نظرات شرعية
على
فكر منحرف
{ ولتستبين سبيل المجرمين }
إعداد
سليمان بن صالح الخراشي
المجموعة الأولى
0@1- أحمد لطفي السيد.
2- جبران خليل جبران
3- أبو القاسم الشابي
4- محمد سعيد العشماوي .
5- عبد الرحمن منيف
6- عبد الله العروي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فهذه هي المجموعة الأولى لملخصات ومختصرات لانحرافات مشاهير الكتاب والمفكرين والأدباء ممن كان لهم تأثير كبير في صرف أمتنا عن الاستقامة على دين الله –عز وجل- ، كنت أجمعها لنفسي عند قراءتي لنتاجهم، لكي تكون مرجعاً لي لمعرفة فكر تلك الشخصيات عندما يأتي ذكرها، إلا أن بعض المحبين ألح عليَّ في نشرها، ليعم نفعها بين شباب الأمة الذين يتساءل بعضهم بين الحين والآخر عن حقيقة فكر الشخصيات الآنفة.
فليعلم بهذا أن هذه المجموعة التي ستعقبها –إن شاء الله- مجموعات أخرى، هي موجز لانحرافات مشاهير الشخصيات المؤثرة في تاريخ أمتنا –لا سيما المعاصر- ، مع تعليقات شرعية يقتضيها المقام، أما من أراد الزيادة والطول في التعقب فليست هذه المجموعات بغيته.
وهذه المجموعة المعروضة أمامك –أخي القارئ- هي بمثابة العرضة الأولى القابلة للزيادة والتعديل، فلا تبخل عليَّ بما عندك، وأفدني بملاحظاتك على بريد (522) الرياض، الرمز (11321).
والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
كتبه
سليمان الخراشي
نظرة شرعية على فكر (أحمد لطفي السيد)(1/1)
ترجمته (1) : هو أحمد لطفي بن السيد أبي علي، ولد سنة 1870م، كان رئيساً لمجمع اللغة العربية في القاهرة. وينعت بأستاذ الجيل! ولد في قرية "برقين" بمركز "السنبلاوين" بمصر، وتخرج بمدرسة الحقوق في القاهرة (1889) وعمل في المحاماة. وشارك في تأليف حزب "الأمة" سنة 1908 فكان أمينه، وحرر صحيفته "الجريدة" يومية إلى سنة 1914 وكان من أعضاء "الوفد المصري" وتحول إلى "الأحرار الدستوريين" وعين مديراً لدار الكتب المصرية فمديراً للجامعة عدة مرات، ثم وزيراً للمعارف، والداخلية والخارجية (1946) فعضواً بمجلس الشيوخ (1949) وكان تعيينه رئيساً لمجمع اللغة العربية سنة 1945 واستمر فيه إلى أن توفي بالقاهرة. تأثر بملازمة جمال الدين الأفغاني مدة في استنبول، وبقراءة كتب أرسطو، ونقل منها إلى العربية: "علم الطبيعة –ط" و"السياسة-ط" و"الكون والفساد-ط" و"الأخلاق-ط".
وجمع إسماعيل مظهر مقالاته في "صفحات مطوية من تاريخ الحركة الاستقلالية-ط" و"المنتخبات-ط" جزآن و"تأملات في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع- ط"
- يعد لطفي السيد أحد التلاميذ النجباء ! للمدرسة العصرانية الحديثة، التي أنشأها جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده، وهي المدرسة التي تقوم على تقديس العقل مقابل النقل، ومحاولة مزج المسلمين بغيرهم، والسير وراء الحضارة الغربية ونقلها إلى المجتمع المسلم، دون تفريق –للأسف- بين منافعها وأضرارها، ولهذا فقد انطبع لطفي السيد بسمات هذه المدرسة في تفكيره، بل زاد عليها شوطاً بعيداً في الانحراف.
يقول الدكتور حسين النجار عن لطفي السيد بأنه "تتلمذ على الشيخ محمد عبده في مدرسة الحقوق، واتصل به وعرفه بعد ذلك في سويسرا" [أحمد لطفي السيد: أستاذ الجيل 193]
__________
(1) انظر للتوسع: (أحمد لطفي السيد: أستاذ الجيل !) للدكتور حسين فوزي النجار. والترجمة من أعلام الزركلي.(1/2)
ويقول ألبرت حوراني: "التقى لطفي السيد بمحمد عبده وأصبح صديقه وتلميذه، كذلك تعرف إلى الأفغاني في أثناء زيارة قام بها إلى استنبول، فأعجب به كثيراً" [الفكر العربي في عصر النهضة 210].
أما الأستاذ أنور الجندي فله رأي أخر في هذا؛ حيث يرى بأن لطفي السيد قد تنكر لمبادئ مدرسة محمد عبده –التي لا زال الجندي يثني للأسف عليها!- وأنه انحرف عنها إلى تأييد المستعمر الإنجليزي والسير في ركابه. يقول الجندي: "قد بدأ ظاهر الأمر أن سعد زغلول ولطفي السيد هما من تلاميذ جمال الدين ومحمد عبده، ولكن الأمور ما لبثت أن كشفت عن تحول واضح في خطتهما نحو منهج التغريب الذي قاده كرومر والذي وضع للصحافة والثقافة والتعليم منهجاً جديداً مفرغاً من الإسلام وهو المنهج الذي صنع ذلك الجيل الذي دخل الجامعة وكليه الآداب في أول افتتاح الجامعة المصرية 1925 (وقد قام بالدور الأكبر فيه الدكتور طه حسين) ومدرسة السياسة (هيكل وعلي عبد الرازق ومحمود عزمي) وغيرهم.
ولا ريب أن كتابات لطفي السيد ومخططات سعد زغلول تكشف عن تجاوز كبير للنبع الذي صدرا منه . وعن مفاهيم جمال الدين ومحمد عبده ومهما كانت كتابات كرومر عن محمد عبده وحزبه فإنه ما كان يقر هذا التحول الذي وصل إليه الرجلان الذين أسلمهما كرومر مقادة الصحافة (لطفي السيد) والتربية (سعد زغلول) ومفاهيمهما هي مفاهيم كرومر وخطتهما هي خطته" [عقبات في طريق النهضة: ص 76-77].
قلت: والحق خلاف ما ذكره الجندي! الذي أحسن الظن كثيراً بمحمد عبده وشيخه، وتغافل أنهما -لا سيما الأخير– قد راهن عليهما المستعمر كثيراً، ومكن لمدرستهما، ورحب بها، لتكون خليفة له بعد رحيله عن مصر؛ نظراً لأنها تحقق له أهدافه.(1/3)
نعم قد يكون لطفي السيد وسعد زغلول قد زادا في الانحراف عن الإسلام أكثر من شيخيهما، إلا أن هذا أمر متوقع لكل من تأثر بهذه المدرسة التي كانت تعاليمها أول ممهد لمثل هذا الانحراف، وهكذا البدع والانحرافات تبدأ صغيرة ثم لا تلبث أن تكبر وتتسع وتزداد، لأن القاعدة التي انطلقت منها تسمح بذلك.
انحرافاته :
1- أعظم انحراف له، بل هو من الكفريات –والعياذ بالله- أنه –كما يقول ألبرت حوراني- :" لم يكن مقتنعاً كأساتذته! بأن المجتمع الإسلامي أفضل من المجتمع اللا إسلامي" !! [الفكر العربي في عصر النهضة، ص211] وتوضيح هذا كما يقول حوراني : أن "الدين –سواء كان الإسلام أو غيره- لا يعنيه إلا كأحد العوامل المكونة للمجتمع" .
كان يرى أن ليس باستطاعة بلد له تقاليد –كمصر- أن يقيم حياة الفرد وبناء الفضائل الاجتماعية إلا على أساس الإيمان الديني، وأن الإسلام-كدين لمصر- لا يمكن إلا أن يكون هذا الأساس. لكنه رأى أن أدياناً أخرى قد تصلح لبلدان أخرى، وبتعبير آخر، كان لطفي السيد مقتنعاً بأن المجتمع الديني خير من المجتمع اللاديني (على الأقل في مرحلة معينة من التطور)، لكنه لم يكن مقتنعاً كأساتذته بأن المجتمع الإسلامي أفضل من المجتمع اللا إسلامي. وفي هذا يقول: "لست ممن يتشبثون بوجوب تعليم دين بعينه أو قاعدة أخلاقية معينة. ولكني أقول بأن التعليم العام يجب أن يكون له مبدأ من المبادئ يتمشى عليه المتعلم من صغره إلى كبره. وهذا المبدأ هو مبدأ الخير والشر وما يتفرع عنه من الفروع الأخلاقية. لا شك في أن نظريات الخير والشر كثيرة التباين. ولكن الواجب على كل أمة أن تعلم بنيها نظريتها هي في هذا الشأن. فعندنا (في مصر) إن مبدأ الخير والشر راجع إلى أصل الاعتقاد بأصول الدين، فعليه يجب أن يكون الدين من هذه الوجهة الأخلاقية هو قاعدة التعليم العام" [المرجع السابق :ص211-212نقلاً عن صفحات مطوية، لطفي السيد، (1/118)] .(1/4)
قلت: فلطفي السيد إذاً لا يفرق بين الإسلام وغيره من الأديان أو النِحل! فجميعها –في نظره سواء- ما دامت تجعل معتنقها يحب الخير ويفعله، ويكره الشر ويبتعد عنه! فنعوذ بالله من خلط الكفر بالإسلام،
2- دعوته إلى (العلمانية) وعزل الإسلام عن أن يكون مرجعاً لسلوك الفرد والمجتمع إلى كونه مجرد علاقة بين العبد وربه يحتفظ بها في ضميره!!.
يقول مجيد خدوري في كتابه (عرب معاصرون) :"إن تأكيد لطفي السيد على العلمانية وإحالة الدين إلى ضمير الفرد أثار النقاد الذين نددوا به واتهموه بالإلحاد" [ص 329].
3- إلحاده !! –إن صح النقل عنه- فقد قال مجيد خدوري في كتابه (عرب معاصرون) :" أخبرني عبد الرحمن الرافعي المحامي المؤرخ مرة أن لطفي السيد كان شيخ الملحدين . ولكن عبد الرزاق السنهوري الذي سمع هذه الملاحظة قال: إن شيخ الملحدين هو شبلي شميّل وليس لطفي السيد، على الرغم من أن لطفي نفسه من الملحدين!! وقال الرافعي إن لطفي كمدير للجامعة المصرية دافع عن ملحدين آخرين ؛ كطه حسين ومنصور فهمي وحسين هيكل " [ص329] .
"وقال لي السنهوري –وهو صديق حميم للطفي السيد- إن لطفي أثار شكوكاً جدية في المعتقدات الدينية التقليدية" وأنه "أعرب عن شكوك خطيرة فيها، وقد ظل مشككاً حتى آخر حياته" !! [ص330].
4- طعنه في الشريعة الإسلامية بأنها غير صالحة لهذا العصر!! يقول مجيد خدوري في كتابه (عرب معاصرون) : "قال لي -أي لطفي السيد- مرة في سياق الحديث: إن الشريعة الإسلامية وهي في حالة ركود منذ زمن بعيد لم تعد تتفق والأوضاع الجديدة للحياة"!! [ص330].
5- دعوته إلى الوطنية الضيقة التي رفعت شعار "مصر للمصريين" ! فأعادت النعرة الجاهلية من جديد، حيث استبدل لطفي السيد رباط الأخوة الإسلامية بهذا الرباط الجاهلي.(1/5)
يقول ألبرت حوراني في كتابه (الفكر العربي في عصر النهضة) : "كان لطفي كغيره من المفكرين المصريين لا يحدد الأمة على أساس اللغة أو الدين، بل على أساس الأرض، وهو لم يفكر بأمة إسلامية أو عربية، بل بأمة مصرية: أمة القاطنين أرض مصر" [ص216].
وأن "لمصر في نظره ماضيان: الماضي الفرعوني والماضي العربي، ومن المهم أن يدرس المصريون الماضي الفرعوني، لا للاعتزاز به فحسب! ، بل لأنه يلقنهم قوانين النمو الارتقاء" [ص 216-217] .
وقد ذهب لطفي السيد في غلوه الجاهلي إلى القول بأن "القومية الإسلامية ليست قومية حقيقية، وأن الفكرة القائلة بأن أرض الإسلام هي وطن كل مسلم إنما هي فكرة استعمارية تنتفع بها كل أمة استعمارية حريصة على توسيع رقعة أراضيها ونشر نفوذها" !! [ص 218].
ويقول –أيضاً- : "أما الأمة الإسلامية فكادت تقع خارج نطاق تفكيره" [ص 224] .
ويقول مجيد خدوري في كتابه (عرب معاصرون) : "كانت فكرته –أي لطفي- في الأمة –كما استقاها من الفكرة الأوروبي ! إقليمية، لا إسلامية" [ص328]
ويقول –أيضاً- : "نادى بهوية مصرية وطنية تستند إلى تاريخها المتواصل، الذي لم يكن الحكم الإسلامي فيه إلا مجرد فصل واحد" [ص328].
6- "الدعوة إلى العامية: وقد سار في هذا التيار مؤيداً الخطوات التي كان قد قطعها المستشرقون والمنصرون قبله، وكان أبرز ما دعا إليه:
أ إبطال الشكل وتغييره بالحروف اللينة.
ب تسكين أواخر الكلمات.
ج إحياء الكلمات العامية المتداولة، وإدخالها في صلب اللغة الفصحى" [انظر: رجال اختلف فيه الرأي، لأنور الجندي، ص 4، بتصرف].
قلت: وانظر للتدليل على ما سبق من كلام لطفي السيد، كتاب (قمم أدبية) للدكتورة نعمات أحمد فؤاد.
7- دعوته إلى مذهب (المنفعة) دون ضوابط شرعية لهذه المنفعة، وقد استقى هذا المذهب كما يقول الدكتور حسين النجار من الفيلسوف الإنجليزي (جون ستيوارت مل) .(1/6)
قال الدكتور: " فمذهب المنفعة هو القاعدة في تفكيره السياسي والاجتماعي، فالمنفعة هي الحافز الأصيل للعلاقة بين الدول بعضها ببعض، وبين الحكومة والأفراد، أو بين الأفراد فيما بينهم" [أحمد لطفي السيد، للنجار، ص202-203]
قلت: وتطبيقاً لهذا المذهب الغربي فقد عارض لطفي السيد "مساعدة المصريين لجيرانهم في طرابلس الغرب أثناء الغزو الإيطالي الاستعماري عام 1911، وكتب في هذا المعنى تحت عنوان (سياسة المنافع لا سياسة العواطف)! مقالات متعددة دعا فيها المصريين إلى التزام الحياد المطلق في هذه الحرب الإيطالية التركية وإلى الضن بأموالهم أن تبعثر في سبيل أمر لا يفيد بلادهم" [رجال اختلف فيهم الرأي، للجندي، ص5]
8- دعوته للديمقراطية: ولم يعد يخفى على عاقل مخالفة هذا المذهب للإسلام، وأنه مذهب يحوي الكثير من الكفريات، بداية بتحكيم ما لم ينزل الله، وانتهاء بنقض مبدأ الولاء والبراء الشرعي ... الخ.
