لما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قدوتنا في ديننا و هم حملة الكتاب الإلهي و السنة المحمدية ، الذين حملوا عنهم أماناتهم حتى وصلت إلينا ، فإن من حق هذه الأمانات على أمثالنا أن ندرأ عن سيرتهم كل ما ألصق بهم من إفك ظلماً و عدوانا .. حتى تكون صورتهم التي تعرض على أنظار الناس هي الصورة النقية الصادقة التي كانوا عليها ، فنحسن القدوة بهم و تطمئن النفوس إلى الخير الذي ساقه الله للبشر على أيديهم ..
و قد اعتبر في التشريع الإسلامي أن الطعن فيهم طعنٌ في الدين الذي هم ورائه . قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (1/18) .
و تشويه سيرتهم تشويه للأمانة التي حملوها و تشكيك في جميع الأسس التي قام عليها كيان التشريع في هذه الملة الحنيفية السمحة .
قلت : يلهث الكثير ممن استهوته الشياطين بالطعن في معاوية رضي الله عنه ، وإن لم يطعن قلل من شأنه بأنه من مسلمة الفتح وأنه من الطلقاء إلى غيرها من الأمور .. حتى وصل بالبعض منهم إلى أن يتوقف في شأنه و يعرضه على ميزان الجرح والتعديل .. ناسياً أو متناسياً أنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الأمة قد أجمعت على تعديلهم دون استثناء من لابس الفتن منهم و من قعد .. و لم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة . انظر حول عدالة الصحابة : الاستيعاب لابن عبد البر (1/19) و فتح المغيث (3/103) و شرح الألفية للعراقي (3/13-14) والإصابة (1/9) و مقدمة ابن الصلاح (ص 147) والباعث الحثيث (ص 181-182) وشرح النووي على صحيح مسلم (15/149) والتقريب للنووي (2/214) والمستصفى للغزالي (ص 189-190 ) وفي غيرها من الكتب .(176/53)
ذكر النووي في شرح صحيح مسلم (8/231) و ابن القيم في زاد المعاد (2/126) أن معاوية رضي الله عنه من مسلمة الفتح ، أي أنه أسلم سنة ( 8هـ ) ، في حين ذكر أبو نعيم الأصبهاني كما في معرفة الصحابة (5/2496) و الذهبي كما في تاريخ الإسلام - عهد معاوية - ( ص 308) أنه أسلم قبيل الفتح .
وقال قوّام السنة في سير السلف الصالحين ( 2/ 663 ) رواية عن معاوية رضي الله عنه أنه يقول فيها : أسلمت عام القضية ، لقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبل إسلامي ، وعام القضية هو العام الذي صُد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت ( عام 6 هـ ) . وانظر هذا الخبر في تاريخ الطبري ( 5 / 328 ) والبداية والنهاية لابن كثير ( 8 / 21 ) والاستيعاب لابن عبد البر ( 3 / 395 ) .
وقال الإمام أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة ( 5 / 2496 ) في ترجمة معاوية رضي الله عنه : كان من الكتبة الحسبة الفصحة ، أسلم قبيل الفتح ، وقيل عام القضية وهو ابن ثمان عشرة ، وعده ابن عباس من الفقهاء ، قال : كان فقيهاً ..
ومرد الاختلاف بين المصادر حول تاريخ إسلام معاوية رضي الله عنه يعود إلى كون معاوية كان يخفي إسلامه ، كما ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات (1/131) ، وهو ما جزم به الذهبي ، حيث قال : أسلم قبل أبيه في عمرة القضاء – أي في سنة ( 7هـ ) – وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه .. وأظهر إسلامه عام الفتح . انظر : تاريخ الإسلام – عهد معاوية – ( ص 308) .
وبعد هذا هل يبقى مطعن في معاوية رضي الله عنه من كونه من مسلمة الفتح – وليس في ذلك مطعن - وإن سلمنا بأنه من مسلمة الفتح ؛ فهل هذا يقلل من شأن صحبته رضي الله عنه ؟!
و فضائل معاوية رضي الله عنه كثيرة ثابتة عموماً و خصوصاً ، فبالإضافة إلى ما تم ذكره من الفضائل العامة ، أورد شيئاً من فضائله الخاصة ..(176/54)
روى الترمذي في فضائل معاوية أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه ، فقالوا كيف يتولى معاوية و في الناس من هو خير مثل الحسن و الحسين . قال عمير و هو أحد الصحابة : لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اجعله هادياً مهدياً و اهد به . رواه الإمام أحمد في المسند (4/216) و صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/236) وقال في الصحيحة ( 4 / 615 ) بعد أن ذكر طرقه : رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ، فكان حقه أن يصحح .. وقال : وبالجملة فالحديث صحيح وهذه الطرق تزيده قوة على قوة ، و زاد الإمام الآجري في كتابه الشريعة (5/2436-2437) لفظة : ( ولا تعذبه ) .
وقد اعتبر ابن حجر الهيتمي هذا الحديث من غرر فضل معاوية وأظهرها ، ثم قال : ومن جمع الله له بين هاتين المرتبتين كيف يتخيل فيه ما تقوّله المبطلون ووصمه به المعاندون . تطهير اللسان ( ص 14 ) .
و أخرج الإمام أحمد ، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان ، قال : ( هلموا إلى الغداء المبارك ) ، ثم سمعته يقول : ( اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب ) . فضائل الصحابة (2/913) إسناده حسن لغيره .
وروى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب ، فجاء فحطأني حطأة وقال : اذهب وادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت هو يأكل ، قال : ثم قال لي : اذهب فادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال : لا اشبع الله بطنه .
قال الحافظ الذهبي في التذكرة (2/699) : لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة و رحمة .(176/55)
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (16/156) : قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه ، فلهذا أدخله في هذا الباب ، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاءً له .
قلت : وهذا الحديث أخرجه مسلم تحت الأحاديث التي تندرج تحت باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه ، وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً و رحمة .
وقد كان لمعاوية رضي الله عنه شرف قيادة أول حملة بحرية ، وهي التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملوك على الأسرة ..
أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت : نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني ، ثم استيقظ يبتسم ، فقلت : ما أضحكك ؟ قال : ( أناس من أمتي عرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة ) ، قالت : فادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها ، ثم نام الثانية ، ففعل مثلها ، فقالت قولها ، فأجابها مثلها ، فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : ( أنت من الأولين ) ، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية ، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين ، فنزلوا الشام ، فَقُرِّبت إليها دابة لتركبها ، فصرعتها فماتت . البخاري مع الفتح ( 6 / 22 ) .
قال ابن حجر معلقاً على رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوله : ( ناس من أمتي عرضوا علي غزاة .. ) يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم ، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة .(176/56)
وأخرج البخاري أيضاً من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا ) ، قالت أم حرام : قلت : يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : ( أنت فيهم ) . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر – أي القسطنطينية – مغفور لهم ) ، فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : ( لا ) . البخاري مع الفتح ( 6 / 22 ) . ومسلم ( 13 / 57 ) .
ومعنى أوجبوا : أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة . قاله ابن حجر في الفتح ( 6 / 121 ) .
قال المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي ( ت 435هـ ) معلقاً على هذا الحديث : في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر . انظر الفتح ( 6 / 120 ) .
ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن غزو البحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة ( 27هـ ) في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام ، أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه . انظر تاريخ الطبري ( 4 / 258 ) و تاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء الراشدين ( ص 317 ) .
ومن فضائله : ما قاله الخلال : أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال : قلت لأحمد بن حنبل : أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي ) ؟ قال : بلى ، قلت : وهذه لمعاوية ؟ قال : نعم ، له صهر ونسب ، قال : وسمعت ابن حنبل يقول : مالهم ولمعاوية ، نسأل الله العافية . السنة للخلال برقم ( 654 ) وإسناد الحديث حسن .
وقد عد ابن حجر الهيتمي ذلك من أبرز فضائله فقال في تطهير الجنان ( ص 17 – 18 ) : ومنه فوزه بمصاهرته صلى الله عليه وسلم ، فإن أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها أخته .. فلعلك تنكف أو تكف غيرك عن الخوض في عرض أحد ممن اصطفاهم الله لمصاهرة رسوله .(176/57)
كما وأن اتفاق كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وهما من هما في الفضل والصحبة ولهما المكان الأعلى والأمثل من الورع والدين والتقى وسداد الرأي وحسن الفكر وتمام النظر ، على تأمير معاوية رضي الله عنه على الشام ، لهو أكبر دليل على فضل معاوية و استحقاقه لهذه المنزلة .. فأي فضل بعد هذا ؟!!
وأما عن ثناء الصحابة رضوان الله عليهم على معاوية رضي الله عنه ..
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا تذكروا معاوية إلا بخير . البداية والنهاية لابن كثير (8/125 ) .
و ذكر الطبري في تاريخه ( 5 / 331 ) والبلاذري في أنساب الأشراف ( 4 / 147 ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام ، فرأى معاوية في موكب يتلقاه ، فقال له عمر : يا معاوية ، تروح في موكب وتغدو في مثله ؛ وبلغني أنك تصبح في منزلك وذوو الحاجات ببابك ! قال : يا أمير المؤمنين ، إن العدو بها قريب منا ، ولهم عيون وجواسيس ، فاردت يا أمير المؤمنين أن يروا للإسلام عزاً ؛ فقال له عمر : إن هذا لكيد رجل لبيب ، أو خدعة رجل أريب ، فقال معاوية : يا أمير المؤمنين ، مرني بما شئت أصر إليه ؛ قال : ويحك ! ما ناظرتك في أمر أعيب عليك فيه إلا تركتني ما أدري آمرك أم أنهاك ! .
وعن علي رضي الله عنه أنه قال بعد رجوعه من صفين : أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية ، فإنكم لو فقدتموها ، رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل . ابن كثير في البداية ( 8 / 134 ) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود - من السيادة – من معاوية ، فقيل : ولا أبوك ؟ قال : أبي عمر رحمه الله خير من معاوية ، وكان معاوية أسود منه . الخلال في السنة ( 1 / 443 ) والذهبي في السير ( 3 / 152 ) وابن كثير في البداية (8/ 137 ) .(176/58)
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية ، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب ، و لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب . رواه عبد الرزاق في المصنف (برقم 20985) بسند صحيح . وابن كثير في البداية ( 8 / 137 ) .
وفي صحيح البخاري برقم ( 3765 ) أنه قيل لابن عباس : هل لك في أمير معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة ، قال : إنه فقيه .
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال : لله در ابن هند – يعني معاوية رضي الله عنه – إنا كنا لَنَفْرَقه – من الفَرَق : وهو الخوف والفزع – وما الليث على براثنه بأجرأ منه ، فيتفارق لنا ، وإن كنا لنخادعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه ، فيتخادع لنا ، والله لوددت أنا مُتعنا به مادام في هذا الجبل حَجَر ، وأشار إلى أبي قبيس . أورده ابن كثير في البداية ( 8 / 138 ) .
إلى غيرها من الفضائل ..
وأما ما يتشدق به البعض من نقلهم عن إسحاق بن راهوية أنه قال : ( لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية شيء ) .
قلت : لهم الويل .. وبفيهم الحجر .. فهذا القول عن ابن راهوية باطل ولم يثبت عنه ..
فقد أخرج الحاكم كما في السير للذهبي (3/132) والفوائد المجموعة للشوكاني ( ص 407) عن الأصم – أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم – حدثنا أبي ، سمعت ابن راهوية فذكره . و في الفوائد : سقطت ( حدثنا أبي ) ، و هي ثابتة فالأصم لم يسمع من ابن راهوية .
قلت : يعقوب بن يوسف بن معقل أبو الفضل النيسابوري – والد الأصم – مجهول الحال ، فقد ترجمة الخطيب في تاريخه (14/286) فما زاد على قوله : قدم بغداد وحدث بها عن إسحاق بن راهوية ، روى عنه محمد بن مخلد .(176/59)
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وله ذكر في ترجمة ابنه من السير (15/453) ولم يذكر فيه الذهبي أيضاً جرحاً ولا تعديلاً ، وذكر في الرواة عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ولم أجده في الجرح والتعديل ، ولا في الثقات لابن حبان . و بهذا فإن هذا القول ضعيف لم يثبت عن إسحاق بن راهوية رحمه الله . بتصرف من كتاب : لا دفاعاً عن الألباني لعمرو عبد المنعم ( ص 181 – 182 ) .
وأما الشبهة الثانية وهي قول الإمام البخاري : بأنه لم يجد في فضائل معاوية شيء ، فقد أجاب عنها ابن حجر رحمه الله بقوله : إن كان المراد أنه لم يصح منها شيء وفق شرطه – أي شرط البخاري - فأكثر الصحابة كذلك . انظر : تطهير الجنان عن التفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان ( ص 11 – 12 ) .
وعلى كل حال فقد كان البخاري رحمه الله يترضى عن معاوية كلما ذكر اسمه ، ثم إنه قد ثبت عند البخاري صحبة معاوية رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم ، وثبت فقهه أيضاً كما نص عليه ابن عباس ، وقد تقدم الحديث .. وكفى بهذا الثناء من حبر الأمة من فضيلة ومنقبة ..
كما وأن البخاري رحمه الله أخرج الحديث الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية بأن يجعله هادياً مهدياً ويهدي به في كتابه التاريخ الكبير كما حكى ذلك شيخنا الألباني رحمه الله انظر : السلسلة الصحيحة ( 4 / 9691 ) .
سئل عبد الله بن المبارك ، أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان ، أم عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : و الله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة ، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : سمع الله لمن حمده ، فقال معاوية : ربنا ولك الحمد . فما بعد هذا ؟ . وفيات الأعيان ، لابن خلكان (3 /33) ، و بلفظ قريب منه عند الآجري في كتابه الشريعة (5/2466) .(176/60)
و أخرج الآجري بسنده إلى الجراح الموصلي قال : سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود ؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان ؟! فرأيته غضب غضباً شديداً و قال : لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد ، معاوية رضي الله عنه كاتبه و صاحبه و صهره و أمينه على وحيه عز وجل . كتاب الشريعة للآجري ( 5/2466-2467) شرح السنة لللالكائي ، برقم (2785) . بسند صحيح .
وسئل المعافى بن عمران ، معاوية أفضل أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبد العزيز . السنة للخلال ( 2/ 435 ) .
و كذلك أخرج الآجري بسنده إلى أبو أسامة ، قيل له : أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟
فقال : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس بهم أحد . كتاب الشريعة (5/2465-2466) بسند صحيح ، و كذلك أخرج نحوه الخلال في السنة ، برقم (666) .
وروى الخلال في السنة بسند صحيح ( 660 ) أخبرنا أبو بكر المروذي قال : قلت لأبي عبد الله أيهما أفضل : معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : معاوية أفضل ، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني الذي بعثت فيهم .
وعن الأعمش أنه ذكر عنده عمر بن عبد العزيز وعدله ، فقال : فكيف لو أدركتم معاوية ؟ قالوا : يا أبا محمد يعني في حلمه ؟ قال : لا والله بل في عدله . السنة للخلال ( 1 / 437 ) .
وعن قتادة قال : لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم هذا المهدي . السنة للخلال ( 1/438 ) .
وعن مجاهد أنه قال : لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي . المصدر نفسه ، وأورده ابن كثير في البداية ( 8 / 137 ) .
وعن الزهري قال : عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً . السنة للخلال ( 1 /444 ) وقال المحقق إسناده صحيح .(176/61)
وقد أثنى عليه قبيصة بن جابر الأسدي بقوله : ألا أخبركم من صحبت ؟ صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت رجلاً أفقه فقهاً ولا أحسن مدارسة منه ، ثم صحبت طلحة بن عبيد الله ، فما رأيت رجلاً أعطى للجزيل من غير مسألة منه ؛ ثم صحبت معاوية فما رأيت رجلاً أحب رفيقاً ، ولا أشبه سريرة بعلانية منه .. انظر تاريخ الطبري ( 5/ 337 ) وأورد هذا الخبر البخاري في التاريخ الكير ( 7 / 175 ) .
وقال أيضاً : ما رأيت أحداً أعظم حلماً ولا أكثر سؤدداً ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجاً ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية . البداية والنهاية ( 8 / 138 ) .
وإن الجمع الذي بايع معاوية رضي الله عنه بالخلافة خير من الجمع الذي بايع عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، فقد بايع لمعاوية جم غفير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي ذلك يقول ابن حزم رحمه الله كما في الفصل ( 5 / 6 ) : فبويع الحسن ، ثم سلم الأمر إلى معاوية ، وفي بقايا الصحابة من هو أفضل منهما بخلاف ممن أنفق قبل الفتح وقاتل ، فكلهم أولهم عن آخرهم بايع معاوية ورأى إمامته .
و قد قال عبد الله بن المبارك رحمه الله : معاوية عندنا محنة ، فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم ، يعني الصحابة . انظر البداية والنهاية لابن كثير (8/139) .
و سئل الإمام أحمد : ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ، ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟ قال أبو عبد الله : هذا قول سوء رديء ، يجانبون هؤلاء القوم ، ولا يجالسون ، و نبين أمرهم للناس . انظر : السنة للخلال (2/434) بسند صحيح .
وقد سئل رجل الإمام أحمد عن خال له ينتقص معاوية رضي الله عنه ، وأنه – أي الرجل – ربما أكل مع خاله ، فقال له الإمام أحمد مبادراً : لا تأكل معه . السنة للخلال ( 2/ 448 ) .(176/62)
وقال الربيع بن نافع الحلبي ( ت 241هـ ) رحمه الله : معاوية ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه . البداية والنهاية (8/139) .
يقول ابن قدامة المقدسي : ومعاوية خال المؤمنين ، وكاتب وحي الله ، وأحد خلفاء المسلمين رضي الله تعالى عنهم . لمعة الاعتقاد ( ص 33 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة ، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة ، وهو أول الملوك ، كان ملكه ملكاً ورحمة . مجموع الفتاوى ( 4 / 478 ) .
وقال أيضاً : .. فإن معاوية ثبت بالتواتر أنه أمّره النبي صلى الله عليه وسلم كما أمّر غيره ، وجاهد معه ، وكان أميناً عنده يكتب له الوحي ، وما اتهمه النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الوحي .. وولاه عمر بن الخطاب الذي كان من أخبر الناس بالرجال ، وقد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه ، ولم يتهمه في ولايته . الفتاوى ( 4 / 472 ) .
وقال : فلم يكن من ملوك المسلمين خير من معاوية ، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمان معاوية . منهاج السنة ( 6 / 232 ) .
وقال ابن كثير في ترجمة معاوية رضي الله عنه : وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين .. فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته ، والجهاد في بلاد العدو قائم وكلمة الله عالية ، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض ، والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو . البداية والنهاية ( 8 / 119 ) .
وقال : كان حليماً وقوراً رئيساً سيداً في الناس ، كريماً عادلاً شهماً . البداية ( 8 / 118 ) .
وقال أيضاً : كان جيد السيرة حسن التجاوز جميل العفو كثير الستر رحمه الله تعالى . المصدر السابق ( 8 / 126 ) .
وقال ابن أبي العز الحنفي : وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين . شرح العقيدة الطحاوية ( ص 722 ) .(176/63)
وقال الذهبي في ترجمته : أمير المؤمنين ملك الإسلام . السير ( 3 / 120 ) .
وقال : ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم . المصدر نفسه ( 3 / 159 ) .
وأورد رأياً طريفاً للمؤرخ العلامة ابن خلدون في اعتبار معاوية من الخلفاء الراشدين فقد قال : إن دولة معاوية و أخباره كان ينبغي أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين و أخبارهم ، فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة . انظر هذا القول في العواصم من القواصم ( ص213)
قال محب الدين الخطيب رحمه الله : سألني مرة أحد شباب المسلمين ممن يحسن الظن برأيي في الرجال ما تقول في معاوية ؟ فقلت له : و من أنا حتى أسأل عن عظيم من عظماء هذه الأمة ، و صاحب من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، إنه مصباح من مصابيح الإسلام ، لكن هذا المصباح سطع إلى جانب أربع شموس ملأت الدنيا بأنوارها فغلبت أنوارها على نوره . حاشية محب الدين الخطيب على كتاب العواصم من القواصم ( ص95) .
إلى غيرها من الأقوال والآراء في هذا الصحابي الجليل ..
شبهات وأباطيل
شبهة طلب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما للخلافة
قد شاع بين الناس قديماً و حديثاً أن الخلاف بين علي و معاوية رضي الله عنهما كان سببه طمع معاوية في الخلافة ، و أن خروج معاوية على علي و امتناعه عن بيعته كان بسبب عزله عن ولاية الشام .
و قد جاء في كتاب الإمامة و السياسة المنسوب لابن قتيبة الدينوري رواية تذكر أن معاوية ادّعى الخلافة ،
و ذلك من خلال الرواية التي ورد فيها ما قاله ابن الكواء لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه : اعلم أن معاوية طليق الإسلام و أن أباه رأس الأحزاب ، و أنه ادعى الخلافة من غير مشورة فإن صدقك فقد حلّ خلعه و إن كذبك فقد حرم عليك كلامه . الإمامة و السياسة (1/113) .(176/64)
لكن الصحيح أن الخلاف بين علي و معاوية رضي الله عنهما كان حول مدى وجوب بيعة معاوية و أصحابه لعلي قبل إيقاع القصاص على قتلة عثمان أو بعده ، و ليس هذا من أمر الخلافة في شيء . فقد كان رأي معاوية رضي الله عنه و من حوله من أهل الشام أن يقتص علي رضي الله عنه من قتلة عثمان ثم يدخلوا بعد ذلك في البيعة .
يقول إمام الحرمين الجويني في لمع الأدلة : إن معاوية و إن قاتل علياً فإنه لا ينكر إمامته و لا يدعيها لنفسه ، و إنما كان يطلب قتلة عثمان ظناً منه أنه مصيب ، و كان مخطئاً . لمع الأدلة في عقائد أهل السنة للجويني (ص 115) .
أما شيخ الإسلام فيقول : بأن معاوية لم يدّع الخلافة و لم يبايع له بها حتى قتل علي ، فلم يقاتل على أنه
خليفة ، و لا أنه يستحقها ، و كان يقر بذلك لمن يسأله . مجموع الفتاوى ( 35/72) .
و يورد ابن كثير في البداية و النهاية (7/360) ، عن ابن ديزيل - هو إبراهيم بن الحسين بن علي الهمداني المعروف بابن ديزيل الإمام الحافظ (ت 281 هـ) انظر : تاريخ دمشق (6/387) و سير أعلام النبلاء (13/184-192) و لسان الميزان لابن حجر (1/48) - ، بإسناد إلى أبي الدرداء و أبي أمامة رضي الله عنهما ، أنهما دخلا على معاوية فقالا له : يا معاوية ! علام تقاتل هذا الرجل ؟ فوالله إنه أقدم منك و من أبيك إسلاماً ، و أقرب منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم و أحق بهذا الأمر منك . فقال : أقاتله على دم عثمان ، و أنه آوى قتلة عثمان، فاذهبا إليه فقولا : فليقدنا من قتلة عثمان ثم أنا أول من أبايعه من أهل الشام .(176/65)
و يقول ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة ( ص 325) : و من اعتقاد أهل السنة و الجماعة أن ما جرى بين معاوية و علي رضي الله عنهما من الحرب ، لم يكن لمنازعة معاوية لعلي في الخلافة للإجماع على أحقيتها لعلي .. فلم تهج الفتنة بسببها ، و إنما هاجت بسبب أن معاوية و من معه طلبوا من علي تسليم قتلة عثمان إليهم لكون معاوية ابن عمه ، فامتنع علي .
و هكذا تتضافر الروايات و تشير إلى أن معاوية رضي الله عنه خرج للمطالبة بدم عثمان ، و أنه صرح بدخوله في طاعة علي رضي الله عنه إذا أقيم الحد على قتلة عثمان . و لو افترض أنه اتخذ قضية القصاص
و الثأر لعثمان ذريعة لقتال علي طمعاً في السلطة ، فماذا سيحدث لو تمكن علي من إقامة الحد على قتلة عثمان .
حتماً ستكون النتيجة خضوع معاوية لعلي و مبايعته له ، لأنه التزم بذلك في موقفه من تلك الفتنة ، كما أن كل من حارب معه كانوا يقاتلون على أساس إقامة الحد على قتلة عثمان ، على أن معاوية إذا كان يخفي في نفسه شيئاً آخر لم يعلن عنه ، سيكون هذا الموقف بالتالي مغامرة ، و لا يمكن أن يقدم عليه إذا كان ذا أطماع .
إن معاوية رضي الله عنه كان من كتاب الوحي ، و من أفاضل الصحابة ، و أصدقهم لهجة ، و أكثرهم حلماً فكيف يعتقد أن يقاتل الخليفة الشرعي و يريق دماء المسلمين من أجل ملك زائل ، و هو القائل : والله لا أخير بين أمرين ، بين الله و بين غيره إلا اخترت الله على ما سواه . سير أعلام النبلاء للذهبي (3/151) .
أما وجه الخطأ في موقفه من مقتل عثمان رضي الله عنه فيظهر في رفضه أن يبايع لعلي رضي الله عنه قبل
مبادرته إلى القصاص من قتلة عثمان ، بل و يلتمس منه أن يمكنه منهم ، مع العلم أن الطالب للدم لا يصح أن يحكم ، بل يدخل في الطاعة و يرفع دعواه إلى الحاكم و يطلب الحق عنده .(176/66)
و يمكن أن نقول إن معاوية رضي الله عنه كان مجتهداً متأولاً يغلب على ظنه أن الحق معه ، فقد قام خطيباً في أهل الشام بعد أن جمعهم و ذكّرهم أنه ولي عثمان -ابن عمه - و قد قتل مظلوماً و قرأ عليهم الآية الكريمة {و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا }الإسراء/33
ثم قال : أنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان ، فقام أهل الشام جميعهم و أجابوا إلى الطلب بدم عثمان ، و بايعوه على ذلك و أعطوه العهود و المواثيق على أن يبذلوا أنفسهم و أموالهم حتى يدركوا ثأرهم أو يفني الله أرواحهم . انظر : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/150-152) .
----------------------------------
وفاة الحسن بن علي رضي الله عنهما
كانت وفاة الحسن بن علي رضي الله عنه سنة ( 51هـ ) مسموماً ، وصلى عليه سعيد بن العاص رضي الله عنه والي المدينة من قبل معاوية من سنة ( 49 – 54هـ ) . انظر : طبقات ابن سعد ( القسم المفقود ) تحقيق محمد بن صامل ( 1 / 341 – 344 ) .
ولم يرد في خبر وفاة الحسن بن علي رضي الله عنه بالسم خبر صحيح أو رواية ذات أسانيد صحيحة .. وفي ما يلي أقوال أهل العلم في هذه المسألة :-
1- قال ابن العربي رحمه الله في العواصم ( ص 220 – 221 ) : فإن قيل : دس – أي معاوية - على الحسن من سمه ، قلنا هذا محال من وجهين :-
أحدهما : أنه ما كان ليتقي من الحسن بأساً وقد سلّم الأمر .
الثاني : أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله ، فكيف تحملونه بغير بينة على أحد من خلقه ، في زمن متباعد ، لم نثق فيه بنقل ناقل ، بين أيدي قوم ذوي أهواء ، وفي حال فتنة وعصبية ، ينسب كل واحد إلى صاحبه مالا ينبغي ، فلا يقبل منها إلا الصافي ، ولا يسمع فيها إلا من العدل الصميم .
2- قال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة ( 4 / 469 ) : وأما قوله : إن معاوية سم الحسن ، فهذا(176/67)
مما ذكره بعض الناس ، ولم يثبت ذلك ببينة شرعية ، أو إقرار معتبر ، ولا نقل يجزم به ، وهذا مما لا يمكن العلم به ، فالقول به قول بلا علم .
- قال الذهبي رحمه الله في تاريخ الإسلام ( عهد معاوية ) ( ص 40 ) : قلت : هذا شيء لا يصح فمن الذي اطلع عليه .
4- قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية ( 8 / 43 ) : وروى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سُمّي الحسن وأنا أتزوجك بعده ، ففعلت ، فلما مات الحسن بعثت إليه فقال : إنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا ؟ وعندي أن هذا ليس بصحيح ، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى .
5- قال ابن خلدون في تاريخه ( 2 / 649 ) : وما نقل من أن معاوية دس إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث ، فهو من أحاديث الشيعة ، وحاشا لمعاوية من ذلك .
وقد علق الدكتور جميل المصري على هذه القضية في كتابه : أثر أهل الكتاب في الفتن والحروب الأهلية في القرن الأول الهجري ( ص 482 ) بقوله : .. ثم حدث افتعال قضية سم الحسن من قبل معاوية أو يزيد .. ويبدو أن افتعال هذه القضية لم يكن شائعاً آنذاك ؛ لأننا لا نلمس لها أثراً في قضية قيام الحسين ، أو حتى عتاباً من الحسين لمعاوية .
قلت : ثم إن الناس في تلك المرحلة في حالة فتنة تتصارعهم الأهواء ، وكل فرقة تنسب للأخرى مايذمها وإذا نقل لنا خبر كهذا فإنه يجب علينا ألا نقبله إلا إذا نقل عن عدل ثقة ضابط .. وقد حاول البعض من الإخباريين والرواة أن يوجدوا علاقة بين البيعة ليزيد وبين وفاة الحسن بالسم .(176/68)
ثم إن الذي نُقِلَ لنا عن حادثة سم الحسن بن علي رضي الله عنه روايات متضاربة ضعيفة ، بعضها يقول أن الذي دس السم له هي زوجته ، وبعضها يقول أن أباها الأشعث بن قيس هو الذي أمرها بذلك ، وبعضها يتهم معاوية رضي الله عنه بأن أوعز إلى بعض خدمه فسمه ، وبعضها يتهم ابنه يزيد .. وهذا التضارب في حادثة كهذه ، يضعف هذه النقول ؛ لأنه يعزوها النقل الثابت بذلك ، والرافضة خيبهم الله ، لم يعجبهم من هؤلاء إلا الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه يلصقون به التهمة ، مع أنه أبعد هؤلاء عنها ..
وقلت أيضاً : إن هذه الحادثة – قصة دس السم من قبل معاوية للحسن – تستسيغها العقول في حالة واحدة فقط ؛ وهي كون الحسن بن علي رضي الله عنه رفض الصلح مع معاوية وأصر على القتال ، ولكن الذي حدث أن الحسن رضي الله عنه صالح معاوية وسلم له بالخلافة طواعية وبايعه عليها ، فعلى أي شيء يقدم معاوية رضي الله عنه على سم الحسن ؟؟!!
وإن من الدلالة على ضعف تلك الاتهامات وعدم استنادها إلى معقول أو محسوس ، ما ذكر حول علاقة جعدة بنت قيس بمعاوية ويزيد ، حيث زعموا أن يزيد بن معاوية أرسل إلى جعدة بنت قيس أن سمي حسناً فإني سأتزوجك ، ففعلت ، فلما مات الحسن بعثت جعدة إلى يزيد تسأله الوفاء ، فقال : إنا والله لم نرضك له أفنرضاك لأنفسنا .
ولعل الناقد لمتن هذه الرواية يتجلى له عدة أمور :-
هل معاوية رضي الله عنه أو ولده يزيد بهذه السذاجة ليأمرا امرأة الحسن بهذا الأمر الخطير ، الذي فيه وضع حد لحياة الحسن بن علي غيلة ، و ما هو موقف معاوية أو ولده أمام المسلمين لو أن جعدة كشفت أمرهما ؟!(176/69)
هل جعدة بنت الأشعث بن قيس بحاجة إلى شرف أو مال حتى تسارع لتنفيذ هذه الرغبة من يزيد ، وبالتالي تكون زوجة له ، أليست جعدة ابنة أمير قبيلة كندة كافة وهو الأشعث بن قيس ، ثم أليس زوجها وهو الحسن بن علي أفضل الناس شرفاً ورفعة بلا منازعة ، إن أمه فاطمة وجده الرسول صلى الله عليه وسلم وكفى به فخراً ، وأبوه علي بن أبي طالب أحد العشرة المبشرين بالجنة ورابع الخلفاء الراشدين ، إذاً ما هو الشيء الذي تسعى إليه جعدة وستحصل عليه حتى تنفذ هذا العمل الخطير ؟!
لقد وردت الروايات التي تفيد أن الحسن قال : لقد سقيت السم مرتين ، وفي رواية ثلاث مرات ، وفي رواية سقيت السم مراراً ، هل بإمكان الحسن أن يفلت من السم مراراً إذا كان مدبر العملية هو معاوية أو يزيد ؟! نعم إن عناية الله وقدرته فوق كل شيء ، ولكن كان باستطاعة معاوية أن يركز السم في المرة الأولى ولا داعي لهذا التسامح مع الحسن المرة تلو المرة !!
و إذا كان معاوية رضي الله عنه يريد أن يصفي الساحة من المعارضين حتى يتمكن من مبايعة يزيد بدون معارضة ، فإنه سيضطر إلى تصفية الكثير من أبناء الصحابة ، ولن تقتصر التصفية على الحسن فقط .
وإن بقاء الحسن من صالح معاوية في بيعة يزيد ، فإن الحسن كان كارهاً للنزاع وفرقة المسلمين ، فربما ضمن معاوية رضاه ، وبالتالي يكون له الأثر الأكبر في موافقة بقية أبناء الصحابة .
ثم إن هناك الكثير من أعداء الحسن بن علي رضي الله عنه ، قبل أن يكون معاوية هو المتهم الأول ، فهناك السبئية الذين وجه لهم الحسن صفعة قوية عندما تنازل عن الخلافة لمعاوية وجعل حداً لصراع المسلمين ، وهناك الخوارج الذين قاتلهم أبوه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النهراون وهم الذين طعنوه في فخذه ، فربما أرادوا الانتقام من قتلاهم في النهروان وغيرها .(176/70)
ولمزيد فائدة راجع كتاب : أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري للدكتور محمد نور ولي ( ص 367 – 368 ) لتقف على الكم الهائل من الروايات المكذوبة على معاوية رضي الله عنه من قبل الشيعة في قضية سم الحسن .. وكتاب : مواقف المعارضة في خلافة يزيد بن معاوية للدكتور محمد بن عبد الهادي الشيباني ( ص 120- 125 ) .
ويكفي أن خبركم أن أحد مؤرخيهم وهو ابن رستم في كتابه : دلائل الإمامة ( ص 61 ) قد بالغ في اتهام معاوية رضي الله عنه ، وادعى أنه سم الحسن سبعين مرة فلم يفعل فيه السم ، ثم ساق خبراً طويلاً ضمنه ما بذله معاوية لجعدة من الأموال والضياع لتسم الحسن ، وغير ذلك من الأمور الباطلة .
----------------------------------
مناقشة الجانب الطبي في روايات السم
بعدما تبينت براءة معاوية رضي الله عنه وابنه يزيد من تهمة سم الحسن بن علي رضي الله عنهما ، فيما سبق من أقوال العلماء ، وما سردناه من تحليلات ، فإنه مما يناسب المقام مناقشة الجانب الطبي في المرويات التي تحدثت عن وفاة الحسن رضي الله عنه بالسم ، ويمكنك مراجعة هذه المرويات الضعيفة في طبقات ابن سعد القسم المفقود بتحقيق الدكتور محمد بن صامل ( 1 / 334 – 339 ) .
وفيما يلي النصوص الخاصة بالجانب الطبي في هذه المسألة :-
أخرج ابن سعد بإسناده ، أن الحسن رضي الله عنه دخل كنيفاً له ، ثم خرج فقال : .. والله لقد لفظت الساعة طائفة من كبدي قبل ، قلبتها بعود كان معي ، وإني سقيت السم مراراً فلم أسق مثل هذا . طبقات ابن سعد ( 1 / 336 ) .
أخرج ابن سعد بإسناده ، أن الحسن رضي الله عنه قال : إني قد سقيت السم غير مرة ، وإني لم أسق مثل هذه ، إني لأضع كبدي . المصدر السابق ( 1 / 338 ) .(176/71)
أخرج ابن سعد بإسناده ، قال : كان الحسن بن علي سقي السم مراراً ، كل ذلك يفلت منه ، حتى كان المرة الأخيرة التي مات فيها ، فإنه كان يختلف كبده . المصدر السابق ( 1 / 339 ) .
هذا وبعرض النصوص المتعلقة بالجانب الطبي في هذه المسألة على أ.د. كمال الدين حسين الطاهر أستاذ علم الأدوية ، كلية الصيدلة جامعة الملك سعود بالرياض ، أجاب بقوله :
( لم يشتك المريض – أي الحسن بن علي رضي الله عنه – من أي نزف دموي سائل ، مما يرجح عدم إعطائه أي مادة كيميائية أوسم ذات قدرة على إحداث تثبيط لعوامل تخثر الدم ، فمن المعروف أن بعض الكيميائيات والسموم ، تؤدي إلى النزف الدموي ؛ وذلك لقدرتها على تثبيط التصنيع الكبدي لبعض العوامل المساعدة على تخثر الدم ، أو لمضادات تأثيراتها في عملية التخثر ؛ ولذلك فإن تعاطي هذه المواد سيؤدي إلى ظهور نزف دموي في مناطق متعددة من أعضاء الجسم مثل العين والأنف والفم والجهاز المعدي – المعوي – وعند حدوث النزف الدموي في الجهاز المعدي – المعوي – يخرج الدم بشكل نزف دبري سائل ، منفرداً أو مخلوطاً مع البراز ، ولا يظهر في شكل جمادات أو قطع دموية صلبة كانت أو إسفنجية ، أو في شكل ( قطع من الكبد ) ، ولذلك يستبعد إعطاء ذلك المريض أحد المواد الكيميائية ، أو السموم ذات القدرة على إحداث نزف دموي ) .
وعن طبيعة قطع الدم المتجمدة التي أشارت الروايات إلى أنها قطع من الكبد ، يقول أ.د. كمال الدين حسين الطاهر :(176/72)
( هناك بعض أنواع سرطانات أو أورام الجهاز المعدي – المعوي – الثابتة أو المتنقلة عبر الأمعاء ، أو بعض السرطانات المخاطية التي تؤدي إلى النزف الدموي المتجمد ، المخلوط مع الخلايا ، و بطانات الجهاز المعدي – المعوي – وقد تخرج بشكل جمادات ( قطع من الكبد كما في الروايات ) ، ولذلك فإني أرجح أن ذلك المريض قد يكون مصاباً بأحد سرطانات ، أو أورام الأمعاء ) . راجع كتاب : مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري للدكتور خالد الغيث ( ص 395 – 397 ) .
وإن ثبت موت الحسن رضي الله عنه بالسم ، فهذه شهادة له وكرامة في حقه كما قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ( 4/ 42 ) .
----------------------------------
شبهة لعن علي رضي الله عنه على المنابر بأمر من معاوية ..
الجواب : إن هذه الفرية من الأشياء المكذوبة في حق معاوية رضي الله عنه بل من الأباطيل التي روج لها الرافضة ودخلت على كتب أهل السنة كأنها حقيقة لا شك فيها .. وبل وظلم العهد الأموي بها .. ولقد تبين لي بعد النظر في الأسباب الداعية لذلك أن أبرز تلك الأسباب التي دعت بعض الناس ،أو الطوائف لتشويه هذا العهد هو التعصب للمذهب والآراء ومحاولة التشهير بالآخرين ..
وهذه دعوى تحتاج إلى دليل ، وهي مفتقرة إلى صحة النقل ، وأغلب الرافضة ومن أشرب قلبه ببغض معاوية رضي الله عنه ، لا يتثبتون فيما ينقلون ، وإنما يكتفون بقولهم : ( كما ذكر ذلك المؤرخون ) أو ( وكتب التواريخ طافحة بذلك ) إلى غيرها من الترهات .. ولا يحيلون إلى أي مصدر موثوق ، وكما هو معلوم مدى أهمية الإحالة والتوثيق لمثل هذه الدعاوى عند المحققين والباحثين ..(176/73)
ومعاوية رضي الله عنه منزه عن مثل هذه التهم ، بما ثبت من فضله في الدين ، كما أن معاوية رضي الله عنه كان محمود السيرة في الأمة ، أثنى عليه الصحابة وامتدحه خيار التابعين ، وشهدوا له بالدين والعلم والفقه والعدل والحلم وسائر خصال الخير .. وقد تقدم معنا في حلقات مضت الكثير من فضائل هذا الصحابي الجليل العامة والخاصة فلتراجع للأهمية ..
ونقول بعد مراجعة تلك الفضائل وأقوال أهل العلم في معاوية رضي الله عنه : إذا ثبت هذا في حق معاوية ، فإنه من أبعد المحال على من كانت هذه سيرته أن يحمل الناس على لعن علي رضي الله عنه على المنابر وهو من هو في الفضل ، و هذا يعني أن أولئك السلف وأهل العلم من بعدهم الذين أثنوا عليه ذلك الثناء البالغ ، قد مالؤوه على الظلم والبغي واتفقوا على الضلال !! وهذا مما نزهت الأمة عنه بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن أمتي لا تجتمع على ضلالة ) السنة لابن أبي عاصم برقم ( 82 – 84 ) .
ومن علم سيرة معاوية رضي الله عنه في الملك وما اشتهر به من الحلم والصفح وحسن السياسة للرعية ، ظهر له أن ذلك من أكبر الكذب عليه .
ولا شك أن هذه الحكاية لا تتفق أبداً مع منطق الحوادث ، ولا طبيعة المتخاصمين ، و إن الكتب التاريخية المعاصرة لبني أمية لم تذكر شيئاً من ذلك أبداً ، و إنما هي من كتب المتأخرين ، مثل :-
كتاب تاريخ الطبري (5/71 ) عن أبي مخنف .
تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص285) .
الكامل لابن الأثير (2/397) . وغيرهم ممن كتبوا تاريخهم في عصر بني العباس ..
وهذا العمل إنما كان بقصد أن يسيئوا إلى سمعة بني أمية ، و يعلنوا للعلويين أن اضطهاد العباسيين للعلويين لم يبلغ القدر الذي ارتكبه الأمويون من قبل .
ثم كيف يسمح معاوية رضي الله عنه بذلك ؟! و هو الذي لم يصح عنه أبداً أنه سبّ علياً أو لعنه مرة واحدة ، فضلاً عن التشهير به على المنابر !! ..(176/74)
وقد علق ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (7/284) على قصة لعن علي رضي الله عنه على المنابر بعد القنوت ، بقوله : ولا يصح هذا ..
ثم لنا أن نتساءل أيضاً لماذا يُعنى بنو أمية بسب علي رضي الله عنه و هم الغالبون المنتصرون ؟
و ما يمكن أن يقال في إجماع المسلمين على أنه لا يجوز لعن المسلم على التعيين ؟
و هل يكون هذا الحكم غائباً عن معاوية رضي الله عنه و من أتى بعده من بني أمية ؟
و كيف نفسر ما نقله صاحب العقد الفريد من أن معاوية أخذ بيد الحسن بن علي في مجلس له ، ثم قال لجلسائه : من أكرم الناس أباً و أماً و جداً و جدة ؟ فقالوا : أمير المؤمنين أعلم .. فأخذ بيد الحسن و قال : هذا أبوه علي بن أبي طالب ، و أمه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، و جده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و جدته خديجة رضي الله عنها .
و أما ما قيل من أن علياً كان يلعن في قنوته معاوية و أصحابه ، و أن معاوية إذا قنت لعن علياً و ابن عباس و الحسن والحسين ، فهو غير صحيح لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أكثر حرصاً من غيرهم على التقيّد بأوامر الشارع الذي نهى عن سباب المسلم و لعنه .
و قد قال صلى الله عليه وسلم : من لعن مؤمناً فهو كقتله . صحيح البخاري مع الفتح (10/479) .
و قوله صلى الله عليه وسلم : لا يكون اللعانون شفعاء و لا شهداء يوم القيامة . صحيح الجامع (2/1283) .
ثم إن هذا الأثر – قصة لعن علي على منابر بني أمية - مروي من طريق علي بن محمد وهو شيخ ابن سعد وهو المدائني فيه ضعف . و شيخه لوط بن يحي ( أبو مخنف ) ليس بثقة متروك الحديث وإخباري تالف لا يوثق به وعامة روايته عن الضعفاء والهلكى و المجاهيل . انظر : السير (7/302 ) والميزان (3/419 ) . وفي سندها أيضاً أبو جناب الكلبي ، ضعيف ، راجع هذه الرواية الطويلة الملفقة في تاريخ الطبري ( 5 / 71 ) .(176/75)
ثم إن هذا الأثر ، و هو الوحيد الذي ورد فيه التصريح المباشر بقصة اللعن وهو المشهور ، وهو الذي يتمسك به عامة أهل البدع والجهل .. يشير إلى أن علياً رضي الله عنه كان يلعن معاوية وعمرو بن العاص وغيرهم !! فماذا لم يتحدثوا عن هذه ؟!!
وأما ما سوى هذه الرواية ، فهي شبهات واهية ، ليس فيها أي دليل على ما يتشدق به أهل البدع والأهواء ، و سيتم الرد عليها بعد قليل إن شاء الله ..
الشبهة الأولى : ما جاء في صحيح مسلم ( برقم 2404 ) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال : أما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : خلفه في مغازيه فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبوة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، قال : فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي علياً ، فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية { قل تعالوا ندعوا أبناءكم .. } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي .
الجواب : هذا الحديث لا يفيد أن معاوية أمر سعداً بسب علي ، ولكنه كما هو ظاهر فإن معاوية أراد أن يستفسر عن المانع من سب علي ، فأجابه سعداً عن السبب ، ولم نعلم أن معاوية عندما سمع رد سعد غضب منه ولا عاقبه ..
كما أن سكوت معاوية هنا ، تصويب لرأي سعد ، ولو كان معاوية ظالماً يجبر الناس على سب علي كما يدعون ، لما سكت عن سعد ولأجبره على سبه ، ولكن لم يحدث من ذلك شيء ، فعُلم أنه لم يأمر بسبه ولا رضي بذلك ..(176/76)
يقول النووي رحمه الله في ذلك : قول معاوية هذا ، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه ، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب ، كأنه يقول : هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك . فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب ، فأنت مصيب محسن ، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر ، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبون ، فلم يسب معهم ، وعجز عن الإنكار ، أو أنكر عليهم ، فسأله هذا السؤال ، قالوا : ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه : ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده ، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ . شرح صحيح مسلم ( 15 / 175 ) .
وقال القرطبي في المفهم ( 6 / 278 ) : ( وهذا ليس بتصريح بالسب ، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك ، أو من نقيضه ، كما قد ظهر من جوابه ، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن ، وعرف الحق لمستحقه ) .
والذي يظهر لي في هذا والله أعلم : أن معاوية رضي الله عنه إنما قال ذلك على سبيل المداعبة لسعد ، وأراد من ذلك استظهار بعض فضائل علي رضي الله عنه ، فإن معاوية رضي الله عنه كان رجلاً فطناً ذكياً يحب مطارحة الرجال واستخراج ما عندهم ، فأراد أن يعرف ما عند سعد في علي رضي الله عنهما ، فألقى سؤاله بهذا الأسلوب المثير ..
وهذا مثل قوله رضي الله عنه لابن عباس : أنت على ملة علي ؟ فقال له ابن عباس : ولا على ملة عثمان ، أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم . انظر الإبانة الكبرى لابن بطة ( 1 / 355 ) .
وظاهر قول معاوية هنا لابن عباس جاء على سبيل المداعبة ، فكذلك قوله لسعد هو من هذا الباب ، وأما ما ادعى الرافضة من الأمر بالسب ، فحاشا معاوية رضي الله عنه أن يصدر منه مثل ذلك ، والمانع من هذا عدة أمور :-
الأول : أن معاوية نفسه ما كان يسب علياً رضي الله عنه ، فكيف يأمر غيره بسبه ؟ بل كان معظماً له معترفاً له بالفضل والسبق إلى الإسلام ، كما دلت على ذلك أقواله الثابتة عنه .(176/77)
قال ابن كثير : وقد ورد من غير وجه أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له : هل تنازع علياً أم أنت مثله ؟ فقال : والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل ، وأحق بالأمر مني .. البداية والنهاية ( 8 / 132 ) .
ونقل ابن كثير أيضاً عن جرير بن عبد الحميد عن المغيرة قال : لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي ، فقالت له امرأته : أتبكيه وقد قاتلته ؟ فقال : ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم . نفس المصدر ( 8 / 133 ) .
الثاني : أنه لا يعرف بنقل صحيح أن معاوية رضي الله عنه تعرض لعلي رضي الله عنه بسب أو شتم أثناء حربه له في حياته ، فهل من المعقول أن يسبه بعد انتهاء حربه معه ووفاته ، فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه .
الثالث : أن معاوية رضي الله عنه كان رجلاً ذكياً ، مشهور بالعقل والدهاء ، فلو أراد حمل الناس على سب علي وحاشاه من ذلك ، أفكان يطلب ذلك من مثل سعد بن أبي وقاص ، وهو من هو في الفضل والورع ، مع عدم دخوله في الفتنة أصلاً !! فهذا لا يفعله أقل الناس عقلاً وتدبيراً ، فكيف بمعاوية ؟!!
الرابع : أن معاوية رضي الله عنه انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما له واجتمعت عليه الكلمة والقلوب ، ودانت له الأمصار بالملك ، فأي نفع له في سب علي ؟! بل الحكمة وحسن السياسة تقتضي عدم ذلك ، لما فيه من تهدئة النفوس وتسكين الأمور ، ومثل هذا لا يخفى على معاوية رضي الله عنه الذي شهدت له الأمة بحسن السياسة والتدبير .
الخامس : أنه كان بين معاوية رضي الله عنه بعد استقلاله بالخلافة وابناء علي من الألفة والتقارب ما هو مشهور وفي كتب السير والتاريخ ..
ومن ذلك أن الحسن والحسين وفدا على معاوية فأجازهما بمائتي ألف ، وقال لهما : ما أجاز بهما أحد قبلي ، فقال له الحسن : ولم تعط أحد أفضل منا . البداية والنهاية ( 8 / 139 ) .(176/78)
ودخل مرة الحسن على معاوية فقال له : مرحباً وأهلاً بابن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر له بثلاثمائة ألف . المصدر نفسه ( 8 / 140 ) .
وهذا مما يقطع بكذب ما ادعي في حق معاوية رضي الله عنه من حمله الناس على سب علي رضي الله عنه ، إذ كيف يحصل هذا مع ما بينه وبين أولاده من هذه الألفة والمودة والاحتفاء والتكريم ..
الشبهة الثانية : ما جاء في صحيح مسلم ( برقم 2409 ) عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : استُعمل على المدينة رجل من آل مروان قال : فدعا سهل بن سعد فأمر أن يشتم علياً رضي الله عنه ، فأبى سهل ، فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا تراب ، فقال سهل : ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب .. ثم ذكر الحديث وسبب تسميته بذلك .
الجواب : هذا الادعاء لا أساس له من الصحة ، بل إن استشهاد هؤلاء وأمثالهم بهذا الحديث لا حجة فيه ، فأين التصريح باسم معاوية فيه ؟؟ ثم إن الرجل من آل مروان ، ومن المعروف لدى الجاهل قبل العالم أن معاوية رضي الله عنه سفياني وليس مرواني ..
ومن الغرائب أن هؤلاء المبتدعة ينكرون سب علي ، ولم يتورعوا عن سب خير البرية بعد الأنبياء أبي بكر وعمر وعثمان !! وكتبهم طافحة بذلك ..(176/79)
و لنستمع إلى ما رواه أبو نعيم في الحلية ( 1/ 84 - 85 ) عن أبي صالح قال : دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية فقال له معاوية : صف لي علياً ، فقال ضرار : أو تعفيني يا أمير المؤمنين ؟ قال معاوية : لا أعفيك ، قال ضرار : أما إذ لابدّ ، فإنه كان و الله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلاً و يحكم عدلاً ، و يتفجر العلم من جوانبه ، و تنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا و زهرتها ، و يستأنس بالليل و ظلمته ، كان و الله غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يقلب كفه ، و يخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ، و من الطعام ما جشب – غليظ ، أو بلا إدام - ، كان و الله كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، و يجيبنا إذا سألناه ، و كان مع تقربه إلينا و قربه منا لا نكلمه هيبة له ، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، و يحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه ، و قد أرخى الليل سدوله ، و غارت نجومه ، يميل في محرابه قابضاً على لحيته ، يتململ تململ السليم – اللديغ - ، و يبكي بكاء الحزين ، فكأني أسمعه الآن و هو يقول : يا ربنا ، يا ربنا ، يتضرع إليه ، ثم يقول للدنيا : إلىّ تغررت ؟ إلىّ تشوفت ؟ هيهات ، هيهات ، غري غيري ، قد بَتَتّكِ ثلاثاً ، فعمرك قصير ، و مجلسك حقير ، و خطرك كبير ، آهٍ آه من قلة الزاد ، و بعد السفر و وحشة الطريق . فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها ، و جعل ينشفها بكمه ، و قد اختنق القوم بالبكاء ، فقال – أي معاوية - : كذا كان أبو الحسن رحمه الله ، كيف وَجْدُكَ عليه يا ضرار ؟ قال ضرار : وَجْدُ من ذبح واحِدُها في حِجْرِها ، لا ترقأ دمعتها ولا يسكن حزنها ، ثم قام فخرج .(176/80)
قال القرطبي معلقاً على وصف ضرار لعلي رضي الله عنه وثنائه عليه بحضور معاوية ، وبكاء معاوية من ذلك ، وتصديقه لضرار فيما قال : ( وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل علي رضي الله عنه ومنزلته ، وعظم حقه ومكانته ، وعند ذلك يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبه ، لما كان معاوية موصوفاً به من العقل والدين والحلم وكرم الأخلاق وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح .. ) المفهم للقرطبي ( 6 / 278 ) .
و بعد هذا الموقف ، هل يتصور من معاوية رضي الله عنه ، أن يصرح بلعن علي رضي الله عنه على المنابر ؟!
وهل يعقل أن يسع حلم معاوية رضي الله عنه الذي بلغ مضرب الأمثال ، سفهاء الناس وعامتهم وهو أمير المؤمنين ، ثم يأمر بعد ذلك بلعن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب على المنابر ، ويأمر ولاته بذلك في سائر الأمصار والبلدان ؟؟!! والحكم في هذا لكل صاحب عقل وفهم ودين ..
و أما ما قيل من أن بني أمية كانوا يسبون علي بن أبي طالب في الخطب ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أبطله و كتب إلى نوابه بإبطاله . انظر خبر أمر عمر بن عبد العزيز بترك سب علي على المنابر في الكامل لابن الأثير (3/255-256) و سير أعلام النبلاء للذهبي (5/147 ) .
قلت : إن من أحب شخصاً لا ينبغي أن ينسب كل عمل خير له ؛ صحيح أن عمر بن عبد العزيز من أئمة الهدى ومن المجددين ، و اعتبر خامس الخلفاء الراشدين ، لأنه سار على نهجهم في سيرتهم مع الرعية و الخلافة و طريقة العيش وغيرها من الأمور ، لكن لا يعني أن نفضل عمر بن عبد العزيز على معاوية رضي الله عنه ، فمعاوية صحابي جليل القدر و المنزلة ، و هو خال المؤمنين ، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم و صافحت يده يد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولاشك أن مثل هذه الفضيلة و المكانة لا تجعل من معاوية رضي الله عنه يصرح بلعن علي رضي الله عنه على المنابر ..(176/81)
سئل عبد الله بن المبارك ، أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان ، أم عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : و الله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة ، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : سمع الله لمن حمده ، فقال معاوية : ربنا ولك الحمد . فما بعد هذا ؟ . وفيات الأعيان ، لابن خلكان (3 /33) ، و بلفظ قريب منه عند الآجري في كتابه الشريعة (5/2466) .
و أخرج الآجري بسنده إلى الجراح الموصلي قال : سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود ؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان ؟! فرأيته غضب غضباً شديداً و قال : لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد ، معاوية رضي الله عنه كاتبه و صاحبه و صهره و أمينه على وحيه عز وجل . كتاب الشريعة للآجري ( 5/2466-2467) شرح السنة لللالكائي ، برقم (2785) . بسند صحيح .
وسئل المعافى بن عمران ، معاوية أفضل أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبد العزيز . السنة للخلال ( 2/ 435 ) .
و كذلك أخرج الآجري بسنده إلى أبو أسامة ، قيل له : أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟
فقال : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس بهم أحد . كتاب الشريعة (5/2465-2466) بسند صحيح ، و كذلك أخرج نحوه الخلال في السنة ، برقم (666) .
وروى الخلال في السنة بسند صحيح ( 660 ) أخبرنا أبو بكر المروذي قال : قلت لأبي عبد الله أيهما أفضل : معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : معاوية أفضل ، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني الذي بعثت فيهم .(176/82)
وعن الأعمش أنه ذكر عنده عمر بن عبد العزيز وعدله ، فقال : فكيف لو أدركتم معاوية ؟ قالوا : يا أبا محمد يعني في حلمه ؟ قال : لا والله بل في عدله . السنة للخلال ( 1 / 437 ) .
وإن الجمع الذي بايع معاوية رضي الله عنه بالخلافة خير من الجمع الذي بايع عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، فقد بايع لمعاوية جم غفير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي ذلك يقول ابن حزم رحمه الله كما في الفصل ( 5 / 6 ) : فبويع الحسن ، ثم سلم الأمر إلى معاوية ، وفي بقايا الصحابة من هو أفضل منهما بخلاف ممن أنفق قبل الفتح وقاتل ، فكلهم أولهم عن آخرهم بايع معاوية ورأى إمامته .
و لاشك أن الصحابة رضوان الله عليهم يتورعون عن مثل هذه الأعمال و الأقوال ، و هم يعلمون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن سب المسلم أو لعنه بعينه ، و هو يعلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان . انظر تخريجه في : كتاب السنة لابن أبي عاصم (2/487) و الصحيحة (1/634) و مشكاة المصابيح (4847) ..
إلى غيرها من الأحاديث التي تزجر عن هذه الفعلة القبيحة ، و التي يتورع منها عوام الناس لعلمهم بحرمة دم و عرض المسلم ، فما بالك بالصحابة الكرام و من شهد بدر و بيعة الرضوان ، و هو يعلم علم يقين أن الله رضي عنهم .
----------------------------------
الشبهة التي يرددها البعض من أن الحسن البصري رحمه الله قد طعن في معاوية رضي الله عنه
ذكر الطبري في تاريخه ( 3/ 232 ) ضمن حوادث سنة ( 51هـ ) و ابن الأثير في الكامل ( 3/ 487 ) نقلاً عن الحسن البصري أنه قال : أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحد لكانت موبقة له :
( 1 ) أخذه الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ونور الفضيلة .
( 2 ) استخلافه بعد ابنه سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير .(176/83)
( 3 ) ادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر .
( 4 ) قتله حِجْراً وأصحاب حِجْر ، فيا ويلاً له من حِجْر ويا ويلاً له من حِجْر وأصحاب حِجْر .
وأما الجواب عن هذه الشبهة فهو كالتالي
أولاً : من ناحية السند
هذه الرواية مدارها على أبي مخنف ، وأبو مخنف هذا هو لوط بن يحيى الأزدي الكوفي ، قال عنه الذهبي كما في الميزان ( 3 / 419 ) وابن حجر كما في اللسان ( 4 / 492 ) : أخباري تالف لا يوثق به . كما تركه أبو حاتم وغيره ، وقال عنه الدارقطني : ضعيف ، وقال ابن معين : ليس بثقة ، وقال مرة ليس بشيء ، وقال ابن عدي شيعي محترق . ميزان الاعتدال ( 3 / 419 ) ، وعده العقيلي من الضعفاء . انظر الضعفاء للعقيلي ( 4 / 18 – 19 ) . و للمزيد من حال هذا الرجل راجع رسالة مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري للدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى ( ص 43 – 45 ) ففيها مزيد بيان وتفصيل عن حال هذا الرجل .
وعلى ذلك فالخبر ساقط ولا حجة فيه بسبب ضعف سنده ، هذا بالنسبة لرواية الطبري . أما رواية ابن الأثير فقد أوردها ابن الأثير بغير إسناد . إذ كيف نسلم بصحة خبر مثل هذا في ذم صحابي لمجرد وروده في كتاب لم يذكر فيه صاحبه إسناد صحيح ، والمعروف أن المغازي والسير والفضائل من الأبواب التي لم تسلم من الأخبار الضعيفة والموضوعة
والشبهات المذكورة بعضها أضعف من بعض مردود عليها فلا حجة فيها
وإليكم التفصيل
----------------------------------
الشبهة : قال الحسن البصري في ما روي عنه : أن معاوية أخذ الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ونور الفضيلة .(176/84)
الجواب : هذا الادعاء باطل من أساسه .. لأن الحسن بن علي رضي الله عنهما قد تنازل لمعاوية رضي بالخلافة ، وقد بايعه جيمع الناس ولم نعلم أن أحداً من الصحابة امتنع عن مبايعته .. ولست هنا بصدد الحديث عن صلح الحسن مع معاوية أو أسباب ذلك ، وإنما الحديث ينصب في رد الشبهة التي أثيرت حول معاوية من كونه أخذ الأمر من غير مشورة ..
وتفصيل ذلك :-
ذكر ابن سعد في الطبقات في القسم المفقود الذي حققه الدكتور محمد السلمي ( 1 / 316 – 317 ) رواية من طريق ميمون بن مهران قال : إن الحسن بن علي بن أبي طالب بايع أهل العراق بعد علي على بيعتين ، بايعهم على الإمارة ، وبايعهم على أن يدخلوا فيما دخل فيه ، ويرضوا بما رضي به . قال المحقق إسناده حسن .
ورواية أخرى أخرجها ابن سعد أيضاً وهي من طريق خالد بن مُضرّب قال : سمعت الحسن بن علي يقول : والله لا أبايعكم إلا على ما أقول لكم ، قالوا : ما هو ؟ قال : تسالمون من سالمت ، وتحاربون من حاربت . طبقات ابن سعد ( 1 / 286 ، 287 ) . وقال المحقق : إسناده صحيح .
هذا ويستفاد من هاتين الروايتين ابتداء الحسن رضي الله عنه في التمهيد للصلح فور استخلافه ، وذلك تحقيقاً منه لنبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
أخرج البخاري في صحيحه ( 5 / 361 ) من طريق أبي بكرة رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول : ( إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ) .
وقد علق ابن حجر الهيتمي على هذا الحديث بقوله : وبعد نزول الحسن لمعاوية اجتمع الناس عليه ، وسمي ذلك العام عام الجماعة ، ثم لم ينازعه أحد من أنه الخليفة الحق يومئذ . انظر : تطهير الجنان ( ص 19 ، 21 – 22 ، 49 ) .(176/85)
وأخرج الطبراني رواية عن الشعبي قال : شهدت الحسن بن علي رضي الله عنه بالنخيلة حين صالح معاوية رضي الله عنه ، فقال معاوية : إذا كان ذا فقم فتكلم وأخبر الناس أنك قد سلمت هذا الأمر لي ، وربما قال سفيان – وهو سفيان بن عيينة أحد رجال السند - : أخبر الناس بهذا الأمر الذي تركته لي ، فقام فخطب على المنبر فحمد الله وأثنى عليه - قال الشعبي : وأنا أسمع – ثم قال : أما بعد فإن أكيس الكيس – أي الأعقل – التقي ، وإن أحمق الحمق الفجور ، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما كان حقاً لي تركته لمعاوية إرداة صلاح هذه الأمة وحقن دمائهم ، أو يكون حقاً كان لامرئ أحق به مني ففعلت ذلك { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين }[الأنبياء/111] . المعجم الكبير ( 3 / 26 ) بإسناد حسن . وقد أخرج هذه الرواية كل من ابن سعد في الطبقات ( 1 / 329 ) و الحاكم في المستدرك ( 3 / 175 ) و أبو نعيم في الحلية ( 2 / 37 ) والبيهقي في الدلائل ( 6 / 444 ) وابن عبد البر في الاستيعاب ( 1 / 388 – 389 ) .
و هذا الفعل من الحسن رضي الله عنه – وهو الصلح مع معاوية وحقنه لدماء المسلمين - ، كان كعثمان بن عفان رضي الله عنه في نسخه للقرآن و كموقف أبي بكر في الردة .
وبعد أن تم الصلح بينه و بين الحسن جاء معاوية إلى الكوفة فاستقبله الحسن و الحسين على رؤوس الناس ، فدخل معاوية المسجد و بايعه الحسن رضي الله عنه و أخذ الناس يبايعون معاوية فتمت له البيعة في خمس و عشرين من ربيع الأول من سنة واحد و أربعين من الهجرة ، و سمي ذلك العام بعام الجماعة .
أخرج يعقوب بن سفيان و من طريقه أيضاً البيهقي في الدلائل من طريق الزهري ، فذكر قصة الصلح ،(176/86)
و فيها : فخطب معاوية ثم قال : قم يا حسن فكلم الناس ، فتشهد ثم قال : أيها الناس إن الله هداكم بأولنا و حقن دماءكم بآخرنا و إن لهذا الأمر مدة و الدنيا دول . المعرفة و التاريخ (3/412) و دلائل النبوة (6/444-445) و ذكر بقية الحديث .
أخرج البخاري عن أبي موسى قال : سمعت الحسن – أي البصري - يقول : استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ، فقال عمرو بن العاص : إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها . فقال له معاوية - و كان خير الرجلين - : أي عمرو ، إن قتل هؤلاء ، هؤلاء و هؤلاء ، هؤلاء من لي بأمور الناس ؟ من لي بنسائهم ؟ من لي بضيعتهم ؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس - عبد الله بن سمرة و عبد الله بن عامر بن كريز - فقال : اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه و قولا له و اطلبا إليه . فأتياه فدخلا عليه فتكلما و قالا له و طلبا إليه . فقال لهما الحسن بن علي : إنّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال و إن هذه الأمة قد عاثت في دمائها ، قالا : فإنه يعرض عليك كذا و كذا و يطلب إليك و يسألك ، قال : فمن لي بهذا ؟ قالا : نحن لك به ، فما سألهما شيئاً إلا قالا نحن لك به فصالحه ، فقال الحسن - أي البصري - : و لقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر - و الحسن بن علي إلى جنبه و هو يقبل على الناس مرة و عليه أخرى و يقول - : إن ابني هذا سيد و لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين . صحيح البخاري مع الفتح (5/361) و الطبري (5/158) .
و في هذه القصة فوائد كثيرة أفادها الحافظ في الفتح منها :-
1- عَلَمٌ من أعلام النبوة .
2- فيها منقبة للحسن بن علي رضي الله عنهما ، فإنه ترك الملك لا لقلة و لا لذلة و لا لعلة ، بل لرغبته فيما عند الله ، و لما رآه من حقن دماء المسلمين ، فراعى أمر الدين و مصلحة الأمة .(176/87)
3- فيها ردّ على الخوارج الذين كانوا يكفرون علياً و من معه و معاوية و من معه ، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم للطائفتين بأنهم من المسلمين .
4- فيها دلالة على فضيلة الإصلاح بين الناس ، ولا سيما في حقن دماء المسلمين .
5- فيها دلاله على رأفة معاوية بالرعية و شفقته على المسلمين ، و قوة نظره في تدبير الملك و نظره في العواقب .
6- فيها جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى في ذلك صلاحاً للمسلمين .
7- و فيه جواز ولاية المفضول مع وجود الأفضل ، لأن الحسن و معاوية ولي كل منهما الخلافة و سعد بن أبي وقاص (ت 55هـ) و سعيد بن زيد (ت51هـ) في الحياة و هما بدريان . فتح الباري (13/71-72) .
و بهذا التنازل ، انتهت مرحلة من الصراع و عادة الأمة إلى الجماعة بعد أن مرت بتجارب جديدة قاسية تركت آثارها عميقة في المخيلة لأجيالها المتلاحقة حتى الوقت الحاضر .
للمزيد حول تفاصيل الصلح و خطوات ذلك ، راجع كتاب : مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري للدكتور خالد الغيث ( ص 126 – 167 ) ، و كتاب : مواقف المعارضة في خلافة يزيد بن معاوية للدكتور محمد بن عبد الهادي الشيباني ( ص 110 – 120 ) فقد أجاد كل منهما في طرح الموضوع ومناقشته ..
----------------------------------
الشبهة الثانية ولاية العهد ليزيد(176/88)
عمل معاوية رضي الله عنه جهده من البداية في سبيل إعداد ولده يزيد ، و تنشئته التنشئة الصحيحة ، ليشب عليها عندما يكبر ، فسمح لمطلقته ميسون بنت بحدل الكلبية ، و كانت من الأعراب ، و كانت من نسب حسيب ، و منها رزق بابنه يزيد - انظر ترجمتها في : تاريخ دمشق لابن عساكر - تراجم النساء - (ص397 - 401) – من أن تتولى تربيته في فترة طفولته ، وكان رحمه الله وحيد أبيه ، فأحب معاوية رضي الله عنه أن يشب يزيد على حياة الشدة و الفصاحة فألحقه بأهل أمه ليتربى على فنون الفروسية ، و يتحلى بشمائل النخوة و الشهامة والكرم و المروءة ، إذ كان البدو أشد تعلقاً بهذه التقاليد .
كما أجبر معاوية ولده يزيد على الإقامة في البادية ، و ذلك لكي يكتسب قدراً من الفصاحة في اللغة ، كما هو حال العرب في ذلك الوقت .
و عندما رجع يزيد من البادية ، نشأ و تربى تحت إشراف والده ، و نحن نعلم أن معاوية رضي الله عنه كان من رواة الحديث - تهذيب التهذيب لابن حجر (10/207) - ، فروى يزيد بعد ذلك عن والده هذه الأحاديث و بعض أخبار أهل العلم . مثل حديث : من يرد الله به خيراً يفقه في الدين ، و حديث آخر في الوضوء ، و روى عنه ابنه خالد و عبد الملك بن مروان ، و قد عده أبوزرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي الصحابة ، و هي الطبقة العليا . البداية و النهاية لابن كثير (8/226-227) .
و قد اختار معاوية دَغْفَل بن حنظلة السدوسي الشيباني (ت65هـ) انظر ترجمته في : تهذيب التهذيب لابن حجر (3/210) ، مؤدباً لولده يزيد ، و كان دغفل علامة بأنساب العرب ، و خاصة نسب قريش ، و كذلك عارفاً بآداب اللغة العربية .
هذا مختصر لسيرة يزيد بن معاوية قبل توليه الخلافة ..
أما عن فكرة ولاية العهد .. فقد بدأ معاوية رضي الله عنه يفكر فيمن يكون الخليفة من بعده ، ففكر معاوية في هذا الأمر و رأى أنه إن لم يستخلف و مات ترجع الفتنة مرة أخرى .(176/89)
فقام معاوية رضي الله عنه باستشارة أهل الشام في الأمر ، فاقترحوا أن يكون الخليفة من بعده من بني أمية ، فرشح ابنه يزيد ، فجاءت الموافقة من مصر و باقي البلاد و أرسل إلى المدينة يستشيرها و إذ به يجد المعارضة من الحسين و ابن الزبير ، و ابن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر ، و ابن عباس . انظر : تاريخ الإسلام للذهبي – عهد الخلفاء الراشدين – (ص147-152) و سير أعلام النبلاء (3/186) و الطبري (5/303) و تاريخ خليفة (ص213) . إلا أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما قد بايعا فيما بعد طوعاً ليزيد .
و كان اعتراض هؤلاء النفر حول تطبيق الفكرة نفسها ، لا على يزيد بعينه .
ثم كانت سنة واحد وخمسين هجرية فحج معاوية في الناس و قرأ كتاب الإستخلاف ليزيد على الناس فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : لقد علمتم سيرتي فيكم ، و صلتي لأرحامكم ، و صفحي عنكم و حلمي لما يكون منكم ، و يزيد ابن أمير المؤمنين أخوكم و ابن عمكم و أحسن الناس لكم رأياً ، و إنما أردت أن تقدموه باسم الخلافة و تكونوا أنتم الذين تنزعون و تؤمرون ، و تجيبون و تقسمون لا يدخل عليكم في شيء من ذلك . راجع العواصم من القواصم (ص226-228) ، و الكامل في التاريخ (2/512) .
و اعتبر معاوية أن معارضة هؤلاء ليست لها أثر ، و أن البيعة قد تمت ، حيث أجمعت الأمة على هذه البيعة . راجع : الفصل في الملل و النحل لابن حزم (4/149-151) و قد ذكر كيفية انعقاد البيعة و شروطها فعرضها عرضاً دقيقاً .
و كان سبب تولية معاوية ابنه يزيد لولاية العهد من بعده ، أسباب كثيرة ، فهناك سبب سياسي ؛ وهو الحفاظ على وحدة الأمة ، خاصة بعد الفتن التي تلاحقت يتلوا بعضها بعضاً ، و كان من الصعوبة أن يلتقي المسلمون على خليفة واحد ، خاصة و القيادات المتكافئة في الإمكانيات قد تضرب بعضها بعضاً فتقع الفتن و الملاحم بين المسلمين مرة ثانية ، ولا يعلم مدى ذلك إلا الله تعالى .(176/90)
وهناك سبب الاجتماعي ؛ وهو قوة العصبية القبلية خاصة في بلاد الشام الذين كانوا أشد طاعة لمعاوية ومحبة لبني أمية ، وليس أدل على ذلك من مبايعتهم ليزيد بولاية العهد من بعد أبيه دون أن يتخلف منهم أحد .
وهناك أسباب شخصية في يزيد نفسه ، وليس معاوية بذلك الرجل الذي يجهل صفات الرجال ومكانتهم ، وهو ابن سلالة الإمارة والزعامة في مكة ، ثم هو الذي قضى أربعين سنة من عمره وهو يسوس الناس ويعرف مزايا القادة والأمراء والعقلاء ، ويعرف لكل واحد منهم فضيلته ، وقد توفرت في يزيد بعض الصفات الحسنة من الكرم والمروءة والشجاعة والإقدام والقدرة على القيادة ، وكل هذه المزايا جعلت معاوية ينظر ليزيد نظرة إعجاب وإكبار وتقدير ..
وقد سأل معاوية رضي الله عنه ولد يزيد يوماً حينما أنس منه الحرص على العدل وتأسياً بالخلفاء الراشدين ، فقد كان يسأله عن الكيفية التي سيسير بها في الأمة بعد توليه الخلافة ، فيرد عليه يزيد بقوله : ( كنت والله يا أبةِ عاملاً فيهم عمل عمر بن الخطاب ) . ابن عاصم في الآحاد والمثاني ( 1 / 375 ) بسند حسن .
لمزيد من التفصيل و الأسباب التي أدت بمعاوية لأخذ البيعة ليزيد ، راجع كتاب : مواقف المعارضة في خلافة يزيد بن معاوية للأستاذ : محمد بن عبد الهادي الشيباني ( ص 126- 136 ) . فقد أجاد الباحث في طرح الموضوع وأفاد ..(176/91)
و تجدر الإشارة هنا إلى أن المؤرخين والمفكرين المسلمين قد وقفوا حيال هذه الفكرة مواقف شتى ، ففيهم المعارض ، و منهم المؤيد ، و كانت حجة الفريق المعارض تعتمد على ما أوردته بعض الروايات التاريخية من أن يزيد بن معاوية كان شاباً لاهياً عابثاً ، مغرماً بالصيد و شرب الخمر ، و تربية الفهود والقرود ، و الكلاب … الخ . نسب قريش لمصعب الزبيري (ص127) و كتاب الإمامة والسياسة المنحول لابن قتيبة (1/163) و تاريخ اليعقوبي (2/220) و كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي (5/17) و مروج الذهب للمسعودي (3/77) و انظر حول هذه الافتراءات كتاب : صورة يزيد بن معاوية في الروايات الأدبية فريال بنت عبد الله (ص86-122) .
و لكننا نرى أن مثل هذه الأوصاف لا تمثل الواقع الحقيقي لما كانت عليه حياة يزيد بن معاوية ، فإضافة إلى ما سبق أن أوردناه عن الجهود التي بذلها معاوية في تنشئة وتأديب يزيد ، نجد رواية في مصادرنا التاريخية قد تساعدنا في دحض مثل تلك الآراء .
فيروي البلاذري أن محمد بن علي بن أبي طالب - المعروف بابن الحنفية - دخل يوماً على يزيد بن معاوية بدمشق ليودعه بعد أن قضى عنده فترة من الوقت ، فقال له يزيد ، و كان له مكرماً : يا أبا القاسم ، إن كنت رأيت مني خُلُقاً تنكره نَزَعت عنه ، و أتيت الذي تُشير به علي ؟ فقال : والله لو رأيت منكراً ما وسعني إلاّ أن أنهاك عنه ، وأخبرك بالحق لله فيه ، لما أخذ الله على أهل العلم عن أن يبينوه للناس ولا يكتموه ، وما رأيت منك إلاّ خيراً . أنساب الأشراف للبلاذري (5/17) .(176/92)
كما أنه شهد له بحسن السيرة والسلوك حينما أراده بعض أهل المدينة على خلعه والخروج معهم ضده ، فيروي ابن كثير أن عبد الله بن مطيع - كان داعية لابن الزبير - مشى من المدينة هو و أصحابه إلى محمد ابن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم ، فقال ابن مطيع : إن يزيد يشرب الخمر و يترك الصلاة و يتعدى حكم الكتاب ، فقال محمد ما رأيت منه ما تذكرون ، قد حضرته و أقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة ، قالوا : ذلك كان منه تصنعاً لك ، قال : و ما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع ؟ ثم أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ، فلئن كان أطلعكم على ذلك فإنكم لشركاؤه ، و إن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا ، قالوا : إنه عندنا لحق و إن لم نكن رأيناه ، فقال لهم : أبى الله ذلك على أهل الشهادة ، و لست من أمركم في شيء .. الخ . البداية و النهاية (8/233) و تاريخ الإسلام – حوادث سنة 61-80هـ – (ص274) و حسن محمد الشيباني إسناده ، انظر مواقف المعارضة من خلافة يزيد بن معاوية (ص384) .
وقد شهد له ابن عباس رضي الله عنه بالفضيلة وبايعه ، كما في أنساب الأشراف ( 4 / 289 – 290 ) بسند حسن .
كما أن مجرد موافقة عدد من كبار الشخصيات الإسلامية ، من أمثال عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس و أبو أيوب الأنصاري ، على مصاحبة جيش يزيد في سيره نحو القسطنطينية ، فيها خير دليل على أن يزيد كان يتميز بالاستقامة ، و تتوفر فيه كثير من الصفات الحميدة ، و يتمتع بالكفاءة والمقدرة لتأدية ما يوكل إليه من مهمات .(176/93)
أخرج البخاري عن خالد بن معدان أن عمير بن الأسود العنسي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت و هو نازل في ساحة حمص و هو في بناء له و معه أم حرام ، قال عمير : فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا ، فقالت أم حرام : قلت يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : أنت فيهم . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ، فقلت : أنا فيهم قال : لا . البخاري مع الفتح (6/120) .
وأخرج البخاري عن محمود بن الربيع في قصة عتبان بن مالك قال محمود : فحدثتها قوماً فيهم أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته التي توفي فيها ، و يزيد بن معاوية عليهم بأرض الروم . البخاري مع الفتح (3/73) .
و في هذا الحديث منقبة ليزيد رحمه الله حيث كان في أول جيش يغزوا أرض الروم .
ولنستمع إلى وجهة النظر التي أبداها الأستاذ محب الدين الخطيب - حول مسألة ولاية العهد ليزيد – وهي جديرة بالأخذ بها للرد على ما سبق ، فهو يقول : إن كان مقياس الأهلية لذلك أن يبلغ مبلغ أبي بكر و عمر في مجموع سجاياهما ، فهذا ما لم يبلغه في تاريخ الإسلام ، ولا عمر بن عبد العزيز ، و إن طمعنا بالمستحيل و قدرنا إمكان ظهور أبي بكر آخر و عمر آخر ، فلن تتاح له بيئة كالبيئة التي أتاحها الله لأبي بكر و عمر ، وإن كان مقياس الأهلية ، الاستقامة في السيرة ، والقيام بحرمة الشريعة ، والعمل بأحكامها ، و العدل في الناس ، و النظر في مصالحهم ، والجهاد في عدوهم ، و توسيع الآفاق لدعوتهم ، والرفق بأفرادهم و جماعاتهم ، فإن يزيد يوم تُمحّص أخباره ، و يقف الناس على حقيقة حاله كما كان في حياته ، يتبين من ذلك أنه لم يكن دون كثيرين ممن تغنى التاريخ بمحامدهم ، و أجزل الثناء عليهم . العواصم من القواصم لابن العربي (ص221) .(176/94)
و نجد أيضاً في كلمات معاوية نفسه ما يدل على أن دافعه في اتخاذ مثل هذه الخطوة هو النفع للصالح العام و ليس الخاص ، فقد ورد على لسانه قوله : اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله ، فبلغه ما أملت و أعنه ، و إن كانت إنما حملني حبّ الوالد لولده ، وأنه ليس لما صنعت به أهلاً ، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك . تاريخ الإسلام للذهبي – عهد معاوية بن أبي سفيان – (ص169) و خطط الشام لمحمد كرد علي (1/137) .
و يتبين من خلال دراسة هذه الفكرة – وهي ولاية العهد من بعده لابن يزيد - ، أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كان محقاً فيما ذهب إليه ، إذ أنه باختياره لابنه يزيد لولاية العهد من بعده ، قد ضمن للأمة الإسلامية وحدتها ، و حفظ لها استقرارها ، و جنبها حدوث أية صراعات على مثل هذا المنصب .
قلت : و قد رأى معاوية رضي الله عنه في ابنه صلاحاً لولاية خلافة الإسلام من بعده و هو أعلم الناس بخفاياه و لو لم يكن عنده مرضياً لما اختاره . وحول مبايعة يزيد بن معاوية رحمه الله بولاية العهد ، و حول نشوء هذه الفكرة ، و حول كون يزيد أهلاً و كفئ لتوليه الخلافة بعد والده ، انظر : مقال بعنوان : مبايعة يزيد بن معاوية بولاية العهد ، دراسة تاريخية ، للدكتور : عمر سليمان العقيلي ، في مجلة كلية الآداب ، جامعة الملك سعود المجلد (12) ج (2) .
و الغريب في الأمر أن أكثر من رمى معاوية و عابه في تولية يزيد و أنه ورثّه توريثاً هم الشيعة الروافض ، مع أنهم يرون هذا الأمر في علي بن أبي طالب و سلالته إلى اثني عشر خليفة منهم .
نعم إنا نستطيع أن نقول بأن يزيد بن معاوية هو أول من عهد إليه أبوه بالخلافة ؛ ولكن لنتصور أن معاوية رضي الله عنه سلك إحدى الأمور الثلاث الآتية :-
ترك الناس بدون خليفة من بعده ، مثلما فعل حفيده معاوية بن يزيد .
نادى في كل مصر من الأمصار بأن يرشحوا لهم نائباً ثم يختاروا من هؤلاء المرشحين خليفة .(176/95)
جعل يزيد هو المرشح ، وبايعه الناس كما فعل .
ولنأخذ الأمر الأول :-
كيف ستكون حالة المسلمين لو أن معاوية تناسى هذا الموضوع ، وتركه ولم يرشح أحداً لخلافة المسلمين حتى توفي .
أعتقد أن الوضع سيكون أسوأ من ذلك الوضع الذي أعقب تصريح معاوية بن يزيد بتنازله عن الخلافة ، وترك الناس في هرج ومرج ، حتى استقرت الخلافة أخيراً لعبد الملك بن مروان بعد حروب طاحنة استمرت قرابة عشر سنوات .
ثم لنتصور الأمر الثاني :-
نادى مناد في كل مصر بأن يرشحوا نائباً عنهم ، حتى تكون مسابقة أخيرة ليتم فرز الأصوات فيها ، ثم الخروج من هذه الأصوات بفوز مرشح من المرشحين ليكون خليفة للمسلمين بعد وفاة معاوية .
سيختار أهل الشام ، رجل من بني أمية بلا شك ، بل وربما أنه يزيد ، وربما غيره .
وسيختار أهل العراق في الغالب الحسين بن علي رضي الله عنهما .
وسيختار أهل الحجاز : إما ابن عمر أو عبد الرحمن بن أبي بكر ، أو ابن الزبير رضي الله عن الجميع .
وسيختار أهل مصر : عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
والسؤال الآن : هل سيرضى كل مصر بولاية واحد من هؤلاء ، ويسلموا له ، أم ستكون المعارضة واردة ؟!
الجواب : أعتقد أن المعارضة ستظهر .
ولنسأل سؤالاً آخر : في حالة أنه تم اختيار كل مرشح من قبل الأمصار ، هل يستطيع معاوية أن يلزم كل مصر بما اختاره أهل المصر الآخر ؟!
الجواب : ستجد الدولة نفسها في النهاية أمام تنظيمات انفصالية ، وسيعمد أدعياء الشر الذي قهرتهم الدولة بسلطتها إلى استغلال هذه الفوضى السياسية ، ومن ثم الإفادة منها في إحداث شرخ جديد في كيان الدولة الإسلامية .
ونحن حينما نورد هذه الاعتراضات ، وربما حصل ما أشرنا إليه ، وربما حدث العكس من ذلك ، ولكنا أوردنا ذلك حتى نتصور مدى عدم صحة الآراء التي أحياناً يطلقها ويتحمس لها البعض دون الرجوع إلى الواقع التاريخي المحتم آنذاك .(176/96)
لقد تعرض المجتمع المسلم إلى هزة عنيفة بعد استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وترك كيانات وتيارات سياسية وعقائدية خطيرة ، استوجبت من معاوية أن يدرك خطورة الأمر والفرقة التي سوف تحصل للمسلمين إذا لم يسارع بتعيين ولي عهد له ..
ويبقى الأمر الثالث : وهو ما فعله معاوية رضي الله عنه بتولية يزيد ولياً للعهد من بعده ..
و قد اعترف بمزايا خطوة معاوية هذه ، كل من ابن العربي في العواصم من القواصم (ص228-229 ) ، وابن خلدون الذي كان أقواهما حجة ، إذا يقول : والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه ، إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس ، واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل و العقد عليه - و حينئذ من بني أمية - ثم يضيف قائلاً : و إن كان لا يظن بمعاوية غير هذا ، فعدالته و صحبته مانعة من سوى ذلك ، و حضور أكابر الصحابة لذلك ، وسكوتهم عنه ، دليل على انتفاء الريب منه ، فليسوا ممن تأخذهم في الحق هوادة ، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق ، فإنهم - كلهم - أجلّ من ذلك ، و عدالتهم مانعة منه . المقدمة لابن خلدون (ص210-211) .(176/97)
و يقول في موضع آخر : عهد معاوية إلى يزيد ، خوفاً من افتراق الكلمة بما كانت بنو أمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى من سواهم ، فلو قد عهد إلى غيره اختلفوا عليه ، مع أن ظنهم كان به صالحاً ، ولا يرتاب أحد في ذلك ، ولا يظن بمعاوية غيره ، فلم يكن ليعهد إليه ، و هو يعتقد ما كان عليه من الفسق ، حاشا لله لمعاوية من ذلك . المقدمة (ص206) . وانظر أقوالاً أخرى لمؤرخين وباحثين يثنون على هذه الخطوة ، من أمثال : محمد علي كرد في كتابه : الإسلام والحضارة الغربية ( 2 / 395 ) ، و إبراهيم شعوط في : أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ( ص 334 ) ، و يوسف العش في : الدولة الأموية ( ص 164 ) ، و مقال للدكتور : عمارة نجيب في مجلة الجندي المسلم ( ص 58 ) . لمزيد تفصيل في هذا الموضوع ، راجع كتاب : مواقف المعارضة في خلافة يزيد بن معاوية ( ص 141 – 153 ) .
و ليس أفضل - قبل أن ننتقل إلى شبهة أخرى - من أن نشير إلى ما أورده ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم ( ص 231 ) من رأي لأحد أفاضل الصحابة في هذا الموضوع ، إذ يقول : دخلنا على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استخلف يزيد بن معاوية ، فقال : أتقولون إن يزيد ليس بخير أمة محمد ، لا أفقه فيها فقهاً ، ولا أعظمها فيها شرفاً ؟ قلنا : نعم ، قال : و أنا أقول ذلك ، و لكن و الله لئن تجتمع أمة محمد أحب إلىّ من أن تفترق
استشهاد الحسين - رضي الله عنه - وموقف يزيد من مقتله
بعد أن توفي معاوية رضي الله عنه و بويع ليزيد بالخلافة في الشام ، كتب يزيد إلى والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أن يدعو الناس للبيعة و أن يبدأ بوجوه قريش . انظر : ابن سعد في الطبقات (5/359) بإسناد جمعي ، و تاريخ خليفة ( ص 232) بإسناد فيه محمد بن الزبير الحنظلي ، و هو متروك .(176/98)
استشار الوليد بن عتبة مروان بن الحكم فأشار عليه بأن يبعث في طلب الحسين وابن الزبير للبيعة ، فيروي خليفة في تاريخه ( ص 233) : أن ابن الزبير حضر عند الوليد و رفض البيعة واعتذر بأن وضعه الاجتماعي يحتم عليه مبايعته علانية أما الناس ، و طلب منه أن يكون ذلك من الغد في المسجد إن شاء الله . واستدعى الحسين بعد ذلك و يبدوا أن الوليد تحاشى أن يناقش معه موضوع البيعة ليزيد ، فغادر الحسين مجلس الوليد من ساعته ، فلما جنّ الليل خرج ابن الزبير والحسين متجهين إلى مكة كل منها على حدة . ورواية خليفة هي الأقرب في نظري إلى الحقيقة ، فإضافة إلى تسلسل الحدث فيها ، فإن الرواية نفسها عن جويرية بن أسماء و هو مدني .
في طريق مكة التقى الحسين وابن الزبير بابن عمر و عبد الله بن عياش ، و هما منصرفين من العمرة قادمين إلى المدينة ، فقال لهما ابن عمر : أذكركما الله إلا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس و تنظران فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا ، و إن افترق عليه كان الذي تريدان . ابن سعد في الطبقات (5/360) والمزي في تهذيب الكمال (6/416) من طريق ابن سعد ، و الطبري (5/343) لكنه ذكر أن الذي لقيهما ابن عمر وابن عباس ، و لعله تحريف في اسم عياش ، والصحيح أن ابن عباس كان موجوداً بمكة حينذاك .(176/99)
فلما علمت شيعة الكوفة بموت معاوية و خروج الحسين إلى مكة و رفض البيعة ليزيد ، فاجتمع أمرهم على نصرته ، ثم كتبوا إليه ، و بعد توافد الكتب على الحسين و هو بمكة و جميعها تؤكد الرغبة في حضوره و مبايعته ، نستطيع أن نقول : إن الحسين لم يفكر بالخروج إلى الكوفة إلا عندما جاءته الرسل من الكوفيين يدعونه بالخروج إليهم ، و أنهم يدعونه مرحبين به طائعين ، فأراد الحسين أن يتأكد من صحة هذه الأقوال ، فأرسل مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمه لينظر في أمر أهل الكوفة و يقف على الحقائق بنفسه . انظر : تاريخ الطبري (5/354 ) و البلاذري في أنساب الأشارف (3/159) .
ذهب مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، و وقف على ما يحدث هناك و كتب إلى الحسين يدعوه إلى الخروج إلى الكوفة وأن الأمر مهيأ لقدومه .
و قد تتابعت النصائح من الصحابة و التابعين تنهى الحسين عن الخروج إلى الكوفة ، و من الذين نصحوا : محمد بن الحنفية أخوه - ، و ابن عباس ، وابن عمر وابن الزبير و أبو سعيد الخدري و جابر بن عبد الله ، و غيرهم الكثير ، ينهونه عن القدوم إلى الكوفة ، غير أن هذه النصائح الغالية الثمينة لم تؤثر في موقف الحسين حيال خروجه إلى الكوفة ، بل عقد العزم على الخروج ، فأرسل إلى المدينة و قدم عليه من خفّ من بني عبد المطلب ، و هم تسعة عشر رجلاً و نساء و صبياناً من اخوته و بناته و نسائه ، فتبعهم محمد بن الحنفية وأدرك الحسين قبل الخروج من مكة فحاول مرة أخرى أن يثني الحسين عن خروجه لكنه لم يستطع . انظر : ابن سعد في الطبقات (5/266-267) .(176/100)
و جاء ابن عباس و نصحه فأبى إلا الخروج إلى الكوفة ، فقال له ابن عباس : لولا أن يزري بي و بك ، لنشبت يدي في رأسك ، فقال أي الحسين - : لإن أقتل بمكان كذا و كذا أحب إلي من أستحل حرمتها ، يعني الكعبة ، فقال ابن عباس فيما بعد : و كان ذلك الذي سلى نفسي عنه . و كان ابن عباس من أشد الناس تعظيماً للحرم . انظر: مصنف ابن أبي شيبة (5/96-97) بإسناد صحيح ، و الطبراني في المعجم الكبير (9/193) و قال الهيثمي في المجمع (9/192) و رجاله رجال الصحيح ، و الذهبي في السير (2/292) و غيرهم الكثير .
إن حقيقة الأمر في موقف ابن الزبير رضي الله عنه مثل باقي كبار الصحابة الذين نصحوا الحسين بعدم الخروج ، والحجة في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن قال : لقي عبد الله بن الزبير الحسين بن علي بمكة فقال : يا أبا عبد الله بلغني أنك تريد العراق ، قال : أجل ، فلا تفعل ، فإنهم قتلة أبيك ، الطاعنين بطن أخيك ، وإن أتيتهم قتلوك . المصنف (7/477) .
و لما علم ابن عمر بخروج الحسين أدركه على بعد ثلاث مراحل من المدينة فقال للحسين أين وجهتك ؟ فقال : أريد العراق ، ثم أخرج إليه كتب القوم ، ثم قال : هذه بيعتهم و كتبهم ، فناشده الله أن يرجع ، فأبى الحسين ، ثم قال ابن عمر : أحدثك بحديث ما حدثت به أحداً قبلك : إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخيره بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ، و إنكم بضعة منه ، فوالله لا يليها أحد من أهل بيته ، ما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم ، فارجع أنت تعرف غدر أهل العراق و ما كان يلقى أبوك منهم ، فأبى ، فاعتنقه و قال : استودعتك من قتيل . ابن سعد في الطبقات (5/360) و ابن حبان (9/58) وكشف الأستار (3/232-233) بسند رجاله ثقات . و عند غيرهم .
لكن هذه النصائح والتحذيرات لم تثن الحسين عن إرادته و عزمه على الخروج نحو الكوفة .(176/101)
و هنا يبرز سؤال ملح : و هو كيف يجمع عدد من الصحابة و كبراؤهم و كبار التابعين و أصحاب العقل منهم ، و من له قرابة بالحسين على رأي واحد و هو الخوف على الحسين من الخروج وأن النتيجة معروفة سلفاً ، و في المقابل كيف يصر الحسين على رأيه وترك نصائح الصحابة وكبار التابعين ؟
و الإجابة على هذا السؤال تكمن في سببين اثنين :-
الأول : وهو إرادة الله جل وعلا و أن ما قدره سيكون و إن أجمع الناس كلهم على رده فسينفذه الله لا راد لحكمه ولا لقضائه سبحانه وتعالى .
الثاني : و هو السبب الواقعي الذي تسبب في وجود الأمر الأول ، و هو أن الحسين رضي الله عنه أدرك أن يزيد بن معاوية لن يرضى بأن تكون له حرية التصرف والبقاء بدون حمله بالقوة على البيعة ، و لن يسمح يزيد بأكثر مما حدث ، فرسل تأتي و رسل تذهب و دعوة عريضة له بالكوفة ، كل هذا يجعل الحسين يدرك أن موقفه في مكة يزداد حرجاً ، و هو يمانع البيعة للخليفة دون أن يكون هناك ما يبرر موقفه بشكل واضح ، ثم إن خشية الحسين من وقوع أي مجابهة بينه و بين الأمويين في مكة هو الذي جعله يفكر بالخروج من مكة سريعاً ، و هو ما أكده لابن عباس ، ولعل الأمر الذي جعله يسارع في الخروج إلى الكوفة هي الصورة المشرقة والمشجعة التي نقلها له ابن عمه لحال الكوفة و أنها كلها مبايعة له .(176/102)
و في نظري أن مسلم بن عقيل و الحسين رضي الله عنهما لم يكونا يحيطون بكثير من أمور السياسة ، فمسلم بن عقيل وثق في تلك الآلاف المبايعة للحسين و ظن أن هؤلاء سيكونون مخلصين أوفياء و لم يجعل في حسبانه أن العاطفة هي المسير لتلك الأعداد ، فكان على مسلم بن عقيل أن يستثمر الوضع لصالحه وأن يعايش الواقع الفعلي حتى يخرج بتصور صحيح ، وأما أن يرسل للحسين منذ الوهلة الأولى و يوهمه بأن الوضع يسير لصالحه ، فهذا خطأ كبير وقع فيه مسلم بن عقيل ، ثم إن الحسين رضي الله عنه وثق بكلام مسلم بن عقيل و صدق أن الكوفة ستقف معه بمجرد مجيئه إليها ، و نسي أن الكوفة هي التي عانى أبوه منها أشد المعاناة من التخاذل والتقاعس و عدم الامتثال لأوامره ثم كانت النهاية باغتياله رضي الله عنه ، ثم إن أخاه الحسن واجه الغدر والمكيدة من أهل الكوفة ، وكان يحذره منهم حتى على فراش الموت ، ثم إن الذين نصحوه يحملون حساً سياسياً واضحاً فالكل حذره و بين خطأه الذي سيقدم عليه ، و من المستحيل أن يكون كل الناصحون على خطأ و أن فرداً واحداً هو على الحق و بالأخص إذا عرفنا من هم الناصحون ، لكنه قدر الله ، و حدث ما حدث و قتل الحسين في معركة كربلاء .
و لم يختلف المؤرخون بل و الناس فيما عرض لهم و عرض عليهم من مسائل التاريخ مثلما اختلفوا في مقتل الحسين رضي الله عنه ، من بدايتها حتى نهايتها من الدوافع الأولية إلى الخديعة و خيانة الأعراب .
و النظرة التاريخية الفاحصة بعيداً عن الشطط أو الإغراق أو المغالاة تجعلنا في حيرة و أي حيرة ، لأن كل فريق له رأيه و له حجته فيما انتهى إليه ، و علينا أن ندعو لهم و نستغفر الله لنا ولهم .
و في يقيني أن أمر النزاع بين الحسين و يزيد يجب الإمساك عن الخوض فيه ، لأن هذا أفضل من الكلام في ما لا نعلم ، و صفوة القول أن الحسين قد أفضى إلى ربه شهيداً مجاهداً ، رضي الله عنه و أرضاه و ألحقنا بالصالحين في دار المقامة .(176/103)
و عن هذا الصراع الدموي الأليم العنيف بين الحسين و يزيد أقول : يفصل الله بينهم يوم القيامة ، فإني لا أجرؤ بما توافر لدي من آراء و أبحاث و مراجع على القول بغير هذا : عفا الله عنا و عنهم .
و عن حياة الإمام الحسين رضي الله عنه قال ابن عبد البر في الاستيعاب : قتل الحسين يوم الجمعة لعشر خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى و ستين ، بموضع يقال له كربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة و عليه جبة خز دكناء ، و هو ابن ست و خمسين سنة ، قاله نسابة قريش الزبير بن بكار ، و مولده لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، و فيها كانت غزوة ذات الرقاع و فيها قصرت الصلاة و تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة رضي الله عنه . الاستيعاب (1/393) و انظر التذكرة للقرطبي (2/645) و نسب قريش للزبير بن بكار (ص 24) .
ثم يقول ابن حجر : و قد صنف جماعة من القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث و السمين ، و الصحيح و السقيم ، و قد صح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول : لو كنت فيمن قاتل الحسين ثم دخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . الإصابة (2/81) .
و اختلفت الأقوال في يوم قتله ، فالبعض قال يوم الجمعة و قيل يوم السبت العاشر من المحرم و الأصح الأول . و اتفق على أنه قتل يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى و ستين ، و كذا قال الجمهور ، و شذ من قال غير ذلك ، و كان يوم الجمعة هو يوم عاشوراء . الإصابة (2/76-81) و العقد الفريد لابن عبد ربه (4/356) و هو يؤيد الإجماع .(176/104)
و قال الحافظ في الفتح : كان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر ، و قتل يوم عاشوراء سنة إحدى و ستين بكربلاء من أرض العراق ، و كان أهل الكوفة لما مات معاوية و استخلف يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته فخرج الحسين إليهم ، فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ، فخذل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة و رهبة ، و قتل ابن عمه مسلم بن عقيل و كان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس ، ثم جهز إليه عسكراً فقاتلوه إلى أن قتل هو و جماعة من أهل بيته . فتح الباري (7/120) . و تاريخ خليفة (ص 234) .
روى الحاكم عن أم الفضل بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا - يعني الحسين - فقلت : هذا ؟ فقال نعم ، و أتاني بتربة من تربته حمراء . السلسلة الصحيحة (2/464) و هو في صحيح الجامع ، رقم (61) .
و روى أحمد عن عائشة أو أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقد دخل عليّ البيت مَلَكٌ لم يدخل علي قبلها ، فقال لي : إن ابنك هذا حسين مقتول ، و إن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها . السلسلة الصحيحة (2/465) .
و روى أحمد عن ابن عباس قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت و أمي ما هذا ؟ قال : هذا دم الحسين و أصحابه ، و لم أزل ألتقطه منذ اليوم . فأحصي ذلك الوقت ، فوجد قتل ذلك الوقت . مشكاة المصابيح للتبريزي بتحقيق الشيخ الألباني (6172) . و مسند أحمد (1/283) و الذي يقول فأحصينا .. هو راوي الخبر عن ابن عباس ، هو أبو عمر عمار بن أبي عمار مولى بني هشام ، صدوق من كبار التابعين (ت 120 هـ ) ، التقريب (ص 408) .(176/105)
و قد قتل معه كما يروي الحسن البصري ستة عشر رجلاً من آل البيت ما على الأرض يومئذ لهم شبه ، فقتل من أولاد علي رضي الله عنه العباس و عبد الله و جعفر و عثمان و أبو بكر ، و هؤلاء اخوته لأبيه . هؤلاء جميعهم أبناء علي من أم البنين بنت حرام أم خالد ، ما عدا أبو بكر فهو من ليلى بنت مسعود بن خالد . انظر تراجمهم في : تاريخ خليفة (ص 234) .
و قتل معه من ولده ، عبد الله و علي . عبد الله أمه أم الرباب ، و أما علي فأمه ليلى بنت أبي مرة . انظر : تاريخ خليفة (ص 234) .
و من ولد أخيه الحسن ، القاسم و أبو بكر و عبد الله . و هم أبناء الحسن بن علي ، انظر : تاريخ خليفة (ص 234) و البداية و النهاية (8/189) .
و من ولد عبد الله بن جعفر ، محمد و عون . محمد أمه الخوصا بنت خصف ، و أما عون فأمه زينب العقيلية بنت علي ، انظر : تاريخ خليفة (ص 234) .
و من ولد عقيل بن أبي طالب ، عبد الرحمن و جعفر و عبد الله و مسلم . انظر : تاريخ خليفة (ص 234) و البداية و النهاية (8/189) .
يقول الذهبي عن ذلك : و يدخل فيهم من نسل فاطمة و غيرهم ، لأن الرافضة رووا أحاديث و أعداد مهولة في من قتل مع الجيش من نسل فاطمة فقط ، حيث ذكر فطر بن خليفة أن عدد من قتل من نسل فاطمة سبعة عشر رجلاً ، و لاشك أن هذا العدد مبالغ فيه كثير جداً . انظر : تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 61 هـ (ص 21) و تاريخ خليفة (ص 235) و المعجم الكبير (3/104 و 119) ، و فطر هذا من غلاة الشيعة .
ثم إن ابن ذي الجوشن حمل رأس الحسين و أرسله إلى ابن زياد . أخرج البخاري عن أنس بن مالك : أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي ، فجعل ينكت و قال في حسنه شيئاً ، فقال أنس : كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، و كان مخضوباً بالوسمة . البخاري مع الفتح (7/119) ، و الوسمة هي نبات يخضب به الوجه و يميل إلى السواد .(176/106)
و عند الترمذي و ابن حبان من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال : كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين فجعل يقول بقضيب في أنفه و يقول ما رأيت مثل هذا حسناً يُذكر ، قلت : أما إنه كان أشبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم . صحيح سنن الترمذي (3/325) و الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (9/59-60) .
و للطبراني في المعجم الكبير (5/206) و (3/125) من حديث زيد بن أرقم ، فجعل قضيباً في يده ، في عينه و أنفه فقلت : ارفع قضيبك فقد رأيت فم رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه . و زاد البزار من وجه آخر عن أنس قال : فقلت له إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث تضع قضيبك ، قال : فانقبض . أورده الحافظ في الفتح (7/121) .
إن الصورة الحقيقة لمقتل الحسين رضي الله عنه لم تتضح بعد لدى كثير ممن يسمع عنها لما حدث من اختلاط الروايات الحقيقية بالمكذوبة التي افتراها الرافضة الحمقى و روج لها الإخباريين بأسلوب يهدر كل القيم و المثل .
نعم هناك روايات كتاب الأغاني ، - و الذي يسمى بالنهر المسموم - ، ذلك النهر الذي عب منه كل مثقفينا ، وكل من تناول جانباً من تاريخنا ، كابراً عن كابر ، فَضَّلوا و أضلوا .
و المصنفون من أهل الحديث في سائر المنقولات ، أعلم و أصدق بلا نزاع بين أهل العلم ؛ لأنهم يسندون ما ينقلونه عن الثقات ، أو يرسلونه عمن يكون مرسله مقارب الصحة ، بخلاف الإخباريين ؛ فإن كثيراً مما يسندونه ، يسندونه عن كذّاب أو مجهول ، أمّا ما يرسلونه ، فظلمات بعضها فوق بعض .
و أما أهل الأهواء و نحوهم فيعتمدون على نقل لا يعرف له قائل أصلاً ، لا ثقة و لا ضعيف و أهون شيء عندهم الكذب المختلق ، و أعلم من فيهم لا يرجع فيما ينقله إلى عمدة بل إلى سماعات عن المجاهيل و الكذابين ، و روايات عن أهل الإفك المبين .(176/107)
و قضية يزيد و مقتل الحسين ، إما أن تذكر كلها بتفاصيلها ، و إما أن تبقى طي الكتمان ، أما أن يجتزأ الكلام ، و يختزل بهذه الصورة الشائعة على الألسن - قتل يزيد الحسين - فهذا فيه تدليس و تزييف .
و لنقف مع تقويم لهذه المعارضة من قبل الحسين رضي الله عنه .
كانت معارضة الحسين ليزيد بن معاوية و خروجه إلى العراق طلباً للخلافة ، ثم مقتله رضي الله عنه بعد ذلك ، قد ولد إشكالات كثيرة ، ليس في الكيفية والنتيجة التي حدثت بمقتله رضي الله عنه ، بل في الحكم الشرعي الذي يمكن أن يحكم به على معارضته ، و ذلك من خلال النصوص النبوية .
وإن عدم التمعن في معارضة الحسين ليزيد و التأمل في دراسة الروايات التاريخية الخاصة بهذه الحادثة ، قد جعلت البعض يجنح إلى اعتبار الحسين خارجاً على الإمام ، وأن ما أصابه كان جزاءاً عادلاً و ذلك وفق ما ثبت من نصوص نبوية تدين الخروج على الولاة .
فقد قال صلى الله عليه وسلم : من أراد أن يفرق بين المسلمين و هم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان . صحيح مسلم (12/241) ، قال السيوطي : أي فاضربوه شريفاً أو وضيعاً على إفادة معنى العموم . عقد الزبرجد (1/264) . و قال النووي معلقاً على هذا الحديث : الأمر بقتال من خرج على الأمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك و ينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بالقتل قتل و كان دمه هدراً .
و في هذا الحديث و غيره من الأحاديث المشابهة له جاء تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على أن الخارج على سلطان المسلمين يكون جزاءه القتل ، و ذلك لأنه جاء ليفرق كلمة المسلمين .
وإن الجمود على هذه الأحاديث جعلت الكرامية فرقة من الفرق مثلاً يقولون : إن الحسين رضي الله عنه باغ على يزيد ، فيصدق بحقه من جزاء القتل . نيل الأوطار للشوكاني (7/362) .(176/108)
وأما البعض فقد ذهبوا إلى تجويز خروج الحسين رضي الله عنه واعتبر عمله هذا مشروعاً ، و جعلوا المستند في ذلك إلى أفضلية الحسين والى عدم التكافؤ مع يزيد . نيل الأوطار (7/362) .
وأما البعض فقد جعل خروج الحسين خروجاً شرعياً بسبب ظهور المنكرات من يزيد . انظر : الدره فيما يجب اعتقاده لابن حزم (ص 376) وابن خلدون في المقدمة (ص 271) .
و لكن إذا أتينا لتحليل مخرج الحسين رضي الله عنه ومقتله ، نجد أن الأمر ليس كما ذهب إليه هذان الفريقان ، فالحسين لم يبايع يزيد أصلاً ، وظل معتزلاً في مكة حتى جاءت إليه رسل أهل الكوفة تطلب منه القدوم ، فلما رأى كثرة المبايعين ظن رضي الله عنه أن أهل الكوفة لا يريدون يزيد فخرج إليهم ، وإلى الآن فإن الحسين لم يقم بخطأ شرعي مخالف للنصوص ، و خاصة إذا عرفنا أن جزءً من الأحاديث جاءت مبينة لنوع الخروج .
فعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نزع يداً من طاعة فلا حجة له يوم القيامة ، و من مات مفارقاً للجماعة فقد مات ميتة جاهلية . مسلم بشرح النووي (12/233-234) . و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التي بعدها كفارة لما بينهما ، والجمعة إلى الجمعة والشهر إلى الشهر يعني رمضان كفارة لما بينهما ، قال : ثم قال بعد ذلك : إلا من ثلاث ، - قال : فعرفت إن ذلك الأمر حدث إلا من الإشراك بالله ، ونكث الصفقة ، و ترك السنة . قال : أما نكث الصفقة : أن تبايع رجلاً ثم تخالف إليه ، تقاتله بسيفك ، و أما ترك السنة فالخروج من الجماعة . المسند (12/98) بسند صحيح .(176/109)
و بالرغم من أن الحسين رضي الله عنه حذره كبار الصحابة ونصحوه إلا أنه خالفهم ، و خلافه لهم إنما هو لأمر دنيوي ، فقد عرفوا أنه سيقتل وسيعرض نفسه للخطر ، و ذلك لمعرفتهم بكذب أهل العراق ، والحسين رضي الله عنه ما خرج يريد القتال ، و لكن ظن أن الناس يطيعونه ، فلما رأى انصرافهم عنه طلب الرجوع إلى وطنه أو الذهاب إلى الثغر أو إتيان يزيد .منهاج السنة (4/42) .
و لقد تعنت ابن زياد أمام تنازلات الحسين ، و كان من الواجب عليه أن يجيبه لأحد مطالبه ، و لكن ابن زياد طلب أمراً عظيماً من الحسين و هو أن ينزل على حكمه ، و كان من الطبيعي أن يرفض الحسين هذا الطلب ، و حُق للحسين أن يرفض ذلك ؛ لأن النزول على حكم ابن زياد لا يعلم نهايته إلا الله ، ثم إن فيه إذلالاً للحسين و إهانته الشيء الكبير ، ثم إن هذا العرض كان يعرضه الرسول صلى الله عليه وسلم على الكفار المحاربين ، والحسين رضي الله عنه ليس من هذا الصنف ، و لهذا قال شيخ الإسلام في المنهاج (4/550) : و طلبه أن يستأسر لهم ، و هذا لم يكن واجباً عليه .
والحقيقة أن ابن زياد هو الذي خالف الوجهة الشرعية والسياسية حين أقدم على قتل الحسين ، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر : .. فإن جاء آخر ينازع فاضربوا عنق الآخر . مسلم (12/233) . فإن هذا الحديث لا يتناول الحسين ، لأنه عرض عليهم الصلح فلم يقبلوا ، ثم كان مجيئه بناء على طلب أهل البلد و ليس ابتداعاً منه ، يقول النووي معلقاً على الحديث : قوله فاضربوا عنق الآخر معناه : فادفعوا الثاني ، فإنه خارج على الإمام فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فاقتلوه . شرح مسلم (12/234) . و بذلك يكون الظالم هو ابن زياد و جيشه الذين أقدموا على قتل الحسين رضي الله عنه بعد أن رفضوا ما عرض الحسين من الصلح(176/110)
ثم إن نصح الصحابة للحسين يجب أن لا يفهم على أنهم يرونه خارجاً على الإمام ، و أن دمه حينئذ يكون هدراً ، بل إن الصحابة رضوان الله عليهم أدركوا خطورة أهل الكوفة على الحسين وعرفوا أن أهل الكوفة كذابين ، و قد حملت تعابير نصائحهم هذه المفاهيم .
يقول ابن خلدون في المقدمة (ص 271) : فتبين بذلك غلط الحسين ، إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه ، وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه ، لأنه منوط بظنه ، و كان ظنه القدرة على ذلك ، وأما الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا بالحجاز و مصر والعراق والشام والذين لم يتابعوا الحسين رضوان الله عليه ، فلم ينكروا عليه ولا أثمّوه ، لأنه مجتهد وهو أسوة للمجتهدين به .
و يقول شيخ الإسلام في منهاج السنة (4/556) : وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي يأمر فيها بقتل المفارق للجماعة لم تتناوله ، فإنه رضي الله عنه لم يفارق الجماعة ، و لم يقتل إلا وهو طالب للرجوع إلى بلده أو إلى الثغر أو إلى يزيد ، و داخلاً في الجماعة معرضاً عن تفريق الأمة ، و لو كان طالب ذلك أقل الناس لوجب إجابته إلى ذلك ، فكيف لا تجب إجابة الحسين . و يقول في موضع آخر (6/340) : ولم يقاتل وهو طالب الولاية ، بل قتل بعد أن عرض الانصراف بإحدى ثلاث .. بل قتل وهو يدفع الأسر عن نفسه ، فقتل مظلوماً .
موقف يزيد بن معاوية رحمه الله من قتل الحسين رضي الله عنه
كتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية يخبره بما حدث و يستشيره في شأن أبناء الحسين و نسائه ، فلما بلغ الخبر إلى يزيد بن معاوية بكى وقال : كنت أرضى من طاعتهم أي أهل العراق بدون قتل الحسين .. لعن الله ابن مرجانة لقد وجده بعيد الرحم منه ، أما و الله لو أني صاحبه لعفوت عنه ، فرحم الله الحسين . الطبري (5/393) بسند كل رجاله ثقات ماعدا مولى معاوية و هو مبهم . و البلاذري في أنساب الأشراف (3/219 ، 220 ) بسند جسن .(176/111)
و في رواية أنه قال : .. أما والله لو كنت صاحبه ، ثم لم أقدر على دفع القتل عنه لا ببعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه . الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/265) بسند كل رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً بين الشعبي و المدائني .
فجاء رد يزيد على ابن زياد يأمره بإرسال الأسارى إليه ؛ فبارد ذكوان أبو خالد فأعطاهم عشرة آلاف درهم فتجهزوا بها . الطبقات لابن سعد (5/393) بإسناد جمعي .
و من هنا يعلم أ ابن زياد لم يحمل آل الحسين بشكل مؤلم أو أنه حملهم مغللين كما ورد في بعض الروايات .
و كان رد يزيد رحمه الله على ابن زياد كان مخالفاً لما يطمع إليه ابن زياد ، حيث كان يطمع بأن يقره يزيد على الكوفة ، فلم يقره على عمله بل سبه و نال منه بسبب تصرفه مع الحسين ، و هنا يكون الداعي أكبر لأن يحمل ابن زياد آل الحسين على صورة لائقة لعلها تخفف من حدة وغضب يزيد عليه .
و لذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة (4/559) : و أما ما ذكر من سبي نسائه والذراري والدوران بهم في البلاد و حملهم على الجمال بغير أقتاب ، فهذا كذب و باطل ، ما سبى المسلمون ولله الحمد هاشمية قط ، ولا استحلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم سبي بين هاشم قط ، ولكن كان أهل الجهل والهوى يكذبون كثيراً .
و لما دخل أبناء الحسين على يزيد قالت : فاطمة بنت الحسين : يا يزيد أبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا ؟ قال : بل حرائر كرام ، أدخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلت ، قالت فاطمة : فدخلت إليهن فما وجدت فيهن سفيانية إلا ملتزمة تبكي . الطبري (5/464) من طريق عوانة .(176/112)
و عندما دخل علي بن الحسين على يزيد قال : يا حبيب إن أباك قطع رحمي و ظلمني فصنع الله به ما رأيت يقصد أنه قد حدث له ما قدره الله له - ، فقال علي بن الحسين { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير }[الحديد/22] ، ثم طلب يزيد من ابنه خالد أن يجبه ، فلم يدر خالد ما يقول فقال يزيد قل له :{ و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير }[الشورى/30] . الطبري (5/464) من طريق عوانة وأنساب الأشراف (3/220) بإسناد حسن .
وأرسل يزيد إلى كل امرأة من الهاشميات يسأل عن كل ما أخذ لهن كل امرأة تدعي شيئاً بالغاً ما بلغ إلا أضعفه لهن في العطية . و كان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعى علي بن الحسين . و بعث يزيد إلى المدينة فقدم عليه ذوي السن من موالي بني هاشم ومن موالي نبي علي . - و لعل يزيد أراد باستقدامه لهؤلاء الموالي إظهار مكانة الحسين و ذويه و يكون لهم موكب عزيز عند دخول المدينة - . وبعد أن وصل الموالي أمر يزيد بنساء الحسين وبناته أن يتجهزن وأعطاهن كل ما طلبن حتى أنه لم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر بها . و قبل أن يغادروا قال يزيد لعي بن الحسين إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك ونعرف لك حقك فعلت . ابن سعد في الطبقات (5/397) بإسناد جمعي .
قال شيخ الإسلام في المنهاج (4/559) : وأكرم أبناء الحسين و خيرهم بين المقام عنده و الذهاب إلى المدينة فاختاروا الرجوع إلى المدينة .
و عند مغادرتهم دمشق كرر يزيد الاعتذار من علي بن الحسين وقال : لعن الله ابن مرجانة ، أما و الله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلا أعطيتها إياه ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ولكن الله قضى ما رأيت ، كاتبني بكل حاجة تكون لك . الطري (5/462) .(176/113)
وأمر يزيد بأن يرافق ذرية الحسين وفد من موالي بني سفيان ، وأمر المصاحبين لهم أن ينزلوا بهم حيث شاءوا و متى شاءوا ، وبعث معهم محرز بن حريث الكلبي و كان من أفاضل أهل الشام . ابن سعد في الطبقات (5/397) بإسناد جمعي .
و خرج آل الحسين من دمشق محفوفين بأسباب الاحترام والتقدير حتى وصلوا إلى المدينة . قال ابن كثير في ذلك : وأكرم آل الحسين ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه ، و ردهم إلى المدينة في محامل وأهبة عظيمة .. البداية والنهاية (8/235) .
وإن الاتهام الموجه الآن إلى يزيد بن معاوية هو أنه المتسبب الفعلي في قتل الحسين رضي الله عنه .
قلت : يزيد بن معاوية رحمه الله كما هو معروف أصبح خليفة للمسلمين ، وانقاد له الناس وظل معترفاً به من غالب الصحابة والتابعين وأهل الأمصار حتى وفاته ، و لقد امتنع عن بيعته اثنان من الصحابة فقط و هما : الحسين بن علي و عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم .
و كان الشيعة في العراق يطالبون الحسين بالقدوم عليهم ، و خرج الحسين إلى العراق بعد أن كتب إليه مسلم بن عقيل بكثرة المبايعين وأن الأمور تسير لصالحه .
و لو أننا لاحظنا موقف يزيد بن معاوية من الحسين بن علي طوال هذه الفترة التي كان خلالها الحسين معلناً الرفض التام للبيعة ليزيد ، و هي الفترة التي استمرت ( شهر شعبان ورمضان و شوال و ذي القعدة ) لوجدنا أن يزيد لم يحاول إرسال جيش للقبض على المعارضين ( الحسين وابن الزبير ) بل ظل الأمر طبيعياً وكأن يزيد لا يهمه أن يبايعا أو يرفضا . و كما يبدو ، فإن يزيد حاول أن يترسم خطى والده في السياسة و يكون حليماً حتى آخر لحظة ، وأن يعمل بوصية والده ، و ذلك بالرفق بالحسين ومعرفة حقه و قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
و قد وجه يزيد اهتمامه نحو العراق ، و بالأخص الكوفة التي بدأت مؤشرات الأحداث فيها تزداد سوءاً ، و تنذر بانفتاح جبهة داخلية في الدولة .(176/114)
و لهذا تدارك الأمر و عين عبيد الله بن زياد أميراً على الكوفة ، واستطاع ابن زياد بما وهب من حنكة و دهاء و حزم أن يسيطر على الكوفة و أن يقتل دعاة التشيع بها .
و في المقابل فإن يزيد بن معاوية لم يكن غافلاً عن تحركات الحسين رضي الله عنه ، و لهذا لما عزم الحسين على التوجه إلى الكوفة كتب يزيد إلى ابن زياد رسالة يخبره بقدوم الحسين إلى الكوفة قائلاً له : بلغني أن حسيناً سار إلى الكوفة و قد ابتلى به زمانك بين الأزمان و بلدك بين البلدان وابتليت به بين العمال .. و ضع المناظر والمسالح واحترس على الظن وخذ على التهمة ، غير ألا تقتل إلا من قاتلك ، و اكتب إلى في كل ما يحدث من الخبر ، والسلام عليك ورحمة الله . مجمع الزائد (9/193) ورجاه ثقات إلا أن الضحاك لم يدرك القصة . والطبري (5/380 ) .
و عند النظر إلى المقطع الأول من كلام يزيد فإننا نحس بأن يزيد يوجه ابن زياد إلى مكانة الحسين وعلو قدره ، وإلا فما معنى ( قد ابتلي به زمانك من بي الأزمان .. ) . و لم كان يزيد حريصاً على قتل الحسين لما أطراه لعامله بهذا الشكل المخيف وحذره منه ، كما أنه لا يعني أن هذا التضخيم من شأن الحسين هو حمل ابن زياد على الاستعداد له بكل ما يستطيع ، و ذلك لأن الحسين خرج في عدد قليل و يزيد يعرف هذا . و ليس في عبارات يزيد ما يدل على أنه طلب من ابن زياد الاجتهاد في القضاء على الحسين ، بل إن الشق الثاني من رسالة يزيد تلزم ابن زياد بعدم قتل أحد إلا في حالة مقاتلة المعتدي ، كما أن فيها طلباً أكيداً من ابن زياد بوجوب الرجوع إلى يزيد في كل حدث يحدث ، و يكون المقرر الأخير فيه هو يزيد نفسه .
و بعد أن اقترب الحسين من الكوفة واجهه ابن زياد بالتدابير التي سبق ذكرها ، حتى أرسل إلى الحسين عمر بن سعد قائداً على سرية ألجأت الحسين إلى كربلاء ، كان وصول الحسين إلى كربلاء هو يوم الخميس الموافق الثالث من المحرم . الطبري (5/409 ) .(176/115)
و استمرت المفاوضات بين ابن زياد و بين الحسين بعد وصوله إلى كربلاء حتى قتل رضي في العاشر من المحرم . أي أن المفاوضات استمرت أسبوعاً واحداً تقريباً ، ومن المعلوم أن المسافة التي تفصل بين دمشق و الكوفة تحتاج إلى وقت قد يصل إلى أسبوعين ، أي أن ابن زياد اتخذ قراره والذي يقضي بقتل الحسين دون الرجوع إلى يزيد ، أو أخذ مشورته في هذا العمل الذي أقدم عليه ، و بذلك يكون قرار ابن زياد قراراً فردياً خاصاً به لم يشاور يزيد فيه ، و هذا الذي يجعل يزيد يؤكد لعلي بن الحسين بأنه لم يكن يعلم بقتل الحسين ولم يبلغه خبره إلا بعد ما قتل .
و لعل فيما ذكرنا من أدلة تبين عدم معرفة يزيد بما أقدم عليه ابن زياد من قتل الحسين رضي الله عنه ، إضافة إلى أقوال الصحابة التي ذكرناها سابقاً والتي تحمّل المسؤولية في قتل الحسين على أهل العراق ، و لم نجد أحداً من الصحابة وجه اتهاماً مباشراً إلى يزيد ، و لعل في ذلك كله دليلاً واضحاً على أن يزيد لا يتحمل من مسؤولية قتل الحسين شيئاً فيما يظهر لنا ، أما الذي في الصدور فالله وليه و هو أعلم به ، و لسنا مخوّلين للحكم على الناس بما في صدورهم ، بل حكمنا على الناس بما يثبت لنا من ظاهرهم والله يتولى السرائر و هو عليم بكل شيء .
و لذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الوصية الكبرى (ص 45 ) : ولم يأمر بقتل الحسين ولا أظهر الفرح بقتله . و يقول في موضع آخر من منهاج السنة (4/472) : إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ، و لكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق ، و الحسين رضي الله عنه كان يظن أن أهل العراق ينصرونه و يفون له بما كتبوا له .. فلما أدركته السرية الظالمة ، طلب أن يذهب إلى يزيد أو يذهب إلى الثغر أو يرجع إلى بلده ، فلم يمكنوه من شيء من ذلك حتى سيتأسر لهم ، فامتنع فقاتلوه حتى قتل شهيداً مظلوماً رضي الله عنه .(176/116)
وقال الطيب النجار : و تقع تبعية قتله أي الحسين على عبيد الله بن زياد و شمر بن ذي الجوشن و عمر بن سعد ، ولا يتحمل يزيد بن معاوية شيئاً من هذه التبعة ، و هو بريء من تهمة التحريض على قتل الحسين . الدولة الأموية ( ص 103 ) .
ولكن يزيد بن معاوية انتقد على عدم اتخاذ موقف واضح من ابن زياد أو من الذين شرعوا في قتل الحسين رضي الله عنه .
فهذا شيخ الإسلام يقول : و لكنه مع ذلك أي مع إظهار الحزم على الحسين ما انتصر للحسين ، ولا أمر بقتل قاتله ، ولا أخذ بثأره . منهاج السنة (4/558 ) .
و قال ابن كثير : .. ولكنه لم يعزله على ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك ، والله أعلم . البداية والنهاية (9/204) .
و كل الذي أبداه شيخ الإسلام و غيره من هذه الاعتراضات لها قدر كبير من الوجاهة والأهمية ، و لكن معرفة ظروف العصر الذي حدثت فيه الحادثة ، تجعلنا أكثر تعمقاً في مناقشة هذا الرأي .
فالكوفة كما هو معروف هي مركز التشيع في تلك الفترة ، و هي بلدة غير مستقرة ، معروفة بثوراتها و فتنها ، وطوائفها وأحزابها ، و عندما كان أمير الكوفة النعمان بن بشير رضي الله عنه كادت الأمور أن تنفلت من يده ، فلما أسل يزيد ابن زياد أميراً على الكوفة استطاع ابن زياد في مدة قصيرة أن يعيد الأمور إلى نصابها ، وأن يكبح جماح الثورة ، و سيطر سيطرة كاملة على الكوفة ، وحتى بعد مقتل الحسين رضي الله عنه ، فإن الوضع الأمني في الكوفة ازداد خطورة ، ولا أظن أن يزيد يسجد قائداً بحزم ابن زياد وبقوته ، ثم إن الشيعة لن ترضى سواء عُزل ابن زياد أم بقي ، ولن تغير ما في قلوب الشيعة من حقد على الدولة نفسها .
ولو أقدم يزيد على إقالة ابن زياد فإنه سيدفع تكاليف هذه الخطوة كثيراً ، وربما سوف يتحول الوضع إلى ثورة كبرى يقودها الشيعة أنفسهم والمتأسفون لقتل الحسين كما حدث بعد ذلك بقترة وجيزة والمعروفة بحركة التوابين .(176/117)
أما بالنسبة إلى تتبع قتلة الحسين رضي الله عنه ، فإن هذا ليس من السهولة ، فنفس الصعوبات التي اعترضت علياً رضي الله عنه في عدم تتبعه لقتلة عثمان رضي الله عنه ، و من بعده معاوية رضي الله عنه ، و الذي كان من المصرين على تنفيذ القصاص على قتلة عثمان ، سوف تعترض يزيد بن معاوية لو أنه أراد تتبع قتلة الحسين .
و لعل تصرف سليمان بن صُرَدْ رضي الله عنه الذي قاد التوابين ضد ابن زياد يوضح هذه المسألة بوضوح ، فقد أدرك سليمان بن صرد أن قتلة الحسين رضي الله عنه في الكوفة ، ومع ذلك اتجه لمقاتلة ابن زياد بدلاً من مقاتلة قتلة الحسين في الكوفة قائلاً لأصحابه : ( إني نظرت فيما تذكرون فرأيت أن قتلة الحسين هم أشراف أهل الكوفة ، و فرسان العرب ، وهم المطاَلبون بدمه ، و متى علموا ما تريدون وعلموا أنهم المطاَلبون كانوا أشد عليكم ، و نظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم ولم يشفوا أنفسهم ، و لم ينكوا في عدوهم وكانوا لهم حذراً .. الطبري (5/558 ) .
و بهذا يتضح السبب أكثر في عدم تتبع قتلة الحسين ، و بالأخص من قبل الدولة الأموية ؛ إذ ليس الأمر بالهين وهم يتبعون قبائل كبيرة لها وزنها الاجتماعي والسياسي ، فلربما أدى تصرف مثل هذا ، إلى زعزعة أمن الدولة وبالأخص في منطقة العراق كلها ، ثم إن يزيد لم يتفرغ بعد لمحاسبة ولاته ، بل كانت الثورات متتابعة ، فمعارضة ابن الزبير أخذت تكبر وتنمو ، وأهل الحجاز قلوبهم ليست مع يزيد إلى غير ذلك من مشاكل الدولة الخارجية ، والتي تجعل يزيد عاجزاً عن اتخاذ موقف قوي مع ولاته أو الذين أخطأوا في حق الحسين رضي الله عنه .
الشبهة الثالثة : ادعاؤه زياداً
وهي : ادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر .(176/118)
الجواب : المراد بزياد هنا ؛ هو زياد بن سمية ، وهي أمه كانت أمة للحارث بن كلدة ، زوجها لمولاه عبيد ، فأتت بزياد على فراشه وهم بالطائف قبل أن يسلم أهل الطائف . انظر ترجمته في الإصابة (2 / 527 – 528 ) ، والاستيعاب ترجمة رقم ( 829 ) وطبقات ابن سعد ( 7 / 99 ) وغيرها .
