موقف الشرع من بدعة المولد النبوي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لا ينكر عاقل أننا في زمن قل فيه العلم وفشا فيه الجهل ، وغابت فيه السنة وانتشرت فيه البدعة بل انقلبت الموازين وظن الناس أن السنة بدعة والبدعة سنة وصارت السنة غريبة وصاحبها ممقوت مستهجن وصارت البدعة معروفة ومنتشرة وصاحبها مقدم مستفتى .
ومن جملة البدع والمحدثات التي أحدثها الناس في دين الله ولم تكن معروفة ولا معهودة في عصر النبوة والقرون المفضلة ، بدعة احتفال الناس بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، والناس في ذلك على درجات وصور فمنهم من يجعله مجرد اجتماع تقرأ فيه قصة المولد , أو تقدم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة، ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك , ويقدمه لمن حضر. ومنهم من يقيمه في المساجد , ومنهم من يقيمه في البيوت ، ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر , فيجعل هذا الاجتماع مشتملاً على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء , أو أعمال شركية كالاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وندائه والاستنصار به على الأعداء وغير ذلك. وهو بجميع أنواعه واختلاف أشكاله واختلاف مقاصد فاعليه لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة محدثة أحدثها الشيعة الفاطميون بعد القرون الثلاثة المفضلة لإفساد دين المسلمين .
بداية ظهور بدعة المولد :(1/1)
تلك البدعة المنكرة أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع، وهم عبيديون ولا صلة لهم بفاطمة رضي الله تعالى عنها، وهم زنادقة يتظاهرون بأنهم روافض وباطنهم الكفر المحض. أحدثوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد علي - رضي الله عنه -، ومولد فاطمة - رضي الله عنها -، ومولد الحسن والحسين - رضي الله عنهما -، ومولد الخليفة الحاضر، ثم أبطلها الأفضل ابن أمير الجيوش ثم أعيدت على يد الآمر بأحكام الله الفاطمي سنة أربع وعشرين وخمسمائة بعد ما كاد الناس أن ينسوها ثم جددها الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري في القرن السابع واستمر العمل به إلى يومنا هذا. ولم تكن هذه الموالد من عمل السلف الصالح أهل القرون الثلاثة المفضلة ولا من عمل الأئمة الأربعة وإنما أحدثها الزنادقة والجهال بعد القرون المفضلة، فهو بدعة في دين الله .
ويجدر بنا أن نذكر هنا تعريف البدعة وحدودها ليتبين لك أخي الحبيب أن هذا الاحتفال إنما هو من قبيل البدعة ولا علاقة له بالشرع .
البدعة لغة: ما أحدث على غير مثال سابق. وشرعاً: هي طريقة مخترعة في الدين تضاهي الشريعة فهي في مقابل السنة وضد السنة.
ولا شك أن الاحتفال بالمولد محدث في الدين على غير مثال سابق فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده بتلك الصورة بل كان يصوم يوم الاثنين من كل أسبوع وليس يوم الثاني عشر من شهر ربيع فهو لم يخصص يوما في السنة للصيام والتعبد كما يفعله بعض الناس الآن ، كذلك لم يؤثر عن صحابته رضي الله عنهم أنهم احتفلوا بميلاده وعلى نهجهم هذا سار سلفنا الصالح خيرة القرون والأزمان فلا حاجة لنا بفعل من جاء بعدهم يقول الإمام مالك بن انس " ما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا " ، كذلك الاحتفال بالمولد طريقة مخترعة تضاهي الشرعية ومعني ذلك أن ظاهرها من الشرع وقد يظنها الناس حسنة ولكن مع ذلك لا يصح فعلها لافتقارها إلى دليل شرعي يسوغ فعلها والتعبد لله بها .(1/2)
* تنبيه : لم يثبت بأي وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم 12 من ربيع الأول بل وقع في هذا اختلاف كثير بين العلماء ولكن الثابت قطعا انه مات يوم 12 ربيع الأول فلا ندري أنفرح بميلاده أم نحزن لموته ؟!! ولكن لا داعي للعجب فنحن في زمن الغرائب .
خطورة البدعة :
1. عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { ومن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضو عليها بالنواجذ، وإياكم من محدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة } [أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وهو صحيح ]
2. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد } [متفق عليه] وفي رواية لمسلم { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد }.
وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " [أخرجه الدارمي بإسناد صحيح].
وهذا هو فهم سلف الأمة لخطر البدعة: فقد قال إمام دار الهجرة مالك - رحمه الله -: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ? [المائدة:3] فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً ".