يقول الدكتور حسين النجار: "أما لطفي السيد وأضرابه من المثقفين فقد استهوتهم الديمقراطية كمذهب" [أحمد لطفي السيد، ص 82].
ويقول عنه بأنه : " بهرته الحياة السياسية للدولة القومية في الغرب، فكانت وحياً لفلسفته السياسية التي أخذ يبشر بها المصريين" [المرجع السابق، ص199]
9- دعوته لمذهب (الحرية) بالمفهوم الغربي، دون أي ضوابط شرعية لهذه الحرية!
يقول الدكتور النجار: "الفكرة في عقيدة لطفي السيد هي الحرية، الحرية في كل صورها ومعانيها" [أحمد لطفي السيد، ص 331].
ويقول –أيضاً- : "أما مذهب الحرية الذي نادى به جون ستيوارت مل أساساً للنظام الاجتماعي فقد اتخذه لطفي السيد أساساً لما أسماه "مذهب الحريين" للدولة" [المرجع السابق، ص 203].
ويقول مجيد خدوري : "ازداد حب لطفي السيد للحرية بدراسته للفكر الأوروبي" [عرب معاصرون، ص 326].(1/7)
ويقول ألبرت حوراني: "كان مفهوم لطفي السيد للحرية –كما يعترف هو نفسه باعتزاز – مفهوم ليبراليي القرن التاسع عشر" [الفكر العربي في عصر النهضة، ص 213].
10- أنه كان مهادناً للاستعمار الإنجليزي لمصر، بل كان صنيعة لهم؛ ليحقق هو وأضرابه أهدافهم بعد الرحيل عن مصر.
يقول الأستاذ أنور الجندي: "لقد كان الاستعمار حريصاً على صنع طبقة خاصة من المثقفين، عمل كرومر على إعدادها، ووعدها بأن تتسلم قيادة الأمة بعد خروج الإنجليز، ووفى لها، وكان أبرزها: لطفي السيد" [عقبات في طريق النهضة، ص 59].
ويقول –أيضاً-: "إن حزب الأمة الذي أنشأه لطفي السيد كان بإجماع الآراء صناعة بريطانية أراد بها اللورد كرومر أن يواجه الحركة الوطنية بجموع من الإقطاعيين والثراة والأعيان (الذين وصفهم بأنهم أصحاب المصالح الحقيقية) وقد كان هدف حزب الأمة والجريدة بقيادة الفيلسوف الأكبر لطفي السيد تقنين الاستعمار والعمل على شرعية الاحتلال والدعوة إلى المهادنة مع الغاصب، وتقبل كل ما يسمح به دون مطالبته بشيء" [رجال اختلف فيهم الرأي ، ص 7].
ويقول مجيد خدوري :" وكان اللورد كرومر قبل مغادرته مصر بقليل، قد أعجب باعتدال هذه الكتلة –أي مدرسة محمد عبده- وراح يشجعها على تأسيس حزب الأمة، بغية مجابهة نفوذ أتباع مصطفى كامل من الوطنيين" [عرب معاصرون، ص315].
ويقول عنه –أيضاً- :" كثيراً ما لام الوطنيين لمعارضة بريطانيا" !! [المرجع السابق، ص 331].
ويقول فتحي رضوان: " إنك لتقرأ كل ما كتب لطفي السيد في الجريدة في موضوع علاقة مصر ببريطانيا، وفي موضوع علاقة مصر بتركيا، فإذا به في الموضوع الأول لطيفاً، كأنه مر النسيم، يخاف أن يخدش خد الاستعمار، أما في الموضوع الثاني فهو متحمس غضوب فما سر هذا، وما تفسيره؟ " [عصر ورجال، ص 443].(1/8)
قلت: ولأجل هذا نفهم تمجيده ومدحه للورد كرومر الحاكم البريطاني الذي أذل المصريين لمدة ربع قرن!! حيث قال يوم خروجه من مصر:" أمامنا الآن رجل عظيم، من أعظم عظماء الرجال، ويندر أن نجد في تاريخ عصرنا نداً له يضارعه في عظائم الأعمال" !! نشر هذا في "الجريدة" في نفس اليوم الذي ألقى فيه كرومر خطاب الوداع، فسب المصريين جميعاً وقال لهم: إن الاحتلال البريطاني باقٍ إلى الأبد !! [انظر : رجال اختلف فيهم الرأي، لأنور الجندي، ص 5-6].
11- دعوته ومؤازرته لحركة تحرير المرأة التي قادها صاحبه قاسم أمين –عليه من الله ما يستحقه-
يقول الدكتور حسين النجار: "حظيت دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة من تأييد لطفي السيد بما لم تحظ به من كاتب أو صحفي آخر" [أحمد لطفي السيد، ص 243]
وقال –أيضاً- :" ويقيم لطفي السيد من دار "الجريدة" منتدى للمرأة تقصده محاضرة ومستمعة" [المرجع السابق، ص248]
قلت: ولذا فقد كتب في جريدته مقالات بعنوان: "قاسم أمين القدوة الحسنة" !! يقول فيها مخاطباً الشباب المصري: "ليعتنق كل عامل منهم أنماط قاسم في حُسن تفكيره" [المنتخبات (1/11)]
وأثنى كثيراً على دعوته الفاجرة، [انظر:المنتخبات، (1/268 وما بعدها)]
وتطبيقاً من لطفي السيد لهذه الحركة التحريرية للمرأة المسلمة قام (عندما كان مديراً للجماعة المصرية) هو وأصحابه بخطة ماكرة أقروا فيها دخول (البنات) لأول مرة في الجامعة المصرية واختلاطهم في الدراسة بالبنين! فكانوا أول من فعل ودعا إلى هذه الضلالة التي لا زالت تعيشها الجامعة المصرية إلى اليوم، فعليه وزرها ووزر من عمل بها. قال الزركلي في ترجمته: "هو أول من سهَّل للفتيات دخول الجامعة في بدء إنشائها"
وانظر تفاصيل هذه الخطة الخبيثة في كتاب: "أحمد لطفي السيد" للدكتور حسين النجار، ص 317 وما بعدها.
12- دعوته إلى دراسة الفكر اليوناني، والاقتباس منه، وتشجيع تلاميذه على ذلك.(1/9)
يقول الأستاذ مجيد خدوري: "رأى لطفي السيد من الضروري إعادة تعريف أبناء بلده بأرسطو الذي كان لطفي نفسه يدين إليه بكثير من آرائه في السلطة والحرية؛ مما جعله يشجع تلاميذه على دراسة الفكر اليوناني. لقد نشر خلال عشرين سنة ترجمات لكتاب "علم الأخلاق" في سنة 1924 وكتاب "الكون والفساد" في سنة 1932 وكتاب "علم الطبيعة" في سنة 1935 وكتاب "السياسة" في سنة 1940.
وهكذا فإن دراسة الفكر اليوناني لم يكن لها أثرها في تفكيره العلماني فحسب، بل في تفكير تلاميذه" [عرب معاصرون، ص 335-336].
قلت: ولكن بقي أن تعلم ما قاله الأستاذ أنور الجندي في هذه الترجمات التي قام بها لطفي السيد .
قال الأستاذ أنور: "تبين أن مترجمات لطفي السيد عن أرسطو (التي ترجمت من الفرنسية) (السياسة. الكون والفساد. الأخلاق) وهي منسوبة إليه، تبين أنه ليس مترجمها وأن مترجمها الحقيقي هو قسم الترجمة في دار الكتب المصرية!! وذلك بشهادة عديد من معاصري هذه الفترة" [رجال اختلف فيهم الرأي، ص6]
نظرة شرعية على فكر (جبران خليل جبران )
هو جبران بن خليل جبران بن ميخائيل بن سعد، نزح جده من دمشق إلى بعلبك ومنها إلى بشعلا ومنها نزح يوسف مع أخويه موسى وميخائيل إلى بشري.(1/10)
حياته: ولد في قرية لبنانية قرب نبع قاديشا هي بشري، عام 1883م، عائلته فقيرة وبيئته متأخرة. هاجر مع أمه وأخيه الأكبر بطرس وأختيه ماريانا وسلطانة عام 1895م إلى بوسطن في الولايات المتحدة الشمالية. ونزل حي الصينيين الفقير. وهو في سن الثانية عشرة ولما يكمل دروسه الابتدائية. فأرسله أخوه بطرس رب العائلة الصغيرة إلى المدرسة ليتعلم اللغة الإنجليزية ثم أعاده بعد ذلك إلى لبنان ليدرس العربية. فدرسها في مدرسة الحكمة مدة أربع سنوات. ثم عاد إلى بوسطن ليرى أن داء السل قد فشا في بيت العائلة وحصد أخته الصغيرة سلطانة في غيبته وبعد عام واحد انتزع من ذراعيه أمه ثم أخاه بطرس. وبقيت له أخته ماريانا تشتغل بالإبرة لكي توفر له القوت. وفي العشرين شرع جبران في الإنشاء والرسم. وتعرف على "ماري هاسكل" في معرض من معارض رسومه فغيرت مجرى حياته بعطفها عليه وعنايتها بمستقبله. وفي عام 1908م سافر إلى باريس على نفقة ماري هاسكل للتخصص في فن الرسم وتتلمذ على أشهر رسام معاصر هو "رودان" ثم عاد إلى بوسطن. وفي عام 1912م انتقل إلى نيويورك واستقر فيها. وأثرت الحرب العالمية الأولى على نفسه تأثيراً كبيراً إذ اجتمع عنده الفقر والمصيبة وقلة رواج كتبه التي ألفها باللغة العربية حتى ذلك الحين. ولكنه منذ عام 1920م وبعد أن تأسست الرابطة القلمية انصرف إلى التأليف باللغة الإنجليزية فأصدر ثمانية كتب في ثمانية أعوام درّت عليه أرباحاً طائلة .
مات جبران عام 1931 بأحد مشافي نيويورك ثم نقل جثمانه إلى لبنان في العام ذاته حيث دفن في بلدته "بشري"
آثاره : باللغة العربية:
1- كتاب " الموسيقى" صدر عام 1905م، وهو كتيب عبارة عن تأملات في الموسيقى وطاقاتها التعبيرية!
2- كتاب "عرائس المروج" صدر عام 1906م، يحتوي على ثلاث قصص: "رماد الأجيال والنار الخالدة" و "مرتا البانيّة" و "يوحنا المجنون" .(1/11)
3- كتاب "الأرواح المتمردة" صدر عام 1908م، يحتوي على أربع قصص: "السيدة وردة الهاني" و"صراخ القبور" و"مضجع العروس" و"خليل الكافر"
أما الأولى فقصة فتاة أُكرهت على الاقتران برجل غنيّ متقدّم في السن فما لبثت أن كرهت الزوج يوم التقت بالفتى الذي أثار كوامن نفسها. والقصة شكوى وتظلُّم، وثورة على السلطة التي تُكره على الزواج إكراهاً، لأن الزواج زواج أرواح قبل أن يكون زواج أجساد.
وأما الثانية فقصة ثلاثة أشخاص –رجلين وامرأة- حكم عليهم الأمير بالقتل ظُلماً وطغياناً، وفيها ثورة على الشريعة والإقطاعية!
وأما الثالثة فقصة فتاة غشّها رجل غنيّ ففصلها عن حبيبها حتى يقترن بها، وفي ليلة الزفاف عرفت الحقيقة وقد طعنت حبيبها ونفسها بخنجر كانت تخبئه في ثيابها. وفي القصة ثورة على التقاليد وعلى الدين!!
وأما الرابعة فقصة رجل اختصم مع الرهبان، وهي ثورة على ظلم الحكّام وعلى الرهبان، ودعوة إلى الحرية الشاملة!
4- "الأجنحة المتكسّرة: "كتاب صدر سنة 1912م، واحتوى على قصة جبران في حبّه الأول وكيف حالت التقاليد وسلطه رجال الدين النصراني! دون اقتران الحبيبين، فاقترنت الفتاة بابن أخي المطران عن غير حبّ وكان في ذلك شقاؤها.
5- كتاب: "دمعة وابتسامة" صدر سنة 1914م وفيه مقالات في المحبة التي تشدّ الأكوان بعضها إلى بعض، وفي ألوهية الإنسان!! وغير ذلك من الموضوعات.(1/12)
6- المواكب: قصيدة طويلة ظهرت سنة 1919م، وفيها نظرات فلسفية في أهم شؤون الحياة البشرية كالخير والشر والدين والحق والعدل وما إلى ذلك. قال ميخائيل نعيمة: "انجرف جبران بتيار نيتشه وما برحت معتقداته السابقة تشده إلى الوراء. فكانت "المواكب" نتيجة لتلك الحالة القلقة التي أحسها جبران ما بين قوتين تتجاذبانه: قوة الإيمان بحكمة الحياة وعدلها وجمالها في كل ما تأتيه، وقوة النقمة التي أثارها فيه نيتشه من جديد على ضعف الناس وخنوعهم وتواكلهم وكل ما في حياتهم الباطنية والخارجية من قذارة وبشاعة. وانتصر نيتشه في النهاية! ولكن إلى حين".
7- كتاب" العواصف": صدر سنة 1920م وفيه مقالات عنيفة على المقدسات، كمقالات "حفّار القبور" و"العبودية" و"يا بني أمي"، و"نحن وأنتم"، و"الأضراس المسوّسة" .
ب- المؤلفات الإنجليزية:
8- كتاب: "المجنون" صدر سنة 1918م، واحتوى على أمثال وتأملات في موضوعات شتى.
9- كتاب: "السابق" : صدر سنة 1920م، واتخذ فيه جبران أسلوب الأمثال أيضاً، وجعله تمهيداً لكتاب "النبي" .
10- كتاب: "النبي": صدر سنة 1923م، وهو كتاب جبران وهدف حياته احتوى على ضلالات وكفريات كما سيأتي –حيث جعل جبران من نفسه نبياً، وسمى نفسه في الكتاب "المصطفى" !! وهو يقع في 28 فصلاً في المحبة، والزواج، والأبناء، والعطاء، والغذاء، والعمل، والفرح والترح، والمساكن، والثياب، والبيع والشراء، وما إلى ذلك. وهكذا تناول جبران في كتابه علاقة البشر بعضهم ببعض، وكان يهدف في كتابه "حديقة النبي" الذي ظهر سنة 1933م، أن يعالج علاقة الإنسان بالطبيعة، كما كان ينوي أن يضع كتاباً في "موت النبي" ويعالج فيه علاقة الإنسان بالله!