إن قضية نسب زياد بن أبيه تعد من القضايا الشائكة في التاريخ الإسلامي ؛ لأنها تثير عدداً من الأسئلة يصعب الإجابة عليها ، مثل :-
1- لماذا لم تثر هذه القضية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثلما أثيرت قضايا مشابهة لها عند فتح مكة ؟
مثل قضية : نسب ابن أمة زمعة بن قيس الذي ادعاه عتبة بن أبي وقاص ، انظر القصة في صحيح البخاري مع الفتح ( 12 / 32 – 33 ) .
2 – لماذا لم تثر هذه القضية في حياة أبي سفيان رضي الله عنه ؟
3- لماذا لم تثر هذه القضية في أثناء خلافة علي رضي الله عنه ، خاصة عندما كان زياد من ولاة علي ؛ لأن في إثارتها في تلك الفترة مكسباً سياسياً لمعاوية رضي الله عنه ؛ إذ قد يترتب على ذلك انتقال زياد من معسكر علي إلى معسكر معاوية ؟
4 – لماذا أثيرت هذه القضية في سنة ( 44 هـ ) وبعد أن آلت الخلافة إلى معاوية رضي الله عنه ؟
ومهما يكن من أمر فإن قضية نسب زياد تعد من متعلقات أنكحة الجاهلية ، ومن أنواع تلك الأنكحة ما أخرجه البخاري في صحيحه من طريق عائشة رضي الله عنها : ( إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء – بمعنى : أنواع - : فنكاح منها نكاح الناس اليوم ، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها – أي يعين صداقها – ثم ينكحها .(176/119)
ونكاح آخر ، كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها – حيضها - : أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه – أي اطلبي منه الجماع – ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه ، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب ، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد – النجيب : الكريم الحسب - ، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع .
ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها ، فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم ، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها ، تقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم ، وقد ولدت ، فهو ابنك يا فلان ، فتسمي من أحبت باسمه ، فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع به الرجل .
والنكاح الرابع : يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها ، وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً ، فمن أردهن دخل عليهن ، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها ، جمعوا لها و دعوا لها القافة – جمع قائف ، وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية – ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون ، فالتاطه به – أي استلحقه به – ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك .
فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق ، هدم نكاح الجاهلية كله ، إلا نكاح الناس اليوم . الفتح مع الصحيح ( 9 / 88 – 89 ) .
وقد أقر الإسلام ما نتج عن تلك الأنكحة من أنساب ، وفي ذلك يقول ابن الأثير : فلما جاء الإسلام .. أقر كل ولد ينسب إلى أب من أي نكاح من أنكحتهم على نسبه ، ولم يفرق بين شيء منها . الكامل في التاريخ ( 3/ 445 ) .(176/120)
وأما الذراري الذين جاء الإسلام وهم غير منسوبين إلى آبائهم – كأولاد الزنى – فقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود بإسناده قال : قام رجل فقال : يا رسول الله إن فلاناً ابني ، عاهرت – أي زنيت – بأمه في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا دعوة في الإسلام ، ذهب أمر الجاهلية ، الولد للفراش ، وللعاهر الحجر . صحيح سنن أبي داود ( 2 / 430 ) .
أما القول إن سبب سكوت أبي سفيان رضي الله عنه من ادعاء زياد هو خوفه من شماتة عمر بن الخطاب رضي الله عنه . انظر القصة في الاستيعاب لابن عبد البر ( 2 / 525 ) . فهذا القول مردود بما يلي :-
1 – إن قضية نسب ولد الزنا قد ورد فيها نص شرعي ولم تترك لاجتهادات البشر .
2 – إن الإسلام يجب ما قبله .
3 – إن عمر رضي الله عنه توفي قبل أبي سفيان رضي الله عنه ، فلماذا لم يدّع أبو سفيان زياداً بعد وفاة عمر ؟ .
4 – إن في إسناد هذا الخبر محمد بن السائب الكلبي ، وقد قال عنه ابن حجر : ( متهم بالكذب ورمي بالرفض ) التقريب ( 479 ) .
وأما اتهام معاوية رضي الله عنه باستلحاق نسب زياد فإني لم أقف على رواية صحيحة صريحة العبارة تؤكد ذلك ، هذا فضلاً عن أن صحبة معاوية رضي الله عنه وعدالته ودينه وفقهه تمنعه من أن يرد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لاسيما وأن معاوية أحد رواة حديث ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) الفتح ( 12 / 39 ) .(176/121)
وبعد أن اتضحت براءة معاوية رضي الله عنه من هذا البهتان فإن التهمة تتجه إلى زياد بن أبيه بأنه هو الذي ألحق نسبه بنسب أبي سفيان ، وهذا ما ترجح لدي من خلال الرواية التي أخرجها مسلم في صحيحه من طريق أبي عثمان قال : لما ادعى زياد ، لقيت أبا بكرة فقلت : ما هذا الذي صنعتم ؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من ادعى أباً في الإسلام غير أبيه ، يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) ، فقال أبو بكرة : وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . صحيح مسلم بشرح النووي ( 2/ 51 – 52 ) والبخاري مع الفتح ( 12 / 54 ) .
قال النووي رحمه الله معلقاً على هذا الخبر : ( .. فمعنى هذا الكلام الإنكار على أبي بكرة ، وذلك أن زياداً هذا المذكور هو المعروف بزياد بن أبي سفيان ، ويقال فيه : زياد بن أبيه ، ويقال : زياد بن أمه ، وهو أخو أبي بكرة لأمه .. فلهذا قال أبو عثمان لأبي بكرة : ما هذا الذي صنعتم ؟
وكان أبو بكرة رضي الله عنه ممن أنكر ذلك وهجر بسببه زياداً وحلف أن لا يكلمه أبداً ، ولعل أبا عثمان لم يبلغه إنكار أبي بكرة حين قال له هذا الكلام ، أو يكون مراده بقوله : ما هذا الذي صنعتم ؟ أي ما هذا الذي جرى من أخيك ما أقبحه وأعظم عقوبته ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على فاعله الجنة ) . شرح صحيح مسلم ( 2 / 52 ) .
وقال أيضاً : قوله : ادُّعِي ) ضبطناه بضم الدال وكسر العين مبني لما لم يسم فاعله ، أي ادعاه معاوية ، ووجد بخط الحافظ أبي عامر العبدري – وهو إمام من أعيان الحفاظ من فقهاء الظاهرية ( ت 524هـ ) ، انظر ترجمته في : تذكرة الحفاظ للذهبي ( 4 / 1272 ) – ( ادَّعَى ) بفتح الدال والعين ، على أن زياداً هو الفاعل ، وهذا له وجه من حيث إن معاوية ادعاه ، وصدقه زياد فصار زياد مدعياً أنه ابن أبي سفيان ، والله أعلم . شرح مسلم ( 2 / 52 – 53 ) .(176/122)
وقد تبينت براءة معاوية رضي الله عنه من هذه التهمة فيما تقدم من القول ، وبذلك ينتفي الوجه الذي ذهب إليه النووي في كلامه عن ضبط الحافظ أبي عامر العبدري لكلمة ( ادَّعَى ) .
ويزيد هذا الأمر تأكيداً ما أورده الحافظ أبو نعيم في ترجمة زياد بن أبيه حيث قال : ( زياد بن سمية : ادَّعَى أبا سفيان فنسب إليه ) معرفة الصحابة ( 3 / 1217 ) .
وبذلك يكون زياد هو المدعي ، ولذلك هجره أخوه أبو بكرة رضي الله عنه . والله تعالى أعلم . مقتبس من كتاب : مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري للدكتور خالد الغيث ( ص 372 – 379 ) .
وقد أجاب الإمام ابن العربي رحمه الله عن هذه الشبهة بجواب آخر له وجه من الصحة أيضاً ، فقال فيما معناه : أما ادعاؤه زياداً فهو بخلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لعبد بن زمعة : ( هو لك الولد للفراش وللعاهر الحجر ) باعتبار أنه قضى بكونه للفراش وبإثبات النسب فباطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت النسب ، لأن عبداً ادعى سببين ، أحدهما : الأخوة ، والثاني : ولادة الفراش ، فلو قال النبي صلى الله عليه وسلم هو أخوك ، الولد للفراش لكان إثباتاً للحكم وذكراً للعلة ، بيد أن النبي صلى الله عليه وسلم عدل عن الأخوة ولم يتعرض لها وأعرض عن النسب ولم يصرح به ، وإنما هو في الصحيح في لفظ ( هو أخوك ) وفي آخر ( هو لك ) معناه أنت أعلم به بخلاف زياد ، فإن الحارث بن كلدة الذي ولد زياد على فراشه ، لم يدعيه لنفسه ولا كان ينسب إليه ، فكل من ادعاه فهو له ، إلا أن يعارضه من هو أولى به منه ، فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز بل فعل فيه الحق على مذهب الإمام مالك . انظر تفصيل ذلك في كتاب العواصم من القواصم ( ص 248 – 255 ) بتخريج محمود مهدي الاستانبولي و تعليق الشيخ محب الدين الخطيب وهو من منشورات مكتبة السنة بالقاهرة .
----------------------------------(176/123)
الشبهة الرابعة : قتله حِجْراً وأصحاب حِجْر
وهو القول المنسوب للحسن : قتله حِجْراً وأصحاب حِجْر ، فيا ويلاً له من حِجْر ويا ويلاً له من حِجْر وأصحاب حِجْر .
الجواب :
تحدثت معظم المصادر التاريخية عن مقتل حجر بن عدي رضي الله عنه بين مختصر في هذا الأمر ومطول كل بحسب ميله ، وكان للروايات الشيعية النصيب الأوفر في تضخيم هذا الحدث ووضع الروايات في ذلك ؛ وكأنه ليس في أحداث التاريخ الإسلامي حدث غير قصة مقتل حجر بن عدي .. هذا ونظراً لقلة الروايات الصحيحة عن حركة حجر بن عدي ، ولكون هذه الروايات لا تقدم صورة متكاملة عن هذه القضية .. لذا فلن أتطرق للحديث عنها بقدر ما سيكون الحديث منصباً على السبب الذي جعل معاوية رضي الله عنه يقدم على قتل حجر بن عدي والدوافع التي حملته على ذلك ..
كان حجر بن عدي من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وممن شهد الجمل وصفين معه . وحجر هذا مختلف في صحبته ، وأكثر العلماء على أنه تابعي ، وإلى هذا ذهب كل من البخاري وابن أبي حاتم عن أبيه وخليفة بن خياط وابن حبان وغيرهم ، ذكروه في التابعين وكذا ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة . انظر ترجمته في الإصابة ( 2/ 31- 34 ) .(176/124)
ذكر ابن العربي في العواصم بأن الأصل في قتل الإمام ، أنه قَتْلٌ بالحق فمن ادعى أنه بالظلم فعليه الدليل ، و لكن حجراً فيما يقال : رأى من زياد أموراً منكرة ، حيث أن زياد بن أبيه كان في خلافة علي والياً من ولاته ، و كان حجر بن عدي من أولياء زياد و أنصاره ، و لم يكن ينكر عليه شيئاً ، فلما صار من ولاة معاوية صار ينكر عليه مدفوعاً بعاطفة التحزب و التشيع ، و كان حجر يفعل مثل ذلك مع من تولى الكوفة لمعاوية قبل زياد ، فقام حجر و حصب زياد و هو يخطب على المنبر ، حيث أن زياد قد أطال في الخطبة فقام حجر و نادى : الصلاة ! فمضى زياد في خطبته فحصبه حجر و حصبه آخرون معه و أراد أن يقيم الخلق للفتنة ، فكتب زياد إلى معاوية يشكو بغي حجر على أميره في بيت الله ، وعدّ ذلك من الفساد في الأرض ، فلمعاوية العذر ، و قد كلمته عائشة في أمره حين حج ، فقال لها : دعيني و حجراً حتى نلتقي عند الله ، و أنتم معشر المسلمين أولى أن تدعوهما حتى يقفا بين يدي الله مع صاحبهما العدل الأمين المصطفى المكين . انظر هذا الخبر بالتفصيل في العواصم من القواصم لابن العربي (ص 219-220) بتحقيق محب الدين الخطيب و تخريج محمود الإستانبولي مع توثيق مركز السنة .
وأما قضاء معاوية رضي الله عنه في حجر رضي الله عنه وأصحابه ، فإنه لم يقتلهم على الفور ، ولم يطلب منهم البراءة من علي رضي الله عنه كما تزعم بعض الروايات الشيعية ، انظر : تاريخ الطبري (5/256- 257 و 275 ) . بل استخار الله سبحانه وتعالى فيهم ، واستشار أهل مشورته ، ثم كان حكمه فيهم ..(176/125)
والحجة في ذلك ما يرويه صالح بن أحمد بن حنبل بإسناد حسن ، قال : حدثني أبي قال : حدثنا أبو المغيرة – ثقة – قال : حدثنا ابن عياش – صدوق – قال : حدثني شرحبيل بن مسلم – صدوق – قال : لما بُعِث بحجر بن عدي بن الأدبر وأصحابه من العراق إلى معاوية بن أبي سفيان ، استشار الناس في قتلهم ، فمنهم المشير ، ومنهم الساكت ، فدخل معاوية منزله ، فلما صلى الظهر قام في الناس خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ، ثم جلس على منبره ، فقام المنادي فنادى : أين عمرو بن الأسود العنسي ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ألا إنا بحصن من الله حصين لم نؤمر بتركه ، وقولك يا أمير المؤمنين في أهل العراق ألا وأنت الراعي ونحن الرعية ، ألا وأنت أعلمنا بدائهم ، وأقدرنا على دوائهم ، وإنما علينا أن نقول : { سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير }[ البقرة /285] .
فقال معاوية : أما عمرو بن الأسود فقد تبرأ إلينا من دمائهم ، ورمى بها ما بين عيني معاوية . ثم قام المنادي فنادى : أين أبو مسلم الخولاني ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فلا والله ما أبغضناك منذ أحببناك ، ولا عصيناك منذ أطعناك ، ولا فارقناك منذ جامعناك ، ولا نكثنا بيعتنا منذ بايعناك ، سيوفنا على عواتقنا ، إن أمرتنا أطعناك ، وإن دعوتنا أجبناك وإن سبقناك نظرناك ، ثم جلس .
ثم قام المنادي فقال : أين عبد الله بن مِخْمَر الشرعبي ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : وقولك يا أمير المؤمنين في هذه العصابة من أهل العراق ، إن تعاقبهم فقد أصبت ، وإن تعفو فقد أحسنت .(176/126)
فقام المنادي فنادى : أين عبد الله بن أسد القسري ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أمير المؤمنين ، رعيتك وولايتك وأهل طاعتك ، إن تعاقبهم فقد جنوا أنفسهم العقوبة ، وإن تعفوا فإن العفو أقرب للتقوى ، يا أمير المؤمنين لا تطع فينا من كان غشوماً ظلوماً بالليل نؤوماً ، عن عمل الآخرة سؤوماً . يا أمير المؤمنين إن الدنيا قد انخشعت أوتارها ، ومالت بها عمادها وأحبها أصحابها ، واقترب منها ميعادها ثم جلس . فقلت – القائل هو : اسماعيل بن عياش – لشرحبيل : فكيف صنع ؟ قال : قتل بعضاً واستحيى بعضاً ، وكان فيمن قتل حجر بن عدي بن الأدبر . انظر الرواية في مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح (2/ 328 – 331 ) .
ومما يجدر التذكير به في هذا المقام أن معاوية رضي الله عنه لم يكن ليقضي بقتل حجر بن عدي رضي الله عنه لو أن حجراً اقتصر في معارضته على الأقوال فقط ولم ينتقل إلى الأفعال .. حيث أنه ألّب على عامله بالعراق ، وحصبه وهو على المنبر ، وخلع البيعة لمعاوية وهو آنذاك أمير المؤمنين .. ولكن حجراً رضي الله عنه زين له شيعة الكوفة هذه المعارضة ، فأوردوه حياض الموت بخذلانهم إياه .. ولا ننسى موقف شيعة الكوفة مع الحسين رضي الله عنه ، حين زينوا له الخروج ثم خذلوه كما خذلوا حجراً من قبله ، فآنا لله وآنا إليه راجعون ..
وقد اعتمد معاوية رضي الله عنه في قضائه هذا بقتل حجر بن عدي ، على قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه ) . صحيح مسلم بشرح النووي (12 / 242 ) .
وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم : ( أنه ستكون هنات – أي فتن – وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع ، فاضربوا بالسيف كائناً من كان ) . صحيح مسلم بشرح النووي ( 12 / 241 ) .(176/127)
ولو سلمنا أن معاوية أخطأ في قتل حجر ؛ فإن هذا لا مطعن فيه عليه ، كيف وقد سبق هذا الخطأ في القتل من اثنين من خيار الصحابة ؛ هما : خالد بن الوليد وأسامة بن زيد رضي الله عنهما .
أما قصة خالد بن الوليد رضي الله عنه مع بني جذيمة ، وقولهم صبأنا بدلاً من أسلمنا ، فرواها البخاري في صحيحه برقم ( 4339 ) من حديث عبد الله بن عمر .. وقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : ( اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ) ..
قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 13 / 194 ) : وقال الخطابي : الحكمة من تَبرُّئه صلى الله عليه وسلم من فعل خالد مع كونه لم يعاقبه على ذلك لكونه مجتهداً ، أن يعرف أنه لم يأذن له في ذلك خشية أن يعتقد أحد أنه كان بإذنه ، ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله .. ثم قال : والذي يظهر أن التبرأ من الفعل لا يستلزم إثم فاعله ولا إلزامه الغرامة ، فإن إثم المخطئ مرفوع وإن كان فعله ليس بمحمود .
وقصة أسامة بن زيد رضي الله عنه مع الرجل الذي نطق بالشهادتين ، وقتل أسامه له بعد نطقها ، في الصحيحين البخاري برقم ( 4269 ، 6872 ) ومسلم برقم ( 96 ) .. وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ ) .. الحديث
وكل ما جرى من أسامة وخالد ناتج عن اجتهاد لا عن هوى وعصبية وظلم ..
وقبل أن ننتقل إلى شبهة أخرى من شبهات حول معاوية رضي الله عنه ، أذكر موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من مقتل حجر رضي الله عنه ..(176/128)
أخرج ابن عساكر في تاريخه ( 12/230 ) بسنده إلى ابن أبي مليكة قال : إن معاوية جاء يستأذن على عائشة ، فأبت أن تأذن له ، فخرج غلام لها يقال له ذكوان قال : ويحك أدخلني على عائشة فإنها قد غضبت علي ، فلم يزل بها غلامها حتى أذنت له ، وكان أطوع مني عندها ، فلما دخل عليها قال : أمتاه فيما وجدت عليّ يرحمك الله ؟ قالت : .. وجدت عليك في شأن حجر وأصحابه أنك قتلتهم . فقال لها : .. وأما حجر وأصحابه فإني تخوفت أمراً وخشيت فتنة تكون ، تهراق فيها الدماء ، وتستحل فيها المحارم ، وأنت تخافيني ، دعيني والله يفعل بي ما يشاء . قالت : تركتك والله ، تركتك والله ، تركتك والله .
وبالإسناد نفسه أخرج ابن عساكر في تاريخيه ( 12/ 229 ) : لما قدم معاوية دخل على عائشة ، فقالت : أقتلت حجراً ؟ قال : يا أم المؤمنين ، إني وجدت قتل رجل في صلاح الناس خير من استحيائه في فسادهم .
تم الكلام وربنا المحمود
تم جمع هذا البحث من أبحاث الشيخ :
أبو عبد الله الذهبي ...
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
http://www.saaid.net/Doat/Althahabi
---
جمع وترتيب :
شمس الدين
Shams_aldeen21@hotmail.com(176/129)
الأنوار الكاشفة
لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة
تأليف
عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني
غفر الله له
المطبعة السلفية – ومكتبتها
عالم الكتب
بيروت
1402هـ. – 1982م.
تنبيه
يوجد في أثناء الكتاب إحالات على ما تقدم منه أو تأخر بقيد الصفحات. والمعتبر في ذلك صفحات الأصل الذي بخط المؤلف ، وهو التي أشير عليها في هامش هذا المطبوع
سبسم الله الرحمن الرحيم
أقدم كتابي هذا إلى أهل العلم وطالبيه الراغبين في الحق، المؤثرين له على كل ماسواه، سائلاً الله تعالى أن ينفعني وإياهم بما فيه من الحق، ويقيني وإياهم شر ما فيه من باطل حكيته عن غيري أو زلل منى، فإن حظى من العلم زهيد، وكان جمعي للكتاب على استعجال مع اشتغالي بغيره، فلم أكثر من مراجعة ما في متناولي من مؤلفات أهل العلم، ولا ظفرت ببعضها، ومنها ما هو من مصادر الكتاب المردود عليه (( أضواء على السنة )).
وقد سبقني إلى الرد عليه فضيلة الأستاذ العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، مدير دار الحديث بمكة المكرمة، والمدرس بالحرم الشريف، واستفدت من كتابه جزاه الله خيراً.
ولفضيلة السلفي الجليل المحسن الشهير نصير السنة الشيخ محمد نصيف اليد الطولى في استحثاثي لإكمال الكتاب، وإمدادي بالمراجع.
وكذلك للأخ الفاضل البحاثة الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع عضو مجلس الشورى، ومدير مكتبة الحرم المكي، فإنه أمدني ببعض المراجع من مكتبته الخاصة النفيسة.
ورجائي ممن يطالع كتابي هذا من أهل العلم أن يكتب إلي بما عنده من ملاحظات واستدراكات، لأراعيها أنا - أو من شاء الله تعالى- عند إعادة طبع الكتاب إن شاء الله تعالى. وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضي.
غرة شهر رجب سنة 1378 المؤلف
عبد الرحمن بن يحيى المعلمي
بسم الله الرحمن الرحيم(177/1)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد، فإنه وقع إلي كتاب جمعه الأستاذ محمود أبو رية وسماه (( أضواء على السنة المحمدية)) فطالعته وتدبرته، فوجدته جمعاً وترتيباً وتكميلاً للمطاعن في السنة النبوية، مع أشياء أخرى تتعلق بالمصطلح وغيره.
وقد ألف أخي العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة – وهو على فراش المرض- عافاه الله- رداً مبسوطاً على كتاب أبي رية لم يكمل حتى الآن.ورأيت من الحق علي أن أضع رسالة أسوق فيها القضايا التي ذكرها أبو رية، وأعقب كل قضية ببيان الحق فيها متحرياً إن شاء الله تعالى الحق،وأسأل الله التوفيق والتسديد، إنه لا حول ولا قوة إلا به، وهو حسبي ونعم الوكيل.
عُني أبو رية بإطراء كتابه، فأثبت على لوحة: (( دراسة محررة تناولت حياة الحديث المحمدي وتاريخه، وكل ما يتعلق به من أمور الدين والدنيا. وهذه الدراسة الجامعية التي قامت على قواعد التحقيق العلمي (؟!) هي الأولى في موضوعها، لم ينسج أحد من قبل على منوالها )).
وكرر الإطراء في مقدمته وخاتمته، وكنت أحب له لو ترفع عن ذلك وترك الكتاب يبنبيء عن نفسه، فإنه – عند العقلاء – أرفع له ولكتابه إن حمدوا الكتاب، وأخف للذم إذا لم يحمدوه.(177/2)
بل استجراه حرصه على إطراء كتابه إلى أمور أكرهها له، تأتي الإشارة إلى بعضها قريباً إن شاء الله. كان مقتضى ثقته بكتابه وقضاياه أن يدعو مخالفيه إلى الرد عليه إن استطاعوا، فما باله يتقيهم بسلاح يرتد عليه وعلى كتابه، إذ يقول ص14 (( وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته ممن تعفنت أفكارهم وتحجرت عقولهم )). ويقول في آخر كتابه (( وإن تضق به صدور الحشوية وشيوخ الجهل من زوامل الأسفار، الذين يخشون على علمهم المزور من سطوة الحق، ويخافون على كساد بضاعته العفنة التي يستأكلون بها أموال الناس بالباطل،أن يكتنفهم ضوء العلم الصحيح، ويهتك سترهم ضوء الحجة البالغة، فهذا لا يهمنا، وليس لمثل هؤلاء خطر عندنا ولا وزن في حسابنا )). أما أنا، فأرجوا أن لا يكون لي ولا لأبي رية ولا لمتبوعيه عند القراء خطر ولا وزن، وأن يكون الخطر والوزن للحق وحده.
/ قال أبو رية ص 4 (( تعريف بالكتاب )) يعني كتابه طبعاً. ثم ذكر علو قدر الحديث النبوي، ثم قال: (( وعلى أنه بهذه المكانة الجليلة والمنزلة الرفيعة، فإن العلماء والأدباء لم يولوه ما يستحق من العناية والدرس، وتركوا أمره لمن يسمون رجال الحديث يتداولونه فيما بينهم ويدرسونه على طريقتهم، وطريقة هذه الفئة التي اتخذتها لنفسها قامت على قواعد جامدة لا تتغير ولا تتبدل، فترى المتقدمين منهم وهم الذين وضعوا هذه القواعد قد حصروا عنايتهم في معرفة رواة الحديث والبحث على قدر الوسع في تاريخهم، ولا عليهم بعد ذلك إن كان ما يصدر عن هؤلاء الرواة صحيحاً في نفسه أو غير صحيح، معقولاً أو غير معقول، إذ وقفوا بعلمهم عند ما يتصل بالسند فحسب، أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء… ))
أقول: مراده بقوله (( العلماء )) المشتغلون بعلم الكلام والفلسفة، ولم يكن منهم أحد في الصحابة والمهتدين بهديهم من علماء التابعين وأتباعهم والذين يلونهم، هؤلاء(177/3)
كلهم ممن سماهم(( رجال الحديث )) ومنهم عامة المشهورين عند الأمة بالعلم والإمامة من السلف. أولئك كلهم ليسوا عند أبي رية علماء، لأنهم لم يكونوا يخوضون في غوامض المعقول، بل يفرون منها وينهون عنها ويعدونها زيفاً وضلالاً وخروجاً عن الصراط المستقيم، وقنعوا بعقل العامة! وأقول: مهما تكن حالهم فقد كانوا عقلاء العقل الذي ارتضاه الله عزوجل لأصحاب رسوله ورضيهم سبحانه لمعرفته ولفهم كتابه، ورضى ذلك منهم، وشهد لهم بأنهم ( المؤمنون حقاً )، ( الراسخون في العلم )، (خير أمة أخرجت للناس ) وقال لهم في أواخر حياة رسوله: ( ا ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي )، فمن زعم أن عقولهم لم تكن مع تسديد الشرع لها كافية وافية بمعرفة الله تعالى وفهم كتابه ومعرفة ما لا يتم الإيمان ولا يكمل الدين إلا بمعرفته؛ فأنما طعن في الدين نفسه. وكان التابعون المهتدون بهدي الصحابة أقرب الخلق إليهم عقلاً وعلماً وهدياً، وهكذا من اهتدى بهديهم من الطبقات التي بعدهم، وهؤلاء هم الذين سماهم أبو رية (( رجال الحديث )) قد يقال: أما نفي العلم والعقل عنهم فلا التفات إليه، ولكن هل راعوا العقل في قبول الحديث وتصحيحه؟ أقول: نعم، راعوا ذلك في أربعة مواطن: عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الرواة، وعند الحكم على الأحاديث، فالمتثبتون إذا سمعوا خبراتمتنع صحته أو تبعد لم يكتبوه ولم يحفظوه، فإن حفظوه لم يحدثوا به، فإن ظهرت مصلحة لذكره ذكروه مع القدح فيه وفي الراوي الذي عليه تبعته. وقال الإمام الشافعي في الرسالة ص 399: (( وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت أو أكثر دلالات بالصدق منه )). وقال الخطيب في الكفاية في علم الرواية ص 429: (( باب وجوب إخراج المنكر والمستحيل من الأحاديث )). وفي الرواية جماعة يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا(177/4)
تكاد تجد حديثاً بين البطلان إلا وجدت في سنده واحداً أو اثنين أوجماعة قد جرحهم الأئمة،والأئمة كثيراً ما يجرحون الراوي بخبر واحد منكر جاء به، فضلاً عن / خبرين أو أكثر.
ويقولون للخبر الذين تمتنع صحته أو تبعد: (( منكر )) أو (( باطل )). وتجد ذلك كثيراً في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات، والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثا ًحديثاً.
فأما تصحيح الأحاديث فهم به أعنى وأشد احتياطا، نعم ليس كل من حكي عنه توثيق أو تصحيح متثبتاً، ولكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك.
هذا وقد عرف الأئمة الذين صححوا الأحاديث، أن منها أحاديث تثقل على بعض المتكلمين ونحوهم، ولكنهم وجدوها موافقة للعقل المعتد به في الدين، مستكملة شرائط الصحة الأخرى، وفوق ذلك وجدوا في القرآن آيات كثيرة توافقها أو تلاقيها، أو هي من قبيلها، قد ثقلت هي أيضاً على المتكلمين،وقد علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدين بالقرآن ويقتدي به، فمن المعقول جداً أن يجيء في كلامه نحو ما في القرآن من تلك الآيات.
من الحقائق التي يجب أن لا يغفل عنها أن الفريق الأول وهم الصحابة ومن اهتدى بهديهم من التابعين وأتباعهم ومن بعدهم عاشوا مع الله ورسوله، فالصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهديه ومع القرآن، والتابعون مع القرآن والصحابة والسنة وهلم جرا. وإن الفريق الثاني وهم المتكلمون والمتفلسفون ونحوهم عاشوا مع النظريات والشبهات والأغلوطات والمخاصمات، والمؤمن يعلم أن الهدي بيد الله، وأنه سبحانه إذا شرع إلى الهدى سبيلاً فالعدول إلى غيره لن يكون إلا تباعداً عنه وتعرضاً للحرمان منه، وبهذا جاء القرآن، وعليه تدل أحوال السلف واعتراف بعض أكابرهم في أواخر أعمارهم، والدقائق الطبيعية شيء والحقائق الدينية شيء آخر، فمن ظن الطريق إلى تلك طريقاً إلى هذه فقد ضل ضلالاً بعيداً.(177/5)
واعلم أن أكثر المتكلمين لا يردون الأحاديث التي صححها أئمة الحديث، ولكنهم يتأولونها كما يتأولون الآيات التي يخالفون معانيها الظاهرة. لكن بعضهم رأى أن تأويل تلك الآيات والأحاديث تعسف ينكره العارف باللسان وبقانون الكلام وبطبيعة العصر النبوي، والذي يخشونه من تكذيب القرآن لا يخشونه من تكذيب الأحاديث، فأقدموا عليه وفي نفوسهم ما فيها، ولهم عدة مؤلفات في تأويل الأحاديث أو ردّها – قد طبع بعضها – فلم يهملوا الأحاديث كما زعم أبو رية.
قول أبي رية (( والأدباء )) يعني بهم علماء البلاغة، يريد أنهم لم يتصدوا لنقد الأحاديث بمقتضى البلاغة، قال في ص6 (( ولما وصلت من دراستي إلى كتب الحديث ألفيت فيها من الأحاديث ما يبعد أن يكون في / ألفاظه أو معانيه أو أسلوبه من محكم قوله وبارع منطقه صلوات الله عليه … ومما كان يثير عجبي أنى إذا قرأت كلمة لأحد أجلاف العرب أهتز لبلاغتها، وتعروني أريحية من جزالتها، وإذا قرأت لبعض ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول لا أجده له هذه الأريحية ولا ذاك الاهتزاز، وكنت أعجب كيف يصدر عنه صلوات الله عليه مثل هذا الكلام المغسول من البلاغة، والعارى عن الفصاحة، وهو أبلغ من نطق بالضاد، أو يأتي منه مثل تلك المعاني السقيمة،وهو أحكم من دعا إلى رشاد ))(177/6)
أقول: أما الأحاديث الصحيحة فليست هي بهذه المثابة، والاهتزاز والأريحية مما يختلف باختلاف الفهم والذوق والهوى، ولئن كان صادقاً في أن هذه حاله مع الأحاديث الصحيحة فلن يكون حاله مع كثير من آيات القرآن وسوره إلا قريباً من ذلك. هذا والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، والنبي صلى الله عليه وسلم كان همه إفهام الناس وتعليمهم على اختلاف طبقاتهم، وقد أمره الله تعالى أن يقول ( وما أنا من المتكلفين ) والكلمات المنقولة عن العرب ليست بشيء يذكر بالنسبة إلى كلامهم كله، وإنما نقلت لطرافتها، ومقتضى ذلك أنه لم يستطرف من كلامهم غيرها. وكذلك المنقول من شعرهم قليل، وإنما نقل ما استجيد، والشعر مظنة التصنع البالغ، ومع ذلك قد تقرأ القصيدة فلا تهتز إلا للبيت والبيتين، ثم إن كثيراً مما نقل عن
النبي صلى الله عليه وسلم روي بالمعنى كما يأتي، فأما سقم المعنى فقد ذكر علماء الحديث أنه من علامات الموضوع، كما نقله أبو رية نفسه ص 104.
وذكر ابن أبي حاتم في تقدمة ( الجرح والتعديل ) ص 351 في علامات الصحيح (( أن يكون كلاماً يصلح أن يكون من كلام النبوة )) فإن كان أبو رية يستسقم معاني الأحاديث الصحيحة فمن نفسه أتي.
يجد مرّاً به العذبَ الزُّلالا
ومن يكُ ذا فم مرّ مريض
قوله: (( أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء )) كذا قال، وقد أسلفتُ أن رعايتهم للمعنى سابقة، يراعونه عند السماع، وعند التحديث،وعند الحكم على الراوي، ثم يراعونه عند التصحيح، ومنهم من يتسامح في بعض ذلك، وهم معروفون كما تقدم. وقد قال أبو رية ص104: (( ذكر المحققون أموراً كلية يعرف بها أن الحديث موضوع … )) فذكر جميع ما يتعلق بالمعنى- نقلاً عنهم.
فإن قال: ولكن مصححي الأحاديث لم يراعوا ذلك.(177/7)
قلت: أما المثبتون كالبخاري ومسلم فقد راعوا ذلك، بلى في كل منهما أحاديث يسيرة انتقدها بعض الحفاظ أو ينتقدها بعض الناس. ومرجع ذلك إما إلى اختلاف النظر، وإما إلى اصطلاح لهما يغفل عنه المنتقد، وإما إلى الخطأ الذي لا ينجو منه بشر، وقد انُتقدت عليهما أحاديث من جهة السند، فهل يقال لأجل ذلك إنهمالم يراعيا هذا أيضاً؟
/ قال ص5 (( وعلى أنهم قد بذلوا أقصى جهدهم في دراسة علم الحديث من حيث روايته… فإنهم قد أهملوا جميعاً أمراً خطيراً …. أما هذا كله.. فقد انصرف عنه العلماء والباحثون، وتركوه أخباراً في بطون الكتب مبعثرة…)).
يعني فجمعها هو في كتابه. وغالب ذلك قد تكفلت به كتب المصطلح، وسائره في كتب أخرى من تأليف المحدثين أنفسهم، ومنها ينقل أبو رية.
وقال ص6(( أسباب تصنيف هذا الكتاب الخ )) إلى أن قال: (( ومما راعني أنى أجد في معاني كثير من الأحاديث ما لا يقبله عقل صريح )).
أقول: لا ريب أن في ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الأخبار ما يرده العقل الصريح، وقد جمع المحدثون ذلك وما يقرب منه في كتب الموضوعات، وما لم يذكر فيها منه فلن تجد له إسناداً متصلاً إلا وفي رجاله ممن جرحه أئمة الحديث رجل أو أكثر، وزعم أن في الصحيحين شيئاً من ذلك سيأتي النظر فيه وقد تقدمت قضية العقل.
قال (( ولا يثبته علم صحيح ولا يؤيده حس ظاهر أو كتاب متواتر )) أقول: لا أدري ما فائدة هذا،مع العلم بأن ما يثبته العلم الصحيح أو يؤيده الحس الظاهر لابد أن يقبله العقل الصريح، وإن القرآن لا يؤيد ما لا يقبله العقل الصريح.
ثم قال: (( كنت أسمع من شيوخ الدين عفا الله عنهم أن الأحاديث التي تحملها كتب السنة قد جاءت كلها على حقيقتها … ))(177/8)
أقول: العامة في باديتتا اليمن، والعامة من مسلمي الهند، إذا ذكرت لأحدهم حديثاُ قال: أصحيح هو؟ فإن قلت له: هو في سنن الترمذي- مثلاً- قال: هل جميع الأحاديث التي في الكتاب المذكور صحيحة؟ فهل هؤلاء أعلم من شيوخ الدين في مصر؟
ثم ذكر حديث (( من كذب علىّ الخ )) وقضايا أخرى ذكر أنها انكشفت له، أجمل القول فيها هنا على أن يفصلها بعد، فأخرت النظر فيها إلى موضع تفصيلها.
ثم قال ص 13 (( لما انكشف لي ذلك كله وغيره مما يحمله كتابنا، وبدت لي حياة الحديث المحمدي في صورة واضحة جلية تتراءى في مرآة مصقولة، أصحبت على بينة من أمر ما نسب إلى الرسول من أحاديث آخذ ما آخذ منه ونفسي راضية، وأدع ما أدع وقلبي مطمئن، ولا على في هذا أو ذلك حرج، أو جناح ))
أقول: أما إنه بعد إطلاعه على ما نقله في كتابه هذا صار عارفا بتاريخ الحديث النبوي إجمالاً فهذا قريب، لولا أن هناك قضايا عظيمةيصورها في كتابه هذا على نقيض حقيقتها كما سنقيم عليه الحجة ا لواضحة إن شاء الله تعالى.
وأما أنه أصحب على بينة إلى آخر ما قال فهذه دعوى تحتمل تفسيرين: الأول: أنه أصبح يعرف بنظرة واحدة إلى الحديث من الأحاديث حقيقة حاله من الصحة قطعاً أو ظناً/ أو احتمالاً أو البطلان كذلك.
الثاني: أنه ساء ظنه بالحديث النبوي- إن لم يكن بالدين كله – فصار لا يراه إلا أداة يستغلها الناس لأهوائهم، فأصبح يأخذ منه ما يوافق هواه، ويرد ما يخالف هواه، بدون اعتبار لما في نفس الأمر من صحة أو بطلان. من الجور أن نزعم أن مراد أبي رية هو ما تضمنه التفسير الأول، لأن ذلك باطل مكشوف، وذلك أن للقضية شطرين: الأول: أن يدع الحديث، الثاني: أنه يأخذ به.(177/9)
فأما الشطر الأول، فالمسلم لا يدع الحديث وقلبه مطمئن، إلا إذا بان له أنه لا يصح، والذي في كتاب أبي رية مما ذكر أنه يدل على عدم الصحة، إما أن يقتضي امتناع الصحة قطعاً، كمناقضة الخبر للعقل الصريح أو للحس أو لنص القرآن، وإما أن يقتضي استبعادها فقط، والأول لا يحتاج الناس فيه إلى كتاب أبي رية هذا، والثاني لا يكفي، فإنه قد يثبت الخبر ثبوتاً يدفع الاستبعاد، إذن فثمرة مجهوده وكتابه بالنظر إلى هذا الشطر ضئيلة لا يليق التبجح بها.وأما الشطر الثاني، فمن الواضح أن انتفاء الموانع الظاهرة كمناقضة العقل الصريح ونحوه إنما يفيد إمكان الصحة، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في السنة، فإن كان موثق الرجال، ظاهر الاتصال، قيل: صحيح الإسناد، ثم يبقى احتمال العلة القادحة بما فيه من
الشذوذ الضار، والتفرد الذي لا يحتمل.
والنظر في ذلك هو كما قال أبو رية ص 302 (( لا يقوم به إلا من كان له فهم ثاقب وحفظ واسع، ومعرفة تامة بالأسانيد والمتون وأحوال الرواة )) وهذه درجة لا تنال بمجهود أبي رية ولا بأضعاف أضعافه، فبان يقيناً أن أبا رية لا يمكنه الاستقلال بتصحيح حديث، بل كتابه ينادي عليه أنه لا يمكنه أن يستقل بتصحيح إسناد. إذن فلم يفده مجهوده شيئاً في هذا الشطر، وبقي فيه كما كان عالة على تصحيح علماء الحديث. هذا حال التفسير الأول.
وأما التفسير الثاني فلا أدري، غير أنه يشهد له صنيع أبي رية في ما يأتي من كتابه من رد الأحاديث والأخبار الثابتة،والاحتجاج كثيراً بالضعيفة والواهية والمكذوبة، والله أعلم.
قال ص 13 (( ولا يتوهمن أحد أني بدع في ذلك، فإن علماء الأمة لم يأخذوا بكل حديث نقلته إليهم كتب السنة، فليسعني ما وسعهم بعد ما تبين لي ما تبين لهم، وهذا أمر معلوم لا يختلف فيه عالم، اللهم إلا الحشوية الذين يؤمنون بكل ما حمل سيل الرواية، سواء كان صحيحاً أم غير صحيح، ما دام قد ثبت سنده على طريقتهم ))(177/10)
أقول: لم يجهل أحد من أهل العلم ما قدمته قريباً في شأن صحة الحديث، ولكنهم لا يجيزون مخالفة حديث تبين إمكان / صحته ثم ثبت صحة إسناده ولم يعلم ما يقدح فيه أو يعارضه. وأبو رية يعيب عليهم هذا، ويبيح لنفسه أن يعارض نصوص القرآن وإجماع أهل الحق بأحاديث وأخبار وحكايات لا يعرف حال أسانيدها، ومنها الضعيف والواهي والساقط والكذب، ويكثر من ذلك كما ستراه
قد يقال: ربما يدّعي أنه أصبحت له ملكة وذوق يعرف بهما الصحيح بدون معرفة سند ولا غيره ! أقول: هذه دعوى لا تقع من عاقل يحترم عقول الناس،
وقد قال أبو رية ص 21 (( قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصدق بعض ما يفتريه المنافقون )) ونقل ص 142 عن صاحب المنار محتجاً به قوله (( والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم الغيب، فهو كسائر البشر يحمل كلام الناس على الصدق إذا لم تحف به شبهة، وكثيراً ماصدق المنافقين والكفار في أحاديثهم )) فهل يدّعي أبو رية لنفسه درجة لم يبلغها النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره؟ إذن فلن نعدم ممن عرف ما في كتابه هذا وأضعاف أضعافه من يعارضه قائلاً: قد حصل لي ملكة وذوق أعلى مما حصل لك، وأنا أعرف بطلان هذا الذي احتججت به، فتسقط الدعويان، ويقوم العقل والعدل. أما ذكره عن علماء الأمة فستأتي حكايته في ذلك ونبين حالها إن شاء الله. والحق أنه لم يكن في علماء الأمة المرضيين من يرد حديثاً بلغه إلا لعذر يحتمله له أكثر أهل العلم على الأقل، ولو كان حال أبي رية في الرد والعذر كحال أحدهم لساغ أن يقال: يسعه ما يسعهم، وإن كان البون شاسعاً جداً. ولكن له شأن آخر كما يأتي.
قال: قال ابن أبي ليلى(( لا يفقه الرجل في الحديث حتى يأخذ منه ويدع )) وقال عبد الرحمن بن مهدي (( لا يكون إماماً في الحديث من تتبع شواذ الحديث، أو حدث بكل ما يسمع، أوحدث عن كل أحد ))(177/11)
أقول: هذا موجه إلى فريق من الرواة كانوا يكتبون ويروون كل ما يسمعون من الأخبار، يرون أنه ليس عليهم إلا الأمانة والصدق وبيان الأسانيد، تاركين النقد والفقه في الحديث والإمامة لغيرهم. فأما الأخذ والرد للعمل والاحتجاج، فكل أحد يعلم أنه يؤخذ ما يصح،ويترك ما لا يصح.ومر قريباً حال أو رية في هذا
قال أبو رية (( ولما كان هذا البحث لم يعن به أحد من قبل كما قلنا … )) أقول: قد تقدم أن الذي يسوغ له ادعاؤه هو أنه جمع في كتابه هذا ما لم يجمع
في كتاب من قبل، والقناعة راحة
ثم قال (( وكان يجب أن يفرد بالتأليف منذ ألف سنة عندما ظهرت كتب الحديث المعروفة… حتى توضع هذه الكتب في مكانها الصحيح من الدين، ويعرف الناس حقيقة ما روي فيها من أحاديث … ))
أقول: إن ما جمعه في كتابه من كلام غيره منه ماهو مقبول، ومنه ما يعلم حاله من رسالتي هذه، فأما المقبول فمن مؤلفات/ المحدثين نقل، وفيها أكثر منه وأنفع وأرفع، وأما المرذول فليس له حساب وقد نبهوا عليه في مؤلفاتهم، وكثرة الباطل نقصان، غير أن للباطل هواة: منهم طائقة يثني عليها أبو رية من قلبه، وطائفة لا يرضها ولكنه رأى أن في كلامه ما يعجبها فراح يتملقها في مواضع رجاء أن يروج لديها كتابه كماراج لديها كتاب فلان
ثم قال ص 14 ((ولأن هذا البحث كما قلنا طريف أو غريب ))
أقول: قد خجلت من كثرة مناقشة أبي رية في إطرائه لكتابه، مع أنه عنده بمنزلة ولده يتعزى به عن ولده العزيز مصطقى، ولذلك جعله باسمه كما ذكره أول الكتاب تحت عنوان (( الاهداء )) وأحسبه يتصور أن الرد على كتابه معناه أن يلحق هذا الولد بمصطفى، ولذلك يقول هنا (( وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته ممن تعفنت أفكارهم وتحجرت عقولهم )) ولو قال: قلوبهم لكان أنسب لحاله
قال (( فقد استكثرت فيه من الأدلة التي لا يرقى الشك إليها، وأتزيد من الشواهد التي لا ينال الضعف منها ))
أقول:
أفرس تحتك أم حمار !(177/12)
سوف ترى إذا انجلى الغبار
قال: (( وبرغمي أن أنصرف في هذا الكتاب عن النقد والتحليل، وهي الأصول التي يقوم العلم الصحيح في هذا العصر عليها ))
أقول: قد ذكر هو ص 327 أن علماء الحديث قد عرفوا تلك الأصول ونقل عن صاحب المنار قوله (( إن لعلماء فقه الحديث من وراء نقد أسانيد الأخبار والآثار نقدا آخر لمتونها.. ويشاركهم في هذا النوع من النقد رجال الفلسفة والأدب والتاريخ ويسمونه في عصرنا النقد التحليلي )) فإن كان أبو رية يحسنه فإنماً عدل عنه ليتسع له المجال فيما يكره أن يتضح للمثقفين(177/13)
لكن قال بعد هذا (( وقد اضطررت إلى ذلك لأن قومنا حديثوا عهد بمثل هذا البحث، على أنى أرجو أن يكون قد انقضى ذلك العهد الذي لا يشيع فيه إلا النفاق العلمي والرثاء الديني، ولا ينشر فيه إلا ما يروج بين الدهماء ويرضي عنه من يزعمون للناس زورا أنهم من المحدِّثين أو العلماء )) وهذا يشعر أو يصرح بأنه يريد بالنقد التحليلي أمراً آخر انصرف برغمه عنه اتقاء لعلماء المسلين وعامتهم وأخذا بنصيب مما يسميه بالنفاق العلمي والرثاء الديني. وفي كتابه أشياء تدل على قرب وأشياء تلد على بعد، وعبارته هذه ونحوها قريب من الضرب الأول وتلفت النظر إلى الثاني، فمنه ما مر في أ ول كتابه من الإشارة إلى أن جميع الذين اشتهروا في القرون الأولى بالعلم والإمامة ليسوا عنده علماء. ويأتي كلامه في الصحابة رضي الله عنهم وهجوه السوقى لأبي هريرة رضي الله عنه ومحاولته قلب محاسنه عيوباً والاستدلال بالحكايات الكاذبة للغض منزه واختلاق التهم / الباطلة لتكذيبه، وذلك ينبئ عن فقر مدقع من توقير النبي صلى الله عليه وسلم واحترام جانبه وجحود شديد لبركة صحبته وملازمته وخدمته، وأهم من ذلك أن أبا رية يقسم الدين إلى عام وخاص، ويقول إن العام هو الدلائل القطعية من القرآن، والسنن العملية المتواترة التي أجمع عليها مسلمو الصدر الأول وكانت معلومة عندهم بالضرورة. انظر ص 350 في كتابه. ثم يعود فيقرر أن الدلائل النقلية كلها ظنية. انظر 353،346منه. وأن الدين كله في القرآن لا يحتاج معه إلى غيره. ((حسبنا كتاب الله )) انظر ص 349 منه، وأنه لا يلزم من الإجماع على حكم مطابقته لحكم الله في نفس الأمر )) انظر ص352منه. ومجموع هذا يقتضي أن يكون الدين كله خاصاً عنده. ومعنى الخاص على ما يظهر من كلامه أن الدين فيما عدا الأمور القضائية (( موكول إلى اجتهاد الأفراد )) كأنه يريد أنه قضية فردية تخص كل فرد فيما بينه وبين الله لا شأن له بغيره ولا لغيره به. وفي الأمور(177/14)
القضائية (( موكول إلى أولى الأمر )) كأنه يريد أن للمقنن أو القاضي أن يأخذ بالحكم الديني إذا وافق رأيه وله أن يدعه. انظر ص 353 منه. وتجده يحتج كثيراً بأقوال لا يعتقد صحتها بل قد يعتقد بطلانها ولكنه يراها موافقة لغرضه. ويحاول إبطال أحاديث صحيحة بشبهات ينتقل الذهن فور إيرادها إلى ورودها على آيات من القرآن. فهذا وأشباهه يجعلنا نشفق على أبي رية ومنه.
قال (( وأرجو كذلك وقد حسرت النقاب عن وجه الحق في أمر الحديث المحمدي الذي جعلوه الأصل الثاني من الأدلة الشرعية بعد السنة العملية.. . )) أقول: نعم نحن المسلمين لا نفرق بين الله ورسله، بل نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله المبلغ لدين الله والمبين لكتاب الله بسنته، بقوله وفعله وغير ذلك مما بين به الدين، ونؤمن وندين بما بلغنا إياه بالكتاب وبالسنة، والأحاديث أخبار عن السنة، إذا ثبتت ثبت ما دلت عليه السنة، ولسنا نحن بالجاعلى السنة بهذه المرتبة، بل الله عزوجل جعلها. وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، وقد تكفل الله تعالى بحفظ دينه، ووفق الأمة التي وصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس فقام أئمتها وعلماؤها بما أمروا به من حفظ الدين وتبليغه على الوجه الذي اختاره الله ورسوله فلم يزل محفوظاً إن خفي بعضه عل الجهال لم يخف على العلماء، وإن خفي على بعض العلماء لم يخف على بقيتهم، وما في كتابك هذا من حق فمنهم نقلته، وباطلك مردود عليك.
قال (( واتخذوا منه أسانيد لتأييد الفرق الإسلامية ودلائل على الخرافات
والأوهام، وقالوا بزعمهم إنها دينية ))(177/15)
أقول: ما من فرقة من الفرق الإسلامية إلا ولديها شيء من الحق، وما تسميه أنت خرافات وأوهاما منه ما هو حق وإن / زعمت. والأحاديث التي يثبتها أهل العلم حق ولا يستنكر للحق أن يشهد للحق، وأما الأحاديث الباطلة فمنها ما نصوا على بطلانه وهو كثير، ومنها ما يعرف بالنظر فيه على طريقتهم بطلانه أو وهنه أو على الأقل الشك في صحته.
قال(( وكشفت القناع عما خفي على الناس أمره ))
أقول: أما أهل العلم فلم تزدهم علماً، وأما غيرهم فالذي في كتابك مما يضللهم ويلبس عليهم دينهم أكثر مما قد يفيدهم
ثم قال (( أرجو أن أكون قد وفقت إلى.. . الدفاع عن السنة القولية وحياطتها عما يشوبها، وأن يصان كلام الرسول من أن يتدسس إليه شيء من افتراء الكاذبين، أو ينال منه كيد المنافقين وأعداء الدين، وأن تنزه ذاته الكريمة من أن يعزى إليها إلا ما يتفق وسمو مكانها وجلال قدرها.. .. ))
أقول: أما ما نقله من كتب علماء الحديث من شرائط الصحيح وبيان المعتل وعلامات الموضوع وبيان أن كثيراً من الأحاديث الصحيحة رويت بالمعنى ونحو ذلك فإنه يليق به هذاالوصف. وأما كثير مما نقله عن غيرهم أو جاء به من عنده فوصفه بذلك بمنزلة أن يجمع رجل كتاباً يطعن في آيات كتيرة من القرآن بزعم أنها ليست منه وأن فيه كثيراً من ذلك ثم يزعم أن غرضه هو (( الدفاع عن الكلام الرباني وحياطته عما يشوبه ,أن يصان كلام رب العزة.. .. وأن تنزه ذاته المقدسة من أن يعزى إليها إلا ما يليق بجلالها.. .. )) ونحو ذلك
قال ص15 (( وإذا كان هذا الكتاب سيغير ولا ريب من آراء كثير من المسلمين فيما ورثوه من عقائد.فإنه سيقفهم إن شاء الله على حقائق كثيرة تزيدهم تبصرة وعلماً بدينهم، ويحل لهم مشاكل متعددة مما تضيق به صدروهم، ويدفع شبهات يتكئ عليها المخالفون.. . ))
أقول: الكلام على هذا نحو مما قبله.(177/16)
وبعد فإن أضر الناس على الإسلام والمسلمين هم المحامون الاستسلاميون، يطعن الأعداء في عقيدة من عقائد الإسلام أوحكم من أحكامه ونحو ذلك فلا يكون عند أ ولئك المحامين من الإيمان واليقين والعلم الراسخ بالدين والاستحقاق لعون الله وتأييده ما يثبتهم على الحق ويهديهم إلى دفع الشبهة، فيلجأون إلى الاستسلام بنظام، ونظام المتقدمين التحريف ونظام المتوسطين زعم أن النصوص النقلية لا تفيد اليقين والمطلوب في أصول الدين اليقين، فعزلوا كتاب الله وسنة رسوله عن أصول الدين، ونظام بعض العصريين التشذيب.
وأبو رية يحاول استعمال الأنظمة الثلاثة ويوغل في الثالث، على أن أولئك الذين سميتهم محامين كثيراً ما يكونون هم الخصوم، والباطل جشع، وقد قال الله تبارك وتعالى ( 70:23ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن)
/ وقال الله عزوجل (120:2ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى ) وقال سبحانه (100:3 يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرن بالله وأنتم تتلى علكيم آيات الله وفيكم رسوله ) والرسول فينا بسنته. وقال تعالى (217:2 ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أ عمالهم في الدينا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
قال أبو رية ص 15: (( وإني لأتوجه بعملي هذا – بعد الله سبحانه وله العزة- إلى المثقفين من المسلمين خاصة، ولى المعتمين بالدراسات الدينية عامة)) يعني المستشرقين من اليهود والنصارى والملحدين (( ذلك بأن هؤلاء وهؤلاء الذين يعرفون قدره.والله أدعو أن يجدوا فيه جميعاً ما يرضيهم ويرضي العلم والحق معهم ))(177/17)
أقول: أما المستشرقون فالذي يرضيهم معروف. وأما المثقفون فيريد أبو رية الثقافة الغربية، ويطمع أبا رية فيهم أن يرى أكثرهم عزلاً عن الواقيين الاسلاميين: العلم الديني، والمناعة. وأما علماء المسلمين، وعامتهم وهم مظنة الخير فهم عند أبي رية سفهاء، واقرأ عشرين آية من أول سورة البقرة
ثم ختم أبو رية مقدمته بالدعاء لمجهوده وكتابه.وأنا أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعني والمسلمين ومن شاء من عباده بما في كتابي من صواب، ويقيني وإياهم شر ما فيه من خطأ، ويوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه
السنة
/ ثم شرع أبو رية بعد الخطبة في الكتاب فقال في ص 16 (( السنة.. . ))، ونقل عبارات منها عبارة عن تعريفات الجرجاني زاد في آخرها زيادة في نحو ثلاثة أسطر لم أجدها في التعريفات في آخرها (( ثم اصطلح المحدثون على تسمية كلام الرسول حديثاً وسنة )) ثم قال أبو رية (( وقالوا: السنة تطلق في الأكثر على ما أضيف إلى النبي من قول أو فعل أو تقرير ))
أقول: تطلق السنة لغة وشرعاً على وجهين: الأول: الأمر يبتدئه الرجل فيتبعه فيه غيره. ومنه ما في صحيح مسلم في قصة الذي تصدق بصرة فتبعه الناس فتصدقوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أ جر من عمل بها... )) الحديث. والوجه الثاني: السيرة العامة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى هي التي تقابل الكتاب، وتسمى الهدى.(177/18)
وفي صحيح مسلم: أ ن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته (( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة )) هذا وكل شأن من شئون النبي صلى الله عليه وسلم الجزئية المتعلقة بالدين من قول أو فعل أو كف أو تقرير، سنة بالمعنى الأول،و مجموع ذلك هو السنة بالمعنى الثاني. ومدلولات الأحاديث الثابتة هو السنة أو من السنة حقيقة، فإن أطلقت (( السنة )) على ألفاظها فمجاز أو اصطلاح. وإنما أوضحت هذا لأن أبا رية يتوهم أو يوهم أنه لا علاقة للأحاديث بالسنة الحقيقية.
ثم قال ص17 (( مكان السنة من الدين. جعلوا السنة القولية في الدرجة الثانية أو في الدرجة الثالثة من الدين.. .. وأما الذي هو في الدرجة ا لثانية من الدين فهو السنة العملية ))
أقول: المعروف بين أهل العلم قولهم (( الكتاب والسنة )) ثم يقسمون دلالات الكتاب إلى قطعية وغيرها، والسنة إلى متواتر وآحاد، وإلى قول وفعل وتقرير- إلى غير ذلك من التقسيمات. وسيأتي ذكر (( ثلاث مراتب )) من صاحب المنار، وننظر فيه
فأما منزلة السنة جملة من الدين فلا نزاع بين المسلمين أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الدين فهو ثابت عن الله عز وجل، ونصوص القرآن في ذلك كثيرة، منها (80:4 من يطع الرسول فقد أطاع الله) وكل مسلم يعلم أن الإيمان لا يحصل إلا بتصديق الرسول فيما بلغه عن ربه، وقد بلغ الرسول بسنته كما بلغ كتاب الله عزوجل.(177/19)
ثم تكلم الناس في الترتيب بالنظر إلى التشريع، فمن قائل: السنة قاضية على الكتاب/ وقائل: السنة تبين الكتاب. وقائل: السنة في المرتبة الثانية بعدالكتاب. وانتصر الشاطبي في الموافقات لهذا القول وأطال، ومما استدل به هو وغيره قول الله عزوجل (89:16ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئناً بك شهيداً على هؤلاء، ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة للمسلمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون )
قالوا: فقوله (( تبياناً لكل شيء )) واضح في أن الشريعة كلها مبينة في القرآن. ووجدنا الله تعالى قد قال في هذه السورة (44:16 وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) فعلمنا أن البيان الذي في قوله ( تبياناً لكل شيء ) غير البيان الموكول إلى الرسول. ففي القرآن سوى البيان المفصل الوافي بيان مجمل وهو ضربان: الأول: الأمر بالصلاة والزكاة والحج والعدل والإحسان وإيتاء ذي
القربى، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وتحريم الخبائث، وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك.
الثاني: الأمر باتباع الرسول وطاعنه وأخذ ما أتى والاننتهاء عما نهى ونحو ذلك. وفي الصحيحين وغيرهما عن علقمة بن قيس النخعي- وكان أعلم أصحاب عبد الله بن مسعود أو من أعلمهم – قال ((لعن عبد الله ا لواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعن سول الله وفي كتاب الله؟ قالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته، قال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).(177/20)
ظاهر صنيع ابن مسعود أن الاعتماد في كون القرآن مبيناً لكل ما بينته السنة على الضرب الثاني. وتعقيب آية التبيان بالتي تليها كأنه يشير إلى أن الاعتماد على ا لضر بين مجتمعين، ورجحه الشاطبي وزعم أن الاستقراء يوافقه. فعلى هذا لا يكون للخلاف ثمرة.
ثم قال قوم: جميع ما بينه الرسول علمه بالوحي. وقال آخرون: منه ماكان باجتهاد أذن الله له فيه وأقره عليه. ذكرهما الشافعي في الرسالة.
ثم قال ص 104 (( وأي هذا كان فقد بين الله أنه فرض فيه طاعة رسوله... )) وبالغ بعضهم فقال: كل ما بلغه الرسول فهمه من القرآن. ونسبه بعض المتأخرين إلى الشافعي، فعلى هذا كان القرآن في حق الرسول تبياناً لكل شيء وتفصيلاً، فأما في حق غيره فعلى ما مر. والله الموفق
ثم نقل أبور ية كلاما عن موافقات الشاطبي. وكلام الموافقات طويل جداً وفي ماتركه أبو رية منه ما قد يخالف ظاهر بعض مانقله، وإنما الكلام العربي الناصع كلام الشافعي في الرسالة
/ ثم قال أبو رية ص19: (( وكان الإمام مالك يراعي كل المراعاة العمل
المستمر والأكثر، ويترك ما سوى ذلك وإن جاء فيه أحاديث ))
أقول: كان مالك رحمه الله يدين باتباع الأحاديث الصحيحة إلا أنه ربما توقف عن الأخذ بحديث ويقول: ليس عليه العمل عندنا. يرى أن ذلك يدل على أن الحديث منسوخ أو نحو ذلك.
والانصاف أنه لم يتحرر لمالك قاعدة في ذلك فوقعت له أشياء مختلفة. راجع الأم للشافعي 177:7 – 249. وقد اشتهر عن مالك قوله (( كل أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر )) يعني النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله للمنصور إذ عرض عليه أن يحمل الناس على الموطأ: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار فعند أهل كل مصر علم ))
قال أبو رية ص 19 (( وقال [مالك] أحب الأحاديث إلىّ ما اجتمع الناس عليه )) أقول: لا ريب أن المجمع عليه أعلى من غيره مع قيام الحجة بغيره إذا ثبت عند مالك وغيره.(177/21)
ثم حكى عن صاحب المنار قوله (( والنبي مبين للقرآن بقوله وفعله، ويدخل في البيان التفصيل والتخصيص والتقييد، لكن لا يدخل فيه إبطال حكم من أحكامه أو نقض خبر من أخباره، ولذلك كان التحقيق أن السنة لا تنسخ القرآن ))
أقول: أما الإبطال ونقض الخبر بمعنى تكذيبه فهذا لا يقع من السنة للقرآن ولا من بعض القرآن لبعض، فالقرآن كله حق وصدق (42:41 لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وأما التخصيص والتقييد ونحوهما والنسخ فليست بإبطال ولا تكذيب، وإنما هي بيان.
فالتخصيص مثلاً إن اتصل بالخطاب بالعام كأن نزلت آية فيها عموم ونزلت معها آية من سورة أخرى فيها تخصيص للآية الأولى، أو نزلت الآية فتلاها النبي
صلى الله عليه وسلم وبين ما يخصصها فالأمر واضح، إذ البيان متصل بالمبين فكان معه كالكلام الواحد، وإن تأخر المخصص عن وقت الخطاب بالعام ولكنه تبعه وقت العلم بالعام أو عنده فهذا كالأولى عند الجمهور،وهذا مرجعه إلى عرف العر ب في لغتهم كما بينه الشافعي في الرسالة.[قد يكون كذلك في غير العربية، ولكن الشافعي رأى بعض المستعربين يستنكرونه فجوزمخالفة لغاتهم الأعجمية للعربية في ذلك]
أما إذا جاء بعد العمل بالعام ما صورته ا لتخصيص فإنما يكون نسخا جزئياً، لكن بعضهم يسمى النسخ تخصيصاً جزئياً كان أو كلياً نظراً إلى أن اقتضاء الخطاب بالحكم لشموله لما يستقبل من الأوقات عموم، والنسخ إخراج لبعض تلك الأوقات وهو المستقبل بالنسبة إلى النص الناسخ،وهذا مما يحتج به من يجيز نسخ بعض أحكام الكتاب بالسنة.
/قال صاحب ا لمنار (( والعمدة في الدين كتاب الله تعالى في المرتبة الأولى والسنة العملية المتفق عليها في المرتبة الثانية، وما ثبت عن النبي وأحاديث الآحاد فيها رواية ودلالة في الدرجة ا لثالثة ))(177/22)
أقول: قد سبق أن المعروف بين أ هل العلم ذكر الكتاب والسنة ثم يقسمون السنة إلى متواتر وآحاد وغيرذلك. قال (( ومن عمل بالمتفق عليه كان مسلماً ناجياً في الآخرة مقرباً عند الله تعلى. وقد قرر ذلك الغزالي ))
علق أبو رية في الحاشية (( قرر الغزالي ذلك في كتاب القسطاس المستقيم )) وعبارة صاحب المنار في مقدمته لمغني ابن قدامة (( فمن مقتضى أصولهم كلهم وجوب ترك أسباب كل هذا التفرق والاختلاف[أسباب التفرق والاختلاف الواجب تركها باتفاقهم هي الجهل والهوى والتعصب، وكذلك الخطأ بقدر الوسع. فأما أن يترك أحدهم ما يراه حقاً فلا قائل به،بل هو محظور باتفاقهم] حتى قال الغزالي في القسطاس المستقيم
بالاكتفاء بالعمل بالمجمع عليه وعد المسائل الظنية المختلف فيها كأن لم تكن ))
كذا قال. والذي في القسطاس ا لمستقيم خلاف هذا، فإن فيه ص89 فما بعدها: أنه يعظ العامي الطالب الخلاص من الخلاف في الفروع بأن يقول له: (( لا تشغل نفسك بمواقع الاختلاف مالم تفرغ من جميع المتفق عليه، فقد اتفقت الأمة على أن زاد الآخرة هو التقوى والورع، وأن الكسب الحلال والمال الحرام والغيبة والنميمة والسرقة والخيانة.. . حرام، والفرائض كلها واجبة، فإن فرغت من جميعها علمتك طريق الخلاص من الخلاف )). قال: (( فإن هو طالبني بها قبل الفراغ من هذا كله فهو جَدَ ليّ وليس بعامي.. . نعم لو رأيتم صالحاً قد فرغ من حدود التقوى كلها وقال ها أنا تشكل عليّ مسائل.. . فأقول له إن كنت تطلب الأمان في طريق الآخرة فاسلك سبيل الاحتياط وخذ بما يتفق عليه الجميع فتوضأ من كل ما فيه خلاف، فإن كل من لا يوجبه يستحبه.. فإن قال: هو ذا يثقل علي.. ..، فأقول له: الآن اجتهد مع نفسك وانظر إلى الأئمة أيهم أفضل.. فمن غلب على ظنك أنه الأفضل فاتبعه )).(177/23)
حاصل هذا أن الغزالي كان يعلم أن العامة في زمانه ينتسب كل منهم إلى مذهب ويتعصب له، فإن فرض أن أحدهم سأل عن الخلاف وكيف يتخلص منه فلن يكون إلا أحد رجلين: إما فارغاً متليهاً وإما ورعا تقياً، والتقى الورع لابد أن يكون قد شغل فكره المحافظة على الفرائض المتفق عليها وتجنب المحرمات المتفق عليها وعمل بذلك على مذهبه قبل أن يشغله الخلاف. فإذا كان السائل مقصراً مفرطاً وجاء يسأل عن الخلاف فلن يكون إلا متلهيا، فيقال له: ابدأ بالعمل بما تعلمه يقيناً ثم سل، فإن أبى فهو جَدَليّ يتعنت في السؤال ولا يهمه العلم، والإعراض عن مثله أولى.
فأما من أتى بما عليه بحسب مذهبه وسأل عن الخلاص / من الخلاف فالظاهر أنه يسأل ليعلم ويعمل، قال الغزالي (( فأقول له: إن كنت تطلب الأمان في طريق الآخرة فاسلك سبيل الاحتياط وخذ بما يتفق عليه الجميع )) وفسر ذلك بما بعده، وذلك يوضح قطعاً أن مراده بما يتفق عليه الجميع أن يلتزم أن يكون وضوؤه الذي يصلي به وضوءاً يتفق العلماء على صحته، يتوضأ من كل ما قال عالم إنه ينقض الوضوء. وهكذا في سائر عمله، يأخذ بالأشد الأشد من أقول المختلفين. وفهم منها صاحب المنار أن لا يتوضأ من شيء قال عالم إنه لا ينقض الوضوء. وهكذا في سائر عمله أيضا ًبالأخف الأخف من أقوال المختلفين. فلينظر العالم أين هذا من ذلك؟
على أنه إن لم يتوضأ إلا بما اتفقوا على أنه قد ينقض الوضوء قد يكون وضوؤه باطلاً بإتفاقهم وذلك أن بعض العلماء يوجب الوضوء بمس الذكر ولا يوجبه من خروج الدم، وبعضهم يعكس، فإذا وقع لعامي هذا وهذا ولم يتوضأ فوضوؤه الأول باطل باتفاق الفريقين ومع أن مراد الغزالي الاحتياط الأكيد اقتصر على أن فيه (( الأمان في طريق الآخرة )) ومع أن صاحب المنار قلبه على التفريط الشديد لم يقتصر على أن صاحبه يكون ناجياً في الآخرة بل زاد (( مقربا ً عند الله تعالى ))(177/24)
وبعد فلندع الغزالي وصاحب المنار، ولنرجع إلى الححة، إننا نعلم أن لكثير من علماء الفرق زلات وشواذ مخالفة لدلالات واضحة من القرآن، ولأحاديث تبلغ درجة التواتر المعنوي أو درجة القطع عند من يعرف الرواية والرواة، ومثل هذا غير قليل، فالمقتصر على ما اتفق عليه على ما فهمه صاحب المنار لابد أن يخالف الكتاب والسنة حتماً في كثير من القضايا، هذا في المخالفة القطعية، فأما الظنية فحدَّث عن كثرتها ولا حرج
ومن جهة آخرى، فمن المحال عادة أن يكون الحق دائماً من المسائل الخلافية مع المرخصين، فالترخص فيهاكلها ترك متيقن لكثير من الحق. ولنفرض أن جماعة تتبعوا أقوال علماء المسلمين من جميع الفرق ثم جمعوا كتاباً ضمنوه ما اتفق المسلمون على أنه واجب أو حرام أو باطل[انظر هل يسمحون بزيادة (( أو مندوب )) ] وأهملوا ما عدا ذلك، فهل يقال إن من حافظ على ما في الكتاب بدون نظر إلى غيره (( كان مسلماً ناجياً في الآخرة مقربا ًعند الله تعالى )) ثم يستغنى الناس بذاك الكتاب عن كتاب الله وتفسيراته وعن كتب السنة وشروحها ومتعلقاتها، وعن كتب الفقه كلها، ثم لا يعدم المشذبون مقالاً يشكك في ما ضمه ذاك الكتاب،كالشك في تحقق الإجماع وفي حجيته، ولتغير الأحكام بتغير الزمان. وحينئذ يستريح الذين يدعون أنفسهم بالمصلحين من كل أثر للإسلام
وقال ابن حرم في الأحكام 114:3 (( وبالحملة فهذا مذهب لم يخلق له معتقد قط، وهو أن لا يقول القائل بالنص حتى يوافقه الإجماع، بل قد صح الإجماع عل أن قائل هذا القول معتقداً له كافر بلا خلاف، لرفضه القول بالنصوص التي لا خلاف في وجوب طاعتها ))
هذا وقد برثت ذمة ا لغزالي من ذاك القول كما علمت. وأنا أجل السيد محمد رشيد رشا عن أن يقول به متصوراً حقيقته، وإنما هذا شأن الإنسان كمن يكون على جسر غير محجر فتستولى على ذهنه خشية السقوط من جانب فيتأخر عنه ويتأخر حتى يسقط بغير اختياره من الجانب الآخر.(177/25)
بلى من عمل بالمتفق عليه كان مسلماً ناجياً في الآخرة مقرباً عند الله تعالى، وهذا المتفق عليه هو العلم بالدلائل القطعية والظنية من كتاب اللله تعالى ومن سنة رسوله الثابتة قطعاً أو ظناً، فالعالم يتحرى ذلك بالنظر في الأدلة، فإن اشتبهت عليه أو تعارضت أخذ بأحسنها مع تجنب خرق الإجماع الصحيح. والعامي يسأل العلماء ويأخذ بفتواهم، فإن اختلفوا عليه احتاط أو طلب ترجيحاً ما، وإذا علم الله حسن نيته فلابد أن ييسر له ذلك. فأما تقليد الأئمة فمهما قيل فيه فلا ريب أنه خير بكثير من تتبع الرخص. وراجح الموافقات 72:4-86
ثم قال أبو رية ص 20 (( حكم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمور الدنيوية.. . ))
إلى أن قال: (( أما كلامه صلات الله عليه في الأمور الدنيوية فإنه كما قالوا من الآراء المحضة، ويسميه العلماء إرشاداً أي إن أمره صلى الله عليه وسلم في أي شيء من أمور الدنيا يسمى أمر إرشاد.. . لأنه لا يقصد به القربة ولا فيه معنى التعبد.ومن المعلوم أنه لادليل على وجوب أو ندب إلا بدليل خاص ))
أقول: ليس في هذا الكلام ما يصح أن يكون قاعدة ثابتة، فأمور الدنيا خاضعة لأحكام الشرع، وقد أمر الله تعالى بطاعة رسوله وحذر من المخالفة عن أمره، فأمره صلى الله عليه وسلم بشيء دليل قام على وجوبه، إلا أن يقوم دليل يصرف الأمر عن الوجوب إلى غيره. وتفصيل ذلك في كتب الفقه.
ثم قال(( لأن الرسل غير معصومين في غير التليغ. قال السفارينى.. . قال ابن حمدان.. . (( وإنهم معصومون فيما يؤدونه عن الله تعالى، وليسوا بمعصومين في غير ذلك ))، وقال ابن عقيل.. . لم يعتصموا في الأفعال، بل في نفس الأداء، ولا يجوز عليهم الكذب في الأقوال فيما يؤدونه عن الله تعالى.. وقال القاضي عياض:.. . ))(177/26)
أقول:هذا الذي اقتصر عليه أبو رية يوهم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليسوا معصومين عن تعمد الكذب في غير التبليغ ولا عن الكبائر لا عن صغائر الخسة. وفي هذه الكتب التي نقل عنها وغيرها بيان عصمتهم عن ذلك وعن غيره مماترى تفصيله فيها.
ا حتاج أبو رية إلى صنعيه ليرد كثيراً من الأحاديث الصحيحة بزعم أنها لم تكن على وجه التبليغ، وأن الأنبياء إنما عصموا من الكذب في التبليغ. فليتدبر القارئ/ هذا مع قول أبي رية نفسه في حاشية ص39 (( ولعنة الله على الكاذبين، متعمدين وغير متعمدين )) !
وذكر قصة التأبير، فدونك تحقيقها: أخرج مسلم في صحيحه من حديث طلحة قال (( مررت مع رسول الله صلى الله عل يوسلم بقوم على رءوس النخل فقال: ما يصنع هؤلاء ؟ فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن يغني ذلك شيئاً. قال فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله صلى ا لله عليه وسلم بذلك، فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل )).
ثم أخرجه عن رافع بن خديج وفيه (( فقال لعلكم لولم تفعلوا كان خيراً. فتركوه فنقضت.. فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر. قال عكرمة: أو نحو هذا ))(177/27)
ثم أخرجه عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وعن ثابت عن أنس.. . )) وفيه (( فقال: لو لم تفلعوا لصلح )) وقال في آخره (( أنتم أعلم بأمر دنياكم )) عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها:يقدم الأصح فالأصح. قوله صلى الله عليه وسلم في حديث طلحة (( ما أظن يغني ذلك شيئاً، إخبار عن ظنه، وكذلك كان ظنه، فالخبر صدق قطعاً، وخطأ الظن ليس كذباً، وفي معناه قوله في حديث رافع (( لعلكم.. . )) وذلك كما أشار إليه مسلم أصح مما في رواية حماد، لأن حماداً كان يخطئ.
وقوله في حديث طلحة ((( فإني لن أكذب على الله )) فيه دليل على امتناع أن يكذب على الله خطأ، لأن السياق في احتمال الخطأ، وامتناعه عمداً معلوم من باب أولى، بل كان معلوماً عندهم قطعاً. ونقل عن شفاء عياض قال (( وفي حديث ابن عباس في الخرص: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر، فما حدثتكم عن الله فهو حق، وما قلت فيه من قبل نفسي فإنما أنا بشر أخطئ، وأصيب )).
أقول: ذكر شارح الشفاء أن البزار أخرجه بسند حسن، وتحسين المتأخرين فيه نظر، فإن صح فكأنهم مروا بشجر مثمر فخرصوه يجربون حدسهم، وخرصها النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت على خلاف خرصه. ومعلوم أن الخرص حزر وتخمين، فكأن الخارص يقول: أظن كذا. وقد مر حكمه.والله أعلم(177/28)
وقال أبو ريةقبل هذا (( وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصدق بعض ما يفتريه المنافقون كما وقع في غزووة تبوك وغيرها، وصدق بعض أزواجه، وتردد في حديث الإفك.. حتى نزل عليه آيات البراءة )). وذكر ص142 عن صاحب المنار: ((.... والنبي صلى الله عليه وسلم ماكان يعلم الغيب فهو كسائر البشر/ يحمل كلام الناس على الصدق إذ لم تحف به شبهة، وكثيراً ما صدق المنافقين والكفار في أحاديثهم. وحديث العرنيين وأصحاب بئر معونة مما يدل على ذلك.. إذ أذن لبعض المعتذرين من المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك،وما علله به وهو قوله تعالى ( عفا الله عنك، لم أذنت لهم حتى بتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) وإذا جاز على الأنبياء والمرسلين أن يصدقوا الكاذب فيما لا يخل بأمر الدين.. . ))
وذكر ص22 عن عياض حيدث (( فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له )) وفي رواية (( ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو ما أسمع.. . ))
أقول: لم يكن صلىالله عليه وسلم يعلم من الغيب ما لم يعلمه الله تعالى به، ولم يكن - بأبي وأمي- مغفلاً، ولم يصدق المنافقين أي يعتقد صدقهم، بل ولا ظنه، وإنما كان الأمر عنده على الاحتمال. ولهذا عاتبه الله عزوجل على الإذن لهم، هذا واضح بجمد الله.
والعرنيون لم يتحقق منهم كذب، فلعلهم كانوا صادقين في إسلامهم وإنما بدا لهم أن يرتدوا لما وجدوا أنفسهم منفردين بالإبل والراعي بعيداً عن المدينة. وقصة بئر معونة اختلف فيها فلم يتحقق فيها شاهد على ما نحن فيه. راجح فتح الباري 296:7.(177/29)
وقصته مع بعض أزواجه أراها في الصحيحين عن عائشة (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني لأجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال: لا، بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له. فنزلت ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله
لك ) إلى ( إن تتوبا إلى الله ) لعائشة وحفصة.. . ))
وتمام الآية(لم تحرِّم ما أحل الله لك تبتغي مرضاتك أزواجك،والله غفور رحيم ) ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم صدق المرأة في أن لذاك العسل رائحة كريهة لكان امتناعه لكراهيتها، وكذلك كان خلقه الكريم المطلوب منه شرعاً، وسياق الآية تخالف ذلك كا هو واضح.
فالذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم فطن للحيلة وعلم أن قائلة ذلك إنما غارت لطول مكثه عند ضرتها وانفرادها بسقيه العسل الذي يحبه، فحملتها شدة ا لغيرة، فتكرم فلم يكاشفها، وامتنع من شرب العسل عند ضرتها تطييباً لنفسها
وأما تردده في قصة الإفك فليس فيه ما يوهم التصديق ولا ظن الصدق
وأما قوله (( فأحسب أنه صادق )) فالحسبان هو الظن،ولينظر سند هذه الرواية
/وذكر (ص22) عن شفاء عياض (( فأما ما تعلق منها (أي معارف الأنبياء) بأمر الدنيا فلا يشترط في حق الأنبياء العصمة من عدم معرفة الأنبياء ببعضها أو اعتقادها على خلاف ما هي عليه ))
أقول: كلمة (( اعتقادها )) فيهانظر، فينبغي أن يقال بدلها (( ظنها ))
كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
تعرض أبو رية (ص7-8) لهذه القضية، ثم أفردها بفصل (ص23)، فمما قاله ((... تضافرت الأدلة.. . على أن أحاديث الرسول صلوات الله عليه لم تكتب في عهد النببي صلى الله عليه وسلم كما كان يكتب القرآن، ولا كان لها كتاب يقيدونها عند سماعها منه وتلفظه بها.. ))(177/30)
أقول: قد وقعت كتابة في الجملة كما يأتي، لكن لم تشمل ولم يؤمر بها أمراً.
أما حكمة ذلك فمنها: أن الله تبارك وتعالى كما أراد لهذه الشريعة البقاء أراد سبحانه أن لايكلف عباده من حفظها إلا بما لا يشق عليهم مشقة شديدة، ثم هو سبحانه يحوطها ويحفظها بقدرته، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يعجل بقراءة مايوحى إليه قبل فراغه خشية أن ينسى شيئاً منه، فأنزل الله عليه (114:20 ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه، وقل رب زدني علماً ) وقوله (16:75- لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأنه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه ) وقوله (6:87- سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ونيسرك لليسرى )
وكانت العرب أمة أمية يندر وجود من يقرأ أو يكتب منهم، وأدوات الكتابة عزيزة ولا سيماما يكتب فيه، و كان الصحابة محتاجين إلى ا لسعي في مصالحهم، فكانوا في المدينة منهم من يعمل في حائطه، ومنهم من يبايع في الأسواق، فكان التكليف بالكتابة شاقاً، فاقتصر منه على كتابة ما ينزل من القرآن شيئاً فشيئاً ولو مرة واحدة في قطعة من جريد النخل أو نحوه تبقى عند الذي كتبها.
وفي صحيح البخاري وغيره من حديث زيد بن ثابت في قصة جمعه القرآن بأمر أبي بكر (( فتتبعتُ القرآن أجمعه من العُسُب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة ا لتوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أ جدها مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة سورة براءة ))
وفي فتح الباري: أن العسب جريد النخل، ,إن اللخاف الحجارة الرقاق، وإنه وقع في رواية: القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل، ووقع في روايات أخر ذكر الرقاع وقطع الأديم والصحف.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن بعض أصحابه ما شاء الله من القرآن ثم يلقن بعضهم بعضاً، فكان القرآن محفوظاً جملة في صدورهم ومحفوظاً بالكتابة في(177/31)
قطع مفرقة عندهم. والمقصود أنه اقتصر من كتابة القرآن على ذاك القدر إذ كان أكثر منه شاقاً عليهم، وتكفل الله عزوجل بحفظه في صدورهم وفي تلك القطع، فلم يتلف منها شيء، حتى جمعت في عهد أبي بكر، ثم لم يتلف منها شيء حتى كتبت عنها المصاحف في عهد عثمان، وقد الله تعالى (9:15 إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )، وتكفله سبحانه بحفظ لا يعفي المسلمين أن يفعلوا ما يمكنهم كما فعلوا – بتوفيقه لهم – في عهد أبي بكر، ثم في عهد عثمان. فأما السنة فقد تكفل الله بحفظها أيضا، لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها، لأن محمداً خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع. بل دل على ذلك قوله ( ثم إن علينا بيانه )، فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعين حتى كتبت ودونت كما يأتي، وكان التزام كتابتها في العهد النبوي شاقاً جداً، لأنها تشمل جميع أقول النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله وغير ذلك. والمقصود الشرعي منها معانيها، ليست كالقرآن المقصود لفظه ومعاناه، لأن كلام الله بلفظه ومعناه، ومعجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير، لاجرم خفف الله عنهم واكتفى من تبليغ السنة غالباً بأن يطلع عليها بعض الصحابة، ويكمل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء، فالشأن في هذا ا لأمر هو العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أمر به التبليغ الذي رضيه الله منه، وأن ذلك مظنة بلوغه إلى من يحفظه من الأمة ويبلغه عند الحاجة ويبقى موجوداً بين الأمة، وتكفل الله تعالى بحفظ دينه يجعل تلك المظنة مئنة، فتم الحفظ كما أراد الله تعالى، وبهذا التكفل يدفع ما يتطرق إلى تبليغ القرآن كاحتمال تلف بعض القطع التي كتبت فيها الآيات، واحتمال أن يغير فيها من كانت عنده ونحو ذلك.(177/32)
ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم وتدبر ما آتاهم الله تعالى من قوة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجد والتشمير لحفظ النسة وحياطتها بان له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفل الله تعالى بحفظ دينه. وشأنهم في عظيم جداً، أو هو عبادة من أعظم العبادات وأشرفها، وبذلك يتبين أن ذلك من المصالح المترتبة على ترك كتابة الأحديث كلها في العهد النبوي، إذ لو كتبت لانسد باب تلك العبادة وقد قال الله تعالى (56:51 وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ).
وثم مصالح أخرى منها: تنشئة علوم تحتاج إليها الأمة، فهذه الثروة العظيمة التي بيد المسلمين من تراجم قدمائهم، إنما جاءت من احتياج المحدثين إلى معرفة أحوال الرواة، فاضطروا إلى تتبع ذلك، وجمع التواريخ والمعاجم، ثم تبعهم غيرهم.
ومنها: الإسناد الذي يعرف به حال الخبر، كان بدؤه في الحديث ثم سرى إلى التفسير والتاريخ و الأدب.
هذا والعالم الراسخ هو الذي إذا حصل له العلم الشافي بقضية لزمها ولم يبال بما قد يشكك فيها، بل إما أن يعرض عن تلك المشككات، وإما أن يتأملها في ضوء ما قد ثبت، فههنا من تدبر كتاب الله وتتبع هدي رسوله ونظر إلى ما جرى عليه العمل العام في عهد أصحابه وعلماء أمته بوجوب العمل بأخبار الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنها من صلب الدين، فمن أعرض عن هذا وراح يقول: لماذالم تكتب الأحاديث ؟ بماذا، لماذا؟ ويتبع قضايا جزئية- إما أن لا تثبت، وإما أن تكون شاذة،وإما أن يكون لها محمل لا يخالف المعلوم الواضح – من كان شأنه فلا ريب في زيغه
هل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث
قال أبو رية (ص23): (( وقد جاءت أحاديث صحيحة وآثار ثابتة تنهى كلها عن كتابة أحاديثه صلى الله عليه وسلم ))
أقول: أما الأحاديث فإنما هي حديث مختلف في صحته، وآخر متفق على ضعفه.(177/33)
فالأول: حديث مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفعاً (( لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليّ-قال همام: أ حسبه قال (( متعمداً ))– فليتبوأ مقعده من النار )) هذا لفظ مسلم. وذكره أبو رية مختصراً، وذكر لفظين آخرين، وهو حديث واحد. والثاني: ذكره بقوله (( ودخل زيد بن ثابت على معاوية فسأله عن حديث وأمر إنساناً أن يكتبه فقال له زيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا نكتب شيئا من حديثه. فمحاه )) وقد كان ينبغي لأبي رية أن يجري على الطريقة التي يطريها وهي النقد التحليلي فيقول: معقول أن لا يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة أحاديثه لقلة الكتبة وقلة ما يكتب فيه والمشقة، فأما أن ينهى عن كتابتها ويأمر بمحوها فغير معقول، كيف وقد أذن لهم في التحديث فقال (( وحدثوا عني ولا حرج )). أقول: إما حديث أبي سعيد ففي فتح الباري (185:1): (( منهم (يعني الأئمة ) من أعلّ حديث أبي سعيد وقال: / الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره (( أي الصواب أنه من قول أبي سعيد نفسه، وغلط بعض الرواة فجعله عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد ابن عبد البر في كتاب العلم (64:1) قريباً من معناه موقوفاً عن أبي سعيد من طرق لم يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم. وأما حديث زيد بن ثابت فهو من طريق كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: دخل زيد بن ثابت الخ. وكثير غير قوي، والمطلب لم يدرك زيداً. أما البخاري فقال في صحيحه (( باب كتابة العلم )) ثم ذكر قصة الصحيفة التي كانت عند علي رضي الله عنه، ثم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح وسؤال رجل أن يكتب له،فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( اكتبوا لأبي فلان )) وفي غير هذه الرواية (( لأبي شاه )) ثم قول أبي هريرة (( ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن(177/34)
عمرو، فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب )) ثم حديث ابن عباس في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله (( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده )) وفي بعض روايات حديث أبي هريرة في شأن عبد الله بن عمرو (( استأذن رسول الله صلى اله عليه وسلم أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له )) رواه الإمام أحمد والبيهقي. قال في فتح الباري (185:1): (( إسناده حسن، وله طريق أخرى.. .)) وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو نفسه جاء من طرق، راجح فتح الباري والمستدرك (104:1) ومسند أحمد بتحقيق الشيخ أ حمد محمد شاكر رحمه الله الحديث: 0 651 وتعليقه. وقد ا شتهرت صحيفة عبد الله بن عمرو التي كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يغتبط بها ويسميها (( الصادقة )) وبقيت عند ولده يروون منها، راجح ترجمة عمرو بن شعيب في تهذيب التهذيب. أما مازعمه أبو رية أن صحيفة عبد الله بن عمرو إنما كانت فيها أذكار وأدعية فباطل قطعاً. أما زيادة ما انتشر عن أبي هريرة من الحديث عما انتشر عن عبد الله بن عمرو؛ فلأن عبد الله لم يتجردللرواية تجرد أبي هريرة، وكان أبو هريرة بالمدينة وكانت دار الحديث لعناية أهلها بالرواية،ولرحلة الناس إليها لذلك، وكان عبد الله تارة بمصر،وتارة بالشام، وتارة بالطائف، مع أ نه كان يكثر من الأخبار عما وجده من كتب قديمة باليرموك، وكان الناس لذلك كأنهم قليلو الرغبة في السماع منه، ولذلك اكان معاوية وابنه قد نهياه عن التحديث.(177/35)
فهذه الأحاديث، وغيرها مما يأتي إن لم تدل على صحة قول البخاري وغيره: إن حديث أبي سعيد غير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها تقضي بتأويله، وقد ذكر في فتح الباري أوجها للجمع، والأقرب ما يأتي: قد ثبت في حديث / زيد بن ثابت في جمعه القرآن (( فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف ))، وفي بعض رواياته ذكر القصب وقطع الأديم. وقد مر قريبا ً(ص20)، وهذه كلها قطع صغيرة، وقد كانت تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الآية والآيتان فكان بعض الصحابة يكتبون في تلك القطع فتتجمع عند الواحد منهم عدة قطع في كل منها آية أو آيتان أو نحوها وان هذا هو المتيسر لهم، فالغالب أنه لو كتب أحدهم حديثا ًلكتبه في قطعة من تلك القطع، فعسى أن يختلط عند بعضهم القطع المكتوب فيها الأحاديث بالقطع المكتوب فيها الآيات، فنهوا عن كتابة الحديث سد للذريعة.(177/36)
أما قول أبي رية (ص27): (( هذا سبب لا يقتنع به عاقل عالم.. . اللهم [ إلا ] إذا جعلنا ا لأحاديث من جنس القرآن في البلاغة وأن أسلوبها في الإعجاز من أسلوبه )) فجوابه: أن القرآن إنما تحدى أن يؤتى بسورة من مثله، والآية والآيتان دون ذلك. ولا يشكل على هذا الوجه صحيفة علي، لأنه جمع فيها عدة أحكام، وكان علي لا يخشى عليه الالتباس. ولا قصة أبي شاه، لأن أبا شاه لم يكن ممن يكتب القرآن، وإنما سأل أن تكتب له تلك الخطبة. ولا قوله صلى الله عليه وسلم في مرض موته: أئتوني بكتاب الخ. لأنه لوكتب لكان معروفاً عند الحاضرين وهم جمع كثير. ولاقضية عبد الله بن عمرو، فإنه فيما يظهر حصل على صحيفة فيها عدة أوراق، فاستأذن أن يكتب فيها الأحاديث فقط. وكذلك الكتب التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم لعماله وفيها أحكام الصدقات وغيرها، وكان كلها أو أكثرها مصدراً بقوله (( من محمد رسول الله الخ )) هذا كله على فرض صحة حديث أبي سعيد. أما على ما قاله البخاري وغيره من عدم صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم فالأمر أوضح، وسيأتي ما يشهد لذلك. قال أبو رية (ص23): وروى الحاكم بسنده عن عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت خمسمائة حديث، فبات يتقلب.. . فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها، وقال: خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك. زاد الأحوص بن المفضل في روايته: أو يكون قد بقى حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي على أبي بكر )).(177/37)
أقول: لو صح هذا لكان حجة على ما قلناه، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة الأحاديث مطلقاً لما كتب أبو بكر. فأما الإحراق فلسبب أو سببين آخرين كما رأيت. لكن الخبر ليس بصحيح، أحال به أبو رية على تذكرة الحفاظ للذهبي وجمع الجوامع للسيوطي ولم يذكر طعنهما فيه، ففي التذكرة عقبه (( فهذا لا يصح )).
وفي كنز العمال (237:5) – وهو ترتيب جمع الجوامع ومنه أخذ أبو رية-: (( قال ابن كثير هذا غريب من هذا الوجه جداً،. وعلي بن صالح أحد رجال سنده لا يعرف )
أقول: وفي السند غيره ممن فيه نظر. ثم وجهه ابن كثير على فرض صحته.
قال أبو رية (24): (( وروى حافظ المغرب ابن عبد البر والبيهقي في المدخل عن عروة: أن عمر أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب رسول الله في ذلك – ورواية البيهقي: فاستشار – فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهراً، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً. ورواية البيهقي لا ألبس بكتاب الله بشيء أبداً )).
أقول: وهذا وإن صح حجة لما قلناه، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة الأحاديث مطلقا ً لماهم بها عمر وأشاربها عليه الصحابة، فأما عدوله عنها فلسبب آخر كما رأيت.
لكن الخبر منقطع لأن عروة لم يدرك عمر: فإن صح فإنماً كانت تلك الخشية في عهد عمر ثم زالت. وقد قال عروة نفسه كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: (( وكنا نقول لا نتخذ كتاباً مع كتاب الله، فمحوت كتبي. فوالله لوددت أن كتبي عندي وإن كتاب الله قد استمرت مريرته )) يعني قد استقر أمره وعلمت مزيته وتقرر في أذهان الناس أنه الأصل، والسنة بيان له. فزال ماكان يخشى من أ ن يؤدي وجود كتاب للحديث إلى أن يكب الناس عليه، ويدعوا القرآن.(177/38)
قال أبو رية (( وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب إلى الأمصار من كان عنده شيء فليمحه )).
أقول: وهذا منقطع أيضاً، يحيى بن جعدة لم يدرك عمر، عروة أقدم منه وأعلم جداً، وزيادة يحيى منكرة، لوكتب عمر إلى الأمصار لاشتهر ذلك، وعنده علي وصحيفته، وعند عبد الله بن عمرو صحيفة كبيرة مشهورة.
قال أبو رية (( وروى ابن سعد عن عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم ابن محمد بن يملى على أحاديث فقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أ توه بها أمر بتحريقها: مثناة كمثناة أهل الكتاب. قال فمنعني القاسم بن محمد يومئذ أن أكتب حديثاً )). أقول: وهذا منقطع أيضاً إنماولد القاسم بعد وفاة عمر ببضع عشرة سنة. ثم ذكر خبر زيد بن ثابت وقد مر ثم قال (( وعن جابر بن عبد الله بن يسار قال: سمعت علياً يخطب يقول: أعزم على كل من عنده كتاب إلا رجع فمحاه فإنما هلك الناس حين تتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم ))(177/39)
/ أقول ذكره ابن عبد البر من طريق شعبة عن جابر، ولم أ جد لجابر بن عبد الله بن يسار ذكرا وقد استوعب صاحب التهذيب مشايخ شعبة في ترجمته ولم يذكر فيهم من اسمه جابر إلا جابر بن يزيد الجعفي، فلعل الصواب (( جابر عن عبد الله بن يسار )) وجابر الجعفي ممقوت كان يؤمن برجعة على إلى الدنيا، وقد كذبه جماعة في الحديث منهم أبو حنيفة، وصدقه بعضهم في الحديث خاصة بشرطان يصرح بالسماع. ولم يصرح هنا،. وعبد الله بن يسار لا يعرف. وقد كان عند علي نفسه صحيفة فيها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما مر. فإن صحت هذه الحكاية فإنما قال (( أحاديث علمائهم )) ولم يقل (( أحاديث أنبيائهم، وكلمة (( حديث ))بمعنى (( كلام )) واشتهارها فيما كان عن النبي صلى الله عليه وسلم اصطلاح متأخر، وقد كان بعض الناس يثبتون كلام علي في حياته، وفي مقدمة صحيح مسلم عن ابن عباس ما يعلم منه أنه كان عنده كتاب فيه قضاء علي، منها ما عرفه ابن عباس ومنها ما أنكره ولفظه (( فدعا بقضاء علي فجعل يكتب منه أشياء، ويمر به الشيء فيقول: والله ما قضى بهذا علي إلا أن يكون ضل، ثم ذكر عن طاوس قال (( أتى ابن عياش بكتاب فيه قضاء علي.. . )).
فإن صحت هذه الحكاية فكأن بعض الناس كتب شيئاً من كلام علي أو غيره من العلماء فتناقله الناس فبلغ علياً ذلك فقال ما قال.
قال أبو رية (( وعن الأسود بن هلال قال: أتى عبد الله بن مسعود بصحيفة فيها حديث فدعاء بماء فمحاها ثم غسلها ثم أمر بها فأحرقت ثم قال: أذكر الله رجلا يعلمها عند أ حد إلا أعلمني به، والله لو أعلم أنها بدير هند لبلغتها. بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهوركم كأنهم لا يعلمون ).(177/40)
أقول روى الدارمي هذه القصة من وجه آخر (( عن الأشعت [بن أبي الشعتاء سليم بن أسود ] عن أبيه – وكان من أ صحاب عبد الله قال: رأيت مع رجل صحيفة فيها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فقلت له: أنسخنيها، فكأنه بخل بها، ثم وعدني أن يعطينيها، فأتيت عبد الله فإذا هي بين يديه فقال: إن ما في هذا الكتاب بدعة وفتنة وضلالة.. . أفسم لو أنها ذكرت له بدار الهند (كذا) – أراه يعني مكاناً بالكوفة بعيداً – إلا أتيته ولو مشياً ).
لا ريب أنه لم يكن في الصحيفة تلك الكلمات وفقط وإلا ما طلب استنساخها لأنه قد حفظها فيمكنه أن يكتبها إن شاء من حفظه. وعند الدارمي قصة أخرى تفسر لنا هذه، ذكرها في باب كراهية أخذ الرأي، وفيها: إن قوماً تحلقوا في المسجد (( في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة، فيكبرون، فيقول: هللوا مائة فيهللون.. . )) وذكر إنكار ابن مسعود عليهم فكأنه كان في تلك الصحيفة وصف طريقة للذكر بتلك الكلمات ونحوها بعدد مخصوص وهيأة مخصوصة كما يبينه قول ابن مسعود (( إن ما في الكتاب بدعة وفتنة وضلالة )).
وقد ذكر الدارمي رواية أ خرى في صحيفة جئ بها من الشام فمحاها ابن مسعود. وفيها ((فقال مرة [ابن شرحبيل الهمداني أحد كبار أصحاب ابن مسعود]: أما إنه لوكان من القرآن أو السنة لم يمحه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب )).
ثم قال أبو رية ص25 (( هناك غير ذلك أخبار كثيرة.. . )).
أقول: ذكر ابن عبد البر عن مالك (( أن عمر أراد أن يكتب الأحاديث أو كتبها ثم قال: لا كتاب مع كتاب الله )) وهذا معضل، وقد مرت رواية عروة عن عمر وبيان وجهها.
وذكر عن أبي بردة بن أ بي موسى أنه كتب من حديث أبيه، فعلمه أبوه فدعا بالكتاب فمحاه. وقد أخرج الدارمي نحوه ثم أخرج عن أبي بردة عن أبيه (( أن بني إسرائيل كتبوا كتاباً فتتبعوا وتركوا التوراة )) وهذا كما مر عن عمر.(177/41)
وذكر عن أبي نضرة قال (( قيل لأبي سعيد [ الخدري ] لو أكتبتنا الحديث فقال: لا نكتبكم، خذوا عنا كما أخذنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم ذكره من وجه آخر في سنده من لم أ عرفه وفيه (( أتريدون أن تجعلوها مصاحف )) ثم من وجه ثالث بنحوه. وهذا من أبي سعيد بمعنى ما مر عن عمر وأبي موسى.
وذكر عن سعيد بن جبير قال (( كنا نختلف في أشياء فكتبتها في كتاب ثم أتبت بها ابن عمر أ سأله عنها خفياً فلو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه )) في رواية كتب إلي أهل الكوفة مسائل ألقى بها ابن عمر، فلقيته فسألته عن الكتاب ولو علم أن معي كتاباً لكانت الفيصل بيني وبينه )). وهذا ليس مما نحن فيه إ نما هوباب كراهية الصحابة أن تكتب فتاواهم وما يقولونه برأيهم.
وذكر عن ابن عباس أنه قال (( إنا لا نكتب العلم ولا نكتبه )). وقد ذكر عن هارون بن عنترة عن أبيه أن ابن عباس أرخص له أن يكتب.
هذا وقد أخرج الدارمي بسند رجاله ثقات عن أنس أنه كان يقول لبنيه (( يا بني قيدوا هذا العلم )) وذكر ابن عبد البر ولفظه (( قيدوا العلم بالكتاب )) وروى هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم ومن قول عمر ومن قول ابن عمر، وإنما يصح من قول أنس رضي الله عنه.
وروى الدارمي وابن عبد البر وغيرهما بسند حسن أن أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه سئل عن كتاب العلم فقال: لا بأس به.
وأخرج الدارمي وغيره بسند رجاله ثقات عن بشير بن نهيك وهو ثقة قال (( كنت أكتب ما أسمع من / أبي هريرة، فلما أردت أن أفارقه أتيته بكتابه فقرأته عليه وقلت له: هذا ما سمعت منك؟ قال: نعم )).(177/42)
فالحاصل أن ما روى عن عمر وأبي موسى من الكراهة إنما كان كما صرحا به خشية أن يكب الناس على الكتب ويدعوا القرآن، وأما من عاش بعدهما من الصحابة فمنهم أ بو سعيد بقي على الامتناع، ومنهم ابن عباس امتنع ورخص، ومنهم من رأى أنه قد زال المانع كما قال عروة الراوي امتناع عمر (( إن كتاب الله قد استمرت مريرته )) وقد مر ذلك ورأوا أن الحاجة إلى الكتابة قد قويت لأن الصحابة قد قلوا وبقاء الأحاديث تتناقل بالسماع والحفظ فقط لا يؤمن معه الخلل فرأوا للناس الكتابة كما مر عن أبي هريرة وأبي أمامة وأنس رضي الله عنهم.
وأما التابعون فغلبت فيهم الكتابة إلا أن من كان ذا حافظة نادرة كالشعبي والزهري وقتادة كانوا لا يرون إبقاء الكتب لكن يكتب ما يسمع ثم يتحفظه فإذا
أتقنه محاه- وأكثرهم كانت كتبه باقية عنده كسعيد بن جبير والحسن البصري وعبيدة السلماني ومرة الهمداني وأبي قلابة الجرمي وأبي المليح وبشير بن نهيك وأيوب السختياني ومعاوية بن قرة ورجاء بن حيوة وغيرهم. [ مقتبس من كتاب العلم لابن عبد البر، وسنن الدارمي، وغيرهما]
ثم قال أبو رية (ص25): (( ولئن كانت هناك بعض أحاديث رويت في الرخصة
بكتابة الأحاديث فإن أحاديث النهي أصح، بله ما جرى عليه العمل في عهد الصحابة والتابعين )).
أقول: قد علمت أنه ليس في النهي غير حديثين أحدهما متفق على ضعفه وهو المروى عن زيد بن ثابت، والثاني مختلف في صحته وهو حديث أبي سعيد، فأما أحاديث الإذن فلو لم يكن منها إل حديث أبي هريرة في الإذن لعبد الله بن عمرو لكان أصح مما جاء في النهي. أما الصحابة والتابعون فقدتقدم ويأتي ما فيه كفاية.
ثم قال أبو رية (ص25-27) عن مجلة المنار كلاماً بدئ فيه بمحاولة الجمع بين حديث النهي وقصة (( اكتبوا لأبي شاه )) بأن ما أمر بكتابته لأبي شاه من الدين العام,، وأن النهي كان عن كتابه سائر الأحاديث التي هي من الدين الخاص.(177/43)
أقول: نظرية (( دين عام ودين خاص )) مردودة عليه، وقد تقدمت الإشارة إليها ص15. وحديث الأذان لعبد الله بن عمرو قاطع لشغبه لابتة.
قال صاحب المنار ((ولنا أن نستدل على كون النهي هو المتأخر بأمرين، أحدهما استدلال من روي عنهم من الصحابة الامتناع عن الكتابة ومنعها بالنهي عنها وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم )).
أقول: لم يثبت استدلال أحد منهم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم، فالمروى عن زيد بن ثابت متفق على ضعفه، / وعن أبي سعيد روايتان إحداهما فيها الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيها امتناع أبي سعيد، ونحن لم نقل في هذا إنه منسوخ إنما قلنا إنها إ ما خطأ والصواب عن أبي سعيد من قوله، كما قال البخاري وغيره، وإما محمول على أمر خاص تقدم بيانه. وثانيتهما رواية أبي نضرة عن أبي سعيد ا متناعه هو، وليس فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى. وقد بقيت صحيفة علي عنده إلى زمن خلافته، وكذلك بقيت صحيفة عبد الله بن عمرو عنده وعند أولاده كما مر، فلو كان هناك نسخ لكان بقاء الصحيفتين دليلاً واضحاً جداً على أن الإذن هو المتأخر، وتقدم أن عمر عزم على الكتابة وأشار عليه الصحابة بها ثم تركها لمعنى آ خر، ولم يذكروا نهياً كان من النبي صلى الله عليه وسلم – وذلك صريح فيما قلنا، وقد أجاز الكتابة من الصحابة عبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو أمامة وأنس رضي الله عنهم، وروى هارون بن عنتزة عن أبيه، أن ابن عباس رخص فيها ثم أجمعت عليها الأمة.
قال (ص26): وثانيهما عدم تدوين الصحابة الحديث ونشره )).(177/44)
أقول أما النشر فقد نشروه بحمد الله تعالى، وبذلك بلغنا. وأما التدوين فيعني به الجمع في كتاب كما جمعوا القرآن، فاعلم أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ القرآن وبيانه وهو السنة كما مر، وما تكفل الله بحفظه فلابد أن يحفظ وقدعلمنا من دين الله أن عاى عباده مع إيمانهم بحفظ ما تكفل بحفظه أن يعملوا ما من شأنه في العادة حفظ ذاك الشيء، وأنه لا تنافى بين الأمرين. وفي جامع الترمذي والمستدرك وغيرها عن أبي خزامة عن أبيه قال (( قلت: يا رسول الله أرأيت رقي نسترقى بها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ قال: هو من قدر الله )) فأما القرآن فأمروا بحفظه بطريقين: الأولى حفظ الصدور، وعليها كان اعتمادهم في الغالب. الثانية بالكتابة فكان يكتب في العهد النبوي في قطع صغيرة من جريد النخل وغيرها، فلما غزا المسلمون اليمامة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل استحر القتل بالقراء قبل أن يأخذ عنهم التابعون، فكان ذلك مظنة نقص في الطريق الأولى، فرأى عمر المبادرة إلى تعويض ذلك بتكميل الطريق الثانية، فأشار على أبي بكر بجمع القرآن في صحف، فنفر منه أبو بكر وقال(( كيف تفعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ))؟ فقال عمر (( هو والله خير )) يريد أنه عمل يتم به مقصود الشرع من حفظ القرآن، وعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم له إنما كان لعدم تحقق المقتضى وقد تحقق، ولا يترتب على الجمع محذور، فهو خير محض. فجمع القرآن في صحف بقيت عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند ابنته حفصة / أم المؤمنين حتى طلبها(177/45)
عثمان في خلافته وكتب المصاحف. ومعنى هذا أنه طول تلك المدة التي لم تبد حاجة إلى تلك الصحف بل بقي القراء يبلغون القرآن من صدورهم ومنهم من كتب من صدره مصحفاً لنفسه، فلما كان في زمن عثمان احتيج إلى تلك الصحف لاختيار الوجه الذي دعت الحاجة إلى قصر الناس على القراءة به دون غيره- وكتب عثمان بضعة مصاحف وبعث بها إلى الأمصار لا لتبليغ القرآن بل لمنع أن يقرأ أحد بخلاف ما فيها.
هذا شأن القرآن. فأما السنة فمخالفة لذلك في أمور: الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعن بكتابتها بل اكتفى بحفظهم في صدورهم وتبليغهم منها أي بنحو الطريق الأولى في القرآن. الثاني أنها كانت منتشرة لا يمكن جمعها كلها بيقين. الثالث أنه لم يتفق لها في عهد الصحابة ما اتفق للقرآن إذ استحر القتل بحفاظه من الصحابة قبل أن يتلقاه التابعون، فإن الصحابة كانوا كثيراً ولم يتفق أن استحر القتل بحفاظ السنة منهم قبل تلقي التابعين. الرابع أنهم كانوا إذا هموا بجمعهارأوا أنه لن يكون كما قال عمر في جمع القرآن: (( هو والله خير )) أي خير محضن لا يترتب عليه محذور.
كانوا يرون أنه يصعب جمعها كلها، وإذا جمعوا ما أمكنهم خشوا أن يكون ذلك سبباً لرد من بعدهم ما فاتهم منها وقد مر ص24 عن أبي بكر في سبب تحريقه ما كان جمعه منها (( أو يكون قد بقي حديث لم أجده فيقال لو كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ماخفي على أبي بكر )) وخشوا أيضاً من جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن أن يقبل الناس على تلك الكتب ويدعوا القرآن لما مر ص25 عن عمر وص27 عن أبي موسى، فلذلك رأوا أن يكتفوا بنشرها بطريق الرواية ويكلوها إلى حفظ الله تعالى الذي يؤمنون به.
ثم ذكر ص26أشياء قد تقدم الجواب عنها ثم قال (( وكون التابعين لم يدونوا الحديث إلا بأمر الأمراء )).(177/46)
أقول:وجمع القرآن إنما كان بأمر الأمراء أبي بكر وعمر وعثمان فإن قيل هم أمراء المؤمنين وأئمة في العلم وأئمة في التقوى، قلنا فعمر بن عبد العزيز كذلك في هذا كله وهو الآمر بالتدوين، وتبعه الخلفاء بعده.
قال((يؤيد ما ورد أنهم كانوا [ قبل ذلك ] يكتبون الشيء لأجل حفظه ثم يمحونه )).
أقول: هذه حال بعضهم،وقد تقدم ص 27-28 أن جماعة كانوا يكتبون ويبقون كتبهم.
قال (( وإذا أضفت إلى هذا ما ورد في عدم رغبة كبار الصحابة في التحديث بل في رغبتهم عنه )).
أقول: سيأتي رد هذا مفصلاً. والتحقيق أن بعض كبار الصحابة يرون أن تبليغ الأحاديث إنما يتعين / عند وقت الحاجة، ويرون أنهم إذا بلغوا بدون حضور حاجة فقد يكون منهم خطأ ما قد يؤاخذون به، بخلاف ما إذا بلغوا عند حضور الحاجة فإن ذلك متعين عليهم، فإما أن يحفظهم الله تعالى من الخطأ، وإماأن لا يؤاخذهم، لهذا رويت الأحايث عنهم كلهم، ولم ينقل عن أحد منهم أنه كان عنده حديث فتحققت الحاجة إلى العمل به فلم يحدث به.
وكان جماعة آخرون من الصحابة يحدثون وإن لم تتحقق حاجة، يرون أن التبليغ قبل وقت الحاجة مرغب فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((حدثوا عني ولا حرج)) وغير ذلك من الأدلة الداعية إلى نشر العلم وتبليغ السنة. ولكل وجهة، وكلهم على خير، على أنه لما قل الصحابة رجحت كفة الفريق الثاني.
قال (( بل في نهيهم عنه )).
أقول: لم ينهوا، وكيف ينهون وما من أحد منهم إلا وقد حدث بعدد من الأحاديث، أ و سأل عنها، وإنما جاء عن عمر أنه نهى عن الإكثار، ومرجع ذلك إلى أمرين: الأول استحباب أن لا يكون التحديث إلا عند حضور الحاجة.
الثاني:ما صرح به من إيثار أن لا يشغل الناس – يعني بسماع الأحاديث دون حضور حاجة – عن القرآن.
وجاء عنه كما يأتي (( أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فيما يعمل به )) و(( العمل )) في كلامه مطلق، يعم العبادات والمعاملات والآداب، لا كما يهوى أبو رية.(177/47)
قال (( قوي عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث (كلها) ديناً عاماً دائماً كالقرآن )).
أقول: هذه نظريته القائلة (( دين عام ودين خاص )) والذي يظهر من كلماته أن الدين العام الدائم هو الدين الحقيقي اللازم وأنه كما عبر عنه فيما مضى ص15 (( المتفق عليه )) وعلى هذا فمقصوده أن ما ذكر هنا يقوي عند مخاطبه أ ن الصحابة كانوا لا يوجبون العمل بالأحاديث الثابتة عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قدراً يسيراً هو الذي اتفقوا ووافقهم بقية الأمة بعدهم على العمل به، وأن ما زاد على ذلك فالأمر فيه على الاختيار: من شاه أخذ، ومن شاء ترك. بل إنهم كانوا يرون من الخير أمانة تلك الأحاديث !
فإن كان هذا مراده فبطلانه معلوم من الدين قطعاً. وحسبك أنه لم يحد أحداً من علماء الأمة ينسب إليه هذا القول بحق أو باطل سوى ما مر ص15 من نسبته أو نحوه إلى الغزالي، وقدمنا بيان بطلان تلك النسبة. هذا ونصوص الكتاب والسنة والمتواتر عن الصحابة وإجماع علماء الأمة، كل ذلك يبطل قوله هذا قطعاً على أن نظريته هذه لا تقتصر على إهمال الأحاديث الصحيحة بل تتضمن كما تقدم ص15 إهمال دلالات القرآن/ التي نقل ما يخالفها عن بعض من نسب إلى العلم ولو واحداً فقط، فعلى زعمه دلالات القرآن الظاهرة والأحاديث الصحيحة ولو رواها عدد من الصحابة لا يلزم المسلم أن يعمل بشيء منها قد نقل عن منسوب إلى العلم ما يخالفه
وإن كان الجمهور على وفق ذلك الدليل،كأن عنده أن العالم إن خالف الدليل فهو معصوم من أن يغلط أو يغفل أو يزل أو يضل، وإن وافق الدليل فليس بمعصوم. هذا حكمهم غير متفقين، فأما إذا اتفقوا فهم معصومون إلا في مخالفتهم لنظرية هذه.
قال ((ولو كانوا فهموا من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لكتبوا أو لأمروا بالكتابة ولجمع الراشدون ما كتب وضبطوا ما وثقوا به ولم يكتفوا بالقرآن والسنة المتبعة المعروفة للجمهور بجريان العلم بها )).(177/48)
أقول: قد بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب مصحفاً، وأن أبا بكر وعمر وعثمان مدة من ولايته لم يكتبوا إلا مصحفاً واحداً بقي عندهم لا يكاد يصل إليه أحد، فما بالك بالإرسال إلى العمال، وإن عثمان إنما كتب وبعث بضعة مصاحف إلى بعض الأقطار لمنع الناس من القراءة بخلاف ما فيها، وقد علمنا أنه لم يحفظ القرآن كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفر يسير، أربعة أو نحوهم، وذكر ابن سعد وغيرهم أن أبابكر وعمر ماتا قبل أن يحفظا القرآن كله. وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر جماعة من العمال لم يحفظ كل منهم القرآن كله ولا كان عنده مصحف، فهل يقال لهذا إن القرآن لم يكن حينئذ من الدين العام؟ نعم كان العامل يحفظ طائفة من القرآن ويعلم جملة من السنة، فكان يبلغ هذا وهذا. ومن عرف وضع الشريعة عرف الحقيقة:إن وضع الشريعة عدم الإعنات، وتوجيه معظم العناية إلى التقوى. كان كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هاجروا من مكة إلى الحبشة، ونزل بعدهم قرآن وأحكام، وجعلت كل من الظهر والعصر والعشاء أربعاً بعد أن كانت ركعتين، وحولت القبلة وغير ذلك، فلم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عقب تجدد حكم من هذه وغيرها يبعث رسلاً إلى من بالحبشة أو إلى غيرهم ممن بعد عنه يبلغهم ذلك، بل كان يدعهم على ماعرفوا حتى يبلغهم ما تجدد اتفاقاً، وجاء أنه صلى الظهر إلى الكعبة أول ما صلى(177/49)
إليها، فخرج ممن كان معه لحاجته فمر وقت العصر ببي حارثة- وهم في بعض أطراف المدينة – وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأخبرهم فاستداروا إ لى الكعبة فأتموا صلاتهم. وهكذا تحريم الكلام في الصلاة وتحريم الخمر،ومن المتفق عليه فيما أعلم أنه ليس واجباً على الأعيان / حفظ القرآن سوى الفاتحة، ولا تعلم القراءة والكتابة واتخاذ مصحف، ولايجب على الرجل أن يتعلم الفريضة إلا قرب العلم بها. وإنما الواجب أن يكون في الأمة علماء، ثم على العامي أن يسأل عالماً ويعمل بفتواه، وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه يكتفى في العامل أن يكون – مع حفظه لما شاء الله من القرآن – عارفاً بطائفة حسنة من السنة ثم يقال له: إذا لم تجد الحكم في الكتاب والسنة فاسأل من ترجو أن يكون عنده علم، فإن لم تجد فاجتهد رأيك، وقد كان أبو بكر وعمر إذا لم يجدا الحكم في الكتاب ولا فيما يعلمانه من السنة سألا الصحابة فإذا أخبرا بحديث أخذا به، وربما أخبرهما من هو دونهما في العلم والفضل بكثير. وترى في رسالة الشافعي عدة قضايا لعمر من هذا القبيل. وإذ كان الواجب على الأمة أن يكون فيها علماء كل منهم عارف بالقرآن عارف بجملة حسنة من السنة ليعمل ويفتي ويقضي بما علم ويسأل من تيسر له من العلماء عما لم يعلم فإن لم يجد اجتهد فقد كان الصحابة يعلمون أن منهم عدداً كثيراً هكذا وأن من تابعيهم عدداً كثيراً كذلك لا يزالون في ازديار، وأن حال من بعدهم سيكون كذلك، وأن القرآن والسنة موجودان بتمامهما عند أولئك العلماء مافات أحدهم منهما فموجود عند غيره، رأوا أن هذا كاف في أداء الواجب عليهم مع الإيمان التام بأن الله تعالى حافظ لشريعته، نعم فكروا في الاحتياط لجمع السنة فعرض لهم خشيةُ أن يؤدي ذلك إلى محذور كما مر فكفوا عنه. مكتفين بما ظهر لهم من حرص المسلمين وما آمنوا به من حفظ رب العالمين. وغاية ما يخشى بعد هذا أن يجهل العالم شيئاً من السنة ولا يتيسر له من(177/50)
يخبره بها فيجتهد فيخطئ. وهذا في نظر الشرع ليس بمحذور كما علم مما مر في حال من كان من المسلمين بعيداً عن المدينة إذ بقوا مدة يصلون الرباعية ركعتين ويتكلمون في الصلاة ويصلون إلى بيت المقدس ويستحلون الخمر بعد نزول الأحاكم المخالفة لذلك حتى بلغتهم. وكما أذن الله تعالى أن يبنيى المسلم على ظنه وإن اتفق له أن ينكح أخته وهو لا يدري وأن يقتل مسلماً يحسبه كافراً وأن يأكل لحماً يظنه حلالاً فبان لحم خمزير ميت وغير ذلك. إنما المحذور أن تدع الدليل الشرعي عمداً اتباعاً منك لقول عالم قد يجهل ويذهل ويغفل ويغلط ويزل، وأشد من ذلك وأضر وأدهى وأمر ما يول صاح بتلك النظرة: إن الدليل الشرعي إذا وجد قول لعالم يخالفه ينزل بذلك عن الدين العام اللازم إل الدين الخاص الاختياري،من شا ه أخذ ومن شاء ترك،/ ومن خالف كل دليل من هذا القبيل مع علمه بها وعقله لها واقتصر على ما لم يخالفه أحد (( كان مسلماً ناجياً في الآخرة مقرباًً عند الله تعالى )) كما تقد م عنه ص 16، فهذا هو المحذور عند من يعقل.
قال (( وبهذا ييسقط قول من قال: إن الصحابة كانوا يكتفون في نشر الحديث بالرواية )).
أقول: قد عرفت الحقيقة ولله الحمد، وعرفت ما هو الساقط.
قال: (( وإذا أضفت إلى ذلك حكم عمر بن الخطاب على أعين الصحابة بما يخالف بعض تلك الأحاديث )).
أقول: كان عليه أن يبينها، فإن كان يريد مطاعن الرافضة في أمير المؤمنين عمر فجوابها في منهاج السنة وغيره، ويكفينا هنا أن نسأله: هل علمت عمر ثبت عنده حيديث فتركه لغير حجة قائلاً: لا يلزمنا الأخذ بالأحاديث؟
قال (( ثم ماجرى عليه علماء الأمصار في القرن الأول والثاني من اكتفاء الواحد منهم كأبي حنيفة بما بلغه ووثق به من الحديث وإن قل وعدم تعنيه في جمع غيره إليه ليفهم دينه ويبين أحكامه )).(177/51)
أقول: لزم أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان يأخذ عنه مدة، وكان حماد كثير الحديث، ثم أ خذ عن عدد كثير غيره كماتراه في مناقبه، وقلة الأحاديث المروية عنه لا تدل على قلة ما عنده، ذلك أنه لم يتصدى للرواية، وقد قدمنا أن العالم لا يكلف جمع السنة كلها، بل إذا كان عارفاً بالقرآن وعنده طائفة صالحة من السنة بحيث يغلب على اجتهاده الصواب كان له أن يفتي، وإذا عرضت قضية لم يجدها في الكتاب والسنة سأل من عنده علم بالسنة، فإن لم يجد اجتهد رأيه. وكذلك كان أبو حنيفة يفعل، وكان عنده في حلقته جماعة من المكثيرين في الحديث كمسعر وحبان ومندل، والأحايدث التي ذكروا أنه خالفها قليلة بالنسبة إلى ما وافقه، وما من حديث خالفه إلا وله عذر لا يخرج إن شاء الله عن أعذار العلماء، ولم يدع هو العصمة لنفسه ولا ادعاها له أحد، وقد خالفه كبار أصحابه في كثير من أقواله، وكان جماعة من علماء عصره ومن قرب منه ينفرون عنه وعن بعض أقواله، فإن فرض أنه خالف أحاديث صحيحة بغير حجة بينة فليس معنى ذلك أنه زعم أن العمل بالأحاديث الصحيحة غير لازم، بل المتواتر عنه ما عليه غيره من أهل العلم أنها حجة، بل ذهب إلى أن القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء اتباعاً لحديث ضعيف[ وذكر ابن القيم في إعلام الموقعين مسائل أخرى لأبي حنيفة من هذا القبيل وكذلك غيره] ومن ثم ذكر أصحابه أن من أصله تقديم الحديث الضعيف – بله الصحيح – على القياس.
قال (( قوى عندي ذلك الترجيح )).
أقولك أما عند من يعرف دينه فهيهات.
/ قال (( بل تجد الفقهاء بعد اتفاقهم على جعل الأحاديث أصلاً من أصول الأحكام الشرعية، وبعد تدوين الحفاظ لها في الدواوين وبيان ما يحتج به وما لا يحتج(177/52)
به لم يتفقوا على تحرير الصحيح والاتفاق على العمل به. فهذه كتب الفقه في المذاهب المتبعة – ولا سيما كتب الحنفية فالمالكية فالشافعية- فيها مئات من المسائل المخالفة للأحاديث المتفق على صحتها، ولا يعد أ حد منهم مخالفاً لأصول الدين ))
أقول: أما ما اعترفت به من اتفاقهم على أن الأحاديث الصحيحة أصل من أصول الأحكام الشرعية، فحجة عليك وعليهم مضافة إلى سائر الحجج. وأما عدم اتفاقهم على تحرير الصحيح وعدم اتفاقهم على العمل به فأنما حاصه أنهم يختلفون في صحة بعض الأحاديث، وذلك قليل بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه، ويتوقف بعضهم عن الأخذ ببعضها بدعوى أنه منسوخ أو مؤول أو مرجوح، وليس في ذلك مخالفة للأصل الذي اتفقوا عليه.
فإن قيل: منهم من يتعمد رد الصحيح بدعوى ضعفه أو نسخه أو تأويله أو رجحان غيره عليه وهو يعلم أنه لا شيء من ذلك.قلنا: لنا الظاهر والله يتولى السرائر – على أنهم قد تراموا بهذا زمناً طويلاً وجرت فتن وحروب ثم ملوا فمالوا إلى التجامل وحسن الظن غالباً. وعلى كل حال فلا متشبث لك فيما ذكر، والفرق واضح بين من يستحل معلناً قتل المؤمنين بغير حق، ومن يقول: قتل المؤمن حرام، ثم يتفق له أن يقتل مؤمناً قائلاً: حسبته كافراً حربياً، وإن فرض دلالة القرائن على كذبه.
قال (( وقد أورد ابن القيم في إعلام الموقعين شواهد كثيرة جداً من رد الفقهاء للأحاديث الصحيحة عملاً بالقياس ولغير ذلك )).
أقول: القياس في الجملة دليل شرعي. وعلى كل حال فلا متنفس لك في ذلك كما مر.
قال (( ومن أغربها أخذهم ببعض الحديث الواحد دون باقيه، وقد أورد لهذا
أكثر من ستين شاهداً )).
أقول: نصف عليك، ونصف ليس لك.
ثم ذكر أبو رية (ص27-28) كلاما قد تقدم جوابه مستوفي ولله الحمد
الصحابة ورواية الحديث(177/53)
/ ذكر أبو رية (ص29) تحت هذا العنوان أن الصحابة (( كانوا يرغبون عن رواية الحديث، وينهون عنه، وأنهم كان يتشددون في قبول الأخبار تشديداً قوياً )).
أقول: دعوى عريضة، فما دليلها؟
قال (( روى الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ قال: ومن مراسيل ابن أبي مليكة أن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه )).
أقلو: قدم الذهبي في التذكرة قول أبي بكر للجدة (( ما أجد في كتاب الله شيئاً، وما علمت أن رسو ل الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئاً، ثم سأل الناس – الخ )).
فقضى بما أخبره المغيرة ومحمد بن مسلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر الذهبي هذا الخبر – ولا ندري ما سنده إلى ابن أبي مليلكة، وبين الذهبي أنه مرسل أي منقطع، لأن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر ولا كاد، ومثل ذلك ليس بحجة، إذ لايدرى ممن سمعه، ومع ذلك قال الذهبي (( مراد الصديق التثبت في الأخبار والتحرى، لا سد باب الرواية.. . ولم يقل حسبنا كتاب الله كما تقوله الخوارج )).
أقول: المتواتر عن أبي بكر رضي الله عنه، أنه كان يدين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله، وأخذ بحديث (( لا نورث )) مع مايتراءى من مخالفته لظاهر القرآن،(177/54)
وأحاديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم موجودة في دواوين الإسلام، وقد استدل أبو رية (كما مر ص24) بما روي أن أبا بكركتب خمسمائة حديث ثم أتلف الصحيفة وذكر ممما يخشاه إن بقيت قوله (( أبو يكون قد بقي حديث لم أ جده فيقال لو كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي على أبي بكر. وقد ذكر أهل العلم أن أصول أحاديث الأحاكم نحو خمسمائة حديث. انظر أعلام الموقعين 342:2وفيه 61:1 (( عن ابن سيرين قال... وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد في كتاب الله منها أصلاً ولا في السنة أثراً فاجتهد رأيه ثم قال: هذا رأيي فإن كان صواباً فمن الله.. . )) وفيه 70:1 (( عن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى.. . وإن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن وجد فيها ما يقضي به قضي به، فإن أعياه ذلك سأل الناس: هل علمتم أن رسول الله صلى الله علي وسلم قضى فيه.. . )). / وفيه 379:3 (( لا يحفظ للصديق خلاف نص واحدٍ أبداً )). وفي تاريخ الإسلام للذهبي 381:1 في قصة طويلة عن أبي بكر (( وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. . وأني سألته عن العمة وبنت لأخ فإن في نفسي منها حاجة )) فإن كان لمرسل بن أبي مليكة أصل فكونه عقب الوفاة النبوية يشعر بأنه يتعلق بأمر الخلافة، كأن الناس عقب البيعة بقوا يختلفون يقول أحدهم: أبو بكر أهلها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كيت وكيت. فيقول آخر (( وفلان قد قال له النبي صلىالله عليه وسلم كيت وكيت، فأحب أبو بكر صرفهم عن الخوض في ذلك وتوجيهم إلى القرآن وفيه (( وأمرهم شورى بينهم )).(177/55)
قال أبو رية (( وروى ابن عساكر عن [إبراهيم بن ] عبد الرحمن بن عوف قال: والله مامات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذيفة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر قال: ما هذا الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ قالوا تنهانا؟ قال [لا]، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم، نأخذ منكم ونرد عليكم، فما فارقوه حتى مات.
أقول: أخذ أبو رية هذا من كنز العمال 239:1 وأسقط منه ما أضفته بين حاجزين. وفي خطبة كنز العمال 3:1 إن كل ما عزى فيه إلى تاريخ ابن عساكر فهو ضعيف، وعبد الله بن حذيفة غير معروف، إنما في الصحابة عبد الله ابن حذافة، وهو مقل جداً لا يثبت عنه حديث واحد، فلا يصلح لهذه القصة. وفي سماع إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف من عمر خلاف والظاهر أنه لا يثبت ثم إن هؤلاء النفر لم يكونوا جميع الصحابة، بل كان كثير جداً من الصحابة في الأمصار والأقطار يحدثون.
قال أبو رية (( وفي رواية ابن حزم في ا لأحكام أنه حبس ابن مسعود وأبا موسى وأبا الدرداء في المدينة على الإكثار من الحديث )).
أقول: هذا من أحكام ابن حزم 39:3، وتعقبه بقوله (( مرسل ومشكوك فيه.. . ثم هو في نفسه ظاهر الكذب والتوليد.. ))وسيأتي الكلام في الإكثار.
قال (ص30): (( وروا ابن عساكر عن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس. وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث [عن الأول] أو لألحقنك بأرض القردة )).
