم منه تكفير من المسلمين ممن حاله التفريط في الفرائض، وفعل المحرمات، وهذا الظن فاسد من وجوه:(1/356)
أولها: أن كلامنا عن منزلة العمل من الإيمان، وحكم التولي والإعراض عنه، وهو كلام يجب الإيمان به واعتقاده كسائ-ر الأمور الاعتقادية عند أهل السنة، بغض النظر عن ما ينبني على ذلك من أحكام وآثار عملية تتعلق بأعيان العباد.
الثاني: عند الحكم على المعين لابد من إقامة الحجة، والاستتابة لإزالة كل جهل أو تأول ونحوه ولا يحكم عليه بالكفر قبل ذلك- إلا في استثناءات خاصة- ذكرت في مبحث ضوابط التكفير.
الثالث: أن المعين، ممن يترك الأركان، إذا أقيمت عليه الحجة، واستتيب )1155 ( فلا يخلو أمر حينئذ من حالين، الأول: أن يلتزم أداء ما فرض الله عليه- وخاصة الصلاة- فعند ذلك نحكم بإسلامه، ونكل سريرته إلى الله- عز وجل-، فإن كان صادقاً في الباطن نفعه ذلك عند المولى سبحانه.
الثاني: أن يأبى التزام ذلك ويعرض عليه السيف حتى يقتل، وهو مصر لا يؤدي من فرائض الله شيئاً، فهذا كافر ظاهرا وباطنا، وهذا الذي بينه شيخ الإسلام، وبين أن من قال إنه يقتل مع إسلامه فقد دخلت عليه شبه المرجئة )1156 (، حيث حصروا بالجحود وتكذيب القلب.
من كل ما سبق يتبين لنا علاقة هذا المبحث، بمفهوم الإيمان عند أهل السنة، وأنه قول وعمل، لا يغني أحدهما عن الآخر، وأن ترك العمل بالكلية ناقض لأصل الإيمان، لمناقضته لعمل القلب، إذ لا يتصور أن يوجد لدى المرء عمل القلب من القدرة، هذا ممتنع.
إذاً إذا وجد الإعراض عن الطاعة بالكلية فذلك لفقدان عمل القلب الذي هو شرط لصحة الإيمان، والله اعلم.
2- النفاق الإعتقادي (النفاق الأكبر)(1/357)
كثر الحديث في القرآن الكريم عن النفاق والمنافقين، صفاتهم وأخلاقهم، وأنهم شر أنواع الكفار، وأن مصيرهم في الدرك الأسفل من النار، ومن ثم تحذير المؤمنين منهم لأن (بلية المسلمين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين، ولهذا قال تعالى في حقهم:(هم العدو فاحذرهم) )1157 (ومثل هذا اللفظ يقتضي الحصر، أي لا عدو إلا هم، ولكن لم يرد هاهنا حصر فيم وأنهم لا عدو للمسلمين سواهم، بل هذا من إثبات الأولية والأحقية لهم في هذا الوصف، وأنه لا يتوهم بانتسابهم إلى المسلمين ظاهراً وموالاتهم لهم، ومخالطتهم إياهم أنهم ليسوا بأعدائهم، بل هم أحق بالعداوة ممن باينهم في الدار، ونصب لهم بالعداوة وجاهرهم بها، فإن ضرر هؤلاء المخالطين المعاشرين لهم- وهم في الباطن على خلاف دينهم. أشد عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم، لأن الحرب مع أولئك ساعة أو أياماً ثم يقتضي ويعقبه النصر والظفر، وهؤلاء معهم في الديار والمنازل صباحاً ومساءاً يدلون العدو على عوراتهم، ويتربصون بهم الدوائر، ولا يمكنهم مناجزتهم، فهم أحق بالعداوة من المباين المجاهر) )1158 (.
ويقول الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: (نبه الله- سبحانه وتعالى- على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم وهم كفار في نفس الأمر من المحذورات الكبار أن يظن بأهل الفجور خيراً) )1159 (، وسيكون حديثنا في هذه الفقرة عن تعريف النفاق، ثم نذكر أنوعه، ونركز الحديث على النفاق المخرج من الملة باعتباره المقصود الأساس في مبحثنا.
أ- معنى النفاق لغة واصطلاحاً
اختلف علماء اللغة في أصل النفاق، فقيل: إن ذلك نسبة إلى النفق وهو السرب في الأرض، لأن المنافق يستر كفره ويغيبه، فتشبه بالذي يدخل النفق يستتر فيه.(1/358)
وقيل: سمي به من نافقاء اليربوع، فإن اليربوع له جحر يقال له: النافقاء، وآخر يقال له: القاصعاء، فإذا طلب من القاصعاء قصع فخرج من النافقاء، كذا المنافق يخرج من الإيمان من غير الوجه الذي يدخل فيه، وقيل: نسبة إلى نافقاء اليربوع أيضاً، لكن من وجه آخر وهو إظهاره غير ما يضمر، وذلك: أنه يخرق الأرض حتى إذا كاد يبلغ ظاهر الأرض ترك قشرة رقيقة حتى لا يعرف مكان هذا المخرج، فإذا رابه ريب دفع ذلك برأسه، فخرج، فظاهر جحره تراب كالأرض، وباطنه حفر، فكذلك المنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر)1160 (.
ولعل النسبة إلى نافقاء اليربوع أرجح من النسبة إلى النفق (لأن النفق ليس فيه إظهار شيء، وإبطال شيء آخر، كما هو الحال في النفاق، وكونه مأخوذاً من النافقاء باعتبار أن المنافق يظهر خلاف ما يبطن، أقرب من كونه مأخوذاً منه باعتبار أنه يخرج من غير الوجه الذي دخل فيه، لأن الذي يتحقق فيه الشك الكامل بين النافقاء والنفاق هو إظهار شيء وإخفاء شيء آخر، إضافة إلى أن المنافق لم يدخل في الإسلام دخولاً حقيقياً حتى يخرج منه) )1161 (.(1/359)
أما النفاق في الاصطلاح الشرعي فهو القول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب من القول والاعتقاد )1162 (، أو هو الذي يستر كفره ويظهر إيمان-ه، وهو اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وإن كان أصله في اللغة معروفاً)1163 ( كما سب--ق.(وأساس النفاق الذي بنى عليه المنافق لابد وأن تختلف سريرته وعلانيته وظاهره وباطنه، ولهذا يصفهم الله في كتاب-ه بالكذب كما يصف المؤمنين بالصدق، قال تعالى: (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) )1164 ( وقال: (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) )1165 ( وأمثال هذا كثير) )1166 (، إذا أخص وأهم ما يميز المنافقين الاختلاف بين الظاهر والباطن، وبين الدعوى والحقيقة كما قال تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) )1167 (، قال الإمام الطبري- رحمه الله: (أجمع جميع أهل التأويل على أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل النفاق، وأن هذه الصفة صفتهم )1168 (، وقد يطلق بعض الفقهاء لفظ الزنديق على المنافق، قال شيخ الإسلام- رحمه الله-: (ولما كثرت الأعاجم في المسلمين تكلموا بلفظ "الزنديق" وشاعت في لسان الفقهاء وتكلم الناس في الزنديق: هل تقبل توبته؟ ...والمقصود هنا: أن "الزنديق" في عرف هؤلاء الفقهاء، هو المنافق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يظهر الإسلام ويبطن غيره، سواء أبطن ديناً من الأديان: كدين اليهود والنصارى أو غيرهم، أو كان معطلاً جاحداً للصانع، والمعاد، والأعمال الصالحة ...))1169(، وقال الإمام ابن القيم- رحمه الله- في بيان مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم: "الطبقة الخامسة عشر: طبقة الزنادقة، وهم قوم أظهروا الإسلام ومتابعة الرسل، وأبطنوا الكفر ومعاداة الله ورسله، وهؤلاء المنافقون، وهم في الدرك الأسفل من النار) )1170 (.
ب- أنواع النفاق
النفاق كالكفر، نفاق دون نفاق أو نفاق غير مخرج من الملة ونفاق مخرج من الملة.(1/360)
وتختلف عبارات الأئمة في إيضاح هذين النوعين:
فبعض الأئمة كالإمام الترمذي والإمام ابن العربي المالكي، والحافظ ابن كثير وابن حجر يقسمون النفاق إلى نفاق اعتقادي، وهو المخرج من الملة وإلى نفاق عملي، قال الإمام الترمذي- رحمه الله- في تعليقه على حديث: (أربع من كن فيه كان منافقاً...) )1171 ( (وإنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل، وإنما نفاق التكذيب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا روي عن الحسن البصري شيئاً من هذا أنه قال: النفاق نفاقان، نفاق عمل ونفاق التكذيب ) )1172 (، وقال الإمام ابن العربي: (النفاق هو إظهار القول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب من القول والاعتقاد.(أصوله) وهي قسمان:
أحدهما: أن يكون الخبر أو الفعل في توحيد الله وتصديقه أو يكون في الأعمال، فإن كان في التوحيد كان صريحاً، وإن كان في الأعمال كانت معصية، وكان نفاقاً دون نفاق كما تقدم القول في كفر دون كفر...) )1173 (، وقال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: (النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر، وهو أنواع: اعتقادي، وهو الذي يخلد صاحبه في النار، وعملي وهو من أكبر الذنوب...) )1174 (.
وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: (والنفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر، فإن كان في الترك اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر، وإلا فهو نفاق العمل، ويدخل فيه الفعل والترك، وتتفاوت مراتبه ) )1175 (.(1/361)
وبعض الأئمة كالإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم والحافظ ابن رجب يعبرون عن ذلك بتقسيم النفاق إلى الأكبر المخرج من الملة وإلى نفاق أصغر غير مخرج من الملة، يقول شيخ الإسلام- رحمه الله-: (فمن النفاق ما هو أكبر يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، كنفاق عبد الله بن أبي وغيره بأن يظهر تكذيب الرسول... فهذا ضرب النفاق الأصغر: فهو النفاق في الأعمال ونحوها..) )1176 ( ويقول أيضاً: (والنفاق كالكفر نفاق دون نفاق، ولهذا كثيراً ما يقال: كفر ينقل عن الملة، وكفر لا ينقل، ونفاق أكبر، ونفاق أصغر، كما يقال: الشرك شركان أصغر، وأكبر...) )1177 (.
وقال الإمام ابن القيم- رحمه الله- في بيان أقسام النفاق: (وهو نوعان: أكبر، وأصغر؛ فالأكبر: يوجب الخلود في النار في دركها الأسفل، وهو أن يظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به..) )1178 (.
وبين القولين تقارب فمن حصر النفاق المخرج من الملة بالنفاق الاعتقادي، فلعله قصد بذلك نفاق التكذيب، وهو أن يظهر الإيمان وهو مكذب بقلبه، أما إن كان المرء في الأصل مؤمناً بالله غير مكذب وطرأ النفاق على بعض الأعمال المتعلقة بفروع الإيمان، فهذا نفاق العمل، وهناك احتمال آخر وهو أن يقصد بحصر ذلك بالنفاق الاعتقادي اقتران المكفرات العملية الصادرة من المنافقين بالجانب الاعتقادي.
في الغالب، والأقرب للصواب - والله أعلم - تقسيم النفاق إلى أكبر وأصغر لسببين:
الأول: لأن النفاق الأكبر لا يختص بالجانب الاعتقادي فقط، ولذلك حين ذكر القرآن صفات المنافقين ذكر منها تنقيصهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وسخريتهم بالمؤمنين، ومناصرتهم للكفار ونحو ذلك. وهذه الأمور وإن اقترنت غالباً بفساد اعتقادي إلا أن ذلك ليس بلازم.
الثاني: ليس كل نفاق اعتقادي يخرج من الملة، فقد يكون ذلك من جنس يسير الرياء ونحوه، وإليك إيضاحاً لنوعي النفاق:(1/362)
ج - النفاق الأصغر
والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهما، في ذكر آية المنافق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" )1179 (.
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" )1180 (، قال الإمام النووي ?- رحمه الله -? في شرح هذا الحديث: "هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلاً من حيث إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك، وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقاً بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر، ولا هو منافق يخلد في النار فإن إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم جمعوا هذه الخصال وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله، وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال، ولكن اختلف العلماء في معناه، فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار، أن معناه أن هذا الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم، فإن النفاق إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار صلى الله عليه وسلم: "كان منافقاً خالصاً" معناه شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال، قال بعض العلماء هذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه فأما من يندر ذلك منه فليس داخلاً فيه، فهذا هو المختار في معني الحديث..." )1181 (.(1/363)
وقال الإمام الخطابي ? رحمه الله -: "هذا القول إنما خرج على سبيل الإنذار للمرء المسلم، والتحذير له أن يعتاد هذه الخص-ال، فتفضي به إلى النفاق، لا أن من بدرت منه هذه الخصال، أو فعل شيئاً من ذلك من غير اعتياد أنه منافق" )1182 (.
وق-ال ?- أي الخطابي -: "ويدل عليه التعبير بإذا، فإنها تدل على تكرار الفعل" )1183 (، وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: "والأولى ما قاله الكرماني: إن حذف المفعول من "حدث" يدل على العموم، أي إذا حدث في كل شيء كذب فيه، أو يصير قاصراً، أي إذا وجد ماهية الحديث كذب، وقيل محمول على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون بها واستخف بأمرها، فإن من كان كذلك كان فاسدا الاعتقاد غالباً")1184(، وقال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -? بعدما شرح هذه الخص-ال: "وحاصل الأم--ر أن النفاق الأص-غر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية كما قاله الحسن..." )1185 (.
ومن هذا الباب الإعراض عن الجهاد فإنه من خصال المنافقين )1186 (، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شبعة من نفاق" )1187 (، ومن ذلك ما رواه البخاري في "باب ما يكره من ثناء السلطان، وإذا خرج قال غير ذلك": "قال أناس لعبدالله بن عمر: إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم، قال: كنا نعده نفاقاً" )1188 (.(1/364)
وهذا هو النفاق الذي خافه الصحابة على أنفسهم، يقول ابن رجب )1189 ( "ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر، برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أن يكون ذلك منه نفاقاً، كما في صحيح مسلم عن حنظلة الأسدي: أنه مر بأبي بكر وهو يبكي، فقال: مالك؟ قال: نافق حنظلة يا أبا بكر، نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين، فإذا رجعنا، عافسنا الأزواج والضيعة فنسينا كثيراً، قال أبو بكر: فالله إنا لكذلك، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "مالك يا حنظلة؟" قال: نافق حنظلة يا رسول الله، وذكر له مثل ما قال لأبي بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي، لصافحتكم الملائكة على مجالسكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" )1190 (، ومما ورد في هذا المعنى -? أي خوف الصحابة من النفاق -? ما قاله ابن أبي مليكة )1191 (: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل) )1192 (، يقول الحافظ ابن حجر في تعليقه على هذا الأثر: (والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلهم عائشة وأختها أسماء وأم سلمة والعبادلة الأربعة وأبو هريرة وعقبة بن الحارث والمسور بن مخرمة، فهؤلاء ممن سمع منهم، وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال، ولم ينتقل عن غيرهم خلاف ذلك فكأنه إجماع، وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشعر به مما يخالف الإخلاص، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم، بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنهم) )1193 (.(1/365)
وخلاصة القول في النفاق الأصغر، أنه نوع من الاختلاف بين السريرة والعلانية مما هو دون الكفر، وذلك كالرياء الذي لا يكون في أصل العمل، وكإظهار مودة الغير والقيام بخدمته مع إضمار بعضه والإساءة إليه وكالخصال الواردة في حديث شعب النفاق ونحو ذلك، فعلى المسلم الحذر من الوقوع في شيء من ذلك.
د- النفاق الأكبر
سبقت الإشارة إلى تعريفه عند الكلام عن أنواع النفاق، ويمكن اختصار تعريفه، بتعريف ذكره الحافظ ابن رجب حيث قال- رحمه الله-: (النفاق الأكبر وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار) )1194 (، ومن الآيات في تكفيرهم، ومصيرهم في الآخرة، قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) )1195 (، وقوله عز وجل: (بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً) )1196 (، وقوله سبحانه:(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) )1197 (، وقوله تعالى: (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جنهم خالدين فيها) )1198 (، وقوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا) )1199 (، وقوله عن طائفة من المنافقين من أسوأ أنواع الكفار، ومصيرهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار، لأنهم زادوا على كفرهم، الكذب والمراوغة والخداع للمؤمنين، ولذلك فصل القرآن الحديث حولهم وحول صفاتهم لكي لا يقع المؤمنون في حبائلهم وخداعهم.
صور النفاق الأكبر:(1/366)
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- بعض هذه الصور فقال: (فمن النفاق ما هو أكبر، ويكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، كنفاق عبد الله بن أبي وغيره، بأن يظهر تكذيب الرسول أو جحود بعض ما جاء به، أو بغضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرة بانخفاض دينه، أو المساءة بظهور دينه، ونحو ذلك: مما لا يكون صاحبه إلا عدواً لله ورسوله، وهذا القدر كان موجوداً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومازال بعده، بل هو أكثر منه على عهده...) )1200 (.
وقال في موضع آخر: (فأما النفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه، فإن لا يرى وجوب تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، ولا وجوب طاعته فيما أمر به، وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول عظيم القدر- علماً وعملاً- وأنه يجوز تصديقه وطاعته لكنه يقول: إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحداً، ويرى أنه تحصيل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته، إما بطريق الفلسفة والصبو، أو بطريق التهود والتنصر...) )1201 (.
ونقل هذه الأنواع الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- فقال: (...فأما النفاق الاعتقادي فهو ستة أنواع، تكذيب الرسول، أو تكذيب بعض ما جاء به الرسول، أو بغض الرسول أبو بغض ما جاء به الرسول، أو المسرة بانخفاض دين الرسول، أو الكراهية بانتصار دين الرسول، فهذه الأنواع الستة صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار) )1202فيتحصل مما ذكره هذان الإمامان- بعد دمج الأنواع المتشابهة أو المتقاربة- خمس صفات أو أنواع وهي:
1- تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو تكذيب بعض ما جاء به.
2- بغض الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغض ما جاء به.
3- المسرة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الكراهية بانتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم.
4- عدم اعتقاد وجود تصديقه فيما أخبر.
5- عدم اعتقاد وجوب طاعته فيما أمر.(1/367)
وبالنظر إلى الآيات التي ذكرت أحوال المنافقين، وكلام المفسرين حولها، يمكن أن يضاف إلى هذه الصفات صفات أخرى وهي:
6- أذى الرسول صلى الله عليه وسلم أو عيبه ولمزه.
7- مظاهرة الكافرين ومناصرتهم على المؤمنين.
8- الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين لأجل إيمانهم وطاعتهم لله ولرسوله.
9- التولي والإعراض عن حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالوقوع في أي صفة من هذه الصفات يخرج من الملة، وهذه الصفات أكثرها متعلق بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول شيخ الإسلام- رحمه الله-: (...فالنفاق يقع كثيراً في حق الرسول، وهو أكثر ما ذكره الله في القرآن من نفاق المنافقين في حياته...) )1203 (.
وسأشرح بعض هذه الصفات- باختصار- ذاكراً أدلة نفاق صاحبها:
1- أذى الرسول صلى الله عليه وسلم أو عيبه ولمزه
وه-ذا داخل في سبه صل-ى الله عليه وسل--م لأن الس-ب: " هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف.... " )1204 ( والعيب، واللمز فيه انتقاص.
قال تعالى: [ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون] )1205 (.
نزلت هذه الآية في ذي الخويصرة التميمي حينما جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم غنائم حنين، فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: "ويلك، ومن يعدل إذ لم أعدل؟ " قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه، قال: "دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".... قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علياً قتلهم وأنا معه، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي صلى الله عليه وسلم قال: فنزلت فيه: [ومنهم من يلمزك في الصدقات] )1206 (.(1/368)
قال الإمام الشوكاني في تفسيرها: "قوله: ومنهم من يلزمك، يقال: لمزه يلمزه: إذا عابه، قال الجوهري: اللمز العيب، وأصل-ه الإشارة بالعين ونحوها، ومعنى الآية: وم-ن المنافقين من يعيبك في الصدقات: أي في تفريقها وقسمتها" )1207 (.
وقال في آية أخرى: [ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم] )1208 (إلى قوله سبحانه: [ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم] )1209 (.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "فعلم أن إيذاء رسول الله محادة لله ولرسوله لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً،... ودل ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر لأنه أخبر أن له نار جهنم خالداً فيها... ")1210( وقال الشوكاني - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: " قوله: ومنهم؛ هذا نوع آخر مما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم، وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم على وجه الطعن والذم هو أذن، قال الجوهري: يقال رجل أذن: إذن: إذا كان يسمع مقال كل أحد، يستوي فيه الواحد والجمع ومرادهم، أقمأهم الله، أنهم إذا آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وبسطوا فيه ألسنتهم، وبلغه ذلك اعتذروا له وقبل ذلك منهم، لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدقه، وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدقه أنه أذن مبالغة، لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع، حتى كأن جملته أذن سامعة،... وإيذاؤهم له وهو قولهم [هو أذن] لأنهم نسبوه إلى أنه يصدق كل ما يقال له ولا يفرق بين الصحيح والباطل اغتراراً منهم بحلمه عنهم، وصفحه عن خباياهم كرماً وحلماً وتغاضياً... ")1211(.
وهذه الآية والتي قبلها ذكرهما شيخ الإسلام ضمن الآيات الدالات على كفر شاتم الرسول وقتله )1212 (.(1/369)
وذكر أن إيذاء الرسول ولمزه من الصفات الدالة على نفاق صاحبها فقال ?- رحمه الله -: " وذلك أن الإيمان والنفاق، أصله في القلب، وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرع له ودليل عليه، فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه، فلما أخبر سبحانه أن الذين يلمزون النبي صلى الله عليه وسلم، والذين يؤذونه من المنافقين، ثبت أن ذلك دليل على النفاق وفرع له، معلوم أنه إذا حصل فرع الشيء ودليله حصل أصل المدلول عليه، فثبت أنه حيث ما وجد ذلك كان صاحبه منافقاً سواء كان منافقاً قبل هذا القول أو حدث له النفاق بهذا القول")1213(، وهذا السب من الإيذاء واللمز والاستخفاف مناف لعمل القلب من الانقياد والاستسلام ومحال أن يهين القلب من قد انقاد له وخضع واستسلم أو يستخف به فإذا حصل في القلب استخفاف واستهانة امتنع أن يكون فيه انقياد واستسلام، فلا يكون فيه إيمان، وهذا هو بعينه كفر إبليس، فإنه سمع أمر الله فلم يكذب رسولاً ولكن لم ينقد للأمر ولم يخضع له واستكبر عن الطاعة فصار كافرا" )1214 (.
2- التولي والاعراض عن حكم الله ورسوله(1/370)
ذكرت هذه الصفة عنهم في سورتي النساء والنور، وقال تعالى: [ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون] )1215 (، يقول الحافظ ابن كثير في تفسيرها: "يخبر تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون يقولون قولاً بألسنتهم [آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك] أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم، فيقولون ما لا يفعلون، ولهذا قال تعالى: [وما أولئك بالمؤمنين] وقوله تعالى: [وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم] أي إذا طلبوا إلى اتباع الهدى فيما أنزل الله على رسوله أعرضوا عنه، واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه، وهذه كقوله تعالى: [ألم تر إلى الذين يزعمون...] " )1216 (. يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين، وليس بمؤمن وأن المؤمن هو الذي يقول سمعنا وأطعنا) )1217 (، وقال سبحانه في سورة النساء: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً) )1218 (، ولا شك أن هؤلاء المعرضين ممن يدعوهم الإيمان هم المنافقين )1219 ( (فبين سبحانه أن من دعي إلى التحاكم إلى كتاب الله وإلى الرسول فصد عن رسوله كان منافقاً) )1220 (
وهذا النوع من النفاق مما ينافي عمل القلب من القبول والاستسلام، كما بينا ذلك عند الكلام عن كفر الإعراض.
3- مظاهرة الكافرين ومعاونتهم على المؤمنين
وهذه من أخص صفات المنافقين، فهم في الظاهر مع المؤمنين، لكنهم في الحقيقة مع الكفار عيوناً وأعواناً، لهم، يكشفون لهم عورات المسلمين وأسرارهم ويتربصون بالمؤمنين الدوائر.(1/371)
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) )1221 (.
قال الإمام الطبري - رحمه الله - في تفسير هذه الآية بعدما ذكر الخلاف في المعنى بهذه الآية: (والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره، نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين،وأن الله ورسوله منه بريئان) )1222 (.(1/372)
وقال في تفسير، قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم): (ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه، فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمُه حكمَه...) )1223 (، وقال في تفسير قوله سبحانه: (فترى الذين في قلوبهم مرض...) الآية. بعدما ذكر الخلاف فيمن عني بهذه الآية: (والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن ذلك من الله خبر عن ناس من المنافقين كانوا يوالون اليهود والنصارى ويغشون المؤمنين، ويقولون: نخشى أن تدور دوائر - إما لليهود والنصارى، وإما لأهل الشرك من عبدة الأوثان، أو غيرهم - على أهل الإسلام، أو تنزل بهؤلاء المنافقين نازلة، فيكون بنا إليهم حاجة، وقد يجوز أن يكون ذلك كان من قول عبد الله بن أبي، ويجوز أن يكون كان من قول غيره، غير أنه لا شك أنه من قول المنافقين) )1224 ( ومن الآيات صريحة الدلالة في اتصاف المنافقين بهذه الصفة قوله تعالى: (بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً) )1225 (.
قال الإمام الطبري - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: "... أما قوله جل ثناؤه: [الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين]، فمن صفة المنافقين، يقول الله لنبيه: يا محمد، بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي، والإلحاد في ديني أولياء - يعني أنصاراً وأخلاء - من دون المؤمنين - يعني من غير المؤمنين - أيبتغون عندهم العزة، أيطلبون عندهم المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي؟، فإن العزة لله جميعاً، يقول: فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم، هم الأذلاء الأقلاء... ")1226(.(1/373)
ومعلوم أن موالاة الكفار مراتب )1227 (، منها ما يصل إلى درجة الكفر الأكبر، ومنها دون ذلك، وما نشير إليه هنا هو الموالاة المخرجة من الملة التي يختص بها المنافقون وهي اتخاذهم أنصاراً وأعواناً على المؤمنين، أو الموالاة التامة لهم بالرضى عن دينهم أو تصحيح مذهبهم ونحو ذلك، يقول الإمام الطبري - رحمه الله - مبيناً ذلك عند تفسيره لقوله تعالى: [لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة] )1228، قال - رحمه الله -: "لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهراً وأنصاراً توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء، يعني بذلك: فقد بريء من الله وبريء الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر... ")1229(، وذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ضمن نواقض الإسلام "الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى: [ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين] " )1230 (.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: [ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون]: "وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان تولياً تاماً، كان ذلك كفراً مخرجاً من دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ، وما هو دونه" )1231 (.
وهذه الموالاة تدل على فساد في اعتقاد صاحبها، خاصة من جهة منافاتها لعمل القلب من الحب والبغض، فالحب والبغض - كما هو معلوم - أصل الولاء والبراء، فمحبة المؤمنين تقتضي موالاتهم ونصرتهم، وبغض الكافرين يقتضي البراءة منهم ومن مذاهبهم وعداوتهم ومحاربتهم، فإذا عادى المرء المؤمنين وأبغضهم، ووالى الكافرين وناصرهم على المؤمنين فقد نقض أصل إيمانه.
4- المسرة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو الكراهية بانتصار دينه(1/374)
وهذه الصفة ذكرها الله عز وجل عن المنافقين في أكثر من موضع، فهم بسبب موالاتهم للكافرين يسعون معهم لإضعاف المسلمين وإثارة الفتن بينهم، والتخذيل ويسيئون الظن بوعد الله ونصره، ويحبون ظهور الكفار وانتصارهم على المسلمين ويفرحون بذلك، وبالمقابل يصيبهم الهم والغم حينما ينتصر المسلمون.
قال عز من قائل: [إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون] )1232 (، قال الإمام الشوكاني - رحمه الله -: "إن تصبك حسنة، أي حسنة كانت بأي سبب اتفق كما يفيده وقوعها في حيز الشرط، وكذلك القول في المصيبة، وتدخل الحسنة والمصيبة الكائنة في القتال كما يفيده السياق دخولاً أولياً، فمن جملة ما تصدق عليه الحسنة، الغنيمة والظفر، ومن جملة ما تصدق عليه المصيبة الخيبة والانهزام، وهذا نوع آخر من خبث ضمائر المنافقين وسوء أفعالهم، والإخبار بعظيم عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، فإن المساءة بالحسنة، والفرح بالمصيبة من أعظم ما يدل على أنهم في العداوة قد بلغوا الغاية" )1233 (، ويقول الإمام ابن حزم - رحمه الله -: "... وأما الذي أخبر الله تعالى بأنه إن أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيئة ومصيبة تولوا وهم فرحون، أو أنه إن أصابته حسنة ساءتهم فهؤلاء كفار بلا شك ")1234(.
والذي يسؤوهم انتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم حكمهم حكم من يسوءه انتصار الرسول نفسه، ولذلك ورد في الآية السابقة: [إن تمسسك حسنة تسؤهم...] الآية، وفي أخرى، يقول سبحانه وتعالى: [إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط] )1235 (.(1/375)
"وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب ونصر وتأييد، وكثروا، وعز أنصارهم، ساء ذلك المنافقين، وإن أصاب المسلمين سنة أي جدب أو أديل عليهم الأعداء - لما لله تعالى في ذلك من الحكمة كما جرى يوم أحد - فرح المنافقون بذلك" )1236 (.
وفي موضع ثالث أشار سبحانه إلى كراهة المنافقين لظهور الحق وانتصار الدين لأن ذلك يعني فشل خططهم ومؤامراتهم، حيث قال: [لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ] )1237 (، يقول الإمام الطبري - رحمه الله -: "... لقد التمس هؤلاء المنافقون الفتنة لأصحابك يا محمد، التمسوا صدهم عن دينهم، وحرصوا على ردهم إلى الكفر بالتخذيل عنه، (وقلبوا لك الأمور) يقول: وأجالوا فيك وفي إبطال الدين الذي بعثك به الله الرأي بالتخذيل عنك، وإنكار ما تأتيهم به، ورده عليك، (حتى جاء الحق) حتى جاء نصر الله، (وظهر أمر الله) وظهر دين الله الذي أمر به وافترضه على خلقه، وهو الإسلام (وهم كارهون) والمنافقون بظهور أمر الله ونصره إياك، كارهون... ")1238(.
وفي سورة الفتح بعدما ذكر عز وجل إنعامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح المبين والنصر العزيز، بين أن هذا النصر فيه سكينة للمؤمنين ليزدادوا إيماناً وليدخلهم جنات، وفيه تعذيب للمنافقين في الدنيا قبل الآخرة، قال - عز وجل -: [ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً] )1239 ( "أي يعذبهم في الدنيا بما يصل إليهم من الهموم والغموم بسبب ما يشاهدونه من ظهور كلمة الإسلام وقهر المخالفين له، وبما يصابون به من القهر والقتل والأسر، وفي الآخرة بعذاب جهنم... [الظانين بالله ظن الس-وء] وهو ظنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يغلب وأن كلمة الكفر تعلو كلمة الإسلام" )1240 (.(1/376)
وما أكثر ما نلاحظ هذه الصفة في المنافقين المعاصرين من الساسة والإعلاميين وغيرهم، حيث يصيبهم الهم والغم والحزن، ويظهرون الكراهة حينما ينتصر المسلمون في بلد من البلدان، وبالمقابل يظهرون الفرح والسرور والتشفي بما يصيب المؤمنين من هزيمة ومصائب ومحن، وقد يبررون هذا السلوك بوجود انحرافات وأخطاء لدى بعض المؤمنين، وهذا المبرر أو التأويل وإن عذر به المتأولون المجتهدون، فلا عذر لكثير من هؤلاء لأنه لا يعرف عنهم حرص على التدين أو غيرة على الدين وإنما يحرصون على ما يرضي أولياءهم الحقيقيين من اليهود والنصارى ونحوهم. وهذا السلوك المشين يدل على فساد في عمل القلب من الحب والفرح أو البغض والكراهة، نسأل الله عز وجل أن يصلح قلوبنا وأعمالنا.
ويمكن أن نذكر صنفاً آخر من أصناف المنافقين، الذين عرفوا - على مدار التاريخ بالكيد للسنة وأهلها ومعاونة الأعداء عليهم، والحزن لظهور السنة وعلوها، والفرح بانهزام أهل السنة وانكسارهم، وهؤلاء هم الرافضة وقد صور شيخ الإسلام حالهم هذا أحسن تصوير، فقال: "... فالرافضة يوالون من حارب أهل السنة والجماعة، ويوالون التتار، ويوالون النصارى، وقد كان بالساحل بين الرافضة وبين الفرنج مهانة، حتى صارت الرافضة تحمل إلى قبرص خيل المسلمين وسلاحهم، وغلمان السلطان، وغيرهم من الجند والصبيان، وإذا انتصر المسلمون على التتار أقاموا المآتم والحزن، وإذا انتصر التتار على المسلمين أقاموا الفرح والسرور، وهم الذين أشاروا على التتار بقتل الخليفة، وقتل أهل بغداد، ووزير بغداد ابن العلقمي الرافضي هو الذي خامر المسلمين، وكاتب التتار، حتى أدخلهم أرض العراق بالمكر والخديعة، ونهى الناس عن قتالهم، وقد عرف العارفون بالإسلام: أن الرافضة تميل مع أعداء الدين... ")1241(.
فهل يعي المسلمون عامة، والمنتسبون إلى الدعوة خاصة، هذه الحقيقة؟(1/377)
وهل يعي هذه الحقيقة من لا يزال يدافع عن الرافضة ويحسن الظن بهم أو يتحالف معهم ويعلق عليهم الآمال لنصرة الدين؟
وأخيراً وبعد أن استعرضنا أربعة من أنواع النفاق الأكبر، ترد علينا بعض التساؤلات المتعلقة بذلك ومنها:
الأول: يقال: من المعلوم أن النفاق الأكبر، أن يظهر المرء الإسلام وهو في الباطن خلاف ذلك، فكيف يصح إطلاق النفاق، على من أظهر مثل هذه المكفرات ولم يبطنها؟ ونجيب على ذلك بما يلي:
1- إما أن يق-ال: إن هذا الإظهار ليس إظهاراً عاماً يعرفه المسلمون عنهم، بل يظهرون ذلك فيما بينهم فقط مثل قولهم: هو أذن، أو قولهم: أنؤمن كما آمن السفهاء ونحو ذلك، قال تعالى عنهم: [وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون] )1242 (فهؤلاء المنافقون إذا لقوا المهاجرين والأنصار قالوا آمنا كإيمانكم وإذا خلوا رجعوا إلى شياطينهم أي رؤساءهم. وقال مجاهد: إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين قالوا إنا معكم أي على دينكم، إنما نحن مستهزءون بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بما نظهر من الإسلام )1243 قال الإمام البغوي - رحمه الله -: "فإن قيل: كيف يصح النفاق مع المجاهرة بقولهم (أنؤمن كما آمن السفهاء) قيل إنهم يظهرون هذا القول فيما بينهم لا عند المؤمنين")1244(. وهذا من التذبذب الذي يتصفون به.
2- ويمكن أن يقال: إن النفاق كالإيمان أصله في القلب والذي يظهر من الأقوال والأفعال فرع له ودليل عليه، فإذا وجدت مثل هذه الصفات كان ذلك دليلاً على نفاق صاحبها )1245 (، وإن كان الغالب على المنافقين أن لا يظهروا للمؤمنين ما يدل على نفاقهم إلا حينما يحصل للمسلمين مصيبة أو ابتلاء وشدة.(1/378)
3- ويمكن أن يقال - أيضاً -: إن بعض هذه الصفات وإن اتصف بها المنافقون غالباً إلا أنها قد لا تختص بالمنافقين فقط، فقد يجاهر بها من يدعي الإسلام، فيوالي الكفار ولاءاً ظاهراً، أو يعيب وينتقص الرسول صلى الله عليه وسلم علناً، فيكفر بذلك، ويكون كفره كفراً ظاهراً، وليس كفر نفاق )1246 ( والله أعلم.
الثاني: ورد في بعض الآيات ما يدل على إيمان بعض المنافقين قبل أن يظهروا الكفر، مثل قوله تعالى عن طائفة من المنافقين: [لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم] )1247 (، وقوله عن طائفة أخرى: [يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا] )1248 (.
فإذا كان هؤلاء منافقين يبطنون الكفر، فهم كفار قبل أن يظهروا الكفر بألسنتهم، فكيف يقال: [قد كفرتم بعد إيمانكم]؟
قبل الإجابة على هذا السؤال من المفيد الإشارة إلى أن المنافقين، أصناف "فمنهم من ينتفي عنه قول القلب، بعدم التصديق، وعمله - بعدم الانقياد )1249، مع الانقياد ظاهراً ومنهم من ينتفي عنه عمل القلب من النية والإخلاص والإذعان، مع انقياد الجوارح الظاهرة، وقد يوجد قول القلب من التصديق ونحوه )1250 (.
وهناك صنف ثالث " يعرفون الحق بقلوبهم وينقادون له أحياناً، إلا أن ضعف الإيمان في قلوبهم يجعلهم ينقلبون على أعقابهم أحياناً أخرى، إما ضعفاً في قول القلب وشكا وتردداً وإما ضعفاً في عمل القلب من الانقياد والمحبة والتعظيم والتوقير" )1251 (.
ومثال الصنف الأول: تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثال الصنف الثاني: الإعراض والتولي، أو مظاهرة الكافرين على المؤمنين، وقد سبق الإشارة إلى ذلك.
أما الصنف الثالث: فهو مجال حديثناً هنا، وهو ما ذكر في السؤال من نفاق المرء بعد دخوله في الإيمان قبل ذلك.(1/379)
وقد ذكر الله سبحانه عن هذا النوع، حيث قال سبحانه: [مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون] )1252 (.
والصحيح في تفسيرها ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - حيث قال: "وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع...وقد حكى هذا الذي قلنا الرازي في تفسيره عن السدي، ثم قال: والتشبيه ههنا في غاية الصحة، لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولاً نوراً ثم بنفاقهم ثانياً أبطلوا ذلك فوقعوا في حيرة عظيمة، وزعم ابن جرير، أن المضروب لهم المثل ههنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات، واحتج بقوله تعالى: [ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين] )1253 (، والصواب: أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك، ثم سلبوه وطبع على قلوبهم، ولم يستحضر ابن جرير هذه الآية ههنا، وهي قوله تعالى: [ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون] )1254 (" )1255 (.(1/380)
وهذه حال كثير من أهل القبلة ممن أسلم حديثاً أو ممن آمنوا إيماناً مجملاً، ولديهم ضعف في إيمانهم بسبب اختلاطه بشيء من الشك والريب أو ضعف في الانقياد والمحبة أو اتصافه ببعض شعب النفاق المذكورة في الأحاديث، فقد يؤدي هذا الضعف إلى الخروج من الإيمان بالكلية، فكما أن المعاصي بريد الكفر، فشعب النفاق بريد النفاق الأكبر، وقد أفاض شيخ الإسلام - رحمه الله - في بيان هذه الحقيقة وما قال في ذلك: "... فعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر، أو ولدوا على الإسلام والتزموا شرائعه، وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله، فهم مسلمون ومعهم إيمان مجمل، ولكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم إنما يحصل شيئاً فشيئاً إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثير من الناس لا يصلون لا إلى اليقين ولا إلى الجهاد، ولو شككوا لشكوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفاراً ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله، ما يقدمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عرفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة، وإن ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم، فإن لم ينعم الله عليهم بما ينزل الريب وإلا ص-اروا مرتابين، وانتقلوا إلى نوع من النفاق" )1256 ( ثم بين المقصود بقوله تعالى: [لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم] )1257 (، فقال: "فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم، ولكنهم لم يظنوه كفراً وكان كفراً، كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه، وهكذا قال غير واحد من السلف في صفة المنافقين الذين ضرب لهم المثل في سورة البقرة، أنهم أبصروا ثم عموا، وعرفوا ثم أنكروا، وآمنوا ثم كفروا، وكذلك قال قتادة ومجاهد" )1258 ( إلى أن قال - رحمه الله -: "وفي(1/381)
الجملة ففي الأخبار عمن نافق بعد إيمانه ما يطول ذكره هنا، فأولئك كانوا مسلمين وكان معهم إيمان مجمل، هو الضوء الذي ضرب الله به المثل، فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق ماتوا على هذا الإسلام الذي يثابون عليه، ولم يكونوا من المؤمنين حقاً الذين امتحنوا فثبتوا على الإيمان ولا من المنافقين حقاً الذين ارتدوا عن الإيمان بالمحنة، وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا، وأكثرهم إذا ابتلوا بالمحن التي يتضعضع فيها أهل الإيمان ينقص إيمانهم كثيراً، وينافق أكثرهم أو كثير منهم، ومنهم من يظهر الردة إذا كان العدو غالباً، وقد رأينا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة، وإذا كانت العافية، أو كان المسلمون ظاهرين على عدوهم كانوا مسلمين، هم مؤمنون بالرسول باطناً وظاهراً لكن إيماناً لا يثبت على المحنة" )1259 (.
إذ يمكن أن يقع المرء في النفاق الأكبر، وهو في الأصل غير منافق.
3- بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم
البغض والكراهية ضد المحبة، والمحبة شرط من شروط لا إله إلا الله "وأصل كل فعل وحركة في العالم من الحب والإرادة، فهو أصل كل فعل ومبدؤه، كما أن البغض والكراهة مانع وصاد لكل ما انعقد بسببه ومادته، فهو أصل كل ترك" )1260 (، والمحبة المقصودة - كما سيأتي تفصيله - )1261 ( إخلاص المحبة لله عز وجل، فلا يكون له شريك في الحب، ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تستلزم محبة أوامره وفعلها، وبغض وكراهية ما نهى عنه وتركه، ومحبة أوليائه، وضد ذلك كراهية وبغض أوامره أو بعضها، ومحبة معاصيه، وبغض أوليائه ومحبة أعدائه.
وكراهية الحق من صفات الكافرين، قال تعالى: [ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم] )1262 (، وكرهوا ما أنزل الله من القرآن، فلم يقبلوه، بل أبغضوه )1263 (.(1/382)
وقال سبحانه: [بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون] )1264 (، وقد وصف سبحانه المنافقين بهذه الصفة كما في قوله تعالى: [ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون] )1265 (، وقال سبحانه: [فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله...] )1266 (.