والظاهر أن جبران كان يفكر في هذا الكتاب منذ حداثته، وأنه بدأه باللغة العربية ثم عدل عنها إلى الإنجليزية، وأنه ظل خمس سنوات يكتبه ويعيد كتابته إلى أن استقام له معنى ومبنى. وقد ترجم الكتاب إلى نحو عشرين لغة.(1/13)
11- كتاب:"رمل وزبد" صدر سنة 1926م وفيه مجموعة من الآراء منثورة في غير نظام.
12- كتاب: "يسوع ابن الإنسان" صدر سنة 1928م، ويسوع جبران يختلف تماماً عن يسوع الإنجيل.
13- كتاب "آلهة الأرض" ، صدر عام 1931م، وهو آخر كتاب له صدر في حياته.
14- كتاب " التائه"، صدر بعد وفاته عام 1932م، ويحتوي على خمسين قصة من قصص التائه.
- من تمعن جيداً في حياة وآثار جبران خليل جبران علم بلا شك أن الرجل قد أعطي أكبر من حجمه الحقيقي، سواء في مجال الفكر أو الأدب ! فأعماله الكاملة يحتويها مجلد واحد !! وهي في معظمها قصص قصيرة وخلجات نفس حائرة مضطربة تنزع إلى التشاؤم والشكوى، ولكن لعل مبالغة البعض في هذا الرجل تنبع من أمرين:
1- رئاسته للرابطة القلمية في المهجر، وهذا لا يدل على إبداع، إنما يخضع لاعتبارات كثيرة –لا تخفى على أحد-.
2- ثورته العارمة الهادمة ضد المقدسات والتقاليد !! فهي التي تميز المبدعين عن غيرهم في نظر القوم ! ولو ترووا لعلموا أن ليس كل ثائر يكون مبدعاً –ولو على حسب نظرتهم.
- ذكر كثير من مترجمي سيرته أنه بعد حرمان الكنيسة له وهو في العشرين من عمره على إثر قصيدته التي هاجم بها الأديان، اندفع في طريق إحياء أمجاد (فينيقية) وحضارة ! الكلدانيين .
- ثم وجدناه في حياته بعد نبذه للشرائع (كلها) قد تأثر بالزرادشتية المجوسية، وأفكار الفليسوف نيتشه في تمجيده للإنسان وتصويره بصورة (السوبرمان) مدعياً جبران بأنه هو هذا (السوبرمان) ! وذلك في كتابه "النبي" حيث صور نفسه نبياً –كما سبق- ! وهكذا يفعل الكِبْر والغرور بصاحبه-والعياذ بالله-.(1/14)
يقول الأستاذ أنور الجندي: "لقد حاول جبران كما حاولت مدرسة المهجريين إحياء الفينيقية الوثنية، ومهاجمة قيم العروبة والإسلام، فأعادت وأحيت كل ما رددته فلسفات زرادشت والمجوسية ووثنية اليونان والرومان، هرباً وراء فرويد ونيتشه وغيرهما، وكان هذا كله مصاغاً في إطار التوراة وأسلوبها" (إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام ،ص 168).
ويقول الدكتور نذير العظمة: "جبران يحتفل بالعقائد الوثنية" (مجلة الموقف العربي، العددان 151-152، ص42).
انحرافاته:
1- أعظم انحراف له هو "نصرانيته" ! وليس بعد الكفر ذنب.
2- ثورته العنيفة ضد الأديان (ومن ضمنها الإسلام!) والتقاليد، ومحاولته هدم ما جاءت به، أو التقليل من شأنه. وهو في هذا لا ينبع من تصرف فردي، إنما يتابع أهداف مدرسة المهجر التي أنشأها مع مجموعة من النصارى؛ كميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي وغيرهما.
يقول الأستاذ أنور الجندي: "الواقع أن الأدب المهجري قد اعتمد على مصدر أساسي، هو الحملة العنيفة على الدين واللغة، ومقومات المجتمع العربي الإسلامي، والثورة على كل القيم والعقائد والإفراط في الإباحية ومهاجمة القيم الأخلاقية في الحب والزواج من إدخال أسلوب جديد مستغرب يصادم الحس الإسلامي ويعارض مفاهيم البلاغة، ويعلي من صيغة التوراة والمجاز الغربي" .
قال: "ويمكن القول بأن المدرسة المهجرية الشمالية التي كونها جبران، ورأس ناديها كانت ثمرة من ثمار الإرساليات التبشيرية التي وردت لبنان وسيطرت على وحدة التعليم والثقافة فيه". (إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام، ص 166)(1/15)
قلت: ولو كانت ثورة جبران على الخرافات والأغلال النصرانية لكنّا له من المؤيدين، لكنه كان يثور على الأديان جميعاً وينشر الإلحاد والإباحية والفوضوية، وهذا مكمن الخطر على قرائه من المسلمين الذين قد يتأثر بعضهم بانحرافاته، ويتابعه في ثورته الإلحادية تلك التي يقول عنها جبران نفسه في رسالة له لإميل زيدان :"إن فكري لم يثمر غير الحصرم" ! (المرجع السابق، ص167) .
وقد صدق فيما قال! فهل يثمر الإلحاد والفوضى غير الحيرة والشك والاضطراب؟! .
ومما يشهد لثورة الرجل على الأديان (جميعاً) وعلى التقاليد والمقدسات كتبه (الأجنحة المتكسرة) و(عرائس المروج) و(الأرواح المتمردة) و(المواكب) و(العواصف) .
يقول حنا الفاخوري :" وهكذا ترى جبران في كتبه "الأجنحة المتكسرة" و"الأرواح المتمردة" و"المواكب" و"العواصف" يحمل معول الهدم في ثورة انفعالية شديدة" (الجامع في تاريخ الأدب العربي-الأدب الحديث – ص236) .
ويقول جبران عن نفسه في رسالته لصديقه (نخله) : "إن القوم في سوريا يدعونني كافراً، والأدباء في مصر ينتقدونني قائلين: هذا عدو الشرائع القديمة، والروابط القديمة، والتقاليد القديمة، وهؤلاء الكتاب يا نخلة يقولون الحقيقة ! لأني بعد استفسار نفسي وجدتها تكره الشرائع" (إعادة النظر ... ، ص 167) .
فمن أقواله التي تعبر لك عن شيء من تمرده:
أ قوله: "كيف نستطيع أن نعبد الله، وهو الذي يثير البراكين ويتموج مع البحار، ويسير مع العاصفة" !! (عقيدة جبران ، لجان دايه، ص289).
ب قوله: "لكم فكرتكم ولي فكرتي، لكم من فكرتكم قواميسها الاجتماعية والدينية ومطالبها الفنية والسياسية، ولي من فكرتي أوليات قليلة بسيطة.
تقول فكرتكم: "امرأة حسناء قبيحة، فاضلة عاهرة، حاذقة بليدة"، أما فكرتي فتقول: "كل امرأة والدة كل رجل، كلُّ امرأة أخت كل رجل، كل امرأة ابنة كل رجل".(1/16)
وتقول فكرتكم: "لصٌ، مجرم، قاتل، خبيث، عقوق". أما فكرتي فتقول: "إنما اللص صنيعة المحتكر، والمجرم خليقة الظالم، والقاتل حليف القتيل، والخبيث ثمرة العربيد، والعقوق نتيجة الصارم".
وتقول فكرتكم: "شرائع، محاكم، قضاة، عقوبات". إذا كان ثمَّ من شريعة وضعية فكلنا يخالفها أو كلنا يخضع لها. وإن كان من ناموس أساسي فكلنا واحد أمام ذلك الناموس، فمن يتأفف من الساقطين كان منهم، ومن يلمُّ أذياله كيلا تلامس المنطرحين على الأوحال كان مغموراً بالأوحال. أما الذي يفاخر بترفعه عن العثور والزلل فإنما يفاخر بترفع الإنسانية جمعاء، والذي يتبجح بعصمته إنما يتبجح بعصمة الحياة نفسها".
وتقول فكرتكم: "الماهر، المتفنن، الأستاذ، النابغة، العبقري، الفيلسوف، الإمام" أما فكرتي فتقول: "الودود، المحب، الحليف، الصادق، المستقيم، المضحي، المستشهد".
وتقول فكرتكم: "الموسوية، البرهمية، البوذية، المسيحية، الإسلام". أما فكرتي فتقول: "ليس هناك سوى دين واحد مجرّد مطلق تعدّدت مظاهره وظل مجرّداً، وتشعَّبت سبله ولكن مثلما تتفرّع الأصابع من الكف الواحدة".
وتقول فكرتكم: "الكافر، المشرك، الدهري، الخارجي، الزنديق" أما فكرتي فتقول: "الحائر، التائه، الضعيف، الضرير، اليتيم بعقله وروحه".
وتقول فكرتكم: "الغني، الفقير، الواهب، المستعطي". أما فكرتي فتقول: "كلنا فقيرٌ ولا غنيٌ سوى الحياة، كلنا مستعطٍ ولا واهبٌ إلا الحياة". (المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران، نصوص خارج المجموعة، ص88 وما بعدها).
ج قوله في (العواصف) : "أنا متطرف حتى الجنون، أميل إلى الهدم ميلي إلى البناء، وفي قلبي كرهٌ لما يقدسه الناس، وحب لما يأبونه، ولو كان بإمكاني استئصال عوائد البشر وعقائدهم وتقاليدهم لما ترددت دقيقة" ! (ص 394، ضمن الأعمال الكاملة له).(1/17)
3- ومن انحرافاته : تصويره نفسه بصورة (النبي) كبراً وعلواً في الأرض حيث وضع كتاباً بهذا العنوان –كما سبق- مدعياً فيه أن هناك نبياً مختاراً اسمه (المصطفى) كان يُعلم أبناء مدينة "أورفليس" بعد أن مكث عندهم 12 سنة منتظراً عودة سفينته التي ستقله إلى جزيرته التي أتى منها .
فكانوا يسألونه وهو يجيب.
يقول حنا الفاخوري: "المصطفى هو جبران نفسه، والجزيرة هي وطنه لبنان " (الجامع في تاريخ الأدب العربي –الأدب الحديث، ص232).
4- ومن انحرافاته: دعوته إلى وحدة الأديان، فهو بعد نبذه لجميع الشرائع مدعياً بأنها تفرق البشر، دعا إلى فكرته الباطلة هذه –كما سبق-. يقول حنا الفاخوري مبيناً أن جبران وصحبه المهجريين اعتنقوا ما يُسمى (التيوصوفية) التي ظهرت في القرن الخامس عشر، قال: "والتيوصوفية ترفض من أجل ذلك التقاليد والأنظمة التي تتوارثها الأجيال، ولا تجد فرقاً بين الأديان، فهي جميعها في نظرها واحدة" (المرجع السابق، ص 238).
5- ومن انحرافاته : إيمانه بوحدة الوجود! الفكرة الصوفية الشهيرة! (انظر: المرجع السابق، ص 239).
6- ومن انحرافاته : إيمانه بتناسخ الأرواح! (انظر بحث الدكتور نذير العظمة: جبران خليل جبران وعقيدة التقمص، مجلة الموقف الأدبي، العددان 151-152، ص 39 وما بعدها).
يقول الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي عن جبران :"كان يؤمن بتناسخ الأرواح" وذلك تعليقاً على قول جبران: " قريباً ترونني ؛ لأن امرأة أخرى ستلدني" ! (قصة الأدب المهجري، ص 89).
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
نظرة شرعية على أدب (أبي القاسم الشابي)
ترجمته :هو أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي. وُلد في الشابيّة إحدى ضواحي توزر سنة 1909بتونس.(1/18)
لم يمكث الشابي في مسقط رأسه إلا قليلاً، فقد اضطر أن ينتقل مع أبيه القاضي من مكان إلى مكان، وأن يضرب في الديار التونسية من بيئة إلى بيئة، وفي سنة 1920 التحق بجامع الزيتونة، فأتقن القرآن والعربية وتمرّس بالأدب، وكان له ميل شديد إلى المطالعة، فحصّل بها وبنشاطه ثقافة واسعة جمع فيها ما بين التراث العربي القديم ومعطيات الفكر الحديث والأدب الحديث، وغذّى مواهبه بأدب النهضة في مصر ولبنان والعراق وسورية والمهجر، كما نمى طاقاته الأدبية والشعرية بمطالعة ما تُرجم إلى العربية من آداب الغرب، ولا سيمّا أدب الرومنطيقية الفرنسية. وقد ظهر نبوغه الشعري وهو في الخامسة عشرة من عمره.
على أثر تخرّجه من جامع الزيتونة التحق بكلية الحقوق التونسية، وكان تخرجه منها سنة 1930. في هذه الأثناء توفّي والده وترك له عبء الحياة ثقيلاً، فحاول أن ينهض بالعبء ومسؤولية العيلة، ولكنه أصيب بداء تضخّم القلب وهو في الثانية والعشرين من عمره فنهاه الأطباء عن الإرهاق الفكري فلم ينتهِ، وواصل عمله وفي نفسه ثورة على الحياة، وفي قلبه تجهم قتّال.
وفي صيف 1934 جمع ديوانه "أغاني الحياة" ونوى أن يطبعه في مصر، ولكن الداء اشتدّ به وألزمه الفراش، فنُقل إلى المستشفى الإيطالي بالعاصمة حيث فارق الحياة في التاسع من شهر تشرين الأول سنة 1934. ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه ودُفن في الشابيّة".
(الموجز في الأدب العربي وتاريخه (4/699-700) لحنا فاخوري) و(الجامع في تاريخ الأدب العربي) (ص554 وما بعدها) لحنا فاخوري.
- يعد أبو القاسم الشابي –بحق- شاعر الاكتئاب والتشاؤم في العصر الحديث، فمعظم شعره يدور حول كرهه للحياة أو التحدث عن مآسيها، وكثرة الاعتراض على أقدار الله، إضافةً إلى تشاؤمه الواضح لكل مطلع على آثاره.(1/19)
يقول الباحث أبو القاسم محمد كرو، وهو الخبير بالشابي- :"الشيء الذي يلاحظ في شعر أبي القاسم عامةً هو رفضه للحياة البشرية على أنها مظلمة مزيفة، يصيب الإنسان فيها الشقاء والألم" .(آثار الشابي ، ص 10) .
ولعل المرض الذي أصابه كان سبباً في هذه الظاهرة المقارنة لشعره. يقول الدكتور عمر فروخ: "كان للمرض الذي عاناه الشابي أثر بالغ في اتجاهه في الحياة وفي الشعر، وسنجد شعره مملوء بالتشاؤم وبالنقمة على الناس وعلى أحوالهم".