/ أقول: قد علمت حال تاريخ ابن عساكر، وقد أعاد أبو رية هذا الخبر (ص163) ويأتي الكلام عليه هناك وبيان سقوطه. وأسقط أبو رية هناكلمة (( عن الأول )) لغرض خبيث، وصنع مثل ذلك ص115وص126 وفعل ص163 فعلة أخرى، ويأتي شرح ذلك في الكلام عليها إن شاء الله.(177/56)
قال (( وكذلك فعل معهما عثمان بن عفان )). أقول: لم يعزه، ولم أجده قال (( وروى ابن سعد وابن عساكر عن محمود ابن لبيد[تحرف على أبي رية بلفظ (( محمود بن عبيد )) لم ينبه على تصحيحه] قال سمعت عثمان ابن عفان على المنبر يقول: لا يحل لأحد يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر،فإنه لم يمنعني أن أحدث عن رسول الله أن لا أكون أوعى أصحابه، إلا أني سمعته يقول:من قال علي مالم أقل فقد تبوأ مقعده من النار)).
أقول: هو عند ابن سعد عقب السيرة النبوية في باب (( ذكر من كان يفتي بالمدينة )) رواه ابن سعد عن محمد بن عمر الأسلمي وهو الواقدي أحد المشهورين بالكذب، وكان ابن عساكر رواه من طريقه، وحال تاريخ ابن عساكر قد مر، وأحاديث عثمان ثابتة في أمهات الحديث كلها، ولم يزل يحدث حتى قتل.
قال (( وفي جامع بيان العلم.. . عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: خرجنا نريد العراق، فمشى معنا عمر إلى صرار ثم قال لنا: أتدرون لم مشيت معكم ؟ قلنا أردت أن تشيعنا وتكرمنا، قال: إن مع ذلك لحاجة خرجت لها، إنكم لتأتون بلدة لأهلها دوىّ كدوى النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وأنا شريككم.
قال قرظة: فما حدثت بعده حديثاً عن رسول الله.. . وفي رواية أخرى: إنكم تأتون أهل قرية لها دوي بالقرآن كدوي النحل،فلا تصدوهم بالأحاديث لتشغلوهم، جردوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله.
وفي الأم الشافعي.. . فلما قدم قرظة قالوا:حدثنا. قال: نهانا عمر ))
أقول اختلف في وفاة قرظة والأكثرون أنها كانت في خلافة علي، ووقع في صحيح مسلم في رواية ما يدل أنه تأخر بعد ذلك ولعلها خطأ.وسماع الشعبي منه غير متحقق، وقد جزم ابن حزم في الأحكام 138:2 بأنه لم يلقه، ورد هذا الخبر وبالغ كعادته، ومما قاله: إن عمر نفسه رويت عنه خمسمائة حديث ونيف فهو(177/57)
مكثر بالقياس إل المتوفين قريباً من وفاتته. أقول: مع اشتغاله بالوزارة لأبي بكر ثم بالخلافة. وكذلك رده ابن عبد البر في كتاب العلم 121:2-123 وأطال، قال (( والآثار الصحاح عنه (أي عمر) من رواية أهل المدينة بخلاف حديث قرظة هذا، وإنما يدل على بيان عن الشعبي وليس مثله حجة في هذا الباب لأنه يعارض السنة والكتاب )) وذكر آيات وأحاديث وآثاراً عن عمر في الحض على تعلم السنن، والشعبي لم يذكر في طبقات المدلسين، لكن ذكر أبو حا تم في ترجمة سلميان بن قيس اليشكري أن أكثر ما يرويه الشعبي عن جابر إنما أخذه الشعبي من صحيفة سليمان بن قيس اليشكري عن جابر، وهذا تدليس. ثم أقول: كان قد تجمع في العراق كثير من العرب من أهل اليمن وغيرهم وشرعوا في تعلم القرآن، فكره عمر أن يشغلوا عنه بذكر مغازى النبي صلى الله عليه وسلم ونحوها من أخباره التي لا حكم فيها. ولا مانع أن يجب / فيما فيه حكم أن تتوخى به الحاجة، وإن كان الخبر الآتي يخالف هذا.
قال (( وكان عمر يقول: أقلوا الرواية عن رسول الله إلا فيما يعمل به ))
أقول: عزاه إلى البداية والنهاية، وهو فيها عن الزهري، ولم يدرك عمر. وعلق عليه أبو رية قوله (( أي السنة العملية )) فإن أراد اصطلاح شيخه (( السنة العملية المتواترة )) فلا يخفى بطلانه، لأن هذا اصطلاح محدث، وإنما المراد ما يترتب عليه عمل شرعي، فيدخل في ذلك جميع الأحكام والآداب وغيرها، ولا يخرج إلا القصص ونحوها،استحب الاقلال من القصص ونحوها، ولم يمنع من الإكثار فيما فيه عمل.
ثم قال (( ولا غرابة في أن يفعل عمر ذلك لأنه كان لا يعتمد إلا على القرآن والسنة العملية، فقد روى البخاري عن ابن عباس أنه لما حضر النبي وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي: هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده. فقال عمر: إن النبي غلبه الوجع، وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله )).(177/58)
أقول: تكلم بعض المتأخرين في هذا الحديث وذكر أنه لوكانت الواقعة بنحو هذه الصورة لما أغفل الصحابة ذكرها والتنويه بشأنها، فما باله لم يذكرها إلا ابن عباس مع أنه كان صغيراً يؤمئذ. ويميل هذا المتأخر إلى أنها كانت واقعة لا تستحق الذكر تجسمت في ذهن ابن عباس واتخذت ذاك الشكل، والذي يهمنا هنا أن نتبين أنه من المعلوم بقينا أن عمر لا يدعي كفاية كتاب الله عن كل ما سواه بما فيه بيان الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك، إذن فإنما ادعى كفاية القرآن عن أمر خاص، ودلالة الحال تبين أنه ذاك الكتاب الذي عرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتبه لهم. والظاهر أنه قد كان جرى ذكر قضية خاصة بدا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لهم في شأنها، فرأى عمر أن حكمها في القرآن، وأن غاية ما سيكون في ذاك الكتاب تأكيد أو زيادة توضيح أو نحو ذلك، فرأى أنه لا ضرورة إلى ذلك مع ما فيه من المشقة على النبي صلى الله عليه وسلم في شدة وجعه.
هذا وفي رسالة الشافعي ص422-445 وإعلام الموقعين 61:1-98،74 وأحكام ابن حزم 137:2-141 وكتاب العلم لابن عبد البر 121:2-124 وغيرها آثار كثيرة تبين تمسك عمر بالأحاديث والسنن، ورجوعه إليها، وعنايته بها، وحضه على تعلمها وتعليمها، وأمره باتباعها، فمن أحب فليراجعها، ومعنى ذلك في الجملة متواتر.
/ قال أبو رية ص31 (( وروى ابن سعد في الطبقات عن السائب بن يزيد أنه صحب سعد بن وقاص من المدينة إلى مكة، قال: فما سمعته يحدثنا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى رجع )).
أقول: أحاديث سعد موجودة في كتب الإسلام، وقد قدمنا أن جماعة من الصحابة كانوا لا يحبون أن يحدثوا في غير وقت الحاجة.
قال (( وسئل عن شيء فاستعجم وقال: إني أخاف أن أحدثكم واحداً فتزيدوا عليه المائة )).(177/59)
أقول: هذا في الطبقات من طريق سعد، وهو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف عن خالته (كذا، ولعل الصواب: عن خاليه ) أنهم دخلوا على سعد ابن أبي وقاص فسئل الخ. وأحاديث أبناء سعد عنه كثيرة، والظاهر أنه كان معهم هذه المرة من لا يأتمنه سعد، ولعلهم سألوه عن شيء يتعلق بما جرى بين الصحابة.
قال (( وعن عمرو بن ميمون قال: اختلفت إلى عبد الله بن مسعود سنة فما سمعته فيها يحدث عن رسول الله ولا يقول قال رسول الله، إلا أنه حدث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه قال رسول الله فعلاه الكرب حتى رأيت العرق يتحدر عن جبينه ثم قال: إن شاء الله، إ ما فوق ذاك أو قريب من ذاك وإما دون ذلك، وفي رواية عند ابن سعد عن علقمة بن قيس أنه كان يقوم قائماً كل عشية خميس، فما سمعته في عشية منها يقول قال رسول الله غير مرة واحدة فنظرت إليه وهو يعتمد على عصا فنظرت إلى العصا تزعزع )).
أقول: رواية عمرو بن ميمون انفرد بها – فيما أعلم – مسلم البطين واضطرب فيها على أوجه، راجح مسند أحمد الحديث 3670، وفي بعض الطرق التقييد بيوم الخميس وذلك أن ابن مسعود كان يقوم يوم الخميس يعظ الناس بكلمات. وأما رواية علقمة هذا ولهذين وغيرهما عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في دواوين الإسلام، وأما كرب ابن مسعود فالظاهر أنه عرض له تشكك في ضبطه لذلك الحديث.ولهذا قال (( إن شاء الله الخ )) والأحاديث الصحيحة عنه بالجزم كثيرة، وراجع ما تقدم عنه ص 13.
قال (( وسأل مالك بن دينار ميمون الكردي أن يحدث عن أبيه الذي أدرك النبي وسمع منه فقال: كان أبي لا يحدثنا عن النبي مخافة أن يزيد أم ينقص ))
أقول: لم يعزه ولم أعثر عليه، ووالد ميمون الكردي لا يكاد يعرف. وقد ذكر في أسد الغاية والإصابة باسم (( جابان )) ولم يذكروا له شيئاً إلا أنه وقع بسند
ضعيف عن ميمون عن أبيه، فذكر حديثاً لا يصح وفيه اضطراب.(177/60)
قال (( وأخرج الدارقطني عن عبد الرحمن بن كعب قال (( قلت لأبي قتادة حدثني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أخشى أن يزل لساني بشيء لم يقله رسول الله )).
أقول: قد قدمنا أنهم كانوا لا يحبون التحديث عند عدم الحاجة، وأحاديث أبي قتادة موجودة في دواوين الإسلام.
قال (( وروى ابن الجوزي في كتاب ( دفع شبهة التشبيه ) قال: سمع الزبير رجلاً يحدث، فاستمع الزبير حتى قضى الرجل حديثه، قال له الزبير: أنت سمعت هذا من رسول الله؟ فقال الرجل: نعم. فقال: هذا وأشباهه مما يمنعني أن أتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قد لعمري سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يؤمئذ حاضر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ بهذا الحديث فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب حديثه يومئذ، فجئت أنت بعد انقضاء صدر الحديث، وذكر الرجل الذي هو من أهل الكتاب فظننت أنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أقول: أسنده البيهقي في الأسماء والصفات (ص258ط الهند ): (( أخبرنا أبو جعفر الغرابي[في مخطوط مكتبة الحرم المكي رقم203من كتب التوحيد القسم الأول (( العزائمي )) ] أخبرنا أبو العباس الصبغي حدثنا الحسن بن علي بن زياد حدثنا ابن أبي أويس حدثني ابن أبي الزناد عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن [عبد الله بن] [قوله ((عبد الله بن))أثبته من المخطوطة، وسقط من المطبوعة ] عروة بن الزبير أن الزبير بن العوام سمع رجلاً.. . )) أبو جعفر لم أعرفه والصبغي هو محمد بن إسحاق بن أيوب مجروح وابن أبي الزناد فيه كلام، وعبد الله بن عروة ولد بعد الزبير بمدة فالخبر منقطع. وكأنه مصنوع
قال ص32 (( وأخرج البخاري والدارقطني عن السائب بن يزيد قال: صحبت عبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والمقداد بن الأسود فلم أسمع الواحد منهم يحدث عن رسول الله )).(177/61)
أقول: قد حدثوا، وسمع منهم غير السائب، وحدث من هو خير منهم الخلفاء الأربعة والكثير الطيب من الصحابة رضي الله عنهم. وانتظر
قال (( وأخرج أحمد وأبو يعلى على دجين الخ )).
أقول: دجين أعرابي ليس بشيء في الرواية، وترجمته في لسان الميزان وفيها نحو هذا مع اختلاف.
قال (( وقال عمران بن حصين: والله إن كنت لأرى أني لو شئت لحدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومين متتابعين، ولكن بطأني من ذلك أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوا كما سمعت وشهدوا كما شهدت ويحدثون أحاديث ما هي كما يقول(؟) وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم )) فاعلمك أنهم كانوا يغلطون ( وفي نسخة: يخطئون) لأنهم كانوا يتعمدون )).
أقول: هذا ذكره ابن قتيبة في مختلف الحديث ص49- فقال (( روى مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين قال.. .. )) ولم يذكر سنده. وقوله (( فأعلمك الخ )) عن كلام ابن قتيبة.
/ قال (( وأخرج ابن ماجه عن عبد الله بن أبي ليلى قال: قلت لزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله قال: كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله شديد )).
أقول: أحاديث زيد موجودة في الكتب، وقد قدمنا أنهم كانوا لا يحبون أن يحدثوا بدون حضور حاجة، ويتأكد ذلك عند خشية الخطأ – وانتظر
قال (( وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: وكان كثير من جلة الصحابة
وأهل الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر و الزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه، بل كان بعضهم لا يكاد يروى عنه شيئاً كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ))
قال أبو رية (( ولو أنك تصفحت البخاري ومسلم لما وجدت فيهما حديثاً واحداً لأمين هذه الأمة أبي عبيدة عامر بن [عبد الله بن] الجراح. وليس فيهما كذلك حديث لعتبة بن غزوان وأبي كبشة مولى رسول الله وكثيرين غيرهم ))(177/62)
ثم قال أبو رية (( كان الخفاء الراشدون وكبار الصحابة وأهل الفتيا منهم كما علمت يتقون كثرة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بل كانوا يرغبون عن روايته إذ كانوا يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن كتابة حديثه وأنهم إذا حدثوا عنه قد لا يستطيعون أن يؤدوا كل ما سمعوه... على وجهه الصحيح لأن الذاكرة لا يمكن أن تضبط كل ما تسمع وماتحفظه مما تسمعه لا يمكن أن يبقى فيها على أصله.. . ما كانوا ليرضوا بما رضي به بعضهم ومن جاء بعدهم من رواية الحديث بالمعنى، لأنهم كانوا يعلمون أن تغيير اللفظ قد يغير المعنى، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كغيره إذ كل لقظة من كلامه صلى الله عليه وسلم يكمن وراءها معنى بقصده )). أقول: كان الصحابة يفتون، وكل من طالت صحبته فبلغت سنة فأكثر فهو من العلماء، وإن كان بعضهم أعلم من بعض، وقد قال الشافعي في الأم 7/:244 (( أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ممن له أن يقول في العلم )) وتبليغ الأحاديث فرض كفاية كالفتوى، فأما الصديق فقل حديثه وفتواه لأنه اشتغل بالخلافة حتى مات بعد سنتين وأشهر، وكان يكفيه غيره الفتوى والتحديث. وأما أبو عبيدة فشغل بفتح الشام حتى مات سنة 18 وكان معه في الجيش كثير من الصحابة كمعاذ بن جبل وغيره يكفونه الفتيا والتحديث. وقد جاءت عنه عدة أحاديث لم يتفق أن يكون منها ماهو على شرط الشيخين مما احتاجا إليه. وأما الزبير والعباس فكانا مشتغلين بمزارعهما غير منبسطبن لعامة الناس، فاكتفى الناس غالباً ببقية الصحابة وهم كثير. وأما سعيد / بن يزيد فكان منقبضاً ‘مقبلاً على العبادة. وأما عتبة بن غزوان فحاله كحال أبي عبيدة بقي في الجهاد والفتوح حتى مات سنة 17، وأما أبو كبشة فقديم الموت توفي يوم مات أبو بكر أو بعده بيوم. وكما قلت أحاديث هؤلاء قلت فتاواهم، مع العلم بأن الفتوى فرض كفاية، وأنه إذا لم يوجد إلا مفتٍ واحد والقضية واقعة تعينت عليه، وكما(177/63)
كانوا يتقون الفتوى في القضايا التي ليست واقعة حيننئذ حتى روي عن عمر أنه لعن من يسأل عما لم يكن. وأنه قال وهو على المنبر: وأحرج بالله على من سأل عما لم يكن، فإن الله قد بين ما هو كائن، أخرجهما الدارمي وغيره. وروى أنهم كانوا يتدافعون الفتوى، كل واحد يود أن يكفيه غيره فكذلك كان شأنهم في التحديث حين كان الصحابة متوافرين،وعامة من تقدم أنه قليل الحديث أو أنه سئل أن يحدث فامتنع، قد ثبتت عنهم أحاديث بين مكثر ومقل، وذلك يبين قطعاً أن قلة حديثهم إنما كانت لما تقدم. ويوضح ذلك أنه لم يأت عن أحد منهم ما يؤخذ منه أنه امتنع من التحديث بحديث عنده مع حضور الحاجة إليه وعدم كفاية غيره له. إ نك لا تجد بهذا المعنى حرفا ً واحداً، فاختيارهم أن لا يحدثوا إلا عند حضور الحاجة إلى تحديثهم خاصة هو السبب الوحيد لاتقاء الاكثار ولما يصح في الجملة من الرغبة عن الرواية، أما النهي عن الكتابة فقد فرغنا منه البتة فيما تقدم ص22- وأما خشية الخطأ فهذا من البواعث على تحري أن لا يحدثوا إلا عند الحاجة. راجع (ص31) قوله: إن ما وعته الذاكرة (( لا يمكن أن يبقى فيها على أصله )) إن أراد بذلك ألفاظ الأحاديث القولية فليس كما قال، بل يمكن أن يبقى بعض ذلك، بل قوله إن (( الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة وأهل الفتيا.. . لم يكونوا ليرضوا بما رضي به بعضهم.. . من رواية الحديث بالمعنى )) اعتراف منه بأن ما ثبت عن هؤلاء روايته من الأحاديث القولية قد رووه بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه الصحيح. وإن أراد الأحاديث الفعلية ومعاني القولية
فباطل، بل يبقى فيها الكثير من ذلك كما لا يخفى على أحد.
قوله (( إن تغيير اللفظ قد يغير المعنى )) قلنا: قد، ولكن الغالب فيمن ضبط المعنى ضبطاً يثق به أنه لا يغير.(177/64)
قوله (( كل لفظة من كلامه صلى الله عليه وسلم يكمن وراءها معنى يقصده )) أقول نعوذ بالله من غلو يتذرع به إلى جحود، كان صلى الله عليه وسلم يكلم الناس ليفهموا عنه، فكان يتحرى إفهامهم )) إن كان ليحدث الحديث لو شاء العاد أن يحصيه أحصاه كما في سنن أبي داود عن عائشة، وأصله في الصحيحين. وكان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم )) كما في صحيح البخاري عن أنس. ويقال لأبي رية: أمفهومة كانت / تلك المقاصد الكامنة وراء كل لفظة للصحابة، أم لا؟ إن كانت مفهومة لهم أمكنهم أن يؤدوها بغير تلك الألفاظ. وإلا فكيف يخاطبون بما لا يفهمونه؟ فأما حديث (( فرب مبلغ أوعى من سامع )) فإنما يتفق في قليل كما تفيد كلمة ((رب)) وذلك كأن يكون الصحابي ممن قرب عهده بالإسلام ولم يكن عنده علم فيؤديه إلى عالم يفهمه على وجهه، والغالب أن الصحابة أفهم لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ممن بعدهم.
تشديد الصحابة في قبول الأخبار
قال أبو رية ص33 (( كانوا يتشددون في قبول الأخبار من إخوانهم في الصحبة مهما بلغت درجاتهم ويحتاطون في ذلك أشد الاحتياط حتى كان أبو بكر لا يقبل من أحد حديثا إلا بشهادة غيره على أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أقول هذه دعوى لا تقبل إلا بدليل كأن يكون أبو بكر صرح بذلك، أو تكرر منه رد خبر الآحاد الذين لم يكن مع كل منهم آخر،وليس بيد أبي رية شيء من هذا، إنما ذكر الواقعة الآتية وسيأتي النظر فيها
قال (( روى ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت أبا بكر تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئاً، وما علمت أن رسول الله ذكر لك شيئاً ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: كان رسو الله صلى الله عليه ووسلم يعطيها السدس. فقال له: هل معك أحد.؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر )).(177/65)
أقول: هذه واقعة حال واحدة ليس فيها ما يدل على أنه لو لم يكن مع المغيرة غيره لم يقبله أبو بكر. والعالم يحب تظاهر الحجج كما بينه الشافعي في الرسالة (ص432). ومما حسن ذلك هنا أن قول المغيرة (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس )) [كما نقله أبو رية]يعطي أن ذلك تكرر من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم. وقد يستبعد أبو بكر تكرر ذلك ولم يعلمه هو مع أنه كان ألزم للنبي صلى الله عليه وسلم من المغيرة. وأيضاً الدعوى قائمة،وخير المغيرة يشبه الشهادة للمدعية ومع ذلك فهذا خبر تفرد به الزهري عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة، واحد عن واحد عن واحد. فلو كان في القصة ما يدل على أن الواحد لا يكفى لعاد ذلك بالنقض على الخبر نفسه. فكيف وهو منقطع، لأن قبيصة لم يدرك أبا بكر، وعثمان بن إسحاق وإن وثق لا يعرف في الرواية إلا برواية الزهري وحده عنه هذا الخبر وحده.
قال أبو رية (( وقد وضع بعمله هذا أول شروط علم الرواية، وهو شرط الإسناد الصحيح )).
/ أقول تلك أمانيهم، وقد بين الكتاب والسنة وجوب أن يقبل خبر العدل وقرن الله تعالى تصديقه بالإيمان به سبحانه، قال تعالى في ذكر المنافقين (61:9 ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) كلما أخبره أحد من الصحابة عنا بشر صدقه، قال تعالى ( قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن بالمؤمنين )).أي يصدقهم. وقال سبحانه (6:49 يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) فبين سبحانه أن خبر الفاسق مناف لخبر العدل فمن حق خبر العادل أن يصدق كما صرحت به الآية الأولى، ومن حق خبر الفاسق أن يبحث عنه حتى يتبين أمره(177/66)
وأما السنة فبيانها لوجوب أن يقبل خبر الواحد العدل أوضح، وقد أطال أهل العلم في ذلك وألفوا فيه، وانظر رسالة الشافعي (ص401-458) وأحكام ابن حزم (108:1) ومن أبين ما احتجوا به ما تواتر من بعث النبي صلى الله عليه وسلم آحاد الناس إلى القبائل والأقطار يبلغ كل واحد منهم من أرسل إليه ويعلمهم ويقيم لهم دينهم. قال ابن حزم (( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ إلى الجند وجهات من اليمن، وأبا موسى إلى جهة أخرى.. وأبا عبيدة إلى نجران، وعلياً قاضياً إلى اليمن، وكل من هؤلاء مضى إلى جهة ما معلماً لهم شرائع الإسلام. (( وكذلك بعث أميراً إلى كل جهة أسلمت.. . معلماً لهم دينهم ومعلماً لهم القرآن ومفتياً لهم في أحكام دينهم وقاضياً فيماوقع بينهم وناقلاً إليهم ما يلزمهم عن الله تعالى ورسوله، وهم مأمورون بقبول ما يخبرونهم به عن نبيهم صلى الله عليه وسلم. وبعثة هؤلاء المذكورين مشهورة بنقل التواتر من كافر ومؤمن لا يشك فيها أحد.. . ولا في أن بعثتهم إنما كانت لما ذكرنا. [و] من المحال الباطل الممتنع أن يبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا تقوم عليهم الحجة بتبليغه، ومن لا يلزمهم قبول ما علموهم من القرآن وأحكام الدين وما أفتوهم به في الشريعة.. .إذ لو كان ذلك لكانت بعثته لهم فضولاً، ولكان عليه السلام قائلاً للمسلمين: بعثت إليكم من لا يجب عليكم أن تقبلوا منه ما بلغكم عني، ومن حكمكم أن لا تلتفتوا إلى ما نقل إليكم عني.. . ومن قال بهذا فقد فارق الإسلام )).
والحجج في هذا الباب كثيرة، وإجماع السلف على ذلك محقق.
قال أبو رية (ص34): (( أما عمر فقد كان أشد من ذلك احتياطاً وتثبيتاً روى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبوموسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي، فرجعت، قال عمر: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله صلى(177/67)
الله عليه وسلم / (( إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع )). فقال: والله لتقيمين عليه بينة. ( زاد مسلم: وإلا أوجعتك. وفي رواية ثالثة: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا ) أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم. فكنت أصغر القوم، فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك )) قال أبو رية (( فانظر كيف تشدد عمر في أمر ليس فيه حلال ولا حرام، وتدبر ماذا يكون الأمر لو كان الحديث في غير ذلك من أصول الدين أو فروعه. وقد استند إلى هذه القصة من يقولون إن عمر كان لا يقبل خبر الواحد. واستدل به من قال إن خبر العدل بمفرده لا يقبل حتى ينضم إليه غيره... )). أقول: قد ثبت عن عمر الأخذ بخبر الواحد في أمورعديدة، من ذلك أنه كان لايورث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها. فرجع إليه عمر. وعمل بخبر عبد الرحمن بن عوف وحده في النهي عن دخول بلد فيها الطاعون وعمل بخبره وحده في أخذ الجزية من المجوس. وهذا كله ثابت، راجع رسالة الشافعي 426: وفي صحيح البخاري وغيره عن عمر أنه قال لابنه عبد الله: (( إذا حدثك سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فلا تسأل عنه غيره. وكان سعد حدث عبد الله حديثاً في مسح الخفين، فأما قصة أبي موسى فإنما شدد عمر لأن الاستئذان مما يكثر وقوعه، وعمر أطول صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأكثر ملازمة وأشد اختصاصاً، ولم يحفظ هو ذاك الحكم فاستغربه، ولهذا لما أخبره أبو سعيد عاد عمر باللائمة على نفسه فقال (( خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم )) ألهاني عنه الصفق بالأسواق )). وهذا ثابت في الصحيحين. وأنكر أبي بن كعب على عمر تشديده على أبي موسى وقال (( فلا تكن يا ابن الخطاب عذاباً على أصحاب(177/68)
رسول الله صلى الله عليه وسلم )) فقال عمر (( إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت )) وهذا في صحيح مسلم. وقد كان عمر يسمى أبياً: سيد
المسلمين. وفي الموطأ أن عمر قل لأبي موسى (( أما إني لم أتهمك، ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم )). قال ابن عبد البر (( يحتمل أن يكون حضر عنده من قرب عهده بالإسلام فخشي أن أحدهم يختلق الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرغبة والرهبة طالباً للمخرج مما يدخل فيه. فأراد أن يعلمهم أن من فعل شيئاً من ذلك ينكر عليه حتى يأتي بالمخرج )) وقد نقل أبو رية شيئاً من فتح الباري وترك ما يتصل به من الجواب الواضح عنه، فإن شئت فراجعه.(177/69)
/وقال أبو رية (ص8): (( وكان علي يستحلف الصحابي على ما يرويه له )) وقد رده البخاري وغيره كما في ترجمة أسماء من تهذيب التهذيب. وتوقيق العجلي وجدته بالاستقراء،كتوثيق ابن حبان أو أوسع، فلا يقاوم إنكار البخاري وغيره على أسماء. على أنه لو فرض ثبوته فإنما هو مزيد الاحتياط، لا دليل على اشتراطه.هذا من المتواتر عن الخلفاء الأربعة أن كلا منهم كان يقضي ويفتي بما عنده من السنة بدون حاجة إلى أن تكون عند غيره. وأنهم كان ينصبون العمال من الصحابة وغيرهم ويأمرونهم أن يقضي ويفتي كل منهم بما عنده من السنة بدون حاجة إلى وجودها عند غيره. هذا مع أن المنقول عن أبي بكر وعمر وجمهور العلماء أن القاضي لا يقضي بعلمه. وقال أبو بكر(( لو وجدت رجلاً على حد ما أقمته عليه حتى يكون معي غيري )) وقال عكرمة: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف (( لو رأيت رجلاً على حد زنا أو سرقة وأنا أمير؟ )) فقال (( شهادتك شهادة رجل من المسلمين )) قال: (( صدقت )). (راجع فتح الباري 139:13و141). ولوكان عندهم أن خبر الواحد العدل ليس بحجة تامة لما كان للقاضي أن يقضي بخبر عنده حتى يكون معه غيره، ولا كان للمفتي أن يفتي بحسب خبر عنده ويلزم المستفتي العمل به حتى يكون معه غيره. فتدبر هذا فإنه إجماع. وقد مضي به العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه الغنى.
وذكر شيئاً عن أبي هريرة، وسيأتي في ترجمته رضي الله عنه.
الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو رية (ص6):لما قرأت حديث ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) غمرني الدهش لهذا القيد الذي لا يمكن أن يصدر من رسول جاء بالصدق وأمر به، ونهى عن الكذب وحذر منه، إذ ليس بخاف أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، سواء أكان عمداً أم غير عمد )).(177/70)
ثم ذكر (ص9) أنه كلمة (متعمداً ) (( لم تأت في روايات كبار الصحابة قال: ويبدو أن هذه الكلمة قد تسللت إلى هذا الحديث على سبيل الإدراج لكي يتكئ عليها الرواة فيما يروونه عن غيرهم من جهة الخطأ أو الوهم أو الغلط.. . ذلك بأن المخطيء غير مأثوم. أو أن هذه الكلمة وضعت ليسوغ الذين يضعون الأحاديث عن غير عمد عملهم ))
ثم أ طال الكلام (ض36) فزعم أن (( الروايات الصحيحة التي جاءت عن كبار الصحابة ومنهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين / تدل على أن هذا الحديث لم تكن فيه تلك الكلمة (متعمداً)، قال: وكل ذي لب يستبعد أن يكون النبي نطق بها، لمنافة ذلك للعقل والخلق اللذين كان الرسول متصفاً بالكمال فيهما )).
أقول: أما الرواية فقد جاءت عن كبار الصحابة وغيرهم بلفظ (( من كذب على فلبيتبوأ الخ )) وبما يؤدي معناه مثل (( من قال علي ما ألم أقل الخ )) وجاءت بلفظ(( من كذب علي متعمداً فليتبوأ الخ )) وبما يؤدي معناه مثل (( من تعمد علي كذبا الخ )) راجع البخاري من فتح الباري وصحيح مسلم ومسند أحمد وتاريخ بغداد وكنز العمال 22:5 ومشكل الآثار للطحاوي 164:1-176. وقد يمكن للترجيح بالنظر إلى الرواية عن صحابي معين، فأما على الاطلاق فلا، وكما أن الله عزوجل كرر في القرآن بيان شدة الإثم في افتراء الكذب عليه فمعقول أن يكرر رسوله وها هنا بحثان:
البحث الأول في البرهان العقلي الذي اعتمد عليه أبو رية إذ قال: عن هذا القيد (متعمداً) (( لا يمكن أن يصدر من رسول الله جاء بالصدق الخ )) وقال (( وكل ذي لب يستبعد أن يكون النبي قد نطق بهالمنافة ذلك للعقل الخ ))(177/71)
أقول: ماعسى أن يقول أبو رية في قول الله عزوجل (( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته )) واقرأ (93:6و 144) و (37:7) و (17:10)و (18:11) و (15:18)و (68:29) و (70:61) كل هذه الآيات تذكر افتراء الكذب على الله، وافتراء الكذب هو تعمده والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على الكذب على الله، فلماذا لا يعقل أن يقيد النبي صلى الله عليه وسلم كما قيد القرآن؟
وقال الله سبحانه(286:2لا يكلف الله نفساً إلا وسعها[واقرأ (233:2)و(152:6)و(41:7)و(62:23)و(7:65)]لها ماكسبت وعليها ما اكتسب ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) وقد اعترف أبو رية (ص8) بأنه ليس في وسع من سمع الحديث أن لا يقع منه في تبليغه خطأ البتة، وعبارته (( وتركه يذهب بغير قيد إلى أذهان السامعين، تخضعه الذاكرة لحكمها القاهر، الذي لا يستطيع إنسان مهما كان أن ينكره أو ينازع فيه من سهو أو غلط أو نسيان )). وإذا كان الله عزوجل لا يكلف نفساً إلا وسعها فبماذا يستحق من وقع منه ما ليس في وسعه أن لا يقع أن يتبوأ منزلاً من جهنم؟ وقد علم الله عباده أن يقولوا (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)وماعلمهم إلا ليستجيب لهم. وقد ثبت في الصحيح أن الصحابة لما قالوها قال الله تعالى (( قد فعلت )) وقال الله تبارك وتعالى (5:33 وليس عليكم جناح فيما
أخطأتم به. ولكن ماتعمدت قلوبكم ) وقال سبحانه (106:16 من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ) المخطيء أولى بالعذر من المكره.
قد يقول أبو رية: كان للصحابة مندوحة عن الوقوع في الخطأ، وذلك بأن يدعوا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة.(177/72)
قلت: أني لهم ذلك وهم مأمورون أن يبلغ شاهدهم غائبهم، كان ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وكان أصحابه يبلغ بعضهم بعضاً،وكان يتناوبون كما في الصحيح عن عمر كنت أنا وجار لي من الأنصار.. . وكنا نتناوب النزول على رسول اله صلى الله عليه وسليم ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك.. )وقد قال تعالى (122:9 وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ولعلهم يحذرون) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الرسل والأمراء ويأمرهم أن يبلغوا من أرسلوا إليهم ويجيء أفراد من القبائل فيسلمون ويتعلمون ويسمعون ويرجعون إلى قبائلهم فيبلغونهم. وقد علموا أن محمداً رسول الله إلى الناس كافة إلى يوم القيامة، وأن شريعته للناس كافة إلى يوم القيامة وأن الله تعالى أمر الناس كافة باتباعه وطاعته والتأسي به وأخذ ما أتى به والانتهاء عما نهى، وجعله المبين عنه لما أنزله بقوله وفعله، وأنهم مأمورون بتبليغ الكتاب وبيانه،إذ كل ذلك دين الناس كافة إلىيوم القيامة،وأنهم مأمورورن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،و التعاون على البر والتقوى، والدلالة على الخير والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولعباده. وعلموا الوعيد الشديد على كتمان الحق،وكتمان ما أنزل الله من البينات والهدى، مع علمهم بأن كتمان بيان الكتاب بمنزلة كتمان الكتاب. وحسبنا أنهم كانوا أعلم بالله ودينه وما لهم وعلهيم، وأتبع للحق وأحرص على النجاة من كل من جاء بعدهم، وقد حدث أفاضلهم وخيارهم ما بين مكثر ومقل، ولم يكن المقل يعيب على المكثر إلا أن يرى بعضهم أن الإكثار جداً خلاف الأولى، وهذا عمر الذي نسب إ ليه كراهية الإكثار قد جاءت عنه – مع تقدم وفاته—أكثر من خمسمائة حديث، وله في صحيح البخاري وحده ستون حديثاً، وقد نسب إ ليه الوهم كما نسب إلى غيره،(177/73)
فالحق الذي لا يرتاب فيه عاقل أنهم كانوا مأمورين بالتبليغ عند الحاجة، مأذونا لهم أن يحدثوا مطلقاً، مع العلم بشدة حرمة الكذب في جميع الأحوال، فمعنى ذلك أن عليهم ولهم أن يحدثوا بما يعتقدون أنهم صادقون فيه، ومع العلم بأن أحدهم إذا حدث معتقداً أنه صادق فقد يقع له خطأ، وإن من وقع له ذلك مع بذله وسعه في التحري والتحفظ فهو معذور، وهذا هو الذي تقتضيه القضايا العقلية والنصوص القرآنية، حتى لو فرض أنه لم يأت في الحديث / لفظ ( متعمداً) ولا ما يؤدي معناه، فإن الأدلة القطعية توجب أن يكون هذا مراداً في المعنى.
ولا يتوهمن أحد أن كلمة متعمداً تخرج من حدث جازماً وهو شاك، كلا فإن هذا متعمد بالإجماع، ولا نعلم أحد من الناس حتى من أهل الجهل والضلالة زعم أن كلمة (( متعمداً )) تخرج هذا، وإنما وجد من أهل الجهل والضلال من تشبت بكلمة (( علي )) فقال: نحن نكذب له لا عليه. فلو شكك أبو رية في كلمة (( علي )) لكان أقرب
وذكر أبو رية (ص38) حديث الزبير، ودونك تلخيص حاله: أشهر طرقه ر واية شعبة عن جامع بن شداد بن عامر عن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن الزبير، رواه عن شعبة جماعة بدون كلمة (( متعمداً )) ورواه معاذ بن معاذ – وهو من جبال الحفظ – فذكرها. فنظرنا في رواية غندر عن شعبة- فإن غندراً ضبط كتابه عن شعبة وعرضه عليه وحققه، قال ابن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم. فوجدنا الإمام أحمد رواه في مسنده عن غندر عن شعبة وفيه الكلمة (( متعمداً )). وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار بندار(177/74)
عن غندر، وراه ابن ماجه عنهما، لكن في الفتح أن الإسماعيلي أخرجه من طريق غندر بدونها. وفي الفتح أن الزبير بن بكار روى الخبر في كتاب النسب من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير بدونها، ولا أدري كيف سنده. وكذلك أخرجه الدارمي بدونها من طريق أخرى عن ابن الزبير، في سندها عبد الله بن صالح كاتب الليث، وفيه كلام. وقد أخرجه أبو داد بسند صحيح عن عامر بن عبد الله بن الزبير بسنده وفيه الكلمة. وقال المنذري في اختصاره لسنن أبي داود (( والمحفوظ في حديث الزبير أنه ليس فيه ( متعمداً ) )) نظر فيه العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند فذكر أن ابن سعد روىالخبر في طبقاته 3/1/ 74 عن عفان ووهب بن جرير وأبي الوليد، ثلاثتهم عن شعبة. فذكر الحديث وفي أخره (( قال وهب بن جرير في حديثه عن الزبير: والله ما قال (( متعمداً )) وأنتم تقولون (( متعمداً )) رأى أحمد شاكر أن هذا من قول وهب بن جرير لزملائه الذين رووا معه عن شعبة، يريد وهب: والله ما قال شعبة الخ:. فنسبتها إلى الزبير وهم.(177/75)
أقول أما ظاهر قول ابن سعد (( قا ل وهب بن جرير في حديثه عن الزبير )) فإنه يقتضي أن وهباً ذكرها في الحديث نفسه. وفي مشكل الآثار للطحاوي 1/166 (( حدثنا يزيد بن سنان حدثنا أبو داود ووهب بن جرير حدثنا شعبة )) فذكر الحديث وقال في آخره (( زاد وهب في حديثه: والله ما قال متعمداً وأنتم تقولون متعمداً،لكن يعلوا على ذلك أن الحديث روى من عدة طرق عن شعبة وغيره، وليس فيه هذه الزيادة ((والله ما قال الخ)) ولا هي موجودة في رواية غندر عن شعبة،فيشبه أن تكون من كلام وهب قالها متصلة فحسبها السامع منه فقال (( قال وهب بن جرير في حديثه عن الزبير الخ)) فأما قول ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص49: (( وروى عن الزيبر أنه/ رواه وقال: أراهم يزيدون فيه متعمداً، والله ما سمعته قال متعمداً )) فأخشى أن يكون ابن قتيبة إنما أخذه من ابن سعد وتغيير اللفظ من الرواية بالمعنى،
وعلى فرض صحة هذه الرواية عن الزبير فإنما يفيد ذلك خطأ من ذكر الكلمة في حديث الزبير، ثم تكون هذه الزيادة نفسها حجة على صحة الكلمة في الجملة لأن الزبير ذكر أنه سمع إخوانه من الصحابة يذكرونها في الحديث، والظاهر كما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كرر التشديد في عدة مواقع، والحمل على أنه ترك الكلمة في موقع فسمعه جماعة منهم الزبير وذكرها في موقع آخر فسمعه آخرون، أوضح وأحق من الحمل على الغلط(177/76)
والغريب ما علقه أبو رية في حاشية ص 39 من الهجر وفيه (( ولعنة الله على الكاذبين متعمدين وغير متعمدين ومن يروجه لهم من الشيوخ الحشويين، )) مع أنه ذكر ص49 وقوع الخطأ من عمر وابن عمر وعتبان بن مالك أحد البدريين وأبي الدرداء وأبي سعيد وأنس وغيرهم، والمخطيء عنده كاذب، بل مر في كلامه ما يقتضي أن كل من حدث من الصحابة – ومنهم الخلفاء الأربعة وبقية العشرة وأمهات المؤمنين وغيرهم - لا بد أن يكون وقع في الخطأ، فكلهم عنده كاذبون تنالهم لعنته.وأشد من هذا وأمر ما مرت الإشارة إليه ص(18-17)، وهذه من فوائد عداوة السنة وأهلها.(177/77)
البحث الثاني في حقيقة الكذب: بنى أبو رية على أنه (( ليس بخاف أن الكذب هوا لإخبار بالشيء علىخلاف ما هو عليه، سواء أكا ن عن عمد أم غير عمد )) وهو يعلم – فيما يظهر – أن هذا مخالف لقول شيخيه اللذين يقدسهما، وإيهاما ونحوهما عنى بقوله ص4 (( العلماء والأدباء )) وقوله ص196 (( أصحاب العقول الصريحة )) وهما النظام والجاحظ، فالكذب عند النظام مخالفة الخبر لاعتقاد المخبر، وهو عند الجاحظ مخالفته لكلا الأمرين معاً: الواقع، واعتقاد الخبر، فعلى القولين ما طابق اعتقاد المخبر فليس بكذب وإن خالف الواقع.وقد ذكر أبو رية (ص50) قول عائشة الذين حدثوها عن عمر وابنه بخبر رأت أنهما وهما فيه (( إنكم لتحدثون عن غير كاذبين، ولكن السمع يخطيء ))، وقولها في خبر رواه ابن عمر (( إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو خطأ )) والراجح ما عليه الجمهور أن الكذب مخالفة الخبر الواقع، لكن المتبادر من قولك: كذب فلان، أو: فلان كاذب ونحو ذلك أنه تعمد، فمن ثم لا يقال ذلك للمخطيء، إلا أنه ربما قيل له ذلك تنبيهاً على أنه قصر ( راجع كتاب الرد على الاخنائي ص21). ولما أرادت عائشة أن تنفي عن عمر وابنه التعمد والتقصير نفت عنهما الكذب البتة، ثم رأيت الطحاوي ذكر هذه القضية في مشكل الآثار، فذكر كثيراً من الروايات ثم قال 173 ما ملخصه: من كذب فقد تعمد، وذكر ( متعمداً ) في بعض الروايات إنما هو توكيد كقولك:،نظرت بعيني وسمعت بأذني، وفق القرآن ( والسارق والسارقة ) و ( الزاني والزانية ) (( لم يذكر في شيء من ذلك التعمد كأن هذه الأشياء لا تكون إلا عن تعمد، لأنه لا يكون كاذباً ولا يكون زانياً ولا يكون سارقاً إلا بقصده إلى ذلك وتعمده ))(177/78)
وقال أبو رية (ص41): (( حديث من كذب علي ليس بمتواتر. وقد قال الحافظ ابن حجر وهو سيد المحدثين بإجماع وأمير المؤمنين في الحديث ما يلي.. )) فذكر عن فتح الباري 168:1 اعتراض بعضهم على تواتره، وسكت،/ وفي فتح الباري بيان الجواب الواضح عن ذلك الاعترض، فراجعه.
وقال (ص42): (( الكذب على النبي قبل وفاته )). أقول: سأنظر في هذا وما يليه إلى ص53 بعد الكلام على عدالة الصحابة الذي ذكره ص310، فانتظر
الرواية بالمعنى
قال أبو رية (ص8): (( ولما رأى بعض الصحابة أن يرووا للناس من أحاديث النبي، ووجدوا أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بالحديث عن أصل لفظه استباحوا لأنفسهم أن يرووا على المعنى ))
أقول: أنزل الله تبارك وتعالى هذه الشريعة في أمة أ مية، فاقتضت حكمته(177/79)
ورحمته أن يكفلهم الشريعة، ويكلفهم حفظها وتبليغها، في حدود ما يتيسر لهم. وتكفل سبحانه أن يرعاها بقدره ليتم ماأرده لها من الحفظ إلى قيام الساعة. وقد تقدم شيء من بيان التيسير ص20و21و22. ومن تدبر الأحاديث في إنزال القرآن على سبعة أحرف وما اتصل بذلك، بان له أن الله تعالى أنزل القرآن على حرف هو الأصل، ثم تكرر تعليم جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم لتمام سبعة أحرف، وهذه الأحرف الستة الزائدة عبارة عن أنواع من المخالفة في بعض الألفاظ للفظ الحرف الأول بدون اختلاف في المعنى[المراد بالاختلاف في المعنى هو الاختلاف المذكور في قول الله تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا]فأما أن يدل أحد الحرفين على معنى والآخر على معنى آخر وكلا المعنيين معاً حق.فليس باختلاف بهذا المعنى] فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه فيكون بين ما يلقنه ذا وما لقنه ذاك شيء من ذاك الاختلاف في اللفظ، فحفظ أصحابه كل بما لقن، وضبطوا ذلك في صدورهم ولقنوه الناس، ورفع الحرج مع ذلك عن المسلمين، فكان بعضهم ربما تلتبس عليه كلمة مما يحفظه أو يشق عليه النطق بها فيكون له أن يقرأ بمرادفها. فمن ذلك ماكان يوافق حرفاً آخر ومنه ما لا يوافق، ولكنه لا يخرج عن ذاك القبيل، وفي فتح الباري (( ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه كان يقرأ بالمرادف ولو لم يكن مسموعاً له )). فهذا ضرب محدود من القراءة بالمعنى رخص فيه لأولئك وكتب القرآن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في قطع من الجريد وغيرهوتكون في القطعة الآية والآيتان أو أكثر، وكان رسم الخط يومئذ يحتمل – والله أعلم – غالب الاختلافات التي في الأحرف السبعة، إذ لم يكن له شكل ولا نقط، وكانت تحذف فيه كثير من الألفات ونحو ذلك كما تراه في رسم المصحف،وبذلك الرسم عينه نقل ما في تلك القطع إلى صحف في عهد أبي بكر، وبه كتبت المصاحف في عهد عثمان، ثم صار على الناس أن يضبطوا قراءتهم، بأن يجتمع(177/80)
فيها الأمران: النقل الثابت بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم، واحتمال رسم المصاحف العثمانية.
وبذلك خرجت من القراءات الصحيحة تلك التغييرات التي كان يترخص بها بعض الناس وبقي من الأحرف الستة المخالفة للحرف الأصلى ما احتمله الرسم/ ولعله غالبها إن لم يكن جميعها مع أنه وقع اختلاف يسير بين المصاحف العثمانية، وكأنه تبعاً للقطع التي كتب فيها القرآن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، كأن توجد الآية في قطعتين كتبت الكلمة في إحداهما بوجه وفي الأخرى بالآخر، فبقي هذا الاختلاف في القراءات الصحيحة. ونخرج مما تقدم بنتيجتين: الأولى أن حفظ الصدور لم يكن كما يصوره أبو رية بل قد اعتمد عليه في القرآن وبقي الاعتماد عليه وحده بعد حفظ الله عزوجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعمر وسنين من عهد عثمان، لأن تلك القطع التي كتب فيها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت مفرقة عند بعض أصحابه لا يعرفها إلا من هي عنده، وسائر الناس غيره يعتمدون على حفظهم، ثم لما جمعت في عهد أبي بكر لم تنشر هي ولا الصحف التي كتبت عنها، بل بقيت عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند ابنته حفصة أم المؤمنين حتى طلبها عثمان، ثم اعتمد عليه في عامة الواضع التي يحتمل فيها الرسم وجهين أو أكثر، واستمر الاعتماد عليه حين استقر تدوين القراءات الصحيحة.(177/81)
النتيجة الثانية: أن حال الأميين قد اقتضت الترخيص لهم في الجملة في القراءة بالمعنى، وإذا كان ذلك في القرآن مع أن ألفاظه مقصودة لذاتها لأنه كلام رب العالمين بلفظه ومعناه، معجر بلفظه ومعناه، متعبد بتلاوته، فما بالك بالأحاديث التي مدار المقصود الديني فيها على معانيها فقط؟ وإذا علمنا ما تقدم أول هذا الفصل من التيسير مع ما تقدم ص20 , 21و 32، وعلمنا ما دلت عليه القواطع أن النبي صلى الله عليه وسلم مبين لكتاب الله ودينه بقوله وفعله، وأن كل ما كان منه مما فيه بيان للدين فهو خالد بخلود الدين إلى يوم القيامة، وأن الصحابة مأمورون بتبليغ ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته (راجع ص12و 36و 45و49) وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بكتابة الأحاديث وأقرهم على عدم كتابتها، بل قيل إنه نهاهم عن كتابتها كما مر بما فيه، ومع ذلك كان يأمرهم بالتبليغ لما علموه وفهموه، وعلمنا أن عادة الناس قاطبة فيمن يلقى إليه كلام المقصود منه معناه ويؤمر بتبليغه أنه إذا لم يحفظ لفظه على وجهه وقد ضبط معناه لزمه أن يبلغه بمعناه ولا يعد كاذباً ولا شبه كاذب، علمنا يقيناً أن الصحابة إنما أمروا بالتبليغ على ماجرت به العادة: من بقي منهم حافظاً على وجهه فليؤده كذلك، ومن بقي ضابطاً للمعنى ولم يبق ضابطاً للفظ فليؤده بالمعنى. هذا أمر يقيني لا ريب فيه، وعلى ذلك جرى عملهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.(177/82)
فقول أبي رية (( لما رأى بعض الصحابة.. استباحوا لأنفسهم )) إن أراد أنهم لم يؤمروا بالتبليغ ولم يبح لهم أن يرووا بالمعنى إذا كانوا ضابطين له دون اللفظ، فهذا كذب عليهم وعلى الشرع/ والعقل كما يعلم ما مر. وتشديده صلى الله عليه وسلم في الكذب عليه إنما المراد به الكذب في المعاني، فإن الناس يبعثون رسلهم ونوابهم ويأمرونهم بالتبليغ عنهم. فإذا لم يشترط عليهم المحافظة على الألفاظ فبلغوا المعنى فقد صدقوا: ولو قلت لابنك اذهب فقل للكاتب: أبي يدعوك. فذهب وقال له: والدي- أو الوالد – يدعوك، أو يطلب مجيئك إليه، أو أمرني أن أدعوك له، لكان مطيعاً صادقاً، ولو اطلعت بعد ذلك على ما قال فزعمت أنه عصى أو كذب وأردت أن تعاقبه لأنكر العقلاء عليك ذلك. وقد قص الله عزوجل في القرآن كثيراً من أ قوال خلقه بغير ألفاظهم، لأن من ذلك ما يطول فيبلغ الحد المعجز، ومنه ما يكون عن لسان أعجمي، ومنه ما يأتي في مواضع بألفاظ وفي آخر بغيرها، وقد تتعدد الصور كما في قصة موسى، ويطول في موضع ويختصر في آخر. فبالنظر إلى أداء المعنى كرر النبي صلى الله عليه وسلم بيان شدة الكذب عليه، وبالنظر إلى أداء اللفظ اقتصر على الترغيب فقال (( نصر الله امرءاً سمع منا شيئاً فأداه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع )) جاء بهذا اللفظ أو معناه مطولا ومختصرا من حديث ابن مسعود وزيد بن ثابت وأنس وجبير بن مطعم وعائشة وسعد وابن عمر وأبي هريرة وعمير بن قتادة ومعاذ بن جبل والنعمان بن بشير وزيد بن خالد وعبادة بن الصامت، منها الصحيح وغيره. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى معونتهم على الحفظ والفهم كما مر ص43(177/83)
واعلم أن الأحاديث الصحيحة ليست كلها قولية، بل منها ما هو إخبار عن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة. ومنها ما أصله قولي، ولكن الصحابي لا يذكر القول بل يقول: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهانا عن كذا، أو قضى بكذا، أو أذن في كذا.. وأشباه هذا. وهذا كثير أيضاً. وهذان الضربان ليسا محل نزاع، والكلام في مايقول الصحابي فيه: قال رسول الله كيت وكيت، أو نحو ذلك. ومن تتبع هذا في الأحاديث التي يرويها صحابيان أو أكثر ووقع اختلاف فإنما هو في بعض الألفاظ، وهذا يبين أن الصحابة لم يكونوا إذا حكوا قوله صلى الله عليه وسلم يهملون ألفاظه البتة، لكن منهم من يحاول أن يؤديها فيقع له تقديم وتأخير أو إبدال الكلمة بمرادفها ونحو ذلك. ومع هذا فقد عرف جماعة من الصحابة كانوا يتحرون ضبط الألفاظ، وتقدم ص42 قول أبو رية:إن الخلفاء الأربعة وكبار الصحابة وأهل الفتيا لم يكونوا ليرضوا أن يرووا بالمعنى. وكان ابن عمر ممن شدد في ذلك، وقد آتاهم الله من جودة الحفظ ما آتاهم.وقصة ابن عباس مع عمر بن أبي ربيعة مشهورة. ويأتي في ترجمة أبي هريرة ما ستراه، فعلى هذا ما كان من أحاديث المشهورين بالتحفظ فهو بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم وما كان من حديث غيرهم فالظاهر ذلك، لأنهم كلهم كانوا يتحرون ما أمكنهم، ويبقى النظر في تصرف من بعدهم.
/ الحديث ورواته ونقد الأئمة للرواة
قال أبو رية (( ثم سار على سبيلهم كل من جاء من الرواة بعدهم. فيتلقى المتأخر عن المتقدم ما يرويه عن الرسول بالمعنى، ثم يؤديه إلى غيره بما استطاع أن يمسكه ذهنه معه )).
أقول: هذه حكاية من يأخذ الكلمات من هنا وهناك، ويقيس بذهنه بدون خبره بالواقع، فإن كثيراً من الأحاديث الصحيحة إن لم نقل غالبها يأتي الحديث منها عن صحابيين أو أكثر، وكثيراً ما يتعدد الرواة عن الصحابي ثم عن التابعي، وهلم جرا
فأما الصحابة فقد تقدم حالهم(177/84)
وأما التابعون فقد يتحفظون الحديث كما يتحفظون القرآن كماجاء عن قتادة أنه (( كان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل حتى يحفظه )) هذا مع قوة حفظه، ذكروا أن صحيفة جابر على كبرها قرئت عليه مرة واحدة- وكان أعمى – فحفظها بحروفها، حتى قرأ مرة سورة البقرة فلم يخطيء حرفاً ثم قال: لأنا الصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة )) وكان غالبهم يكتبون ثم يتحفظون ما كتبوه، ثم منهم من يبقى كتبه- راجع ص28 – ومنهم من إذا أتقن المكتوب حفظاً محا الكتاب، وهؤلاء ونفر لم يكونوا يكتبون، غالبهم ممن رزقوا جودة الحفظ وقوة الذاكرة كالشعبي والزهري وقتادة.وقد عرف منهم جماعة بالتزام رواية الحديث بتمام لفظه كالقاسم بن محمد بن أبي بكر ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة.
أما أتباع التابعين فلم يكن فيهم راو مكثر إلا كان عنده كتب بمسموعاته يراجعها ويتعاهدها ويتحفظ حديثه منها. ثم منهم من لم يكن يحفظ، وإنما يحدث من كتابه، ومنهم من جرب عليه الأئمة أنه يحدث من حفظه فيخطيء، فاشترطولصحة روايته أن يكون السماع منه من كتابه.ومنهم من عرف الأئمة أنه حافظ، غير أنه قد يقدم كلمة أو يؤخرها، ونحو ذلك مما عرفوا أنه لا يغير المعنى، فيوثقونه ويبينون أن السماع منه من كتابه أثبت.
فأما من بعدهم فكان المتثبتون لا يكادون يسمعون من الرجل إلا من أصل كتابه. كان عبد الرزاق الصنعاني ثقة حافظاً، ومع ذلك لم يسمع منه أحد بن حنبل
ويحيى بن معين إلا من أصل كتابه(177/85)
هذا، وكان الأئمة يعتبرون حديث كل راو فينظرون كيف حدث به في الأوقات المتفاوته فإذا وجدوه يحدث مرة كذا ومرة كذا بخلاف لا يحتمل ضعفوه. وربما سمعوا الحديث من الرجل ثم يدعونه مدة طويلة ثم يسألونه عنه. ثم يعتبر حرف مرواياته برواية من روى عن شيوخه وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته مايخالف رواية الثقات حكموا عليه بحسبها. وليسوا يوثقون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط.، بل معظم اعتمادهم علىحاله في حديثه كما مر، وتجدهم يجرحون الرجل بأنه يخطيء ويغلط، وباضطرابه في حديثه، / وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا. ونظرهم عند تصحيح الحديث أدق من هذا، نعم، إن هناك من المحدثين من يسهل ويخفف، لكن العارف لا يخفى عليه هؤلاء من هؤلاء. فإذا رأيت المحققين قد وثقوا رجلاً مطلقاً فمعنى ذلك أنه يروي الحديث بلفظه الذي سمعه، أو على الأقل إذا روى المعنى لم يغير المعنى، وإذا رأيتهم قد صححوا حديثاً فمعنى ذلك أنه صحيح بلفظه أو على الأقل بنحو لفظه، مع تمام معناه، فإن بان لهم خلاف ذلك نبهوا عليه كما تقدم ص18.
وذكر أبو رية ص54 فما بعدها كلاماً طويلاً في هذه القضية. وذكر اعتقاد شيوخ الدين أن الأحاديث كآيات القرآن (( من وجوب التسليم لها وفرض الإذعان لأحكامها بحيث يأثم أو يرتد أو يفسق من خالفها ويستتاب من أنكرها أو شك فيها ))
أقول: أما ما لم يثبت منها ثبوتاً تقوم به الحجة فلا قائل بوجوب قبوله والعمل به. وأما الثابت فقد قامت الحجج القطعية على وجوب قبوله والعمل به،وأجمع علماء الأمة عليه كما تقدم مراراً، فمنكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقاً تقام عليه الحجة، فإن أصر بأن كفره، ومنكر وجوب العمل ببعض الأحاديث إن كان له عذر
من الأعذار المعروفة بين أهل العلم وما في معناها فمعذور، وإلا فهو عاصٍ لله ورسوله، والعاصي آثم فاسق. وقد يتفق ما يجعله في معنى منكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقاً وقد مر.(177/86)
وذكر (ص55فما بعدها) الخلاف في جواز الرواية بالمعنى
أقول: الذين قالوا لا تجوز إنما غرضهم ما ينبغي أن يعمل به في عهدهم وبعدهم: فأما ما قد مضى فلا كلام فيه، لا يطعن في متقدم بأنه كان يروى بالمعنى ولا في روايته، لكن إن وقع تعارض بين مرويه ومروي من كان يبالغ في تحرى الرواية باللفظ فذلك مما يرجح الثاني. وهذا لا نزاع فيه.
ومدار البحث هو أن الرواية بالمعنى قد توقع في الخطأ، وهذا معقول، لكن لا وجه للتهويل، فقد ذكر أبو رية (ص59): (( قال ابن سيرين: كنت أسمع الحديث من عشرة، المعنى واحد والألفاظ مختلفة )) وكان ابن سيرين من المتشددين في أن لا يروى إلا باللفظ ومع هذا شهد للذين سمع منهم أنهم مع كثرة اختلافهم في اللفظ لم يخطيء أحد منهم المعنى- ولهذا لما ذكر له أن الحسن والشعبي والنخعي يروون بالمعنى اقتصر على قوله (( إنهم لو حدثوا كما سمعوا كان أفضل )) انظر الكفاية للخطيب ص206
ومن تدبر ما تقدم من حال الصحابة وأنهم كانوا كلهم يراعون الرواية باللفظ، ومنهم من كان يبالغ في تحري/ ذلك. وكذا في التابعين وأتباعهم، وأن الحديث الواحد قد يرويه صحابيان أو أكثر، ويرويه عن الصحابي تابعيان فأكثر وهلم جرا، وأن التابعين كتبوا، وأن أتباعهم كتبوا ودونوا، وأن الأئمة اعتبروا حال كل راو في روايته لأحاديثه في الأوقات المتفاوته فإذا وجدوه يروي الحديث مرة بما يحيل معناه في روايته له مرة أخرى جرحوه، ثم اعتبروا رواية كل راوٍ برواية الثقات فإذا وجدوه يخالفهم بما يحيل المعنى جرحوه، ثم بالغ محققوهم في العناية بالحديث عند التصحيح،(177/87)
فلا يصححون ما عرفوا له علة نعم قد يذكرون في المتابعات والشواهد ما وقعت فيه مخالفة ما وينبهون عليه، من تدبر هذا ولم يعمه الهوى اطمأن قلبه بوفاء الله تعالى بما تكفل به من حفظ دينه، وبتوفيقه علماء الأمة للقيام بذلك، ولله الحمد، ويؤكد ذلك أن أبا رية حاول أن يقدم شواهد على اختلاف ضار وقع بسبب الرواية فكان أقصى جهده ما يأتي: قال (ص6): (( صيغ التشهدات ))، وذكر اختلافها. أقول: يتوهم أبو رية – أو يوهم – أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علمهم تشهداً واحداً، ولكنهم أو بعضهم لم يحفظوه فأتوا بألفاظ من عندهم مع نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا باطل قطعاً فإن التشهد يكرر كل يوم بضع عشرة مرة على الأقل في الفريضة والنافلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحفظ أحدهم حتى يحفظ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقريء الرجلين السورة الواحدة هذا بحرف وهذا بآخر، فكذلك علمهم مقدمة التشهد بألفاظ متعددة، هذا بلفظ وهذا بآخر، ولهذا أجمع أهل العلم على صحة التشهد بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ذكر عمر التشهد على المنبر، وسكوت الحاضرين فإنما وجهه المعقول تسليمهم أن التشهد الذي ذكره صحيح مجزيء. وقد كان عمر يقرأ في الصلاة وغيرها القرآن ولا يرد عليه أحد، مع أن كثيراً منهم تلقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم بحرف غير الحرف الذي تلقى به عمر، ومثل هذا كثير. ومن الجائز أن يكونوا – أو بعضهم – لم يعرفوا اللفظ الذي ذكره عمر، ولكنهم قد عرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أصحابه بألفاظ مختلفة وعمر عندهم ثقة، وأما قول بعضهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (( السلام على النبي، بدل (( السلام عليك أيها النبي )) فقد يكون النبي صلى الله عليه وسلم خيره بين اللفظين، وقد يكون فعل ذلك باجتهاد خشية أن يتوهم جاهل أن الخطاب على حقيقته، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فالتحقيق أنها موجودة في(177/88)
التشهدات كلها بلفظ (( ورحمة الله )) والقائل بوجوبها عقب التشهد بلفظ الصلاة لم يجعلها من التشهد بل هي عنده أمر مستقل، والكلام في ذلك معروف، لا علاقة له بالرواية بالمعنى
/ قال أبو رية (ص64): (( وكلمة التوحيد ))، وذكر ما لا علاقة له بالرواية بالمعنى ثم قال(66): (( حديث الإسلام والإيمان )) فذكر عن صحيح مسلم حديث طلحة (( جاء رجل من أهل نجد )) وحديث جبريل برواية أبي هريرة، وحديث أبي أيوب (( جاء رجل إلى النبي فقال دلني على عمل الخ ))،وحديث أبي هريرة (( أن اعرابياً جاء الخ )) ثم ذكر عن النووي (( اعلم أنه لم يأت في حديث طلحة ذكر الحج، ولاجاء ذكره في حديث جبريل من رواية أبي هريرة، وكذا غير هذه الأحاديث لم يذكر في بعضها الصوم ولم يذكر في بعضها الزكاة، وذكر في بعضها صلة الرحم، وفي بعضها أداء الخمس، ولم يقع في بعضها ذكر الإيمان... وقد أجاب القاضي عياض وغيره رحمهم الله بجواب لخصه أبو عمرو بن الصلاح وهذبه فقال ((.. . هو من ثقات الرواة في الحفظ والضبط، فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه.. . )) أقول: أما هذه الأحاديث فلا يتعين فيها ذاك الجواب بل لا يتجه، فإن واقعة حديث جبريل لا علاقة لما ببقية الأحاديث، وذكر الإيمان فيه لأن جبريل أراد بيان جمهرة الدين، وبقية الأحاديث ليس بواجب أن يذكر فيها الإيمان اكتفاء بعلم السائل به مع أن ما في ذكر له ما يستلزمه، وحديث طلحة وحديث أبي هريرة في الأعرابي يظهر أنها واقعة واحدة يحتمل أنها وقعت قبل أن ينزل فرض الحج فلذلك لم يذكر، وحديث أبي أيوب يحتمل أن يكون واقعة أخرى وقعت قبل فرض الحج والصوم فلذلك لم يذكرا فيه، وأما صلة الرحم وأداء الخمس فليسا من الأركان العظمى فلا يجب ذكرهما في كل حديث. هذا وحديث جبريل قد ورد من رواية عمر بن الخطاب وثبت في بعض طرقه ذكر الحج، وصحح ابن حجر ذلك في الفتح بأنه قد جاء في رواية أن الواقعة كانت في أواخر حياة النبي صلى الله عليه(177/89)
وسلم. فعلى هذا فسقوطه من رواية أبي هريرة من عمل بعض الرواة كأنه كان عنده أيضاً حديث أبي هريرة مع الأعرابي وليس فيها ذكر الحج فحمل هذه عليها، والله أعلم. ومثل هذا ليس من الرواية بالمعنى، إنما هو من ترك الراوي شيئاً من الحديث نسيه أو شك فيه، ولا يقتضي تركه إحالة لمعنى الحديث، وكثيراً ما يقع في الكتاب والسنة ترك بيان بعض الأمور في موضع لائق به اعتمادا على بيانه في موضع آخر، وليس هذا بأكثر من مجيء عموم أو إطلاق في القرآن ومجيء تخصيصه أو تقييده في السنة.
/ قال 0(ص68): (( حديث زوجتكها بما معك )) ذكر أنه روى على ثمانية أوجه: (1- قد زوجتكها بما معك من القرآن، 2- زوجتكها على ما معك الخ، 3- أنكحتكها بما الخ، 4- قد ملكتكها بما الخ، 5- قد أملكتكها بما الخ، 6- قد أمكتا كها الخ، 7- أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها، 8- خذها بما معك الخ )
أقول: الثامنة لم تذكر في فتح الباري، والسابعة سندها واه، السادسة صوابها على ما استظهره في الفتح أملكنا كها، والست الأولى معناها واحد، وكذا حكمها عند جمهور أهل العلم. وقال قوم:لا يصح العقد إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح كما في الثلاث الأولى، فأما الثلاث التي تليها فلا يصح التزويج بها. وأجابوا عن هذه الروايات بأن أرجحها وأثبتها عن النبي صلى الله عليه وسلم هي التي بلفظ التزويج،فنحصل من هذا أن الرواية بالمعنى وقعت، ولكن لم يترتب عليها مفسدة،ولله الحمد. على أن المعنى الأهم في الحديث وهو التزويج بتعليم القرآن لم تختلف فيه الروايات.
قال (ص68): (( حديث الصلاة في بني قريظة )) ذكر أنه وقع عند البخاري (( لا يصلين أحدكم العصر إلا.. . )) وعند غيره: لا يصلين أحدكم الظهر إلا.. .. )) مع اتحاد المخرج(177/90)
أقول: في الفتح إن الذي عند أهل المغازي (( العصر )) وكذلك جاء من حديث عائشةومن حديث كعب بن مالك. ووراه جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر، قال أبو حفص السلمي عن جويرية: (( العصر )) وقال أبو غسان عن جويرية: (( الظهر )). ورواه أبو عبد الله بن محمد بن أسماء عن جويرية، فقال البخاري عنه: العصر وقال مسلم وغيره عنه: الظهر فذكر ابن حجر احتمالين: حاصل الأول بزيادة أن جويرية قال مرة (( العصر )) كما رواه أبو حفص السلمي، ومرة (( الظهر )) كما رواه عنه أبو غسان، وكتبه عبد الله بن محمد بن أسماء عن جويرية على الوجهين فسمعه البخاري من عبد الله على أحدهما، ومسلم وغيره على الآخر. وكأن البخاري راجع عبد الله في ذلك ففتش عبد الله أصوله فوجد الوجه الذي فيه العصر فأخذ به البخاري لعلمه أنه الصواب. الاحتمال الثاني أن يكون البخاري إنما سمعه من عبد الله بلفظ (( الظهر )) ولم يكتبه البخاري إلا بعد مدة من حفظه(( العصر )) أخطأ لفظ شيخه وأصاب الواقع
أما ما ذكر أن البخاري كان يحفظ ثم يكتب من حفظه فإن صح ذلك فهذا صحيحه فيه آلاف الأحاديث وقل حديث منها إلا وقد رواه جماعة غيره عن شيخه وعن شيخ شيخه، وقد تتبع ذلك المستخرجون عليه وشرا حه فإذا لم يقع له خطأ إلا هذا الموضع- على فرض أنه أخطأ- كان هذا من أدفع الحجج لتشكيك أبي رية
قال أبو رية (ص69): ((وبلغ من أمرهم أنهم كانوا يروون الحديث بألفاظهم وأسانيدهم، ثم يعزونه إلى كتب السنة ))
أقول: حاصله أن البيهقي يروى عن كتبه الأحاديث بأسانيده إلى شيخ البخاري أو شيخ شيخه ومن فوقه، ويقع/ في لفظه مخالفة للفظ البخاري مع اتفاق المعنى، ومع ذلك يقول ((أخرجه البخاري عن فلان))ولا يبين اختلاف اللفظ، وكذا يصنع البغوي. وأقول: العذر في هذا واضح، وهو اتفاق المعنى مع جريان العادة بوقوع الاختلاف في بعض الألفاظ، وكتاب البخاري متواتر فأقل طالب حديث يشعر بالمقصود(177/91)
وذكر قول النووي في حديث الأئمة من قريش (( أخرجه الشيخان )) مع أن لفظها (( لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان )). أقول: المعنى قريب، وقد يكون النووي رحمه الله وهم، ومثل هذا لا يقدم ولا يؤخر، لأن الصحيحين متواتران
قال أبو رية (ص70): (( ضرر رواية الحديث بالمعنى )) وساق عبارة طويلة لابن السيد البطليوسي في أسباب الاختلاف. وفيها (ص72-73) ما يخشى منها،وقد قدمنا ص21-22-و55 ما فيه الكفاية
وذكر (ص74) حديث (( إن يكن الشؤم ففي ثلاث )) وسيأتي النظر فيه بعد النظر في عدالة الصحابة الذي ذكره أبو رية في كتابه ص 310-327
وقال (ص75) (( ضرر الرواية بالمعنى من الناحية اللغوية والبلاغية... )) أقول: قد قدمت ما يعلم منه أن من الأحاديث ما يمكن أن يحكم العارف بأنه بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يمكن أن يحكم بأنه بلفظ الصحابي، ومنها ما يمكن أن يحكم بأنه على لفظ التابعي، فهذه يمكن الاستفادة منها في العربية، وما عدا ذلك ففي القرآن وغيره ما يكفي
وذكر (ص78): (( تساهلهم فيما يروي في الفضائل، وضرر ذلك ))
أقول: معنى التساهل في عبارة الأئمة هو التساهل بالرواية، كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح أو قريب من الصحيح أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده، فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة، ومنهم من إذا وجد
الحديث غير شديد الضعيف وليس فيه حكم ولا سنة، إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه كالمحافظة على الصلوات في جماعة ونحو ذلك لم يمتنع من روايته، فهذا هوالمراد بالتساهل في عباراتهم. غير أن بعض من جاء بعدهم فهم منها التساهل فيما يرد في فضيلة لأمر خاص قد ثبت شرعه في الجملة كقيام ليلة معينة فإنها داخلة في جملة ما ثبت من شرع قيام الليل. فبنى على هذا جواز أو استحباب العمل بالضعيف، وقد بين الشاطبي في الاعتصام خطأ هذا الفهم، ولي في ذلك رسالة لا تزال مسودة.(177/92)
على أن جماعة من المحدثين جاوزوا في مجامعيهم ذاك الحد، فأثبتوا فيهاكل حديث سمعوه ولم يتبين لهم عند كتابته أنه باطل، وأفرط آخرون فجمعوا كل ما سمعوه، معتذرين بأنهم لم يلتزموا إلا أن يكتبوا ما سمعوه ويذكروا سنده، وعلى الناس أن لا يثقوا بشيء من ذلك حتى يعرضوه على أهل المعرفة بالحديث ورجاله،ثم جاء المتأخرون فزادوا الطين بلة بحذف الأسانيد. والخلاص من هذا أسهل. وهو أن تبين للناس الحقيقة، ويرجع إلى أهل العلم و التقوى والمعرفة. لكن المصيبة حق المصيبة إعراض الناس عن هذا العلم العظيم، ولم يبق إلا أفراد يلمون بشيء من ظواهره، ومع ذلك فالناس لا يرجعون إليهم، بل في الناس من يمقتهم وببغضهم ويعاديهم ويتفنن في سبهم عند كل مناسبة ويدعي لنفسه ما يدعي، ولا ميزان عنده إلا هواه لا غيره، وما يخالف هواه لا يبالي به ولو كان في الصحيحين عن جماعة من الصحابة، ويحتج بما يحلو له من الروايات في أي كتاب وجد، وفيما يحتج به الواهي والساقط والموضوع، كما ترى التنبيه عليه في مواضع من كتابي هذا والله المستعان
الوضع
وقال أبو رية (ص80-89): (( الوضع في الحديث وأسبابه.. . ))(177/93)
أقول: نقل عبارات في هذا المعنى، وهو واقع في الجملة، ولكن المستشرقين والمنحرفين عن السنة يطولون في هذا ويهولون ويهملون ما يقابله، ومثلهم مثل من يحاول منع الناس من طلب الحقيقي الخالص من الأقوات والسمن والعسل والعقاقير والحرير والصوف والذهب والفضة واللؤلؤ والمسك والعنبر وغير ذلك بذكر ما وقع من التزوير والتلبيس والتدليس والغش في هذه الأشياء، ويطيل في ذلك. والعاقل يعلم أن الحقيقي الخالص من هذه الأشياء لم يرفع من الأرض، وأن في أصحابها وتجارها أهل صدق وأمانة، وأن في الناس أهل خبرة ومهرة يميزون الحقيقي الخالص من غيره فلا يكاد يدخل الضرر إلا على من لا يرجع إلى أهل الخبرة من جاهل ومقصر ومن لا يبالي ما أخذ، والمؤمن يعلم أن هذه ثمرة عناية الله عزوجل بعباده في دنياهم، فما الظن بعنايته بدينهم؟ لابد أن تكون أتم وأبلغ، ومن تتبع الواقع وتدبره وأنعم النظر تبين له ذلك غاية البيان
أما الصحابة فقد زكاهم الله في كتابه وعلى لسان رسوله، والأحاديث إنما ثبتت من رواية من زكاه الله ورسوله عينا، أو لا ريب في دخوله فيمن زكاه الله ورسوله جملة. نعم جاءت أحاديث قليلة عن بعض من قد يمكن الشك فيه، لكن أركان الدين من سلف هذه الأمة تدبروا أحاديث هذا الضرب واعتبروها، فوجدوها قد ثبتت هي أو معناها برواية غيرهم، وبعد طول البحث والتحقيق تبين لأئمة السنة أن الصحابة كلهم عدول في الرواية، وسيأتي مزيد لهذا في فصل (( عدالة الصحابة ))
وأما التابعون فعامة من وثقه الأئمة منهم ممن كثرت أحاديثه هم ممن زكاه الصحابة ثم زكاه أقرانه من خيار التابعين،ثم اعتبر الأئمة أحاديثه وكيف حدث بها في الأوقات المتفاوتة، واعتبروا أحاديثه بأحاديث غيره من الثقات، فاتضح لهم بذلك كله صدقه وأمانته وضبطه. وهكذا من بعدهم(177/94)
وكان أهل العلم يشددون في اختيار الرواة أبلغ التشديد، جاء عن بعضهم – أظنه الحسن بن صالح بن حي– أنه قال: كنا إذا أردنا أن نسمع الحديث من رجل سألنا عن حاله حتى يقال: أتريدون أن تزوجوه؟ وجاء جماعة إلى شيخ ليسمعوا منه فرأوه خارجاً وقد انفلتت بغلته وهو يحاول إمساكها وبيده مخلاة يريها إياها، فلاحظوا أن المخلاة فارغة، فرجعوا ولم ييسمعوا منه. قالوا هذا يكذب على البغلة فلا نأمن أن يكذب في الحديث. وذكروا أن شعبة كان يتمنى لقاء رجل مشهور ليسمع منه. فلما جاءه وجده يشتري شيئاً ويسترجح في الميزان. فامتنع شعبة من السماع منه.وتجد عدة نظائر لهذا ونحوه في كفاية الخطيب (ص110-114).وكان عامة علماء القرون الأولى وهي قرون الحديث مقاطين للخلفاء والأمراء، حتى كان أكثرهم لا يقبل عطاء الخلفاء والأمراء ولا يرضى بتولي القضاء، ومنهم من كان الخلفاء يتطلبونهم ليكونوا بحضرتهم ينشرون العلم. فلا يستجيبون، بل يفرون ويستترون. وكان أئمة النقد لا يكادون يوثقون محدثاً يداخل الأمراء أو يتولى لهم شيئاً، وقد جرحوا بذلك كثيراً من الرواة ولم يوثقوا ممن داخل الأمراء إلا أفراد علم الأئمة يقيناً سلامة دينهم وأنه لا مغمز فيهم البتة. وكان محمد بن بشر الزنبري محدثاً يسمع منه الناس، فاتفق أن خرج أمير البلد لسفر فخرج الزنبري يشيعه، فنقم أهل الحديث عليه ذلك وأهانوه ومزقوا ما كان كتبوا عنه. وكثيراً ما كانوا يكذبون الرجل ويتركون حديثه لخبر واحد يتهمون فيه. وتجد من هذا كثيراً في ميزان الذهبي وغيره. وكذلك إذا سمعوه حدث بحديث ثم حدث به بعد مدة علىوجه ينافي الوجه الأول، وفي الكفاية (ص113) عن شعبة قال (( سمعت من طلحة بن مصرف حديثاً واحداً وكنت كلما مررت به سألته عنه.. أردت أن أنظر إلى حفظه، فإن غير فيه شيئاً تركته )) وكان أحدهم يقضي الشهر والشهرين يتنقل في البدلان يتتبع رواية حديث واحد كما وقع لشعبة في حديث عبد الله بن عطاء عن عقبة(177/95)
بن عامر، وكما وقع لغيره في الحديث الطويل في فضائل السور. ومن تتبع كتب
التراجم / وكتب العلل بأن له من جدهم واجتهادهم ما يحير العقول
وكان كثير من الناس يحضرون أولادهم مجالس السماع في صغرهم ليتعودوا ذلك ثم يكبر أحدهم فيأخذ في السماع في بلده. ثم يسافر إلى الأقطار ويتحمل السفر الطويل والمشاق الشديدة، وقد لايكون معه إلا جراب من خبز يابس يحمله على ظهره، يصبح فيأخذ كسرة ويبلها بالماء ويأكلها ثم يغدو للسماع، ولهم في هذا قصص كثيرة، فلا يزال أحدهم يطلب ويكتب إلى أن تبلغ سنة الثلاثين أو نحوها فكون أمنيته من الحياة أ، يقبله علماء الحديث ويأذنوا للناس أن يسمعوا منه، وقد عرف أنهم إن اتهموه في حديث واحد أسقطوا حديثه وضاع مجهوده طول عمره وربح سوء السمعة واحتقار الناس، وتجد جماعة من ذرية أكابر الصحابة قد جرحهم الأئمة، وتجدهم سكتوا عن الخلفاء العباسيين وأعمامهم لم يرووا عنهم شيئاً مع أنهم قد كانوا يروون أحاديث، ومن تتبع أخبارهم وأحوالهم لم يعجب من غلبة الصدق على الرواة في تلك القرون بل يعجب من وجود كذابين منهم ومن تتبع تشدد الأئمة في النقد ليعجب من كثرة من جرحوه وأسقطوا حديثه، بل يعجب من سلامة كثير من الرواة وتوثيقهم لهم مع ذلك التشدد
وبالجملة فهذا الباب يحتمل كتاباً مستقلاً.وأرجو أن يكون فيما ذكرته ما يدفع ما يرمي إليه المستشرقون وأتباعهم – بإفاضتهم في ذكر الوضع من تشكيك المسلمين في دينهم وإيهامهم أن الله تعالى أخل بما تكفل به من حفظ دينه، وأن سلف الأمة لم يقوموا بما عليهم أو عجزوا عنه فاختلط الحق بالباطل، ولم يبق سبيل إلى تمييزه.كلا بل حجة الله تعالى لم تزل ولن تزال قائمة، وسبيل الحق مفتوحاً لمن يريد أن يسلكه ولله الحمد. وفي تهذيب التهذيب (152:1) (( قال إسحاق بن إبراهيم: أخذ الرشيد زنديقاً فأراد قتله، فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ فقال له: أين أنت يا(177/96)
عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها حرفاً حرفاً )). وفي فتح المغيث (ص109): (( قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال:تعيش لها الجهابذة، ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
وذكر (ص91) أحاديث فيها إنها موضوعة، ولم يذكر من حكم بوضعها من أهل العلم والحديث. وذكر فيها حديث (( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على [سائر] الطعام )) وقد افترى من زعم هذا موضوعاً،بل هو في غاية الصحة، أخرجه الشيخان في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري ومن حديث أنس رضي الله عنهما
معاوية الشام
وقال ص91 (( معاوية والشام...))
ذكر عن أئمة السنة إسحاق بن راهوية وأحمد بن حنبل والبخاري والنسائي، ثم ابن حجر، ماحاصله أنه لم يصح في فضل معاوية حديث
أقول: هذا لا ينفي الأحاديث الصحيحة التي تشمله وغيره، ولا يقتضى أن يكون كل ما روي في فضله خاصة مجزوماً بوضعه.وبعد ففي القضية برهان دامغ لما يفتريه أعداء السنة على الصحابة وعلى معاوية وعلى الرواة الذين وثقهم أئمة الحديث، وعلى أئمة الحديث، وعلى قواعدهم في النقد(177/97)
أما الصحابة رضي الله عنهم ففي هذه القضية برهان على أنه لا مجال لاتهام أحد منهم بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن معاوية كان عشرين سنة أميراً على الشام وعشرين سنة خليفة، وكان في حزبه وفيمن يحتاج إليه جمع كثير من الصحابة منهم كثير ممن أسلم ويوم فتح مكة أوبعده وفيهم جماعة من الأعراب وكانت الدواعي إلى التعصب له والتزلف إليه متوفرة فلو كان ثم مساغ لأن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أحد لقيه وسمع منه مسلماً لأقدم بعضهم على الكذب في فضل معاوية وجهر بذلك أما أعيان التابعين فينقل ذلك جماعة ممن يوثقهم أئمة السنة فيصح عندهم ضرورة. فإذا لم يصح خبر واحد ثبت صحة القول بأن الصحابة كلهم عدول في الرواية وأنه لم يكن منهم أحد مهما خفت منزلته وقوي الباعث له محتملاً منه أن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
وأما معاوية فكذلك، فعلى فرض أنه كان يسمح بأن يقع كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ما دام في فضيلة له وأنه لم يطمع في أن يقع ذلك من أحد غيره ممن له صحبة، أو طمع ولكن لم يجده ترغيب ولا ترهيب في حمل أحد منهم على ذلك فقد كان في وسعه أن يحدث هو عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد حدث عدد كبير من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بفضائل لأنفسهم وقبلها منهم الناس ورووها وصحتها أئمة السنة.ففي تلك القضية برهان على أن معاوية كان من الدين والأمانة بدرجة تمنعه من أن يفكر في أن الكذب أو يحمل غيره على الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم مهما اشتدت حاجته إلى ذلك. ومن تدبر هذا علم أن عدم صحة حديث عند أهل الحديث في فضل معاوية أدل على فضله من أن تصح عندهم عدة أحاديث(177/98)
وأما الرواة الذين وثقهم أئمة الحديث فقد كان من حزب معاوية والموالين له عدد منهم كان في وسعهم أن يكذبوا على بعض الصحابة الذين لقوهم ورووا عنهم فيرووا عنه حديثاً أو أكثر في فضل معاوية / وينشروا ذلك فيمن يليهم من الثقات فيصححه أهل الحديث فعدم وقوع شيء من ذلك يدل على أن الرواة الذين يوثقهم أئمة الحديث ثقات في نفس الأمر
وأما أئمة الحديث فهم معروفون بحسن القول في الصحابة عامة وخصوصهم ينقمون عليهم ذلك كما تراه في فصل عدالة الصحابة من كتاب أبي رية، ويرمونهم بالنصب ومحبة أعداء أهل البيت والتعصب لهم. وتلك القضية براءة لهم فلو كانوا من أهل الهوى لأمكنهم أن يصححوا عدة أحاديث في فضل معاوية،أو يسكتوا على الأقل عن التصريح بأن كل ماروي في ذلك غير صحيح
وأما قواعدهم في النقد فلا ريب أن نجاحها في هذا الأمر- وهو من أشد معتركات الأهواء- من أقوى الأدلة على وفائها بما وضعت له(177/99)
وأما الشام فلا ريب أن الموضوعات في فضلها كثيرة ولكن ليس من الحق في شيء أن تعد دلالة الخبر على فضلها دليلاً على وضعه، فإن فضلها ثابت بالقرآن، وكذلك الحال في بيت المقدس قال الله تعالى (17: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) وأخبر الله عزوجل عن الشام بقوله ( الأرض التي باركنا فيها ) اقرأ (136:7) و (71:21 و 81) وبقوله (81:34 القرى التي باركنا فيها ). وكذلك من الباطل أن تعد دلالة الخير على أمر بأنه سيقع دليلاً علىوضعه ما دمنا نؤمن بأن محمداً رسول الله يطلعه الله من غيبه على ما يشاء، فأما أن يكون مثل هذا مما يسترعى النظر ليبحث عن الخبر من جهة إسناده وما يتصل به ليحكم عليه بحسب ذلك فلا بأس، وحديث ((الخلافة بالمدينة والملك بالشام)) رواه هشيم ( وهو ثقة يدلس ) عن العوام بن حوشب (وهو ثقة) عن سلميان بن أبي سليمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى لاله عليه وسلم أخرجه الحاكم في المستدرك 72:3 وقال (( صحيح على شرط مسلم )) تعقبه الذهبي فقال (( سليمان وأبوه مجهولان )) وهو في فتح البخاري 3/ 2/ 17 ذكر الجملة الأولى فقط
وقال ص94 (( أصل فرية الأبدال ))
أقول: سترى الكلام على تلك الأخبار في موضوعات الشوكاني وتعليقي عليه إن شاء الله
قال (( روى الواقدي أن معاوية لما عاد من الشام... ))
/ أقول: كرهت إثبات الخبر لفرط سماجته، وأبو رية يتظاهر بالشكوى من الموضوعات ثم يحتج بهذا الموضوع الذي إن لم يكن كذباً فليس في الدنيا كذب. أما سنده فعزاه أبو رية إلى شرح النهج لابن أبي الحديد، وابن أبي الحديد حاله معروفة، ولا ندري ما سنده إلى الواقدي بل أكاد أقطع أن الواقدي لم يقل هذا وأما الخبر نفسه فكذب مكشوف لا يخفى على من يعرف معاوية وعقل معاوية ودهاء معاوية وتحفظ معاوية ولو معرفة بسيطة، وقد تقدم ما علمت
وقال ص101 (( كيف استجازوا وضع الأحاديث.. . ))(177/100)
ثم قال (( أخرج الطحاوي في المشكل عن أبي هريرة.. . ))
أقول لم أظفر به في مشكل الآثار للطحاوي المطبوع، وإنما عزي في كنز العمال 323:5 إلى الحكيم الترمذي، وقد ذكر أبو رية هذا الخبر من مصدر آخر ص164 كما ذكر الخبرين الذين عقبه وسأنظر في ذلك هناك إن شاء الله تعالى ويتبين براءة أبي هريرة منها كلها
وقال ص102 (( الوضاع الصالحون....... وقالوا نحن نكذب لا عليه. وإنما الكذب على من تعمده
أقول قوله (( وإنما الكذب على من تعمده )) ليست من قولهم ولا تتعلق بهم وقال ص 104 الوضع بالإدراج 000 إلى أن قال 000في حديث الكسوف وهو في الصحيح إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته – فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة.. قال العراقي هذه الزيادة لم يصح نقلها فوجب تكذيبب قائلها ))
أقول تحصل من كلامه أن (( فإذا رأيتم الخ )) طعن فيها العراقي وقال ما قال. وهذا من تخليط أبي رية إنما الكلام في زيادة أخرى وقعت عند ابن ماجه لفظها (( إن
الله إذا تجلى لشيء خشع له )) والطاعون فيهاهو الغزالي لا العراقي راجع توجيه النظر ص172 وفتح الباري 445:2 وبهذا وغيره يتبين أن أبا رية غير موثوق بنقله. ولم أتمكن من مراجعة جميع مصادره مع أنه كثيراً ما يهمل ذكر المصدر. وإنما ذكرت هذا لئلا يغتر بسكوتي عن بعض ما ينقله
ثم قال (( هل يمكن معرفة الموضوع؟ ذكر المحققون أموراً كلية.. ...))
/ أقول كان عليه أن ينص على من ذكر هذه الأمور ويبين مصدرها. ومن الأمور التي ذكرها مايحتاج إلىبيان وإيضاح ومخالفة ظاهر القرآن قد تقدم ما يتعلق بها ص14. والاشتمال علىتواريخ الأيام المستقبلة علامة إجمالية تدعو إلى التثبت لكثرة ماوضع في هذا الباب، وإلا فقد أطلع الله تعالى رسوله علىكثير من الغيب وأخبره به، وتجارب العلم الثابتة، إنما يعتد بها إذا كانت قطعية وناقضت الخبر مناقضة محققة ولعله يأتي ما يتعلق بها(177/101)
وقال ص105 (( وأخرج البيهقي بسنده.. .. ))
أقول لم يبين أبو رية من كتاب أخذ هذا الأمر، وأحسب البيهقي نفسه قد بين سقوطه من جهة السند، أما المتن فسقوطه واضح، راجع ص14
وذكر ص105 (( هل يمكن معرفة الموضوع بضابط )) ثم ذكر ص106 (( للقلب السليم إشراف الخ ))
أقول: ينبغي مراجعة الأصول التي نقل عنها
الإسرائيليات
ذكرها أبو رية ص108 وذكر فيها كعب الأخبار ووهب بن منبه، وسيأتي ما يتعلق بها
ثم ذكر ص110 عن أحمد أمين (( اتصل بعض الصحابة بوهب بن منبه وكعب
الأحبار وعبد الله بن سلام واتصل التابعون بابن جريج وهؤلاء كانت لهم معلومات يروونها عن التوراة والإنجيل الخ )) ثم قال أبو رية ((.. أخذ أولئك الأحبار يثبتون في الدين الإسلامي أكاذيب وترهات يزعمون مرة أنها في كتابهم ومن مكنون عليهم ويدعون أخرى أنها مما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحقيقة من مفترياتهم ))
أقول:أما عبد الله بن سلام فصحابي جليل أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قليلاً جداً وقلماذكر عن كتب أهل الكتاب وما ثبت عنه من ذلك فهو مصدق به حتماً وإن لم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن إذ قد ثبت أن كثيرا ً من كتبهم أنقرض. ولا يسئ الظن بعبد الله بن سلام إلا جاهل أو مكذب لله ورسوله.
وأما وهب بن منبه فولد في الإسلام سنة 34هـ وأدرك بعض الصحابة ولم يعرف أن أ حداً منهم سمع منه أوحكى عنه وإنما يحكي عنه من بعدهم. وسيأتي بيانه حاله(177/102)
/ وأما كعب فأسلم في عهد عمر وسمع منه ومن غيره من الصحابة وحكى عنه بعضهم وبعض التابعين ويأتي بيان حاله. وأما ابن جريج فيأتي ص148 أنه (( الذي مات سنة 150 )) وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (( وإنما هو من أتباع التابعين ولا شأن له بالاسرائيليات، وكأن الدكتور اغتر باسم (( جريج )) فحشرة في زمن هؤلاء، فجاء حاطب الليل فقال ص148 (( وممن كان يبث في الدين الإسلامي مما يخفيه قلبه ابن جريج الرومي الذي مات سنة 150 وكان البخاري لا يوثقه وهو على حق في ذلك )) وهذا مخالف للواقع فلم يعرف ابن جريج بالاسرائيليات إلا أن يروي شيئا عمن تقدمه وهو إ مام جليل يوثقه ويحتج به البخاري وغيره ولم يجد أبو رية ما يحكيه عنه مما زعمه. ومن العجائب قوله في حاشية ص216 (( ابن جريج كان من النصارى )) هكذا يكون العلم. ثم قال ص110 ((.. .. وتلقى الصحابة ومن تبعهم كل ما يلقيه هؤلاء الدهاة بغير نقد أو تمحبص معتبر ين أنه صحيح لا ريب فيه )) أقول: وهذا مخالف للواقع، فقد علم الصحابة وغيرهم من كتاب الله عزوجل أن أهل الكتاب قد حرفوا كتبهم وبدلوا. ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (( لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم )) كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة. وفيه عن ابن عباس أنه قال (( كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرؤنه محضاً لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه )) وفيه أن معاوية ذكر كعب الأحبار فقال (( إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب، وإن كنا من ذلك لنبلو عليه الكذب، وكان عند عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسميها (( الصادقة ))تميزاً لها عن صحف كانت عنده من كتب أهل الكتاب. وزعم كعب أن ساعة الإجابة إنما تكون في السنة مرة أو في الشهر مرة، فرد عليه أبو هريرة وعبد الله بن سلام بخبر النبي صلى الله عليه وسلم(177/103)
أنها في كل يوم جمعة[انظر سنن النسائي في أبواب الجمعة] وبلغ حذيفة أ ن كعباً يقول: إن السماء تدورعلى قطب كقطب الرحي، فقال حذيفة (( كذب كعب.... ))[ترجمة كعب من الإصابة]وبلغ ابن عباس أن نوفاً البكالي – وهو من أ صحاب كعب – يزعم أن موسى صاحب الخضر غير موسى بن عمران،فقال ابن عباس (( كذب عدو الله.. .)) [صحيح البخاري تفسير سورة الكهف]ولذلك نظائر. أما ما رواه كعب ووهب عن النبي صلى الله عليه وسلم فقليل جداً، وهو مرسل لأنهما لم يدركاه، والمرسل ليس بحجة، وقد كان الصحابة ربما توقف بعضهم عن قبول خبر بعض إخوانه من الصحابة حتى يستثبت فما بالك بما يرسله كعب، فأما وهب فمتأخر، وأما ما روياه عن بعض الصحابة أو التابعين / فإن أهل العلم نقدوه كما ينقدون رواية سائر التابعين، ويأتي لهذا مزيد قال(ص111): (( كعب الأحبار ))(177/104)
أقول: لكعب ترجمة في تهذيب التهذيب، وليس فيها عن أحد من المتقدمين توثيقه، إنما فيها ثناء بعض الصحابة عليه بالعلم، وكان المزي علم عليه علامة الشيخين مع أنه إنما جرى ذكره في الصحيحين عرضاً لم يسند من طريقه شيء من الحديث فيهما. ولا أ عرف له رواية يحتاج إليها أهل العلم.. فأما ما كان يحكيه عن الكتب القديمة فليس بحجة عند أحد من المسلمين، وإن حكاه بعض السلف لمناسبته عنده لما ذكر في القرآن، وبعد فليس كل ما نسب إلى كعب في الكتب بثابت عنه، فإن الكذابين من بعده قد نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقلها. وما صح عنه من الأقوال ولم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن ليس بحجة واضحة على كذبه. فإن كثيراً من كتبهم انقرضت نسخها ثم لم يزالوا يحرفون ويبدلون، وممن ذكر ذلك السيد رشيد رضا في مواضع من التفسير وغيره. واتهامه بالاشتراك في المؤامرة على قتل عمر لا يثبت، وكعب عربي النسب، وإن كان قبل أن يسلم يهودي النحلة. وقول أبي رية (( فاستصفاه معاوية وجعله من مستشاريه )) من عندياته،والذي عند ابن سعد وغيره أنه سكن حمص حتى مات بها سنة 32، وذكر أبو رية في الحاشية (( قال لقيس بن خرشة، ما من الأرض شبر.. .. ))
أقول: هذه الحكاية منقطعة حاكيها عن كعب ولد بعده بنحو عشرين سنة وأول الحكاية أن كعبا مر بصفين فوقف ساعة ثم قال (( لا إله إلا الله، ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة في الأرض.. .)) وكان ذلك قبل وقع صفين بسنتين، فهل يصدق أبو رية ها كما صدق بقية الحكاية؟ على أن فيها غريبة أخرى لا أراه يصدق بها. قال (ص112) (( افتجر هذا الكاهن لاسلامه سبباً عجيباً.. .. قد أخرج ابن سعد بسند صحيح.. . فقال: إن أبي كتب لي كتاباً من التواراة.. .وختم على سائر كتبه.. . ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته، فجئت الآن مسلماً )) أقول: أما السند فليس بصحيح، فيه علي بن زيد وهو كما قال ابن حجر(177/105)
في التقريب (( ضعيف )) ولم يخرج له أحد من الشيخين إلا أن مسلماً أخرج حديثاً عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني وعلي بن زيد. والاعتماد على ثابت وحده، / لكن لما وقع في سياق السند ذكر علي بن زيد لم ير مسلم أن يحذفه، ولمسلم من هذا نظائر. وأما القصة فلا أدري ما ينكر المسلم منها وهو يقرأ قول الله عزوجل في كتابه (157:7 الذين يتبعون الرسل النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوارة والإنجيل ) الآية[انظر تفسير المنار 230:9-300] وقوله سبحانه (29:48 محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوارة)الآية: وآيات أخرى معروفة، فلينظر المسلم من الأولى بأن يقال: فجر وافتجر؟
ثم ذكر حكاية عن حياة الحيوان، وحسبها أنه لم يجد لها مصدراً إلى حياة الحيوان، على أن الحكاية نفسها ليس فيها ما ينكره المؤمن بالقرآن
ثم قال (ص113): (( ووهب بن منبه.. ... ))
أقول: قد قدمت شيئاً من حال وهب، وقد وثقه الحفاظ وضعفه عمرو ابن علي الفلاس، أخرج البخاري حديثاً من طريقه ثم قال (( تابعه معمر )) وله في صحيح مسلم شيء تابعه عليه معمر أيضاً، ومعمر هو ابن راشد أحد الأئمة المجمع عليهم
وقال: (( روى عنه كثير من الصحابة، منهم أبوهريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وغيرهم ))
أقول هذه من مجازفات أبي رية، وإنما ذكر أهل العلم أن وهبا روى عنه هؤلاء، وإنما ولد سنة 34 كما مر، وإنما اشتهر بعد وفاة هؤلاء
قال (( أخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام – وهو أحد أحبار اليهود الذين
أسلموا- إنه مكتوب في التوراة في السطر الأول: محمد رسول الله عبده المختار، مولده مكة مهاجره طيبة.وأخرج كذلك: مكتوب في التوراة صفة النبي وعيسى بن مرييم يدفن معه ))(177/106)
أقول:لم أجد الخبر الأول في جامع الترمذي،ولا ذكره صاحب ذخائر المواريث، وسيأتي ما يتعلق به. وأما السند ففي سنده عثمان بن الضحاك مجهول، ومحمد بن يوسف بن عبد الله، ولم يوثقا توثيقاً يعتد به، وقد ذكر البخاري في ترجمة محمد من التاريخ 2631:1 طرفاً من هذا الخبر وقال (( هذا لا يصح عندي، ولا يتابع عليه ))
قال أبورية (( وهذا.. . قد أحكمه الداهية كعب، فقد روى الدارمي عنه في صفة النبي في التوارة قال: في السطر الأول: محمد رسول الله عبده المختار، مولده مكة ومهاجره طيبة وملكه الشام/ وقد بحثنا عن السطر الثاني من هذه الأسطورة حتى وجدناه في سنن الدارمي كذلك عن الداهية الأكبر كعب فقد روى ذكوان عنه: في السطر الأول محمد رسول- الله عبده المختار...، وهذا الكلام قد أورده ابن سعد في طبقاته عن ابن عباس في جواب لكعب، وقد أمتدت هذه الخرافة إلى أحد تلاميذ كعب، عبد الله بن عمرو بن العاص فقد روى البخاري من عبد الله[الصواب عن هلال]بن يسار.،وزاد ابن كثير: قال ابن يسار: ثم لقيت كعبا الخبر فسألته فما ا ختلفا في حرف )) قال أبو رية (( وكيف يختلفان وكعب هو الذي علمه ))
أقول: خبر عبد الله بن عمرو نسبه بعضهم إلى عبد الله بن سلام كما ذكره البخاري، وذكر ابن حجر أنه لا مانع من صحته عنهما. وقد بحثت عن هذا الخبر بطرقه المذكورة هنا وغيره ونظرت في الأسانيد، فترجح عندي صحته عن عبد الله(177/107)
بن عمرو، فأما نسبته إلى عبد الله بن سلام ففي صحتها نظر، وكذلك نسبته إلى كعب، وبيان ذلك يطول، وهذا الذي ظهر لي هو الظاهر من صنيع البخاري[وفي خبر عبد الله بن عمرو أجل والله إنه لموصوف.. علق عليه أبو رية (( هكذا يورطه أستاذه حتى يقسم بالله )) وهذا من افتراء أبي رية فإن عبد الله بن عمرو كان عنده جملة من صحف أهل الكتاب كما اعترف به أبو رية، فإقسامه يدل على أنه شاهد تلك ا لصفة في تلك الصحف]هذا وفي بعض روايات الخبر أنه من التوراة، فإن صح ذلك في الرواية فقد يراد به الكتب المنسوبة إلى موسى وقد يراد به ما يعم كتبه وكتب أنبياء بني إسرائيل وهو ما يسمى عند القوم (( العهد القديم )) وذلك إطلاق شائع كما يؤخذ من إظهار الحق 1: 38 وفي تفسير ابن كثير7:7 56يقع في كلام كثير من السلف إطلاق التوارة على كتب أهل الكتاب، وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشبه هذا )). وعلى كل حال فالرويات تعطي وجود معنى تلك العبارة في بعض كتب أهل الكتاب، وأبو رية يزعم أن الخبر (( أسطورة، خرافة )) فإن بنى ذلك على ا متناع أن يكون في كتب الأنبياء السابقين أخبار بأمور مستقبلة كبعثة محمد صلى الله عليه وسلم وصفته فهذا تكذيب صريح للقرآن وتكذيب بكتب الله ورسله، فإن كان أبو رية ينطوي على هذا فليجهر به حتى يخاطب بحسبه. وإن بنى على استبعاد صحة الخبر لأنه لا يوجد في كتب أ هل الكتاب الآن ما يؤدي ذاك المعنى، ولم يكن موجوداً فيها منذ ألف سنة تقريباً عندما شرع بعض علماء المسلمين يطلعون عليها وينقلون عنها، فهذا يبنيء عن جهل أو تجاهل بتاريخ كتب أهل الكتاب وأحوالهم فيها، واقتصر هنا على عبارات عن كتاب (( إظهار الحق )) للشيخ رحمة الله الهندي ففيه 220:1 عن الدكتور كني كات وهو من أعظم محققي كتب العهدين قال (( إن نسخ العهد العتيق التي هي موجودة كتبت ما بين ألف وألف وأربعمائة.. .)) وقال (( إن جميع النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة ((177/108)
الميلادية ) أو الثامنة أعدمت بأمر محفل الشورى لليهود لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنسخ التي كانت معتمدة عندهم)) وحكى عن ( والتن) ما يوافق ذلك.و يعلم منه أن اليهود / تتبعوا نسخ كتبهم التي كتبت قبل الإسلام أو في صدر الإسلام إلى نحو مائتي سنة فأتلفوها لمخالفتها الكثيرة لما يهوونه.وانظر إ ظهار الحق 242:1-245 وفيه 227:1-229 إن لأهل الكتاب نحو عشرين كتاباً مفقودة،وبعضها منسوب إلى موسى فيكون من التوارة الحقيقة عندهم. وقد تكون ثم كتب أخرى مفقودة لم يعثر المتأخرون على أسمائها. وذكر من شيوع التحريف القصدي في اليهود والنصارى قديماً وحديثاً ما يجاوز الوصف.وحق على من يبتلى بسماع شبهات دعاة النصرانية والإلحاد أن يقرأ ذاك الكتاب ( إظهار الحق) ليتضح له غاية الوضوح أن الفساد لم يزل يعترى كتب أهل الكتاب جملة وتفصيلا، ومحققوهم حيارى ليس بيدهم إلا التظنى والتمني والتحسر والتأسف، ومن ثم يتبين السر الحقيقي لمحاولتهم الطعن في الأحايث النبوية، لأن دهاتهم حاولوا الطعن في القرآن فتبين لهم أنه ما إلى ذلكم من سبيل، فأقبلوا على النظر في الأحاديث فوجدوا أنه قد روي في جملة ما روي كثير من الموضوعات، وحيرهم المجهود العظيم الذي قام به علماء الأمة لاستخلاص الصحيح ونفي الواهي والساقط والموضوع حتى قال بعضهم (( لتفتخر المسلمين بعلم حديثهم ما شاءوا )). ولكنهم اغتنموا انصراف المسلمين عن علم الحديث وجهل السواد الأعظم منهم بحقيقته فراحوا يشككون ويتهجمون، ولا غرابة أن يوقعهم الحسد في هذا وأكثر منه، وإنما الغرابة في تقليد بعض المسلمين لهم نعم اتضح ما تقدم عن إظهار الحق أنه لا مانع من أنه كان في كتب أهل الكتاب عند ظهور الإسلام ما تواطئوا بعد ذلك على تحريفه أو إسقاطه أو فقد ذاك الكتاب باتلافهم عمداً أو غيره. وقد كان اليهود في بلاد العرب منذ زمن طويل قبل الإسلام فلا يستبعد أنه كان بقي عندهم مالم يكن عند النصارى،[ومن(177/109)
الهين جداً على اليهود حين قرووا إتلاف النسخ أن يتلقوا جميع ما كان تبقى منها بأيدي المسلمين من أعقاب كعب ووهب وغيرهما لأنها تصير إلى مسلم لا يحسن قراءتها وقد يكره بقاءها عنده فقد يتلفها وقد يعطيها يهودياً بغير ثمن أو بثمن بخس، ويتأكد ذلك عند سعي اليهود في جمعها، وحسبك برهاناً على ذلك وما في معناها فقد النسخ من العالم سوى ما بأيدي اليهود من النسخ الحديثة] وإذا لا مانع وقد صحت الرواية فالواجب تصديقها، ومن تدبر القرآن ومحاورات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لليهود وما حكي عنهم قبل البعثة وما حكاه من أسلم منهم بان له صحة ما قلناه.وقد صحت الرواية عن عبد الله بن عمرو وهو صحابي فاضل، وقدكان عارفاً بكتب أهل الكتاب، ووقعت له عدة منها. فالظاهر أنه أخذ العبارة منها. وإن صحت عن عبد الله بن سلام فالأمر أوضح، فإنه كان من أحبار اليهود وأسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان من خيار الصحابة وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كما رواه كبار الصحابة وإن صحت عن كعب فالظاهر صدقه لأنه إذا كان صادق الإسلام / نقياً كما هو الظاهر ولم يتيبن خلافه فالأمر واضح، وإن كان كما زعمه بعضهم منافقا مصراً على الباطن على اليهودية متعصباً لها فليس من المعقول أن يكذب للمسلمين بما يزيدهم ثباتاً على الإسلام وحنقا على اليهود، وما يقال إن كعباً كان يستدرج المسلمين ليثقوا به ليس بشيء، لأنه يعلم أن غاية ما يفيده وثوقهم هو تصديقهم له في أن ما يحكيه عن كتب أهل الكتاب موجود فيها، وماذا يفيده هذا وإن كان منافقاً وقد علم أنهم يعتقدون أن كتب أهل الكتاب محرفة مبدلة، وقد تقدم إيضاح ذلك. وما يزعمه أبو رية من مكايد كعب لم يتحقق منها شيء. والله والمستعان
ثم ذكر (ص115) حكايات معضلة لا تعرف أسانيدها، ومثل ذلك لا يصح أن يبنى عليه شيء
مكيدة مهولة(177/110)
ثم قال (( لما قدم كعب إلى المدينة في عهد عمر وأظهر إسلامه أخذ يعمل في
دهاء ومكر لما أسلم من أ جله من إفساد الدين وافتراء الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.. .. )) [قوله على النبي صلى الله عليه وسلم هذا أساس المكيدة المهولة الآتية] أقول: هذه مكيدة مهولة يكاد بها الإسلام والنسة، اخترعها بعض المستشرقين فيما أرى ومشت على بعض الأكابر وتبناها أبو رية وارتكب لترويجها ما ارتكب كما ستعلمه، وهذا الذي قاله هنارجم بالغيب وتظن للباطل وحط لقوم فتحوا العالم ودبروا الدنيا أحكم تدبير إلى أ سفل درجات التغفيل، كأنهم رضي الله عنهم لم يعرفوا النبي صلى الله عليه وسلم ودينه وسنته وهديه فقبلوا ما يفتريه عليه وعلى دينه إنسان لم يعرفه، وقد ذكر أبورية في مواضع حال الصحابة في توقف بعضهم عما يخبره أخوه الذي يتيقن صدقه وإيمانه وطول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم،فهل تراهم مع هذا يتهالكون على رجل كان يهودياً فأسلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنين فيقبلون منه ما يخبرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يفسد دينه؟ كان الصحابة رضي الله عنهم في غنى تام بالنسبة إلى سنة نبيهم، إن احتاج أحد منهم إلى شيء رجع إلى إخوانه الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وجالسوه، وكان كعب أعقل من أن يأتيهم فيحدثهم عن نبيهم فيقولوا: من أخبرك؟ فإن ذكر صحابياً سألوه فيبين الواقع، وإن لم يذكر أحدا كذبوه ورفضوه، إنما كان كعب يعرف الكتب القديمة فكان يحدث عنها بآداب وأشياء في الزهد والورع أو بقصص وحكايات تناسب أشياء في القرآن أو السنة، فما وافق الحق قبلوه، وما رأوا باطلاً قالوا: من أكاذيب أهل الكتاب، وما رأوه محتملاً أخذوه على الاحتمال كما أمرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ذلك كان فن كعب وحديثه. ولم يرو عنه أحد من الصحابة إلا ما كان من هذا القبيل. نعم ذكر أصحاب التراجم أنه سئل عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن عمر وصهيب وعائشة.(177/111)
وعادتهم أن يذكروا مثل ذلك وإن كان خبراً واحداً في صحته عن كعب نظر / فهذه كتب الحديث والآثار موجودة لا تكاد تجد فيها خبراً يروى عن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن وجد فلن تجده إلا من رواية بعض التابعين عن كعب، ولعله مع ذلك لا يصح عنه. وكذا روايته عن عمر. وكذا روايته عن صهيب وعائشة مع أنه مات قبلها بزمان.وعامة ما روي عنه حكايات عن أهل الكتاب ومن قوله
قال (( ومما أغراه بالرواية أن عمر بن الخطاب كان في أول أمره يستمع إليه، فتوسع في الرواية الكاذبة ما شاء أن يتوسع، قال ابن كثير: لما أسلم كعب في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضي الله عنه، فربما استمع له عمر، فترخص الناس في استماع ما عنده و نقلوا ما عنده من غث وسمين )) [عزاه أبو رية إلى تفسير ابن كثير 17:4 ولم أجده هناك فلينظر]
أقول: الذي عنده هو الحكايات عن صحف أهل الكتاب وأشياء من قوله في الحكمة والموعظة، وقوله (( الرواية الكاذبة )) لا ريب أن في صحف أهل الكتاب التي كان كعب يحكي عنها ما هو كذب، فمن صحفهم ما أصله من كتب الأنبياء ولكن حرف وزيد فيه ونقص، ومنها ما هو منسوب إلى بعض الأنبياء كذباً، وعندهم عدة كتب كذلك، ومنها ما هو من كتب أحبارهم، فأما أن يكون كعب كذب فهذا لم يثبت، وسيأتي الكلام فيه
قال (( ثم لم يلبث عمر أن تفطن لكيده وتبين له سوء دخلته، فنهاه عن الرواية عن النبي[قوله عن النبي عن رسول الله هو أساس المكيدة كما مرت الإشارة إلى مثله ص73 يحاول أبو رية أن يمكنه] وتوعده إن لم يترك الحديث عن رسول الله أو ليحقنه بأرض القردة ))(177/112)
أقول: هذا من دجل أبي رية، لم يتبين لعمر من كعب كيد ولا سوء دخلة، ولا كان كعب يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ,إنما كان يحكي عن صحف أهل الكتاب، فإن كان عمر نهاه فعن ذلك. وا لحكاية التي تشبث بها أبورية عزاها إلى البداية والنهاية 106:8 وهي هناك (( وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة )) قال (( عن الأول )) فأبدلها الشاطر أبو رية بقوله
(( عن النبي – عن رسول الله )).[وهكذا يزور أبو رية لتمكين أساس تلك المكيدة] ومعها في البداية والنهاية كلمة تتعلق بأبي هريرة ذكرها أبو رية ص163 وسيأتي هناك بيان سقوط هذه الرواية مع الكشف عن بعض أفاعيل أبي رية
على أن كلام أبي رية متناقض، فسيحكي قريباً أن عمر لم يزل إلى آخر حياته معتداً بكعب، والصحيح أن كعباً كان رجلاً عريباً ذا رأي، قد قرأ الكتب واستفاد منها أشياء في الحكمة والزهد والورع، وهذه كانت وسيلته إلى عمر. ويحكي الناس عنه أشياء من الأخبار عن الأمور المستقبلة مسنداً له إلى صحف / أهل الكتاب، ولا أدري ما يصح عنه من ذلك
قال (( على أن عمر ظل يترقب هذا الداهية بحزمه وحكمته وينفذ إلى أغراضه الخبيثة بنور بصيرته كما نرى في قصة الصخرة ))(177/113)
أقول: قد سرح عمر من المدينة إلى العراق نصر بن حجاج لغير ذنب إلا أنه كان بارع الجمال وكان بالمدينة كثير من النساء، يغيب أزواجهن في الجهاد وقد ذكرت إحداهن نصرا في شعر لها، وجلد عمر صبيغ بن عسل ونفاه إلى العراق وكتب أن لا يجالسه أحد لأمر واحد وهو أنه يكثر من السؤال عن كلمات من القرآن لا تتعلق بالأحكام، ونصر سلمى وصبيغ تميمي لم يكن لهما عرق في يهودية ولا نصرانية. وكعب حميري حديث العهد باليهودية لا منعة له و لاحاجة بالمسلمين إليه، فهل يعقل أن يشعر الفاروق منه بأن إسلامه مدخول وأنه داهية ذو أغراض خبيثة ثم يدعه معه بالمدينة يدخل إليه مع أصحابه ويتكلم في مجلسه وربما يستشيره لا يحذره ولا يحذر الناس منه؟ أما قصة الصخرة فرواها الإمام أحمد من طرق حماد بن سلمة عن أبي سنان [عيسى بن سنان القسملي] عن عبيد بن آدم قال (( سمعت عمر يقول لكعب: أين ترى أن أصلي؟ قال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة،
وكانت القدس كلها بين يديك. فقال عمر: ضاهيت اليهودية، لا، ولكن أصلى حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم(177/114)
عبيد هذا لم يذكر له راو إلا أبو سنان، وأبو سنان ضعفه الإمام أحمد نفسه وابن معين وغيرهما، وقال أبو زرعة (( مخلط ضعيف الحديث))، ولا ينفعه ذكر ابن حبان في الثقات لماعرف من تساهل ابن حبان، ولا قول العجلي (( لا بأس به )) فإن العجلي قريب من ابن حبان أو أشد، عرفت ذلك بالاستقرار. ومع هذا فليس في القصة ما يشعر بسوء دخيله،عرف كعب فضيلة بيت المقدس في الإسلام بنص القرآن، وعلم أنه كان قبلة المسلمين أولاً فظن أنه الأفضل للمصلى هناك أن يجعله كله بينه وبين الكعبة، ورأى عمر أن في هذا مضارعة أي مشابهة لليهودية، فيما علم من الإسلام خلافه، وهو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. هذا على فرض صحة الرواية. وذكر أبورية (ص126-127) رواية أخرى عن تاريخ الطبري. وهي في التاريخ منقطعة الأول وا لآخر، إنما قال (( وعن رجاء بن حيوة عمن شهد )) والسند إلى رجاء مجهول، وشيخ رجاء مجهول، ومثل هذا لا يثبت به شيء
قال أبو رية (( فإن شدة دهاء هذا اليهودي غلبت على فظنه عمر وسلامة نيته )) كذا رجع أبورية فسلب عمر ما ذكره أولا بقوله (( بحزمه وحكمته وينفذ.. . بنور بصيرته ))، وهذا شأن من يتظنى الباطل[والملجئ لأبي رية إلى هذا هو محاولته بالتمكين لتلك المكيدة
/ قال (( فظل يعمل بكيده في السر والعلن ))
أقول كلمة (( العلن )) هذه تأتي على بقية ما جعله لعمر سابقاً وتبين أن مقصوده بقوله (( سلامة نيته )) الغفلة. قال (( حتى انتهى الأمر بقتل عمر بمؤامرة اشترك فيها هذا الدهي ))
ذكر بعد هذا ما حكى عن المسور بن مخرمة، وعزاها إلى تاريخي ابن جرير وابن(177/115)
الأثير، والثاني مستمد من الأول، وأرى أن أحكيها كما هي عند ابن جرير في أخبار سنة 23قال (( حدثني سلمة (الصواب: سلم )) بن جنادة قال حدثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت [عمران]ابن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال:حدثنا أبي عن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن المسور بن مخرمة.. . قال: خرج عمر بن الخطاب يطوف في السوق فلقيه أبو لؤلؤة.. . قال [أبو لؤلؤة]: لئن سلمت لأعملن لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب، ثم انصرف. فقال عمر: لقد توعدني العبد آنفاً. قال ثم انصرف عمر إلى منزله فلما كان من الغد جاء كعب الأحبار فقال له: يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام. قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب الله عزوجل التوراة. قال عمر: آلله أنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال: اللهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك... فلما كان من الغد جاء كعب فقال:.. . بقي يومان. قال: ثم جاء من غد الغد فقال:.. .بقي يوم وليلة وهي لك إلى صبيحتها.. . )) وقال فيه (( فضرب عمر ست ضربات )) وفي آخرها (( ثم توفي ليلة الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة ))(177/116)
أقول: هل يسمع عمر هذا الوعيد الشديد من عبد كافر ثم لا يحترس منه ولا يأمر بالقبض عليه وسجنه أو ترحيله من المدينة؟ أو على الأقل يضع عليه عيوناً تراقبه، فقد كان لعمر عيون على الناس ترقب أقل من هذا، وكان له عيون على عماله في البلدان البعيدة، أو ليس عمر هو الذي رجع عن بلد الطاعون فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك يا أبا عبيدة قالها. نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله. هب أن عمر لم يبال نفسه، أفلم يكن بقاء ذلك العبد الكافر بين ظهراني المسلمين خطراً عليهم، وقد جاهر الخليفة بالتوعد، فما عسى أن يكون حاله مع غيره؟ قد يقال يمكن أن تكون وضعت عليه عيون راقبته مدة فلم ير منه ما ينكر، قترك. لكن / هذه الحكاية تجعل التوعد يوم الجمعة 22 ذي الحجة سنة 23 والقتل بعد ذلك بأربعة أيام.
أضف إلى ذلك أنه قد ثبت أن عمر قال في خطبته في تلك الجمعة (( رأيت ديكا نقرني ثلاث نقرات، ولا أراه إلى حضور أجلي )) وفي بعض الروايات أنه ذكر أن الرؤيا عبرت بأن رجلاً من الأعاجم يعتدي عليه. راجع فتح الباري 50:7 هل يخبر عمر بهذه الرؤيا في اليوم الذي توعده فيه الأعجمي ثم لا يحترس ولا يقبض على ذاك الأعجمي؟
وفوق هذا تزعم الحكاية أن كعباً جاء إلى عمر بعد الإخبار بالرؤيا وإيعاد الأعجمي بيوم واحد فقال لعمر ما تقدم. أفلم يكن في اقتران هذه الثلاثة ما يدعو إلى الاحتراس؟
أمر آخر: تقدم (ص46) تشديد عمر على أبي موسى لما أخبر بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يعقل أن عمر هذا الذي شدد على أخيه المؤمن الصادق المهاجر القديم الإسلام لا يشدد على كعب حديث العهد باليهودية ولا صحبة ولا هجرة، مع أن خبره أولى وأحق بأن يستنكر؟(177/117)
أمر ثالت: عهدنا بهذا الحميري داهياً فهل يعقل أن يكون واقفاً على المؤامرة ثم يقع منه ما حكته الحكاية؟ المعقول أن يسكت إن كان له هوى في قتل عمر، وأن يخبره بالمؤامرة على وجهها إن لم يكن له هوى في قتله. أما السكوت فخشية أن يؤدي كلامه إلى حبوط المؤامرة بأن يحترس عمر ويقبض على أبي لؤلؤة، وقد يجر إلى اكتشاف المؤامرة ووقوع كعب نفسه، وأما الإخبار بالمؤامرة على وجهها فلأنه بذلك يكون له يد عند عمر والمسلمين ينال بها جاها ومكانه. وكلا هذين الغرضين أهم وأعظم من حبه إيهام اطلاعه على بعض أمور المستقبل، على أن هذا قد كان حاصلاً في الجملة، فقد كانوا يعرفون معرفته بصحف أهل الكتاب ويعرفون أن فيها أشياء من ذلك.
ومن قابل هذه الحكاية بالروايات الصحيحة وجد مخالفة: منها عدد الطعنات،
اتفقت الروايات الصحيحة على أنها ثلاث فقط، ووقع في هذه الحكاية أنها ست فأنت ترى أن النظر في متن هذه الحكاية يبين أنها مدخولة لا يمكن الاعتماد عليها في شيء، ويؤكد ذلك سقوط سندها، فإن سليمان مجهول لم نجد له ترجمة وأبوه ساقط الحديث كما بينه جمع من الأئمة، وعبد الله بن جعفر لا بأس به، فأما أبوه جعفر بن المسور فلا يعرف برواية أصلاً،ولا يدرى أدرك أباه أم لا
/ وقال ص 117: (( ووقع في رواية أبي إسحاق عند ابن سعد: وأتى كعب عمر فقال: ألم أقل لك إنك لا تموت إلا شهيداً، وإنك تقول من أين وإني في جزيرة العرب ))(177/118)
أقول: هي عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون وأبو إسحاق مشهور بالتدليس ولم يذكر سماعا وروى غيره القصة عن عمرو بن ميمون كما في صحيح البخاري وغيره بدون هذه الزيادة. ومع هذا فأي شيء فيها؟ أما الشهادة فقد كان عمر مبشراً بها يقيناً، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أنس (( أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )). وصح معناه من حديث عثمان وبريدة وأبي هريرة وسهل بن سعد. راجع فتح الباري 32:7
وفي الصحيحين وغيرهما سؤال عمر لحذيفة عن الفتنة،وقول حذيفة (( لا بأس عليك يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابا ًمغلقاً )) قال عمر (( يفتح الباب أو يكسر )) ؟ قال حذيفة (( لا بل يكسر )). قيل لحذيفة (( علم عمر بالباب ))؟قال ((نعم، كما أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط )) ثم بين حذيفة أن الباب هو عمر نفسه. فالمراد بقوله (( يفتح أو يكسر )): يموت أو يقتل
وثم أخبار أخرى كرؤيا عوف بن مالك في عهد أبي بكر، وفيها في ذكر عمر
((شهيد مستشهد )). وفي صحيح البخاري أن عمر قال (( اللهم ارزقني شهادة في سبيلك وموتاً في بلد رسولك )) وراجع فتح الباري 86:4 و 446:6 ولا ريب أن كعبا كان عارفاً بصحف أهل الكتاب وأن فيها أخباراً عن المستقبل، وأنه كان يوجد في صحفهم في عهد الإسلام ما لا يوجد عندهم الآن، راجع ما تقدم ص72. وشأن عمر من أعظم الشئون في العالم وأحقها أن يبشر به الأنبياء السابقون عند تبشيرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فليس في رواية أبي إسحاق ذكر التوراة، فقد يكون استند إلى تلك الأخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم(177/119)
قال أبو رية (( وإليك خبراً عجيباً من أخبار ذلك الكاهن لعله يمتلخ منك عرق الشك في اشتراكه في هذه المؤامرة، فقد أخرج الخطيب عن مالك أن عمر دخل على أم كلثوم بنت علي وهي زوجته فوجدها تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: هذا اليهودي- أي كعب الأحبار – يقول إنك من أبواب جهنم. فقال عمر: ما شاء الله. ثم خرج فأرسل إلى كعب، فجاءه فقال: ياأمير المؤمنين والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة، فقال عمر: ما هذا؟ مرة في الجنة ومرة في النار! قال كعب: إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبوب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها، فإذا مت اقتحموا وقد صدقت يمينه.. . فقد قتل عمر في ذي الحجة سنة 23هـ
أقول: ذكر ابن حجر في فتح الباري هذه الحكاية في شرح حديث حذيفة الذي فيه وصف عمر بأنه باب مغلق دون الفتنة، وقد تقدم قريباً. وفي الفتح أيضاً 446:2 حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى عمر وقال: هذا غلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش، وأن أبا ذر قال لعمر (( يا غلق الفتنة )) فغير منكر أن يكون في صحف أهل الكتاب إشارة إلى هذا المعنى بنحو ما في الحكاية – إن صحت- وإنما الذي يستنكر أن يكون فيها بيان وقت موت عمر على
التحديد. وقد كان عمر في شهر ذي الحجة سنة23 حاجاً واتفق هناك علامات تؤذن بقرب موته، منها أن رجلاً ناداه يا خليفة. فقال آخر من حزاةالعرب: إنا لله،ناداه باسم ميت. ثم لما كان يرمي الجمرات أصابت حصاة جهة عمر فأدمته، فقال ذاك الحازي: إنا لله، أشعر أمير المؤنين. والإشعار تدمية البعير الذي يهدى لينحر. وجاء عن عائشة أنها سمعت عقب ذاك الحج منشداً ينشد:
لا الأرض العضاء باسوق
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت
يد الله في ذاك الأديم الممزق..
عليك سلام من إمام وباركت(177/120)
ولما انصرف عمر من الحج دعا الله تعالى فقال (( اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط )). فلما قدم المدينة خطب الناس وقال في خطبته (( رأيت ديكاً نقرني ثلاث نقرات، ولا أراه إلا حضور أجلي ))
فمن الجائز إن صحت تلك الحكاية أن يكون كعب استند إلى بعض هذه العلامات أو شبهها، وقد يكون مع ذلك وجد في صحفه إشارة فهم منها بطريق الرمز مع النظر إلى القرائن والعلامات السابقة أن عمر لا يعيش في تلك السنة
وبعد فسند الحكاية غير صحيح، تفرد بها عن مالك رجل يقال له (( عبد الوهاب بن موسى )) لا يكاد يعرف وليس من رجال شيء من كتب الحديث المشهورة، ولا ذكر في تاريخ البخاري ولا كتاب ابن أبي حاتم، بل قال الذهبي في الميزان (( لا يدري من ذا الحيوان الكذاب )) وفي مقدمة صحيح مسلم (( الذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شار ك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ًليس عند أصحابه قبل منه.. . ))
وهذا الرجل لم يمعن في المشاركة فضلاً عن أن يكون ذلك على / الموافقة. لكن هذا الشرط لا يتقيد به بعض المتأخرين كابن حبان والدارقطني،ومن ثم- الله أعلم - وثق الدارقطني عبد الوهاب هذا وزعم أن الخبر صحيح عن مالك. أما بقية سنده عن مالك فهو عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري، وسعد الجاري غير مشهور ولا موثق، ولا يدرى أدركه عبد الله بن دينار أم لا(177/121)
ومقطع الحق أن ليس بيد من يتهم كعباً بالمؤامرة غير كلمات يروي أن كعباً قالها لعمر. وقد كان عمر والصحابة أ علم بالله ورسوله وكتبه منا، وأعلم بعد أن طعن عمر بالمؤامرة وقد انكشفت وهو حي، وأعلم بحال كعب لأنه صحبهم وجالسهم. والمعقول أنه لو كان في ما خطب به عمر ما يوجب اتهامه لاتهموه، وقد علمنا أنهم لم يتهموه لا قبل انكشاف المؤامرة ولا بعده، فوجب الجزم بأنه لم يقع منه ما يقتضي اتهامه
قال أبورية ص118 (( حديث الاستسقاء.. ))
حكى أن كعباً في عام الرمادة قال لعمر (( إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء ))
أقول لم يعز إل كتاب لينظر في سنده.. . ولا أراه إلا ساقطا
قال (( ومما لا مراء فيه أن هذا اليهودي قد أراد بقوله هذا أن يخدع عمر عن أول أساس جاء عليه الدين الإسلامي وهو التوحيد الخالص، ليزلقه إل هوة التوسل الذي هو الشرك بعينه ))
أقول: أما المسلمون الذي يعرفون الإسلام فالذي لا مراء فيه عندهم أن أبا رية مجازف، وأنه على فرض صحة هذه الحكاية ليس فيها ما يدل على سوء طوية كعب، وإن استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما لا علاقة بالشرك البتة، بل هو أمر يقره الشرع إجماعاً، ويؤيده الكتاب والسنة، قال الله تعالى (64:4 ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ))
وقال سبحانه (5:63 وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون)) وقال تعالى في يعقوب وبنيه97:12- قالوا ياأبانا استغفر لنا ذنوبنا إناكنا خاطئين: قال سوف أ ستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم )) وتواتر في السنة طلب الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم بالسقيا وغيرها، وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسلم عليه في التشهد، وبالصلاة عليه والدعاء له عقب الأذان، وغير ذلك مما صورته طلب الدعاء.(177/122)
ثم ذكر خبر أنس الذي في صحيح البخاري أن عمر قال (( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم / فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا )) وزعم أنه لا يصح، وعارضه بروايات منها عن خوات قال (( خرج عمر يستسقي بهم فصلى ركعتين فقال: اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك، فما برح من مكا نه حتى مطروا ))
أقول: لا أدري ما سنده، ولو صح فلا يعارض خبر أنس، فقد تكون واقعة أخرى، فإن عمر لبث خليفة عشر سنين، وقد تكون واقعة واحدة اختصر خوات في ذكرها
قال (( وعن الشعبي قال: خرج عمر يستسقي بالناس فما زاد على الاستغفار ))
أقول: الشعبي لم يدرك عمر، وعمر لبث خليفة عشر سنين، فلم يكن استسقاؤه مرة واحدة
قال (( وقال الجاحظ:ولما صعد (عمر) على المنبر قابضاً على يد العباس.. . )) فذكر نحو خبر الشعبي، وذكر أبو رية أن الطبري أخرجه في تفسيره، وأن ابن قتيبة ذكره في الشعر والشعراء
أقول: نعم، ولكن لم يقل أحد (( قابضاً على يد العباس )) إلا الجاحظ، فأراه زادها توهما قال (( قال معاوية لكعب.. .. )) عزا هذا إلى تفسير ابن كثير 101:3
وإنما هو فيه 323:5 قال في سنده (( ابن لهيعة حدثني سالم بن غيلان عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية الخ )) وابن لهيعة ضعيف، وسعيد بن أبي هلال ولد بعد موت كعب بنحو أربعين سنة
قال (( وذكر القرطبي في تفسير سورة غافر عن خالد بن معدان عن كعب ..))