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: " من استحسن فقد شرع ".
حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي :
الاحتفال بمناسبة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ممنوع ومردود من عدة وجوه :(1/3)
أولاً : أنه لم يكن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من سنة خلفائه . وما كان كذلك فهو من البدع الممنوعة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) ( أخرجه أحمد 4/126 ، والترمذي برقم 2676. (
والاحتفال بالمولد محدث أحدثه الشيعة الفاطميون بعد القرون المفضلة – كما أسلفنا - لإفساد دين المسلمين . ومن فعل شيئاً يتقرب به إلى الله تعالى لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به ، ولم يفعله خلفاؤه من بعده ، فقد تضمن فعلُه اتهامَ الرسول بأنه لم يبين للناس دينهم ، وتكذيب قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم } [المائدة/3] لأنه جاء بزيادة يزعم أنها من الدين ولم يأت بها الرسول صلى الله عليه وسلم .
مناقشة بعض شبه مقيمي المولد :
1- الاحتجاج بقول النبي { من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء... }
وهذا الحديث له قصة، وهي أنه جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قوم من مُضر حفاة عراة مجتابي النمار، فلما رآهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - تمعَّر وجهه لِما رأى بهم من الفاقة، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب بالناس يحثهم على الصدقة فجاء أحد الصحابة بصرة كادت يده أن تعجز عن حملها فوضعها أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فتتابع الناس حتى اجتمع كومان من طعام وثياب فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: { من سن في الإسلام سنة حسنة... } فالسنة أنه أحيا سنة الإنفاق بسخاء وليس هو الذي سن الصدقة.
2- الاحتجاج بقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: " نعمت البدعة هذه ".(1/4)
ولكن نقول هذا في صلاة التراويح وهي سنة، ولكن عمر لما أقامها جماعة وقد ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - إقامتها على إمام واحد خشية أن تفرض قال ذلك من باب البدعة اللغوية؛ وهو ما لم يكن على غرار سابق فلم تكن في عهد أبي بكر - رضي الله عنه -، أو أن عمر - رضي الله عنه - لما أسرج المسجد واجتمع الناس رأى أن عمله هذا جديد؛ وهو الإسراج، فقال: " نعمت البدعة هذه "، وأيضاً عمر - رضي الله عنه - من الخلفاء الراشدين الذين يستدل بقولهم لقوله صلي الله عليه وسلم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " وعمر من الخلفاء الراشدين المهديين وأما من أحدث بدعة المولد فهم الشيعة العبيديون الروافض الذين يسبون صحابة الرسول ويكفرونهم فشتان شتان .
3- دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم :
والجواب عن ذلك أن نقول : إنما تعظيمه صلى الله عليه وسلم بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ومحبته صلى الله عليه وسلم ، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي ، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم لأنه معصية ، وأشد الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة رضي الله عنهم ، كما قال عروة بن مسعود لقريش : ( أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداًُ صلى الله عليه وسلم ، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوءه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدّون النظر إليه تعظيماً له ) [البخاري 3/178 رقم 2731 ، 2732 ، الفتح ]، ومع هذا التعظيم فإنهم -رضي الله عنهم- لم يجعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً ، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه .(1/5)
4- يقولون : إن الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ينبئ عن محبته فهو مظهر من مظاهرها ، وإظهار محبته مشروع!
والجواب أن نقول : لا شك أن محبته صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين - بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه - ولكن ليس معنى ذلك أن تبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعه لنا ، بل محبته تقتضي طاعته وإتباعه ، فإن ذلك من أعظم مظاهر محبته ، فمحبته صلى الله عليه وسلم تقتضي إحياء سنته ، والعض عليها بالنواجذ ، ومجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال ، ولا شك أن كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة ، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع ، وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين .
العلماء الذين انكروا تلك البدعة على سبيل المثال لا الحصر :
فممن أنكر الاحتفال بهذه المناسبة شيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم " ، والإمام الشاطبي في " الاعتصام " ، وابن الحاج في " المدخل " ، والشيخ تاج الدين علي بن عمر اللخمي ألّف في إنكاره كتاباً مستقلاً ، والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه " صيانة الإنسان " ، والسيد محمد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة ، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالة مستقلة ، وغير هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون في إنكار هذه البدعة كل سنة في صفحات الجرائد والمجلات ، في الوقت الذي تقام فيه هذه البدعة .
وصلى اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(1/6)