ويقول :"لا خلاف في أن الشابي كان متشائماً كئيب النفس، فقد قال هو عن نفسه :" إنني في كثير من الأحيان .. تطغى على نفسي كآبه الملل المبهم، فأصرف عن الكتب والناس، ويوصد قلبي عن جمال الوجود"
ويقول الدكتور عمر فروخ: "فالشابي متشائم ناقم على الناس، كاره للحياة". ( الشابي شاعر الحب والحياة ، ص : 116-117 ، 119 ، 124).
وقد قيل –أيضاً- بأن موت والده وتحمله أعباء الحياة مبكراً كان السبب الرئيس لهذا التشاؤم والاكتئاب والحزن.
ومهما قيل من أسباب فقد كان الواجب على الشاعر وهو مسلم أن يرضى بأقدار الله وأن يلتجئ إليه سبحانه في كشف ما يصيبه من ملمات وأن يسارع في التزام عبودية الله –سبحانه- واتباع أوامره وترك نواهيه لكي يعثر على السعادة والاطمئنان النفسي اللذين طالما بحث عنهما كما يتبين ذلك من أشعاره.
ولكن الشاعر اختار الطريق الآخر الذي لا يجدي شيئاً ولا يغير من أحوال الكون أو يرد أقدار الله، وهو طريق التشاؤم والنظرة السوداوية للحياة.
وإليك شيئاً من أشعاره التي تبين مدى إغراقه في الحزن والضجر من الحياة:
يقول في قصيدة (الكآبة المجهولة):( ديوانه ، ص 90-91) "
أنا كئيب
أنا غريب
كآبتي خالفت نظائرها
غريبة في عالم الحزن
كآبتي فكرة
مغردة مجهولة من مسامع الزمن"
ويقول ( 115):
"إن الحياة كئيبة مغمورة بدموعها"
ويقول (122):
"سئمت الحياة وما في الحياة"
ويقول (156):
"الاكتئاب الكافر"(1/20)
أما اعتراضه على (القدر) فيكفيك منه قصيدته الرنانة(406):
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
ويقول(340):
ولكن هو القدر المستبد
يلذ له نوحنا ، كالنشيد!
ويقول(478):
وقهقه القدر الجبار سخرية
بالكائنات تضاحك أيها القدر!
ويقول في أحد خطاباته( كرو ، 156):
(هاهي الأقدار العاتية تعبث بنا نحن البشر الضعاف، وترمينا بما لا نستطيع احتماله ... . الخ) .
انحرافاته :
1- تشككه في وجود الله !!
سبق أن علمنا أن الشابي قد أصابه المرض مبكراً، وتحمل أعباء الحياة بعد موت والده، ولكونه لم يلتجئ إلى الله –عز وجل- في محنته، إنما تبرم وتسخط الأقدار، وغاص قلبه في الاكتئاب والتشاؤم، كل هذا أداه إلى أن يشطح شطحة لا تصدر عن مسلم، وهي تشككه في وجود الله –سبحانه وتعالى- !! .
يقول الدكتور عمر فروخ(139):" لما أفاق الشابي من النوبة الشديدة التي انتابته، عام 1930، نظم قصيدته "إلى الله" (ديوانه 98-101 = 239-245) فشطح فيها شطحة هي الإلحاد قال:
خبّروني هل للورى من إلهٍ راحم-مثل زعمهم –أواه!
إنني لم أجده في هاته الدنيا فهل خلف أفقها من إله؟
ويدرك الشابي الزلق الخطر الذي وضع قدمه عليه، قبل أن يرتد نفَسه عن البيت الثاني فيقول بعده مباشرة:
ما الذي قد أتيت، ياقلبي الباكي، وماذا قد قلتِه، ياشفاهي؟
يا إلهي، قد أنطق الهم قلبي بالذي كان، فاغتفر، ياإلهي!"
2- امتهانه لاسم (الله) !
يقول في إحدى قصائده(78) :
إن هذي الحياة قيثارة الله
وأهل الحياة مثل اللحون
ويقول مخاطباً الله –تعالى- ! في قصيدة بعنوان (إلى الله) : يعترض على الله في أقداره
يا إله الوجود ! هذي جراح
في فؤادي تشكو إليك الدواهي
أنت أنزلتني إلى ظلمة الأرض
وقد كنتُ في صباحٍ زاه
أنت أوقفتني على لجة الحزن
وجرعتني مرارة " آه "
... . إلى آخر اعتراضاته.
3- إيمانه بوحدة الوجود:(1/21)
يقول الدكتور عمر فروخ(124-125): "يمكن أن تلمح شيئاً من آراء محيي الدين بن عربي عند الشابي.
لابن عربي مقطوعة يرى فيها أن جميع مظاهر هذا الوجود تدل على هذا التجلي أو على ذلك التجلي من الألوهية.
يقول ابن عربي:
كلما أذكره من طلل أو ربوع أو مغان، كلما..
وكذا السحب إذا قلت: بكت وكذا الزهر إذا ما ابتسما،
أو بروقٍ أو رعود أو صبا أو رياح أو جنوب أو شما
أو نساءٍ كاعباتٍ نهد طالعات أو شموس أو دمى
صفة قدسية علوية أعلمت أن لمثلي قدما
فاصرف الخاطر عن ظاهرها واطلب الباطن حتى تعلما
ويغلب على الظن أن الشابي قد رأي هذه المقطوعة لمحيي الدين ابن عربي قبل أن يقول مقطوعته التالية:
كل ما هب وما دب وما قام أو حام على هذا الوجود:
من طيور وزهور وشذا وينابيع وأغصان تميد،
وبحار وكهوف وذرى وديار وبراكين وبيد،
وضياء وظلال ودجى وفصول وغيوم ورعود ،
وثلوج وضباب عابر وأعاصير وأمطار تجود،
وتعاليم ودين ورؤى وأحاسيس وصمت ونشيد،
كلها تحيا بقلبي حرة غضة السحر كأطفال الخلود "
4- ثورته على الدين !:
يقول الدكتور عمر فروخ(136-137): "إذا نحن تأملنا بيئة الشابي العامة في تونس ثم بيئته الخاصة –فهو ابن قاض شرعي وخريج الجامعة الزيتونية- عجبنا لإمحاء الأثر الإسلامي في ديوانه. ثم نزيد تعجباً إذا رأينا الأثر الوثني شديد البروز في شعره. إن أول ما نلاحظه أن الألفاظ الدينية قد خسرت في شعر الشابي قدسيتها ودلالاتها المألوفة، فالله والنبي والصلاة والجحيم أصبحت عند الشابي كلمات عامة كسائر الألفاظ القاموسية الدائرة في الاستعمال اليومي.
من ذلك كله قوله: لتعس الورى شاء الإله وجودهم، صانكن الإله من ظلمة الروح، وتشدو كما شاء وحي الإله، فالنور ظل الإله". ومثل ذلك قوله (ديوانه 25=137، 170=413):
أيها الليل : يا أبا البوس والهول ويا هيكل الزمان الرهيب
فيك تجثو عرائس الأمل العذب تصلي بصوتها المحبوب(1/22)
ورن نشيد الحياة المقدس في هيكل حالم قد سحر
وأكثر ما يقف الشابي ألفاظ الدين ورهبة العبادة والمعبود على المرأة في سياق وثني (ديوانه 160 = 397):
في فؤادي الرحيب معبد للجمال
شيدته الحياة بالرؤى والخيال
فتلوت الصلاة في خشوع الظلال
وحرقت البخور وأضأت الشموع
وأشد إيغالاً في التحلل من الوحدانية الإسلامية ما نجده في قصيدته "صلوات في هيكل الحب". ديوانه 122-123=303-314)، قال يخاطب محبوبته ويقيمها مقام الالوهية في القدس والعبادة والقدرة والإرادة، وفي الشفاعة والزلفى!!
أنت أنشودة الأناشيد غناك إله الغناء رب القصيد
أنت قدسي ومعبدي وصباحي وربيعي ونشوتي وخلودي
يا ابنة النور ، إنني أنا وحدي من رأى فيك روعة المعبود
فدعيني أعيش في ظلك العذب وفي قرب حسنك المشهود
وارحميني فقد تهدمت في كون من اليأس والظلام مشيد
وحرام عليك أن تسحقي آمال نفسٍ تصبو لعيش رغيد
فالاله العظيم لا يرجم العب د إذا كان في جلال السجود"
5- سخريته من (أئمة) المسلمين:
يقول الشاعر في إحدى قصائده :
ملئ الدهر بالخداع، فكم قد
ضلل الناس من إمامٍ وقس !
( الشابي شعب وشاعر ، للدكتورة نعمات فؤاد ، 79 )
فهو يقارن بين (قساوسة) النصارى و(أئمة) المسلمين في أنهم جميعاً قد ضللوا الناس !! فإذا كان هذا صحيحاً في (قساوسة) النصارى الذين وصفهم الله بالضلال في كتابه العزيز، فهل يصح هذا ويصدق في (أئمة) المسلمين؟ !! الذين قال الله عنهم (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، وكانوا بآياتنا يوقنون) فهم أئمة يهدون الخلق إلى الصراط المستقيم الذي إن ساروا عليه أنجاهم في الدنيا والآخرة، فكيف يجعلهم الشابي من الضالين؟! ويقارن بينهم وبين النصارى؟!
ألا إنه الحقد الأعمى على أهل الإسلام الصادقين(1/23)
وبعدُ، فهذا هو أبو القاسم الشابي شاعر الحزن والاكتئاب والتشاؤم وشاعر الاعتراض على أقدار الله –سبحانه-، وهذه شيء من انحرافاته التي وقعت في شعره، من طالعها وطالع ديوان الشاعر علم كذب ما فاه به أخو الشاعر (محمد الشابي) عندما قال في خاتمة ديوان أخيه( ص 554 ) : "كان رحمه الله صادق التقى، قوي العقيدة، لا يخشى في الحق لومة لائم، له غيرة على شئون المسلمين والإسلام" !!!
قلت : بل كان الشابي عكس هذا تماماً! فهو متشكك العقيدة، ضعيف التقوى، كثير الاعتراض على ما قدره الله.
ومثل هذا المدح الكاذب ما ذكرته الدكتورة نعمات فؤاد في كتابها السابق عن الشابي، عندما دافعت عنه دفاعاً حاراً ، وردت ما وجهه له الدكتور عمر فروخ من اتهامات موثقة، مؤولة ما صدر عنه من انحرافات بالتأويلات الباردة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
نظرة شرعية على فكر (محمد سعيد العشماوي)
ترجمته:
- هو المستشار محمد سعيد العشماوي، رئيس محكمة الجنايات ومحكمة أمن الدولة العليا بمصر.
- تخرج من كلية الحقوق عام 1955، ثم عمل بالقضاء الوضعي بمحاكم القاهرة والإسكندرية .
- عمل بالتدريس محاضراً في أصول الدين والشريعة والقانون في عدة جامعات؛ منها : الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة توبنجن بألمانيا الغربية، وأوبسالا بالسويد، ومعهد الدراسات الشرفية بليننجراد بروسيا، والسوربون بفرنسا.
- يقول عن نفسه بأنه نشأ نشأة صوفية! حيث كان يرتاد مسجد السيدة زينب والسيدة نفيسة ومسجد الحسين! .
- بدأ التأليف بعد تخرجه من الحقوق بأربع سنوات بكتابات إنسانية عامة، مثل: (رسالة الوجود) عام 1959م، و(تاريخ الوجودية في الفكر البشري) عام 1961م، و(ضمير العصر) عام 1968م، و(حصاد العقل) عام 1973م.(1/24)
- بدأت كتاباته الإسلامية بكتابه (أصول الشريعة) عام 1980م، ثم كتاب (الربا والفائدة في الإسلام) ، ثم توالت كتبه الأخرى: (الإسلام السياسي) (جوهر الإسلام) (الخلافة الإسلامية) (الشريعة الإسلامية والقانون المصرية) (شئون إسلامية) (معالم الإسلام) .
- يعد العشماوي من دعاة فصل الدين عن الدولة، وتحوي كتبه –كما سيأتي- التشنيع على نظام الحكم الإسلامي، والتهجم على دعاة تطبيق الشريعة. ولا غرابة أن يصدر هذا ممن يحكم بطاغوت القانون الوضعي منذ تخرجه –والعياذ بالله- .
- يزعم العشماوي أنه من المجتهدين !! يقول :" وأعتقد أنه يوجد الآن تياران إسلاميان وليس واحداً، التيار الأول: عقلي تنويري، بدأ بمحمد عبده، ويسير فيه بعض المجتهدين من أمثالي ... .." !! (حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص 199).
انحرافاته:
1- من أعظم انحرافاته: زعمه نجاة اليهود والنصارى في الآخرة وإن لم يؤمنوا بالإسلام !! وعدم تكفيره لهم! (1) .
يقول العشماوي: "وكل من آمن بالله إيماناً صحيحاً واستقام في خلقه فهو عند الله (وبلفظ القرآن) مسلم لا خوفٌ عليه ولا حزن (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) سورة البقرة 62:2.
__________
(1) وهو ما يدندن حوله كثير من العصرانيين في زماننا، اللهم سلم سلم!(1/25)
غير أن بعض الفقهاء يرون أن هذه الآية منسوخة (ملغاة) بالآية (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) ويرتبون على ذلك –وعلى الظن بأن الإسلام مقصور على شريعة محمد عليه الصلاة والسلام- إن أي إيمان بالله لا يؤجر وأي عمل صالح لا يثاب إلا إذا كان فاعله من المؤمنين بدعوة النبي الكريم وبرسالته. والواقع أن من يرى هذا الرأي إنما يراه وقد غاب عنه المعنى الحقيقي للإسلام، وخفيت عليه خطة الله في البشر، واضطرب في ذهنه معنى النسخ في القرآن. فالإسلام هو الدين الذي أوحى به الله إلى الأنبياء جميعاً والرسل كلهم فدعوا إليه. وكما قالت الآية الكريمة فإن من آمن بالله وعمل صالحاً من المؤمنين أو اليهود أو النصارى فأجره عند الله، لا خوف عليه ولا حزن. وكل من كان صحيح العقيدة قويم الخلق فهو عند الله- وفي معنى القرآن- مسلم. والمقصود من آية (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) من يبتغ غير دين الإسلام الذي دعا إليه كل الأنبياء والرسل والذي اعتنقه أتباعهم. والقرآن يفرق بين المشركين والكفار الذين لا يؤمنون بالله ولا بالرسل ولا يعملون صالحاً وبين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ومن هؤلاء من يؤمن بالله ويعمل الصالحات، وهو المقصود بالآية الكريمة التي تبشر بأن لا خوف عليه ولا حزن ... الخ هرائه " !! (جوهر الإسلام، ص 110) (وانظر أيضاً: ص 111،112، 124 من الكتاب السابق، وجريدة أخبار اليوم المصرية، 9 ديسمبر 1979: نقلاً عن : العصريون معتزلة اليوم، ليوسف كمال).