فقد كرهوا الجهاد بسبب ما في قلوبهم من النفاق )1267 (، ولذلك ذكر الأئمة - كما سبق - بغض أو كراهية ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعضه، ضمن أقسام النفاق الأكبر )1268 (والبغض والكراهة ينافيان عمل القلب من وجهين:
الأول: أن فيه إخلالاً بشرط المحبة والتعظيم لله عز وجل، ومحبة أوامره، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن فيه تركاً للقبول والانقياد والتسليم لأن ذلك مقتضى المحبة، ولذلك كفر العلماء من اتصف بهذه الصفة، "لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق وأنفر عنه،... وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع..." )1269 (، وجاء في شرح الإقناع: "قوله: أو كان مبغضاً لما جاء به الرسول، ولم يشرك بالله، لكن أبغض السؤال عنه ودعوة الناس إليه، كما هو حال من يدعي العلم ويقرر أنه دين الله ورسوله ويبغضونه أكثر من بغض دين اليهود والنصارى، بل يعادون من التفت إليه، ويحلون دمه وماله، ويرمونه عند الحكام..." إلى أن يقول: "والتكفير بالاتفاق فيمن أبغض النهي عنه )1270 (، وأبغض الأمر بمعاداة أهله، ولو لم يتكلم وينصر، فكيف إذا فعل ما فعل... ")1271(.(1/383)
لكن ينبغي التفريق بين الكره والنفور الطبعي، وبين الكره الاعتقادي، قال الراغب - رحمه الله - -: "الكره المشقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه، والكره ما يناله من ذاته وهو يعافه، وذلك على ضربين، أحدهما: ما يعاف من حيث الطبع، والثاني: ما يعاف من حيث العقل أو الشرع، ولهذا يصح أن يقول الإنسان في الشيء الواحد إني أريده وأكرهه بمعنى إني أريده من حيث الطبع وأكرهه من حيث الشرع، أو أريده من حيث العقل أو الشرع وأكرهه من حيث الطبع، وقوله: [كتب عليكم القتال وهو كره لكم] )1272 ( أي تكرهونه من حيث الطبع" )1273 (، وقال الإمام البغوي - رحمه الله -: "وهو كره لكم، أي شاق عليكم، قال بعض أهل المعاني: هذا الكره من حيث نفور الطبع عنه لما فيه من مؤنة المال ومشقة النفس وخطر الروح، لا أنهم كرهوا أمر الله تعالى... " )1274 (، وقال الإمام القرطبي - رحمه الله -: "إنما كان الجهاد كرهاً لأن فيه إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل، والتعرض بالجسد للشجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس، فكانت كراهيتهم لذلك، لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى " )1275 (، وبين الإمام ابن القيم - رحمه الله - أن الكره لا ينافي الرضى والتسليم فقال: " وليس من شرط الرضى ألا يحس بالألم والمكاره، بل ألا يعترض على الحكم ولا يتسخطه، ولهذا أشكل على بعض الناس الرضى بالمكروه، وطعنوا فيه: وقالوا: هذا ممتنع على الطبيعة، وإنما هو الصبر، وإلا فكيف يجتمع الرضى والكراهة؟ وهما ضدان، والصواب: أنه لا تناقض بينهما، وأن وجود التألم وكراهة النفس له لا ينافي الرضى، كرضى المريض بشرب الدواء الكريه، ورضى الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمأ، ورضى المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيرها..." )1276 (.(1/384)
وخلاصة ما سبق، أن بغض أو كراهة بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مناف لعمل القلب من المحبة والرضى والتسليم، مع التفريق بين الكره الاعتقادي والطبعي والله أعلم.
4- كفر الإباء والاستكبار والامتناع
ومن الكفر المناقض لعمل القلب كفر الإباء والاستكبار والامتناع )1277 ( ككفر إبليس، وفرعون، واليهود حيث إنهم عرفوا الحق فلم ينقادوا ويستسلموا له، قال تعالى في حكاية حال إبليس لما أمر بالسجود [وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين] )1278 (، "فهل جحد إبليس ربه؟ وهو يقول: رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين" )1279 (، ويقول: [رب فأنظرني إلى يوم يبعثون] )1280 ( إيماناً منه بالبعث، وإيماناً بنفاذ قدرته، في إنظاره إياه إلى يوم البعث، أو هل جحد أحداً من أنبيائه، وأنكر شيئاً من سلطانه، وهو يحلف بعزته؟! وهل كان كفره إلا بترك سجدة واحدة، أمره بها، فأباها!! ")1281(.
قال شيخ الإسلام عن هذا الكفر: "وكفر إبليس وفرعون واليهود ونحوهم لم يكن أصله من جهة عدم التصديق والعلم، فإن إبليس لم يخبره أحد بخبر، بل أمره الله بالسج--ود لآدم ف-أب واستكبر، وكان من الكافرين، فكفره بالإباء والاستكبار وما يتبع ذلك، لا لأج-ل تكذيب، وكذلك فرعون وقومه جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا... ")1282(.
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - عند كلامه عن أنواع الكفر الأكبر "...(1/385)
وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس، فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار، ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول، وأنه جاء بالحق من عند الله، ولم ينقد له إباءاً واستكباراً، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل... ")1283(، إذا وجه كون الإباء والاستكبار كفراً، مناقضته للانقياد والاستسلام الذي هو أساس عمل القلب وأصله، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "وكلام الله خبر وأمر، فالخبر يستوجب تصديق المخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام، وهو عمل في القلب جماعه الخضوع والانقياد للأمر وإن لم يفعل المأمور به، فإذا قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد فقد حصل أصل الإيمان في القلب وهو الطمأنينة والإقرار..." )1284 (. وقال موضحاً إيمان القلب: "إن الإيمان قول وعمل - أعني في الأصل - قولاً في القلب، وعملاً في القلب، فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته يتضمن أخباره وأوامره، فيصدق القلب أخباره تصديقاً يوجب حالاً في القلب بحسب المصدق به، والتصديق هو نوع من العلم والقول، وينقاد لأمره ويستسلم، وهذا الانقياد والاستسلام هو نوع من الإرادة والعمل، ولا يكون مؤمناً إلا بمجموع الأمرين، فمتى ترك الانقياد كان مستكبراً فصار من الكافرين وإن كان مصدقاً..." )1285 (.(1/386)
وقال الشيخ حافظ حكمي - رحمه الله - عن هذا النوع: "... وإن انتفى عمل القلب، وعمل الجوارح مع المعرفة بالقلب والاعتراف باللسان فكفر عناد واستكبار، ككفر إبليس، وكفر غالب اليهود الذين شهدوا أن الرسول حق ولم يتبعوه أمثال حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف وغيرهم، وكفر من ترك الصلاة عناداً واستكباراً، ومحال أن ينتفي انقياد الجوارح بالعمال الظاهرة مع ثبوت عمل القلب ")1286(، فهذا النوع لا خلاف ولا إشكال في تكفير من وقع فيه - سواء كان فرداً أو طائفة - لأن الاستكبار ينافي حقيقة الإسلام وهو الاستسلام لله بالطاعة والانقياد له بالتوحيد والخلوص من الشرك.
أما الممتنع دون استكبار فهذا ما سنبحثه في الصفحات التالية، مع بيان الفرق بين الفرد والطائفة في ذلك.
حكم من امتنع عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة
وسيكون الكلام عن هذه المسألة من خلال ثلاثة أمور:
الأمر الأول: كلام أهل العلم في وجوب قتال الطائفة الممتنعة وأدلتهم.
الأمر الثاني: هل يلزم من قتال الطائفة الممتنعة كفرها؟
الأمر الثالث: هل يفرق بين الطائفة والفرد فيما سبق.
أولاً: كلام أهل العلم في وجوب قتال الطائفة الممتنعة، وأدلتهم
هذه المسألة موضع إجماع بين أهل العلم، ولذلك نجد كلام الأئمة صريحاً فيها، ولعلنا نختار بعض النقولات الصريحة الدالة على المقصود.(1/387)
1- بوب الإمام البخاري - رحمه الله - فقال: "باب قتل من أبى قبول الفرائض، وما نسبوا إلى الردة" ثم ساق قصة أبي بكر رضي الله عنه، مع أهل الردة وما نعي الزكاة، وجاء في الحديث ما يلي: "لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر، وكفر من كفر من العرب قال عمر: يا أبا بكر كيف نقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"، قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق" )1287.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في تعليقه على هذا الحديث: "قوله: باب قتل من أبى قبول الفرائض أي جواز )1288 ( قتل من امتنع من التزام الأحكام الواجبة، والعمل بها... قال مالك في الموطأ: الأمر عندنا فيمن منع فريضة من فرائض الله تعالى فلم يستطع المسلمون أخذها كان حقا عليهم جهاده، قال ابن بطال: مراده إذا أقر بوجوبها لا خلاف في ذلك وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - "قوله: (لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة).. والمراد بالفرق من أقر بالصلاة وأنكر الزكاة جاحداً أو مانعاً مع الاعتراف وإنما أطلق في أول القصة الكفر ليشمل الصنفين، فهو في حق من جحد حقيقة وفي حق الآخرين مجاز تغليباً..." )1289 (.
2- وقال الإمام ابن العربي المالكي في تعليقه على قوله تعالى: [فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله] )1290 (: "فإن قيل: ذلك فيمن يستحل الربا، قلنا: نعم، وفيمن فعله، (أي وإن لم يستحل)، فقد اتفقت الأمة على أن من يفعل المعصية يحارب، كما لو اتفق أهل بلد على العمل بالربا، وعلى ترك الجمعة والجماعة" )1291 (.(1/388)
3- وقال الإمام ابن قدامة المقدسي - رحمه الله -: "الأذان مشروع للصلوات الخمس دون غيرها، وهو من فروض الكفاية لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فلم يجز تعطيله، كالجهاد، فإن اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا عليه" )1292 (. وقال عن صلاة العيدين بعدما ذكر أنها فرض كفاية: "فإن اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإمام لتركهم شعائر الإسلام الظاهرة فأشبه تركهم الأذان" )1293 (، فإذا كان الإمام ابن قدامة يرى المقاتلة على ترك فروض الكفاية، فكيف بترك فروض العيان؟
4- وقال الإمام الشيرازي في المهذب عن حكم الأذان والإقامة: "وهما سنتان، ومن أصحابنا من قال: هما فرض من فروض الكفاية، فإن اتفق أهل بلد أو أهل صقع على تركها قوتلوا عليه لأنه من شعائر الإسلام فلا يجوز تعطيله... " قال الإمام النووي في شرحه: "... قال أصحابنا: فإن قلنا فرض كفاية فاتفق أهل بلد أو قرية على تركه وطولبوا به فامتنعوا وجب قتالهم كما يقاتلون على ترك غيره من فروض الكفاية وإن قلنا: هو سنة فتركوه فهل يقاتلون؟ فيه وجهان" ثم ذكر هذين الوجهين )1294 (.
وذكر الإمام النووي - رحمه الله - بعض الفوائد من حديث "أمرت أن أقاتل الناس..." فقال: " وفيه وجوب قتال مانعي الزكاة أو الصلاة أو غيرها من واجبات الإسلام قليلاً كان أو كثيراً لقوله رضي الله عنه: لو منعوني عقالاً أو عناقاً")1295(.(1/389)
5- …أما شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقد تكلم عن هذه المسألة ونقل الإجماع عليها في مواضع وخاصة عند كلامه عن التتار وحكم الله فيهم، ومما قاله - رحمه الله -: "... أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها، حتى يكون الدين كله لله، فلو قالوا: نصلي ولا نزكي، أو نصلي الخمس ولا نصلي الجمعة ولا الجماعة، أو نقوم بمباني الإسلام الخمس ولا نحرم دماء المسلمين وأموالهم، أو لا نترك الربا ولا الخمر ولا الميسر، أو نتبع القرآن ولا نتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نعمل بالأحاديث الثابتة عنه، أو نعتقد أن اليهود والنصارى خير من جمهور المسلمين، وأن أهل القبلة قد كفروا بالله ورسوله ولم يبق منهم مؤمن إلا طائفة قليلة، أو قالوا لا نجاهد الكفار مع المسلمين، أو غير ذلك من الأمور المخالفة لشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، وما عليه جماعة المسلمين، فإنه يجب جهاد هذه الطوائف جميعاً، كما جاهد المسلمون مانعي الزكاة، وجاهدوا الخوارج وأصنافهم وجاهدوا الخرمية والقرامطة والباطنية )1296 ( وغيرهم من أصناف أهل الأهواء والبدع الخارجين عن شريعة الإسلام، وذلك لأن الله تعالى يقول في كتابه: [وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله] )1297، فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله، وقال تعالى: [فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم] )1298 (. فلم يأمر بتخلية سبيلهم إلا بعد التوبة من جميع أنواع الكفر، وبعد إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله] )1299 (، فقد أخبر تعالى أن الطائفة الممتنعة إذا لم تنته عن الربا فقد حاربت الله ورسوله، والربا آخر ما حرم الله في القرآن، فما حرمه قلبه(1/390)
أوكد، وقال تعالى: [إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض] )1300 (، فكل من امتنع من أهل الشوكة عن الدخول في طاعة الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله، ومن عمل في الأرض بغير كتاب الله وسنة رسوله فقد سعى في الأرض فساداً، ولهذا تأول السلف هذه الآية على الكفار وأهل القبلة، حتى أدخل عامة الأئمة فيها قطاع الطريق الذين يشهرون السلاح لمجرد أخذ الأموال، وجعلوهم بأخذ أموال الناس بالقتال محاربين لله ورسوله ساعين في الأرض فساداً، وإن كانوا يعتقدون تحريم ما فعلوه، ويقرون بالإيمان بالله ورسوله..." )1301 (.(1/391)
وقال عندما سئل عن التتار وحكم قتالهم: "الحمد لله، كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما، فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام، وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج كما ذكر الإمام أحمد وغيره )1302 (، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة، مع قوله: "تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم" فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب، فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال، والخمر، والزنا، والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته - التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها - التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها، وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء، وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السنن كركعتي الفجر، والأذان والإقامة - عند من لا يقول بوجوبها - ونحو ذلك من الشعائر، هل تقات-ل الطائف--ة الممتنعة على تركها أم لا؟ فأما الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها..." )1303 (.(1/392)
6- وقال الإمام ابن رجب - رحمه الله - في شرح حديث أمرت أن أقاتل الناس: "فإن كلمتي الشهادتين بمجردهما تعصم من أتى بهما ويصير بذلك مسلماً، فإذا دخل في الإسلام فإن أقام الصلاة وآتى الزكاة وقام بشرائع الإسلام فله ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، وإن أخل بشيء من هذه الأركان، فإن كانوا جماعة لهم منعة قوتلوا... وما يدل على قتال الجماعة الممتنعين من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة من القرآن، قوله تعالى: [فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم] )1304 (..." )1305 (.
وبهذه النقولات عن الأئمة يمكن أن نستنتج من كلامهم ما يلي:
إجماع العلماء على وجوب قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، واستندوا في ذلك على عدة أدلة ومنها:
1- قتال الصحابة لمانعي الزكاة.
2- أحاديث الأمر بقتال الخوارج.
3- قوله عز وجل فيمن لا يتوب من أكل الربا [فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله].
4- آية الحرابة.
5- قوله عز وجل: [وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله].
6- وقوله عز وجل: [فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم] وغير ذلك من الأدلة.
ثانياً: هل يلزم من قتال الطائفة الممتنعة كفرها؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فمنهم من جعل قتال الطائفة الممتنعة بمنزلة قتال البغاة، ومنهم من جعل قتال الممتنعة ومنهم مانعي الزكاة، والخوارج بمنزلة المرتدين. قال شيخ الإسلام في حكاية الخلاف: (...ولهذا كان فيهم (أي الخوارج) وجهان في مذهب أحمد وغيره: أحدهما: أنهم بغاة، الثاني: أنهم كفار كالمرتدين، يجوز قتلهم ابتداءًا، وقتل أسيرهم، واتباع مدبرهم، ومن قدر عليه منهم استتيب كالمرتد، فإن تاب وإلا قتل: كما أن مذهبه في مانعي الزكاة إذا قاتلوا الإمام عليها هل يكفرون مع الإقرار بوجوبها؟ على روايتين" )1306 (.(1/393)
وقال أيضاً: ".... وكذلك مانعو الزكاة، فإن الصديق والصحابة ابتداؤا قتالهم، قال الصديق: والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. وهم يقاتلون إذا امتنعوا من أداء الواجبات وإن أقروا بالوجوب، ثم تنازع الفقهاء في كفر من منعها وقاتل الإمام عليها مع إقراره بالوجوب؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، كالرويتين عنه في تكفير الخوارج، وأما أهل البغي المجرد فلا يكفرون باتفاق أئمة الدين، فإن القرآن قد نص على إيمانهم وأخوتهم مع وجود الاقتتال والبغي والله أعلم" )1307 (.(1/394)
وشيخ الإسلام - رحمه الله يرجع تكفير الممتنع عن الشرائع الظاهرة المتواترة إذا كانوا طائفة وقاتلوا الإمام على ذلك. قال - رحمه الله -: "وهؤلاء إذا كان لهم طائفة ممتنعة، فهل يجوز اتباع مدبرهم، وقتل أسيرهم، والإجهاز على جريحهم؟ على قولين للعلماء مشهورين، ... والصواب أن هؤلاء ليسوا من البغاة المتأولين، فإن هؤلاء ليس لهم تأويل سائغ أصلاً، وإنما هم من جنس الخوارج المارقين ومانعي الزكاة، وأهل الطائف، والخزمية، ونحوهم ممن قاتلوا على ما خرجوا عنه من شرائع الإسلام، وهذا موضع اشتبه فيه على كثير من الناس من الفقهاء، فإن المصنفين في قتال أهل البغي جعلوا قتال مانعي الزكاة، وقتال الخوارج، وقتال علي لأهل البصرة، وقتاله لمعاوية وأتباعه، من قتال أهل البغي وذلك كله مأمور به، وفرعوا مسائل ذلك تفريع من يرى ذلك بين الناس، وقد غلطوا، بل الصواب ما عليه أئمة الحديث والسنة وأهل المدينة، كالأوزاعي، والثوري، ومالك، وأحمد بن حنبل وغيرهم: أنه يفرق بين هذا وهذا، فقتال علي للخوارج ثابت بالنصوص الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق المسلمين، وأما القتال يوم صفين ونحوه فلم يتفق عليه الصحابة، بل صد عنه أكابر الصحابة، مثل سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر وغيرهم... إلى أن يقول: فالفتن مثل الحروب التي تكون بين ملوك المسلمين، وطوائف المسلمين، مع أن كل واحد من الطائفين ملتزمة لشرائع الإسلام مثل ما كان من أهل الجمل وصفين، وإنما اقتتلوا لشبه وأمور عرضت، وأما قتال الخوارج ومانعي الزكاة، وأهل الطائف الذين لم يكونوا يحرمون الربا، فهؤلاء يقاتلون حتى يدخلوا في الشرائع الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء إذا كان لهم طائفة ممتنعة، فلا ريب أنه قتل أسيرهم واتباع مدبرهم، والإجهاز على جريحهم، فإن هؤلاء إذا كانوا مقيمين ببلادهم على ما هم عليه، فإنه يجب على المسلمين أن يقصدوهم في(1/395)
بلادهم لقتالهم، حتى يكون الدين كله لله... ")1308( وقال في نص فيه التصريح بردة الممتنعين: "وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمس، ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن له شبهة سائغة، فلهذا كانوا مرتدين، وهم يقاتلون على منعها، وإن أقروا بالوجوب...." )1309 (.
ومن النصوص الصريحة لشيخ الإسلام قوله عن مانعي الزكاة: "والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها؟ هذا لم يعهد من الصحابة بحال، بل قال الصديق لعمر - رضي الله عنها -: والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها. فجعل المبيح للقتال مجرد المنع، لا جحد وجوبها، وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم سيرة واحدة وهي قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار وسموه جميعاً أهل الردة... " )1310 (.
ثالثا: الفرق بين الطائفة والفرد(1/396)
هذا حكم الممتنعين عن شرائع الإسلام إذا كانوا طائفة ممتنعة، أما إذا كان الممتنع فرداً فالصحيح أنه لا يكفر، ولا يقتل إلا إذا أصر على ترك الصلاة فيقتل كفراً - على الصحيح - كما بينا سابقاً عند الكلام عن الإعراض لأن إصراره على الترك حتى يقتل يدل على عدم اعتقاده لوجوبها، وهذا الحالة تختلف عن الترك كسلاً وتهاوناً، أما إذا أصر على منع الزكاة، فيؤخذ منه قهراً كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ومعاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعطى زكاة ماله مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإما آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء" )1311 (، قال ابن الأثير في معنى (عزمة من عزمات ربنا) مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: ذلك عزمه، والعزم ضد الرخصة وهي ما يجب فعله")1312(، أما من رأى قتل مانع الزكاة إذا كان فرداً فقد استدل بحديث ابن عمر السابق "أمرت أن أقاتل الناس.." الحديث قال ابن رجب - رحمه الله -: "... وأما قتل الواحد الممتنع عنها، فأكثر العلماء على أنه يقتل الممتنع عن الصلاة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأبي عبيد وغيرهم... وأما قتل الممتنع عن أداء الزكاة ففيه قولان لمن قال يقتل الممتنع من فعل الصلاة: أحدهما: يقتل أيضاً وهو المشهور عن أحمد - رحمه الله - ويستدل له بحديث ابن عمر هذا، والثاني:
لا يقتل وهو قول مالك والشافعي وأحمد في رواية..." )1313 (.(1/397)
وأجاب الحافظ ابن حجر عن هذا الاستدلال بأن هناك فرقاً بين القتل والمقاتلة "والفرق أن الممتنع من إيتاء الزكاة يمكن أن تؤخذ منه قهراً، بخلاف الصلاة، فإذا انتهى إلى نصب القتال ليمنع الزكاة قوتل، وبهذه الصورة قاتل الصديق مانعي الزكاة، ولم ينقل أنه قتل أحداً منهم صبراً، وعلى هذا ففي الاستدلال بهذا الحديث على قتل تارك الصلاة )1314 ( نظر، للفرق بين صيغة أقاتل وأقتل والله أعلم" )1315 (، إذاً القتال أوسع من القتل "كما يقاتل الصائلون العداة والمعتدون البغاة، وإن كان أحدهم إذا قدر عليه لم يعاقب إلا بما أمر الله ورسوله به")1316(.
مما سبق نستنتج: أن الفرد الممتنع عن الشرائع، والزكاة خاصة يلزم بها وتؤخذ منه بالقوة ولا يكفر - على الصحيح - إلا ما ذكرنا في ترك الصلاة، ويرى شيخ الإسلام - رحمه الله - جواز قتل الواحد المقدور عليه من الخوارج، والرافضة ونحوهم ممن فيه فساد، إذا لم يندفع فساده إلا بالقتل، ولكن لا يجب قتل كل واحد منهم إذا لم يظهر هذا القول، أو كان في قتله مفسدة راجحة )1317 (
5- الشرك الأكبر بعمل القلب كالمحبة والارادة والقصد
سبق وأن أشرنا إلى أنواع التوحيد، وأنواع الشرك الأكبر، وذكرنا أن من أعظم أنواع التوحيد، توحيد الألوهية أو توحيد العبادة.
ثم ذكرنا أنواع الشرك الأكبر، ومن أعظمها الشرك في الألوهية، وهذا النوع هو موضوع بحثنا هنا لتعلقه بعمل القلب.
أ- تعريفه، وأنواعه:
إذا عرفنا توحيد الألوهية فهمنا ضده وهو الشرك في الألوهية ولذلك سنذكر بتوحيد الألوهية أولاً، ثم نعرف الشرك فيه.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في تعريفه "توحيد الألوهية هو الذي وقع فيه النزاع في قديم الدهر وحديثه، وهو توحيد الله بأفعال العباد، كالدعاء، والرجاء، والخوف، والخشية، والاستغاثة، والاستعاذة، والمحبة، والإنابة، والنذر، والذبح والرغبة، والرهبة، والخشوع، والتذلل والتعظيم")1318(.(1/398)
ويسمى توحيد العبادة (والعبادة أصل معناها: الذل ...، يقال طريق معبد، إذا كان مذللاً قد وطئته الأقدام، لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل، ومعنى الحب: فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى، بغاية المحبة له ... ومن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابداً له، ولو أحب شيئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له، كما قد يحب الرجل ولده وصديقه، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى ...")1319(، فإذا فهمنا أن توحيد العبادة صرف أنواع العبادة لله عز وجل، فالشرك في العبادة أن يصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، أو يشبه المخلوق بالخالق في المحبة والتعظيم والتوكل والدعاء .... الخ، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - شارحاً ذلك: "... فالشرك تشبيه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء، والتوكل عليه وحده، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق .... ومن خصائص الإلهية: الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده التعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والإنابة والتوكل والاستعانة، وغاية الذل مع غاية الحب ... فمن جعل شيئاً من ذلك لغيره تعالى فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا ند له وذلك أقبح التشبيه وأبطله، ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم أخبر سبحانه عباده أنه لا يغفره" )1320 (.
ويقول الإمام الصنعاني في إيضاح ذلك: " ... فإفراد الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده، والاستعانة بالله وحده واللجوء إلى الله والنذر والنحر له تعالى، وجميع أنواع العبادات ...، ومن فعل ذلك لمخلوق حي أو ميت أو جماد أو غيره، فهذا شرك في العبادة" )1321 ((1/399)
ويلخص الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - تعريف الشرك بعبارة موجزة فيقول: " إن حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده أن يصرف العبد نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله، فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع، فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص، وصرفه لغيره شرك وكفر فعليك بهذا الضابط للشرك الأكبر الذي لا يشذ عنه شيء" )1322 (.
من كل ما سبق يمكن أن نلخص حد الشرك في الألوهية بأنه "صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل ". أما أنواع الشرك في العبادة فهي كثيرة حصرها بعض أهل العلم بأربعة أنواع وهي: )1323 (.
1- شرك الدعوة (الدعاء).
2- شرك النية والإرادة والقصد.
3- شرك الطاعة.
4- شرك المحبة.
وهذه الأنواع ترجع إلى نوعين:
الأول: شرك في الاعتقاد وهو هنا عمل القلب.
والثاني: شرك في الأقوال والأعمال، وهذا في الحقيقة يرجع إلى عمل القلب كما سنعرف بعد قليل، وسيقتصر حديثنا على شرك النية والإرادة، وشرك المحبة لتعلقهما بموضوع بحثنا، وهو الشرك الأكبر بعمل القلب ولرجوع غالب أنواع الشرك إليهما.
أولا: شرك النية والارادة والقصد
أ- أهمية إخلاص النية والارادة والقصد لله عز وجل(1/400)
تواترت نصوص الكتاب والسنة في الحث على إخلاص النية والقصد لله عز وجل في جميع الأقوال والأعمال، والتحذير مما يخالف ذلك من الشرك والرياء وغيره، ولذلك سمي توحيد الألوهية بتوحيد الإرادة والقصد والطلب، وهذا هو حقيقة العبودية لله عز وجل، قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين")1324( قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسيرها: " يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه إنه مخالف لهم في ذلك فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: " فصل لربك وانحر" )1325 ( أي أخلص له صلاتك وذبحك فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى")1326(، وقال عز وجل: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً" )1327 (، وقال سبحانه: "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار حبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون" )1328 (، ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - هذه الآية تحت "باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا" وعلق الشيخ عبد الرحمن بن حسن على ذلك قائلاً:" أراد المصنف - رحمه الله - بهذه الترجمة وما بعدها أن العمل لأجل الدنيا شرك ينافي كمال التوحيد الواجب، ويحبط الأعمال، وهو أعظم من الرياء، لأن مريد الدنيا قد تغلب إرادته تلك على كثير من عمله، وأما فقد يعرض له في عمل دون عمل، ولا يسترسل معه والمؤمن يكون حذراً من هذا وهذا" )1329 (.(1/401)
وقال تبارك وتعالى: [ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً] )1330 (، وقال سبحانه: [وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة] )1331 ( وقال سبحانه: [إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص] )1332 (، إلى غير ذلك من الآيات، أما الأحاديث فهي كثيرة أيضاً ومنها:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: " قال الله تعالى: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك مع-ي غيري تركته وشركه" )1333 (، وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ قال: "لا شيء له"، فأعادها ثلاثاً كل ذلك يقول: لاشيء له، ثم قال رس-ول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه" )1334 (.(1/402)
والإخلاص شرط من شروط لا إله إلا الله )1335 (، وقال صلى الله عليه وسلم: "أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" )1336 (، وقال أيضاً: "إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل" )1337 (، قال الإمام ابن رجب - رحمه الله - موضحاً أهمية الإخلاص في قول لا إله إلا الله: "أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله، والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له، وإجلالاً، ومحبة وخوفاً ورجاءاً وتوكلاً عليه، وسؤالاً من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قوله: لا إله إلا الله، ونقصاً في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك، ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه، أو التوكل عليه والعمل لأجله، كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه، وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة، مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان وكذا قوله: مالي إلا الله وأنت ... ")1338(.
ونختم هذه الفقرة بالإشارة إلى حديث عظيم عده كثير من أهل العلم من أصول الإسلام، فيه بيان لأهمية النية، وحاجة جميع الأعمال إليها.
عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه")1339(، فالنية في اللغة القصد والعزم والإرادة )1340 (، وذلك أصل عمل القلب ولابد منه في كل عمل من أعمال القلب أو الجوارح، فإذا كان قصده في عمله وجه الله أثيب وإن كان غير ذلك عوقب، وإنما لكل امريء ما نوى.(1/403)
والنية في كلام العلماء تقع بمعنيين:
أحدهما: تمييز العبادات بعضها عن بعض كتمييز صلاة عن صلاة العصر مثلاً / تمييز رمضان من صيام غيره، أو تمييز العبادات عن العادات كتمييز الغسل من الجنابة من غسل التبرد والتنظيف ونحو ذلك، وهذه النية هي التي توجد كثيراً في كلام الفقهاء في كتبهم.
والمعنى الثاني: بمعنى تمييز المقصود بالعمل وهل هو لله وحده لا شريك له أم لله وغيره، وهذه هي النية التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي توجد كثيراً في كلام السلف المتقدمين .... وهي النية التي يتكرر ذكرها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم تارة بلفظ النية وتارة بلفظ الإرادة، وتارة بلفظ مقارب لذلك، وقد جاء ذكرها كثيراً في كتاب الله عز وجل بغير لفظ النية أيضاً من الألفاظ المقاربة له ...، ولذلك يعبر عنها بلفظ الإرادة في القرآن كثيراً كما في قوله تعالى: [منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة] )1341 (، وقوله عز وجل: [تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة] )1342 ( ...، وقد يعبر عنها في القرآن بلفظ الابتغاء كما في قوله تعالى: [والذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم] )1343 ( ... ") 1344 (.
ب- ما يضاد إخلاص النية والارادة والقصد
"والإخلاص يضاده الإشراك فمن ليس مخلصاً، فهو مشرك، إلا أن الشرك درجات، وقد جرى العرف على تخصيص اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرب إلى الله تعالى عن جميع الشوائب، فإذا امتزج قص-د التقرب بباعث آخر من رياء أو غيره من حظوظ النفس فقد خرج عن الإخلاص")1345(.(1/404)
إذا ينافي إخلاص النية والقصد لله عز وجل الشرك في النيات والإرادات، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "وأما الشرك في الإرادات والنيات، فذلك البحر الذي لا ساحل له وقل من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئاً غير التقرب إليه، وطلب الجزاء منه، فقد أشرك في نيته وإرادته، والإخلاص: أن يخلص لله في أفعال وأقواله وإرادته ونيته، وهذه هي الحنفية ملة إبراهيم التي أمر الله تعالى بها عباده كلهم، ولا يقبل من أحد غيرها، وهي حقيقة الإسلام، كما قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) )1346 (.. )1347 (.(1/405)
لكن الشرك في النية والإرادة درجات، قد يكون شركاً أكبر وقد يكون دون ذلك، يقول الإمام ابن رجب - رحمه الله - موضحاً ذلك: (وأعلم أن العمل لغير الله أقسام: فتارة يكون رياء محضاً بحيث لا يراد سوى مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم، قال الله عز وجل: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً) )1348 ( ...وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة، وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضاً وحبوطه، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يقول الله تبارك وتعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) ...، وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره، فإن كان خاطراً ودفعه فلا يضره بلا خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازي على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه يجازي بنيته الأولى )1349، وهو مروي عن الحسن البصري وغيره، ...فأما إذا عمل العمل لله خالصاً ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك بفضل الله ورحمته، واستبشر بذلك لم يضره ذلك، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير يحمده الناس عليه فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن" )1350 ( ... " )1351 (.(1/406)
ولخص ذلك الشيخ حافظ حكمي بعبارة أسهل أنقل بعضها، قال - رحمه الله -: "ثم اعلم أن الرياء قد أطلق في كتاب الله كثيراً، ويراد به النفاق الذي هو أعظم الكفر، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار كما قال تعالى: [كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ... ] الآية )1352 ( وقال تعالى: [والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قرينا] )1353 ( ... والفرق بين هذا الرياء الذي هو النفاق الأكبر وبين الرياء الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم شركاً أصغر خفياً هو حديث "الأعمال بالنيات" ? فإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله والدار الآخرة وسلم من الرياء في فعله، وكان موافقاً للشرع فذلك العمل الصالح المقبول، وإن كان الباعث على العمل هو إرادة غير الله عز وجل فذلك النفاق الأكبر، سواء في ذلك من يريد به جاهاً ورئاسة وطلب دنيا، ومن يريد حقن دمه وعصمة ماله وغير ذلك، فهذان ضدان ينافي أحدهما الآخر لا محالة ? وإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله عز وجل والدار الآخرة، ولكن دخل عليه الرياء في تزيينه وتحسينه فذلك هو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر،...? وهذا لا يخرج من الملة، ولكنه ينقص من العمل بقدره، وقد يغلب على العمل فيحبطه كله والعياذ بالله" )1354 (، خلاصة ما سبق في شرك النية والإرادة والقصد: أن من أراد بعمله غير الله عز وجل فذلك شرك أكبر، وإن أراد بالعمل وجه الله عز وجل ولكن دخل عليه الرياء في أصله فقد حبط العمل وهذا هو الشرك الأصغر، أما إن طرأت عليه نية الرياء فقد نقص أجر عمله بحسب ذلك، ولنضرب لذلك مثالاً واحداً يتضح من خلاله المقصود. عبادة النسك والذبح يجب أن تكون خالصة لله سبحانه، فمن قصد بذبحه غير الله فقد أشرك الشرك الكبر، ومن قصد الله عز وجل، ولكن دخل الرياء في أصل نيته فقد بطل أجر هذا العمل، وإن طرأ الرياء(1/407)
عليه، فقد نقص من أجره بحسب ذلك، وهذا يرد على جميع العبادات من الأقوال والأفعال فالشرك فيها بحسب النية والقصد، وبذلك ندرك خطورة الشرك في ذلك، وضرورة توقيه.
ثانياً: شرك المحبة
أ- أهمية المحبة
محبة الله عز وجل أصل كل عمل من أعمال الدين، والمحبة شرط من شروط لا إله إلا الله عز وجل )1355، فلابد من إخلاص المحبة لله عز وجل فلا يكون له شريك في الحب، ومن عبد غير الله فأصل عبادته من المحبة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بيان أهمية المحبة ومنزلتها في الدين: "وأصل كل فعل وحركة في العالم من الحب والإرادة، فهو أصل كل فعل ومبدؤه، كما أن البغض والكراهة مانع وصاد لكل ما انعقد بسببه ومادته، فهو أصل كل ترك .... ولهذا كان رأس الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وكان من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان، فالمحبة والإرادة أصل في وجود البغض والكراهة، والأصل في زوال البغيض المكروه، فلا يوجد البغض إلا لمحبة، ولا يزول البغيض إلا لمحبة، .... وإذا كان كذلك فأصل المحبة المحمودة، التي أمر الله بها، وخلق الخلق لأجلها، هي ما في عبادته وحده لا شريك له، إذ العبادة متضمنة لغاية الحب بغاية الذل .... فأهل التوحيد الذين أحبوا الله وعبدوه وحده لا شريك له، لا يبقى منهم في العذاب أحد، والذين اتخذوا من دونه أنداداً يحبونهم كحبه، وعبدوا غيره، هم أهل الشرك، الذين قال الله تعالى فيهم: [إن الله لا يغفر أن يشرك به] )1356 ( وجماع القرآن هو الأمر بتلك المحبة ولوازمها، والنهي عن هذه المحبات ولوازمها، وضرب الأمثال والمقاييس للنوعين، وذكر قصص أهل النوعين" )1357 (.(1/408)
ويقول أيضاً: "وإذا كانت المحبة والإرادة أصل كل عمل وحركة، وأعظمها في الحق محبة الله وإرادته بعبادته وحده لا شريك له، وأعظمها في الباطل أن يتخذ الناس من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله، ويجعلون له عدلاً وشريكاً، عُلم أن المحبة والإرادة أصل كل دين، سواء كان ديناً صالحاً أو ديناً فاسداً، فإن الدين هو من الأعمال الباطنة والظاهرة، والمحبة والإرادة أصل ذلك كله" (1358( وبين - رحمه الله - أن المحبة "أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين، كما أن التصديق به أصل كل قول من أقوال الإيمان والدين" )1359 ( ثم يبين بعد ذلك ارتباط المحبة بأعمال القلب الأخرى فقال: "وإذا كانت المحبة أصل كل عمل ديني، فالخوف والرجاء وغيرهما يستلزم المحبة ويرجع إليها، فإن الراجي الطامع إنما يطمع فيما يحبه لا فيما يبغضه، والخائف يفر من الخوف لينال المحبوب، قال تعالى: [ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه" )1360 ( ....... " )1361 (.
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - مبيناً أن المحبة هي حقيقة الإسلام والعبودية: " ... فلو بطلت المحبة، لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان، ولتعطلت منازل السير إلى الله، فإنها روح كل مقام فإذا خلا منها فهو ميت لا روح فيه، ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها، بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام، فإنه الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله، فمن لا محبه له لا إسلام له البتة، بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله، فإن الإله هو الذي يألهه العباد حباً وذلاً، وخوفاً ورجاءاً وتعظيماً وطاعة له، بمعنى مألوه وهو الذي تألهه القلوب، أي تحبه وتذل له، وأصل التأله التعبد، والتعبد آخر مراتب الحب، يقال: عبده الحب، تيمه: إذا ملكه وذلله لمحبوبه ....." )1362 (.(1/409)
وبذلك ندرك أهمية محبة الله ورسوله، وأن ذلك من أعظم أعمال القلب، بل هو أصل كل عمل من أعمال القلب أو الجوارح، لكن للمحبة علامات وشروط لا يتصور وجود المحبة مع عدمها، وتتلخص هذه العلامات بما يلي:
1- المحبة تستلزم فعل المحبوبات لله عز وجل من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
2- ومحبة الله عز وجل تستلزم محبة أوليائه وبغض أعدائه.
3- وتستلزم أيضاً اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: [قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم] )1363 (.(1/410)
يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - مبيناً ذلك: "فحقيقة المحبة لا تتم إلا بموالاة المحبوب، وهو موافقته على حب ما يحب، وبغض ما يبغض، والله يحب الإيمان والتقوى، ويبغض الكفر والفسوق والعصيان، ومعلوم أن الحب يحرك إرادة القلب، فكلما قويت المحبة في القلب طلب القلب فعل المحبوبات، فإذا كانت المحبة تامة استلزمت إرادة جازمة في حصول المحبوبات، فإذا كان العبد قادراً عليها حصلها، وإن كان عاجزاً عنها ففعل ما يقدر عليه من ذلك، كان له أجر كأجر الفاعل .... وإذا تبين هذا، فكلما ازداد القلب حباً له (ازداد له) )1364 ( عبودية، وكلما ازداد له عبودية، ازداد له حباً وفضله عما سواه" )1365 (، ويقول مبيناً التضاد بين موادة أعداء الله عز وجل والمحبة التامة. " ..... وأما موادة عدوه فإنها تنافي المحبة، قال تعالى: [لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه] )1366 ( فأخبر أن المؤمن - الذي لابد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، كما في الحديث المتفق عليه: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" )1367 ( - لا تجده مواداً لمن حاد الله ورسوله، فإن هذا جمع بين ضدين لا يجتمعان، ومحبوب لله ومحبوب معاديه لا يجتمعان ... وهذا الذي ذكرناه أمر يجده الإنسان من نفسه ويحسه: أنه إذا أحب الشيء لم يحب ضده، بل يبغضه، فلا يتصور اجتماع إرادتين تامتين للضدين، لكن قد يكون في القلب نوع محبة، وإرادة لشيء، ونوع محبة وإراده لضده، فهذا كثير، بل هو غالب على بني آدم، لكن لا يكون واحد منهما تاماً" )1368 (.(1/411)
ويلخص الشيخ حافظ حكمي - رحمه الله - شروط وعلامات المحبة، فيقول: "وعلامة حب العبد ربه تقديم محابة وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله ومعاداة من عاداه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه، وكل هذه العلامات شروط في المحبة لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها ")1369(.
ب- ما يضاد المحبة (شرك المحبة):
لما كانت المحبة أصل كل عمل من أعمال القلب والجوارح، كان الإشراك في المحبة، أصل كل إشراك عملي )1370 (، فأصل الشرك في المشركين هو اتخاذهم أنداداً يحبونهم كحب الله )1371 (.
قال تعالى: [ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله] )1372 (.(1/412)
يقول الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا، ومالهم في الدار الآخرة حيث جعلوا له انداداً أي أمثالاً ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه وهو الله لا إله إلا هو ولا ضد له ولا ند له ولا شريك معه، وفي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" )1373 (، وقوله: [والذين آمنوا أشد حباً لله] ولحبهم لله وتمام معرفتهم به، وتوقيرهم وتوحيدهم له لا يشركون به شيئاً بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه ويلجأون في جميع أمورهم إليه" )1374 (، قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في تعريف هذا الشرك: "الشرك بالله في المحبة والتعظيم بأن يحب مخلوقاً كما يحب الله، فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله وهو الشرك الذي قال سبحانه فيه: [ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً .... ] الآية وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم، وقد جمعتهم الجحيم: [تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين] )1375 ( ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، والمل-ك، والقدرة، وإنما سووهم به في الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل .... " )1376 (.
وقال الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله -: "ومن الأمور المبينة لتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله: آية البقرة في الكفار الذين قال الله تعالى فيهم: [وما هم بخارجين من النار] )1377 ( وذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدل على أنهم يحبون الله حباً عظيماً، فلم يدخلوا في الإسلام، فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله؟ فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده؟ " )1378 (.(1/413)
ولو طبقنا ما سبق على الشرك العملي المتعلق بعمل الجوارح من مثل دعاء الأموات والاستغاثة بهم، أو إيجاب طاعة غير الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمر به أو ينهى عنه، لوجدنا أن ذلك يرجع في الحقيقة إلى الإشراك في المحبة، يقول شيخ الإسلام ? رحمه الله ? في ذلك: "فمن رغب إلى غير الله في قضاء حاجة أو تفريج كربة، لزم أن يكون محباً له، ومحبته هي الأصل في ذلك " )1379 (.
ويقول أيضاً: " ???.. فمن جعل غير الرسول تجب طاعته في كل ما يأمر به وينهى عنه، وإن خالف أمر الله ورسوله فقد جعله نداً، وربما صنع به كما تصنع النصارى بالمسيح، يدعوه ويستغيث به، ويوالي أولياءه، ويعادي أعداءه مع إيجابه طاعته في كل ما يأمر به وينهى عنه ويحلله ويحرمه، ويقيمه مقام الله ورسوله فهذا من الشرك الذي يدخل أصحابه في قول-ه تعالى: [ومن الناس من يتخ-ذ من دون الله أنداداً يحبونه-م كح-ب الله والذي-ن آمنوا أشد حباً لله] )1380 ( " )1381 (.(1/414)
وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن في بيان ذلك: "فكل من اتخذ نداً لله يدعوه من دون الله ويرغب إليه ويرجوه لما يؤمله منه من قضاء حاجاته وتفريج كرباته كحال عباد القبور والطواغيت والأصنام فلابد أن يعظموهم ويحبونهم لذلك، فإنهم أحبوهم مع الله وإن كانوا يحبون الله تعالى، ويقولون لا إله إلا الله ويصلون ويصومون، فقد أشركوا في المحبة بمحبة غيره وعبادة غيره، فاتخاذهم الأنداد يحبونهم كحب الله يبطل كل قول يقولونه وكل عمل يعملونه، لأن المشرك لا يقبل منه عمل، ولا يصح منه، وهؤلاء وإن قالوا لا إله إلا الله فقد تركوا كل قيد قيدت به هذه الكلمة" )1382 (، إذا يمكن أن نستخلص مما سبق ما يلي: أن الشرك بعمل الجوارح يرجع في الحقيقة إلى عمل القلب، فكما ذكرنا في شرك النية والقصد دخول ذلك في جميع العبادات إذا قصد بها غير الله، يمكن أن نقول هنا، إن صرف أي نوع من العبادات لغير الله (كالدعاء والطاعة)، هو في الأصل بسبب المحبة لذلك الغير فلابد، من إخلاص القصد والمحبة لله وحده، ومحبة غيره تبع لمحبته.
