نال هذا الصحابي الجليل وحده من هذا التيجاني الرافضي الكثير من المطاعن التي أوردها في كتابه المذكور وسأبدأ بذكر مطاعنه وسأرد عليها الواحدة تلو الأخرى مفنِّداً لها وذاباً عن هذا الصحابي الجليل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( أبرأ إلى كل خليلٍ من خلّ_ـه، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبن أبي قحافة (أبو بكر الصديق )، وإن صاحبكم لخليل الله ))(1) ، والذي شهد له القرآن الكريم { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَّده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيزٌ حكيم } ( التوبة 40) فأقول وبالله التوفيق:
1ـ ذكر هذا التيجاني كما أسلفت في مبحث سرية أسامة أن أبا بكر كان في السَّرِية وإنه اعترض على إمارته وبيَّنت كذب هذا المفتري على الخليفة الأول وأنه لم يكن في سريَّة أسامة ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد انتدبه للصلاة بالمسلمين قبل وفاته، ثم عندما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أحرص الناس على تجهيز أسامة، وجمهور الصحابة أشاروا عليه بأنْ لا يجهزه خوفاً عليه من العدو، فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله لا أَحلّ راية عقدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وكان إنفاذه من أعظم المصالح التي
فعلها أبو بكر رضي الله عنه في أول خلافته(2) ولكن التيجاني المهتدي لم يذكر من ذلك شيئاً مع اعتراف جميع المؤرخين بهذه الحقيقة ليدلّل على إنصافه.
__________
(1) سنن الترمذي كتاب المناقب برقم (3655) وراجع صحيح الترمذي برقم (2889) جـ3 وأصله في البخاري برقم (3456).
(2) راجع منهاج السنة جـ6 ص (319).(171/23)
2ـ وللتدليل على إنصاف التيجاني المزعوم أنه لم يذكر ثبات أبو بكر في غزوة الحديبية وأنه كان أعظم إيماناً وموافقة وطاعة لله ورسوله من عمر وعلي وغيرهما في موقفه في يوم الحديبية.
أولاً ـ الرد على التيجاني بادعائه أن أبا بكر يشهد على نفسه:
يقول التيجاني في هذا المبحث (( كما سجل التاريخ لأبي بكر مثل هذا، قال لما نظر أبو بكر إلى طائر على شجرة: طوبى لك يا طائر تأكل الثمر وتقع على الشجر وما من حساب ولاعقاب عليك، لوددت أنّي شجرة على جانب الطريق مرّ عليّ جمل فأكلني وأخرجني في بعره ولم أكن من البشر. وقال مرة أخرى: (( ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت تبنة في لبنة ))... تلك بعض النصوص أوردها على نحو المثال لا الحصر ))(1) أقول:
1ـ بالنسبة للرواية الأولى فقد عزاها لتاريخ الطبري والرياض النضرة وكنز العمال ومنهاج السنة لابن تيمية ولكنني لم أجدها في منهاج السنة ولا في الرياض النضرة ولا في تاريخ الطبري الذي عزا التيجاني اليها اللهم إلا في كنز العمّال وهذا دليل على مصداقية هذا المهتدي المزعومة، وأما بالنسبة للرواية الثانية فقد عزاها للمصادر السابقة أيضاً فلم أجدها في كنز العمّال ولا في تاريخ الطبري ولا في الرياض النضرة اللهم إلا في منهاج السنّة فمرحاً بالإغلال.
__________
(1) ثم اهتديت ص (111 ـ 113).(171/24)
2ـ يريد هذا التيجاني أن يوهم القارئ بعزوه كلام أبي بكر إلى المصادر السابقة على أنها من أقوالهم وكأنهم موافقون لما ذهب إليه التيجاني ولكن بعداً، فكتاب منهاج السنة لابن تيمية اسمه بتمامه ( منهاج السنة النبوية في نقد كلام الشيعة القدرية ) ويرد فيها على كتاب ( منهاج الكرامة في إثبات الإمامة ) لابن المطهر الحلّي وهو رافضي ممن هدى إليهم التيجاني والرواية المنقولة عن أبي بكر هي من ادعاء هذا الرافضي ( الإثنا عشري ) وأما كتاب الرياض النضرة الذي طالما يعزو إليه هذا التيجاني فعنوانه كاملاً ( الرياض النضرة في مناقب العشرة ) أي العشرة المبشرين بالجنة وهم ( أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة ) والمؤلف يشير هنا إلى الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما بشر هؤلاء العشرة وهم على جبل أحد بالجنة(1) والرافضة ينكرون هذا الحديث فكيف يستدلون بالكتاب؟ هذا أولاً، وثانياً: لم أجد الفقرتين المذكورتين عن أبي بكر في الكتاب بالإضافة إلى أن صاحب الكتاب يثبت أن أبا بكرٍ هو الأحق بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) وذكر بيعة عليٍّ لأبي بكر وردّ فيه على تخرصات الرافضة(3) بل وأفرد في ذكر مناقب أبي بكر واستغرق منه أكثر من ربع الكتاب ثم يأتي بعد ذلك هذا الشانئ ليستشهد بهذا الكتاب على ما يظنه من مثالب أبي بكر موهماً أنه ينقد أبابكر ولكن قد حصحص الحق ولولج الباطل.