2- ومن انحرافاته: زعمه، أن الحكم بالقوانين الوضعية التي يحكم بها في بلاده لا يُعد كفراً، إنما هذه القوانين "متوافقة مع الشريعة الإسلامية" !!(1/26)
يقول العشماوي: "والقول بأن القوانين المصرية كفر بواح، ومن يطبقها أو يخضع لها كافر، قول فيه تجاوز شديد، وتدنٍ أشد، فضلاً عن أنه دعوة سافرة للخروج على الأمة والمجتمع ... فالقوانين المصرية –كما سلف- وكما لابد أن يدرك كل دارس واعٍ متوافقة مع الشريعة الإسلامية" !!(الإسلام السياسي، ص51).
ويقول:" إن القانون المدني المصري مطابق كله! للتشريع وللفقه الإسلامي" (حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص 188)
3- ومن انحرافاته: إسقاطه حد شرب الخمر في كتابه (الإسلام السياسي) ! يقول العشماوي: "لا توجد أية عقوبة على شربها أو بيعها، لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية" ثم يقول هذا الفاجر مستدركاً على الحكم الشرعي: "إن العقوبات تزيد من عدد الجرائم، ولا تجتث الجريمة أصلاً" !! (الإسلام السياسي، ص51) ، (وانظر: حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص191).
4- ومن انحرافاته: زعمه "أن تطبيق الشريعة يهدف إلى تفتيت وحدة الشعب وإلى إظهار الإسلام بصورة سيئة" ثم يزعم "أن الشريعة تعني الطريق والسبيل، ولا يلزم الأخذ بنصوصها؛ لأن مبنى الشريعة يقوم على الخلق والروحانيات! وللناس أن يطبقوا ما يشاءون" ! (الشريعة والقانون المصري، مجلة أكتوبر، العدد 706، نقلاً عن : المجلة العربية مقال: العشماوي بين حرية الفكر وحرية الكفر، للأستاذ أحمد أبو عامر، شعبان 1412هـ).
5- ومن انحرافاته: ادعاؤه أن (الأحوال الشخصية) –وهي البقية الباقية من الأحكام الشرعية!- تهضم حقوق المرأة، وأن الزواج عقد مدني لا ديني!، وأنه لابد من تقييد الزواج بواحدة، (المرجع السابق) ، (وانظر: حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص190-191).
6- ومن انحرافاته: إسقاطه لحد الردة! (المرجع السابق) .(1/27)
7- ومن انحرافاته: تخصيصه كتابه (الإسلام السياسي) للدعوة إلى فصل الدين عن الدولة، مدعياً "أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما ساس أمور الإسلام في عهده إنما كان ذلك بالوحي" بخلاف ما سيأتي بعده من الحكومات التي ينبغي أن لا تكون دينية!! (المرجع السابق) .
ومن دعاواه في هذا الكتاب : أن تاريخ الإسلام تاريخ دموي قمعي! وأن الفقه الإسلامي يخلو من أي نظرية سياسية أو نظام سياسي، وأن الغالب على اعتناق الناس الآن (إسلام البداوة) ! لا (إسلام الحضارة)!، إضافة إلى تهجمه المتكرر على دعاة تطبيق الشريعة الإسلامية (انظر: العقلانية هداية أم غواية، لعبد السلام البسيوني، ص125) .
ولقد قام مجموعة من العلماء والكتاب الغيورين بنقد هذا الكتاب وتبيين زيفه؛ من أبرزهم: الدكتور صلاح الصاوي في كتابه (تحكيم الشريعة ودعاوى العلمانيين) ، فليراجع.
8- ومن انحرافاته: تخصيصه كتابه (الخلافة الإسلامية) للنيل من الخلافة الإسلامية، وتصويرها للقارئ بأبشع صورة، هادفاً من ذلك إلى أن يتخلى المسلمون عن الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ما دامت هذه صورة الخلافة التي ينشدونها ! .
فهو في هذا الكتاب:
أ يستنكر على من يدعي نقاوة الخلافة الإسلامية (المقدمة) .
ب يهون من شأن الخلافة، وأننا يمكن أن تسير أمورنا دون حاجة إليها (ص 25-27) (ص30).
ج يزعم "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم الناس كملك أو أمير أو رئيس أو سلطان وإنما حكمهم كنبي من الله" (ص 90) أي أن الحكومة ينبغي أن لا تكون دينية؛ لأن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم !، ويؤكد هذا في (ص 102) بقوله: "فالخلافة الإسلامية من واقع نشأتها.. ظهرت كرياسة دنيوية وإمارة واقعية لا تؤسس على نص ديني ولا تقوم على حكم شرعي"!!.(1/28)
د طعنه في أبي بكر –رضي الله عنه- بأنه اغتصب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم عندما طلب من المرتدين أداء الزكاة (التي يسميها العشماوي الإتاوة أو الجزية !!ص 106) ، وأن طلب الزكاة من المسلمين –في زعم العشماوي- خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم مقابل صلاته عليهم !! (ص 16-107)
وقد لمز وتهجم العشماوي لأجل هذا على أبي بكر –رضي الله عنه- متهماً إياه بالديكتاتورية والتسلط ... الخ (ص 107) بل قال هذا السفيه: "وقد سوَّغ تصرف الخليفة الأول أبي بكر الصديق لكل خليفة وأي حاكم أن يستقل بتفسيره الخاص لآيات القرآن، ثم يفرضه بالقوة والعنف على المؤمنين، ويجعل من رأيه الشخصي حكماً دينياً، ومن فهمه الفردي أمراً شرعياً" ! (ص 108). ثم قال –قبحه الله- : "لقد قنن الخليفة الأول بحروب الصدقة إشهار سيوف المسلمين على المسلمين" ! (ص 108).
هـ- ولم يقتصر العشماوي على الطعن في أبي بكر –رضي الله عنه- بل تعداه إلى الطعن في عثمان وعلي –رضي الله عنهما-، حيث قال: " ولم يقتصر الفساد على عهد عثمان وعلى الأمويين وحدهم، بل حدث كذلك في عهد علي بن أبي طالب" ! (ص 113). وقال: "وفي عهد عثمان بن عفان حدث فساد كثير" (ص 119) .
و زعمه أن الصحابة –رضي الله عنهم- كان هدفهم الملك والرياسة (ص 121).
ز- ذمه لمعاوية –رضي الله عنه- (ص 144).
هذه أبرز الانحرافات التي وردت في كتاب (الخلافة الإسلامية) للعشماوي، وقد رد عليه الشيخ الشعراوي في كتاب بعنوان (الأنوار الكاشفة لما في كتاب العشماوي من الخطأ والتضليل والمجازفة) فليراجع
9- ومن انحرافاته : زعمه " أن أحكام الشريعة في المعاملات مؤقتة، لا استمرار لها ولا خلود" ! يقول العشماوي : "إن المؤبد في أحكام القرآن ما تعلق منها بالعبادات، أما أحكام المعاملات فهي وقتيه" (حوار حول قضايا إسلامية إقبال بركة، ص190). (وقد رد عليه رأيه هذا الدكتور محمد عمارة في مجلة المنهل، صفر، 1417هـ فليراجع) .(1/29)
10- ومن انحرافاته : إباحته للربا في كتابه (الربا والفائدة في الإسلام)، يقول العشماوي : "الفائدة ليست ربا" ! (حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص 188) (وانظر كتابه الآخر: على منصة القضاء، ص 178 وما بعدها)
قلت: وقد رد عليه رأيه هذا الدكتور علي السالوس في كتابه (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) فليراجع
قال الأستاذ أحمد أبو عامر في خاتمة نقده لآراء العشماوي: "من خلال إطلاعي على معظم ما كتبه المذكور تبين أن سمات فكرة ما يلي:
1- لنشأته الصوفية دور في ترسيخ التوجه العلماني الذي تنامى بدراساته وتخصصه القانوني.
2- ثقافته الغربية وإطلاعه على تراثها ولا سيما دور الكنيسة وتسلطها جعله يرى الإسلام كالنصرانية وهذا وهم وخطل .
3- تبنى الفكر العلماني والترويج له حتى صار من أبرز رموزه ممن يحاولون هدم الإسلام من الداخل.
4- يتظاهر بالفقه في العلوم الشرعية ويدعي أنه عالم مجتهد وهو في ذلك مدّع والدليل مصادمة آرائه للشرع وأدلته.
5- يهاجم مخالفيه في الفكر بأسلوب هابط ولا يتورع عن الطعن في الصحابة والعلماء واتهامهم بالجهل والغباء والخداع.
6- عدم موضوعيته وبعده عن المنهج العلمي في دراسته إذ جلُ آرائه بعيدة عن الصواب ومخالفة للصحيح وابتداع لا يعضده دليل معتبر.
7- يستغل معرفته وتجاربه في القضاء والمحاكم وما يقابله من صور اجتماعية للمسلمين ويزعم أنها تمثل الإسلام، ويدعو بكل صفاقة إلى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية ويتهم الدعاة لها بالإرهاب وأنهم دعاة فتنة.(1/30)
8- يتبنى الطروحات الاستشراقية ضد الإسلام وشريعته ويلبسها ثوباً محلياً. ومن أخطر مزاعمه المنقولة عن غيره أن الشريعة الإسلامية متأثرة بالقانون الروماني، وهذا كذب صراح وادعاء باطل ناقشه العلماء المسلمون بل بعض المستشرقين وبينوا بطلانه، ويمكن الرجوع إلى كتاب (هل للقانون الروماني تأثير على الفقه الإسلامي؟) مجموعة دراسات نشرتها (المكتبة العلمية في بيروت)، بل إن الأبحاث العملية أشارت إلى تأثر الفقه الغربي بالإسلام، ويمكن الرجوع إلى بيان ذلك فيما كتبه د/ محمد يوسف موسى في كتابه (التشريع الإسلامي وأثره في الفقه الغربي) .
وفي الختام أرجو أن يثوب الرجل لرشده وأن يتقي الله في آرائه؛ لأنه باتجاهه العلماني المتطرف هذا إنما ينكر كمال الإسلام وينكر عالميته وينكر بقاءه إلى قيام الساعة كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وما ذاك إلا الردة بعينها فهل يهتدي ويتراجع ويعود للصواب أم تأخذه العزة بالإثم؟ ونذكره بأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل" (المجلة العربية، شعبان، 1412هـ)
نظرة شرعية على فكر الروائي (عبد الرحمن منيف)
ترجمته: (1)
- ولد في عمان (الأردن) عام 1933
- والده من نجد (السعودية) والأم عراقية .
- أنهى دراسته الثانوية في عَمّان .. وبعدها التحق بكلية الحقوق في بغداد عام 1952.
- في العراق، وخلال فترة الدراسة، خاض غمار النشاط السياسي خلال مرحلة هامة من تاريخ العراق.. وبعد توقيع "حلف بغداد" طُرد منيف من العراق مع عدد كبير من الطلاب العرب، عام 1955.
- واصل دراسته في جامعة القاهرة.
- عام 1958 سافر إلى يوغسلافيا حيث تابع الدراسة في جامعة بلغراد.
__________
(1) ترجمته مستفادة من كتاب "الكتاب والمنفى" (ص400-402)، ومن كتاب "أعلام الأدب العربي المعاصر" لكامبل (2/1273-1275) . وانظر للمزيد عنه : (قراءة في أعمال الدكتور عبد الرحمن منيف الروائية) لمؤمنه بشير العوف، ص419 .(1/31)
- أنهى دراسته عام 1961، وحاز دكتوراه في العلوم الاقتصادية، وفي اختصاص: اقتصاديات النفط/ الأسعار والأسواق.
- مارس النشاط السياسي الحزبي زمناً، ثم أنهى علاقته السياسية التنظيمية عام 1962، بعد "مؤتمر حمص" .
- عمل في مجال النفط: في الشركة السورية للنفط (دمشق) شركة توزيع المحروقات، مكتب توزيع النفط الخام.
- عام 1973 غادر سوريا إلى لبنان حيث عمل في مجلة "البلاغ" وكان قد بدأ الكتابة الروائية برواية (الأشجار واغتيال مرزوق) .
- عام 1975 سافر إلى العراق، وتولى تحرير مجلة "النفط والتنمية".. وظل هناك حتى العام 1981.
- عام 1981 غادر العراق إلى فرنسا، حيث تفرغ نهائياً لكتابة الرواية.
- عام 1986 عاد إلى دمشق، حيث يقيم فيها حتى الآن.
- متزوج وله ثلاثة أبناء وابنة .
مؤلفاته:
الروايات حسب تاريخ صدورها أول مرة:
1- الأشجار واغتيال مرزوق (بيروت) 1973.
2- قصة حب مجوسية (بيروت) 1974.
3- شرق المتوسط (بيروت) 1975.
4- حين تركنا الجسر (بيروت) 1976.
5- النهايات (بيروت) 1977.
6- سباق المسافات الطويلة (بيروت) 1979.
7- عالم بلا خرائط بالاشتراك مع : جبرا إبراهيم جبرا (بيروت) 1982.
8- مدن الملح – خماسية:
- التيه (بيروت) 1984.
- الأخدود (بيروت) 1985.
- تقاسيم الليل والنهار ( بيروت) 1989
- المنبت (بيروت) 1989
- بادية الظلمات (بيروت) 1989
9- الآن.. هنا أو : شرق المتوسط مرة أخرى (بيروت )1991.
مؤلفات في الاقتصاد والسياسة:
1- البترول العربي: مشاركة أو التأميم (بيروت) 1975.
2- تأميم البترول العربي (بغداد) 1976.
3- الديمقراطية أولاً .. الديمقراطية دائماً (بيروت) 1992.
4- بين الثقافة والسياسة ، بيروت 1998.
في فن الرواية:
1- الكتاب والمنفى
هموم وآفاق الرواية العربية (سلسلة الكتاب الجديد- بيروت) 1992.
يشارك حالياً في هيئة تحرير "قضايا وشهادات" (كتاب ثقافي دوري يصدر فصلياً) .(1/32)
- أبرز أعماله هي خماسيته الطويلة ( مدن الملح) ، وهي تتمحور حول تغير البلاد العربية باكتشاف النفط فيها ، يقول منيف : "وهذا التغيير لا يزال مستمراً، ولم يقتصر على بلدان النفط وحدها، ولكنه امتد إلى البلدان الأخرى العربية غير النفطية" (الكتاب والمنفى، ص 149).