الفصل الثالث:
العلاقة بين النواقض الاعتقادية وغيرها
- العلاقة بين الظاهر والباطن.
- مدى الارتباط بين النواقض الاعتقادية والقولية والعملية.
- (النواقض الاعتقادية أصل النواقض).
أو (فساد الظاهر دليل على فساد في الباطن) أمثلة ذلك.
الفصل الثالث
العلاقة بين النواقض الاعتقادية وغيرها من النواقض
هذا الفصل أشبه بالخاتمة أو الخلاصة لبعض ما سبق، حيث إن له تعلقاً بمجموعة من الفصول والمباحث السابقة مثل كفر الإعراض، والنفاق، وشرك النية والإرادة ... الخ، وقبل البحث في العلاقة بين النواقض الاعتقادية وغيرها، لابد من التذكير بالعلاقة بين الظاهر والباطن أو بين إيمان القلب وإيمان الجوارح.
1- العلاقة بين الظاهر والباطن(1/415)
هناك تلازم بين الظاهر والباطن فالصلاح في أحدهما يؤثر في الآخر ولابد، وكذلك الفساد، لكن القلب هو الأصل، كما بينا في الفصل الأول.
يقول الإمام ابن رجب - رحمه الله - في بيان ذلك: "صلاح حركات العبد بجوارحه، اجتنابه للمحرمات واتقاء الشبهات بحسب صلاح حركة قلبه، فإن كان قلبه سليماً ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه صلحت حركات الجوارح كلها، ... وإن كان القلب فاسداً قد استولى عليه اتباع الهوى وطلب ما يحبه ولو كرهه الله، فسدت حركة الجوارح كلها، .... وحركات الجسد تابعة لحركة القلب وإرادته، فإن كانت حركته وإرادته لله وحده فقد صلح وصلحت حركات الجسد تابعة لحركة القلب وإرادته، فإن كانت حركته وإرادته لله وحده فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب وإرادته لغير الله فسد، وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب ... " )1383 (، وهذا الأمر سبقت الإشارة إليه عند الكلام عن المحبة والإرادة وأنهما أصل أعمال الجوارح، وعند الكلام عن كفر الإعراض، لذلك سنختصر الكلام فيه، ونكتفي ببعض النقولات المختصرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لأنه أطال الكلام في هذه المسألة، وبين مذهب أهل السنة في ذلك بعبارات سهلة واضحة، قال -رحمه الله -: " ... وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة، والأعمال الظاهرة، فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمه، ودليله ومعلوله، كما أن يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضاً تأثير فيما في القلب، فكل منها يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له، والفرع يستمد من أصله، والأصل يثبت ويقوى بفرعه .... ")1384(، ويقول أيضاً: " ... إذا نقصت الأعمال الظاهرة الواجبة كان ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان، فلا يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب(1/416)
إن تعدم الأعمال الظاهرة الواجبة، بل يلزم من وجود هذا كاملاً، وجود هذا كاملاً، كما يلزم من نقص هذا نقص هذا، إذا تقدير إيمان تام في القلب بلا ظاهر من قول وعمل، كتقدير موجب تام بلا موجبه، وعلة تامة بلا معلولها، وهذا ممتنع ..." )1385 (. ويقول - رحمه الله -: " ... العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه، وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن .... ") 1386(.
ويقول: "فأصل الإيمان في القلب، وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد، وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه، ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه، وهي تصديق لما في القلب ودليل عليه وشاهد له، وهي شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبغض له، لكن ما في القلب هو الأصل لما على الجوارح ... " )1387 (، ويقول: " ... فإذا كان القلب صالحاً بما فيه من الإيمان علماً وعملاً قلبياً، لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر، والعمل بالإيمان المطلق، كما قال أهل الحديث: قول باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر، والظاهر تابع للباطن لازم له متى صلح الباطن صلح الظاهر، وإذا فسد فسد ... ")1388(.
نستنتج من النقل السابق أن هناك ترابطاً وثيقاً بين الباطن (قول القلب وعمله)، والظاهر (قول اللسان وأعمال الجوارح)، فإذا انتفى الظاهر دل ذلك على عدم ما في القلب، وإذا دل على نقص ما في القلب، وكذلك العكس، فكل منها يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل، وأعمال الجوارح دليل وشاهد عليه وهذا هو مقصود أهل السنة والحديث حينما يعرفون الإيمان بأنه "قول وعمل"، لا يغني أحدهما عن الآخر.
2- النواقض الاعتقادية أصل النواقض
أو فساد الظاهر دليل على فساد في الباطن
(أمثلة لذلك):(1/417)
لما كان الإيمان أصله في القلب، فكذلك الكفر والنفاق، وما يظهر من النواقض القولية والفعلية الظاهرة دليل ولازم من لوازم ما في القلب من كفر أو نفاق، ويتضح هذا من خلال ذكر الأمثلة الدالة على ذلك، وسأختصر في شرح الأمثلة:
أ- سبق وأن أشرنا إلى أن الشرك بعمل الجوارح يرجع في الحقيقة إلى عمل القلب، وخاصة شرك النية والقصد، ومن ذلك الفرق بين الرياء والنفاق الأكبر، فالذي يفرق بينهما هو النية (فإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله والدار الآخرة وسلم من الرياء في فعله وكان موافقاً للشرع فذلك العمل الصالح المقبول، وإن كان الباعث على العمل هو إرادة غير الله عز وجل والدار الآخر ولكن دخل عليه الرياء في تزيينه وتحسينه فذلك هو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر وفسره بالرياء العملي")1389(.(1/418)
ب- وكذلك الذبح والنذر للأموات ودعاؤهم من دون الله، فهذا الشرك يرجع في الحقيقة إلى ما في القلب من المحبة والتعظيم لهؤلاء، والاعتقاد بأنهم ينفعون ويضرون من دون الله ونحو ذلك، يقول شيخ الإسلام - ابن تيمية - رحمه الله -: "أصل الإشراك العملي بالله الإشراك في المحبة ... " )1390 ). ويقول - أيضاً -: "فمن رغب إلى غير الله في قضاء حاجة أو تفريج كربة لزم أن يكون محباً له، ومحبته هي الأصل في ذلك")1391)، ويقول صاحب كتاب "توحيد الخلاق": "النذر لغير الله، كالنذر لإبراهيم الخليل، أو محمد النبي صلى الله عليه وسلم، أو ابن عباس رضي الله عنهما، أو الشيخ عبدالقادر، أو الخضر، أو لملك من الملائكة أو جني أو شجرة، فلا خلاف بين من يعتد به من علماء المسلمين أنه من الشرك الاعتقادي، لأن الناذر لم ينذر هذا النذر الذي لغير الله إلا لاعتقاده في المنذور له أنه يضر وينفع، ويعطي ويمنع، إما بطبعه، وإما بقوة السببية فيه، ويجلب الخير والبركة ويدفع الشر والعسرة ?")1392)، ويقول الشيخ عبدالرحمن بن حسن ? رحمه الله -: "فكل من اتخذ نداً لله يدعوه من دون الله، ويرغب إليه ويرجوه لما يؤمله منه، من قضاء حاجاته وتفريج كرباته ? كحال عباد القبور والطواغيت والأصنام ? فلابد أن يعظموهم ويحبوهم لذلك... " )1393 ): إذاً ما في القلب من المحبة والتعظيم لهؤلاء (عمل القلب)، أو اعتقاد النفع والضر (قول القلب)، هو أصل شرك الدعاء والذبح والنذر ونحوه.(1/419)
ج- وكذلك سب الرسول صلى الله عليه وسلم وتنقيصه وعيبه، كل ذلك لا يقوله إلا من هو فاسد القلب، وكثيراً ما يصدر ذلك عن المنافقين، يقول شيخ الإسلام ? رحمه الله -: "الإيمان، والنفاق أصله في القلب، وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرع له دليل عليه، فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه، فلما أخبر سبحانه أن الذين يلمزون النبي صلى الله عليه وسلم والذين يؤذونه من المنافقين، ثبت أن ذلك دليل على النفاق وفروع له، ومعلوم أنه إذا حصل فرع الشيء ودليله، حصل أصله المدلول عليه، فثبت أنه حيث ما وجد ذلك كان صاحبه منافقاً، سواء كان منافقاً قبل هذا القول، أو حدث له النفاق بهذا القول" )1394 ). إذاً حيثما وجد العيب واللمز دل ذلك على فساد قلب صاحبه، فهذا الفساد الظاهر دليل على فساد الباطن، لأن المؤمن مأمور بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر (والسب إهانة واستخفاف، والانقياد للأمر إكرام وإعزاز، ومحال أن يهين القلب، من قد انقاد له وخضع واستسلم، أو يستخف به، فإذا حصل في القلب استخفاف واستهانة، امتنع أن يكون فيه انقياد واستسلام... وهذان ضدان فمتى حصل في القلب أحدهما، انتفى الآخر، فعلم أن الاستخفاف والاستهانة به ينافي الإيمان منافاة الضد للضد" )1395 ).
ت- وكذلك الإعراض عن العمل بالكلية أو انتفاء الظاهر، دليل على انتفاء الباطن من الانقياد والقبول والتسليم، وقد سبق بيان ذلك في كفر الإعراض.(1/420)
ه-- أيضاً الامتناع عن فعل الواجبات الظاهرة المتواترة وأعظمها الصلاة والزكاة - والاجتماع على ذلك ومقاتلة الإمام، كل ذلك يدل على أنه لم يكن في الباطن مقراً بالوجوب، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "ولا يتصور في العادة أن رجلاً يكون مؤمناً بقلبه، مقراً بأن الله أوجب عليه الصلاة، ملتزماً لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، يأمره ولي الأمر بالصلاة فيمتنع، حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمناً في الباطن قط لا يكون إلا كافراً، ولو قال: أنا مقر بوجوبها غير أني لا أفعلها كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه.." )1396 ) وهذه الحالة تختلف عن الترك كسلاً كما أشرنا سابقاً.
و- كذلك من يفعل الكبائر من أكل الربا وشرب الخمر وفعل الفواحش وغير ذلك، فكل ذلك يدل على ضعف عمل القلب من الانقياد والخضوع، لكن لا يكفر بذلك إلا إذا استحل شيئاً من المحرمات المجمع عليها، فمناط التكفير هو الجحود والاستحلال القلبي، وليس الفعل.
ز- ونحتم هذه الأمثلة بالحكم بغير ما أنزل الله، وسنقصر) 1397) الحديث حول بعض صوره المخرجة من الملة لارتباطها الوثيق بهذا المبحث وإليك بيان ذلك:
أ- أنواع الحكم بغير ما أنزل الله: ينقسم الحكم بغير ما أنزل الله إلى قسمين: قسم مخرج من الملة، وقسم غير مخرج من الملة وخلاصة القسم غير المخرج، أن يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وأنه لا يجوز الحكم بغيره، وعلمه في واقعة معينة، لكنه عدل عنه لهوى وشهوة مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة )1398 ).
أما القسم المخرج من الملة فهو أنواع يمكن إرجاعها إلى ثلاث حالات:(1/421)
الحالة الأولى: الاستحلال والجحود ويدخل فيه عدة أنواع، ومنها أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله، أو يعتقد أن حكم غير الله أحسن من حكمه،إما مطلقاً، وإما بالنسبة لما استجد من الحوادث، أو يعتقد أن حكم غير الله مثل حكم الله عز وجل، أو يعتقد جواز الحكم بغير ما أنزل الله ولو اعتقد أن حكم الله عز وجل أحسن وأكمل )1399 ) وهذه الحالة سبقت الإشارة إليها عند الكلام عن كفر الجحود والاستحلال، وفي مبحث "الاعتقاد بأن بعض الناس يسعه الخروج على الشريعة" وهذه الحالة فيها مناقضة لقول القلب.
الحالة الثانية: التشريع المخالف لشرع الله، ويدخل في ذلك أصحاب القوانين الوضعية.
الحالة الثالثة: من أطاعهم في تشريعهم المخالف لشرع الله، مع علمه بمخالفتهم لها. وسنذكر بعض كلام أهل العلم حول حكم هاتين الحالتين، ثم نشير إلى علاقتها بالجانب الاعتقادي.
أ-كلام أهل العلم في مسألة التشريع المخالف لشرع الله
من المفاهيم الخاطئة المنتشرة عند بعض الناس، ظنهم أن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يكفر حتى يصرح بالاستحلال والإنكار لحكم الله، وهذه - بلا شك - من آثار الفكر الإرجائي، حيث يحصر المرجئة الكفر بالتكذيب والجحود فقط )1400 ) ولا يكفرون المعرض والممتنع ولا من يسن تشريعاً يناقض ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وسيقتصر الحديث هنا على نقل بعض النصوص عن الأئمة فيها بيان خطورة تبديل شرع الله، أو الحكم بالقوانين.
1- …قال الإم--ام أبو بكر الجصاص (*) في تفسير قوله تعالى: [فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم...] )1401 ):(1/422)
"وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئاً من أوامر الله تعالى، أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو خارج من الإسلام، سواء ردة من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القول والانقياد، والامتناع من التسليم، وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة، وقتلهم وسبي ذراريهم، لأن الله تعالى حكم بأن من لم يسلم للنبي صلى الله عليه وسلم قضاءه وحكمه، فليس من أهل الإيمان" )1402 ) والمشرعون لو رضوا بشرع الله وحكمه وقبلوه وانقادوا له واعتقدوا أنه الأصلح والأحسن وأنه واجب الاتباع، لما اختاروا غيره، فاختيارهم أو تشريعهم ما يناقضه دليل على فساد ما في قلوبهم من الانقياد والتسليم.
2- …ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "إن من تولى عن طاعة الرسول، وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين، وليس بمؤمن، وإن المؤمن هو الذي يقول سمعنا وأطعنا، فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره مع أن هذا ترك محض، وقد يكون سببه قوة الشهوة، فكيف بالتنقص والسب ونحوه" )1403 ). فتأمل هذا الاستنباط من شيخ الإسلام حيث بين أن الإيمان يزول بمجرد الإعراض عن حكم الرسول، ولو لم يقترن ذلك بتكذيب أو استحلال، وأكد - رحمه الله - عدم اقترانه بشيء من ذلك بقوله: "مع أن هذا ترك محض، وقد يكون سببه قوة الشهوة" أي هذا الإعراض، ترك محض ربما بسبب شهوة وضعف وليس استحلالاً، فكيف بمن زاد على هذا الإعراض بسن القوانين المخالفة لشرع الله والرضى بها، وربما ألزم الناس بها، وحماها وحارب من يعارضها؟ ويقول: "والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال - المجمع عليه - أو بدل الشرع - المجمع عليه - كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء" )1404 )، فشيخ الإسلام ساوى بين المستحل والمبدل.(1/423)
ويقول أيضاً: "ومن حكم بما يخالف شرع الله ورسوله، وهو يعلم ذلك، فهو من جنس التتار الذين يقدمون حكم الياسق، على حكم الله ورسوله" )1405 ).
فمجرد حكمه بما يخالف شرع الله ورسوله - وهو يعلم - ولو لم يكذب ويجحد حكم الله ورسوله، يجعله شيخ الإس-لام من جنس التتار الذين غيروا وبدلوا ووضعوا القوانين المناقضة للشريعة، وحكم الأئمة بكفرهم )1406 ). ويقول: "ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام باتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب" )1407 )، ومن وضع تشريعاً يخالف حكم الله ورسوله فقد سوغ اتباع غير دين الإسلام.(1/424)
3- وللإمام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - كلام واضح وصريح حول حكم الخارجين عن الشريعة كالتتار وأمثالهم، يقول: "... فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين" )1408 ) فالإمام - رحمه الله - اعتبر مجرد الترك، كفر وحكى الإجماع على ذلك، وقال عند تفسير قوله تعالى: [أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون] )1409 )، قال: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان، الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية، والملة الإسلامية )1410 )، وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً، يقدمونه على الحكم بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك منهم، فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير" )1411 فهذا الفعل من التشريع والتقنين الملفق، المأخوذ من مصادر شتى، خروج عن الشريعة، واستحلال للحكم بغيرها ولو لم يصرح بذلك بلسانه، فالفعل هنا أبلغ من القول ولا يفعل ذلك من يرى وجوب الحكم بالشريعة.(1/425)
4- وتكلم بعض العلماء المعاصرين، عن تحكيم القوانين، أو الشرك في الحكم، ومن أبرز من أصل الكلام في ذلك، الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - والشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله -وسننقل بعض النصوص المختصرة عنهم حول هذه القضية، يقول الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - عن هذه القوانين: "... هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمين، ويفخرون بذلك آباء وأبناء، ثم يجعلون مرد أمرهم إلى معتنقي هذا الياسق العصري، ويحقرون من يخالفهم في ذلك، ويسمون من يدعوهم |إلى الاستمساك بدينهم وشريعتهم رجعياً وجاحداً إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة... إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، وهي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة" )1412 )، وقال الشيخ محمود شاكر في رده على من استدل ببعض الآثار عن السلف في عدم تكفيرهم الأمراء الذين حكموا بغير ما أنزل الله مع اعترافهم بالذنب، وتطبيق ذلك، على من يحكمون القوانين في عصرنا، قال: "وإذن، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعه زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبته عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه..." )1413 )، وتكلم الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - عن حالات الحكم بغير ما أنزل الله المخرجة من الملة ومما ذكر تحكيم القوانين الوضعية، وعدة من أعظمها وأشملها، وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه، وقال: "... فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار المسلمين مهيئة مكملة، ومفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم(1/426)
حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، ومن أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة....." )1414 ).
وللشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - كلام متين يبين فيه أنه لا فرق بين الإشراك في العبادة، والإشراك في الحكم، يقول في تعليقه على حديث عدي بن حاتم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي: " ألم يحرم-وا عليكم ما أحل الله ويحلوا لكم ما حرم الله فتتبعوهم، قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم" )1415 )، قال ? رحمه الله -: " وهذا التفسير النبوي يقتضى أن كل من يتبع مشرعاً بما أحل وحرم مخالفاً لتشريع الله أنه عابد له متخذه ربا مشرك به كافر بالله، هو تفسير صحيح لا شك في صحته... واعلموا أيها الإخوان: أن الإشراك بالله في حكمه والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد لا فرق بينهما البتة، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله وتشريعاً غير تشريع الله، وقانوناً مخالفاً لشرع الله من وضع البشر معرضاً عن نور السماء الذي أنزله الله على لسان رسوله، من كان يفعل هذا هو من كان يعبد الصنم ويسجد للوثن لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه، فهما واحد، كلاهما مشرك بالله، هذا أشرك به في عبادته، وهذا أشرك به في حكمه، والإشراك به في عبادته والإشراك به في حكمه، كلها سواء، وقد قال الله جل وعلا في الإشراك به في عبادته: [فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً] )1416 )، وقال تعالى في الإشراك في حكمه أيضاً: [له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحداً] )1417 )..." )1418 ).
ونختم هذه النقولات عن المعاصرين بتفصيل جيد ذكره الشيخ محمد الصالح العثيمين - حفظه الله - قال: "والحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين:(1/427)
أحدهما: أن يستبدل هذا الحكم بحكم الله تعالى بحيث يكون عالماً بحكم الله، ولكنه يرى أن الحكم المخالف له أولى وأنفع للعباد من حكم الله، أو أنه مساو لحكم الله، أو أن العدول عن حكم الله جائز، فيجعله القانون الذي يجب التحاكم إليه، فمثل هذا كافر كفراً مخرجاً عن الملة، لأن فاعله لم يرض بالله رباً ولا بمحمد رسولاً ولا بالإسلام ديناً...
الثاني: أن يستبدل بحكم الله تعالى حكماً مخالفاً في قضية معينة دون أن يجعل ذلك قانوناً يجب التحاكم إليه فله ثلاث حالات..." )1419 )، ثم فصل - حفظه الله - حالات القسم الثاني متى تكون كفراً أكبر ومتى تكون كفراً أصغر، والشاهد من كلام الشيخ، تفريقه بين الحكم في قضية معينة، وبين من يجعل ذلك قانوناً، بل بين في موضع آخر أن التشريع لا يتأتى فيه التقسيم السابق، وإنما يدخل في القسم الأول فقط، لأن هذا المشرع تشريعاً يخالف الإسلام، لا يفعل ذلك إلا لاعتقاده أنه أصلح وأنفع للعباد" يقول - حفظه الله -: "... ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلية الفطرية، أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه، ونقص ما عدل عنه.." )1420 ).
ب- كلام أهل العلم في مسألة طاعة المبدلين مع العلم بتبديلهم(1/428)
قال شيخ الإسلام في كلام له حول قوله تعالى: [اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله...] الآية )1421 ). قال: "وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً - حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، يكونون على وجهين: أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله، فيتبعوهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر، وقد جعله الله شرعاً - وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم - فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين، واعتقد ما قاله ذلك، دون ما قاله الله ورسوله، مشركاً مثل هؤلاء.
الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال، وتحليل الحرام ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب... ")1422).
ويقول الحافظ ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: [وإن أطعتموهم إنكم لمشركون] )1423 ): "أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم عليه قول غيره فهذا هو الشرك، كقوله تعالى: [اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله] )1424 )... ")1425).(1/429)
وفصل الشيخ الشنقيطي الكلام حول متبعي القوانين الوضعية، عند تفسيره لقوله سبحانه: [ولا يشرك في حكمه أحداً] )1426 )، فقال - رحمه الله -: "ويفهم من هذه الآيات، كقوله تعالى: [ولا يشرك في حكمه أحداً]1 أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله، أنهم مشركون بالله، وهذا المفهوم مبين في آيات أخر، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: [ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون] )1427 ) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم، وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى، هو المراد بعبادة الشياطين في قوله تعالى: [ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن أعبدوني هذا صراط مستقيم] )1428 )... إلى أن يقول: "وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور إن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم: أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم" )1429 ).
وخلاصة كلام أهل العلم حول الحكم بتشريع مخالف لشرع الله (القوانين الوضعية)، أنهم متفقون على أن ذلك كفر مخرج من الملة، ولا يجري عليه التقسيم المعروف في حالات الحاكم بغير ما أنزل الله، بخلاف الحكم بغير ما أنزل الله في قضية معينة الذي يجري عليه التقسيم المعروف - لأن التشريع ووضع قانون عام ملزم، هو في الحقيقة استحلال، ولو لم يصرح بذلك بلسانه، ففعله يدل على تسويغه اتباع غير الشريعة.
علاقة كفر التشريع بالجانب الاعتقادي
المتأمل في حال من يشرعون شرعاً مخالفاً لشرع الله، يحكمونه في الناس، أن فعلهم هذا لابد وأن يقترن بفساد اعتقادي، وذلك مما نبه إليه الأئمة الأعلام كما في النقول السابقة ومن ذلك:(1/430)
1- أن التشريع هو في حقيقته إعراض عن حكم الله ينافي الرضى والقبول والتسليم.
2- والتشريع فيه تسويغ للخروج عن الشريعة وتجويز للحكم بغيرها في قليل أو كثير.
3- وطاعة المشرعين، هو في الحقيقة شرك في الطاعة وهو من أنواع الشرك في الألوهية، فالطاعة يجب أن تكون خالصة لله سبحانه وتعالى، وطاعة غيره تبع لطاعته، فلا يشرك المرء لا في العبادة ولا في الحكم والطاعة والتشريع ولا فرق بينهما.
4- حق التشريع من التحليل والتحريم والأمر والنهي من خصائص الربوبية، وهذا الحق غير ممنوح لأحد من الخلق لا فرد ولا حزب ولا برلمان ولا هيئة من الهيئات، فمصدر الحكم هو الله وحده، ولذلك بين الله سبحانه، أن طاعة المشرعين بمثابة اتخاذهم أرباباً من دون الله.
5- أن الإنسان - في الغالب - لا يعدل عن شرع الله فيختار شرعاً مخالفاً بشكل عام، إلا باعتقاد أن غيره أحسن أو أكمل أو مساو له وبذلك ندرك أن التشريع - وإن كان كفراً عملياً ظاهراً، من حيث إنه يقع بالجوارح الظاهرة، ومناط التكفير فيه هو الظاهر - إلا أنه في الحقيقة لابد وأن يرجع، أو يقترن بناقض اعتقادي من عدم الرضى والقبول لحكم الله أو تجويز الحكم بغيره، أو اعتقاد أن غيره أحسن منه ونحو ذلك.
خلاصة هذا المبحث(1/431)
إن جميع النواقض القولية والعملية الظاهرة، من السب والتنقيص للرسول صلى الله عليه وسلم، أو السخرية بالدين، أو الامتناع والإعراض أو الذبح والنذر، أو الحكم بتشريع يخالف شرع الله وغيرها، كل هذه النواقض، حقيقتها وأصلها يرجح إلى ناقض قلبي ولابد، إما شرك في النية والإخلاص أو تكذيب واستحلال، أو عدم القبول والتسليم، أو شرك في المحبة والطاعة ونحو ذلك ويستثنى من ذلك التكفير بترك الأركان الأربعة وخاصة الصلاة )1430 ) عند من يرجح تكفير تاركها تهاوناً وكسلاً، لأنه لا يلزم من الترك كسلاً الجحود التكذيب أو الامتناع وعدم القبول، أما من لم يكفر التارك كسلاً، وإنما يكفر الجاحد فقط، أو الجاحد والممتنع المصر على الترك مطلقاً أو غالباً، باعتبار الترك مطلقاً دليل على عدم التصديق، فترجيحه هذا يقتضي عدم وجود كفر عملي ناقل عن الملة دون أن يقترن بكفر اعتقادي.(1/432)
لذلك ذهب بعض أهل العلم إلى قصر الكفر المخرج من الملة بالكفر الاعتقادي، يقول الشيخ حافظ حكمي - رحمه الله -: "... الكفر كفران: كفر أكبر يخرج من الإيمان بالكلية، وهو الكفر الاعتقادي المنافي لقول القلب وعمله أو لأحدهما، وكفر أصغر ينافي كمال الإيمان، ولا ينافي مطلقة، وهو الكفر العملي الذي لا يناقض قول القلب ولا عمله ولا يستلزم ذلك" )1431 ) ثم ذكر تساؤلاً يرد على هذا الكلام وأجاب عنه فقال: "إذ قيل لنا هل السجود للصنم والاستهانة بالكتاب، وسب الرسول، والهزل بالدين، ونحو ذلك، هذا كله من الكفر العملي فيما يظهر، فلم كان مخرجاً من الدين وقد عرفتم الكفر الأصغر بالعملي؟ الجواب: أعلم أن هذه الأربعة وما شاكلها ليست هي من الكفر العملي إلا من جهة كونها واقعة بعمل الجوارح فيما يظهر للناس، ولكنها لا تقع إلا مع ذهاب عمل القلب من نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده لا يبقى معها شيء من ذلك، فهي وإن كانت عملية في الظاهر فإنها مستلزمة للكفر الاعتقادي ولابد، ولم تكن هذه لتقع إلا من منافق مارق أو معاند مارد... ونحن لم نعرف الكفر الأصغر بالعملي مطلقاً، بل بالعملي المحض الذي لا يستلزم الاعتقاد ولم يناقض قول القلب ولا عمله" )1432 )، وهذا الكلام لا يعارض ما ذكرنا من أن النواقض الاعتقادية أصل النواقض، وأن النواقض العملية تستلزم الاعتقادية ولابد، لكن لابد من ملاحظة ما يلي:
أ- استثناء "مسألة الصلاة" على قول من يكفر التارك كسلاً حتى لو ترك وقتاً أو وقتين باعتبار أن ذلك كفر عملي محض (أي لا يرتبط بناقض اعتقادي في هذه الحالة).
ب- ملاحظة، أن الكفر العملي وإن استلزم الاعتقاد إلا أن مناط التكفير به هو العمل، وليس الاعتقاد والأصوب والأدق أن ينقسم الكفر إلى:
أ- كفر اعتقادي يناقض قول القلب وعمله أو أحدهما.(1/433)
ب- كفر عملي يستلزم الاعتقادي، وهذان القسمان وضعهما الشيخ حافظ - رحمه الله - قسماً واحداً ووضعهما الإمام ابن القيم - رحمه الله - وغيره قسمين )1433 )
ج- كفر عملي محض، وهو غير مخرج من الملة، باستثناء الخلاف في الأركان والصلاة خاصة والله أعلم.
وأخيراً يجب أن نعلم بأن ما سبق، هو قاعدة عامة وحكم عام، أما تطبيق ذلك على الأعيان، فيقتضي النظر في شروط التكفير وموانعه، فقد يتلبس بكفر ظاهر، ولكنه في الباطن متأول، أو جاهل جهلاً يعذر فيه )1434 ).
الخاتمة
وبعد هذه المباحث المختلفة حول "نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير" يمكن أن نلخص أهم ما بحث بالنقاط التالية:
1- بعد المقدمة حول أهمية الموضوع وأسباب اختياره، تم في التمهيد التعريف بأهل السنة والجماعة، متى نشأ هذا المصطلح، وأصله الشرعي، واستعمالات الأئمة له، ثم أشرنا إلى استعمال بعض المبتدعة لهذا المصطلح وان ذلك لا يغير من حقيقة ابتداعهم شيئاً، ولا يمنع أهل السنة من استعمال هذا المصطلح.
2- وبعد ذلك تم إيضاح موقف أهل السنة من المبتدعة "إجمالاً"، حيث حذروا من مجالستهم ومناظرتهم وأمروا بهجرهم وبنوا ذلك على ضوابط ومصالح شرعية، تمت الإشارة إليها.
3- ثم أشير في التمهيد إلى أبرز الانحرافات في الموضوع، وأهم المراجع التي بحثت فيه.
4- وفي الباب الأول تم بحث مفهوم الإيمان عند أهل السنة وفيه بيان النقاط التالية:
أ- أنه قول وعمل، والقول يشمل قول اللسان، والعمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح، ثم الأدلة على دخول العمل في مسمى الإيمان.
ب- العلاقة بين مسمى الإسلام والإيمان، وأن الراجح من أقوال أهل السنة أن مسماهما مختلف بحسب الاقتران والافتراق.
ج- أدلتهم على الزيادة والنقصان، ومجالات ذلك، ثم بيان مراتب الإيمان، وتعريف كل مرتبة.(1/434)
ه-- أيضاً تم بحث موقف أهل السنة من أهل المعاصي وأدلتهم على ذلك، وخلاصة مذهبهم في ذلك: أنهم مجمعون على عدم كفر مرتكب الكبيرة، ما لم يستحلها، وأنهم في الآخرة تحت المشيئة - ما لم يتوبوا - وأنهم لا يخلدون في النار إن دخلوها.
5- وبعد بيان مفهوم الإيمان عند أهل السنة، عرضت لمفهوم الإيمان عند الوعيدية (الخوارج والمعتزلة)، والمرجئة (ويمثلهم الأشاعرة والماتريدية)، وموقفهم من الزيادة والنقصان ومن نصوص الوعد والوعيد، وحكم أهل الكبائر عندهم، فنقلت من مراجعهم المعتمدة لديهم مذهب في ذلك، ثم رد أهل السنة على شبههم، ومن أهم نتائج هذا المبحث:
أ- بيان التشابه بين مذهبي الأباضية والمعتزلة في هذا الباب.
ب- بيان انحراف الأشاعرة والماتريدية في هذا الباب، وان مذهبهم في الإيمان هو مذهب المرجئة المتكلمين.
6- وفي الباب الثاني: تم بحث ضوابط التكفير وموانعه، ففي الفصل الأول: إشارة إلى الضوابط العامة عند أهل السنة، ومنها، أن الحكم على الناس بظواهرهم وأدلة ذلك، والاحتياط في تكفير المعين، فلا يكفرون إلا من قامت عليه الحجة.(1/435)
7- وفي الفصل الثاني: إشارة إلى موانع التكفير، ومن أهمها - الجهل - وقد أطلت فيه لأهميته وكثرة مباحثه وتشعباته، فقد عرضت بالتفصيل للأدلة من الكتاب والسنة، وبعض المسائل المهمة المتعلقة بالموضوع، ثم أقوال الأئمة في المسألة، وبيان مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبدالوهاب، وأئمة الدعوة رحمهم الله، وخلاصة ما وصلت إليه في هذا المبحث: أن حديث العهد بإسلام، أو من نشأ ببادية بعيدة ومن في حكمهم - مثل أن ينشأ في بيئة ينتشر فيها الشرك، ويقل فيها الدعاة إلى التوحيد - يعذر بجهل الأحكام الظاهرة المتواترة من الواجبات والمحرمات، وكذلك في أصول العقائد، ومنها مسألة التوحيد والشرك ولا فرق، أما من أنكر شيئاً من ذلك في دار إسلام وعلم فإنه يكفر بمجرد ذلك إلا أن تكون المسألة خفيه أو لا تعرف إلا عند الخاصة.
8- ومن موانع التكفير، الخطأ، وخلاصة ما وصلت إليه في مبحث الخطأ من خلال الأدلة من الكتاب والسنة أن حكم المخطيء حكم الجاهل والمتأول - فلا يكفر: إلا بعد قيام الحجة - وأنه إن كان مجتهداً فما يسوغ فيه الاجتهاد فله أجر اجتهاده، وأنه لا فرق في ذلك بين العقائد والأحكام والله أعلم.
9- ومن الموانع التأويل، وتم فيه بيان أدلة العذر به، وحدود التأويل الذي يعذر صاحبه والذي لا يعذر وموقف السلف من المتأولين، ومسألة التكفير باللازم.
10- وفي الباب الأخير، بحثت النواقض الاعتقادية وقسمتها إلى قسمين، فمنها ما يناقض قول القلب ومنها ما يناقض عمله ومن أبرز ما يناقض قول القلب:
أ- كفر الجحود أو الاستحلال أو التكذيب لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وخلاصة مذهب أهل السنة في ذلك، أن من أنكر أو جحد أو كذب خبراً من الأخبار الظاهرة المتواترة - سواء كان هذا الحكم واجباً أو محرماً أو مستحباً فإنه يكفر، ومثله من استحل محرماً من المحرمات الظاهرة المتواترة سواء كان هذا المحرم من الصغائر أو الكبائر.(1/436)
ب- ومن ذلك الاعتقاد بأن بعض الناس لا يجب عليهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم حيث أشتهر هذا المعتقد عند غلاة الصوفية والباطنية، فنقلت كلامهم في ذلك من مصادرهم، ثم رد أهل السنة على ذلك وإجماعهم على كفر من اعتقد هذا الاعتقاد.
ج- ومن ذلك - الشرك في الربوبية - ويوجد هذا الانحراف لدى غلاة الصوفية والرافضة حيث يعتقدون في أئمتهم وأوليائهم، أنهم يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الخلق ونحو ذلك، وقد نقلت من مصادرهم ما يدل على اعتقادهم هذا، ثم بينت موقف أهل السنة من هذه الضلالات.
أما النواقض المنافية لعمل القلب فمن أبرزها:
أ- الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، وبحثت فيه مفهوم الإعراض وصوره، وما هو الإعراض المكفر، وحكم ترك العمل والتولي عن الطاعة وكلام السلف في ذلك، وعلاقة ذلك بمفهومهم للإيمان، ثم بينت مذهب السلف في حكم ترك الأركان الأربعة.
ب- النفاق الاعتقادي، وقد بحثت فيه أنواع النفاق، ثم النفاق الاعتقادي وأحكامه، وإيضاح بعض هذه الأقسام وأدلتها ومن ذلك:
1…- أذى الرسول صلى الله عليه وسلم أو عيبه ولمزه.
2- المسرة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو الكراهية لانتصار دينه.
ج- ومما يناقض عمل القلب كفر الإباء والاستكبار والامتناع، وذكرت فيه إجماع العلماء على قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة وأهم أدلتهم على ذلك، وهل يلزم من قتال الطائفة الممتنعة كفرها؟، وفي آخر الفقرة بيان الفرق بين الفرد والطائفة في ذلك، وأن الصحيح أن الفرد الممتنع لا يكفر والله أعلم.(1/437)
11- وفي الفصل الأخير، بيان العلاقة بين النواقض الاعتقادية وغيرها من النواقض، وأن جميع النواقض القولية والعملية الظاهرة، من السب والتنقيص للرسول صلى الله عليه وسلم، أو السخرية بالدين، أو الحكم بتشريع يخالف شرع الله وغيرها، كل هذه النواقض حقيقتها وأصلها يرجع إلى ناقض قلبي ولابد، وفي أثناء ذلك وقفت وقفة بينت فيها كلام الأئمة في حكم تحكيم القوانين الوضعية، وعلاقة ذلك بالجانب الاعتقادي.
وفي الختام أسأل الله عز وجل الإخلاص والتوفيق والسداد في سائر الأقوال والأعمال، وأعوذ به من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) جامع العلوم والحكم 29.
(*) تمت مناقشة الرسالة في 9/11/1414 ه- وحصل الباحث على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى.
(1) اجتهد بعض الباحثين في تتبع معاني السنة ومرادفاتها، ومن أوسع الدراسات في ذلك ما كتبه الشيخ عبد الرحمن المحمود في ( موقف ابن تيمية من الأشاعرة )) 1/4-38، وما كتبه الشيخ ناصر العقل في رسالة مستقلة بعنوان (( مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة ))، وما كتبه د. ناصر القفاري في مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة 1/23- 47، وانظر (( معالم الانطلاقة الكبرى )) لمحمد المصري 43- 60 وغيرها، وإلى هؤلاء رجعت في هذه الفقرة.
(2) رواه اللالكائي في شرح أصول أهل السنة رقم 49.
(3) انظر نصا مقارباً في اللالكائي رقم 51 وأبي نعيم في الحلية 8/104.
(1) كشف الكربة 11 - 12.
(2) تلبس إبليس لابن الجوزي 16، وانظر الفصل لابن حزم 2/107.
(3) رواه مسلم في مقدمة صحيحة ص 15.
(1) الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبد البر 35.
(2) منهاج السنة 2/601 ،602 وانظر نصا مشابهاً في درء التعارض 5/605.(1/438)
(3) في هذا الباب رسالة قيمة جمع للنصوص الواردة في ذلك، وعنوانها (( وجوب لزوم الجماعة وذم التفرق )) د. جمال بن أحمد بادي، انظر ص 15 - 117.
(4) الاعتصام 2/260 -265.
(1) موقف ابن تيمية من الأشاعرة 1/17.
(2) الحوادث والبدع لأبي شامة، 22.
(3) مجموع الفتاوي 3/175، ويقول أيضاً : ( والبدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال : أهل السنة والجماعة، كما يقال : أهل البدعة والفرقة ....) الاستقامة 1/42.
(4) سورة آل عمران، آية : 106.
(1) رواه اللالكائى 1/72، وابن بطة في الشرح والإبانة 137، ونسبة السيوطي إلى الخطيب في تاريخه وابن أبي حاتم، الدر المنثور 2/63.
(2) رواه اللالكائي في شرح السنة 1/64، وابن الجوزي في تلبيس إبليس 9.
(3) عمرو بن قيس الملائي : روى عن أبي اسحاق السبعي والمنهال بن عمرو وغيرهم وروى عنه الثوري وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهم، ثقة متقن عابد، مات في سجستان سنة 146 ه- انظر تهذيب التهذيب 8/92/93 والتقريب 2/77.
(4) رواه ابن بطة في الإبانة 1/205، 206.
(5) انظر على سبيل المثال فهارس بعض كتبه، ففيها عشرات الاستعمال لهذا المصطلح، منهاج السنة 9/409، درء التعارض 11/285، الاستقامة 2/449، فقد ورد (( مصطلح أهل السنة والجماعة )) في هذا الكتب أربعاً وتسعين مرة، وأما مصطلح (( أهل السنة )) فأضعاف ذلك، وانظر نصوصاً أخري في (( معالم الانطلاقة )) 65- 164، وقد استعمله الأئمة قبله كما في هذه النصوص، وقد سمى الإمام اللالكائي كتابه (( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ))، وانظر الشريعة للآجري 62، واللالكائي 1/183، والطحاوى كما في شرح الطحاوية - 43، وتلبس إبليس 5 والتمهيد لابن عبد البر 4/242 وتفسير ابن كثير 4/234 وغيرها.(1/439)
(1) هو محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الملقب بمرتضى، ولد بالهند سنة 1145 ه-، ومنشأة في زبيد باليمن، علامة باللغة والحديث له مصنفات كثيرة من أشهرها (( تاج العروس في شرح القاموس )) عشرة مجلدات و(( إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين )) عشر مجلدات، توفي بمصر سنة 1205 ه-، انظر الأعلام 7/70.
(2) إتحاق السادة المتقين 2/6.
(3) الروضة البهية لأبي عذبه 3.
(4) المواقف 429.
(5) تبسيط العقائد الإسلامية 229 ،وانظر التبصير في أصول الدين 153، والتمهيد للنسفي 2،والفرق بين الفرق 323،واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى 15 وغيرهم.
(1) انظر - على سبيل المثال - رسالة الشيخ سفر الحوالي " منهج الأشاعرة في العقيدة "
(2) شرح اعتقاد أهل السنة اللالكائي 1/241
(3) رواه الدارمي في سننه رقم 407 وابن بطة في الإبانة ص 444 واللالكائى في شرح أصول أهل السنة رقم 240 وابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/96، وابن وضاح ص 47، عن الحسن وابن سيرين.
(4) رواه اللالكائي في شرح أصول السنة رقم 260، والآجري في الشريعة 1/64.
(5) هو عبد الله بن زيد بن عمرو أبو قلابة الجرمي روى عن جمع من الصحابة منهم أنس بن مالك، ومالك بن الحويرث، وسمرة بن جندب وغيرهم، وروى عنه أيوب السخيتاني ويحيى بن أبي كثير وغيرهما، قال عمر بن عبد العزيز : لن تزالوا بخير يا أهل الشام مادام فيكم هذا،
وقال أيوب : كان والله من الفقهاء ذوي الألباب، كان يرسل، توفي بالشام سنة 104 ه- روى له أصحاب الكتب الستة، انظر التهذيب 5/224 - 226، والتقريب 1/417.