أقول: قال القرطبي (( قال ثور بن زيد عن خالد.... )) ولا أدري كيف السند إلى ثور، وخالد لم يدرك كعبا
قال (( وفي التفسير أن عبد الله بن قلابة الخ ))
أقول: عبد الله بن قلابة مجهول لا ذكر له إلا في هذه الحكاية، وفي السند إليه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف كثير التخليط
قال ص121 (( وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن كعب.. .. ))
أقول: كتاب العظمة تكثر فيه الرواية عن الكذابين والساقطين والمجاهيل
قال (( وعن وهب بن منبه: أربعة أملاك يحملون العرش.. .. ))(177/123)
أقول: وهذا أيضاً من كتاب العظمة
/ قال (( وقرأ معاوية الخ ))
أقول: في سنده سعيد بن مسلمة بن هشام، قال فيه البخاري (( منكر الحديث فيه نظر ))، وهذا من أشد الجرح في اصطلاح البخاري، وفي سياق القصة ما يشعر بانقطاع آخرها
قال ص122 (( وذكر الحافظ ابن حجر أن كعب الأحبار روى أن باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس، فأخذ منه بعض العلماء أن الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج ليحصل العروج مستويا.. . )) قال أبو رية (( وهكذا تنفذ الاسرائيليات إلى معتقداتنا ))
أقول: الحكاية عن كعب لا ندري ما سندها، وذاك الأخذ إنما هو احتمال لا
تثبت به عقيدة ولا تنتفي
قال (( وقال ابن حجر بعد أن أورد تلك الخرافة.. . ))
أقول: من أين لك أنها خرافة؟
قال (( وروى كعب أن في الجنة ملكا الخ ))
أقول: ذكر بنحو ما هنا ابن القيم في حادى الأرواح المطبوع مع أعلام الموقعين 314:1 وهو من رواية شمر بن عطية عن كعب، وشمر لم يدرك كعباً وليس في الحكاية ما يستنكره المسلم
قال (( ومما يدلك على أن الصحابة كانوا يرجعون إليه[هذا من محاولات أبي رية تمكين تلك المكيدة التي مرت ص73]حتى فيما هو من علمهم، وبخاصة عند ما قال: ما من شيء إلا وهو مكتوب في التوراة. أن أبا عبد الرحمن محمد بن الحسين النيسابوري ذكر أن عمر قال لكعب – وذكر الشعر- يا كعب هل تجد للشعر ذكراً في التوراة.... ))
أقول: عزاه إلى كتاب العمدة لابن رشيق، وابن رشيق لم يلق النيسابوري والنيسابوري ضعيف جداً حتى اتهم بالوضع، تجد ترجمته في لسان الميزان 140:5 وبينه وبين عمر أكثر من ثلاثمائة سنة، وهب أن القصة صحت فأي شيء فيها يدل على تلك ا لدعوى الفاجرة؟ وما نسبه إلى كعب من قوله (( ما من شيء الخ )) لم يعزه
قال (( وروى البيهقي في الأسماء والصفات بسند صحيح عن ابن عباس [قال].. . في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى ))(177/124)
أقول: أما هذا فليس سنده صحيح، لأنه من طريق شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن / ابن عباس، وشريك يخطئ كثيراً ويدلس، وعطاء بن السائب
اختلط قبل موته بمدة وسماع شريك منه بعد الاختلاط. لكن أخرج البيهقي عقب هذا بسند آخر من طريق (( آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في قوله عزوجل (خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ) قال: في كل أرض نحو إبراهيم )) ثم قال البيهقي (( إسناد هذا عن ابن عباس صحيح، وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعاًَ )) وأخرجه ابن جرير عن عمرو بن علي عن غندر عن شعبة فذكره بنحوه، وزاد (( ونحو ما على الأرض من الخلق ))(177/125)
وعلى هذا فالمعنى والله أعلم أن في كل أرض خلقاً كنحو بني آدم، وفيهم من يعرف الله تعالى بالنظر في آياته كما عرف إبراهيم عليه السلام، وهذا القول قد يتوصل إليه بالنظر في الآية المذكورة وسياقها وقوله تعالى ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق )) وقوله ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) وغيرها على أن بعضهم قد فسر ماجاء في الرواية الأخرى التي تقدمت أنها لا تصح، ففي روح المعاني (( لامانع عقلا ًولا شرعأً من صحته، والمراد أن في كل أرض خلقاً يرجعون إلى أصل واحد رجوع بني آدم في أرضنا إلى آدم عليه السلام، وفيهم أفراد ممتازون على سائرهم كنوح وإبراهيم فينا )) أما ما في البداية (( محمول إن صح نقله عنه على أنه أخذه ابن عباس رضي الله عنه عن الاسرائيليات )) فغير مرضي، فابن عباس – كما مر ويأتي – كان ينهى عن سؤال أهل الكتاب، فإن كان مع ذلك قد يسمع من بعض من أسلم منهم أو يسأله فإنما ذلك شأن العالم يسمع ما ليس بحجة لعله يجد فيه ما ينبهه ويلفت نظره إلى حجة، وسيأتي تمام هذا إن شاء الله وقال ص123 (( وفي تفسير الطبري أن ابن عباس سأل كعباً عن سدرة المنتهى. فقال:إنها على رءوس حملة العرش، وإليها ينتهي علم الخلائق، وليس لأحد وراءها علم، ولذلك سميت سدرة المنتهى لانتهاء العلم بها )) أقول هو من طريق الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف قال سأل ابن عباس كعباً وأنا حاضر )) كذا قال،
والأعمش مشهور بالتدليس، وهلال بن يساف لم يدرك كعباً
قال أبو رية (( هذا ما قاله لتلميذه الثاني، أما تلميذه الأول فهو أبو هريرة... ))
أقول: لم يتعلما من كعب شيئاً،وإنما سمعا منه شيئاً محتملاً فحكياه، أو سألاه سؤال خبير ناقد لينظرا ما يقول، ولا يضرهما تهكم أبي رية كما لم يضر النبي صلى الله عليه وسلم قول المشركين (( إنما يعلمه بشر ))
/ قال: ففي حديث له أنها شجرة من أصلها أنهار الخ ))(177/126)
أقول: هذا رواه أبو جعفر الرازي، وشك فيه فقال (( عن الربيع بن أ نس عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره )) وأبو جعفر والربيع فيهما كلام، وقال ابن حبان في الربيع (( الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه، لأن في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً ))
قال (( وفي حديث المعراج: أنه لما فرض الله خمسين صلاة على العباد في النهار وفي الليل ولم يستطع أحد من الرسل جميعاً غير موسى أن يفقه استحالة أ دائها على البشر، فهو وحده الذي فطن ذلك.. . وكأن الله سبحانه.. .. كان لا يعلم مبلغ قوة احتمال عباده.. . وكذلك لا يعلم محمد.. . حتى بصره موسى. وهكذا ترى الاسرائيليات تنفذ إلى ديننا.. . ولا تجد أحداً إلا قليلاً يزيفها.. . ))
أقول إن كانت الاسرائيليات تشمل عند أبي رية كل خبر فيه فضيلة لموسى عليه السلام ففي القرآن كثيرمنها، بل في عدة آيات منها ذكر تفضيل بني إسرائيل على العالمين وغير ذلك. وإن كانت خاصة بما ألصق بالإسلام وليس منه من مقولات أهل الكتاب فلم يزل أهل العلم يتتبعونها ويزيفونها. أما سكوتهم عن محاولة تزييف ما ثبت في أحاديث الإسراء فعذرهم واضح، وهو أنه لم يبلغ أحد منهم في العلم والعقل والحياء مبلغ أبي رية. ودونك الجواب:(177/127)
كانت الصلاة قبل الهجرة ركعتين ركعتين كما ثبت في الصحيح، فخمسون صلاة مائة ركعة،وليس أداة مائة ركعة في اليوم والليلة بمستحيل، وفي الناس الآن من يصلي في اليوم والليلة نحو مائة ركعة، ومنهم من يزيد، وفي تراجم كثيرمن كبار المسلمين أن منهم من كان يصلي أكثر من ذلك بكثير، بل إن أداء مائة ركعة في اليوم والليلة ليس بعظيم المشقة في جانب ما لله عزوجل من الحق وما عنده من عظيم الجزاء في الدنيا والآخرة، نعم قال الله تعالى (45:3 واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين، الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون )). وما وقع في كلام موسى (( إن أمتك لا تطيق )) وفي رواية (( لا تستطيع )) ليس معناه أن ذلك مستحيل، وإنما معناه أن ذلك يشق عليها، ولهذا أطلق هذه العبارة بعد بيان رجوع الصلاة إلى خمس، قال موسى (( إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم)) راجع مفرات / الراغب ( طوع ) و ( طوف )
فأما الله تعالى فالفرض في علمه خمس صلوات فقط. ولكنه سبحانه إذا أراد أن يرفع بعض عباده إلى مرتبه هيأ له ما يستحق به المرتبة، ومن ذلك أن يهيئ ما يفهم منه العبد أنه مكلف بعمل معين شاق فيقبل التكليف ويستعد لمحاولة الأداء فحينئذ يعفيه الله تعالى من ذلك العمل ويكتب له جزاء قبوله ومحاولة الوفاء به أو الاستعداد لذلك ثواب من عمله، ومن هذا القبيل قصة إبراهيم في ذبح ابنه
وأما محمد صلى الله عليه وسلم فكان يعلم أن الأداء ممكن كما مر، وكان في ذلك المقام الكريم مستغرقاً في الخضوع والتسليم ووفقه الله عزوجل لقبول ما فهمه في فرض خمسين والاستعداد لأدائها ليكون هذا القبول والاستعداد مقتضياً لاستحقاق ما أراد الله عزوجل أن يعطيه وأمته من ثواب خمسين صلاة، وقبوله واستعداده عنه وعن أمته في حكم قبول الأمة فإنها تبع له وكان هو النائب عنها، على أنه ما من مؤمن من أمته يطلع على الحديث ويراجع نفسه إلا رأى أنه لو كان(177/128)
المفروض خمسين صلاة لبذل وسعه في أدائها والوفاء بها، فأما المراجعة للتخفيف بعد مشورة موسى فإنما كانت بعد أن استقر القبول والعزم على الأداء وعلى وجه الرجاء إن خفف فذاك وإلا فالقبول والاستعداد بحاله
ولم يذكر في الحديث أن أحداً من الرسل اطلع على فرض الصلاة وإنمافيه أنه لما مر بموسى عليهما السلام سأله موسى فأخبره فقال موسى (( إن أمتك لا تستيطع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك )) واختص موسى بالعناية لأنه أقرب الرسل حالاً إلى محمد لأن كلاًً منها رسول منزل عليه كتاب تشريعي سائس لأمة أريد لها البقاء لا أن تصطلم بالعذاب، وقضى لمحمد أن تطول معالجته لأمته كما طالت معالجة موسى لأمته، ووجوه الشبة كثيرة، ولهذا أتى القرآن بذكر موسى في مواضع كثيرة منها عقب آية الإسراء، قال الله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلىالمسجد ا لأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا) هذا وحديث الاسراء ثابت مستفيض عن رواية جماعة من الصحابة وعليه إجماع الأمة ولايضره أن يجهل بعض الناس حكمة عالم الغيب والشهادة في بعض مااشتمل عليه، ولا أن يكفر به من يكفر. والله الموفق
قال أبورية ص124 (( هل يجوز رواية الاسرائيليات؟
أقول: المعلوم ديناً وعقلاً أن الأخبار إنما تحظر روايتها إذا ترتبت عليها مفسدة، وقد كثر في القرآن والسنة حكاية ما هوحق من الاسرائيليات وحكاية ما هو باطل مع بيان بطلانه، فدل ذلك على جواز ما كان من هذا القبيل، وبقي المحتمل، وما لا تظهر مفسدة في روايته على أنه محتمل.(177/129)
قال أبو رية (( روى أحمد عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أ هل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني. وفي رواية فغضب وقال: جئتكم بها بيضاء نقية. لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به ))
أقول: هذا من رواية مجالد عن الشعبي عن جابر، ومجالد ليس بالقوي، وأحاديث الشعبي عن جابر أكثرها لم يسمعه الشعبي من جابر كما مر ص38 وعلى فرض صحته فالغضب من المجئ بذاك الكتاب كان لسبببين الأول إشعاره بظن أن شريعتهم لم تنسخ، ولهذا دفع ذلك بقوله (( لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني )). والثاني أنه قد سبق للمشركين قولهم في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ( أسأطير الأولين اكتتبها وهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) وفي اعتياد الصحابة الاتيان بكتب أهل الكتاب وقراءتها على النبي صلى الله عليه وسلم ترويج لذاك التكذيب، والسببان منتفيان عمن اطلع على بعض كتبهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن عمرو أما قوله (( لا تسألوا الخ )) فقد بين أن العلة هي خشية الكذب بحق أو التصديق باطل، والعالم المتكن من معرفة الحق من الباطل ومن المحتمل بمأمن من هذه الخشية، يوضخ ذلك أن عمر رضي الله عنه وهو صاحب القصة كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم يسمع من مسلمي أهل الكتاب وربما سألهم، وشاركه جماعة من الصحابة ولم ينكر ذلك أحد
قال (( وروى البخاري عن أبي هريرة: لا تصدقوا الخ ))(177/130)
أقول الذي في صحيح البخاري: (( عن أبي هريرة قال: كان أهل التكاب يقرؤن التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم الخ )) / فلم ينه عن السماع والاستماع، وإنما نهى عن التصديق والتكذيب، ولا ريب أن النهي عنه هو التصديق المبني على حسن الظن بصحفهم، والتكذيب المبني على غير حجة، فلو قامت حجة صحيحة وجب العمل بها
قال (( وروى البخاري... عن ابن عباس أنه قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على رسول الله أحدث الكتب تقرؤنه محضاً لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه الخ ))
أقول: هذا من قول ابن عباس، وقد علمنا أنه كان يسمع ممن أسلم من أهل الكتاب وقد روي أنه سأل بعضهم، وأبورية يسرف في هذا حتى يرمي ابن عباس بأنه (( تلميذ لكعب ))، وبالتدبير يظهر مقصوده، ففي بقية عبارته (( لا والله ما رأينا رجلاً منهم يسألكم عن الذي أنزل إليكم )) فدل هذا أن كلامه في أهل الكتاب الذين لم يسلموا، فأما الذي أسلموا فعمل ابن عباس يقتضي أنه لا بأس للعالم المحقق مثله أن يسأل أحدهم
قال (ص125): وروى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود قال (( لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا. إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل ))
أقول: في سنده نظر، فإن صح فقد تقدم معناه في حديث جابر وأثر ابن عباس قال (( ولكن ما لبث الأمر أن انقلب بعد أن اغتر بعض المسلمين بمن أسلم من أحبار اليهود خدعة (؟) فظهرت أحاديث رفعوها إلى النبي تبيح الأخذ وتنسخ ما نهى عنه، فقد روى أبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ))
أقول: صح هذا من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد الخدري، وليس بمخالف لما تقدم، كيف والحجة مما تقدم إنما هي في حديث أبي هريرة، فأما(177/131)
حديث جابر فلم يصح، وأثر ابن عباس من قوله. وقد بينه سياقه وفعله، وأثر ابن مسعود إن صح فقد تقدم حمله، ولو كان مخالفاً لكان رأى صحابي قد خالفه غيره، فالحجة في حديث أبي هريرة فقط، وهو بين في الإذن بالسماع والاستماع، ولم ينه إلا عن التصديق أو التكذيب بلا حجة، والرواية إما في معنى السماع والاستماع فيدل الحديث على الإذن فيها، وإما مسكوت عنها فتبين أن حديث (( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )) غير مخالف لحجة، ولو كان مخالفاً فإيما أولى أن يؤخذ به؟ أدلة المنع قد عرفت حالها، أما أدلة الجواز فصنيع القرآن والسنن الثابتة، وحديث صحيح صريح يرويه جماعة من الصحابة، وعمل عمر وعثمان وجماعة من الصحابة
قال (( وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو من تلاميذ كعب الأحبار ))\
أقول لما يتعلما من كعب شيئاً وأنما سمعا منه شيئاً من الحكايات ظناً أو جوزا صحتها فنقلاها، والذي يصح عنها من ذلك شيء يسير، وكأن أبا رية يريد أنهما لما سمعا من كعب أحبا أن يرويا عنه فخافا أن ينكر الناس عليهما فافتريا- والعياذ بالله – على النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الحديث يدفعان به إنكار الناس، وساعدهما على ذلك غيرهما من الصحابة كأبي سعيد الخدري. كأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم جماعة من اللصوص لا يزعهم دين ولا حياء وكأن صحبتهم له ومجالستهم وحفظهم للقرآن والسنن ومحافظتهم على الطاعة طول عمرهم لم تفدهم في دينهم وأخلاقهم شيئاً بل زادتهم وبالا، فقد كانوا في جاهليتهم يتحاشون من الكذب. ولا ريب أن مثل هذا لا يقوله مسلم عاقل يعرف محمداً صلى الله عليه وسلم ويؤمن بالقرآن وما فيه من الثناء البالغ على الصحابة ويعرف الصحابة أنفسهم. ولو أريد من ثلاثة معروفين من أصحاب السيد رشيد رضا أن يتفقوا على الكذب عليه لغرض من الأغراض لعز ذلك مع الفارق العظيم بين هذا وذاك من وجوه عديدة، ذا وسبيل المؤمنين الذي جرى عليه العمل في حياة النبي صلى الله عليه(177/132)
وسلم وفي عهد أصحابه قبول خبر الصحابي الواحد، فإن عرض احتمال خطأ أو نحو فقام صحابي آخر فأخبر بمثل ذاك لم يبق إلا القبول، كما يروى في خبر محمد بن مسلمة بمثل ماأخبره به المغيرة في ميراث الجدة فأمضاه أبو بكر، وكشهادة أبي هريرة لحسان بانشاده الشعر في المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فأقره عمر، وكخبر أبي سعيد الخدري بمثل خبر أبي موسى في الاستئذان فاطمأن إليه عمر، وقد قال الله تبارك وتعالى (114:4 ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )
قال أبورية ( وقد جاءت الأخبار بأن الثاني وهو عبد الله بن عمرو بن العاص أصاب يوم اليرموك زاملتين من علوم أ هل الكتاب فكان يحدث منها بأشياء كثيرة من الاسرائيليات، وقد قال فيهما الحافظ ابن كثير: إن منها المعروف والمشهور، والمنكور والمردود ))
أقول: هو نفسه رضي الله عنه لم يكن يثق بها، ولهذا كان يسمى صحيفته عن النبي صلى الله عليه وسلم ((الصادقة)) تميزا لها على تلك الصحف وإنما كان يحكي من تلك الصحف، ماقام دليل على صدقة كصفة النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان محتملاً فيحكيه على الاحتمال
قال ((رواية بعض الصحابة عن أحبار اليهود،كان من أثر وثوق الصحابة بمسلمة أهل الكتاب واغترارهم بهم أن صدقوهم فيما يقولون ويروون عنهم ما يفترون ))(177/133)
أقول: إن أراد بالتصديق أن كعباً مثلاً كان إذا قال إني أجد في التوارة كيت وكيت، صدقوه في أن ذلك في التوراة التي بأيدي أهل الكتاب حينئذ وقد عرفوا أن فيها كثيراً من التحريف والتبديل، فهذا محتمل، لأن كعباً أسلم ثم تعلم الإسلام وبقي محافظاً على الإسلام مجتنباً للكبائر متمسكاً بالعبادة والتقوى، فكان عدلاً عندهم فيما يظهر، فعاملوه بحسب ذلك، وهذا هو الحق عليهم وإن أراد بالتصديق أن كعباً مثلاً كان لو قال: إن من صفة الله تعالى كذا، لاعتقدوا – بناء على قوله أو صحفه – أن تلك صفة الله تعالى حقاً، فهذا كذب عليهم (راجع ص68) أما أن مسلمي أهل الكتاب كانوا يفترون، فهذه دعوى يعرف حالما مما مر ويأتي
قال (( وقد نص رجال الحديث في كتبهم أن العبادلة الثلاثة وأبا هريرة ومعاوية وأنس وغيرهم قد رووا عن كعب الأحبار وإخوانه ))
أقول: أما الرواية عن كعب فقد ذكرت لهؤلاء ولعمر ولعلي ولابن مسعود كما في فتح المغيث للسخاوي ص405، وعادة أهل الحديث أن يقولوا (( روى عنه فلان، روى عنه فلان )) ولو لم يكن المروي إلا حكاية واحدة، وهذا هو الحال هنا تقريباً، فأنك لا تجد لهؤلاء عن كعب إلا الحرف والحرفين ونحوها، وكثير من ذلك يأتي ذكر كعب فيه عرضا، راجع ص69. وأما روايتهم عن إخوانه فمن هم؟ راجع ص70
قال ص 126 (( وكان أبو هريرة الخ ))
أقول ستأتي ترجمة أبي هريرة رضي الله عنه وتعلم براءته
قال: (( وقد استطاع أن يدس من الخرافات والأوهام والأكاذيب في الدين ما امتلأت به كتب التفسير والحديث والتاريخ فشوهها وأدخلت الشك إليها ))
أقول: إنما كعب يخبر عن صحف أهل الكتاب، وقد عرف المسلمون قاطبة أنها مغيرة مبدلة، فكل ما نسب إليه في الكتب فحكمه حكم تلك الصحف، فإن كان بعض الآخذين عنه ربما يحكي قوله ولا يسميه فغايته أن يعد قولاً للحاكي نفسه وقوله غير حجة، وماجاوز هذا من شطحات أبي رية زيفته في غير هذا الموضع (راجع ص 73)(177/134)
قال تكذيب الصحابة لكعب.. .. نهى عمر كعباً عن التحديث.. . وقال له:
لتتركن الحديث [عن الأول] أو لألحقنك بأرض القردة ))
أقول:مر ما فيه ص47 وقد أسقط أبو رية هنا كلمة ((عن الأول)) لحاجة في نفس إبليس[هي المكيدة التي تقدمت الإشارة إليها ص73و 74و 75و 82و 89] سيأتي شرحها في الكلام على ص163
قال (( وكان علي يقول إنه لكذاب ))
أقول: لم يعز أبورية هذا إلى كتاب، ولا عثرت عليه، ولو كان له أصل لذكر في ترجمة كعب من كتب الجرح والتعديل / وذكر عن معاوية أنه (( ذكر كعباً فقال: إنه من أصدق هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب، وأن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب )) وعلق على كلمة (( أصدق )) أن في رواية أمثل وإنما وقع بلفظ (( أمثل )) في عبارة نقلها ص128 عن اقتضاء الصراط المستقيم وعلق هناك أنها هي الرواية الصحيحة، أما رواية (( أصدق )) (( فيبدو أنها محرفة )) كذا يجازف هذا المسكين، وصاحب الاقتضاء يورد في مؤلفاته الأحايث من حفظه،وإنما الرواية (( أصدق )) كما في صحيح البخاري وغيره. هذا وقد بين أهل العلم أن مقصود معاوية بالكذب الخطأ.راجع فتح الباري 282:13 وتهذيب التهذيب، والسياق يوضح ذلك، فالكلام إنما هو في التحديث عن أهل الكتاب، أي عن كتبهم، ولم يكن معاوية ينظر في كتبهم، وإنما كان كعب وغيره يحكون تنبؤات عما يستقبل من الأمور فيعلم الصدق أو الكذب بوقوعها وعدمه، والظاهر أنه كان عند كعب صحف فيها تنبؤات من غيره، ومن أعجب ما جاء في ذلك ما جرى له مع ابن الزبير، والذي يصح عنه من ذلك قليل، غير أن الوضاعين بعده استغلوا شهرته بذلك فكذبوا عليه كثيراً لأغراضهم، وكان الكذب عليه أيسر عليهم من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
قال (( قصة الصخرة بين عمر وكعب الخ ))
أقول: قد تقدم النظر فيها ص75
قال ص127 ((.. روى بعضهم عن كعب الأحبار أنه ذكر عند عبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير حاضر أن الله قال للصخرة: أنت عرشي الأدنى ))(177/135)
أقول: واضع هذا جاهل،فإن قوله (( عند عبد الملك بن مروان )) يعني في خلافته، وإنما ولى سنة 65 بعد وفاة كعب ببضع وثلاثين سنة
قال ص128 (( وفي مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي:. . . وكان – أي عمر – يضربه بالدرة ويقول له: دعنا من يهوديتك
أقول: لم يسند السبط هذه الحكاية، وهو معروف بالمجازفة
قال (( الاسرائيليات في فضل بيت المقدس ))
ذكر أخبار عن كعب منها خبر ((أنت عرشي الأدنى)) المار قريباً ونسبها إلى بعض كتب الأدب وقد قال هو نفسه ص129(( بعد بناء قبة الصخرة ظهرت أحاديث في فضلها وفضل المسجد الأقصى )) وإنما/ بنيت قبة الصخرة بعد وفاة كعب ببضع وثلاثين سنة. وفي كتاب ( فضائل الشام ) للربعي سبع عشرة حكاية عن كعب قال فيها مخرجه الشيخ ناصر الدين الأرناؤط (( كل الأسانيد لا تصح )) وفي هذا تصديق لما قلته مراراً أن غالب ما يروى عن كعب مكذوب عليه. وبعد فلو صح شيء من ذلك فإنما كان كعب يخبر عن صحف اليهود، ومعقول أن يكون فيها أمثال ذلك
قال (( وعن أبي هريرة الخ ))
أقول هذا كذب مفترى على أبي هريرة رضي الله عنه، وقد قال أبو رية ص129 (( بعد بناء قبة الصخرة ظهرت أحاديث الخ )) وإنما بنيت بعد وفاة أبي هريرة بعدة سنين. وقوله (( تلميذ كعب الأحبار )) يطلقها ظالماً على أبي هريرة وابن عباس
وابن عمرو وغيرهم من الصحابة الذين قال الله تعالى فيهم (( ليغيظ بهم الكفار ))
قال ص129(( وفي حديث: أن الطائفة من أمته.. إنهم في بيت المقدس وأكنافه ))
أقول: روى هذا من حديث أبي أمامة بسند ضعيف، وعلى فرض صحته فليس المراد أنهم هناك دائماً، كيف ولم يكن هناك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أحد من المسلمين، وإنما المعنى أنهم يكونون هناك في آخر الزمان حين يأتي أمر الله(177/136)
وقال ((ما قيل في المسجد الأقصى:كانت الأحاديث الصحيحة أول الأمر في فضل المسجد الحرام ومسجد رسول الله، ولكن بعد بناء قبة الصخرة ظهرت أحاديث في فضلها وفضل المسجد الأقصى ))
أقول: أما الصخرة فنعم لا يثبت في فضلها نص، وأما المسجد ففضله ثابت بالكتاب والسنة والإجماع
قال (( وقد روى أبو هريرة [مرفوعاً]: لا تشد الرحال إلى إلا ثلاثة مساجد الخ ))
أقول الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، و أبي بصرة الغفاري، وجاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهم
وذكر قول ميمونة لامرأة نذرت أن تصلي في بيت المقدس (( اجلسي وصلي في مسجد رسول الله، فإني سمعت رسول الله يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة ))
قال أبو رية (( ولو أن المسجد الأقصى كان قد ورد فيه تلك الأحاديث لما منعت ميمونة هذه المرأة من أن توفي نذرها ))
/ أقول رأت ميمونة أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل فلم تر فائدة لسفر وعناء لأجل صلاة يمكن أداء أفضل منها بدونها. وهذا لا ينفى أن يكون للمسجد الأقصى فضل في الجملة كما هو ثابت، وأن يكون للصلاة فيه فضل دون فضل الصلاة في مسجد المدينة. وهذا واضح
قال ص130 (( اليد اليهودية في تفضيل الشام:.. إن الشام ما كان لينال من الإشادة بذكره والثناء عليه إلا لقيام دولة بني أمية فيه.. فكان جديراً بكهنة اليهود أن ينتهزوا الفرصة.. . وكان من هذه الأكاذيب أن بالغوا في مدح الشام ))
أقو: أما فضل الشام فقد ثبت بكتاب الله عزوجل كما مر ص65، والعقل يتقبل ذلك لأنها كانت منشأ غالب الأنبياء والمرسلين، كما يتقبل أن ينوه النبي صلى الله عليه وسلم بفضلها تبياناً للواقع وترغبياً للمسلمين في فتحها والرباط فيها، أما الأخبار الكثيرة الواهية في فضل الشام وبيت المقدس والصخرة فانتظر في أسانيدها يبين أنها إنما اختلقت بعد كعب بزمان لأغراض أخرى غير اليهودية(177/137)
قال (( مر بك ذرو مما قال الكهنة في أن ملك النبي سيكون بالشام ))
أقول: جاء هذا عن كعب، فإن صح فالظاهر أنه كذلك كان في صحف أهل الكتاب، فقد أثبت القرآن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ومن أبرز الأمور في شأنه ظهور ملك أصحابه بالشام. وراجع ص71
قال (( وأن معاوية قد زعم الخ ))
أقول: هذا باطل. راجع ص64.
قال: ص131 (( في الصحيحين: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )) ثم قال (( روى البخاري: هم بالشام )).
أقول: الذي في صحيح البخاري ذكر الحديث من طريق عمير عن معاوية
مرفوعاً ثم قال (( قال عمير فقال مالك بن يخامر قال معاذ: وهم بالشام )) وليس لمالك بن يخامر في الصحيح سوى هذا، وجعله من قول معاذ فيما يظهر لا من الحديث، والواو فيه هي واو الحال أي أنه يأتي أمر الله وهم بالشام، وإتيان أمر الله يكون آخر الزمان وليس المراد أنهم يكونون دائماً بالشام، كيف ولم يكن بها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. والبخاري يحمل الطائفة على أهل العلم، ومعلوم أن معظمهم لم يكونوا بالشام في عصره ولا قبله
/ قال (( وفي مسلم عن أبي هريرة أن النبي قال: لا يزال أهل الغرب ظاهرين [على الحق] حتى تقوم الساعة ))
أقول: إنما هو في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص، وليس عن أبي هريرة، والظاهر أن أبا رية تعمد خلاف الرواية، ولا أدري لماذا أسقط (( على الحق ))
قال (( قال أحمد وغيره: هم أهل الشام ))
أقول: قد قيل وقيل، وأقرب الأقوال أن المراد بالغرب الحدة والشوكة في الجهاد، ففي حديث جابر بن سمرة (( لا يزال هذا الدين قائماً تقاتل عليه عصابة الخ )) وفي حديث جابر بن عبد الله ((.. .. طائفة من أمتي يقاتلون )) ونحوه في حديث معاوية وحديث عقبة بن عامر. أما ما يحكى أن بعضهم قال (( المغرب )) فخطأ محض
قال (( وفي كشف الخفا الخ ))(177/138)
أقول قد تقدم أن كعباً توفي وسط خلافة عثمان، وأنه لم يصح عنه ما نسب إليه في (( فضائل الشام )) شيء
قال (( ومن أحاديث الجامع الصغير للسيوطي التي أشير عليها بالصحة ))
أقول ليست تلك الإشارة معتمدة دائماً
وذكر حديث (( الشام صفوة الله الخ، وهو في المستدرك 509:4 قال الحاكم
((صحيح الإسناد )) تعقبه الذهبي فقال (( كلا وعفير هالك )) يعني أحد رجال سنده.
وذكر حديث (( طوبى للشام الخ )) وهذا جاء من حديث زيد بن ثابت وصححه الحاكم وغيره من المتأخرين، وفي صحته نظر
وذكر حديث (( ليبعثن الله من مدينة الشام الخ )) وهذا روي من حديث عمر، وفي سنده أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم ضعيف مختلط
وقال في حاشية ص132 (( هذا هو الحديث الصحيح الخ ))
أقول: راجع ص86
وذكر ص134 فصلا لصاحب المنار في الحط على كعب ووهب، وقد تقدم ما يكفي
وفيه ص135 ((.. . فمن المعتاد المعهود من طباع البشر أن يصدقوا كل خبر لا يظهر لهم دليل على تهمة قائله فيه ولا بطلانه في نفسه، فإذا صدق بعض الصحابة كعب الأحبار في بعض مفترياته التي كان يوهمهم/ أنه أخذها من التوراة أو من غيرها من كتب أنبياء بني إسرائيل وهو من أحبارهم أو في غير ذلك فلا يستلزم هذا إساءة الظن بهم ))
أقول: أما من أسلم من أهل الكتاب وظهر حسن إسلامه وصلاحه فأخبر عن صحف أهل الكتاب بشيء فلا إشكال في تصديق بعض الصحابة له في ذلك بمعنى ظن أن معنى ذاك الخبر موجود في صحف أهل الكتاب، وإنما المدفوع تصديق الصحابة ما في صحف أهل الكتاب حينئذ مع علمهم بأنها قد غيرت وبدلت وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(( لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم )) وقد مر كلام ابن عباس وغيره في ذلك (راجع ص68و 89) فالحق أنهم لم يكونوا يصدقونها إلا أن يوجد دليل على صدقها، وذلك كخبر عبد الله بن عمرو عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة ولذلك أقسم عليه (راجع ص71)، فأما ماعدا ذلك فغاية(177/139)
الأمر أنهم إذا وجدوا الخبر لا يدفعه العقل ولا الشرع ولا هو من مظنة اختلاف أهل الكتاب وتحريفهم أنسوا به، فإن كان مع ذلك مناسباً في الجملة لآية من القرآن أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مالوا إلى تصديقه، وإخبار الإنسان عما يعلم السامعون أنه لم يدركه لا يعطي أنه جازم تصديقه، لأن مثل هذا الخبر كالمتضمن لقوله (( بلغني.. . ))
قال أبو رية ص137 (( الكيد السياسي الخ ))
ثم ذكر قصة عبد الله بن سبأ، وقد نقدها الدكتور طه حسين في (( الفتنة الكبرى )) فأجاد
وقال ص138 (( وقد وضع كعب يده في يد ابن سبأ الخ ))
أقول: هذا تخيل صرف
قال (( فقد روى وكيع عن الأعمش عن أبي صالح الخ ))
أقول: ينظر السند إلى وكيع، والأعمش مدلس، وأبو صالح لم يتبين إدراكه للقصة، ولو صحت لما دلت إلا على أحد أمرين: إما أن كعباً وجد ذلك في صحفه كما يشهد له ما أخبر به ابن الزبير، وإما أنه كان عميق النظر وبعيده
قال ص139 (( وصفوة القول في هؤلاء اليهود الخ ))
أقول: الكيد اليهودي المحقق كيد جولدزيهر وإخوانه المستشرقين المحاولين تصوير الصحابة في صورة مغفلين خرافيين يتلاعب بهم كعب، وأبو رية ممن سقط فريسة لهذا الكيد ثم عاد فارساً من فرسانه
المسيحيات
/ وذكر ص140 (( المسيحيات في الحديث الخ ))
وذكر تميما الداري رضي الله عنه فافترى عليه، وعلق في الحاشية أن تحوله إلى
الشام بعد قتل عثمان كان لتمكين الفتنة، والناس يعرفون أنه إنما أتاها لأنها وطنه
وذكر ص141 حديث الجساسة وكلام صاحب المنار فيه وقوله (( النبي صلى الله عليه وسلم ماكان يعلم الغيب.. . وكثيراً ما صدق المنافقين والكفار الخ ))(177/140)
أقول: قد مر ص199 أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق كاذباً، وإنما كان إذا احتمل عنده خبر إنسان أن يكون صادقاً وأن يكون كاذباً ينبي على احتمال صدقه مالا يرى ببنائه عليه بأساً،والفرق بين القضايا التي تقدمت هناك وبين خبر الجساسة عظيم جداً، والأحاديث الثابتة في شأن الدجال كثيرة، ويعلم منها أن كثيراً من شأنه خارج عن العادة، وكما أن الملائكة قد يأذن الله تعالى لهم فيتمثلون بشراً يراهم من حضر، ثبت ذلك بالقرآن في قصى الملائكة مع إبراهيم ومع لوط وفي تمثل الملك لمريم وغير ذلك، وثبت في السنة في عدة أحاديث، فكذلك قد يأذن الله تعالى للشياطين- لحكمة خاصة- فيتمثلون في صور يراها من حضر، فأما الجساسة فشيطان وأما الدجال فقد قال بعضهم إنه شيطان،وعلى هذا فلا إشكال، كشف الله تعالى لتميم وأصحابه فرأوا الدجال وجساسته وخاطبوهما ثم عاد حالهما إلى طبيعة الشياطين من الإستتار،وإن كان الدجال إنساناً فلا أرى ذلك إلا شيطاناً مثل في صورة الدجال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أواخر حياته (( أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد )) انظر فتح الباري 61:2 والحكمة في كشف الله تعالى لتميم وأصحابه عما كشف لهم عنه أن يخبروا بذلك فيكون موافقاً لماكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به فيزداد المسلمون وثوقاً به وهذا بين في الحديث إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذكره لتميم (( وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال )) ثم قال (( ألا هل كنت حدثتكم ذلك ))؟ فقال الناس: نعم. فقال (( فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ))(177/141)
وقال ص144 (( ومن المسيحيات في الحديث مارواه البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن / في الحجاب. وفي رواية.. إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً، غير مريم وابنها )) ثم قال ((وفقه هذا الحديث الذي سمعه الصحابي الجليل 0000000 حتى الرسل نوح وابراهيم وموسى وغيرهم وخاتمهم محمد صلوات الله عليهم وعلى جميع النبيين. فانظر واعجب ))
أقول أما المؤمن فيعجب من جرأة أبي رية وتحكمه بجهله على رب العالمين أحكم الحاكمين عالم الغيب والشهادة. إن هؤلاء الرسل نبئوا بعد أن بلغ كل منهم أربعين سنة، وقد آتى الله تعالى يحيى وعيسى النبوة في صباهما، وقال الله تعالى في مريم وعيسى ( 29:19- فأشارت إليه، قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً، قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا، وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا. والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) هل يجحد أبو رية هذا؟ أم يجحد قول الله تعالى (75:6 وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من المؤمنين، فلما جن عليه الليل رأى كوكباً - ) الآيات؟ وقول الله تعالى لخاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين (52:42 وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) ونحوها من الآيات ؟ أما المؤمنون فيؤمنون بهذا كله، ويؤمنون بأنبياء الله كلهم، لا يفرقون بين أحد منهم ولا يخوضون في المفاضلة بينهم اتباعاً للهوى، وأرجو أن لا يكون من ذلك ما يلجئ إليه مقتضى الحال هنا مما يأتي:
إن الفضل الذي يعتد كمالاً تاماً للإنسان هو ما كان بسعيه واجتهاده، ومن(177/142)
هنا كان فضل الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام. أما طعن الشيطان بيده فليس من شأنه أن يثاب العبد على سلامته منه ولا أن يعاقب على وقوعه له، بل إن كان من شأنه أن يورث في نفس الإنسان استعداداً ما لو سوسته فالذي يناله ذلك ثم يجاهد بسعيه ويخالف الشيطان ويتغلب علىه أولى بالفضل ممن لم ينله
ثم ذهب قاتله الله يسخر من حديث شق صدره صلى الله عليه وسلم، قال (( ولم يقفوا عند ذلك / بل كان من رواياتهم أن النبي لم ينج من نخسة الشيطان إلا بعد أن نفذت إلى قلبه، وكا ن ذلك بعملية جراحية.. .وكأن العملية الأولى لم تنجح فأعيد شق صدره.. . ))
أقول: لم يكن شق الصدر لا زالة أثر النخسة كما زعم، وإنما كان لتطهير القلب من شيء يخلق لكل إنسان بمقضتى أنه خلق ليبتلى، أما تكراره فقد أنكره بعضهم كما في الفتح حملاً لما ورد من ذلك على خطأ بعض الرواة، وفي صحيح مسلم ذكر وقوعه في الطفولة وعند الإسراء وقال في الأول (( أتاه جبريل.. . فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله...)) وقال في حديث الإسراء (( فنزل جبريل ففتح صدري ثم غسله.. . ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري )) فليس في الثاني ذكر إخراج القلب ولا إخراج علقة منه، ولا ذكر حظ الشيطان، وإنما فيه ذكر الصدر وزيادة ذكر إفراغ الحكمة والإيمان فيه، فتبين أن المقصود ثانياً غير المقصود أولاً، وأن كلا من المقصودين مناسب لوقت وقوعه، وفي الفتح (( قال ابن أبي جمرة: الحكمة في شق قلبه مع القدرة على أن يمتلئ قلبه إيماناً وحكمة بدون شق: الزيادة في قوة اليقين، لأنه أعطى برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالاً ومقالاً، ولذلك وصف بقوله تعالى (( ما زاغ البصر وما طغى ))
أقول: وحكمة عالم الغيب والشهادة سبحانه وتعالى أدق وأخفى من أن يحيط بها البشر(177/143)
قال أبو رية ص146 (( وإن هذه العملية الجراحية لتشبه من بعض الوجوه عملية صلب السيد المسيح عليه السلام،وهو لم يرتكب ذنباً يستوجب هذا الصلب، وإنما ذكروا ذلك ليغفر الله خطيئة آدم.. . ))
أقول شق الصدر لم يؤلمه صلى الله عليه وسلم البتة، وليس هو تكفير ذنبه ولا ذنب غيره فأين هو – قاتلك الله – من خرافة الصلب؟
قال (( ولئن قال المسلمون.. . ولم لا يغفر الله لآدم خطيئته بغير هذه الوسيلة القاسية.. .، قيل لهم: ولم لا يخلق الله قلب رسوله الذي اصطفاه كما خلق قلوب إخوانه المرسلين ؟
أقول: أما المسلمون فلا يقولون ما زعمت، وإنما يقولون: كيف يذنب آدم وهو عبد من عبيد الله فيعاقب الله عيسى، وهو عند زاعمي ذلك (( ابن الله الوحيد )) بتلك العقوبة القاسية التي تألم / لها عيسى بزعمهم أبلغ الألم وصرخ بأعلى صوته (( إيلي إيلي، لم شبقتني )) أي إلهي إلهي لم تركتني ؟
ثم من أين علمت أن قلوب سائر المسلمين لم تخلق كما خلق قلب محمد؟ فقد تكون خلقت سواه وخص محمد بهذا التطهير أو طهرت أيضاً بهذه الوسيلة أو غيرها ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )
وعلق ص1144بحكاية شيء من هذر القسوس، وفيما تقدم كفاية
وقال ص147 (( ولا أدري والله أين ذهبوا مما جاء في سورة الحجر الخ ))
أقول: فأين يذهب أبو رية من تدلية الشيطان لآدم إلى أن كان ما ذكره الله تعالى بقوله (( وعصى آدم ربه فغوى)) ومن قول موسى بعد قتله القبطي (15:28(177/144)
قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين، قال رب إ ني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ) ومن قول أيوب (41:38 مسني الشيطان بنصب وعذاب ) وقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم (198:7 خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم، إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) أما آية الحجر فعلى المشهور أن المراد بقوله ( إن عبادي ) عباده المخلصون خاصة، فقوله ( ليس لك عليهم سلطان ) معناه والله أعلم:لن تسلط على إغوائهم الإغواء اللازم، لأن الكلام فيه لتقدم قوله ( لأغوينهم أجمعين ) وهذا لا ينافي أن يسلط على بعضهم لإغواء عارض، أو لإلحاق ضرر لا يضر الدين
ثم ذكر ص147- عن الرازي وغيره –أن الخبر على خلاف الدليل لوجوه (( أحدها أن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من يعرف الخير والشر، والصبي ليس كذلك ))
أقول: ومن قال إن النخسة دعاء إلى الشر؟ بل إن كانت للإيلام فقط فذلك من خبث الشيطان مكن منها كما مكن مما أصاب أيوب، وكما يمكن الكفار من قتل المسلمين- حتى الأنبياء – وذبح أطفالهم. وإن كانت لإحداث أمر من شأنه أن يورث القلب قبولا ما للوسوسة بعد الكبر فهذا لا يستدعي معرفة الخير والشر في الحال، والتمكين من هذا كالتمكين من الوسوسة والتزيين، وذلك من تمام أصل الابتلاء
/ قال (( الثاني أن الشيطان لو تمكن من هذا النخس لفعل أكثر من ذلك من إ هلاك الصالحين وإفساد أحوالهم ))
أقول من أين يلزم من التمكن من حمل رجل، التمكن من حمل جبل؟ والشيطان
لا يتمكن إلا أن مكنه الله تعالى فإذا مكنه الله تعالى من أمر خاص فمن أين يلزم تمكنه من غيره؟
قال (( والثالث لم خص بهذا الاستثناء مريم وعيسى.. .. ))؟
أقول: قد تقدم الجواب عن هذا
قال (( الرابع أن ذلك النخس لو جد لبقي أثره، ولو بقي أثره لدام الصراخ والبكاء ))(177/145)
أقول:أ رأيت إذا عركت أذن الطفل فألم وبكى، أيستمر الألم والبكاء؟
ثم ذكر عن الشيخ محمد عبده كلاماً فيه (( فهو من الأخبار الظنية لأنها من رواية الآحاد، ولما كان موضوعها عالم الغيب، والإيمان بالغيب من قسم العقائد وهي لا يؤخذ فيها بالظن لقوله تعالى ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا )) كنا غير مكلفين الإيمان بمضمون تلك الأحاديث في عقائدنا ))
أقول: لا نزاع أ ن الدليل الظني لا يوجب الإيمان القاطع، لكنه يوجب التصديق الظني، وكيف لا وظن ثبوت الدليل يوجب ضرورة ظن ثبوت المدلول. أما قوله تعالى (إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) فلى فيه بحث طويل حاصله أن الظن لا يدفع شيئاً من الحق، وبعبارة أهل الأصول: الظني لا يعارض القطعي [وانظر ما يأتي ص 176]
قال ص148 (( ابن جريج الخ ))
أقول: راجع ص68
ثم قال (( ومن شاء أن يستزيد من معرفة الاسرائيليات والمسيحيات وغيرها في
الدين الإسلامي فليرجع إلى التفسير والحديث والتاريخ، وإلى كتب المستشرقين أمثال جولد زيهز وفرون كريمر وغيرهما ))
أقول: هذا موضع المثل (( صدقني من بكره )) وقوله (( في الدين الإسلامي )) لما مغزاها، فأبو رية – كما تعطيه هذه الكلمة والله أعلم – يرى في القرآن نحو ماجهر به من الحديث، وتقديمه لجولد زيهز اليهودي يؤيد ما قدمته ص94، وكتب جولدزيهر في الطعن في الإسلام والقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم معروفة، وقد أحالك أبو رية عليها، والله المستعان /
أبو هريرة
وقال أبو رية ص151 (( أبو هريرة: لو كانت أحاديث رسول الله كلها من الدين العام كالقرآن لا يقوم إلا عليها ولا يؤخذ إلا منها، وأنه يجب على كل مسلم أن يعرفها ويتبع ما فيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه أن يحفظوا هذه الأحاديث لكي تؤثر بعده، لكان أكثر الصحابة رواية لها أعلهام درجة في الدين.. .. ))(177/146)
أقول: قدمنا الكلام في نظرية ((دين عام ودين خاص)) ص117-14، وص 31-35. ولم يوجب الله تعالى علىكل مسلم معرفة القرآن نفسه سوى الفاتحة لوجوبها في الصلاة، وأما الاتباع فطريقته أن العلماء يعرفون ويجتهدون، والعامة تسألهم عند الحاجة فيفتونهم بما علموا من الكتاب والسنة وكان الصحابة مأمورين بأن يبلغ كل منهم عند الحاجة ما حفظه، والذين حفظوا القرآن كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا من أكابر الصحابة، وقد مات أ بو بكر وعمر قبل أن يستوفي كل منهما القرآن حفظاً، وكان هناك عملان الأول التلقي من النبي صلى الله عليه وسلم، الثاني الأداء، فأما التلقي فلم يكن في وسع الصحابة أن يلازموا النبي صلى الله علي وسلم ملازمة مستمرة، وإذا كان أنس وأبو هريرة ملازمين للنبي صلى الله عليه وسلم لخدمته فلابد أن يتلقيا من الأحاديث أكثر مما تلقاه المشتغلون بالتجارة والزراعة، على أن أبا هريرة لحرصه على ا لعلم تلقى ممن سبقه إلى الصحبة ما عندهم من الأحاديث، فربما رواها عنهم وربما قال فيها (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.. . )) كما شاركه غيره منهم في مثل هذا الإرسال لكمال وثوق بعضهم ببعض، وقد ثبت أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أسعد الناس بشفاعته يوم القيامة فقال (( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث،.. . )) أخرجه البخاري في صحيحه، وتأتي أخبار كثيرة لاثبات هذا المعنى، وأما الأداء فإنما عاش أبو بكر زمن الأداء نحو سنتين مشغولاً عند المسلمين بتدبير أمور المسلمين، وعاش عمر مدة أبي بكر مشغولاً بالوزارة والتجارة، وبعده مشغولاً بتدبير أمور المسلمين. وفي المستدرك 98:1 أن معاذ بن جبل أوصى أصحابه أن يطلبوا العلم وسمى لهم أبا الدرداء وسلمان وابن مسعود وعبد الله ابن سلام، فقال يزيد بن عميرة: وعند عمر بن الخطاب؟ فقال معاذ (( لا تسأله عن شيء، فإنه عنك مشغول )) وعاش(177/147)
عثمان وعلي مشغولين بالوزارة وغيرها ثم الخلافة / ومصارعة الفتن، وكان الراغبون في طلب العلم يتهيبون هؤلاء ونظراءهم، ويرون أن جميع الصحابة ثقات أمناء، فيكتفون بمن دون أولئك وكان هؤلاء الأكابر يرون أنه لا يتحتم عليهم التبليغ إلا عندما تدعو الحاجة، ويرون أنه إذا جرى العمل على ذلك فلن يضيع شيء من السنة، لأن الصحابة كثير، ومدة بقائهم ستطول، وعروض المناسبات التي تدعو الحاجة فيها إلى التبليغ كثير، وفوق ذلك فقد تكفل الله عزوجل بحفظ شريعته، وكانوا مع ذلك يشددون على أنفسهم خشية الغلط، ويرون أنه إذا كان من أحد منهم خطأ وقت وجوب التبليغ فهو معذور قطعاً، بخلاف من حدث قبل الحاجة فأخطأ، وكانوا مع ذلك يحبون أن يكفيهم غيرهم، ومع هذا فقد حدثوا بأحاديث عديدة، وبلغهم عن بعضهم أنه يكثر من التحديث فلم يزعموا أنه أتى منكراً، وإنما حكى عن بعضهم ما يدل أنه يرى الإكثار خلاف الأولى. فأما زعم أبي رية أنهم كانوا (( يرغبون عن رواية الحديث وينهون إخوانهم عنها.. )) فقد تقدم تفنيده ص 30
وذكر أبو رية كثرة حديث أبي هريرة وقال ص152 (( على حين أنه كان من عامة الصحابة، وكان بينهم لا في العير ولا في النفير )) وسيبسط هذا ص184 وننظر فيه
وقال ص152 (( الاختلاف في اسمه الخ ))
أقول: وماذا يضره ذلك ؟ إنما المقصود من الاسم المعرفة وقد عرف بأبي هريرة، وأصح ما قيل في اسمه عبد الله أو عبد الرحمن، وهو على ما نسبه ابن الكلبي وغيره، ابن عامر بن عبد ذي الشرى بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان ابن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك ابن نصر بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان الأزدي ثم الدوسي، وأمه أميمة بنت صفيح بن الحارث بن سابي بن أبي صعب الخ(177/148)
قال ص153 (( نشأته وأصله... لم يعرفوا شيئاً عن نشأته ولا عن تاريخه قبل إسلامه غير ما ذكر هو عن نفسه....: نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبه رحلي، فكنت أخدم إذا نزلوا وأحدوا إذا ركبوا، وكنيت بأبي هريرة بهرة صغيرة كنت ألعب بها ))
/ أقول: أما أصله فقد تقدم، وهو من قبيلة شريفة كريمة عزيزة، وأما نشأته فما أكثر الصحابة الذين لا تعرف نشأتهم حتى من خيارهم وكبارهم، وأما قوله: نشأت يتيماً الخ فهذه القصة رويت من أ وجه في إسناد كل منها مقال، ومجموعها يثبت أصل القصة، فأما الألفاظ التي تنفرد بها بعض الروايات فلا، وفي الإصابة أن بسرة
هذه أخت عتبة بن غزوان السلمي، وبلاد دوس بعيدة جداً عن بلاد بني سليم فيظهر أن أبا هريرة في هجرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم مر ببلاد بني سليم أو قريباً منها، فوجد رفقة راحلين نحو المدينة وفيهم بسرة فصحبهم على أن يخدمهم في الطريق ويطعموه ويعقبوه. ولا يدفع هذا ما ثبت في صحيح البخاري من قوله (( لما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق:
على أنها من دارة الكفر نجت
يا ليلة من طولها وعنائها(177/149)
قال: وأبقى لي غلام في الطريق، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته، فينا أنا عنده إذ طلع الغلام، فقال: يا أبا هريرة هذا غلامك، فقلت هو حر لوجه الله. فأعتقه )) انظر فتح الباري 79:8 فقد يكون الغلام أبق منه قبل صحبته للرفقة، وبهذا تبين أن في القصة منقبتين له الأولى أن إخدامه لنفسه إنما كان ليبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودار الإسلام، والثانية أنه مع قلة ذات يده أعتق غلامه، شكراً لله تعالى على إبلاغه مقصده، وفي القصة عبرة بالغة، فإنه لما أذل نفسه بخدمة تلك المرأة استعانة على الهجرة في سبيل الله عوضه الله تعالى بأن زوجه إياها تخدمه فوق ما خدمها، ثم كان على طريقته في التواضع والتحدث بالنعمة والاعتبار مع الميل إلى المزاح يذكر هذه القصة ويشير إلى تكليف امرأته بخدمته على نحو ما كانت تكلفه. وقد يكون وقع منه ذلك مرة أو مرتين على سبيل المزاح ومداعبة الأهل وتحقيق العبرة، وقد ثبت عن أبي المتوكل الناجي وهو ثقة (( أن أبا هريرة كانت له أمة زنجية قد غمتهم بعملها، فرفع عليها السوط يوماً ثم قال: لولا القصاص يوم القيامة لأغشيتك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك أحوج ما أكون إليه ( يعني الله عزوجل ) اذهبي فأنت حرة لله عزوجل )) انظر البداية 112:8. فمن كانت هذه حالة مع أمه مهينه، فما عسى أن تكون حاله مع امرأته الحرة الشريفة؟ ولكن أبا رية ذكر ص187 بعض الألفاظ التي انفردت بها بعض الروايات،[ منها فكلفتها أن(177/150)
تركب قائمة وأن تورد حافية وأصح من هذه الرواية ما في كنز العمال 82:7عن عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين فقلت لتوردنه حافية ولتركبنه وهو قائم وأصح من هذا ماأسنده ابن سعد في الطبقات 532:4 عن ابن سيرين.. . ولتركبنه قائمة فلعل بعض الرواة لم يفهم النكتة فغير اللفظ، وأي حرج عليها أن تركب البعير باركا وهي قائمة عند الركوب وتكون حافية وهي راكبة؟ وفي رواية عبد الرزاق قول ابن سيرين وكانت في أبي هريرة مزاحة وقد يكون مازحاً بهذا القول ثم لم يكن إيراد ولا ركوب ] ثم راح يسب أبا هريرة رضي الله عنه ويرميه بما هو من أبعد الناس عنه /
وهذا مما يوضح أن أبا رية ليس بصدد بحث علمي، إنما صدره محشو براكين من الغيظ والغل والحقد يحاول أن يخلق المناسب للترويح عن نفسه منها، كأنه لا يؤمن بقول الله عزوجل في أصحاب نبيه ( ليغيظ بهم الكفار ) ولا يصدق بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وأمه أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين كما في ترجمته في فضائل الصحابة من صحيح مسلم
وقال ص153 (( إسلامه. قدم أبو هريرة بعد أن تخطى الثلاثين من عمره ))
أقول كذا زعم الواقدي عن كثير بن زيد عن الوليد بن أبي رباح عن أبي هريرة، والواقدي متروك، وكثير ضعيف، وقد قال الواقدي نفسه: إن أبا هريرة مات سنة 59 وعمره 78، ومقتضى هذا أن يكون عمره عند قدومه سنة سبع نحو ست وعشرين سنة، وهذا أشبه والله أعلم
وفي الصحابة الطفيل بن عمرو الدوسي وهو من رهط أبي هريرة بني ثعلبة بن سليم بن فهم، أسلم قبل الهجرة وقصته مطولة في السيرة وغيرها، وفي ترجمته من الإصابة أنه لما عاد بعد إسلامه إلى قومه – وذلك قبل الهجرة بمدة- دعا قومه إلى الإسلام فلم يجبه إلا أبوه وأبو هريرة، فعلى هذا يكون إسلام أبي هريرة قبل الهجرة، وإنما تأخرت هجرته إلى زمن خبير(177/151)
وذكر أبورية ص153 مقاولة أبي هريرة وأبان بن سعيد بن العاص وقول أبان (( واعجبا لو بر تدلى علينا من قدوم ضأن )) وعلق في الحاشية (( الوبر دابة والمعنى أن أبا هريرة ملتصق في قريش وشبهه بما يتعلق بوبر الشاة )) وهذا من تحقيق أبي رية! وليس أبو هريرة من قريش من شيء لا ملصق ولا غير ملصق، وقوله (( وشبهه )) يقتضي أن الرواية (( وبر )) بالتحريك ولو كان كذلك لما بقي لقوله (( الوبر دابة )) معنى، وعلق أيضاً (( ومما يلفت النظر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ أبانا بما أغلظ لأبي هريرة )) وأقول: ليس ذاك بإغلاظ مع أنه إنما كان جواباً ومكافأة(177/152)
وقال ص154 (( ولفقرة اتخذ سبيله إلى الصفة، فكان أشهر من أمها، ثم صار عريفاً لمن كان يسكنونها )) وعلق عليها عن أبي الفداء تعريفاً لأهل الصفة كما توهم، وقد عرفهم أبو هريرة رضي الله عنه التعريف الحق فقال كما في الصحيحين وغيرهما (( وأهل الصفة أضياف الإسلام / لا يأوون على أهل ولامال الخ )) وقد قال الله تبارك وتعالى ( 273:2 للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض )) الآية. كان للأنصار حوائط فيعملون فيها ويأكلون من غلتها، وكان كثير من المهاجرين يتاجرون، ومن الواضح أن التجارة في المدينة وهي محوطة بالمشركين من كل جانب لم تكن لتتسع للمهاجرين كلهم، فبقي بعضهم بالصفة، وكان أهل الصفة يقومون بفروض عظيمة، منها تلقي القرآن والسنن، فكانت الصفة مدرسة الإسلام،ومنها حراسة النبي صلى الله عليه وسلم ومنها الإستعداد لتنفيذ أوامره وحاجاته في طلب من يريد طلبه من المسلمين وغير ذلك كانوا قائمين بهذه الفروض عن المسلمين فكانت نفقتهم على سائر المسلمين وإن سميت صدقة، وكانوا بجوار النبي صلى الله عليه وسلم يؤثرهم على نفسه وأهل بيته، وقد حدث علي رضي الله عنه أنه قال لفاطمة عليها السلام يوماً (( والله لقد سنوتُ حتى لقد اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بسبي، فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله
لقد طحنت حتى مجلت يداي.. . )) الحديث، وفيه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال (( والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم.. .. )) الحديث، انظر مسند أحمد الحديث 838. وكان أبو هريرة من بين أهل الصفة يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ويدور معه، فلم يكن ليجوع إلا والنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته جياع، فهل في ذلك الجوع من عيب؟(177/153)
وأما تعرضه لبعض الصحابة رجاء أن يطعمه فإنما فعل ذلك مرة أو مرتين لشدة الضرورة، ولم يكن في تعرضه سؤال ولا ذكر لجوعه، وقد نقل الله تعالى في كتابه أن موسى والخضر مرا بأهل قرية فاستطعماهم، وانظر تفسير سورة التكاثر من تفسير ابن كثير
هذا وقد عد أهل العلم – كما في الحلية – جماعة من المشاهير في أهل الصفة، منهم سعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة وزيد بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وصهيب وسليمان والمقداد وغيرهم
ثم قال أبو رية ص154 (( سبب صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم. كان أبو هريرة صريحاً صادقاً في الإبانة عن سبب صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم.. . فلم يقل إنه صاحبه للمحبة والهدايا كما كان يصاحبه غيره من سائر المسلمين، وإنما قال: إنه قد صاحبه على ملء بطنه ففي حديث رواه أحمد والشيخان عن سفيان عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج قال سمعت أبا هريرة يقول: إني كنت امرءا مسكينا أصحب رسول الله على ملء بطني )) ورواية مسلم (( أخدم رسول الله )) وفي رواية (( لشبع بطني )) أقول: حاصل هذا أن الواقع في رواية الإمام أحمد والبخاري (( أصحب )) وهذا خلاف الواقع، فرواية أحمد وهو الحديث 7273 (( حدثنا سفيان عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج، قال سمعت أبا هريرة يقول: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله عليه وسلم، والله الموعد، إني كنت امرءا مسكيناً ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني وكان المهاجرين يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم.. . )) ولفظ البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام – باب الحجة على من قال إن أحكام النبي صلى ا لله عليه وسلم كانت ظاهرة الخ (( حدثنا علي حدثنا سفيان عن الزهري أنه سمع من الأعرج يقول: أخبرني أبو هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموعد، إني كنت امرءا مسكيناً ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ(177/154)
)) وأخرجه البخاري في مواضع أخرى من وجوه أخرى عن الزهري وفيه (( ألزم ))، وفي موضع (( أن أبا هريرة كان يلزم )) فأبو هريرة لم يتكلم عن إسلامه ولا هجرته ولا صحبته المشتركة بينه وبين غيره من الصحابة وإنما تكلم عن مزيته وهي لزومه للنبي صلى الله عليه وسلم دونهم، ولم يعلل هذه المزية بزيادة محبته أو زيادة رغبته في الخير أو العلم أو نحو ذلك مما يجعل له فضيلة على إخوانه، وإنما عللها على أ سلوبه في التواضع بقول (( على ملء بطني )) فإنه جعل المزية لهم عليه بأنهم أقوياء يسعون في معاشهم وهو مسكين، هذا والله أدب بالغ تخضع له الأعناق، ولكن أبا رية يهتبل تواضع أبي هريرة ويبدل الكلمة ويحرف المعنى ويركب العنوان على تحريفه ويحاول صرف الناظر عن التحري والتثبت بذكره رواية مسلم ليوهم أنه قد تحرى الدقة البالغة، ويبنى على صنيعه تلك الدعوى الفاجرة،[وقد قال أبو رية في حاشية ص39 لعنة الله على الكاذبين متعمدين وغير متعمدين] وقد تقدم أن أبا هريرة أسلم في بلاده قبل الهجرة: لماذا؟ ثم ترك وطنه للهجرة مؤجراً نفسه في طريقه على طمعته وعقبته، لماذا؟ ولما شاهد النبي صلى الله عليه وسلم وجاء غلامه الذي كان أبق منه أعتقه، لماذا؟ وتقدم ص100 شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أحرص الصحابة على معرفة حديثه، لماذا؟ قال ابن كثير (( وقال سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا تسألني من هذه الغنائم التي سألني أصحابك ؟ / قال فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله.. )) البداية 111:8، لماذا ؟
وتقدم ص 146 قول عمر بن الخطاب : خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني عنه الصفق بالأسواق ))(177/155)
وقال طلحة بن عبيد الله لما سئل عن حديث أبي هريرة (( والله ما نشك انه قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، إنا كنا أقوياء أغنياء لنا بيوت وأهلون، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع، وكان هو مسكيناً لا مال له ولا أهل وإنما كانت يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيث ما دار، فما نشك أنه قد علم ما لم نعلم وسمع ما لم نسمع )) البداية 109:8 وحدث أبو أيوب – وهو من كبار الصحابة – عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له في ذلك فقال (( إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع )) البداية 109:8 [والمستدرك 512:3وقال: صحيح على شرط الشيخين، واقتصر الذهبي على أنه على شرط مسلم ] وحدث أبو هريرة بحديث، فاستثبته ابن عمر فاستشهد أبو هريرة عائشة فشهدت، فقال أبو هريرة : إنه لم يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودى ولا صفق بالأسواق، إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها. فقال ابن عمر: أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه )) البداية 109:8[والمستدرك 510:3وقال صحيح، وأقره الذهبي]وقالت عائشة لأبي هريرة:أكثرت الحديث،قال: إني والله ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب، ولكني أرى ذلك شغلك عما استكثرت من حديثي، قالت: لعله.البداية 109:8[وانظر المستدرك 509:3وقال صحيح، وأقره الذهبي ] فأنت ترى اعترافهم له، وترى أن أدبه البالغ المتقدم لم يكن تقية، فإنه لما اقتضى الحال صدع صدع الواثق المطمئن ثم ذكر أبو رية ص155 قول أبي هريرة (( كنت أستقريء الرجل الآية وهو معي كي ينقلب فيطعمني، وكان خير الناس
للمساكين جعفر بن أبي طالب ، كان ينقلب بنا فيطعمنا.(177/156)
ثم قال أبو رية: (( من أجل ذلك كان جعفر هذا في رأي أبي هريرة أفضل الصحابة جميعاً.. أخرج الترمذي والحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة: ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا وطيء التراب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب ))
أقول : إسناده صحيح إلا أنه غريب، ومن تدبر ترجمة جعفر رضي الله عنه لم يستكثر عليه هذا، وفي / فتح الباري 62:7 في شرح قوله: وكان أخير الناس للمساكين، ما لفظه (( وهذا التقييد يحمل عليه المطلق الذي جاء.. . عن أبي هريرة قال: ما احتذى النعال.. ))
ثم ذكر ص156-157 حكايات عن الثعالبي والبديع الهمذاني وعبد الحسين بن شرف الدين الرافضي وكلها من خرافات الرافضة وأشباههم، لا تمت إلى العلم بصلة
ثم قال آخر ص157 (( وأخرج أبو نعيم في الحلية الخ ))
أقول :هو من طريق فرقد السبخي قال: وكان أبو هريرة الخ، وفرقد ليس بثقة، ولم يدرك أبا هريرة
وقال: ص158 (( وفي الحلية كذلك أن أبا هريرة كان في سفر فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصلي فقال: إني صائم، فلما كادوا يفرغون، جاء فجعل يأكل الطعام، فنظر القوم إلى رسولهم.. . فقال أبو هريرة: صدق إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صوم رمضان وصوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر، وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر، فأنا مفطر في تخفيف الله، صائم في تضعيف الله ))
أقول: هذه فضيلة له، وقد وقع مثلها لأبي ذر رضي الله عنه (( مسند أحمد
150:5 وغيره، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (( ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ))
قال (( وفي خاص الخاص للثعالبي الخ ))
أقول : ومن هو الثعالبي حتى يقبل قوله بغير سند ؟
أقول: (( وقد جعل أبو هريرة الأكل من المروءة، فقد سئل: ما المروءة؟ قال: تقوى الله وإصلاح الصنيعة والغداء والعشاء بالأفنية ))(177/157)
أقول: ليس في هذا جعل الأكل نفسه من المروءة، وإنما فيه أن من المروءة أن يكون الأكل بالأفنية )) يريد بموضع بارز ليدعو صاحب الطعام من مر ويشاركه من حضر، لا يغلق بابه ويأكل وحده
قال (( وقد أضربنا عن أخبار كثيرة لأن في بعضها ما يزيد في إيلام الحشوية الذين يعيشون بغير عقول ))
أقول: أما عقول الملحدين الذي يعيشون بلا دين، ومقلديهم المغرورين، فنعوذ بالله منها
ثم قال (( حديث: زر غباً تزدد حباً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة الخ ))
/ أقول : هذا حديث مذكور في الموضوعات، روي عن علي وعائشة وابن عباس بطرق كلها تالفة
ثم قال ص161 (( مزاحه وهذره، أجمع مؤرخو أبي هريرة على أنه كان رجلاً مزاحاً مهذارا ))
أقول: أما المزاح فنعم، ولم يكن في مزاحه ما ينكر، وأما الهذر فأسنده بقوله (( قالت عنه عائشة.. .. في حديث المهراس إنه كان رجلاً مهذارا )) وهذا باطل، لم تتكلم عائشة في حديث المهراس بحرف، انظر التقرير والتحيير لابن أمير الحاج 300:2 ثم رأيت الدكتور مصطفى السباعي قد بسط الكلام في هذا في الجزء 9 في المجلد 10 من مجلة المسلمون ص20
قال أبو رية (( عن أبي رافع قال:كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة فيركب حماراً قد شد عليه برذعة وفي رأسه خلية من ليف، فيسير فيلقي الرجل فيقول: الطريق قد جاء الأمير، وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب[في البداية الأعراب وهو أمير] فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم ويضرب برجليه فينفر الصبيان فيفرون، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ثعلبة بن [أبي] مالك القرظي قال: أقبل أبوهريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان على المدينة فقال: أوسع الطريق للأمير يا ابن [أبي] مالك. فقلت له: يكفي هذا. فقال: أوسع الطريق للأمير، والحزمة عليه ))(177/158)
أقول: إنما كان يعتمد هذا التبذ ل والمزاح حين يكون أميراً تهاوناً بالإمارة ومناقضة لما كان يتسم به بعض الأمراء من الكبر والتعالي على الناس، وكانت إمارة أبي هريرة رحمة بأهل المدينة يستريحون إليها من عبية أمراء بني أمية وعنجهيتهم، وكانت إحياء للسنة، فإن الأمير كان هو الذي يؤم الناس، فكان الأمراء يغفلون أشياء من السنة كالتكبير في الصلاة وسجود التلاوة وقراءة السور التي كان يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، فكان أبو هريرة إذا ولى كان هو الذي يؤم بالناس، فيحيي ما أهمله الأمراء من السنن ))
قال (( ولقد كانوا يتهكمون برواياته ويتندرون عليها لما تفنن فيها وأكثر منها، فعن أبي رافع أن رجلاً من قريش أتى أبا هريرة في حلة وهو يتبختر فيها فقال: يا أبا هريرة إنك تكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً؟ فقال: [والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب
( ليبيننه للناس ولا يكتمونه ) ما حدثكم بشيء [هذه الزيادة من مصدر أبي رية نفسه البداية 108:8] سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم / يقول: إن رجلاً ممن كان قبلكم بينما كان يتبختر في حلة إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة، فوالله ما أدري لعله كان من قومك أو من رهطك ))
أقول :متن الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عمر، وهو عند أحمد وغيره من حديث ابن عمرو ، ومن حديث أبي سعيد، وجاء من حديث غيرهم.
وقال الدارمي في (( باب تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فلم يعظمه ولم يوقره،.. . عن العجلان عن أبي هريرة )) فذكر المتن قال عقبة: فقال له فتى – قد سماه – وهو في حلة له: أهكذا كان يمشي ذلك الفتى الذي خسف به؟ ثم ضرب بيده فعثر عثرة كاد يتكسر منها، فقال أبو هريرة: للمنخرين وللفم ( إنا كفيناك المستهزئين ) ))(177/159)
أقول : فقد أخزى الله ذاك المستهزيء كما أخزى غيره من المستهزئين بدين الله ورسله وخيار عباده ( وما هي من الظالمين ببعيد )
وقال ص162 (( كثرة أحاديثه )) ثم قال ص163 (( وقد أفزعت كثرة رواية أبي هريرة عمر بن الخطاب فضربه بالدرة وقال له (( أكثرت يا أبا هريرة من الرواية وأحرى بك أن تكون كاذباً ))
أقول: لم يعز هذه الحكاية هنا، وعزاها ص171 إلى شرح النهج لابن أبي الحديد حكاية عن أبي جعفر الأسكافي، وابن أبي الحديد من دعاة الاعتزال والرفض والكيد للإسلام، وحاله مع ابن العلقمي الخبيث معروفة والاسكافي من دعاة المعتزلة والرفض أيضاً في القرن الثالث ولا يعرف له سند، ومثل هذه الحكايات الطائشة توجد بكثرة عند الرافضة والناصبية وغيرهم بما فيه انتقاص لأبي بكر وعمر وعلي
وعائشة وغيرهم، وإنما يتشبت بها من لا يعقل، وقد ذكر ابن أبي الحديد 360:1 أشياء عن الاسكافي من الطعن في أبي هريرة وغيره من الصحابة وذكر من ذلك شيئاً من مزاح أبي هريرة فقال ابن أبي الحديد (( قلت قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة وقوله في حجة لأنه غير متهم عليه )) وفي هذا إشارة إلى أن الأسكافي متهم. ونحن كما لا نتهم ابن قتيبة قد لا نتهم الاسكافي باختلاف الكذب، ولكن نتهمه بتلقف الأكاذيب من أفاكي أصحابه الرافضة والمعتزلة، وأهل العلم لا يقبلون الأخبار المنقطعة ولو ذكرها كبار أئمة السنة.
فما بالك بما يحكيه ابن أبي الحديد عن الاسكافي عمن تقدمه بزمان !
قال (( وقد أخرج ابن عساكر من حديث السائب بن يزيد: لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس أو بأرض القردة ))(177/160)
أقول: عزاه إل البداية 106:8 ولكن لفظه هناك ((.. . دوس، وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة )) فأسقط أبو رية هنا ذكر كعب، وجمع الكلمتين لأبي هريرة وله في هذه الحكاية فعلة أشنع من هذه. قال ص30 (( وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث أو لألحقنك الخ )) أسقط قوله (( عن الأول )) لغرضين:
الأول: تقوية / دعواه أن عمر كان ينهى عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني ترويج دعوى مهولة فاجرة خبيثة وهي دعوى أن كعباً مع أنه لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث عنه بما يشاء، وكان الصحابة يسمعون منه تلك الأحاديث ويقبلونها بسذاحة مخجلة ثم لا يكتفون بذلك حتى يذهبوا فيروونها عن النبي صلى الله عليه وسلم رأساً فيوهموا الناس أنهم سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم أو على الأقل من بعض إخوانهم من الصحابة، ولزيادة تفظيع هذا الزعم بالغ في الحط على كعب وزعم أنه كان منافقاً يسعى لهدم الإسلام ويفتري ما شاء من الأكاذيب يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم فيتقبلها الصحابة ويروونها عن النبي صلى الله عليه وسلم رأساً، فعلى هذا يزعم أن كل ما جاء من أحاديث الصحابة ولم يصرح الصحابي بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يحتمل أن يكون مما افتراه كعب (( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا )) وراجع ص73.[و74و75و 82و 89](177/161)
وهذه الخطة الجهنمية من أخطر تخطيط الكيد اليهودي الخاسر الذي مرت الإشارة إليه ص49و 99.وكذا قال ص126 (( قال له: لتتركن الحديث أو لألحقنك )) أسقط قوله (( عن الأول )) أيضاً ليؤكد لك أنه عمداً ارتكب ذلك. ثم لم يكفه حتى قال ص115 (( لما قدم كعب المدينة في عهد عمر وأظهر إسلامه أخذ يعمل في دهاء ومكر لما أسلم من أجله من إفساد الدين وافتراء الكذب على النبي (كذا ؟) ولم يلبث عمر أن فطن لكيده وتبين له سوء دخلته فنهاه عن الرواية عن النبي (كذا؟) وتوعده إن لم يترك الحديث عن رسول الله (كذا؟) أو ليلحقنه بأرض القردة، كذا قال، وعزا ذلك إلى المصدر نفسه وهو البداية والنهاية ج8 لكنه جعل الصفحة 206 والصواب 106 فهل تعمد هذا ليعمي عن فضيحته؟
فليتدبر القارئ،وينظر من الذي يعمل في دهاء ومكر لإفساد الدين وسوء دخلة؟ هذا وسند الخبر غير صحيح، ولفظه في البداية (( قال أبو زرعة الدمشقي حدثني محمد بن زرعة الرعيني حدثنامروان بن محمد حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبد الله بن السائب الخ ))
ومحمد بن زرعة لم أجد له ترجمة، والمجهول لا تقوم به حجة، وكذا إسماعيل إلا أن يكون الصواب إسماعيل بن عبيد الله ( بالتصغير ) بن أبي المهاجر فثقة معروف لكن لا أدري أسمع من السائب أم لا؟(177/162)
وفي البداية عقبه (( قال أبو زرعة: وسمعت أبا مسهر يذكره عن سعيد بن عبد العزيز نحوا منه لم يسنده )) أقول وسعيد لم يدرك عمر ولا السائب، هذا ومخرج الخبر شامي، / ومن الممتنع أن يكون عمر نهى أبا هريرة عن الحديث البتة ولا يشتهر ذلك في المدينة ولا يلتفت إلى ذلك الصحابة الذين أثنوا على أبي هريرة ورووا عنه وهم كثير كما يأتي، منهم ابن عمر وغيره كما مر ص106، هذا باطل قطعاً، على أن أبا رية يعترف أن كعباً لم يزل يحدث عن الأول حياة عمر كلها، وكيف يعقل أن يرخص له عمر ويمنع أبا هريرة؟ هذا باطل حتماً، وأبو هريرة كان مهاجراً من بلاد دوس والمهاجر يحرم عليه أن يرجع إلى بلده فيقيم بها فكيف يهدد عمر مهاجراً أن يرده إلى البلد التي هاجر منها؟
وقد بعث عمر في أواخر إمارته أبا هريرة إلى البحرين على القضاء والصلاة كما في فتوح البلدان للبلاذري ص 92 – 93 وبطبيعة الحال كان يعلمهم ويفتيهم ويحدثهم
قال أبو رية ص16 (( ومن أجل ذلك كثرت أحاديثه بعد وفاة عمر وذهاب الدرة، إذ أصبح لا يخشى أحداً بعده ))
أقول: لم يمت الحق بموت عمر، وسيأتي تمام هذا
قال (( ومن قوله في ذلك: إني أحدثكم أحاديث لو حدثت بها زمن عمر لضربني بالدرة، وفي رواية: لشج رأسي ))(177/163)
أقول: يروى هذا عن يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن أبي هريرة، وابن عجلان لم يدرك أبا هريرة. فالخبر منقطع غير صحيح قال (( وعن الزهري عن أبي سلمة سمعت أبا هريرة يقول: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض عمر، ثم يقول: أفكنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي؟ أما والله إذا لأيقنت أن المخفقة ستباشر ظهري، فإن عمر كان يقول: اشتغلوا بالقرآن فإن القرآن كلام الله )) أقول: إنما رواه عن الزهري إنسان ضعيف يقال له صالح بن أبي الأخضر قال فيه الجوزجاني- وهو من أئمة الجرح والتعديل- ((اتهم في حديثه)). وهناك أخباراً وأثاراً تعارض هذا وأشباهه، إلا أن في أسانيدها مقالاً فلم أنشط
لذكرها وبيان عللها تجد بعضها في ترجمة أبي هريرة من الإصابة
وبعد فإن الإسلام لم يمت بموت عمر، وإجماع الصحابة بعده على إقرار أبي هريرة على الإكثار مع ثناء جماعة منهم عليه وسماع كثير منهم منه وروايتهم عنه كما يأتي يدل على بطلان المحكي عن عمر من منعه، بل لو ثبت المنع ثبوتاً لا مدفع له لدل إجماعهم على أن المنع كان على وجه مخصوص أو لسبب عارض أو استحساناً محضاً لا يستند إلى حجة ملزمة. وعلى فرض اختلاف الرأي فإجماعهم بعد عمر أولى بالحق من رأي عمر
ثم حكى أبورية عن صاحب المنار قال (( لو طال عمر عُمر حتى مات أبو هريرة، لما وصلت إلينا تلك الأحاديث / الكثيرة ))
أقول: وما يدريك لعل عمر لو طال عمره حتى يستحر الموت بحملة العلم من الصحابة لأمر أبا هريرة وغيره بالإكثار وحث عليه وحفظ الله تبارك وتعالى لشريعته، وتدبيره بمقتضى حكمته، فوق عمر وفوق رأي عمر في حياة عمر وبعد موت عمر
ثم قال أبو رية ص164 (( كيف سوغ كثرة الرواية ؟ كان أبو هريرة يسوغ كثرة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ما دام لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً فإنه لا بأس من أن يروي ))
أقول: هذه دعوى من أبي رية، فهل من دليل ؟(177/164)
قال (( وقد أيد صنيعه هذا بأحاديث رفعها إلى النبي، ومنها مارواه الطبراني في الكبير عن أبي هريرة أن رسول الله قال: إذا لم تحلوا حراماً ولا تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس ))
أقول : ههنا مآخذ: الأول أن هذا لم يروه أبو هريرة ولا رواه الطبراني عنه، إنما رواه الطبراني من طريق يعقوب بن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي عن أبيه عن جده قال: (( أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا له: بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله، إنا نسمع منك الحديث فلا تقدر أن نؤديه كما سمعنا. فقال: إذا لم الخ ))
وهو في مجمع الزوائد 154:1 وقال (( رواه الطبراني في الكبير، ولم أر من ذكر يعقوب ولا أباه ))
الثاني أن هذا الخبر إنما يدل على إجازة الرواية بالمعنى لقوله فيه (( وأصبتم المعنى )) وقد تقدم الكلام في الرواية بالمعنى ص52 فما بعدها ودعوى أبي رية هنا شيء آخر كما يأتي
الثالث أن الخبر لا يثبت عن صحابيه لجهالة يعقوب وأبيه، ولهذا أعرضت عنه فلم استشهد به في فضل الرواية بالمعنى وإن كان موافقاً لقولي
قال (( وقال أيضاً إنه سمع الليثي يقول: من حدث حديثاً هو لله عزوجل رضا فأنا قلته، وإن لم أكن قلته روى ذلك ابن عساكر في تاريخه ))
أقول: أخذ أبو رية هذا من كنز العمال 22:5 وهناك أن ابن عساكر أخرجه عن البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة. أقول: البختري كذاب، وأبوه مجهول
قال أبو رية (( وفي الأحكام.. .لابن حزم )) 78:2 أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا / حدثتم عني بحديث يوافق الحق فخذوا به، حدثت به أو لم أحدث ))
أقول: إنما ذكره ابن حزم من طريق أشعت بن براز، ثم قال ابن حزم في ذلك الموضع نفسه (( وأشعت بن براز كذاب ساقط ))
قال (( وروي عن رسول الله: إذا بلغكم عني حديث يحسن بي أن أقوله فأنا قلته، وإذا بلغكم حديث لا يحسن بي أقوله فليس مني ولم أقله ))(177/165)
أقول:عزاه إلى توجيه النظر ص278وهناك عقبة قول ابن حاتم ((الحديث منكر، الثقات لا يرفعونه )) يريد لا يصلونه، فإنه ذكره من طريق ابن ابي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً، وقد جاء من وجه آخر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ذكره البخاري في التاريخ 2/ 1/ 434 ثم ذكر أ ن بعضهم قال (( عن أبي هريرة )) قال البخاري (( وهو وهم ليس فيه أبو هريرة )). ورواه بعضهم عن عبد الله ابن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة. ذكره ابن حزم في الأحكام عقب الحديث السابق وقال (( عبد الله بن سعيد كذاب مشهور )) وفي ألفاظه في الروايات اختلاف، وسأشرح بقية حاله في التعليق علىموضوعات الشوكاني إن شاء الله تعالى
هذه أدلة أبي رية على دعواه، وعلق على خبر البختري قوله (( ارجع إلى ص101 )) وكان قد ذكر هناك بعض هذه الأخبار تحت عنوان (( كيف استجازوا وضع الأحاديث )) وبهذا يعرف حاصل دعواه هنا ومناسبتها لأدلتها، فإن تكذيب الصديقين لا يتم إلا بتصديق الكذابين
قال ((روى ذلك وغيره ))
أقول: أما (( ذلك )) أي الأخبار المتقدمة فقد تبين أن أبا هريرة لم يرو شيئاً منها، وأما غيره فما هو ؟
قال (( على حين أن الثابت عن النبي أنه قال: من نقل عني ما لم أقله فليتبؤا مقعده من النار ))
أقول: كذا ذكر الحديث هنا وص 40، والثابت (( من يقل علي ما لم أقل الخ )) رواه أحمد من حديث أبي هريرة، وكذا من حديث سلمة بن الأكوع وكذا جاء في أثناء حديث لأبي قتادة، وكما أن هذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك هو الثابت عن أبي هريرة عنه كما ترى، وفي صحيح البخاري وغيره من(177/166)
حديث مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة قال (( إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله /ما حدثت حديثاً ثم يتلو ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) إلى قوله ( الرحيم ) الحديث. وذكر مسلم سنده ولم يسق سنده.
وفي الإصابة (( أخرج أحمد من طريق عامر بن كليب عن أيبه سمعت أبا هريرة يبتديء حديثه بأن يقول: قال رسول الله الصادق المصدوق أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمداً فليتبؤا مقعده من النار )) وذكره ابن كثير في البداية 107:8 وقال (( وروي مثله من وجه آخر ))
قال أبو رية (( وقد اضطر عمر أن يذكره بهذا الحديث لما أوغل في الرواية ))
أقول: يريد ما روي عن أبي هريرة قال (( بلغ عمر حديثي فأرسل إلي فقال: كنت معنا يوم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسم في بيت فلان؟ قال قلت: نعم، وقد علمت لم تسألني عن ذلك. قال: ولم سألتك؟ قلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: من كذب علي متعمداً فليتبؤا مقعده من النار. قال أما إذاً فاذهب فحدث )) البداية 107:8 وهذا يدل على بطلان ما حكى من منعه أو على أ نه أذن له بعد منع ما، وهذا الخبر من جملة الأخبار التي قدمتُ ص111 أني أعرضت عنها لأن في أسانيدها مقالاً، وذكرته هنا لإشارة أبي رية إليه.. . وحديث (( من كذب علي الخ )) ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة .
حقيقة التدليس وانتفاؤها عن الصحابة
قال أبو رية آخر ص164: (( تدليسه ))
أقول: قال الخطيب في الكفاية ص357 (( تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه يوهم أنه سمعه منه )) ومثال هذا أن قتادة
كان قد سمع من أ نس، ثم سمع من غيره عن أنس مالم يسمعه من أنس، فربما بعض ذلك بقوله (( قال أنس.... )) ونحو ذلك، ثم ذكر الخطيب ص358 ما يؤخذ على المدلس، وهاك تلخيصه بتصرف:
أولاً: إيهامه السماع ممن لم يسمع منه(177/167)
ثانياً: إنما لم يبين لعلمه أن الواسطة غير مرضي
ثالثاً: الأنفه من الرواية عمن حدثه
رابعاً: إيهام علو الإسناد
خامساً: عدول عن الكشف إلى الاحتمال
أقول: هذه الأمور منتفية فيما كان يقع من الصحابة رضي الله عنهم من قول أحدهم فيما سمعه من / صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( قال النبي صلى الله عليه وسلم )). أما الأول فلأن الإيهام إنما نشأ منذ عنى الناس بالإسناد، وذلك عقب حدوث الفتنة، وفي مقدمة صحيح مسلم (( عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم.. .. )) فمن حينئذ التزم أهل العلم الإسناد فأصبح هو الغالب حتى استقر في النفوس وصار المتبادر من قول من قد ثبت لقاؤه لحذيفة (( قال حذيفة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول.. . )) أو نحو ذلك أنه أسند، ومعنى الإسناد أنه ذكر من سمع منه فيفهم من ذاك القول أنه سمع من حذيفة، فلو قال قائل مثل ذلك مع إنه لم يسمع ذاك الخبر من حذيفة وإنما سمعه ممن أخبر به عن حذيفة كان موهماً خلاف الواقع وهذا العرف لم يكن مستقراً في حق الصحابة لا قبل الفتنة ولا بعدها، بل عرفهم المعروف عنهم أنهم كانوا يأخذون عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، ويأخذ بعضهم بواسطة بعض، فإذا قال أحدهم (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.... )) كان محتملاً أن يكون سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون سمعه من صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فلم يكن في ذلك إيهام
وأما الثاني فلم يكن ثم احتمال لأن يكون الواسطة غير مرضي، لأنهم لم يكن أحد منهم يرسل إلا ما سمعه من صحابي آخر – يثق به وثوقه بنفسه- عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن أحد منهم يرسل ما سمعه من صبي أو من مغفل أو قريب العهد بالإسلام أو من مغموص بالنفاق أو من تابعي
وأما الثالث فلم يكن من شأنهم رضي الله عنهم
وأما الرابع فتبع الأول(177/168)
وأما الخامس فلا ضرر في الاحتمال مع الوثوق بأنه إذا كان هناك واسطة فهو صحابي آخر
قال أبو رية (( ذكر علماء الحديث أن أبا هريرة كان يدلس ))
أقول: إنما جاء في ذلك كلمة شاذة يغلب على ظني أنها مصحفة سيأتي الكلام عليها
وذكر ص165 ما حكى عن شعبة في ذم التدليس وقال (( ومن الحفاظ من جرح من عرف بهذا التدليس من الرواة فرد روايته مطلقاً وإن أتى بلفظ الاتصال ))
أقول: بعد أن استحكم العرف الذي مر بيانه نشأ أفراده لا يلتزمونه، وهم ضربان:
الضرب الأول من بين عدم التزامه فصار معروفاً عند الصحابة والآخذين عنه أنه إذا قال (( قال فلان )) ونحو ذلك وسمي بعض شيوخه احتمل أن يكون سمع الخبر مع ذاك الشيخ وأن يكون سمعه من غيره عنه. فهؤلاء هم المدلسون الثقات. وكان الغالب أنه إذا دلس أحدهم خبراً مرة أسنده على وجهه أخرى. وإذا دلس فسئل بين الواقع
والضرب الثاني من لم يبين بل يتظاهر بالالتزام ومع ذلك يدلس عمداً
وتدليس هذا الضرب الثاني حاصله إفهام السامع خلاف الواقع، فإن كان المدلس مع ذلك يتظاهر بالثقة كان ذلك حملاً للسامع ومن يأخذ عنه على التدين بذاك الخبر وإفتاء وقضاء(177/169)
فأما تدليس الضرب الأول فغايته أن يكون الخبر عند السامع محتملاً للاتصال وعدمه، وما يقال إن فيه إيهام الاتصال إنما هو بالنظر إلى العرف الغالب بين المحدثين، فأما النظر إلى عرف المدلس نفسه فما ثم إلا الاحتمال، فالضرب الثاني هو اللائق بكلمات شعبة ونحوها، وبالجرح وإن صرح بالسماع، فأما الضرب الأول فقد عد منهم إبراهيم النخعي وإسماعيل بن أبي خالد وحبيب بن أبي ثابت والحسن البصري والحكم بن عتيبة وحميد الطويل وخالد بن معدان وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وسليمان التيمي والأعمش وابن جريج وعبد الملك بن عمير وأبو إسحاق السبيعي وقتادة وابن شهاب والمغيرة بن مقسم وهشيم بن بشير ويحيى بن أبي كثير ويونس بن عبيد، وهؤلاء كلهم ثقات أثبات أمناء مأمونون عند شعبة وغيره متفق على توثيقهم والاحتجاج بما صرحوا فيه بالسماع.
قال ابن القطان (( إذا صرح المدلس الثقة بالسماع قبل بلا خلاف، وإن عنعن ففيه الخلاف[فتح المغيث للسخاوي ص77] فأما الصحابة رضي الله عنهم فلا مدخل لهم في التدليس كما تقدم
قال ((ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرة واحدة،نص على ذلك الشافعي رحمه الله ))
أقول: عبارته تعطي أن الشافعي يرى جرح المدلس مطلقاً ولو صرح بالسماع، وهذا كذب، وعبارة الشافعي في الرسالة ص379 (( ومن عرفناه دلس فقد أبان لنا عورته في روايته، وليست تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه، ولا النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق )) فقلنا لا نقبل من مدلس
حديثاً حتى يقول فيه: حدثني أو سمعت ))(177/170)
/ قال (( وروى مسلم بن الحجاج عن بسر بن سعيد قال: اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحدثنا عن كعب الأحبار، ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله، وفي رواية: يجعل ما قاله كعب عن رسول الله، وما قاله رسول الله عن كعب، فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث ))
أقول: إنما يقع مثل هذا ممن يحضر المجلس من ضعفاء الضبط و من لا عناية له بالعلم، ومثل هؤلاء لا يوثقهم الأئمة ولا يحتجون بأخبارهم ولابد أن ينتبهوا لغلطهم وعلى كل حال فلا ذنب لأبي هريرة في هذا، ولم يزل أهل العلم يذكر أحدهم في مجلسه شيئاً من الحديث، ويذكر معه مفصولاً عنه ماهو من كلام بعض أهل العلم أو غيرهم وماهو من كلام نفسه، والحكاية نفسها تدل على أن أبا هريرة كان يبين، وإنما يقع الغلط لبعض الحاضرين
قال (( وقال يزيد بن هارون سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلس، أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله ولا يميز هذا من هذا، ذكره ابن عساكر ))
أقول: هذه عبارة ابن كثير في البداية، ساق كلمة بسر المتقدمة ووصلها بهذه الحكاية، وهي حكاية شاذة لا أدري كيف سندها إلى يزيد، ويقع في ظني إن كان السند صحيحاً أنه وقع فيها تحريف، فقد يكون الأصل (( أبو حرة )) فتحرفت على بعضهم فقرأها (( أبو هريرة )) وأبو حرة معروف بالتدليس كما تراه في طبقات المدلسين لابن حجر ص17، وقوله (( أي يروي.. ... )) أراه من قول ابن عساكر بناه على قصة بسر السابقة. فقوله (( لا يميز هذا من هذا )) يعني لا يفصل بين قوله(177/171)
((قال النبي صلى الله عليه وسلم.. ... )) وقوله (( زعم كعب.. .. )) مثلاً بفصل طويل حتى يؤمن أو يقل الالتباس على ضعفاء الضبط، وتسمية هذا تدليساً غريب فلذلك قال ابن كثير وحكاه أبو رية (( وكأن شعبة يشير بهذا إلى حديث: من أصبح جنباً لا صيام له. فإنه لما حوقق عليه قال: أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ))
أقول: يعني أنه قال أولاً (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ...)) مع أنه إنما سمعه من بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا هو إرسال الصحابي الذي تقدم أنه ليس بتدليس، ولكنه على صورته، والله أعلم
ثم قال أبو رية ص166 ((قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص50: وكان أبو هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وإنما سمعه من الثقة عنه فحكاه ))
أقول: تتمة كلام ابن قتيبة (( وكذلك كان ابن عباس يفعل وغيره من الصحابة، وليس في /هذا كذب بحمد الله، ولا على قائله إن لم يفهمه السامع جناح إن شاء الله )). والمراد بالثقة الثقة من الصحابة على ما قدمت، وقدمت أن مثل ذلك من الصحابة كان عند السامعين محتملاً على السواء لأن يكون بلا واسطة وأن يكون بواسطة صحابي آخر، والمخبر الذي أخبر أبو هريرة صحابي كما يأتي
ثم قال أبو رية (( أول راوية اتهم في الإسلام.قال ابن قتيبة إنه لما أتى أبو هريرة من الرواية عنه صلى الله عليه وسلم ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة أصحابه والسابقين الأولين اتهموه وأنكروا عليه وقالوا: كيف سمعت هذا وحدك؟ ومن سمعه معك؟ وكانت عائشة رضي الله عنها أشدهم إنكاراً عليه لتطاول الأيام بها وبه ))(177/172)
أقول: تتمة كلام ابن قتيبة (( فلما أخبرهم أبوهريرة بأنه كان ألزمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لخدمته وشبع بطنه.. .. فعرف مالم يعرفوا وحفظ ما لم يحفظوا، أمسكوا عنه )). وكلمة (( اتهموه )) كلمة نابية يتبرأ منها الواقع، فإنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه اعترض على شيء من حديث أبي هريرة إلا عائشة و ابن عمر، فأما عائشة فيأتي قريبا ًقولها (( إنك لتحدث حديثاً ما سمعته )) فأجابها ذاك الجواب الصريح فأقرت، وقد تتبع أبو رية الأحاديث التي انتقدتها عائشة على أبي هريرة ويأتي الجواب الواضح عنها وأن أكثرها قد ثبت من رواية غير أبي هريرة من الصحابة، على أن انتقاد عائشة لها ليس على وجه الاتهام بكذب ونحوه- معاذ الله- وإنما فيه الاتهام بالخطأ وقد اتهمت عائشة بالخطأ عمر وابن عمر كما مر ص51 ويأتي. وقد عد الحاكم في المستدرك عائشة في الصحابة الذين رووا عن أبي هريرة كما يأتي، وأما ابن عمر فإنما استغرب حديثاً واحداً من حديث أبي هريرة فاستشهد أبو هريرة عائشة فشهدت فعاد ابن عمر بطيب الثناء على أبي هريرة وقال له (( يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه )) وممن روى هذا الحاكم في المستدرك 510:3 وصححه وأقره الذهبي. وفي تهذيب التهذيب والإصابة (( وقال ابن عمر: أبو هريرة خير مني وأعلم )) زاد في الإصابة (( بما يحدث )) وفي الإصابة (( أخرج مسدد من طريق عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: كان ابن عمر إذا سمع أبا هريرة يتكلم قال: إنا نعرف ما يقول، لكنا نجبن ويجتريء )) وعاصم وأبوه ثقتان. وفي المستدرك 510:3 من طريق / ((.. . جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رجل لابن عمر: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى اله عليه وسلم فقال ابن عمر: أعيذك بالله أن تكون في شك مما يجيء به، ولكنه اجترأ وجبنا )) هكذا ذكره الذهبي في تلخيص المستدرك (( جرير(177/173)
عن الأعمش.. .. )) وقد سمع أبو وائل من ابن عمر فأخشى أن يكون ذكر حذيفة مزيداً على سبيل الوهم. والله أعلم. وفي الإصابة ((روينا في فوائد المزكي تخريج الدارقطني من طريق عبد الواحد
بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه. فقال له مروان: أما يكفي أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع ؟ قال: لا. فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة. فقيل لابن عمر: هل تنكر شيئاً مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجببنا. فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: ما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا، وقد روى ابن عمر عن أبي هريرة كما في التهذيب وغيره
قال أبو رية (( وممن اتهم أبا هريرة بالكذب عمر وعثمان وعلي ))
أقول: هذا أخذه من كتاب ابن قتيبة، وإنماحكاه ابن قتيبة عن النظام بعد أن قال ابن قتيبة (( وجدنا النظام شاطراً من الشطار، يغدوا على سكر ويروح على سكر ويبيت على جرائرها، ويدخل في الأدناس، ويرتكب الفواحش والشائنات.. . ثم ذكر أشياء من آراء النظام المخالفة للعقل والإجماع، وطعنه على أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وحذيفة. فمن كان بهذه المثابة كيف يقبل نقله بلا سند؟(177/174)
ومن الممتنع أن يكون وقع من عمر وعثمان وعلي وعائشة أو واحد منهم رمي لأبي هريرة بتعمد الكذب أو اتهام به ثم لا يشتهر ذلك ولا ينقل إلا بدعاوى من ليس بثقة ممن يعادي السنة والصحابة كالنظام وبعض الرافضة، وقد تقدم ويأتي ثناء بعض أكابر الصحابة على أبي هريرة وسماع كثير منهم منه وروايتهم عنه، وأطبق أئمة التابعين من أبناء أولئك الأربعة وأقاربهم وتلاميذهم على تعظيم أبي هريرة والرواية عنه والاحتجاج بأخباره وعند أهل البدع من المعتزلة والجهمية والرافضة والناصبة حكايات معضلة مثل هذه الحكاية تتضمن الطعن القبيح في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وغيرهم، وفي كثير منها ما هو طعن في النبي صلى الله عليه وسلم. والحكم في ذلك واحد، وهو تكذيب تلك الحكايات البتة.
/ قال أبو رية (( ولما قالت له عائشة: إنك لتحدث حديثاً ما سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، أجابها بجواب لا أدب فيه ولا وقار إذ قال لها.. . شغلك عنه صلى الله عليه وسلم المرآة والمكحلة. وفي رواية: ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب، ولكن أرى ذلك شغلك ))(177/175)
أقول: تتمة الرواية الأخيرة كما في البداية (( فقالت: لعله )). والذي أنكره أبو رية من جواب أبي هريرة عظيم الفائدة للباحث المحقق، وذلك أن أبا هريرة كان شديد التواضع، وقد تقدم أمثلة من ذلك، وعائشة معروفة بالصرامة وقوة العارضة، فجوابه يدل على قوة إدلاله بصدقه ووثوقه بحفظه، ولو كان عنده أدنى تردد في صدقه وحفظه لاجتهد في الملاطفة، فإن المريب جبان، وسكوت عائشة بل قولها (( لعله )): أي لعل الأمر كما ذكرت يا أبا هريرة. يدل دلالة واضحة أنه لم يكن عندها ما يقتضي اتهام أبي هريرة، هذا وحجة أبي هريرة واضحة فإن عائشة لم تكن ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم بل انفردت عن الرجال بصحبته صلى الله عليه وسلم في الخلوة، وقد انفردت بأحاديث كثيرة تتعلق بالخلوة وغيرها فلم ينكرها عليها أحد، ولم يقل أحد- ولا ينبغي أن يقول-: إن سائر أمهات المؤمنين قد كان لهن من الخلوة بالنبي صلى الله عليه وسلم مثل ما لها فما بال الرواية عنهن قليلة جداً بالنسبة إلى رواية عائشة
قال (( وعلى أنه لم يلبث أن عاد فشهد بأنه أعلم منه.. .. ذلك أنه لما روى حديث ( من أصبح جنباً فلا صوم عليه ).. أنكرت عليه عائشة هذا الحديث فقالت: إن رسول الله كان يدركه الفجر وهوجنب من غير احتلام فيغتسل ويصوم، وبعثت إليه بأن لا يحدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسعه إزاء ذلك إلا الإذعان والاستخذاء وقال: إنها أعلم مني، وأنا لم أسمعه من النبي، وإنما سمعته من الفضل بن العباس(177/176)
أقول: لم أجد حديث أبي هريرة هذا بلفظ (( فلا صوم عليه )) وإنما وجدته بلفظ (( فلا يصم )) ولا ريب أنه كان في رمضان يلزمه قضاء ذاك اليوم. هذا وقوله (( هي أعلم )) لا يناقض جوابه المتقدم، وإنما المعنى هي أعلم بذاك الشأن الذي تتعلق به المسألة ووجه ذلك واضح، وقد عرفت صرامة عائشة وشدة إنكارها ماترى أ نه خطأ، وسيأتي طرف من ذلك – وشدتها على أبي هريرة خاصة فاقتصارها إذ بلغها حديثه هذا على أن بعثت إليه أن لا يحدث بهذا الحديث / وذكرها فعل النبي صلى الله عليه وسل يدل دلالة قوية أنها عرفت الحديث ولكنها رأت أنه منسوخ بفعل النبي صلى الله عليه وسلم. ويؤيد هذا أن ابن اختها وأخص الناس بها وأعلمهم بحديثها عروة بن الزبير استمر قوله على مقتضى الحديث الذي ذكره أبو هريرة، وهذا ثابت عن عروة، وانظر فتح الباري 14:4، وذكر مثله أو نحوه عن طاوس وعطاء وسالم بن عبد الله بن عمر والحسن البصري وإبراهيم النخعي ، وهؤلاء من كبار فقهاء التابعين بمكة والمدينة والبصرة والكوفة، والنظر يقتضي هذا، وشرح ذلك يطول، وكأن عروة حمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكرته عائشة على الخصوصية أو غيرها مما لا يقتضي النسخ، واستدل الجمهور على النسخ بقول الله تعالى ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) قالوا فهذه الآية نسخت بالإجماع ما كان قبل ذلك من تحريم الجماع في ليالي رمضان بعد النوم وهي تتضمن إحلاله في آخر جزء من الليل بحيث ينتهي بانتهاء الليل، ومن ضرورة ذلك أن يصبح جنباً فهذان شاهدا عدل بصحة حديث أبي هريرة وصدقه: الأول اقتصار عائشة على ما اقتصرت عليه، الثاني مذهب تلميذها وابن اختها عروة، وثم شاهد ثالث وهو أن المتفق عليه بين أهل العلم وعليه دل القرآن أنه كان الحكم أولاً تحريم الجماع في ليالي رمضان بعد النوم، وأن من فعل ذلك لم يصح صومه ذلك اليوم، والحكمة من ذلك والله أعلم أن يطول الفصل بني الجماع وبين طول الفجر، ولما كان من(177/177)
المحتمل أن يلجأ بعض الناس إلى السهر طول الليل ويجامع قبيل الفجر بحجة أنه جامع قبل النوم ناسب ذلك أنه يحرم كونه جنباً عند طلوع الفجر ليضطر من يريد الجماع ممن يسهر إلى أن يقدمه قبل الفجر بمدة تتسع له وللغسل بعده فيحصل بذلك المقصود من طول الفصل، وهذا هو مقتضى حديث أبي هريرة، وشاهد رابع وهو أنا مع علمنا بصدق أبي هريرة وأمانته لو فرضنا جدلاً خلاف ذلك فأي غرض شخصي لأبي هريرة في أن يرتكب الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليحمل الناس على ما تضمنه حديثه؟ لا غرض له البتة، وإذاً فلابد أن يكون كان عنده دليل فهم منه ذلك وقد عرفنا أن قلماً يلجأ إلى الاستنباط الدقيق وإنما يتمسك بالنصوص، وقد نص هو على أن دليله هو ذاك الحديث فبان أن الحديث كما عنده،
فهذه أربعة شهود على صدق أبي هريرة في هذا الحديث، وفوق ذك ماثبت من دينه وأمانته ودل عليه الكتاب والسنة كما يأتي في فصل عدالة الصحابة و شهد به جمع من الصحابة وأجمع عليه أهل العلم، فهذا هو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟
قال أبو رية (( فاستشهد ميتاً، وأوهم الناس أنه سمع الحديث من رسول الله صى الله عليه وسلم كما قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ))(177/178)
أقول: قد تقدم أن الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض، ويقول لأحدهم فيما سمعه من أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.. ... )) وكان ذلك يفهم على الاحتمال بدون إيهام لاشتهار عرفهم به قبل عرف المحدثين. وقد أخذ أبو هريرة عن غيره من الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعقب وفاته ثم طال عمره حتى كانت قضية هذا الحديث في إمارة مروان على المدينة وذلك في خلافة معاوية، وكان معظم الصحابة قد ماتوا، فما الذي يستغرب من أن يكون مخبر أبي هريرة قد مات وقد تقدم بيان الأدلة الواضحة على صدق أبي هريرة وحديثه هذا، لكن انظر إلى عبارة أبي رية في قوه (( فاستشهد.. ... كما قال ابن قتيبة.. .... )) ألا ترى أن هذا الخبر يعطي أن ابن قتيبة قال ذلك من عنده وأنه رأيه، لكن الواقع أن ابن قتيبة إنما حكى ذلك عن النظام بعد أن وصفه بما تقدم ثم رد عليه، فماذا تقول في أبي رية؟
ثم قال ص168 (( وكان علي رضي الله عنه سيئ الرأي فيه، وقال عنه: ألا إنه أكذب الناس، أو قال: أكذب الأحياء على رسول الله لأبو هريرة ))
أقول: لم يذكر أبورية مصدره فنفضحه، وكأنه أخذ هذا من كتاب عبد الحسين الرافضي ( ظلمات بعضها فوق بعض ) انظر ص119
ثم رأيت مصدره وهو شرح النهج لابن أبي الحديد 360:1 حكاية عن الاسكافي، ومع تهور ابن أبي الحديد والاسكافي فالعبارة هناك (( وقد روى عن علي عليه السلام أنه قال.. ... )) ولكن أبا رية يجزم. راجع ص109
قال (( ولما سمع أنه يقول: حدثني خليلي. قال له: متى كان النبي خيلك؟(177/179)
أقول: هذا من دعاوي النظام على علي وقد كان أبو ذر يقول هذه الكلمة، والنبي صلى الله عليه وسلم خليل كل مؤمن وإن لم يكن أحد من الخلق خليلاً له صلى الله عليه وسلم لقوله (( لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبي بكر )) والخليل كالحبيب فكما أنه لا يلزم من كون إنسان حبيبك أن تكون حبيبه فكذلك الخليل، والخلة أعظم من المحبة فلا يلزم من نفي الخلة نفي المحبة
قال أبو رية (( ولما روى حديث: متى استيقظ أ حدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الإناء / فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )) لم تأخذ به عائشة وقالت: كيف نصنع بالمهراس )) وعلق عليه: (( المهراس صخر ضخم منقور لا يحمله الرجال ولا يحركونه يملؤنه ماء ويتطهرون ))
أقول: قد أسلفت (ص108)أن عائشة لم تتكلم في هذا الحديث بحرف، وإنما يروى عن رجل يقال له قين الأشجعي[مسند أحمد 382:2] أنه قال لأبي هريرة لما ذكر الحديث (( فكيف تصنع إذا جئنا مهراسكم هذا ؟ )) قال أبو هريرة (( أعوذ بالله من شرك )) كره أبو هريرة أن يقول مثلاً: إن المهراس ليس بإناء، والعادة أن يكون ماء الإناء قليلاً، وماء المهراس كثيراً، أو يقول: أرأيت لو كانت يدك ملطخة بالقذر ؟ أو يقول: إن وجدت ماء غيره أو وجدت ما تغرف به فذاك وإلا رجوت أن تعذر، أو نحو ذلك، لأن أبا هريرة رض الله عنه كان يتورع تشقيق المسائل، ويدع ذلك لمن هو أجرأ وأشد غوصاً على المعاني فيه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتزم في الوضوء أن يغسل يديه ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء، ثبت ذلك من حديث عثمان وعبد الله بن زيد، ولا يخفى ما في ذلك من رعاية النظافة والصحة
قال أبو رية (( ولما سمع الزبير أحاديثه قال: صدق، كذب ))(177/180)
أقول:عزاه إلى البداية 109:8وهوهناك عن ابن إسحاق عن عمر- أو عثمان - بن عروة بن الزبير عن عروة قال (( قال لي أبي – الزبير- أدنني من هذا اليماني - يعني أبا هريرة- فإنه يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدنيته منه، فجعل أبو هريرة يحدث، وجعل الزبير يقول: صدق، كذب. صدق، كذب. قال قلت: يا أبت ماقولك: صدق كذب؟ قال: يا بني إما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أشك فيه، ولكن منها ما يضعه على مواضعه ومنها ما وضعه على غير مواضعه ))
أقول: في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه (( إنكم تقرءون هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذ اهتديتم ) الآية، وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن(177/181)
الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه )) انظر تفسير ابن كثير 257: فالوضع على غير الوضع ليس بتغيير اللفظ، فإن الناس لم يغيروا من لفظ الآية شيئاً، وإنما هو الحمل على المحمل الحقيقي، ومثال ذلك في الحديث أ ن/ يذكر أبو هريرة حديث النهي عن الادخار من لحوم الأضاحي فوق ثلاث، وحديث النهي عن الانتباذ في الدباء والنقير والمزفت، فيرى الزبير أن النهي عن الادخار إنما كان لأجل الدافة، وأن النهي عن الانتباذ في تلك الآنية إنما كان إذ كانوا حديثي عهد بشرب الخمر، لأن النبيذ في تلك الآنية يسرع إليه التخمر، فقد يتخمر فلا يصبر عنه حديث العهد بالشرب ونحو ذلك. وأن أبا هريرة إذ أخبر بذلك على إطلاقه يفهمه الناس على إطلاقه، وذلك وضع له على غير موضعه،ففي القصة شهادة الزبير لأبي هريرة بالصدق في النقل، فأما ما أخذه عليه فلا يضر، فإن في الأحاديث الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد، وقد يعلم الصحابي هذا دون ذاك، فعليه أن يبلغ ما سمعه، والعلماء بعد ذلك يجمعون الأحاديث والأدلة ويفهون كلاً منها بحسب ما يقتضيه مجموعا، وراجع ص32
قال أبو ريةص169 وعن أبي حسان الأعرج أن رجلين دخلا على عائشة فقالا : إن أبا هريرة يحدث عن رسول الله : إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار فطارت شققا ثم قالت : كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أهل الجاهلية يقولون :إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار ثم قرأت ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها(177/182)
أقول: أخرج أحمد وأبو داود بسند جيد عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً (( لا عدوى ولا طيرة ولا هام ، إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار )) انظر مسند أحمد الحديث 502 و 554. وفي فتح الباري 45:6 (( الطيرة والشؤم بمعنى واحد )) وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر قال (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إنما الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار )) لفظ البخاري في كتاب الجهاد- باب ما يذكر من شؤم الفرس، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث سهل بن سعد مرفوعاً ((إن كان ففي المرأة والفرس والمسكن )) زاد مسلم (( يعني الشؤم )) وجاء نحوه بسند جيد عن أم سلمة وزادت (( والسيف )) راجع فتح الباري 47:6 وفي صحيح مسلم من حديث جابر مرفوعاً (( إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس ))
أما روايته عن أبي هريرة فعزاه أبو رية إلى تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة وقد رواه الإمام أحمد/ في المسند 150:6 و 240و 246 من طريق قتادة عن أبي حسان وليس بالصحيح عن عائشة لأن قتادة مدلس ولو صح عن عائشة لما صح المنسوب إلى أبي هريرة لجهالة الرجلين، وليس في شيء من روايات أحمد لفظ (( كذب )) ولو صحت لكانت بمعنى (( أخطأ )) كما يدل عليه آخر الحديث. وقد تبين أنه لا خطأ، فقد رواه جماعة من الصحابة كما علمت، فأما معناه والجمع بينه وبين الآية فيطلب من مظانه
قال أبو رية (( وأنكر عليه ابن مسعود قوله: من غسل ميتاً.. .. وقال فيه قولاً شديداً ثم قال: يا أيها الناس لا تنجسوا موتاكم ))(177/183)
أقول: عزاه إلى جامع بيان العلم لابن عبد البر 85:2 وهو هناك بغير إسناد، وفي سنن البيهقي 1: 307 عن ابن مسعود (( إن كان صاحبكم نجساً فاغتسلوا وإن كان مؤمناً فلم تغتسل؟ )) وسنده واه وقد جاء الغسل من غسل الميت من حديث علي وفعله ومن حديث عائشة وحذيفة وأبي سعيد والمغيرة، راجع سنن البيهقي 229:1 –370 وتلخيص الجبير ص50و 157. فمن أهل العلم من يستحب، ومنهم من يوجب، ومنهم من يقول: منسوخ، ومنهم من ينكر. ويظهر لي أن من جعله من باب التطهير لحدث أو نجس قد أبعد، ومن أنكره لأن الميت ليس بنجس قد أبعد، وإنما هو لمعنى آخر، والعارفون بعلم النفس والصحة يرون له تعلقاً بذلك والله أعلم
قال ولما روى حديث إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه فقال له مروان: أما يكفي أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع ؟ فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة ))
أقول: تصرف أبو رية في هذا، والحديث في سنن أبي داود في آخره (( قال فقيل لابن عمر: هل تنكر شيئاً مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا، قال فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: ما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا )) وقد تقدم ص119 مع بعض ما يناسبه.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنه قالت (( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن ))
قال أبو رية (( ولا نستوفي ذكر انتقاد الصحابة له والشك في روايته.. .... ))
أقول: قد ا تضح بحمد الله عزوجل الجواب عما ذكر، ومنه يعلم حال مالم يذكر
قال (( وقد امتد الإنكار عليه واتهامه في رواياته إلى من بعد الصحابة ))
أقول: قد تبين أنه لم يتهمه أحد من الصحابة، بل أثنوا عليه وسمعوا منه ورووا عنه، وسيأتي تمام ذلك/ وتبين قيام حجته الواضحة في أكثر ماانتقد عليه، وعذره الواضح في ما بقي، وبذلك سقط ما يخالفه من كلام من دونهم، وسنرى(177/184)
قال (( روى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: أقلد من كان من القضاة المفتين من الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والعبادلة الثلاثة، ولا أستجيز خلافهم برأيي إلا ثلاثة نفر _ وفي رواية : أقلد جميع الصحابة ولا أستجيز خلافهم برأيي إلا ثلاثة نفر : أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة بن جندب )) فقيل له في ذلك، فقال: أما أنس فاختلط في آخر عمره، وكان يستفتى فيفتي من عقله، وأنا لا أقلد عقله، وأما أبو هريرة فكان يروي كل ما سمع من غير أن يتأمل في المعنى ومن غير أن يعرف الناسخ من المنسوخ ))
أقول: عزا أبو رية هذه الحكاية إلى مختصر كتاب المؤمل لأبي شامة، وأبو شامة من علماء الشافعية في القرن السابع بينه وبين محمد بن الحسن عدة قرون، ولا ندري من أين أخذ هذا، وقد احتاج العلامة الكوثري في رسالته ( الترحيب ) ص24 إلى هذه الحكاية، ومع سعة اطلاعه على كتب أصحابه الحنفية وغيرهم لم يجد لها مصدراً إلا مصدر أبي رية هذا.وحكاية مثل هذا عن محمد بن الحسن عن أبي حنيفة لا توجد في كتب الحنفية أي قيمة لها ؟
هذا والحكاية لا تتعرض للأحاديث التي يرويها الصحابة، وإنما تتعلق بقول الصحابي الموقوف عليه هل يجوز لمن بعده مخالفته برأيه؟ فحاصلها أن أبا حنيفة يقول إنه لا يخالف قول أحد من الصحابة برأيه سوى أولئك الثلاثة. فأقول: أما أنس فيراجع طليعة التنكيل الطبعة الثانية ص 101و 108. وأما أبو هريرة فقوله فيه (( يروى كل ما سمع )) يعني بها كل ما سمعه من الأحاديث، وليس هذا بطعن في روايته ولا هو المقصود، وإنما هو مرتبط بما بعده وهو قوله (( من غير.. .)) والمدار على هذا، يقول:إنه لأجل هذا لا يوثق بما قاله برأيه إذ قد يأخذه من حديث منسوخ ونحو ذلك، وسيأتي ما فيه )) [وقال أبو رية في حاشية ص334 من أجل ذلك لم يأخذ أبو حنيفة بما جاء عن أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة... كذا يقول أبو رية، فانظر واعتبر !(177/185)
وفي الحاشية (( قال في مرآة الوصول وشرحها مرقاة الأصول من أصول الحنفية رحمهم الله في بحث الراوي:وهو إن عرف بالرواية فإن كان ففيها تقبل منه الرواية مطلقاً سواء وافق القياس أوخالفه. وإن لم يكن ففيه ( كأبي هريرة وأنس ) رضي الله عنهما فترد روايته ))
أقول: في هذا أمران، الأول أن الصواب (( في مرقاة الوصول وشرحها مرآة الأصول )). الثاني أن مؤدى العبارة على ما نقله أبو رية رد رواية أبي هريرة وأنس ونحوهما مطلقاً، لكن تمام العبارة في مصدره (( إن لم يوافق- الحديث الذي رواه - قياساً أصلاً، حتى إن وافق قياساً وخالف قياساً تقبل )) على أن / هذا القول قد رده محققو الحنفية، قال ابن الهمام في التحرير (( وأبو هريرة فقيه )) قال شارحه ابن أمير الحاج 251:2 )) لم يعدم شيئاً من أسباب الاجتهاد، وقد أفتى في زمن الصحابة، ولم يكن يفتي في زمنهم إلا مجتهد، وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من بين صحابي وتابعي، منهم ابن عباس وجابر وأنس، وهذا هو الصحيح ))
ذكر أبو رية في الحاشية أن قوله (( يروي كل ما سمع )) إشارة إلى حديث (( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع ))
أقول: هذا الحديث عام يشمل ما يسمع مما يعلم أو يظن أنه كذب، وأبو هريرة إنما كان يحدث بالعلم، بما يعلم أو يعتقد أنه صدق، فأين هذا من ذاك؟
وقال ص170 (( وروى أبو يوسف قال قلت لأبي حنيفة: الخبر يجئني عن رسول الله يخالف قياسنا، ما نصنع به؟ فقال : إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي. فقلت: ما تقول في رواية أبي بكر وعمر؟ قال: ناهيك بهما. فقلت: وعلي وعثمان، قال: كذلك، فلما رآني أعد الصحابة قال: والصحابة كلهم عدول ما عدا رجالاً – وعد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك ))
أقول: لم يذكر مصدره. وهذه عادته ( الحميدة ) في تدليس بلاياه، ثم وجدت مصدره وهو شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد 360:1 عن أبي جعفر الاسكافي فراجع ما تقدم ص109.(177/186)
ولا ريب أن هذا لا يصح عن أبي يوسف ولا أبي حنيفة، والمعروف عنهما وعن أصحابهما في كتب العقائد والأصول وغيرها ما عليه سائر أهل السنة أن الصحابة كلهم عدول، وإنما يقول بعضهم إن فيهم من ليس بفقيه أو مجتهد، قال ابن الهمام في التحرير ((.. . يقسم الراوي الصحابي إلى مجتهد كالأربعة والعبادلة، فيقدم على القياس مطلقاً، وعدل ضابط كأبي هريرة وأنس وسلمان وبلال فيقدم، إلا أن خالف كل الأقيسة على قول عيسى والقاضي أبي زيد.. ...)) ثم قال بعد ذلك (( أبو هريرة مجتهد )) كما تقدم. وغير عيسى وأبي زيد ومن تبعه يرون تقديم الخبر مطلقاً. راجع فواتح الرحموت 145:2
ثم حكى أبو رية ما روي عن إبراهيم: (( كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة، ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة، كانوا يرون في حديث أبي هريرة شيئاً ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة إلا ما كان من حديث صفة جنة أو نار أو حث على عمل صالح أو نهى عن شر جاء بالقرءان، دعني من حديث أبي هريرة، إنهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه ))
أقول: ذكر ابن كثير في البداية 109:8 بعض هذه الكلمات عن ابن عساكر، ولم يسق السند بتمامه، وباقيها أخذه أبو رية من شرح النهج لابن أبي الحديد 360:1 حكاه ابن أبي الحديد عن الاسكافي، وراجع ص 109، وقد تقدم ص 121 أخذ إبراهيم بحديث أبي هريرة الذي أخبرت عائشة بخلافه فترك أبو هريرة / الإفتاء به وقال (( إنما حدثنيه الفضل بن عباس )) وأخذ به يدل على ثقة بالغة بأبي هريرة وحديثه، ثم إن صحت تلك الكلمات أو بعضها فقوله (( كان أصحابنا )) يريد بهم أشياخه من الكوفيين وإليهم يرجع الضمير في قوله (( كانوا )) وحتى هذه الكلمات- إن صحت عن إبراهيم – أن تنتقد عليه لا على أبي هريرة.(177/187)
وقد تقدم بيان حال أبي هريرة عند الصحابة وثناؤهم عليه وسماعهم منه وروايتهم عنه، ويأتي لذلك مزيد، وبان سقوط كل ماخالف ذلك من مزاعم أهل البدع وظهرت حجة أبي هريرة فيما انتقده بعضهم عليهم، ثم إن التابعين من أهل الحجاز وعلمائه وهم أبناء علماء الصحابة وتلاميذهم والذين حضروا مناظرتهم لأبي هريرة وعرفوا حقيقة رأيهم فيه أطبقوا هم وعلماء البصرة والشام وسائر الأقطار- سوى ما حكي عن بعض الكوفيين- على الوثوق التام بأبي هريرة وحديثه. وقد كان بين الكوفيين والحجازيين تباعد، والكوفيون نشأوا على الأحاديث التي عرفوها من رواية الصحابة الذين كانوا عندهم، ثم حاولوا تكميل فقههم بالرأي وجروا على مقتضاه، ثم كانوا إذا جاءهم بعد ذلك حديث بخلاف ما قد جروا عليه وألفوه تلكأوا في قبوله وضربوا له الأمثال، وإذ كان أبو هريرة مكثرا كانت الأحاديث التي جاءتهم عنه بخلاف رأيهم أكثر من غيره، فلهذا ثقل على بعضهم بعض حديثه، وساعد على ذلك ما بلغهم أن بعض الصحابة قد انتقد بعض أحاديث أبي هريرة، وقد كان أهل الحجاز أيضاً ينفرون عن الأحاديث التي تأتيهم عن أهل العراق حتى اشتهر قولهم: نزلوا أهل العراق منزلة أهل الكتاب، لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وعلى كل حال فقد ا نحصر مذهب أهل العراق في أصحاب أبي حنيفة، وقد علمت بأن أبا هريرة عندهم عدل ضابط، واعتراف محققيهم بأنه مع ذلك فقيه مجتهد، والأحاديث التي يخالفونها من مروياته سبيلها سبيل ما يخالفونه من مرويات غيره من الصحابة، والحق أحق أن يتبع، والله الموفق
قال أبو رية ص 171 (( وقال أبو جعفر الاسكافي: وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي بالرواية ))
أقول:
يفيض إلى كل امرئ غير طائل
وقد زادني حباً لنفسي أنني
قال (( ضربه عمر وقال: أكثرت من الحديث، وأحرى بك أن تكون كاذباً على رسول الله ))
أقول: عزاه أبو رية إلى شرح النهج لابن أبي الحديد، وقد مر النظر فيه ص 109)) وراجع ص 119(177/188)
قال: وفي الأحكام للآمدي (( أنكر الصحابة على أبي هريرة كثرة روايته..))
أقول: قد فرغنا من هذا
/ قال (( وجرت مسألة المصراة في مجلس الرشيد، فتنازع القوم فيها وعلت أصواتهم، فاحتج بعضهم بالحديث الذي رواه أبو هريرة، فرد بعضهم الحديث وقال: أبو هريرة متهم، ونحا نحوه الرشيد ))
أقول: جواب الحكاية في تتمتها التي حذفها أبو رية وأخفى المصدر، وقد كنت وقعت عليها بتمامها في تاريخ بغداد أحسب، ولم أهتد إليها الآن، وقد كان يحضر مجلس الرشيد بعض رؤوس البدعة كبشر المريسي
وذكر أبو رية كلاما لجولد زيهر اليهودي وغيره من المستشرقين لا شأن لنا به لأننا نعرف هؤلاء، وافتراءهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن، وراجع ص 72و 94و 99
وقال أبو رية ص 172 (( أخذه عن كعب الأحبار.. ... اليهودي الذي أظهر إسلامه خداعاً وطوى قلبه على يهوديته ))
أقول: قد تقدم النظر في حال كعب بما فيه كفاية، وسيلقى المجازف عاقبة تهجمه ( ستكتب شهادتهم ويسألون )
ثم ذكر رواية الصحابة عن كعب، وقد تقدم النظر في ذلك ص73و 110و 115
قال (( ويبدو أن أبا هريرة كان أول الصحابة انخداعا وثقة فيه ))
أقول: إنما الثابت أنه حكى عنه شيئاً مما نسبه كعب إلى صحف أهل الكتاب،
وليس في هذا ما يدل على ثقة
قال (( ورواية عنه وعن إخوانه ))
أقول: إننا نتحدى أبا رية أن يجمع عشر حكايات مختلفة يثبت أن أبا هريرة رواها عن كعب، فأما إخوانه فعبد الله بن سلام لا يطعن فيه مسلم، وتميم الداري قريب منه، ولعله لا يثبت لأبي هريرة عن كل منهما إلا خبر واحد
وذكر كلاماً من تهويله تعرف قيمته من النظر في شواهده(177/189)
قال (( فقد روى الذهبي في طبقات الحفاظ في ترجمة أبي هريرة أن كعباً قال فيه، أي في أبي هريرة: ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة. ورواية البيهقي في المدخل من[في كتاب أبي رية ((في)) ]طريق بكر بن عبد الله عن [فيه ((بن)) ]أبي رافع أن أبا هريرة لقي كعباً فجعل يحدثه ويسأله، فقال لكعب: ما رأيت رجلاً لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة ))
أقول: هي حكاية واحدة. فالذي في كتاب الذهبي (( الطيالسي أخبرنا عمران القطان عن بكر بن عبد الله عن أبي رافع.. ... )) فذكرها. وعمران القطان ضعيف ولا يتحقق سماعه من بكر، وفي القرآن والسنة قصص كثيرة مذكورة في التوراة الموجودة بأيدي أهل الكتاب الآن،فإذا تتبعها أبو هريرة وصار يذكرها لكعب كان ذلك كافياً لأن يقول كعب تلك الكلمة، ففيم التهويل الفارغ؟
/ قال (( ومما يدلك على أن هذا الحبر الداهية قد طوى أبا هريرة تحت جناحه حتى جعله يردد كلام هذا الكاهن بالنص ويجعله حديثاً مرفوعاً ما نورد لك شيئاً منه، روى البزار [عن أبي سلمة] عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشمس والقمر ثوران في النار يوم القيامة. فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال [أبو سلمة]: أحدثك عن رسول الله وتقول: ما ذنبهما؟. وهذا الكلام نفسه قد قاله
كعب بنصه، فقد روى أبو يعلى الموصلي قال كعب: يجاء بالشمس والقمر كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في جهنم ))
أقول: عزاه أبو رية إلى حياة الحيوان، وسيأتي ما فيه
قال البخاري في باب صفة الشمس والقمر من بدء الخلق من صحيحه حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشمس والقمر مكوران يوم القيامة(177/190)
وفي فتح الباري 214:6 أن البزار والاسماعيلي والخطابي أخرجوه من طريق يونس بن محمد بن عبد العزيز بن المختار، وزادوا بعد كلمة(مكوران): (( في النار ))
أما حياة الحيوان للدميري مصدر أبي رية فإنه ذكر أولاً حديث البخاري،ثم حديث البزار وفيه (( ثوران )) كما مر، وظاهر ما في فتح الباري أوصريحه أن الذي في رواية البزار والاسماعيلي والخطابي (( مكوران )) كرواية البخاري لا (( ثوران )) [ثم وجدت بعضهم نقل رواية البزار بلفظ ((ثوران مكوران )) جمع بين الكلمتين]ثم قال الدميري: وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي من طريق درست بن زياد عن يزيد الرقاشي، وهما ضعيفان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:الشمس والقمر ثوران عقيران في النار، وقال كعب الأحبار: يجاء الشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في جهنم ليراهما من عبدهما، كما قال الله تعالى ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) الآية
درست ويزيد تالفان، فالخبر عن أنس وكعب ساقط، مع أنه لم يتبين من القائل (( قال كعب.. ... )) ؟ وبهذا يعلم بعض أفاعيل أبي رية فأما المتن كما رواه البخاري
فمعناه في كتاب الله عزوجل، ففي سورة القيامة ( وخسف القمر وجمع الشمس والقمر ) وفي سورة التكوير ( إذا الشمس كورت )
وزيادة غير البخاري (( في النار )) يشهد لها قول الله تعالى ( 98:21 إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) وفي صحيح البخاري وغيره من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً في صفة الحشر: (( ثم ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون. فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم،وأصحاب / الأوثان مع أوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم )) والحديث في صحيح مسلم وفيه (( فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار ))(177/191)
وفي الصحيحين حديث حدث به أبو هريرة، وأبو سعيد حاضر يستمع له فلم يرد عليه شيئاً، إلا كلمة في آخره وفيه (( يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ومن كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت.. ... )) ويوافق ذلك قوله تعالى في فرعون ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ))
وإن صحت كلمة (( ثوران )) أو (( ثوران عقيران )) كما في خبر أبي يعلى على سقوط سنده فذلك والله أعلم تمثيل وقد ثبت أن المعاني تمثل يوم القيامة كما يمثل الموت بصورة كبش وغير ذلك، فما بالك بالأجسام؟ ومن الحكمة في تمثيل الشمس والقمر أن عبادهما يعتقدون لهما الحياة، والمشهور بعبادة الناس له من الحيوان العجل فمثلاً من جنسه، وفي الفتح (( قال الإسماعيلي: لا يلزم من جعلها في النار تعذيبهما، فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذاباً وآلة من آلات العذاب وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة )) فأنت ترى شهادة القرآن والأحاديث الصحيحة لحديث أبي هريرة، ولم يثبت عن كعب شيء، ولو ثبت لكان المعقول أنه هو الآخذ لذلك عن أبي هريرة أو غيره من الصحابة
وقول الحسن لأبي سلمة (( وما ذنبهما )) قد عرفت جوابه، وهو يمثل حال أهل العراق في استعجال النظر فيما يشكل عليهم. وجواب أبي سلمة يمثل حال علماء الحجاز في التزام ما يقضي به كمال الإيمان من المسارعة إلى القبول والتسليم ثم يكون النظر بعد، وجوابه وسكوت الحسن يبين مقدار كمال الوثوق من علماء التابعين بأبي هريرة وثقته وإتقانه وأن ما يحكى مما يخالف ذلك إنما هو من اختلاق أهل البدع، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن ابن عوف من كبار أئمة التابعين بالمدينة مكثر الرواية عن الصحابة كأبي قتادة وأبي الدرداء وعائشة وأم سلمة وابن عمر وأبي هريرة، فهو من أعلم الناس بحال أبي هريرة في نفسه وعند سائر الصحابة رضي الله عنهم(177/192)
قال أبو رية ص 174 (( وروى الحاكم في المستدرك والطبراني ورجاله رجال الصحيح عن أبي هريرة أن النبي قال: إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك رجلاه في الأرض عنقه مثنية تحت العرش وهو يقول: سبحانك ما أعظم شانك، فيرد عليه: ما يعلم ذلك من حلف بي كاذباً، وهذا الحديث من قول كعب الأحبار ونصه: إن لله ديكا عنقه تحت العرش وبراثنه في أسفل الأرض، فإذا صاح صاحت الديكة فيقول: سبحان القدوس الملك الرحمن لا إله غيره ))
أقول: عزا هذا إلى نهاية الأرب للنويري، والنويري أديب من أهل القرن السابع، ولا يدرى من أين أخذ هذا، والحديث يروى عن جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة، منهم جابر والعرس بن عميرة وعائشة وثوبان وابن عمر وابن عباس وصفوان بن عسال وأبو هريرة.