__________
(1) سنن الترمذي كتاب المناقب برقم (3747)، والمشكاة للتبريزي كتاب المناقب ـ باب ـ مناقب العشرة برقم (6118) وراجع صحيح الترمذي برقم (2946).
(2) راجع الرياض النضرة ص (169).
(3) المصدر السابق من ص (242 إلى 247).(171/25)
3ـ لو فرضنا جدلاً ثبوت هذا عن أبي بكرٍ فإنه يدل على قوة إيمانه وخوفه من الله سبحانه وتعالى وهذا لا يقدح في إيمانه قط فقد جاء في الصحيحين(1) خبر الرجل الذي أمر أهله بتحريقه وتذرية نصفه في البحر ونصفه في البر مع أنه لم يعمل خيراً قط، وقال: والله لئن قدر اللهُ عليّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم سأله الله: ما حملك على ما صنعت. قال: من خشيتك يارب فغفر له(2)، (( فإذا كان مع شكِّه في قدرة الله على بعثه، إذا فعل ذلك غُفر له بخوفه من الله، عُلم أن الخوف من الله من أعظم أسباب المغفرة للأمور الحقيقة إذا قدِّر أنها ذنوب ))(3) وقد ورد مثل ذلك عن عدة صحابة منهم عبد الله بن مسعود فقد روى الإمام أحمد بن حنبل عن مسروق قال: قال رجل عند عبد الله بن مسعود: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أكون من المقربين أحب إلى، فقال عبد الله بن مسعود: لكن ههنا رجل ودَّ أنه إذا مات لم يبعث (( يعني نفسه ))(4) وروى الترمذي في سننه وابن ماجة عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء وحقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملكٌ واضعٌ جبهته لله ساجداً. والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصُّعداء تجأرون إلى الله. لوددت أني كنت شجرة تعضد ))(5) قال أبو عيسى ( أي الترمذي )، ويروى من غير هذا الوجه أن أباذر قال: (( لوددت أني كنت شجرة تعضد ))(6)
__________
(1) صحيح البخاري كتاب التوحيد برقم (7067) ومسلم مع الشرح كتاب التوبة برقم (2756).
(2) راجع منهاج السنة جـ5 ص (484).
(3) المصدر السابق.
(4) منهاج السنة جـ5 ص (483).
(5) سنن الترمذي كتاب الزهد برقم (2312) وابن ماجة كتاب الزهد ـ باب ـ الحزن والبكاء برقم (4190) وراجع صحيح الترمذي برقم (3378).
(6) سنن الترمذي جـ4 ص (556) كتاب الزهد.(171/26)
فعلى ذلك نقول لهذا التيجاني المهتدي أنه ثبت بالرواية الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( لوددت أني كنت شجرة تعضد ) فهل يعتبر هذا القول شهادة على نفسه؟! وهل سينطبق عليه ما وصفت به الخليفة أبا بكر؟! ولو فرضنا أن هذا القول صادر عن أبي ذر فهو من الصحابة الذين تترضون عنهم فهل هو أيضاً يشهد على نفسه وإلا فما الفرق بين هذا القول وقول أبي بكر يا أولي الألباب؟! بل روى البخاري عن ابن مسعود أنه قال (( قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقرأ عليّ، قلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ قال: نعم فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية { فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان ))(1) فأقول أليس هذا يدل على أن من يخاف الله سبحانه في الدنيا دليلٌ على قوة صدق إيمانه بالله؟
__________
(1) صحيح البخاري جـ4 كتاب فضائل القرآن برقم (4768).(171/27)
4ـ أما بالنسبة لتاريخ الطبري فلم أجد لهاتين الروايتين أثراً يذكر به ومن أراد التثبت ممن يريد الحق فليرجع لتاريخ الطبري من حوادث السنة الحادية عشرة إلى أواخر السنة الثالثة عشرة، وبالنسبة لكتاب ( كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال ) لعلاء الدين الهندي فلا تعتبر رواياته حجّة لأنه لم يراعِ وضع الروايات الصحيحة فقط بل جعله جامعاً لجميع الأقوال والأفعال النبوية والأثرية والعجيب أنه أفرد قسماً خاصاً للأحاديث التي ذكرت في نقد ( الرافضة ) ـ وهم الشيعة الاثني عشرية ـ مع العلم أنه لم يوجد فيها حديث صحيح عند علماء الحديث من أهل السنة الذي يدعي التيجاني أنهم يضعفون الأحاديث في أهل البيت ويختلقون الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة ( زعم ) فلو كان كلامه حقاً لصحح علماء الجرح والتعديل من أهل السنة الأحاديث التي تطعن في الرافضة ولكنهم لم يفعلوا لأن تصحيح الأحاديث يخضع لضوابط ثابتة ومتفق عليها عند علماء الحديث من حيث المتن والسند وليست حسب الأهواء والكذب الرخيص الذي هو من سمات أهل الرفض، إضافةً إلى أنه أفرد باباً خاصاً في ذكر الصحابة وفضلهم في ثلاثة فصول وابتدأ بالخلفاء الأربعة وأولهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إشارة إلى الأفضلية والسبق في الإسلام والخلافة(1)
__________
(1) راجع كنز العمال ص (525) ط. مؤسسة الرسالة.(171/28)
ثم يسترسل هذا التيجاني فيقول (( وهذا كتاب الله يبشر عباده المؤمنين بقوله { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم } ويقول أيضاً { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم } صدق الله العلي العظيم. فكيف يتمنى الشيخان أبو بكر وعمر أن لا يكونا من البشر الذي كرّمه الله على سائر مخلوقاته))(1)
1ـ هذه الآيات لا تنافي خوف العبد من ربه وقد ذكرنا بالفقرة السابقة ثبوت خوف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من الله.