(1) رواه اللالكائي رقم 244، وعبد الله بن أحمد في السنة 18، والدارمي رقم 397، والبيهقي في الاعتقاد 238، وابن بطه في الإبانة 2/435 والآجري في الشريعة ص 56، وابن وضاح 48
(2) عقيدة أصحاب الحديث ص 100
(3) عقيدة أصحاب الحديث 112
(4) انظر رسالة " هجر المبتدع " للشيخ بكر أبو زيد ص 32
(5) شرح السنة 1/226 - 227(1/440)
(1) الاعتصام 1/172، وانظر 146 من الكتاب نفسه
(2) المرجع السابق 1/174
(3) هجر المبتدع 45
(4) انظر في هذه الفقرة والتي قبلها در التعارض 2/101-103، 8/275 منهاج السنة 2/242، الفرقان بين الحق والباطل 63 - 64، نقض تأسيس الجهمية 2/87، مجموع الفتاوى 13/99 وغيرها كثير
(1) الشريعة 62
(2) جامع بيان العلم وفضله 2/95
(1) الاعتصام 1/175 - 177
(2) مجموع الفتاوى 28 /207,206 وانظر 212 من الكتاب نفسه
(1) مجموع الفتاوى 24 / 175، وانظر 35 / 411
(2) في الأصل " لا " وهو خطأ
(3) مجموع الفتاوى 28 / 209
(4) نفسه 35 / 414
(4) نفسه 35 / 414
(5) نفسه 24 / 172، وانظر 4 / 425
(1) هجر المبتدع 41، ولبيان مواقف السلف من المبتدعة انظر الاعتصام 1/167 - 177، والإبانة لابن بطة 2/429 - 482، شرح السنة للبغوي 1/210 - 230، شرح أصول الاعتقاد اللالكائي 1/114 - 150 الشريعة للآجري 54 - 66، والاعتقاد للبيهقي 236 - 239، البدع والنهي عنها لابن وضاح القرطبي 47 - 53، وانظر نصوصاً لشيخ الإسلام في هذا الأمر في معالم الانطلاقة الكبرى 149 - 164، وانظر تفصيلاً جيداً لأحكام المبتدعة وحالاتهم في كتاب حقيقة البدعة وأحكامها لسعيد بن ناصر الغامدي 2/223 - 374 وهو من أفضل الكتب المعاصرة عن البدعة وأحكامها وانظر، رسالة الشيخ بكر أبو زيد (( هجر المبتدع )) فهي رغم صغر حجمها متميزة في بابها.
(2) السيل الجرار 4/578.
(1) الدرر السنية 8/217.
(3) انظر تعظيم قدر الصلاة 341-870.
(3) انظر بعضها في مقدمة كتاب الإيمان للحافظ محمد بن يحيى العدني (ت 243) تحقيق حمد حمدي الحربي ص 14.
(3) ستأتي الإشارة إلى هذه الكتب حين بحث هذه الضوابط.
(1) وهي تتكامل مع هذه الرسالة، وقد طبعت في دار الوطن للنشر بالرياض
(2) يمكن أن يكون الإنكار باللسان، ويمكن أن يكون بالقلب
(3) انظر أمثلة لهذه الكتب في رسالة التكفير والمكفرات 1/40-52
(1) سورة قريش، آية 5(1/441)
(2) رواه مسلم في " فضائل الصحابة " باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم - أمان لأصحابه..." رقم 2531
(3) ابن الأثير : مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد الشيباني الجزري، ولد سنة 544 ه- في جزيرة ابن عمر - بلدة فوق الموصل - وقد جمع بين علم العربية والقرآن والحديث والفقه، وصنف تصانيف مفيدة من أشهرها " جامع الأصول " " والنهاية في غريب الحديث" توفى في الموصل سنة 606 ه- انظر مقدمة جامع الأصول للشيخ عبد القادر الأرناؤط
(4) النهاية في غريب الحديث والأثر 1/69 - 71
(5) سورة البقرة، آية 125
(6) سورة التين آية : 3
(7) سورة الدخان، آية 51
(1) سورة التوبة، آية 12
(2) انظر تفسير الطبري (تحقيق شاكر) 14/157
(3) رواه أبو داود في الصلاة "باب ما يجب على المؤذن " رقم 517، والترمذي في الصلاة " باب ما جاء أن الإمام هنا من ..." رقم 207 والإمام أحمد في المسند 2/377، 378، 419، 514 وغيرهم، صححه الإمام الشوكاني في نيل الأوطار 1/334، والشيخ الألباني في الإرواء، وأحمد شاكر في تحقيقه للمسند، وانظر طرقاً أخرى للحديث في سنن الترمذي ( تحقيق شاكر ) 1/450 وإرواء الغليل 1/231 - 235
(4) النهاية في غريب الحديث والأثير 1/69، 71
(5) سورة يوسف، آية 17.
(*) الزجاج : هو إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج : عالم بالنحو واللغة ولد ببغداد سنة 241ه-، له كتب كثيرة (( معانى القرآن ))، (( وإعراب القرآن )) في ثلاثة أجزاء، توفي ببغداد سنة 311 ه-، تاريخ بغداد 6/89، وفيات الأعيان 1/11 .
(1) سورة الأحزاب، آية : 72.
(2) لسان العرب 13/24.
(3) التوبة، آية : 61.
(4) البقرة، آية : 136.
(5) البقرة، آية : 75 .
(6) رواه البخاري : كتاب الاستئذان (( باب زنا الجوارح دون الفرج )) رقم 6343. ومسلم : كتاب القدر (( باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا )) رقم 2657.(1/442)
(**) إسماعيل بن حماد الجوهري من أئمة اللغة، أشهر كتبه (( الصحاح )) مات في نيسابور سنة 393 ه-. الأعلام 1/313 .
(1)الصحاح مادة صدق.
(2) الإيمان 276، وراجع الإيمان الأوسط 71.
(3) الإيمان 277، وانظر في معنى الإيمان لغة، لسان العرب 13/21 - 27، والقاموس المحيط 4/197، مختار الصحاح 26 النهاية لابن الأثير 1/69، الصحاح للجوهري، والمختار من كنوز السنة، د. محمد عبد الله دراز رحمه الله ص 57.
(1) مسلم بشرح النووي 1/146.
(2) شرح السنة 1/38، 39.
(3) وسيأتي إن شاء الله مناقشة رأيهم هذا.
(4) التمهيد 9/238 وراجع 243 منه.
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 5/886.
(*) الإمام اللالكائي : أبو القاسم، هبة الله بن الحسن بن منصور الطبرى اللالكائي، درس فقه الشافعي على أبي حامد الإسفرائيني، وروى عنه، الخطيب البغدادي وغيره له مصنفات من أشهرها (( شرح أصول اعتقاد أهل السنة )) وهو من أجمع الكتب في عرض أصول أهل السنة والآثار عن السلف في ذلك، توفي سنة 418 ه-، انظر سير أعلام النبلاء 17/419، تاريخ بغداد 14/70.
(1) نفسه، وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح 1/47.
(*) عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري المعروف بابن بطة، ولد سنة 304 ه- سمع من إسماعيل الوراق، وأبي القاسم الخرقي، وأبو بكر عبد العزيز وغيرهم، صاحب زهد وعبادة وكان أماراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، له مصنفات كثيرة من أشهرها وأعظمها (( الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية )) يعد من كبار الحنابلة، توفي سنة 387 ه- انظر المنهج الأحمد 2/81 - 85 وطبقات الحنابلة 2/144 وتاريخ بغداد 10/3721.
(2) انظر الإيمان لابن تيمية 163، والإيمان الأوسط 47، 48.
(1) الصلاة وحكم تاركها لابن القيم ص 54.
(1) سورة الحجرات، آية : 14
(2) سورة الحشرات آية : 7
(3) سورة المجادلة، آية : 22
(4) سورة النحل، آية : 106(1/443)
(5) رواه أحمد 4/420، 421 وأبو داود في كتاب الأدبة " باب في الغيبة " رقم 488، والترمذي كتاب البر والصلة "" باب ما جاء تعظيم المؤمن رقم 2032 وصححه الألباني في صحيح الجامع 6/308
(1) الجنيد بن محمد البغدادي، شيخ مذهب الصوفية، له عدة رسائل في التوحيد والوعظ توفي ببغداد سنة 297 ه- الأعلام 2/141
(2) متفق عليه، البخاري "الإيمان" باب فضل من استبرأ لدينه رقم 52، ومسلم، المساقاة " باب أخذ الحلال وترك الشبهات رقم 1599
(3) الإيمان 176 - 177
(4) الإيمان 361 وراجع الإيمان الأوسط 721
(1) الإيمان الأوسط 83
(*) هو أبو عبدالله محمد بن نصر بن الحجاج المروزي، ولد ببغداد سنة 202ه- توفي سنة 294ه- من كبار علماء الحديث، رحل كثيراً في طلب العلم، ومن أشهر شيوخه إسحاق بن راهويه، وابن أبي شيبة، وهناد، قال الخطيب : كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة، له تصانيف كثيرة في الفقه وفي نصرة مذهب السلف، من أشهرها " تعظيم قدر الصلاة " ونصفه حول مسائل الإيمان، " والسنة " حول حجية السنة، انظر ترجمة موسعة له في مقدمة كتاب تعظيم قدر الصلاة كتبها د. عبد الرحمن الفريوائى 1/15-64
(2) تعظيم قدر الصلاة 2/695، 696
(3) تعظيم قدر الصلاة 2/775، 776 ويلاحظ من هذا النقل، والذي قبله أنه لا فرق بين مفهومي التصديق، والمعرفة عند الإمام المروزي وكلاهما داخل تحت قول القلب.
(4) تعظيم قدر الصلاة 2/715، 716 .
(1) للاستزاده راجع الصارم المسلول / 520 - 525 .
(2) سورة الأعراف، آية : 12
(3) سورة ص، آية : 82
(4) سورة البقرة، آية : 89
(5) سورة البقرة، آية 146
(6) سورة البقرة، آية : 146
(7) انظر تعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/696، 698
(1) الإيمان 376
(2) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (فأراد أحمد بالتصديق أنه مع المعرفة به صار القل-ب مصدقا له، تابعاً له، محباً له، معظماً له .. وهذا أشبه بأن يحمل عليه كلام الإمام أحمد ) الإيمان 380(1/444)
(3) قال محقق " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " لم أجد جواب لما في السياق
(4) عند أبي حنيفة وأصحابه
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/849، 850
(1) الإيمان الأوسط ص 48
(2) الصلاة وحكم تاركها، 44، 45
(3) سورة الأنعام، أية : 33
(4) سورة النمل، آية : 14
(*)أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الشافعي، ولد في جرجان سنة 383ه-، من أشهر شيوخه أبو بكر القفال أخذ عنه الفقه الشافعي، وكان الحليمي من مجتهدي المذهب، وهو رئيس المحدثين والمتكلمين فيما وراء النهر وكان ذكياً مناظراً طويل الباع في الأدب والبيان، له تصانيف من أشهرها " المنهاج في شعب الإيمان " توفي سنة 403 ه- في بخارى، سير أعلام النبلاء 17/231 - 234 وانظر ترجمة موسعة في مقدمة كتابة المنهاج.
(1) لا فرق بين الأقرار باللسان، وقول اللسان عند التقييد، أما عند إطلاق لفظ الإقرار أو القول فيفهم من الإقرار إقرار اللسان ومن القول، قول القلب، وقد يقصد به قول اللسان
(2) سورة البقرة، آية : 136
(3) سورة البقرة، آية : 137
(1) المنهاج في شعب الإيمان 1/26
(2) سورة غافر، آية 84 - 85
(3) انظر المنهاج في شعب الإيمان 1/26
(4) متفق عليه البخاري كتاب الإيمان باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة رقم 25 ومسلم الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله رقم 22
(5) انظر المنهاج في شعب الإيمان 1/27
(6) متفق عليه وسيأتي الكلام عنه وعن ألفاظه، عند ذكر أدلة دخول العمل في مسمي الإيمان ص 50
(1) مسلم بشرح النووي 1/212
(2) مسلم بشرح النووي 1/149
(3) الإيمان 287
(4) الإيمان الأوسط 151
(5) الصارم المسلول 525 والمقصود بالقول هنا شهادة ألا إله إلا الله
قال الحافظ ابن حجر ( فأما القول المراد به النطق بالشهادتين ) فتح الباري 1/46 وهذا ليس حصراً لقول اللسان بالشهادتين وإنما الكلام عن القول الذي هو شرط في الإيمان(1/445)
(1) شرح العقيدة الطحاوية 382، وراجع الصلاة لابن القيم ففيه نص مشابه ص 53
(2) جامع العلوم والحكم 23
(3) رواه البخاري كتاب الإيمان " باب زيادة الإيمان ونقصانه " رقم 44 (الفتح 1/104)، ومسلم الإيمان " باب أدنى أهل الجنة منزلة " رقم 193
(4) الفتح 1/104
(5) رواه أحمد 5/236 ابن من الايمان 1/235
(6) رواه البخاري كتاب العلم باب من خص بالعلم قوماً دون قوم .." رقم 128 الفتح (226)
(7) صحيح مسلم بشرح النووي 1/224، كتاب الإيمان " باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً " رقم 27
(8) مسلم بشرح النووي 1/237 كتاب الإيمان " باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً " رقم 31
(1) سورة المنافقون، آية 1
(2) سورة المنافقون، آية 1
(3) سورة المنافقون، آية 1
(4) تعظيم قدرة الصلاة 2/707، 708
(5) المفهم على صحيح مسلم نقلاً من فتح المجيد ص 32
(6) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد 81
(1) نقلاً عن فتح المجيد 38
(1) سورة البقرة آية : 143
(2) الفتح 1/95
(3) المنهاج في شعب الإيمان 1/37 راجع الإيمان لابن منده 1/329 والجامع لشعب الإيمان للبيهقي 1/121
(4) سورة الأنفال، الآيات : 1 - 4
(5) سورة النور، آية 62 .
(1) راجع الإيمان لابن تيمية 14
(2) أخرجه البخاري في المغازي 8/84 ( من الفتح ) والتوحيد 13/527 من الفتح ومسلم في الإيمان 1/48
(3) شرح العقيدة الطحاوية 389
(4) رواه البخاري كتاب المظالم " باب النهب بغير إذن صاحبه " رقم 2475 ومسلم كتاب الإيمان " باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي " 2/41 ( شرح النووي )
(5) رواه ابن أبي شيبة في الإيمان رقم (7) وأحمد 3/135، 251 واللالكائي 5/924، ورواه أيضاً أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد 1/96 قال الألباني في حاشية الإيمان لابن أبي شيبة ( حديث صحيح وإسناده حسن ) ص 5
(1) جامع العلوم والحكم 25(1/446)
(2) رواه البخاري الأذان "باب وجوب القراءة ..." (الفتح) 2/199 ومسلم الصلاة " باب وجوب قراءة الفاتحة ..." رقم 394
(3) سبق تخريجه في الصفحة السابقة
(4) الإيمان 11، وراجع أيضاً 288 - 290، والإيمان الأوسط
(5) رواه مسلم كتاب الطهارة " باب فضل الوضوء " 1/223
(6) الإيمان لأبي عبيد ص 63، وحسنه الألباني
(7) رواه أحمد : 3/440، 438، وأبو داود السنة " باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه " رقم (4681) والترمذي صفة القيامة " باب 6 " وقال حديث حسن، رقم (2521) والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/405) واللالكائي في " شرح اعتقاد أهل السنة ( 5، 2، 9 ) والبيهقي في شعب الإيمان (1/127) وقد حسن إسناده الألباني كما في السلسلة الصحيحة 1/380 وانظر الكلام على طرقه وألفاظه في حاشية البيهقي، والمروزي والسلسلة
(1) المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 1/51(1/447)
(2) رواه مسلم في الإيمان ( باب عدد شعب الإيمان مسلم بشرح النووي 2/6 هكذا بالشك ورواه بالشك أيضاً أحمد 2/245 والنسائي في الإيمان ( ذكر شعب الإيمان ) 1/110، والترمذي في أبواب الإيمان باب استكمال الإيمان والزيادة والنقصان 7/2614 وابن ماجه في المقدمة، باب في الإيمان 1/57 وابن منده كتاب الإيمان 1/297 د وغيرهم وورد بلفظ (بضع وستون) بدون شك كما في صحيح البخاري (راجع الفتح 1/51) وكذلك بلفظ (بضع وستون) بدون شك كما في مسلم (راجع شرح النووي 2/3) وأبو داود 5/ رقم 4676 والترمذي 7/2614 والنسائى 8/110 لذلك اختلف أنظار العلماء في الترجيح بين الروايات فذهب البخاري وابن الصلاح والبيهقي وابن حجر إلى ترجيح (بضع وستون) لكونه المتيقن، ورجح الحليمي والقاضي عياض رواية (بضع وسبعون) لأنها زيادة ثقة والله أعلم راجع الاختلاف في روايات الحديث ووجوه الترجيح في مسلم بشرح النووي 2/3-5، وفتح الباري 1/52 وحاشية الجامع لشعب الإيمان للبيهقي 1/99، والإيمان لابن منده 1/295 - 298 وشرح السنة لللالكائي 5/905 - 909 مع الحاشية، وتعظيم قدر الصلاة للمروزي 1/425 - 429 وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم 1769
(1) راجع شرح أصول اعتقاد أهل السنة 5/911 - 940 ( وراجع كلام المحقق في الحاشية )
(2) انظر الإبانة لابن بطة 2/650 - 653
(3) ذكر ذلك في كتاب ( وصف الإيمان وشعبه) نقلاً عن النووي في شرح مسلم 2/504
(4) فتح الباري 1/52، 53
(2) نقلاً عن شرح النووي على مسلم 2/4(1/448)
(*) هو الإمام الحافظ اللغوي أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي، ولد سنة بضع عشرة وثلاث مائة، سمع من : أبي سعيد الأعرابي، وإسماعيل الصفار وأبي العباس الأصم وغيرهم وأخذ الفقه على مذهب الشافعي عن أبي بكر القفال، حدث عنه أبو عبد الله الحاكم وأبو حامد الإسفرائيني وغيرهم، من أشهر تصانيفه " غريب الحديث " " وشرح سنن أبي داود " توفي ببست سنة 388ه- انظر سير أعلام النبلاء 17/23 - 28
(3) معالم السنن، حاشية سنن أبي داود 5/56
(1) كتاب الصلاة 53 وانظر شرح الطحاوية 382
(1) انظر، شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/812، 815، مسلم بشرح النووي 1/144 - 146، الإيمان لابن تيمية 343، وجامع العلوم والحكم 26، والإيمان لابن منده 311.
(2) سورة الحجرات، آية : 14.
(1) وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما وإبراهيم النخعي وقتاده والحسن وابن سيرين والإمام أحمد وحماد بن زيد واختاره ابن جرير، انظر تفسير ابن كثير 4/234 والإيمان لابن تيمية 225.
(2) الإيمان 229، وراجع الإيمان الأوسط 19.
(3) سورة آل عمران، آية : 142.
(4) الإيمان 328، 239، وراجع ص 232 والإيمان الأوسط ص 19، شرح العقيدة الطحاوية 393.
(1) الإيمان 23، والأوسط 2، وشرح العقيدة الطحاوية 392.
(2) تفسير ابن كثير 4/234.
(3) رواه البخاري كتاب الإيمان (( باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة ...)) رقم 27. الفتح 1/79، ومسلم كتاب الإيمان (( باب تألف قلب من يخاف على إيمانه )) رقم 150، 180 ( شرح النووي ).
(4) شرح العقيدة الطحاوية 394.
(5) انظر الإيمان الأوسط 17، 18.
(1) سورة الأحزاب، الآيتان : 43- 44.
(2) سورة يونس، آية : 2.
(3) سورة الحديد، آية : 12.
(4) سورة التحريم، آية : 8.
(5) سورة البقرة، آية : 257.
(6) سورة التوبة : آية : 72.
(7) تعظيم قدر الصلاة 2/512، 513.
(8) سورة آل عمران، آية : 58.
(1) سورة آل عمران، آية : 19.
(2) سورة البقرة : آية : 130-132.(1/449)
(3) سورة النساء، آية : 125.
(4) سورة البقرة، آية : 12.
(5) سورة البقرة، آية : 62.
(6) الإيمان 246 - 248، وراجع أيضاً نصا مشابهاً 330 - 334 .
(1) سورة التوبة، آية : 72.
(2) الإيمان 395.
(3) مسند الإمام أحمد 4/114، قال الهيثمي : ( رواه أحمد والطبراني في الكبير بنحوه ورجاله ثقات ) مجمع الزوائد 1/59 وانظر شواهد للحديث في تعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/595 - 607.
(1) جامع العلوم والحكم ص 26 وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أحد عشر مثالاً لهذه القاعدة راجع الإيمان 152- 161، وراجع 340- 341.
(2) رواه البخاري، الإيمان باب سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم 50 الفتح 1/114، ومسلم الإيمان باب الإيمان والإسلام والإحسان .....) ( مسلم بشرح النووي 1/150-160 ).
(3) يقول ابن تيمية تعليقاً على ذلك ( ... وقوله : إن الحديث ذكر فيه أصل الإيمان وأصل الإسلام، قد يورد عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاب عن الإيمان والإسلام بما هو من جنس الجواب بالحد عن المحدود، فيكون ما ذكره مطابقاً لهما لا لأصليهما فقط، فالإيمان هو الإيمان بما ذكره باطناً وظاهراً، ولكن ما ذكره من الإيمان تضمن الإسلام، كما أن الإحسان تضمن الإيمان ) الإيمان 346.
(1) نقلاً عن شرح النووي على مسلم 1/148.
(2) الإيمان 6.
(3) الإيمان 341، 342، وراجع شرح الطحاوية 390 ( نفس النص تقريباً ) والاختلاف هنا حين الاقتران، وأما عند الإفراد فالمسلم الممدوح هو المؤمن الممدوح.
(1) شرح النووي على مسلم 145 وراجع جامع العلوم والحكم 27، وراجع كلاماً آخر للخطابي بنفس المعنى، أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري 1/160 - 161.
(2) الإيمان 249، 250.
(1) جامع العلوم والحكم 27 والحديث مشهور متفق عليه، البخارى، والإيمان 1 رقم 52 مسلم رقم 1599.
(2) انظر فتح الباري 1/55، 79، 114.
(3) التمهيد 9/247.
(4) التمهيد 9/250.
(5) فتح الباري 1/115.(1/450)
(6) الإيمان لابن تيمية 353.
(7) الإيمان لابن منده 321، 322، وقد نقل كلام المروزي دون الإشارة إليه راجع تعظيم قدر الصلاة 2/530.
(8) تزيد أوراق هذا الكتاب على الألف صفحة أكثر من نصفها حول مسائل الإيمان من ص 344 - 871 وللإمام المروزي كتاب الإيمان في حكم المفقود، راجع مقدمة تعظيم قدر الصلاة للدكتور عبد الرحمن الفريوائي 1/47، 48.
(1) سورة الذرايات، آية 35 - 48.
(2) التمهيد 9/247، 250.
(3) سورة الزمر، آية : 7.
(4) سورة المائدة، آية :3.
(5) سورة الزمر : آية : 22.
(6) سورة البقرة، آية : 128.
(7) سورة يوسف، آية : 101.
(8) سورة آل عمران، آية : 20.
(1) سورة البقرة، آية 136 - 137.
(2) تعظيم قدرة الصلاة 2/529 - 531، وراجع الإيمان لابن منده 321 - 322.
(3) سورة البينة، آية : 5 وبقية الآية ( حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ).
(4) سورة آل عمران، آية : 19.
(5) تعظيم قدر الصلاة 2/533، وانظر 1/344، 345، 2/714، 715، وراجع استدلال البخاري عند تبويبه لحديث جبريل عليه السلام، وتعليق ابن حجر عليه، الفتح 1/114.
(1) لعلها ( أهل ) لأن السياق يقتضيها.
(2) رواه البخاري في الإيمان (( باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال )) رقم الحديث 22، وانظر أطرافه في نفس الموقع ( فتح الباري 1/72 ).
(3) في الأصل (( الإيمان )) بدل النار، ولا شك أن ذلك خطأ لأنه يلزم منه الاضطراب في النص، ولعله خطأ طباعي أو سبق قلم.
(4) تعظيم قدر الصلاة 2/535، وراجع 2/536.
(1) سورة الجمعة، آية : 9.
(2) سورة البقرة، آية : 193 .
(3) سورة آل عمران، آية : 13.
(4) سورة المائدة، آية : 95.
(5) سورة النساء، آية : 92 .
(6) تعظيم قدر الصلاة 2/536 - 540، وحديث الجارية، رواه مسلم كتاب المساجد (( باب تحريم الكلام في الصلاة )) رقم 537.
(1) سبق تخريجه ص 48.
(2) تعظيم قدر الصلاة 2/576.
(3) سورة الحجرات، آية : 14.
(4) سبق تخريجه ص 56.(1/451)
(5) سورة الحجرات، آية : 14.
(6) سورة الجمعة، آية :3.
(1) أخرجه الطبري 26/90، وقال ابن تيمية ( هذا منقطع، سفيان، لم يدرك مجاهداً )، الإيمان 226 - 227.
(2) تعظيم قدر الصلاة 2/553 -555.
(3) سورة آل عمران، آية : 19.
(4) سورة آل عمران، آية : 19.
(5) سورة الذاريات، آية : 36.
(6) فتح الباري 1/79.
(1) سورة الكهف، آية 2-3.
(2) تعظيم قدر الصلاة 2/567 - 569.
(1) سورة الأنبياء، آية : 94.
(2) سورة طه، آية : 75.
(3) الإيمان لابن تيمية 316.
(4) تعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/528.
(1) لو قال : ليس شرطاً في الإسلام لكان أولى لأنه لم يرد في النصوص إطلاق الإسلام على التصديق ( أي قول القلب ) .
(2) شرح السنة للبغوي 1/10.
(3) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إذا قيل إن الإسلام والإيمان متلازمان، لم يلزم أن يكون أحدهما هو الآخر، كالروح والبدن، فلا يوجد عندنا روح حية إلا مع البدن، ولا يوجد بدن حي إلا مع الروح، وليس أحدهما الآخر )، الإيمان. 35، وراجع ص 313، 344، 349 من الكتاب نفسه.
(4) راجع هذه القاعدة وشرحها وأمثلة لها في الإيمان لابن تيمية 400 - 406.
(1) سورة النساء، آية : 3.
(2) سورة البقرة، آية : 23.
(3) سورة النساء، آية : 21.
(4) الإيمان 403.
(5) سورة المائدة، آية : 6.
(1) أي حكم الآخرة.
(2) الإيمان 404، 405.
(3) ص 70
(4) راجع رقم (5) من أدلة محمد بن نصر، وتعليقه على حديث " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن "
(1) راجع أدلة محمد بن نصر المروزي رقم (4)، (5) ورده على أدلة من يفرق رقم (2)
(2) انظر الإيمان لابن تيمية ص 197، 398.
(3) سورة الذاريات : 36.
(4) انظر تفسير ابن كثير 4/253.
(5) انظر الإيمان الأوسط ص 15، 16.
(1) سورة آل عمران، آية : 85.(1/452)
(2) قال ابن تيمية : (( فإن الإسلام من جنس الدين والعمل والطاعة والانقياد والخضوع ( عمل القلب والجوارح ) فمن ابتغى غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، والإيمان طمأنينة ويقين، أصله علم وتصديق ومعرفة، والدين تابع له ( أي الإسلام ) ))، الإيمان 361.
(1) الإيمان 392
(2) الإيمان 351 - 352 وانظر تفاصيل أخرى في الإيمان أيضاً 347 - 352 - 360 - 363 - 391 - 396
(3) انظر جامع العلوم والحكم 27
(1) تعظيم قدر الصلاة 2/715، 716، وراجع 2/695 - 697، وراجع القاعدة الأولى
(1) سورة الفتح، آية : 4
(2) سورة الأنفال، آية : 2
(3) سورة التوبة، آية : 124
(4) سورة المدثر، آية : 31
(1) سورة آل عمران، آية 173
(2) الفتح 1/47 .
* ابن بطال: أبو الحسن، علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبي له شرح البخاري، ينقل عنه الحافظ في الفتح كثيراً، توفي سنة 449ه-، الأعلام 4/285، شذرات الذهب 3/283.
(3) مسلم شرح النووي 1/146.
(4) صحيح البخاري، كتاب الإيمان " باب زيادة الإيمان ونقصانه " رقم 44 الفتح 1/103 وهناك رواية أخرى - من طريق أبي سعيد الخدري تحت باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال ) 1/72 .
(5) الفتح 1/73 .
(6) رواه مسلم (في الإيمان ) " باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان .." رقم 49، والترمذي 4/2173، وأبو داود رقم 1140، والنسائي 8/111 وابن ماجه رقم 4013.
(7) رواه مسلم كتاب الإيمان " باب رفع الأمانة والإيمان " رقم 143
(1) متفق عليه البخاري الإيمان " باب حب الرس-ول صلى الله عليه وسلم - من الإيمان " رقم 15 ومسلم الإيمان " باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم 44.
(2) سبق تخريجه ص 48.
(3) سبق تخريجه ص 48.
(4) مسلم بشرح النووي 2/41(1/453)
(5) أخرجه الإمام أحمد 2/527 وابن أبي شيبة في المصنف 8/328، 11/28 وفي الإيمان رقم 17 وأبو داود في السنة " باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه " رقم 4682، والترمذي في الرضاع " باب حق المرأة على زوجها " وقال حديث حسن صحيح رقم 162، والدارمي ص 719، والحاكم 1/3 وقال صحيح على شرط مسلم والبيهقي في الشعب 1/160 وابن حبان : 6/188، من طريق أبي هريرة رضي الله عنه، وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها في المسند 6/47، 99 وغيره وحسن الألباني طريق أبي هريرة كما في حاشية الإيمان لابن أبي شيبة، والسلسلة الصحيحة رقم 1/284
(6) المنهاج في شعب الإيمان 1/61
(1) رواه البخاري كتاب الحيض " باب ترك الحائض الصوم والصلاة " رقم 304، الفتح 1/345، 346 ومسلم في الإيمان باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، ( مسلم بشرح النووي 2/66)
(2) شرح السنة 1/39
(3) المنهاج 1/63
(*) الأسود بن هلال المحاربي، أبو سلام الكوفي مخضرم، ثقة جليل، مات سنة 84 ه- تقريب التهذيب 1/77، وتهذيب التهذيب 1/342
(4) رواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم، الفتح 1/45 ووصله أحمد وابن بطة في الإبانة 2/847 واللالكائي 5/943 بسندين، وابن أبي شيبة في الإيمان بسندين ص 35، وأبو = عبيد في الإيمان، رقم 20 بسند صحيح، قاله الحافظ في الفتح 1/48
(1) كذا في الفتح، والمعنى أنه لا يحمل على أصل الإيمان لكون معاذاً كان مؤمناً، وأي مؤمن لأنه من السابقين - رضوان الله عليهم أجمعين
(2) الفتح 1/48
(3) رواه الإمام أحمد في الإيمان، وابن بطة في الإبانة 2/846، والآجري 114، واللالكائي 5/942 قال ابن حجر إسناده صحيح، الفتح 1/48
(4) رواه الإمام أحمد في الإيمان وعنه ابنه عبد الله في السنة 74، 75 وابن بطه في الإبانة 2/843، وابن ماجه في الإيمان رقم 75، واللالكائي 5/944(1/454)
(5) رواه الإمام أحمد في الإيمان وعنه ابنه عبد الله في السنة 75 والآجري في الشريعة ص 111، وابن بطه في الإبانة 2/844 واللالكائي 5/945
(6) رواه ابن أبي شيبة في الإيمان رقم 10، وابن بطة في الإبانة 2/852 والآجري في الشريعة ص 118، والبيهقي في شعب الإيمان 1/197
(*) هو عمير بن قتادة بن سعد الليثي، صحابي، من مسلمي الفتح، استشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم انظر التهذيب 8/148، 149 التقريب 2/86
(1) رواه ابن أبي شيبة في الإيمان رقم 14 وأحمد في الإيمان وعنه عبد الله في السنة 75، 81، والآجري في الشريعة ص 411، وابن بطة في الإبانة 2/845 والبيهقي في الشعب 1/196
(2) الإيمان 211، وراجع آثارا أخرى عن الصحابة عند اللالكائي 5/941 - 950
(3) راجع على سبيل المثال آثارا عن السلف في ذلك عند اللالكائي 5/941 - 964، والإبانة لابن بطة 2/844 - 859 وغيرها
4) التمهيد لابن عبد البر 9/252، وأشار الإمام النووي إلى توقف الإمام مالك في بعض الروايات عن القول بالنقص انظر شرح النووي على مسلم 1/146
(1) الإيمان الأوسط 48، وراجع الإيمان ص 210
(2) رواه عبد الله بن أحمد في السنة 87، والآجري في الشريعة 117 واللالكائي 5/975، وابن عبد البر، التمهيد 9/252 من طريق سلمة بن شبيب قال أخبرنا عبد الرزاق
(3) شرح السنة لللالكائي 5/958
(4) الإبانة لابن بطة 2/813 وراجع رابعة عن عبد الرزاق، التمهيد 9/253
(5) رواه عبد الله بن أحمد في السنة 26 وأبو داود في مسائل الإمام أحمد 113 والآجري في الشريعة 118 واللالكائي 5/959
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 5/960
(2) الإبانة لابن بطة 2/814 - 826
(3) أشار إلى ذلك ابن تيمية في الإيمان الأوسط 48
(4) مسلم بشرح النووي 1/146
(1) راجع الجامع لشعب الإيمان 1/159
(2) سيأتي بيان ذلك عند مناقشة الفرق في مفهوم الإيمان(1/455)
(1) من المعلوم قطعاً أن طلب العلم مطلوب شرعاً، والعلم المفصل وكذلك العلم الذي يصحبه عمل أكمل وأتم وأفضل .
(2) جامع العلوم والحكم 28، وراجع المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 1/55
(3) مسلم بشرح النووي 1/148، 149 وراجع الفتح 1/46
(4) فتح الباري 1/70
(5) الإيمان الأوسط 107
(1) الإيمان الأوسط 106
(2) الفتح 1/103
(3) الإيمان 221
(4) راجع شرح ذلك في المختار من كنوز السنة، للدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله 77 - 82 وراجع مجالات أخرى من مجالات التفاضل في الإيمان 219 - 224 والإيمان الأوسط 104 - 110
(1) معالم السنن حاشية سنن أبي داود 5/56 وانظر أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري 1/242، 143
(2) الإيمان لأبي عبيد 75، 76
(1) أي بقاء اسم الإيمان وأصله دون حقيقته وكماله
(2) الإيمان لأبي عبيد 90، 91
(1) الإيمان ( 257 )، ( 258 ).
(2) مثله قوله - صلى الله عليه وسلم - ( لا إيمان لمن لا أمانة له ) ونحو ذلك.
(1) تعظيم قدر الصلاة 2/513.
(2) تعظيم قدر الصلاة 2/567.
(3) نقلاً عن مسلم شرح النووي 1/148 .
(4) الإيمان 334، وانظر نصوصاً أخرى في 398، 331، الأوسط 67.
(1) في الأصل (فما )، ولعل الصواب ما أثبت.
(2) الإيمان 337.
(3) يقول ابن تيمية ( لفظ الكمال قد يراد به الكمال الواجب، وقد يراد به الكمال المستحب ) الإيمان 186، وذلك يتضح بالقرائن.
(4) الإيمان الأوسط 59، راجع الإيمان ص 186.
(1) سورة فاطر، آية : 32.
(2) الإيمان لابن تيمية 342، وانظر الإيمان الأوسط 189.
(1) مدارج السالكين 1/342، وراجع الجواب الكافي 186.
(2) سورة النساء، آية : 31.
(3) تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرآن 5/158 ).
(4) فتح القدير 1/457، 458.
(5) سورة النجم، الآية : 32.
(1) سبق تخريجه ص 31.
(2) مدارج السالكين 1/343 - 345 وانظر تفسير ابن كثير 4/255، 256 .
(3) الفتاوى 11/659
(4) سورة الشورى آية : 37
(5) سورة الكهف، آية 49(1/456)
(6) سورة القمر، آية 53
(1) رواه مسلم كتاب الطهارة "باب فضل الوضوء... " من حديث أبي هريرة 3/117 ،118، وفي رواية "مالم تغش الكبائر "
(2) شرح النووي على مسلم 2/85
(3) رواه مسلم من حديث عثمان رضي الله عنه 3/112، كتاب الطهارة، "باب فضل الوضوء .."
(4) متفق عليه البخاري، كتاب الأدب "باب عقوق الوالدين من الكبائر " مسلم كتاب الإيمان ،" باب الكبائر وأكبرها" ،الفتح 10/405 ،مسلم بشرح النووي 2/282
(5) الزواجر عن اقتراف الكبائر 5
(1) انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر ص5
(2) انظر فتح الباري 10/409 ومسلم بشرح النووي 2/85
(3) سورة النساء، آية : 48
(4) سورة النساء، آية : 31
(5) سورة الشعراء، آية : 105
(6) نقلا عن فتح الباري 10/409، وانظر تفسير القرطبي 5/159
(7) أخرجه الطبري في تفسيره من طريقين 8/214 (شاكر)، والبيهقي في الجامع لشعب الإيمان = 2/92 ،وقال الهيثمي:رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات إلا أن الحسن مدلس وعنعنه (مجمع الزوائد 1/103) ونسبه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر (الدر المنثور 2/499) ،قال الحافظ في الفتح : ( أخرجه إسماعيل القاضي والطبري بسند صحيح على شرط الشيخين إلى ابن عباس ) الفتح 10/410
(1) شرح الطحاوية 419 وانظر مجموع الفتاوى 11/657
(2) سورة الكهف، آية : 49
(3) قال الحافظ في الفتح 10/410، عن هذا الأثر : (( وأخرج ( ابن أبي حاتم ) من وجه آخر متصل لا بأس برجاله "
(4) انظر فتح الباري 10/410
(1) الجامع لشعب الإيمان 2/94
(2) نقلاً عن الفتح 10/410
(3) الفتح 1/409
(4) نقلاً عن مسلم بشرح النووي 2/85
(1) استعرض هذه التعريفات وناقشها عدد من الأئمة منهم الإمام ابن تيمية، الفتاوى 11/650، 657، ابن حجر في الفتح 10/410، 411، 12/182، 184، الهيثمي في الزواجر 1/5 - 9، ابن كثير في التفسير 4/486، 487.
(2) نقلاً عن فتح الباري 12/184.
(3) فتح الباري 12/184.
(4) فتح الباري 12/183.(1/457)
(1) فتح الباري 12/184، وانظر الفتاوي لشيخ الإسلام ابن تيمية 11/657.
(2) مجموع الفتاوي 11/656.
(3) نقلاً عن فتح الباري 10/410.
(4) نقلاً عن الزواجر 1/7.
(5) انظر الزواجر 1/7.
(6) قواهد الأحكام 1/19.
(1) انظر الزواجر 1/8.
(2) تفسير الطبري ( تحقيق شاكر ) 8/253، وانظر تعريفات تشبه ما قاله الطبري معتمدة على بعض النصوص فمنهم من عرف الكبائر بأنها سبع أو تسع أو أربع ويورد النصوص المؤيدة لقوله، راجع 8/235 - 253.
(3) نقلاً عن مسلم بشرح النووي 2/85.
(4) نقلاً عن فتح الباري 10/410.
(1) انظر فتح الباري 10/411.
(2) انظر كتاب الكبائر 36.
(3) انظر مجموع الفتاوى 11/651 - 655 باختصار.
(4) انظر مجموع الفتاوى 11/654 - 655.
(1) سورة النساء، آية : 48
(2) سورة الأنفال، آية : 38
(1) أي معه أصل الإيمان
(2) تعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/617، وانظر الإيمان الأوسط 36، 37
1) ) رواه مسلم كتاب الإيمان " باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً " انظر شرح النووي 1/224
2) ) رواه البخاري اللباس " باب إرداف الرجل خلف الرج-ل " 10/397 ومسلم الإيمان : " باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً " رقم 30، 1/58، 59.
3) ) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء " باب فضل الذكر والدعاء ..." رقم 2687.
4) ) جامع العلوم والحكم 374، وراجع أحاديث أخرى في الموضوع، مسلم بشرح النووي 1/217 - 244 وفتح المجيد 39 - 64.
5) ) رواه مسلم، كتاب الإيمان " باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة " شرح النووي 2/93 - 94.
6) ) مسلم بشرح النووي 2/97.
7) ) رواه البخاري في عدة مواضع ( كتاب الإيمان ) " باب 18" ( الفتح 1/64 ) ومسلم، واللفظ له كتاب الحدود " باب الحدود كفارات لأهلها " 11/223 .
8) ) مسلم بشرح النووي 11/223 .
9) ) نفسه 11/224 وانظر الجامع لشعب الايمان للبيهقي 2/98.(1/458)
10) ) رجح جمهور العلماء أن الحدود كفارة لأهلها استناداً لهذا الحديث وغيره راجح مسلم شرح النووي 11/224، وفتح الباري 1/66 - 68 وجامع العلوم والحكم 161، 132
11) ) هذه هي الدلالة الثانية
12) ) سورة النساء، أية 48
13) ) تعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/616، 617
14) ) سورة الحجرات آية 9، 10
15) ) راجع فتح الباري 1/85 الإيمان الأوسط 24، شرح الطحاوية 361
16) ) سورة البقرة، آية : 178
17) ) زاد المسير 1/180
18) ) انظر مجموع الفتاوي 3/151.
19) ) رواه البخاري كتاب الحدود باب ما يكره من لعن شارب الخمر ......" 12/75 (الفتح)
20) ) فتح الباري 12/78 .
21) ) انظر مجموع الفتاوي 3/151.
(22) سورة الإسراء، آية : 33 .
(23) الإيمان لأبي عبيد 89 .
(24) الفتاوى 7/287، 288، وانظر الإيمان الأوسط 24 .
(25) شرح العقيدة الطحاوية 361 .
(26) الجامع لشعب الإيمان 2/110
(27) الإيمان الأوسط 28، الفرقان 37 .
(28) شرح العقيدة الطحاوية 258 .
(29) إيثار الحق على الخلق 295 .
(30) نفسه 286، وما بعدها .
(31) رواه البخاري كتاب الإيمان "باب زيادة الإيمان ونقصانه " 1/103 وانظر الحديث بطوله في البخاري كتاب التوحيد 13/392 ومسلم 3/59، كتاب الإيمان " باب الشفاعة " .
(32) رواه مسلم كتاب الإيمان " باب الشفاعة " 3/74 (النووي) .
(33) وفي رواية : ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة البخاري 11/417 .
(34) رواه البخاري كتاب التفسير " باب قول الله وعلم آدم السماء كلها " 8/160، الرقاق "باب صفة الجنة والنار" 11/417، ومسلم الإيمان " باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها " بعدة طرق عن أنس (شرح النووي 53 - 64 ) .
(35) قال النووي : ( الحيا هنا مقصور وهو المطر سمي حياً لأنه تحيا به الأرض ولذلك هذا الماء يحيا به هؤلاء المحترقون وتحدث فيهم النضارة كما يحدث ذلك المطر في الأرض والله أعلم) 3/37 .(1/459)
(36) رواه البخاري الإيمان "باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال " وانظر أطرافه في نفس الموضع 1/72 (الفتح) ومسلم 3/36 (نووي) الإيمان "إثبات الشفاعة ..."
(37) انظر أحاديث أخرى في ذلك، مسلم بشرح النووي 3/30 - 77، التوحيد لابن خزيمة 2/602 - 690، الاعتقاد للبيهقي 191 - 204، والجامع لشعب الإيمان للبيهقي 2/110 - 153 والإيمان لابن منده 758 - 854 وغيرها كثير .
(38) رواه البخاري (الفتح) 12/58، 59 رواه مسلم (بشرح النووي 2/42)وقد سبق تخريجه وانظر جمعاً لطرق الحديث في تعظيم قدر الصلاة للمروزي 1/487 - 505 وانظر أحاديث أخرى من هذا النوع في الإيمان لأبي عبيد 84، 85 .
(39) التمهيد لابن عبد البر 9/243، 244
(40) مسلم بشرح النووي 2/41 .
(41) تعظيم قدر الصلاة 2/576، وسبق في مبحث "مراتب الإيمان" بيان لشيء من ذلك ونقل مطول عن الإمام أبي عبيد في ذلك .
(42) انظر تفسيرات أخرى لحديث (لا يزني الزاني) لا تعارض ما سبق الفتح 12/59 - 62 .
(43) رواه مسلم كتاب الإيمان "باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من حمل علينا السلاح فليس منا " (شرح النووي ) 2/108 .
(44) جزء من حديث رواه مسلم الإيمان "باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من غشنا فليس منا " (شرح النووي 2/109 .
(45) الإيمان لأبي عبيد 92، 93، وانظر مسلم بشرح النووي 2/108 .
(46) رواه البخاري الإيمان "بابا خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر"، فتح 1/112 ومسلم الإيمان " باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - سباب المسلم فسوق .. " عن ابن مسعود. 2/54 (النووي) .