ذكر ابن الجوزي حديث جابر والعرس في الموضوعات، وتعقبه السيوطي وذكر رواية الآخرين. راجع اللآلي المصنوعة 32:1. أما عن أبي هريرة فهو من طريق إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، ومعاوية لم يخرج له مسلم وأخرج له البخاري حديثاً وا حداً متابعة، وقد قال فيه أبوزرعة ((شيخ واه )) ووثقة بعضهم، والمقبري اختلط قبل موته بأربع سنين، ولفظ الخبر مع ذلك مخالف لما نسبه النويري إلى كعب
قال أبو رية (( وروى أبو هريرة أن رسول الله قال: النيل وسيحان وجيحان والفرات من أنهار الجنة، وهذا القول نفسه رواه كعب إذ قال: أربعة أنهار وصفها الله عزوجل في الدنيا، فالنيل نهر العسل في الجنة، والفرات نهر الخمر في الجنة، وسيحان نهر الماء في الجنة، وجيحان نهر اللبن في الجنة ))
أقول:أما حديث ((سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة )) ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً، وذكر القاضي عياض فيه وجهين ثانيهما أنه كتابة أوبشارة عن أن الإيمان يعم بلادها، وتقريبه أنه بحذف مضاف، أي أنهار أهل الجنة وهم المسلمون.(177/193)
فأما خبر كعب فيروى عن عبد الله بن صالح كاتب الليث- وهو متكلم فيه – فإن صح فإنما أخذ كعب حديث أبي هريرة وزاد فيه ما زاد أخذا من قول الله عزوجل (15:47: مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى )) وكأنه يرى أن في الجنة حقيقة أنهار سميت بأسماء أنهار الدنيا، والله أعلم [ويأتي ص170من كتابي هذا زيادة]
ثم قال أبورية (( وقال ابن كثير في تفسيره إن حديث أبي هريرة في يأجوج ومأجوج...... لعل أبا هريرة تلقاه من كعب، فإنه كان كثيراً ما كان يجالسه ويحدثه ))
أقول: تتمة عبارة ابن كثير (( فحدث به أبو هريرة [عن كعب] فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع فرفعه )) / وفي كلام أبي رية (( وقد روى أحمد هذا الحديث
عن كعب ))، وهذا كذب، إنما قال ابن كثير (( لكن هذا ( يعني المعنى بل بعضه ) قد روى عن كعب.. .... )) وساق بعضه ولم يذكر سنده ولا من أخرجه. وصنيع ابن كثير هنا غير جيد، من أوجه لا أطيل بذكرها
وهذا الحديث مداره على قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة، رواه عن قتادة فيما وقفت عليه ثلاثة: الأول شيبان بن عبد الرحمن في مسند أحمد 523:2. الثاني أبو عوانة في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم 488:4 الثالث سعيد بن أبي عروبة في تفسير ابن جرير 16:16 وسنن ابن ماجه ومسند أحمد 532:2
فأما شيبان وأبو عوانة ففي رايتهما ((.. ...قتادة عن أبي رافع ))(177/194)
وأما سعيد فرواه عنه فيما وقفت عليه ثلاثة: الأول يزيد بن زريع عند ابن جرير وفيه أيضاً ((....قتادة عن أبي رافع )). الثاني عبد الأعلى بن عبد الأعلى عند ابن ماجه وفيه ((.... قتادة قال حدث أبو رافع )) هكذا نقله ابن كثير في تفسيره طبعة بولاق 173:6 وطبعة المنار 333:5 ومخطوط مكتبة الحرم المكي، وهكذا في سنن ابن ماجه نسخ مكتبة الحرم المكي المخطوطة وهي أربع، وطبعة عمدة المطابع بدهلى في الهند سنة 1273، ووقع في أربع نسخ مطبوعة هنديتين ومصريتين ((.. .قتادة قال حدثنا أبو رافع )) مع أن سياق السند من أوله فيها هكذا (( حدثنا أزهر بن مروان ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة.. .. )) فلو كان في الأصل (( قال حدثنا )) لاختصر في الأصول المخطوطة لهذه النسخ الأربع إلى (( ثنا )) كسابقيه في أثناء السند، ولكنه جهل الطابعين، حسبوا أنه لا يقال (( حدث فلان )) وإنما يقال ((حدثنا فلان )) فأصلحوه بزعمهم، وتبع متأخرهم متقدمهم والله المستعان. الثالث روح بن عبادة عند أحمد وفيه ((.. ... قتادة ثنا أبو رافع )) وأحسب هذا خطأ من ابن المذهب راوي المسند عن القطيعي عن عبد الله بن أحمد وفي ترجمته من الميزان واللسان قول الذهبي (( الظاهر من ابن المذهب أنه شيخ ليس بمتقن، وكذلك شيخه(177/195)
ابن مالك، ومن ثم وقع في المسند أشياء غير محكمة المتن ولا الإسناد )) ومن المحتمل أن يكون الخطأ من روح، فإن كلا من يزيد وعبد الأعلى أثبت منه، وقتادة مشهور بالتدليس فلو كان الخبر عند سعيد عنه مصرحاً فيه بالسماع لحرص سعيد على أن يرويه كذلك دائماً بل أطلق أبو داود أن قتادة لم يسمع من أبي رافع، وظاهره أنه لم يسمع منه شيئاً، ولكن نظر فيه ابن حجر، على كل حال فلم يثبت تصريح قتادة في هذا بالسماع فلم يصح الخبر عن أبي رافع، وأبو رافع هو نفيع البصري مخضرم ثقة لا يظن به أن يخطيء الخطأ الذي أشار إليه ابن كثير، فلو صح الخبر عنه لزم تصحيحه عن أبي هريرة، ولو صح عن أبي هريرة لصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح مع ذلك أن كعباً أخبر بما يشبهه لكان محمله الطبيعي أن كعباً سمع الحديث من أبي هريرة أو غيره من الصحابة فاقتبس منه خبره، لكن الخبر لم يصح عن أبي رافع فلم يصح عن أبي هريرة فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ندري ممن سمعه قتادة، والله أعلم
قال أبو رية (( وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: إن الله خلق آدم على صورته. وهذا الكلام قد جاء في الإصحاح الأول من التوراة ونصه هناك: وخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه ))
أقول: قد علم الجن والإنس أن في الكتاب الموجود بأيدي أهل الكتاب مسمى بالتوراة ما هو حق وما هو باطل وأن في القرآن كثيرا من الحق الذي في التوراة وكذلك في السنة، فإذا كان هذا منه كان ماذا؟ والكلام في معناه معروف[وذكر رواية (على سورة الرحمن) وهذا جاء من حديث ابن عمر، قال ابن حجر في الفتح 133:5 ورجاله ثقات ]
وعلق أبورية في الحاشية بذكر ما ورد في سياق الحديث أن طول آدم كان
ستين ذراعاً، فلم يزل الخلق ينقص، واستشكال ابن حجر له بما يوجد من مساكن الأمم السالفة(177/196)
أقول: لم يتحقق بحجة قاطعة كم مضى للجنس البشري منذ خلق آدم؟ وما في التوراة لا يعتمد عليه، وقد يكون خلق ستين ذراعاً فلما أهبط إلى الأرض نقص من طوله دفعة واحدة ليناسب حال الأرض إلا أنه بقي أطول مما عليه الناس الآن بقليل ثم لم يزل ذلك القليل يتناقص في الجملة. والله أعلم وفي فتح الباري 60:6 (( روى ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن أبي بن كعب مرفوعاً: إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق ))
وقال في حاشية ص 175 (( وأنكر مالك هذا الحديث وحديث إن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة، وأنه.. ... يدخل في النار يده حتى يدخل من أراد إنكاراً شديداً ))
أقول: لم يذكر أبو رية مصدره إن كان له مصدر، والحديث الثالث أحسبه يريد به حديث الصحيحين عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً، وفيه (( فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواماً )) ومالك رحمه الله يؤمن بهذه الأحاديث ونظائرها الكثيرة في الكتاب والسنة
/ قال (( وحديث كشف الساق من رواية أبي هريرة في الصحيحين.. .))
أقول:هذا كذب، وإنما هو في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري، وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود، وآخر من حديث أبي موسى، رضي الله عنهم
قال أبو رية ص 175 (( ولما ذكر كعب صفة النبي في التوراة قال أبو هريرة في صفته صلى الله عليه وسلم: لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا سخاباً في الأسواق، وهذا من كلام كعب كما أوردناه من قبل ))(177/197)
أقول: ثبتت هذه الفقرة في خبر عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة، وجاء نحوه عن عبد الله بن سلام وعن كعب كما ص 71. أما أبوهريرة ففي المسند 448:2 من طريق صالح مولى التوأمة وهو ضعيف: (( سمعت أبا هريرة ينعت النبي صى الله عليه وسلم فقال:: كان شبح الذراعيين أهدب أشفار العينين بعيد ما بين المنكبين يقبل إذا أقبل جميعاً ويدبر إذا أدبر جميعاً )) زاد بعض الرواة (( بأبي وأمي، لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا سخاباً بالأسواق )) وقد علم أبو هريرة معنى هذه الفقرة يقيناً بالمشاهدة والصحبة، فأي شيء عليه في أخذ لفظها مما ذكره عبد الله بن عمرو أو غيره ؟
قال (( وروى مسلم عن أبي هريرة: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة.. . )) وقد قال البخاري وابن كثير وغيرهما: إن أبا هريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب الأحبار لأنه يخالف نص القرآن في أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ))
أقول: هذا الخبر رواه جماعة عن ابن جريج قال (( أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال: أخذ.. ... )) وفي الأسماء والصفات للبيهقي ص 176 عن ابن المديني أن هشام بن يوسف رواه عن ابن جريج
وقد ا ستنكر بعض أهل الحديث هذا الخبر، ويمكن تفصيل سببب الاستنكار بأوجه:
الأول أنه لم يذكر خلق السماء، وجعل خلق الأرض في ستة أيام
الثاني أنه جعل الخلق في سبعة أيام
/ والقرآن يبين أن خلق السموات والأرض كان في ستة أيام، أربعة منها للأرض ويومان للسماء(177/198)
الثالث أنه مخالف للآثار القائلة: إن أول الستة يوم الأحد، وهو الذي تدل عليه أسماء الأيام: الأحد- الاثنان- الثلاثاء- الأربعاء- الخميس
فلهذا حاولوا إعلاله، فأعله ابن المديني بأن إبراهيم بن أبي يحيى قد رواه عن أيوب، قال ابن المديني: (( وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا عن إبراهيم ابن أبي يحيى )) انظر الأسماء والصفات ص 276، يعني و إبراهيم مرمي بالكذب فلا يثبت الخبر عن أيوب ولا من فوقه
ويرد على هذا أن إسماعيل بن أمية ثقة عندهم غير مدلس، فلهذا والله أعلم لم يرتض البخاري قول شيخه ابن المديني وأعل الخبر بأمر آخر فإنه ذكر طرفه في ترجمة أيوب من التاريخ 1/ 1/ 413 ثم قال (( وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب. وهو أصح )) ومؤدى صنيعه أن يحدس أن أيوب أخطأ، وهذا الحدس مبني على ثلاثة أمور:(177/199)
الأول : استنكار الخبر لما أمر. الثاني : أن أيوب ليس بالقوي وهو مقل لم يخرج مسلم إلا هذا الحديث لما يعلم من الجمع بين رجال الصحيحين، وتكلم فيه الأزدي ولم ينقل توثيقه عن أحد من الأئمة إلا أن ابن حبان ذكره في ثقاته وشرط ابن حبان في التوثيق فيه تسامح معروف. الثالث الرواية التي أشار إليها بقوله (( وقال بعضهم )) وليته ذكر سندها ومتنها فقد تكون ضعيفة في نفسها وإنما قويت عنده للأمرين الآخرين. ويدل على ضعفها أن المحفوظ عن كعب وعبد الله بن سلام ووهب بن منبه ومن يأخذ عنهم أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد وهو قول أهل الكتاب المذكور في كتبهم وعليه بنوا قولهم في السبت، انظر الأسماء والصفات ص 272و 275 وأوائل تاريخ ابن جرير. وفي الدر المنثور 91:3 (( أخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، وجعل كل يوم ألف سنة )) وأسنده ابن جرير في أوائل التاريخ 22:1- الحسينية واقتصر على أوله (( بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والإثنين )) فهذا يدفع أن يكون ما في الحديث من قول كعب
وأيوب لا بأس به وصنيع ابن المديني يدل على قوته عنده. وقد أخرج له مسلم في صحيحه كما علمت وإن لم يكن حده أن يحتج به في الصحيح. فمدار الشك في هذا الحديث على الاستنكار، وقد يجاب عنه بما يأتي:(177/200)
أما الوجه الأول فيجاب عنه بأن الحديث وإن لم ينص على خلق السماء فقد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس النور وفي السادس الدواب وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة، والنور والحرارة مصدرهما/ الأجرام السماوية. والذي فيه أ ن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام، لم يذكر ما يدل على أن جملة ذلك خلق النور والدواب، وإذ ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل على أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئاً، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت في التطور بما أودعه الله تعالى فيها. والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن
ويجاب عن الوجه الثاني بأنه ليس في هذا الحديث أنه خلق في اليوم السابع غير آدم، وليس في القرآن ما يدل على أن خلق آدم كان في الأيام الستة بل هذا معلوم البطلان. وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض عمار قبل آدم عاشوا فيها دهراً فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السموات والأرض
فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان يتضح لك إن شاء الله أن دعوى
مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت ولله الحمد
وأما الوجه الثالث فالآثار القائلة أن ابتداء الخلق يوم الأحد ما كان منها مرفوعاً فهو أضعف من هذا الحديث بكثير، وأما غير المرفوع فعامته من قول عبد الله بن سلام وكعب ووهب ومن يأخذ عن الاسرائيليات. وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليداً لأهل الكتاب، فجاء الإسلام وقد اشتهرت وانتشرت فلم ير ضرورة إلى تغييرها، لأن إقرار الأسماء التي قد عرفت واشتهرت وانتشرت لا يعد اعترافاً بمناسبتها لما أخذت منه أو بنيت عليه، إذ قد أصحبت لا تدل على ذلك وإنما تدل على مسمياتها فحسب، ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي، فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام(177/201)
وقد ذكر السهيلي في الروض الأنف 271:1 هذه القضية وانتصر لقول ابن إسحاق وغيره الموافق لهذا الحديث حتى قال (( والعجب من الطبري على تبحره في العلم كيف خالف مقتضى هذا الحديث وأعنق في الرد على ابن إسحاق وغيره ومال إلى قول اليهود إن الأحد هو الأول.. .. ))
وفي بقية كلامه لطائف: منها إن تلك التسمية خصت خمسة أيام لم يأت في القرآن منها شيء، وجاء فيه اسما اليومين الباقيين– الجمعة والسبت– لأنه لا تعلق لها بتلك التسمية المدخولة
ومنها أنه على مقتضى الحديث يكون الجمعة سابعاً وهو وتر مناسب لفضل الجمعة كما ورد (( إن الله وتر يحب الوتر )) ويضاف إلى هذا يوم الإثنين فإنه على هذا الحديث يكون الثالث وهو المناسب لفضله، وفي الصحيح: (( فيه ولدت وفيه أنزل علي )) فأما الخميس فإنما ورد فضل صومه وقد يوجه ذلك بأنه لما امتنع صوم اليوم الفاضل وهو الجمعة لأنه عيد الأسبوع عوض عنه بصوم اليوم الذي قبله، وفي
ذلك ما يقوي شبه الجمعة بالعيد، وفي الصحيحين في حديث الجمعة (( نحن الآخرون السابقون.. . )) والمناسب أن يكون اليوم الذي للآخرين هو آخر الآيام
هذا وفي البداية لابن كثير 71:1 (( وقد رواه النسائي في التفسير عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن محمد بن الصباح عن أبي عبيدة الحداد عن الأخضر بن عجلان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن أبي رباح عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فقال: يا أبا هريرة إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت )) وذكر بتمامه بنحوه. فقد اختلف على ابن جريج ))
أقول: في صحة هذه الرواية عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح نظر لا أطيل ببيانه، فمن أحب التحقيق فليراجع تهذيب التهذيب 213:7 وفتح الباري 511:8 ومقدمته ص 373 وترجمتي أخضر وعثمان بن عطاء من الميزان وغيره. والله الموفق(177/202)
ثم قال أبو رية (( ومن العجيب أن أبا هريرة قد صرح في هذا الحديث بسماعه من النبي صلى الله عيه وسلم وأنه قد أخذ بيده حين حدثه به. وإني لأتحدى الذين يزعمون في بلادنا أنهم على شيء من علم الحديث وجميع من هم على شاكلتهم في غير بلادنا أن يحلوا لنا هذا المشكل،وأن يخرجوا بعلمهم الواسع شيخهم من الهوة التي سقط فيها.. .. ))
أقول: لم يقع شيخنا رضي الله عنه في هوة، ولا قال أحد من أهل العلم إنه وقع فيها، أما إذا بنينا على صحة الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الحق إن شاء الله فواضح، وأما على ما زعمه ابن المديني فلم يصح عن أبي هريرة ولا عمن روى عنه ولا عن الثالث شيء من هذا، لا قوله (( أخذ رسول الله بيدي فقال )) ولا قوله (( خلق الله التربة.. .))
وأما على حدس البخاري فحاصله أن أيوب غلط، وقع له عن أبي هريرة خبران، أ حدهما (( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال )) فذكر حديثاً صحيحاً غير هذا. والثاني (( قال كعب: خلق الله التربة يوم السبت.. . )) فالتس المقولان على أيوب فجعل مقول كعب موضع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم ص 117 وقول بسر بن سعيد أنه سمع بعض من كان معهم في مجلس أبي هريرة (( يجعل ما قاله كعب عن رسول الله، وما قاله رسول الله عن كعب ))
أما البيهقي فلم يقل شيئاً من عنده إنما قال (( زعم بعضهم أن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى.. .. )) فذكر قول ابن المديني
وأما ابن كثير فإنما قال (( فكأن هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صحفه فوهم بعض الرواه فجعله مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأكد رفعه بقوله: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي )) فابن كثير جعل هذه الجملة من زيادة الراوي الواهم (( وهو أيوب في حدس البخاري ) وهذا أيضاً لا يمس أبا هريرة، ولكن الصواب ما تقدم(177/203)
ثم قال أبورية ص 176 ((وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحر ب،وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته فكنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها.. . وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته )) [في كتاب أبي رية إساءته]
أقول: هذا الخبر نظر فيه الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد من الميزا ن وابن حجر في الفتح 92:11: لأنه لم يرو عن أبي هريرة إلا بهذا السند الواحد: محمد بن عثمان
ابن كرامه،[رواه عن محمد بن عثمان جماعة منهم البخاري] حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة )) ومثل هذا التفرد يريب في صحة الحديث مع أن خالداً له مناكير وشريكاً فيه مقال. وقد جاء الحديث بأسانيد فيها ضعف من حديث علي ومعاذ وحذيفة وعائشة وابن عباس وأنس. فقد يكون وقع خطأ لخالد أو شريك، سمع المتن من بعض تلك الأوجه الأخرى المروية عن علي أو غيره ممن سلف ذكره، وسمع حديثاً آخر بهذا السند ثم التبسا عليه فغلط، روى هذا المتن بسند الحديث الآخر. فإن كان الواقع هكذا فلم يحدث أبو هريرة بهذا، / وإلا فهو جملة من الأحاديث التي تحتاج ككثير من آيات القرآن إلى تفسير، وقد فسره أهل العلم بما تجده في الفتح وفي الأسماء والصفات ص 345-348 وقد أومأ البخاري إلى حاله فلم يخرجه إلا في باب التواضع من كتاب الرقاق
قال أبو رية (( ومن له حاسة شم الحديث يجد في هذا الحديث رائحة إسرائيلية ))(177/204)
أقول: قد علمنا أن كلام الأنبياء كله حق من مشكاة واحدة، وأن الرب الذي أوحى إلى أنبياء بني إسرائيل هو الذي أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم. ولو جاز الحكم بالرائحة لما ساغ أدنى تشكك في حكم البخاري لأنه أعرف الناس برائحة الحديث النبوي، وبالنسبة إليه يكون أبو رية اخشم فاقد الشم أو فاسده
وعلق في الحاشية أيضاً (( يبدو أن أستاذ أبي هريرة في هذا الحديث هو وهب بن منبه، فقد وقع في الحلية في ترجمة هذا.. إني لأجد في كتب الأنبياء أن الله تعالى يقول: ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن ))
أقول: في سنده من لم أعرفه، وقد ذكروا أن وهباً روى عن أبي هريرة، ولم يذكروا أن أبا هريرة حكى شيئاً عن وهب، ووهب صغير إنما ولد في أواخر خلافة عثمان، وإن صح حديث البخاري عن أبي هريرة فالمعقول إن كان أحدهما أخذ عن الآخر أن يكون وهب أخذه عن أبي هريرة أو بلغه عنه. ووهب مع صغره مولود في الإسلام من أبوين مسلمين فتوسعه في قراءة كتب الأوائل إ نما يكون في كبره بعد وفاة أبي هريرة بمدة. وهذا تنازل مني إلى عقل أبي رية وأشباهه، فأما الحقيقة فمكانة أبي هريرة رضي الله عنه أعلى وأشمخ وأثبت وأرسخ من أن يحتاج للدافع عنه إل مثل ما ذكرت
ثم قال أبورية ص 177 (( وقد بلغ من دهاء كعب الأحبار واستغلاله لسذاجة أبي هريرة وغفلته أن كان يلقنه ما يريد بثه في الدين الإسلامي من خرافات وترهات، حتى إذا رواها أبو هريرة عاد فصدق أبا هريرة.. .. وإليك مثلاً من ذلك.. ... روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، اقرأوا ما شئتم ( وظل ممدود ). ولم يكد أبو هريرة يروي هذا الحديث حتى أسرع كعب فقال: صدق، والذي أنزل التوراة على موسى و الفرقان على محمد.. .. ومن العجيب أن يروي هذا الخبر الغريب وهب بن منبه.. ))(177/205)
أقول: عزا أبو رية هذا إلى تفسير ابن كثير 513:4-514 كذباً، وأبدله في التصويبات 289:4، وهو كذب أيضاً، وإنما ذكر ابن كثير الحديث وما يتعلق به 187:8-189، ذكره من حديث أربعة/ من الصحابة ثلاثةفي الصحيحين أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وسهل بن سعد، وواحد في صحيح البخاري فقط وهو أنس، قال ابن كثير (( فهذا حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل متواتر مقطوع بصحته عند أئمة الحديث )) ولم أجد هناك ذكرا لوهب، إنما ذكر ابن كثير أثرا ً عن ابن عباس بمعنى الحديث وفيه زيادة، وقال هذا أثر غريب إسناده جيد قوي حسن )) وأين ابن عباس من وهب بن منبه؟ ( فاعتبروا يا أولي الأبصار )
ثم قال أبو رية (( ضعف ذاكرته: كان أبو هريرة يذكر عن نفسه أنه كان كثير النسيان لا تكاد ذاكرته تمسك شيئاً مما سمعه، ثم زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فأصبح لا ينسى شيئاً يصل إلى أذنه، وقد ذكر ذلك كي يسوغ كثرة أحاديثه ويثبت في أذهان السامعين صحة ما يرويه ))
أقول: في باب ما جاء في الغرس في صحيح البخاري من طريق الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة ((.. ... وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أفضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئاً أبداً. فبسطت نمرة.. .. ثم جمعتها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا )) هذه الرواية صريحة في اختصاص عدم النسيان بما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم في ذاك المجلس
وفي باب الحجة على من قال الخ من كتاب الاعتصام من صحيح البخاري أيضاً من طريق الزهري عن الأعرج أيضاً عن أبي هريرة ((.. .. وقال: من يبسط رداءه حتى أفضي مقالتي ثم يقبضه فإنه لن ينسى شيئاً سمعه مني.فبسطت بردة كانت علي فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئاً سمعته منه ))
في هذه الرواية إطلاق، ولكن السياق ونص الرواية الأولى يقضي بالتقييد(177/206)
وفي أوائل البيوع من صحيح البخاري أيضاً من طريق الزهري عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة ((.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أفضي مقالتي هذه ثم يجمع ثوبه إلا وعى ما أقول: فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى رسول الله مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله تلك من شيء ))
وهذه الرواية صريحة في الاختصاص أيضاً
وفي باب حفظ العلم من صحيح البخاري أيضاً من طريق ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة: قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه. قال: ابسط رداءك، قال فبسطته، قال فغرف بيديه/ ثم قال: ضم. فضممت، فما نسيت شيئاً بعد ))
هذه الرواية تصف فيما يظهر واقعة أخرى، فكأن أبا هريرة لما استفاد من الواقعة الأولى حفظ المقالة التي حدث بها النبي صلى الله عليه وسلم في ذاك المجلس على وجهها رغب في المزيد فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ((إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه )) وهذا القول لا يقتضى كما لا يخفى نسيان كل ما يسمع ولا نسيان المقالة التي تقدم خبرها. على أن المنهوم قد يحمله حرصه على المبالغة في الشكوى. وتقدم ص 100 ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة بأنه أحرص الصحابة على العلم، وقد تقدم ص105 ما يتعلق بذلك، وليس في هذه الرواية ذكر نص عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدم النسيان لشيء بعد ذلك، وإنما فيها قول أبي هريرة فما نسيت شيئاً بعد)) يعني شيئاً من الحديث لأن الشكوى إنما كانت من نسيانه، وهذه الكلمة بناها على اعتقاده حين قالها فلا يمتنع أن نسي بعد ذلك شيئاً من الحديث أو أن يتبين أنه قد كان نسي ولم يستحضر ذلك(177/207)
ثم قال أبو رية ص 178 (( روى مسلم عن الأعرج قال: سمعت أبا هريرة يقول: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ،والله الموعد، كنت رجلاً مسكيناً أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فقال رسول الله: من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه مني. فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه ثم ضممته إلى فما نسيت شيئاً سمعته منه
قال مسلم: إن مالكاً انتهى حديثه عند انقضاء قول أبي هريرة. ولم يذكر في حديثه الرواية عن النبي: من يبسط ثوبه الخ. ولا ريب في أن رواية مالك هي الصحيحة لأن الكلام بعد ذلك مفكك الأوصال، ولا صلة بينه وبين الذي قبله ))
أقول: كلمة أبي رية الأخيرة (( لا ريب أن رواية مالك هي الصحيحة )) تعطي أن الصحيح عن أبي هريرة هوما اقتصر عليه مالك فقط، ولا يخفى أن هذا يناقض قول أبي رية سابقاً (( ثم زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له)) ويناقض كلامه الآتي (( على أن هذه الذاكرة.. .. )) فكلام أبي رية متناقض حتماً، لا مفكك الأوصال فحسب، أما زعمه أن الخبر بتلك الزيادة مفكك الأوصال لا صلة بينه وبين الذي قبله )) فإنما جاء ذلك من اختيار أبي رية للفظ مسلم، والخبر في مواضع من صحيح البخاري مرت الإشارة إليها، وسياقه هناك سليم(177/208)
/ ثم قال أبو رية (( على أن هذه الذاكرة.. .. قد خانته في مواضع كثيرة، وإن ثوبه الذي بسطه قد تمزق لتناثر ما كان بين أطرافه، وإليك أمثلة من ذلك. روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي قال: لا عدوى ولا طيرةولا هامة. وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، ولكن الصحابة عملوا بما يخالفه، فقد روى البخاري عن أسامة بن زيد أن رسول الله قال: إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها. وقد جاء الحديث كذلك عن عبد الرحمن بن عوف. ولما سمع عمر هذين الحديثين وحديث لا يوردن ممرض على مصح- وهو مما رواه أبو هريرة- وكان قد خرج إلى الشام ووجد الوباء عاد بمن معه، وقد اضطر أبو هريرة إزاء هذه الأخبار القوية إلى أن يعترف بنسيانه، ثم أنكر روايته الأولى، وفي رواية أنس: قال الحارث بن [أبي] ذباب ابن عم أبي هريرة، قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع حديث لا يوردن ممرض على مصح الخ حديث لا عدوى، فأنكر معرفته لذلك، ووقع عند الإسماعيلي من رواية شعيب: فقال الحارث ابن عم أبي هريرة: إنك حدثتنا، فأنكر أبو هريرة وغضب، وقال: لم أحدثك ما تقول ))
أقول: ها هنا أمور تبين لنا تهور أبي رية ومجازفته:
الأول:حديث ((لا عدوى)) لم ينفرد به أبو هريرة، بل هو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر وأنس، وفي صحيح مسلم وغيره من حديث جابر(177/209)
الثاني: أن عمل الصحابة ليس مخالفاً له، وقد جمع بينهما أهل العلم بما هو معروف، ولبعض العصريين قول سأحكيه لينظر فيه. زعم أن العرب كانوا يعتقدون أن العدوى تحصل بالمجاورة وحدها بدون سبب آخر، حتى لو كان في شعر امرأة وثيابها قمل كثير فقامت إلى جانبها امرأة أخرى ثم بعد أيام قمل شعر الأخرى وثيابها لما سموا هذا عدوى، لأنهم يعرفون أنه لم يكن للمجاورة نفسها وإنما دب الفعل من تلك إلى هذه ثم تكاثر، قال وحديثا (( لا يورد ممرض على مصح )) و (( فر من المجذوم فراراك من الأسد )) يفيدان انتقال الجرب والجذام، وقد ثبت أنه لا يكون بالمجاورة نفسها وإنما يكون بانتقال ديدان صغيرة جداً من هذا إلى ذاك فهو من قبيل انتقال القمل وليس من العدوى بالمعنى الذي كانوا يعتقدون
الثالث: أن المنقول أن عمر رجع لخبر عبد الرحمن بن عوف وحده، ولم ينقل أن عمر يخبر أسامة ولا خبر (( لا يورد ممرض على مصح )) كما زعم أبو رية
الرابع: أن الخبر في الطاعون استفاض في عهد عمر، وبقي أبو هريرة يحدث بحديث (( لا عدوى )) زمانا بعد ذلك، حتى سمعه منه أبوسلمة وغيره ممن لم يدرك عمر
الخامس: قول أبي رية (( وقد اضطر.. .... )) يعطي أن أبا هريرة لم ينس الحديث، فما معنى قوله بعد ذلك (( وأن يعترف بنسيانه )) مع إيراده القصة شاهداً على النسيان كما زعم ؟
السادس: لم يأت أبو رية بدليل ولا شبه دليل على دعواه أن أبا هريرة اعترف بأنه نسي(177/210)
السابع: اختلف الرواة عن الزهري في حكاية القصة، وأحسنهم سياقاً يونس بن يزيد الأيلي، وقد شهد له ابن المبارك بأن كتابه صحيح وأنه كتب حديث الزهري على الوجه، أي كما تلفظ به الزهري، وفي روايته في صحيح مسلم بعد كلام الحارث (( فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك وقال: لا يورد ممرض على مصح. فماراه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة فرطن بالحبشية فقال للحارث : أتدري ماذا قلت ؟ قال : لا قال أبو هريرة : قلت: أبيت. قال أبو سلمة: ولعمري لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى. فلا أدري نسي أبو هريرة أم نسخ أحد القولين الآخر )) ؟(177/211)
ولو صرح أبو هريرة بنفي أن يكون حدثهم من قبل لجزم أبو سلمة بالنسيان،[فأما ما في صحيح البخاري عن أبي سلمة فما رأيته نسي حديثاً غيره فليس هذا جزماً بالنسيان لهذا الحديث، وإنما استثناه لأجل احتماله النسيان كما بينته الرواية الأخرى، وهذه شهادة عظيمة لأبي هريرة لجلالة أبي سلمة وطول ملازمته لأبي هريرة] لكن لما سكت أبا هريرة عن الحديث وامتنع أن يجيبهم سألوه وغضب وقال: أبيت، فهم بعض الرواة من ذلك إنكاره، فعبر بعضهم عن قول أبي سلمة (( فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك )) بقوله (( أنكر أبو هريرة الحديث الأول )) ولا يخفى الفرق، فقوله (( أبى أن يعرف )) إنما معناه: امتنع أن يقول: نعم قد عرفت. وهذا الامتناع لا يفهم منه الإخبار بنفي المعرفة. ثم جاء بعض من بعدهم فعبر عن الإنكار بنسبته أبي هريرة أنه قال (( لم أحدثك )) كما وقع عند الإسماعيلي من طريق شعيب ولا أدري ما سنده؟ وأصل حديث شعبة عند مسلم لكن لم يسق لفظه، وعند الطحاوي في مشكل الآثار 262:2 وليس فيه هذه الكلمة، وكأن أبا هريرة حدث بالحدثين مرة ،فتشكك بعض الناس في الجمع بينهما فرأى أبو هريرة أن التحديث بهما مظنة أن يقع لبعض الناس ارتياب أو تكذيب فاختار الاقتصار على أحدهما وهو الذي يتعلق به حكم عملي: (( لا يورد ممرض على مصح )) وسكت على الآخر وود أن لا يكون حدث به قبل ذلك، فلما/ سئل عنه أبى أن يعترف به راجياً أن يكون في ذلك الإباء ما يمنع الذين كانوا سمعوا منه أن يحدثوا به عنه
وذكر أبو رية ص179 قصة ذي اليدين وقال (( في رواية البخاري أنها صلاة العصر، وفي رواية النسائي ما يشهد أن الشك كان من أبي هريرة وهذا لفظه: صلى النبي إحدى صلاتي العشي ولكني نسيت ))(177/212)
أقول الحديث عند النسائي من طريق (( ابن عون عن محمد بن سيرين قال: قال أبو هريرة. صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي. قال قال أبو هريرة: ولكني نسيت.. ... )) وهو في صحيح البخاري في كتاب المساجد، باب تشبيك الأصابع الخ من طريق (( ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي. قال ابن سيرين قد سماها أبو هريرة ولكني نسيت أنا.. . وكلتا الروايتين من طريق ابن عون عن ابن سيرين. فإن رجحنا رواية الصحيح فذاك وإلا فلا يتم الاستشهاد مع التعارض. على أ ن النسيان هنا لا أثر له، فإن ذلك الحكم إذ ثبت لأحدى الصلاتين ثبت للأخرى إجماعاً
قال أبو رية (( ولما روى أن رسول الله قال: لأن يمتليء جوف أحدكم قيحاً ودما خير من أن يمتليء شعراً، قالت عائشة: لم يحفظ، إنما قال.... من أن يمتليء شعراً هجيت به ))
أقول: قال الله تبارك وتعالى ( والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون مالا يفعلون، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا ) الآية
وقال البخاري في صحيحه (( باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء الخ))
وذكر أحاديث، ثم قال (( باب هجاء المشركين )) وذكر أحاديث، ثم قال باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن )) وأخرج فيه حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (( لأن يمتليء جوف أحدكم قيحاً خيراً له من أن يمتليء شعراً )) ومن حديث أبي هريرة، (( لأن يمتليء جوف رجلاً قيحاً يريه خير من أن يمتليء شعراً ))، وأخرج مسلم في صحيحه حديث أبي هريرة ثم أخرج مثله من حديث سعد ابن أبي وقاص، ثم من حديث أبي سعيد الخدري مثله بدون كلمة (( يريه )) وقد جاء الحديث في غير الصحيحين عن غير هؤلاء من الصحابة.(177/213)
وأما ما ذكره أبو رية عن عائشة فهو من رواية الكلبي وهو كذاب، عن أبي صالح مولى أم هانئ وهو واه. والإناء إذا امتلأ بشيء لم يبق فيه متسع لغيره، فمن امتلأ جوفه شعراً امتنع أن يكون ممن استثني في الآية ووصف بقوله (( وذكروا الله كثيراً )) وهذا بحمد الله واضح. وقد علق أبو رية في الحاشية ما لاحاجة بنا بعد ما مر إلى النظر فيه
/ ثم قال أبو رية ص 180 (( ومن عجيب أمر الذين يثقون بأبي هريرة ثقة عمياء أنهم يمنعون السهو والنسيان عنه، ولا يتحرجون من أن ينسبوهما إلى النبي صلوات الله عليه.. .... ))
أقول: لم يمنع أحد أن يسهو أبو هريرة أو ينسى، ولكننا تصديقا للنبي صلى الله عليه وسلم و إيماناً به وببركة دعائه نقول: إن أبا هريرة لم ينس شيئاً من المقالة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن ينسى منها شيئاً وأنه فيما عداها من الحديث كان من أحفظ الناس له ومن الناس من فهم أن خبر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم النسيان يعم ما سمعه أبو هريرة منه في مجلسه ذلك وبعده وقد مر النظر في ذلك. والخير والفضل والكمال في ذلك كله عائد إلى الله ورسوله، فأما ما عدا الحديث فلم يقل أحد إن أبا هريرة لا يسهو ولا ينسى.
ثم قال ص 181 ((.. .... فلم لم يحفظ القرآن ))
أقول: ومن أين لك أنه لم يحفظه؟ غاية الأمر أنه لم يذكر فيمن جمع القرآن في العهد النبوي، والذين ذكروا أفراد قليلون ليسوا من كبار الصحابة. وأبو هريرة من أئمة القراءات وهو فيها أشهر شيخ للأعرج ولأبي جعفر القارئ. وهما أشهر شيوخ نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم أشهر القراء السبعة، وبهذا علم حفظه للقرآن وإتقانه. انظر ترجمته في طبقات القراء رقم 1574
قال (( وكذلك لو كان أبو هريرة قد بلغ هذه الدرجة.. . وهي عدم السهو والنسيان لاشتهر...... ))(177/214)
أقول: قد علمت أن المتحقق هو أنه لم ينس ما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس خاص قد مر بيانه، وكان فيما عدا ذلك من أحفظهم، وهذا لا يرد عليه شيء مما ذكر أبو رية
قال ص 182 (( ولكن الأمر قد جرى على غير ذلك.. .. ))
أقول: أعاد أشياء قد تقدم النظر فيها، ويأتي باقيها
ثم قال (( حفظ الوعاءين. أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: حفظت عن رسول الله وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. وهذا الحديث معارض بحديث.. . عن علي رضي الله عنه فقد سئل: هل عندكم كتاب؟ فقال: لا إلا كتاب الله.. ... أو ما في هذه الصحيفة. وكذلك يعارضه ما رواه البخاري عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ فقال: ما ترك إلا مابين الدفتين، ولوكان هناك شيء يؤثر به النبي صلى الله عليه وسلم أحد خواصه.. .. ))
/ أقول:المنفي في خبري علي وابن عباس هو كتاب مكتوب غير القرآن، ولهذا استثنى علي صحيفته، ولم يقصد أبو هريرة ولا فهم أحد من كلامه أن عنده كتابين
أو كتاباً واحداً، وإنما قصد وفهم الناس عنه أنه حفظ ضربين من الأحاديث: ضرب يتعلق بالأحكام ونحوها مما لا يخاف هو ولا مثله من روايته. وضرب يتعلق بالفتن وذم بعض الناس، وكل أحد من الصحابة كان عنده من هذا هذا، وكانوا يرغبون عن إظهار ما هو من الضرب الثاني، وقد ذكر أبو رية حذيفة وعلمه بالفتن، وكان ربما حدث منه بالحرف بعد الحرف فينكره عليه إخوانه كسلمان وغيره
وقال ص 184 (( ومن هو أبو هريرة ؟ فلا هو من السابقين الأولين، ولا المهاجرين ))(177/215)
أقول: قدمت 103 القول بأنه أسام في بلده قبل الهجرة، وبهذا يكون من السابقين إلى الإسلام، ولم يثبت ما يخالف ذلك. فأما من قال: أسلم عام خيبر، فإنما أراد هجرته وقد ثبت في خبر هجرته أنه قدم مسلماً، فأما الهجرة فهو مهاجر حتماً وإن لم يكن من قريش ولا من أهل مكة، وإنما أسلمت قبيلته بعد أن هاجر بمدة، فقد ثبت أنه وجد النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر عقب الوقعة، وثبت من شعر كعب بن مالك قوله قبيل غزوة الطائف، وذلك بعد خيبر بمدة:
وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
قضينا من تهامة كل ريب
قواقطعهن دوسا أو ثقيفا
نخيرها ولو نطقت لقالت
قال (( ولا من المجاهدين بأموالهم ولا بأنفسهم ))
أقول: بل هو منهم، فقد غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزواته بعد خيبر
وعلق أبو رية في الحاشية (( أثبت التاريخ أنه فر يوم مؤته، ولما عبروه بذلك لم يحر جواباً ))
أقول: لقي المسلمون عدوهم بمؤتة وكان عندهم أكثر من نيف وثلاثين ضعفاً فكان القتال، ثم انحاز خالد بن الوليد بالمسلمين ورجع بهم فكان بعض الناس يصيح
فيهم: يا فرار، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: بل هم الكرار إن شاء الله تعالى
قال (( ولا.. . ولا من المفتين ))
أقول: بل هو من المفتين بلا نزاع، غير أنه لم يمكن من المكثرين لأنه كان يتوقى ويحب أن يكفيه الفتوى غيره كما تقدم ص 123. وفي فتوح البلدان ص 92-93:[ذكره عن أبي محنف والهيثم.، وليس ذلك بحجة، ولكنه يستأنس به حيث لا مخالف له] إن عمر لما ولى قدامة بن مظعون إمارة البحرين بعث معه أبا هريرة على القضاء والصلاة، ثم ولاه الإمارة أيضاً، فترك عمر تولية قدامة القضاء والصلاة مع أنه من السابقين وأهل بدر، وتوليته ذلك أبا هريرة شهادة فا طمة بأن أبا هريرة من علماء الصحابة، وأنه أعلم من بعض السابقين البدريين
قال ص 15 (( ولا من القراء الذين حفظوا القرآن ))
/ أقول: قد تقدم رد هذا آنفاً ص 146(177/216)
قال (( ولا جاء في فضله حديث عن الرسول )) وعلق عليه (( روى البخاري وغيره.. . في فضل طائفة كبيرة من أجلاء الصحابة لم نر فيهم أبا هريرة ))
أقول: نعم، لم يعقد البخاري لذكر أبي هريرة باباً في فضل الصحابة، لكن عنده في كتاب العلم أبواب تخص أبا هريرة كباب حفظ العلم وباب الحرص على العلم وغيره ذلك، وله باب في صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة، وكذا في السنن والمستدرك وغيرها. وقد مضى أثناء الترجمة أشياء من فضائله ويأتي غيرها
وقال ص 185 (( تشيع أبي هريرة لبني أمية ))
أقول: أسرف أبو رية في هذا الفصل سباً وتحقيراً وتهما فارغة، وبحسبى أن أقول: قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين أصحبه أبا هريرة وأوصاه به خيراً. [يأتي تحقيقه فيما بعد] ومن ثم أخذت حال أبي هريرة المالية تتحسن، ولم يتحقق لي متى رجع، وبعد وفاة العلاء بن(177/217)
الحضرمي استعمل عمر مكانه أبا هريرة،[يأتي تحقيقه فيما بعد] وقدم أبو هريرة مرة على عمر بخمسمائة ألف لبيت المال فأخبره فاستكثر ذلك ولم يكد يصدق، وقدم مرة – لا أدري هذه أم بعدها- بمال كثير لبيت المال وقدم لنفسه بعشرة آلاف،[أو عشرين ألفاً كما يأتي بعد]وثبت عن ابن سيرين أن عمر سأل أبا هريرة فأخبره فأغلظ له عمر وقال: فمن أين لك ؟ فقال: خيل نتجت وغلة رقيق لي وأعطيه تتابعت علي[وفي رواية في طبقات ابن سعد 4/2/59 وفتوح البلدان ص93 (( ولكن خيلاً تناجت وسهاما اجتمعت))يريد سهامه من المغانم لأنه كان مع العلاء بن الحضرمي في فتوحه] قال ابن سيرين (( فنظروا فوجدوه كما قال. فلما كان بعد ذلك دعا عمر ليستعمله فأبى أن يعمل له، فقال له: تكره العمل وقد طلبه من كان خيراً منك ؟ طلبه يوسف عليه السلام. فقال: إن يوسف نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة.. . )) انظر البداية 113:8 وابن سيرين من خيار أئمة التابعين، والسند إليه بغاية الصحة. قال ابن كثير (( وذكر غيره أن عمر غرمه )) وسيأتي ذلك. فمن كان له في عهد عمر خيل تناتج ورقيق يغل مع عطائه في بيت المال كغيره من الصحابة، ومع ما كان الأئمة يتعهدون به الصحابة من الأموال زيادة عل المقرر كل سنة بحسب توفر المال في بيت المال، أقول: من كانت هذه حالة كيف يسوغ أن يقال له إنه إنما تمول في عهد بني أمية؟ ويزعم أبو رية- من وحي شيطانه- أن بني أمية أقطعوا أبا هريرة وبنوا مسكنه بالعقيق وبذي الحليفة ويجعله أبو رية قصوراً وأراضي، وأعجب من ذلك زعمه أنهم زوجوه ابنة غزوان، وينعى على أبي هريرة أنه / كان ممن نصر عثمان ( وتلك شكاة ظاهر عنك عارها )) ويزعم أنه مال إل معاوية، وهذه من وحي الشياطين وتقولات الرافضة والقصاصين، ولا نثبت لأبي هريرة صلة بمعاوية إلا أنه وفد إليه بعد استقرار الأمر كله كما كان يفد إليه بنو هاشم وغيرهم، وينعى على استخلاف مروان له على إمرة المدينة، وتقدم(177/218)
ص108
أن ذلك الاستخلاف لم يزد أبا هريرة إلا تواضعاً وانكساراً وتهاوناً بالإمارة، فإن كان لذلك أثر فهو إحياؤه كثيراً من السنة، كما تقدم. وأحاديث أبي هريرة في فضائل أهل البيت معروفة وكذلك محبته لهم وتوقيرهم وشدة إنكاره على بني أمية لما منعوا أن يدفن الحسن بن علي مع جده صلى الله عليه وسلم وقوله لمروان في ذلك (( والله ما أنت بوال، وإن الوالي لغيرك، فدعه، ولكنك تدخل فيما لا يعنيك، وإنما تريد بهذا إرضاء من هو غالب عنك )) يعني معاوية. راجع البداية 108:8 ومن المتواتر عنه تعوذه بالله من عام الستين وإمارة الصبيان، كان يعلن هذا ومعاوية حي، وذلك يعني موت معاوية وتأمر ابنه يزيد وقد كان ذلك عام الستين بعد موت أبي هريرة بمدة
قال أبورية ص188 (( روى البيهقي عنه أنه لما دخل دار عثمان وهو محصور استأذن في الكلام، ولما أذن له قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم ستلقون بعدي فتنة واختلافاً، فقال له قائل من الناس:فمن لنا يا رسول الله.. . أو ما تأمرنا؟ فقال: عليكم بالأمين وأصحابه، وهو يشير إل عثمان وقد أورده أحمد بسند جيد
أقول: الحديث في المستدرك 99:3وفيه (( عليكم بالأمير )) وهو الظاهر وفي سنده مقال لكنه ليس بمنكر. وقول أبي هريرة: (( وهو يشير إلى عثمان )) يريد أنه يفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بقوله (( الأمير )) إل عثمان ولو أراد أبو هريرة – وقد أعاذه الله – أن يكذب لجاء بلفظ صريح مؤكد مشدد
قال (( ولما نسخ عثمان المصاحف دخل عليه أبو هريرة فقال: أصبت ووفقت، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول..... قال فأعجب ذلك عثمان وأمر لأبي هريرة بعشرة آلاف. وهذا الحديث من غرائبه وهو ينطق ولا ريب بأنه ابن ساعته ))
أقول: عزاه أبو رية إل البداية 26:7 وهو هناك من رواية الواقدي وهو متروك مرمي بالكذب عن [أبي بكر بن عبد الله بن محمد] بن أبي سبرة وهو كذاب يضع الحديث(177/219)
/ قال (( ومن غرائبه كذلك ما رواه البيهقي قال: أصبت بثلاث مصيبات.... )) ذكر قصة المزود مطولة، وأسرف أبو رية في التندر والاستهزاء وعزا الخبر إلى البداية 117:6 وهو مروي من طرق في أسانيدها ضعف، واللفظ الذي ساقه أبو رية من رواية يزيد بن أبي منصور الأزدي عن أبيه عن أبي هريرة، وأبو منصور الأزدي مجهول ولا يدرى أدرك أبا هريرة أم لا؟ وفيه أن المزود ذهب حين قتل عثمان
قال أبو رية (( وهذا الحديث رواه عنه أحمد ولكن قال فيه.. . وعلقه في سقف البيت.. .. ))
أقول: أما هذه الرواية فرجالها ثقات، ولفظه (( أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من تمر فجعلته في مكتل فعلقناه في سقف البيت، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره أصابه أهل الشام حيث أغاروا على المدينة )) يعني مع بسر بن أرطأة، وذلك بعد قتل عثمان بمدة وهذه الرواية الأخيرة ليس فيها ما ينكر والظاهر أن الإعطاء كان في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم
وقد جاءت أحاديث كثيرة بمثل هذا من بركة ما يدعو فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى متواتر قطعاً، حتى كان عند الصحابة كأنه من قبيل الأمور المعتادة من كثرة ما شاهدوه ومن يؤمن بقدرة الله عزوجل وإجابته دعاء نبيه وخرق العادة لا يستنكر ذلك، نعم يتوقف عما يرويه الضعفاء والمجهولون لأن من شأن القصاص وأضرابهم أن يطولوا القضايا التي من هذا القبيل ويزيدوا فيها ويغيروا في أسانيدها، والله المستعان
قال أبو رية ص189 (( ومما [زعم المفتري أن أبا هريرة] وضعه في معاوية ما أخرجه الخطيب عنه: ناول النبي صلى الله عليه وسلم معاوية سهماً فقال خذ هذا السهم حتى تلقاني في الجنة ))(177/220)
أقول: في سنده وضاح بن حسان عن وزير بن عبد الله – ويقال ابن عبد الرحمن – الجزري عن غالب بن عبيد الله العقيلي، وهؤلاء الثلاثة كلهم هلكى متهمون بالكذب، ورابعهم أبو رية القائل إن أبا هريرة كيت وكيت. والخبر أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، وقد تفتن فيه الكذابون فرووه من حديث حابر، ومن حديث أنس، ومن حديث ابن عمر، وغير ذلك. راجع اللآلي المصنوعة 219:1
قال: (( وأخرج ابن عساكر وابن عدي والخطيب البغدادي عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله ائتمن على وحيه ثلاثاً أنا وجبريل ومعاوية..))
أقول وهذا أيضاً من أحاديث الموضوعات، راجع اللآلي المصنوعة 216:1-218 وقد تلاعب به الكذابون فرووه تارة عن واثلة وتارة عن أنس وتارة عن أبي هريرة، ورووا نحوه في أمانة معاوية من حديث علي وابن عباس وعبادة بن الصامت وجابر وابن عمر وعبد الله بن بسر. فإن لزم من نسبة الخبرين إلى أبي هريرة ثبوتهما عنه لزم ثبوتهما عمن ذكر معه من الصحابة، بل يلزم في جميع الأحاديث الضعيفة والموضوعة ثبوتها عمن نسبت إليهم من الصحابة. ومعنى هذا أن كل فرد من أفراد الرواة معصوم عن الكذب والغلط إلا الصحابة .
ولا ريب أن في الرواة المغفل والكذاب والزنديق، ولعل أبا رية أن يكون خيراً من بعضهم فيكون معصوماً فلماذا لا يستغني بهذه العصمة ويطلق أحكامه كيف يشاء ويريح نفسه وغيره من طول البحث والتفتيش في الكتب؟
قال (( ونظر أبو هريرة إلى عائشة بنت طلحة.. . فقال.. . والله ما رأيت وجهاً أحسن منك إلا وجه معاوية على منبر رسول الله ))
أقول: عزاه إلى العقد الفريد، والحكاية فيه بلا سند، وحاول صاحب الأغاني إسنادها على عادته فلم يجاوز بها المدائني وبين المدائني وأبي هريرة نحو قرن ونصف، وهؤلاء سمريون إذا ظفروا بالنكتة لم يهمهم أصدقاً كانت أم كذباً، والعلم وراء ذلك(177/221)
قال (( ولقد بلغ من مناصرته لبني أمية أنه كان يحث الناس على ما يطالب به عمالهم من صدقات، ويحذرهم أن يسبوهم. قال العجاج قال لي أبو هريرة: ممن أنت ؟ قلت من أ هل العراق. قال يوشك أن يأتيك بقعان الشام فيأخذوا صدقتك، فإذا أتوك فتلقهم بها، فإذا دخلوها فكن في أقاصيها وخل عنهم وعنها، وإياك إن تسبهم فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك، وإن صبرت جاءت في ميزانك يوم القيامة ))
أقول: عزاه إلى الشعر والشعراء لابن قتيبة، والحكاية فيه بلا سند، فإن صحت فإنما هي نصيحة لا تدل إلا على النصح لكل مسلم، والإسلام يقضي بوجوب أداء الصدقة إلى عمال السلطان إذا طلبها وبحرمة سبهم إذا أ خذوها ولو منع العجاج الصدقة لأهين وأخذت منه قهراً، ولو سب قابضيها لأثم وضر نفسه ولم يضرهم شيئاً، ويكاد أبو رية ينقم على أبي هريرة قوله لا إله إلا الله وببنى على / ذلك تهمة قال الله اللجاج
وقال ص190 (( وضعه [بزعم المفتري] أحاديث على علي. قال أبو جعفر الاسكافي: إن معاوية حمل قوماً من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة على علي تقتضى الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم في ذلك جعلا، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير
أقول: قد تقدم النظر في ابن أبي الحديد والاسكافي ص 109، وهذه التهمة باطلة قطعاً، فأبو هريرة والمغيرة وعمرو ومعاوية صحابيون وكلهم عند أهل السنة عدول، ثم كانت الدولة لبني أمية فلو كان هؤلاء يستحلون الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في عيب علي لامتلأ الصحيحان فضلاً عن غيرهما بعيبه وذمة وشتمه، فما بالنا لا نجد عن هؤلاء حديثاً صحيحاً ظاهراً في عيب علي ولا في فضل معاوية ؟ راجع ص64.(177/222)
وعروة من كبار التابعين الثقات عند أهل السنة لا نجد عنه خبراً صحيحاً في عيب علي، فأما الأكاذيب الموضوعات فلا دخل لها في الحساب، على أنك تجدها تنسب إلى هؤلاء وغيرهم في إطراء علي أكثر جداً منها في الغض منه
قال (( وروى الأعمش قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مراراً وقال: يا أهل العراق: أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار ؟ والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل نبي حرماً وإن حرمي المدينة ما بين عبر إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً فعلية لعن الله والملائكة والناس أجمعين. وأشهد بالله أن عليا ً أحدث فيها )) فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة ))
أقول: هذا من حكاية ابن أبي الحديد 359 عن الاسكافي، وراجع ص109 ولا ندري سنده إلى الأعمش، وقد تواتر عن الأعمش رواية الحديث بنحو ما هنا (( عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي.... )) فذكر ما في صحيفته وذكر الحديث فهو ثابت من رواية علي نفسه، ولا نعرف أن أبا هريرة قدم مع معاوية،ولا أن معاوية ولاه المدينة لا في ذلك الوقت ولا بعده، إنما استخلفه مروان على إمرته بعد ذلك بزمان
قال ص191 (( وعلى أن الحق لا يعدم أنصاراً.. .. فقد روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم بن عمر بن عبد الغفار أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية.. . فجاء شاب من أهل الكوفة /.. . فقال: يا أبا هريرة أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ؟ فقال: اللهم نعم. فقال: أشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه. ثم قام عنه ))(177/223)
أقول: وهذا أيضاً عن ابن أبي الحديد عن الاسكافي، ولا ندري ما سنده إلى الثوري؟ وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر من شيوخ الثوري، فمن عمر بن عبد الغفار ؟ إنما المعروف عمرو بن عبد الغفار الفقيمي، صغير لم يدرك عبد الرحمن فكيف يروي عنه عبد الرحمن؟ مع أن عمر هالك متهم بالوضع في فضائل لأهل البيت ومثالب لغيرهم. وبينه وبين الواقعة رجلان أو ثلاث فمن هم؟ يظهر أن هذا تركيب من بعض الجهلة بالرواة وتاريخهم، ولهذا ترى الاسكافي وأضرابه يغطون على جهة من يأخذون عنه مفترياتهم بترك الإسناد، ويكتفون بالتناوش من مكان بعيد، ثم لو صح الخبر لكان فيه براءة لأبي هريرة ( وهو بريء على كل حال ) فإنه لم يستجز كتمان الحديث في فضل علي رضي الله عنه فكيف يتوهم عليه ما هو أشد؟
أما الموالاة فأي موالاة كانت منه؟ سلم الحسن بن علي الأمر لمعاوية وبايعه هو وإخوته وبنو عمه وسائر بني هاشم والمسلمون كلهم وأبو هريرة
ثم ذكر أ بورية شيئاً من فضائل علي رضي الله عنه: ولا نزاع في ذلك، وقد جاء عن أ بي هريرة أحاديث كثيرة في فضائل أهل البيت تراها في خصائص علي والمستدرك وغيرهما، ولم يكن له إلا قصته عند وفاة الحسن بن علي، كان الحسن قد
استأذن عائشة أن يدفن مع جده النبي صلىالله عليه وسلم فأذنت، فلما مات قام مروان ومن معه من بني أمية في منع ذلك فثار أبو هريرة وجعل يقول: أتنفسون على ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني ( انظر المستدرك 71:3 ) وجرى له يومئذ مع مروان ما جرى مما تقدم بعضه ص 149 وباقيه في البداية 108:8
ثم قال أبورية ص192 (( سيرته وولايته: استعمل عمر أ با هريرة على البحرين سنة 21 ثم بلغه عن أشياء تخل بأمانة الوالي العادل فعزله... واستدعاه وقال له:. . ..... ))(177/224)
أقول: قول أبي رية (( بلغه عنه الخ )) من تظني أبورية وستعلم بطلانه. وأما ما ذكره بعد ذلك فلم يعزه إلى كتاب. وسأذكر ما أ ثتبه المتحرون من أهل العلم، وأقدم قبل ذلك مقدمة:
/ كان عمر رضي الله عنه يحب للصحابة ما يحب لنفسه، فكان يكره لأحدهم أن يدخل عليه مال فيه رائحة شبهة، وله في ذلك أخبار معروفة في سيرته، كان معاذ بن جبل من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( يأتي معاذ يوم القيامة أمام العلماء برتوة )) وقال أيضاً (( وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل )) وكان معاذ سمحاً كريماً، فركبته ديون، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم ماله بين غرمائه، ثم بعثه على اليمن ليجبره، فعاد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومعه مال لنفسه، فلقيه عمر فأشار عليه أن يدفع المال إلى أبي بكر ليجعله في بيت المال، فأبى وقال: إنما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجبرني. ثم رأى رؤيا فسمحت نفسه فذهب إلى أبي بكر وبذل له المال، فقال أبو بكر: قد وهبته لك. فقال عمر: الآن حل وطاب. يعني أن الشبهة التي كانت فيه هي احتمال أن يكون فيه حق لبيت المال فلما طيبه له أبو بكر – وهو الإمام- صار كأنه أعطاه من بيت المال، لاعتقاده أنه مستحق، فبذلك حل طاب ( انظر ترجمة معاذ من الاستيعاب والمستدرك 272:3) فلما استخلف عمر جرى على احتياطه فكان يقاسم عماله أموالهم، فيجعل ما يأخذه منهم في بيت المال، قال ابن سيرين (( فكان يأخذ منهم ثم يعطيهم أفضل من ذلك )) كما سيأتي، وكان عمر يتخوف عليهم أن يكون الناس راعوهم في تجارتهم ومكاسبهم لأجل الإمارة، فكان يأخذ منهم ما يأخذ ويضعه في بيت المال لتبرأ ذممهم،ثم يعطيهم بعد ذلك من بيت المال بحسب ما يرى من استحقاقهم، فيكون حلاً لهم بلا شبهة، وقد قاسم من خيارهم سعد بن أبي وقاص وغيره كما ذكره ابن سعد وغيره(177/225)
وكان عمر رضي الله عنه للصحابة بمنزلة الوالد، يعطف ويشفق ويؤدب ويشدد وكان الصحابة رضي الله عنهم قد عرفوا له ذلك، وقد تناول بدرته بعض أكابرهم كسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب ولم يزده ذلك عندهم إلا حباً ( انظر سنن الدارمي: باب من كره الشهرة والمعرفة. وطبقات ابن سعد: ترجمة عمر ) فأهل العلم والإيمان ينظرون إلى ما جرى من ذلك نظرة غبطة وإكبار لعمر ولمن أدبه عمر. وأهل الأهواء ينظرون نظرة طعن على أحد الفريقين كما صنعه أبو رية هنا. وكما يصنعه الرافضة في الطعن على عمر، أو على الفريقين معا كما ذكره أبو رية ص 52 في ذكر عمر (( قل أن يكون في الصحابة من سلم من لسانه أو يده ))
أما أبو هريرة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين وأوصاه به خيرا / فاختار أن يكون مؤذنا كما في الإصابة والبداية وغيرهما. ثم رجع العلاء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما في فتوح البلدان ص 92 ورجع معه أبو هريرة[يأتي تحقيقه فيما بعد] ثم بعث عمر سنة 20 أو نحوها قدامة بن مظعون على إمارة البحرين وبعثه معه أبا هريرة على الصلاة والقضاء ثم جرت لقدامة قضية معروفة فعزله عمر وولى أبا هريرة الإمارة أيضاً، ثم قدم أبو(177/226)
هريرة بمال لبيت المال ومال له، قال ابن كثير في البداية 113:8 (( قال عبد الزاق حدثنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر استعمل أبا هريرة على ا لبحرين فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال[وفي رواية في طبقات ابن سعد 4/2/60((أسرقت مال الله )) وذكرها أبو رية بلفظ سرقت مال الله] أي عدو الله وعدو كتابه؟ فقال أبو هريرة: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكن عدو من عاداهما. فقال: فمن أين هي لك؟ قال:خيل نتجت وغلة رقيق لي وأعطية تتابعت علي، فنظروا، فوجدوه كما قال. فلما كان بعد ذلك دعاه ليستعمله فأبى أن يعمل له، فقال له: تكره العمل وقد طلبه من كان خيراً منك. طلبه يوسف عليه السلام. فقال: إن يوسف نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة ابن أميمة،وأ خشى ثلاثاً واثنين. قال عمر: فهلا قلت خمسة ( ؟ ) قال أخشى أن أ قول بغير علم وأقضي بغير حلم، أو يضرب ظهري وينتزع مالي ويشتم عرضي؟
والسند بغاية الصحة. وفي فتوح البلدان ص 93 من طريق يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنه لما قدم من البحرين... فذكر أول القصة نحوه. وفيه (( فقبضها منه )) والسند صحيح أيضاً. وأخرجه أيضاً من طريق أبي هلال الراسبي عن ابن سيرين عن أبي هريرة، فذكر نحوه إلا أنه وقع فيه (( اثنا عشر ألفاً )) والصواب الأول لأن أبا هلال في حفظه شيء، وفيه (( فلما صليت الغداة قلت: اللهم اغفر لعمر قال: فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك )) وفي تاريخ الإسلام للذهبي 338:2 (( همام ابن يحيى حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن عمر قال لأبي هريرة: كيف وجدت الإمارة؟ قال: بعثتني وأنا كاره، ونزعتني وقد أحببتها )) وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين فقال: أظلمت أحداً؟ قال: لا. قال: فما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين ألفاً. قال من أين أصبتها؟ قال: كنت أتجر. قال:
انظر رأس مالك ورزقك فخذه واجعل الآخر في بيت المال ))(177/227)
فكأنه قدم لنفسه بعشرين ألفاً فقاسمه عمر كما كان يقاسم سائر عماله، فذكر ابن سيرين عشرة الآلاف المأخوذة لبيت المال
/ فقد تحقق بما قدمنا من الروايات الصحيحة أن المال الذي جاء به أبو هريرة لنفسه من البحرين كان من خيله ورقيقه وأعطيته، وأخذ عمر له أو لبعضه لا يدل على ما قدمنا من الاحتياط، ثم يعطيهم خيراً منه. ومما يوضح براءة أبي هريرة في الواقع وعند عمر إظهاره المال وعزم عمر على توليته فيما بعد وامتناع أبي هريرة من ذلك
ثم قال أبو رية ص 193(( وفاته. مات أبو هريرة سنة 57 أو سنة 58 ))
أقول: أو سنة 59 كما في التهذيب وغيره، وهو قول الواقدي وابن سعد
قال (( عن ثمانين سنة ))
أقول: المعروف (( عن ثماني وسبعين سنة ))
قال (( وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان يومئذ أميراً على المدينة تكريماً له ))
أقول: هذا رواه الواقدي بسند فيه نظر، ولكنها السنة التي كانوا يعملون بها أن يكون الأمير هو الذي يصلي على الموتى بدون تفريق
قال (( ولما كتب الوليد إلى عمه.. . أرسل.. . ادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم.. ..، وهكذا يترادف رفدهم له حتى بعد وفاته ))
أقول: هذا رواه الواقدي بسند فيه نظر،وفيه (( فإنه كان ممن نصر عثمان وكان معه في الدار )) وإنما حذف أبو رية هذا ليوهم غيره
ثم ذكر أبو رية كلمات لصاحب المنار قال في أبي هريرة ((... فأكثر أحاديثه لم يسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمعها من الصحابة والتابعين ))(177/228)
أقول: فيه مجازفتان، الأولى زعم أن أكثر أحاديثه لم يسمها من النبي صلى الله عليه وسلم. ونحن إ ذ نظرنا إلى أحاديثه التي رواها عن غيره من الصحابة وجدناها بسيرة، ثم إذا نظرنا في أحاديثه التي يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم رأسا ولا يصرح بالسماع منه قلماً نجد فيها ما يعلم من متنه أنه كان في المدة التي لم يدركها أبو هريرة، مع أننا نجد عن غيره أحاديث كثيرة تتعلق بتلك المدة، فهذا مع ما تقدم ص106و 118و 119 وغيرها وما يأتي بعد من شهادة الصحابة له يقضي بعكس الدعوى المذكورة
/ المجازفة الثانية زعم أن بعض أحاديثه سمعها من التابعين، إن أريد أحاديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم فإننا لا نعرف له حديثاً كذلك، ورواية الصحابي الذي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم كأبي هريرة عن تابعي عن صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم بغاية القلة، وإنما ذكروا من هذا الضرب حديثاً لسهل بن سعد وآخر للسائب بن يزيد، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وسهل ابن خمس عشرة سنة والسائب ابن سبع سنين، وذكروا أن الحافظ العراقي تتبع ما يدخل في هذا الضرب فجمع عشرين حديثاً لعل منها ما لا يصح وباقيها من أحاديث أصاغر الصحابة كالسائب
قال (( وقد ثبت أنه كان يسمع من كعب الأحبار ))
أقول: أي شيء سمع مه ؟ إنما سمعه منه أشياء يحكيها عن صحف أهل الكتاب، وذلك فن كعب
قال (( وأكثر أحاديثه عنعنة ))(177/229)
أقول: أما عنعنته فقد قدمنا ص 114-117 أنها تكون على احتمالين إما أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وإما عن صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فأما الاحتمال الثالث أن يكون إنما سمع من تابعي – كعب أو غيره – ومع ذلك رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا من أبطل الباطل قطعاً، وراجع ما تقدم ص 73-75و 82و 89و94و 99و109-110، ولا أدري أين كان أهل العلم من الصحابة والتابعين وأتباعهم وهلم جرا عن هذا الاحتمال حتى يثار في القرن الرابع عشراً؟ بل أين كان وعد الله تبارك وتعالى بحفظ دينه وشريعته فلم ينههم لهذا الاحتمال طوال تلك القرون؟ بل أين كان الشيطان عن هذا الاحتمال فلم يوسوس به لأحد؟ كلا، كانوا أعلم وأتقى من أن يطمع الشيطان أن ينصاعوا لوسوسة مثل هذه. ومن تدبر ما تقدم 114-117 علم أن هذا الاحتمال الثالث معناه اتهام الصحابي بالكذب، فإذا كانت الأدلة تبريء أبا هريرة ونظراءه من الكذب فإنها تبرئهم من هذا
قال (( على أنه صرح بالسماع في حديث: خلق الله التربة يوم السبت، وقد جزموا بأن الحديث أخذه عن كعب الأحبار )) أقول: قد تقدم النظر في هذا الحديث ص 135-139 بما يقتلع الشبهة من أصلها ولله الحمد
/ قال ص 194 (( وقال: إنه يكثر في أحاديثه الرواية بالمعنى
أقول: هذه مجازفة، وأبو هريرة موصوف بالحفظ كما مر ويأتي
قال (( إنه انفرد بأحاديث كثيرة.. .. ))
أقول: قد تتبع أبو رية عامة ذلك، وتقدم النظر في بعضها ويأتي الباقي
قال ص 95 (( وقال وهو يبين أن بطلي الاسرائيليات.. . هما كعب الأحبار ووهب بن منبه: وما يدرينا أن كل [تلك] الروايات- أو الموقوفة منها- ترجع إليهما.... ))
أقول: كلمة (( تلك )) ثابتة في مصدر أبي رية، والكلام هناك في روايات جاءت
في قضية خاصة، فأهمل أ بو رية بيان ذلك وأسقط كلمة (( تلك )) ليفهمك أن صاحب المنار يجيز أن تكون المرويات الإسلامية كلها راجعة إلى كعب ووهب(177/230)
وأعاد ص 196-197 بعض دعاويه ومزاعمه، وقد تقدم ويأتي ما فيه كفاية
ثم قال ص 198 (( أمثلة مما رواه أبو هريرة: أخرج البخاري ومسلم عنه قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه فقال:أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت. فرد الله عليه عينه[في كتاب أبي رية ((عينيه)) وقال: ارجع فقل له يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطت يده بكل شعرة سنة. قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. فسأل[فيه ((فاسال)) الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الكثيب الأحمر. وفي رواية لمسلم. قال: فلطم موسى عين مالك الموت ففقأها ))
أقول القصة على ما ذكر هنا من كلام أبي هريرة: وإنما الذي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم قوله (( فلو كنت ثم الخ )) وليس فيه ما يستشكل. فأما القصة فقد أ جاب عنها أهل العلم. وسألخص ذلك: ثبت الكتاب ولاسنة أن المشكلة قد يتمثلون في صور الرجال، وقد يراهم كذلك بعض الأنبياء فيظنهم من بني آدم كما في قصتهم مع إبراهيم ومع لوط عليهما السلام- اقرا من سورة هود الآيات 69-80 وقال الله تعالى في مريم عليه السلام ( 17:19 – فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا. قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ). وفي السنة أشياء من ذلك وأشهرها ما في حديث السؤال عن الإيمان والسلام والإحسان. / فمن كان جاحداً لهذا كله أو مر تابا فيه فليس كلامنا معه، ومن كان مصدقاً علم أنه لا مانع أن يتمثل ملك الموت رجلاً ويأتي إلى موسى فلا يعرفه موسى(177/231)
الجسد المادي الذي يتمثل به الملك ليس جسده الحقيقي، وليس من لازم تمثله فيه أن يخرج الملك عن ملكيته، ولا أن يخرج ذاك الجسم المادي عن ماديته، ولا أن تكون حقيقة الملك إلى ذاك الجسم كنسبة أو روح الناس إلى أجسامهم، فعلى هذا أو عرض ضرب أو طعن أو قطع لذاك الجسم لم يلزم أن يتألم بها الملك ولا أن تؤثر في جسمه الحقيقي، ما المانع أن تقتضي حكمة الله عزوجل أن يتمثل ملك الموت بصورة رجل ويأمره الله أن يدخل على موسى بغته ويقول له مثلاً: سأفبض روحك. وينظر ماذا يصنع ؟ لتظهر رغبة موسى في الحياة وكراهيته للموت فيكون في قص ذلك عبرة لمن بعده
فعلى هذا فإن موسى لما رأى رجلاً لا يعرفه خل بغتة وقال ما قال، حمله حب الحياة على الاستعجال بدفعه، ولولا شدة حب الحياة لتأتي وقال: من أنت وما شأنك؟ ونحو ذلك ووقوع الصكة وتأثيرها كان على ذاك الجسد العارض، ولم ينل الملك بأس. فأما قوله في القصة (( فرد الله عليه عينه )) فحاصله أن الله تعالى أعاد تمثيل الملك في ذاك الجسد المادي سليماً، حتى إذا رآه موسى قد عاد سليماً مع قرب الوقت عرف لأول وهلة خطأه أول مرة
قال أبو رية (( وفي تاريخ الطبراني عن أبي هريرة أن ملك الموت.. .. ))
أقول: رجاله كلهم موصوفون بأنهم ممن يخطئ، فلا يصح عن أبي هريرة
قال (( وأخرجا كذلك عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: تحاجت الجنة والنار.. ... ))
أقول: قد وافق أبا هريرة على هذا الحديث أنس بن مالك بن مالك وحديثه في الصحيحين وغيرهما، وأبو سعيد وحديثه في صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما، وأبي بن كعب وحديثه في مسند أبي يعلى. وتفسير الحديث معروف
قال (( وروى البخاري عنه: مابين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام الراكب
المسرع. وخرج أوله مسلم عنه مرفوعاً وزاد: وغلط جلده مسيرة ثلاثة أيام ))
أقول: هذا من فهم أبي رية وتحر به. راجع فتح الباري 365:11 تعرف ما في صنيع أبي رية وتعرف الجواب(177/232)
/ وقال ص199 (( وروى البخاري وابن ماجه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم يطرحه فإن في أحد جناحية داء والآخر شفاء ))
أقول: هذا الحديث قد وافق أبا هريرة على روايته أبو سعيد الخدري وأنس. راجع مسند أحمد بتحقيق وتعليق الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله 124:12، وعلماء الطبيعة يعترفون بأنهم لم يحيطوا بكل شيء علماً، ولا يزالون يكتشفون الشيء بعد الشيء، فبأي إيمان بنفي أبو رية وأضرار به أن يكون الله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على أمر لم يصل إليه علم الطبيعة بعد؟ هذا وخالق الطبيعة ومدبرها هو واضع الشريعة، وقد علم سبحانه أن كثيراً من عباده يكونون في ضيق من العيش، وقد يكون قوتهم اللبن وحده، فلو أرشدوا إلى أن يربقوا كل ما وقعت فيه ذبابة لأجحف بهم ذلك. فأغيثوا بما في الحديث، فمن خالف هواه وطبعه في استقذار الذباب فغسمه تصديقاً لله ورسوله دفع الله عنه ا لضرر، فكان في غمس مالم يكن انغمس ما يدفع ضرر ما كان انغمس، وعلماء الطبيعة يثبتون القوة الاعتقاد تأثيراً بالغاً، فما بالك باعتقاد منشؤه الإيمان بالله ورسوله ؟
قال ص200 (( وروى الطبراني في الأوسط عن النبي صلى الله عليه وسلم: أتاني ملك برسالة من الله عزوجل ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى في الأرض لم يرفعها ))
أقول: تفرد برواية صدقة بن عبد الله السمين وهو ضعيف، والحديث معدود في منكراته فم يثبت عن أبي هريرة
قال (( وروى الترمذي عنه:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم ))(177/233)
أقول: سنده إلى أبي هريرة كما قال الترمذي، لكنه معروف من رواية غيره من الصحابة، فقد ورد من حديث أبي سعيد وجابر، وجاء من حديث بريدة مرفوعاً: العجوة من فاكهة الجنة. وفي الصحيحين من حديث سعد ابن أبي وقاص مرفوعاً: من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل. وله شاهد من حديث عائشة في صحيح مسلم. وراجع ما مر قريبا
قال (( وروى الحاكم وابن ما جه من حديثه بسند صحيح: خمروا الآنية وأوكثوا الأسقية وأجيفوا الأبواب واكفتوا صبيانكم عند الماء، فإن للجن انتشاراً وخطفة، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت ))
/ أقول: هذا حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عن جابر بهذا اللفظ حرفاً حرفاً في صحيح البخاري كتاب بدء الخلق. انظر فتح الباري 253:6، وهو بألفاظ أخر في موضع آخر من صحيح البخاري وفي صحيح مسلم
قال ص201 (( وروى مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ))
أقول: ق تقدم هذا ص 140- فراجعه وتأمل صنيع أبي رية هناك
قال: (( وروايات أبي هريرة من هذا القبيل وأوهى منه تفهق الكتب بها.. .. ))(177/234)
أقول: انتفد أبو رية في ترجمة أبي هريرة نيفاً وثلاثين حديثاً، وهي على خمسة أضرب: ضرب نسبه إلى أبي هريرة اعتباطاً وإنما روى عن غيره. وضرب نحو عشرة أحاديث في سند كل منها كذاب أو متهم أو ضعف أو انقطاع، فهذا لا شأن أبي هريرة به لأنه لم يثبت عنه، وراجع ص151. وضرب اختلف فيه أيصح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا فهذا قريب من سابقه، فإنه على فرض تبين بطلان متنه يترجح عدم صحته عن أبي هريرة لأن تبعة الحديث إنم تتجه إلى الأدنى. وضرب صحيح عن أبي هريرة وقد وافقه عليه غيره من الصحابة اثنان أو ثلاثة أو أكثر. ويبقى بعد الأضرب السابقة ثلاثة أو أربعة أحاديث قد مر الجواب الواضح عنهما بحمد الله تعالى
واعلم أن الناس تختلف مداركهم وأفهاميهم وآراؤهم ولا سيما في ما يتعلق بالأمور الدينية والغيبية لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحكمته، ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يستشكلها كثير من الناس وقد ألفت في ذلك كتب وكذلك استشكل كثير من الناس كثيراً من الأحاديث الثابتةعن النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما هو رواية كبار الصحابة أو عدد منهم كما مر، وبهذا يتبين أن استشكال النص لا يغني بطلانه. ووجود النصوص التي يستشكل ظاهرها لم يقع في الكتاب والسنة عفواً وإنما هو أمر مقصود شرعاً ليبلو الله تعالى ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور. وييسر للعلماء أبو أبا من الجهاد يرفعهم الله به درجات(177/235)
هذا وأنت تعلم أن أبا هريرة رجل أمي لا تكتب ولا يقرأ الكتب، وعاش حتى ناهز الثمانين، منها نحو أو أربعين سنة يحدث، وكثر حديثه، ولم يكن معصوماً عن الخطأ، وكذلك الموثقون من الرواة عنه ومن بعدهم. أما غير المؤثقين فلا اعتدد بهم وقد عاداه المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والرافضة وغلاه أصحاب الرأي كما مرت شواهده في الترجمة، وحرصوا كل الحرص على أن يجدوا في أحاديثه / ما يطعنون به عليه وتتابعت جهودهم، ثم جاء أبو رية فأطال التفتيش والتنبيش وقضى في ذلك سنين من عمره، ومع ذلك كله كانت النتيجة ما تقدم، فعلى ماذا يدل هذا؟
أبو هريرة والبحرين(177/236)
ذكر جماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا هريرة مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين وفي طبقات ابن سعد 4/2/76 عن الواقدي بسنده إلى العلاء بن الحضرمي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه منصرفه من الجعرانة إلى المنذر بن ساوى العبدين بالبحرين.. . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معه نفراً فيهم أبو هريرة وقال له: استوص به خيراً )) ثم قال الواقدي (( حدثني عبد الله بن يزيد عن سالم مولى نبي نضر قال سمعت أبا هريرة يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلاء بن الحضرمي وأوصاني به خيراً، فلما فصلنا قال لي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أ وصاني بك خيراً فانظر ماذا تحب ؟ قال: قلت تجعلني أؤذن لك ولا تسبقني بآمين، فأعطاه ذلك )) والواقدي ليس بحجة لكن للقصة شواهد، ففي فتح الباري 217:2 (( فروى سعيد بن منصور من طريق محمد بن سيرين أن أبا هريرة كان مؤذناً بالبحرين، وأنه اشترط على الإمام أن لا يسبقه بآمين. والإمام بالبحرين كان العلاء بن الحضرمي بينه عبد الرزاق من طريق أبي سلمة عنه )) وعند ابن سعد 4/2/54 بسند صحيح عن أبي هريرة قال (( صحبت النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، ما كنت سنوات قط أعقل مني ولا أ حب إلي أن أعي ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مني فيهن )) هذا مع أن قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم كان في صفر سنة 8، فمنه إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين وشيء فاقتصاره على (( ثلاث سنين )) يدل أنه غالب في أثناء المدة سنة أو نحوها، وقد كان البعث بعد الانصراف من الجعران كما مر، وكان الانصراف منها في أواخر ذي القعدة أو ذي الحجة سنة8، وفي الطبقات 4/2/77 أن العلاء قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فولى النبي صلى الله عليه وسلم مكانه أبان بن سعيد بن العاص، فعلى هذا لما رجع العلاء رجع معه أبو هريرة، وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه ممن رجع مع أبي بكر سنة 9، وكان ينادي مع(177/237)
على أن لا يحج بعد الطعام مشرك. انظر صحيح البخاري – تفسر سورة براءة – فصح أن غيبته كانت سنة أو دونها
وثم ما يدل أن أبا هريرة عاد إلى البحرين في خلافة أبي بكر، ففي الطبقات 4/2/77- عن الواقدي بسند أن أبا بكر أعاد في خلافته العلاء بن الحضرمي على البحرين، وذكر القصة وفيها فتح العلاء / درين سنة أربع عشرة، ثم ذكر ابن سعد بسند آخر أن عمر كتب إلى العلاء أن يذهب ليخلف عتبة بن غزوان على عمله، فخرج العلاء ومعه أبو هريرة فمات العلاء في الطريق ورجع أبو هريرة إلى البحرين، وذكر عن أبي هريرة قوله (( رأيت من العلاء بن الحضرمي ثلاثة أشياء ولا أ زال أحبه أبداً، رأيته قطع البحر فلما كنا بلياس (؟) فمات.. )) ومن أ هل الأخبار أن أبا هريرة رجع إلى البحرين مع العلاء حين ولاه أبو بكر وكان بها ستة أ ربع عشرة
ثم كان أبو هريرة بالبحرين أيضاً في إمارة مقدمة بن مظعون عليها كما يعلم من ترجمة قدامة في الإصابة وغيرها، وفي فتوح البلدان ص92 عن أبي مخنف في ذكر العلاء بن الحضرمي ((.. . حتى مات وذلك في سنة أربع عشرة أو في أول ستة خمس عشرة، ثم إن عمر ولى قدامة بن مظعون الجمحي جباية البحرين وولى أبا هريرة الأحداث والصلاة.. . )) وفيه ص 93 عن الهيثم (( كان قدامة بن مظعون على الجباية والأحداث، وأبو هريرة على الصلاة والقضاء.. . ثم ولاه عمر البحرين بعد قدامة، ثم عزله وقاسمه، وأمره بالرجوع فأبى فولاها عثمان بن أبي العاصي .. ))
والقضية تحتاج إلى مزيد تتبع وتأمل، غير أن في ما تقدم ما يكفي الدلالة على أن إقامة أبي هريرة بالبحرين كانت كافية لأن يتمول، وبذلك يتأكد صدقة في قوله (( خيل نتجت.. .. )) كما مر 148
من فضل أبي هريرة(177/238)
أما ما يسمعه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم فيأتي في موضعه، وأما ما يخصه فمنه في الصحيحين عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في طريق من طرق المدينة وهو جنب فانسل فذهب فاغتسل، فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول الله لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى اغتسل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس، لفظ مسلم
ومر ص100 ما في صحيح البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم (( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني أحد عن هذا الحديث أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث.. .. ))
/ وفي صحيح مسلم وغيره في قصة إسلام أمه قول النبي صلى الله عليه وسلم (( اللهم حبب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة – وأمه إلى عبادك المؤمنين.. .. )) قال ابن كثير في البداية 105:8 (( وهذا الحديث من دلائل النبوة، فإن أبا هريرة محبب إلى جميع الناس.. . )) وفي الإصابة (( وأخرج النسائي بسند جيد في العلم من كتاب السنن أن رجلاً جاء إلى زيد بن ثابت فسأله فقال له زيد: عليك بأبي هريرة، فإن بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فقال: عودوا للذي كنتم فيه، قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائنا ودعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك ما سأل صاحبي وأسألك علماً لا ينسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمين. فقلنا يا رسول الله ونحن نسأل الله علماً ولا ينسى، فقال: سبقكم بها الغلام الدوسي )) ونحوه في تهذيب التهذيب وفيهما بعض ألفاظ محرفة(177/239)
وفي مسند أحمد 541:2 وسنن أبي داود وغيرهما عنه قال (( بينما أنا أوعك في مسجد المدينة إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فقال: من أحسن الفتى الدوسي؟ من أ حسن الفتى الدوسي؟ فقال له قائل: هو ذاك يوعك في جانب المسجد حيث ترى يا رسول الله. فجاء فوضع يده علي وقال لي معروفاً، فقمت فانطلق حتى قام في مقامه الذي يصلي فيه.. .))
ومر ما روى من تولية عمر لقدامة بن مظعون وأبي هريرة البحرين، قدامة عل الجباية، وأبا هريرة على الصلاة والقضاء، ثم جمع الكل لأبي هريرة. هذا مع أن قدامة من السابقين البدريين، ثم قاسم عمر أبا هريرة كما كان يقاسم عماله وأراج أن بعيده على الإمارة فأبى أبو هريرة
وتقدم صفحة 106و 120و 123 شهادة طلحة والزبير وأبي أيوب وعائشة له، وتقدم ص106و 118- 119 ثناء ابن عمر عليه. وذكر الحاكم في المستدرك أنه روى عنه بضعة وعشرون من الصحابة عد منهم أبي بن كعب وأبا موسى الأشعري وعائشة بن يزيد وأبا أيوب وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله وجماعة
وفي الإصابة (( قال البخاري روى عنه نحو الثمانمائة من أهل العلم، وكان أحفظ من روى الحديث / في عصره. قال وكيع في نسخته: حدثنا الأعمش عن ابن صالح قال: كان أبو هريرة أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه البغوي عن رواية أبي بكر بن عياش عن الأعمش بلفظ: ما كان أفضلهم، ولكنه كان أحفظ... وقال الربيع قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. وقال أبو الزعيرعة كاتب مروان:/ أرسل مروان إلى أبي هريرة فجعل يحدثه
وكان أجلسني خلف السرير أكتب ما يحدث به، حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله وأمرني أن أنظر، فما غير حرفاً من حرف )). وأخرجه الحاكم في المستدرك 510:3 وفيه (( فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا أخر )) قال الحاكم (( صحيح الإسناد )) وأقرء الذهبي(177/240)
وقال ابن كثير في البداية 110:8 (( وقد كان أبو هريرة من الصدق والحفظ والديانة والزهادة والعمل الصالح على جانب عظيم.. . ))
وفي طبقات ابن سعد 4/ 2/ 62 (( أخبرنا معن بن عيسى قال: حدثنا مالك ابن أنس عن المقبري عن أبي هريرة أن مروان دخل عليه في شكواه الذي مات فيه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة. فقال أبو هريرة: اللهم إني أحب لقاءك، فأحب لقائي. قال فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات أبو هريرة ))
ثم ذكر ابو رية ص 202-206 جماعة من الصحابة قلت أحاديثم، وقد نظرت في ذلك ص42
ثم قال ص 207 (( أحاديث مشكلة.. عن ابن عباس، إن الله خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء دفناه من ياقونة حمراء.. .. ))
أقول: هذا من قول ابن عباس، أخرجه الحاكم في المستدرك 474:2 من طريق أبي حمزة الثمالي وقال الحاكم (( صحيح الإسناد ))، تعقبه الذهبي فقال (( اسم أبي حمزة ثابت، وهو واه بمرة )) وينظر وجه الاستشكال ؟
قال (( وروى الشيخان.. عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: أتدري أين تذهب؟.. .. ))
أقول: النظر في هذا الحديث يتوقف على بيان معنى قول الله عزوجل ( والشمس تجري لمستقر لها ) ثم جمع طرقه وتدبر ألفاظه، ولم يتسير لي ذاك الآن والله المستعان. ( ثم نظرت فيه فيما يأتي ص213)
/ قال (( وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب الزاملتين قال: إن في البحر شياطين.. .. ))
أقول: هذا ذكره مسلم في مقدمة صحيحه، وهو من قول عبد الله بن عمرو، ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (( وروى البخاري.. . عن عامر بن سعيد [بن أبي وقاص] عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من اصطبح كل يوم ثمرات عجوة م يضره سم ولا سحر... وفي رواية: سبع تمرات عجوة. وكذا لمسلم عن سعيد بن أبي العاص. وعند النسائي من حديث جابر: العجوة من الجنة وهي شفاء من السم ؟(177/241)
أقول: الحديث في الصحيحين من رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه. ولم أجد ذكر سعيد بن أبي العاص وراجع ما مر ص160
قال (( وأخرج الشيخان عن أبي هريرة: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين.. .، وقال العلماء المحققون في شرح هذا الحديث: لئلا يسمع فيضطر أن يشهد بذلك يوم القيامة ))
أقول: أما الحديث فلا إشكال فيه عنه من يؤمن بالقرآن، وفي بعض رواياته (( وله حصاص ))، وفي صحيح مسلم عن جابر (( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان إذا سمع النداء ذهب حتى يكون مكان الروحاء )) وأما التفسير الذي فيه إلى المحققين فهو قول بعضهم، فإن كان حقاً فلماذا السخرية منه؟ وإن كان باطلاً فتبعته على قائله، فلماذا يذكر هنا؟
قال ص 208 (( وروى مسلم عن أبي سفيان أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أعطني ثلاثاً: تزوج ابنتي أم حبيبة، وابني معاوية اجعله كاتباً، وأمرني أن أقاتل الكفار كما قالت المسلمين.. .. )) وأم حبيبة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي[في كتاب أبي رية ((وهو)) بالحبشة..... ))
أقول: لفظ مسلم قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها )) وفي سنده عكرمة ابن عمار بأنه يغلط ويهم، فمن أ هل العلم من تكلم في هذا الحديث وقال انه من أوهام عكرمة، ومنهم من تأوله، وأقرب تأويل له أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قبل إسلام أبي سفيان كا بدون رضاه فأراد بقوله (( أزوجكها )) أرضى بالزواج، فأقبل مني هذا الرضا
قال (( وفي مسند أحمد عكرمة ابن عباس أن النبي صلى لاله عيله وسلم صدق أمية ابن أبي الصلت.. .. في قوله: والشمس تطلع.. . )) البيتين
/ أقول: مداره على محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس، وفي مجمع الزوائد 127:8 (( رجاله ثقات، إلا أن ابن إسحاق مدلس )) والمدلس لا يحتج بخبره وحده مالم يتبين سماعه(177/242)
قال (( وروى مسلم عن أنس بن مالك أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: متى تقوم الساعة؟ قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيهة، ثم نظر إلى غلام بن يديه من أزدشنوءة فقال: إن عمر لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة، قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ.. . ))
أقول: من عادة مسلم في صحيحه أنه عند سياق الروايات المتفقة في الجملة يقدم الأصح فالأصح[قد مر مثال لهذا ص18]، فقد يقع في الرواية المؤخرة إجمال أو خطأ تبينه الرواية المقدمة في ذاك الموضع قدم حديث عائشة (( كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة متى الساعة؟ فنظر إلى أحداث إنسان منهم فقال: إن يعيش هذا م يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم )) وهذا في صحيح البخاري بلفظ (( كان رجال من الأعراب جفاة يأتون ا لنبي صلى
الله عليه وسلم فيسألونه: متى الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعته. قال هشام: يعني موتهم )) ثم ذكر مسلم حديث انس بلفظ (( إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة )) ثم ذكره باللفظ الذي حكاه أبو رية، وراجع فتح الباري 313:11
ثم قال ص 209 (( أحاديث المهدي.. ... )). وقال ص210 (( المهدي العباسي )) ثم قال (( المهدي السفياني.. .. )) ولم يسق الأخبار. والكلام فيها معرفو
ثم قال ص210 (( الخلفاء الاثنا عشر- جاءت أحاديث كثيرة: تنبئ أن الخلفاء سيكونون اثنى عشر خليفة. للبخاري عن جابر بن سمرة: يكون اثنا عشر أميراً كلهم من قريش. ورواية مسلم: لا يزال امر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً. وفي رواية أخرى: إن هذا الأمر لا يقتضي حتى يمضي له فيهم اثنا عشر خليفة، فقد رووا حديثاً يعارض هذه الأحاديث جميعاً وهو حديث سفينة.. .. الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكاً ))(177/243)
أقول: إن كان أص اللفظ النبوي (( أميراً )) كما في رواية البخاري وبعض روايات مسلم فواضح أنه لا يعارضه، وإن كان بلفظ (( خليفة )) فالمراد به من يتسمى بهذا الإسم أو يحلف غيره في الإمارة / والخلافة في حديث خلافة النبوة. نقل معنى هذا عن القاضي عياش وهو ظاهر
قال (( وكذلك أخرج أبو داود في حديث ابن مسعود رفعه: تدور رحى الإسلام.. .. ))
أقول: قد بسط الكلام في هذا في فتح الباري 181:13-186 فراجعه وحكى أبو رية ص212 بعض ما قيل في ذلك مما يزيد في تصوير العارض. وهذا دأبه. كلما وجد اشكالاً قد حل، أو اعتراضاً قد أجيب عنه، ذكر الإشكال أو الاعتراض وهول، ولم يعرض للجواب ثم قال ص213 (( الدجال. جاء في الدجال.. ... أحاديث كثيرة بعضها يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى أن من المحتمل الدجال في زمنه... وبعضها يصرح بأنه يخرج بعد فتح المسلمين لبلاد الروم ))
أقول: لم يكن صلى الله عليه وسلم أولاً ثم أعلمه الله
قال (( وبعض الأحاديث تقول بأنه سيكون معه جبال من خبز وأنهار من ماء وعسل ))
أقول: لم أر في الأخبار ذكر العسل، ويظهر أن أبا رية اختطف كلماته في فتح الباري 81:13 وليس هناك ذكر العسل، فأما ذكر جبل – أو جبال- خبز فقد روى، مع أن الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم (( يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( بل هو أهون على الله من ذلك )) لفظ البخاري. وقد يحمل ما ورد في أن معه (( جبال خبز )) على المجاز، أي أن معه مقادير عظيمة من الخبز، مع أن يخافيه محتاجون
قال (( وزاد مسلم: جبال من لحم ))
أقول إنما في صحيح مسلم في كلام المغيرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم (( إنهم يقولون معه جبال من خبز ولحم )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( هو أهون على الله من ذلك )) فانظر، واعتبر !
قال (( وأخرج نعيم بن حماد من طريق كعب.. . ))(177/244)
أقول هو كلام منسوب إلى كعب من قوله، والسند إليه مع ذلك واه
قال (( ومن أخباره أنه ينزل.. .. ))
أقول: هذا كسابقه
وذكر اختلاف الرواية في مخرجه. أقول: في حديث أبي بكر الصديق عند أحمد
وغيره أنه يخرج من خراسان / ولا ينافيه ما صحيح مسلم أنه يتبعه يهود اصبهان، إذ لا يلزم من اتباعهم له أن يكون أول خروجه من عندهم. وكذا ما جاء في رواية (( أنه خارج بين الشام والعراق )) إذ لا يلزم أن يكون ذلك أول خروجه. فأما ما في حديث الجساسة أنه محبوس في جزيرة. فإن حمل على ظاهره فلا مانع مع أن يذهب بعد إطلاقه إلى خراسان ثم يظهر أمره منها، وإن حمل على التمثيل كما مرت الإشارة إليه ص95 فالأمر واضح
قال (( وهناك أحاديث.. .. كلها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ))
أقول: ليس كل ما ورد في الدجال بمرفوع، على أن أبا رية ترك المرفوعات الثابتة في صحيح البخاري وغيره، وسقط على ما نسب إلى كعب مع أنه لا يصح عنه
قال (( ولكن يمكنوا لهذه الخرافة أو الاسطورة في عقول المسلمين أوردوا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن من كذب بالمهدي فقد كفر، ومن كذب بالدجال فقد كفر ))
أقول: لا أعرف حديثاً هكذا، ولا أرى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم للمهدي متواتراً ولا قريباً منه، فأما ذكره الدجال فمتواتر قطعاً، ومن اطلع على ما في صحيح البخاري وحده علم ذلك، ومع هذا فإنما أقول: من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبر من أخباره عن الغيب فهو كفر
قال ص214 (( عمر الدنيا ))
فأشار إلى صنيع السيوطي ولم يذكر الأحاديث حتى ننظر فيها، والذي أعرفه أنه ليس في ذلك صحيح صريح
قال (( وقد أعرفنا أعرضنا كذلك عن إيراد أخبار الفتن وأشراط الساعة ونزول عيسى التي زخرت بها كتب السنة المعتمدة بين المسلمين والمقدسة من الشيوخ الحشويين ))(177/245)
أقول صدق الله تبارك وتعالى (39:10 بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله،كذلك كذب الذين من قبلهم،فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ))
قال (( وكذلك أهملنا ذكر الأحاديث الواردة في خروج النيل والفرات وسيحون وجيجون من أصل سدرة المنتهى فوق السماء السابعة وهي في البخاري وغيره ))
أقول: الذي في صحيح البخاري في حديث الإسراء عند ذكر سدرة المنتهى (( وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران. فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران/ فالنيل والفرات )) وقد فسره أهل العلم بما فسروان ورأيت بعض العصريين يذكر وجهاً سأحكيه لينظر فيه، قال: لا ريب أن كل ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء حق، لكن منه ما كان بضرب من التمثيل يحتاج إلى تأويل، وقد ذكر في بعض الروايات أشياء من هذا القبيل، انظر فتح الباري 153:7، وقد يقال: إن سدرة المنتهى مع أنها حقيقة ضربت مثلاً لكمة الإسلام على نحو قوله تعالى (24:14 ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) الآيات، وجعل مغرسها مثلاً للأرض التي ستثبت فيها كلمة الإسلام في الدنيا والأرض التي يرثها أهله في الجنة، فرمز إلى الأولى بما فيه مثال النيل والفرات، وإلى الثانية بما فيه مثال النهرين اللذين في الجنة، وكأنه قيل النبي صلى الله عليه وسلم: هذه كرامتك، كما يدفع الملك إلى من يكرمه وثيقة فيها رسم أرض معروفة فيها قصر وحديقة، فيكون معنى ذلك أ،ه أنعم بها عليه، أما سيحون وجيجون فلا ذكر لهما، نعم في حديث لمسلم تقدم ص132 ذكر سيحان وجيجان، وهما غير سيحون وجيجون
ثم قال أبو رية ص215 (( كلمة جامعة.. . انتهى العلامة السيد رشيد رضا في(177/246)
تفسيره.. . إلى هذه النتائج القيمة: 1- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب.. . وإنما أعلمه الله ببعض الغيوب بما أنزل عليه في كتابه، وهو قسمان: صريح ومستنبط ))
أقول اقتصر أبو رية على هذا، مع أن في ذاك الموضع من تفسير المنار 504:9 زيادة فيها ((2- إن الله تعالى اعلمه ببعض ما يقع في المستقبل بغير القرآن من الوحي.. .. 3- إنه كان يتمثل له صلى الله عليه وسلم ببعض أمور المستقبل كأنه يراه كما ثمثلت له الجنة والنار عرض الحائط وكما تمثل له في أثناء حفر الخندق ما يفتح الله لأصحابه من الملك.. . وكشفه هذا حق، وهو ما يسميه أهل الكتاب نبوءاتن وقد ظهر منه شيء كثير كالشمس.. ))
قال (( لا شك أن أكثر الأحاديث قد روى بالمعنى.. . فعلى هذا كان يروى كل أحد ما فهمه، وربما يقع في فهمه الخطأ لأن هذه أمور غيبية، وربما فسر بعض ما فهمه بألفاظ يزيدها.. . ))
أقول: ليس من الحق إنكار هذا الاحتمال، لكن ليس من الحق أن يجاوز به حده فهو احتمال نادر يزيده أو يدفعه البتة أن تتفق روايتان صحيحتان فأكثر، والظاهر الغالب من رواية الثقة هو الصواب، وبه يجب الحكم مالم تقم حجة صحية على الخطأ
ثم قال (( إن العابثين بالإسلام.. . قد وضعوا أحاديث كثيرة... وراج كثير منها بإظهار رواتها للصلاح والتقوى ))
أقول: راجع ما تقدم 61-65
قال (( ولم يعرف بعض الأحاديث الموضوعة إلا باعتراف من تاب إلى الله من واضعيها ))
أقول: من تدبر ما تقدم ص 61-65 وغيرها تبين له أن من كان حده أن
يكذب لا يخفى على حاله على الأئمة، غاية الأمر أنهم قد يقتصرون على قولهم (( متهم بالكذب )) ونحو ذلك. وبهذا تعلم أ نه لو فرض عدم اعتراف من اعترف لم يلزم من ذلك أن يحكموا لخبره الصحة
قال ص216 (( إن بعض الصحابة والتابعين كانوا يروون عن كل مسلم... وقد ثبت أن الصحابة كان يروي بعضهم عن بعض وعن التابعين حتى عن كعب الأحبار وأمثاله ))(177/247)
أقول: راجع ما تقدم 73-75-و 82و 89و 94-99و 109-110و 157
قال (( والقاعدة عند أهل السنة أن جميع الصحابة عدول.. . وهي قاعدة أغلبية لا مطردة ))
أقول: سيأتي النظر في هذا في فصل عدالة الصحابة
قال (( فكل حديث مشكل المتن أو اضطراب الرواية أو مخالف لسنن الله تعالى في الخلق أو لأصول الدين أونصوصه القطعة أو للحسيات وأمثالها من القضايا اليقينية فهو مظنة لما ذكرنا. فمن صدق رواية مما ذكر ولم يجد فيها إشكالاً فالأصل فيها الصدق، ومن ارتاب في شيء منها أو أورد بعض المرتابين أو المشككين إشكالاً في متونها فليحمله على ما ذكرنا من عدم الثقة بالرواية.. ... ))
أقول لا أ دري ما عني بالمشكل، فإن كان راجعاً إلى ما أتي فذاك، أما المضطرب فحمه معروف عند أهل العلم، وأما المخالف لسنن الله فمن سنن الله تعالى أن يخرق العادة إذا اقتضت حكته، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة لا تحصى. وراجع الوحي المحمدي ص63.وأما المخالف لأصول الدين فراجع ص2، وأما المخالف لنصوصه القطعية فراجع ص14، وبالجملة لا نزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخبر عن ربه وغيبه باطل، فإن روى عنه خبر تقوم الحجة على بطلانه
فالخلل من الرواية ن لكن الشأن كل الشأن في الحكم بالبطلان، فقد كثر اختلاف الآراء والأهواء والنظريات وكثر غلطها، ومن تدبرها / وتدبر الرواية وأمعن فيها وهو ممن رزقه الله تعالى ا لإخلاص للحق والتثبت علم أن احتمال خطأ الرواية التي يثبتها المحققون من أئمة الحديث أقل جداً من احتمال الخطأ الرأي والنظر، فعلى المؤمن إذا أشكل عليه حديث قد صححه الأئمة ولم تطاوعه نفسه على حمل الخطأ على رأيه ونظره أن يعلم أنه إن لم يكن الخل في رأيه ونظره وفهمه غير في الرواية، وليفزع إلى من يثق دينه وعلمه وتقواه مع الابتهال إلى الله عزوجل فإنه ولي التوفيق(177/248)
ثم قال أبو رية ص217 (( تدوين القرآن )).. . ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا قد عنوا بتدوين الحديث.. ... )) ثم قال ص218 (( كيف كان الصحابة.. . )) ثم قال (( كتاب الوحي.. . ))
أقول: راجع ص20-47
ثم قال ص218-219 (( وكان أول من كتب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة من قريش عبد الله بن سعيد بن أبي سرح ))
أقول: أنى لأبي رية هذا ؟ إنما قال لصاحب الاستيعاب وغيره عن عبد الله إنه أسلم قبل الفتح.
وقال ص219 (( جمع القرآن وسببه: روى البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء.. .. ولما تولى أبا بكر ونشبت حرب الردة وقتل فيها كثير من الصحابة خشي عمر من ضياع القرآن بموت الصحابة فدخل على أبي بكر وقال له: إن أصحاب رسول الله باليمامة يتهافتون تهافت الفراش في النار، وإني لأخشى أن لا يشهدوا موطناً إلا فعلوا ذلك حتى يقتلوا، وهم حملة القرآن..))
أقول: حديث زيد في مواضع من صحيح البخاري، راجع الفتح 8/259و9/9(177/249)
و19و13/159و 350 لم أجده في صحيح البخاري باللفظ الذي ساقه أبو رية. وراجعت فهارس البخاري للأستاذ رضوان محمد رضوان فذكر الحديث في المواضع الأربعة الأولى فحسب[وراجعت ذخائر المواريث فوجدته ذكر هذه المواضع ومواضع أخرى جاء فيها الحديث من وجه آخر، وليس فيه هذه الجملة]. والذي في صحيح البخاري في الموضع الأول (( إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن )) وفي الثاني (( إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني لأخشى إن استحر القتل بالقراء المواطن )) وتركت هذه الجملة في الثالث والخامس، وفي الرابع (( إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن )) وليحذر القارئ من إساءة الظن بأبي رية، بل ينبغي أن يحمل صنيعه هذا على أنه رجع عن الميل إلى منع من رواية الحديث بالمعنى، أو رأى جوازها في / غير الحديث النبوي- ولو مع التمكن من الاتيان باللفظ الأصلي- إذا كان ذلك لمصلحته، ومصلحته هنا أنه كره أن يصرح بأن الخشية كانت من استحرار القتل بقراء القرآن خاصة، وأحب أن يحملها من استحرار القتل بالصحابة على الإطلاق ليبنى على ما علقه في الحاشية إذ قال: (( مما يلفت النظر البعيد ويسترعى العقل الرشيد أن عمر لما راعه تهافت الصحابة في حرب اليمامة.. لم يقل عنهم إنهم جملة الحديث، بل قال إنهم حملة القرآن، ولم يطلب جمع الحديث وكتابته.. . وفي ذلك أقوى الأدلة وأصدق البراهين على أنهم لم يكونوا يعنون بأمر الحديث ولا أن يكون لهم فيها كتاب محفوظ ويبقى على وجه الدهر كالقرآن الكريم ))
أقول: الذي في الخبر كما رأيت خشية استحرار القتل بقراء القرآن، وبين القرآن والسنة فرق من وجوه: وبيان أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ الشريعة مما فيه الكتاب والسنة كما مر ص 20-21، ومع ذلك كلف الأمة القيام بما تيسر لها من(177/250)
الحفظ، ولما كان القرآن مقصوداً حفظ لفظه ومعناه، وفي ضياع لفظة واحدة منه فوات مقصود ديني، وهو مقدار محضور يسهل على الصحابة حفظه في الصدور وكتابته في الجملة كلفوا بحفظه بالطريقتين، وبذلك جرى العمل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فتوفاه الله تبارك وتعالى والقرآن كله محفوظ في الصدور مفرقا، إلا أن معظمه عند جماعة معروفين، وإنما حفظه جميعه بضعة أشخاص، ومحفوظ كله بالكتابة مفرقاً في القطع التي بأيدي الناس كم مر ص20.فلما استحر القتل بالقراء في اليمامة وخشي أن يستحر بهم في كل موطن ومن شأن ذلك مع صرف النظر عن حفظ الله تعالى أن يؤدي إلى نقص في الطريقة الأولى. رأي الصحابة أنهم إذا تركوا تلك القطع كما هي مفرقة بأيدي الناس كان من شأن ذلك احتمال أ، يتلف بعضها فيقع النقص في الطريقة الثانية أيضاً. ورأوا أنه يمكنهم الاحتياط للطريقة الثانية بجمع تلك القطع وكتابة القرآن ما في صحف تحفظ عند الخليفة، وإذ كان ذلك ممكنا بدون مشقة شديدة، وهو من قبيل الكتابة التي ثبت الأمر بها ولا مفسدة البتة، علموا أنه من جماعة ما كلفوا به، فوفقهم الله تعالى للقيام بهذا
أما السنة فالمقصود منها معانيها، وفوات جملة من الأحاديث لا يتحقق به فوات مقصود ديني، إذ قد يكون في القرآن وفيما بقى من الأحاديث ما يفيد معاني الجملة التي فاتت. وهي مع ذلك/ منتشرة لا تتيسر كتابتها كما تقدم ص21 فاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة بحفظها في الصدور كما تيسر بأ، يحفظ كل واحد ما وقف عليه ثم يبلغه عند الحاجة ولم يأمرهم بكتابتها، ولم يمكن حفظ معظمها مقصوراً على القرآن بل كا جماعة ليسوا من القراء عندهم من السنة أكثر مما عند بعض القراء
فالدلائل والقرائن التي فهم منها الصحابة أن عليهم أن يصنعوا ما صنعوا في جمع القرآن لم يتوفر لهم مثلها ولا ما يقاربها لكي يفهموا منه أن عليهم أن يجمعوا السنة.(177/251)
على أنهم كانوا إذا فكروا في جمعها بدا لهم احتمال اشتماله على مفسدة كما مر ص30، وكذلك كان فيه تفويت حكم ومصالح عظيمة ( راجع ص21-22). وتوقفهم عن الجمع لما تقدم لا يعني عدم العناية بالأحاديث، فقد ثبت بالتواتر تدينهم وانقيادهم لها وبحثهم عنها مكا تقدم في مواضعه، ولكنهم كانوا يؤمنون بتكفل الله تعالى بحفظها ويكرهون أن يعملوا من قبلهم غير ما وضح لهم أنه مصلحة محضة، ( راجع ص30)، ويعلمون أنه سيأتي زمان تتوفر فيه دواعي الجمع وتزول الموانع عنه، وقد رأوا بشائر ذلك من انتشار الإسلام وشدة إقبال الناس على من تلقى العلم وحفظه والعمل به، وقد أتم الله ذلك كما اقتضه حكمته
ثم ذكر ص220-222فصولاً في جمع القرآن، ثم قال ص223-232 (( تدوين الحديث ))
أقول: راجع لكتابة التابعين الحديث ص28و55، فأما اتباع التابعين فكانوا يكتبون ويحتفظون بكتبهم ولا سيما بعد أن أمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بالكتابة ( راجع ص30) وفي جامع بيان العلم لابن عبد البر بسنده إلى ابن شهاب الزهري قال (( أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا )) ثم أكثر ابن شهاب من الكتابة بعد وفاة عمر لما أ مر هشام بن عبد الملك. على أن ما كتب لعمر ولهشام لم يلق قبولاً عند أ هل العلم لأنهم كانوا يحرصون على تلقي الحديث من المحدث به مشافهة. لكن الرواة عن ابن شهاب وغيره انهمكوا في الكتابة. ثم شرع بعضهم في التصنيف، وقد ذكر أبو رية ص 229 عدة من المصنفين، وأحب أن أشير إلى من مات منهم قبل سنة 160:
فمنهم ابن جريج المتوفي سنة 150 له مصنفات تلقاها عنه جماعة، منهم حجاج ابن محمد الأعور وعبد الرزاق الصنعان، وعنهما الإمام أحمد وغيره. ولعبد الرزاق مصنفات موجودة
ومنهم ابن إسحاق صاحب المغازي توفي سنة 151،صنف السيرة وغيرها(177/252)
/ ومنهم معمر بن راشد توفي سنة 153 وله مصناف بعضها موجودة وأخذها عن عبد الرزاق وغيره، ومنهم الأوزاعي وسعيد بن أبي عروية توفيا سنة 156 وكانت مصنفاتهما عند جملة من أصحابهما، تلقاها عنهم الإمام أحمد وغيره
ثم قال أبو رية ص 233 (( أثر تأ خير التدوين.. .. ))
ذكر أنه لو دون الحديث كما دون القرآن لانسد باب الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وانسد باب التفريق في الدين
أقول: أأنتم أعلم أم الله؟ أرأيت لو قال قائل: لو خلق الله عباده على هيأ كذا لانسد باب ا لظلم والعدون والفجور، ولو أنزل القرآن وكل دلالاته يقينية لا يمكن أحد أن يشك أو يتشكك فيها لانسد باب التفرق، ولو، ولو، إ نما شأن المؤمن أن ينظر ما قضاه الله واختاره فيعلم أنه هو الحق المطابق للحكمة البالغة ن ثم يتلمس ما عسى أن يفتح الله عليه به من فهم الحكمة، وراجع ص55و 60-62. وذكر أموراً قد تقدم إليها النظر فيها فراجع الفهرس
ثم قال ص237 (( نشأة علم الحديث.. .. )) إلى أن قال ص240 (( الخبر وأقسامه )) وذكر المتواتر ثم علق عليه في الحاشية: ((... أنكر المسلمون أعظم الأمور المتواترة، فالنصارى واليهود هما أمتان عظيمتان يخبرون بصلب المسيح، والإنجيل يصرح بذلك، فإذا أنكروا هذ الخبر وقد وصل إلى أعلى درجات المتواتر فأي خبر بعده يمكن الاعتماد عليه والركون إليه ))
أقول: هذا إما جنون، وإما كفر فاختر، وما فيهما حظ لمختار. وقد بين علماء المسلمين سقوط دعوى تواتر الصلب بما لا مزيد فيه، وكل عاقل يعرف التواتر الحقيقي ثم يتدبر الواقعة يعلم أنها ليست منه، ومقتضى سياق أبي رية أنه يحاول
التشكك في المتواتر، وزعم أن دلالته ظنية فقط ( ألف)
ونقل ص241-242[انتهت في السطر الثالث]عبارة عن المستصفى، ينبغي مقابلتها بالمستصفى 142:1 مع قول المستصفي في الصفحة التي قبلها (( الخامس ) كل خبر... )) ومراجعة المسالة في الأحكام ابن حزم وغيره(177/253)
وقال ص242 (( ومن قواعدهم المشهورة.. . ولا يلزم من الإجماع على حكم مطابقته لحكم الله في نفس الأمر ))
أقول: يراجع البحث في كتاب الأصول، والمقصود هنا أن أبا رية يرى دلالة الإجماع بلفظ (ب)
وذكر آخر ص343 عن الرازي ((... وإذا ثبت هذا ظهر أن الدلائل النقلية ظنية، وأن العقلية قطعية، والظن لا يعارض القطع ))
أقول: للرازي تفصيل معروف، وقد تعقبه شيخ الإسلام ابن تيمة وغيره والحق أن في القرآن / دلالات قطعية، وأن دلالته المقطوع فيها بالظهور تكون قطعية إذا علم أنه لم يكن وقت حاجة المخاطبين إلى الأخذ بها قربته صارفة عن ذلك الظاهر، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، وينبغي أن يتنبه لأن القرينة إنما يعتمد بها إذا كانت بينة يدركها المخاطب إذا تدبر، ولتقرير هذا موضع آخر
ومقتضى صنيع أبي رية أن دلائل القرآن– بله الأحاديث-كلها ظنية (ج)
وقال قيل ذلك (( قال الجمهور إن أخبار الآحاد لا تفيد العلم قطعاً ولو كانت مخرجة في البخاري ومسلم، وأن تلقي الأمة لهما بالقبول إنما يفيد العلم بما فيهما بناء على أن الأمة مأمورة بالأخذ بكل خبر يغلب على الظن صدقة))
أقول: مسألة أخبار الصحيحين تأتي، وإنما المهم هنا أنه علق على آخر هذه
العبارة قوله (( ترى هل هذه القاعدة التي قررها قد أ مر الله بها ورسوله؟ وترة هل هي تخرجنا من حكم اتباع الظن الذي جاء في يات كثيرة من القرآن مثل ( وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ). ( وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) ومثل قوله تعالى في قول النصارى بصلب المسيح ( مالهم به من علم إلا ا تباع الظن ) )) (د)
تامل هذه القضايا المرموز على أواخرها بهذه الأحرف ( الف– ب- ج-د ) وانظر ماذا بقي لأبي رية من الدين ؟(177/254)
أما الآيات فقدقيل، وقيل. ومن تدبر السياق وتتبع مواقع لكمة (( يعني )) ومشتقاتها في القرآن وغيره تبين له ما يأتي: كلمة (( الحق )) في الآيتين مراد بها الأمر الثابت قطعياً وكلمة (( يعني )) معناها: (( يدفع )) كما حكاه البغوي في تفسيره، و يعبر عنها بقولهم (( يصرف )) ونحوه،راجع لسان العرب 376:19 ومنها في القرآن قوله تعالى (31:77 فهل أنتم مغنون عنها من عذاب الله من شيء ) وفي رواية أخرى (47:40 فهل أنتم معنون عنا نصبيباً من النار ) وهذا سياق الآية الأولى (31:10- قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر؟ فيقولون الله، فقل أفلا تتقون. فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال، فأنى تصرفون ) / فالكلام في محاجة المتخذين مع الله إلهاً آخر وكلمة (( الحق )) في قوله ( فماذا بعد الحق ) مراد بها الأمر الثابت قطعاً ومنه لا إله إلا الله، ثم ساق الكلام في تقريرههم إلى أن قال (36:10 ومن يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) فالحق هنا هو الأمر الثابت قطعاً كما مر، والمعنى: إن الظن لا يدفع شيئاً من الحق الثابت قطعاً، وعلى تعبير أهل الأصول: الظن لا يعارض القطع(177/255)
والآية الثانية في سياق محاجة المشركين القائلين: الملائكة بنات الله، ويمسمونهم بأسماء الإناث ويعبدونها، قال الله تعالى (23:53 إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن يتبعون إلا الظن وما تهوي الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) والهدى هنا بيان الحق الثابت قطعاً، فالمعنى أنهم يتبعون الظن والهوى معرضين عما يخالفه من الق الثابت قطعياً ثم قال تعالى (28:53 وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) أي ليس عندهم علم فيعارض الحق الثابت قطعاً، إنما عندهم ظن، والظن لا يدفع شيئاً من الحق الثابت قطعياً، أو: الظن لا يعارض القطع
وأما الآية الثالثة فهي (157:4 وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله، وما قتلوه، وما صلبوه، ولكن شُبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا ) المراد أن الله يخبر بأنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه، وخبره سبحانه يفيد العلم القطعي، وليس عند أهل الكتاب علم قطعي فيعاض خبر الله، وإنما عندهم ظن، والظن لا يعارض القطع
وقال أبو رية ص244 (( ابن الصلاح ومخالفوه.. .. )) وساق الكلام إلى أن قال 246 (( أما المتكلمون فقد عرف من حالهم أنهم يردون كل حديث يخالف ما ذهبوا إليه ولو كان من الأمور الظنية ))
أقول: أما في الأمور الظنية فالمعروف عنهم قبوله غير أنهم لا يجزمون بمدوله إذا كان في العقليات
ثم قال (( فمن ذلك حديث: تحاجت الجنة والنار.. .، أخرخه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.. .. ))
أقول: قد تقدم ص159 وبينت هناك أنه رواه مع أبي هريرة أنس وابو سعيد وأبي بن كعب(177/256)
ثم قال ص 247 (( فهذا الحديث ونظائره وهي كثيرة يبعد على المتكلم أن يقول بصحتها فضلاً عن أن يجزم بذلك، وإذا ألجئ إلى القول بصحتها لم يأل جهداً في تأويلها ولوعلى وجه لا يساعد اللفظ عليه بحيث يعلم السامع أن المتكلم لا يقول بجوازه في الباطن ))
/ أقول: هذا يتضمن الاعتراف بأن النصوص اللفظية تكون قطيعة الدلالة هذا ومسلكهم في التأويل هو عينه مسلكهم في دفاع الآيات الكثيرة لمخالفة لهم من القرآن، فإذا كان لا ينفي ثبوت الآيات القرآنية عن الله ورسوله قطعهاً فكذلك لا ينفي صحة الأحاديث الصحيحة ظناً أو قطعاً. وراجع ص2
وقال ص249 ((من المعروف. أنك تجد الحديث يعمل به الحنفي لشهرته ثم يأتي الشافعي فيرفضه لضعف في سنده، وتجد المالكي يرفض الحديث لأن العلم جلى على خلافه، ويعمل به الشافعي لقوة في سنده على ما رأى هو ))(177/257)
أقول: ما دمنا نعرف ان العلما \ء غير معصومين فاختلافهم في بعض الأحاديث أيؤخذ بها أم لا؟ ليس فيه ما يوهم ذا عقل أن الأحاديث كلها لا تصلح للحجة، ولا ما يقضي أن تلك الأحاديث المختلف فيها تصلح أو لا تصلح، بل المدار على الحجة فقد يرى العالم اشتهاراً حديث بين الناس فيغلب على ظنه أنه لم يشتهر إلا وأصله صحيح فيؤخذ به، فيأتي غيره فيبحث فيجد مرجع تلك الشهرة إلى مصدر واحد غير صحيح كما في مسألة القهقهة في الصلاة. وقد يبلغ العالم حديث من طريق واحد ويرى أن أهل العلم خالفوه فيمسك عنه، فيجئ غيره فيبحث فيجد الحديث ثابتاً ويجد بعض أهل العلم قد أخذوا به، وأن الذين لم يأخذوا به لم يقفوا عليه، أو نحو ذلك مما يبين أن عدم أخذهم به لا يخدش في كونه حجة، وقد ينعكس الحال، وعلى من بعد المحققين اتباع الحجة، فإن بقي بين متبعي الحجة خلاف فلا حرج، وإذا اتضح وبان أن الحق مع المختلفين ولكن أتباع الآخر أصورا على اتباعه، فليس في هذا ما يقدح في الحجة سواء أعذرنا أولئك الأتباع أم لم نعذرهم، وهكذا الاختلاف عند معارضة الحديث لبعض القواعد الشرعية أو لجميع الأقيسة
وقال: (( في مرآة الوصول وشرحها.. .. ))
وذكر ص 250عبارة لأبي يوسف نقلها من الأم الشافعي 207:7-308 وترك قطعاً منها. وقد تعقب الشافعي كلام أبي يوسف بما تراه هناك
وفي كلام أبي يوسف مما أرى التنبيه عليه أخبار:
الأول قال (( حدثنا ابن أبي كريمة عن جعفر عن رسول الله صلى الله ليه وسلم.. ... ))
أشار الشافعي إلى هذا الخبر في الرسالة ص 24-25 وقال (( رواية منقطعة عن رجل مجهول )) وفي التعليق هناك عن ابن معين والخطابي وغيرهم أنه موضوع
/ الثاني (( وكان عمر فيما بلغناه لا يقبل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بشاهدين ))
أقول: وهذا باطل قطعاً، تقدم رده ص46
الثالث (( وكان علي بن أبي طالب لا يقبل الحديث عن رسولا لله صلى الله عليه وسلم ))(177/258)
أقول: كذا وقع، وهو باطل قطعاً، ولعله أراد أن علياً كان يحلف من حدثه كمنا تقدم مع رده ص47
الرابع (( حدثنا الثقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه: إني لأحرم ما حرم القرآن، والله لا تمسكون علي بشيء ))
أقول: كذا وقع ولعله (( لا أحرم إلا ما حرم القرآن )) فقد روى بلفظ
(( لا أحرم إلا ما حرم الله كتابه )) راجع أحكام ابن حزم 77:2 ومجمع الزوائد 171:1 وهو على كل حال غير ثابت، ومع ذلك قد فسره الشافعي ثم ابن حزم بما يصحح معناه، ومن تتبع أقوال أبي يوسف في الفقة والاستدلالاته على أنه نفسه لا يرى صحة هذه الأخبار ولا يبني عليها، وإنما كثر بها السواد في بيان أن الأحكام لا تبنى إلا على رواية الثقات كما أشار إليه الشافعي إذ قال في تعقبه: وقد كان عليه أن يبدأ بنفسه فيما أمر به أن لا يروي عن النبي صلى الله عليه ولسم إلا من الثقات
وقال ص251 (( رأى مالك وأصحابه أنهم يقولون تثبت السنة من وجهين: أحدهما أن نجد الأئمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا بما يوافقها. الثاني أن لا نجد الناس اختلفوا فيها ))
أقول: لم يذكر مصدره، وهذه كتب المالكية أصولاً وفروعاً لا تعطي هذا نعم قد يقف المجتهد عن حديث ولا يبين غيره، أوريروي عنه بعض أصحابه كما لا يريد بها أن تكون قاعدة، فيذهب بعض أصحابه يحاول أن يضع قواعد يعتذر بها. وفي الأم 177:7- من قول الربيع: (( قلت [للشافعي] فاذكر ما ذهب إليه صاحبنا [مالك] من حديث النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يروت الأئمة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي شيئاً يوافقه. فقال: نعم سأذكر من ذلك إن شاء الله ما يدل على ما وصفت، وأذكر أيضاً ما ذهب إليه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه عن بعض الأئمة ما يخالفه.. ..(177/259)
قال أبو رية (( قد روى الدارقطني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها تكون بعدي رواة / يروون عني الحديث، فأعرضوا حديثهم على القرآن فما وافق القرآن فحدثوا به، وما لم يوافق القرآن فلا تحدثوا به ))
أقول:لم يذكر مصدره، وهذا هو الخبر الأول في عبارة أبي يوسف المتقدمة ص 178 وقد حكم الأئمة بأنه موضوع كما مر
قال (( وقد طعن رجال الأثر في هذا الحديث، ورووا حديثاً هذا نصه (( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه )) وهذا من أعجب العجب، لأنه إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي الكتاب- أي مثل القرآن ليكون تماماً على القرآن لبيان دينه وشريعته فلم لم يعن صلوات الله عليه بتدوينه وكتابته قبل أن ينظر إلى الرفيق الأعلى كما عني بالقرآن ))
أقول: قد تقدم البيان المنير في مواضع، منها ص20-21
قال: (( ولم ينه عن كتابته بقوله: لا تكتبوا عني غير القرآن ))
أقول: تقدم البيان الواضح ص 22-24
قال (( وهل يصح أن يدع الرسول نصف ما أوحاه الله إليه يعدوا بين الأذهان بغير قيد،يمكسه هذا وينساه ذاك ؟ وهل يكون الرسول- بعمله هذا- قد بلغ الرسالة على وجهها وأدى الأمانة كاملة لى أهلها ))؟
أقول: قد تقدم دفع هذا الريب ص20-21 والقدر الذي يحصل به تيبليغ الرسالة وأداة الأمانة إنما تحديده إلى الله عزوجل لا إلى المرتابين في حكمته سبحانه وتعالى وقدرته، وراجع ص32-33و52
قال ص252 (( وأين كان هذا الحديث عندما قال أبي بكر للناس.. ؟ وعند ما قال عمر.. .. ؟ ولم يشفق.... عندما فزغ إلى أبي بكر ))
أقول راجع ص36و 39و 173-174
وذكر توقف مالك وأبي حنيفة عن بعض الأحاديث لمعارضتها ما هو أقوى منها عندهما، وقد مر جوابه ص178
وذكر ص253 قصة مناظرة جرت بين الأوزاعي وأبي حنيفة، وهي قصة(177/260)
مكذوبة عارض بها بعض من لايخاف الله من الحنفي ة قصة مناظرة رواها الشافعية بسند واه، راجع سنن البيهقي 82:2 وفضائل أبي حنيفة الموفق 131:1، وكلتا القصتين مروية عن (( الشاذكوني قال: سمت سفيان بن عيينة.. . ))
ثم ذكر ص 254 ... كلام النحاة في الاستدلال بالأحاديث وهذا لا يهمنا مع أن الحق أن ابن مالك توسع، وأنه كما مر ص 60 يمكن بالنظر في روايات الأحاديث وأحوال رواتها أن يعرف في طائفة منها أنها بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم أو بلفظ الصحابي أو بلفظ التابعي، وهو ممن يحتج به في العربية لكن تحقيق ذلك يصعب على غير أهله، فلذلك أعرض قدماء النحاة عن الاحتجاج بالحديث ووجدوا في المتيسر لهم من القرآن وكلام العرب ما يكفي وذكر ص259 كلاماً للشيخ محمد عبده في حديث أن يهودياً سحر النبي صلى الله عليه وسلم
أقول: النظر في هذا في مقامات:
المقام الأول: ملخص الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم في فترة من عمره ناله مرض خفيف ذكرت عائشة أشد اعراضه بقولها (( حتى كان يرى أنه يأتي أهله ولا يأتيهم )) وفي رواية (( حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن)) وفي أخرى (( يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله ))، ولرواية الأولى فيما يظهر أصح الروايات فالأخريان محمولتان عليها... وفي فتح الباري 193:10 (( قال بعض العلماء: لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله، أن يجزم بفعله لذلك، وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت )) أقول: وفي سياق الحديث ما يشهد لهذا، فغن فيه شعوره صلى الله عليه وسلم بذاك المرض ودعاءه ربه أن يشفيه )) فالذي يتحقق دلالة الخبر عليه أن صلى الله عليه وسلم كان في تلك الفترة يعرض له خاطر أنه قد جاء إلى عائشة وهو صلى الله عليه وسلم عالم أنه لم يجئها ولكنه كان يعاوده ذاك الخاطر على خلاف عادته، فتأذى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وليس في حمل الحديث على هذا تعسف ولا تكلف(177/261)
المقام الثاني: في الحديث عن عائشة (( حتى إذاكان ذات يوم وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: يا عائشة أشرت أن الله أفتاني فيما استفتنيه فيه ؟ أتاني رجلان ( أي ملكان – كما في رواية أخرى- في صورة رجلين ).. فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو ؟ قال: في بئر ذروان. فأتاها رسول الله صلى الله9 عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء.. قلت يا رسول الله أفلا تستخرجه؟ قال قد عافاني الله، فكرهت أن أثبر على الناس شراً، فأمرت بها فدفنت ))
ومحصل هذا أن لبيد أراد الحاق ضرر بالنبي صلى الله عليه وسلم فعمل عملاً في شط ومشاطة الخ، فهل من شأن ذلك أن يؤثر؟ / قد يقال: لا، ولكن إذا شاء الله تعالى خلق الأثر عليه. والأقرب من ذلك: نعم بإذن الله، والإذن هنا خاص. وبيانه أن الأفعال التي من شأنها أن تؤثر ضربان: الأول ما أذن الله تعالى بتأثيره إذناً مطلقاً ثم إذا شاء منعه، وذلك كالإتصال بالنار مأذون فيه بالإحراق إذنا مطلقاً، فلما أراد الله تعالى منعه ( قال يانار كوني برداً وسلماً على إبراهيم )، من التأثير رفع المنع فيؤثر. وقوله تعالى في السحر (( وما هم بضارين من أحد إلا بإذن الله ) يدل أنه من الضرب الثاني، وأنا المراد بالإذن الإذن الخاص، والحكمة في مصلحة الناس تقتضي هذا، والواقع في شئونهم يشهد له، وإذ كان هذا حاله فلا غرابة في خفاء وجه التأثير علينا
المقام الثالث: النظر في كلام الشيخ محمد عبده. وفيه ثلاث قضايا:
القضية الأولى: قال (( فعلى فرض صحته هو آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد ))(177/262)
أقول: ما صحته فثابته باثبات أئمة الحديث لها، فإن أراد الصحة في نفص الأمر فهب أنا لا نقطع بها ولكنا نظنها ظناً غالباً،ولى كل الحالين فواضعونك القاعدة لا ينكرون أنه يفيد الظن، ومن أ نكر ذلك فهو مكابر، وإذا أفاد الظن فلا مفر من الظن وما يترتب على الظن، فلم يبق إلا أنه لا يفيد القطع، وهذا حق في كل دليل لا يفيد إلا الظن
القضية الثانية: أنه مناف للعصمة في التبليغ قال (( فإنه قد خالط عقله وإدراكه في ز عمهم.. فإنه إذا خولها.. في عقله كما زعموا جاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئاً وهو لم يبلغه، أو أن شيئاً ينزل عليه وهو لم ينزل عليه ))
أقول: أما المتحقق من معنى الحديث كما قدمنا في المقام الأول فليس فيه ما يصح أن يعبر عنه بقولك: (( خولط في عقله )) وإنما ذاك خاطر عابر، لو فرض أنه بلغ الظن فهو في أمر خاص من أمور الدنيا لم يتعده إلى سائر أمور الدنيا فضلاً عن أمور الدين،ولا يلزم من حدوثه في ذاك الأمر جوازه في ما يتعلق بالتبليغ بل سبيله سبيل ظنه أن النخل لا يحتاج إلى التأبير، وظنه بعد أن صلى ركعتين أنه صلى أربعاً وغير ذلك من قضايا السهو في الصلاة، وراجع ص18-19 وفي القرآن ذكر غضب موسى على أخيه هارون وأخذ برأسه لظنه انه قصر مع أنه لم يصر، وفيه قول يعقوب لبنيه لما ذكروا له ما جرى لابنه الثاني ( بل سولت لكم أنفسكم أمراً )) يتهمهم بتدير مكيدة مع أنهم حينئذ أبرياء صادقين. وقد يكون من هذا بض كلمات موسى للخضر. وانرظ قوله تعالى عن يونس ( فظن أن لن نقدر عليه ))
القضية الثالثة: الحديث مخالف للقرآن ( في نفيه السحر عنه صلى الله عليه وسلم وعده من افتراء المشركين عليه.. . مع أن الذي قصده المشركون ظاهر، لأنهم كانوا يقولون: إن الشيطان يلابسه عليه السلام، وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم(177/263)
وضرب من ضروبه، وهو بعينه أثر الحس رالذي نسب إلى لبيد.. .. وقد جاء بنفي السحر عليه السام حيث نسلب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعداءه ووبخهم على زعمهم هذا، فإذا هو ليس بمحسور قطعاً ))
أقول: كان المشركون يعلمون أنه لا مساغ لأن يزعموا أنه صلى الله عليه وسلم يفتري- أي يعتمد – الكذب على الله عزوجل فيما يخبر به عنه، ولا لأنه يكذب في ذلك مع كثرته غير عامد، فلجأوا إلى محاولة تقريب هذا الثاني. بزعم أن له اتصالاً بالجن، وأن الجن يلقون إليه ما يلقون فيصدقهم ويخبر الناس بما ألقوه إليه، هذا مدار شبهتهم، وهو مرادهم بقولهم: به جنة. مجنون. كاهن. ساحر. مسحور. شاعر، كانوا يزعمون أن للشعراء قرناء من الجن تلقي إ ليهم الشعر فزعموا أن شاعر أي أن الجن تلقي إليه كما تلقى إلى الشعراء ن ولم يقصدوا أنه يقول للشعر. أو أن القرآن شعر
إذ عرف هذا فالمشركون أرادوا بقولهم (إن تتبعون إلا رجلاً مسحورا ) أن أمر النبوة كله سحر – وأن ذلك الشيء عن الشياطين استولوا عليه- بزعمهم- يلقون إليه القرآن ويأمرونه ويفهمونه فيصدقهم في ذلك كله ظاناً أنه إنما يتلقى من الله وملائكته. ولا ريب أن الحال التي ذكر في الحديث عروضها له صلى الله عليه وسلم لفترة خاصة ليست هي هذه التي زعمها المشركون، ولا هي من قبلها في شيء من الأوصاف المذكورة إذن تكذيب القرآن وما زعمه المشركون لا يصح أن يؤخذ منه نفيه لما في الحديث
فإن قيل قد أطلق لى تلك الحالة أنها سحر، ففي الحديث عن عائشة (( سحر رسو ل الله صلى الله عليه وسلم رجل.. .. )) والسحر من الشياطين، وقد قال الله تعالى للشيطان ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان )
قلت: أما الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الملك فإ نما سماها طبا كما مر في الحديث، وقد أنشد ابن فارس في مقايين السنة 408:3:
وإن منت مسحوراً فلا برأ السحر
فإ ن كنت مطبوباً فلا زالت هكذا(177/264)
وأقل ما يدل عليه هذا أن الطب أخص من لاسحر، وأن من الأننواع التي يصاب بها الإنسان ويطلق عليها صحر ما يقال له (( طب )) وما لا يقال (( طب )) وعلى كل حال فالذي ذكر في الحديث ليس من نوع ما زعمه المشركون، ولا هو من ملابسة الشيطان، وإنما هو أثر النفس الساحر وفعله، وقد قدمت أن وقوع أثر ذلك نادر فلا غرابة في خفاء تفسيره. وهذا يغني عما تقدم ص 98
ثم نقل أبو رية ص261- فصلاً عن صاحب المنار فيه (( إن بعض أحاديث الآحاد تكون حجة على من تثبت عنده واطمأن قلبه بها، ولا تكون حجة على غيره يلزم العمل بها ))
أقول عدم الثبوت والطمأنية قد يكو لسبب بين، وقد يكون لسبب محتمل يقوى عند بعض أهل العلم ويضعف عند بعضهم، وقد يكون لمادون ذلك من خهوى وزيغ وارتياب وتكذيب، وعلى الأمة أن تنزل كل واحد من هؤلاء منزلته بحسب ما يتبين من حاله، وكما أننا إذا رأينا من يتعبد عبادة غير ثابتة شرعاً فسألته فذكر حديثاً باطلاً فبينا له فقال: هو ثابت عندي مطمئن به قلبي. كان علينا أن ننكر عليه، وكان على ولي الأمر ومن في معناه منعه ومعاقبته، فكذلك إ ذا رأينا رجلاً ينفي حديثاً ثابتاً وبينا له ثبوته فقالك لم يثبت عندي ولم يطمئن به قلبي. ولم يذكر سبباً، أو ذكر سبباً لا يعتد به شرعاً
قال (( ولذلك لم يكن الصحابة يكتبون جميع ما سمعوا من الأحاديث ويدعون إليها.. .. ))
أقول: قد تقدم الكشف عن هذا ص20-50
قال (( ولم يرض الإمام مالك من الخليفتين المنصور والرشيد أن يحمل الناس
على العمل بكتبه حتى الموطأ ))(177/265)
أقول: إنما ينكر الالزام بالموطأ، لأنه يعلم أ ن فيه أحاديث أخذ بها هو وقد يكون عند غيره ما يخصصها، أو يقيدها أو يعارضها، وفيه توقف عن أحاديث قد يكون عند غيره وما يقويها ويؤيدها، وقد يكون عند غيره أحاديث لم يقف عليها هو. وفيه كثير مما قاله باجتهاده في الأمة علماء لهم أن يجتهدوا ويعملوا بها رجع عندهم وإن خالفوا مالكاً، وفوق هذا كله فهو يعلم أنه نبي على ما فهمه من القرآن ومن الأحاديث التي ذكرها، وأن في علماء الأمة من يخالفه في بعض ذلك الفهم. وعلى كل حال فليس في امتناع مالك من إلزام الأمة كلها علمائها وعامتها بقوله ما يقتضي أن لا يلزم بالعلمك بالحديث من يعلم أنه ليس عنده من يخالفه إلا الهوى والزيع والارتياب والتكذيب والعناد
ثم قال ص 262 (( وإنما يجب العمل.. . )) كرر معنى ما تقدم
/ قال (( أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد.. . ))
أقول: راجع ص 182
قال (( وكل من ظهر له علة في رواية حديث فلم يصدق رفعه لأجلها فهو معذور كذلك ))
أقول: الصواب في هذا أن ينظر في تلك العلة ويعامل صاحبها بما يستحق كما مر
قال (( ولا يصح أن يقال إنه مكذب لحديث كذا ))
أقول: إما إن زعم أنه كذب فهو مكذب له، ولا يضره ذلك مالم يلزمه أحد أمرين: إما تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، وإما تكذيب صادق بغير حجة
قال (( وهي تفيد الظن ))
أقول: وفي هذا كلام معروف
قال (( ومن القواع الجليلة.. . أن طروء الاحتمال في المرفوع من وقائع الأحوال يكسوها ثوب الإجمال فيسقط به الاستدلال ))
أقول: موضع هذا أن يحتمل الخبر وجهين ولا دليل فيه على أحدهما، فإنه إذا كان أحدهما راجحاً فالحكم له
ثم قال أبو رية ص263 (( ليس في الحديث متواتر ... ))
أقول: من نفى هذا إنما نفى التواتر اللفظي، فأما المعنوي فكثير، فلتراجع الكتب التي نقل عنها
وذكر في الحاشية حديث الحوض، وكأنه استهزأ به، ومن استهزأ به فليس من أهله(177/266)
ثم ذكر شيئاً من تقسيم العلماء للحديث، إلى أن قال ص267 (( تعدد طرق الحديث لا يقويها. قال العلامة السيد رشيد رضا: يقول المحدثون في بعض الأحاديث حتى التي لم يصح لها سند: إن تعدد طريقها يقويها وهي قاعدة نظرية غير مطردة
أقول: أما اطلاق أبي رية في العنوان فباطل قطعاً كما سترى. وأما إشارة القرآن فيكن إ ثباتها باشتراط القرآن العدد في المشهور وقوله تعالى ( 14:36 إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث )، ومن السنة حديث ذي اليدين والمعقول واضح. نعم قوله (( غير مطردة )) حق لا ريب فيه، بل أزيد على ذلك أن بعض الأخبار يزيده تعدد الطرق وهنا، كأن يكون الخبر في فضل رجال من كل طريق من طرق كذاب أو متهم ممن يتعصب له أو مغفل أو مجهول
/ قال (( فتعدد الطرق في مسألة مقطوع ببطلانها شرعاً كمسألة الغرانيق أ و عقلاً لا قيمة له لجواز تلك الطرق على الباطل ))
أقول: أما الباطل يقنياً فلا يقيده التعدد شيئاً، بل يبعد جداً أن تتعدد طرقه تعدداً يفيده قوة قوية، نعم قجد يختلف المتن في الجملة ويكون الحكم بالبطلان إنما هو بالنظر إلى ما وقع في بعض الطرق، وقد يكون ذلك الخطأ وقع فيه وقد يفهم الناظر معنى بحكم بطلانه ن وللخبر معنى آخر مستقيم، وكثيراً ما يقع الخلل في الحكم بالبطلان
وقال أبو رية ص 269 (( كتب الحديث المشهورة )) ثم ذكر الموطأ وذكر أشياء ينبغي مراجعة مصادرها، إلى أن قال ص273 (( قال ابن معين: إن مالكاً لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي ))
أقول: لم يذكر مصدره إن كان له مصدر، ومن المتواتر ثناء ابن معين البالغ على مالك بمعرفة الحديث ورواته والإتقان والتثبت، وليس من شأن ابن معين النظر في الفقه
قال (( وقال الليث بن سعد: أحصيت على مالك سبعين مسألة وكلها مخالفة لسنة الرسول ))(177/267)
أقول: قد عرفنا أن مالكاً ربما توقف عن الأخذ بالحديث لاعتقاده أنه منسوخ أو نحو ذلك، وقد تبني على الحديث الواحد مئات من المسائل، وقد قال مالك (( إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فما وافق السنة فخذوا به[من ترجمة مالك في تهذيب التهذيب] ))
قال (( وقد اعترف مالك بذلك ))
أقول: لم يذكر مأخذه حتى نبين له غلطة أو مغالطته
قال (( وألف الدارقطني جزءاً يما خولف يه مالك من الأحاديث في الموطأ وغيره، وفيه أكثر من عشرين حديثاً ))
أقول: منها ما الصواب فيه مع مالك، ومنها ما كلا الوجهين صحيح، ومنها م الإختلاف فيه في أمر لا يضر
ثم قال (( البخاري وكتابه.. . )) إلى أن قال ص274 (( كان البخاري يروي بالمعنى.. .. ))
أقول: تقدم النظر في ذلك ص95
قال (( قال ابن حجر: من نوادر ما وقع في البخاري أنه يخرج الحديث تاماً بإسناد واحد ولفظين.. .. ))
أقول: عزاه إلى فتح الباري 186:10 وإنما هو في 193:10 من الطبعة الأولى الميرية، وبين ابن حجر هناك أن اختلاف اللفظ وقع ممن فوق البخاري لا من البخاري، فراجعه، وتعجب من أمانة أبي رية !