ويقول أيضاً: "مدن الملح تعالج مشكلة العلاقة بيننا وبين الآخر؛ بيننا كعرب وبين الغرب منذ بداية هذا القرن، فالاستعمار الغربي كان يحاول على الدوام الحصول على المواد الأولية، كما كان يحاول الهيمنة على الأسواق واستغلال الشعوب بشكل أو آخر..
... . عندما اكتشف النفط فقد أصبحت المنطقة هدفاً وأصبحت أرضاً مهمة " (المرجع السابق، ص335)
قلت: وانظر وصفاً لهذه الخماسية وفكرتها في : (مدار الصحراء، دراسة في أدب عبد الرحمن منيف، لشاكر النابلسي، ص59، 308) .
و(قراءة في أعمال الدكتور عبد الرحمن منيف، لمؤمنة بشير العوف، ص 390) .
- يعد عبد الرحمن منيف أحد أبرز الروائيين الماركسيين في عالمنا العربي، ولا زال يؤمن بهذه الفكرة البائدة !! وهو لا يخفي هذا، بل يجاهر به، فهو يقول مثلاً:
"أعتبر نفسي واحداً من الذين بدؤا التفتح على الماركسية في وقت مبكر نسبياً" (الكاتب والمنفى، ص 259) .
ويقول:
"إن الفكر الاشتراكي ما يزال هو فكر المستقبل" (المرجع السابق، ص349) .
ويقول :
"إنني واحد من الكثيرين أعتبر الاشتراكية أسلوباً للحياة أكثر ملاءمة، خاصة لبلداننا" ! (المرجع السابق، ص 394).
وانظر أيضاً: (مدار الصحراء) لشاكر النابلسي، ص 371 وما بعدها، و(القومية والهوية والثورة العربية) مقال لمنيف في مجلة المستقبل العربي، عدد 95، ص85.
- يقول منيف عن سقوط الاتحاد السوفيتي محضن الماركسيين في العالم العربي، والموجه الأول لهم:(1/33)
"لا شك أن سقوط التجربة السوفيتية خسارة كبيرة للاتحاد السوفيتي وللمنظومة الاشتراكية أولاً، وخسارة للعالم الثالث الذي فقد حليفاً مهماً ثانياً، وخسارة للعالم بأسره" ! (بين الثقافية والسياسة ، ص97) .
ولكن برغم هذا السقوط المدوي للماركسية نظراً لتعارضها مع الفطرة، فإن عبد الرحمن منيف الذي تشبع بهذا الفكر لا يريد أن يصدق هذا !! بل يصر على أن الماركسية سيكون لها جولات وصولات في المستقبل ! فاعجب لهذا المفتون الواله الذي لم يصدق إلى الآن موت معشوقته !! .
يقول منيف :
"إن ما سقط أو فشل في التجربة الأولى لتطبيق الاشتراكية هو شكل محدد من أشكال التطبيق، ولم تسقط الفكرة أو احتمالات تطبيقات مختلفة لها" ! (المرجع السابق، ص103) .
ويقول عن المشروع الماركسي والقومي في البلاد العربية، الذي فشل بشهادة العقلاء ! فشلاً ذريعاً : "أياً كان وصف أو تقييم المرحلة السابقة- وهذا ما يجب أن يكون عنواناً أساسياً لحوار مفتوح وجاد بين جميع القوى والعناصر، ويفترض أن يتسم الحوار بالشجاعة والصراحة والمسؤولية، لتحديد أخطاء ونواقص المرحلة الماضية- فإن من جملة الظواهر والنتائج البارزة الآن:(1/34)
أولاً: عجز المشروعين القومي والماركسي، بالصيغ والحيثيات والشعارات والأولويات، كما قدّما، منذ الاستقلال وحتى الآن. أي أن هذين المشروعين، نتيجة سوء التقديم والتطبيق، أو بسببهما، لم يعودا قادرين، بصيغتهما القديمة، على مواجهة تحديات المرحلة، وليسا مؤهلين، ضمن منطقهما وأسلوبهما السابقين، لكي يكونا أفقاً للمستقبل. لا يعني ذلك، بالضرورة، أن الأفكار القومية والماركسية عاجزة، ولا بد من البحث عن أفكار أخرى، ولكنه يعني بالتأكيد أن تلك الأفكار بالطريقة التي قدمت بها من حيث الصيغ والأشكال، أو من حيث الفهم، ومن ثم الترجمة في الواقع العملي، وأيضاً العلاقة بين القوى والمراحل والمفاهيم، كانت قاصرة وعاجزة، ويكمن السبب في ذلك، كما نعتقد، في الفهم الرومانسي أو الصنمي والحرفي الذي أُعطي لتلك المفاهيم، ولانعدام آلية تحقيقها، ولعجز القوى التي تبنتها عن تحقيق نتائج ملموسة، ولذلك ظلت هذه الأفكار أقرب إلى الشعارات العامة، أو اكتسبت دلالات ليست من طبيعتها، وظلت أسيرة نماذج طوباوية أو غير مقنعة.
يضاف إلى ذلك أن القوى التي تبنت تلك الشعارات والأفكار كانت عاجزة عن تحليل الواقع بموضوعية واستنباط المهمات والصيغ الملائمة لحركة هذا الواقع والتغيرات التي تفعل فيه. أكثر من ذلك، أن بعض القوى، حين وصلت إلى السلطة، أعطت بسلوكها وعلاقاتها مثلاً سلبياً، الأمر الذي انعكس على الفكر الذي تحمله أو تبشر به.
المأزق، إذن الذي وصل إليه المشروعان، القومي والماركسي، كل بطريقته، وبنسب متباينة، وأيضاً نتيجة أسباب تختلف من واحد لآخر، يجب ألا يقود إلى الاستنتاج أن المشروعين عاجزان بطبيعتهما، أو غير مؤهلين لدور في المستقبل. إن استنتاجاً من هذا النوع، بالإضافة إلى خطئه، هو ما يريد الخصم أن يوصلنا إليه، لقناعته أن الصيغ الأخرى أكثر عجزاً عن مواجهة المشاكل العملية أولاً. (بين الثقافة والسياسة، ص42-43) .(1/35)
قلت: صدق الله إذ يقول (تلك أمانيهم) وصدق من قال: "إن المنى رأس أموال المفاليس" !
فهذا الماركسي العجوز لم يقتنع إلى الآن –رغم الحقائق- بفشل المشروعين اللذين آمن بهما منذ مراهقته، وهما الماركسية والقومية، وتمنى لو أن بيده بعثهما من جديد، ولكن هيهات ، فقد أفاقت الأمة وعرفت أن هذين الطريقين لم يؤدياها إلا إلى البوار .
فهل يفيق العجوز من سكرته قبل أن يفجأ الموت وهو على هذه الحال؟!
- يعتقد منيف أنه لم يبق أي شيء مقدّس لديه، والعياذ بالله!؛ لأنه كغيره من الماركسيين الماديين لا ينظرون إلى الإسلام كوحي إلهي، على البشر تقديس نصوصه والالتزام بها .
يقول منيف:
"أما موقفي من المقدّس الذي تسألني عنه، فأكاد أقول دون خشية كبيرة: لم يبق شيء مقدس! "! إلى أن يقول: "نحن الذين أعطينا للمقدس قدسيته" (الكاتب والمنفى، ص 382،383).
- كثيراً ما يتهجم عبد الرحمن منيف على الإسلام وأهله، واصفاً إياه بالأصولية، منتقصاً ثقافته وتعاليمه، كشأن غلاة الماركسيين العرب الذين تشبعوا بالفكر الشيوعي الماركسي المخاصم للدين، وإن قبله جعله أمراً (روحياً) بين العبد وربه. فهم قد جمعوا بين الماركسية والعلمانية، كما سيأتي في أقوال الماركسي عبد الرحمن منيف: فإليك شيئاً منها:
يقول منيف ساخراً من الكتب الإسلامية خالطاً بينها وبين كتب السحر والتنجيم والخرافات!
"ويجدر لفت النظر هنا إلى نوعية المواد التعليمية المقررة في المدارس، والتي من شأنها الحد من استعمال العقل، وتغليب النظرة الغيبية، ومراكمة المواد الحفظية، وعدم إفساح المجال أمام الأسئلة المختلفة، الأمر الذي يلغي المحاكمات العقلية والمقارنة، (فالخطان المستقيمان لا يلتقيان إلا بمشيئة الله) والأرض لا يمكن أن تكون كروية، كما يؤكد رجال الدين. وضمن الدروس التي تُعطى للأطفال، وهم دون سن العاشرة: كيفية غسل الموتى! .(1/36)
إن مواداً تعليمية من هذا النوع، إضافة إلى المناخ المسيطر، يعطيان فكرة عن نوع الثقافة السائدة، وعما يمكن أن يواجهه أي فكر تنويري أو مختلف.." إلى أن يقول: "هذا في الوقت الذي يتقلص دعم الأنظمة الحاكمة للكتاب الجاد والمسرح والسينما الهادفين. إذ يضيق أو يمنع استيراد الكتب الجدية والعقلانية، ويفسح المجال واسعاً أمام الكتب الغيبية والاستهلاكية. ونظرة سريعة لمعرفة نوعية الكتب الأكثر انتشاراً تثير حالة مأساوية، فكتب السحر والتنجيم وقراءة الطالع، ثم الكتب الغيبية والدينية، هي الأكثر رواجاً لأنها تلاقي الدعم بأكثر من أسلوب ومن أكثر من جهة" . (بين الثقافة والسياسة ، ص 117، 123) .
- ويقول منتقصاً ومسفهاً ومثبطاً من يدعو الدول العربية إلى تحكيم الشريعة والعودة إلى الإسلام:
"أما الخيار الثاني الذي يطرح فهو الخيار الديني أي الرابطة الدينية، بالتحديد الأخوة الإسلامية التي تتجاوز الحدود القومية.
إن الرابطة الدينية حتى على فرض إمكانية قيامها، لا يمكن أن تتجاوز الرابطة القومية أو أن تكفيها؛ لأن الرابطة القومية هي الأساس في قيام المجتمعات، بخاصة في العصور الحديثة. إن الرابطة الدينية، إضافة إلى استحالة تحققها في الواقع الراهن إلا كرابطة معنوية، لا تتعدى التقارب والتعاطف. وهي تنطلق من معطيات متفاوتة ومن واقع مختلف، كما أنها غير قادرة، وغير مؤهلة للإجابة عن مشكلات العصر الحديث اعتماداً على تجارب ماضية وجزئية"
إلى أن يقول: "فالدين رابطة معنوية واعتقاد مبني على الاختيار الخاص، وهو أمر شخصي تماماً" ! (الديمقراطية أولاً، ص 134-137) .
قلت: يقول هذا بناءً على نظرته (العلمانية)، التي تجعل الإسلام منزوياً في الشعائر التعبدية فقط، أما شئون الحياة فلا دخل له بها، إنما الذي يفصل فيها وينظمها هو الفكر الماركسي!!
- ويدعي منيف أن من أسباب تأخرنا:(1/37)
"تراجع العقلانية في الثقافة والعودة إلى الغيبية" (الديمقراطية أولاً،ص16) ونسي هذا الماركسي (المادي) أن الغيب نصف الدين !وأنه من شروط إيمان المؤمن، قال سبحانه في وصف المؤمنين بأنهم (الذين يؤمنون بالغيب) ، فلا يتم إيمان عبد حتى يؤمن بما ورد من أمور الغيب الكثيرة الواردة في الكتاب والسنة، وعلى رأسها اليوم الآخر.
وأما بدون هذا الإيمان فإن العبد يكون كافراً، قد شابه إخوانه المشركين الدهريين الذين لا يؤمنون إلا بالماديات زعموا .
- ويزعم منيف كثيراً أن الحركات والتوجهات الإسلامية ما كان لها أن تنتشر لو كان الفكر الماركسي قائماً !! وإنما انتشرت بعد سقوط هذا الفكر الذي أخلى لها الساحة! فهو يحيل انتشار الالتزام بشرع الرحمن وعودة الكثيرين إلى الهداية إلى هذا السبب، لا أن الإسلام يحمل قوته في ذاته ؛ لأنه الدين الحق المستمر إلى قيام الساعة.
يقول منيف:
"إن الدول الغربية، في مراحل متعددة، ولا تزال إلى الآن، تتبنى وتدعم أنظمة واتجاهات أصولية في المنطقة العربية. فأنظمة الخليج العربي، وأنظمة أخرى أيضاً، تحظى برعاية وحماية الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، رغم ما تتصف به هذه الأنظمة من أصولية ورجعية، ورغم دعم هذه الأنظمة لمجموعة من الحركات الأصولية في أمكنة متعددة من العالم .
إن الأصولية بشكل عام، والأصولية الإسلامية تحديداً، رغم أنها موجودة منذ وقت مبكر، إلا أنها الآن أقوى من أي وقت مضى. ومن جملة ما يفسر ذلك: ضعف أو غياب التيارات الأخرى، والمصاعب والعراقيل التي وضعت في وجهها، وكان الغرب، خلال مراحل متعددة، يقود حرباً بشكل مباشر، أو من خلال دعم الحكومات الرجعية والديكتاتورية، لمحاربة التيارات الديمقراطية والتقدمية، مما أفسح المجال أمام التيارات الأصولية لأن تقوى وتسيطر، ومثَل السادات في مصر مثال ساطع.(1/38)
ولقد تعززت هذه الحالة بسقوط الاتحاد السوفييتي، وما رافق هذا السقوط من حملة إعلامية غربية تقول باستحالة وجود فرص أو إمكانية للتيار الديمقراطي التقدمي كي يكون حلاً بديلاً للنظم الرجعية القائمة، مما يفسح المجال لأن يعتبر التيار الأصولي نفسه بديلاً وحيداً.
في مواجهة وضع مثل هذا وجدت الأصولية مناخاً ملائماً لأن تعمل وتؤثر وتزداد قوة، خاصة وأن سياسة الدول الغربية طوال عقود متواصلة، اتسمت بضيق الأفق والأنانية، وأيضاً مناوء ة الطموحات المشروعة لشعوب المنطقة، ولعل موقفها المتحيز والظالم تجاه القضايا الأساسية، كالنفط والقضية الفلسطينية والتحرر الاقتصادي، أفسح المجال واسعاً أمام الحركات الأصولية لأن تطرح نفسها كأفق واحتمال للتحرر السياسي والاقتصادي، بغض النظر عن إمكانية ذلك لاحقاً.
إن جزءاً كبيراً من الحرب الدائرة الآن في أنحاء متعددة من العالم حرب شعارات لكسب مواقع، ولو مؤقتاً، من أجل اصطفاف جديد. وهذه الحرب تمارسها، تقريباً كل الأطراف، بغض النظر عن وجود استراتيجية بعيدة الأمد أم لا. إذ المهم قهر الخصم الآن، أو تجريده من أهم الأدوات والوسائل التي يملكها أو يلجاً إليها، دون حساب للنتائج التي يمكن أن تترتب عليها في فترات لاحقة.