(47) رواه مسلم الإيمان " باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة " ( شرح النووي ) 2/5745 .(1/460)
(48) رواه أحمد 1/389، والبخاري في الأدب المفرد (909) وأبو داود (3910)، والترمذي (1614) وقال : "حسن صحيح "، وابن ماجه 3538 وغيرهم عن ابن مسعود انظر تفصيلاً لذلك في النهج السديد ص 162 وصححه العراقي في الفيض (4/294) وزيادة (ومامنا إلا ... ) مدرجة. انظر إيضاحاً لذلك في مفتاح دار السعادة 2/2334 "وفتح الباري" 10/213 .
(49) رواه أحمد (2/34، 86) وأبو داود (3251) والترمذي (1535) وحسنه، وانظر نصوصاً أخرى في الإيمان لأبي عبيد 86، 87، ومسلم بشرح النووي 2/49 - 62 .
(50) أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري للخطابي 178، 179، وانظر الإيمان لأبي عبيد 93 - 96 .
(51) سورة النساء، آية : 48 .
(52) فتح الباري 1/112 .
(53) سورة المائدة، أية : 44.
(54) انظر تفصيل لذلك في تعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/519 - 529، وكتاب الصلاة لابن القيم 26 - 3 .
(55) مسلم بشرح النووي 2/50 .
(56) نقلاً عن فتح الباري 1/83، وانظر تفصيلاً لذلك في رسالة التكفير والمكفرات لحسن العواجي 1/87 - 101 .
(57) سورة النساء، آية : 93 .
(58) رواه مسلم (الإيمان باب بيان تحريم إيذاء الجار) (مسلم بشرح النووي) 2/17 .
(59) رواه مسلم الإيمان (باب بيان حال من رغب عن أبيه ...) (بشرح النووي 2/52 )، وانظر أحاديث أخرى في هذا المعنى، التوحيد لابن حزيمة 2/858 - 867 .
(60) رواه مسلم (بشرح النووي 1/229) الإيمان (باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة )
(61) انظر المختار من كنوز السنة 95 .
(62) سورة الزمر، آية : 53 .
(63) تفسير الطبري (شاكر) 9/69، وانظر الأقوال في تفسير الآية 9/61 - 69 وانظر كلاماً قريباً من ذلك في التوحيد لابن حزيمة 2/869 .
(64) سورة النساء : 48، 116 .
(65) سورة النساء : 93 .
(66) في الأصل (وعد )والصحيح ما أثبتناه .
(67) الجامع لشعب الإيمان 2/103 .
(68) مسلم بشرح النووي 2/17 وانظر ص 2/52 .
(69) انظر المختار من كنوز السنة 94 .(1/461)
*…هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد أبو عثمان الصابوني، ولد سنة 372 ه-، قال الذهبي، كان شيخ خراسان في وقته، ومما قيل في وصفه أنه كان حافظاً كثير السماع والتصنيف، وكان سيف السنة وأفعى البدع اشتهر بالوعظ والتذكير، من أشهر مشايخه أبو بكر المقري وأبو المعالي الجويني وأبو عبد الله الحاكم، ومن أشهر تلامذته، أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم الخرقي توفي سنة 449 ه-، انظر مقدمة تحقيق رسالته (عقيدة السلف أصحاب الحديث) لبدر البدر، والبداية والنهاية 12/76، وشذرات 3/282 .
(70) عقيدة أهل الحديث للإمام الصابوني ص 60 .
(71) شرح السنة 1/103 .
(72) الشرح والإبانة 265 .
(73) شرح العقيدة الطحاوية 355 .
(74) المرجع السابق، ص 357 .
(75) المرجع السابق، ص 360، 361
(76) الوعيدية : ويقصد بهم من يغلبون جانب الخوف والوعيد على جانب الرجاء والوعد عند حكمهم على الكبيرة، وأبرز من يمثل مذهبهم الخوارج والمعتزلة، والزيدية والرافضة، وسأركز على نقل آراء المعتزلة والأباضية، لسببين : الأول : أن الزيدية والرافضة في عامة أبواب العقيدة - إلا في شئ من مسائل الإمامة - على مذهب المعتزلة (انظر العلم الشامخ 11/12)، الثاني: أن فرق الخوارج الأخرى لا يوجد لها كتب خاصة بها، ولهذا قال ابن حزم وهو يتحدث عن زمنه : (ولم يبق اليوم من فرق الخوارج إلا الأباضية والصفرية فقط) الفصل 4/190.(1/462)
(77) المعتزلة: سموا بذلك لاعتزال واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري بسبب خلافه معه في الموقف من مرتكب الكبيرة ،- وهم فرق عديدة، أوصلها بعض المصنفين في الفرق إلى عشرين، أشهر رجالهم واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل العلاف والجاحظ والجبائي والقاضي عبد الجبار وغيرهم، اشتهروا بالتنظير والجدل، وتقديم العقل على النقل، وعدم العناية بالسنة والحديث، واشتهروا بأصولهم الخمسة وهي التوحيد والعدل، والمنزلة بين المنزلتين والوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انظر شرح الأصول االخمسة للقاضي عبد الجبار، وانظر الفرق بين الفرق 114-201، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين، 28-42، والتبصير في الدين 63-95، مقالات الإسلاميين 155-278، المعتزلة وأصولهم الخمسة، عواد المعتق، رؤية نقدية للنظرية الاعتزالية، د. عبد الستار السيد، دراسة فلسفية لآراء الفرق (المعتزلة) د. أحمد صبحي، المعتزلة بين القديم والحديث، محمد العبده وطارق عبد الحليم، مذاهب الإسلاميين د. عبد الرحمن بدوي 1/37 - 484 وغيرها كثير .(1/463)
(78) الخوارج : ظهر الخوارج كجماعة بعد حادثة "التحكيم" حيث فارقوا الجماعة وانحازوا إلى حروراء، وأهم آرائهم تكفيرهم مرتكب الكبيرة والقول بتخليده في النار (على خلاف بينهم في ذلك كما سيأتي)، وتكفيرهم أصحاب الجمل، والحكمين وكل من رضي التحكيم، والخروج على السلطان الجائر، ومن أشهر فرقهم الأزارقة والنجدات والصفرية والأباضية وعن هذه الفرق تفرعت سائر فرقهم وهذه الفرق لا يوجد منها إلا الأباضية وبعض الجماعات التي نهجت نهج الخوارج كالتكفير والهجرة، والأباضية ينكرون صلتهم بالخوارج، ويرون أن مصنفي الفرق لم ينصفوهم، والحقيقة أن الأباضية تخلوا عن غلو الخوارج الأوائل في كفر مرتكب الكبيرة في الدنيا، ولكنهم خلدوه في النار في الآخرة كما أنهم تبنوا كثيراً من آراء المعتزلة (في الصفات، ونفي الرؤية، وخلق القرآن، والموقف من مرتكب الكبيرة، ومسألة الشفاعة ..) فهم في الواقع أقرب إلى المعتزلة منهم إلى الخوارج، انظر مقالات الإسلاميين 86-131، التبصير في الدين 45-62، الملل والنحل 1/114 - 136، دراسة عن الفرق د. أحمد جلي 51-108، الخوارج في العصر الأموي د. نايف معروف آراء الخوارج، د. عمار الطالبي، الأباضية د. صابر طعيمة، الأباضية بين الفرق الإسلامية على يحيى معمر، وغيرها .
(79) جامع أبي الحسن البسيوي 1/235.
(80) عبد الله بن حميد السالمي الأباضي : ولد سنة 1286 في عمان، من أبرز مشايخه، صالح بن علي الحارث، رحل إليه سنة 1308 ه- ولازمه حتى وفاته، أخذ عنه التفسير والحديث وأصول الفقه وأصول الدين والنحو والمنطق حتى أصبح من أبرز علماء بلده، له جهود وآراء إجتهادية، تخرج على يديه مجموعة من علماء السلطنة، يقول إبراهيم اطفيش : (لا نبالغ أذا قلنا أن رجال العلم االيوم في عمان جلهم من تلامذته)، له مصنفات كثيرة منها مشارق أنوار العقول، تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، انظر مقدمة مشارق أنوار العقول، 1/ 16 - 38 .(1/464)
(81) مشارق أنوار العقول 2/197.
(82) نفسه 2/304.
(83) مقالات الإسلاميين 110، وانظر الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 3/ 188، الإيمان لأبي عبيد 101/102 .
(84) القاضي عبد الجبار هو : عبد الجبار بن أحمد خليل الهمذاني، ولد في مدينة أسد أباد، وكان أشعرياً ثم تحول إلى مذهب الاعتزال بعد تعرفه على شيخ المعتزلة في البصرة أبو اسحاق بن عياش، ولي القضاء في دولة البويهيين سنة 367 ه-، توفي سنة 415 ه-، له تصانيف كثيرة من أهمها شرح الأصول الخمسة، المغني في أبواب التوحيد والعدل وغيرها. وتكاد كتبه أن تكون المصدر الرئيسي لدراسة فكر المعتزلة وآرائهم، انظر : تاريخ بغداد 11/113، الأعلام 3/273، مقدمة الأصول الخمسة، ومقدمة رسائل العدل والتوحيد .
(85) هو أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المتكلم المعتزلي ولد سنة 235ه- صاحب تصانيف كثيرة، تلميذه أبو الحسن الأشعري ثم خالفه وصنف في الرد عليه، توفي سنة 303ه-، وفيات الأعيان 3/399، مذاهب الإسلاميين 280- 329.
(86) هو: أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي محمد الجبائي ولد سنة 247ه- من كبار المعتزلة، له آراء انفرد بها وتبعته فرقة سميت البهشمية نسبة إلى كنيته "أبي هاشم" له مصنفات، انظر: تاريخ بغداد 11/55 الأعلام 4/ 7، مذاهب الإسلاميين 330-379 .
(87) هو : محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي، أبو الهذيل العلاف، من أئمة المعتزلة، ولد في البصرة سنة 135ه- له مناظرات، ومقالات في الاعتزال، توفي بسامرا سنة 235ه- انظر وفيات الأعيان 1/480، الأعلام 7/131، ومذاهب الإسلاميين 121 - 197.
(88) شرح الأصول الخمسة : 707، وانظر مقالات الإسلاميين، فقد ذكر الأشعري ستة أقوال للمعتزلة في الإيمان، حاصلها يرجع إلى ماذكره عبد الجبار،
(89) أصول الدين، 249
(90) أنظر الفصل لابن حزم 3/188، الموجز لأبي عمار عبد الكافي الأباضي 2/73 .
(91) جامع أبي الحسن البسيوي 1/237- 239 .(1/465)
(92) سبق تخريجه ص82.
(93) مشارق أنوار العقول 2/205- 206.
(94) نفسه 2/205.
(95) حاشية مشارق الأنوار 2/204 .
(96) سورة الأنفال، آية : 2.
(97) متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار 1/312.
(98) سيأتي بحث حكمهم على مرتكب الكبيرة مفصلاً .
(99) سورة الكهف، آية : 49.
(100) سورة القمر، آية : 53.
(101) سورة النجم، آية : 32.
(102) شرح الأصول الخمسة 633- 634.
(103) المختصر في أصول الدين، ضمن رسائل العدل والتوحيد 1/261.
(104) مقالات الإسلاميين 270، 271 .
(105) جعفر بن مبشر بن أحمد، أبو محمد الثقفي المتكلم، أحد المعتزلة البغداديين، له مصنفات وآراء انفرد بها، مات في بغداد سنة 234ه-، انظر تاريخ بغداد 7/162، الأعلام 2/126 .
(106) شرح الأصول الخمسة 632، وانظر أقوالهم في ذلك في مقالات الإسلاميين 271 .
(107) مشارق أنوار العقول 2/270.
(108) هو: خميس بن سعيد بن علي بن مسعود الثقفي، عاش في أواخر القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر، عاش في زمن سلطان بن سيف ثاني إمام اليعاربة، وكان عضداً ومساعداً له، له مصنفات أهمها منهاج الطالبين، في عشرين جزءاً، انظر مقدمة منهاج الطالبين .
(109) منهج الطالبين وبلاغ الراغبين 2/206، وانظر جامع البسيوني 206.
(110) سورة هود، آية : 114 .
(111) سورة النساء، آية: 31.
(112) مشارق أنوار العقول 2/273.
(113) انظر منهاج الطالبين 2/197، ومشارق الأنوار 2/278.
(114) مشارق الأنوار 2/203.
(115) الإيمان لأبي عبيد، 102، وانظر آراء أخرى للصفرية، التبصير في الدين للإسفراييني 53.
(116) الفصل 4/190، الفرق بين الفرق89.
(117) سبق بيان أدلة أهل السنة على ذلك بشكل مفصل في الفصل الثاني فليراجع .
(118) سنشير في آخر الفقرة إلى آراء فرق الخوارج في مرتكب الكبيرة.
(119) وقد صرح بذلك بعض علمائهم كما سيأتي .
(120) المؤمنون، آية : 1.
(121) سورة الأنفال، آية : 2.
(122) سورة النور، آية : 62.(1/466)
(123) سورة الفتح، آية : 29.
(124) شرح الأصول الخمسة 701- 702، وانظر بشكل موسع شرح القاضي لهذا الأصل (697-738) وانظر "الانتصار الرد على ابن الروندي" 164-167 لأبي الحسين الخياط المعتزلي .
(125) شرح الأصول 697 .
(126) انظر التبصير في الدين 65، والمنية والأمل المرتضى ص6، الفرق بين الفرق 115.
(127) النبوات لابن تيمية 134.
(128) مشارق الأنوار 2/202، 203، وانظر 304، فقد أشار إلى أن الخلاف مع المعتزلة في ذلك "لفظي" أما إشارته إلى أن جميع فرق الخوارج تقول بأن مرتكب الكبيرة كافر مشرك فغير دقيق، كما سنشير بعد ذلك إلى أقوالهم في المسألة .
(129) انظر مقالات الإسلاميين 86، التبصير 45، أصول الدين للبغدادي 250.
(130) الفصل 4/190، والفرق بين الفرق 89.
(131) التبصير 53، الفرق بين الفرق 91، فقد ذكروا هذه الفرق وأقوالها .
(132) الإيمان لأبي عبيد 102، والفرق بين الفرق 117.
(133) الفصل 4/190.
(134) الملل والنحل للشهرستاني 1/135.
(135) سورة ق، آية : 29.
(136) شرح الأصول الخمسة 135، 136، وانظر شرح هذا الأصل مفصلاً (611-693).
(*) يحيى بن الحسين : ابن القاسم الرسي، يلقب بالهادي إلى الحق، من أئمة الزيدية، المتأثرين بالمعتزلة أقام للزيدية دولة في اليمن، له مصنفات كثيرة، توفي سنة 298ه-، انظر الأعلام 8/141.
(137) سورة النساء 57، 122، سورة المائدة 119، والتوبة : 22،100.. الخ.
(138) سورة المائدة : 37.
(139) رسائل العدل والتوحيد 2/67، وانظر 1/155.
(140) شرح الأصول 687، 688.
(141) سورة ق، آية : 29 .
(142) الانفطار : 13-16.
(143) سورة الأعراف : 44.
(144) منهج الطالبين 1/421.
(145) جامع أبي الحسن البسيوي 1/206.(1/467)
(146) هو أبو عمار عبد الكافي بن أبي يعقوب التناوتي، وتناوت، قرية من قرى وارجلان جنوب الجزائر، أخذ العلم عن أستاذه المتكلم الأباضي أبو يعقوب الورجلاني المتوفي سنة 530ه-. وارتحل إلى تونس ودرس فيها، يعتبر من الذين أحيوا المذهب الأباضي تأليفاً وتعليماً، وهو من أقدر مؤلفي الأباضية على التنظير والجدل، من أشهر كتبه "الموجز في علم الكلام" توفي سنة 530ه- على الراجح، وهي السنة التي توفي فيها شيخه، انظر آراء الخوارج د. عمار الطالبي 229 - 236.
(147) الموجز 2/86.
(148) انظر مشارق الأنوار 2/132، ومنهج الطالبين 1/520.
(149) مشارق أنوار العقول 2/143.
(150) انظر مقالات الإسلاميين 124، الملل والنحل 1/45.
(151) انظر الفرق بين الفرق 116، نقل ذلك عن محمد بن شبيب البصري، والصالحي، والخالدي .
(152) حاشية مشارق الأنوار، أحمد الخليلي 2/138.
(153) سورة النساء، آية : 14.
(154) شرح الأصول الخمسة 657.
(155) سورة الفرقان، آية : 68- 70.
(156) سورة البقرة : آية 81.
(157) جامع البسيوي 1/213، وانظر شرح مطول لهذه الآية، في تأييد مذهب الأباضية، الحق الدامغ 202-207.
(158) متشابه القرآن 1/97.
(159) سورة النساء، آية : 10.
(160) متشابه القرآن، 1/178.
(161) الانفطار، آية : 13-16.
(162) مشارق أنوار العقول 2/145.
(163) سورة النساء، آية : 93.
(164) الحق الدامغ 213، وانظر متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار 1/201.
(165) شرح الأصول 666.
(166) انظر شرح الأصول 673، مشارق الأنوار 2/147.
(167) رواه مسلم، كتاب الإيمان باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمينه فاجره بالنار رقم 173.
(168) رواه البخاري كتاب الأدب، باب ما يكره من النميمة بلفظ :قتات"، الفتح 10/394، ومسلم في الإيمان "باب بيان غلظ النميمة" رقم 105.
(169) رواه مسلم كتاب الإيمان " باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه ..." رقم 109.
(170) الحق الدامغ 225.(1/468)
(171) يقصد بالمرجئة هنا : من يثبت الشفاعة لأهل الكبائر، ومنهم أهل السنة .
(172) شرح الأصول 687- 688.
(173) سورة الأنبياء، آية : 28.
(174) سورة البقرة، آية : 48.
(175) سورة غافر، آية : 18.
(176) مشارق الأنوار 2/132- 133، وانظر منهج الطالبين 1/520، 521، أصدق المناهج في تمييز الأباضية من الخوارج 27.
(177) شرح الأصول الخمسة، 136، ومتشابه القرآن 2/626.
(178) مشارق الأنوار 2/149، وانظر شرح الأصول 683.
(179) شرح الأصول الخمسة 692، وانظر التفسير الكبير للفخر الرازي 3/63- 65، مشارق الأنوار 2/133.
(180) الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم 1/48.
(181) سورة هود، آية : 114.
(182) سورة الأنعام، آية : 160.
(183) الفصل، 1/49.
(184) الفصل 4/50.
(185) نفسه 3/232.
(186) انظر صحيح البخاري (كتاب التوحيد) باب قوله تعالى : { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} (الفتح 13/440).
(187) انظر التفسير الكبير 3/171.
(188) سورة الأنعام، آية : 16.
(189) سورة الأحزاب، آية : 71.
(190) سورة الرعد، آية 6.
(191) سورة يوسف، آية : 87.
(192) سورة يونس، آية : 26.
(193) سورة النساء، آية : 40.
(194) انظر جامع البسيوي 1/212، مشارق الأنوار 2/144.
(195) المائدة، آية : 27.
(196) سورة الملك، آية : 2.
(197) انظر تفسير البغوي - سورة الملك 8/176، ط دار طيبة .
(198) رواه مسلم، كتاب الزهد " باب الرياء"، مسلم بشرح النووي 18/115.
(199) الإيمان الأوسط 36- 40.
(200) سورة الرعد، آية : 6.
(201) شرح الأصول الخمسة 684.
(202) رواه البخاري، كتاب المظالم " باب من كانت عنده مظلمة لأخيه.." 5/73 (الفتح)
(203) شرح العقيدة الطحاوية 361.
(204) سورة إبراهيم، آية 42.
(205) سورة يونس، آية : 26.
(206) سورة يونس، آية 27.
(207) الحق الدامغ 22، 221.(1/469)
(208) رواه مسلم "كتاب الإيمان"، باب من مات لا يشرك باله شيئاً دخل الجنة" مسلم بشرح النووي 2/93- 94.
(209) سورة النساء، آية : 48.
(210) سورة الزمر، آية : 53.
(211) الإيمان الأوسط 26،27 وانظر تفسير القرطبي 5/161، وانظر ما نقلنا عن الإمام المروزي، في تفسير هذه الآية في الفصل السابق ص111.
(212) سورة النساء، آية : 48.
(213) سورة الزمر، آية : 53.
(214) الموجز لأبي عمار الأباضي 2/91.
(215) شرح الأصول الخمسة 678، وانظر رسائل العدل والتوحيد 1/151، والحق الدامغ 217، 218، ومشارق أنوار العقول 2/152.
(216) سورة الزمر، آية : 53.
(217) سورة الزمر، آية : 54.
(218) سورة النساء، آية : 48.
(219) سورة البقرة، آية : 81.
(220) انظر ص 147.
(221) تفسير الطبري (شاكر) 2/281- 283، وانظر تفسير القرطبي 2/12، وفتح القدير 1/105، وتفسير ابن كثير 1/119، وتفسير السعدي 1/103.
(222) سورة النساء، آية : 93.
(223) سورة هود، آية : 114.
(224) سورة التوبة، آية : 104.
(225) سورة النساء، آية : 48.
(226) تفسير القرطبي 5/333، 334.
(227) مضى تخريجه، وهو في الصحيحين انظر ص110.
(228) مضى تخريجه قريباً ص148.
(229) إيثار الحق على الخلق 295، وقد سبق ذكر بعض هذه الأحاديث ص114، 115.
(230) سورة البقرة، آية : 48.
(231) سورة غافر، آية : 18.
(232) انظر هذه الأقوال في شرح الأصول الخمسة 672، 673، 690، 961، مشارق الأنوار 2/133، 134، منهج الطالبين 1/521.
(233) انظر شرح الأصول 691، مشارق الأنوار 134.
(234) سورة البقرة، آية : 48.
(235) سورة غافر، آية : 18.
(236) سورة النساء، آية : 123.
(237) سورة البقرة، آية : 48.
(238) سورة المدثر، آية : 48.
(239) سورة الأنبياء، آية : 28.
(240) سورة سبأ، آية : 23.
(241) سورة البقرة، آية : 48.
(242) سورة النساء، آية : 48.
(243) سورة يوسف، آية : 87.
(244) تفسير القرطبي، 1/379، وانظر الطبري 1/33.(1/470)
(245) سورة غافر، آية : 18.
(246) شعب الإيمان 1/205.
(247) تفسير ابن كثير 4/75.
(248) سورة لقمان، آية : 13.
(249) مثل هذا القول يدل على جهل أهل الكلام وأتباعهم في الحديث، وقلة العناية به (وكثر منهم بل أفضلهم عند، أصحابه لا يعتقد أنه روي في الباب الذي يتكلم فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء، أو يظن أن المروي فيه حديث أو حديثان، كما يوجد لأكابر شيوخ المعتزلة كأبي الحسين البصري، يعتقد أنه ليس في الرؤية إلا حديث واحد، وهو حديث جرير، ولم يعلم أنه فيها ما يقارب ثلاثين حديثاً) مختصر الصواعق 2/357.
(250) الشفاعة لمقبل الوادعي 109، وانظر أسنى المطالب الذي طبع باسم الأحاديث المشكلة في الرتبة محمد بن درويش الحوت ص155.
(251) تفسير القرطبي 1-379، 380
(252) مثل حديث يخرج من النار من كان في قلبه أدني مثقال حبة خردل من إيمان، رواه البخاري ومسلم ومضى تخريجه ص115.
(253) مدارج السالكين 1/396.
(254) تفسير القرطبي 1/380.
(255) أ- قال الإمام الطبري- رحمه الله - (الإرجاء معناه ما بينا قبل من تأخير الشيء، فمؤخر أمر علي وعثمان- رضي الله عنهما - إلى ربهما، وتارك ولا يتهما والبراءة منهما، مرجئاً أمرهما فهو مرجيء، ومؤخر العمل والطاعة عن الإيمان ومرجئهما عنه فهو مرجيء)، تهذيب الآثار 2/166، وانظر الملل والنحل للشهرستاني 1/139، والتوحيد للماتريدي 381- 384، والفرق بين الفرق 202 والتبصير للإسفراييني 97.
ب- والمرجئة فرق عديدة ذكر الأشعري والملطي اثنتي عشرة فرقة - منهم مرجئة خالصة، ومنهم من يجمع مع الإرجاء بدعة أخرى كالجبر أو القدر ونحو ذلك. ويجمعهم إخراجهم العمل عن مسمى الإيمان، انظر مقالات الإسلاميين 132، الملل والنحل للشهرستاني 1/139، التنبيه والرد للملطي 146، الفرق بين الفرق 202 وغيرها.(1/471)
ج- والمرجئة الخالصة لا وجود لها اليوم، لكن آراءها الأساسية في الإيمان دخلت ضمن آراء الأشاعرة والماتريدية، فالأشعري نقل عنه قولان في الإيمان أحدهما : انتصاره لمذهب السلف، كما في المقالات293.
الثاني: وهو المشهور عنه - انتصاره لقول جهم في الإيمان، وعليه أكثر أصحابه كالباقلاني والجويني وغيرهم وهو الذي استقر عليه المذهب، لكنهم عرفوا الإيمان بأنه التصديق، بدل المعرفة.
وكذلك الماتريدية، نقل عنهم قولان، الأول: أن الإيمان هو الإقرار والتصديق، كما هو المنقول عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله .
والثاني: ما ذهب إليه أبو منصور الماتريدي- وهو من أشهر متكلمي الأحناف - حيث نصر قول جهم في الإيمان واستدل بنفش بهات مرجئة الفقهاء، وجعل قول اللسان أو الإقرار شرطاً لإجراء الأحكام في الدنيا وليس شطراً من الإيمان، و إلى هذا القول ذهب عامة الأحناف من بعده، بل ذهبوا إلى الأخذ بالمذهب الماتريدي في عامة أبواب العقيدة وبذلك يلتقي المذهب الماتريدي بالمذهب الأشعري، في هذه المسألة - حيث جعلوا الإيمان مجرد التصديق، وهذا الذي استقر عليه المذهب الارجائي في طوره الأخير، ولذلك سنقتصر في هذه الفقرة المختصرة بمناقشة هذه الرأي دون سائر آرائهم، انظر في إيضاح ما سبق الإيمان الأوسط 51، 52، 124، الإيمان 114، 115، 184، شرح الفقه الأكبر 69، شرح العقيدة النسفية 65، 56، رسالة الإيمان لمحمد العجلان، مطبوع على الآلة 31-37، رسالة الشيخ سفر الحوالي ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي 257- 296، ولمعرفة الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية في هذه المسألة وفي غيرها، انظر مقدمة كتاب التوحيد للماتريدي د. على عبد الفتاح المغربي 422- 436، ونظم الفرائد وجمع الفوائد، لشيخ زاده والروضة البهية فيما بين الأشعرية والماتريدية لأبي عذبه وغيرها .(1/472)
(256) الجهم بن صفوان : السمرقندي، أبو محرز، قال عنه الذهبي، " رأس الجهمية .. زرع شراً عظيماً" وهو من أكثر الشخصيات أثراً على عامة الفرق الكلامية حيث فتح باب التأويل، وقال بالجبر، و أن الإيمان، المعرفة فقط، و أن الجنة والنار تفنيان، أمر بقتله نصر بن سيار فقتل سنة 128ه-، انظر ميزان الاعتدال 1/426، ولسان الميزان 2/124، وخطط المقريزي 2/349، 351 والأعلام للزركلي 2/141.
257 الكرامية : أتباع محمد بن كرام، أبو عبد الله السجستاني (ت255) من بدعهم المشهورة، قولهم بأن الله جسم، و أنه محل للحوادث، وقولهم : إن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان، و أنكروا أن تكون معرفة القلب أو عمل الجوارح من الإيمان، وزعموا أن المنافقين مؤمنون على الحقيقة، مستحقون للعقاب في الآخرة، فنازعوا في اسمه لا في حكمه، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله : - (وهذا القول هو الذي اختصت به الكرامية، وابتدعته، ولم يسبقها أحد إلى هذا القول، وهو آخر ما أحدث من الأقوال في الإيمان ..) الفتاوي 13/56، قال الذهبي - رحمه الله - : ( وكانت الكرامية كثيرين بخراسان، ولهم تصانيف، ثم قلوا وتلاشوا، نعوذ بالله من الأهواء) سير أعلام النبلاء 11/524، وانظر في مذهبهم وأخبارهم الملل والنحل للشهرستاني 1/108/114، التبصير في الدين 111- 117، البداية والنهاية 11/20، وسير أعلام النبلاء 11/523-524، والأعلام 7/14، وغيرها .
(258) مرجئة الفقهاء :
اشتهر إطلاق هذا المصطلح على الإمام أبي حنيفة وأصحابه بسبب موافقتهم المرجئة في إخراج الأعمال عن مسمى الإيمان، ولذلك يسمى هذا المذهب- أحياناً - بمذهب الحنفية، وقد عرف هذا القول عند متقدميهم، قبل ظهور الإمام أبي منصور الماتريدي، فلما ظهر تأثر به عامة الأحناف، فصاروا يقولون بقوله : إن الإيمان هو التصديق، وقول اللسان شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، كالقول المشهور عند الأشاعرة.(1/473)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : (... وهؤلاء المعرفون مثل حماد بن أبي سليمان، و أبي حنيفة وغيرهما من فقهاء الكوفة، كانوا يجعلون قول اللسان، واعتقاد القلب من الإيمان، وهو قول أبي محمد بن كلاب وأمثاله، ولم يختلف قولهم في ذلك، ولا نقل عنهم أنهم قالوا : الإيمان مجرد تصديق القلب) الأوسط50 الإيمان 114.
وذكر الإمام أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - الإمام أبا حنيفة وأصحابه رحمهم الله ضمن فرق المرجئة المقالات 138 وانظر الفصل 3/188، وقال الإمام ابن عبد البر - رحمه الله - : (أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، و الإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان، إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه، فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيماناً، قالوا : إنما الإيمان التصديق و الإقرار، ومنهم من زاد : والمعرفة ...) التمهيد 9/238.
وقال الإمام الطحاوي - رحمه الله - وهو من أئمة الأحناف المتقدمين (و الإيمان : هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان، وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - من الشرع والبيان كله حق..) قال الشارح ابن أبي العز الحنفي - رحمه الله - : (وذهب كثير من أصحابنا إلى ما ذكره الطحاوي - رحمه الله : (أنه الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان..) شرح الطحاوية 373، وانظر المسامرة على المسايرة 865
وهذا يتفق مع ما نسب إلى الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - حيث قال (في كتاب الوصية): (الإيمان إقرار باللسان، وتصديق بالجنان، و الإقرار وحده لا يكون إيماناً لأنه لو كان إيماناً لكان المنافقون كلهم مؤمنين، وكذلك المعرفة وحدها أي مجرد التصديق لا يكون إيماناً لأنها لو كانت إيماناً لكان أهل الكتاب كلهم مؤمنين...) شرح الفقه الأكبر 68، 69.(1/474)
وجاء في الفقه الأكبر : ( ولا نكفر مسلماً بذنب من الذنوب، و إن كان كبيرة، إذا لم يستحلها، ولا نزيل عنه اسم الإيمان، ونسميه مؤمناً حقيقة، ويجوز أن يكون مؤمناً فاسقاً غير كافر.. ولا نقول: إن المؤمن لا تضره الذنوب، و أنه لا يدخل النار، ولا أنه يخلد فيها و إن كان فاسقاً، بعد أن يخرج من الدنيا مؤمناً ...) شرح الفقه الأكبر 58- 61، وانظر شرح الطحاوية 355، لكن ما حقيقة الخلاف بين الإمام أبي حنيفة وبقية الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة ؟
يلخص شيخ الإسلام هذا الخلاف بقوله : (... ومما ينبغي أن يعرف أن أكثر التنازع بين أهل السنة في هذه المسألة هو نزاع لفظي، و إلا فالقائلون بأن الإيمان قول، من الفقهاء كحماد بن أبي سليمان وهو أول من قال ذلك، ومن اتبعه من أهل الكوفة وغيرهم متفقون مع جميع علماء السنة على أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد، و إن قالوا: إن إيمانهم كامل كإيمان جبريل فهم يقولون: إن الإيمان بدون العمل المفروض ومع فعل المحرمات يكون صاحبه مستحقاً للذم والعقاب، كما تقول الجماعة، ويقولون، أيضاً بأن من أهل الكبائر من يدخل النار كما تقول الجماعة....) الإيمان 281، 282.(1/475)
وقال: (وحدثت "المرجئة" وكان أكثرهم من أهل الكوفة، فقالوا: إن الأعمال ليست من الإيمان، وكانت هذه البدعة أخف البدع، فإن كثيراً من النزاع فيها نزاع في الاسم واللفظ دون الحكم...) الفتاوي 13/83، وقال أيضاً : (... ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحداً من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال، لا من بدع العقائد، فإن كثيراً من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنة هو الصواب، فليس لأحد أن يقول بخلاف قول الله ورسوله، لا سيما وقد صار ذلك ذريعة إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم، و إلى ظهور الفسق، فصار ذلك الخطأ اليسير في اللفظ، سبباً لخطأ عظيم في العقائد و الأعمال..) الإيمان 377، وانظر نصوصاً أخرى عن شيخ الإسلام في الإيمان 183، و الإيمان الأوسط 97,96، 117، وانظر شرح الطحاوية 374، 375، 379 وخلاصة ما نستفيده من هذا الإيضاح ما يلي :
1- أن أكثر التنازع (وليس جميعه) بين الأئمة ومرجئة الفقهاء لفظي، وفي الأسماء دون الأحكام.
2- أن هذا الخلاف و إن كان في الأصل لا يترتب عليه أثر عملي، إلا أن شيخ الإسلام عده من بدع الأقوال والأفعال.
3- وسبب اعتباره من بدع الألفاظ، عدولهم عن الألفاظ المطابقة للكتاب والسنة، في مسألة دخول العمل في مسمى الإيمان، و مسألة الزيادة والنقصان ..الخ .
4- أن هذا القول : صار ذريعة وطريقاً استند عليه المرجئة المتكلمون، ولذلك نجد بينهم تشابهاً في عامة استدلالهم، (فصار ذلك الخطأ اليسير في اللفظ، سبباً لخطأ عظيم في العقائد والأعمال) الإيمان 377.(1/476)
5- أنه ذريعة إلى ظهور الفسق والمعاصي، (... بأن يقول: أنا مؤمن مسلم حقا كامل الإيمان و الإسلام، ولي من أولياء الله، فلا يبالي بما يكون منه من المعاصي ) شرح الطحاوية ولذلك ندرك أن الأسلم والأصح أن لا يقال: إن الخلاف صوري أو لفظي بإطلاق، فضلاً عن أن يقال: إن هذا الخلاف لا محذور فيه، أو لا يترتب عليه فساد اعتقاد والله اعلم.
انظر فيما يتعلق بمذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه - رحمهم الله - في مسألة الإيمان، ظاهرة الإرجاء د. سفر الحوالي 289- 295 الفرق الكلامية مدخل ودراسة، د. علي المغربي 367 - 375، حقيقة الإيمان محمد المصري 193- 219، الإيمان لمحمد العجلان 57- 67.
(*) سأختار نقولات متفرقة في عصور مختلفة، من كتبهم المشهورة المتداولة، لنعطي من خلالها تصوراً مجملاً لمذهبهم في هذه المسألة، وسأترك التعليق لوضوح هذه الأقوال ودلالتها الصريحة على المقصود.
(259) سورة يوسف، آية : 17
(260) اللمع لأبي الحسن الأشعري 123، وانظر نصا مشابهاً في التمهيد للباقلاني 346- 347.
(261) عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الإسفراييني، من أئمة الأصول والكلام، ولد ونشأ ببغداد، ورحل إلى خراسان واستقر بنيسابور، كان يدرس في سبعة عشر فنا، درس على الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وقعد بعده للإملاء مكانه، وحمل عنه العلم أكثر أهل خراسان له تصانيف كثيرة أشهرها، الفرق بين الفرق، وأصول الدين، مات في إسفرائين سنة 429ه-، انظر طبقات الشافعية 3/238، وفيات الأعيان، 1/298، الأعلام 4/48.
(262) أصول الدين للبغدادي 268.(1/477)
(263) أبو المعين النسفي : ميمون بن محمد بن مكحول النسفي، نسبة إلى "نسف" من بلاد ما وراء النهر، أبرز شخصيات المدرسة الماتريدية بعد الماتريدي، صنف عدة مصنفات في نصرة مذهبه أبرزها كتاب تبصرة الأدلة، والتمهيد في أصول الدين، توفي سنة 508ه-، انظر الأعلام 7/341، هدية العارفين 2/487، ترجمة موسعة في مقدمة كتابه التمهيد د. عبد الحي قابيل 2-23، وله رسالة مستقلة " أبو المعين النسفي وأراؤه الكلامية"، وانظر الفرق الكلامية الإسلامية د. علي المغربي 380- 427.
(264) سورة يوسف، آية : 17.
(265) التمهيد في أصول الدين 99، 100.
(266) شرح الفقه الأكبر 69- 70.
(267) هو: عبد السلام بن إبراهيم اللقاني المصري، شيخ المالكية في وقته بالقاهرة، ولد سنة 971ه-، من أشهر مصنفاته "إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد"، والجوهرة من تصنيف والده، توفي سنة 1078ه-، وانظر الأعلام 3/355 .
(268) إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد 47-57.
(269) السنوسي: محمد بن يوسف بن عمر السنوسي، عالم تلمسان في عصره، ولد سنة 832ه-، له تصانيف كثيرة منها "شرح صحيح البخاري" لم يكمله، و "عقيدة أهل التوحيد" ويسمى العقيدة الكبرى، و "أم البراهين" ويسمى العقيدة الصغرى، وغيرها توفي سنة 895ه-، انظر الأعلام 7/154.
(270) الدسوقي : محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، من علماء العربية، كان من المدرسين بالأزهر، له تصانيف منها : " حاشية على مغنى اللبيب" وحاشية على "السعد التفتازانى" و "حاشية على الشرح الكبير على مختصر خليل" و "حاشية على شرح السنوسي لمقدمته أم البراهين" توفي سنة 1330ه-، انظر الأعلام 6/17.
(271) حاشية الدسوقي على أم البراهين 225- 226.
(272) سورة النحل، آية : 106.(1/478)
(273) تبسيط العقائد الإسلامية، حسن أيوب 33، وانظر نصوصاً مشابهة لما سبق في العقيدة النظامية للجويني 62، والمسامرة على المسايرة 174- 178، المواقف للإيجي 384، شرح المقاصد للتفتازاني 5/179، المواقف شرح الجرجاني 8/322، شرح العقائد النسفية 428، ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي د. سفر الحوالي 351- 470، وغيرها .
(274) وانظر نصوصاً أخرى عن غيره من المعاصرين فيها انتصار لمذهب المرجئة الغلاة نقلها الشيخ سفر الحوالي، ظاهرة الإرجاء 364- 370.
(*) انظر تلخيص لهذه الأدلة في رسالة "الماتريدية" لأحمد الحربي 406.
(275) انظر اللمع 123، التمهيد للباقلاني 346- 347، التمهيد للنسفي 99.
(276) سورة الحجرات، آية : 14.
(277) سورة النحل، آية : 107.
(278) انظر المواقف للإيجي 385، التمهيد للنسفي 100.
(279) سورة يونس، آية : 9.
(280) سورة التوبة، آية : 18.
(281) انظر التمهيد للنسفي 100، المواقف للإيجي 385، شرح الفقه الأكبر 72.
(282) انظر التمهيد للنسفي 101، شرح المقاصد 5/195.
(283) سورة البقرة، آية : 143.
(284) شرح المقاصد 5/198، وانظر المواقف 386، التمهيد للنسفي 102.
(285) انظر أصول الدين للبغدادي 252، شرح الفقه الأكبر 113، المواقف 388.
(286) شرح المقاصد 5/211، وانظر شرح الفقه الأكبر 71، 112.
(287) التمهيد في أصول الدين 102.
(288) التمهيد 102.
(289) سورة الأنفال، آية : 3.
(290) شرح الفقه الأكبر 71.
(291) هو: مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، مشهور بسعد الدين، من أئمة العربية والمنطق، ولد بتفتازان (من بلاد خراسان) سنة 712ه- له مصنفات عديدة منها، "تهذيب المنطق"، "شرح العقائد النسفية" وغيرها، توفي بسمرقند سنة 793ه-، انظر الأعلام 7/219، الدرر الكامنة 4/350 .
(292) شرح المقاصد 5/214.
(293) شرح الفقه الأكبر 114.
(294) شرح الفقه الأكبر 70.(1/479)
(295) الإيجي هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار، عضد الدين الإيجي، عالم بالأصول العربية، من أهل (إيج) بفارس ولي القضاء، جرت له محنة فمات مسجوناً، من تصانيفه "المواقف"، و "شرح مختصر ابن الحاجب" وغيرها توفي سنة 756ه- انظر الدرر الكامنة 2/322، وطبقات السبكي 6/108، والأعلام 3/295.
(296) المواقف 388.
(297) أصول الدين 253.
(298) التمهيد 92، وانظر تفصيل أدلة ذلك 92- 97.
(299) العقيدة النظامية 64.
(300) أصول الدين 242.
(301) المواقف 378، وانظر نصاً مطولاً في مسألة جواز الوعيد - يتفق مع ما ذكر - في التمهيد للباقلاني 398-404.
(302) رواه الإمام أحمد 3/213، و أبو داود في السنة " باب في الشفاعة" رقم 4739، والترمذي في صفة القيامة "باب ما جاء في الشفاعة" رقم 435، وقال : حسن صحيح، وابن أبي عاصم في السنة 2/399، والحاكم 1/69، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وابن حبان كما في الموارد ص645، وابن خزيمة في التوحيد 2/651-653، والآجري في الشريعة 388، والبيهقي في سننه 10/190، وفي شعب الإيمان 2/129، وفي الاعتقاد ص202، بطرق عن أنس رضي الله عنه، قال الحافظ ابن كثير عن أحد طرقه : (إسناده صحيح على شرط الشيخين) التفسير 1/487، وصححه الألباني كما في صحيح الجامع رقم 3608، وفي مشكاة المصابيح رقم 5598، وله طرق أخرى عن جابر وابن عباس، وابن عمر وكعب بن عجرة رضي الله عنهم، انظر الشفاعة لمقبل الوادعي 90-94.
(303) المواقف 380، وانظر في إثباتهم لأهل الكبائر، التمهيد النسفي 98، أصول الدين البغدادي 244، وغيرها.
(304) التمهيد للباقلاني 394.
(305) التمهيد في أصول الدين للنسفي 100، وانظر ص92.
(306) لعله الباقلاني.
(307) شرح المقاصد 5/224.
(308) شرح المقاصد 5/225.
(309) أي الإيجي، وما بين القوسين كلامه، والشارح الشريف الجرجاني .
(310) شرح المواقف 3/250- 251.
(311) أصول الدين 266.(1/480)
(312) فيض الباري شرح صحيح البخاري 1/50، وانظر نصوصاً أخرى في هذا المعنى المواقف 287، 388، الاقتصاد للغزالي 160، الإعلام بقواطع الإسلام 348.
(313) الإيمان، 384.
(314) الإيمان 386.
(315) الملل والنحل للشهرستاني 1/144، وانظر نفس النص - تقريباً، في مقالات الإسلاميين 141، الفرق بين الفرق 205، وانظر آراء شبيهة بذلك عن بعض فرق المرجئة كالتومنية والصالحية، في نفس المراجع المذكورة .
(316) هذه الردود ذكرها شيخ الإسلام - رحمه الله - في مواضع مختلفة في معرض الرد عليهم، وسننقل بعضها مع محاولة الاختصار، الإيمان الأوسط 71-76، الإيمان 117-124. 271-277، شرح الطحاوية 379-382، وغيرها، وراجع جمعاً وتلخيصاً لكلام شيخ الإسلام في ذلك، رسالة الشيخ عبد الرحمن المحمود "مواقف ابن تيمية من الأشاعرة" 4/1427- 1449.