/ ثم قال (( موت البخاري قبل أن يبيض كتابه. يظهر أن البخاري مات قبل أن يتم تبيض كتابه، فقد ذكر ابن حجر في مقدمة فتح الباري أن أبا إسحق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أ صهل الذي كان عنده صاحبه محمد بن يوسف الفربري، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها أحاديث لم يترجم لها. فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. قال أبو الوليد الباجي: ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية.. . مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنهم انتسخوا من أصل احد، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرق أو رقعة مضافة أنه من موضع ما أضافه إليه. ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين أو أكثر من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث ))(177/268)
أقول: قول ابي رية (( قبل أبن يبيض )) يوهم احتمال أن يكون في النسخة مالم يكن البخاري مطمئناً إليه على عادة المصنفين، يستعجل أحدهم في التسويد على أن
يعود فينقح. وهذا باطل هنا، فإن البخاري حدث بتلك النسخة وسمع الناس منه منها وأخذوا لأنفسهم نسخاً في حياته، فثبت بذلك أنه مطمئن إلى جميع ما أثبته فيها. لكن ترك مواضع بياضا رجاء أن يضيفها فيما بعد فلم يتفق ذلك، وهي ثلاثة أنواع: الأول أن يثبت الترجمة وحديثاً أو أكثر ثم يترك بياضاً لحديث كان يفكر في زيادته، وأخر ذلك لسبب ما ككونه كان يجب إثباته كما هو في أصله ولم يتيسر له الظفر به حينئذ
الثاني أن يكون في ذهنه حديث يرى إفراده بترجمة فيثبت الترجمة ويؤخر إثبات الحديث لنحو ما مر
الثالث أن يثبت الحديث ويترك قبله بياضاً للترجمة لأنه يعني جداً بالتراجم ويصمنها حديثاً وينبه فيها على معنى خفي في الحديث أ حمله على معنى خاص أو نحو ذلك. فإذا كان متردداً ترك بياضاً ليتمه حين يستقر رأيه وليس في شيء من ذلك ما يوهم احتمال خلل في ما أثتبه. فأما التقديم وا لتأخير فالاستقرار يبين أنه لم يقع إلا في الأبواب والتراجم يتقدم أحد البابين في نسخه ويتأخر في أخرى، وتقع الترجمة قبل هذا الحديث في نسخة وتتأخر عنه في أخرى فيلتحق بالترجمة السابقة، ولم يقع من ذلك ما يمس سياق الأحاديث بضرر. وفي مقدمة الفتح بعد العبارة السابقة (( قلت: وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمعه بني الترجمة والحديث وهي مواضع قليلة جداً ))
ثم قال أبو ر ية ص 275 (( وقد انتقده الحفاظ في عشرة ومائة حديث،م منها 32 حديثاً وافقه مسلم على إخراجها ))
أقول: قد ساقها الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح وبين حالها، ومن تدبر ذلك علم أن الأمر فيها هين / ليس فيه ما يحط من قدر البخاري وصحيحه
قال (( وكذلك ضغف الحفاظ من رجل البخاري نحو ثمانين رجلاً.. . ))
أقول: سيأتي النظر في هذا قريبا(177/269)
قال (( وقال السيد محمد رشيد رضا بعد أن عرض للأحاديث المتنقدة على البخاري ما يلي: إذا قرأت ما قاله الحافظ فيه رأيتها كلها في صناعة الفن.. . ولكنك إذا قرأت الشرح نفسه ( فتح الباري ) رأيت له في أحاديث كثيرة إشكالات في معانيها أو تعارضها مع غيرها مع محاولة الجمع بين المختلفات وحل للمشكلات بما يرضيك بعضه فوق بعض ))
أقول: السيد رشيد رضا وغيره يعلمون أن في القرآن آيات يشكل بعضها على كثير من الناس، وآيات يتراءى فيها التعارض، والذين فسروا القرآن ومنهم السيد رشيد يحاولون حل ما يتراءى إشكاله والجمع بين ما يتراءى تعارضه ( بما يرضيك بعضه دون بعض ). والقرآن كله حق ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) فثبت بهذا أن ما ذكره السيد رشيد رضا في تلك الأحاديث لا تصلح دليلاً على البطلان
هذا وللإستشكال أسباب، أشدها استعصاء أن يدل النص على معنى هو حق في نفس الأمر لكن سبق لك أن اعتقدت اعتقاداً جازماً أنه باطل
وقال ص 276 (( وقال الدكتور أحمد أمين.... إن بعض الرجال الذين روى لهم [البخاري] غير ثقات، وقد ضعف الحافظ من رجال البخاري فوق الثمانين ))
أقول: هذا الأمر يتراءى مهولاً، فإذا تدبرنا حال أولئك الثمانين واستقر أنا ما أخرجه البخاري لهم اتضح أن الأمر هين، وقد ساق الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري تراجم هؤلاء وما قيل فيهم من مدح وقدح وما أخرجه لهم البخاري فذكر في أولهم ممن اسمه أحمد تسعة نفر اختلف فيهم وغالبهم من شيوخ البخاري الذين لقيهم واختبرهم، فثلاثة منهم اتضح أنهم ثقات وأن قدح من قدح فيهم ساقطاً كما(177/270)
تراه جلياً في مقدمة الفتح. وثلاثة فيهم كلام، وإنما أخرج لكل واحد منهم حديثاً واحداً متابعة، يروى البخاري الحديث عن ثقة أو أ كثر ويرويه مع ذلك عن ذاك المتكلم فيه، واثنان روى كلم منهما أحاديث / يسيرة ولكن المتسعملي - أحد رواة الصحيح عن الفربري عن البخاري – أدرج في بابرفع الأمانة من الرقاق قوله (( قال الفربري: قال أبو جعفر حدثت أبا عبد الله [البخاري] فقال: سمعت أبا [جعفر] أحمد بن عاصم يقول: سمعت أبا عبيد يقول قال الأصمعي وأبو عمرو وغيرهما: جذو قلوب الرجال – الجذر الأصل من كل شيء والو كت أثر الشيء ))
هذا هو التحقيق، وإن وقع في التهذيب ومقدمة الفتح ما يوهم خلافه، وراجع الفتح 286:11
وإذا قد عرفت حال الستعسة الأولين فقس عليهم الباقي، وإن شئت فراجع وابحث واتضح لك أن البخاري عن اللوم بمنجاة
ثم قال أحمد أمين (( وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل، فالوقوف على أسرار الرجال محال، نعم إن من زل واضحة سهل الحكم عليه، ولكن ماذا يصنع بمستور الحال)) ؟
أقول: الخبير الممارس لأحوال الناس وطباعتهم وللرواية وأحوال الرواة وما جرى عليه أئمة النقد يتبين له أن الله تعالى قد هيأ الأسباب لبيان الحق من الباطل وراجع ص 55و 62
قال (( ثم إن أحكام الناس على الرحال تختلف كل الاختلاف، فبعض يوثق رجلاً وآخر يكذبه، والبواعث النفسية على ذلك لا حد لها.. .. ))
أقول: إذ نظرنا إلى الواقع فعلا انقشع هذا الضباب، حسبك أن رجال البخاري
يناهزون ألفي رجل، وإنما وقع الاختلاف في ثمانين منهم، وقد عرضت سابقاً حال الثمانين
قال (( ولعل من أوضح ذلك عكرمة مولى ابن عباس.. .. ))(177/271)
أقول: ترجمة عكرمة في فتح الباري فلبيراجعها من احب، أما البخاري فكان الميزان بيده، لأنه كان يعرف عامة ما صح عن عكرمة أن حدث به فاعتبر حديثه بعضه ببعض من رواية أصحابه كلهم فلم يجد تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً لا يقع في أحاديث الثقات، ثم اعتبر أحاديث عكرمة عن ابن عباس وغيره بأحاديث الثقات عنهم فوجدها يصدق بعضها بعض، إلا أن ينفرد بعضهم بشيء له شاهد في القرآن أو من حديث صحابي آخر. فتيبن للبخاري أنه ثقة. ثم تأمل ما يصح من كلام من تكلم فيه فلم يجد حجة تنافي ما تبين له
قال: فابن جريج الطبري يثق به كل الثقة، ويملأ تفسيره وتاريخه بأقواله والرواية عنه
/ أقول: نعم يثق به ابن جرير، لكن ليس روايته عنه في تفسيره وتاريخه بدليل على ذلك، فإنه كثيراً ما يروي فيهما عمن ليس بثقة عنده ولا عند غيره لأنه لم يلتزم بالصحة
قال (( وسلم ترجح عنده كذبه فلم يرو إلا حديثاً واحداً في الحج، ولم يعتمد فيه عليه وحده وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير ))
أقول: كلمة (( كذبه )) لا وجه لها، ويردها ما بعدها، فإن من استقر الحكم عليه بأنه متهم بالكذب لا يتقوى بروايته أصلاً ولا سيما في الصحيح، لكن لعل مسلماً لم يتجشم ما تجشم البخاري من تتبع حديث عكرمة واعتباره، فلم يتبين له ما تبين للبخاري، فوقف عن الاحتجاج بعكرمة
ثم ساق أبورية فصولاً لم أنعم النظر فيها، وفيها مواصع قد تقدما الكلام فيها، إلى أن قال ص300 (( المحدثون لاي عنون بغلط المتون، والمحدثون قلماً يحكون على الحديث بالاضطراب إذا كان الاختلاف فيه واقعاً في نفس المتن، لأن ذلك ليس من شأنهم من جهة كونهم محدثين، وإنما هو من شأن المجتهدين، وإنما يحكمون على الحديث بالاضطراب إذا كان الاختلاف فيه في نفس الإسناد لأنه من شأنهم ))
أقول: الاختلاف في المتن على أضرب: الأول ما لا يختلف به المعنى. وهذا ليس باضطراب(177/272)
الثاني ما يختلف به معنى غير المعنى المقصود، وهذا قريب من سابقه، ومنه القضية التي استدل بها أبو رية في عدة مواضع يحسب أنه قد ظفر بقاسمة الظهر للحديث النبوي ! وهي الاختلاف والشك في الصلاة الرباعية التي سها فيها النبي صلى الله عليه وسلم فسلم من ركعتين فنبهه ذو اليدين، فوقع في رواية (( إحدى صلاتي العشي )) وي رواية (( الظهر )) وفي أخرى (( العصر )) فالأخريان مختلفتان لكن ذلك لا يوجب اختلافاً في المعنى المقصود فإن حكم لصلوات في السهو الواحد
الثالث ما يختلف به معنى مقصود لكن في الحديث معنى آخر مقصود لا يختلف كقصة المرأة التي زوجها النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بأن يعلمها ما معه من القرآن وقد تقدمت ص 59
الرابع ما يختلف به المعنى المقصود كله، فهذا لا يصح السند بالوجهين وأمكن الترجيح فالراجح هو الصحيح، وإلا فالوقف، والغالب أن البخاري ومسلماً ينبهان على الترجيح بطرق يعرفها من مارس الصحيحين، وكذلك كتب السنن يكثر فيها بيان الراجح، لكن قد لا يتبين لأحدهم فيرى أن عليه إثبات الوجهين يحفظهما لمن بعده، فرب مبلغ أوعى من سامع
/ وذكر ص 301 عن السيد رشيد رضا: أن علماء الحديث قلماً يعنون بغلط المتون ما يخص معانيها وأحكامها.. وإنما يظهر معاني غلط المتون للعلماء والباحثين في شروحها من أصول الدين وفروعه وغير ذلك ))
أقول: أما الكتب التي لم تلتزم الصحة ولا الاحتجاج فنعم، وقد يقع يسير من ذلك في صحيح مسلم، فأما صحيح البخاري وما يصححه الإمام أحم ونظراؤه فإنهم يعنون بذلك، وراجع لأصول الدين ما تقدم ص 2
وأشار إلى حديث (( خلق الله التربة الخ )) وقد تقدم ص 135-138، وإلى حديث أبي ذر في شأن الشمس وقد مر ص165 ويأتي ص213
وقال (( لو انتقدت الرواية من جهة فحوى متنها مكمنا تنتقد من جهة سندها لقضت المتون على كثير من الأسانيد بالنقض ))(177/273)
أقول: هذه دعوى إجمالية، والعبرة بالنظر في الجزئيات، فقد عرفنا من محاولي النقد أنهم كثيراً ما يدعون القطع حيث لا يقطع، ويدعون قطعاً يكذبه القرآن، ويقيمون الاستبعاد القطع مع أن الاستبعاد كثيراً ما ينشأ عن جهل بالدين وجهل بطبيعته وجهل بما كامن عليه الحال في العهد النبوي، وكثيراً ما يسيئون فهم النصوص
وقال ص303 (( وقد تعرض كثير من أئمة الحديث النقد من جهة المتن إلا أن ذلك قليل جداً بالنسبة لما تعرضوا له من النقد من جهة الإسناد ))
أقول: من تتبع كتب تواريخ رجال الحديث وتراجمهم وكتب العلل وجد كثيراً من الأحاديث يطلق الأئمة عليها (( حديث منكر. باطل. شبه الموضوع. موضوع )) وكثيراً ما يقولون في الراوي (( يحدث بالمناكير، صاحب مناكير، عنده مناكير منكر الحديث )) ومن أنعم النظر في أحاديثهم والطعن فيمن جاء بمنكر صار الغالب أن لا
يوجدحديث منكر إلا وفي سنده مجروح، أو خلل، فلذلك صاروا إذا استنكروا الحديث نظروا في سنده فوجدوا منا بينه وهنه فيذكرونه، وكثيراً ما يستغنون بذلك عن التصريح بحال المتن، انظر موضوعات ابن الحوزي وتدبر تجده إنما يعمد إلى المتون التي يرى فيها ما ينكره ولكنه قلما يصرح بذلك بل يكتفي غالباً بالطعن في السند وكذلك كتب العلل وما يعل من الأحاديث في التراجم تجد غالب ذلك ما ينكره متنه، ولكن الأئمة يستغنون عن بيان ذلك بقولهم (( منكر )) أو نحوه أو الكلام في الراوي أو التنبيه على خلل من السند كقولهم: فلان / لم يلق فلاناً لم يسمع منه. لم يذكر سماعاً. اضطرب فيه. لم يتابع عليه. خالفه غيره. يروي هذا موقوفاً وهو أصح، ونحو ذلك(177/274)
وذكر حديث (( يلقى إبراهيم أبيه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب إ نك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد. فقال الله تعالى: إني حرمت الجنى على الكافرين.. .)) وذكر قول الإسماعيلي (( هذا حديث في صحته نظر من جهة أن إبراهيم عالم بأن الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما بأبيه خزياً له مع إخباره أن الله قد وعده ان لا يخزيه يوم يبعثون، وأعلمه أنه لا خلف لوعده ))
أقول: عن هذا جوابان: ا لأول أن إبراهيم لم يجعل ما بأبيه حينئذ من القترة والغبرة خزياً، إنما جعل الخزي ما كان منتظراً من دخول النار كا يدل على إجابة الله تعالى له بقوله: إني حرمت الجنة على الكافرين وكما يشهد له ما ذكره الله من قول عباده ( 192:3 ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته )) فدعاؤه إنما هو استنجار الموعد كما في ( 194:3 ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في عريش بدر ( اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ). ومن هذا أو مما يأتي ما قصه الله تعالى عن نوح من قوله (45:11 رب إن ابني من أهلي وإ ن وعدك الحق ). الثاني أن المخلوق قد يتملكه النظر من جهة فيناله ذهول من الجهة الأخرى، كا قصه الله تعالى عن الملئكة من قولهم (30:2أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء ) ومن قول زكريا أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ) وقد بين الله تعالى لخليله أن الجنة محرمة على الكافرين، وبذلك لا يكون أبوه داخلاً في الوعد بل ليس في دخول آزر بكفره النار خزي لإبراهيم، لكن هذه الحقيقة إنما تكشف حق الانكشاف لأهل الجنة بعد دخولها، وقد يكون في بقية الحديث ما يستفاد من أن الله تعالى كشف لإبراهيم تلك الحقيقة حينئذ، فراجعه وتدبر ما مر واعتبر به(177/275)
ثم ذكر أبو رية فصولاً، إلى أن قال ص 307 (( اختلافهم في الجرح والتعديل )) وسمي جماعة ينبغي مراجعة تراجمهم في كتب الحال، وراجع ص 189
وقال ص309 ((وقال صاحب العلم الشامخ:د اختلفت آراء الناس واجتهاداتهم في التعديل والتجريح، فترى الرجل الواحد تختلف فيه الأقوال حتى يوصف بأنه أمير المؤمنين وبأنه أكذب الناس، أو قريب من هاتين العبارتين ))
/ أقول: قد تقدم ص189 أن المختلف فيهم قليل، ولا تبلغ كلمتان في رجل واحد هذا التفاوت الذي ذكره ولا ما يقاربه إلا قليلاً حيث يكون في إحداهما خلل، وللخلل أسباب وعلامات بسطت القول فيها بعض البسط في ( التنكيل )، والناظرون في العلم ثلاثة: مخلص مستعجل يجأر بالشكوى، ومتبع لهؤلاء فأنى يهديه الله، ومخلص دائب فهذا ممن قال الله تعالى فيهم ( والذين جاهدا فينا لنهديهم سبلنا،
وإن الله لمع المحسنين ) وسنة الله عزوجل في المطالب العالية والدرجات الرفيعة أن يكون في نيلها مشقة ليتم الابتلاء ويستحق البالغ إلى تلك الدرجة شرفها وثوابها قال
الله تعالى (31:47ولنبولنكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم )
وذكر عن السيد رشيد رضا (( إن توثيق من وثقه المتقدمون وإن ظهر خلاف ذلك بالدليل يفتح باب الطعن في أنفسنا ينبذ الدليل.. . ))
أقول: هذا حق، ولكن شأن في الدليل الصحيح الذي يعارضه ما هو أقوى منه
الصحابة رضي الله عنهم
ثم قال أبو رية ص30 (( عدالة الصحابة.. . ))(177/276)
أقول: الآيات القرآنية في الثناء على الصحابة والشهادة لهم بالإيمان والتقوى وكل خير معروفة، ومن آخرها نزولاً قول الله عزوجل (117:9 لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) ساعة العسرة غزوة تبوك، وكلمة ((المهاجرين )) هنا تشمل السابقين واللاحقين ومن كان معهم من غير الأنصار، ولا نعلمه تخلف ممن كان بالمدينة من هؤلاء أحد إلا عاجزاً أو مأمور بالتخلف مع شدة حرصه على الخروج، وفي الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من تبوك (( إن المدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم.. حبسهم العذر )). وفي الفتح أن المهاب استشهد لهذا الحديث بقول الله تعالى ( 59:4 لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون )) وهو استشهاد متين، والمأمور بالتخلف أولى بالفضل. وفي هذا وآيات أخرى ثناء يعم المهاجرين من لحق بهم لا نعلم ثم ما يخصصه، فأما الأنصار فقد عمت الآية من خرج معهم إلى تبوك والثلاثة الذين خلفوا والمهاجرين، ولم يبق إلا نفر كانوا(177/277)
منافقين. وفي الصحيح في حديث كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا: (( فكنت إذا خرجت إلى الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى / إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء )) وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك، ثم تأكد ذلك بتخلفه لغير عذر وعدم ثبوبتهم، ثم نزلت سورة براءة فقشقشتهم وبهذا يتضح أنهم قد كانوا مشاور إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فأما قول الله عزوجل ( لا تلعمهم، نحن نعلمهم ) فالمراد والله أعلم بالعلم ظاهره أي باليقين، وذلك لا ينفي كونهم مغموصين أي متهمين، غاية الأمر أنه يحتمل أن يكون في المتهمين من لم يكن منافقاً في نفس الأمر، وقد قال تعالى ( ولتعرفنهم في لحن القول) ونص في سورة براءة وغيرها على جماعة منهم بأوصافهم، وعين النبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم، فمن المحتمل أن الله عزوجل بعد أن قال ( لا تعلمهم ) أعلمه به كلهم، وعلى كل حال فلم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد عرف أصحابه المنافقين يقيناً أو ظناً أو تهمة، ولم يبق أحد من المنافقين غير متهم بالنفاق. ومما يدل على ذلك، وعلى قلتهم وذلتهم وانقماعهم ونفرة الناس عنهم، أنه لم يحس لهم عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حراك، ولما كانوا بهذه المثابة لم يكن لأحد منهم مجال في أن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يعلم أن ذلك لا يعرضه لزيادة التهمة ويجر إليه ما يكره. وقد سمي أهل السير والتاريخ جماعة من المنافقين لا يعرف عن أحد منهم أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجميع الذين حدثوا كانوا معروفين بين الصحابة أنهم من خيارهم(177/278)
وأما الأعراب فإن الله تبارك وتعالى كشف أمرهم بموت رسوله صلى الله عليه وسلم، فارتد المنافقون منهم، فيتبين أنه لم يحصل لهم بالاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم ما يستقر لهم به اسم الصحبة الشرعية، فمن أسلم بعد ذلك منهم فحكمه حكم التابعين وأما مسلمة الفتح فإن الناس يغلطون فيهم يقولون: كيف يعقل أن ينقلبوا كلهم مؤمنين بين عشية وضحاها، مع أنهم إذا أسلموا حين قهروا وغلبوا ورأوا أن بقاءهم على الشرك يضر بدنياهم، والصواب أن الإسلام لم يزل يعمل في النفوس منذ نشأته. ويدلك على قوة تأثيره أمور: الأول ما قصه الله تبارك وتعالى من قولهم ( 26:41 لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) وقولهم (42:25 إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها )
الثاني ما ورد من صدهم للناس أن يسمعوا القرآن حتى كان لا يرد مكة وارد إلا حذروه أن يستمع إلى / النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اشتراطهم على الذي أجار أبا بكر أن يمنعه من قراءة القرآن بحيث يسمعه الناس(177/279)
الثالث وهو أوضحها إسلام جماعة من أبناء كبار رؤسائهم ومفارقتهم آباءهم قديماً، فمنهم عمرو وخالد ابنا أبي أحيحة سعيد بن العاص، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وعبد الله أبو جندل انبا سهيل بن عمرو وغيرهم، وآباء هؤلاءهم أكابر رؤساء قريش وأعزهم وأغناهم، فارقهم أبناؤهم وأسلموا، فتدبر هذا، فقد جرت عادة الكتاب إذا ذكروا السابقين إلى الإسلام ذكروا الضعفاء فيتوهم القارئ أنهم أسلموا لضعفهم وسخطهم على الأقوياء وحبهم للانتقام منهم على الأقل لأنه لم يكن لهم من الرياسة والعز والغنى ما يصدهم عن قبول الحق وتحمل المشاق في سبيله والحقيقة أعظم من ذلك كما رأيت، إلا أن الرؤساء عاندوا واستكبروا، وتابعهم أكثر قومهم مع شدة تأثرهم بالإسلام، فكان في الشبان من كان قوي العزيمة فأسلموا وضحوا برياستهم وعزهم وغناهم، متقبلين ما يستقبلهم من مصاعب ومتاعب، وبقي الإسلام يعمل عمله في نفوس الباقين، فلم يزل الإسلام يفشوا فيهم حتى بعد هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم لما كان صلح الحديبية وتمكن المسلمون بعده من الاختلاط بالمشركين ودعوة كل واحد قريبه وصديقه فشا الإسلام بسرعة وأسلم في هذه المدة من الرؤساء خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة وغيرهم، والإسلام يعمل عمله في نفوس الباقين
ونستيطع أن نجزم أن الإسلام كان قد طرد الشرك خرافاته من النفوس عقلاء قريش كلهم قبل فتح مكة، ولم يبق إلا العناد المحض بلفظ آخر أنفاسه، فلما فتحت مكة مات العناد ودخلوا في الإسلام الذي قد كان تربع في نفوسهم من قبل. نعم بقي أثر في صدور بعض الرؤسا. فسط لهم النبي صى الله عليه وسلم التأليف يوم فتح مكة وبعده وآثرهم بغنائم حنين، ولم يزل يتحراهم بحسن المعاملة حتى اقتلع البقية الباقية من أثر العناد(177/280)
ثم كان من معارضة الأنصار بعد النبي صلى الله عليه وسلم لقريش في الخلافة واستقرار الخلافة لقريش غير خاصة بيت من بيوتها، وخضوع العرب لها ثم العجم، ما أكد حب الإسلام في صدر كل قرشي، وكيف لا وقد جمع لهم إلى كل شير كانوا يعتزون به من بطحاء مكة آلاف الأميال، وجعلهم ملوك الدنيا والآخرة، م يوضخح لك لك أن الذين عاندوا إل يوم الفتح كانوا بعد ذلك من أجد الناس في الجهاد / كسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث ويزيد بن أبي سفيان
فأما ما يذكره كثير من الكتاب من العصبية بني بني هاشم وبني أمية فدونك الحقيقة:
شمل الإسلام الفريقين ظاهراً وباطناً، وكما أسلم قديماً جماعة من بني هاشم فكذلك من بني أمية كابني سعيد بن العاص وعثمان بن عفان وأبي حذيفة بن عتبة، وكما تأخر الإسلام جماعة من بني أمية فكذلك من بني هاشم، وكما عاداه بعض بني أمية فكذلك بعض بني هاشم كأبي لهب بن عبد المطلب وأبي سفيان بن الحارث بن المطلب، ونزل القرآن يذم أبي لهب ولا نعلمه نزل في ذم أموي معين، وتزوج النبي(177/281)
صلى الله عليه وسلم بنت أبي سفيان بن حرب الأموي ولم يتزوج هاشمية، وزوج إحدى بناته في بني هاشم وزوج ثلاثاً في بني أمية، فلم يبق الإسلام في أحد الجانبين حتى يحتمل أن يستمر هدفاً لكراهية الجانب الآخر. بل ألف الله قلوبهم فأصبحوا بنعمتة إخوانا وأصبح الإسلام يلفهم جميعاً: يحبونه جميعاً ويعظمونه جميعاً ويعتزون به جميعاً ويحاول كل منهم أن يكون حظه منه أوفر، ولم تكن بيين فتح مكة وبين ولاية عثمان الخلافة تفرد ما بين العشيرتين، فلما كانت الشورى وانحصر الأمر في علي وعثمان فاختير عثمان وجدت الأوهام منقذاً إلى الخواطر ثم لما صار في أواخر خلافة عثمان جماعة من عشيرته بني أمية وعمالاً وصار بعض الناس يشكوهم أشيعت عن علي كلمات يندد بهم ويتوعدهم بإنه إذا ولى خلافة عزلهم وأخذ أموالهم وفعل وفعل، ثم كانت الفتنة وكان لبعض من يعد من أصحاب على إصبع فيها، حتى قتل عثنمان وقام قلتلته بالسعي لمبايعة علي فبويع علي وبقي جماعة منهم في عسكره، فمن تدبر هذا وجد هذه الأسبباب العارضة كافية لتعليل ما حدث بعد ذلك، إذن فلا وجه لاقحام ثارات بدر وأحد التي أماتها ا لإسلام وما حكى مما يشعر بذلك لا صحة له البتة، إلا نزعة شاعر فاجر في زمن بني العباس يصح أن تعد من آثار الاسراف في النزاع لا من مؤثراته، وجرى من طلحة والزبير ما جرئ فأي ثار لهما كان عند بني هاشم ؟
وبهذا يتضح جلياً أن لا مساغ البتة لأن يعلل خلاف معاوية يطلبه بثأر من قتل من آله ببدر، ثم يتذرع بذلك إلى الطعن في إسلامه، ثم في إسلامه نظرائه !
فإن قيل: مهما يكن من حال الصحابة فإنهم لم يكونوا معصومين فغاية الأمر أن يحملوا على العدالة ما لم يتبين / خلافها، فلماذا يعدل المحدثون من تبين ما يوجب جرحه منهم ؟
فالجواب من أ وجه: الأول أنهم تدبروا ما نقل من ذلك فوجدوه ما بين غير
ثابت نقلاً أو حكماً أو زلة تيب منها أو كان لصاحبها تأويل(177/282)
الوجه الثاني: أن القرآن جعل الكذب على الله كفراً، قال تعالى (68:2 ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوي للكافرين ) والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الدين والغيب كذب على الله، ولهذا صرح بعض أهل العلم بأنه كفر، اقتصر بعضهم على أنه من أكبر الكبائر، وفرق شيخ الإ سلام ابن تيمية بين من يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا وساطة الصحابي إذا قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا، وبين غيره، فمال إلى تعمد الأول الكذب كفر وتردده في الثاني. ووقوع الزلة أو الهفوة من الصحابي لا يسوغ احتمال وقوع الكفر منه. هب أن بعضهم لم يكن يرى الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كفراً، فإنه علىكل حال – يراه أغلظ جداً من الزلات والهفوات المنقولة
الوجة الثالث: أن أئمة الحديث اعتمدوا فيمن يمكن التشكك في عدالته من الصحابة اعتباراً لما ثبت أنهم حدثوا به عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر عنه، وعرضوها على لكتاب والسنة وعلى رواية غيرهم مع ملاحظة أحوالهم وأهوائهم، فلم يجدوا من ذلك ما يوجب التهمة، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من الصحابة ممن لا تتجه إليه تهمة، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو ما يشهد له، وراجع ص64 وهذا الوليد بن عقبة بن ابيم معيط يقول المشنعون: ليس من المهاجرين والأنصار، إنما هو من الطلقاء. ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل أبيه عقب بدر قال يا محمد فمن للصبية؟ يعني بنيه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لهم النار. ويقولون إن هو الذي أنزل الله تعالى فيه ( يا آيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبنوا ) فنص القرآن أنه فاسق يجب التبين في خبره، ويقولون إنه في زمن عثمان كان أميراً على الكوفة فتشهدوا عليه أنه شرب الخمر وكلم علي عثمان في ذلك فأمره أن يجلده فامر علي عبد الله بن جعفر فجلده، ومنهم من يزيد أنه صلى(177/283)
بهم الصبح سكران فصلى أربعاً ثم التفت فقال: أزيدكم؟ وكان الوليد أخا عثمان لأمه، فلما قتل عثمان صار الوليد ينشء الأشعار يتهم علياً بالموالاة على قتل عثمان ويحرض معاوية على قتال علي
/ هذا الرجل أشد ما يشنع به المعترضون على إطلاق القول بعدالة الصحابة، فإذا نظرنا إلى ريواته عن النبي صلى الله عليه وسلم لنرى كم حديثاً روى في فضل أخيه، وولى نعمته عثمان ؟ وكم حديثاً روى في ذم الساعي في جلده الممالي على قتل أخيه في ظنه، علي ؟ وكم حديثاً روى في فضل نفسه ليدافع ما لحقه من الشهرة بشرب الخمر؟ هالنا أننا لا نجد له رواية البتة، الهلم إلا أنه يوجد عنه حديث في غير ذلك لا يصح عنه، وهو ما رواه أحمد وأبو داود نم طريق رجل يقال له أبو موسى عبد الله الهمداني عن الوليدبن عقبة قال: (( لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصيبيانهم فيمسح على رءوسهم ويدعو لهم، فجئ بي إليه وأنا مطبيب بالخلوق فلم يمسح رأسي، ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خلقتني بالخلوق، فلم يمسني من أجل الخلوق ))
هذا جميع ما وجدناه عن الوليد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنت إذا تفقدت السند وجدته غير صحيح لجهالة الهمداني، وإذا تأملت المتن لم تجده منكراً ولا فيه ما يمكن أ، يتم فيه الوليد، بل الأمر بالعكس فإنه لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، وذكر أنه لم يمسح رأسه، ولذلك قال بعضهم: قد علم الله تعالى حاله فحرمه بركة يد النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه. أفلا ترى معي في هذا دلالة واضحة على أنه كان بين القوم وبين الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم حجر محجور ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على الاخنائي ص163 (( فلا يعرف من من الصحابة من كان يعتمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان فيهم من له ذنوب لكن هذا الباب مما عصمهم الله فيه ))(177/284)
قد ينفر بعض الناس من لفظه (( العصمة )) وإنما المقصود أن الله عزوجل وفاء بما تكفل به من حفظ دينه وشريعته هيأ من الأسباب ما حفظهم به وبتوفيقه سحانه من أن يتعمد أحد منهم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن قيل: فلماذا لم يحفظهم الله تعالى من الخطأ ؟ قلت الخطأ إذا وقع من أحد منهم فإن الله تعالى يهيئ ما يوقف به عليه، وتبقي الثقة به قائمة في سائر الأحاديث التي حديث بها مما لم يظهر فيه خطأ، فأما تعمد الكذب فإنه إن وقع في حديث واحد لزم إهدار الأحاديث التي عند ذاك الرجل كلها، وقد تكون عنده أحاديث ليست عند غيره. راجع ص20-21
هذا وفي كتاب أبي رية ص42-53 (( كلام أخرت النظر فيه إلى هنا كما أشرت إليه ص52 من كتابي هذا، قال ص42 (( الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم قبل وقاته.. .. ))
/ ثم ذكر ما روى عن ابن بريدة عن أبيه بريدة بن الحصيب قال (( كان حي من بني ليث على ميلين من المدينة، فجاءهم رجل وعليه حل، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساني هذه الحلة وأمرني أن أحكم في دمائكم وأموالكم بما أرى – وكان قد خطب منهم امرأى [في الجاهلية] فلم يزوجوه، فانطلق [حتى نزل] على تلك المرأة، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: كذب عدو الله، ثم أرسل رجلاً. فقال إن وجدته حياً [ ولا أراك تجده ] فاضرب عنقه، وإن وجدته شيئاً فحرقه بالنار ))
أقول: عزاه إلى أحكام ابن حزم، ومنه أضفت الكلمات المحجوزة، وانظر لماذا أسقطها أبو رية ؟ ورواية عن ابن بريدة صالح بن حيان وهو ضعيف له أحاديث منكرة، وفي السند غيره،وقد رويت القصة من وجهين آخرين بقريب من هذا المعنى وفي كل منها ضفع. راجع مجمع الزوائد 145:1. وعلي فرض صحته فهذا الرجل(177/285)
كان خطيب تلك المرأة في الشرك فردوه، فلما أ سلم أهلها سولت له نفسه أن يظهر الإسلام ويأتيهم بتلك الكذبة لعله يتمكن من الخلوة بها ثم يقر، إذ لا يعقل أن يريد البقاء وهو يعلم أنه ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم سوى مياين، فأنكر أهلها أن يقع مثل ذلك عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأوا أن ينزلوا الرجال محترسين منه، ويرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبرونه. وقوله صلى الله عليه وسلم (( ولا أراك تجده )) ظن منه أن عقوبة الله عزوجل ستعاجل الرجل. وكذلك كان كما في الطرق الأخرى، وجده الرسول قد مات، وفي رواية (( خرج ليبول فلدغته حية فهلك )) وحدوث مثل هذا لا يصلح للتشكيك في صدق بعض من صحب النبي صلى الله عليه وسلم غير متهم بالنفاق ثم استمر على الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. يراحع ص13 فما بعدها، وتعجيل العقوبة القدرية لذلك الرجل يمنع غيره من أن تحدثه نفسه بكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وكذا من باب أولى بعد وفاته، فإن العقوبة القدرية لم تمهل ذاك مع أنه يصدد أن تناله العقوبة الشرعية، ولا يترتب على كذبه المفاسد؟ ولهذا جاء في رواية أن الصحابي بعد صلى الله عليه وسلم ذكر حديثاً فاستثبته بعض الناس فحدث بالقصة ثم قال (( أتراني كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا )) ؟ وذكر أبو رية خبر المقنع التميمي، ويقال: المنقع، وسنده واه جداً يشمل على مجاهيل وضعفاء فلا أطيل به، هذا من الحكمة في اختصاص الله تعالى اصحاب رسوله بالحفظ من الكذب عليه أنه سبحانه كره أ ن يكونوا هدفاً لطعن من بعدهم لأن ذريعة إلى الطعن في الإسلام جملة. وليس هناك سبب مقبول للطعن إلا أن يقال: نحن مضطرون إلى بيان أحوالهم ليعرف من لا يحتج بروايته منهم، فاقتضت الحكمة حسم هذا لقع العذر عمن يحاول الطعن في أحد منهم(177/286)
وقال ص43 (( الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.. . فإن الكذب قد كثر عليه بعد وفاته.. .. ))
أقول: قد كان كذب، لكن متى؟ وممن ؟ لا شأن لنا بدعاوي أبي رية، وإنما ننظر في شواهده:
/ ذكر قصة بشير (( بالتصغير ) بن كعب العدوي مع ابن عباس في مقدمة صحيح مسلم وجعلها قصتين وإنما هي روايتان. ويشير هذا غير بشير ( بفتح فكسر) بن كعب بن أبي الحميري العامري الذي شهد اليرموك، بل هذا أصغر منه بكثير، وأخطأ من عدهما واحداً، راجع الإصابة. وهذا عراقي بصري له قصة مع عمران بن حصين في الحياة تدل أنه كان يقرأ صحف أهل الكتاب، وقصته مع ابن عباس يظهر أنها كانت حوالي ستة سنين، فإن ابن عباس توفي سنة 68 أبو بعدها وعاش بشير بعد ابن عباس زمانا
روى مسلم قصة من طريق طاوس ومجالد، وحاصلها أن بشيراً جاء إلى ابن عباس فجعل يحدث ( زاد مجاهد: ويقول قال رسول الله صلى الله عليهوسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال طاوس: فقال له ابن عباس عد لحديث كذا وكذا، فعاد له. ثم حدثه فقال له: عد لحديث كذا وكذا، فعاد له، فقال له ما أدري أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا. أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا ؟ فقال ابن عباس: إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يكذب عليه. فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه( وفي رواية طاوس هي أثتب عن الأولى، قال: إنا كنا نحف الحديث والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما إذ ركبتم كل صعف وذلول فهيهات ) ولفظ مجاهد: فجعل اب عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي.. . فقال ابن عباس: (( إذا كنا مرة إذ سمعنا رجلاً يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا من نعرف ))(177/287)
عرف ابن عباس أن بشيرا ً ليس بصحابي، ومع ذلك لم يدرك كبار الصحابة، ولعله مع ذلك لم يكن يعرف بالثقة، وفوق ذلك كأن يرسل، لا جرم لم يصغ إلى أحاديثه، فأما استعادته بعضها فكأن المستعاد كأن أحاديث يرفعها عن ابن عباس، فأراد أن يصححها لبشير إن كان عنده فيها خطأ
كانت القصة حوالي سنة ستين كما مر، وقد ظهر الكذب بالعراق قبل ذلك كما يؤخذ مما يأتي، وبشير عراقي فليس في القصة ما يخدش في صدق الصحابة رضي الله عنهم، ولا ما يدل على ظهور الكذب بعد وفاة النبي بمدة يسيره، وقوله في إحدى روايتي طاوس (( تركنا الحديث عنه )) يريد تركنا أخذ الحديث عنه إلا من حيث نعرف
وذكر ص44 ما في مقدمة صحيح مسلم أيضاً عن ابن أبي مليكة (( كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتاباً ويخفي عني قال: ولد ناصح، وأنا أختار له الأمور اختياراً وأخفي عنه،قال: فدعا بقضاء علي رضي الله عنه / فجعل يكب منه أشياء ويمر به الشيء فيقول: والله ما قضي بهذا علي، إلا أن يكون ضل ))
أقول: أورد مسلم بعد هذا (( عن طاوس قال: أتى ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي.. .. )) ثم أورد (( عن ابن إسحاق قال: لما أحدثوا تلك الأشياء بعدعلي رضي الله عنه قال رجل من أصحاب علي: قاتلهم الله أي علم أفسدوا )) التف حول علي رضي الله عنه بالكوفة نفر ليس لهم علم ولا كبير دين، وذاك الكتاب جمع من حكاياتهم وحكايات غيرهم عن قضاء علي، وجئ إلى ابن عباس بنسخة منه. وذكر مسلم أيضاً ونقله أبو رية عن المغيرة بن مقسم قال (( لم يكن على علي رضي الله عنه في الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود ))
وذلك أن أبا مسعود كان بالكوفة في عهد علي وبعد، فكان له أصحاب طالت صحبتهم له وفقهوا، فلما جاء علي إلى الكوفة أخذوا عنه أيضاً وكانوا أوثق
أصحابه، وهذه الآثار إنما تدل على فشو الكذب بالكوفة بعد علي رضي الله عنه
درجات الصحابة
وقال أبو رية 45 (( درجات الصحابة.. .. ))(177/288)
ثم قال ص47: (( رواية الصحابة بعضهم عن بعض، وروايتهم عن التابعين.. ))
وعاد بيدئ ويعيد لتأكيد تلك المكيدة الجهنمية التي سبق الكشف عنها ص72-75و 82و 89-90و 109-110و 157و 171
ثم قال ص49 (( نقد الصحابة بعضهم لبعض.. .. ))
أقول: ذكر أشياء معروفة مع أجوبتها في كتب الحديث، وحاصلها أن أحدهم كان إذا سمع من أخيه حديثاً يراه معارضاً لببعض ما عده توقف فيه، وظن أب جوز أن أخاه أخطأ، مع تميزه بعضهم لبعض عن تعمد الكذب
وذكر فيها ص52 (( ولما بلغها- يعني عائشة – قول أبي الدرداء: من أدرك الصبح فلا وتر عليه. فقالك لا، كذب ابو الدرداء، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر ))
أقول: الخبر في سنن البيهقي 479:2 ولفظه فلا وتر له )) ورواية عن أبي الدرداء وعائشة أبو نهيك الأزد الفراهيدي، قال ابن القطان (( لا يعرف )) يعني أنه مجهول الحال، ولا يخرجه عن ذلك ذكر ابن حبان له في الثقات، وفوق ذلك لايعلم له إدراك لأبي الدرداء وعائشة، بل الظاهر عنده فالخبر منقطع، ويعارضه ما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم (( انتهى وتره إلى السحر )). وعلى فرض صحة الحكاية فإنما قال أبو الدرداء من قبل نفسه لم يذكر رواية، فكلمة/ (( كذب (( بمعنى (( أخطأ )) كما هو معروف عنه راجع ص51
قال (( وقالت عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري: ما علم أنس بن مالك وأبي سعيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وإنما كانا غلامين صغيرين ))
أقول: ينظر في صحة هذا، فقد كانا في مثل سنها أو أكبر منها، وكانا ممن يلزم النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما أنس
قال (( وكانت عائشة ترد ما روى مخالفاً للقرآن ))
أقول: راجع ص14 لتعرف ما هو الخلاف الذي يقتضي الرد
قال((وتحمل رواية الصادق من الصحابة على خطأ السمع وسوء الفهم ))(177/289)
أقول: كلهم بحمد الله كان صادقاً عندهم ثم حكى عن أحمد امين عن بعض الزيدية كلهم فيها أن الصحابة تلك بعضهم في بضع وقاتل بعضهم بعض، ونحو هذا. والجواب عن ذلك مبسوط في كتب أهل العلم، وموضاعنا هنا بيان صدقهم في الحديث النبوي، وقد أثبتناه ولله الحمد قال (( وإنما اتخذهم العامة أرباباً بعد ذلك )) أقول: أما أهل السنة فلم يتخذوا أحداً من الصحابة ربا، وإنما أولئك غلاة أصحابك الشيعة [كان الشيعة الامامية قبل الدولة الصفوية ينقسمون إلى غلاة ومعتدلين،وكانوا في كتبهم الؤلفة في الجرح والتعديل لا يقبلون رواية رواية الموصوفين منهم بالغلو ثم أعلن المتأخرون من علمائهم في الجرح والتعديل ومنهم العلامة الثاني للشيخ الملعقائي عند ترجمته لكل من كان منهم ينبز بالغلو (ومنهم المفضل بن عمرو الجعفي، في 240:3 من تنقيح المقال في أحوال الرجال أن ما كان بعد غلوا عند قدماء الشيعة تعده الشيعة الآن من ضروريات مذهب التشيع، أي أنهم كلهم صاروا غلاة بلا استثناء محب الدين] قال (( ومن أساء منهم ذممناه، ومن أحسن منهم حمدناه )) أقول: أنت وهواك، أما نحن فنقول ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إ نك رءوف رحيم)
وذكر أبو رية ص311 كلاماً للذهبي ذكر فيه ما حكى ابن وضح قال
((سألت يحيى بن معين عن الشافعي، فقال: ليس بثقة، ثم قال للذهبي وكلام ابن معين في الشافعي إنما كان نم فلتات اللسان بالهوى والعصيان، قال ابن معين كان من الحنفية وإن كان محدثاً ))
أقول: هذه من فلتات القلمن وقد برأ الله ابن معين من اتباع الهوى والعصبية، وإنما كان يأخذ بقول أبي حنيفة فيما لم يتضح له الدليل بخلافه، وعدخ ميله إلى الشافعي كان لسبب آخر، وثم علل تقدح في صحة هذه الكلمة (( ليس بثقة )) عنه، وقد أوضحتُ ذلك في (( التنكيل ))(177/290)
/ ثم ذكر أبو رية ص321-322 كلاماً للعقيلي، والمقبلي نشأ في بيئة اعتزالية المعتقد، هادوية الفقه، شيعية تشيعاً مختلفاً، يلفظ في أناس ويخلف في آخرين، فحاول التحرير فنحج تقريباً في الفقة، وقارب التوسط في التشيع، أما الاعتزال فلم يكد يتخلص إلا من تكفير أهل السنة مطلقاً، وكلامه هنا يدور حول قضايا الاعتزال: كالقدر، ونفي رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، والقول بخلق القرآن، والدفاع عن عمرو بن عبيد أحد قدماء المعتزلة، وهذه المسائل معروفة مدروسة، والمقبلي لم يسير غورها، ولا حقق ما كان عليه الأمر في عهد الني صلى الله عليه وسلم وأصحابه وا لتابعين بإحسان، فلذلك أخذ يلوم أحمد وينسبه إلى الافراط في التشدد، ولعله لو علم أحمد بالنسبة إلى التسامح
وذكر ص315 ما روى عن أحمد في شأن ابن علية ومحمد بن هارون، والإمام أحمد وإن رجا المغفرة للأمين فلم يزد في ابن علية على إنكار قوله تنقيراً للناس عن الباطل، واستمر أحمد على الرواية عن ابن علية، والاحتجاج به والثناء عليه بالثبت
وذكر ص316 مسألة الرؤية، فخلط بين رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء وهي التي أنكرتها عائشة ومن معها، وبين الرؤية في الآخرة
وقال أيضاً: (( لكن المحدثون لم يعرفوا مقدار الخطأ في الكلام لأنه غير صنعتهم ))
أقول: بل أنت لم تعرف مقدار الخطأ في العقيدة الإسلامية الحقة، ولا عرفت غور القضايا المخالفة لها
وقال ص317 (( وقال يحيى بن معين في عتبة بن سعيد بن العاص بن أمية: ثقة، وهوجليس الحجاج.... بل روى له البخاري ومسلم ))(177/291)
أقول: إنما هو عتبة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، له عند البخاري خبر واحد ذكره في الجهاد والمغازي مع روايته من طريق غيره، راجع فتح الباري 30:6و 376:7 وعند مسلم خبر واحد جاء ذكره في قصة العرنيين، وقد أخرجها أيضاً من رواية غيرهما. هذا جميع ما لعتبسة في الصحيحين كما يعلم من ترجمته في كتاب الجمع بين رجال الصحيحين، ومعنى هذا أنهما لم يحتجا به ولا أحدهما، فأما الذين وثقوه فإنهم تتبعوا أحاديثه فوجدوها معروفة من رواية غيره من الثقات ن ولم يثت عليه جرح بين. أما مجالسته للحجاج / فليست بجرح بين، إذ قد يجالسه ولا يشركه في ظلمه بل يحرص على رد ظلمه ما استطاع، ويرى أن استمراره على ذلك أنفع للدين وللمسلمين من مباينته له، وقد كان نبي الله يوسف عاملاً للمشركين بمصر والملك فيهم ولم يكن يستطيع أن يحكم بخلاف دينهم بدليل قول الله عزوجل ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) وإنما كان عليه السلام يعينهم ما ليس بكفر ولا محرم عليه، فإذا جاء ما هو كفر أو محرم ولم يمكنه أن يصرفه تركه لهم، وقد أنذرهم بلطف وأذن الله تعالى أن يبقى معهم لما علم في ذلك من المصلحة
قال: ((وروى البخاري لمروان بن الحكم ))(177/292)
أقول: اعتبر البخاري أحاديث مروان فوجدها مستقيمة معروفة لها متابعات وشواهد، ووجد أن أهل عصر مروان كانوا يثقون بصدقة في الحديث، حتى ر وى عن سهل بن سعد الساعدي وهو صحابي، وروى عنه زين العابدين على بن الحسين بن علي بن أبي طالب. بقى عدالته في سيرته فلعل البخاري لم يثبت عنده ما يقطع بأن مروان ارتكب ما يخل بها غير متأول، وعلى كل حال فلا وجه للتشنيع إذ ليست المفسدة في الرواية عمن تذم حاله في الصحيح ما دام المروي ثابتاً من طريق غيره، ألا ترى أنه لو وقع في سند إلى بعض ثقات التابعين أنه سمع يهودياً يقول لعلي بن أبي طالب سمعت نبيكم يقول كيت وكيت. فقال علي: وأنا سمعته يقول ذلك: لصح إثبات هذا الخبر في الصحيح وإن كان فيه صورة الرواية عن يهودي ؟ فما بالك بمروان، مع أن روايته لا تخلوا من تقوية لرواية غيره لأنه على كل حال مسلم قد عرف تحرية الصدق في الحديث
وذكر ص318 بعض ما نسب إلى بعض الصحابة ثم قال (( وما لا يحصى سكت عنه رعاية الحق النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يلجئ إليه ملجئ ديني فيجب ذكره، ومن الملجئات ترتب شيء من الدين على مروان والوليد [بن عقبة] وغيرهما فإنهما أعظم خيانة لدين الله … ))
أقول: أما الوليد فقد تقدم ص198 أنه لم يرو شيئاً، وإنما روى عنه مجهول خبراً لو صح لما دل إلا على صدقه، وأما مروان فمن تتبع أحاديثه الثابتة عنه علم أن البخاري لم يبن شيئاً من الدين على رواية تفرد بها لفظاً ومعنى، وأما غيرها فراجع ص197
وقال ص320 (( وأعجب من هذا أن في رجالها من لم يثبت تعديلها.. ))وذكر حفص بن بغيل[في كتاب أبي رية نفيل !] ومالك بن الخير الزبادي[في كتاب أبي رية بجير الرمادي !] وكلاماً للذهبي في ترجمتيها قد رده الحافظ ابن حجر في ترجمة مالك(177/293)
بن الخير من لسان / الميزان، وفي مواضع آخر، وحفص ومالك ليسا ولا أحدهما في الصحيحين ولا أحدهما، ولا فيهما ولا في أ حدهما من هو مثل حفص ومالك، فإن وجد من هو قريب من ذلك فنادرا في المتابعات ونحوها كما بينه ابن حجر، على أنه لو فرض أن البخاري احتج في الصحيح بمن لم يوثقه غيره فاحتجاجه به في الصحيح توثيق وزيادة
وذكر بعد ذلك في المتن والحاشية كلاماً قد تقدم بيان الحق فيه ولله الحمد
ثم ذكر ص324-327 كلاماً للدكتور طه حسين ذكره في معرض الرد على الذين يكذبون غالب ما روى من الأحداث في زمن عثمان ويقولون إنه (( على كل حال لم يرد إلى الخير، ولم يكن يريد ولا يمكن أن يريد إلا الخير )) ويرون في سائر الصحابة أنهم (( يخطئون ويصيبون، ولكنهم يجتهدون دائماً ويسرعون إلى الخير دائماً فلا يمكن أن يتورطوا في الكبائر، ولا أن يحدثوا إلا هذه الصغائر التي يغفرها الله المحسنين من عباده ))
أقول: أما أهل العلم من أهل السنة فلا يقولون في عثمان ولا في غيره من آحاد الصحابة إنه معصوم مطلقاً أو من الكبائر، وإنما يقولون في المبشرين بالجنة: إنه لا يمكن أن يقع منهم ما يحول بينهم وبين ما بشروا به، وإن الصحابي الذي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرف بنفاق في عهده ولا ارتد بعد موته لا يكذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمداً، وقد تقدم بيان ذلك، ولا يظن به أ ن يرتكب كبيرة غير متأول ويصر عليها، والعارف ا لمنصف لا يستطيع أ ن يجحد أن هذا الحال كانت هي الغالبة فيهم، فالواجب الحمل عليها ما دام ذلك محتملاً، وعلماء السنة يجدون الاحتمال قائماً في كل ما نقل نقلاً ثابتاً، نعم قد يبعد في بعض القضايا ولكنهم يرونه مع بعده أقرب من ضده، وذلك مبسوط في كتبهم
قال ص325 (( ونحن لا نغلو في تقديس الناس إلى هذا الحد البعيد ))
أقول: وعلماء السنة كما رأيت لا يبلغون هذا الحد، وإن كانوا يعلمون أن حال الصحاب لا تقاس بحال غيرهم(177/294)
قال: (( ولا نرى في أ صحاب النبي صلى الله عليه وسلم مالم يكونوا يرون في أنفسهم ))
أقول: المدار على الحجة، فإذا ثبت عندنا أن أحدهم كان يرى في صاحبه أمراً فليس لنا أن نوافقه إذا لم نعلم له حجة، فكيف إذا ماقامت الحجة على خلافه ؟ وأوضح من ذلك أنه ليس لنا أن نتهم غير صاحبه بمثل تلك التهمة ما دام لا حجة لنا على ذلك. فأما الاستدلال على الإمكان فعلماء السنة لم يتفوا الإمكان إلا فيما قام عليه دليل شرعي كالتبشير بالجنة. والدليل الشرعي لا يعارضه ما دونه
/ قال (( وهم تقاذفوا التهم الخطيرة،وكان منهم فريق تراموا بالكفر والفسوق، فقد روى أن عمار بن ياسر ….. ))
أقول: أما الترامي بالفسوق بمعنى ارتكاب بعض الكبائر فقد كان بعض ذلك وعلم حكمه مما مر، وأما الترامي بالكفر فلم يثبت، بل الثابت خلافه، وما ذكر أنه ما روى عن عمار وابن مسعود لم يثبت، وعلى فرض أنه ثبت عن بعضهم كلمة يظهر منها ذاك لامعنى فهي فلتة لسان عندثورة غضب لا يجوز أخذها على ظاهرها لشذوذها ونفي جمهور الصحابة لما يزعمه ظاهرها، فكيف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تبشير عثمان بالشهادة والجنة ؟
ثم قال ص326 (( الذين رووا أخبار هذه الفتن هم أنفسهم الذين رووا أخبار الفتح وأخبار المغازي وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء، فما ينبغي أن نصدقهم حين يروون ما يروقنا، وأن نكذبهم حين يروون ما لا يعجبنا… وما ينبغي كذلك أن نصدق كل ما يروي أو نكذب كل ما يروي وإنما الرواة أنفسهم ناس من الناس يجوز عليهم الخطأ والصواب ويجوز عليهم الصدق والكذب، والقدماء أ نفسهم قد عرفوا ذلك وتهيئوا له ووضعوا قواعد.. فليس علينا بأس من أن نسلك الطريق التي سلكوها وأن نضيف إلى القواعد التي عرفوها ما عرف المحدثون من القواعد الجديدة … ))(177/295)
أقول: الرواة كما وصف، ولكن لا يجهل عاقل أن أحوالهم مختلفة: فمنهم المغفل المتساهل الذي يبني على التوهم فيكثر غلطه، ومنهم الضابط المتقن المثبت الذي يندر جداً أو يخطئ، وليس كل ما يصلح مستنداً للتوقف عن خبر الأول أو رده يصلح لمثل ذلك في خبر الثاني. فأما الصدق وتعمد الكذب ولا سيما في الحديث النبوي فالأمر فيها أعظم، وللكذب دواع وموانع، والناس متفاوتون جداً في الانقياد للدواعي أو الموانع، فإني أعرف من الأغنياء الوجهاء من يساوم بالسلمة الخفيفة فيقول له الدكاني: ثنمها ثلاثة قروش، فيقول كاذباً: إن صاحب ذلك الدكان يبيعها بقرشين، يكذب هذه الكذبة طبعاً في أن يغر الدكان فيعطيه إياها بقرشين مع علمه أن كذبه قد ينكشف عن قريب، بل إذا نجح فأخذها بقرشين، قد يذهب فيخبر بالقصة متمدحاً بكذبه، وأعرف من المقلين من لا تسمح له نفسه بمثل هذا الكذب ولو ظن أنه يتحصل به على مقدار كبير، فأما الحديث النبوي فالأمر فيه أشد، والمتدينون من الكذب فيه أبعد أبعد
فإن قيل: قد ذكر أهل الحديث أن جماعة صالحين كانوا يكذبون في الحديث عمداً في المواعظ ونحوها / وذكروا في الهيثم بن عدي – وهو ممن يكذبون – أنه كان يقوم عامة الليل يصلي، فإذا أصبح جلس يكذب
قلت: أما صالح يتعمد الكذب فلا يكون إلا شديد الجهل بالدين، ومثل هذا نادر لا يسوغ أن يقاس به من عرف بالدين والعلم والصدق، ولو ساغ هذا لساغ أن يتهم كل إنسان بكل نقيصة عرفت لغيره، ولو عرف بأنه من أبعد الناس عنها
فأما الهيثم بن عدي فتلك الحكاية إنما حكاها عباس الدوري قال (( حدثنا بعض(177/296)
أصحابنا قال: قالت جارية بن الهيثم بن عدي: كان مولاي … )) والجارية لا يعرف حالها، والمخبر عنها لا يدري من هو وما حاله، وإنما استندوا في تكذيب على أنها نادرة مستطرفة لأن مثل هذا نادر كما مر، وإنما استندوا في تكذيب الهيثم إلى دلائل ثابتة. هذا وعلماء السنة لا يستندرون في التصديق والتكذيب إلى أن ذاك يروقهم هذا لا يعجبهم، ولكنهم ينظرون إلى الرواة فمن كان من أهل الصدق والأمانة والثقة لا يكذبونه، غير أنهم إذا قام الدليل على خطئه خطأوه، سواء كاذن ذلك فيما يسوءهم أم فيما يعجبهم، وأما من كان كذاباً أو متهماً أو مغفلاً أو مجهولاً أو نحو ذلك فإنهم لا يحتجون بروايته. ومن هؤلاء جماعة كثير قد رووا عنهم في كتب التفسير وكثير من كتب الحديث والسير والمناقب والفضائل والتاريخ والأدب، وليست روايتهم عنهم تصديقاً لهم وإنما هي على سبيل التقييد والاعتبار، فإذا جاء دور النقد جروا على ما عرفوه، فما ثبت عما رواه هؤلاء برواية غيرهم منأهل الصدق قبلوه، وما لم يثبت فإن كان مما يقرب وقوعه لم يرو بذكره بأساً وإن لم يكن حجة، وإن كان مما يستبعد أنكروه، فإن اشتد البعد كذبوه، وهذا التفصيل هو الحق المعقول، ومعلوم أن الكذوب قد يصدق فإذا صدقناه حيث عرفنا صدقه واستأنسنا بخبره حيث يقرب صدقه لم يكن علينا – بل إن لم يكن لنا - أن نصدقه حيث لم يتبين لنا صدقه، فكيف إذا تبين لنا كذبه ؟
أما القواعد النظرية قديمها وحديثها فحقها أن تضاف- كما أشار إليه الدكتور إلى القواعد السندية بعد داسة الناقد لهذه دراسة وافية وإيفائها حقها. فأما الأثبات، أو الاستدلال به على صدق الحكايات الواهية فضرره أكثر من نفسه، كثيراً ما يبلغنا حدوث حادثة في عصرنا هذا فترى صحتها لأننا نرى أن الأسباب تستدعيها وتكاد توجب وقوعها، ثم يتبين أنها لم تقع، وتبلغنا واقعة فترتاب فيها ونكاد نجزم تكذيبها،(177/297)
ثم تبين أنها وقعت/ فإن قيل: إنما ذلك لخطئنا في اعتقاد أن هذا سبب أو مانع، أو في تقدير قوته، أو لجهلنا بأسباب وموانع أخرى أقوى مما عرفناه، قلت: فإذا كان هذا جهلنا بزماننا ومكاننا وبيئتنا، فكيف بما مضى عليه بضعة عشر قرناً؟
ومما يجب التنبيه له أنه قد يثبت من جهة السند نص يستنكره بعض النقاد، وحق مثل هذا أن لا يبادر إلى رده، بل يمعن النظر في أمرين: الأول معنى النص، فقد يكون المراد منه معنى غير الذي استنكر، الثاني سبب الاستنكار فكثيراً ما يجئ الخلل من قبله
وقد تقضي القرآن وقوع أمر سكت عنه الروايات الصحيحة وترد رواية واهبة السند فيها ما يؤدي ذاك الأمر في الجملة فيبادر الناقد إلى تثبيتها، وفي هذا ما فيه، ألا ترى أنه قد يجيئك شخص ضربه آخر فنسأله: لم ضربك؟ فيقول: بلا سبب، فترتاب في صدقه، فإذا جاء خصمة فقال إنما ضرته لأنه سبني سباً شنيعاً، قال كيت وكيت، ظننت أنه صادق في الجملة، أي أنه قد كان سب، ولكنه قد يكون دون ما ذكره الضارب بكثير، فالصواب أن نذكر الرواية وأنها واهية السند، ثم يقال: ولكن القرآن تقتضي أنه قد كان شيء من ذاك القبيل هذا هو مقتضي التحقيق والأمانة
ثم قال أبو رية ص 328 (( طالب الحديث بغير فقه.. .. ))
أقول: قال أبو رية ص46 (( وروى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكبير أصاب أرضاً، منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب بها طائفة أ خرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ))(177/298)
إذا طبق هذا الحديث على أهل الحديث فثقاتهم كل هم داخلون في الفرقتين الأوليين المحمودتين، راجع فتح الباري 161:1 وفي حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الترمذي وغيره، (( نضر الله امرءا سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه )). فشمل الدعاء كما ترى من حفظ وبلغ وإن لم يكن فقيهاً
وذكر عن الثوري (( لو كان الحديث خيراً لذهب كما ذهب الخير ))
أقول: لم يقصد نفي الخير عن هذا الحديث نفسه، كيف والقرآن خير كله ولم يذهب ولا عن طلب الحديث جملة / فإن المتواتر المعلوم قطعاً عن الثوري خلاف ذلك، وإنما قصد أن كثيراً من الناس يطلبون الحديث لغير وجه الله وذلك أنه رأى أن الرغبة في الخير لمحض لم تزل تقل، كانت في الصحابة أكثر منها في التابعين، وفي كبار التابعين أكثر منها في صغارهم وهلم جرا، وفي جانب ذلك يعني أن كثيراً ممن يطلب الحديث يطلبه ليذكر ويشتهر ويقصده الناس ويجتمعوا حوله ويعظموه. وأقول: إن العليم الخبير أحكام الحاكمين كما شرع الجهاد في سبيله لإظهار دينه، ومع ذلك يسر ما يرغب فيه من جهة الدنيا، فكذلك شرع حفظ السنة وتبليغها، ومع ذلك يسر ما يرغب في ذلك من جهة الدنيا، لأنه كما يحصل بالجهاد عن الإسلام وإن قل ثواب بعض المجاهدين فكذلك يحصل بطلب الحديث وحفظ وحفظ االدين ونشره وإن قل أجر بعض الطالبين
وذكر أبو رية ص330 كلمات لبعض المحدثين في ذم أ هل الحديث يعنون طلابه، التقطها من كتاب العلم لابن عبد البر وقد قال ابن عبد البر هناك 125:2 (( وهذا كلام خرج على ضجر، وفيه لأهل العلم نظر )) وإيضاح ذلك أن الرغبة في طلب الحديث كانت في القرون الأوى شديدة، وكان إذا اشتهر شيخ ثقة معمر(177/299)
مكثر من الحديث قصده الطلاب من آفاق الدنيا، منهم من يسافر الشهر والشهرين وأكثر ليدرك ذاك الشيخ، وأكثر هؤلاء الطلاب شبان، ومنهم من لا سعة له من المال إنما يستطيع أن يكون معه من النفقة قدر محدود يتقوت منه حتى يرجع أو يلقى تاجراً من أهل بلده يأخذه منه الشيء، وكان منهم من كل نفقته جراب يجعله فيه خبز جاف يتقوت كل يوم منه كسرة يبلها بالماء يجتزئ بهان ولهم في ذلك قصص عجيبة فكان يحتمع لدى الشيخ جماعة من هؤلاء كلهم حريص على السماع منه وعل الاستكثار ما أمكنه في أقل وقت، إذ لا يمكنه إطالة البقاء هناك لقة ما يبده من النفقة، ولأنه يخارف أن يموت الشيخ قبل أن يستكثر من السماع منه، ولأنه قد يكون شيوخ آخرون في بلدان أخرى، يريد أن يدركهم ويأخذ عنهم، فكان هؤلاء الشباب يتكاثرون على الشيخ ويلحون عليه ويبرونه، فيتعب ويضيق بهم ذراعاً، وهو إنسان له حاجات وأوقات يجب أن يسترح فيها وهم لا يدعونه، ومع ذلك فكثير منهم لا يرضون أن يأخذوا من الشيخ سلاما بسلام بل يريدون اختباره ليتبين له أضابط أم لا. فيوردون عليه بعض الأسئلة التي هي مظنة الغلط ويناقشونه في / بعض الأحاديث ويطالبونه بأن يبرز أصل سماعه، وإذا عثروا للشيخ على خطأ أو سقط أو استنكروا شيئاً من حاله خرجوا يتناقلون ذلك بقصد النصيحة، فكان بعض أولئك الشيوخ إذا أحل عليه الطلبة وضاف بهم ذرعا أطلق تلك الكلمات ((أنتم سخة عين، ولو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا ضربا، ما رأيت علماً أشرف ولا أهلاً أسخف من أهل الحديث. صرت اليوم ليس شيء أبغض إلى من أن أرى واحداً منهم. إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون. لأنا أشد خوفاً منهم من الفساق )) لأنهم يبحثون عن خطاه وزلله ويشيعون ذلك
والغريب أن أولئك الطلاب لم يكونوا يدعون هذه الكلمات تذهب، بل يكتبونها ويروونها فيما يروون، فيذكر من يريد عتاب الطلاب وتأ ديبهم كابن عبد(177/300)
البر، ويهتبلها أبو رية ليعيب بها الحديث وأهله جملة
فأما قول الثوري (( أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة، وودت أني خرجت منه كفافاً لا علي ولا لي )) فهذا كلام المؤمن الشديد الخشية تتضاءل عنده حسناته الكثيرة العظيمة ويتعاظم في نظره ما يخشى أن يكون عرض له من تقصير أو خالطه من عجب، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نحو هذا فيما كان له بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل، وإنما كان عمله ذلك جهاداً في سبيل الله وإعلاه دينه وتمكين قواعده وإقامة العدل التام، وغير ذلك من الأعمال الفاضلة، وقد كان فيها كلها أبعد الناس عن حفظ النفس، بل كان يبلغ في هضم نفسه وأهل بيته، وكل عارف بالإيمان وشأنه يعرف لكلمة عمر حقها، ولكن الرافضة عكسوا الوضع، وقفاهم أبو رية في كلمة الثوري وما يشبهها !
وعلق أبو رية عل كلمة (( لو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب الخ )) ما تقدم تقنيده في مواضع
خاتمة أبي رية
قال ص331: (( خاتمة.. .. ))(177/301)
ذكر عبارات لابن خلدون تتلخص في أمور: الأول ذكر من الدواعي إلى الكذب التشيع للمذاهب والتزلف إلى ذوى المراتب. فأقول قد عرف المحدثون هذا وعدة أسباب أخرى أشاروا إليها في البواعث على الوضع، وإنما الفرق بينهم وبين بعض من يتعاطى النقد في عصرنا أن المحدثين علموا أن هذين الداعيين مثلاً لا يدعوان إلى الكذب لأنه كذب، وإنما يدعو الأول إلى ما ذكره ما يؤيد المذهب، والثاني إلى ذكر ما يرضي ذا المرتبة، / وإن كلا من التأييد والإرضاء ليس وقفاً على الكذب، بل يمكن أن يقع بما هو صدق، إذن فالخبر بما يؤيد مذهبه أو يرضي رئيسه يجوز مع تصرف النظر عن الأمور الأخرى أن يكون صادقاً وأن يكون كاذباً، فالحكم بأحدهما لوجود الداعي غير سائغ، بل يجب النظر في الأمور الأخرى ومنها الموانع، فإذا وجدوا داع ومانع وانحصر النظر فيهما تعين الأخذ بالأقوى، وكل من الدواعي والموانع تفاوت قوته في الأفراد تفاوتاً عظيماً، فلابد من مراعاة ذلك ومت تدبر هذا علم أن الحق لا ريب فيه وأنه يرى شواهده في نفسه وفي من حواليه، وعلم أن ما يملكه بعض متعاطي النقد من أهل العصر في اتهام أما أئمة الحديث فقد عرفوا الرواة وخبروهم وعرفوا أحوالهم وأخبارهم واعتبروا مروياتهم كما تقدم في مواضع منها ص55و 62 فمن وثقه المتثبتون منهم فمحاولة بعض العصريين اتهامه لأنه كان – مثلاً يتشيع أو يخالط بني أمية أو نحو ذلك لغو لا يرتضيه العارف البتة، هذا حكم بقية علماء السنة لهم وعليهم، ألا ترى أن مسلماً صحح حديث أبي معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر قال (( قال علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى أن يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلامنافق )) ولا أعلم أحداً طعن فيه، مع ان عدي بن ثابت معروف بالتشيع بل وصفه بعضهم بالغلو فيه، وكان إمام مسجد الشيخة وقاضهم، والبخاري إن لم يخرج هذا الحديث فقد احتج بعدي بن ثابت في عدة أحاديث، ولو كان(177/302)
يتهمه بكذب ما في الرواية لما احتج به البتة
الأمر الثاني ذكر مر من أسباب الكذب خطأ أن يخطئ الخبر في معرفة حقيقة ما عاين أو سمع، وينقل الخبر بحسب ما اعتقد، أقول: قد عرف المحدثون هذا، ولذلك شرطوا في الراوي أ ن يكون ضابطاً متثبتاً عارفاً بمعاني الكلام إذا روى بالمعنى، ويختبرون حاله في ذلك باعتبار حديثه كما تقدم ص55و62 وغيرهما
الأمر الثالث ذكر من أسباب تلقي الراوي الصدوق خبر الكاذب ونقله له، حسن الظن بالمخبر، وموافقة الخبر لرغبة الراوي وضعف تمحيصه. أقول: وهذا قد
عرفه أئمة الحديث، ولذلك لم يعدوا رواية الثقة لخبر عن رجل تصحيحاً ولا توثيقاً
/ الأمر الرابع ذكر أن الحكم بصحة الخبر لا ينبغي أن يكتفي فيه بثقة الراوي، بل ينبغي أن يتقدم ذلك النظر في طبيعة الخبر وعرضه على أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ويقاس الغائب على الشاهد، فإذا عرف أنه ممكن نظر في حال الرواة، قال (( أما إذا كان مستحيلاً فلا فائدة للنظر في التعديل والتجريح ))
أقول: وهذا قد عرفه الأئمة، وقدروا كل شيء من هذا قدره. راجع ص 191
وقال ص334 عن ابن خلدون (( فأبو حنيفة رضي الله عنه يقال بلغت روايته إلى سبعة عشر حديثاً ))
أقول هذه مجازفة قبيحة وتفريط شائن، أفما كان ابن خلدون يجد عالماً يسأله؟ الأحاديث المروية عن أبي حنيفة تعد بالمئات، ومع ذلك لم يرو عنه إلا بعض ما عنده، لأنه لم يتصد سماع الحديث. راجع ص34
قال (( ومالك رحمه الله إنما صح عنده ما في كتب الموطأ ))
أقول وهذه مجازفة أخرى، لم يقصد مالك أن يجمع حديثه كله ولا الصحيح عنه في الموطأ، إنما ذكر في الموطأ ما رأى حاجة جمهور الناس داعية إليه
قال: (( وغايتها ثلثمائة حديث أو نحوها ))(177/303)
أقول: هذه مجازفة ثالثة، انظر كتاب أبي رية ص271 حيث ذكر عن الأبهري أنها ستمائة، فأما ما ذكره هناك أن الموطأ كان عشرة آلاف حديث فلم يزل مالك ينقص منه، فقد فنده ابن حزم في أحكامه 137:2
وقال أيضاً (( إن الصحابة لم يكونوا كلهم أهل فتيا، ولا كان الذين يؤخذ عن
جميعهم )). [علق أبو رية على هذا قوله (( من أجل ذلك لم يأخذ أبو حنيفة بما جاء من أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة... )) وقد تقدم إبطال هذا ص126]
أقول: قال الإمام الشافعي (( أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ممن له أن يقول في العلم )) راجع ما تقدم ص42
ثم قال أبو رية ص334-338 (( أعظم كت رزى به الإسلام. قال الأستاذ الإمام محمد عبده.. .. )) فذكر أموراً قد تقدم النظر فيها، وذكر ص336 قول يحيى القطان (( ما رأيت الصا لحين في شيء أكذب منهم في الحديث )) ففسر الصالحين بالمرائين، والمعروف عند أهل الحديث أنهم أناس استغرقوا في العبادة والتقشف وغفلوا عن ضبط الحديث، فصاروا يحدثون على التوهم، كأبان بن أبي عياش ويزيد بن أبان الرقاشي وصالح المري وغيرهم
وفي آخر ص337 (( أما الأخبار الآحاد فإنما يجب الإيمان بما ورد فيها على من بلغته وصدق بصحة روايتها ))
أقول: ومن لم يصدق فمدار الحكم فيه على المانع له من التصديق، فمن الموانع ما لا يمنع إلا الزائع، وراجع ص56
/ وقال ص338 (( هل كله من وثقه جمهور المتقدمين يكون ثقة ))؟ وذكر في هذه الصفحة إلى ص 344 كلمات لصاحب المنار، منها كلام في كعب الأحبار ووهب بن منبه، وقد تقدم النظر في ذلك ص67-70 وغيرها
ومنها في نقد المتون (( ومن تعرض له منهم كالإمام أحمد والبخاري لم يوفه حقه كما تراه فيما يورده الحافظ ابن حجر في التعارض بين الروايات الصحيحة له ولغيره ))
أقول من أنعم النظر في الرواة والمرويات ومساعي أئمة الحديث في الجمع والتنقيب والبحث والتخليص والتمحيص عرف كيف يثني عليهم، وأبقى الله من(177/304)
بعدهم ما يتم به الابتلاء وتنال به الدرجات العلى ويمتاز هؤلاء عن هؤلاء وقد أسلفت ص 161و 188 أن الاستشكال لا يستلزم البطلان. بدليل استشكال كثير من الناس كثيراً من آيات القرآن، وذكرت في ص172 أن الخلل في ظن البطلان أكثر جداً من الخلل في الأحاديث التي يصححها الأئمة المتثبتون
قال (( ومنه ما كان يتعذر عليهم العلم بموافقته أو مخالفته للواقع الظاهر حديث أبي ذر عند الشيخين وغيرهما أين تكون الشمس بعد غروبها، فقد كان المتبادر منه للمتقدمين أن الشمس تغيب عن الأرض كلها وينقطع نورها عنها مدة الليل إذ تكون تحت العرش تنتظر الإذن لها بالطلوع ثانية ))
أقول: للحديث روايات: إحداها رواية وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى ( والشمس تجري لمستقر لها ) قال (( مستقرها تحت العرش )) أخرجاه في الصحيح
الثانية في الصحيحين أيضاً من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهمي التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال (( دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فلما غابت الشمس قال: يا أبا ذر هل تدري أين تذهب هذه؟ قال: قلت الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها. وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من غروبها، قال: ثم قرأ في قراءة عبد الله: وذلك مستقر لها )) لا أدري من القارئ؟ ولعله إبراهيم التيمي. وظاهر اختلاف سياق الروايتين أنهما حديثان كل منها مستقل عن الآخر، وليس في المرفوع عن هاتين الروايتين ذكر أنها حين تغرب تكون تحت العرش أو في مستقرها
وهناك رواية البخاري عن الفرباني عن الثوري عن الأعمش بنحو رواية أبي معاوية إلا أنه قال (( تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن.. )) ونحوه بزيادة في رواية لمسلم من وجه آخر عن إبراهيم التيمي وقال (( حتى تنتهي إلى مستقرها تحت(177/305)
العرش فتخر ساجدة.. . )) فقد يقال لعل أصل الثابت / عن أبي ذر الحديثان الأولان، ولكن إ براهيم التيمي ظن اتفاق معناها فجمع بينهما في الرواية الثالثة، وقد يقال: بل هو حديث واحد اختصره وكيع على وجه وأبو معاوية على آخر، والله أعلم
هذا وجرى الشمس هو والله أعلم هذا الذي يحسه الناس، فإنه على كل حال هو الذي تطلق عليه العرب ( جرى الشمس ) تدبر، وبحسب ذلك يفهم الحديث. وقال الله تبارك وتعالى (18:22 ألم تر أن الله يسجد له من في السموات والأرض والشجر والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ) ومهما يكن هذا السجود فإنه يدل على الانقياد التام، والشمس منقادة لأمر ربها بهذا، وانحطاطها في رأي العين إلى أسفل أجدر بأن يسمى سجوداً، والمأمور يعمل إذا انقاه، وشأنه الانقياد دائماً، فشأنه عند توقع أن يؤمر بتركه أن يستأذن
فأما طلوعها آخر الزمان من مغربها فرأيت لبعض العصريين كلاماً سأذكره لينظر فيه: ذكر أنه يحتمل أن يحدث الله عزوجل ما يعوق هذه الحركة المحسوسة الدائرة بين الشمس والأرض فتبطئ تدريجاً كما يشعر به ماجاء في بعض الأخبار أن الأيام تطول آخر الزمان، حتى تصل إلى درجة استقرار، ويكون عروض هذا الاستقرار بعد غروبها من هذا الوجه من مغربهم. قال: وذاك الموضوع الذي سوف تستقر فيه معين بالنسية إلى موضعها من الأرض، فيصح أن يكون هو المستقر. قال وكان الظاهر والله أعلم أن يقال (( تحت الأرض )) أي بالنظر إلى أهل الوجه. لكنه عدل إلى (( تحت العرش )) لأوجه: منها كراهية إثارة ما يستغربه العرب حينئذ من هيأة الخلق مما يؤدي إلى شك وتساؤل واستغال الأفكار بما ليس من مهمات الدين(177/306)
التي بعث لها الرسل، وقد ذكر بعضهم نحو هذا في قوله تعالى ( ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ). ومنها أنه إن كان تحت الأرض عند أهل هذا الوجه فهو فوقها عند غيرهم، أما العرش فذاك الموضع والعالم كله تحته، راجع الرسالة العرشية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومنها أنه لما ذكر أنه موضع سجودها كانت نسبة السجود إلى كونه تحت العرش أولى
أقول: فلم يلزم مما في الرواية الثالثة من الزيادة غيبوبة الشمس عن الأرض كلها، ولا استقرارها عن الحركة / كل يوم بذاك الموضع الذي كتب عليها أن تستقر فيه متى شاء ربها سبحانه
بحث مع صاحب المنار
قال ص339 ((.. . بعد العلم القطعي لا مندوحة لنا عن أحد أمرين، إما الطعن في سند الحديث وإن صححوه، لأن رواية ما يخالف القطعي من علامات الوضع عند المحدثين أنفسهم. وأقرب تصوير للطعن فيما اشتهر رواية بالصدق والضبط أن يكون الصحابي أو التابعي منهم سمعه من مثل كعب الأحبار. ونحن نعلم أن أبا هريرة روى عنه كعب الأحبار، وكان يصدقه، ونرى الكثير من أحاديثه عنعنة لم يصرح بسماعه من البي صلى الله عليه وسلم، ومن القطعي أنه لم يسمع الكثير منها من لسانه صلى الله عليه وسلم لتأخر إسلامه، فمن القريب أن يكون سمع بعضها من كعب الأحبار، ومرسل الصحابي إنما يكون حجة إذا سمعه من صحابي مثله، ومثل هذا يقال في ابن عباس وغيره ممن روى عن كعب الأحبار وكان يصدقه. وإما تأويل الحديث بأنه مروي بالمعنى وأن بعض رواته لم يفهم المراد منه فعبر بما فهمه.. .. ))
أقول: عليه في هذا مؤاخذات:
الأولى أن الأمرين اللذين ذكر أنه لا مندوحة عنهما وهما الطعن والتأويل لا
يتعينان، بل بقى ثالث وهو التوقف، ويتعين حيث لا يتهيأ للناقد تأويل مقبول ولا طعن مقبول
الثانية أنه قدم الطعن على التأويل، والواجب ما دام النظر في حديث ثابت في الصحيحين تقديم التأويل(177/307)
الثالثة قوله: إن مخالفة القطعي من علامات الوضع، محله إذا تحققت المخالفة، ولم يكن هناك احتمال للتأويل البتة
الرابعة الطعن المعقول هو الذي يتحرى أضعف نقطة في السند،فما باله عمد إلى أقوى من فيه وهو الصحابي، وهو أ بو ذر الغفاري، وقد قال الني صلى الله عليه وسلم (( ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر )) ثبت من حديث أمير المؤمنين علي وعدد من الصحابة
الخامسة أن أبا ذر لم ينقل عنه إصغار إلى كعب، ولا إلى من هو مثل كعب، بل جاء أن كعب قال في مجلس عثمان: ما أ ديت زكاته فليس بكنز. فضربه أبو ذر بعصاه. وقال: ما أنت وهذا يا ابن اليهودية ؟ أو كما قال. وفي المسند 162:5 عنه (( لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتقلب في السماء طائر إلا ذكرنا منه علماً )) وفي البخاري عنه أنه قال في زمان عثمان (( لا والله أسألهم ديناً ولا أ ستفتيهم عن دين حين ألقى الله عزوجل )) افتراه يستغني عن إخوانه من جلة الصحابة هذا الاستغناء ثم يأخذ عن كعب أو نحوه ؟
/ السادسة أن من سمع الصحابة من كعب لم يسمعوا منه إلا بعض ما يخبر به عن صحف أهل الكتاب، ورواية أبي هريرة عن كعب قليلة وكلها من هذا القبيل، وراجع ص68و 73
السابعة لم يذكر دليلاً على دعواه أبا هريرة وابن عباس كانا يصدقان كعباً، ولا أعلم أنا دليلاً على ذلك، أما إخبارهما عنه ببعض ما يخبر به عن صحف أهل الكتاب فغايته أنهما كانا يميلان إلى عدم كذبه(177/308)
الثامنة أن الذي عرف للصحابة في قول أحدهم (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.. . )) أنه قال لم يكن سماعاً له من النبي صلى الله عليه وسلم فهو سماع له من صحابي آخر ثابت الصحية كما تقدم ص115، وجميع ما ثبت عنهم جملة وتفصيلاً مما فيه ذر إرسالهم إنما هو هذا أو الدليل الصريح الذي استدلوا به على أ، أبا هريرة قد يرسل إنما هو حديثه في من أصبح جنباً فلا يصبح، وقد بين أنه سمعه من صحابين فاضلين وهما أسامة بن زيد والفضل بن عباس، مع أنه قلماً كان يذكر الحديث بل كان الغالب من حاله أن يفتي ولا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يعلم أحداً من الصحابة قال في حديث (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.. .. )) ثم بين أو ذكر مرة أخرى أو تبين بوجه من الوجوه أنه عند من تابعي عن صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم. بل يعز جداً أخذ الصحابي عن تابعي عن صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما توجد أمثلة يسيرة جداً لصغار الصحابة يسندونها على وجهها، راجع ص 156-157 وكان الصحابي إذا قال (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.. .. )) كان محتملاً عند السامعين للوجهين كما مر، فأما أن يكون إنما سمعه من تابعي عن صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن عندهم محتملاً، وإذ لم يكن محتملاً فارتكاب الصحابي إياه كذب، وق برأهم الله تعالى من الكذب، وأبعد من ذلك أن يكون إ نما سمعه من تابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبعد وأبعد أن يكون التابعي مثل كعب
التاسعة زعم- مع الأسف – أن هذا أقرب تصوير للطعن، وهو كما ترى أبعد تصوير، بل هو محض للباطل، ولو احتجت إلى الطعن في سند الخبر لأريتك كيف يكون الطعن المعقول بشواهده من كلام الأئمة كابن المديني والبخاري وأبي حاتم وغيرهم، فأن لهم عللاً ليس كل منها قادحة حيث وقعت، ولكنها تقح إذا وقعت في خبر تحقق أنه منكر،وهذا من أسرار الفن(177/309)
العاشرة أن هذا الطعن يترتب عليه من المفاسد مالا يعلمه إلا الله تعالى، وهي المكيدة التي مرت الإشارة إليها ص 201 وإيضاحها قبل ذلك، وكل من التأويل ولو مستكرها والوقف أسلم من هذا الطعن / ولو غير السيد رشيد رضا قاله لذكرت قصة المرأة التي اشتكى طفلها ولم تعلم ما شكواه غير أنها نظرت إلى يافوخه يصطرب كما هو شأن الأطفال، فأخذت سكيناً وبطت يافوخه كما يصنع بالدمل.. . إلى آخر ما جرى
الحادية عشر قوله في أبي هريرة (( من القطعي.. .. لتأخر إسلامه )). قد تقدم رده ص156
الثانية عشر لا يخفى حال ما ذكره أخيراً وسماه تأويلاً
وذكر ص340 الحكايات عن كعب ووهب وقال (( لم يكن يحيى بن سين وأبو حاتم وابنه وأمثالهم يعرفون ما يصح من ذلك وما لا يصح، لعدم اطلاعهم على تلك الكتب ))
أقول: في هذا أمور. الأول أن الأئمة كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، فبذلك كانوا يعرفون حال كعب ووهب في ما نسباه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا وثقوها فمعنى ذلك أنهم عرفوا صدقهما في هذا الباب، وهذا هو الذي يهم المسلمين. فأما ما حكياه عن صحف أهل الكتاب فليس بحجة سواء أصدقاً فيها أم كذبا
الثاني تقدم في فصل الاسرائيليات ص67-95 يعلم منه أن غالب ما ينسب إلى كعب لا يثبت عنه، ومر ص91 أن في كتاب فضائل الشام سبع عشرة حكاية عن كعب لا تثبت عنه ولا واحدة منها. وعسى أن يكون حال وهب كذلك، فمن أ راد التحقيق فليتبع ما يثبت عنهما صريحاً بالأسانيد الصحيحة ثم ليعرضه على كتب أهل الكتاب الموجودة كلها، ويتدبر الأمر الثالث وهو ما تقدم ص69-72 من تتبع اليهود ما كان موجوداً في العالم عن ظهور الإسلام وبعده إلى مدة من نسخ كتبهم في العالم كله وإتلافها لمخالفتها ما يرضونه من نسخ حديثه أبقوها، مع ما عرف عنهم من استمرار التحريف عمداً، وانقراض كثير من كتبهم البتة، ثم ليحكم(177/310)
قال (( وإننا نرى بعض الأئمة المجتهدين قد تركوا الأخذ بكثير من الأحاديث الصحيحة.. .. ))
أقول: قد تقدم النظر في هذا ص 35و 178
وقال ص341 في حكايات كعب ووهب (( وما كان منها غير خرافة فقد تكون الشبهة فيه أكبر، كالذي ذكره كعب من صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة ))
أقول: قد مر الخبر ص 70-71 وأنه ثابت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن التوراة، ويروى عن عبد الله بن سلام بن كعب، / فأما الشبهة التي أشار إليها فلا يكاد يوجد حق لا يمكن أن يحاول مبطل بناء شبهة عليها، فمن التزم أن يتخلى عن كل ما يمكن بناء شبهة عليه أو شك أن يتخلى عن الحق كله
وقال (( وإني لا أعتقد صحة سند حديث ولا قول عالم صحابي يخالف ظاهر القرآن، وإن وثقوا رجاله، قرب راو يوثق للاغترار بظاهر حاله وهي سيئ الباطن ))
أقول: قد تقدم ص14 ما نقله أبو رية عن صاحب المنار قال (( النبي صلى الله عليه وسلم مبين القرآن بقوله وفعله، ويدخل في البيان التفصيل والتخصيص والتقييد، لكن لا يدخل فيه إبطال حكم من أحكامه أو نقص خبر من أخباره )) وأوضحت ذلك هناك، فإن أراد هنا بقوله (( يخالف ظاهر القرآن ))ما لو صح لكان إبطالاً أو نقصاً فذاك، فأما البيان بالتفصيل والتخصيص والتقييد ونحوها فإن يثبت بخبر الواحد بشرطه، وأدلة خبر الواحد ومنها جريان العمل به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وممن أهل العلم تشمل هذا ومنها ما هو نص فيه. راجع ص22و 45و 49. ومما يزيده وضوحاً أن دلالة العموم ونحوه كثيراً ما تتخلف. وقد قيل: ما من(177/311)
عام إلا وقد خص. وذهب بعضهم إلى أنه خص شيء من العام سقطت دلالته على الباقي.وتخصيص العمومات ثابت في قضايا لا تحصى، فاحتمال القضية له أبين وأوضح وأولى من احتمال لا يمكنك أن تثبته في واقعة واحدة وهو كذب راو وثقة الأئمة المتثبتون وصححوا حديثه محتجين به، ولم يطعن فيه أحد منهم طعناً بينا. أما كعب ووهب فليسا من هذا الوجهين: الأول أنهما ليسا بهذه الدرجة، راجع ص69-70 الثاني أنه لم يثبت ما نسبه إليهما من سوء الظن
ثم قال أبو رية ص342 (( جل أحاديث الآحاد لم تكن مستفيضة في القرن الأول ))
ونقل عبارة للسيد رشيد رضا في مقدمته لمغني ابن قدامة، وقد تقدم النظر فيها ص15، وعبارة السيد رشيد (( جل الأحاديث التي يحتج بها أهل الحديث على أهل الرأي والقياسين من علماء الأمة )) ثم قال صاحب المنار (( فعلم بذلك أنها ليست من التشريع العام الذي جرى عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وليستب بما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الشاهد فيه الغائب.. .. ))
أقول: قد تقدم دفع هذا ص28-35، وراجع ص20-21 وص 52 / ثم حكى كلمات عمن ليس قوله حجة، ولا ذكر حجة، فأعرضت عنها، ومنها ما عزاه إلى كتاب ليس عنده، فليراجع
ثم ذكر (ص347-348) آيات من القرآن، وقد تقدم ما يتعلق بذلك ص 13
ثم ذكر (ص348) قول ابن حجر في الفتح في الكلام على حديث إيصاء النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن (( اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأوهم ن ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص أو بطريق الاستنباط، فإذا تبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به ))
كذا صنع أبو رية، وآخر عبارة ابن حجر في الفتح (5:268) هكذا: ((.. .. عملوا بكل ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى ( وما أتاكم الرسول فخذوه ) الآية.. ... ))
وقال ص349 (( وعن أبي الدرداء مرفوعاً: ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وماحرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية.. .. ))(177/312)
أقول: هذا ما يرويه إسماعيل بن عياش وهو صدوق بن عاصم بن رجاء بن حيوة وهو صدوق بهم، عن أبيه رجاء، عن أبي الدرداء، ورجاء لم يدرك أبا الدرداء، فالخبر منقطع مع ما في سنده، ولو صح لما كان فهي ما يخالف الحجج القطعية، فقد حرم الله في كتابه معصية رسول الله والمخالفة عن أمره، وأمر بأخذ ما آتى والانتهاء عما نهى. وراجع ص13
ثم ذكر مرسل ابن أبي مليكة، وقول عمر (( وعندنا كتاب الله حسبنا )) وقد خله القرآن ))
أقول: خلقه صلى الله عليه وسلم يشمل جميع أحواله وأفعاله وأقواله، فرأت عائشة أنه لا يمكنها تفصيل ما تعلم من ذلك كله لذلك السائل، وعلمت أنه يقرأ القرآن وفيه تفصيل كثير من الأخلاق التي كانت من خلق النبي صلى الله عليه وسلم وإجمال الباقي فاحالته عليه، وقد عاد السائل فسألها عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أعماله، فأخبرته. وفي ذلك وسائر أحاديث عائشة نفسها ذكر أشياء كثيراً جداً لا يفهمها الناس من نص القرآن وإنما هي من بيان له بما فيه التفصيل والتخصيص والتقييد ونحو ذلك
ثم قال أبو رية (( وقال الأستاذ الإمام محمد عبده رضي الله عنه: إن المسلمين
ليس لهم إمام في هذا العصر غير القرآن ))
/ أقول: هاأنتم تلقبون الشيخ محمد عبده نفسه بهذا اللقب نفسه (الإمام) وتقتدون به، وتترضون ععنه كما يترضى عن الصحابة، مع أنكم كثيراً ما تذكرون النبي صلى الله عليه وسلم فلا تصلون عليه، وتسيئون القول فث الصحابة رضي الله عنهم، وفي كتاب أبي رية كثيراً من ذلك – فكأنكم أردتم له أن تسلبوا أئمة الحق هذا اللقب وتخصوه به. أما القرآن فهو الإمام حقا، وهو نفسه يثبت الإمامة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم كل راسخ في العلم والدين مبلغ لأحكام الشرع فإنه إمام، إلا أنه كالمبلغ لتكبيرات إمام الصلاة، وإن بان وقوعه في مخالفة للإمام اتبعنا الإمام دونه
وقال (( لا يمكن لهذه الأمة أن تقوم ما دام هذه الكتب فيها ))(177/313)
أقول: إن المراد جميع الكتب غير القرآن فالواقع أن فيها الحق والباطل، وكثير من الحق الذي فيها إذا فات لا يعوض، فأما الباطل فكما قيل: إن ذهب عير، فعير في الرباط، ومن عرف الحق واتبه فقد ا ستقام، ولا يضر بعد ذلك أن يعرف أضعاف أضعافه من الباطل
وذكر ص350 أموراً قد تقدم النظر فيها ص 175-177وغيرها
ثم قال ((.. . ومن عمل بالمتفق عليه كان مسلماً ناجياً ))
أقول تقدم تفنيد هذا، وبيان ما وقع فيه من الغلط ص15
قال ص351 (( هذه هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعمل بها جمهور السلف هي محل اجتهاد في أسانيدها ومتونها،لأن ما صح منها يكون خاصاً بصاحبه))
أقول: إن أراد بقوله (( صاحبه )) من عرف صحته بمعنى أنه ليس له إلزام غيره فسيأتي قريباً، وإن أراد به الصحابي الذي ورد فيه فإنما يصح هذا حديث يثبت دليل على الخصوصية. وراجع ص28-35
قال (( ومن صح عنده شيء منها رواية ودلالة عمل به، ولا تجعل تشريعاً عامة تلزمه الأمة إلزاماً تقليداً لمن أخذ به ))
أقول: على من صح عنده أن يبين ذلك لغيره ويعذره إن خالفه ولم يتبين له عناده أو زبغة، وإلا لزمه أمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الإمام أن يمنع من يتبين له خطأه في الإفتاء بذلك الخطأ، ويمنع الناس من الأخذ بفتواه، وفي سيرة عمر رضي الله عنه ما يبين هذا
/ ثم ذكر أشياء قد تقدم النظر فيها، إلى أن قال (( وما كل مالم يصح سنده يكون متنه غير صحيح ))
أقول: وجه ذلك أنه قد يثبت بسند آخر صحيح، لكن لا يخفى أن هذا الاحتمال لا يفيد المتن شيئاً من القوة، غايته أن يقتضي التريث في الجزم بضعفه مطلقاً حتى يبحث فلا يوجد له سند صحيح
وذكر أشياء تقدم النظر فيها، إلى أن قال ص352 (( ولم يظهر البخاري ولا غيره من كتب الحديث إلا بعد انقضاء خير القرون ))(177/314)
أقول: هذا مأخوذ من قدح بعض الملحدين في القرآن بأن المصاحف لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكما يقال لهذا: أليس المدار على المصاحف إنما الدار على ما فيها، وقد ثبت أنه القرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، فكذلك نقول هنا: الأحاديث التي في صحيح البخاري ثبت أنها كانت معروفة عند خير القرون، وإنما رواها الثقات منهم وعنهم، بل ثبتت الحجة الشرعية عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال (( لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمة الفقه إن معرفة الدين تتوقف على الإحاطة بجميع ما رواه المحدثون ولا بأكثرها ))
أقول:لا ريب أن الأحاديث الضعيفة والواهية والمكذوبة لا تتوقف معرفة الدين على الوقوف عليها، ومن الصحيحة ما يروى من عدة طرق قد تبلغ المئتين ويكفي لمعرفة الدين معرفة المتن من طريق صحيحة منها
ومنها أحاديث يتفق العدد منها في المعنى أو فيما هو المقصود، كأحاديث تحريم الربا وأحاديث التشهد، ويكفي لمعرفة الدين معرفة واحد منها
ومنها أحاديث يوجد في كتاب الله عزوجل ما يفيد معناها، ويكفي لمعرفة الدين معرفة تلك الدلالة على القرآن
وبعد هذا كله فمعرفة الدين ليست أمراً لا يزيد ولا ينقص، وقد علمنا أن الشريعة لم توجب أن يكون كل مسلم عالماً، وإنما أوجبت على الأمة أن يكون فيها علماء بقدر الكفاية يرجع إليهم العامة في كل ما يعرض لهم، ولم توجب على العالم أن يكون محيطاً بالدين، بل كما أن العامي يستكمل ما يحتاج إليه بسؤال العلماء. وراجع ص32-33
قال: (( قال البيضاوي في حديث (( لا وصية لوارث )): والحديث من الآحاد، وتلقي الأمة له بالقبول لا يلحقه بالمتواتر ))(177/315)
/ أقول: هذا رأي البيضاوي، فإذا خالفه غيره فالمدار على الحجة. وهكذا كل ما يحكيه أبو رية عن فلان وفلان، ومن تدبر آيات المواريث علم أنها تفيد معنى هذا الحديث ثم ذكر قضايا قد تقدم النظر فيها، إلى أن قال ص353 (( رب راو هو موثوق به عند عبد الرحمن بن مهدي ومجروح عند يحيى بن سعيد القطان، وبالعكس، وهما إمامان عليها مدار النقد في النقل، ومن عندهما يتلقى معظم شأن الحديث ))
أقول: الغالب اتفاقهما، والغالب فيما اختلفا فيه أن يستضعف يحيى رجلاً فيترك الحديث عنه، ويرى عبد الرحمن أن الرجل وإن كان فيه ضعف فليس بالشديد، فيحدث عنه، ويثنى عليه بما وافق حاله عنده، وقد قال تلميذها ابن المديني (( إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن لأنه أقصدها وكان في يحيى تشدد )) والأئمة الذين جاءوا بعدهما لا يجمدون على قولهما بل يبحثون وينظرون ويجتهدون ويحكون بما بان لهم، والعارف الخبير الممارس لا يتعذر عليه معرفة الراجح فيما اختلف فيه من قبله، وعلى فرض أننا لم نعرف من حال راو إلا أن يحيى تركه وأن عبد الرحمن كان يحدث عنه، فمقتضى ذلك أن صدوق يهم ويخطئ فلا يسقط ولا يحتج بما ينفرد به
قال (( إن ما كان قطعي الدلالة في النصوص فهو الشرع العام الذي يجب على جميع المسلمين اتباعه عملاً وقضاء، وإن ما كان ظني الدلالة موكول إلى اجتهاد الأفراد في التعبدات والمحرمات، وإلى أولى الأمر في الأحكام القضائية إن ما كانت دلالته على التحريم من النصوص ظنية غير قطعية لا يجعل تشريعاً عاماً تطالب به كل الأمة، وإنما يعمل فيه كل أحد بإجتهاده، فمن فهم منه الدلالة على تحريم شيء امتنع منه، ومن لم يفهم منه ذلك جرى فيه على أصل الإباحة ))
أقول: قد تقدم النظر في نظرية (( دين عام ودين خاص )) ص 9و 14-15و 28-34و 100 قريباً ص220-221 وكذلك حال الاجتهاد والمجتهد(177/316)
هذا والأدلة القطعية تبين أن الواجب على كل مسلم طاعة الله ورسوله ما
استطاع، فما ثبت بدليل قطعي المتن والدلالة أو ظنيهما أو قطعي أحدهما ظني الآخر، وإن على / العامي العمل بما يعلمه من الشريعة قطعاً أو ظناً، والرجوع فيما يجهله إلى العلماء الموثوق بعلمهم ودينهم، فإذا افتاه أحدهم بأمر لزمه العمل به سواء أكان قطعياً أو ظنياً، فإن اختلف عالمان فقد قال الله تبارك وتعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) فعلى العامي أن يتحرى أقرب الأمرين إلى طاعة الله وطاعة رسوله، وإذا علم الله تعالى حرصه على طاعته سبحانه فلابد أن يهيئ له من أمره رشدا
وعلى كل مسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتأكد ذلك على الرجل في أهله، وعلى كل راع في رعيته، وعلى كل من عرف حكماً بدليل قطعي أو ظني أن يرشد من يراه من المسلمين يخالفه جهلاً به، وينكر على من يراه يعرض عنه على وجه منكر. وليس له الإنكار على من يعرض عنه على وجه معروف. والوجه المعروف هو ما يسمى (( اختلاف الاجتهاد )) أو (( اختلاف وجهة النظر )) مع اتحاد القصد في طاعة الله ورسوله
أما القضاء فالغرض فيه أن يكون بما أنزل الله يقيناً أو ظناً، وذلك يشمل الأدلة الشرعية كلها، فإذا كا القاضي مجتهداً فذاك، وإلا أخذ بما يتبين له رجحانه من أقوال أهل العلم
ثم ذكر قضايا تقدم النظر فيها ص 175و 202و 218
ثم ذكر عن السيد رشيد رضا ((.. .. ونحن نجزم بأنا نسينا وضيعنا من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم حظاً عظيماً لعدم كتابة علماء الصحابة كل ما سمعوه، ولكن ليس منه ما هو بيان للقرآن أو من أمور الدين، فإن أمور الدين معروفة في القرآن ومبينة بالسنة العملية، وما دون من الأحاديث فهو مزيد هداية وبيان ))
أقول:قد تكفل الله عزوجل يحفظ دينه، فمحال أن يذهب منه ما يقتضي نقصه، والمؤسف حقاً أن يجمع بعضنا بين التحسر على ما لم يحفظ، والتجني على ما حفظ، ومحاولة حطه عن درجته. راجع ص14-50(177/317)
ثم قال أبو رية (( قال الإمام أبو حنيفة: ردي على كل رجل يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف القرآن ليس رداً على نبي الله صلى الله عليه وسلم ولا تكذيباً له، ولكنه رد على ما يحدث عنه بالباطل، والتهمة دخلت عليه، ليس على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكل شيء تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، قد آمنا به وشهدنا أنه كما قال، ونشهد أنه لم يأمر بشيء يخالف أمر الله، ولم / يبيتدع ولم يتقول غير ما قاله الله ولو كان من المتكلفين ))
أقول: هذه العبارة من كتاب العالم والمتعلم، وفي نسبته إلى أبي حنيفة ما فيها، والكلام هناك في مسائل اعتقادية ومخالفة يراها مناقضة. فأما تبين السنة للقرآن بما فيه التفصيل والتخصيص والتقييد ونحوها (كما مر ص14و 218) فثابت عند الحنفية وغيرهم، سوى خلاف يسير يتضمنه تفصيل مذكور في أصولهم يتوقف فيهمه على تدبر عباراتهم ومعرفة اصطلاحاتهم، وبعض مخالفيهم يقول إنهم أنفسهم قد خالفوا ما انفردوا به هناك في كثير من فروعهم ووافقوا الجمهور. بل زاد الحنفية على الشافعية فقالوا إن السنة المتواترة تنسخ القرآن، وإن الحديث المشهور أيضاً ينسخ القرآن، وكثير من الأحاديث التي يطعن فيها أبو رية هي على الاصطلاح، الحنفية مشهورة
ثم ختم أبو رية كتابه بنحو ما ابتدأه من إطرائه وتقديمه إلى المثقفين، والبذاءة على علماء الدين، ثم الدعاء والثناء، وأنا لا أثني علىكتابي، ولا أبرئ نفسي، بل أكل الأمر إلى الله تبارك وتعالى، فهو حسبي ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه
انتهى بعون الله تعالى جمع هذا الكتاب في أواخر شهر جمادي الآخر سنة1378 والحمد لله رب العالمين
فهرس
تقديم الكتاب بقم المؤلف
3-
أبو رية وإطراء كتابه
4-
علماء الأمة عندهم النظام وثمامة ونحوهما من رءوس البدعة
5-
الحديث ودلالة العقل
5-(177/318)
رد أئمة الحديث المنكر والمستحيل، واحتياطهم في الأحوال كلها
6-
الأحاديث التي تثقل على المتكلمين ونحوهم.
7-
الحديث والبلاغة العربية
7-
ذوق أبي رية
8-
قول ابن أبي حاتم (( من علامات الصحيح الخ ))
9-
الصحيحان وما انتقد عليهما
9-
جهل شيوخ الدين بمصر في زعم أبي رية
10-
معرفة أبي رية الحديث (؟) ومنزلته عنده، وفائدة كتابه
11-
معارضته للنصوص الصحيحة بما هو ضعيف أو ساقط أو موضوع
12-
الرواة الذين لم يعنوا الفقه،
13-
تملق أبي رية لطائفة معينة
14-
اعتذاره إلى المثقفين ومغزاه
15-
النفاق العملي وأخذه يحظ منه
15-
نظرية قسمة الدين إلى عام وخاص
15-
منزلة السنة من الدين
16-
تمدح أبي رية بخدمة السنة، وحقيقة ذلك
17-
المحامون الاستسلاميون وضررهم
18-
تقديم أبي رية كتابه للمثقفين والمستشرقين
19-
السنة تعريفها ومنزلتها من الدين ووجوب تبليغها
20-
بيانها للقرآن
21-
مالك والعمل
23-
قول صاحب المنار (( التي مبين للقرآن الخ ))
23-
قضية خطيرة، قوله: من عمل المتفق عليه الخ ونسبتها إلى الغزالي وبراءة الغزالي منها
24-28
كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور الدنيوية
27-
العصمة، وتقصير أبي رية
28-
ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن النخل لا يحتاج إلى تأبير
28-
من اصطلاح مسلم في صحيحه
29-
زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يصدق بعض ما هو كذب
29-
كتابة الحديث في العهد النبوي
31-
التيسير في الشريعة
32-
وجوب العمل بإخبار الثقات
34-
هل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث؟
34-
ما روى عن الصديق من جمعه خمسمائة حديث
37-
ما روى أن عمر أراد كتابة الحديث
38-
ما روى عن غيرهما من الصحابة في الكتابة
38-43
مخالفة أبي رية للأمانة العلمية
38-(177/319)
التابعون والكتابة
42-
كيف كتب القرآن في العهد النبوي، والاعتماد فيه على حفظ الصدور
44-46
لماذا عني الصحابة بجمع القرآن مكتوباً دون الحديث
45-
تدوين الحديث
45-
الإجلاب لمحاولة تقوية نظرية دين عام ودين خاص، وإبطال ذلك
45-52
زعم رغبة كبار الصحابة عن التحديث
45-
زعم نهيهم عن التحديث
45-
كيف كان العمل في تبليغ الأحكام في العهد النبوي؟
48-50
الواجب أن يكون في الأمة علماء وعلى العامة الرجوع إليهم
49-
ما الذي يكفي العالم من العلم وما الذي يلزمه؟
49-50
زعم أن علماء القرن الأول والثاني لم يكن يهمهم مراعاة الحديث
50-
حال الإمام أبي حنيفة
51-
الفقهاء والحديث
52-
الصحابة ورواية الحديث
53-
الصديق والعمل بالحديث
53-54
الفاروق والحديث
54-58
عرض النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته على أصحابه أن يكتب لهم كتابا
57-58
توفي الصحابة عن الحديث
58-64
كثير منهم قلت فتواه مع العلم بوجوب الفتوى، فكذلك التحديث
62-
تشديد الصحابة في تلقي الأخبار، وبيان وجه ذلك
64-
الصديق
65-
زعم أبي رية أن من شرط الاسناد الصحيح أن يكون عن رجلين وبيان الحقيقة
65-66
ما روى عن تشديد عمر
66-68
ما روى عن استحلاف على لمن يحدثه
68-
الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
69-
تهويل أبي رية في شأن كلمة متعمداً وبيان الحقيقة
69-75
إثبات وجوب التبليغ
71-
تحقيق ما هو الكذب
74-
الرواية بالمعنى
75-
نزول القرآن بسبعة أحرف
76-
مكانة حفظ الصدور
77-
قوة حفظ السلف
78-80
الحديث ورواته ونقد الأئمة لهم
79-
حكم منكر العمل بالأحاديث أو بعضها
81-
حكم الرواية بالمعنى
82-
شواهد أبي رية على ضرر الرواية بالمعنى، والنظر فيها
83-
التشهدات وقود بعض الصحابة (( السلام على النبي ))
83-(177/320)
أحاديث الإسلام والإيمان
84-
حديث (( زوجتكها )) وحديث (( لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة
85-
الرواية بالمعنى- والعربية
87-
التساهل فيما يروى في الفضائل
87-
الوضع
88-
تهويل المستشرقين ومقلديهم ورده
89-
الصحابة وعدالتهم في الرواية
89-
احتياط الأئمة المتثبتين في التوثيق
89-
تشديدهم في اختبار الرواة
90-
معاوية رضي الله عنه والشام
92
براءة الأئمة المحدثين
93-
فضل الشام
93-
من الباطل أن تعد دلالة حديث على فضل الشام أوعلى نبأ مستقيل دليلاً على وضعه
94-
الابدال
94-
احتجاج أبي رية بإخبار موضوعة ومكذوبة
95-
أبو رية وتخليصه الشنيع في فهم عبارات المؤلفين ونقلها
95-
بماذا يعرف الحديث الموضوع
95-
الاسرائيليات
96-
عبد الله بن سلام رضي الله عنه
97-
وهب بن منبه
97-
كعب الأحبار
97-
ابن جريج
97-
رمي الصحابة رضي الله عنهم بانقياد ما يخبر به أهل الكتاب صحيحاً لا ريب فيه، وتفشيد ذلك، وقول الصحابة في كعب
98-
إرسال كعب ووهب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقلته، وأنه ليس بحجة علىكل حال
98-
ليس كعب من رجال الصحيحين ولا أحدهما وإنما جرى ذكره فيهما عرضا
99-
أكثر الحكايات المنسوبة إلى كعب لا تصح عنه
99-
تحريف كتب أهل الكتاب وانقراض بعضها
99-
صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في التوراة
100-
اتلاف اليهود جميع نسخ كتبهم التي كتبت قبل الإسلام وفي صدره في العالم كله بعد أن استحدثوا نسخاً تخالفها
102-
محاربة المستشرقين من يهود ونصارى للسنة المحمدية وبعض أساب ذلك
103-
مكيدة مهولة يكاد بها الإسلام والسنة، اخترعها بعض المستشرقين فيما أرى وزلق فيها بعض المشهورين، وأخذ أبو رية يحطب لها بالباطل والزور والخيانة
104-(177/321)
محاولة أبي رية ترويج تلك المكيدة برمي الفاروق رضي الله عنه بالذاجة والتغفيل البالغ
107-
قصة الصخرة
107-
مقتل عمر واتهام بعض العصريين كعبا، والنظر في ذلك
109-
استسقاء عمر بالعباس
114-
ماروى عن ابن عباس (( في كل أرض آدم الخ )) ومعي ما عسى أن يصح منه
117-
حديث المعراج واستهزاء أبي رية به
119-
جواز رواية الاسرائيليات
121-
افتراء الكذب على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسبه الكذب إليهم، فلعنة الله على الكاذب
124-
رواية بعض الصحابة عن أحبار اليهود
125-
الكلام في كعب
126-127
الإسرائيليات في فضل بيت المقدس
128-
فضل المسجد الأقصى
129-
قول أبي رية (( اليد اليهودية في تفضيل الشام، والنظر في ذلك
130-
الكذب على معاوية رضي الله عنه
130-
إخبار الإنسان عما يعلم السامعون أنه لم يدركه لا يعطي الجزم
132-
قول أبي رية (( الكيد السياسي الخ )) والنظر في ذلك
133-
الكيد اليهودي المحقق كيد جلدسيهر
133-
المسيحيات
133-
تميم الدارمي رضي الله عنه
133-
خبر الجساسة وتفسيره
134-
حديث (( كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبه الخ ))
135-
استهزاء أبي رية
135-
حديث شق الصدر واستهزاء أبي رية ومقارنته بصلب عيسى
136-
بعض أهل الكلام يحاول الطعن في حديث الطعن بما يقضي منه العجب
138-
تفسير قوله تعالى ( إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) وص 176
139-
أحالة أبي رية من يطلب الزيادة على كتب جلدسيهر اليهودي المستشقرق وإضرابه ؟ !!