ومن جملة ما يعزز موقف التيار الأصولي في الوقت الحاضر، ويكسبه شعبية واسعة، السياسة والشعارات التي يرفعها في مواجهة الغرب، خاصة الولايات المتحدة، لأن هذه الأخيرة لم تكف عن اللجوء إلى القوة والقهر والاستغلال في التعامل مع شعوب المنطقة، كما لا يخفى تبنيها لسياسةٍ تجرح كبرياء وطموحات شعوبها، هذا عدا عن التمييز في الموقف والمعاملة بين العرب وإسرائيل. والذاكرة العربية، والإسلامية، مثقلة بكم الوقائع التي تُظهر التحيز والقسوة والعنف الغربي، خاصة الأميركي، تجاه القضايا التي تهم شعوب هذه المنطقة.(1/39)
هذه إشارات ضرورية من أجل فهم الظاهرة الأصولية ووضعها في سياقها. أما إذا عزلت عن هذا السياق، وعن فهم الدوافع الكامنة وراء نهوضها وقوتها وعنفها، فسوف يؤدي ذلك إلى المزيد من الأخطاء" . (بين الثقافة والسياسة، ص 137-139) .
ويقول :
"إن الحركة الدينية قوية وموجودة كحركة سياسية بقدر عجز وغياب القوى الوطنية التقدمية" (الديمقراطية أولاً، ص44).
قلت : نسي هذا الماركسي أن أصحابه الشيوعيين قد أفسح لهم المجال في أماكن عديدة من العالم الإسلامي تحت نظر الغرب وسمعه ، ورعايته ، ولكنهم فشلوا في قيادة الأمة ، بل أورثوها النكبات ، مما لم يعد يخفى على عاقل يحترم نفسه .فهلا تنحوا قليلا ، وأفسحوا المجال لأهل الإسلام ؟! ( طلع الصباح فأطفئ القنديلا!) .
- كما سبق فإن عبد الرحمن منيف من غلاة الماركسيين الذين يعادون الدين فإن قبلوه بسبب ضغط الواقع فإنهم يحصرونه في الشعائر التعبدية فقط، وقد صرح منيف بهذا وأفصح عن علمانيته بقوله:
"إن الدين، أي دين، يفترض أن يبقى في إطار الاعتقاد الشخصي، أما إذا تحول إلى عمل سياسي فيصبح عندئذٍ ذريعة لسلب حرية الإنسان، ولإرغامه على الامتثال، كما يصبح وسيلة لقهر الآخر" . (بين الثقافة والسياسة ، 148 ).
- ويقول عن أسباب اختيار الماركسيين وغيرهم من أهل الضلال للعلمانية :
"العلمانية في البلاد العربية كانت بالدرجة الأولى في مواجهة الدولة القومية المتستترة بالدين " (الديمقراطية أولاً، ص 95) .
- يتأفف منيف كثيراً ما يسميه (رقابة المجتمع) ! ويتمنى لو أنه يستطيع البوح بما في نفسه دون خوف منها.
فهو باختصار يريد أن يكفر ويفوه بالمنكرات دون أن يحاسبه أحد، وهذا ما لا يُقره الإسلام لأبنائه؛ لأنه يربأ بهم عن الكفر .(1/40)
يقول منيف: "أما كيف أتعامل مع رقابة المجتمع والدولة فإن الإشكالية الأساسية التي تثير حيرتي هي رقابة المجتمع. الدولة تدافع عن نفسها، تحصّن نفسها، ولذلك تلجأ إلى القسوة والتمويه والمخادعة، وربما هذا "حق" من حقوق الدفاع عن النفس، ضمن منطق الدولة وأسلوبها. ولكن ماذا بخصوص رقابة المجتمع المقموع، المضطهد، والذي يمارس أيضاً كل المحرمات سراً، ويتمتع بها إلى أقصى حد في الحياة اليومية، من خلال الشتائم والنميمة والصور العارية والفضائح، وفي نفس الوقت، يمنع أن يُكتب ذلك.
إن المجتمع العربي من أغرب المجتمعات قاطبة، لأنه يمارس كل شيء سرياً، ويخشى أن تقال كلمة، ولو غير مباشرة، عن هذه الحياة السرية.
الله كم تحت قشرة العفة والطهارة والتقوى المدّعاة من الفضائح والوساخات والزنى بالمحرمات ! مجتمع يمارس العادة السرية. يعمل كل شيء، وبشجاعة سرية فائقة، لكنه يخشى أي شيء، ولو كان بريئاً وسمحاً، أن يظهر إلى الخارج! ليس ذلك فقط. إنه يلاحق ويعاقب من يقول جزءاً من الحقيقة!" (الكاتب والمنفى، ص 380) .
قلت: كون أحد من الناس يمارس الأخطاء والمحرمات وسواء علناً أم سراً، هل يبيح هذا لنا أن نُقر هذه المحرمات والأخطاء ولا ننكرها؟! لا يقول هذا مسلم يعرف دينه.
ومن ارتكب المحرمات والأخطاء فحسابه على الله، وهو ليس حجة على شرع الله.
- ويرى منيف أن الإسلام يعوق بين الأديب وحريته! ويقصد بالحرية ما لا يقره الإسلام من التفوه بالكفريات والضلالات، فهو يريد –كما سيأتي- إسلاماً لا دخل له بالمجتمع كله، بل ينحصر في المسجد وبين المرء وربه، كما في النصرانية الآن.
يقول منيف: "الهم الرابع: المحرمات: ما أود أن أشير إليه هنا، ومجرد إشارة، هو موضوع المحرمات في السياسة والدين والجنس، وهذه عوائق أو تحديات أمام نمو الرواية وتطورها" (الكاتب والمنفى، ص51).(1/41)
- دائماً ما يحمل منيف –كغيره من الماركسيين- على الدول النفطية وعلى رأسها السعودية ! بأنها قد استغلت النفط لنشر التخلف والرجعية!! ويعني بهما الإسلام السلفي، وهذه شنشة معهودة من غلاة الماركسيين في فترة مضت، فما بال منيف لا زال يرددها إلى اليوم ؟!
يقول منيف :
"إن ثروة النفط ظهرت سلبياتها أكثر من إيجابياتها في أحيان كثيرة، بما في ذلك تشجيع المد السلفي" (الديمقراطية أولاً، ص 220).
ويقول: "إن حجم التخريب الذي ولدته الفورة النفطية، في مجالات شتى، بما فيها الثقافة، والتي طالت عدداً من "المثقفين" في الغرب أيضاً، ترك تأثيرات سلبية مدمرة على الأفكار والقيم والعلاقات والمقاييس، وقد أبرزت أزمة الخليج بعضاً من ذلك، حيث حُشدت أعداد من الكتبة المستأجرين، واستخرجت الفتاوى لإدانة أية أصوات تعارض التدخل الأميركي أو الحرب الهمجية التي شُنّت على شعب العراق، وزيفت الوقائع أو أُخفيت، وساد جو قاسٍ من الإرهاب والتعبئة، بحيث لم يظهر إلا صوت واحد: الصوت الرسمي.
ومما زاد في خلق هذا المناخ حالة الضياع التي سادت بعد الزلزال الذي وقع في المعسكر الاشتراكي، إذ سقط الكثير من الأفكار والمقاييس، وطغت موجة سلفية جديدة في المنطقة، كما عمت حالة من القلق وعدم اليقين" . (الديمقراطية أولاً، ص 280-281) .
- من أطرف ما مر بي أثناء دراستي لفكر (الماركسي) عبد الرحمن منيف أنني وجدت له تصريحاً جديداً بأنه يؤمن بالليبرالية !! وهي نقيض الماركسية! لتعلم بعدها أن القوم أصحاب أهواء، مستعدون للتنقل بينها ولو كانت متعارضة ما دامت مخالفة للإسلام ولا تؤدي إليه ! ، يقول منيف:
" لا أخفي : في المرحلة الحالية أميل إلى الليبرالية " !! (الكاتب والمنفى، ص308) .
قلت : صدق من قال :
يوماً يمانٍ إذا لاقيتَ ذا يمنٍ
وإن لقيتَ معِّدياً فعدناني !(1/42)
فأنتم لما هوى صنمكم القديم الماركسية، هرعتم إلى تمجيد صنمٍ آخر هو الليبرالية، ومن لم يرض بعبودية الرحمن رضي بعبودية النفس والشيطان.
فروا من الرِّق الذي خُلقوا له
وبُلوا برق النفس والشيطان.
- كلمات منيف عن المرأة قليلة جداً حتى في رواياته ، وهذا مما يستغرب على روائي ماركسي!؛ لأن أدباء الماركسية اشتهروا في الأدب بجنوحهم إلى نشر الرذيلة والدفاع عنها، وعذر أصحابها من المومسات ونحوهن، وتحميل الظروف الاقتصادية جميع خطاياهن ... الخ، وهذا تجده على سبيل المثال في روايات: نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهما من رؤس الأدباء الماركسيين العرب .
فالله أعلم عن سبب قلة هذا الأمر عند منيف ، هل هو بسبب أسرته أم بيئته؟!
لكنه إذا تعرض في مقابلاته لسؤال حول المرأة فإنه لا يعدو نظرة المتحررين نحوها! يقول منيف :
" لا شك أن المرأة في الواقع، وفي مجتمعنا تحديداً ، خاصة في المرحلة الراهنة تعاني الكثير لكونها امرأة.
ففي مجتمع متخلف ويخضع إلى القمع المتدرج ، من الطبيعي أن يكون استعباد المرأة أو وضعها في مرتبة أدنى أمراً طبيعياً. هذه حالة وصفية، خاصة وأن هذا المجتمع يمتلك إرثاً من ناحية الدين والتقاليد يعزز مثل تلك النظرة، ويعطيها من المبررات الكثير" (بين الثقافة والسياسة ، ص 152-153).
فهذا الماركسي يرى أن الشرع قد جاء بانتقاص واستبعاد المرأة ! وهذا كفر لا شك فيه، والعياذ بالله، وهو ليس بغريب على من يدين بدين الماركسية.
أسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم ، وأن ينصر الإسلام والمسلمين ، ويكبت المنافقين والكافرين ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
نظرة شرعية على فكر (عبد الله العروي)
-قال الدكتور مفرح القوسي عن العروي: "كاتب مفكر مغربي معاصر، ومن أشهر الماركسيين العرب، مختص بالدراسات التاريخية"(1/43)
وقال عن كتابه (العرب والفكر التاريخي): "الذي تبنى فيه الماركسية، واجتهد في الدعوة إلى الأخذ بها، بوصفها نظاماً فكرياً متكاملاً، يزود معتنقيه بمنطق العالم الحديث ! -على حد تعبيره- ويتناسب مع كل فئات المجتمع المسلم"!! (انظر: رسالة المنهج السلفي والموقف المعاصر منه في البلاد العربية –دراسة وتقويماً، لم تطبع بعد، ص161).(1/44)
وقال عنه أيضاً: "عبد الله العروي: الذي تبنى الماركسية واجتهد في الدعوة إلى الأخذ بها، بوصفها نظاماً فكرياً، يزود معتنقيه بمنطق العالم الحديث –على حد تعبيره- ويلائم متطلبات الأمة العربية الإسلامية، واجتهد في بيان أفكار ماركس ونظرياته، والرد على الاعتراضات التي وجهت إليها، ودعا إلى تفسير أحداث التاريخ الإسلامي تفسيراً ماركسياً، ووقف من السلفية موقفاً معادياً. فنراه –على سبيل المثال- يقول ممجداً الماركسية ومؤكداً ضرورتها، وشاناً الهجوم على المنهج السلفي؛ متهماً إياه بالعقم والسلبية: "الماركسية –بالنسبة للعرب- مدرسة للفكر التاريخي، وهذا الأخير هو مقياس المعاصرة، بدونه تغرق كل فكرة في بحر الحاضر الدائم، أي ترجع إلى أرضية الفكر السلفي. إن السلفية والانتقائية –وهما المميزين لذهنيتنا الحاضرة –تسبحان في الحاضر الدائم، وهذا هو سبب عدم انتفاع المجتمع العربي بمثقفيه منذ عقود. إن المثقف عندنا لا يتحرر فعلاً، فلا يعين مجتمعه على التحرر، لأنه ينفصل دائماً عن المحيط الذي يعيش فيه، وينتقل إلى عالم ماض يجعل منه الحقيقة المطلقة . ورغم تبجحه بالعمل السياسي، فإنه لا يؤثر إطلاقاً في الأوضاع ويترك التأثير لدعاة الاستمرار. إن السلاح الوحيد ضد اللاتأثير هو كسب الفكر التاريخي الذي لا يُتعلم من دراسة التاريخ كما يتبادر إلى الذهن، بل يتطلب الاقتناع بنظرية في التاريخ، وهذه لا توجد اليوم بكيفية شاملة ومقنعة إلا في الماركسية ... إن الأمة العربية محتاجة في ظروفها الحالية إلى تلك الماركسية بالذات، لتُكَوّن نخبة مثقفة قادرة على تحديثها ثقافياً وسياسياً واقتصادياً، ثم بعد تشييد القاعدة الاقتصادية يتقوى الفكر العصري ويغذي نفسه بنفسه" (1) .