(317) الإيمان 271، 272.
(318) سورة العنكبوت، آية : 26.
(319) سورة يونس، آية : 83.
(320) الإيمان 275- 277.
(321) الإيمان 121 .
(322) مضى تخريجه ص31.
(323) الإيمان 278.
(324) سورة البقرة، آية : 98.
(325) سورة الأحزاب، آية : 7.
(326) سورة محمد، آية : 2.
(327) سورة البقرة، آية : 238.
(328) سورة البينة، آية : 5.
(329) الإيمان 186- 190 وانظر 163 - 168، وشرح الطحاوية 387-389.
(330) الفتاوى 7/197.
(331) سورة البقرة، آية : 143.
(332) انظر ص47.
(333) انظر الصارم المسلول 522، الإيمان 277 وغيرها .
(334) سورة المائدة، آية : 73.
(335) سورة المائدة، آية : 27، 72.
(336) سورة النحل، آية : 106-107.
(337) الإيمان الأوسط 99-102، وانظر وجوهاً أخرى 124- 127.(1/481)
(338) وممن قرر ذلك ونقله عن الفقهاء القاضي أبو يعلى، وفند شيخ الإسلام هذه المقولة، انظر الصارم المسلول 516- 527 حتى قال: (فمن قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة عامداً لها عالماً بأنها كلمة الكفر فإنه يكفر بذلك ظاهراً وباطناً، ولا نجوز أن يقال إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمناً، ومن قال ذلك: فقد مرق من الإسلام) الصارم 526.
(339) انظر الصارم المسلول 518.
(340) نفسه 518.
(341) نفسه 523، وقد أطال - رحمه الله - في إضاح ذلك انظر 519- 527.
(342) جزء من حديث، رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى : {سواء عليهم استغفرت لهم...} الآية الفتح 8/648.
(343) أخرجه البخاري 8/398 في تفسير سورة الأحزاب، و عبد الرزاق في "المصنف" رقم 20416 و أبو داود رقم 3607 في الأقضية : باب: إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به. والطبراني في الكبير برقم 3712 و 4841.
(344) أما خزيمة فهو: خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعده، أبو عمار الأنصاري المدني، ذو الشهادتين شهد أحداً وما بعدها. استشهد مع على رضي الله عنه يوم صفين، صحابي جليل وله أحاديث، انظر لترجمته: طبقات ابن سعد 4/378، أسد الغابة 2/133. والإصابة 3/930.
(345) الموافقات للشاطبي 2/271، 272.
(346) سورة النساء، آية : 94.
(347) فتح القدير 1/501.
(348) كشف الشبهات 49.
(349) رواه البخاري كتاب الإيمان، {فإن تابوا وأقاموا الصلاة .. الآية { (الفتح) 1/75، ومسلم كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله) (شرح النووي) 1/210.
(350) جامع العلوم والحكم 83.
(351) فتح الباري 1/77، وانظر شرح النووي 1/212، وجامع العلوم والحكم 83.
(352) شرح السنة 1/70.
(353) الحرقات من جهينة : هم بطن من جهينة، وانظر في سبب تسميتهم الفتح 12/195.(1/482)
(354) حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ : ( أي لم يكن تقدم إسلامي بل ابتدأت الآن الإسلام ليمحو عني ما تقدم) شرح النووي 2/104.
(355) رواه مسلم، واللفظ له كتاب الإيمان، "باب تحريم قتل الكافر بعد قوله لا إله إلا الله " (مسلم بشرح النووي 2/99)، والبخاري، كتاب الديات "باب قول الله تعالى : {ومن أحياها ..الآية) (الفتح 7/517، 12/191)، وانظر أحاديث شبيهة، مسلم بشرح النووي 2/98-101، "كتاب المغازي" باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم- أسامة .
(356) أي أقالها خوفاً من السلاح أم لا ؟
(357) مسلم بشرح النووي 2/104.
(358) نفسه 2/107.
(359) رواه مسلم كتاب المساجد، "باب تحريم الكلام في الصلاة" رقم 537.
(360) الإيمان 398، وانظر 201، 202، 243.
(361) نفسه 197.
(362) الإيمان لابن تيمية 198.
(363) الإيمان 201.
(364) الإيمان 203.
(365) وهو المنافق إذا ظهر نفاقه، الإيمان 203، جامع العلوم والحكم 83.
(366) انظر جامع العلوم والحكم 83، شرح السنة 1/69، أعلام الموقعين 3/144، وانظر أقوالاً أخرى مسلم بشرح النووي 1/207، والمغني 8/126- 128.
(367) رسالة ضوابط التكفير، عبد الله القرني 277، قال ابن قدامة (وفي الجملة فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم في الظاهر من أحكام الدنيا .. و أما قبول الله تعالى لها في الباطن وغفرانه لمن تاب وأقلع ظاهراً أم باطناً فلا خلاف فيه) المغني 8/128.
(368) أعلام الموقعين 3/142، وانظر الإيمان لابن تيمية 203.
(369) أعلام الموقعين 3/143، وانظر تفصيلاً لذلك في الصارم المسلول 345- 358، وقد ذكر شيخ الإسلام عدداً من الأدلة في قتل المنافق إذا تبين نفاقه فليراجع.
(370) انظر تفصيلاً جيداً لهذه المسألة ولهذه الحالات في رسالة "ضوابط التكفير" لعبد الله القرني 274- 296.
(371) مجموع الفتاوى 35/165.(1/483)
(372) رواه أبو داود كتاب الأدب باب في النهي عن البغي رقم 4901، وحسنه ابن أبي العز وحسنه الألباني كما في شرح الطحاوية.
(373) شرح العقيدة الطحاوية 357، 358.
(374) رواه البخاري كتاب الأدب "باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال" (الفتح 10/514، ومسلم كتاب الإيمان "باب بيان حال من قال لأخيه المسلم كافر" (شرح النووي 3/49).
(375) فتح الباري 10/466.
(376) فتح الباري 10/466.
(377) فتح الباري 10/515.
(378) رواه مسلم (كتاب المساقاة) باب لعن آكل الربا وموكله 3/1218، 1219.
(379) الواصلة: التي تصل شعرها بشعر آخر زور والمستوصلة التي تأمر من يفعل بها ذلك، النهاية 5/192.
(380) سورة النساء، آية : 10.
(381) انظر مزيداً من الأدلة في الفتاوي 20/287، 288.
(382) انظر الفتاوى 20/387،388.
(383) انظر الفتاوى 3/231، 10/330، 23/345، 346، 12/498.
(384) الرد على البكري 260.
(385) الفتاوى 3/229، يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب في تعليقه على هذا الكلام (وهذه صفة كلامه في المسألة في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفيره المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال إن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة، و أما إذا بلغته حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو معصية) مفيد المستفيد 10.
(386) الرد على البكري 46، ومع ذلك فشيخ الإسلام حكم بكفر من لا شبهة في كفره كالباطنية ومن قامت عليه الحجة.. الخ.
(387) الفتاوى 23/348، 349، وانظر نصاً شبيهاً 12/488، 489.
(388) الفتاوى 12/500، 501، وانظر الفتاوى 3/229، وغيرها كثير .
(389) انظر المغني لابن قدامة 123، وما بعدها.
(390) انظر الصارم المسلول ص59 وما بعدها.
(391) انظر شرح الأصول اعتقاد أهل السنة اللالكائي 2/319، والبخاري في خلق أفعال العباد 118، الدارمي في الرد على الجهمية 352، 353.
(392) انظر فتح المجيد 291، 292.(1/484)
(393) من الطواغيت التي كانت تعبد في نجد قديماً، كشف الشبهات 40.
(394) التوبة، آية : 74.
(395) التوبة : 65-66.
(396) كشف الشبهات 39-44.
(397) لا يلزم من المقالة التكفير في كل حال، لكن قتال الطائفة الممتنعة من باب التكفير كما في كلام شيخ الإسلام وسيأتي لذلك مزيد تفصيل إن شاء الله .
(398) وهذا يدل على تكفير شيخ الإسلام للتتار .
(399) مجموع الفتاوى 28/502-504، وانظر الفتوى كاملة ومفصلة 28/501-543.
(400) الرسائل الشخصية 220.
(401) سيأتي إيضاح ذلك عند الكلام عن حكم من لم تبلغهم الدعوة.
(402) سورة الإسراء، آية : 15.
(403) سورة النساء، آية : 165.
(404) سورة الملك، آية : 7-9.
(405) سورة الأنعام، آية : 130.
(406) سورة القصص، آية : 59.
(407) سورة فاطر، آية : 37.
(408) أي تفصيلاً.
(409) مجموع الفتاوي 12/493، 494، وانظر 17/308.
(410) طريق الهجرتين 384، وانظر تفسير ابن كثير 3/28.
(411) الكبائر للذهبي 12، تحقيق محي الدين مستو.
(412) سورة الملك، آية : 7-9.
(413) أضواء البيان 3/434.
(414) وسيأتي بعض الإيضاح لذلك في الفصل القادم.
(415) سبق بحث ذلك بالتفصيل في الفصل السابق .
(416) شرح الطحاوية 356.
(417) سيأتي بحث ذلك في الباب القادم.
(418) انظر المفردات 102 ولسان العرب 11/129.
(419) انظر المفردات 102، والتعريفات 84.
(420) انظر المفردات 102.
(421) سورة الحجرات، آية : 6.
(422) رواه البخاري (واللفظ له) 6/514 كتاب الأنبياء، وكتاب التوحيد 13/466، ومسلم، كتاب التوبة 17/70-73 من حديث أبي هريرة و رواه البخاري كتاب الرقاق 11/312، وكتاب الأنبياء 6/514، 494، من حديث حذيفة، ورواه البخاري، كتاب الأنبياء 6/514، وكتاب الرقاق 11/312، وكتاب التوحيد 13/466، ومسلم كتاب التوبة 17/73، من حديث أبي سعيد الخدري، وهذا الحديث متواتر انظر الفتاوي 12/491، وإيثار الحق على الخلق 436.
(423) مجموع الفتاوى 11/409.(1/485)
(424) مجموع الفتاوى 1/491، وانظر نصوصاً أخرى لشيخ الإسلام الفتاوى 3/231، 7/619، 23/348، 28/501، والرد على البكري 259.
(425) فتح الباري 6/523.
(426) التمهيد 18/46،47.
(427) مدارج السالكين 1/367.
(428) الفصل 3/252.
(429) الإسراء، آية : 15.
(430) إيثار الحق على الخلق 436.
(431) الفصل 3/252.
(432) انظر الشفا للقاضي عياض 2/1082- 1084، ومسلم بشرح النووي 17/70-75، وفتح الباري 6/522، 523.
(433) سورة الفجر، آية : 16.
(434) سورة الانبياء، آية : 87.
(435) مجموع الفتاوى 11/410، وانظر بقية الرد .
(436) سورة الفجر، آية : 16.
(437) الفصل 3/252.
(438) الفتح 6/523، ومسلم بشرح النووي 17/71.
(439) انظر مسلم بشرح النووي 17/72: قال النووي : (معناه أن ابن شهاب لما ذكر الحديث الأول خاف أن سامعه يتكل على ما فيه من سعة الرحمة وعظم الرجاء فضم إليه حديث الهرة الذي فيه من التخويف ضد ذلك ليجتمع الخوف والرجاء) 17/73.
(440) وشي الثوب: لونه ونقشه ونسجه، انظر لسان العرب 15/392.
(441) أي صلة بن زفر العبسي، أو أبو بكر الكوفي، تابعي كبير، ثقة جليل، مات في حدود السبعين روى له أصحاب الكتب الستة، انظر تقريب التهذيب 1/370.
(442) رواه ابن ماجه (كتاب الفتن) رقم 4049 والحاكم (4/473)، (كتاب الفتن والملاحم) وقال صحيح على شرط مسلم، ورواية الحاكم ليس فيها ذكر الصلاة، وقال البوصيرى في الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 87، وصحيح ابن ماجه 2/378.
(443) مجموع الفتاوى 11/407 وانظر نصاً قريباً 35/165.(1/486)
* أبو واقد الليثي: مختلف في اسمه قيل: الحارث بن مالك، وقيل: ابن عوف، وقيل: عوف ابن الحارث قال ابن سعد: اسلم قديماً وكان يحمل لواء بني ليث وضمرة وسعد بن بكير يوم فتح مكة وحنين وفي غزوة تبوك يستنفر بني ليث، روى عنه ابناه عبد الملك وواقد، و أبو سعيد الخدري وعطاء بن يسار وآخرون، مات سنة 68 ه- وهو ابن 85 سنة على الصحيح، انظر الإصابة 4/215، 216، وتهذيب التهذيب 12/270، 271.
(444) ذات أنواط: اسم شجرة بعينها كانت للمشركين، ينوطون بها سلاحهم: أي يعلقونه بها، ويعكفون حولها، انظر النهاية 5/128.
(445) الأعراف، آية: 38.
(446) رواه أحمد 5/218 (بطريقين) والترمذي كتاب الفتن 4/474، وقال حسن صحيح، والطيالسي (1346) وعبد الرزاق (20763) والحميدي (848) وابن جرير الطبري في التفسير 9/31، 32، وابن عاصم في السنة (76) (واللفظ له) وقال الألباني "إسناده حسن".(1/487)
(447) ذهب بعض الباحثين إلى أن طلب الصحابة من قبيل المشابهة للكفار، حيث أرادوا أن يجعل لهم شجرة يعكفون عندها، و أن هذه المشابهة المذكورة ليست من الشرك الأكبر، واستندوا إلى قول لشيخ الإسلام (اقتضاء الصراط المستقيم 2/644) وللشاطبي (الاعتصام 2/245، 246) ظنوا أنها تؤيد قولهم انظر، الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد، عبد الرحمن عبد الحميد 84، 85) ولعلنا من باب الاختصار نترك المناقشة التفصيلية لهذا القول ونكتفي بكلام مجمل مفاده : (لو كان طلبهم من باب المشابهة فقط، لما أقسم - صلى الله عليه وسلم- أنهم قالوا مثل ما قال أصحاب موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فالتشبيه هنا يقتضي تمام المشابهة و أن ما طلبوا من جنس اتخاذ آلهة كما سيتضح من كلام الأئمة، كذلك هؤلاء حديثو عهد بكفر، ولذلك لا يستغرب أن يطلبوا أمراً يقتضي الشرك، فلو كان الذي طلبوا مجرد مشابهة دون الشرك، لما استغرب منهم لأن ذلك يمكن أن يحصل لمن تقدم إسلامه والله أعلم، انظر رداً مفصلاً في كتاب (العذر بالجهل عقيدة السلف لشريف هزاع 68-74).
(448) انظر كلام سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في حاشية فتح المجيد 146.
(449) هو أبو بكر الطرطوشي وكلامه هذا في كتابه الحوادث والبدع ص105.
(450) إغاثة اللهفان 1/224.
(451) كشف الشبهات 45،46، وانظر إرشاد المسلمين في الرد على القبوريين الشيخ حمد بن معمر 98، 99.
(452) فتح المجيد 145.
(453) حاشية فتح المجيد (سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله)، 146.
(454) الدر النضيد ص9.
(455) رواه ابن ماجه واللفظ له 1/595، وابن حبان (1290) والبيهقي (7/292) وحسنه الألباني (إرواء الغليل 7/56) وراجع شواهد للحديث في الإرواء.(1/488)
قال الشوكاني : (أخرج قصة معاذ المذكورة في الباب البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح .. وأخرجها أيضاً البزار والطبراني بإسناد آخر رجاله ثقات، وقصة السجود ثابتة من حديث ابن عباس عند البزار ومن حديث سارقة عند الطبراني، ومن حديث عائشة عند أحمد وابن ماجه، ومن حديث عصمة عند الطبراني وغير هؤلاء)، نيل الأوطار 6/234.
(456) نيل الأوطار 6/234.
(457) انظر مجموع الفتاوى 1/372، 4/360.
(458)انظر بتوسع، التكفير والمكفرات، 2/485-491.
(459) الإيمان لبن منده 1/ 198.
(460)رواه البخاري المغازي (الفتح) 7/321، والديات باب قوله تعالى : {ومن يقتل مؤمناً متعمدا..}12/187،ومسلم في القسامة باب المجازاة بالدماء في الآخرة رقم 1678.
(461)نقلاً عن فتح المجيد 89.
(462)مسلم بشرح النووي 1/148.
(463)جامع العلوم والحكم 72.
(464)نفسه23.
(465)فتح الباري 13/367.
(466)فتح الباري 1/61، وانظر إشارة إلى هذه المسألة في مباحث سابقة حول قول اللسان ص43، ومبحث الحكم بالظاهر ص204-207 وراجع مناقشة لهذه المسألة في كتاب التوقف والتبين، للشيخ محمد سرور زين العابدين ص149-154.
(467) انظر على سبيل المثال ما ذكره الإمام الصنعاني في "تطهير الاعتقاد"ص131(ضمن مجموعة عقيدة الموحدين)وما ذكره العلامة إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن في رسالة "حكم تكفير المعين"ص9،17 .
(468)مجموع الفتاوي 13/118وانظر 19/211،منهاج السنة 5/87-95،مختصر الصواعق المرسلة613 .(1/489)
(469)كثيراً ما يعبر عن هذه الأمور: (بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة )انظر الفتاوى 12/496، 7/610، 11/ 406 ، جامع العلوم والحكم 64 وغيرها إذاً لابد من شرطين أن تكون ظاهرة ومتواترة، ولذلك اعتبرت كثير من المسائل المتواترة غير الظاهرة مما يعذر بجهلها في دار الإسلام، ومن أشهر الأمثلة التي يذكرها الإمام محمد بن عبد الوهاب وتلامذته، مسألة الصرف والعطف رغم اعتباره السحر ومنه الصرف والعطف، من نواقض الإسلام،انظر مجموع الشيخ 9/12، فتاوى ومسائل 12/213.
(470) مجموع الفتاوي 11/407،وانظر 7/610، 619 ،35، 165 وغيرها .
(471)المرجع السابق 11/407.
(472)سيأتي بحث حكم الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة.
(473) مسلم بشرح النووي 1/173.
(474) المغني 131-132.
(475) انظر العواصم من القواصم لابن الوزير 4/174.
(476) انظر النص في الرد على البكري 376، وسيأتي نصوص أخرى عن شيخ الإسلام عند حكاية مذهبه.
(477) مجموعة الشيخ، فتاوى ومسائل 9/11، وسنذكر نصوصاً أخرى عن الإمام عند حكاية مذهبه في هذه المسألة .
(478) الهدية السنية 46، 47، وسيأتي النص بتمامه عند حكاية مذهب أئمة الدعوة .
(479) مجموع الفتاوي 23/346، ومثله 3/231، 20/59.
(480) طريق الهجرتين 384، كلام الإمام ابن القيم في الحكم الأخروي، لكن الشاهد منه قوله وعدم التمكن من معرفتها).
(481) مدارج السالكين 2/239.
(482) الإحكام لابن حزم 1/67.
(*) إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن : ولد في الرياض سنة 1276ه- سافر إلى مصر، ورحل إلى الهند في طلب الحديث وحصل على إجازات من علمائها ثم عاد إلى الرياض وجلس للتدريس إلى أن توفي فيها سنة 1319ه- له بعض الرسائل الصغيرة انظر الأعلام 1/195.
(483) حكم تكفير المعين ص18.(1/490)
(**) سليمان بن سحمان : ولد في إحدى قرى أبها سنة 1266ه- انتقل إلى الرياض وتعلم بها، له مؤلفات كثيرة في الدفاع عن دعوة الشيخ، والرد على خصومها، توفي في الرياض سنة 1349ه-. انظر: مشاهير علماء ص 290، وعلماء نجد 1/279.
(484) منهاج الحق والاتباع 68.
(485) الأعراف 172، 173.
(486) لم أجد للأئمة في تفسيرها كلاماً صريحاً في الدلالة .
(487) ضوابط التكفير عند أهل السنة 301 وانظر الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد لأبي عبد الله عبد الرحمن بن عبد الحميد 17-24 فقد جمع فيه أهم أدلة من لا يعذرون بالجهل في أصول الدين .
(488) رواه البخاري، كتاب الرقاق " باب من نوقش الحساب عذاب" 11/401، ومسلم كتاب صفات المنافقين "باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهباً" 2805.
(489) فتح الباري 11/403.
(490) تفسير الطبري (تحقيق شاكر) 13/251.
(491) معارج القبول 1/46.
(492) انظر هذه النقولات في الجواب المفيد 19-24.
(493) تفسير المنار 9/360-361.
(494) رواه مسلم 1/196 كتاب "الإيمان" باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل".
(495) رواه مسلم 1/196" باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ...".
(496) الجواب المفيد ص25.
(497) الواهنة: عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها فيرقى منها، وقيل : هو مرض يأخذ في العضد، وربما علق عليها جنس من الخرز، يقال لها : خرز الواهة. النهاية في غريب الحديث 5/234.(1/491)
(498) رواه أحمد (4/445) واللفظ له، وابن ماجه (3531) وليس عنده : " فإنك لو مت ..." وابن حبان (1410) بلفظ : (إنك إن تمت وهي عليك وكلت إليها " كلهم من طريق المبارك ابن فضاله عن الحسن قال : (أخبرني عمران بن الحصين وهذا السند ضعيف لضعف مبارك ابن فضالة انظر التهذيب 10/29. و لأن الحسن لم يسمع من عمران، ورواه ابن حبان (1411) والحاكم صححه (4/216) من طريق أبي عامر الخراز عن الحسن عن عمران وليس فيه قوله : " ما أفلحت أبداً" وانما قال : "انبذها" وفي هذا الطريق أيضاً أن الرجل هو عمران نفسه. وهذا أيضاً ضعيف جداً لضعف أبي عامر، و لأن الحسن لم يسمع من عمران كما قال المديني وابن معين و أحمد و أبو حاتم وغيرهم انظر جامع التحصيل ص194- 197 راجع تخريج الحديث في النهج السديد ص56.
(499) فتح المجيد 127.
(500) الجواب المفيد 26.
(501) رواه أحمد في الزهد ص15،16 و أبو نعيم في الحلية (1/203) عن طارق بن شهاب عن سلمان موقوفاً بسند صحيح ولا يصح مرفوعاً، انظر النهج السديد ص68.
(*) عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ولد في الدرعية سنة 1193ه- تفقه بنجد ثم بمصر، بعد سقوط الدرعية ثم عاد إلى نجد وتولى القضاء في الرياض، له مؤلفات من أشهرها "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد " توفي في الرياض سنة 1285ه-، انظر الاعلام 3/304 علماء نجد 1/56، عنوان المجد 1/56 حوادث سنة 1241ه-.
(502) فتح المجيد 155.
(503) الجواب المفيد 16،17 ونقل عن الإمام القرافي الإجماع على ذلك ص27.
(504) الفروق للقرافي 2/149، 163، وانظر الجواب المفيد 27،28.
(505) مجموع الفتاوى 3/395، علق صاحب الجواب المفيد بقوله : (فتأمل كلام الإمام رحمه الله وتأمل عظم الافتراء عليه) ص66.
(506) مجموع الفتاوى 4/54.
(507)507 طريق الهجرتين 382، وانظر الجواب المفيد 30.
(508) كشف الشبهات 11 وانظر ضوابط التكفير 311.(1/492)
(509) مجموعة مؤلفات الشيخ، العقيدة والآداب الإسلامية 366.
(510) فتح المجيد 127.
(511) سورة الفرقان آية : 44.
(512) مجموعة الشيخ فتاوى ومسائل 12،13.
(513) تطهير الاعتقاد للإمام الصنعاني ص22.
(*) عبد الله بن عبد الرحمن أبي بطين : ولد في روضة سدير 1194، تولى القضاء في كثير من المناطق له عدة مؤلفات في تقرير العقيدة، والدفاع عن دعوة الإمام المجدد لقب بمفتي الديار النجدية، توفي في شقراء سنة 1282ه- انظر علماء نجد 234 .
(514)أي إبراهيم بن عجلان انظر ص15 رسالة أبي بطين.
(515) رسالة في بيان الشرك، وعدم إعذار جاهله، وثبوت قيام الحجة عليه ص30.
(516) نفسه.
(517) الانتصار لحزب الله الموحدين ضمن مجموعة "عقيدة الموحدين" ص16.(1/493)
(518) اختلف العلماء حول المقصود بالميثاق المذكور هنا، هل هو ما أخذ عليهم وهم في ظهور آبائهم من الإقرار بالتوحيد، كما دلت على ذلك الأحاديث، أم المقصود بالميثاق ما فطرهم الله عز وجل به من التوحيد قال ابن كثير رحمه الله : (وذهب طائفة من السلف والخلف أن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "كل مولود يولد على الفطرة" ورجح هذا القول وذكر من الأدلة ما يؤيد ترجيحه، تفسير ابن كثير 2/264 وقال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله كلاماً جميلاً فيه جمع بين القولين حيث قال: (ليس بين التفسيرين منافاة ولا مضادة ولا معارضة، فإن هذه المواثيق كلها ثابتة بالكتاب والسنة، الأول: الميثاق الذي أخذه الله تعالى عليهم حيث أخرجهم من ظهر أبيهم آدم عليه السلام وأشهدهم على أنفسهم "ألست بربكم قالوا: بلى" الآيات، وهو الذي قاله جمهور المفسرين رحمهم الله في هذه الآيات وهو نص الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما. الميثاق الثاني: ميثاق الفطرة وهو أنه تبارك وتعالى فطرهم شاهدين بما أخذه عليهم في الميثاق الأول كما قال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} الآية وهو الثابت في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار و الأسود بن سريع رضي الله عنهم وغيرها من الأحاديث في الصحيحين وغيرها. الميثاق الثالث : هو ما جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب تجديداً للميثاق الأول وتذكيراً به {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيما} .. الخ معارج القبول 1/48.
ومما يجدر ذكره هنا أن ترجيح أيا من القولين لا يلزم منه اعتبار الميثاق حجة مستقلة دون إرسال الرسل، وليس في كلام المفسرين ما يدل صراحة على هذا، و إنما كلام بعضهم عام يحتمل هذا وغيره، وكلام الآخرين صريح في أنه لابد من بلوغ الحجة.(1/494)
(519) الإسراء، آية : 15.
(520) النساء، آية : 165.
(521) أضواء البيان للشنقيطي 2/300-302، وانظر بقية كلامه رحمه الله .
(522) معارج القبول 1/46، وانظر الجواب المفيد ص19.
(523) توقف صاحب الجواب المفيد عند هذه الفقرة، وترك ما بعدها، حيث لم يكمل الجملة!!؟
(524) سورة النساء، آية : 165.
(525) سورة الزخرف، آية : 87.
(526) الروح لابن القيم 167، 168، وراجع نفس الكلام في شرح الطحاوية 270- 271، وانظر ما يؤيد هذا الفهم في مدارج السالكين 1/239، وما حصل في نقلهم من ابن القيم حصل مثله - تقريباً - في نقلهم عن الإمام ابن كثير حيث بتروا كلامه، واختاروا منه ما يناسبهم وما يخالف مقصود الإمام، انظر الجواب المفيد 19،20 وانظر العذر بالجهل لشريف هزاع ص103، 104.
(527) الجواب المفيد 53-66.
(528) راجع حول مسألة التحسين والتقبيح ومذاهب الفرق فيها، رسالة الشيخ عبد الرحمن المحمود "القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه" 195-202، وكتاب "الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى د. محمد ربيع المدخلي 77-105.
(529) انظر، العذر بالجهل والرد على بدعة التكفير لأحمد فريد ص33.
(530) سيأتي مبحث "أهل الفترة" إن شاء الله .
(531) انظر العذر بالجهل لأحمد فريد 36، والعذر بالجهل لشريف هزاع 114، 115.
(532) سورة الكهف، آية : 20.
(533) رواه ابن ماجه كتاب الطلاق "باب طلاق المكره والناسي" رقم 2045، والحاكم 2/198، والبيهقي 7/356، 10/61، والدارقطني 497، والطبراني في الكبير 11/133، والصغير (الروض الداني 2/52، وحسنه الإمام النووي كما في جامع العلوم والحكم 350، وصححه الشيخ الألباني في حاشيته على المشكاة برقم 6264، وفي إرواء الغليل رقم 82، و أحمد شاكر في تحقيقه الأحكام لابن حزم 5/149.
(534) أضواء البيان 4/72-73.
(535) الفروق للقرافي 2/150.
(536) انظر ص224.
(537) انظر ص213.(1/495)
(538) مجموع الفتاوي 23/346/347، وانظر 13/125،126، ومنهاج السنة 5/87-91.
(539) الإيمان الأوسط 151، 152، وانظر مجموع الفتاوي 35/165، 11/406، 407، 28/500، 501، 3/131 وغيرها .
(540) المرجع السابق 161.
(541) الاختيارات العلمية 182، وانظر الإيمان الأوسط ص80.
(542) سورة الإسراء، آية : 15.
(543) مجموع الفتاوي 20/31،33.
(544) نفسه 1/112.
(545) الرد على البكري 376، وانظر مجموع الفتاوى 1/372، 11/412، 413، 19/23، 219، منهاج السنة 5/111-113، وسنذكر مزيداً من النصوص عند الكلام عن العذر بالتأويل والتقليد .
(546) لا يعذر المرء في جهل مسألة الشرك أو الأحكام الظاهرة في دار الإسلام كما سيأتي .
(547) انظر النص بطوله، مجموع الفتاوي 4/53-55.
(548) انظر طريق الهجرتين 380- 382.
(549) نفسه 382.
(550) مدارج السالكين 1/367، وانظر النص المنقول سابقاً عن المدارج 1/239.
(551) مجموعة الشيخ 12/60، وانظر في مذهب الإمام وكذلك أئمة الدعوة، كتاب "سعة رحمة رب العالمين" للسيد بن سعد الدين الغباشي 20-28، ودعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب 170-177، وضوابط التكفير 311-317.
(552) نفسه 12/58.
(553) نفسه 12/25.
(554) نفسه 9/فتاوى ومسائل ص11، وانظر الضياء الشارق لابن سحمان 372.
(555) الهدية السنية، الرسالة الرابعة 103.
(556) المورد العذب الزلال ضمن مجموعة "عقيدة الموحدين" ص186.
(557) حكم تكفير المعين للعلامة إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ص18.
(558) مفيد المستفيد ص27.
(559) مجموع الشيخ 1/289، 290.
(560) انظر هذه النصوص ص247، 248.
(561) كشف الشبهات 46.
(562) انظر "سعة رحمة رب العالمين" السيد الغباشي 22،23.
(563) الجواب المفيد : 26.
(564) وهم عيسى بن قاسم، و أحمد بن سويلم فتاوي ومسائل 12.
(565) مجموعة الشيخ 9/12، الفتاوي والمسائل.
(566) انظر ص262.
(567) انظر مجموعة الشيخ والرسائل الشخصية 12/201- 245.(1/496)
(568) المرجع السابق 12/204.
(569) انظر الرسالة بطولها، مجموعة الشيخ، الرسائل الشخصية 226-237، وانظر رسالته إلى رجل من أهل الاحساء يقال له أحمد بن عبد الكريم ص216-217.
(570) بعض من يحتج بهذا الكلام، يرى أن الحجة في أصول الدين قائمة بمقتضى الميثاق!! لكن الشيخ يؤكد أن حجة الله هي القرآن : فمن بلغه فقد بلغته الحجة، وانظر إرشاد المسلمين في الرد على القبوريين لابن معمر 68-72.
(571) مجموعة الشيخ 9/13.
(572) سيأتي تفصيل لذلك عند الكلام عن مسألة "حكم المتأولين"
(573) الأنعام، آية : 25.
(574) سورة الأنفال، آية : 22.
(575) مجموعة الشيخ 12/220،221.
(576) مصباح الظلام، 325، 326، وانظر الضياء الشارق 374، 375، وانظر مبحثاً نفيساً حول الفرق بين قيام الحجة وفهمها، وبيان مذهب أئمة الدعوة في ذلك، "الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه" لعبد الرزاق معاش 152- 164 (رسالة ماجستير، مطبوعة على الآلة الكاتبة) .
(577) ضوابط التكفير، عبد الله القرني 344.
(578) سورة الأنفال، آية : 22.
(579) سورة الفرقان، آية : 44.
(*) من كبار أئمة الدعوة، ولد في الدرعية سنة 1165ه- له مؤلفات مفيدة منها " الكلمات النافعة " "وجواب أهل السنة النبوية" عرف بالشجاعة أبناؤه علماء أشهرهم سليمان صاحب "تيسير العزيز الحميد" توفي في مصر سنة 1242ه-. انظر: مشاهير علماء نجد ص 48، وعلماء نجد 1/48، الاعلام 4/131.
(580) الكلمات النافعة 17،18.
(581) انظر هذا الكلام ص261.
(582) الكلمات النافعة 78.(1/497)
(583) عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ - رحمهم الله - ولد في الدرعية سنة 1225، وغادرها إلى مصر أثناء سقوط الدرعية، ودرس على مشايخ مصر، ثم عاد إلى الرياض، له جهود دعوية في منطقة الإحساء، ألف رسائل كثيرة من أبرزها "منهاج التأسيس" و "مصباح الظلام"، من أبرز تلامذته الشيخ سليمان بن سحمان، توفي سنة 1293ه-، انظر "مشاهير علماء نجد" 290، و "علماء نجد" 1/63.
(*) الهدية السنية ص46، 47 وانظر نصوصاً أخرى مجموعة الرسائل النجدية 1/246، 201.
(584) منهاج التأسيس ص65، 66.
(585) مجموعة الرسائل والمسائل 3/5.
(586) تاريخ نجد عن كتاب محمد بن عبد الوهاب للقاضي أحمد بن حجر.
(587) مصباح الظلام 324، 325.
(588) منهاج الحق والاتباع ص56، وانظر نصا مشابهاً في الضياء الشارق 372.
(589) الضياء الشارق 372، وانظر في هذا المعنى ص211.
(590) الضياء الشارق ص82.
(591) تبرئة الشيخين ص68.
(592) منهاج الحق والاتباع ص58.
(593) هو محمد بن بشير السهسواني الهندي: عالم بالحديث والفقه، ولد في لكنهؤ سنة 1250ه-، دعاه صديق خان إلى بهوبال سنة 1295، ففوض إليه رياسة المدارس الدينية فيها، له عدة مؤلفات، توفي في دلهي سنة 1326ه- انظر الأعلام 6/53.
(594) صيانة الإنسان 445، أصل هذه المقالة للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، انظر مصباح الظلام ص22، 23.(1/498)
(*) محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين محمود الألوسي الحسيني، أبو المعالي، ولد في رصافة بغداد سنة 1273ه-، جده الإمام محمود شهاب الدين صاحب التصانيف الشهيرة، ومن أشهرها تفسير "روح المعاني" تلقى أبو المعالي العلم عن أبيه وعمه العلامة نعمان خير الدين، مؤلف كتاب "جلاء العينين في محاكمة الأحمدين" من أعلام المدرسة السلفية المعاصرة، ساهم في نشر المذهب السلفي في العراق، ورد على أهل البدع، له مؤلفات كثيرة تربوا على الخمسين، توفي في بغداد سنة 1342ه-. انظر الأعلام 7/172،173، ومقدمة غاية الأماني .
(595) غاية الأماني في الرد على النبهاني 1/36.
(596) انظر القول تمامه ص261.
(597) الانتصار لحزب الله الموحدين ص29، "ضمن مجموعة" " عقيدة الموحدين".
(*) هو، محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، ولد في مدينة كحلان سنة 1099ه-، من أبرز علماء اليمن تصدى للبدع والشركيات والتعصب المذهبي، له نحو مائة مؤلف أشهرها "سبل السلام" و "توضيح الأفكار" و "تطهير الاعتقاد" توفي في صنعاء سنة 1182ه-، انظر الاعلام 6/38.
(598) انظر قول الصنعاني ص248.
(599) مصباح الظلام 22،23.
(600) تطهير الاعتقاد 132، ضمن مجموعة " عقيدة الموحدين".
(601) انظر سعة رحمة رب العالمين، للسيد الغباشي ص27.
(602) يؤكد بعض المؤرخين أن الصنعاني تراجع عن مدحه لدعوة الشيخ المجدد كما قال البسام في "علماء نجد" 3/948، ويرى الشيخ ابن سحمان في كتابه "تبرئة الشيخين الإمامين" الذي يدافع فيه عن الإمام المجدد وعن الصنعاني - يرى ابن سحمان أنه لم يتراجع، و الإمام الشوكاني هنا يؤكد أنه تراجع و أنه شرح قصيدته التي تراجع فيها، ولعل رأيه أقرب بحكم معرفته لعلماء بلده والله أعلم، انظر تفصيل لذلك في "تبرئة الشيخين" 182-195، و "دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب "ص39.(1/499)
(603) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه رقم 934 كتاب الجنائز : باب التشديد في النياحة، و أحمد في المسند 2/455، والبيهقي 4/63، الطحاوي في معاني الآثار 4/309، البغوي في شرح السند 5/437.
(604) الدر النضيد 32-34، وانظر رد الإمام الشوكاني عيه 34-43.
(605) فتح الباري 13/418، وانظر الإيمان الأوسط 80.
(606) سورة المائدة، آية : 112.
(607) تفسير الطبري (شاكر) 11/223، وانظر أدلة ترجيحية لهذه القراءة 11/218-224، وقال ابن حزم: (فهؤلاء الحواريون الذين أثنى الله عز وجل عليهم، قد قالوا بالجهل لعيسى عليه السلام : هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟! ولم يبطل بذلك إيمانهم وهذا مالا مخلص منه وإنما كانوا يكفرون لو قالوا ذلك بعد قيام الحجة وتبينهم لها ) الفصل 3/253.
(608) الأحكام في أصول الأحكام 1/133.
(609) نقلاً عن محاسن التأويل للقاسمي 5/1307.
(610) الروضة الندية 2/291.
(611) سعة رحمة رب العالمين ص36 عن شريط مسجل للسيخ الألباني لم أستطع الحصول عليه، وانظر أقوال أخرى للشيخ شبيه بهذا القول في كتاب "الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي " د.صلاح الصاوي ص104-112.
(*) تنبيهات لابد منها:
وبعد أخي القارئ، لعل من المناسب بعد نهاية هذا المبحث الهام ذكر بعض التنبيهات والضوابط لعلها تساعد في فهم وإدراك مذهب السلف في هذه المسألة وأسباب اللبس فيها، ولعلها-أيضاً- تساهم في تقريب وجهات النظر، ووضع المسألة في مكانها الطبيعي، ومن أهم هذه التنبيهات: (1)(1/500)
(1) ينبغي أن نعلم أن هذه المسألة ليست من المسائل التي يبدع فيها المخالف، بل من موارد الاجتهاد نظراً لتداخل بعض جزئياتها، فالمخالف مجتهد مخطئ في اجتهاده، ودافع الفريقين غالباً الغيرة على التوحيد، وعدم تمييع مسائل العقيدة، أما تضخيم القضية، وتضليل المخالف، وإلزامه بلوازم لم يقل بها، فهو خلل وانحراف، أما إذا التزم أحد الفريقين بأي من اللوازم الباطلة فهو مبتدع، وإليك الإشارة إلى أهم هذه اللوازم .
------------
(1) يمكن مراجعة بعض التنبيهات السابقة 1/234-243.
(2) من اللوازم التي قد يقع فيها بعض من يقول بعدم العذر بالجهل في مسائل العقائد :
أ - مخالفة منهج السلف في الاحتياط في تكفير المعين أو التأثر بمذهب الخوارج، في هذا الباب .
ب- اللبس في مسألة التحسين والتقبيح العقليين أو القول:بأن الحجة تقوم بدون إرسال الرسل .
ج- التوقف في الحكم بإسلام بعض المعينين ممن لم تقع عليهم الحجة وهذه ينبغي عدم إلزام كل من يقول ذلك بها.
(3) ومن اللوازم التي يقع فيها بعض من يرى العذر في مسائل العقيدة، وخاصة من لا يدرك هذا المذهب .
أ-عدم تكفير من يحكمون القوانين(التكفير بالعموم).
ب-الميل إلى مذهب الإرجاء، ومن ذلك حصر الكفر بالجحود فقط.
لكن هذه اللوازم ليست لازمة لكل القائلين بذلك، بل أكثر من يقول ذلك يكفر من يحكمون القوانين، ولا يحصر الكفر بالجحود بل يكفر المعرض والممتنع ..إلخ، ويشترطون جنس العمل للإيمان، وكذلك النطق بالشهادتين ..إلخ، وكذلك لا يعذرون كل جاهل في مسائل الأصول، بل من كان مقيماً في دار الإسلام لا يعذر له، فلا يلزم من القول تمييع العقيدة والتوحيد .(2/1)
(4) أؤكد ما بينته في ثنايا البحث من أن الجاهل المفرط لا يعذر بوجوده في دار الإسلام (مظنة العلم)، وقدرته على التعلم والفهم، وإنما العذر لمن لا يقدر على التعلم أو الفهم، أو لم تصله الحجة الصحيحة - أي أن الجهل عذر مؤقت، ومقيد بعمد توفر بعض الشروط، فإذا وجدت هذه الشروط أو أمكن وجودها تقديراً، فإن الجهل لا يبقى عذراً.
(5) أكرر ما ذكرته سابقاً من أن وجود السلطة الشرعية لتقيم الحجة وليستتب من يقع في الشرك جهلاً، هو الذي يحسم النزاع من الناحية العملية، لأن الأنظار تختلف حول قيام الحجة على فلان أو الطائفة الفلانية، أو أهل البلد الفلاني، فالمسألة نسبية كما نقلنا عن الأئمة.
(6) لعل من المفيد التذكير بالفرق بين التكفير بالعموم والتكفير المعين، فذم الشرك، ومن يقع فيه والتحذير من صوره، وتكفير فاعله والجهاد من أجل ذلك شئ، وتكفير كل من يرتكب شيئاً منه وعدم عذره بأي حال أمر آخر.
(7) ينبغي عدم فصل مسألة العذر بالجهل عن مسألة العذر بالتأويل أو الخطأ في الاجتهاد، فحين البحث في المسألة من المفيد تأمل السلف من بعض الفرق المؤلة (كالجهمية،والمعتزلة والرافضة،والخوارج..)، وهل كفروا جميعاً، وهل كفروا أعيانهم بشكل مطلق برغم انحرافاتهم العقدية الجلية والكثيرة؟، إذاً تكفير المتأولين بأعيانهم مطلقاً بصرف النظر عن قيام الحجة على المعين، مخالف لمذهب السلف في الاحتياط في تكفير الأعيان، رغم أن هؤلاء منهم الكافر ومنهم المبتدع الضال ومنهم الجاهل أو المخطئ الذي لا يكفر.
(8) أيضاً، يمكن أن نسأل من لا يعذرون بالشرك مطلقاً، ما الحكم في بعض العلماء الذين التبست عليهم بعض صور الشرك فزينوا التوسل بالأولياء أو الاستغاثة بهم الخ.. من أمثال السبكي والسيوطي والهيثمي، هل نقول أنهم لا يعذرون بالجهل أو التأويل فيكفرون لأنهم لم يفهموا التوحيد؟ أم معذرون في الحكم الأخروي فقط؟!.(2/2)
(9) لذلك يعجب المرء من حماسة البعض واصرارهم بدافع الغيرة على التوحيد، على عدم العذر في أصول العقيدة رغم أن هذا القول فيه تكفير لفئات كثيرة من الفرق المبتدعة وأتباعهم، ممن لم تقم الحجة على كثيره، ورغم الخلاف الواضح في المسألة، ألا يكون ذلك من باب التكفير بالظن؟
(10) العذر بالجهل لا يشمل من يقع في أمور فيها نقض مجمل لأصول الإسلام، مثل أن يسجد للصنم أو للشمس والقمر، أو ينكر نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم - أو لا يؤمن باليوم الآخر، أو يزعم أن لله صاحبة أو ولد أو يعتقد ألوهية البشر كبعض الباطنية، أو يعتقد أن بعض الناس يسعهم الخروج عن الشريعة ونحو ذلك (1)، فالعذر يكون لمن وقع في بعض الانحرافات العقدية، أو بعض آحاد الشرك وصوره ولم تقم عليه الحجة، فمحل العذر ما يتعلق بتفاصيل التوحيد لا بأصله والله أعلم، إذاً لابد من الأقرار المجمل بالإسلام والتوحيد والبراءة المجملة من الشرك وأهله.