140-
أبو هريرة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم
140-
كثرة حديثه، وسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه
140-
حرصه على تلقي الحديث وحفظه
141-
سبب قلة حديث بعض الصحابة
141-
نسب أبي هريرة ونشأته وأصله
142-(177/322)
هجرته وعناؤه فيها، وإعتاقه غلامه حين اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وشيء من فضله ومزاحه
143-
اسلامه ومولده
144-
أهل الصفة وفضلهم، والمهمات التي كانوا قائمين بها
145-
قول أبي رية (( سبب صحته الخ )) وبيان بعض أفاعيل أبي رية
146-
شهادة طلحة بن عبيد الله لأبي هريرة بكثرة السماع من النبي صلى الله عليه وسلم
148-
رواية أبي أيوب الأنصاري عن أبي هريرة وقوله (( سمع مالم نسمع ))
148-
شهادة ابن عمر لأبي هريرة
148-
محاورة أبي هريرة مع عائشة
148-
فضل جعفر بن أبي طالب
149-
قول أبي رية (( مزاحه وهذره الخ )) وبيان الحق في ذلك
150-
قوله (( كثرة أحاديثه ))
152-
احتجاج أبي رية بحكايات ابن أبي الحديد عن الإسكافي، وبيان حالها
153-
حكاية عن عمر رضي الله عنه لأبي رية فيها أفاعيل
153-
تفصيل المكيدة المهولة التي تقدمت الإشاة إليها صفحة 73أصل
153-
تقيييد زعمه أن عمر منع أبا هريرة من التحديث
155-
نسبته إلى أبي هريرة مالم يرو عنه أصلاً وما هو مكذوب عليه
156-
قول أبي رية (( تدليسه ))
159-
حقيقة التدليس وانتقاؤها من الصحابة
160-
إن أرسل الصحابي لم يرسل إلا عن صحابي آخر يثق به وثوقه بنفسه
161-
التدليس يقع من بعض التابعين فمن بعدهم، وتحقيق حكمه
161-
قوله (( أول رواية اتهم في الإسلام ))
163-
البرهان على كذب ما زعمه بعض المبتدعة من اتهام عمر وعثمان وعلي لأبي هريرة
166-
مراجعة لأبي هريرة لعائشة ودلالتها على كمال صدقه
167-
حديث من أصبح جنباً فلا يصم، والشواهد على صحته، غير أنه منسوخ عند الجمهور
167-
قول أبي هريرة (( حدثني خليلي ))
170-
حديث النهي عن غمس اليدين في الإناء عقب النوم حتى تغسلا
170-
رد ما قيل أن عائشة قالت (( كيف نصنع بالمهراس ن وبيان قائل ذلك والجواب عنه
171-(177/323)
ما روى عن الزبير قوله (( صدق، كذب، وتفسير ذلك
171-
حديث إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار، والنظر فيه
172-
قوله (( من غسل ميتاً فلغتسل )) والنظر فيه
173-
حدث الاضطجاع بعد ركعتي الفجر
174-
ما يحكي عن أبي هريرة وأصحابه
175-
كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل يسمع، وتفسيره
176-
ما روى عن إبراهيم النخعي، والنظر فيه
177-
مسألة المصراة
179-
احتجاج أبي رية بجلدسيهر
179-
أخذ أبي هريرة عن كعب الأحبار
180-
حديث (( الشمس والقمر مكوران في النار )) وشهادة القرآن له
180-
ثقة أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف والحسن البصري بأبي هريرة
183-
حديث الديك وبيان عدم صحته عن أبي هريرة
183-
حديث النيل وسيحان وجيحان والفرات
184-
حديث يأجود ومأجوج وبيان عدم صحته عن أبي هريرة
184-
حديث إن الله خلق آدم على صورته
186-
طول آدم زعم أبي رية أن مالكاً أنكر هذا الحديث وحديثين آخرين
187-
حديث كشف الساق
187-
حديث (( خلق الله التربة يوم السبت الخ )) وما له عليه
188-
النظر فيما قيل إن هذا الحديث مخالف للقرآن
189-
طيش أبي رية وتحديه، وإرجاعه خاسراً خاسئاً
192-
حديث (( من عادى لي ولياً ))
193-
حديث إن في الحنة شجرة الخ
195-
قوله (( ضعف ذاكرته ))
196-
محاولته اثبات نسيان أبي هريرة
198-
حديث لا عدوى، وحديث: لا يورد ممرض على مصح
199-
قصة ذي اليدين
201-
حديث: لأن يمتلئ جوف أحدكم شعرا الخ
202-
عدم نسيان أبي هريرة مجزوم به فيما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن ينساه
202-
أبو هريرة من أئمة القراءات
202-
قوله: حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعائين
203-
إسلامه وهجرته وجهاده وفتواه وتولية عمر إياه للقضاء والإمارة
204-
فضائله، حاله مع بني أمية
205-(177/324)
افتراء أبي رية عليه بنسبة الوضع إليه، فلعنة الله على الكاذب
209-
قال (( سيرته في ولايته ))
213-
حياطله عمر للصحابة رضي الله عنهم
214-
مقاسمته لأبي هريرة ماله ثم طلبه ليستعمله وامنتناع أبي هريرة
215-
موسى وملك الموت
219-
ما بين منكبي الكافر
220-
إذا وقع الذباب، حديث: آتاني ملك الخ
221-
العجوة من الجنة. حديث: خمروا الآنية
222-
فذلكة ما زعم أبو رية أنه انتقده من أحاديث أبي هريرة، وبيان أنه لاتبعة على أبي هريرة في شيء منها وإنما التبعة على أبي رية وأضرابه
223-
الاستشكال لا يعني البطلان
223-
من حكمة وجود ما يستشكل في النصوص الشرعية
223-
أبو هريرة والبحرين
224-
خاتمة في فضائله
226-
أحاديث مشلكة: حديث اللوح المحفوظ. حديث سجود الشمس
228-
حديث إديار الشيطان عند النداء للصلاة
229-
حديث أبي سفيان أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً
229-
أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع شعر أمية بن أبي الصلت في شأن الشمس فقال: صدق
230-
أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى تقوم الساعة؟
230-
ما روى في المهدي: حديث: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر
231-
الأحاديث في شأن الدجال
232-
عمر الدنيا
233-
النيل والفرات
234-
من سنن الله عزوجل أن يخرق العادة إذا اقتضت حكمه
236-
الخلل في ظن البطلان أكثر جداً من الخلل في الأحاديث التي يصححها المتثبتون، تدوين القرآن
237-
قول أبي رية روى البخاري عن زيد بن ثابت.. . )) ثم ساقه كلاماً على هواه ليس هو في البخاري
237-
الفرق بين الكتاب والسنة في أمر الكتابة
239-
تدوين الحديث
240-
قوله لو دون الحديث الخ وجوابه، قوله الخبر وأقسامه
241-(177/325)
أبو رية في أمرين: إما الجنون بإنكار فائدة التواتر اليقين، وإما الكلام بتكذيب القرآن في نفيه صلب عيسى عليه السلام
241-
قوله لا يلزم من الإجماع الخ، وكلمات أخرى
242-
في القرآن دلالات قطعية
242-
تأمل وانظر ماذا بقي لأبي رية من الدين ؟
243-
تفسير قوله تعالى ( إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) ونحو
243-
اختلاف المجتهدين وحجية السنة وحال المقلدين
245-
عبارة لأبي يوسف فيها أخبار واهية
246-
قوله (( رأى مالك وأصحابه أن السنة لا تثبت إلا من وجهين الخ
247-
المناظرة المزعومة بين الأوزاعي وأبي حنيفة
248-
حديث بئر ذروان والنظر فيه
249-
قول صاحب المنار بعض أحاديث الآحاد تكون بحجة الخ والنظر
253-
قاعدة طروء الاحتمال في المرفوع من وقائع الأحوال الخ وبيان محلها
255-
أليس في الحديث متواتر ؟
255-
حديث الحوض، وكأنه استهزأ به، ومن استهزأ به فليس من أهله
255-
تعدد طرق الحديث
255-
مالك والموطأ
256-(177/326)
كشف الجاني محمد التيجاني
ثم اهتديت
فاسألوا أهل الذكر
مع الصادقين
الشيعة هم أهل السنة
بقلم
عثمان بن محمد آل خميس الناصري
أبي محمد التميمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين...
وبعد:
فلقد عرفت الشيخ عثمان خميس منذ كان طالبا في الجامعة من الحريصين على البحث والتدقيق ومحاولة الوصول إلى الحقيقة في كثير من المسائل التي هي مثار جدل وخلاف بين العلماء واستمرت معه هذه الموهبة بعد التخرج فكان يبحث ويحاضر ويناظر ويرد على أهل البدع ومن الأمثلة على ذلك هذا الكتاب الذي ألفه في الرد على التيجاني في بعض كتبه حيث أوضح بالأدلة والبراهين أن التيجاني كان يمتطي الكذب في كثير من القضايا التي يتحدث عنها ولا يتورع عن ذلك وقد ثبت في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا).(1)[1]
__________
(1) صحيح البخاري ج7 ص97 كتاب الأدب باب قول الله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وما ينهى عن الكذب ومسلم ج 4 ص 2013 كتاب الصلة والآداب باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله واللفظ لمسلم.(178/1)
كما أوضح أنا التيجاني تحول من مذهب صوفي منحرف إلى مذهب منحرف آخر فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار حيث إنه لم يعتنق مذهب أهل السنة والجماعة الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولهذا فإن ما يذكره من مقارنة بين مذهبه الأول ومذهبه الثاني إنما هو مقارنة بين هذا وهذا كما أنه بيّن كثيرا من الانحرافات في مذهب الشيعة الإمامية وناقشها كالقول بتحريف القرآن الكريم الناقض لقوله تعالى: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )(1)[2]وكاتهام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتحامل عليهم إلي غير ذلك من الانحرافات التي ناقشها وأبطلها بمنهج علمي وأسلوب واضح.
فجزاه الله خيرا على ما قام به من جهد ونفع به... إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه:
د.ناصر بن محمد الحميد
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)(2)[3].
(يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )(3)[4].
( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )(4)[5].
__________
(1) سورة الحجر آية 9.
(2) آل عمران آية 102.
(3) النساء آية 1.
(4) الأحزاب 70-71.(178/2)
أما بعد : فإن المنهج العلمي في البحث والطرح علامة دالة على حسن المقصد وسلامة الفطرة ونقاء السريرة وهو أمر يفتقده كثير من الكُتّاب في هذا الزمن وذلك ليس بغريب إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بهذا.
فعن حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه- قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا أن الأمانة نزلت في جَذْرِ قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوَكْتِ(1)[6]فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر المِجَلِّ(2)[7]كجمر دحرجته على رجلك تُراه مُنتبرا وليس فيه شيء قال : ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله قال: فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده وأظرفه وأعقله وما في قلبه حبة خردل من إيمان )(3)[8] متفق عليه.
وكم حاول المبتدعة في سائر العصور الاسلام من أن يشككوا في عدالة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأن يرموا علماء الأمة الفحول بكل نقيصة ولكن( إن ربك لبالمرصاد )(4)[9]فما يكتب مبتدع أو ضال إلا كشف الله باطله وردّ كيده في نحره فالحمد لله أولا وآخرا.
فترى أولئك الضُلال يموِّهون ويخدعون ويكذبون ويٌحرفون وهذه بضاعتهم ( ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور ) (5)[10].
__________
(1) قال الأصمعي: الوكت أثر الشيء اليسير منه : فتح الباري 11/341.
(2) إذا ظهر في الجلد ما يشبه البثر : النهاية في غريب الحديث4/300.
(3) فتح الباري-كتاب الرقائق-باب رفع الأمانةرقم6497و مسلم-الايمان230.
(4) الفجر آية 14.
(5) 10] النور آية 40.(178/3)
فإذا بالسذج الجهلة وبالهمج الرعاء الذين يتبعون كل ناعق يُتابعون أهل الأهواء ويُسلِّمون بكلامهم اكتفاء بما قال أسيادهم – وما علموا حال أسيادهم أو علموا وتعاموا – دون البحث عن الحق ومعرفة صدقهم من كذبهم .
وقد كتب أحد المُتعالِمين بعض الكتب(1)[11]التي يطعن فيها بأهل الحق ولم يلتزم الصدق في نقله كعادة سَلَفه فباء بالخسران عند ربه إن لم يتب وبالفضيحة في دنياه.
وقد كتبت كتابي هذا لبيان مدى كذب هذا الرجل وتعدّيه ولم أقصد الرد المفصل على كل ما يقول ولكن أردت فقط أن أبين أن هذا الرجل كذّاب في ما يّدعي .
وفد سألنا عنه علماء تونس(2)[12]فما عرفوه ولا سمعوا به وهو يتبجح ويقول إنه كان من علماء تونس.
سألنا عن ثُمالة كل حيٍّ ... ... فقال القائلون ومن ثُمالة؟
فقلت محمد بن يزيد منهم ... ... فقالوا زِدتنا بهم جهالة
وقد قصدت وجه الله تعالى في الذب عن دينه وليس يضرني إن شاء الله ظهور شيء من التقصير ومعرفة أهل العلم ما فيَّ من النقص لاعترافي أّني لست من فرسان هذا الميدان.
ولكني لم أجد من يسد الثغرة ويتفرغ للرد على هذا الأفّاك.
فتصديت لذلك من غير إعجاب ومن عَدِمَ الماء تيمَمَّ التراب.
وكلامي يحتمل الخطأ والصواب فليس هم مثل كلام رب الأرباب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا من كلام المعصوم صلوات الله عليه وسلامه.
فإن أخطأت فَمَن غيرُ الأنبياء عُصِم وإن أخطأت فمن الذي ما وُصِم.
فمن وجد شيئا من الخطأ فليدلنا عليه لأن القاصد لوجه الله يحب الحق من حيث أتاه ويقبل الهدى ممن هداه وإن كان مَن يرد كلمي لاتباع هوى فلا حيلة لي معه وهل يستقيم الظلّ والعُود أعوج.
__________
(1) 11] وهذه الكتب هي : ثم اهتديت، فاسألوا أهل الذكر ، لأكون مع الصادقين ، الشيعة هم أهل السنة.
(2) 12] سألنا الشيخ الفاضل محمد الشاذلي فقال: إنه لا ُيعرف عندنا ، سألنا عنه كثيرا في تونس فلم يعرفه أحد.(178/4)
( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) (1)[13].
هذا وأسال الله العلي القدير أن يتقبّل عملي هذا ويجعله خالصا لوجهه كما أسأله تعالى أن يهدي أبناء المسلمين من الشيعة إلى الحق متى تبيَّنوا كذب أسيادهم وعلمائهم وتجنيهم على الحق.
( فأما الزبد فيذهب جُفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) (2)[14].
والقصد تنبيه ذوِي الأفهام الذين يُغنيهم القليل عن التكثير والإيجاز عن البسط والتطويل، فزِنِ الكلام بميزان الاعتدال والإنصاف وأعط كلّ ذي حق حقّه.
فإن الله سبحانه وتعالى قال: ( والسماء رفعها ووضع الميزان * ألاّ تطغوا في الميزان* وأقيموا الوزن بالقسط ولا تُخسروا الميزان ) (3)[15].
... ... ولا تكتب بكَفِّك غير شيء ... ... يَسُرُّك في القيامة أن تراه
وأنا أعجب ولا ينتهي العجب لماذا يكذب الإنسان ؟ لماذا لا يّتبع الحق؟ لماذا لا يواجه الحجّة بالحجّة؟أسئلة كثيرة وإجابات شحيحة بل معدومة.
وقد ذكر الشيخ المُعَلِّمي في كتابه الفذّ ( القائد إلى تصحيح العقائد ) أسبابا كثيرة تمنع الإنسان من اتّباع الحق ومخالفة الهوى ومنها:
... 1-أن يرى الإنسان أن اعترافه بالحق يستلزم اعترافه بأنه كان على باطل فيشقّ عليه ذلك.
2-أن يرى الإنسان قد صار له في الباطل جاه وشهرة ومعيشة فيشق عليه أن يعترف بأنه باطل فتذهب تلك الفوائد.
... 3-الكِبْر فيرى أن اعترافه بالحق يعني اعترافه بأنه كان ناقصا وأن هذا الرجل هو الذي هداه.
... 4-أن يكون عاجزا عن تقبّل الصدمة وتضعف إرادته عن اتخاذ القرار فإنه يتبن له أن آبائه وأجداده وشيوخه وعلمائه الذين كان يُطريهم ويُعظمهم ويذب عنهم كانوا على خلاف الحق وأن الذين يُحقّرهم ويسخر منهم وينسبهم إلى الجهل والضلال والكفر هم المحقّون.
__________
(1) 13] الجاثية آية23.
(2) 14] الرعد آية71.
(3) 15] الرحمن آية 8-10.(178/5)
وعلاج هذا أن يجعل الإنسان نُصب عينيه الأمور التالية:
... 1-أن يفكر في شرف الحق وضَعَة الباطل.
... 2-أن يقارن بين نعيم الدنيا الزائل ورضوان رب العالمين ونعيم الآخرة.
... 3-أن يأخذ نفسه بخلاف هواها فيما يتبين له.
... 4-أن يسعى في التمييز بين معدن الحجج ومعدن الشبهات.
... 5-أن يوطن نفسه على أن لا يكون إمّعة إن أحسن الناس أحسن وإن أساؤا أساء بل إن احسن الناس أحسن وإن أساؤا لا يُسيء.
... 6-أن يكثر من دعاء الله أن يُريه الحق حقا ويرزقه اتّباعه وأن يُريه الباطل باطلا ويرزقه اجتنابه.
وأخيرا كما قال الإمام المعلمي رحمه الله تعالى:
... ما كان ما كان عن حب لمَحْمَدَةٍ ... ... ولم نُرد سُمعة بالبحث والجدل
... لكنما الحق أولى أن نُعظّمه ... ... من الخداع بقول غير معتدل
... ولا أحب لكم إلا الصواب كما ... ... لأحبه وهو من خير المقاصد لي
... فَظُنَّ خيرا كظني فيك محتملا ... ... ما كان أثناء نصر الحق من خطل
... فإنما غضبي للحق حيث أرى ... ... إعراضكم عنه تعليلا بلا علل
... وقد علمتم الصواب في محاورتي ... ... والحمد لله رب السهل والجبل(1)[16]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ملاحظة:التزمت في ردي على الطبعات التي ذكرتها من كتب التيجاني لأنه من قبح عمله أنه يطبع الكتاب أكثر من مرة ويغير الصفحات وبين يدي ثلاث طبعات لكتاب ثم اهتديت واحدة فقط عليها سنة الطبع وهي التي التزمتها.
التعريف بالتيجاني وكتبه ومنهجه
__________
(1) 16] تحريف النصوص14.(178/6)
يدّعي التيجاني أنه تخرّج من جامعة الزيتونة في تونس وأنه كان صوفيا منتسبا إلى الفرقة التيجانية ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية وصار وهابيا صرفا ورجع إلى تونس وصار ينشر الوهابية وينكر على الصوفية وغيرهم ثم سافر بعد ذلك إلى بيروت والتقى بالباخرة برجل يقال له منعم وتأثر به ثم سافر إلى العراق وصار بع ذلك شيعيا اثني عشري وهو يدّعي أنه ما صار شيعيا إلا بعد بحث جاد عن الحقيقة التي توصل إليها في آخر المطاف.
وليت الرجل كان صادقا في مدعاه ولو كان كذلك لوضعنا يدنا في يده ولكنه للأسف الشديد ملأ كتبه بالكذب والتدليس والتلبيس والهمز واللمز وهذا ما ستراه في طيات هذا الكتاب.
وقد ركّز في كتبه الأربعة المذكورة على قضية واحدة وهي الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والحقيقة أن الشيعة لا يملكون شيئا غير هذا عندما يناقشون أهل السنة.
ولا حجة لهم في هذا فإن أهل السنة لا يقولون بعصمة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأفراد بل يُجوّزون أن يقع منهم الخطأ ولكنهم مع هذا يُجلّونهم وينظرون إلى هذه الأخطاء نر منصف يقارن بين قلّة الخطأ وكثرة الصواب.
وما يطعن به الشيعة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى أربعة أقسام:
1-أكاذيب كذبت عليهم لم تقع منهم.
2-مسائل محل اجتهاد.
3-أخطاء صغيرة عُظّمت وزيد فيها أضعافها من الأكاذيب.
4-أخطاء وقعن منهم مغمورة في بحور حسناتهم.
ولو كان التيجاني صادقا فيما ادعاه وهو أنه باحث عن الحق لما كذب فإن صاحب الحق لا يكذب وإن صاحب الباطل لا يصدق...
والله المستعان.
والصدق يألفه الكريم المرتجى ... ... ... والكذب يألفه الدنيء الأخيب
...
الرد علىكتاب
ثم اهتديت
مؤسسة الفجر-لندن
1411هـ -1991م
1-قال التيجاني ص24:(178/7)
... ( وكان شيوخ الأزهر يحضرون تلك الجلسات ويعجبون لما أحفظ من أحاديث وما أملكه من حجج دامغة فكانوا يسألونني عن الجامعة التي تخرجت منها فأفخر بأني من خريجي جامعة الزيتونة).ا.هـ.
... -وقال التيجاني ص24 أيضا:
... (ومن علماء الأزهر من قال لي يجب أن يكون مكانك هنا في الأزهر ...
وجلست في منصة الشرف بين العالم الأزهري والأب شنودة وطلبوا مني إلقاء كلمة في الحاضرين ففعلت بكل سهولة).ا.هـ.
وبعد هذا كله يقول التيجاني ص54:
(وعجبت لهذا الصبي(1)[17] الذكي الذي يحفظ ما يقول مثل ما يحفظ أحدنا سورة من القرآن... وقد استرسل معي في الحديث وكأنه أستاذ يعلم تلميذه وشعرت بالضعف أمامه وتمنيت لو أني خرجت مع صديقي ولم أبق مع الصبيان فما سألني أحدهم عن شيء يخص الفقه أو التاريخ إلا وعجزت عن الجواب)ا.هـ.
قلت: مع شيوخ الأزهر يفخر ويُسأل ومع صبية النجف يعجز ويهرب وكل هذا من التيجاني حتى يبين لنا أن صبية النجف أعلم من علماء الأزهر وهذا كلام لا يقوله من يحترم قُرّاءه ويحترم نفسه وهذا التيجاني نفسه لما تعلم من علماء النجف ومن صبيتها صار ماذا؟ صار كذّابا يُلقي التُهم ويُلفّّق القضايا ويخترع القصص ويستغفل القارئ.
وما سنورده لك أيها القارئ الكريم في صفحات هذا الكتاب سيظهر لك مدى كذب هذا الرجل وتدليسه وظلمه وتعديه وانحرافه عن الأسلوب العلمي في طرحه لقضاياه كاشفا جهله وقبح سريرته فمثله يجب أن يقف عند عتبة الباب عند نعال القوم يترقب الأمر من بعيد وإنّ غدا لناظره قريب.
2-قال التيجاني ص25:
(ألم يقل في حديث قدسي: عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون).
قلت: هذا الحديث القدسي-كما يزعم التيجاني- لم أجده في مظانه من كتب الموضوعات وهذا من ترهات الصوفية التي نشأ عليها التيجاني فمن وجد هذا الحديث فليدلنا عليه وله منا جزيل الشكر.
3-قال التيجاني ص28:
__________
(1) 17] يعني صبيا في الحوزة العلمية في النجف.(178/8)
(قلت لمنعم لو كنت أعلم أنك شيعي لما تكلمت معك . قال : ولماذا؟ قلت : لأنكم غير مسلمين فأنتم تعبدون علي بن أبي طالب والمعتدلون يعبدون الله ولكنهم لا يؤمنون برسالة محمد ويشتمون جبريل ويقولون بأنه خان الأمانة)ا.هـ.
(ثم قال التيجاني أنه أخذ هذه المعلومات من كتب التاريخ مثل فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام لأحمد أمين).
قلت: هذا كذب صراح فلم يذكر أحمد أمين هذا الكلام وأقول: نعم نحن نعتقد أن بعض الشيعة يقولون بألوهية علي وهم السبئية (1)[18].
ولكن أحمد أمين ذكره في كتبه الاثني عشرية ولم ينسب لهم القول بألوهية علي ولا عدم الإيمان برسالة محمد ولا شتم جبريل.
ولكن نسب لهم غيرها من الكفريات التي يتبجحون بها مثل القول بالرجعة(2)[19] وأن أئمتهم يعلمون الغيب(3)[20] ويحيون الموتى(4)[21] وأن القرآن محرف(5)[22] وأن الصحابة كلهم ارتدوا إلا ثلاثة(6)[23] وغيرها من الكفر الصريح.
4-قال التيجاني ص29:
(إن الشيعي منعم قال: إن أحمد أمين نفسه عندما زار العراق وكنت من بين الذين الأساتذة الذين التقول به في النجف وعندما عاتبناه على كتاباته عن الشيعة اعتذر قائلا: إني لا أعلم عنكم أي شيء وإني لم أتصل بالشيعة من قبل وهذه أول مرة ألتقي فيها بالشيعة).
قلت: هذا كذب على أحمد أمين ولو كان هذا الكلام صحيحا فلِمَ لم يتراجع عن ذلك في كتبه ثن إن كلامه عن الشيعة نقله من كتبهم المعتمدة فكيف يقول إنه لا يعرف شيئا عن الشيعة؟!
__________
(1) 18] وهم حاليا في إيران يسمون العلي إلهية ، ومن يتهمون جبريل بالخيانة هم الغرابية من فرق الشيعة.
(2) 19] ضحى الإسلام 3/212.
(3) 20] ظهر الإسلام 4/113.
(4) 21] ضحى الإسلام 3/219.
(5) 22] ضحى الإسلام 3/217.
(6) 23] ضحى الإسلام 3/210.(178/9)
قال أحمد أمين بعد أن ذكر أهم معتقداتهم: هذه خلاصة نظر الشيعة إلى الإمام مستمدة من أوثق كتبهم ومعتمدة على ما روي من أقوال الأئمة أنفسهم مجردة عن الشروح والحواشي (1)[24].
ولِمَ لَمْ يقل هذا الكلام في حياة أحمد أمين فيُسئل؟!
ثم إن كتب أحمد أمين موجودة ومتداولة وهو ينقل عن كتب الشيعة فتراه ينقل كلام الكليني من الكافي ويرجع إلى نهج البلاغة وكتاب أعيان الشيعة وكتاب حياة القلوب وكتاب بحار الأنوار للمجلسي وكتاب وقفة الزائرين للمجلسي أيضا وغيرها من كتب الشيعة فهل من قرأ هذه الكتب وعزا إليها يقول لا أعلم عن الشيعة شيئا؟.
5-قال التيجاني ص 30:
(استحسنت رأيه وصاحبته إلى مكان خال من الناس حيث توضأت وقدمته ليصلي إماما قصد اختباره كيف يصلي على أن أعيد صلاتي فيما بعد).
قلت: إن صح هذا من التيجاني فهو يدل على خبث طويه واستهانة بأمر الصلاة وخبرة لا يستهان بها في التقية.
وهذا الفعل لا يجرؤ على مثله مؤمن يتقي الله ويخافه يصلي صلاة يعتقد بطلانها !
وقد قال التيجاني ص31 أنه صلى المغرب مع أخيه منعم ثم قال اتجهنا إلى المطعم وصلى بنا العشاء.
قلت: الشيعة عندهم أن أوقات الصلاة ثلاثة وهم يجمعون المغرب مع العشاء فغما أن يكون التيجاني كذّابا وإما أن أخاه منعما استخدم معه التقية فوافق شن طبقة.
6-قال التيجاني ص34:
(كما أن محمدا رسول الله هو سيد الأنبياء فعبدالقادر هو سيد الأولياء وقدمه على رقبة كل الأولياء وهو القائل: كل الناس يطوف بالبيت سبعا وأنا البيت طائف بخيامي ، وحاولت إقناعه-يعني منعما- بأن الشيخ عبدالقادر يأتي إلى بعض مريديه ومحبيه جهرة ويعالج أمراضهم ويفرج كربتهم)
قلت: هذا يظهر انحرافا شديدا عند التيجاني قبل تشيعه –إن كان صادقا في كتابه- ويؤكد لنا الصلة القوية بين التشيع والتصوف(2)[25]وأنهما وجهان لعملة واحدة.
__________
(1) 24] ضحى الإسلام 3/220.
(2) 25] كتاب العلاقة بين الشيعة والتصوف للدكتور فلاح إسماعيل.(178/10)
وعند أهل السنة أمن من يعتقد أن الجيلاني أو غيره من الأموات يأتي إلى بعض مريديه ومحبيه جهرة ويعالج أمراضهم ويفرج كربتهم فإنه كافر خارج من ملة الإسلام.
قال تعالى: ( له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) (1)[26].
وقال تعالى: ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له )(2)[27] .
قال الآلوسي: قوله تعالى: ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا)(3)[28] .
إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى حيث يستغيثون بهم في الشدة –أي الأولياء- غافلين عن الله تعالى وينذرون لهم النذور والعقلاء منهم يقولون إنهم وسائلنا إلى الله وإنما ننذر لله ونجعل ثوابه للولي ولا يخفى أنهم في دعواهم الأولى أشبع الناس بعبدة الأصنام القائلين: ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) (4)[29]،(5)[30].
قال أبوبكر الحنبلي: الشرك الأكبر ستة أنواع: دعاء غير الله من الأنبياء والأولياء لطلب الرزق أو شفاء مرض أو غير ذلك لقوله تعالى : (ولا تدع من دون لله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا ً من الظالمين) (6)[31]،(7)[32].
وكذا مقولته الأولى :{ كل الناس يطوف بالبيت سبعا وأنا البيت طائف بخيامي} كفرية وهي لا تثبت عن عبدالقادر الجيلاني.
7-قال التيجاني ص37:
__________
(1) 26] الرعد آية14.
(2) 27] سبأ آية22.
(3) 28] الحج آية73.
(4) 29] الزمر آية3.
(5) 30] بيان الشرك ووسائله عند أئمة الحنفية ص32.
(6) 31] يونس آية106.
(7) 32] بيان الشرك ووسائله عند علماء الحنابلة د.محمد الخميس ص14.(178/11)
(وفي الحقيقة ما عرفت من التاريخ الإسلامي قليلا ولا كثيرا لأن أساتذتنا ومعلمينا كانوا يمنعوننا من ذلك مدعين بأنه تاريخ أسود مظلم لا فائدة من قراءته).
قلت: ما أقصر حبل الكذب فإن التيجاني قال في صفحة 23: وكانوا يعجبون لحماسي وصراحتي وكثرة اطلاعي وذكر أنه قرأ كتب أحمد أمين في فقرة رقم 5.
ووصم التاريخ الإسلامي بأنه تاريخ أسود فرية شيعية لا يقولها أحد غير الشيعة بل حتى المستشرقين يقرون بأن التاريخ الإسلامي فيع عصور ذهبية زاهرة لا سيما عهد الخلفاء الراشدين.
وإذا كان أساتذة التيجاني يقولون عن تاريخ المسلمين الناصع إنه تاريخ أسود مظلم فإن أساتذتنا وشيوخنا يقولون لنا غير ذلك وهذه كتب علمائنا تسطر تاريخ سلفنا الصالح وإن أراد التيجاني تاريخا أسودا فلا مثل تاريخ الشيعة فمه لم ينصروا الإسلام يوما ما ولا فتحوا بلادا ولا دفعوا عدوا بل العكس هو الصحيح فجهادهم دائما ضد أهل السنة في القديم والحديث.
أما القديم : فلا نعرف لهم جهادا ولا غناء في الإسلام والذي نعرفه لهم هو ما يلي:-
1-مساندتهم للتتار عندما دخلوا بغداد وعاثوا فيها فسادا عن طريق ابن العلقمي والنصير الطوسي(1)[33].
2-مساندتهم للنصارى في الحروب الصليبية وفتحهم الثغور لهم(2)[34].
3-إقامة الاحتفالات عندما هزم جيش العثمانيين على يد الروس وقتالهم المستمر للعثمانيين(3)[35].
4-قتلهم الحجاج وقلع الحجر الأسود ونهبه إلى الإحساء (4)[36].
وأما في الحديث:
1-قول الخميني الطريق إلى القدس يمر عبر العراق وثناؤه على النصير الطوسي الذي تسبب في مذبحة بغداد أيام التتار (5)[37].
__________
(1) 33] انظر البداية والنهاية 13/213-217-283.
(2) 34] انظر كتاب الخمينية وريثة الحركات الحاقدة والأفكار الفاسدة ص73.
(3) 35] انظر كتاب الاعتداءات الباطنية على المقدسات الإسلامية ص160.
(4) 36] بروتوكولات آيات قم ص63.
(5) 37] الحكومات الإسلامية ص142.(178/12)
2-قتل دعاة السنة في إيران مثل أحمد مفتي زادة ، أحمد الكسروي- البقاعي- مظفريان وغيرهم كثير (1)[38].
3-مذبحة صبرا وشاتيلا على يد حركة أمل الشيعية (2)[39].
4-رواياتهم وأقاويلهم عن تحرير البيت الحرام والمسجد النبوي(3)[40] تفجيرات الحرم (4)[41].
وغير هذا كثير ويكفيك من هذا ما قاله الأحقاقي الحائري عن الفتوحات الإسلامية لبلاد فارس.
قال الأحقاقي: إن الصدمات التي واجهتها كل من شعبي إيران والروم الكبيرين نتيجة لحملات المسلمين والمعاملة التي تلقوها من الأعراب البدائيين الذين لا علم لهم بروح الإسلام العظيمة أورثت في نفوسهم نزعة صدود عن العرب وشريعة العرب فطبيعة سكان البادية الأوباش الخشنة وذلك الخراب والدمار اللذين ألحقوهما بالمدن الجميلة والأراضي العامرة في الشرق والغرب وغارات عباد الشهوات العطاشى إلى عفة وناموس الدولتين الملكية والإمبراطورية.. الخ (5)[42].
هلا تمعنت أخي القارئ في كلام هذا الإحقاقي المعاصر والذي يصف لنا الصحابة الفاتحين لبلاد فارس –التي يحن إليها قلبه لأنه شعوبي- بأنهم أعراب بدائيون وأنهم أوباش وأنهم عباد الشهوات وعطاشى إلى عفة الفارسيات ولا أدري أي عفة للفرس يبكي عليها وهم يبيحون نكاح المحارم.
أيقول هذا الكلام مسلم؟ وهذا هو السبب الرئيسي لبغض الشيعة لعمر وهو تحطيمه دولة فارس لأن أولاد الحسيبن أخوالهم الفرس من زوجته شهربانو بنت يزدجرد .(6)[43]وكذا تعظيمهم لسلمان الفارسي من دون الصحابة حتى قالوا أنه يوحى إليه(7)[44] . لا لشيء إلا أنه فارسي.
__________
(1) 38] وجاء دور المجوس1/478.
(2) 39] أمل والمخيمات الفلسطينية ص53 وما بعدها.
(3) 40] بروتوكولات آيات قم 63 وما بعدها.
(4) 41] 1987.
(5) 42] رسالة الإيمان ص323.
(6) 43] بحار الأنوار 45/329.
(7) 44] رجال الكشي 21.(178/13)
ولهذا يروون في كتبهم عن علي بن أبي طالب أنه قال عن كسرى: إن الله خلصه من عذاب النار والنار محرمة عليه (1)[45].
8- قال التيجاني ص 40 :
(وثارت في رأسي حمية الوهابية(2)[46] فقلت للدكتور: إذا أنت وهابي الفكر يا حضرة الدكتور فهم يقولون كما تقول ليس هناك أولياء ).
قلت:
أولا : تسمية لأهل السنة بالوهابية من باب اللمز, فهم لم يتسموا بهذا الاسم في – حد ذاته – شرفا لهم , فهم متبعون , لامبتدعون.
ثانيا : قوله : فهم يقولون ليس هناك أولياء, كذب صريح, ولله الحمد كتبهم في كل مكان تنادي بكذب هذا الادعاء.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي في كتابه كشف الشبهات :
الواجب عليك حب الأولياء , واتباعهم , والإقرار بكرامتهم ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال , ودين الله الوسط بين طرفين(3)[47].
ويا ليت التيجاني ذكر لنا كتابا واحدا من كتب من يسميهم الوهابية ذكروا فيه هذا الادعاء فلعنة الله على الكاذبين.
__________
(1) 45] بحار الأنوار 41/14.
(2) الوهابية نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي ولد في العيينة سنة 1115 ورحل في طلب العلم إلى الحجاز والشام والبصرة , وكانت دعوته إلى التوحيد ونبذ الشرك والبدع وشمر عن ساعد الجد يجادل ويقارع بالحجة ويتبع الدليل , فصار له أتباع آزروه ونشروا دعوته , واتهمه أعداؤه بالتفكير واستهلال المحارم وغيرها من الأمور الشنيعة . وعلى المنصف أن يقرأ كتبه ومصنفاته حتى يعرف منهجه ودعوته , ومن أشهر كتبه كتاب التوحيد وكتاب كشف الشبهات ومختصر السيرة وغيرها كثير ومن سار على منهجه في الدعوة إلى الدين الصحيح . قيل له وهابي ولكن ليس هناك في الوجود قوم يتبعون سيره ويقولون عن أنفسهم أنهم وهابيون , وتوفي رحمه الله سنة 1206.
(3) 47] كتاب كشف الشبهات - الفصل العاشر ص111- ضمن كتاب الطريق إلى الجنة .(178/14)
والذي ينكره علماء أهل السنة هو هذيان التيجاني الذي قاله في عبد القادر الجيلاني في الرد رقم 6
ألم تر أن الحق تلقاه أبلجا وأنك تلقى باطل القول لجلجا
9- قال التيجاني ص44:
(نقول نحن أهل السنة والجماعة , بأنه (يعني رسول الله )معصوم في تبليغ القرآن فقط ).
قلت : من جعلك مندوبا عن أهل السنة والجماعة , فتتكلم بلسانهم , فلا والله لست منهم لا قبل تشيعك وبعده (1)[48].
ولنا أن نطلب من التيجاني أن يذكر لنا المرجع الذي استقى منه هذا الكلام , وهو أن أهل السنة , لا يقولون بعصمة النبي إلا في تبليغ القرآن .
ومعتقد أهل السنة والجماعة في العصمة , هو أن أنبياء الله معصومون , في التبليغ , سواء كان ذلك في الكتب , أو أي شيء آخر , فرسول الله محمد مثلا معصوم في تبليغ القرآن , والسنة ,
(( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ))(2)[49]
فالقرآن وحي , والسنة وحي , والفرق بينهما , أن القرآن كلام الله , والسنة كلام رسوله , وهناك فروقات أخرى , ليس هذا مجال ذكرها.
فأهل السنة إذا يقولون بعصمة النبي , في التبليغ , سواء كان قرآن أو سنة .
ويقولون أيضا بعصمته وغيره من الأنبياء , من الكبائر , ومن خوارم المروءة , واختلفوا في عصمته من الصغائر , والصحيح أن النبي تقع منه الصغائر , ولكن لا يقر عليها للأدلة الآتية :
1- قال تعالى : ((وعصى آدم ربه فغوى )) طه/121
2- قال تعالى : ((يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك )) التحريم/1
3- قال تعالى : ((عبس وتولى أن جاءه الأعمى )) عبس/1
4- قال تعالى : ((وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه )) الأعراف/150
5- قال تعالى : ((ما كان لنبي أن يكون له أسرى )) الأنفال/ 67
6- قال تعالى : ((وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه )) الأحزاب/ 37
__________
(1) 48] كما ادعاه في كتابه الشيعة هم أهل السنة وسيأتي الرد عليه في طيات هذا الكتاب.
(2) 49] النجم آية3-4.(178/15)
7- قال تعالى : ((فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون )) الصافات/ 144
8- قال تعالى : ((وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب )) ص/24
9- قال تعالى : ((عفا الله عنك لم أذنت لهم )) التوبة /43
10- قال تعالى : ((قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين )) هود/46
قال القاضي عياض : أما ما يتعلق بالجوارح من الأعمال , فأجمع المسلمون على عصمة الأنبياء , من الفواحش, والكبائر الموبقات , وكذلك لا خلاف أنهم معصومون من كتمان الرسالة , والتقصير في التبليغ
أما الصغائر , فجوزها جماعة من السلف , وغيرهم على الأنبياء , وذهبت طائفة أخرى من المحققين , والمتكلمين , إلى عصمتهم من الصغائر , كعصمتهم من الكبائر .
... وقال بعض أئمتنا: ولا يجب على القولين أن يُختلف أنهم معصومون عن تكرار الصغائر وكثرتها ولا في صغيرة أدت إلى إزالة الحشمة وأسقطت المروءة وأوجبت الإزراء و الخساسة فهذا أيضا مما يعصم عنه الأنبياء إجماعا.ا.هـ.(1)[50]
... وقال أيضا: قد استبان لك أيها الناظر بما قررناه ما هو الحق من عصمته صلى الله عليه وسلم عن الجهل بالله وبصفات الله وكونه على حالة تنافي العلم بشيء من ذلك كله جملة بعد النبوة عقلا وإجماعا وقبلها سمعا وعقلا ولا بشيء مما قرره من أمور الشرع وأداه عن ربه من الوحي قطعا عقلا وشرعا وعصمته من الكذب وخلف القول منذ أرسله ونبئه قصدا أو غير قصد واستحالة ذلك عليه شرعا إجماعا ونظرا وبرهانا وتنزيهه عنه قبل النبوة قطعا وتنزيهه عن الكبائر إجماعا وعن الصغائر تحقيقا وعن استدامة السهو والغفلة واستمرار الغلط والنسيان عليه فيما شرعه للأمة وعصمته في كل حالاته من رضا وغضب وجد ومزح (2)[51].
10-قال التيجاني ص45:
__________
(1) 50] مختصر من كتاب الشفا 2/784.
(2) 51] الشفا 2/848.(178/16)
(قال لي منعم : هل قرأت تفسير الآية الكريمة : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )؟
فقد أجمع المفسرون سنة وشيعة على أن الصحابة الذين نزلت فيهم هذه الآية جاءوا إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله عرفنا كيف نسلم عليك ولم نعرف كيف نصلي عليك.
فقال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كمل صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ولا تصلوا علي الصلاة البتراء
قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟
قال: أن تقولوا اللهم صل على محمد وتصمتوا وإن الله كامل ولا يقبل إلا الكامل).
قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت) رواه البخاري (1)[52].
الله أكبر كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا أأجمع المفسرون السنة على هذا الحديث المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟والغريب أن التيجاني في الحاشية عزا إلى تفسير ابن الأثير! وما سمعنا عنه ولم يذكر أهل اعلم الذين ترجموا لابن الأثير كتابا له في التفسير فليت شعري! ما أجرأ التيجاني على الكذب وقد رجعت إلى كتب التفسير فلم أجد أحدا ذكر هذا الحديث بهذه الصيغة التي ذكرها التيجاني والحديث الصحيح يبدأ من قول الصحابة: عرفنا كيف نسلم عليك وينتهي عند قوله: إنك حميد مجيد.
أما الصلاة البتراء فهي من كذبات التيجاني ولم يذكرها أحد من المفسرين الذين رجعت إلى كتبهم وهم الطبري و ابن العربي والقرطبي والنسفي و الشوكاني وابن الجوزي وابن تيمية(2)[53] وابن عطية والنسائي والسيوطي.
فكيف أجاز التيجاني لنفسه أن يقول: أجمع المفسرون سنة وشيعة؟!
قال السخاوي: ويروى عنه صلى الله عليه وسلم مما لم أقف على إسناده: لا تصلوا علي الصلاة البتراء.
__________
(1) 52] فتح الباري-كتاب الأنبياء باب بينما امرأة ترضع ابنها رقم 3483.
(2) 53] له كتاب دقائق التفسير.(178/17)
قالوا: وما البتراء؟ قال: تقولون اللهم صل على محمد وتسكتون بل قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد .أخرجه أبو سعد في شرف المصطفى(1)[54].
فهذا كما يقول السخاوي ثم يجرؤ هذا الأفّاك ويقول أجمع المفسرون فهل من كذب أشد من هذا؟!فإن قال قائل: هذا كلام منعم وليس كلام التيجاني .قلت: التيجاني أقرّه على كذبه بل ونقله في كتابه مستشهدا به.
11-قال التيجاني ص54:
( نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة وما عداها فليس من الإسلام في شيء).
قلت: قوله هذا لا يقوله إلا أحد رجلين كذّاب أو جاهل.
وأحلاهما مرّ.
ولم يقل هذا أحد من علماء المسلمين إنه ليس في الإسلام إلا المذاهب الأربعة وآرائهم ولم يأمر أحد من الأئمة الأربعة الناس باتباعه ولا قال عن الحق معه هو فقط بل أمروا الناس باتباع الحق أينما كان ومنعوا من تقليدهم بدون علم.
قال الإمام أبو حنيفة :- لا يحل لأحد أن يقول بقولنا ما لم يعرف من أين أخذناه.
قال الإمام الشافعي:- إذا صح الحدث فهو مذهبي.
وكذا هذا القول ومثله مشهور عن مالك وأحمد (2)[55].
وهناك مذاهب أخرى كمذهب الثوري ومذهب الأوزاعي ومذهب أبي ثور ومذهب الظاهرية وغيرها كثير.
ولنا أن نسأل هذا التيجاني ماذا كان مذهب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة قبل ظهر هذه المذاهب؟
والحق أنه لا يقول هذا الهراء الذي تفوه به التيجاني إلا الجهّال أمثاله لما كان دعيا في السنة أو الكذّابون أمثاله لما صار شيعيا.
21-قال التيجاني ص54:
(قال الأخ منعم: أبو حنيفة تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق وفي ذلك يقول أبوحنيفة :
لولا السنتان لهلك النعمان ....... وأخذ مالك عن أبي حنيفة).
قلت: هذا من أكاذيب الشيعة التي لا تنتهي.
__________
(1) 54] القول البديع للسخاوي ص46. وهذا الكتاب لم أعرفه وسألت عنه بعض أهل العلم فلم يعرفوه فلعله مخطوط ومؤلفه غير معروف.
(2) 55] انظر صفة صلاة النبي للألباني من 45-55.(178/18)
فأبو حنيفة ليس من تلاميذ جعفر ولا مالك من تلاميذ أبي حنيفة.
وقد أخذ التيجاني هذا الكلام من كتب الشيعة.
فقد قال الأنطاكي الكلام هذا نفسه (1)[56].
وأبو حنيفة درس على حماد بن أبي سليمان ولم يثبت أنه درس على جعفر بل كان من أقرانه وقد ولدا سنة 80هـ.
وأما قوله: إن مالكا أخذ عن أبي حنيفة وقال الأنطاكي أخذ علم جعفر عن أبي حنيفة فأقول إن جعفر بن محمد لم يكن بذلك الثقة عند مالك بل إن مالكا ما كان يروى عنه حتى يضم إليه غيره (2)[57].
13-قال التيجاني ص 65:
(قال منعم: هل تعرف أن كل الفرق الإسلامية على اختلاف مذاهبها متفقة على القرآن الكريم).
قلت: صدقت إن كنت تعني بالفرق الإسلامية التي ما زالت على الإسلام .أما الفرق التي تنتسب إلى الإسلام والإسلام براء منها فهي غير متفقة معنا على القرآن الكريم.
والفرقة الشيعية الإثنا عشرية التي ينتمي إليها منعم و التيجاني وغيرهما لا تقول بصيانة القرآن بل نقل غير واحد من علماء الشيعة الاثني عشرية إجماع الشيعة الاثني عشرية على أن القرآن محرف وهذا بحث طويل وليس هذا مجاله ولكن لا بأس من ذكر بعض علماء الشيعة الذين يقولون بتحريف القرآن.
1-قال أبو الحسن الفتوني : اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرا من الكلمات والآيات ويمكن القول بكونه من ضروريات مذهب التشيع (3)[58].
2-قال عدنان البحراني : القول بتحريف والتغيير من المسلمات وهو إجماع الفرقة المحقة وكونه من ضروريات مذهبهم (4)[59].
__________
(1) 56] لماذا اخترت مذهب الشيعة للأنطاكي ص2.
(2) 57] هذا هو الثابت في كتب الرجال في ترجمة جعفر الصادق كالتهذيب والجرح والتعديل والميزان.
(3) 58] مرآة الأنوار-المقدمة الثانية36.
(4) 59] مشارق الشموس الدرية 126.(178/19)
3-قال علي الكوفي أبو القاسم : أجمع أهل النقل والآثار من الخاص والعام أن هذا الذي في أيدي الناس من القرآن ليس هذا القرآن كله(1)[60] .
4-قال المفيد : إن الأخبار جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان (2)[61].
فهل ما زال التيجاني ومنعم يقولان : إن الفرق الإسلامية متفقة على القرآن ؟ اللهم إلا أن يُكفّرا طائفتهما الاثني عشرية.
14-قال التيجاني ص57:
(قال الخوئي: المسلمون إخوة سواء كانوا شيعة أم سنة فهم يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئا وقرآنهم واحد ونبيهم واحد وقبلتهم واحدة. ولا يختلف الشيعة عن السنة إلا في الأمور الفقهية).
قلت: قال نعمة الله الجزائري:
إنا لا نلتقي مع السنة على إله ولا نبي ولا إمام فإن الرب الذي نبيه محمد وخليفته أبوبكر ليس بربنا ولا ذلك النبي نبينا (3)[62].
قال الكاشاني:
من جحد إمامة أحدهم (الأئمة الاثني عشر) فهو بمنزلة من جحد نبوة جميع الأنبياء عليهم السلام (4)[63].
قال المالقاني:
وغاية ما يستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على كل من لم يكن اثني عشري (5)[64].
بل إن التيجاني نفسه قال في محاضرة له في لندن والأشرطة موجودة:
إن الله الذي يرضى أن يكون الخليفة بعد نبيه أبوبكر ما نريد هذا الرب.
فمن نصدق.
ومن أراد أن يعرف المزيد فليرجع إلى كتاب حقيقة الشيعة لعبدالله الموصلي رحمه الله.
15-قال التيجاني ص66:
(وسألته (يعني باقر الصدر) عن التربة التي يسجدون عليها.
فأجاب قائلا: يجب أن يُعرف قبل كل شيء أننا نسجد على التراب ولا نسجد للتراب.
والثابت عندنا وعند أهل السنة أيضا أن أفضل السجود على الأرض.
أو ما أنبتت الأرض من غير المأكول ولا يصح السجود على غير ذلك).
__________
(1) 60] فصل الخطاب27.
(2) 61] أوائل المقالات98.
(3) 62] الأنوار النعمانية.
(4) 63] منهاج النجاة48.
(5) 64] تنقيح المقال1/208.(178/20)
قلت: هذا كذب على أهل السنة.
قال الإمام ابن قدامة :
ولا تجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء. (يعني أعضاء السجود) قال القاضي عياض: إذا سجد على كور عمامته أو كمه أو ذيله فالصلاة صحيحة رواية واحدة وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة (1)[65].ا.هـ.
ونحن ننكر على الشيعة تعظيمهم لهذه التربة حتى رووا فيها الأحاديث المكذوبة على أئمة أهل البيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي والحسن أفضل من الحسين عند السنة والشيعة ومع هذا لا يعظم ترابهم عند الشيعة كما يعظم تراب الحسين .
وليت الأمر توقف عند السجود على التراب كما يقول الصدر بل الأمر تعدى هذا إلى تقديس هذا التراب.
قال موسى الموسوي: كثير من الذين يسجدون على التربة يقبلونها ويتبركون بها وفي بعض الأحيان يأكلون قليلا من تربة كربلاء للشفاء!!
ولست أدري متى دخلت هذه البدعة في صفوف الشيعة فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ما سجد قط على تربة كربلاء ولا الإمام علي ولا الأئمة من بعده سجدوا على شيء اسمه تربة كربلاء (2)[66].
وهذه شهادة من عالم شيعي على واقع الشيعة.
إن من اعتقادات الشيعة أن تربة الحسين هي الكفيلة لشفاء الأدواء والأسقام بشتى أنواعها وأشكالها .. مخالفين بذلك قول الله: ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو )(3)[67].
وقوله: ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) (4)[68].
وقوله : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) (5)[69].
فهم باعتقادهم بهذا التراب الدواء والشفاء قد شابهوا المشركين في اعتقادهم بأحجار النفع والضر.
ومن رواياتهم في التربة :-
1-ينسبون إلى جعفر الصادق أنه قال: طينة قبر الحسين شفاء من كل داء و إذا أكلته تقول: بسم الله وبالله اللهم اجعله رزقا واسعا وعلما نافعا وشفاء من كل داء (6)[70].
__________
(1) 65] المغني1/305.
(2) 66] الشيعة والتصحيح115.
(3) 67] يونس آية107.
(4) 68] النمل62.
(5) 69] الشعراء80.
(6) 70] بحار الأنوار98/129.(178/21)
2-ينسبون إلى محمد الباقر أنه قال: طينة قبر الحسين شفاء من كل داء وأمان من كل خوف وهو لما أخذ له(1)[71] .
وهناك روايات أخرى كثيرة بوّب لها المجلسي باب كاملا في كتابه بحار الأنوار (2)[72].
16-قال التيجاني ص68:
(قال باقر الصدر: المسلمون يدعون الأولياء ليكونوا وسيلتهم إليه سبحانه وهذا ليس بشرك والمسلمون متفقون سنة وشيعة على ذلك من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا عدا الوهابية وهم علماء السعودية الذين ذكرت والذين خالفوا لإجماع المسلمين بهذا الاعتقاد وكفروهم وأباحوا دمائهم ).
قال ابن تيمية: إن الذين يدعون الأولياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وغير قبورهم من المشركين الذين يدعون غير الله كالذين يدعون الكواكب والذين اتخذوا الملائكة والنبيين أربابا قال تعالى: ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون . ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ) (3)[73].
وقال تعالى: ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم و لا تحويلا . أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا )(4)[74] .
وقال تعالى: ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من كاذب كفار )(5)[75] .
وقال تعالى: ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما لهم منهم من ظهير . ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له )(6)[76] .
__________
(1) 71] بحار الأنوار98/131.
(2) 72] بحار الأنوار98/118.
(3) 73] آل عمرن79-80.
(4) 74] الإسراءآية56.
(5) 75] الزمر آية3.
(6) 76] سبأ 22-23.(178/22)
وقال تعالى: ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون )(1)[77] .
والسؤال ما الفرق بين صنيعهم وصنيع المشركين؟!
ومثل هذا كثير في القرآن ينهى أن يدعى غير الله ولو كان من الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم فإن هذا شرك بخلاف ما يطلب من أحدهم في حياته من الدعاء والشفاعة .(2)[78] ا.هـ.
ولم يثبت عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم غير ذلك.
فهل ما قال الصدر و التيجاني حق أو باطل وكذب أنه لم يقل بهذا إلا الوهابية؟!
17-قال التيجاني ص68:
(قال الصدر: فهم يضربون الشيوخ من حجاج بيت الله الحرام لمجرد قول أحدهم السلام عليك يا رسول الله).
قلت: هذا كذب فكلنا معاشر السنة نقول السلام عليك يا رسول الله ولم يضربنا أحد وكل الشيعة الذين يلتزمون بهذه السنة لا يضربهم أحد والشيعة يعلمون ذلك فلم الكذب؟
18-قال التيجاني ص68:
(إن شرف الدين من علماء الشيعة لما حج بيت الله الحرام في زمن عبدالعزيز آل سعود كان من جملة العلماء المدعوين إلى قصر الملك لتهنئته بعيد الأضحى كما جرت العادة هناك ولما وصل الدور إليه وصافح الملك قدم إليه هدية وكانت مصحفا ملفوفا في جلد فأخذه الملك وقبله ووضعه على جبهته تعظيما له وتشريفا.
فقال له السيد شرف الدين حينئذ: أيها الملك لماذا تعاظم وتقبله وهو جلد ماعز؟
أجاب الملك: أنا قصدت تعظيم القرآن الكريم الذي بداخله ولم أقصد تعظيم الجلد.
فقال السيد شرف الدين عند ذلك: أحسنت أيها الملك . فكذلك نفعل نحن عندما نقبل شباك الحجرة النبوية أو بابها فنحن نعلم أنه حديد لا يضر ولا ينفع ولكننا نقصد ما وراء الأخشاب .نحن نقصد بذلك تعظيم رسول الله كما قصدت أنت تعظيم القرآن بتقبيلك جلد الماعز الذي يغلفه.
__________
(1) 77] يونس18.
(2) 78] بتصرف من قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة217-220.(178/23)
فكبر الحاضرون إعجابا له وقالوا: صدقت . واضطر الملك وقتها إلى السماح للحجاج أن يتبركوا بآثار الرسول حتى جاء الذي بعده فعاد القرار الأول ).
قلت: هذه قصة ملفقة والعجيب أن هذه الحكايات لا تظهر إلا بعد موت من عاصرها كهذه مثلا وقصة منعم مع أحمد أمين تحت رقم 4 وكذلك مراجعات سليم البشري مع شرف الدين الموسوي صاحب المراجعات وغير ذلك كثير.
ثم لو قلنا بجواز تقبيل المصحف فإنه قياس مع الفارق لأن تعظيم المصحف الذي يحوي كلام الله –الذي هو صفة من صفاته- لا يؤدي بالتالي إلا إلى تعظيم الله فلا يخاف على صاحبه من ذريعة الشرك بخلاف تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ذريعة إلى تعظيم النبي وإعطائه بعض صفات الرب هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وسلم واتخاذه مسجدا وعيدا قد ورد النهي الصريح عنه في غير ما حديث وهو نص في المسألة ولا اجتهاد مع النص مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) رواه مسلم (1)[79].
والشيعة يقعون في كثير من الشركيات كدعاء الأموات والطواف حول القبور والخوف منهم أكثر من الخوف من الله إلى غير ذلك.
وخير مثال على ذلك كتاب القصص العجيبة لعبدالحسين دستغيب -وهو أحد أئمة الشيعة الكبار في هذا الزمن- فقد ذكر فيه كيف يلجئون إلى القبور من دون الله.
19-قال التيجاني ص73:
(إننا ( يعني أهل السنة) نحتفل بيوم عاشوراء على أنه عيد من الأعياد الإسلامية وتخرج فيه زكاة الأموال وتطبخ فيه شتى المأكولات وأنواع الأطعمة الشهية ويطوف الصبيان على الكبار ليعطوهم بعض النقود لشراء الحلوى والألعاب).
__________
(1) 79] صحيح مسلم كتاب المساجد23.(178/24)
قلت: هذا الكلام يدل على أن التيجاني ما عرف دين أهل السنة وإنما هو انتقل من بدعة التصوف إلى بدعة التشيع ودين الله وسط لا إفراط ولا تفريط فلم يقل أحد من علماء السنة أن يوم عاشوراء عيد من الأعياد الإسلامية بل ليس عند أهل السنة أعياد كثيرة هما عيدان عيد الأضحى والفطر ويوم عاشوراء يصومه أهل السنة اقتداء برسولهم صلى الله عليه وسلم وهو اليوم الذي نجى الله فيه نبيه وكليمه موسى عليه السلام فالسنة صومه وليس الإطعام فيه والشيعة الذين يعيشون في بلاد أهل السنة يعلمون ذلك جيدا.
2-قال التيجاني ص74:
(إن علمائنا لا يفتون إلا برأي السلطة التي تضمن معاشهم وتعزل من تشاء منهم وتنصب من تشاء).
قلت: هذه صدق فيها التيجاني فإن علماء الصوفية لا يتكلمون إلا بما يعجب حكوماتهم وإن كان التيجاني يقصد أهل السنة فقد كذب وليس هذا بغريب وما علينا أن نكثر من الكلام بل نكتفي بقول الله تبارك وتعالى : ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )(1)[80] .
وانظر مثالا لذلك قصة الإمام الزهري مع هشام بن عبدالملك(2)[81] وقصة الإمام مالك مع أبي جعفر المنصور(3)[82] وقصة العز بن عبدالسلام مع المماليك(4)[83] وقصة ابن تيمية مع الناصر قلاوون(5)[84] ومع بيبرس الجاشنكير .
وقصة الأوزاعي مع عبدالله بن علي(6)[85] وابن أبي ذئب مع أبي جعفر بن المنصور(7)[86] وأحمد بن حنبل مع المعتصم(8)[87] وغيرها كثير.
وهؤلاء علماؤنا في هذا العصر هم أبعد الناس عن النفاق بل النفاق والتقية هي من معتقدات الشيعة أما السنة فلا يدينون الله بهذه التقية التي يتعامل بها علماء الشيعة حتى مع الشيعة.
21-قال التيجاني ص75:
__________
(1) 80] البقرة111.
(2) 81] سير أعلام النبلاء5/339.
(3) 82] سير أعلام النبلاء8/79.
(4) 83] طبقات الشافعية الكبرى8/216.
(5) 84] العقود الدرية132-184.
(6) 85] سير أعلام النبلاء7/144.
(7) 86] سير أعلام النبلاء7/144.
(8) 87] محنة الإمام أحمد ص73.(178/25)
(قال رسول الله : ابحث عن دينك حتى يقال عنك مجنون(1)[88]).
وعزاه في الحاشية إلى صحيح البخاري.
وهذا كذب وجهل فإن البخاري لم يخرج هذا الحديث ولا غيره من أصحاب الكتب الستة بل لم أجده في شيء من كتب أهل السنة فمن وجده في كتب الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم فليدلنا عليه أو ليصرخ قائلا للتيجاني: أنت كذّاب.
وهذا الحديث هو على طريقة الصوفية الذين يقولون أكثر أهل الجنة البله(2)[89] ولذا يعرفون بالمجاذيب.
22-قال التيجاني ص78:
(توجد حراسة مشددة (يعني عند قبر النبي) من الجنود الغلاظ الذين يتداولون على الرقابة والحراسة أمام كل باب وفي أيديهم سياط يضربون بها كل من يقترب أو يحاول أن ينظر داخل الحجرة ).
قلت: المدينة موجودة والمسجد موجود والقبر موجود والعهد قريب وما يدعيه التيجاني كذب يعلمه الشيعي والسني وفات التيجاني أن يقول وهم مدججون بالسلاح وقتلوا الكثيرين ممن سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فسبحان الله ما رأى هذه السياط من العالمين إلا التيجاني.
والمصيبة كل المصيبة أنه يجد من يصدقه مع أنه لم ير ولم يسمع إلا في مؤلفات الشيعة.
__________
(1) 88] أظنه قد اختلط عليه الحديث فقد رُوِيَ بلفظ مقارب له هو : (أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون) رواه أحمد والحاكم وغيرهما وضعفه الهيثمي في المجمع2/317 وذلك لأن في سنده دراج وذكر الذهبي هذا الحديث في الميزان مشيرا إلى أنه من مناكير دراج و ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة(517) وهذا الحديث يدندن حوله الصوفية كثيرا فلعله اختلط على التيجاني ولا يبعد أنه قد اختلقه كما هي عادته كما رأينا و الله أعلم (الناسخ).
(2) 89] واعتمادهم في ذلك-وغالب اعتماد اتهم على هذه النوعية من الأحاديث الضعيفة و الباطلة- على ما رُوِيَ بلفظ: (دخلت الجنة فإذا أكثر أهلها البله) قال ابن الجوزي حديث لا يصح وضعفه الألباني في ضعيف الجامع(2959) (الناسخ).(178/26)
23-قال التيجاني ص78:
(وهذا نظير ما حكاه أحد الفضلاء ممن أثق بهم إذ قال: كنا نطوف بالبيت فإذا شاب أصابه مغص من شدة الزحام فتقيأ وضربه الجنود الذين يحرسون الحجر الأسود وأخرجوه وهو في حالة يرثى لها واتهموه بأنه جاء بالنجاسة لتوسيخ الكعبة وشهدوا عليه وأعدم في نفس اليوم).
قلت: التيجاني هنا اختصر القصة خشية التطويل فإن هذا الشاب بعد أن أعدم علق على الكعبة ثلاثة أيام بلياليها ونقلت وكالات الأنباء العربية والعالمية هذا الخبر ونشر في الصحف وبثته الأقمار الصناعية ولكن لم يسمع ولم ير ولم يقرأ هذا الخبر إلا من يثق به التيجاني والتيجاني .
وما حيلتي فيمن يختلق ما يقول.
24-قال التيجاني ص82:
(وإذا كان المسلمون يعتقدون بأن سيدنا الخضر لم يمت ويرد السلام على كل من سلم عليه).
قلت: إن من يقول بحياة الخضر هم الصوفية ومن تأثر بهم وأما أهل السنة والجماعة فلا يقولون بحياة الخضر.
وهذا من موروثات التيجاني الصوفية.
25-قال التيجاني ص83:
(زرت البقيع وكنت واقفا أترحم على أرواح أهل البيت وكان بالقرب مني شيخ طاعن بالسن يبكي وعرفت من بكائه أنه شيعي (1)[90].
واستقبل القبلة وبدأ يصلي وإذا بالجندي يأتي إليه بسرعة وكأنه كان يراقب تحركاته وركله بحذائه ركلة وهو في حالة السجود فقلبه على ظهره وبقي المسكين فاقد الوعي بضع دقائق وانهال عليه الجندي ضربا وسبا وشتما ورق قلبي لذلك الشيخ وظننت أنه مات ودفعني فضولي وأخذتني الحمية وقلت للجندي:
حرام عليك لماذا تضربه وهو يصلي؟
فانتهرني قائلا: اسكن أنت ولا تتدخل حتى لا أصنع بك مثله. ا.هـ.).
قلت: الغريب في هذه القصة والذي لا أكاد أصدقه هو كيف انتهت القصة هكذا لأن من عادة قصص التيجاني أن يؤخذ هذا الرجل ويعدم.
__________
(1) 90] عرف التيجاني أن الرجل شيعي لما عرف عن الشيعة من التعلق بالقبور والأموات و النياحة عند القبور.(178/27)
ثم كيف لم ينكر التيجاني على الشيخ الشيعي لأنه استدبر قبور أهل البيت في أثناء صلاته.
قال المجلسي:
وسادسها صلاة ركعتين للزيارة عند الفراغ فإن كان زائرا للنبي صلى الله عليه وسلم ففي الروضة وإن كان لأحد الأئمة فعند رأسه ولو صلاهما بمسجد المكان جاز.
ورويت رخصة في صلاتهما إلى القبر ولو استدبر القبلة وصلى جاز(1)[91] .
وأخيرا قبل أن أنسى نشكر للتيجاني حميته وهكذا الرجال حمية وصدقا.
26-قال التيجاني ص91:
(فألفوا في ذلك (يعني حياة الصحابة) كتبا عديدة أمثال أسد الغابة في تمييز الصحابة وكتاب الإصابة في معرفة الصحابة وكتاب ميزان الاعتدال وغيرها من الكتب التي تناولت حياة الصحابة بالنقد والتحليل ).
قلت: لنرجع قليلا إلى كلام التيجاني ص 24 رقم 1
لنعرف مدى ما يتمتع به من علم أذهل علماء الأزهر ثم نعيد قراءة هذا الكلام في هذه الصفحة.
وقبل الرد لا بأس أن نتذكر بيتين من الشعر قيلا على لسان حال حمار:
قال حمار الحكيم توما ... ... لو أنصف(2)[92] الدهر كنت أركب
فأنا جاهل بسيط ... ... وصاحبي جاهل مركب
ونقول للتيجاني المتعالم: جميع الكتب التي ذكرتها أخطأت فيها
فأسد الغابة اسمه أسد الغابة في معرفة الصحابة
والإصابة اسمه الإصابة في تمييز الصحابة
وأما ميزان الاعتدال فقد قال الإمام الذهبي في مقدمته: أما الصحابة فلا أذكرهم لجلالتهم في هذا المصنف فإن الضعف جاء من جهة الرواة عنهم(3)[93] .
فليس في كتاب الميزان ذكر لصحابي واحد فكيف يكون كتابا تناول حياة الصحابة بالنقد والتحليل.
فسبحان من جمع فيك الكذب والجهل والتعالم.
قدّر لرجلك قبل الخطو موضعها ... ... فمن علا زلقا عن غرة زلجا
27-قال التيجاني ص93:
__________
(1) 91] بحار الأنوار97/134.
(2) 92] ملاحظة: الدهر ليس له تصرف بل هم بيد الله يقلب ليله ونهاره.
(3) 93] ميزان الاعتدال ص2 وذكر من اختلف في صحبته مثل بسرة بن أرطأة ومروان ورجح أنهما ليسا بصحابيين.(178/28)
(كما أوجب مودتهم على كل مسلم كأجر للرسالة المحمدية).
قلت: يريد أن مودة أهل البيت أجر للرسالة المحمدية.
ويستشهد بقوله تعالى: ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) (1)[94].
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ثبت في الصحيح عن سعيد بن جبير أن ابن عباس سئل عن قوله تعالى: ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) (2)[95].
قال سعيد بن جبير فقلت: إلا أن تودوا ذوي قربى محمد.
فقال ابن عباس: عجّلت إنه لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله منهم قرابة فقال لا أسئلكم عليه أجرا إلا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم.ا.هـ.(3)[96]
قال ابن تيمية: ويدل على ذلك أنه لم يقل إلا المودة لذوي القربى كما في قوله تعالى: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) (4)[97].
ويبين ذلك أن الرسول لا يسأل أجرا أصلا وإنما أجره على الله.
كما قال إخوانه الأنبياء وهو أكملهم (5)[98].
وجميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قربى النبي صلى الله عليه وسلم وذوي قربى الإنسان إنما قيل فيها ذوي القربى ولم يقل في القربى.
والنبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل أجرا على تبليغ الرسالة البتة بل أجره على الله.
( قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ) (6)[99].
( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم )(7)[100] .
( وما تسألهم عليه من أجر أن هو إلا ذكر للعالمين )(8)[101] .
( قل ما أسئلكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا )(9)[102] .
وليست محبتهم أجرا للرسالة بل محبتهم مما أمرنا الله به .
28-قال التيجاني ص95:
(الصحابة في صلح الحديبية
__________
(1) 94] الشورى23.
(2) 95] الشورى23.
(3) 96] فتح الباري-كتاب التفسير-باب إلا المودة في القربى رقم4818.
(4) 97] الأنفال41.
(5) 98] منهاج السنة4/25.
(6) 99] ص86.
(7) 100] سبأ47.
(8) 101] يوسف104.
(9) 102] الفرقان57.(178/29)
إن الصحابة في صلح الحديبية لم يمتثلوا أمر النبي حين قال قوموا فانحروا ثم احلقوا فو الله ما قام منهم رجل...
وذكر التيجاني مقولة عمر لرسول الله ألسنا على الحق وعونا على الباطل ..الخ القصة).
قلت: الرد على هذا من ثلاثة أوجه:
أولا: لم يكن تأخر الصحابة عن الحلق والنحر من باب عنادهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ودوا لو غيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه ودخل مكة أو أن ينزل وحي من الله خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد وعدهم أن يدخلوا المسجد الحرام.
ثانيا: في الصلح نفسه أمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يمحو اسمه فرفض علي ذلك ولم يجعل أهل السنة هذا الأمر مطعنا في علي . انظر الرد رقم 50 في هذا الكتاب.
ثالثا: وهو عبارة عن سؤال: لم حل الصحابة ونحروا بعد أن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر وحلق وبدون كلام منه؟ وكذلك نقول: إن عليا لم يحلق ولم ينحر كباقي الصحابة فهل تعيبونه بهذا؟!
29-قال التيجاني ص 103:
(الصحابة في سرية أسامة:
مجمل القصة أن رسول الله جهز جيشا لغزو الروم قبل وفاته بيومين وأمّر على هذه السرية أسامة بن زيد وعمره ثمانية عشر عاما وقد عبأ في هذه السرية وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وغيرهم).
قلت: قد سبقه إلى هذه الفرية إمامه الموسوي في المراجعات فقال بإجماع أهل الأخبار إن أبا بكر وعمر كانا في جيش أسامة (1)[103].
وقول الموسوي وقول التيجاني كذب ظاهر والحمد لله هذه كتب أهل الأخبار والتاريخ موجودة فمن منهم ذكر هذا الإجماع ؟ وأين؟
والمشهور أن عمر كان مع جيش أسامة أما أبو بكر فكان يصلي بالناس ولم يكن ضمن جيش أسامة.
30-قال التيجاني ص 98:
(الصحابة ورزية يوم الخميس
__________
(1) 103] المراجعات: مراجعة رقم90 ص644 الحاشية.(178/30)
قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله وجعه فقال: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده . فقال عمر: إن النبي قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم رسول الله : قوموا عني ).
قلت: يحاول الشيعة أن يدخلوا بهذه القصة مدخلا خطيرا وهو الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرون أن هذه القصة مناسبة جدا لمبتغاهم .
ومآخذ الشيعة تتمثل فيما يلي:
1-لِمَ لَمْ يستجب الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في طلب الكتاب.
2-أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب الوصية لعلي من بعده.
3-أن هذا لكتاب يتوقف عليه ضلال الأمة وهداها.
4-أن الصحابة نجحوا في منع النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب.
5-أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب على الصحابة لأنهم لم يستجيبوا له.
6-أن عمر اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يهجر(1)[104].
وللرد على هذه الشبهات نقول مستعينين بالله سبحانه وتعالى:
1-لَمْ يستجب الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم شفقة عليه من وجعه الذي ألمّ به ونحن نسأل الشيعة هل هذا الكتاب من التبليغ الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم بحيث يجب عليه أن يبلغه أم لا؟.
فإن قالوا نعم هو من الواجب عليه تبليغه ولم يبلغه فهذا طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم وتكذيب لله حيث قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) (2)[105].
ولنا أن نسأل الشيعة سؤالا ثانيا وهو: أين علي بن أبي طالب من هذه الحادثة هل كان موجودا أو لم يكن موجودا ؟ ولِمَ لَمْ يبادر بكتابة الكتاب.
__________
(1) 104] مع الصادقين للتيجاني نفسه ص118.
(2) 105] المائدة3.(178/31)
وذلك أنه قد أخرج أحمد في مسنده عن علي بن أبي طالب قال أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده قال فخشيت أن تفوتني نفسه قال قلت إني أحفظ وأعي.
قال: أوصى بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم .
وقال أحمد شاكر إسناده حسن (1)[106].
فالذي أمر بالكتابة إذا علي بن أبي طالب فلِمَ لَمْ يكتب؟!
2-إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب الوصية وهذا الكلام غير صحيح للحديث السابق الذي بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما يريد أن يكتب.
3-ليس في الحديث أن النبي لم يبلغ بل حديث علي يبين لنا أنه أخبر عليا بما يريد أن يكتب.
4-إن الصحابة نجحوا في منع النبي صلى الله عليه وسلم من الكتابة نقول إن الصحابة لم يكن قصدهم منع النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأمر كتابة وبلّغه شفهيا.
5-غصب النبي صلى الله عليه وسلم هذا يشبه قوله لعلي في الحديبية امح فرفض أمر النبي حتى أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب من علي ومحاه بيده الشريفة.
6-إن عمر اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يهجر كذب لم يصدر عن عمر إذ أن الثابت أن عمر قال إن رسول الله غلبه الوجع ولم يتهمه في عقله.
فثبت أن هذا الكتاب إما استحبابا أو لزيادة بيان لا أكثر.
31-قال التيجاني ص117:
قوله تعالى: ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )(2)[107]
( فكلمة منهم التي ذكرها الله تعالى دلت على التبعيض وأوحت أن البعض من هؤلاء لا تشملهم مغفرة الله ورضوانه ودلت أيضا على أن البعض من الصحابة انتفت منهم صفة الإيمان والعمل الصالح ) .
قلت : لعل التيجاني لم يحاول أن يتعلم الكثير من صبيان النجف فتعجل هنا في تفسير كتاب الله بدون علم فلعله أن يرجع فيتعلم منهم قبل أن يطلع على كلامه علماء الأزهر الذين يتهمهم بالجهل .
__________
(1) 106] مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر2/84 رقم693.
(2) 107] الفتح29.(178/32)
وكلام التيجاني لا يحتمل إلا أمرين :
أحدهما : أن التيجاني كذاب في ادعائه أن ( مِنْ ) هنا للتبعيض .
الثاني : أن التيجاني جاهل باللغة العربية وهو قد وصف نفسه بالجهل أمام صبية النجف وأحلاهما مر .
والحاصل أن ( مِنْ ) هنا بيانية وليس تبعيضية .
قال القرطبي : وليست ( مِنْ ) في قوله منهم مبعضة لقوم من الصحابة دون قوم ولكنها عامة مجنسة مثل قوله تعالى : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان )(1)[108] .
وتكون ( مِنْ ) في قوله منهم مؤكدة مثل قوله : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ) والقرآن كله شفاء إلا إذا أراد التيجاني أن يقول كما قال إمامه النوري الطبرسي إن القرآن فيه آيات سخيفة – لعنة الله على من قال هذا القول ثم لم يتب - .
قال النسفي : ( ومِنْ ) في منهم للبيان كما في قوله (فاجتنبوا الرجس من الأوثان)(2)[109] .
فهل يقول العلامة اللوذعي أن المأمور هو اجتناب بعض الأوثان لا كلها .
قال ابن الجوزي : قال الزجاج : في ( من ) قولان :
1- أن يكون تخليصا للجنس من غيره كقوله فاجتنبوا الرجس من الأوثان .
قال ابن الأنباري : معنى الآية وعد الله الذين آمنوا من هذا الجنس أي من جنس الصحابة .
2- أن يكون هذا الوعد لمن قام منهم على الإيمان والعمل الصالح .
قال ابن كثير ( مِنْ ) هذه : لبيان الجنس .
قال محمود صافي ( مِنْ ) لبيان الجنس .
... تأتي (مِنْ) لبيان الجنس وكثيرا ما تقع بعد (ما) و (مهما) وهما بها أولى لإفراط إبهاما كقوله تعالى: ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها )(3)[110].
وقوله: ( ما ننسخ من آية )(4)[111].
ومن وقوعها بعد غيرهما قوله تعالى : ( يُحلّونَ فيها مِنْ أساور من ذهب )(5)[112].
__________
(1) 108] الحج30, الجامع لأحكام القرآن 16/395.
(2) 109] الحج30.
(3) 110] فاطر2.
(4) 111] البقرة106.
(5) 112] الكهف31.(178/33)
وفي كتاب ابن الأنباري أن بعض الزنادقة تمسك بقوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )(1)[113] .
في الطعن على بعض الصحابة لأن (مِنْهم ) بزعمه تفيد التبعيض –وهذه تزكية من ابن الأنباري للتيجاني- وهي ليست كذلك بل هي للتبيين أي الذين آمنوا هم هؤلاء.
كقوله تعالى : ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم )(2)[114] .
وكلهم محسن متق .
وقوله : ( وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم )(3)[115].
قال الزمخشري: ومعنى (مِنْهم) البيان كقوله تعالى : ( فاجتبوا الرجس من الأوثان )(4)[116].
قال أو البقاء العكبري: و(ومِنْهم) لبيان الجنس تفضيلا لهم بتخصيصهم بالذكر.(5)[117]
قال النيسابوري: وقوله (مِنْهم) لبيان الجنس.(6)[118]
قلت: ثم إن ادعائه أن (مِنْ) تبعيضية يجعل الآية يناقض بعضها بعضا لأنها جاءت غي شأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولم تتناول غيرهم.
قال تعالى : ( محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )(7)[119].
وتأمل بعض من صفاتهم في الآية:
1. محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم.
2. شدتهم على الكفار.
3. تراحمهم فيما بينهم.
4. ملازمتهم للركوع والسجود.
5. ابتغاؤهم الفضل من الله والرضوان.
6. أن الله يغيظ بهم الكفار.
32-قال التيجاني ص88:
__________
(1) 113] الفتح29.
(2) 114] آل عمران172.
(3) 115] المائدة73، إعراب القرآن26/272.
(4) 116] الحج30.
(5) 117] إملاء ما منّ به الرحمن128.
(6) 118] غرائب القرآن بهامش تفسير الطبراني 26/69.
(7) 119] الفتح29.(178/34)
(وأخذت على نفسي عهدا وأنا أدخل هذا البحث الطويل العسير أن أعتمد الأحاديث الصحيحة التي اتفق عليها السنة والشيعة .
وقال ص94:
لا أعتمد إلا ما اتفقوا عليه جميعا بشأن التفسير لكتاب الله والصحيح من السنة.
وقال التيجاني ص165:
لا أعتمد إلا ما هو موثوق عند الفريقين.
وقال ص176:
سوف لا أستدل ولا أعتمد إلا الأحاديث المتفق عليها من الفريقين).
قلت: هذا ادعاه التيجاني فهل وفّى بما قال.
وما ترى لا ما تسمع . وقد قال رسو الله صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب و إذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان )(1)[120] رواه البخاري ومسلم.
وقد مرّ بك بعض الأحاديث المكذوبة على أهل السنة.
33-قال التيجاني ص118:
(إذ أنهم حجوا مع رسول الله في حجة الوداع وقد بايعوا الإمام عليا في غدير خم بعدما نصبه رسول الله للخلافة كما بايعه أبو بكر نفسه.
وقال التيجاني ص165:
إن أب بكر وعمر هنّآه وهذا النص مجمع عليه من السنة والشيعة).
قلت: هذا كذب وادعاء باطل فإنه لم يثبت أن أحدا من المؤمنين فضلا عن أبي
بكر وعمر أنه هنّأ علي بن أبي طالب في ذلك اليوم وذلك لعدم وجود ما يلزم ذلك.
ولو كنت أقصد في كتابي هذا الرد لبينت قصة الغدير بالسند الصحيح ورددت على افترائه مفصّلا ولكن القصد من هذا الكتاب هو إظهار ما عند القوم من كذب وتدليس وتلبيس وقوله هذا النص مجمع عليه كذب محض على أهل السنة.
ولنا أن نسأل التيجاني ومن يقول بقوله سؤالين اثنين:
الأول: من نقل إجماع أهل السنة؟
الثاني: أين نجد هذا الإجماع؟
والحديث الذي ورد فيه أن أبا بكر وعمر هنئا عليا يوم الغدير في سنده علي بن زيد بن جدعان وقد تفرد بهذه الزيادة دون غيره من الرواة الذين رووا حديث الغدير.
والحديث أخرجه أحمد في مسنده(2)[121] .
وهذه أقوال العلماء في ابن جدعان:
__________
(1) 120] فتح الباري-كتب الإيمان-باب علامة المنافق رقم33، صحيح مسلم-كتاب الإيمان رقم106.
(2) 121] مسند أحمد4/281.(178/35)
1. قال حماد بن زيد: كان يقلب الأسانيد.
2. قال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه.
3. قال ابن عيينة: ضعيف.
4. قال ابن معين: ليس بشيء.
5. قال يحيى القطان: يُتقى حديثه.
6. قال أحمد بن حنبل: ضعيف.
7. قال يزيد بن زريع: كان رافضيا(1)[122].
34-قال التيجاني ص125:
(وقد لعن رسول الله المتخلف عنه(2)[123] ممن عبأهم).
قلت: هذا كذب فلم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من تخلف عن جيش أسامة والبينة على من ادعى و التيجاني ادعى أنه لا يستدل إلا بما اتفق عليه وكان صحيحا.
35-قال التيجاني 134:
__________
(1) 122] قال البخاري وأبو حاتم: لا يحتج به، وقال الجوزجاني: واهي الحديث ضعيف وفيه ميل عن القصد لا يحتج بحديثه، وقال ابن حبان:يَهِمْ ويُخطئ فكثر ذلك منه فاستحق الترك،وقال أبوزرعة: ليس بقوي ، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم، وقال ابن عدي: لم أر أحدا من البصريين وغيرهم امتنع من الرواية عنه وكان يغلوا في التشيع ومع ضعفه يُكتب حديثه، وقال العجلي: كان يتشيع، وقال أبو حاتم: ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به.. وكان ضريرا وكان يتشيع، ولذلك قال الذهبي في العبر1/130:أحد علماء الشيعة كان كثير الرواية ليس بالقوي وقال ابن حجر العسقلاني في التقريب(4768) ضعيف. وللتفصيل انظر تهذيب التهذيب 4/194-196والميزان 3/127-129 ، ثم إن القاعدة المقررة كما قال الحافظ في النخبة في أقسام المردود: ثم البدعة إما بمكفر أو بمفسق فالأول-أي بمكفر- لا يقبل صاحبها الجمهور والثاني-أي بمفسق- يقبل من لم يكن داعية إلى بدعته في الأصح إلا إن روى ما يقوي بدعته فيُردّ على المختار وبه صرح الجوزجاني شيخ النسائي . فرواية الرجل تُردّ إن كان فيها ما يقوي بدعته وإن كان ثقة فما بالك برجل ضعيف روى ما يقوي بدعته أليس من الأولى أن تُرد والله أعلم (الناسخ).
(2) 123] يريد جيش أسامة.(178/36)
(وقد قال رسول الله : من سبّ عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أكبه الله على منخريه في النار)(1)[124].
قلت: وهذا أيضا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن الحديث غير صحيح ولا ثابت عند أهل السنة فقد أخرجه الحاكم في مستدركه 3/121.
وفيه ثلاث علل:
1. أبو إسحاق السبيعي: مدلس مشهور وقد عنعن ولم يصرح بالسماع (2)[125].
2. محمد بن سعد العوفي: ضعفه الخطيب والذهبي وقال الدارقطني لا بأس به(3)[126].
3. أبو عبدالله الجدلي: ثقة إلا أنه شيعي جلد(4)[127] وهذا الحديث في نصرة بدعته(5)[128].
وقد تقرر عند علماء الحديث أن المبتدع إذا روى حديثا في نصرة بدعته رُدّ وإن كان ثقة.
__________
(1) 124] هذا الحديث رُوي عن أم سلمة رواه الإمام أحمد والحاكم وضعفه العلامة الألباني انظر ضعيف الجامع(5618) وانظر السلسلة الضعيفة(2310) والله أعلم (الناسخ).
(2) 125] وقال الحافظ في التقريب( 5100)ثقة مكثر عابد وكان اختلط في آخره.قال ابن حبان: كان مدلسا وذكره في المدلسين حسين الكرابيسي وأبو جعفر الطبري وغيرهم (التهذيب 4/342)وجعل الألباني هذا الحديث من الأحاديث التي حدث بها بعد الاختلاط وللتفصيل انظر الضعيفة(2310) والله أعلم (الناسخ).
(3) 126] انظر الميزان للحافظ الذهبي(3/560) (الناسخ).
(4) 127] قال ابن سعد: وكان شديد التشيع (طبقات ابن سعد6/228)، وقال الذهبي: شيعي بغيض (الميزان4/544)، وقال ابن حجر: ثقة رمي بالتشيع (التقريب8269) والله أعلم (الناسخ).
(5) 128] الشيعي قديما هو من يفضل عليا على عثمان أو على أبي بكر وعمر. وقد تكون عنده بعض البدع فيحتملون منه روايته إذا عرف بالصدق ولكن إذا روى حديثا في نصرة مذهبه فلا يقبل منه لما عرف عندهم من أنهم يتدينون بالكذب والتقية.(178/37)
قال الحافظ ابن حجر: تقبل رواية المبتدع إن لم يكن داعية إلا إن روى ما يُقوي بدعته فيرد على المختار.(1)[129]
فهل مثل هذا الحديث يقال عنه ثابت عند أهل السنة؟
37-قال التيجاني 137:
(وقد سجل التاريخ له أيضا قوله ليتني كنت كبش أهلي يسمنونني ما بدا لهم إذا كنت أسمن من أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء وقطعوني قديدا ثم أكلوني أخرجوني عذرة ولم أكن بشرا).
قلت: يقصد التيجاني هنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه ولكن أين سند هذا الكلام؟ ومن يقول إنه ثابت عن أبي بكر الصديق؟
ثم ألم تقل مريم ( يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا )(2)[130] .
وقد ذكر علامة الشيعة وباقر علومهم المجلسي في كتابه المعتمد عند الشيعة بحار الأنوار عن سلمان أنه قال: يا ليتني كنت كبشا لأهلي فأكلوا لحمي ومزقوا جلدي ولم أسمع بذكر النار.
وقال أبو ذر: يا ليت أمي كانت عاقرا ولم تلدني ولم أسمع بذكر النار.
وقال مقداد: يا ليتني كنت طائرا في القفار ولم يمن علي حساب ولا عقاب ولم أسمع بذكر النار.
وقال علي: يا ليت السباع مزقت لحمي وليت أمي لم تلدني ولم أسمع بذكر النار ثم وضع يده على رأسه وجعل يبكي ويقول: وا بعد سفراه وا قلة زاداه في سفر القيامة(3)[131] .
ولو ثبت كل هذا عن أبي بكر وعلي وسلمان وأبي ذر و المقداد ما ضرهم شيئا.
38-قال التيجاني ص142:
(كما أن آية التطهير دالة هي الأخرى على عصمتها وقد نزلت فيها وفي بعلها وابنيها بشهادة عائشة نفسها .ثم عزا التيجاني إلى صحيح مسلم).
قلت: هذا الكلام فيه كذب وتدليس ليوهم القارئ بأن الآية نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين ثم عزا إلى صحيح مسلم كذبا وزورا.
وليس في الحديث أن هذه الآية نزلت فيهم.
__________
(1) 129] نزهة النظر شرخ نخبة الفكر 51.
(2) 130] مريم23.
(3) 131] بحار الأنوار43/89.(178/38)
والذي في صحيح مسلم أن عليا وفاطمة والحسن والحسين قرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية لا أنها نزلت فيهم خاصة(1)[132] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن مضمون هذا الحديث أن النبي دعا لهم بأن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا وغاية ذلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم واجتناب الرجس واجب على المؤمنين والطهارة مأمور بها كل مؤمن.
قال تعالى: ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم )(2)[133] .
وقال تعالى: ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها )(3)[134].
وقال تعالى: ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )(4)[135] .
فغاية هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور وأهل الكساء لما كان قد أوجب عليهم اجتناب الرجس وفعل التطهير دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعينهم علة فعل ما أمرهم به لئلا يكونوا مستحقين للذم والعقاب ولينالوا المدح والثواب (5)[136].
وقال أيضا: إن قوله تعالى: ( إنما يردي الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )(6)[137].
كقوله: ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ) (7)[138].
وكقوله: ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) (8)[139].
وكقوله: ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )(9)[140] .
__________
(1) 132] صحيح مسلم-كتاب فضائل الصحابة رقم61.
(2) 133] المائدة6.
(3) 134] التوبة103.
(4) 135] البقرة222.
(5) 136] منهاج السنة5/14.
(6) 137] الأحزاب33.
(7) 138] المائدة6.
(8) 139] النساء26-27.
(9) 140] البقرة185.(178/39)
فإن إرادة الله في هذه الآيات متضمنة لمحبة الله لذلك المراد ورضاه به وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به ليس في ذلك أنه خلق هذا المراد ولا أنه قضاه وقدره ولا أنه يكون لا محالة والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية قال : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم لم يحتج إلى الطلب والدعاء .
والشيعة قدرية في العقيدة فكيف لهم أن يحتجوا بمثل هذه الآية فإن إرادة الله عندهم لا تقع دائما وهو لا يفرقون بين الإرادة الشرعية والإرادة القدرية (1)[141].
ثم يقال أيضا: إن أهل البيت ليسوا عليا وفاطمة والحسن والحسين فقط لا على قولنا ولا على قول الشيعة.
فالشيعة يدخلون أبناء الحسين خاصة الأئمة منهم وهم لم يكونوا في الكساء ويخرجون أبناء الحسن بل لا يرون أن كل أبناء الحسين أذهب الله عنهم الرجس واقرأ كلامهم في جعفر بن علي بن محمد صلى الله عليه وسلم وهو أخو الحسن العسكري (2)[142].
أما على قول أهل السنة فإن عليا وفاطمة والحسن والحسين من أهل البيت بدليل حديث الكساء.
وأزواج النبي من أهل البيت بدليل آية التطهير .
وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس من أهل البيت بدليل حديث زيد بن أرقم عند مسلم.
قال زيد: أهل بيته من حرم عليهم الصدقة وهم آل علي وآل جعفر وآل العباس وآل عقيل(3)[143].
وإما عبر الله بميم الجمع بدل نون النسوة في قوله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) لأن الآيات السابقة واللاحقة تخص النساء فعبر عنها بنون النسوة وآية التطهير لا تخص النساء بل دخل معهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رب البيت وسيده صلوات الله وسلامه عليه.
__________
(1) 141] منهاج السنة7/71.
(2) 142] أصول الكافي1/504.
(3) 143] صحيح مسلم-كتاب فضائل الصحابة رقم 36.(178/40)
فالآية إذاً خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه فالآيات بدأت بخطاب النساء ( يا نساء النبي ) وختمت بقوله: ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن ).. الآية.
فَذِكْرُ حال الآخرين بجملة معترضة بلا قرينة ولا رعاية نكتة ومن غير تنبيه على انقطاع كلام سابق وافتتاح كلام جديد مخالف لوظيفة البلاغة التي هي أقصى الغاية في كلام الله تعالى (1)[144].
39-قال التيجاني ص143:
(وجدت أن قتلة عثمان بالدرجة الأولى هم الصحابة أنفسهم وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تقول وتنادي بقتله وإباحة دمه على رؤوس الأشهاد : اقتلوا نعثلا فقد كفر).
قلت: سبحانك هذا بهتان عظيم.
وهذا والله الذي لا إله إلا هو كذب وسبة في وجه التيجاني ومن سار على دربه.
فهذه رواية من طريق سيف بن عمر التميمي وهو كذّاب مشهور (2)[145].
قال النسائي: كذّاب.
قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات اتهم بالزندقة(3)[146]. (4)[147]
40-قال التيجاني ص143:
(كذلك نجد طلحة و الزبير ومحمد بن أبي بكر وغيرهم من مشاهير الصحابة وقد حاصروه ومنعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقالة ).
قلت: هذا كذب ولا جديد.
__________
(1) 144] مختصر التحفة الاثني عشرية649.
(2) 145] تاريخ الطبري3/477.
(3) 146] انظر كتب الرجال مثل تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال ترجمة سيف بن عمر.
(4) 147] قال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي (الجرح4/306) ، وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي: ضعيف(الضعفاء والمتركون256)، وقال الدارقطني: ضعيف(الضعفاء والتروكون283)، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات(المجروحين1/305)، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه منكرة( الميزان2/255) ولذلك قال الذهبي: هو كالواقدي أي في وهنه(الميزان2/255)، وللتفصيل انظر التهذيب2/467 وغيره من كتب الرجال والله أعلم(الناسخ).(178/41)
وإن كان التيجاني صادقا فليذكر لنا سند هذا الكلام وأين موجود وهل هو ثابت عند أهل السنة؟ وهل محمد بن أبي بكر من مشاهير الصحابة؟ لقد ولد في حجة الوداع قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر فقط.
41-قال التيجاني ص143:
(ويحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثته في مقابر المسلمين فدفن في حش كوكب بدون غسل و لا كفن).
قلت: هل يضر عثمان شيء إن كان دفن في حش كوكب بدون غسل ولا كفن؟وللجواب عن هذا السؤال نقول قُتل علي بن أبي طالب ودفن ليلا وحفر أكثر من بر حتى لا يعلم الخوارج مكان قبره (1)[148].
وقُتل الحسين بن علي ولم يُعرف له قبر إلا ما يُدعى الآن في مصر والشام والعراق ولم يغسل ولم يكفن فهل ضرهما هذا؟ لا والله ما ضرهما ولا ضره رضي الله عنهم أجمعين.
والمسألة التي يحاول التيجاني إثارتها هي ادعاؤه أن الصحابة لا الخوارج الذين خرجوا عليه هم الذين منعوا دفنه في البقيع ومنعوا الناس من تغسيله وتكفينه .
وبالنسبة لمكان دفنه فإن الطبري في تاريخه ذكر أكثر من رواية ففي رواية ذكر أنه دفن في حس كوكب وفي رواية ذكر أنه دفن في البقيع(2)[149] .
وأما ابن كثير فذكر أن حش كوكب خلف البقيع من الجانب الشرقي فدفن هناك(3)[150] . والله أعلم.
وأما قوله إن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثته فهذه الحكاية رواها الطبري في تاريخه من طريق الواقدي عن عبدالله بن زيد الهذلي عن عبدالله بن ساعدة(4)[151] .
__________
(1) 148] انظر البداية والنهاية7/342-343.
(2) 149] تاريخ الطبري3/438.
(3) 150] البداية والنهاية7/199.
(4) 151] تاريخ الطبري3/439.(178/42)
والواقدي هو محمد بن عمر(1)[152] قال أحمد: هو كذّاب وقال أبو حاتم والنسائي: يضع الحديث.
و عبدالله بن يزيد الهذلي قال البخاري يقال يتهم بالزندقة(2)[153] وقال النسائي: ليس بثقة.
42-قال التيجاني ص145:
(فقد كانت عائشة راجعة من مكة عندما أعلموها في الطريق أن عثمان بن عفان قُتل ففرحت فرحا شديدا ولكنها عندما علمت بأن الناس بايعوا عليا غضبت وقالت وددت أن السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب).
قلت:
هذا كذب وادعاء باطل وأين ادعاؤه أنه لا يذكر إلا ما هو ثابت عند أهل السنة؟
وهذه الرواية ذكرها الطبري في تاريخه من طريق سيف بن عمر التميمي وهو كذّاب (3)[154]. وقد مضى الكلام عنه في فقرة 39.
43-قال التيجاني ص145:
(إنها لما سمعت بموته سجدت لله شكرا).
قلت: يعني أن عائشة لما سمعت بموت علي سجدت لله شكرا.
__________
(1) 152] قال البخاري في الضعفاء(4/107): متروك الحديث تركه أحمد وابن المبارك وابن نمير وإسماعيل بن زكريا. وقال في موضع آخر كذبه أحمد، وقال يحيى بن معين: ضعيف وقال الشافعي: كتب الواقدي كلها كذب(التهذيب5/217-219)، وقال النسائي: الكذابون المعرفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة الواقدي بالمدينة...(الضعفاء والمتروكون513)، وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظه والبلاء منه(الكامل6/241)،وقال ابن راهويه: هو عندي من يضع، وقال بندار: ما رأيت أكذب منه، وقال الشعبي: كان بالمدينة سبع يصنعون الأسانيد أحدهم الواقدي، وقال النووي في المجموع: الواقدي ضعيف باتفاقهم (التهذيب5/217-219)، وقال العقيلي: متروك الحديث(الضعفاء4/107)، وقال الدارقطني: الضعف يتبين على حديثه(الضعفاء والمتروكون477)، ولذلك قال الذهبي: استقر الإجماع على وهن الواقدي (الميزان3/666)والله أعلم (الناسخ).
(2) 153] وقال مرة:يُتهم بأمر عظيم (الميزان(2/265) (الناسخ).
(3) 154] تاريخ الطبري3/476.(178/43)
وعزا التيجاني هذا الكذب إلى كل المؤرخين الذين أرخوا سنة 40 هـ.
وهذا كذب من جهتين:
الأولى: القصة مكذوبة من أصلها.
الثانية: قوله في عزوه كل المؤرخين الذين أرخوا سنة 40 هـ.
فهذا الكلام لم يذكره خليفة بن خياط في تاريخه.
ولم يذكره الطبري في تاريخه.
ولم يذكره ابن كثير في تاريخه.
ولم يذكره الذهبي في تاريخه.
ولم يذكره المسعودي في تاريخه.
ولم يذكر ابن الأثير في تاريخه.
فلا أدري من المؤرخون الذين أرخوا هذه الحادثة سنة 40 هـ وذكروا هذا الإفك.
بل إنني لم أجد هذا الكلام المكذوب وهل من يحترم قراءه يقول مثل هذه الأكاذيب؟
فلعنة الله على الكاذبين.
44-قال التيجاني ص145:
(ولكن طلحة والزبير جاءاها بخمسين رجلا لهم جعلا فأقسموا بالله أن هذا ليس بماء الحوأب فواصلت مسيرها حتى البصرة ويذكر المؤرخون أنها أول شهادة زور في الإسلام).
قلت: أين ادعاؤك أنك لا تذكر إلا ما ثبت عند الفريقين؟ وأين ثبت هذا الهراء الذي تذكره؟ ومن هؤلاء المؤرخون الذين تتبجح بهم ؟ قاتلك الله أما وجدت كذبة أخف من هذه؟!
والغريب أن هذا التيجاني جريء جدا في تخرصاته فقد عزا هذه الرواية إلى الطبري ولم أعثر عليها عنده وعلى فرض وجودها فأين سندها وهل صحيح ثابت عند أهل السنة؟
45-قال التيجاني ص147وص169:
(اعترضت –يعني عائشة- جنازة الحسن سيد شباب أهل الجنة ومنعت أن يدفن بجانب جده رسول الله قائلة: لا تدخلوا بيتي من لا أحب).
قلت: إن دهانقة الشيعة يستخدمون شتى الوسائل والأساليب المعقولة وغير المعقولة لتشويه صورة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ونقول لو كنتم صادقين بما ترمون به أصحاب رسو الله صلى الله عليه وسلم فاكتفوا بما ثبت وصح و لا تلجأوا إلى الكذب والتدليس والتهويل.
وهذه الحكاية التي ذكرها هنا هي كذب من بحر أكاذيبه الذي لا ينزف فهل ثبت هذا؟ وأين؟
46-قال التيجاني ص149وص206:(178/44)
(كيف يريدونه صحابيا عادلا-يعني معاوية-وقد دس السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة وقتله).
قلت: هذا أيضا لم يثبت وهو كذب كالعادة.
وأين الالتزام بعدم ذكر إلا الأحاديث والقصص الثابتة عند أهل السنة والجماعة؟
47-قال التيجاني ص162:
(فعلي كان أعلم الصحابة وأشجعهم على الإطلاق وذلك بإجماع الأمة).
قلت: إن كان يعني إجماع الأمة الشيعية فهذا شأنه.
وإن كان يريدنا نحن معاشر أهل السنة فهذا كذب علينا ليس بغريب على مثل التيجاني.
فأين هذا الإجماع ؟ ومن نقله؟ وهو مجرد ادعاء محض لا يعجز أي أحد أن يدعي مثله فيمن يشاء.
وعلي عندنا نحن معاشر أهل السنة من أشجع الصحابة ومن أعلمهم أما أنه أشجعهم وأعلمهم فهذا كذب على أهل السنة.
وللرد على قوله كان أعلم الناس انظر تفصيل ذلك عند رقم 54.
وأما قوله إن عليا رضي الله عنه كان أشجع الناس فيرد عليه بما يلي:
الشجاعة تفسر بشيئين:
أحدهما: قوة القلب وثباته عند المخاوف.
الثاني: شدة القتال بالبدن بأن يقتل كثيرا ويقتل قتلا عظيما.
فالأول هو الشجاعة والثاني يدل على قوة البدن وعمله وليس كل من كان قوي البدن كان قوي القلب ولا بالعكس ولهذا تجد الرجل يقتل كثيرا ويقاتل إذا كان معه من يؤمنه ّغذ خاف أصابه الجبن وانخلع قلبه وتجد الرجل الثابت القلب الذي لم يقتل بيديه كثيرا ثابتا في المخاوف مقداما أكثر من الأولى فإن المقدم إذا كان شجاع القلب ثابتا أقدم وثبت ولم ينهزم فقاتل معه أعوانه وإذا كان جبانا ضعيف القلب ذل ولم يقدم ولم يثبت ولو كان قوي البدن.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس في هذه الشجاعة التي هي المقصودة في أئمة الحروب ولم يقتل بيده إلا أبي بن خلف ولم يقتل أحدا بيده لا قبل أحد و لا بعدها وكان أشجع من جميع الصحابة.(178/45)
وكان علي وغيره يتقون برسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أشجع منهم (1)[155]وإن كان أحدهم قد قتل بيده أكثر مما قتل النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة هي شجاعة القلب فلا ريب أن أبا بكر كان أشجع من عمر وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير وهذا يعرفه من يعرف سيرهم وأخبارهم فإن أبا بكر باشر الأهوال التي يباشرها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجبن ولم يحرج ولم يفشل وكان يقدم على المخاوف يقي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه يجاهد المشركين تارة بيده وتارة بلسانه وتارة بماله وهو في ذلك كله مقدم.
فكان يوم بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم في العرش مع علمه بأن العدو يقصدون مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ثابت القلب ربيط الجأش.
ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم قام فخطبهم وذكرهم فثبتهم وشجعهم وأخذ في تجهيز جيش أسامة وأخذ في قتال المرتدين وقاتل مانعي الزكاة.
فالشجاعة المطلوبة من الإمام لم تكن في أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل منها في أبي بكر ثم عمر.
وأما القتل فلا ريب أن غير علي من الصحابة قتل من الكفار أكثر مما قتل علي فإن كان من قتل أكثر يكون أشجع فكثير من الصحابة أشجع من علي فالبراء بن عازب قتل مائة رجل مبارزة غير من شوك في دمه.
وأما خالد بن الوليد فلا يحصى عدد من قتله إلا الله وقد انكسر في يديه في غزوة مؤتة تسعة أسياف ولا ريب أنه قتل أضعاف ما قتله علي(2)[156] .
48-قال التيجاني ص167:
(وبعدما بايع الأنصار أبا بكر الصديق قال سعد: والله لا أبايعكم حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي من نبل .. فكان ر يصلي بصلاتهم و لا يجتمع بجمعتهم ولا يفيض بإفاضتهم).
قلت: هذا كذب وغير صحيح ولم يثبت هذا عن سعد بن عبادة.
__________
(1) 155] روى المجلسي عن علي أنه كان يلوذ برسول الله يوم بدر. بحار الأنوار16/232.
(2) 156] بتصرف من منهاج السنة8/77 وما يليها.(178/46)
وهذه الرواية التي ذكرها التيجاني هي رواية أخيه في التشيع والكذب أبي مخنف لوط ابن يحيى(1)[157].
قال ابن معين: أبو مخنف ليس بثقة.
وقال أبو حاتم: متروك الحديث.
وقال ابن تيمية: لوط بن يحيى معروف بالكذب عند أهل العلم.
وقال ابن حجر: إخباري تالف لا يوثق به.
وقال الزبيدي: إخباري شيعي تالف متروك.
والرواية التي عند أهل السنة أصح من رواية أبي مخنف هذا وهي التي أخرجها الإمام أحمد بن حنبل في مسنده قال حدثنا عفان قال حدثنا أبو عوانة عم داود بن عبدالله الأودي عن حميد بن عبدالرحمن قال:
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة قال: فجاء فكشف عن وجهه وقبله.
وقال: فداك أبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا(2)[158] . ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو سلك الناس واديا وسلك الأنصار زاديا سلكت وادي الأنصار .
ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد : قريش ولاة الأمر فَبرّ الناس تبع لَبرّهم وفاجرهم تبع لفاجرهم.
قال: فقال سعد .صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء(3)[159] .
وهذا مرسل حسن الإسناد وهو أجود بكثير من رواية أبي مخنف التي هي من رواية كذّاب وليس لها إسناد.
ثم كيف لا يفيض بإفاضتهم! هل يحج وحده؟ وهل يقول مثل هذا الكلام عاقل ؟!
49-قال التيجاني ص168:
__________
(1) 157] قال ابن معين: ليس بثقة وقال مرة: ليس بشيء، وقال الدراقطني: ضعيف، وقال ابن عدي: شيعي محترق صاحب أخبارهم . تركه أبو حاتم وغيره وقال الذهبي: أخباري تالف لا يوثق به، انظر(الميزان2/419) والله أعلم(الناسخ).
(2) 158] ثم ذكر قصة السقيفة إلى قوله ولقد علمت يا سعد.
(3) 159] مسند أحمد1/5.(178/47)
(من يتتبع هذه المأساة –يعني خلاف فاطمة مع أبي بكر على فدك- ويطلع على جوانبها يعلم علم اليقين أن أبا بكر تعمد إيذاء الزهراء وتكذيبها لئلا تحتج عليه بنصوص الغدير وغيرها على خلافة زوجها وبان عمها علي ونجد قرائن عديدة على ذلك منها:
ما أخرجه المؤرخون من أنها خرجت تطوف على مجالس الأنصار وتطلب منهم النصرة والبيعة لابن عمها).
قلت: الله أكبر يمنعها فدك كي لا تحتج عليه بنص الغدير على خلافة علي؟ أي سخف هذا فالحمد لله على نعمة العقل.
وهذا كلام كله سخف وسفه ففاطمة رضي الله عنها أجلّ من أن تطوف على مجالس الرجال تطلب منهم النصرة والبيعة لابن عمها علي وعلي جالس في بيته.
أهكذا توقر بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين وأين قول الله تبارك وتعالى: ( وقرن في بيوتكن )(1)[160] أو هذه خاصة بعائشة؟!
ثم أليست فاطمة هي التي وهب النبي صلى الله عليه وسلم لها عبدا وعليها ثوب إذا قنّعت به رأسها لم رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها؟فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك . رواه أبوداود(2)[161].
ثم قصة تكذيب أبي بكر لفاطمة منحولة مكذوبة يعجز التيجاني وأمثاله أن يذكروا لها سندا صحيحا وأبو بكر لم يكذب على فاطمة وإنما ذكر لها ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث.
50-قال التيجاني ص175:
(هذا وإذا تركنا الفضائل وبحثنا في المساوئ فإننا لا نحصي لعلي بن أبي طالب سيئة واحدة من كتب الفريقين بينما نجد لغيره مساوئ كثيرة في تب أهل السنة كالصحاح وكتب السير والتاريخ).
قلت:لعل التيجاني لم ينصف فإنه تتلمذ على صبية الشيعة في النجف فقط.
والإنصاف أنه ينبغي له أن يأخذ دوره عند صبيان أهل السنة والجماعة فتكون القسمة عادلة أما الآن والحالة هذه فإنها قسمة ضيزى.
__________
(1) 160] الأحزاب33.
(2) 161] سنن أبي داود-كتاب اللباس-باب العبد ينظر إلى شعر مولاته رقم4106.(178/48)
وعلي رضي الله عنه معاشر أهل السنة والجماعة من أئمة الهدى وأعلام التقى ولا ندعي فيه العصمة واه أخطاء كما لغيره وله حسنات كما لغيره وإن كانت أخطاؤه غمرتها بحار حسناته رضي الله عنه.
وهذه النقطة بالذات وقفت عندها كثيرا وترددت الكتابة فيها وسألت الكثيرين ممن أثق بعلمهم وورعهم هل يجوز لي أن أذكر مآخذ على علي رضي الله عنه سواء كانت عند الشيعة أو عند السنة لبيان بشريته وعدم عصمته مع أني لا أقصد ولن أقصد الإساءة لإمام من أئمة الهدى ولكن الشيعة يضطروننا لهذا الكلام لرد شبهاتهم وتهويلاتهم وتدليساتهم وما شابه ذلك.
وكانت الإجابة بين موافق ومخالف.
وفي النهاية ترجح عندي أن أذكرها لإسكات أصوات تعالت بالباطل.
وفي الحقيقة إن المآخذ التي على علي في كتب الشيعة أعظم بكثير بل لا تقارن مع ما في كتب السنة وهي التي تحرجت كثيرا فبل أن أسطرها في كتابي هذا.
فإن كان عملي هذا صوابا فمن الله وإن كان خطئا فمن نفسي والشيطان وأنا أستغفر الله.
أولا: مآخذ على علي بن أبي طالب في كتب أهل السنة:
1. عن عكرمة قال: إن عليا رضي الله عنه حرق قوما فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه)(1)[162]رواه البخاري .
2. عن علي بن أبي طالب قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقني وفاطمة ليلة فقال: ألا تصليان؟ فقلت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئا ثم سمعته يقول وهو مولّ يضرب فخذه وهو يقول: ( وكان الإنسان أكثر شيئا جدلا )(2)[163] رواه البخاري .
__________
(1) 162] فتح الباري-كتاب استتابة المرتدين-باب حكم المرتد رقم6922.
(2) 163] فتح الباري-كتاب التهجد-تحريض النبي على قيام الليل رقم1127.(178/49)
3. يثير الشيعة دائما مسألة إغضاب أبي بكر لفاطمة على قصة فدك ويقولون إن أبا بكر أغضب فاطمة ومن أغضب فاطمة أغضب رسول الله ومن أغضب رسول الله أغضب الله.
ونحن نقول لهم اقرؤوا الرواية الآتية:
عن مسور بن مخرمة قال إنه سمع رسول الله وهو على المنبر يقول: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ثن لا آذن لهم إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما ابتني بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها. رواه مسلم(1)[164] .
وفي رواية أخرى أن فاطمة لما سمعت بذلك أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكحا ابنة أبي جهل. رواه مسلم(2)[165] .
فمن الذي أغضب فاطمة؟!
4. عن البراء بن عازب قال: لما صالح رسول الله أهل الحديبية كتب علي بن أبي طالب بينهم كتابا فكتب محمد رسول الله فقال المشركون: لا تكتب رسول الله لو كنت رسولا لم نقاتلك فقال لعلي: امحه.
فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه.
فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده . روا ه البخاري(3)[166] وذكره المجلسي في بحار الأنوار(4)[167] .
5.عن علي بن أبي طالب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبا طالب مات . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فواره
فقال علي: إنه مات مشركا. فقال رسول الله: اذهب فواره .رواه أحمد (5)[168].
قلت: ولو وقع هذا من عمر أو أبي بكر أو غيرهما من الصحابة لقالوا كيف لا ينفذون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل هم يعلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شابه ذلك الكلام.
__________
(1) 164] صحيح مسلم-كتاب فضائل الصحابة رقم93.
(2) 165] صحيح مسلم-كتاب فضلئل الصحابة رقم96.
(3) 166] فتح الباري-كتاب الصلح-باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان رقم2698.
(4) 167] بحار الأنوار38/328.
(5) 168] مسند أحمد1/97.(178/50)
6.دخل العباس وعلي على عمر فقال العباس: يا أمير المؤمنين بيني وبين الذي أفاء الله على رسوله من بني النضير –فاستب علي وعباس .. رواه البخاري (1)[169].
قلت: كيف يسب علي عمّه العباس؟!
7.عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذّاء وكنت أستحيي أن أسأل رسول الله لمكان ابنته مني فأمرت المقداد بن الأسود فسأله: فقال: يغسل ذكره ويتوضأ .رواه مسلم(2)[170] .
وكثيرا ما يقول الشيعة: كيف يمكن أن يكون عمر خليفة للمسلمين وهو لا يعرف حكم التيمم؟ ونحن نقول هذا علي بن أبي طالب لا يعرف حكم المذي!
أما المآخذ التي على علي بن أبي طالب من كتب الشيعة فإني أستغفر الله كثيرا من ذكرها لأنها تدل على خبث طوية من رواها ولكن بن أطيل الكلام وإليك الروايات:
عن علي قال سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له خادم غيري وكان له لحاف واحد ليس له لحاف غيره ومعه عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره فإذا قام إلى صلاة الليل يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا (3)[171].
قلت: أقرأتم هذه الروية الخبيثة التي تطعن برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وعائشة وجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغار على عرضه فلعنة الله على من وضع هذه الرواية.
والأدهى من ذلك أنهم يروون في الكافي عن أبي عبدالله قال في الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد: يجلدون مائة جلدة(4)[172] .
2.عن علي قال غدا علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن(5)[173] في لفاعنا فقال: السلام عليكم فسكتنا لمكاننا ثم قال السلام عليكم فسكتنا(6)[174] .
__________
(1) 169] فتح الباري-كتاب المغازي-باب حديث بني النضير رقم4033.
(2) 170] صحيح مسلم-كتاب الحيض رقم17.
(3) 171] بحار الأنوار40/2.
(4) 172] الكافي7/181.
(5) 173] يعني هو وفاطمة.
(6) 174] بحار الأنوار43/82.(178/51)
فكيف لا يرد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين.
3.دخل الحسن بن علي على جده رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتعثر بذيله فأسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم سرا فرأيته وقد تغير لونه ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى منزل فاطمة .. ثم جاء علي فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم هزها إليه هزا خفيفا ثم قال: يا أبا الحسن إياك وغضب فاطمة فإن الملائكة تغضب لغضبها وترضى لرضاها (1)[175].
4.عن ابن عباس أن فاطمة دخلت بيتها فإذا رأس علي في حجر جارية أهداها له جعفر فلحقها من الغيرة ما يلحق المرأة على زوجها فتبرقعت ووضعت خمارها على رأسها تريد النبي تشكو إليه عليا(2)[176] .
5.عن علي بن أبي طالب قال: أنا جنب الله وقلب الله وبابه الذي يؤتى منه ادخلوا الباب سجدا أغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين وبي وعلى يدي تقوم الساعة وفي يرتاب المبطلون وأنا الأول والآخر والظاهر والباطن وبكل شيء عليم(3)[177] .
قلت: ماذا بقي لله؟! زلا شك أن هذا الكلام كفر صريح وعلي بريء منه ولكنكم –أعني الشيعة- ذكرتموه في كتبكم ونسبتموه لعلي رضي الله عنه وكرم وجهه.
6.عن أبي عبد الله جعفر الصادق أن عليا لما صلى الظهر التفت إلى جمجمة فكلمها أمير المؤمنين .. فاشتغل بها حتى غابت الشمس فكلمها بثلاثة أحرف من الإنجيل لأن لا يفقه العرب كلامها. قالت: لا أرجع وقد أفلت فدعا الله فبعث إليها سبعين ألف ملك بسبعين ألف سلسلة حديد فجعلوها في رقبتها وسحبوها على وجهها حتى عادت بيضاء نقية (4)[178].
__________
(1) 175] بحار الأنوار43/42.
(2) 176] بحار الأنوار39/207.
(3) 177] بحار الأنوار39/348.يعتبر كتاب بحار الأنوار من الكتب المعتمدة عند الشيعة وهو من الكتب الثمانية التي هي العمدة عند الشيعة ومؤلفه هو محمد باقر المجلسي يعتبر من كبار علماء الشيعة حتى قالوا عنه باقر علوم الأئمة.
(4) 178] بحار الأنوار41/166.(178/52)
قلت كيف يؤخر صلاة العصر حتى تغيب الشمس؟
و لا شك أن هذه القصة خرافة ولكنها وللأسف في كتب الشيعة المعتمدة.
7.عن أبي عبد الله قال: قامت امرأة شنيعة إلى أمير المؤمنين وهو على المنبر فقالت: هذا قاتل الأحبة. فنظر إليها فقال لها: يا سلفع يا جريئة يا بذية يا مذكرة يا التي لا تحيض كما تحيض النساء يا التي على هنها شيء بيّن مدلّى(1)[179] .
قلت: حاشا أمير المؤمنين أن يقول مثل هذا الكلام البذيء ولا تعجب أخي القارئ بعد هذا من بذاءة ألسنتهم وذلك أنهم ينسبون مثل هذا الكلام البذيء لأئمتهم.
ولو كان عمر لقامت الدنيا وما قعدت.
8.عن أبي عبدالله قال: بين أمير المؤمنين في ملأ من أصحابه إذا أتاه رجل فقال: أمير المؤمنين إني قد أوقبت على غلام فطهرني فرده مرتين وفي الثالثة قال له: يا هذا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيها شئت: ضربة بالسف أ إهداء من جبل أو إحراق بالنار.. ثم قام وهو بالك حتى جلس في الحفرة التي حفرها له أمير المؤمنين وهو يرى النار تتأجج حوله قال: فبكى أمير المؤمنين فقال له: يا هذا إن الله قد تاب عليك فقم و لا تعاود شيئا مما قد فعلت(2)[180] .
قلت: أليس هذا تعطيل لحدود الله.
9.عن أبي عبد الله قال: أُتي عمر بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار كانت تهواه فأخذت بيضة وصبت البياض على ثيابها وبين فخذيها فقام علي فنظر بين فخذيها فاتهمها (3)[181].
قلت: هذا كذب إذ كيف ينظر علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه بين فخذي امرأة غريبة عنه.
وهل يطبق الشيعة اليوم هذا الفقه ؟؟! ومن الذي يسيء لعلي الشيعة أو السنة؟
10.عن حبيب بن ثابت قال: كان بين علي وفاطمة كلام فدخل النبي فألقى له مثال فاضطجع وجاء علي من جانب وجاءت فاطمة فاضطجعت من جانب... ولم يزل حتى أصلح بينهما(4)[182] .
__________
(1) 179] بحار الأنوار41/293.
(2) 180] الكافي7/201.
(3) 181] بحار الأنوار4/303.
(4) 182] كشف الغمة1/467.(178/53)
هذه بعضها وغيرها كثيرة أذكرها بسرعة وبدون بسط:
1-تحويل الخلافة من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكوفة.
2-ترك أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالخلافة.
3-تزويج أم كلثوم ابنته من عمر(1)[183] .
4-لم يعط فدك لأولاده لما استخلف.
5-لم يقتل قتلة عثمان.
6-ولّى أقاربه مثل محمد بن أبي بكر وهو ربيبه وعبد الله وعبيد الله وقثم وثمامة أبناء عمه العباس ونص على أولاده بالخلافة حسب ادعاء الشيعة.
7-لم يحلق رأسه في الحديبية ولم ينحر.
8-صلى التراويح عشرين ركعة.
9-كان يلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر.
10-اختلف مع الحسن في صفين.
11-اختلافه مع الحسن في جلد الوليد بن عقبة.
12-يجلس بين رسول الله وعائشة حتى تقول عائشة ما وجدت إلا فخذي.
13-تزوج بعد وفاة فاطمة بتسع ليال(2)[184] .
ومع هذا كله لا تجد سُنياً واحدا يطعن في علي أما النواصب والخوارج فليسوا من أهل السنة ولا وجود للنواصب الآن فيما أعلم.
51-قال التيجاني ص175:
(وكانت خلافة عثمان مهزلة تاريخية ذلك أن عمر رشح ستة لخلافة وألزمهم أن يختاروا من بينهم واحدا وقال إذا اتفق أربعة وخالف اثنان فاقتلوهما وإذا انقسم ستة إلى فريقين في كل جهة فخذوا برأي ثلاثة الذين يقف معهم عبدالرحمن بن عوف وإذا مضى وقت ولم يتفق الستة فاقتلوهم ).
قلت: سبحان الله أعرض التيجاني عن الرواية التي في صحيح البخاري وجرى مسرعا خلف رواية أبي مخنف الكذّاب ثم يقول ص88 :وأخذت على نفسي عهدا وأن أدخل هذا البحث الطويل العسير كما أعتمد الأحاديث الصحيحة التي اتفق عليها السنة والشيعة!!
وأنا أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان )متفق عليه(3)[185] .
__________
(1) 183] لأن الشيعة يزعمون أن عمر كافر.
(2) 184] هذا هو المشهور في كتب الشيعة وانظر بحار الأنوار42/92.
(3) 185] انظر تخريجه في الرد رقم 32.(178/54)
إن هذا القصة التي يذكرها التيجاني مختلقة اختلقها كذّاب مثله يقال له لوط بن يحيى أبو مخنف(1)[186] .
وأنا الآن أسوق رواية البخاري لقصة الشورى:
قال الإمام البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن حصين عن عمرو بن ميمون –وذكر قصة مقتل عمر-فقيل لعمر :أوص يا أمير المؤمنين استخلف . قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعد وعبدالرحمن وقال: يشهدكم وليس له من الأمر شيء فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أُمّر فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة وقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأول أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم وأوصي بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم وأن يعفى عن مسيئهم وأوصي بأهل الأمصار خيرا فإنهم ردء الإسلام وخباة المال وغيظ العدو وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام وأن يؤخذ من حواشي أموالهم ويرد على فقرائهم وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا إلا طاقتهم (2)[187].
هذه قصة الشورى وليس فيها استباحة دماء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين شهد لهم عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عنهم .
52-قال التيجاني ص176:
(فلم تكن بيعة صحيحة في التاريخ الإسلامي من عهد الخلفاء وحتى عهد كمال أتاتورك إلا لأمير المؤمنين عبي بن أبي طالب).
__________
(1) 186] سبق بيان شهادات أهل العلم في أبي مخنف في الرد رقم 48.
(2) 187] فتح الباري-كتاب فضائل الصحابة-باب قصة البيعة رقم3700.(178/55)
قلت: هذا كذب فإن أبا بكر الصديق لم ينازعه أحد في خلافته وكذا عمر وكذا عثمان أما علي فلم يبايعه أهل الشام وغيرهم أكثر الصحابة لم يكونوا بالمدينة لما بويع بالخلافة ولم تستقر الأمور له كما استقرت لأبي بكر وعمر وعثمان.
قال التيجاني ص 176:
(سوف لا أستدل ولا أعتمد إلا الأحاديث المتفق عليها من الفريقين ومن هذه الأحاديث:
أ-حديث: أن مدينة وعلي بابها).
قلت: هذا الحديث غير صحيح ضعفه أكثر أهل العلم وإليك أسماؤهم وكلامهم:
1. البخاري: منكر ليس له وجه صحيح (1)[188].
2. أبو حاتم: لا أصل له (2)[189].
3. أبو زرعة: كم من خلق افتضحوا فيه (3)[190].
4. الترمذي: هذا حديث غريب منكر (4)[191].
5. العقيلي: لا يصح في هذا المتن شيء (5)[192].
6. ابن حبان: هذا شيء لا أصل له (6)[193].
7. الدارقطني: الحديث مضطرب غير ثابت (7)[194].
8. ابن الجوزي: لا يصح ولا أصل له (8)[195].
9. النووي: موضوع(9)[196] .
10. ابن تيمية: موضوع (10)[197].
11. الذهبي: موضوع(11)[198] .
__________
(1) 188] المقاصد الحسنة ص97.
(2) 189] كشف الخفا 1/235.
(3) 190] تاريخ بغداد11/205.
(4) 191] السنن-كتاب المناقب-باب مناقب علي رقم3723.
(5) 192] الضعفاء الكبير3/150.
(6) 193] المجروحين2/151.
(7) 194] العلل3/247.
(8) 195] الموضوعات1/349.
(9) 196] فتح الملك العلي 51.
(10) 197] مجموع الفتاوى18/377.
(11) 198] تلخيص المستدرك3/126.(178/56)
12. الألباني: موضوع(1)[199] .(2)[200]
فهل ما زال التيجاني يتبجح ويقول لا أعتمد إلا الأحاديث المتفق عليها .
54-قال التيجاني ص177:
وهذا ابن عباس يقول: ما علمي وعلم أصحاب محمد في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر.
ثم قال التيجاني في الحاشية: لقد أجمعت صحاح أهل السنة وكتبهم على أفضلية علي وتقدمه في العلم على كل الصحابة.
__________
(1) 199] ضعيف الجامع 1416. ( السلسلة الضعيفة 2955).
(2) 200] وقال الإمام يحيى بن سعيد: لا أصل له (الأسرار المرفوعة ص 138) وقال الإمام ابن دقيق العيد: هذا الحديث لم يثبتوه وقيل إنه باطل(المقاصد الحسنة ص97)والحافظ ابن كثير نقل كلام المضعفين مما يشعر أنه ساقط عنده حتى أنه قال في بعض الأسانيد إسناده مظلم(البداية والنهاية7/384)وقال أبو الفتح الأودي: لا يصح في هذا الباب شيء(البداية والنهاية7/384)وقال الحافظ ابن حجر: ضعيف ويجوز أن يُحسن(أجوبته عن أحاديث المصابيح3/1791)، وقال الحافظ السخاوي: وبالجملة فكلها-أي روايات الحديث- ضعيفة وألفاظها ركيكة وأحسنها حديث ابن عباس بل هو حسن(المقاصد الحسنة ص97-98)وشيخ الإسلام ابن تيمية حكم بوضعه سندا ومتنا في منهاج السنة(4/138) وقال عبدالرحمن المعلمي -ذهبي عصره -(تعليقه على الفوائد المجموعة ص349-353): لا نزاع في سقوط طرقها... وقرر فيه أنه كذب موضوع في بحث قيّم جدا، وضعفه الشيخ شعيب الأرناؤوط (سير الأعلام 11/447)، قال الألباني -حافظ وقته- في السلسلة الضعيفة(2955): وجملة القول أن حديث الترجمة ليس في أسانيده ما تقوم به الحجة بل كلها ضعيفة وبعضها أشد ضعفا من بعض ومن حسنه أو= =صححه فلم ينتبه لعنعنة الأعمش في الإسناد الأول-يعني حديث ابن عباس-. والأعمش مشهور بالتدليس قال الحافظ في التقريب(6230):ثقة حافظ عارف بالقراءات ورع لكنه يدلس. لذا ذكره الحافظ في طبقات المدلسين وكذلك السيوطي في أسماء المدلسين و الله أعلم.(الناسخ).(178/57)
قلت: كذبت فأين هذا الإجماع؟ ومن ذكره؟ وهل هو إلا التخرص.
قال ابن تيمية: اتفق علماء أهل السنة على أن أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر.
وقد ذكر غير واحد الإجماع على أن أبا بكر أعلم الصحابة كلهم.
ولم يحفظ لأبي بكر فتيا تخالف نصا وقد وجد لعمر وعلي وغيرهما فتاوى كثيرة تخالف النصوص حتى جمع الشافعي مجلدا في خلاف علي وابن مسعود.
وقد نقل الإجماع غير واحد على أن أبا بكر أعلم من علي منهم الإمام منصور بن عبد الجبار السمعاني أحد الأئمة الشافعية.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال: كان أبو بكر أعلمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم (1)[201].(2)[202]
قال ابن حزم: واحتج من احتج من الرافضة بأن عليا كان أكثرهم علما وهذا كذب وإنما يعرف علم الصحابي بأحد الوجهين لا ثالث لهما:
أحدهما: كثرة روايته و فتاويه.
الثاني: كثرة استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له.
فنظرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد ولى أبا بكر بحضرته ططول علته وجميع أكابر الصحابة حضور كعمر وعلي وغيرهما ووجدناه أيضا استعمله على الصدقات فوجب ضرورة أن يكون عنده علم في الصدقات كالذي عند غيره من جميع الصحابة لا أقل وربما كان أكثر والزكاة من أركان الدين.
وأيضا وجدناه صلى الله عليه وسلم استعمل أبا بكر على الحج فصح ضرورة أنه أعلم من جميع الصحابة بالحج وهذه دعائم الإسلام.
ثم وجدناه صلى الله عليه وسلم قد ألزم نفسه في جلوسه ومسامرته وظعنه وإقامته أبا بكر فشاهد أحكامه وفتاويه أكثر من مشاهدة علي لها.(3)[203]
55-قال التيجاني ص178:
(حديث: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار).
__________
(1) 201] فتح الباري-كتاب مناقب الأنصار-باب هجرة النبي رقم904،صحيح مسلم-كتاب فضائل الصحابة رقم2.
(2) 202] منهاج السنة7/500 وما بعدها.
(3) 203] الفصل في الملل والأهواء والنحل4/212.(178/58)
قلت: ذكر التيجاني هذا الحديث بعد حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها وقد قال قبله: سوف لا أستدل ولا أعتمد إلا الأحاديث المتفق عليها من الفرقين.
وقال ص94: لا أعتمد إلا ما اتفقوا عليه جميعا.
وقال ص88: وأخذت على نفسي عهدا وأنا أدخل هذا البحث الطويل العسير أن أعتمد الأحاديث الصحيحة التي اتفق عليها السنة والشيعة.
وهذا الحديث بهذا اللفظ مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والذي يصح منه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من كنت مولاه فعلي مولاه) فقط.
وصحح بعض أهل العلم زيادة(اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
أما زيادة (وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار) فكذب محض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجز التيجاني وغيره عن أن يأتوا بإسناد صحيح لها.
ثم إن هذا خلاف الواقع فإن الأمة-عند الشيعة-كلها خذلته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى مقتل عثمان ومع هذا كانت منصورة في عهد أ[ي بكر وعمر وعثمان.
ولما قُتل عثمان صار الناس ثلاثة أحزاب حزب معه وحزب ضده وآخر معتزل0
ولم يكن الذين نصروه منصورين بل الذين حاربوه هم الذين انتصروا وصار الأمر إليهم وفتحوا البلاد وإنما نُصر على في قتال الخوارج.
أما الحديث الصحيح وهو ( من كنت مولاه فعلي مولاه) فلا يدل على إمامة علي بن أبي طالب ولنا معه وقفات:
الوقفة الأولى: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يبين للناس أن عليا هو الخلفة بعده لكان هذا الكلام في الحج لا بعده ومعلوم أنه قال هذا الكلام بعد الحج في غدير خم على طريق المدينة.