__________
(1) العرب والفكر التاريخي ص 68.(1/45)
-ونراه يتهم الفكر السلفي بأنه فكر لا تاريخي عاجز عن إدراك الواقع وفهم التكنولوجية المعاصرة والأنظمة الاقتصادية والاتجاهات الفكرية والتيارات الاجتماعية، وبأنه يؤدي إلى تعميق واستمرار التأخر التاريخي وإلغاء الحرية الذاتية، حيث يقول تحت عنوان (الوضع الثقافي) ما نصه: "إن المثقفين يفكرون حسب منطقين: القسم الأكبر منهم حسب الفكر التقليدي السلفي، والقسم الباقي حسب الفكر الانتقائي، وإن الاتجاهين الاثنين يوصلان إلى حذف ونفي العمق التاريخي، لكن إذا لم يكن التاريخ في ذهن المثقف، هل يعني هذا أنه محذوف من الواقع؟ طبعاً لا ، التاريخ كماض وكحاضر يُكوّن واقع العرب اليومي، وواقع خصوم وأعداء العرب. كل ما يؤدي إليه الفكر اللاتاريخي هو العجز عن إدراك الواقع كما هو، إذ يمحو منه بُعداً من أبعاده المكونة له. وإذا ترجمنا هذه الجملة إلى الواقع السياسي نقول: نتيجة الفكر اللاتاريخي هي التبعية وعلى كل المستويات، فمن طبيعة الانتقائية أن تفتح الأبواب لكل المؤثرات الخارجية. والفكر التقليدي لا يقل عنها خضوعاً وتسامحاً، رغم ما يعتقد وما يدّعي، كيف يقف في وجه التكنولوجية المعاصرة والأنظمة الاقتصادية والاتجاهات الفكرية والتيارات الاجتماعية وهو غير قادر على فهمها، فضلاً عن إبداع تيارات وأنظمة مضادة بديلة لها. والتبعية الظاهرة والخفية لا تعني فقط عدم الاستقلال والاستغلال، أي: إنها لا تخدش فقط الكرامة القومية والمصالح المادية، بل تعني كذلك تعميق واستمرار التأخر التاريخي.(1/46)
هذه نتيجة استخلصناها واستخلصها معنا المؤرخون الغربيون من تطور الاستعمار الحديث ومن تجارب الدول المتخلفة ... ورغم هذا الواقع المر ما زال أغلب المثقفين عندنا يميلون إلى السلفية أو الانتقائية، والغريب أن هذين الاتجاهين يخدعان المثقف ويغريانه بنوع من الحرية الذاتية، يظن أنه يملك حرية الاختيار، وأنه قادر على أن ينتخب من إنتاج الغير أحسنه، وهذه حرية شبيهة بحرية الرواقيين الذين كانوا يظنون أنهم إن حرروا القلب والذهن من تأثير الإنسان والكون جاز لهم أن يهملوا الأغلال التي تشد الأيدي وتقيد الأرجل" (1) ، ويصف طريق الخلاص من الفكر السلفي فيقول: "إن الطريق الوحيد للتخلص من الاتجاهين معاً هو الخضوع للفكر التاريخي بكل مقوماته ... إن أحسن مدخل وأحسن مدرسة للفكر التاريخي يجدهما العرب اليوم في الماركسية في تأويلها التاريخاني. إن الكثير من المثقفين العرب يشعرون أنهم سيفقدون حريتهم إذا خضعوا لهذا الفكر؛ سيكونون مسيرين ويعلمون مسبقاً إلى أي هدف يسيرون؛ إنهم سيبقون دائماً في طور التلمذة؛ إذ لم يتعد عملهم تدارك التأخر، وأنهم سينسلخون عن شخصيتهم إذا اعترفوا أن التاريخ فيهم. والعجيب أن تأتي مثل هذه الانتقادات من السلفي الذي يعتقد بالقدر، وينحل في شخصيات السلف الصالح" (2) .
__________
(1) المرجع السابق ص 205 – 206.
(2) المرجع السابق ص 206 – 207.(1/47)
ويرفض العروي قيام المؤرخ المسلم في تفسيره للتاريخ بربط وقوع الحوادث بمشيئة الله وإرادته، ويصفه بأنه عمل فج وممل، فنراه يقول تحت عنوان (ماهية الأنماط التعليلية): "لا نتكلم هنا عن الفكرة التي نجدها في كثير من الكتب التاريخية الإسلامية وخاصة المتأخرة منها : أي تفسير كل حادثة بالإرادة الربانية، لأن التاريخ يصبح حينئذ قسماً من علم الكلام. الحقيقة هي أن لا فرق بين استعارة الإرادة الإلهية من علم الكلام واستعمالها في التاريخ وبين استعارة القانون الطبيعي من علوم الفيزياء أو الاجتماع أو الاقتصاد وتوظيفه لنفس الغرض، إلا أن الاستعمال الأول فج ومملّ إذا كان كل حادث يقع بمشيئة الله. ما الفائدة من سرد الحوادث في ظروفها الخاصة؟ . أما الاستعمال الثاني فإنه أكثر تنوعاً ودقة" (1) .
ويرى أنه لا يمكن للمسلمين أن يحققوا التقدم المنشود إلا بتخليهم عن معتقداتهم الدينية، ويستشهد بتركيا الكمالية التي يرى أنها أكثر استعداداً للحياة الحديثة من غالبية المجتمعات الإسلامية، وذلك لنبذها موروثاتها العقدية الإسلامية، فنراه يقول: "إن معظم البلاد العربية اليوم تتقدم قليلاً أو كثيراً على طريق التنمية والتصنيع، وهو تقدم لا يواكبه تغيير ملموس في اللغة والثقافة والأنظمة العائلية والعشائرية، وأحياناً حتى في النظام السياسي. تجري الأمور وكأنه من البديهي أن يفصل التغيير الاقتصادي عن الظروف الاجتماعية والسياسية، ثم تؤثر هذه الحالة حتى في الميدان السياسي، فينادي الكثيرون بضرورة تحقيق العدل والمساواة بدون اعتبار للأوضاع الثقافية، والسؤال هو: هل يصح تصور مجتمع عصري بدون أيديولوجيا عصرية؟ هل يمكن تصور تنظيم سياسي ثوري بدون ثقافة حديثة؟ .
__________
(1) ثقافتنا في ضوء التاريخ ص 29-30، ط الثالثة 1992م، المركز الثقافي العربي –بيروت .(1/48)
والاعتراض التقليدي هو : واليابان؟ وإسرائيل؟ ألم نشاهد في كلتا الحالتين تقدماً اقتصادياً وتقنياً مع المحافظة على التقاليد العتيقة، وهناك اعتراض آخر وهو: ماذا نفعهما التغيير الثقافي حيث لم تواكبه ثورة اقتصادية واجتماعية؟ .
هذه الاعتراضات تبدو وجيهة لكنها غير مبنية على بحوث ودراسات مستفيضة إذا وجب الحكم من خلال ارتسامات عابرة، إني أعتقد أن المجتمع التركي رغم كل الظواهر أكثر استعداداً للحياة الحديثة من غالبية المجتمعات العربية، وإن الأيديولوجيات التقليدية في اليابان وإسرائيل لا تلعب دوراً حاسماً في الحياة الثقافية" (1) .
ويدَّعي "أن الفكر العربي أيام ابن خلدون كان أكثر علمانية مما كان عليه في القرون اللاحقة، ومما هو عليه اليوم في كثير من الأوساط" (2) .
ويضع العروي (الفكر السلفي) على رأس قائمة المشكلات والعقبات التي تعيق تطور المجتمعات العربية الإسلامية، والتي تستلزم من هذه المجتمعات وضع برنامج شامل لاجتثاثها والتخلص منها لكي يتحقق التقدم والرقي المنشودين (3) ،
ويَعُدُّ المنهج السلفي منافياً للموضوعية واستلاباً حقيقياً يضاهي الاستلاب الحاصل بالتغريب أو التفرنج، حيث يقول تحت عنوان (الاغتراب والاعتراب) ما نصه: "إن الاغتراب بمعنى التغريب أو التفرنج استلاب، لكن الاعتراب استلاب أكبر، والتركيز على الخطر الأول ما هو إلا تغطية لوضع ثقافي واجتماعي معين. إن السياسة الرسمية في الأغلبية الساحقة من البلاد العربية تحارب الاغتراب بوسيلتين:
- تقديس اللغة في أشكالها العتيقة.
- وإحياء التراث.
وفي هاتين النقطتين تتلخص السياسة الثقافية عندنا.
ومن الأمور الواضحة وضوح النهار أن تقديس اللغة، أي : تحجيرها في مستوى معين وأخذ الثقافة العتيقة كسمة تمييزية للقومية العربية، هما تشجيع
__________
(1) العرب والفكر التاريخي ص 23.
(2) المرجع السابق هامش ص 54.
(3) راجع: المرجع السابق في الصفحات : 220 – 226.(1/49)
الاستمرار في الفكر الوسطوي (1) ونفي موضوعية التاريخ. إن السلفي يظن أنه حر في أفكاره، لكنه في الواقع لا يفكر إلا باللغة العتيقة وفي نطاق التراث، بل إن اللغة والتراث هما اللذان يفكران من خلال فكره. هذا واقع لا يعيه ولا يمكن أن يعترف به السلفي مُحَققٌ، ولم يعد في استطاعة أي شخص له أدنى اطلاع على العلوم اللسنية الحديثة أن ينكره .. على الملاحظ المنصف أن يعترف أن الاستلاب الحقيقي هو الضياع في تلك المطلقات التي ذكرناها: في اللغة، في التراث، في التاريخ القديم. يفنى فيها المثقف العربي بكل طواعية واعتزاز، ويعتبر الذوبان فيها منتهى حرية الاختيار والتعبير الصادق عن هويته القارة الدائمة. هذه هي الأوزار والسلاسل ولن نتحرر منها إلا بكسب وعي تاريخي" (2) .
__________
(1) أي الفكر الإسلامي السلفي، وسماه بالوسطوي لأنه –كغيره من الماركسيين العرب- يعتمد في تأريخه للفكر العربي الإسلامي التقسيم الزمني الشائع لدى المؤرخين الأوروبيين، الذي يبدأ بالتاريخ القديم ثم الوسيط وينتهي بالحديث أو المعاصر. وهذا التقسيم مرتبط بتصورات أوروبية حول العصور الوسطى باعتبارها عصور الظلام والتخلف، أما بالنسبة لنا فهي عصور القوة والازدهار، حيث كانت بداية ظهور الإسلام وانتشاره والإبداع في التأليف فيه.
(2) المرجع السابق ص 207 – 208.(1/50)
ويصف الفكر السلفي بأنه فكر رجعي لمحافظته على الثوابت الإسلامية، ورفضه الانسياق خلف الأفكار الوافدة من الغرب، فنراه يقول –مؤكداً حقه في مواجهة هذا الفكر- :" كان من المنطقي أن أفتتح المواجهة مع الفكر المحافظ الرجعي السائد، خاصة وأن التقدميين (1) كانوا وما يزالون يخافون من النظرية والأيديولوجيا رضوخاً للضغط، وتأثراً بالذهنية التقليدية المحافظة التي تدعو إلى عدم أخذ أية فكرة من الخارج ... وهذا الفكر يطلع علينا من حين إلى حين بترديد اسطوانة واحدة لا تتجدد أبداً ضد الأفكار المستوردة، والغزو الفكري والروحي والاكتفاء بالأيديولوجيات التقليدية (التراث العربي الإسلامي) التي تُكَوّن نظاماً عقائدياً كافياً وشافياً قادراً على توزيدنا بكل ما نحتاج إليه من حلول لكل مشكلات العصر، مدنية، عائلية، سياسية، اقتصادية، ثقافية، فنية، فلسفية، الخ" (2) .
ويقول –مدعياً انقطاع ارتباط المسلمين بتراثهم -: "يرفض السلفي كل الأفكار المستوردة، لاقتناعه بأن الوفاء للتراث شرط لازم وكاف للحفاظ على الشخصية ... ،
__________
(1) ويعني بهم الماركسيين.
(2) المرجع السابق ص 58 – 59.(1/51)
ومن يدعو إلى رفض الأفكار المستوردة اليوم بعد مرور أكثر من قرن على (النهضة) وعجز جميع المصلحين عن السباحة في غير محيط الأفكار والنظريات الغربية، يفوه بكلام فارغ إذن، كلام لا معنى له إطلاقاً، لا يعود عليه بشيء ملموس، ومستحيل منطقياً وتاريخياً واختيارياً، لأن رباطنا بالتراث الإسلامي في واقع الأمر قد انقطع نهائياً وفي جميع الميادين. وإن الاستمرار الثقافي الذي يخدعنا لأننا ما زلنا نقرأ المؤلفين القدامى ونؤلف فيهم إنما هو سراب، وسبب التخلف الفكري عندنا هو الغرور بذلك السراب وعدم رؤية الانفصام الواقعي، فيبقى حتماً الذهن العربي مفصولاً عن واقعه؛ متخلفاً عنه بسبب اعتبارنا الوفاء للأصل حقيقة واقعية، مع أنه أصبح حنيناً رومانسياً منذ أزمان متباعدة، ومن المحقق أن الفكر السلفي سينفي وجود الانفصام المذكور على أساس تجربته الوجدانية، لكن باستشهاده بالوجدان يعترف ضمنياً بصحة ما نقول، لأن التجربة الوجدانية لا تعمم نظرياً وتحليلياً، وإنما تتطلب اعتقاد الكشف" (1) . وعاد ليؤكد "أن الرجوع إلى نظريات الماضي والحفاظ على أصالة فارغة وهم يعوق التطور، وأن الماركسية هي ذلك النظام المنشود الذي يزودنا بمنطق العالم الحديث" (2) .
-يقول العروي: "الأفضل لنا نحن العرب في وضعنا الثقافي الحالي أن نأخذ من ماركس معلماً ومرشداً نحو العلم والثقافة ... " !! (محاورة فكر عبد الله العروي، ص19) .
ويقول هذا الماركسي : "المطلوب إذن هو أن نعيد ماركس نفسه، ماركس الهيجلي الشاب، لنبدأ أولاً بالنقد الأيدلوجي، لنصفي حسابنا مع الفكر السلفي مثلما صفى ماركس حساباته مع الأيدلوجية الألمانية" !! (المرجع السابق، ص106) .
فالرجل بينه وبين المسلمين (السلفيين) تصفية حسابات !! .
ويواصل قائلاً: "لابد إذن من أن نعود القهقرى لنسلك الطريق نفسه الذي سلكته الماركسية" ! (المرجع السابق).
__________
(1) المرجع السابق ص 60 – 61.
(2) المرجع السابق ص 63.(1/52)
-يقول الأستاذ بسام الكردي: "الحقيقة أن المشروع الأيدلوجي الذي يقترحه الأستاذ العروي موجه كله ضد الفكر السلفي:
فاستيعاب الفكر الليبرالي من أجل اجتثاث الفكر السلفي، والماركسية تميع عبر تاريخانية مثالية وبراجماتية مبتذلة من أجل محاربة الفكر السلفي، وأخيراً فإن المهمة الأساسية والمستعجلة معاً للنخبة المثقفة هي تحديد موقف قارّ من الفكر السلفي ... إلى أن يقول الأستاذ بسام -: هل صحيح أن الفكر السلفي خطير إلى هذه الدرجة ؟ هل صحيح أنه وحده العائق الوحيد أمام التقدم والتحديث؟ وهل موقف العروي من الفكر السلفي خاصة ومن التراث عامة موقف علمي؟" (محاورة فكر عبد الله العروي، ص122).
-ومن أساليب هجوم هذا الماركسي على الإسلام أنه كثيراً ما يردد بأن الإسلام لا يناسب العصر !! .
مثال ذلك قوله: "إن من يقول إن تطبيق الأيدلوجيا الإسلامية كما تفصل اليوم يؤدي إلى نظام ديمقراطي يعكس مضامين الكلمات، لكل واحد الحق أن يسمي النظام الذي يتمناه بأي اسم أراد، إلا أن ذلك النظام لا يمكن أن يكون، عصرياً" ! (محاورة فكر عبد الله العروي ، بسام الكردي ، ص 31 وانظر ص65).(1/53)