(11) البحث الموضوعي يقتضي من الباحث جمع جميع الأدلة والأقوال في المسألة، وليس انتقاء أقوال تؤيد ما يذهب إليه، ولذلك أقول لبعض من يرجحون عدم العذر بشكل مطلق، وينسبون ذلك لبعض الأئمة كابن تيمية وابن عبد الوهاب، بدلاً من أن تردوا على بعض الباحثين المعاصرين، الأولى مناقشة وتوجيه أقوال هؤلاء الأئمة الصريحة في العذر في أصول العقيدة، رغم جهودهم المشهورة في نشر العقيدة والذب عنها، فما ذهب إليه من يقول بالعذر منقول عنهم وأكثر الاستدلالات هي استدلالاتهم، والقول بعموم العذر بضوابطه الشرعية هو مذهب السلف، ولم يعرف عنهم التفريق بين الأصول والفروع الذي جاء به المتأخرون .(2/3)
وفي الختام أحيل إلى رسالة قيمة في هذا الباب بعنوان "الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه" للأخ عبد الرازق معاش، وهي عبارة عن رسالة ماجستير من جامعة الإمام باشراف فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر البراك، وهي رسالة متميزة في بابها، وشاملة لمسألة العذر بالجهل وتفريعاتها. نسأل الله التوفيق والصواب.
-------------------
(1) يمكن مراجعة مبحث التأويل ففيه الإشارة إلى بعض الأمور التي لا عذر فيها لمتأول، وهكذا الجهل.
(612) تفسير ابن كثير 2/35.
(613) روح المعاني 6/103، وانظر تفسير الطبري 10/156، جامع الجوامع للسبكي 1/63.
(614) الحاوي للفتاوي للسيوطي 2/209، والتعريف المذكور لأبي عبد الله الأبي في شرحه لمسلم.
(615) بعض أهل العلم يفرق بين حكم أطفال المشركين وغيرهم ممن لم تبلغهم الدعوة لورود أدلة خاصة بهم.
(616) سبقت الإشارة إلى هذه الملاحظة ص254.
(617) طريق الهجرتين 384، وانظر شفاء العليل 578، 595، الاعتقاد للبيهقي 165، شرح النووي لمسلم 16/208.
(618) الحاوي للفتاوي 2/202.
(619) الفصل لابن حزم 4/73، وفيه أشار إلى أن هذا الحكم لا يشمل البالغين 4/74.
(620) انظر شرح مسلم 16/208، وقد نص على أن من لم يؤمن من أهل الفترة فهو في النار، انظر شرح مسلم 3/79.
(621) انظر فتح الباري 3/246.
(622) انظر التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة للإمام القرطبي ص612.
(623) انظر مجموع الفتاوي 24/372، والعواصم والقواصم لابن الوزير 7/248.
(624) أحكام أهل الذمة 2/623، وانظر طريق الهجرتين 362، وانظر كلام شيخ الإسلام، الفتاوي 24/372.
(625) انظر الجواب الصحيح 1/311، جمع الجوامع 1/62.
(626) انظر أحكام أهل الذمة 2/619.
(627) فتح الباري 3/246، والتمهيد لابن عبد البر 18/111، 112، وانظر أهل الفترة ومن في حكمهم لموفق شكري 98.
(628) الإبانة للأشعري ص33، وانظر مجموع الفتاوى 24/373، وأحكام أهل الذمة 2/649.(2/4)
(629) في كتابه "الرد على ابن قتيبة" نقلاً عن أحكام أهل الذمة 2/650.
(630) انظر الاعتقاد للبيهقي 170.
(631) الجواب الصحيح 1/312، وانظر درء التعارض 8/401، مختصر الفتاوى المصرية 643، والفتاوي 24/371-372.
(632) ساقط من كتاب "طريق الهجرتين" 369، والتصحيح من أحكام أهل الذمة 2/648.
(633) طريق الهجرتين 369.
(634) نفسه 371.
(635) تفسير ابن كثير 3/28، نلاحظ في هذا النص عن ابن كثير، وفي كلام ابن تيمية وابن القيم السابق، أنهم يساوون بين أهل الفترة وأطفال المشركين في الحكم.
(636) نفسه 3/30.
(637) أضواء البيان 3/440.
(638) وسبقت الإشارة إلى هذه الأدلة في مبحث "التعذيب والتكفير بعد قيام الحجة".
(639) الملك : 8-9.
(640) الإسراء : 15.
(641) انظر مزيداً من الأدلة في أضواء البيان 3/429-431، ودفع إيهام الاضطراب ضمن أضواء البيان 10/178-180.
(642) تفسير السعدي 4/266.
(643) حديث الأسود بن سريع رواه الإمام أحمد واللفظ له 4/24، والطبراني 2/79، والضياء في المختارة 1/463، وابن حبان (1827)، والبيهقي في الاعتقاد 169، والبزار (2174) وصححه البيهقي كما في الاعتقاد، وابن القيم كما في طريق الهجرتين 369، وعبد الحق الأشبيلي (انظر أحكام أهل الذمة 2/654) و الألباني كما في السلسلة 3/419.(2/5)
(644) أما حديث أبي هريرة فقد رواه الإمام أحمد 4/24، (واللفظ له)، وابن أبي عاصم في السنة 1/176، والبيهقي في الاعتقاد 169، والبزار (2175)، وصححه البيهقي في الاعتقاد، وابن القيم في أحكام أهل الذمة 2/654، والسيوطي في الحاوي 2/205، وابن تيمية في درء التعارض 8/399، والألباني في تعليقه على السنة لابن أبي عاصم، وفي السلسلة 3/419، وقال الهيثمي عن حديث أبي هريرة، وحديث الأسود: (هذا لفظ أحمد ورجاله من طريق الأسود بن سريع و أبي هريرة رجال الصحيح، وكذا رجال البزار فيهما) مجمع الزوائد 7/216 وللحديث شواهد من رواية أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، ومعاذ بن جبل، وثوبان، حسنها شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث ذكر أن أحاديث الامتحان رويت بأحاديث حسان (مختصر الفتاوي المصرية 643)، وقال الحافظ ابن كثير : ( إن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نص على ذلك كثير من الأئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن، و إذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر) التفسير 3/31، وقال الحافظ في الفتح : (وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون ومن مات في الفترة من طرق صحيحة) الفتح 3/346، انظر هذه الطرق والكلام حولها في مجمع الزوائد 7/215- 217، تفسير ابن كثير 3/28-30، وأحكام أهل الذمة 2/650- 653، والحاوي للسيوطي 2/204-205، والتمهيد 18/127،130.
(645) درء التعارض 8/401.
(646) أضواء البيان 3/438.
(647) انظر التذكرة للقرطبي 611، 612، والتمهيد 18/130.
(648) القلم : 42-43.
(649) الفتاوى 24/373، وانظر فتح الباري 3/246، وتفسير ابن كثير 3/31.
(650) هو: الحسين بن محمد الطيبي من أئمة الحديث والتفسير، كان شديد الرد على المبتدعة، من كتبه "الخلاصة في معرفة الحديث" وشرح مشكاة المصابيح" توفي سنة 743ه-، انظر الدرر الكامنة 2/68، البدر الطالع 1/29، الأعلام 2/256.(2/6)
(651) فتح الباري 11/451.
(652) طريق الهجرتين 373، وقد ذكر قول الإمام ابن عبد البر في أحكام أهل الذمة، ورد عليه من تسعة عشر وجهاً، 2/654-656.
(653) سورة الأحزاب : آية : 5.
(654) سورة الإسراء، آية : 31.
(655) سورة يوسف، آية : 97.
(656) لسان العرب 1/65-68، وانظر مختار الصحاح 179، 180، والنهاية في غريب الحديث 2/44،45، المعجم الوسيط 1/232.
(657) سيأتي تخريجه في الفقرة التالية.
(658) سيأتي تخريجه في الفقرة التالية.
(659) سورة النساء، آية : 92.
(660) المفردات : 151، وانظر كلاماً مفصلاً حول معنى الخطأ في الكتاب والسنة وكلام السلف : مجموع الفتاوي 20/19-24.
(661) جامع العلوم والحكم، 352.
(662) انظر فتح الباري 13/319.
(663) التعريفات 104.
(664) انظر بعضها في عوارض الأهلية عند الأصوليين، د. حسين الجبوري 395- 396.
(665) نفسه 396.
(666) انظر المفردات 102، لسان العرب 11/129.
(667) انظر المفردات 102، لسان العرب 84.
(668) انظر المفردات 102.
(669) سورة الحجرات، آية : 6.
(670)سورة الأحزاب، آية:5.
(671)فتح الباري 11/551.
(672)سورة النساء،آية:93.
(673)انظر إيثار الحق على الخلق 436.
(674)سورة البقرة،آية:286.
(675)رواه مسلم كتاب الإيمان، باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق "رقم126،عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(676)رواه ابن ماجه1/630، وابن حبان1498، والطحاوي في شرح معاني الآثار2/56، والدارقطني497،وابن حزم في أصول الحكام5/149،والحاكم وقال:"صحيح على شرط الشيخين"2/198، وحسنه النووي كما في جامع العلوم350، وصححه الألباني كما في إرواء الغليل 1/123.
(677)جامع العلوم والحكم352-354.
(678)سبق تخريجه في مبحث العذر بالجهل ص223.
(679)الاستقامة 1/164،165،وانظر 3/231،12/490، وغيرها.
(680) إيثار الحق 435، 436.(2/7)
(681) رواه البخاري، الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد.. "الفتح 13/318، ومس-لم الأقضية، "باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد.." شرح النووي 12/13.
(682) الفقيه والمتفقه 1/191، وانظر البحر المحيط للزركشي 6/262، والأحكام لابن حزم 2/652 وغيرها.
(683) روضة الناظر، 193.
(684) الزركشي: هو محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، عالم بفقه الشافعية و الأصول، ولد بمصر سنة 745ه-، له تصانيف كثيرة منها "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة"، و "البحر المحيط" ويبلغ ست مجلدات، وهو من أوسع الكتب في أصول الفقه، توفي بمصر سنة 794ه-، انظر الدرر الكامنة 3/397، شذرات الذهب 6/335، الأعلام 6/60، 61.
(685) البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي 6/241.
(686) مجموع الفتاوي 13/124، وانظر 20/24، وانظر تفريعات وتفصيلات أخرى لهذه المسألة في الفقيه والمتفقه 58-64، المحصول للرازي 2/47-91، والأحكام لابن حزم 2/658-660، روضة الناظر 193-200 وغيرها .
(687) انظر فتح الباري 13/319.
(688) مجموع الفتاوي 3/317، وانظر 12/496.
(689) مجموع الفتاوي 12/180.
(690) نفسه 12/466، وانظر 12/523، 524.
(691) أطال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مناقشة هذا الأصل وأقوال الناس فيه، ثم بين أقوال السلف وأدلتهم، ومن باب الاختصار سنكتفي ببيان مذهب السلف في هذا الأمر، انظر منهاج السنة، 5/84-125، ومجموع الفتاوي 19/203-227.
(692) رغم أنهم مخطئون في المسائل العلمية، و إنما عذر من عذر منهم لاجتهاده وتأوله، أما من رد شهادتهم من الأئمة - كمالك و أحمد - فليس ذلك مستلزماً لإثمهم، لكن المقصود إنكار المنكر وهجر من أظهر البدعة، انظر الفتاوى 13/125.(2/8)
(693) الخطابية : أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب مقلاص الأسدي الكوفي الأجدع المقتول سنة 143ه-، من غلاة الشيعة، قال النوبختي - الرافضي - : ( كان أبو الخطاب يدعي أن أبا عبد الله جعفر بن محمد (الصادق) عليهما السلام جعله قيمه ووصيه من بعده، وعلمه اسم الله الأعظم، ثم ترقى إلى أن ادعى الرسالة، ثم ادعى أنه من الملائكة و أنه رسول الله إلى أهل الأرض والحجة عليهم" فرق الشيعة للنوبختي الرافضي 37،38، وانظر مقالات الإسلاميين 1/75-81، الملل والنحل 1/380-385 وغيرها .
(694) منهاج السنة 5/87،88، وانظر الفتاوي 19/207،208، 13/125، 126، 23/346 وغيرها.
(695) أي المسائل العلمية الخبرية أو مسائل العقيدة.
(696) الصافات : 12، وعجبت، بالضم والفتح كلاهما قراءتان مشهورتان صحيحتان، انظر تفسير الطبري 23/29، وفتح القدير 4/388، وانظر الإشارة إلى إنكار شريح لهذه القراءة زاد المسير 7/49، 50 قال الزجاج : (وإنكار هذه القراءة غلط، لأن العجب من الله خلاف العجب من الآدميين) زاد المسير 7/50.
(697) سورة الرعد، آية 31، وانظر الإشارة إلى قراءة (أو لم يتبين) في تفسير الطبري 12/104، وزاد المسير لابن الجوزي 4/331.
(698) سورة الاسراء، آية : 23، وانظر الإشارة إلى قراءة (ووصى ربك) تفسير الطبري 15/47، وزاد المسير 5/22.
(699) مجموع الفتاوي 12/492، 493، وانظر أمثلة أخرى، الفتاوي 20/33-36، 3/229،230.
(700) سورة الإسراء، آية : 15.
(701) مجموع الفتاوي 20/31-32.(2/9)
(*) هناك كتب ودراسات عديدة حول الإكراه وما يتعلق به من مسائل ومنها، الإكراه وأثره في الأحكام الشرعية، د. عبد الفتاح الشيخ، والإكراه في الشريعة الإسلامية د.فخرى أبو صفية، الإكراه وأثره في التصرفات الشرعية، د. محمد سعود المعيني، الإكراه وأثره في التصرفات د. عيسى شقره، الإكراه وأثره في عقود المعاوضات المالية، د. إبراهيم العروان، إضافة إلى مباحث عوارض الأهلية في كتب الأصول والفقه، وسأحاول في هذا المبحث المختصر إعطاء تصور مجمل عن أهم مسائل الإكراه متجنباً كثيراً من الخلافات مما مجال بحثه خارج هذه الرسالة.
)702) لسان العرب 13/534 (مادة : كره) .
)703) نفسه 13/534 .
)704) المعجم الوسيط 2/791 (مادة : كره) .
)705) سورة آل عمران، آية : 83
)706) المصباح النير للفيومي 2/643 .
)707 ) المحلى لابن حزم 8/33 .
)708 ) فتح الباري 12/311.
)709 ) الشرقاوي هو : عبد الله بن حجازي بن إبراهيم الشرقاوي الأزهري، فقيه، من علماء مصر، ولد سنة 1150 ه-، تعلم في الأزهر، وولي مشيخته سنة 1208 ه-، وله مصنفات منها (حاشية على شرح التحرير) في فقه الشافعية، توفي في القاهرة سنة 1227 ه-، أنظر الأعلام 4/78 .
)710 ) حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب 2/390 .
)711 ) علاء الدين البخاري : هو محمد بن محمد بن محمد البخاري، علاء الدين، من كبار فقهاء الحنفية، ولد سنة 779ه- بإيران، ونشأ ببخاري ورحل إلى الهند ثم استوطن مصر ومات في دمشق 841 ه-، من أشهر شيوخه السعد التفتازاني، اشتهر بالإنكار على أهل الظلم والجور، تصدر للتعليم، وأخذ عنه العلم أهل المذاهب، له مصنفات منها الرد على ابن عربي، انظر شذرات الذهب 7/241 ،242، الأعلام 7/46، 47.(2/10)
)712 ) كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي 4/482، وانظر تعريفات أخرى لأئمة المذاهب في الإكراه وأثره في التصرفات، د. عيسى شقره 40 ،41، الإكراه في الشريعة د. فخري أبو صفية 21-24، والإكراه وأثره في التصرفات، د. محمد المعيني 29-32 وغيرها .
)713 ) انظر الإكراه وأثره في عقود المفاوضات المالية د. إبراهيم العروان، البدائع للكاساني 7/175، حاشية ابن عابدين 5/109، وانظر في الفرق بين الإكراه والضرورة، التشريع الجنائي 1/576 ،577، والإكراه وأثره في التصرفات، د. محمد المعيني 37-44 .
)714 ) انظر كشف الأسرار للبزودي 4/383، تبيين الحقائق للزيلعي 5/181، حاشية ابن عابدين 5/109 .
)715 ) ذهب بعض الأحناف إلى اعتبار هذا القسم نوعاً ثالثاً، أما بقية الفقهاء فقد أدخلوه في النوعين السابقين، انظر كشف الأسرار 4/383، الإكراه وأثره في التصرفات د. عيسى شقره 61 .
)716 ) انظر الإكراه وأثره في التصرفات، د. عيسى شقره، 60، 61، وانظر في ترجيح ذلك المبسوط للسرخسي 24/143، 144.
)717 ) المغني 7/120، انظر في ذلك مغني المحتاج للشربيني 3/290، أسني المطالب 3/283، فتح الباري 12/324 .
)718 ) الإنصاف للمرداوي 8/141 .
)719 ) تفسير القرطبي 10/183، وانظر أحكام القرآن لابن العربي 3/1177، فتح الباري 12/312 .
)720 ) جامع العلوم والحكم 354 .
)721 ) جامع العلوم والحكم 354، انظر مناقشة لهذه الأقوال، عوارض الأهلية عند الأصوليين د. حسين الجبوري 488-492 .
)722 ) الأشباه والنظائر للسيوطي 208 .
)723 ) تفسير القرطبي 10/182، 183 .
)724 ) سورة النور، آية : 33 .
)725 ) جامع العلوم والحكم 355، وانظر فتح الباري 12/314 .
)726 ) سورة النحل، آية :106 .
)727 ) فتح القدير 3/197 .
)728 ) سورة النور، آية : 33.
)729 ) فتح القدير 4/30 .
)730 (تفسير ابن كثير 3/289 .(2/11)
)731( أحكام القرآن 3/1386، 1387، وانظر تفصيل الخلاف في مسألة الإكراه على الزنا، وهل يفرق في ذلك بين زنا الرجل، وزنا المرأة، رفع الحرج في الشريعة للشيخ صالح بن حميد 251-255 والإكراه وأثره في التصرفات، د. عيسى شقره 194 - 200 .
)732 ) سيأتي تخريجه في الفقرة القادمة .
)733 ) المغني 7/119، وانظر الروايتين عن أحمد في المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى 2/155 ،156 .
)734 ) كتاب الروايتين والوجهين 2/156 .
)735 ) تفسير القرطبي 10/190 .
(736) أحكام القرآن 3/1177 .
(737) مجموعة التوحيد 297 .
(*) انظر هذه الشروط في المغني 7/120، فتح الباري 12/311، الأشباه والنظائر للسيوطي 209، بدائع الصنائع 7/175، نهاية المحتاج 6/446، والإكراه وأثره في التصرفات د. عيسى شقره 43-58، رفع الحرج في الشريعة د. صالح بن حميد 242، الإكراه وأثره في عقود المعاوضات المالية د. إبراهيم العروان 57-61، والإكراه في الشريعة الإسلامية د. فخري أبو صفية 30-43. وغيرها، وهذه الشروط وإن تفاوت عددها في هذه المصادر، إلا أنها لا تتجاوز هذه الأربعة المذكورة، أما ما عداها فإما راجع إليها أو لا يصح أن يكون شرطاً والله أعلم، انظر تفصيل ذلك في المراجع المذكورة .
(738) المغني لابن قدامة 7/120 .
(*)(*) السرخسي هو : محمد بن أحمد بن سهل، أبو بكر، مجتهد، من كبار الأحناف، من أهل سرخس في خراسان، اشهر كتبه (المبسوط) في الفقه، ثلاثون جزءاً، أملاه وهو في = السجن، وله (شرح السير الكبير للإمام محمد بن الحسن الشيباني)، توفي سنة 483. انظر الأعلام 5/315 .
(739) المبسوط 7/119 .
(740) انظر في بيان ذلك، الإكراه وأثره في عقود المفاوضات المالية د. إبراهيم العروان 53-56، الإكراه وأثره في التصرفات د. عيسى شقره 50-57، ضوابط التكفير عبد الله القرني 287 .
(741) سورة النحل، آية : 106 .(2/12)
(742) أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر : أخو سلمة وقيل هما واحد، روى عن أبيه وجابر بن عبد الله رضي الله عنه، وغيرهم، وروى عنه ابنه عبد الله، وعبد الكريم الجزري، وابن إسحاق وغيرهم، قال في التقريب (مقبول، من الرابعة، 2/448، وانظر تهذيب التهذيب 12/160 .
(743) رواه ابن جرير الطبري 24/122، وابن سعد في الطبقات 3/249، والبيهقي في السنن الكبرى 8/208، 209 والحاكم في المستدرك 2/357، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، ونسبه السيوطي إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه، الدر المنثور 5/170، وزاد الحافظ ابن حجر نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وقال عنه : وهو مرسل ورجاله ثقات، ثم ذكر له طرقاً أخرى مرسله ثم قال : وهذه المراسيل تقوي بعضها ببعض (الفتح 12/312) .
(744) الإصابة 2/512، وانظر بعض الآثار المصرحة بذلك في تفسير الطبري 24/122، وطبقات ابن سعد 3/249، والدر المنثور 5/170 .
(745) أحكام القرآن 3/192 .
(746) أحكام القرآن 3/1180 .
(747) تفسير ابن كثير 2/587 .
(748) زاد المسير 4/496 .
(749) فتح القدير 3/196 .
(750) اشترط بعض الفقهاء للنطق بكلمة الكفر، أن يكون الإكراه تاماً (ملجئا)، واشترط آخرون التعريض والتورية بالكفر حال الإكراه، ولم يسندوا كلامهم بأدلة معتبرة، انظر بعض هذه الأقوال في بدائع الصنائع 7/177، حاشية ابن عابدين 6/134، أحكام القرآن لابن العربي 3/1178، وأحكام الجصاص 3/192، 194، والإكراه وأثره في التصرفات، د. عيسى شقره 115 - 118، والإكراه وأثره في الأحكام د. عبد الفتاح الشيخ 63 - 66 .
(751) فتح الباري 12/314، وانظر تفسير القرطبي 10/182 .
(752) أحكام القرآن 3/1178.
(753) فتح الباري 12/317، وانظر تفسير القرطبي 10/188 .
(754) أحكام القرآن 3/1179 .
(755) تفسير ابن كثير 2/588، وانظر المغني 8/146، وأحكام القرآن للجصاص 3/192 .(2/13)
(756) رواه البخاري، كتاب الإكراه، (باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر (رقم 6943).
(757) تفسير القرطبي 10/188 .
(758) انظر عوارض الأهلية عند الأصوليين 495.
(759) البحر المحيط لأبي حيان 2/424 .
(760) سورة آل عمران، آية : 7.
(761) لسان العرب 11/32-34 .
(762) تهذيب اللغة للأزهري 15/437 .
(763) سورة الأعراف، آية 53 .
(764) مقاييس اللغة لابن فارس 1/159، وانظر في المعني اللغوي، النهاية 1/80-81، مجموع الفتاوي 13/290-294، والصواعق المرسلة لابن القيم 1/175 -178، وانظر مبحثاً نفيسا حول أطوار استعمالات كلمة التأويل في (الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل ) لمحمد السيد الجليند 27-50 .
(765 ا) نظر مجموع الفتاوى 13/293 .
(766) سورة الأعراف، آية :53 .
(767) رواه البخاري الأذان، (باب التسبيح والدعاء في السجود (2/299، و مسلم، الصلاة باب ما يقال في الركوع والسجود) 1/350 .
(768) مجموع الفتاوى 4/68 - 70، وانظر 3/54 - 68، 5/28 - 36، 13/277 - 313، =الصواعق المرسلة 1/175 - 233، شرح الطحاوية 231-236 .
(769) محموع الفتاوى 13/287 .
(770) الدره فيما يجب اعتقاده لابن حزم 414 .
(771) مضى تخريجه والكلام عليه ص 223 .
(772) مجموع الفتاوى 3/231 .
(773) كقدامة ابن مظعون وأصحابه رضي الله عنهم، روى ذلك عبد الرزاق في المصنف 9/240، 242، وابن أبي شيبة 9/ 546، والبيهقي في سننه 8/16، وأخرجها أبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وابن المنذر كما في الدر المنثور 3/161، 174، وابن السكن كما في الإصابة 3/228، 229، والجوزجاني كما في منهاج السنة 6/84، وفي بعض الروايات ذكر قدامة ، وبعضها لم يذكر.
(774) مجموع الفتاوى 7/619 .
(775) والآية هي قوله تعالى : (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ..الآية) المائدة 93 .
(776) الرد على البكري 258 .
(777) مدارج السالكين 1/367 .(2/14)
(*) محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى، أبو عبد الله من آل وزير، من فقهاء وأعيان اليمن، ولد في هجرة الظهران سنة 775 ه-، وتعلم بصنعاء وصعده ومكة، حارب التعصب والتقليد وله كتب مشهورة ومفيدة منها (العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم : ومختصره (الروض الباسم)، وإيثار الحق على الخلق وغيرها، وتوفي بصنعاء سنة 840 ه-، انظر البدر الطالع 2/81، الضوء اللامع 6/272 .
(778) سورة الأحزاب، آية : 5
(779) سورة البقرة، آية : 286 .
(780) عن أبي هريرة وعن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواهما الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان (باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق) رقم، 125، 126 .
(781) إيثار الحق على الخلق 435 .
(782) نفسه 436 .
(783) سورة النحل : آية : 106 .
(784) إيثار الحق 437 .
(785) سيأتي إيضاح التأويل الذي يعذر صاحبه والذي لا يعذر .
(786) إيثار الحق 437 .
(787) الأم 6/205، 206 .
(788) رواه البخاري، الإيمان، باب (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ..الآية) 1/81، وفي الديات، وفي الفتن، ومسلم في الفتن (باب إذا التقى المسلمان بسيفهما) رقم 2888، أبو داود في الفتن (باب النهي عن القتال في الفتنة رقم 4268، والنسائي، في تحريم الدم، باب تحريم القتل 7/125 من طريق أبي بكرة ).
(789) مجموع الفتاوى 20/263 - 268 .
(790) إيثار الحق 415 .
(791) العواصم والقواصم 4/176 .
(792) شرح الفقه الأكبر 69، وانظر فيصل التفرقة، للغزالي 147، والاقتصاد في الاعتقاد 156 - 160 .
(793) الفصل 2/114 .
(794) مجموع الفتاوى 3/351، 352، 282، وانظر 7/507 .
(795) مثل قولهم، من قال : القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال : إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر ونحو ذلك .
(796) الفتاوى 12/487، 488 .
(797) نفسه 7/507، 508، وانظر 12/488، 489، 23/348، 349 .
(798) مجموع الفتاوى 12/489 وانظر الإرشاد إلى معرفة الأحكام، للسعدي 209 .(2/15)
(799) نفسه 6/61
(800) مع التفريق : بين التكفير بالعموم والتعيين .
(801) ذكر الإمام الطبري والخطابي الإجماع على كفر الخوارج، ونقل عن غيرهم من الأئمة خلاف ذلك، انظر فتح الباري 12/299 - 301، والفتاوى 3/28، إيثار الحق 429، العواصم والقواصم 4/369، وغيرها .
(802) توضيح الكافية الشافية 156 - 158، وانظر نصاً مشابهاً في الإرشاد إلى معرفة الأحكام = 207 - 209، وانظر في مسألة إكفار المتأولين، الشفا للقاضي عياض 2/1051 - 1086، إيثار الحق على الخلق 420 - 450، والقواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ محمد العثيمين 87 - 89 وتفصيل جيد لسعيد بن ناصر الغامدي في (حقيقة البدعة وأحكامها ) 2/262-300.
(803) لازم قول الإنسان نوعان، لازم قوله الحق، واللوازم الباطلة، واللازم له ثلاث حالات، الأولى : أن يذكر للقائل ويلتزم به، الثانية : أن يذكره، ويمنع التلازم بينه وبين قوله، الثالثة : أن يكون اللازم مسكوتاً عنه فلا يذكر بالتزام ولا منع، انظر القواعد المثلى للشيخ محمد العثيمين ص12، وحديثنا هنا سيقتصر على اللوازم الباطلة المسكوت عنها .
(804) بداية المجتهد 2/492 .
(805) انظر التعريفات للجرجاني 199-200 .
(806) شرح نونية ابن القيم د. محمد خليل هراس 2/235 .
(807) الفصل 3/250 .
(808) مجموع الفتاوى 29/41، 42 .
(809) نفسه 20/217، وانظر 5/306 .
(810) العواصم والقواصم 4/368 .
(811) توضيح الكافية الشافية 155، 156 .
(812) القواعد المثلى 12،13 .
(813) انظر، الاعتصام للشاطبي 2/197، الشفا للقاضي عياض 2/1084 - 1086، فتح المغيث للسخاوي 1/334، شرح القصيدة النونية، د. محمد خليل هراس 2/34 - 37، = وشرح القصيدة النونية لابن عيسى 2/394 - 395، وغيرها .(2/16)
(814) انظر في التعريف اللغوي لسان العرب 3/367، مختار الصحاح 548، البحر المحيط للزركشي 6/270، الأحكام في أصول الأحكام للأمدي 4/221، إرشاد الفحول للشوكاني 265، مختصر حصول المأمول من علم الأصول لصديق حسن خان، 118، شرح الورقات عبد الله بن صالح الفوزان 170 وغيرها .
(815) وهذا التعريف نسب إلى القفال، انظر البحر المحيط 6/270، وإرشاد الفحول 265 .
(816) ذكره ابن حزم في الأحكام 2/836، وابن تيمية 2/15، 16، والجويني، والغزالي والآمدي وابن حزم في الأحكام 2/836، وابن الحاجب وغيرهم انظر الأحكام للآمدي 4/221، البحر المحيط 6/270، شرح الورقات للفوزان 171 .
(817) وهو ترجيح أبي عبد الله بن خويز منداد البصري المالكي، وابن الهمام في التحرير، والشوكاني = وغيرهم انظر جامع بيان العلم وفضله 2/117، إرشاد الفحول 265 .
(818) الأصول من علم الأصول للشيخ محمد العثيمين 100، وانظر شرح الورقات لعبد الله الفوزان 171 .
(819) ليس المجال هنا تفصيل الخلاف في المسألة وأقوال الأئمة وحججهم، إنما إعطاء تصور مجمل مختصر عن حكم هذه المسألة .
(820) مجموع الفتاوى 20/203-204 .
(821) جامع بيان العلم وفضله 2/114 ،115 .
(822) يقو شيخ الإسلام - رحمه الله - في بيان حكم تقليد المجتهد لمجتهد مثله : (...ولهذا نقل غير واحد الإجماع على أنه لا يجوز للعالم أن يقلد غيره إذا كان قد اجتهد واستدل وتبين له الحق الذي جاء به الرسول، فهناك لا يجوز له تقليد من قال خلاف ذلك بلا نزاع، ولكن هل يجوز مع قدرته على الاستلال أن يقلد هذا فيه قولان..) الفتاوى 19/261.
(823) أضواء البيان 7/487 - 489، وهذا هو التقليد الذي تكلم الأئمة المحققون في بيان فساده وبطلانه.
(824) أبو منصور البغدادي .
(825) البحر المحيط 6/278 .
(826) المحصول 2/125، وانظر الأحكام للآمدي 4/223, واللمع في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي 125, والمسودة 457، وإرشاد الفحول 266 وغيرها .(2/17)
(827) انظر الأحكام للآمدي 4/223، والمعتمد 2/941 .
(828) سورة آل عمران، آية : 190 -191 .
(829) البحر المحيط 6/278، وقال الزركشي : (وقد اشتهرت هذه المقالة عن الأشعري، أن إيمان المقلد لا يصح، وقد أنكر أبو القاسم القشيري، والشيخ أبو محمد الجويني وغيرهما من المحققين صحته عنه) 6/279. وانظر في مسألة إيمان المقلد، المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 1/145 - 150، وأصول الدين للبغدادي 254، 255، وشرح الفقه الأكبر لملا القاري 121، فتح الباري 13/349 .
(830) انظر الأحكام للآمدي 4/228 .
(831) انظر البحر المحيط 6/283، والمحصول 2/127 .
(832) انظر البحر المحيط 6/278، إرشاد الفحول 266، الأحكام للآمدي 4/223، وغيرها .
(833) مجموع الفتاوى 20/202 .
(834) الأحكام للآمدي 4/225، أما القول بأن المطلوب في العقائد اليقين وفي الفروع الظن فهذا من بدع المتكلمين المشهورة، وبسببها قالوا : لا يحتج بحديث الآحاد في أمور العقيدة، ولا يصح إيمان المقلد وغير ذلك من البدع، وقد سبقت الإشارة إلى فساد هذا التفريق.
(835) البحر المحيط 6/279، وانظر إرشاد الفحول 267 .
(836) فتح الباري 13/354 .
(837) إرشاد الفحول، 266 .
(838) فتح الباري 13/354 .
(839) إلا إذا عجز عن الاستدلال إما لتكافؤ الأدلة، أو لضيق الوقت عن الاجتهاد ونحو ذلك، انظر الفتاوى 20/204 .
(840) مجموع الفتاوى 2/367 .
(841) في الأصل (لمن)، والصحيح ما أثبتناه .
(842) مجموع الفتاوى 23/349 .
(843) مجموع الفتاوى 20/32، 33.
(844) مجموع الفتاوى 2/106 - 107، وانظر 2/131 - 133، 378 .
(845) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم - رحمه الله - 174، 175، وانظر نفس التفصيل في النونية شرح ابن عيسى، 2/241، 244 .
(846) الإبانة لابن بطة العكبري 2/764 .
(847) الضياء الشارق، سليمان بن سحمان 349 .
(848) الشفا 2/1073 .
(849) المغني 8/131 .(2/18)
(850) المغني 8/131، وانظر كلامه عن حكم جاحد وجوب الزكاة 2/573 فقد ساوى بين الإنكار والجحد .
(851) العواصم والقواصم 4/174 .
(852) توحيد الخلاق 98، ومثله معارج القبول 2/357 .
(853) شرح الفقه الأكبر 143 .
(854) الدواء العاجل 34 ضمن مجموعة الرسائل السلفية .
(855) الرسالة التسعينية ضمن الفتاوى الكبرى 5/164 .
(856) سورة يونس، آية : 39 .
(857) سورة النمل، آية :14
(858) معارج القبول 2/593 (محقق) .
(*) التصديق المقصود هنا هو قول القلب، لأنه قد يستعمل أحياناً لعمل القلب أو لقول القلب وعمله جميعاً كما أشرنا في أول البحث.
(859) الشفا للقاضي عياض 2/1101 (شرح الخفاجي على الشفا مطبوع، والنقل هنا من حاشية الشفا المطبوع لوحده) .
(860) مفتاح دار السعادة 1/94، وانظر التوضيح عن توحيد الخلاق 89 .
(861) الصارم المسلول 523 .
(862 مجموع الفتاوى 7/237 .
(863 تعظيم قدر الصلاة 2/775 .
(864) نفسه 2/695 .
(865) زاد المعاد 3/638 .
(866) مجموع الفتاوى 7/398 - 400.
(867) الإبانة 2/764 .
(868) الشفا 2/1073 .
(869) الشفا 2/1076 - 1077 /، وانظر ص 1101، وانظر تهذيب رسالة البدر الرشيد في الألفاظ المكفرات ص 23، 53.
(870) مسلم بشرح النووي 1/128 .
(871) المغني 8/131 .
(872) مجموع الفتاوى 11/405 .
(873) مدراج السالكين 1/367 .
(874) شرح الطحاوية 355 .
(875) شرح الفقه الأكبر 138، وانظر ص 143 .
(876) المنهاج 1/59 .
(877) انظر نصوص أخرى في الدواء العاجل للشوكاني ص 34، الروض المربع 3/339، معارج القبول 2/593، الضياء الشارق 349، والتوضيح عن توحيد الخلاق 135 - 150 وغيرها كثير .
(878) انظر معارج القبول 2/357، وقال - رحمه الله - : (لأنه حينئذ يكون مكذباً بالكتاب ومكذباً بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك كفر بالكتاب والسنة والإجماع ?)، وانظر الصارم المسلول 523 .
(879) شرح الطحاوية 355، وانظر شرح الفقه الأكبر 58 .(2/19)
(880) شرح السنة 1/103 .
(881) الشفا 2/1073 .
(882) المغني 8/131 .
(883) روضة الطالبين 5/64، ونص شبيه كفاية الأخيار 2/125، ومسلم بشرح النووي 1/150 .
(884) شرح الفقه الأكبر 126، وانظر نفس النص في تهذيب رسالة البدر الرشيد 46 .
(885) نهاية المحتاج شرح المنهاج 7/411 .
(886) شرح الفقه الأكبر 126 .
(887) الصارم المسلول 518، ومعلوم أن الغيبة ليست من الكبائر لأنه لم يرد وعيد ولا حد على فاعلها ولكن تحريمه متواتر بالكتاب والسنة والإجماع .
(888) العواصم والقواصم 4/174 .
(889) روضة الطالبين 2/146، وانظر 10/65، ومسلم بشرح النووي 1/173، ونهاية المحتاج شرح المنهاج 7/411.
(890) أحكام الأحكام 2/232 .
(891) رواه مسلم، كتاب الإيمان، مسلم بشرح النووي 1/224 .
(892) نفسه 1/237 .
(893) سورة الحجرات، آية : 15 .
(894) الريب والريبة : الشك والظن والتهمة ...قال القتيبي : الريبة والريب : الشك، لا ريب فيه : لا شك فيه، قال تعالى : (ذلك الكتاب لا ريب فيه ) (البقرة 2) أي لا شك فيه، لسان العرب 1/442، قال ابن أبي حاتم : (لا أعلم في هذا خلافاً) تفسير ابن كثير 1/71 وانظر تفسير الطبري (شاكر) 1/228، 229.
(895) سورة التوبة، آية : 45.
(896) معارج القبول 1/378، 379 .
(897) مدراج السالكين 2/413-415 .
(898) انظر إيضاح لذلك في رسالة د. سفر الحوالي (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي) رسالة دكتوراه، (مطبوع على الآلة الكاتبة)، ص 432، 434.
(899) سورة محمد، آية : 91 .
(900) رواه مسلم، كتاب الإيمان 1/218 .
(901) انظر رسالة الدكتور سفر الحوالي 431 - 432 .
(902) انظر لسان العرب 10/451 .
(903) الضياء الشارق لسليمان بن سحمان 374 .
(904) مدارج السالكين 1/367 .
(905) الشفا 2/1069 .
(906) الشفا 2/1071 .
(907) نفسه 2/1101 .
(908) مجموع الفتاوى 2/368 .
(909) الصارم المسلول 591، 592 .
(910) مجموعة الشيخ (الرسائل الشخصية) 213 .(2/20)
(911) رسالة أوثق عرى الايمان، الجامع الفريد ص 370 .
(912) الضياء الشارق 374 .
(913) مجموع الفتاوى 14/108، وانظر الإيمان 268 .
(*) هناك فرق في هذه المسألة بين معتقد الصوفية والباطنية، فالصوفية يقولون إن العبد يصل إلى درجة من الصفاء واليقين بسبب العبادة فيسقط عنه التكليف، أما الباطنية : فيؤولون التكاليف الشرعية بتأويلات باطنية تخالف مقصودها وأصلها، وتركيزنا هنا على الصوفية.
(914) كتاب شيخ الجبل الثالث المصطفى غالب ص 141، نقلاً عن أصول الإسماعيلية 2/831، رسالة دكتوراه، د. سليمان السلومي (مخطوط) .
(915) الأنوار اللطيفة 102 .
(916) الهفت الشريف للمفضل الجعفي ص 42، تحقيق غالب الإسماعيلي .
(917) الهفت الشريف ص 65 .
(918) مقالات الإسلاميين 289 .
(919) سورة الحجر، آية :99.
(920) اتحاف السادة للزبيدي 8/278.
(921) الفصل 4/226 .
(922) تلبيس إبليس 496 .
(923) مجموع الفتاوى 11/405 .
(924 سورة الحجر، آية : 99.
(925) مجموع الفتاوى 11/417 .
(926) نفسه 11/420-422 .
(*) ه--و عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني، فقيه، أصولي، من أعلام الصوفية، ولد في قلقشنده بمصر سنة 898 ه- له تصانيف كثيرة منها : (الجوهر المصون والسر المرقوم ...) ولواقح الأنوار في طبقات الأخيار توفي سنة 973 ه- انظر شذرات الذهب 8/372، فهرس الفهارس للكتاني 2/405، معجم المؤلفين 218 .
(927 ) تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ص73، 86 نقلاً عن دراسات في التصوف، إحسان إلهي ظهير رحمه الله ص98 .(2/21)
(928) الملامتية : ومقصودهم الظهور بين الناس بالمظاهر التي لا تتفق مع الشرع كإتيان البهائم وشرب الخمور والسرقة ليستروا عن الناس ولايتهم - زعموا - وليستجلبوا ملامة الناس وتأنيبهم فيسقطوا من أعينهم، ومن أشهر رجالهم حمدون القصار، وأبو حفص الحداد، انظر تلبيس إبليس لابن الجوزي 482 ،491، دراسات في التصوف الإسلامي، د. محمد جلال شرف، والكشف عن حقيقة التصوف (لمحمود القاسم ص 355) .
(929) الطبقات الكبرى 2/144 .
(930) نفسه 2/150 .
(931) نفسه 2/185، 186 .
(932) يراجع في هذا المبحث التصوف المنشأ والمصادر، إحسان إلهي ظهير - رحمه الله - 260 -273، أصول الإسماعيلية، رسالة دكتوراه (مخطوطة)، د. سليمان السلومي 2/834 - 841، ورسالة (التكفير والمكفرات) رسالة ماجستير (مخطوطة) حسن بن علي العواجي 2/455 - 466 .
(933) انظر مجموع الفتاوى 10/244 .
(934) نفسه 11/422 .
(935) سورة يونس، آية : 62، 63 .
(936) سورة الحجر، آية : 99 .
(937) سورة المدثر، الآيات : 42 -47 .
(938) سورة البقرة، آية : 4 .
(939) مجموع الفتاوى 11/418، 419، وانظر 539، 540 .
(940) تفسير ابن كثير 2/560 .
(941) انظر الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، د. عبد الرحمن عبد الخالق 125 .
(942) رصد بعض الباحثين أكثر من عشرين كتاباً، ألفت عن الخضر، من أشهرها، الحذر في أمر الخضر لملا علي القاري، (والروض النضر في الكلام عن الخضر) لمرعي المقدسي، (والزهر النضر في نبأ الخضر) لابن حجر العسقلاني، (وعجالة المنتظر في شرح حال الخضر) لابن الجوزي. انظر مقدمة كتاب (الحذر في أمر الخضر) لملا القاري تحقيق محمد خير رمضان يوسف ص 45 - 49 .
(943) انظر مجموع الفتاوى 2/234، 4/318، 3/422، 10/334، 344، 11/402 - 426، 539، 263، 607، 13/266 .(2/22)
(944) بأرض من سلام، استفهام جاء في بعض الروايات، هل بأرض من سلام ؟ قال في الفتح : وهو استفهام استبعاد يدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين، الفتح 8/270 .
(945) انظر فتح الباري، كتاب أحاديث الأنبياء 6/497، وكتاب التفسير 8/263 .
(946) انظر الحذر في أمر الخضر لملا قاري 144 .