الوقفة الثانية: موقع غير خم الذي قيل فيه الحديث بين مكة والمدينة بالجحفة والجحفة تقع قرب بلدة رابغ تبعد عنها 15كم. فغدير خم يبعد عن مكة 160كم فلا يكون أبدا مجتمعا للحجيج(1)[204].
__________
(1) 204] زعم بعضهم أن رسول الله قال هذه في مفترق الحجيج كلهم.(178/59)
الوقفة الثالثة: قال عبد الحسين شرف الدين الموسوي في كتابه المراجعات عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه فعلي مولاه):
ألم يؤمر رسول الله بتبليغها –يعني ولاية علي- ألم يُضَيّق عليه في ذلك ما يشبه التهديد من الله حيث يقول: ( يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) (1)[205].(2)[206]
قلت: وظاهر هذا الكلام أن النبي لم يبلغ ولاية علي قبل هذا الموقف فتصير جميع الأدلة التي يستدل بها الشيعة قبل غدير خم باطلة.وهذا الحديث قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر تقريبا.
الوقفة الرابعة: النبي صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع لم يكن خائفا من أحد فأهل مكة والمدينة ومن حولها كلهم إما منقادون أو منافقون مقهورون فلم قال الله : ( والله يعصمك من الناس).
الوقفة الخامسة: في بيان معنى كلمة مولى وهل تدل على مراد الشيعة وهي الإمامة.
وتفصيلها كما يلي:
· لِمَ لَمْ يصرح النبي بكلمة الخلافة تصريحا واضحا لا يحتمل التأويل.
· لو سلمنا أنه أولى لكن من أين لكم أنه دليل على الإمامة؟ قال تعالى: ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه )(3)[207] .
· قال تعالى عن الكفار: ( مأواكم النار هي مولاكم )(4)[208].
· لو سلمنا أنه أولى بالإمامة فالمراد المآل وإلا كان هو الإمام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
· قال ابن السكيت: الولاية بالكسر السلطان والوَلاية والوِلاية النصرة(5)[209].
والمولى من الوَلاية والوالي من الوِلاية والرسول قال مولى ولم يقل والي.
ولذلك يقول أهل الفقه إذا اجتمع الوالي والولي فأيهما يقدم أي في الصلاة على الجنازة فالوالي الحاكم والمولى القريب.
__________
(1) 205] المائدة67.
(2) 206] المراجعات-مراجعة رقم12 ص140.
(3) 207] آل عمران68.
(4) 208] الحديد15.
(5) 209] لسان العرب15/407.(178/60)
وهناك أمور أخرى تركتها لعدم الإطالة فمن أراد زيادة فليرجع إلى منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية(1)[210].
56-قال التيجاني ص179:
(حديث علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا أنا وعلي).
قلت: هذا الحديث مداره على أبي إسحاق السبيعي وهو مدلس مشهور يكثر التدليس عن الضعفاء فإذا صرح بالتحديث فحديثه صحيح بل في أعلى مراتب الصحيح ولكن الكلام فيما إذا لم يصرح بالتحديث فإنه يتوقف في قبول حديثه.
قال أبو إسحاق الجوزجاني: كان قوم من أهل الكوفة لا تحمد مذاهبهم –يعني التشيع- هم رؤوس محدثي الكوفة مثل أبي إسحاق والأعمش ومنصور وزبيد وغيرهم من أقرانهم احتملهم الناس على صدق ألسنتهم في الحديث ووقفوا عندما أرسلوا لما خافوا أن لا يكون مخارجها صحيحة.
فأما أبو إسحاق فروى عن قوم لا يعرفون ولم ينتشر عنهم عند أهل العلم إلا ما حكى أبو إسحاق عنهم (2)[211].
57-قال التيجاني ص179:
وهذا نظير ما قال رسول الله لعلي في مناسبة أخرى عندما قال له: أنت يا علي تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي)(3)[212].
قلت: لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام بل هذا من وضع الكذّابين.
وفيه ضرار بن صرد وهو كذّاب(4)[213].
قال ابن معين: كذّاب، وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال الذهبي: أعتقد هذا الحديث من وضع ضرار بن صرد.
ولا تنس أخي القارئ ما مر بك تحت رقم 55 من تعهد التيجاني أن لا يأتي إلا بالصحيح.
58-قال التيجاني ص180:
(حديث الدار يوم الإنذار.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيرا إلى علي : ( إن هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا ) وهذا الحديث أيضا من الأحاديث الصحيحة).
__________
(1) 210] منهاج السنة7/313 وما بعدها.
(2) 211] تهذيب التهذيب8/66.
(3) 212] رواه الحاكم(3/122)وصححه على شرط الشيخين فتعقبه الذهبي قائلا:
(4) 213] ذكره الذهبي في ميزان الإعتدال2/328في ترجمة ضارا بن صرد.(178/61)
قلت: هذا الحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتيجاني كذب على عباد الله فهذا الحديث فيه أبو مريم الكوفي وهو متروك بل كذّاب .
قال ابن كثير: تفرد به عبدالغفار بن القاسم أبو مريم وهو متروك كذّاب شيعي.
اتهمه ابن المديني وغيره بوضع الحديث(1)[214] .
قال شيخ الإسلام:
1. إن بني عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلا حين نزلت هذه الآية(2)[215].
2. ليس كل من عاون على نشر الدين يكون إماما .
3. غير علي أيضا أجاب وأثرهم كان أقوى كحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث.
4. قصة الإنذار ثابتة في الصحيحين من حديث ابن عباس لما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا(3)[216] وليس فيها أن عليا أجاب.
5. علي بن أبي طالب في هذا الوقت لم يتجاوز الحادية عشرة فكيف يقوم بين آبائه وأبناء عمه؟ ولم يُعلم أن عليا نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة بل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يربيه ويقوم بشئونه.
59-قال التيجاني ص187:
( أما الحادثة الثالثة التي وقعت لأبي بكر في أول خلافته وخالفه عمر بن الخطاب وقد تأول فيها النصوص القرآنية والنبوية فهي قصة خالد بن الوليد الذي قتل مالك بن نويرة صبرا ونزا على زوجته فدخل بها في نفس الليلة).
قلت: إن خبر مالك بن نويرة مشتهر في كتب التاريخ وهو قد منع الزكاة بعد وفاة رسول اللع صلى الله عليه وسلم وقيل إنه تابع سجاح ولكن المشهور هو منعه الزكاة.
وذكر قصته مع خالد بن الوليد أكثر المؤرخين ولم يذكرا ما ذكره التيجاني من أن خالدا قتله صبرا ونزا على زوجته فدخل بها في نفس الليلة.
__________
(1) 214] البدايةو النهاية3/38.
(2) 215] لأن حديث الإنذار جاء فيه أنهم كانوا أربعين من بني عبد المطلب.
(3) 216] فتح الباري-كتاب التفسير سورة تبت يدا أبي لهب رقم4971، صحيح مسلم-كتاب الإيمان355.(178/62)
وهذه رواية الطبري: إن خالد بن الوليد لما أمسك بهم فحبسوا في ليلة باردة ل يقوم لها شيء وجعلت تزداد بردا فأمر خالد مناديا فنادى ادفئوا أسراكم وكانت في لغة كنانة القتل فظن قوم أنه أراد القتل فقتل ضرار بن الأزور مالكا.
وتزوج خالد أم تميم ابنة المنهال وتركها لينقضي طهرها (1)[217].
وهذه رواية ابن كثير: ذكر ابن كثير نفس رواية الطبري تقريبا وقال في آخرها: فلما حلت بنى بها ويقال: بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنبّه على ما صدر منه من متابعة سجاح وعلى منعه الزكاة وقال: ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟ فقال مالك: إن صاحبكم كان يزعم ذلك.
فقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ يا ضرار اضرب عنقه فضربت عنقه (2)[218].
وذكر قصة مالك أبو الربيع الكلاعي في كتابه حروب الردة ولم يذكر ما ذكره التيجاني.
وأما مقولة عمر: يا عدو الله قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بالحجارة.
فلنا أن نقول للتيجاني أين سند هذه الرواية نعم ذكرت في بعض كتب التاريخ فكان ماذا؟
ألست تقول إنك لا تحتج إلا بما هو صحيح؟
وسند هذه الرواية غير صحيح فقد ذكرها الطبري في تاريخه من رواية محمد بن حُميد الرازي(3)[219].
قال البخاري: فيه نظر، وكذّبه أبو زرعة، وقال صالح جزرة: كنا نتهم ابن حُميد في كل شيء يحدثنا ما رأيت أجرأ منه على الله، وقال ابن خراش: حدثنا ابن حُميد وكان والله يكذب.
60-قال التيجاني ص193:
(قال رسول الله : إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له)
قلت: أهذه وأمثالها هي الأحاديث المتفق عليها وهي الأحاديث الصحيحة؟
__________
(1) 217] تاريخ الطبري2/502.
(2) 218] البداية والنهاية6/326.
(3) 219] تاريخ الطبري5/503(178/63)
الحديث الأول: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هو كذب عليه وقد ضعف هذا الحديث الذهبي(1)[220] وابن كثير(2)[221] والألباني(3)[222] والوادعي(4)[223] وغيرهم.
والحديث فيه ما يلي:
1. مفضل بن صالح: قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث.
2. حنش الكناني: قال البخاري : يتكلمون في حديثه، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: ينفرد عن علي بأشياء لا تشبه أحاديث الثقات.
3.أبو إسحاق السبيعي: ثقة ولمنه مدلس ولم يصرح بالسماع.
... الحديث الثاني: قال الهيثمي رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه جماعة لم أعرفهم (5)[224].
61-قال التيجاني ص195:
( قال رسول الله: ( من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا وليوال وليه وليقتد بأهل بيتي من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي... الحديث
قال التيجاني: وتجدر الإشارة هنا بأنه خلال البحث الذي قمت به شككت في البدء في صحة هذا الحديث واستعظمته لما فيه من تهديد ووعيد لمن كان على خلاف مع علي وأهل البيت وخصوصا أن هذا الحديث لا يقبل التأويل وخفّت الوطأة عندما قرأت في كتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني بعدما أخرج الحديث قوله: قلت في إسناده يحيى بن يعلى المحاربي وهو واه، وأزال ابن حجر بهذا القول بعض الإشكال الذي علق بذهني إذ تصورت أن يحيى بن يعلى المحاربي هو واضع الحديث وهو ليس بثقة.
ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يوقفني على الحقيقة بكاملها وقرأت يوما كتابا اسمه: مناقشات عقائدية في مقالات إبراهيم الجبهان وأوقفني هذا الكتاب على جلية الحال إذ تبين لي أن يحيى بن يعلى المحاربي هو من الثقات الذين اعتمدهم الشيخان مسلم والبخاري.
__________
(1) 220] ميزان الإعتدال4/167.
(2) 221] تفسير القرآن العظيم7/191.
(3) 222] ضعيف الجامع1974.
(4) 223] رياض الجنة في الرد على أعداء السنة ص213.
(5) 224] مجمع الزوائد9/168.(178/64)
فلماذا هذا الدس والتزوير وتقليب الحقائق والطعن في رجل ثقة احتج به أهل الصحاح .. ولكن ابن حجر العسقلاني طعن به ووصفه بأنه واه لا لشيء إلا أنه روى حديث الموالاة).
قلت:أطال التيجاني الكلام على هذا الحديث وشنع على الحافظ ابن حجر وطعن في دينه ورماه بالتزوير وغير ذلك ولنا مع التيجاني وقفات:
1. الوقفة الأولى: الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرجه الحاكم(1)[225] والطبراني(2)[226] وذكره الهيثمي(3)[227] ورواه أبو نعيم في الحلية(4)[228] كلهم من طريق يحيى بن يعلى الأسلمي وليس المحاربي ولكن الأسلمي وهو واه جدا.
2. الوقفة الثانية: الحديث كما مر بك أيها القارئ ليس من رواية يحيى بن يعلى المحاربي ويعجز التيجاني وغيره أن يخرج ولو طريقا واحدا لهذا الحديث من طريق يحيى بن يعلى المحاربي.
3. الوقفة الثالثة: قول التيجاني ولكن ابن حجر طعن به ووصفه بأنه واه لا لشيء إلا أنه روى هذا الحديث، كذب من التيجاني لأن يحيى المحاربي لم يرو هذا الحديث.
4. الوقفة الرابعة: ادعى التيجاني أن هذا الحديث صريح و لا يقبل التأويل وفيه تهديد ووعيد مما جعله يشك بصحته ،كل هذا التهويل لا يغني من الحق شيئا فأما الحق فيبقى وأما الزبد فيذهب.
5. الوقفة الخامسة: ادعى التيجاني أنه لم يكتشف الأمر إلا بعد بحث لما قرأ كتاب مناقشات عقائدية وهذا كذب من التيجاني... لماذا؟
والجواب هو أن التيجاني ذكر أنه قرأ المراجعات وشغف به حتى أنه لم يكن يتركه وذكر أيضا أنه قرأ المراجعات وراجعه عدة مرات(5)[229] .
__________
(1) 225] المستدرك3/128.
(2) 226] العجم الكبير5/67.
(3) 227] مجمع الزوائد9/108.
(4) 228] حلية الأولياء4/349.
(5) 229] كتاب ثم اهتديت87،159.(178/65)
وصاحب المراجعات عبد الحسين شرف الدين قد ذكر في كتابه هذه القضية وأن الحافظ ابن حجر قال في إسناده المحاربي وهو واه ورد صاحب الكتاب المراجعات بقوله إن المحاربي ثقة ولكنه عجز كما عجز التيجاني عن أن يذكر ولو مصدرا واحدا روى هذا الحديث من طريق المحاربي.
وكل ما في الأمر أن التيجاني يريد أن يموه على القارئ ويبين أنه بحث وقرأ حتى توصل إلى الحق وكأنه هو الذي اكتشف الحقيقة بنفسه.
ومما يزيد الأمر وضوحا هو أن التيجاني نقل كلام صاحب المراجعات بالحرف الواحد وما ذكر من أنه تتبع بنفسه سواء ما كان في الصحيحين أو ما في الإصابة كله من كذبه وتدليسه وما أقصر حبل الكذب.
6.الوقفة السادسة: لماذا قال ابن حجر عن المحاربي إنه واه مع أنه ثقة؟
والجواب ما يلي:
هناك احتمالان:
الأول: وقوع خطأ في الطباعة أو النسخ.
الثاني: وهو الأقوى عندي : أن الحافظ لما تشابه عنده اسم المحاربي مع الأسلمي وذلك أن الاثنين اسمهما يحيى بن يعلى وقع سبق قلم من الحافظ فكتب المحاربي بدل الأسلمي وجل من لا يُخطئ والحافظ ابن حجر ذكر توثيق المحاربي في كتابه التقريب.
وكل الذي فعله الموسوي والتيجاني وغيرهما ممن شنع على الحافظ في هذه المسألة أنهم حاولوا أن يصطادوا في الماء العكر ويأبى الله أن يصح إلا الصحيح.
إلى كم ذا التتابع و التمادي ... ... وكم هذا التصامم والتعاشي
62-قال التيجاني ص 197:
( مثال ذلك حديث الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش وفي رواية كلهم من بني هاشم وقد أخرج الحديث كل من البخاري ومسلم وكل صحاح أهل السنة والجماعة).
قلت: قاتل الله الكذب وأهله.
هذا الحديث وهو الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش حديث مشهور ولكن ليس هذا لفظه واللفظ المشهور ( لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا كلهم من قريش )(1)[230] .
وهناك ألفاظ أخرى لا بأس من ذكرها مع عزوها لمصادرها.
__________
(1) 230] صحيح مسلم-كتاب الإمارةرقم6.(178/66)
-إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش(1)[231] .
-لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش(2)[232] .
-لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش (3)[233].
-لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش (4)[234].
فلعلك لاحظت أخي القارئ أمرين اثنين وهما:
1-الاختلاف في اللفظ بين ما أخرجه مسلم وما ذكره التيجاني.
2-ليس في شيء من هذه الروايات كلهم من بني هاشم. (5)[235]
أما الأمر الثاني فهو من عنديات التيجاني ومن كذبه الذي لا ينتهي.
وأما الأمر الأول وهو لفظ الحديث فإنه كما لا يخفى على ذي بصيرة لا يدل على ما يتمناه التيجاني وغيره لأمور:
1. ألفاظ الحديث تدل على أن هؤلاء الاثني عشر يحكمون الناس ويتأمرون عليهم وهذا ظاهر.
2. لم يحكم من أئمة الشيعة الاثني عشر إلا علي والحسن رضي الله عنهما.
3. أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين يبقى عزيزا منيعا حتى ينتهي حكم الاثني عشر خليفة وفي اعتقاد الشيعة أن الثاني عشر لم يخرج بعد مع ما يعيشه المسلمون اليوم من ذل وضعف حتى تسلط الكفار عليهم وساموهم سوء العذاب وعلم الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كُذِب و كذب.
ولسائل أن يسأل : هل الأمر مجرد مصادفة أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم يحكم أو يلي أمر المسلمين اثنا عشر ويكون عدد أئمة الشيعة أثنى عشر؟
__________
(1) 231] صحيح مسلم-كتاب الإمارةرقم5.
(2) 232] صحيح مسلم-كتاب الإمارةرقم7.
(3) 233] صحيح مسلم-كتاب الإمارةرقم10.
(4) 234] صحيح مسلم-كتاب الإمارةرقم9.
(5) 235] وهناك أمر ثالث وهو أن الحديث لم يُخرجه البخاري فقوله أخرجه البخاري كذب وتدليس والله أعلم(الناسخ).(178/67)
والجواب هو أن الأمر ليس مصادفة والشيعة الأول لم يكونوا يقولون بإمامة الاثنى عشر ولهذا انقسمت الشيعة إلى فرق كثيرة فمن الشيعة من قال بإمامة علي وحده وهم السبئية ووقفوا عنده وفرقة قالت بإمامته وإمامة الحسن والحسين ومحمد بن علي وهم الكيسانية ووقفوا عند محمد وفرقة قالت بالإمامة إلى جعفر ووقفت.
وفرقة قالت بإمامة المنتظر وهم الاثنا عشرية.
وهناك فرق أخرى واختلافات كثيرة من أراد التوسع فليرجع إلى كتاب النوبختي في فرق الشيعة.
فأنت أخي القارئ ترى أن القول باثني عشر إمام جاء متأخرا جدا وإلا ما كانت هذه الفرقة بين الشيعة المتقدمين فهي أحاديث وضعت بعد زمن من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بل ووفاة أكثر أئمة الشيعة.
فقد تبين لك أيها القارئ أن الشيعة هم الذين جعلوا هذا العدد مساويا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخيرا أقول إن الرواية الصحيحة هي كلهم من قريش والنبي صلى الله عليه وسلم لا يذكر الأعم وهو يريد الأخص فهذا خلاف البلاغة والنبي أبلغ الناس صلوات الله وسلامه عليه.
فلا أقول مثلا كل عربي سأعطيه مائة دينار فإذا أتاني مصري قلت له أنا أقصد كل سوري ألن يتهمني بالسفه والعي ويقول لي فقل إذاً كل سوري.
والنبي صلوات الله وسلامه عليه لو كان يريد عليا وأبنائه لقال هم علي وأولاده وحتى لو قال كلهم من بني هاشم لما كانت بليغة فبنو هاشم كثر وقريش أكثر والرواية جاءت فيهم وإن كان التيجاني وغيره يحتجون بهذا الحديث لتناسب الرقم فما رأيهم بالحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله قال: ( في أمتي اثنا عشر منافقا )(1)[236] .
63-قال التيجاني ص200:
(فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا كما أخرج مسلم أيضا في صحيحه في كتاب الوصية أنه ذكر عند عائشة أن النبي أوصى إلى علي).
قلت: بتر الحديث عامله الله بما يستحق.
__________
(1) 236] صحيح مسلم-كتاب صفات المنافقين رقم10.(178/68)
وهل هذا إلا كمن يأتي إلى قول الله تبارك وتعالى: ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )(1)[237] .
فيبتره ويقول ألم يذكر في كتاب الله أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى و لا يكمل الآية ولا يذكر رد الله عليهم.
إن التيجاني هنا حاول أن يفعل هكذا فإنه قال ذكر عند عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي ولم يُكمل الحديث وها أنا أذكر الحديث بلفظه عن الأسود بن يزيد قال: ذكروا عند عائشة أن عليا كان وصيا ، فقالت: متى أوصى إليه؟ قد كنت مسندته إلى صدري فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري وما شعرت أنه مات فمتى أوصى إليه؟ رواه البخاري ومسلم (2)[238].
فهي أنكرت قول من يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي.
64-قال التيجاني ص208:
( قال رسول الله عن أهل البيت: لا تتقدموهم فتهلكوا ولا تتخلفوا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).
قلت: هذا حديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وتذكّر معي دائما أيها القارئ مقولة التيجاني أنه لا يعتمد إلا ما اتفق عليه السنة والشيعة وأنه لا يستدل إلا بالأحاديث الصحيحة حتى تعرف مدى ما يتمتع به التيجاني من كذب وخلف وعد.
وهذا الحديث ذكره الهيثمي وفيه حكيم بن جبير (3)[239].
__________
(1) 237] البقرة111.
(2) 238] فتح الباري-كتاب الوصايا رقم2741، صحيح مسلم-كتاب الوصية رقم19.
(3) 239] مجمع الزوائد 9/63-64.(178/69)
قال أحمد: ضعيف منكر الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال شعبة: أخاف النار إن أحدث عنه، وقال الجوزجاني: كذّاب.(1)[240]
الرد على كتاب
فاسئلوا أهل الذكر
مؤسسة الفجر-لندن
1412هـ-1991م
1-قال التيجاني ص7:
(فتجتمع بذلك الأمة وتتوحد على قاعدة أساسية هي مدار كل شيء أسسها صاحب الرسالة في قوله: ( تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي . صحيح مسلم).
قلت÷ هذا كذب فلم يرد في مسلم هذا الحديث بهذا اللفظ.
ولفظ مسلم ما بلي: عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: ( أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ) فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ).
فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟
قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.
قال: ومن هم؟
__________
(1) 240] قال أحمد: ضعيف الحديث مضطرب، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال يعقوب بن شيبة: ضعيف الحديث، وتركه شعبة، وقال ابن مهدي: إنما روى أحاديث يسيرة وفيها منكرات، وقال الساجي: غير ثبت في الحديث فيه ضعف، وقال أبو داود: ليس بشيء انظر التهذيب(1/648)، وقال البخاري: كان شعبة يتكلم فيه(الضعفاء 83)، وقال النسائي: ضعيف(الضعفاء والمتروكون 129)، وقال الدارقطني: وقال شعبة متروك(الضعفاء والمتروكون 193)، وقال الذهبي: شيعي مقلّ (الميزان 1/583) وقال ابن حجر: ضعيف رمي بالتشيع (التقريب 1476) والله أعلم (الناسخ).(178/70)
قال:
هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
قال: كل هؤلاء حرم الصدقة.
قال: نعم.(1)[241]
2-ذكر التيجاني ص12:
( أنه التقى مع مجموعة من علماء أهل السنة ودار بينهم حديث طويل وفيه:
قالوا: أهل البيت هم نساء النبي وأنت لا تعرف من القرآن شيئا.
قلت: فإن صحيح البخاري وصحيح مسلم يفيدان غير ما ذكرتم.
قالوا: كل ما في البخاري ومسلم وكتب السنة الأخرى من حجج تحتجون بها هي من وضع الشيعة دسوها في كتبنا).
قلت: التيجاني مولع باختلاق القصص ولا يرعوي ولا يترك الكذب الذي صار سبة في وجهه وإنه ليكذب كذبا مفضوحا يهر لكل عاقل.
وما أكثر لقاءاته مع من يدعي أنهم علماء من أهل السنة ودائما يظهرون جهالا لا يفقهون شيئا فهلا سمى لنا من يناقش أم أنه سيقول كما يقول دائما ناقشت عالما من علماء السنة ويسمي لنا ميتا كما يفعل غيره من علماء الشيعة وعلماء السنة أشهر من نار على علم فهلا ناظرهم إن كان صادقا!!
وجهال أهل السنة فضلا عن طلبة العلم بله العلماء لا يقولون بهذا الهراء.
3-قال التيجاني ص34:
( ويكفيك أن تعرف مثلا أن أعظم كتاب عندهم-يعني الشيعة- وهو أصول الكافي يقولون بأن فيه آلاف الأحاديث الموضوعة).
قلت: هل يرضى الشيعة بهذا الكلام الخطير؟ وذلك أن الكافي كما ذكر التيجاني هو عمدتهم وهو أعظم كتب عندهم.
قال شرف الدين الموسوي صاحب المراجعات-الذي يدعي التيجاني أنه قرأ كتابه عدة مرات- يقول خلاف قول التيجاني فأيهما الكاذب؟ لا يهم.
قال عبد الحسين شرف الدين الموسوي: الكافي والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب متواترة مقطوع بصحة مضامينها.
والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها(2)[242] .
__________
(1) 241] صحيح مسلم-كتاب فضائل الصحابة رقم36.
(2) 242] المراجعات- مراجعة رقم110 ص729.(178/71)
وقول التيجاني إن الكافي فيه آلاف الأحاديث المكذوبة لا شك في صحته وهذا هو معتقد أهل السنة ولا شك ولا ريب أن التيجاني قال هذا تقية وهو غير ما يعتقده في الكافي.
وإذا علمنا أن عدد أحاديث أصول الكافي 3783 والتيجاني يقول فيه آلاف الأحاديث المكذوبة وأقل الجمع ثلاثة فيكون في أصول الكافي على الأقل ثلاثة آلاف حديث مكذوب ويبقى سبعمائة وثلاثة وثمانون منها الصحيح والضعيف والموثق وغيرها.
وإذا كان هذا حال أعظم كتاب عندهم فما كمية الكذب في بقية كتب الشيعة ؟ وكيف يوثق بمثل هذه الكتب الممتلئة بالكذب؟
والحمد لله شهد شاهد من أهلها.
4-قال التيجاني ص39:
(وتقولون بأن رسول الله معصوم فقطفي تبليغ القرآن وما عدا ذلك فهو كسائر الناس يخطئ ويصيب).
قلت: انظر تفاصيل الرد في الرد على كتاب ثم اهتديت فقرة رقم(9) فقد قال هذا الكلام نفسه.
5-قال التيجاني ص40:
(قال لي أحدهم معبرا عن هذا الرأي-عدم عصمة النبي-لقد خالف الرسول القرآن في كثير من الأحكام حسب ما تقتضيه المصلحة.
قلت متعجبا: أعطني مثالا واحدا على مخالفته.
قال: يقول القرآن : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )(1)[243] بينما حكم رسول الله على الزاني والزانية بالرجم وهو غير موجود في القرآن.
(وذكر التيجاني كلاما طويلا تركته لتفاهته) ثم قال: وحاولت بدوري إقناعه ولكن بدون جدوى لأن علماء أهل السنة والجماعة مقتنعون بهذا ).
قلت: عش رجبا ترى عجبا. الشيعة يدافعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن سنته؟!
وبأي كتاب من كتب أهل السنة يود هذا الكلام التافه والذي يحاول التيجاني بكل ما أوتي من كذب وخداع أن ينسبه لعلماء أهل السنة.
6-قال التيجاني ص43:
(ولكن لا يفوتنا أن نذكر هنا نفسيات الرجل-يعني معاوية-وعقيدته في صاحب الرسالة فهي لا تبعد عن عقيدة أبيه وقد رضعها من حليب أمه أكلة الأكباد والمشهورة بالعهر والفجور).
__________
(1) 243] النور2.(178/72)
قلت: قال تعالى: ( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ) (1)[244].
هكذا يرمي نساء المؤمنات بالعهر والفجور وهذا ليس بغريب على قوم يقوم دينهم على اللعن والسب والطعن في الأعراض فلا تجد دينا على وجه الأرض فيه لعن وسب وقذف كما هو الحال عند الشيعة وهذه بعض الأمثلة على جرأتهم على الأعراض:
1. يروون عن علي بن أبي طالب أنه كان ينام مع عائشة في فراش واحد ولحاف واحد على مرأى من رسول الله(2)[245].
2. يروون أن عمر بن الخطاب كان مصابا بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال(3)[246].
3. كان عثمان ممن يلعب به وكان مخنثا(4)[247].
4. أم طلحة بنت عبيد الله كانت لها راية فجاءت بطلحة فاختصموا فاختارت عبيد الله ونسبت طلحة له(5)[248].
5. عمرو بن العاص: هو العاصي بن العاصي ابن العاهرة الماكر الخبيث(6)[249].
6. يروون أن أم المؤمنين عائشة جمعت أربعين دينارا من خيانة(7)[250].
وغير هذا كثير من بذائة اللسان والطعن في الأعراض ووالله لا يقول هذا الكلام من ولدته حرة.
وأبو سفيان قد أسلم وحسن إسلامه والله تبارك وتعالى يقول: ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا )(8)[251].
وهند لم تعرف بالعهر والفجور بل هي التي بايعت النبي صلى الله عليه وسلم مع مجموعة النساء
فقرأ عليهن الآية: ( يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن و لايعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم )(9)[252].
__________
(1) 244] النور23.
(2) 245] بحار الأنوار40/2.
(3) 246] الأنوار النعمانية1/63.
(4) 247] الصراط المستقيم3/30.
(5) 248] الطرائف لابن طاوس495.
(6) 249] في ظلال التشيع نقلا عن أوجز الخطاب ص 154.
(7) 250] مشارق أنوار اليقين 86.
(8) 251] النساء94.
(9) 252] الممتحنة12.(178/73)
فقالت له هند: يا رسول الله أوَ تزني الحرة؟(1)[253].
7-قال التيجاني ص96:
( لأن أهل السنة يروون في صحاحهم بأن الآية (آية التطهير) نزلت في خمسة وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين).
انظر تفاصيل الرد على هذا في ردنا على كتاب ثم اهتديت فقرة رقم 38.
8-قال التيجاني ص75:
( وقد أساءت عائشة إلى رسول الله كثيرا وجرعته القصص ولكن النبي رؤوف رحيم وأخلاقه عالية وصبره عميق.
وكان كثيرا ما يقول لها ألبسك شيطانك يا عائشة وكثيرا ما كان يأسى لتهديد الله لها و لحفصة بنت عمر ).
قلت: قوله قد أساءت عائشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا كذب تشهد به كتب أهل السنة التي تبين أن أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة. رواه البخاري(2)[254] وكان الناس ر يهدون له إلا في بيت عائشة . رواه البخاري(3)[255] وكانت لها من دون سائر أمهات المؤمنين ليلتان وأم كتب الشيعة فغير موثوق بها فإن الكذب فيها كثير وخير مثال على كثرة كذبهم هذا الكتاب وأمثاله من مؤلفات التيجاني وغيره وكذا قوله كثيرا ما يقول لها ألبسك شيطانك وكثيرا كان يأسى لتهديد الله لها كله كذب لا يستحي منه كاذبه.
9-قال التيجاني ص74:
( عائشة التي بلغت من المرتبة السامية والمكانة العالية والشهرة الكبيرة ما لم تبلغه أي زوجة أخرى للنبي لا ولا حتى لو جمعنا فضائلهن بأجمعهن ما بلغن عشر معشار عائشة بنت أبي بكر.
هذا ما يقوله أهل السنة).
قلت: التيجاني مولع بعشر معشار فقد قال في كتابه الشيعة هم أهل السنة :وجمع بعض المحققين مجموع روايات الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة وأمهات المؤمنين وأهل البيت الطاهرين فلم تبلغ كلها عشر معشار ما رواه أبو هريرة بمفرده(4)[256] .
__________
(1) 253] تاريخ الطبري28/51.
(2) 254] فتح الباري-كتاب فضائل الصحابة-باب لو كنت متخذا خليلا رقم3662.
(3) 255] فتح الباري-كتاب فضائل الصحابة-باب فضل عائشة رقم3775.
(4) 256] ص221.(178/74)
وقول التيجاني عشر معشار هو للتهويل لا غير ولنا أن نسأله مَنْ مِنْ أهل السنة قال أن فضائل عائشة ضعف فضائل أمهات المؤمنين مائة مرة؟
ولكي تعرف أخي القارئ الكريم مدى كذب التيجاني هاك أقوال علماء أهل السنة:
قال الحافظ في الفتح: قال أبو بكر بن أبي داود : إن خديجة أفضل من عائشة لأن عائشة سلم عليها جبريل من قبل نفسه وخديجة أبلغها السلام من ربها، وزعم ابن العربي أنه لا خلاف في أ، خديجة أفضل من عائشة و رُدّ بأن الخلاف ثابت قديما وإن كان الراجح أفضلية خديجة.
وقال السبكي: لعائشة من الفضائل م لا يحصى ولكن الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة .أهـ(1)[257].
قلت: وذهب غيرهم من أهل العلم إلى تفضيل عائشة وقال آخرون لا نُفضل إحداهما على أخرى.
فهذا كلام علماء أهل السنة وذاك كذب التيجاني.
10-قال التيجاني ص78:
( ولكي تعرف أيضا بأن آية إذهاب الرجس والتطهير بعيدة عنها –يعني عائشة- بُعد السماء عن الأرض).
قلت: كيف تكون عائشة داخلة في هذه الآية وقد رويتم أنها تنام مع علي في فراش واحد(2)[258] وأنها جمعت أربعين دينارا من خيانة(3)[259] وعلي يجلس على فخذها(4)[260] .
هكذا حال عائشة عندكم والله ذَكَرَ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين وأنتم لا شك لا تقبلون أن تكون عائشة أمكم ولا هي تقبل.
11-قال التيجاني ص93:
(روى البخاري وأحمد والترمذي وابن ماجة عن عائشة قالت:ما غرت على امرأة لرسول الله كما غرت على خديجة لكثرة ذكر رسول الله إياها وثنائه عليها فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر وقد أبدلك الله خيرا منها.
__________
(1) 257] فتح الباري7/172.
(2) 258] انظر الرد رقم6 على كتاب فاسألوا ا أهل الذكر.
(3) 259] انظر الرد رقم6 على كتاب فاسألوا ا أهل الذكر.
(4) 260] انظر ص من كتاب فاسألوا أهل الذكر.(178/75)
قالت: فتغير وجه رسول الله تغيرا ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي وقال: لا ما أبدلني الله خيرا منها قد آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس و رزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء).
قلت: كذبت عدو الله فهذا الحديث بهذا اللفظ لم يخرجه البخاري إذ أن رواية البخاري تنتهي عند قول عائشة قد أبدلك الله خيرا منها . وكذا رواها مسلم في صحيحه(1)[261] .
والزيادة التي ادعى التيجاني كذبا أن البخاري أخرجها هي عند أحمد(2)[262] من رواية مجالد بن سعيد .
قال أحمد : ليس بشيء، وقال ابن معين: لا يحتج به، قال الدارقطني: ضعيف، قال النسائي: ليس بالقوي (3)[263].
12-قال التيجاني ص124:
__________
(1) 261] فتح الباري-كتاب مناقب الأنصار-باب تزويج النبي خديجة رقم3821، صحيح مسلم-كتاب فضائل الصحابة رقم78.
(2) 262] مسند أحمد6/117-118.
(3) 263] قال ابن معين وغيره:لا يحتج بحديثه وفي رواية عنه: ضعيف واهي الحديث(التهذيب5/350)، وقال أحمد: ليش بشيء يرفع كثيرا ما يرفعه الناس(الميزان3/438) وقال مرة:مجالد حديثه عن أصحابه كأنه حلم(المجروحين3/11)وقال الشافعي: الحديث عن مجالد يُجالد الحديث(المجروحين3/10)، وقال البخاري: كان يحيى القطان يُضعفه وكان ابن مهدي لا يروي عنه عن الشعبي وقيس بن أبي حازم وقال أحمد: مجالد ليس بشيء(الضعفاء الصغير368)، وقال النسائي: ضعيف(الضعفاء والمتروكون552)، وقال الدارقطني: ليس بقوي(الضعفاء والمتروكون532)، وذكر الأشج أنه شيعي(الميزان3/438) ، وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به(المجروحين3/10)، وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث(طبقات ابن سععد6/349)، ولذلك قال الذهبي في الميزان(3/438): مشهور صاحب حديث على لين فيه، وقال ابن حجر في التقريب(6520) : ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره، والله أعلم(الناسخ).(178/76)
(ومنهم من ادعى النبوة كمسيلة الكذّاب وطليحة وسجاح بنت الحارث وأتباعهم وكل هؤلاء كانوا من الصحابة).
قلت: هؤلاء من أصحاب التيجاني وإبليس .
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فليسوا من أصحابه ولا كرامة ولم يقل بهذا أحد من أهل العلم.
ومسيلمة ادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم0
وسجاح لم تر النبي صلى الله عليه وسلم وطليحة ارتد مع من ارتد ثن تاب ورجع.
13-قال التيجاني ص144:
(وعلى كل حال فإن أكثر المحدثين والمؤرخين ذكروا بأن عمر بن الخطاب قال: إن رسول الله يهجر).
قلت: مَنْ هؤلاء المحدثون والمؤرخون الذين ذكرا هذا؟ وأين؟
والجواب كالعادة هذه من عنديات التيجاني.
ونسب التيجاني ص179 هذا الكلام لعمر وعزاه للبخاري.
فهل من عاقل من الشيعة يبحث عنه في البخاري فإن وجده فحسن وإن لم يجده فليعلم أن التيجاني يكذب.
14-قال التيجاني ص184:
( ولذلك تجد كل المؤرخين والمفسرين والمحدثين يذكرون بأن فاطمة عليها السلام ادعت بأن فدك ملكا(1)[264] لها فكذبها أبو بكر وطلب منها شهودا على دعواها فجاءت بعلي بن أبي طالب وأم أيمن فلم يقبل أبو بكر شهادتهما واعتبرها غير كافية).
قلت: ذكر التيجاني المؤرخين والمفسرين والمحدثين ولم يذكر الأدباء والمفكرين والمعلقين والمهرجين والسحرة والأفاكين وغيرهم.
وما ذكره التيجاني كذب لم يثبت وهلا ذكر لنا التيجاني هؤلاء المحدثين والمفسرين والمؤرخين والمضحك هنا قول التيجاني كل المؤرخين كل المحدثين كل المفسرين هكذا يطلقها بدون حياء0
ثم أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الله و اعدلوا بين أولادكم )(2)[265] رواه مسلم.
__________
(1) 264] هكذا في الأصل والصحيح بأن فدك ملك لها.
(2) 265] صحيح مسلم-كتاب الهبات رقم13.(178/77)
لما نحل بشير بن سعد ولده النعمان حديقة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا أشهد على جور )(1)[266] رواه مسلم. فكيف يعطي النبي صلى الله عليه وسلم فدك لفاطمة دون بقية بناته.
ففدك أول السنة السابعة من الهجرة وزينب توفيت في السنة الثامنة من الهجرة وأم كلثوم في السنة التاسعة من الهجرة(2)[267] .
ثم ألستم تقولون أن فدك إرث والآن تقولون هبة!
15-قال التيجاني ص192:
(ولكن البخاري ناقض نفسه وأثبت أن عمر بن الخطاب قسّم ميراث النبي على زوجاته).
قلت: جع التيجاني هنا كذباً وتدليساً.
فعمر لم يقسم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل أحد من أهل العلم بأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ورثنه بل هذا لم يكتشفه إلا التيجاني في هذا الزمن.
وأما تدليسه فإن عمر لم يقسم الميراث وإنما ذلك سهم رسول الله من خيبر لأهله.
16-وقال التيجاني ص205:
( ثم جاء بعده ثالث الخلفاء عثمان الذي اتبع نفس الطريقة وسلك ما سطره له صاحباه من قبل فصعد على المنبر وأعلن صراحة قوله: لا يحل لأحد أن يروي حديثا عن رسول الله لم أسمع به في عهد أبي بكر وعمر.أخرجه أحمد1/363 ) .
قلت: ألا عاقل من الشيعة يفتح مسند أحمد فينظر هل العزو صحيح أو لا.
17-ذكر التيجاني ص222:
(حادثة عمر مع عمار في التيمم ثم قال في آخرها .
فقال عمر: اتق الله يا عمار، قال عمار: إن شئت لم أحدث به.
ثم قال التيجاني: سبحان الله ! لم يكتف عمر بمعارضة النصوص الصريحة من الكتاب والسنة حتى حاول منع الصحابة من معارضته في رأيه ويضطر عمار أن يعتذر للخليفة بقوله: إن شئت لم أحدث به.
وكيف لا أعجب ولا تعجبون من هذا الاجتهاد وهذه المعارضة وهذا الإصرار على الرأي رغم شهادة الصحابة بالنصوص).
__________
(1) 266] صحيح مسلم-كتاب الهبات رقم14.
(2) 267] انظر الإصابة وسير أعلام النبلاء والبداية والنهاية وغيرها من الكتب التي ترجمت لبنات النبي صلى الله عليه وسلم .(178/78)
قلت: بل العجب كل العجب من عاقل شيعي يقرأ كل هذه الأكاذيب ثم يستمر معكم على دينكم وصاحب الحق لا يكذب وصاحب الباطل لا يصدق.
وهنا بتر التيجاني هذا الحديث-عامله الله بما يستحق-ليصل إلى مراده ولو أكمل الحديث لبطل ما استدل به وبقية الحديث أن عماراً لما قال لعمر: إن شئت لم أحدث به، قال عمر: بل نوليك ما توليت(1)[268] رواه مسلم.
فعمر إذاً لم يمنع عمار بن ياسر من التحديث كما يدّعي التيجاني.
وهنا يجدر بنا أن نُذَكِّرَ الشيعة العقلاء موقف فاطمة عندما ذكّرها أبو بكر حديث رسول الله فعارضته كما يدّعي الشيعة وذلك في قصة فدك.
18-قال التيجاني ص247:
(أفشى الوهابيون لدى المغفلين بأن الصلاة الكاملة هي شرك).
قلت: ألا عاقل من الشيعة يرد على التيجاني كلامه هذا بل إفكه وهل أحد من الشيعة سمع مثل هذا السخف من قبل.
وهذا لا شك أنه من الكذب المفضوح الذي لا يتجرأ عليه إلا من أعمى الله بصيرته وزين له الشيطان سوء عمله فرآه حسنا.
وهلا ذكر لنا أين قرأ هذا الكلام ويمكن أن يكون مما تلقاه عن صبية النجف.
19-قال التيجاني ص261:
( هل يصدق مسلم أن رسول الله الذي ينهى عن المثلة يقوم هو بنفسه فيمثل بهؤلاء القوم فيقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل أعينهم لأنهم قتلوا راعيه.
ولو قال الرواي بأن هؤلاء القوم مثلّوا بالراعي لكان للنبي عذر في المعاقبة بالمثل ولكن ذلك غير وارد ).
قلت: أخرج مسلم في صحيحه عن أنس قال: إنما سمّل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سّملوا أعين الرعاء(2)[269] .
فقول التيجاني إن هذا غير وارد جهل منه وتعالم إن لم يكن كذبا.
__________
(1) 268] صحيح مسلم-كتاب الحيض رقم112.
(2) 269] صحيح مسلم-كتاب القسامة رقم14.(178/79)
ثم ألم يقرأ التيجاني قول الله تبارك وتعالى: ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو تُقطّع أيدهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفَوا من الأرض )(1)[270].
أو أن هذه الآية زادها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتاب الله.
20-قال التيجاني ص318:
( والمعروف عند العلماء قديما وحديثا بأن عليا(2)[271] بن أبي طالب هو المرشح للخلافة من قِبَلِ رسول الله وإن يعترفوا بالنص عليه).
قلت: إن كان يعني علماء الشيعة فعلماء الشيعة عندهم أكثر من هذا بكثير وإن كان يقصد علماء السنة فكذب عليهم و لا جديد.
إنما يفتري الكذب الذين لا يعلمون.
21-قال التيجاني ص263:
( قال البخاري حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال حدثنا أنس قال: كان رسول الله يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة.
قال قلت لأنس: أَوَ كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين.
قال التيجاني: إنها رواية موضوعة للنيل من عظمة الرسول .. ومن أين لأنس أن يعرف ذلك بأن رسول الله كان يجامع إحدى عشرة زوجة في ساعة واحدة فهل أعلمه رسول الله بذلك؟ أم أنه كان حاضراً.
أعوذ بالله من قول الزور ومن أين له أنه أعطي قوة ثلاثين .
إنها جنايات بحق رسول الله الذي قضى حياته جهادا وعبادة وتدريسا وتعليما لأمته وماذا يعتقد هؤلاء الجهلة عندما يروون مثل هذه الخزايا وكأنهم وحسب عقلياتهم المتنجسة بالشهوات البهيمية...الخ).
قلت: لنا وقفات:
الأولى: كون النبي صلى الله عليه وسلم أُعطي قوة ثلاثين في الجماع لا يطعن في عصمته.
الثانية: كونه يطوف على زوجاته بالحلال –لا المتعة- في ليلة أيضا لا يطعن في عصمته.
الثالثة: لِمَ هذه الهجمة الشرسة من التيجاني على أهل السنة فهذه الرواية في كتب الشيعة مثيلاتها:
__________
(1) 270] المائدة33.
(2) 271] هكذا هي في الكتاب والصحيح علي.(178/80)
1. عن أبي الحسن عليه السلام قال: كان رسول الله له بضع أربعين رجلا وكان عنده تسع نسوة وكان يطوف عليهن في كل يوم وليلة(1)[272].
2. عن الباقر والصادق أن النبي كان لا ينام حتى يقبل عرض وجه فاطمة يضع وجهه بين ثديي فاطمة(2)[273] .
وهذا لا شك كذب على الباقر رحمه الله ورضي عنه.فمن منا يطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم إن أنسا خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد يطلع على أمور لا يطلع عليها غيره.
ثم أين هذه الغيرة من كلام إمامه الخميني الذي يقول لا بأس بالتمتع بالرضيعة تقبيلا وضما وتفخيذا(3)[274].
22-قال التيجاني ص325:
( ثم قال إن البخاري ولّى وجهه شطر النواصب والخوارج الذين حاربوا أهل البيت وقتلوهم فتراه يروي عن معاوية وعمرو بن العاص وعن أبي هريرة وعن مروان بن الحكم وعن مقاتل بن سليمان الذي عرف بالدجال... كما كان يحتج بحديث الخوارج والمرجئة والمجسمة وبعض المجاهيل الذين لا يعرف الدهر لهم وجودا ).
قلت: أما معاوية وعمرو وأبو هريرة فهؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومروان مختلف فيه والجمهور على أنه ليس بصحابي ولكنه غير متهم في حديثه.
وأما مقاتل بن سليمان فلم يرو عنه البخاري و لا مسلم ولا الترمذي ولا أبو داود ولا ابن ماجة.
ووالله الذي لا إله إلا هو إن التيجاني كذّاب أشر يكذب الكذبة وكأن أحدا لن يراجعه. وأعجب ويزداد عجبي من عاقل شيعي كيف يرضى لنفسه أن يتابع كذّابا أفّاكا أشراً.
وكذا قوله إن البخاري يروي عن المجسمة والمجاهيل كذب.
وأما الخوارج والمرجئة والشيعة أيضا فيروي عنهم أهل السنة ولنا صدقهم وعليهم بدعتهم هذا إن كانوا صادقين.
الرد على
كتاب مع الصادقين
__________
(1) 272] الكافي5/565.
(2) 273] بحار الأنوار43/44،78.
(3) 274] تحرير الوسيلة2/241 مسألة رقم12.(178/81)
لعلك أخي القارئ تدرك جيداً مما مر أن هذا العنوان غير جيد من أمثال هذا التيجاني الذي ملأ كتبه بالكذب والبهتان والزور كما رأيت وكما سيأتي.
ولاحول ولا قوة إلا بالله
مؤسسة الفجر-لندن
مؤسسة الفجر-بيروت
الطبعة الثانية
13جمادى الثاني 1411هـ
31/12/1990م
...
قال التيجاني ص15:
( والبعض منهم يضيفون إلى سنة الرسول سنة الصحابة بأجمعهم (أي صحابي كان) وذلك لحديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
ولحديث أصحابي أمنة لأمتي.
ثم قال التيجاني مخرجا في الهامش صحيح مسلم ومسند أحمد).
قلت: هذا الكلام فيه تدليس وكذب فهو يوهم القارئ أن الحديثين عند مسلم وأحمد وليس كذلك.
فحديث أصحابي أمنة لأمتي هو الذي أخرجه مسلم أحمد.
أما حديث أصحابي كالنجوم فهو حديث ضعيف جداً لم يُخرجه مسلم ولا أحمد(1)[275].
... 2-قال التيجاني ص 18:
... ( مثال ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل أو (العلماء ورثة الأنبياء) . ثم قال التيجاني مخرجا له في الحاشية صحيح البخاري وصحيح الترمذي).
... قلت: الطريقة السابقة نفسها فهو يذكر حديثين أحمدهما صحيح والثاني موضوع ثم يخرج في الحاشية الصحيح منهما ويوهم أنه خرجهما جميعا.
وحديث علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقول أحد من المسلمين أن غير الأنبياء أفضل منهم-كائنا من كان-خلافا لمن ينتسب إلى الإسلام ويفضل من ليس بنبي على بعض الأنبياء(2)[276] .
3-قال التيجاني ص19:
__________
(1) 275] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة رقم58.
(2) 276] ذكر الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة رواية مقاربة وهي علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل تحت رقم 466. وقال لا أصل له باتفاق العلماء.(178/82)
( ومما يؤكد تميز أهل البيت عن غيرهم ما يظهر لنا من اختلاف أصحاب المذاهب الأربعة عند أهل السنة والجماعة في كثير من المسائل الفقهية.
بينما لا يختلف الأئمة الاثنا عشرية من أئمة أهل البيت في مسألة واحدة ).
قلت: لا يختلفون ولا في مسألة واحدة ! كلام جميل ولكن ما نصيبه من الحقيقة؟
قال دلدار علي: إن الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جدا لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه و لا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده حتى صار ذلك سببا لرجوع بعض الناقصين عن اعتقاد الحق(1)[277].
قال الفيض الكاشاني عن اختلاف طائفة الشيعة: تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولا أو ثلاثين أو أزيد بل لو شئت أقول لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها(2)[278] !
قال الطوسي: ذاكرني بعض الأصدقاء بأحاديث أصحابنا وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والتضاد حتى لا يكاد يسلم خبر إلا وبإزائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا (3)[279].
فمن نصدق التيجاني الأفاك الذي اعترف بجهله عند صبية النجف أو هؤلاء العلماء الذين هم فحول علماء الشيعة.
والمعتمد عند الشيعة هؤلاء العلماء وأما التيجاني فهو إما يكذب وإما يهرف بما لا يعرف.
4-قال التيجاني ص19:
( ثم بعد كل هذا قد يختلف أهل السنة والجماعة في معنى الحديث الثابت الصحيح عند الفريقين حتى لو كان الحديث لا يتعلق بالأشخاص ومن ذلك مثلا حديث (اختلاف أمتي رحمة) ).
... قلت: كذب التيجاني على أهل السنة كعادته فإن هذا الحديث الذي ذكره ليس له أصل ولا له سند ضعيف فضلا عن أن يكون له سند صحيح .
__________
(1) 277] أساس الأصول 51 نقلا عن حقيقة الشيعة36.
(2) 278] الوافي المقدمة ص9.
(3) 279] مقدمة تهذيب الأحكام.(178/83)
قال السبكي: وليس بمعروف عند المحدثين ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع .وقال الألباني: لا أصل له(1)[280].
5-قال التيجاني ص 23:
( فكم كان عدد الصحابة الذين يجالسون رسول الله ويسمعون منه الأحاديث وينقلونها بغير فهم أو علم فيتغير معنى الحديث وقد يؤدي إلى العكس الذي قصده رسول الله وقد يؤدي أحيانا إلى الكفر لصعوبة إدراك الصحابي للمعنى الحقيقي).
وقال في الحاشية: مثال ذلك ما رواه أبو هريرة من أن الله خلق آدم على صورته.
ولكن الإمام جعفر الصادق أوضح الأمر فقال: إن رسول الله سمع رجلين يتسابان فقال أحدهما للآخر: قبح الله وجهك ووجه من يشبهك. فقال له رسول الله: ( إن الله خلق آدم على صورته) ).
قلت: الحديث عند مسلم ولفظه عن أبي هريرة عن رسول الله: ( إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته)(2)[281] .
فأنت ترى أخي القارئ الكريم كيف بتر التيجاني هذا الحديث ليموه ويدلس عامله بما يستحق والصحابة رضي الله عنهم هم أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يروون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على حده وإذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقلون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فهم أو علم فيغيّرون المعنى وقد يؤدي إلى عكس المقصود فمن إذاً يفهم ؟ ومن يعلم ؟ التيجاني الذي لا يفتأ يكذب ويدلس ويغير الحقائق؟!
أليسوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسلهم ليعلموا الناس دينهم؟
6-قال التيجاني ص30:
( ومرة يروون أنه سها في صلاته فلم يدر كم صلى من ركعة ).
قلت: نعم روينا هذا فكان ماذا ؟
إن أهل السنة يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يقع منه السهو وليس إلها لا يضل ولا ينسى والشيعة يروون مثل هذا:
__________
(1) 280] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة رقم57.
(2) 281] صحيح مسلم-كتاب البر والصلة رقم115.(178/84)
1. عن الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله إن في الكوفة قوما يزعمون أن النبي لم يقع عليه السهو في الصلاة.
قال: كذبوا لعنهم الله إن الذي لا يسهو هو الله لا إله إلا هو(1)[282] .
فهذه لعنة الله وجهها إمام معصوم عندهم إلى التيجاني وأمثاله فليهنئوا.
2. وعن أبي عبد الله جعفر الصادق قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سها فسلم في ركعتين(2)[283] .
3. وعن علي قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمس ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم يا رسول الله هل زِيدَ في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قال: صليت بنا خمس ركعات(3)[284] .
قال: فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتين .
وهناك أحاديث أخرى كثيرة تركتها لعدم الإطالة(4)[285] .
وقال الصدوق – وهو إمام كبير من أئمة الشيعة- إن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذه لعنة أخرى للتيجاني وأمثاله من الصدوق.
ثم يقال إن النسيان يقع من عموم البشر والذي لا ينسى هو الله قال تعالى عن موسى أنه قال : ( لا يضل ربي ولا ينسى )(5)[286].
وقال تعالى عن يوشع بن نون : ( إني نسيت الحوت )(6)[287] وقال عن موسى : ( لا تؤاخذني بما نسيت )(7)[288] .
وقال عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( واذكر ربك إذا نسيت )(8)[289] وقال عنه كذلك: ( سنقرؤك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) (9)[290].
... 7- قال التيجاني ص30:
( ويروون أنه كان يصبح جنبا في رمضان فتفوته صلاة الفجر ).
قلت: هذا كذب من التيجاني عامله بما يستحق.
__________
(1) 282] عيون أخبار الرضا326، بحار الأنوار25/350.
(2) 283] تهذيب الأحكام 1/186، وسائل الشيعة 8/198-199-201.
(3) 284] تهذيب الأحكام2/349، الاستبصار1/377، وسائل الشيعة8/233.
(4) 285] بحار الأنوار17/102.
(5) 286] طه52.
(6) 287] الكهف63.
(7) 288] الكهف73.
(8) 289] الكهف24.
(9) 290] الأعلى6-7.(178/85)
فمن قال إن النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا حتى تفوته صلاة الفجر والحديث عزاه التيجاني إلى صحيح البخاري والحديث الذي في البخاري ليس فيه أنه تفوته صلاة الفجر فزادها من عند نفسه .
ومراد الراوي أن يبين أن الجنابة لا تنافي الصيام.
8- قال التيجاني ص30:
( أما الشيعة استنادا إلى أئمة أهل البيت فهم ينزهون الأنبياء عن هذه الترهات وخصوصا نبينا محمدا ويقولون بأنه منزه عن الذنوب والخطايا والمعاصي صغيرة كانت أو كبيرة وهو معصوم عن الخطأ والنسيان والسهو والسحر... والشيعة يعتبرون الروايات التي رويت في هذا المعنى والتي تتناقض مع عصمة الأنبياء كلها موضوعة من قِبَل الأمويين وأنصارهم ).
قلت: هاك أخي القارئ روايات الشيعة التي تطعن في أنبياء الله صلى الله عليهم وسلم .
جاء في كتاب عيون الأخبار:
· سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله : ( وإذا تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه )(1)[291] .
قال الرضا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها: ( سبحان الله الذي خلقك )(2)[292].
وفي تفسير علي بن إبراهيم القمي عن أبي جعفر أن زينب مكثت عند زيد ما شاء الله ثم إنهما تشاجرا في شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبته (3)[293].
فانظر أخي القارئ كيف يطعنون برسول الله صلى الله عليه وسلم . إذ كيف ينظر إلى زوجة رجل مسلم وهي تستحم ثم يعجب بها؟!
وقريبا من هذه الحكاية ذكر الكليني في الكافي.
__________
(1) 291] الأحزاب37.
(2) 292] عيون الرضا113.
(3) 293] تفسير القمي عند تفسير هذه الآية-بحار الأنوار22/218.(178/86)
· عن إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما وسلم أنه نظر إلى امرأة من حِمْيَر أعجبه جمالها فسأل الله عز وجل أن يزوجها إياه! وكان لها بعل فقضى الله على بعلها بالموت! وأقامت بمكة حزنا على بعلها فأسلى الله ذلك عنها وزوجها إسماعيل (1)[294].
· عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: كان رسول الله لا ينام حتى يضع وجهه بين ثديي فاطمة(2)[295] . وفاطمة امرأة كبيرة فكيف يضع النبي صلى الله عليه وسلم وجهه بين ثدييها رضي الله عنها.
· عن الرضا عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى سأل ربه فقال: يا رب اجعلني من أمة محمد فأوحى الله إليه يا موسى إنك لا تصل إلى ذلك (3)[296].
موسى لا يستحق أن يكون فردا من أمة محمد . وأمة محمد هم الشيعة طبعا والشيعة كلهم أفضل من موسى!!
· عن علي بن أبي طالب أنه كان ينام مع عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في فراش واحد ولحاف واحد (4)[297].
· عن الرضا عليه السلام قال: قال الله لآدم هؤلاء من ذريتك-محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين-وهم خير منك ومن جميع خلقي ولولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء والأرض فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأُخرجك عن جواري.
فنظر إليهم بعين الحسد! وتمنى منزلتهم فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة بعين الحسد! حتى أكلت من الشجرة(5)[298] .
قلت: لِمَ إذاً عاقبهما الله على الأكل من الشجرة كما ذكر في القرآن إذا كان أصل العقوبة لنظرهما إلى الأئمة بعين الحسد؟
__________
(1) 294] الكافي4/203.
(2) 295] بحار الأنوار43/78.
(3) 296] عيون أخبار الرضا200.
(4) 297] بحار الأنوار40/2،الاحتجاج84.
(5) 298] عيون أخبار الرضا 170،بحار الأنوار 16/362.(178/87)
· عن علي بن أبي طالب قال: وكذّب الأنبياء والمرسلين ( أي أن الله كذبهم ) كذّب إخوة يوسف حيث قالوا : ( أكله الذئب) وهم أنبياء مرسلون إلى الصحراء (1)[299].
· إن الله أوحى إلى داود عليه السلام إني قد غفرت ذنبك وجعلت عار ذنبك على بني إسرائيل.
فقال: كيف يا رب وأنت لا تظلم ؟قال: إنهم لم يعاجلوك بالنكرة .(2)[300]
· عن أبي عبدالله قال: إن يوسف عليه السلام لما قدم عليه الشيخ يعقوب دخله عز الملك فلم ينزل إليه . فهبط جبريل فقال: يا يوسف ابسط راحتك فخرج منها نور ساطع فصار في جو السماء.
فقال يوسف: يا جبريل ما هذا النور الذي خرج من راحتي ؟
قال: نزعت النبوة من عقبك عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون من عقبك نبي.(3)[301]
· عن أبي جعفر عليه السلام قال: وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين إن نبيا من الأنبياء كان يستكمل الطاقة ثم يعطي الله تبارك وتعالى في الباب الواحد فخرج به من الجنة وينبذ به في بطن الحوت ثن لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة.(4)[302]
· عن أبي عبد الله قال: إن نبيا أراد أن يراجع الله في عذاب قومه فقال الله له: لترجعن عما تصنع أن تراجعني في أمر قد قضيته أو لأردن وجهك على دبرك.(5)[303]
· عن أبي جعفر عليه السلام : ودخل حزقيل نبي العجب فقال في نفسه: ما فضل سليمان نبي علي وقد أعطيت مثل هذا ؟
قال: فخرجت على كبده قرحة فآذته(6)[304].
· إن بعض أنبياء بني إسرائيل شكى إلى الله قسوة القلب و قلة الدمع(7)[305] .
__________
(1) 299] بحار الأنوار40/224.
(2) 300] الكافي5/58.
(3) 301] الكافي2/113.
(4) 302] الكافي8/46.
(5) 303] بحار الأنوار97/87.
(6) 304] بحار الأنوار63/185.
(7) 305] بحار الأنوار36/285.(178/88)
· عن أمير المؤمنين قال: سحر لبيد بن عاصم اليهودي وأم عبدالله اليهودية رسول الله صلى الله عليه وسلم فعقدوا له في إحدى عشرة عقدة ... فأقام النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل و لا يشرب ولا يسمع ولا يبصر ولا يأتي النساء(1)[306].
· عن علي بن الحسين قال: يأيتها الحوت . فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول: لبيك لبيبك يا ولي الله... فقال: من أنت؟ قال: أنا حوت يونس يا سيدي. قال: أنبئنا بالخبر. قال : يا سيدي إن الله لم يبعث نبيا إلا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت فمن قبلها من الأنبياء سلّم وتخلص ومن توقف عنها وتمنع في حملها لقي ما لقي آدم من نصيبه! وما لقي نوح من الغرق ! وما لقي إبراهيم من النار! وما لقي يوسف من الجب! وما لقي أيوب من البلاء! وما لقي داود من الخطيئة إلى أن بعث يونس فأوحى إليه أن يا يونس تول أمير المؤمنين عليا والأئمة الراشدين من صلبه.
قال : كيف أتولى من لم أراه ولم أعرفه؟ وذهب مغتاظا! فأوحى الله إلي:أن التقمي يونس ولا توهني له عظما فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ينادي: ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) قد قبلت ولاية أمير المؤمنين والأئمة الراشدين!(2)[307]
· عن أبي جعفر الباقر قال: لما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء ... ثم قال محمد صلى الله عليه وسلم : أين أبي إبراهيم ؟ فقالوا له: هو مع أطفال الشيعة فدخل الجنة فإذا هو تحت الشجرة لها ضروع كضروع البقر فإذا انفلت الضرع من فم الصبي قام إبراهيم فرد عليه. قال فسلم عليه وسأله عن علي. فقال: خلفته في أمتي . قال : نِعْم الخليفة خلفت .أما إن الله فرض على الملائكة طاعته وهؤلاء أطفال شيعته سألت الله عز وجل أن يجعلني القائم عليهم ففعل(3)[308].
__________
(1) 306] بحارالأنوار60/23.
(2) 307] بحار الأنوار61/52.
(3) 308] بحار الأنوار18/303.(178/89)
الله أكبر كبرت كلمة تخرج من أفواهكم إن تقولون إلا كذبا أإبراهيم يعمل مربيا لأطفال الشيعة ؟! قبح الله من يصدق هذا وقبح الله من رواه.
· عن الصادق عليه السلام قال: وكان داود عليه السلام قد بعث أوريا في بعث فصعد داود الحائط ليأخذ الطير وإذا امرأة أوريا تغتسل فلما رأت ظل داود نشرت شعرها وغطت به بدنها فنظر إليها داود وافتتن بها (فكتب داود إلى قائد جيشه ) ضع تابوت بينك وبين عدوك وقدم أوريا بن حنان بين يدي تابوت فقدمه وقتل . ثم تزوج داود أوريا وأنجبت له سليمان عليه السلام(1)[309].
وغير هذا كثير تركته إرادة للاختصار وعدم الإطالة فهذا هو معتقد الشيعة في أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام.
أما أهل السنة فينزهون أنبياء الله عن أمثال هذه الأمور وأم ما رووه من وقوع السحر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن السحر أولا رواه أهل السنة والشيعة وهو مرض من الأمراض وليس فيه مطعن على النبوة . ثم إنه لم يؤثر في تبليغه الرسالة ولا صدق ما يقول صلى الله عليه وسلم .
9-قال التيجاني ص28:
( قال تعالى عن موسى: ( قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني )(2)[310] ولَنْ الزمخشرية تفيد التأبيد كما يقول النحاة ).
قلت: احتجاج التيجاني بكلام الزمخشري هو كاحتجاج النصارى على أهل السنة في تحريف القرآن بقول الشيعة أن القرآن محرف فإن الزمخشري معتزلي الاعتقاد والشيعة أيضا معتزلة في باب صفات الله تبارك وتعالى.
ولن لا تفيد التأبيد دائما عند النحاة وانظر إلى مغني اللبيب، والتوضيح والتكميل وغيرهما من كتب النحاة وهل مع التيجاني إلا الادعاء المحض؟!
... فما قول التيجاني في قوله تبارك وتعالى: ( ولن يتمنوه أبدا )(3)[311] .
فإذا قلنا أن لَنْ تفيد التأبيد لم يؤكدها بقوله أبدا هذا أولا.
... أما ثانيا فإن الله ذكر أن الكفار يتمنون الموت بل ويطالبون به.
__________
(1) 309] بحار الأنوار14/20،23
(2) 310] الأعراف143.
(3) 311] البقرة95.(178/90)
... قال تعالى: ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك )(1)[312].
... ثم إن رؤية المؤمنين ثابتة بالكتاب والسنة وسأكتفي بالآيات إن كان يقبلها التيجاني لأن الكثيرين من علماء الشيعة يقولون بتحريف القرآن لأن أحاديثنا عن رسول الله لا يقبلونها.
· : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )(2)[313] .
· : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )(3)[314] فإذا حجب الكفار فمفهومه أن المؤمنين غير محجوبين.
· : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )(4)[315] فما الزيادة على الحسنى إلا شيء أفضل.
وآية موسى التي ذكرها التيجاني دليل على رؤية الله في الآخرة بصورة غير مباشرة وإليك التفصيل:
· لو كانت الرؤية ممتنعة مطلقا ما سألها موسى وهو العليم بربه.
· لم ينكر الله على موسى طلبه كما أنكر على نوح لما قال إن ابني من أهلي قال الله : ( إني أعظك أن كون من الجاهلين )(5)[316].
· الله تجلى للجبل وموسى أكرم على الله من الجبل.
· قلنا إن لَنْ لا تفيد التأبيد.
(قال ابن مالك:
ومن رأى النفي بلن مؤبدا ... ... فقوله اردد وسواه فاعضدا(6)[317]
· علق الله الرؤيا على ممكن فقال: ( فإن استقر مكانه فسوف تراني ) وما علق على ممكن فهو ممكن.
· لم يقل الله لموسى لا أُرى وإنما قال لن تراني أي الآن في الدنيا.
10-قال التيجاني ص56:
( أخرج الطبراني في المعجم الكبير بسند صحيح عن زيد بن أرقم وعن حذيفة بن أسيد قال: خطب رسول الله بغدير خم تحت شجرات فقال: أيها الناس يوشك أن أُدعى فأجيب ... فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه... الحديث).
__________
(1) 312] الزخرف77.
(2) 313] القيامة23.
(3) 314] المطففين15.
(4) 315] يونس26.
(5) 316] هود46.
(6) 317] الكافية الشافية.(178/91)
قلت: قوله بسند صحيح كذب وتخرص ولكن الغريب أن التيجاني اكتفى بقوله بسند صحيح ولم يتابع شيخه شرف الدين الموسوي عندما قال مجمع على صحته وذلك في المراجعات(1)[318] والحديث ضعيف جدا فيه زيد بن الحسن الأنماطي (2)[319].
قال أبو حاتم: منكر الحديث، وكذا قال الذهبي وقال ابن حجر ضعيف.
11-قال التيجاني ص72:
( على أن القول بنزول الآية ( اليوم أكملت لكم دينكم ) في يوم عرفة يتنافى مع آية البلاغ ( يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ) والتي تأمر الرسول بإبلاغ أمر مهم لا تتم الرسالة إلا به والتي سبق البحث وتبين نزولها بين مكة والمدينة بعد حجة الوداع وهو ما رواه أكثر من مائة وعشرين صحابيا وأكثر من ثلثمائة وستين من علماء أهل السنة والجماعة (3)[320]).
قلت: ما أقبح الكذب! مائة وعشرون صحابيا يروون أن (اليوم أكملت لكم دينكم) نزلت في غدير خم.
وأنا أوجه سؤالي ليس إلى التيجاني وحده بل أوجهه إلى علماء الحوزات الشيعية في كل مكان في العالم وإلى كل شيعي عاقل يخاف الله مَنْ هؤلاء الصحابة؟ وأين أجد رواياتهم هذه؟
فهل من مجيب؟ هل من عاقل شيعي يوجه هذا السؤال إلى التيجاني ؟
أرجو ذلك.
12-قال التيجاني ص87:
( ولهذا قام في الناس خطيبا- يعني عمر – فور رجوعه إلى المدينة فقال من جملة ما قال في خطبته:
إنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها كانت كذلك ولكنت الله وقى شرها ... ثم يقول من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا) .
قلت: هنا بتر التيجاني الرواية عامله الله بما يستحق .
__________
(1) 318] المراجعات: مراجعة 54ص435.
(2) 319] المعجم الكبير للطبراني 3/180 رقم3052.
(3) 320] أما كتاب الغدير فهو تكرار بدون فائدة وليس فيه شيء مما ادعاه التيجاني هنا.(178/92)
والرواية عند البخاري هكذا ( ولكن الله وقى شرّها وليس فيكم من تُقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلا من غير مشورة(1)[321] ...الخ.
فانظروا إلى هذا الفعل القبيح يذكر الرواية بطولها ثم يأتي إلى خمس كلمات منها فيحذفها لتوافق ما يريده.
13-قال التيجاني ص118:
( الوجه الثاني: لما اشتد برسول الله وجعه وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام طلب أن يأتوه بالكتف والدواة ليكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده أبدا.
فقال عمر: إن رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله .
ثم قال التيجاني في الحاشية: أخرجه البخاري في صحيحه ).
قلت: كذب و تخرص عامله الله بما يستحق.
فإنه ليس في صحيح البخاري ولا غيره أن عمر قال: إن رسول الله ليهجر.
وتفصيل الرد على هذه النقطة في ردنا على كتاب ثم اهتديت في الفقرة رقم 30.
14-قال التيجاني ص133:
( كان موضوع القضاء والقدر لغزا عويصا في ما مضى من حياتي إذ لم أجد فيه تفسيرا شافيا ولا كافيا يريح فكري ويقنع قلبي وبقيت محتارا بين ما تعلمته في مدرسة أهل السنة من أن الإنسان مسير في كل أفعاله...).
قلت: لا يفتأ هذا الأفّاك يُلقي التهم على أهل السنة ويرميهم بالبهتان وليت عاقلا من الشيعة يرجع إلى كتب أهل السنة فينظر هل ما يقوله التيجاني حق أو باطل.
قال الطحاوي في بيان معتقد أهل السنة: وأفعال العباد هي خلق الله وكسب من العباد.
قال ابن أبي العز: اختلف الناس في أفعال العباد الاختيارية فزعمت الجبرية ورئيسهم الجهم بن صفوان أن التدبير في أفعال العباد كلها لله تعالى وهي كلها اضطرارية ( وهذه نسبة التيجاني لأهل السنة).
وقابلتهم المعتزلة فقالوا: إنه جميع الأفعال الاختيارية من جميع الحيوانات بخلقها لا تعلق لها بخلق الله.
__________
(1) 321] فتح الباري-كتاب الحدود-باب رجم الحبلى من الزنا رقم6830.(178/93)
وقال أهل الحق: أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاة وهي مخلوقة لله والحق أن الله منفرد بخلق المخلوقات(1)[322] .
قال ابن تيمية: والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال تعالى : ( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين )(2)[323] .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله -:
إن فعل العبد من صفاته والعبد وصفاته مخلوقان لله تعالى وفعل العبد صادر عن إرادة قلبية وقدرة بدنية ولولاهما لم يكن فعل والذي خلق هذه الإرادة والقدرة هو الله تعالى وخالق السبب خالق للمسبب فنسبته فعل العبد إلى خلق الله له نسبة مسبب إلى سبب لا نسبة مباشرة لأن المباشر حقيقة هو العبد فلذلك نسب الفعل إليه كسبا وتحصيلا ونسب إلى الله خلقا وتقديرا (3)[324].
فهذا هو معتقد أهل السنة لا ما ادعاه هذا التيجاني.
15-قال التيجاني ص136:
( نقاشا باردا بينه وبين من يدعي أنه من علماء أهل السنة ولم يذكر اسمه طبعا كالعادة.
قال التيجاني: أجابني لكم دينكم ولي دين وأغلق النقاش بذلك هذه هي في أغلب الأحيان حجة علمائنا ).
قلت: كذب عدو الله فهذه كتب أهل السنة وهؤلاء علماء أهل السنة والذين لا يستطيع الشيعة حين مناظرتهم إلا أن يستخدموا التقية والنفاق.
فأحدهم يقول أن القرآن محرف وآخر يقول غير محرف تقية.
وآخر يقول أهل السنة أولاد زنى وغيره يقول إخواننا .
وبعضهم يقول لا فرق وآخر يقول لا اتفاق.
__________
(1) 322] شرح العقيدة الطحاوية430.
(2) 323] التكوير28.
(3) 324] العقيدة الواسطية175 لابن عثيمين رحمه الله تعالى.(178/94)
ومن أراد أن يعرف مدى قوة أهل السنة في نقاشهم فليذهب إلى علمائهم أو ليقرأ كتبهم وأنا ذاكر لك أيها الشيعي العاقل بعض الكتب التي ردت على شبهات الشيعة فاقرأها ثم احكم مَنْ على الحق.
1. منهاج السنة النبوية. (ابن تيمية).
2. الشيعة وأهل البيت. (إحسان إلهي).
3. الشيعة والقرآن. (إحسان إلهي).
4. الشيعة والسنة. (إحسان إلهي).
5. الخطوط العريضة. (محب الدين الخطيب).
6. الشيعة وتحريف القرآن. (محمد مال الله).
7. حقيقة الشيعة. (عبدالله الموصلي).
8. أصول مذهب الشيعة. (ناصر القفاري).
16-قال التيجاني ص138:
( والشيعة كما هو معروف لا يعتقدون بهذا-وحي بعد محمد-وإنما هي تهمة ألصقها بها أعداؤهم).
قلت: أنا أزيد على كلمة التيجاني فأقول أنها تهمة ألصقها مجموعة من الزنادقة بدين الإسلام إذ أن الإسلام بريء من هذا البهتان فهل يرضى التيجاني بكلامي هذا؟ لا أظن.
قال الكليني في الكافي عن علم أئمته: وأما النكت في القلوب فإلهام وأما النقر في الأسماع بتحديث الملك (1)[325].
بوب المجلسي في كتابه بحار الأنوار: باب أنهم محدثون مفهمون (2)[326].
بوب الكليني في كتابه الكافي: باب أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار (3)[327].
عن أبي عبد الله: إن منّا لمن ينكت في أذنه وإن منّا لمن يؤتى في منامه وإن منّا لمن يسمع صوت السلسلة يقع على الطشت وإن منّا لمن يأتيه بصورة أعظم من جبريل وميكائيل (4)[328].
برّأ الله الإمام جعفر الصادق عن مثل هذا الهراء.
فهل ما زال التيجاني يقول إنها تهمة.
... 17-قال التيجاني ص155:
... ( لأن أهل السنة والجماعة يعتقدون بأن الرحمة في اختلافهم فللمالكي مثلا أن يأخذ برأي أبي حنيفة إذا وجد حلا لمشكلته قد لا يجده عند مالك ).
__________
(1) 325] الكافي1/264.
(2) 326] بحار الأنوار26/66.
(3) 327] الكافي1/393.
(4) 328] بحار الأنوار26/358.(178/95)
قلت: نعم المالكي له أن يأخذ برأي أبي حنيفة إذا ظهر له أن الحق مع أبي حنيفة لأنهم لا يَدَّعون العصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أمّا أنه يأخذ برأي أبي حنيفة إذا وجد حلا لمشكلته فهذا لا يقول به أهل السنة وإن كان قد يفعله بعض الجهال وأما أن يُجعل فعل الجهال هو قول أهل السنة فهذا افتراء.
وهلا ذكر لنا عالما واحدا يقول هذا الكلام.
قال سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
قال ابن عبد البر: معقبا: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا(1)[329].
قال الأوزاعي: من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام(2)[330] .
والإمام الشاطبي حكى الإجماع على أنّ تَتَبُّع رخص المذاهب بغير مستند شرعي فسق لا يحل (3)[331].
فهؤلاء أعلام أهل السنة وهذا قولهم لا ما يدعيه هذا التيجاني.
18-قال التيجاني ص166:
( ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا )(4)[332].
والذي يصطفيه الله سبحانه يكون بلا شك معصوما من الخطأ وهذه الآية بالذات هي التي احتج بها الإمام الرضا من أئمة البيت عليهم السلام على العلماء الذين جمعهم الخليفة العباسي المأمون وأثبت لهم بأنهم أي أئمة أهل البيت هم المقصودون بهذه الآية وبأن الله اصطفاهم وأورثهم علم الكتاب واعترفوا له بذلك ).
__________
(1) 329] الجامع لبيان العلم وفضله2/91.
(2) 330] سير أعلم النبلاء7/125.
(3) 331] الموافقات4/134.
(4) 332] فاطر32(الناسخ).(178/96)
قلت: هذه القصة مكذوبة كغيرها وليس عند الشيعة إلا هذه القصص المكذوبة التي يدغدغون بها مشاعر أتباعهم، أمّا حق يتبع فلا . ولا دليل أصلا عند الشيعة على أن الآية هذه نزلت في علي وأولاده ثم هي ليس فيها أن المصطفى يجب أن يكون إماما على العالمين . فقد قال الله تبارك وتعالى عن طالوت وعلى لسان نبي بني إسرائيل : ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم )(1)[333] الآية.
فهذا طالوت اصطفاه الله ولم يكن معصوما.
وكان ملكا ومعه نبيّان (2)[334]. داود وشمويل.
19 – قال التيجاني ص 175 0
( وإذا كان الأمام مالك بن أنس يقول :"ما رأت عين و لا سمعت أذن و لا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعا ")
قلت : نحن لا ننكر فضل وعلم وعبادة وورع جعفر الصادق رحمه الله ورضي عنه ، ولكن ننكر الكذب والمبالغة ،فمالك رحمه الله لم يقل هذا الكلام في جعفر ، وهذا كذب عليه ، وهذا أمر ليس بغريب على التيجاني وأمثاله ، وليت التيجاني اكتفى بذكر العلماء الذين مدحوا الأمام الصادق دون اللجوء إلى الكذب و التزوير . ثم أين السند الصحيح إلى مالك الإمام .
قال مصعب : كان مالك لا يروي عن جعفر بن محمد حتى يضمه إلى آخر من أولئك الرفعاء ثم يجعله بعده .(3)[335]
20- قال التيجاني ص 188 0
(وقد عمل بالتقية الصحابة الكرام في عهد الحكام الظالمين أمثال معاوية الذي كان يقتل كل من امتنع عن لعن علي بن أبي طالب )0
قلت : ثلاث مسائل :
الأولى: ادعاء التيجاني أن الصحابة استخدموا التقية مع معاوية .
الثاني: ادعاء أن معاوية كان ظالما .
__________
(1) 333] البقرة247.
(2) 334] انظر تفسير الصافي للفيض الكاشاني1/274.
(3) 335] - انظر كلام مالك في جعفر الصادق في تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال في ترجمة جعفر(178/97)
الثالثة: ادعاء أن معاوية كان يقتل من يمتنع عن سب علي بن أبي طالب .
وكله كذب و تخرص وبهتان ولا جديد .
الأولى: كذب كالعادة ويعجز التيجاني عن أن يأتينا بمثال واحد .
وخير دليل على كذبه موقف الأحنف بن قيس (1)[336] وحجر بن عدي (2)[337] وغيرهما .
الثانية: لو كان معاوية ظالما كيف تنازل له الحسن وسلم أمر الأمة لرجل ظالم يسومها سوء العذاب فان التبعة هنا على الحسن بن علي رضي الله عنه .
وكيف بايعه الحسين وهو ظالم .
والصحيح أنه لم يكن ظالما بل كان من خير الولاة في ولايته ومن خير الملوك في ملكه فرحمه الله. وهو مع هذا كله غير معصوم.
الثالثة: كذب محض يعجز التيجاني بل وكل شيعي على وجه الأرض ممن يتابعه ويصدقه عن أن يأتي بمثال واحد على هذا الكذب.
21- قال التيجاني ص 196 0
عن ابن عباس قال: تمتع النبي فقال عروة: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة .
فقال ابن عباس :ما يقول عرية؟ قال: يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة .
فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون أقوال قال النبي ويقولون نهى أبو بكر وعمر.
قلت: ذكر التيجاني هذا الأثر مستدلا به على أن الموضوع هو زواج المتعة .وهذا من تدليس التيجاني وكذبه ، فأن كلام ابن عمر وعروة عن متعة الحج ، وليس عن متعة النساء ،والشيعة يقرون بهذا فأنهم يقولون أن أبا بكر لم ينه عن متعة النساء وأنما نهى عنها عمر .
والصحيح أن متعة النساء نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ومتعة النساء .(3)[338]
ورواه عن علي الشيعة في كتبهم(4)[339] .
. 20 -قال التيجاني ص 200 0
__________
(1) 336] - مختصر تاريخ دمشق 11/144 .
(2) 337] - سير أعلام النبلاء 3/464 .
(3) 338] - فتح الباري – كتاب المغازي – باب غزوة خيبر رقم 6124 / صحيح مسلم – كتاب النكاح رقم 29.
(4) 339] - وسائل الشيعة 21/12 – التهذيب 7/251 – الاستبصار 3/142 .(178/98)
(وما ينسب إلى الشيعة من القول بالتحريف هو مجرد تشنيع وتهويل وليست له في معتقدات الشيعة وجود 0
وقال أيضا في الصفحة نفسها : وعرفت فيما بعد أنها أحد التشنيعات المكذوبة لينفروا الناس من الشيعة ) 0
قلت :أرأيت أخي القارئ كم هو وقح هذا التيجاني وأمثاله من اللذين يدعون القول بتحريف القرآن للشيعة تشنيع وتهويل .
ولو كان التيجاني صادقا لقال: نعم قال كثير من علماء الشيعة بأن القرآن محرف وهناك من نقل الإجماع كهاشم البحراني وهناك من ادعى أنه من ضروريات مذهب التشيع فبعاملي أفتوني ، ولكنن لا نؤمن بهذا القول ولا نعتقد أن القرآن محرف ، وكل من قال أن القرآن محرف فهو كافر ، وقوله مردود مضروب به وجهه ، فبمجلسي والنوري الطبرسي والكليني والقمي وغيرهم وهم كفار ان لم يكونوا قد تابوا من هذا القول .
ولكن الذي نقرؤه ونسمعه هو مجرد تهرب وكذب .
وانظر ردنا على التيجاني في كتاب ثم اهتديت فقرة رقم (13) .
الرد على
كتاب الشيعة هم أهل السنة
مؤسسة الفجر – لندن
مؤسسة الفجر – بيروت
الطبعة الثانية
13جمادي الثاني 1411 هـ
31/12/1990 م
1- قال التيجاني ص 56 0
(ولما تراجع أحمد بن حنبل عن قوله الأول <عدم خلق القرآن > خوفا من المعتصم وخرج من محنته واشتهر بعد ذلك ولمع نجمه في عهد المتوكل بين أهل الحديث عند ذلك ألحق علي بالخلفاء الثلاثة ) 0
- وقال ص 93 0
(كما أن المذهب الحنبلي ما كان ليعرف لولا تأييد السلطات العباسية في عصر المعتصم عندما تراجع ابن حنبل عن قوله بخلق القرآن ) 0
قلت: قوله إن أحمد تراجع عن قوله إن القرآن غير مخلوق كذب ، لا يستحي منه قائله ،
وكذا قوله إن إلحاق علي بالخلفاء كان في ذلك الوقت كذب وبهتان ، فعلي رابع الخلفاء عند أهل السنة لم يخالف في هذا أحد.(178/99)
عن عوف بن أبي جميلة قال : كنت عند الحسن البصري فذكروا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابن جوشن الغطفاني: يا أبا سعيد (يعني الحسن) إنما أزرى الناس بأبي موسى (الأشعري) اتباعه عليا . قال: فغضب الحسن حتى تبين الغضب في وجهه، قال: فمن يتبع؟ حتى كررها مرارا(1)[340]. والحسن البصري إمام التابعين . والمعتصم لم يكن مؤيدا لأحمد ولم يكن في زمن أحمد شيء اسمه المذهب الحنبلي ، ومذهب أحمد أسس بعد وفاة أحمد بن حنبل – رحمه الله - .
2- قال التيجاني ص 56 0
( وهل كان عقل أبي هريرة أكبر من عقل علي بن أبي طالب إذ كان يحفظ عن رسول الله مائة ألف حديث من غير كتابه ).
قلت: نحن لا نقول إن أبا هريرة يحفظ أكثر من علي ، ولكن نقول حدث بأحاديث أكثر من علي ، وكذا الأمر بالنسبة لأبي هريرة مع أبي بكر وعمر وعثمان ، وغيرهم من المهاجرين الأول .
وقوله إن عليا يحفظ مائة ألف حديث يحتاج إلى إثبات أو نقل ثقات ودونه خرط القتاد .
3 – قال التيجاني ص 62 0
(وبكل هذا يصبح الثقلين المتواتر تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي … الخ.
-قال في الحاشية رواه مسلم والترمذي ).
قلت : هذا كذب ، فحديث الثقلين غير متواتر ، ولم يخرجه مسلم بهذا اللفظ ، وانظر تفصيل الرد في ردنا على كتاب فاسألوا أهل الذكر تحت رقم (1)
4-قال التيجاني ص 72 0
(وفيها حديثه المشهور الذي أخرجه البخاري ومسلم وكل المحدثين والذي جاء فيه "الأئمة من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش " وفي بعض الروايات كلهم من بني هاشم) .
انظر الرد على كتاب ثم اهتديت فقرة رقم 62.
5-قال التيجاني ص 76 0
(وبعدما تحارب الصحابة وقتل بعضهم بعضا وكفر بعضهم بعضا ).
قلت: أما القتال فقد وقع بين الصحابة رضي الله عنهم ، وأما التكفير فهذا من كذب التيجاني وليته يذكر لنا مصدرا لفريته هذه .
6- قال التيجاني ص 78 0
__________
(1) 340] - أخرجه أحمد في فضائل الصحابة 2/576 ،577 رقم 976 .(178/100)
(ومنها شتمهم ولعنهم للصحابي الجليل عمار بن ياسر تحت اسم مستعار فسموه عبدالله بن سبأ أو ابن السوداء )0
قلت :
إني أخاطب في هذا الكتاب عقلاء الشيعة فأقول لهم أين عقولكم؟
وما يضيركم لو رجعتم إلى كتب أهل السنة وهي ولله الحمد موجودة في كل مكان واقرؤا ما كتبه أهل السنة عن عمار بن ياسر رضي الله عنه .
وإني لأعجب و لا ينتهي العجب من كثرة الكذب عند هذا التيجاني ولم يكذب إن كان صاحب حق ؟!!!.
7- قال التيجاني ص 83 0
( ومما يزيدنا أن الأئمة الاثنى عشر من أهل البيت لم يتتلمذوا على أي واحد من علماء الأمة فلم يورد لنا أصحاب التواريخ ولا المحدثون وأصحاب السير بأن أحد الأئمة من أهل البيت تلقى علمه من بعض الصحابة أو التابعين )0
أقول قاتل الله الكذب والكذابين ، وبرأ الله أئمة أهل البيت عن هذا الكذب ، والأئمة الإثنا عشر عند الشيعة ، ليسوا كلهم من أهل العلم الذين أخذ عنهم العلم . ومن اشتهر منهم بالعلم محمد الباقر، وجعفر، وموسى، واشتهر علي بن الحسين بالعبادة والعلم ، وعلي والحسن والحسين فهؤلاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومحمد بن الحسن المنتظر فهذا لم يخلق ، والحسن العسكري والهادي والجواد لم يشتروا بالعلم عند أهل السنة .
وهاأنا أذكر من روى عنهم ومن رووا عنه مع ذكر تراجمهم عند أهل السنة واستثنى عليل والحسن والحسين لأنهم صحابة والصحابة عندنا كلهم عدول ولكن سأذكر فقط من روى عنهم ومن رووا عنه .
1_ علي بن أبي طالب: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر والمقداد وزوجته فاطمة وروى عنه خلق لا يحصون (1)[341].
2_ الحسن بن علي: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبيه وأخيه الحسين وخاله هند ابن أبي هالة وعنه ابنه الحسن وعائشة وجماعة (2)[342]
__________
(1) 341] -تهذيب التهذيب 7/334 .
(2) 342] - تهذيب الكمال 6/220 .(178/101)
3_ الحسين بن علي: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبيه وأمه وخاله وعمر وعنه أخوه الحسن وأبناؤه وخلق (1)[343] .
4_ علي بن الحسين: روى عن أبيه وعمه الحسن وابن عباس والمسور وأبي هريرة وعائشة وصفية وأم سلمة وسعيد بن المسيب وعمرو بن عثمان بن عفان ومروان وغيرهم .
وروى عنه خلق كثير .
وكان من أئمة المسلمين عبادة وعلما (2)[344]
5 – محمد بن علي: روى عن أبيه وجديه الحسن والحسين وعم أبيه محمد بن الحنفيه وعبدالله بن جعفر وسمرة وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وعائشة وأم سلمه وإبراهيم بن سعد وجابر بن عبدالله وعطاء بن يسار ونعيم المجمر ويزيد بن هرمز وغيرهم وروى عنه خلق كثير .
وكان ثقة فاضلا .(3)[345]
6 – جعفر بن محمد: روى عن أبيه ومحمد بن المنكدر وعبيدالله بن أبي رافع وعطاء وعروة والقاسم بن محمد ونافع والزهري وعنه مالك وشعبة والسفيانان وأبو حنيفة وخلق.
قال الشافعي: ثقة ، وقال ابن معين: ثقة مأمون، وقال أبوحاتم: لايسأل عن مثله، وقال ابن حبان:كان من سادات أهل البيت فقها وعلما وفضلا يحتج بروايته من غير رواية أولاده عنه، وكان مالك لا يروي عنه حتى يضم إليه غيره، وتكلم فيه يحيى بن سعيد .(4)[346]
7- موسى بن جعفر: روى عن أبيه وعبدالله بن دينار وعبدالملك بن قدامة وعنه أخواه علي ومحمد وأولاده إبراهيم وحسين وإسماعيل وعلي الرضى وصالح بن يزيد ومحمد بن صدقة.
قال أبو حاتم: إمام من أئمة المسلمين .(5)[347]
8- علي بن موسى: روى عن أبيه وعبيدالله بن أرطأة وروى عنه ابنه محمد وأبو عثمان المازني وعلي بن علي الدعبلي وأيوب بن منصور وأبو الصلت والمأمون وعلي بن المهدي وآخرون .
قال ابن طاهر: يأتي عن أبيه بعجائب.
__________
(1) 343] - تهذيب الكمال 6/396 .
(2) 344]- تهذيب الكمال 20 /382 .
(3) 345]- تهذيب الكمال 26 /136 .
(4) 346]- تهذيب الكمال 5/74 .
(5) 347]- تهذيب الكمال 29 /43 .(178/102)
قال الذهبي معلقا: إنما الشأن في ثبوت السند إليه وإلا فالرجل قد كذب عليه .(1)[348]
قال ابن حبان: يروي عن أبيه عجائب يهم ويخطئ .(2)[349]
9- محمد بن علي الجواد: توفي وله من العمر خمس وعشرون سنة ولم يعرف بطلب العلم أو تدريسه ولم يخرج له في الكتب الستة .
10- علي بن محمد الهادي: قال ابن كثير "وقد كان عابدا " (3)[350].
وقال الذهبي: كان فقيها إماما متعبدا (4)[351] .
11- الحسن بن علي العسكري:
قال ابن حجر: ضعفه ابن الجوزي في الموضوعات(5)[352] .
8- قال التيجاني ص 86 0
( وبما أن عمر كان مولعا بكثرة الجماع وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: "علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم " لأنه لم يصبر على الجماع وقت الصيام وبما أن الماء كان قليلا رأى عمر من الأسهل أن يترك الصلاة ويرتاح إلى أن يتوافر لديه الماء الكافي للغسل عند ذلك يعود إلى الصلاة ) .
قلت: هكذا هي عادة التيجاني في كذبه وتدليسه، فقد خلط قصتين وأوهم أنهما قصة واحدة.
ثم كذلك دلس وكذب – عامله الله بما يستحق – فقال لأنه لم يصبر على الجماع وقت الصيام.والمشهور أن عمر جاء أهله في ليله من ليالي رمضان وليس في وقت الصيام كما يدعي هذا الأفاك والقصة في صحيح البخاري وليس فيها ذكر لعمر وإنما نزلت في قيس بن صرمة .(6)[353]
وقوله أن عمر رأى أن الماء قليل فترك الصلاة كذب لاأدري والله ما أصف به كاذبه ومدعيه ،وليته يذكر لنا مصدر فريته هذه .
__________
(1) 348]- ميزان الأعتدال 3 /158.
(2) 2- المجروحين 2 /106 .
(3) 350]- البداية والنهاية 11/17.
(4) 351] - العبر في خبر من غبر 1/364 .
(5) 352] - لسان الميزان 2/240 .
(6) 353]- فتح الباري –كتاب الصوم – باب قول الله جل وعلا أحل لكم ليلة الصيام الرفث رقم 191(178/103)
وعجبا للشيعة ! أليس فيهم رجل عاقل يريد الحق يذهب لهذا التيجاني ثم يقول لهلم تكذب؟ لم لا تكتفي بذكر ما صح؟ ثم إن وجد عنده حقا فليتبعه .
9- قال التيجاني ص 86 0
( حتى أخرجت عائشة قميص النبي وقالت أبلى عثمان سنة النبي قبل أن يبلى قميصه).
قلت: هذا كذب من التيجاني ، لم تقل عائشة هذا الكلام ، ولا أخرجت قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك لم يذكر التيجاني مصدر هذه الكذبة .
10- قال التيجاني ص 89 0
( إلا أنه ابتدع له مذهبا في الإسلام اسمه المذهب الحنبلي رغم شهادة العلماء من معاصريه بأنه ليس فقيها ) 0
قلت: قبح الله ، وقبح رأيك ، هلا قلت هذا عن غير الإمام أحمد الذي أجمعت الأمة على إمامته ، وهلا برأيك ذكرت لنا من هؤلاء العلماء الذين قالوا إن الإمام أحمد ليس بفقيه ، ولكن ما ضر أحمد ما تقول ، وما ضر السحاب نبح الكلاب .
11- قال التيجاني ص 90 0
(قال علي بن أبي طالب: إن أكذب الناس على رسول الله لأبو هريرة .
كما قالت فيه عائشة بنت أبي بكر نفس الكلام ) 0
قلت: فما قال علي هذا ، ولا قالته عائشة ، ولذا لم يذكر التيجاني مصدر فريته هذه.
12- قال التيجاني ص 92 0
(وإذا راجعنا التاريخ فإننا نجد مالكا صاحب المذهب قد تقرب إلى السلطة والحكام وسالمهم ومشى في ركابهم ) 0
كذبت لعمرو الله ، فهلا ذكرت مصدر فريتك وان كان الإمام مالك كذلك فلم تبعته لما كنت سنيا كما تدعي .
وهذا الأفاك إن كان مالكيا كما يدعي بل من علمائهم – فانه قد اشتهر عند أهل السير وعند المالكيين خاصة ما وقع للإمام مالك مع أبي جعفر المنصور وأنه أمر أن يضرب بالسياط حتى انخلعت يده من كتفه(1)[354]
14- قال التيجاني ص 93 0
( ثم ابن تيمية الذي لقبوه بشيخ الإسلام ومجدد السنة والذي كفره علماء عصره لأنه حكم على كل المسلمين بالشرك لأنهم يتبركون ويتوسلون بالنبي ) 0
__________
(1) 354] - سير أعلام النبلاء 8/80 .(178/104)
قلت: هذا كذب، ولا جديد، وكلام شيخ الإسلام معروف وهو قول جميع أئمة السلف.
وانظر كلام شيخ الإسلام في الرد على كتاب ثم اهتديت فقرة رقم (16) .
15- قال التيجاني ص 94 0
( وأصبح أحمد بن حنبل في خبر كان إذ أن المذهب عندهم اليوم المذهب الوهابي )
قلت: كذب والله فمن ذا الذي يسمي المذهب الحنبلي بالمذهب الوهابي ؟
هلا ذكر لنا كتابا يقول هذا الكلام، هذا وهو يدعي أنه كان في المملكة العربية السعودية وعرف ما يقوله الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله -.
16- قال التيجاني ص95 0
( ويقال عند أهل السنة بأنه أصح الكتب (يعني موطأ مالك ) بعد كتاب الله وهناك بعض العلماء الذين يقدمونه ويفضلونه على صحيح البخاري ) 0
قلت: كذبت فليس هناك أحد من علماء أهل السنة يقدم موطأ مالك على صحيح البخاري.
وإنما قال الشافعي ليس تحت أديم السماء أصح بعد كتاب الله من موطأ مالك قبل أن يوجد صحيح البخاري فسبحان من جمع فيك الكذب والجهل.
17 – قال التيجاني ص 103 0
( ومما سبق نفيهم بأن الإمام مالكا كان من النواصب إذ لم يكن يعترف بخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبدا ) .
قلت : كذبت بقول إن الإمام مالكا لم يعترف بخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فهلا نقلت ذلك عنه، وأما قولك انه من النواصب فأصبت ، لأن الناصب عندك هو كل من يقال له سنيا فكيف بإمام من أئمة أهل السنة؟!.
18 – قال التيجاني ص 103 0
( ومذهب أهل السنة والجماعة هو خليط من شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود وما أستحسنه مالك من أواسط الأمور التي كان عليها الأئمة والمقصود بهم أبوبكر وعمر وعثمان .
وليس فيه شيء من سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي تروى عن الأئمه الطاهرين من عترته ) .(178/105)
قلت: في كتب أهل السنة ما يروى عن علي بن أبي طالب أكثر مما يروى عن أبي بكر وعثمان وبقية العشرة عدا عمر فان مروياته قريبه من مرويات علي (1)[355].
ومن أراد أن يتعرف على مصادر أهل السنة فعليه أن يقرأ كتبهم ولا يعتمد على نقل الأفاكين أمثال التيجاني هذا ، فمذهب أهل السنة قائم على الكتاب والسنة والإجماع وأقوال الصحابة بدون استثناء والقياس .
19- قال التيجاني ص113 0
( ومما يدل على أن الشيعة هم أتباع السنة النبوية الصحيحة ما يروى عن رسول الله من حديث الثقلين وقوله إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلي بعدي أبدا فلا تتقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم .
قال التيجاني مخرجا لهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي ومستدرك الحاكم وأحمد … الخ .
قلت: كذب التيجاني كعادته في ادعائه أن هذا الحديث في مسلم والترمذي والحاكم وأحمد.
وهو حديث مكذوب على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم . وانظر الرد على هذا الكلام وبيان درجة هذا الحديث في الرد على كتاب فاسألوا أهل الذكر تحت رقم (1) .
20- قال التيجاني ص118 0
( ألم يسمعوا قول الله قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى التي نزلت فيها وفي بعلها وولديها (يعني فاطمة وعلي والحسن والحسين) 0
قلت: (انظر تفصيل الرد على هذه في فقرة رقم 27 من كتاب الرد على ثم اهتديت ).
21- قال التيجاني ص120 0
( قال رسول الله:
أ_ إن هذا أخي وخليفتي عليكم.
ب_ أنا خير الأنبياء وعلي خير الأوصياء وخير من أترك بعدي.
جـ_ علي مع الحق والحق معه.
د_ علي مع القرآن والقرآن معه.
هـ_ أنا قاتلت علي تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله وهو الذي يبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي.
و_ لا يؤدي عني إلا علي وهو ولي كل مؤمن بعدي.
ز_ علي مني بمنزلة هارون من موسى.
حـ_ علي مني وأنا منه وهو باب علمي.
__________
(1) 355]- وانظر ص 24.(178/106)
قال التيجاني في الحاشية:
كل هذه الأحاديث صحيحة عند أهل السنة والجماعة أخرجها علمائهم وصححوها)0
قلت: لم أر أجرأ من هذا التيجاني على الكذب ، فلا يصح من هذه الأحاديث عند أهل السنة إلا حديث المنزلة ، وأكثر هذه الأحاديث قد سبق ذكرها ، وإليك أخي القارئ تفصيل ذلك .
1- حديث إن هذا أخي ووصيتي وخليفتي عليكم.
انظر الرد عليه في الرد على كتاب ثم اهتديت رقم 58 .
2- حديث: أنا خير الأنبياء وعلي خير الأوصياء وخير من أترك بعدي.
لم أجده بهذا اللفظ ووجدت لفظا يقاربه وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له جبريل إن الله جعلك سيد الأنبياء وجعل وصيك سيد الأوصياء.
قال الدارقطني: موضوع(1)[356].
والحديث ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة بلفظ أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي خاتم الأولياء.
وقال الألباني: موضوع(2)[357]
3- حديث: علي مع الحق والحق مع علي.
ذكره الهيثمي وقال: رواه البزار وفيه سعد بن شعيب ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح(3)[358] ورواه الخطيب في تاريخه في ترجمة يوسف بن محمد المودب(4)[359]. بإسناد الحديث الذي بعده نفسه من طريق عقيصما أبي سعيد التيمي وهو متروك .
4- حديث: علي مع القرآن والقرآن مع علي.
رواه الطبراني (5)[360] وفيه أبو سعد التيمي عقيصا قال الدار قطني متروك ، وقال الجوزجاني غيرثقة.
5 – حديث أنا قاتلت على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله.
انظر الرد عليه في الرد على كتاب ثم أهتديت رقم 57 .
6 – حديث لايؤدي عني إلا علي.
انظر الرد عليه في الرد على كتاب ثم أهتديت رقم 56 .
7 – علي مني بمنزلة هارون من موسى. صحيح.
__________
(1) 356] -الفوائد المجموعة ص383رقم 1138.
(2) 357]- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة رقم 694 .
(3) 358] - مجمع الزوائد 7/235 – 236 .
(4) 359] - تاريخ بغداد 14/320 .
(5) 360] - معجم الطبراني الصغير 707 .(178/107)
8 – حديث علي مني وأنا منه وهو باب علمي.
انظر الرد عليه في الرد على كتاب ثم أهتديت رقم 53 .
22 – قال التيجاني ص 121 0
(وقد ثبت بالدليل العلمي وبالتاريخ وما كتبه أصحاب السير بأن عليا كان المرجع الوحيد لكل الصحابة عالمهم وجاهلهم ) .
قلت : انظر تفصيل الرد على كتاب ثم أهتديت رقم 47 .
23 – قال التيجاني ص 123 0 (القرآن والسنةلايعصمان من الضلالة فهما صامتان لايتكلمان ويحملان عدة وجوه ) .
قلت هل بعد هذا الضلال من ضلال ؟
يقول الله : (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )(1)[361].
ويقول :(ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين )(2)[362].
ويقول :(تلك أيات القرآن وكتاب مبين (3)[363]).
ويقول :(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )(4)[364].
ويقول :(كتاب فصلت آياته قرآنا عربياً )(5)[365].
والآيات كثيرة والأحاديث كثيرة أيضا .
فمن نصدق يا معاشر الشيعة؟ أنصدق ربنا جل وعلا أم نصدق كذابا أفاكاً مثل هذا التيجاني ؟
أترون كيف يحاولون أن يصرفوكم عن كتاب ربكم وكأنهم هم الذين قال الله عنهم (وقال الذين كفروا لاتسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون )(6)[366].
أفلا تعقلون ؟
24 – قال التيجاني ص 131 0
(على أهل السنة والجماعة يقصدون بالخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان دون سواهم لأن علياً لم يكن معدوداً عندهم من الخلفاء وإنما ألحق في زمن متأخر ).
قالت : كذب كالعادة ، فمن من أهل السنة قال : إن عليا ليس من الخلفاء الراشدين ومعلوم أن أهل السنة يقتفون أثر من قبلهم فما السبب في اعترافهم بعلي بعد هذه المدة ولم يسيروا على منهج سلفهم في عدم الاعتراف به رضي الله عنه (7)[367] .
فلعنة الله على الكاذبين.
__________
(1) 361] - الأسراء / 9 .
(2) 362] - البقرة / 2 .
(3) 363] - النمل / 1 .
(4) 364] - القمر / 17 .
(5) 365] - فصلت / 3 .
(6) 366] - فصلت / 26 .
(7) 367] - انظر الرد رقم (1) في الرد على هذا الكتاب .(178/108)
25 – قال التيجاني ص131
( حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
وقد احتج به ابن القيم على حجية رأي الصحابي ) .
قلت: ما أجرأ هذا التيجاني على الكذب.
فهذا الحديث ذكره ابن القيم في كتاب أعلام الموقعين(1)[368]، مبينا ضعفه ، وذكر أنه استدل به من يوجب التقليد ، وقد قال ابن القيم بعد أن ذكر طرق الحديث : ولا يثبت شئ منها.
26- قال التيجاني ص143 0
( وقد واصل الشيعة تقليد الأئمة الإثنى عشر من أهل البيت وقد استمر وجود هؤلاء الأئمة أكثر من ثلاثة قرون على نسق واحد فلم يخالف واحد منهم قول الثاني )
قلت: كذب لعمرو الله كعادته وانظر التفصيل في الرد على هذه الكذبة في ردنا على كتاب مع الصادقين فقرة رقم(3) .
27- قال التيجاني ص 153 0
( قال عبدالله بن عمر وهو يفسر حديث النبي في قوله الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش ) .
( قال عبدالله بن عمر يكون على هذه الأمة اثناعشر خليفة وهم:
أبوبكر الصديق – عمرالفاروق – عثمان ذو النورين – معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة والسفاح ومنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب كلهم من بني كعب بن لؤى كلهم صالح لايوجد مثله ) .
قلت : كذب عليه من الله ما يستحق فأين نجد هذا الكلام بل الأفك الذي نسبه إلى عبدالله بن عمر ؟ . وأكثرهم لم يدركوا ابن عمر فهل يعلم الغيب ؟! .
28- قال التيجاني ص 183 0
(وعندما نبحث عن شخصية هذا الرجل (يعني طلحة بن عبيدالله ) في كتب التاريخ يتبين لنا بأنه من عشاق الدنيا، من اللذين غرتهم وجرتهم وراءها فباعوا دينهم من أجلها وخسروا أنفسهم وما ربحت تجارتهم ويوم القيامة يندمون ) .
__________
(1) 368] - 2/174 .(178/109)
أقول: هذه جرأة قبيحة على صحابي جليل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهربالجهاد وبذل النفس حتى قالوا عنه في يوم أحد كان يوم طلحة شلت فيه يمينه وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)[369].
29- قال التيجاني ص 184 0
(قال طلحة: إن مات رسول الله تزوجت عائشة فهي بنت عمي ) .
هذا كذب وإدعاء باطل ، ولا جديد، ويعجز التيجاني وأمثاله من الأفاكين أن يثبتوا هذا الإدعاء.
30- قال التيجاني ص 191 0
( يقول طه حسين في شأن هذه الخيانة [ يقصد طلحة و الزبير ].
لم يكتف هؤلاء القوم بنكث البيعة التي أعطوها عليا وإنما أضافوا إليها نكث الهدنة التي اصطلحوا عليها مع عثمان بن حنيف وقتلوا من قتلوا من أهل البصرة الذين أنكروا نقض الهدنة وحبس الأمير وغصب ما في بيت المال وقتل من قتلوا من حراسه)
أقول ومن طه حسين هذا حتى يكون كلامه حجة على أهل السنة؟ وكل ما ذكره كذب ، يعجز التيجاني وغيره عن أن يثبتوا صحة ذلك الكلام ، وهي مرويات مبثوثة في كتب التاريخ لا يصح منها شئ (2)[370]
31- قال التيجاني ص 196 0
( فقد روى بنفسه عدة فضائل في علي منها ما أخرجه الإمام النسائي والإمام مسلم في صحيحيهما ) 0
( قال سعد: سمعت رسول الله يقول في علي خصالا ثلاثا لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعته يقول :
أنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي
وسمعته يقول: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .
وسمعته يقول: يأيها الناس من وليكم؟ قالوا الله ورسوله ثلاثا ، ثم أخذ بيد علي فأقامه ثم قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاده ) .
__________
(1) 369]- انظر ترجمة طلحة بن عبيدالله ، سير أعلام النبلاء 1/23 ، البداية والنهاية 7/258 ، الاصابة 2/220 .
(2) 370]- انظر كتاب حقبة من التاريخ للمؤلف .(178/110)
قلت: هذا كذب فإن هذا الحديث بهذا اللفظ لم يخرجه الإمام مسلم ولا الإمام النسائي ،ومن زعم زعم غير ذلك فما عليه إلا أن يثبت هذا الكلام بذكر الجزء والصفحة والطبعة، ومجرد إدعاء لا يعجز عنه أحد.
32- قال التيجاني ص 221 0
( وجمع بعض المحققين مجموع مرويات الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين وأمهات المؤمنين وأهل البيت الطاهرين فلم تبلغ كلها عشر معشار ما رواه أبو هريرة ) 0
قلت: المروى عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون(1)[371] ، فيها الثابت وغير الثابت عن أبي هريرة والمكرر وغير المكرر . وفيها ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وما رواه عن الصحابة وفيها المرفوع والموقوف .
وفيها ما انفرد بروايته وفيها مالم ينفرد بروايته .
وعشرة 537 حديثا تقريبا وعشر العشر 54 حديثا تقريبا . وهذه مرويات الخلفاء وبقية العشرة وأمهات المؤمنين وبقية أهل البيت .
أم المؤمنين عائشة ألفا حديث ومائتا حديث وعشرة أحاديث.
حبر الأمه ابن عباس ألف حديث وستمائة حديث وستون حديثا.
الفاروق عمر بن الخطاب خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا.
أبو الحسنين علي بن أبي طالب خمسمائة حديث وستة وثلاثون حديثا.
أم المؤمنين أم سلمه ثلاثمائة حديث وثمانية وسبعون حديثا.
سعد بن أبي وقاص مائة حديث وواحد وسبعون حديثا.
ذو النورين عثمان بن عفان مائة حديث وستة وأربعون حديثا.
الصديق أبو بكر مائة حديث واثنان وأربعون حديثا.
أم المؤمنين أم حبيبة خمسة وستون حديثا.
عبد الرحمن بن عوف خمسة وستون حديثا.
أم المؤمنين حفصه ستون حديثا.
سعيد بن زيد ثمانية وأربعون حديثا.
الزبير بن العوام ثمانية وثلاثون حديثا.
طلحة بن عبيد الله ثمانية وثلاثون حديثا.
العباس بن عبدالمطلب خمسة وثلاثون حديثا.
عبدالله بن جعفر خمسة وعشرون حديثا.
السيد الحسن بن علي ثلاثة عشرحديثا.
__________
(1) 371] - جوامع السيرة لابن حزم 275 .(178/111)
أم المؤمنين زينب بنت جحش أحد عشر حديثا.
أبو عبيدة بن الجراح أربعة عشر حديثا.
أم المؤمنين صفية عشرة أحاديث.
الحسن بن علي ثمانية أحاديث.
أم المؤمنين جويرية سبعة أحاديث.
عقيل بن أبي طالب ستة أحاديث.
أم المؤمنين سودة خمسة أحاديث(1)[372] .
فمجموع ما روى هؤلاء ستة ألاف وثلاثمائة واثنان وخمسون،والذي رواه أبوهريرة خمسة ألاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون في البخاري ومسلم فقط خمسمائة وسبعة عشر حديثا.
فهم يزيدون على أبي هريرة بألف حديث.
فيأتي التيجاني فيقول كذبا ل تبلغ أحاديثهم عش معشار أحاديث أبي هريرة.
وبعد هذا كله استمع واقرأ واعجب من مرويات الشيعة وعددها ، قال الحر العاملي (2)[373].
إن جابربن يزيد الجعفي روى عن الأمام الباقر سبعين ألف حديث وعن باقي الأئمة مائة وأربعين ألفا.
وذكر النجاشي (3)[374]عن أبان بن تغلب أنه روى عن الإمام جعفر ثلاثين ألف حديث.
وذكر الصدوق (4)[375]عن محمد بن مسلم بن رباح أنه سمع من الباقر ثلاثين ألف حديث ومن الصادق ستة عشر ألف حديث.
33- قال التيجاني ص 245 0
(ويكفيك أن تعرف بأن كتاب الكافي عند الشيعة رغم جلالة قدر مؤلفه محمد بن يعقوب الكليني وتبحره في علم الحديث إلا أن علماء الشيعة لم يدعوا يوما بأن ما جمعه كله صحيح بل هناك من علمائهم من طرح أكثر من نصفه وقال بعدم صحتها بل إن المؤلف الكافي لا يقول بصحة كل الأحاديث التي جمعها في الكتاب )0
قلت:
والدعاوى ان لم تقيموا عليها ... ... ... بينات فأصحابها أدعياء ...
والأمر هنا لا يخلوا من أمرين احلاهما مر وهما إما أن التيجاني جاهل أو كذاب والثاني ألصق لأمرين
الأول: سوابقه التي مرت وبوائقه التي ستأتي.
الثاني: علمه وتبحره الذي يدعيه.
واستمع إلى أقوال علماء الشيعة المعتبرين عن الكافي.
__________
(1) 372] - جوامع السير لابن حزم 275 وما بعدها.
(2) 373]- خاتمة وسائل الشيعة 151 .
(3) 374]- رجال النجاشي 9 .
(4) 375]- مشيخة الصدوق 6 .(178/112)
1- قال الطبرسي: الكافي بين الكتب الأربعة(1)[376] كالشمس بين النجوم وإذا تأمل المنصف استغنى عن ملاحظة حال آحاد رجال السند المودعة فيه وتورثه الوثوق ويحصل له الإطمئنان بصدورها وثبوتها وصحتها(2)[377].
2- الحر العاملي: بوب باب بعنوان الفائدة السادسة في صحة الكتب المعتمدة في تأليف هذا الكتاب وتوافرها وصحة نسبتها وثبوت أحاديثها عن الأئمة عليهم السلام(3)[378]. ولكن مشكلة الشيعة أنهم لا يقرؤون كتبهم المعتمدة ولا يقرؤون إلا ما يأمرهم بقرائتها علماؤهم.
3- قال شرف الدين الموسوي: الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه متواترة مقطوع بصحة مضامينها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها(4)[379].
4- قال محمد صادق الصدر: والذي يجدر بالمطالعة أن يقف عليه هو أن الشيعة وإن كانت مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة وقائلة بصحة كل ما فيها من روا يات غير أنها لا تطلق عليها اسم الصحاح كما فعل ذلك إخوانهم اهل السنة(5)[380].
هذه بعض اقوال علمائهم وغيرها كثير.
وأما قوله إن المؤلف لا يقول بصحة كل احاديث الكافي التي جمعها.
فأقول هذه كذبة على الكليني نفسه فإن الكليني قال في مقدمة كتابه الكافي:
وقلت إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علمالدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع غليه المسترشد ويأخذمنه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين(6)[381].
34- قال التيجاني ص 251.
__________
(1) 376] -الكتب الأربعة هي الكافي والتهذييب والإستبصار ومن لا يحضره الفقيه.
(2) 377] -مستدرك الوسائل 3/532.
(3) 378] -خاتمة الوسائل ص 61.
(4) 379] -المراجعات رقم 110. وقد قال التيجاني في كتابه ثم اهتديت أنه قرأ المراجعات أكثر من مرة!!!.
(5) 380] -الشيعة 127.
(6) 381] -مقدمة الكافي.(178/113)
(كما ذكر صاحب كتاب مقالات الإسلاميين نقلا عن الإمام الأشعري وهو إمام أهل السنة والجماعة في الأصول قوله: إن السنة تنسخ القرآن وتقضي عليه وأن القرآن لا ينسخ السنة ولا يقضي عليه).
قلت هذا الكلام جمع جهلا وكذبا. فاستمعوا معاشر الشيعة إلى يدعي أنه كان من أهل السنة كيف أنه من أجهل خلق الله.
أما الجهل ففي قوله ذكر صاحب كتاب مقالات الإسلاميين نقلا عن الإمام الأشعري.
فياليت شعري هل لنا أن نسأل اليجاني من صاحب كتاب مقالات الإسلاميين حتى ينقل عن الأشعري؟
إن الأشعري هو صاحب كتاب مقالات الإسلاميين!
وأما الكذب فمن وجوه.
1- قوله إن الأشعري هو إمام أهل السنة والجماعة في الأصول ويعني بالأصول العقيدة، هذا الكلام غير صحيح بل هذا قول الأشاعرة وأما أهل السنة والجماعة فإمامهم محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده أصحابه ثم أئمة التابعين وتابع التابعين.
2- والذي اشتهر بأنه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل وهذا لا يخفى على التيجاني.
قال: واختلفوا في القرآن هل ينسخ إلا بقرآن؟ وفي السنة هل ينسخها القرآن فقال المختلفون في ذلك ثلاثة أقاويل.
أ - قال بعضهم لا ينسخ إلا بقرآن مثله ولا يجوز أن ينسخ شيء من القرآن بالسنة.
ب - وقال آخرون السنة تنسخ القرآن وتقضي عليه والقرآن لا ينسخ السنة ولا يقضي عليها.
ج-وقال آخرون القرآن ينسخ السنة والسنة لا تنسخ القرآن .
د- وقال آخرون القرآن والسنة حكمان من حكم الله العلم والعمل بهماعلى الخلق واجب فجائز أن ينسخ الله القرآن بالسنة وأن ينسخ السنة بالقرآن(1)[382].أهـ
35_ قال التيجاني ص 255.
(وعلي نفسه كان يقول: أنا الصديق الأكبر ولا يقولها بعدي إلا كذاب).
قلت: هذا حديث موضوع فيه عباد بن عبد الله قال علي بن المديني: ضعيف.
وقال البخاري: فيه نظر.
__________
(1) 382] - مقالات الإسلاميين 2/277.(178/114)
وقال ابن الجوزي: هذا الحديث موضوع(1)[383] .
36- قال التيجاني ص 289.
(ونكتفي بأن نعرف بأن أهل السنة والجماعة يسمون أيضا ب"القدرية" لقولهم بذلك)
قلت: ليست القدرية من أهل السنة والجماعة في شيء بل هم من المبتدعة الضالين(2)[384].
وأنا أقول للتيجاني ومن تابعه وصدقه كما قال الله تبارك وتعالى:" فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"(3)[385]
فهل من مجيب
خاتمة
...
الحمد لله القائل: ( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ).
والصلاة والسلام على رسوله الكريم القائل: ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا ).
وبعد:
فإنني لم ولن أكلف نفسي إحصاء الأكاذيب التي سوّد بها التيجاني صفحات كتبه ولكني نبهت على كثير منها حتى يعرف المنصفُ المحقَّ من المبطل والصادق من الكاذب وصاحب الدعوة الصحيحة من الصادِّ عن سبيل الهدى وحتى يطمئن السنّي وينتبه الشيعي.
فيحيا من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.
وإني لم أقصد بكتابي هذا أن أرد على كل كلمة أو شبهة ذكرها التيجاني ولكني أردت فقط أن أُبين للقارئ الكريم أن التيجاني يكذب ويتحرى الكذب... نسأل الله لنا وله الهداية.
ولله در القائل:
... ... لا يكذب المرء إلا من مهانته ... ... أو عادة السوء أو من قلة الأدب
... ... لجيفة الكلب عندي خير رائحة ... ... من كذبة المرء في جد وفي لعب
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين
فهرس الآيات
الآية
الصفحة
الآية
الصفحة
-أفرأيت من اتخذ إلهه هواه
__________
(1) 383] - الموضوعات 1/341.
(2) 384] - انظر ردنا على التيجاني في كتاب مع الصادقين رقم 14.
(3) 385] - آل عمران 61.(178/115)
-اليوم أكملت لكم دينكم
-أمن يجيب المضطر إذا دعاه
-إن الذين تدعون من دون الله
-إن الذين يرمون المحصنات
-إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا
-إن الله وملائكته يصلون على النبي
-إن الله يحب التوابين
-إن أولى الناس بإبراهيم
-إن ربك بالمرصاد
-إن هذا القرآن يهدي
-إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
-إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
-إني أعظك أن تكون من الجاهلين
-إني نسيت الحوت
-تلك آيات القرآن وكتاب مبين
-خذ من أموالهم صدقة
-ذلك الكتاب لا ريب فيه
-الذين استجابوا لله والرسول
-سنقرؤك فلا تنسى
-عبس وتولى أن جاءه الأعمى
-عفا الله عنك لم أذنت لهم
-علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم
-فاجتنبوا الرجس من الأوثان
-فأما الزبد فيذهب جفاء
-فقل تعالوا ندع أبنائنا
-قال رب أرني أنظر إليك
-قال يا نوح إنه ليس من أهلك
-قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله
-قل لا أسئلكم عليه أجرا
-قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا
-قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين
-قل ما سألتكم من أجر فهو لكم
-قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين
-كتاب فصلت آياته
-كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون
-لا تؤاخذني بما نسيت
-لا يضل ربي ولا ينسى
-للذين أحسنوا الحسنى وزيادة
-لمن شاء منكم أن يستقيم
-له دعوة الحق
-ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب
-ما كان لنبي أن يكون له أسرى
-ما نعبدهم إلا ليقربونا
-ما ننسخ من آية
-مأواكم النار هي مولاكم
فهرس الحديث
الحديث
الصفحة
الحديث
الصفحة(178/116)
فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
الموضوع
الصفحة
-المقدمة
-كتاب ثم اهتديت
-ادعاء التيجاني أنه أعلم من علماء الأزهر وأجهل من صبية النجف
-كذب منعم على أحمد أمين
-التيجاني يستخدم التقية قبل التشيع
-انحراف عقيدة التيجاني قبل تشيعه
-اعتراف التيجاني بجهله بالتاريخ
-بيان موقف الشيعة في القديم والحديث من الإسلام
-النزعة الفارسية عند الإحقاقي الحائري
-النزعة الشعوبية عند الشيعة
-كذب التيجاني على الوهابيين
-عصمة الأنبياء
-الصلاة البتراء
-موقف أهل السنة من المذاهب الأربعة
-الإمام أبو حنيفة لم يتتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق
-رأي الإمام مالك في الإمام جعفر الصادق
-موقف الشيعة من القرآن الكريم
-تناقض الشيعة في موقفهم من أهل السنة
-قداسة التربة الحسينية عند الشيعة
-حكم التوسل بالأموات
-قصة مكذوبة
-تعظيم القبور
-عاشوراء عند أهل السنة
-بعض مواقف علماء أهل السنة من الحكام
-شاب يتقيأ في صحن الحرم فيُعدم
-صلاة الشيعة إلى غير القبلة
-بيان جهل التيجاني
-آية المودة في القربى
-هل يأخذ الرسول أجرا على الرسالة؟
-الصحابة في صلح الحديبية
-هل كان أبو بكر ضمن جيش أسامة بن زيد؟
-رزية يوم الخميس
-هل بلغ النبي الدين كله؟
-معنى قوله تعالى: ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )
-بعض صفات أصحاب النبي
-ادعاء التيجاني أنه لا يستدل إلا بالأحاديث الصحيحة عند أهل السنة
فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
الموضوع
الصفحة
-هل بايع أبو بكر وعمر عليا في حياة النبي؟
-آية التطهير خاصة بأزواج النبي
-الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية
-موقف الشيعة من القدر
-من آل بيت النبي؟
-ادعاء التيجاني أن عليا كان أشجع الصحابة والرد عليه
-موقف سعد بن عبادة من بيعة أبي بكر(178/117)
-قصة فدك
-المآخذ على علي من كتب السنة
-المآخذ على علي من كتب الشيعة
-قصة الشورى الصحيحة
-أحاديث استدل بها التيجاني وبيان درجتها
-مًنْ أعلم الصحابة؟
-حديث الغدير
-قصة خالد مع مالك بن نويرة
-تدليس وتلبيس من التيجاني مع حديث من سره أن يحيا حياتي
-حديث:الخلفاء من بعدي اثنا عشر خليفة
-كتاب فاسألوا أهل الذكر
-حديث الثقلين
-الكافي معظمه أحاديث موضوعة
-طعن الشيعة في أعراض الصحابة
-فضل عائشة وبيان مكانتها عند أهل السنة
-كذب التيجاني في قصة العرنيين
-طعن الشيعة في رسول الله
-كتاب مع الصادقين
-كثرة اختلافات الشيعة
-سهو النبي في صلاته
-طعن الشيعة أنبياء الله
-المؤمنون يرون ربهم في الآخرة خلافا للشيعة
-كذب التيجاني على أهل السنة في القضاء والقدر
-هل يعتقد الشيعة أن أئمتهم يوحى إليهم؟
-حكم التلفيق بين المذاهب
-الاصطفاء لا يدل على العصمة
-حديث عن متعة الحج يجعله التيجاني في متعة النساء
-كتاب الشيعة هم أهل السنة
فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
الموضوع
الصفحة
-ادعاء التيجاني أن أهل السنة يقصدون بابن سبأ عمار بن ياسر
-تراجم الأئمة الاثنى عشر وذكر رواياتهم عن غيرهم
-طعن التيجاني في أئمة المذاهب الأربعة
-أحاديث مكذوبة يدعي التيجاني صحتها في كتب أهل السنة
-ادعاء التيجاني أن القرآن والسنة لا يعصمان من الضلالة
-عودة إلى الطعن في أصحاب النبي
-عدد مرويات الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين في جانب مرويات أبي هريرة
-مكانة الكافي عند علماء الشيعة
-الخاتمة
-فهرس الآيات
-فهرس الأحاديث
-فهرس المواضيع
-المراجع
ما سبق منقول من هذا الرابط
http://www.ansar.org/books/kashf.htm
---(178/118)
موقف للحافظ ابن حجر؟
قال الحافظ في الفتح « وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الانتصار وتبعه عياض وغيره ما حكى عن بن مسعود فقال لم ينكر بن مسعود فقال لم ينكر بن مسعود كونهما من القرآن وإنما أنكر اثباتهما في المصحف فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئا الا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابه فيه وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك قال فهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها ويقول أنهما ليستا من كتاب الله نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور» (فتح الباري8/472).
قلت: قد سبق أن الرواية من طريق أبي إسحاق السبيعي والأعمش وكلاهما مدلسان وقد جاءت روايتهما معنعنة. وهي علة في الحديث يصعب المسارعة إلى تصحيح سندها فضلا عن أن تغلب القراءة المتواترة عن عبد الله بن مسعود والمتضمنة للمعوذتين.
فإنه على افتراض ثبوت السند إلى عبد الله بن مسعود في إنكاره للمعوذتين فإن لذلك توجيهات مهمة:
· أن هذا الصحيح المفترض لا يبلغ في درجة صحته قراءة عاصم عن ابن مسعود المتواترة والتي تضمنت المعوذتين والفاتحة.
· ومن المعلوم أن القراءات الثلاث ترجع إلى عدد من الصحابة، فقراءة أبي عمرو رحمه الله تعالى ترجع بالسند إلى الصحابي الجليل أبي بن كعب، وترجع قراءة عاصم بالسند إلى الصحابيين الجليلين علي رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه، وترجع قراءة ابن عامر الشامي بالسند إلى الصحابيين الجليلين عثمان بن عفان وأبي الدرداء رضي الله عنهما.
· أن هذا كان منه في فترة وجيزة بين موت رسول الله e إلى أن تم جمع الصحابة على القرآن بالإجماع. فأما بعد هذا فلم يحك عنه شيء من الإصرار على ذلك. وكان يدرس القرآن ويفسره على الناس طيلة حياته بعد رسول الله e إلى أن توفاه الله. ولم يحك عنه بعد الجمع أي إصرار أو استنكار.(179/1)
ولو أنه بقي على موقفه لبلغنا ذلك كما بلغنا إصرار بعض الصحابة كابن عباس الذي بقي حتى خلافة عمر وهو يظن أنه لم يرد من النبي كلام حول تحريم متعة النساء.
· أن هذا القول قد صدر منه ولم يكن الإجماع قد استقر بعد. فأما لو ثبت عن أحد المنازعة فيه بعد إجماع الصحابة عليه فهو منهم كفر. ولهذا حكمنا بالكفر في حق كل من شكك في القرآن من الرافضة بعد استقرار الإجماع علىهذا القرآن الذي بين أيدينا.
· أن عبد الله بن مسعود لم يقل ما قاله المجلسي والعاملي والمفيد من أن القرآن قد وقع فيه التحريف مادة وكلاما وإعرابا.
· أن هذا يؤكد ما نذهب إليه دائما من أن الصحابة ليسوا غير معصومين في آحادهم، وإنما هم معصومون بإجماعهم. وهم لن يجمعوا على ضلالة.
· أين هذا من طعن الشيعة بعلي حيث وصفوه بباب مدينة العلم وأنه بقي ستة أشهر يجمع القرآن ثم زعموا أنه غضب من الصحابة فأقسم أن لا يروا هذا القرآن الذي جمعه هو. وبقي القرآن إلى يومنا هذا غائبا مع الإمام الغائب.
· أين هذا من ادعاء الشيعة بعد انقراض جيل الصحابة على أن هذا القرآن الذي بأيدينا اليوم وقع فيه التحريف وحذف منه اسم علي وأسماء أهل البيت.
· أن من استنكر من ابن مسعود هذا الموقف من سورتين صغيرتين فيكون عليه من باب أولى أن يستنكر ما هو أعظم منه وهو قول الرافضة بأن الظاهر من ثقة الإسلام الكليني أنه كان يعتقد بالتحريف والنقصان في كتاب الله (مقدمة تفسير الصافي ص 14 و 47 طبع سنة 1399هـ)!(179/2)
أنا فاعل
أخرجه الترمذي بسند جيد عن أنس قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: أنا فاعل، قلت يا رسول اللّه فأين أطلبك فقال: اطلبني أوّل ما تطلبني على الصراط.
وهذا الحديث لا علاقة له بطلب الشفاعة من الميت.(180/1)