(947) مجموع الفتاوى 11/263، 264 , ومثله 425، 426، 2/234، 13/266 .
(948) انظر الفكر الصوفي 132 .
(949) الشفا 2/1074 .
(950) الإقناع مع شرحه كشاف القناع 6/171 .
(951) مجموعة الرسائل والمسائل 44، 45 .
(952) مجموع الفتاوى 3/422، وانظر كلاماً مشابهاً للقسطلاني، الحذر في أمر الخضر 145، 146 .
(953) نفسه 11/402 .
(954) نفسه 11/539 .
(955) شرح الفقه الأكبر 183 .
(956) الرسائل الشخصية 214 .
(957) انظر مفتاح دار السعادة 1/94، معارج القبول 2/12 .
(958) انظر ص 288، 289 .
(959) بعض أهل العلم يدخل توحيد الأسماء والصفات ضمن توحيد الربوبية .
(960) انظر مذكرة التوحيد للشيخ عبد الرازق عفيفي، ص20، 29 .
(961) مجموعة الشيخ 1/371 .
(962) سورة الكافرون، آية :1
(963) سورة آل عمران، آية : 64 .
(964) مدارج السالكين 3/468 -469، وانظر شرح الطحاوية ص 88 .
(965) معارج القبول 1/54 .
(966) سورة الناس، آية : 1، 2، 3 .
(967) سورة التوبة آية : 60 .
(968) جزء من حديث رواه البخاري كتاب المغازي باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن الفتح 8/64 ومسلم كتاب الإيمان (باب الدعاء إلى الشهادتين رقم 19) .
(969) سورة الحج، آية : 40.
(970) سورة الأنعام، آية : 164 .
(971) سورة فصلت، آية : 30 .
(972) مؤلفات السيخ الإمام 5/17، وانظر مجموع الفتاوى 10/284 .
(973) انظر شرح الطحاوية 83، 84، مذكرة التوحيد 29 .
(974) انظر مجموع الفتاوى 1/91، 92، اقتضاء الصراط المستقيم 2/703، 704 وغيرها.
(975) سورة النساء، آية : 48 .(2/23)
(976) سيأتي إيضاح لذلك عند الكلام عن الشرك في الألهية .
(977) (تأويل الدعائم ) للقاضي النعمان 1/145 .
(978) (المجالس المؤيدية لهبة الله الشيرازي ص 441 نقلاً عن الإسماعيلية، وإحسان إلهي ظهير ص 376 .
(979) (المجالس والمسايرات) للقاضي النعمان 404.
(980) (المجالس والمسايرات) للقاضي النعمان 404، وقد كذبوا على علي - رضي الله عنه - فيما نقلوا عنه .
(*)عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الجيلي، ابن سبط الشيخ عبد القادر الجيلاني، من علماء المتصوفة له كتب كثيرة، من أشهرها : (الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل) في اصطلاح الصوفية، توفي سنة 832 ه-، انظر كشف الظنون 181، الأعلام 4/51.
(981) ( الكافي) للكليني ج1ص 260 -261.
(982) (دلائل الإمامة) أبو جعفر الطبري الشيعي ص 67 .
(983) (الإنسان الكامل) 2/97 .
(984) راجع ذلك وأمثاله في الفكر الصوفي لعبد الرحمن عبد الخالق 179 - 181 .
(985) رماح حزب الرحيم في نحور حزب الرجيم 28:1 نقلاً عن التيجانية، د. علي الدخيل الله ص 184 وانظر نصوصاً أخرى في نفس الموضع .
(986) سيأتي مبحث الكهنة والعرافين في النواقض العملية، ولذلك اختصرنا الحديث فيه، قال الإمام الخطابي- رحمه الله- (الكاهن : هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب، ويخبر الناس عن الكوائن ...وكان منهم من يسمى عرافاً : وهو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها، كالشيء يسرق، فيعرف المظنون به السرقة، وتتهم المرأة بالزنى فيعرف من صاحبها) انظر سنن أبي داود للحافظ المنذري ومعالم السنن للخطابي 5/370، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- : (إن العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم، كالحارز الذي يدعي علم الغيب أو يدعي الكشف) فتح المجيد 384، وانظر بحثاً مفصلاً لذلك في كتاب عالم الغيب والشهادة لعثمان جمعة ضميرية 122-131.
(987) سورة هود، آية : 123 .
(988) سورة يونس، آية : 20 .(2/24)
(989) سورة الكهف : آية : 26 .
(990) سورة آل عمران، آية : 179 .
(991) سورة الأنعام، آية : 50 .
(992) تفسير الطبري (شاكر) 11/371 .
(993) سورة النمل، آية : 65 .
(994) تفسير القرطبي 4/17 .
(995) سورة الأنعام، آية :59.
(996) سورة لقمان، آية : 34 .
(997) تفسير ابن كثير 3/453 .
(998) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب قوله تعالى : (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً...) انظر الفتح 13/461، وفي كتاب التفسير - مع اختلاف يسير - 8/291، وراجع مزيداً من الأحاديث في تفسير ابن كثير آخر سورة لقمان .
(999) رواه البخاري في كتاب التوحيد 13/361 وراجع مزيداً من الأحاديث في تفسير ابن كثير آخر سورة لقمان .
(1000) الجن، آية : 26، 27 .
(1001) الأنعام، آية : 5.
(1002) سورة الأعراف، آية : 188 .
(1003) الدين الخالص لصديق خان 1/434 .
(1004) سورة هود، آية : 31 .
(1005) سورة المائدة، آية : 109 .
(1006) سورة ط، آية : 51، 52 .
(1007) انظر الدين الخالص 1/443 .
(1008) سورة الأحقاف، آية : 9.
(1009) انظر الفكر الصوفي لعبد الخالق 144 .
(1010) انظر الدين الخالص 1/425، الفكر الصوفي 145 .
(1011) فتح القدير 5/311، وانظر تفسير القرطبي 19/28 .
(1012) سورة آل عمران 179 .
(1013) أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي 2/738 .
(1014) فتح الباري 13/464 .
(1015) سورة يوسف، آية : 37 .
(1016) سورة آل عمران، آية : 49 .
(1017) انظر عالم الغيب والشهادة في التصور الإسلامي لعثمان جمعه ضميريه ص 81 .
(1018) فتح القدير، بتصريف يسير 5/312 .
(1019) تفسير الطبري 1/237 .
(1020) انظر المختار من كنوز السنة 239 .
(1021) فتح الباري 13/365 .
(1022) مجموع الفتاوى 16/110 وانظر درء التعارض 5/73، وانظر كلاما مفصلاً حول هذه الأنواع في المختار من كنوز السنة لمحمد عبد الله دراز 238-240، وعالم الغيب والشهادة في التصور الإسلامي لعثمان جمعة ضميرية 75-81.(2/25)
(1023) لعل المقصود والله أعلم من يقول ذلك على سبيل الجزم واليقين .
(1024) مثل ذلك يقال في مسألة نزول الغيث إن كان عن تجربة وتأمل لسنن الله في الكون، ولم يجزم بوقوع ذلك بغلبة الظن فجائز والله أعلم .
(1025) أحكام القرآن 2/738 .
(1026) الدين الخالص 1/425، 426 ,
(1027 فتح المجيد 304 -306 .
(1028 انظر الباكورة السليمانية ص29، 30، مجموع الفتاوى 35 / 147، ودراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين، د. أحمد جلي 316-318 .
(1029 مروج الذهب للمسعودي 1/33 /
(1030 انظر نشأة الفكر الفلسفي (النشار) 2/297 .
(1031) الحكومة الإسلامية للخميني 52 .
(1032) الفكر الصوفي لعبد الرحمن عبد الخالق 38، وانظر نصوص عن المتصوفة في ذلك في نفس الكتاب ص 242 ،244 ،269 ،271 .
(1033) الجواهر السنية ص 46، نقلاً عن (السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة) د. أحمد صبحي منصور 233.
(1034) نفسه، نقلاً عن السيد البدوي ...ص 234 .
(1035) سورة الأعراف، آية : 188 .
(1036) سورة الجن، آية : 21 .
(1037) سورة آل عمران، آية : 154 .
(1038) سورة الأنفال ، آية : 10 .
(1039) سورة يونس، آية :3 .
(1040) سورة يونس، آية :31 .
(1041) سورة المؤمنون، آية : 88.
(1042) سورة النحل، آية : 73 .
(1043) سورة يونس، آية : 106 .
(1044) سورة الأنعام آية : 17 .
(1045) سورة فاطر، آية : 2 .
(1046) سورة سبأ، آية : 22 .
(1047) الدين الخالص 2/10،11وانظر آيات أخرى في هذا المعنى في نفس المرجع 2/5-16، وفي توحيد الخلاق 145، 146 وفتح المجيد 173- 179 وغيرها .
(1048) رواه الإمام أحمد 1/293 والترمذي برقم 2516 وقال حديث حسن صحيح، وأخرجه الطبراني في الكبير 12/238 .
(1049) أخرجه البخاري 2/275 في صفة الصلاة باب الذكر بعد الصلاة، ومسلم برقم 593 في المساجد : باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وأبو داود برقم 1505 والنسائي 3/70 وأحمد 4/245، 247 .(2/26)
(*) صنع الله بن صنع الله الحلبي، المكي، فقيه، محدث، واعظ، له مصنفات منها : "سيف الله على من كذب على أولياء الله" و "أكسير التقى في شرح الملتقي" توفي سنة 1120ه- وانظر هدية العارفين 1/428 ومعجم المؤلفين 5/24 .
(1050) سورة النمل، آية : 61 .
(1051) سورة الأعراف، آية : 54 .
(1052) سورة الشورى، آية : 49 .
(1053) فتح المجيد 173 - 175 .
(1054) سورة النحل، آية : 73 .
(1055) الدين الخالص 2/8.
(1056) رواه البخاري 2/522، في الاستسقاء (باب قول الله تعالى : "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) ومسلم في الإيمان "باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء) 1/83،84 .
(1057) انظر تفسير القرطبي 17/229،23، وانظر تفصيل لذلك تيسير العزيز الحميد 454 - 455، الدين الخالص، 2/128 - 134 .
(1058) سورة الشعراء، آية :23 .
(1059) الجواب الكافي 192 - 194 .
(1060) الدين الخالص 1/71 .
(1061) التدمرية 176 - 178 .
(*) يعنون بالأقانيم الصفات كالوجود والحياة والعلم وسموها : الأب والابن والروح القدس، وأصل معنى الأقانيم في اللغة : الأصول، واحدها أقنوم، انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/221، لسان العرب 12/496 .
(1062) شرح العقيدة الطحاوية 77، 78 .
(1063) سورة الأنبياء، آية : 22 .
(1064) سورة الإسراء، آية : 42 .
(1065) سورة المؤمنون، آية : 91 .(2/27)
(1066) دليل التمانع : (وهو أنه لو كان للعالم صانعان فعند اختلافهما مثل أن يريد أحدهما تحريك جسم، وآخر تسكينه، أو يريد أحدهما إحياؤه والآخر إماتته :- فإما أن يحصل مرادهما، أو مراد أحدهما، أو لا يحصل مراد واحد منهما، الأول ممتنع، لأنه يستلزم الجمع بين نقيضين، والثالث ممتنع، لأنه يلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون، وهو ممتنع، ويستلزم أيضاً عجز كل منهما، والعاجز لا يكون إلهاً، وإذا حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان هذا هو الإله القادر، والآخر عاجز لا يصلح للآلهية شرح الطحاوية 78، 79، منهاج السنة 3/304-328 مذكرة التوحيد لعبد الرزاق عفيفي ص 22 .
(1067) شرح العقيدة الطحاوية 85، 86 .
(1068) منهاج السنة 2/160 -161 .
(1069) منهاج السنة 2/172 .
(1070) المعجم المفهرس 457، 458 .
(1071) لسان العرب 7/176، انظر المفردات للراغب الأصفهاني 330، مختار الصحاح 425، النهاية 3/209 .
(1072) لسان العرب 7/182 .
(1073) الإفصاح في فقه اللغة 1/195 .
(*) أيوب بن موسى الحسيني، الكوفي، أبو البقاء، ولد في كفا، بالقرم، ولي القضاء في القدس، من آثاره : (الكليات) توفي بالقدس سنة 1094 ه- انظر هدية العارفين 2291، ومعجم المؤلفين 3/31 .
(1074) سورة محمد، آية : 38 .
(1075) لسان العرب 15/415 .
(1076) سورة البقرة، آية :144 .
(1077) سورة آل عمران، آية : 144 .
(1078) سورة الغاشية، آية : 23 .
(1079) المفردات : 534، وانظر الكليات لأبي البقاء الكفوي 280.
(1080) الكليات : 28 .
(1081) سورة السجدة، آية : 22.
(1082) الجامع لأحكام القرآن 14/108 .
(1083) تفسير ابن كثير 3/91 .
(1084) فتح القدير 3/296 .
(1085) أضواء البيان 4/142 .
(1086) سورة الأنبياء، آية : 1 .
(1087) البحر المحيط 6/296 .
(1088) طه : 100
(1089) فتح القدير 3/385 .(2/28)
(*) محمد بن يوسف بن علي بن حيان، أبو عبد الله الأندلسي، الغرناطي، الجياني، الشهير بأبي حيان، ولد سنة 654 ه- من كبار العلماء في التفسير والحديث وبرع في اللغة العربية وصار له السبق فيها، له مؤلفات من أشهرها :(البحر المحيط) في التفسير ويعتبر من أهم المراجع في علم القراءات، وقواعد النحو وتوفي سنة 745 ه-، انظر الدرر الكامنة 4/302، وفوات الوفيات 2/282، وغاية النهاية 2/285، وطبقات السبكي 6/31 .
(1090) سورة الأنبياء، آية :34 .
(1091) البحر المحيط 6/306، وانظر فتح القدير 3/403 .
(1092) سورة الجن، آية :17 .
(1093) الجامع لأحكام القرآن 19/19، وانظر 14/108 .
(1094) سورة البقرة، آية : 83 .
(1095) تفسير الطبري (شاكر)، 2/299 .
(1096) تفسير الطبري 2/299 .
(1097) سورة آل عمران، آية : 23 .
(1098) تفسير الطبري 6/291 .
(1099) سورة البقرة، آية : 64 .
(1100) تفسير الطبري 2/162، وانظر 3/115، 6/477، 483، 8/562 .
(1101) سورة المائدة، آية : 43 .
(1102) تفسير الطبري 10/336، وانظر 10/392، 575 .
(1103) نفسه 10/337 .
(1104) الفتح : 16 .
(1105) سورة الليل، آية : 15 ،16 .
(1106) سورة القيامة، آية : 31، 32 .
(1107) الإيمان 56 .
(1108) نفسه 137 .
(1109) الإيمان الأوسط 154 .
(1110) هناك فرق بين الامتناع المتعلق بنوع من الاتفاق أو التحصن كامتناع الطائفة، وبين امتناع الفرد (كما سيأتي بيانه إن شاء الله) .
(1111) مدارج السالكين 1/366، 367، انظر مفتاح دار السعادة، 94 .
(1112) طريق الهجرتين 384، انظر ما قبلها ،وانظر مفتاح دار السعادة ص 44، إرشاد الطالب 12، 13 .
(1113) التسعينية 5/166 .
(1114) سورة السجدة، آية : 22 .
(1115) الرسائل الشخصية 214 .
(1116) سورة الأعراف، آية : 179 .
(1117) سورة طه، آية : 124 .(2/29)
(1118) منهاج أهل الحق والاتباع للشيخ سليمان بن سحمان 64، 65، وانظر منهاج التأسيس والتقديس للشيخ عبد اللطيف 227، 228.
(1119) سورة النور، آية : 47-51 .
(1120) الصارم المسلول 39 .
(1121) سورة النساء آية : 61 .
(1122) مختصر الصواعق المرسلة 3/353، انظر تيسير العزيز الحميد 557، وانظر ما سبق من تفسير الإمام الطبري للآيات حول هذا الموضوع .
(*) انظر بحثاً موسعاً حول ترك العمل والتولي عن الطاعة في رسالة (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي 472-514 للشيخ سفر الحوالي .
(1123) الإيمان لابن تيمية 197 .
(1124) في الأصل : إذا ولعل الصحيح ما أثبتناه لتناسبه مع السياق .
(1125) سورة البينة، آية : 5.
(1126) في الأصل : على .
(1127) الإيمان لابن تيمية 197 .
(*) أبو ثور هو : إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، أبو ثور، الإمام الحافظ الحجة المجتهد مفتي العراق ولد في حدود سنة 170 وسمع من سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح وأبي عبد الله الشافعي وغيرهم، حدث عنه : أبو داود وابن ماجه وأبو القاسم البغوي وغيرهم، قال النسائي : ثقة مأمون، أحد الفقهاء، وقال أبو حاتم بن حيان : كان أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وورعاً وفضلاً صنف الكتب وفرع على السنن وذب عنها- رحمه الله تعالى - مات في صفر سنة 240 ه-، انظر ترجمته : تاريخ بغداد 6/65 ،وسير أعلام النبلاء 12/72، طبقات الشافعية للسبكي 2/74 .
(1128) زيادة يقتضيها السياق .
(1129) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/850، 851 .
(1130) السنة لعبد الله بن أحمد 1/347، 348 .(2/30)
(*) أبو طالب المكي : هو : محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي أبو طالب الإمام الزاهد، صاحب كتاب : قوت القلوب، وروى عن : أبي بكر الآجري وأبي خلاد النصيبي وعلي بن أحمد المصيصي وعنه : عبد العزيز الازجي، قال الخطيب : حدثني العتيقي والأزهر أنه كان مجتهداً في العبادة، وقال لي أبو طاهر العلاف وعظ أبو طالب ببغداد وخلط في كلامه ..انظر تاريخ بغداد 3/89، المنتظم لابن الجوزي 7/189، البداية والنهاية لابن كثير 11/319، سير أعلام النبلاء 16/536 .
(1131) ما بين المعكوفتين ليس من كلام الإمام، وإنما أضفتها لإيضاح المعنى .
(1132) سورة الأنبياء، آية : 94 .
(1133) سورة طه، آية : 75.
(1134) انظر النص بتمامه في الإيمان لشيخ الإسلام 316 -319 .
(1135) مجموع الفتاوي 7/609
(1136) مجموع الفتاوى 7/611، وانظر 621 .
(1137) نفسه 7/218 .
(1138) مجموع الفتاوى 7/621 .
(1139) إرشاد إلى دليل المسائل للشوكاني ص 33 .
(1140) مجموع الفتاوى 7/610، 611، وانظر في نفس الجزء 302، 303، 20/96، 97 .
(1141) سيأتي تخريجه عند الكلام عن امتناع الفرد. ص486 .
(1142) رواه مسلم في كتاب الزكاة (باب إثم مانع الزكاة) 2/رقم 987 .
(1143) سورة النساء، آية : 48 .
(1144) تعظيم قدر الصلاة 2/1015 .
(1145) تعظيم قدر الصلاة 2/1016 .
(1146) في رسالة الأخ عبد العزيز العبد اللطيف للدكتوراة والتي بعنوان (نواقض الإيمان القولية والعملية)، مبحث مستقل حول هذه المسألة، وانظر التمهيد لابن عبد البر 4/225-242 والمجموع 3/12-19، والإبانة لابن بطة 2/669-684، والمغني 2/442-447، ومشكل الآثار 4/222-228، وتعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/873 -791، والصلاة لابن القيم 13-33 ونيل الأوطار 1/340 ،348، وأضواء البيان 4/310 - 322، ورسالة حكم تارك الصلاة للألباني .
(1147) المغني 1/444، 445 .
(1148) المجموع 3/17 .
(1149) تعظيم قدر الصلاة 2/936.
(1150) تعظيم قدر الصلاة 2/936 .(2/31)
(1151) التمهيد لابن عبد البر 4/242 .
(1152) مجموع الفتاوى 7/219، وانظر نصاً مشابهاً في كتاب الصلاة لابن القيم 32 .
(1153) مجموع الفتاوى 1/615، 616، وانظر 22/47 - 49 .
(1154) نفسه 20/98 .
(1155) وذلك لا يكون إلا بسلطة شرعية، تقيم الحدود على تارك الصلاة، والتعزيرات على تارك غيرها، ليتبين حال المعين، وبذلك ندرك الخطورة حين غياب هذه السلطة، واللبس والضرر الكبير الحاصل بسبب ذلك في هذه المسألة وفي غيرها والله المستعان .
(1156) انظر رسالة (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي) د. سفر الحوالي 459 -461 .
(1157) سورة المنافقون، آية : 4 .
(1158) طريق الهجرتين 374 .
(1159) تفسير ابن كثير 1/47 .
(1160) انظر في معنى النفاق لسان العرب 10/358 ،359، المفردات 502، النهاية 5/98، القاموس المحيط 3/286، شرح السنة النبوية للبغوي 1/71، 72، وتفسير القرطبي 1/195، وحاشية مختصر سنن أبي داود 7/52، 53 والمنافقون في القرآن الكريم، د .عبد العزيز الحميدي 13 .
(1161) المنافقون في القرآن ص 13 .
(1162) انظر عارضة الأحوذي 10/97 .
(1163 ) انظر النهاية في غريب الحديث والأثر 5/98، ولسان العرب 10/359، الإيمان لابن تيمية 284 .
1164 ) سورة البقرة، آية : 10 .
(1165 ) سورة المنافقون، آية :1 .
(1166 ) الإيمان الأوسط 162، وانظر صفة النفاق للإمام الفريابي 29 .
(1167 ) سورة البقرة، آية : 8 .
(1168) تفسير الطبري 1/268 .
(1169 ) الإيمان الأوسط 13 .
(1170 ) طريق الهجرتين 374 .
(1171 ) سيأتي تخريجه .
(1172) عارضة الأحوذي 10/100، والمقصود بنفاق التكذيب أن يظهر الإيمان بلسانه أو فعله وهو مكذب بقلبه كالمنافقين على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .
(1173) المصدر السابق .
(1174) تفسير ابن كثير 1/47 .
(1175) فتح الباري 1/89 .
(1176) مجموع الفتاوى 28/434، 435،
(1177) الإيمان الأوسط 66.(2/32)
(1178) مدارج السالكين 1/376، وانظر في هذا التقسيم، الرياض الناظرة، للشيخ عبد الرحمن ابن سعدي، رحمه الله- ص 240، وجامع العلوم والحكم 403 .
(1179) رواه البخاري، كتاب الإيمان (باب علامة المنافق) رقم 33، الفتح 1/89، ومسلم كتاب الإيمان (باب بيان خصال المنافق) شرح النووي 2/46 .
(1180) رواه البخاري، كتاب الإيمان (باب علامة المنافق) رقم 34، الفتح 1/89، ومسلم كتاب الإيمان (باب بيان خصال المنافق) شرح النووي 2/46 .
(1181) شرح النووي على صحيح مسلم 2، 46، 47 .
(1182) شرح السنة 1/76، وجامع العلوم والحكم 407 .
(1183) فتح الباري 1/90 .
(1184) نفسه 1/91، وانظر أقوالا أخرى حول الحديث في نفسه الموضوع في شرح النووي، 2/46، 47، وحاشية مختصر المنذري 7/53، وشرح السنة 1/76، وجامع العلوم والحكم 406، وعارضة الأحوذي 10/98، 99 .
(1185) جامع العلوم والحكم 406 .
(1186) مجموع الفتاوى 28/436، ومسلم بشرح النووي 13/56 .
(1187) رواه مسلم (كتاب الإمارة) باب ذم من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو عن أبي هريرة رقم 1910، 1507 .
(1188) رواه البخاري "كتاب الأحكام" رقم 7178، والفتح 13/170، وانظر صور صورا أخرى لهذا النوع في جامع العلوم والحكم 406، 407، وشرح السنة 77 .
(1189) جامع العلوم والحكم، 408 .
(1190) رواه مسلم (كتاب التوبة) "باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الأرض .." رقم 2750 .
(1191) ابن أبي مليكة : عبدالله بن عبيد الله بن عبدالله بن أبي مليكة، بالتصغير، ابن عبدالله بن جدعان أبو بكر القرشي التيمي الإمام الحجة الحافظ، ولد في خلافة علي أو قبلها أدرك ثلاثين من الصحاب-ة وكان عالما مفتيا صاحب حديث وإتقان وثقة أبو زرعة وأبو حاتم / توفي =سنة 117، انظر لترجتمه : طبقات ابن سعد 5/473، تذكرة الحفاظ 1/101، وسير أعلام النبلاء 5/88 وتهذيب التهذيب 5/306 .(2/33)
(1192) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله (الفتح 1/109) .
(1193) فتح الباري 1/111، وانظر الإيمان لابن تيمية 409، وجامع العلوم والحكم 407.
(1194) جامع العلوم والحكم 403 .
(1195) سورة البقرة، آية : 8 .
(1196) سورة النساء، آية : 138 .
(1197) سورة النساء، آية : 145 .
(1198) سورة التوبة، آية : 68 .
(1199) سورة التوبة، آية : 73، 74 .
(1200) مجموع الفتاوى 28/434 .
(1201) الإيمان الأوسط 180 .
(1202) مجموعة التوحيد 7 .
(1203) الإيمان الأوسط 181، وانظر الإيمان 285 .
(1204) الصارم المسلول 561 .
(1205) سورة التوبة، آية : 58 .
(1206) رواه البخاري، كتاب استتابة المرتدين "باب من ترك قتال الخوارج للتألف" رقم 6933 (الفتح 12/290) .
(1207) سورة التوبة، آية : 61 .
(1208) سورة التوبة، آية : 61 .
(1209) سورة التوبة، آية : 63 .
(1210) الصارم المسلول : 38 .
(1211) فتح القدير 2/375 .
(1212) انظر الصارم المسلول 28، 34 .
(1213) نفسه 35 .
(1214) نفسه 521 .
(1215) النور 47، 48 .
(1216) تفسير ابن كثير 3/298، وانظر تفسير الطبري 18/15، زتفسير أبي السعود 4/134 .
(1217) الصارم المسلول 39 .
(1218) النساء : 60، 61 .
(1219) انظر تفسير ابن كثير 1/519 .
(1220) الصارم المسلول 38 .
(1221) المائدة : 51 ، 52 .
(1222) تفسير الطبري 10/398 .
(1223) نفسه 10/400.
(1224) نفسه 10/404، وأنظر تفسير القرطبي 6/216-218، تفسير ابن كثير 2/68،69 .
(1225) سورة النساء، آية : 138، 139 .
(1226) تفسير الطبري 9/319 .
(1227) انظر الولاء والبراء، د. محمد القحطاني 231 - 247 .
(1228) سورة آل عمران، آية : 28 .
(1229) تفسير الطبري 6/313 .
(1230) الرسائل الشخصية 213 .
(1231) تفسير كلام المنان 7/357، وانظر 2/304 .
(1232) سورة التوبة، آية : 50 .
(1233) فتح القدير 2/368، 369، وانظر تفسير الطبري 14/289 .(2/34)
(1234) المحلى 11/205، 206 .
(1235) سورة آل عمران، آية : 120 .
(1236) تفسير ابن كثير 1/3399.
(1237) سورة التوبة، آية : 48 .
(1238) تفسير الطبري 14/283، وأنظر القدير 2/367 .
(1239) سورة الفتح، آية : 6 .
(1240) فتح القدير 5/45 .
(1241) مجموع الفتاوى 28/636، 637، وانظر 28/435 .
(1242) سورة البقرة، آية : 14 .
(1243) انظر تفسير البغوي 1/67، 68 .
(1244) نفسه 1/67 .
(1245) انظر الصارم المسلول 35، ولذلك تكلم الفقهاء عن "توبة الزنديق" وهو الذي يظهر منه أنه يكتم المنافق .
(1246) يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - (الكفر نوعان : كفر ظاهر، وكفر نفاق، فإذا تكلم في أحكام الآخرة، كان حكم المنافق حكم الكفار، وأما في أحكام الدنيا، فقد تجرى (على المنافق أحكام المسلمين) الأوسط 122، 123 .
(1247) سورة التوبة، آية : 66.
(1248) سورة التوبة، آية : 74 .
(1249) أعلام السنة المنشور 149 .
(1250) معارج القبول 2/22 .
(1251) حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة، محمد عبد الهادي المصري 122 ،123 .
(1252) سورة البقرة، آية : 17 .
(1253) سورة البقرة، الآية : 8 .
(1254) سورة المنافقون، آية : 3 .
(1255) تفسير ابن كثير 1/53، وانظر تفسير الطبري 1/384 - 325، وقد أطال شيخ الإسلام في شرح هذا الأمر وتقريره، الإيمان 260 - 264 .
(1256) الإيمان 257، 258 .
(1257) التوبة : 66 .
(1258) الإيمان 260 .
(1259) الإيمان 266، 267 .
(1260) قاعدة في المحبة ص 7 .
(1261) سيأتي بحث شرك المحبة .
(1262) سورة محمد، آية : 9 .
(1263) انظر تفسير السعدي 7/67 .
(1264) سورة المؤمنون، آية : 7 .
(1265) سورة التوبة، آية : 54 .
(1266) سورة التوبة، آية : 81 .
(1267) انظر فتح القدير 2/388 .
(1268) انظر ص 453، 454 .
(1269) الصارم المسلول 524، وانظر مجموع الفتاوى 14/108، وقاعدة في الحبة 193 .
(1270) أي الشرك .(2/35)
(1271) مجموعة الشيخ القسم الثالث ص62، وانظر الكلمات النافعة ص79 .
(1272) سورة البقرة، آية : 216 .
(1273) المفردات 429 .
(1274) تفسير البغوي 1/246 .
(1275) تفسير القرطبي 3/39 .
(1276) مدارج السالكين 2/182، 183 .
(1277) لا يلزم الترابط التام بين الإباء والاستكبار والامتناع في كل الأحوال، فقد يوجد إباء وامتناع دون استكبار، ولذلك سنبحث أولا الإباء والامتناع مع الاستكبار، ثم الإباء والامتناع بدون استكبار .
(1278) سورة البقرة، آية : 34 .
((1279) سورة الحجر، آية : 39 .
(1280) سورة الحجر، آية 39 .
(1281) تعظيم قدر الصلاة للمروزي 1/394، 395 .
(1282) الإيمان الأوسط 76، وانظر الفتاوى 20/97، والعبودية 110 .
(1283) مدارج السالكين 1/366 .
(1284) الصارم المسلول 521 .
(1285) نفسه 522 .
(1286) معارج القبول 2/22، 23 .
(1287) فتح الباري 12/275، كتاب استتابة المرتدين، والمعاندين، وقتالهم رقم الحديث 6924، 6925 .
(1288) مراده بالجواز هنا أصل المشروعية، وليس الحكم، لأن قتال من أبى وامتنع واجب كما نقل رحمه الله عن الإمام مالك وكما سيأتي عن غيره .
(1289) فتح الباري 12/276 وكلام الإمام مالك في الموطأ 1/269 .
(1290) سورة البقرة، آية : 279 .
(1291) أحكام القرآن 2/596، وانظر تفسي القرطبي 3/364 .
(1292) الكافي 1/127 .
(1293) الكافي 1/384 .
(1294) المجموع شرح المهذب 3/79، 80 .
(1295) مسلم بشرح النووي 1/212 .
(1296) هذه أسماء طوائف من الفرق الباطنية، والباطنية لقب عام تنطوي تحته طوائف عديدة تلتقي جميعها في تأويل النصوص الظاهرة، وإثبات معان باطنة لها، وتلجأ إلى الاشارات والرموز في تفسير النصوص وإخراجها عن معانيها الظاهرة، مستهدفين بذلك هدم الدين وإبطال شعائر وأحكامه، انظر فضائح الباطنية للغزالي ص 11،12، والملل والنحل للشهرستاني 1/192، ودراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين د. أحمد جلي 265 وما بعدها .(2/36)
(1297) سورة الأنفال، آية : 39 .
(1298) سورة التوبة، آية : 5 .
(1299) سورة البقرة، الآيات : 278، 279 .
(1300) سورة المائدة 33 .
(1301) مجموع الفتاوى 28/468 - 470 وانظر نصوصاً مشابهة 510 - 512، 556 - 557، السياسة الشرعية 101 - 102 .
(1302) انظر مجموع الفتاوى 3/279 والحديث عن الخوارج، رواه البخاري في عشرة مواضع، كتاب الأنبياء "باب قوله تعالى [وإلى عاد أخاهم هودا ..] وانظر أطرافه في نفس الموضع 6/376، وذكر هذه الطرق مفصلة الإمام مسلم، كتاب الزكاة : باب ذكر الخوارج وصفاتهم، باب التحريض على قتل الخوارج، وباب الخوارج شر الخلق والخليقة، صحيح مسلم 2/740 - 750 .
(1303) مجموع الفتاوي 28/502، 503، وانظر السياسة الشرعية 170 .
(1304) سورة التوبة، آية : 5 .
(1305) جامع العلوم والحكم 80 - 82، وقد ذكر الآيات التي ذكرها شيخ الإسلام رحمهما الله .
(1306) وانظر حكاية الخلاف في مذهب أحمد وغيره كتاب الروايتين والوجهين لأبي يعلى 1/221، 222 والمغني 2/574، 575 .
(1307) مجموع الفتاوى 35/57 .
(1308) مجموع الفتاوى 28/548 -551، وأنظر 513 - 516، 486، 487 .
(1309) نفسه 28/519، وأنظر ص 583، 504 فقد نص على أن هؤلاء خارجون عن الإسلام .
(1310) الدرر السنية 8/131 .
(1311) رواه أبو داود رقم 1575 في الزكاة، باب في زكاة السائمة، والنسائي 5/15، 16، في الزكاة، باب عقوبة مانع الزكاة، وأحمد في المسند 5/2، 4 وحسنة الأرناؤط، قال ابن الأثير "فإنا آخذوها وشرط ماله، قال الحربي : غلط الراوي في لفظ الرواية، وإنما هو وشطر ماله" يعني : أنه يجعل ماله شطرين، يتخير عليه المصدق، ويأخذ من خير الشطرين، عقوبة لمنعه الزكاة جامع الأصول 4/573 .
(1312) جامع الأصول 4/573، 574 .
(1313) جامع العلوم والحكم 82 .
(1314) إنما هناك استدلالات أخرى ليس هذا موضعها .
(1315) فتح الباري 1/76 .
(1316) مجموع الفتاوى 28/476 .(2/37)
(1317) انظر مجموع الفتاوى 28/500 .
(1318) الدرر السنية 2/35 .
(1319) العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية 44 .
(1320) الجواب الكافي 201 .
(1321) تطهير الاعتقاد (ضمن مجموعة "عقيدة الموحدين" ) ص 127 .
(1322) القول السديد ص43 .
(1323) انظر مجموعة التوحيد ص5، الضياء الشارق 421 .
(1324) سورة الأنعام، آية : 163 .
(1325) سورة الكوثر، آية : 2 .
(1326) تفسير ابن كثير 2/198 .
(1327) سورة الكهف، آيه : 110 .
(1328) سورة هود، آية : 15 ،16 .
(1329) فتح المجيد 382 .
(1330) سورة الإسراء، آية : 18 .
(1331) سورة البينة، آية : 5 .
(1332) سورة الزمر، الآيات : 2،3 .
(1333) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق باب من أشرك في عمله غير الله رقم 2985 .
(1334) أخرجه النسائي كتاب الجهاد 6/25 وأبو داود والطبراني رقم 7628، قال الحافظ في الفتح : إسناد جيد 6/28، وكذا قال ابن رجب جامع العلوم 14، وحسنه العراقي في تخريج الإحياء 4/384 .
(1335) انظر معارج القبول 1/382 والجامع الفريد 356 .
(1336) رواه البخاري : كتاب العلم : باب الحرص على الحديث، الفتح 1/193 رقم 99 .
(1337) رواه مسلم : كتاب المساجد "باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر" 1/456 رقم 263 .
(1338) كلمة الاخلاص 23،24 .
(1339) رواه البخاري الفتح 16/9 رقم واحد، وانظر أطرافه في هذا الموضع، ومسلم (كتاب الامارة) رقم 1907 .
(1340) جامع العلوم والحكم 28، وانظر لسان العرب 15/347-349، والإفصاح في فقه اللغة 2/1342 .
(1341) سورة آل عمران، آيه : 152 .
(1342 ) سورة الأنفال، آية : 67 .
(1343) سورة البقرة، آية : 265 .
(1344) جامع العلوم والحكم : 8 .
(1345) موعظة المؤمنين 427 .
(1346) سورة آل عمران، آية : 85 .
(1347) الجواب الكافي :200
(1348 ) سورة النساء، آية : 142.
(1349 ) الخلاف والله أعلم في قبول العمل أو بطلانه، وليس في النقصان والخلل الحاصل بسبب الاسترسال في الرياء .(2/38)
(1350) رواه مسلم رقم 2642كتاب البر والصلة (باب إذا أثنى على الصالح .. )، وابن ماجه 4225، كتاب الزهد ( باب الثناء الحسن)، وأحمد 5/156،157 ،168 .
(1351) جامع العلوم والحكم 13-16، وانظر معارج القبول 1/450-454 .
(1352) سورة البقرة، آية : 264 .
(1353) سورة النساء، آية : 28 .
(1354) معارج القبول 1/453،454 .
(1355) معارج القبول 1/383، والجامع الفريد 356 .
(1356) النساء : 48 .
(1357) قاعدة في المحبة ص 7،9،10،11، وانظر إغاثة اللهفان 2/118،128 ،130 .
(1358) قاعدة في المحبة 31،32 .
(1359) مجموع الفتاوى 10/48،49، وانظر قاعدة في المحبة 49 .
(1360) سورة الإسراء، آية : 57 .
(1361) مجموع الفتاوى 10/61،62 .
(1362) مدارج السالكين 3/27 .
(1363) سورة آل عمران، آية : 31 .
(1364) زيادة يقتضيها السياق ويبدو أنها سقطت من الأصل .
(1365) العبودية 105 - 108، وانظر مجموع الفتاوى 10/754 .
(1366) سورة المجادلة، آية : 22 .
(1367) رواه البخاري عن أنس بن مالك، الفتح 1/58 كتاب الإيمان، باب حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان) ومسلم 1/67 كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله ?- صلى الله عليه وسلم - أكثر الأهل، ومسند الإمام أحمد 3/177 , 7/275,، وابن ماجة 1/26 المقدمة، باب في الإيمان) .
(1368) قاعدة في المحبة 89 - 91، وانظر مجموع الفتاوى 10/752 .
(1369) معارج القبول 1/383 .
( 1370) انظر قاعدة في المحبة 69 .
(1371) مجموع الفتاوى 10/754 .
(1372) سورة البقرة، آية : 165 .
(1373) البخاري (الفتح 8/378، التفسير (باب قوله تعالى) (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر .... الآية) وانظر أطرافه في نفس الموضع، مسلم رقم 86، في الإيمان (باب كون الشرك أقبح الذنوب) .
(1374)تفسير ابن كثير 1/202 .
(1375) سورة الشعراء، الآيات : 97،98 .
(1376) الجواب الكافي : 195، وانظر مدارج السالكين 1/368، 3/200، 21، إغاثة اللهفان 2/193 .(2/39)
(1377) سورة البقرة، آية : 167 .
(1378) فتح المجيد 114 .
(1379) نفسه 114 .
(1380) سورة البقرة : 165 .
(1381) مجموع الفتاوى 10/267 .
(1382) فتح المجيد 106 .
(1383)جامع العلوم والحكم 71 .
(1384) الإيمان الأوسط 83 .
(1385 )نفسه 124 .
(1386) نفسه 96 .
(1387) مجموع الفتاوى 7/644 .
(1388) الإيمان 177، وانظر نصوصا أخرى لشيخ الإسلام حول علاقة الظاهر بالباطن، الإيمان 186، 187، قاعدة في المحبة 103، الإيمان الأوسط 117، والصارم المسلول 527 وغيرها .
(1389) معارج القبول 1/454 .
(1390) قاعدة في المحبة 69 .
(1391) فتح المجيد 114 .
(1392) توحيد الخلاق 282 .
(1393) فتح المجيد 106 .
(1394)الصارم المسلول 35 .
(1395) نفسه 521 - 523، وانظر 527 .
(1396) مجموع الفتاوى 615، 616، وأنظر الإيمان 207 .
(1397 )في رسالة الشيخ عبدالعزيز العبد اللطيف بحث مفصل لقضية "الحكم بغير ما أنزل الله 2/374 - 436.
(1398) انظر مدارج السالكين 1/336، 337، وشرح العقيدة الطحاوية 363، 364، فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 12/291 .
(1399) انظر فتاوى الشيخ ابن إبراهيم 12/288، 289، منهاج السنة 5/130، 131، الفتاوى 28/524 وغيرها .
انظر، مجموع الفتاوى 7/292 .
(*) هو أحمد بن علي الرازي الحنفي، إمام مجتهد، صاحب زهد وعباده، رفض القضاء، له مؤلفات أشهرها "أحكام القرآن" توفي في بغداد سنة 370ه-، سير أعلام النبلاء 16/340
(1401) سورة النساء، آية : 65
(1402) أحكام القرآن 2/213 ،214 .
(1403) الصارم المسلول 39، وانظر مختصر الصواعق 2/353 .
(1404)مجموع الفتاوى 3/267 .
(1405)مجموع الفتاوى 35/407 .
(1406)انظر /مجموع الفتاوى 28/501-553، 519،521، 589 .
(1407) نفسه 28/524 .
(1408) البداية والنهاية 13/119 .
(1409) سورة المائدة، آية : 50 .
(1410) فالشريعة مصدر من مصادر التشريع عند التتار، ولم يخرجهم ذلك من الكفر .
(1411) تفسير ابن كثير 2/67 .(2/40)
(1412) عمدة التفسير 4/173 - 174 .
(1413) تفسير الطبري 10/348، 349 (الحاشية) .
(1414)فتاوى ابن إبراهيم 12/290 .
(1415) حديث عدي بن حاتم، رواه الترمذي كتاب التفسير، باب التوبة رقم 3095 والطبري من طرق 14/209، 211، والبيهقي في السنن الكبرى 10/116، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه 2/66-76، والمزي في تهذيب الكمال (2/1090)، وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية (الفتاوى 7/67)، منهاج السنة 1/48، وحسنه الشيخ الألباني (غاية المرام رقم 6)، وصحيح الترمذي رقم 471، وله شاهد من حديث حذيفة عند الطبري والبيهقي وغيرهم (انظر النهج السديد رقم 92) .
(1416) سورة الكهف، آية : 110 .
(1417) سورة الكهف، آية : 26 .
(1418)أضواء البيان : سورة التوبة، تفسير قوله تعالى : [اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله] التوبة 31 وانظر نصوصاً أخرى في رسالة : الحاكمية في تفسير أضواء البيان جمعها عبدالرحمن السديس .
(1419) المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ بن عثيمين 1/37-39 .
(1420)المجموع الثمين 1/36 .
(1421) سورة التوبة، آية : 31 .
(1422)مجموع الفتاوى 7/70 .
(1423) سورة الأنعام، آية 121 .
(1424) سورة التوبة، آية : 31 .
(1425) تفسير ابن كثير 2/171 .
(1426) سورة الكهف، آية : 26 .
(1427) سورة الأنعام، آية : 121 .
(1428) سورة يس، الآيات : 60 - 61 .
(1429) أضواء البيان 4/91، 92 .
(1430)تارك الصلاة كسلا لابد وأن يكون في قلبه ضعف في التسليم، لكن هذا الضعف لا يصل إلى درجة الإباء والامتناع أو الجحود .
(1431) أعلام السنة المنشورة 147 .
(1432)أعلام السنة المنشورة 151 .
(1433 ) انظر كتاب الصلاة 26 - 27، والتوضيح عن توحيد الخلاق 133 - 139.
(1434 ) انظر تفصيلاً لذلك، ضوابط التكفير 210 - 220 .
??
??
??
??
الدرر السنيةwww.dorar.net
1
374(2/41)