__________
(1) ثم اهتديت ص (112).(171/29)
2ـ وبالنسبة لقوله تعالى في سورة يونس { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ....} قال ابن كثير في تفسير هذه الآية (( يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون كما فسرهم ربهم، فكل من كان تقياً كان لله ولياً فـ( ولا هم يحزنون ) أي فيما بستقبلونه من أهوال الآخرة ( ولا هم يحزنون ) على ما وراءهم في الدنيا ))(1)16) فالخوف في هذه الآية هو في الآخرة والصحابة جميعاً كانوا يخافون الله في الدنيا وليس في الآخرة وقوله تعالى ( ولا هم يحزنون ) أي على ما وراءهم في الدنيا، ولا شك أن خوف أبي بكر والصحابة لا يدل على أنهم يحزنون على شيء من الدنيا. أما قوله تعالى { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة....} قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية (( يقول تعالى ذكره ( إن الذين قالوا ربنا الله ) وحده لا شريك له، وبرئوا من الآلهة والأنداد ( ثم استقاموا ) على توحيد الله، ولم يخلطوا توحيد الله بشرك غيره به، وانتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى ))(2) ثم أورد الإمام الطبري في تفسير الاستقامة عدة أحاديث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟ منها عن سعيد بن عمران قال: قد قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } قال: هم الذين لم يشركوا بالله شيئا(3). ومن هنا نعلم أن هذه الآية المستدل بها لا تنطبق على الخليفة الأول أبي بكر، فلا يقول من عنده مسكة من عقل أن أبا بكر الذي قاتل المشركين والمرتدين وجاهدهم أعظم جهاد وحفظ لله به بيضة المسلمين يكون مشركاً فسبحانك اللهم هذا جهلٌ عظيم.
__________
(1) 16) تفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ2 ص (438).
(2) تفسير الطبري جـ11 ص (106).
(3) المصدر السابق.(171/30)
ثم يهذي المهتدي فيقول (( وإذا كان المؤمن العادي الذي يستقيم في حياته تتنزل عليه الملائكة وتبشره بمقامه في الجنة فلا يخاف من عذاب الله ولا يحزن على ما خلف وراءه في الدنيا وله البشرى في الحياة الدنيا قبل أن يصل إلى الآخرة، فما بال عظماء الصحابة الذين هم خير الخلق بعد رسول الله ـ كما تعلمنا ذلك ـ يتمنون أن يكونوا عذرة وبعرة وشعرة وتبنة، ولو أن الملائكة بشرتهم بالجنة ما كانوا ليتمنوا أنّ لهم مثل طلاع الأرض ذهباً ليفتدوا به من عذاب الله قبل لقاه. قال تعالى { ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون } وقال أيضاً { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون } وإنني أتمنى من كل قلبي أن لاتشمل هذه الآيات، صحابةً كباراً أمثال أبي بكر الصديق وعمر الفاروق ))(1)
__________
(1) ثم اهتديت ص (112 ـ 113).(171/31)
أقول: للجهول الفخور بجهله لماذا تظهر للقارئ عظيم جهلك؟! فإن الآيتين اللتين سقتهما هما إخبار الله عن عذاب يوم القيامة حيث لا ينفع الندم ولا التوبة، وليس في الدنيا، ومعلوم لكل عاقل الفرق بين خوف العبد ربه في الدنيا وخوفه منه في الآخرة فقد أخرج أبو نعيم في ( الحلية ) عن شداد بن أوس، وابن المبارك في ( الزهد ) عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (( قال الله عزوجل: وعزتي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي ))(1)، وروى مثل هذا الحديث إمام الاثني عشرية الصدوق ابن بابويه القمي في كتابه الحجة ـ الخصال ـ عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( قال الله تبارك وتعالى وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين، فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة ))(2) وهذا لمن له أدنى فهم لهذه الحقيقة فمن خاف الله في الدنيا أمنه يوم القيامة ولأن خوف العبد ربه في الدنيا مثاب عليه (( فمن جعل خوف المؤمن من ربه في الدنيا كخوف الكافر في الآخرة فهو كمن جعل الظلمات كالنور، والظل كالحرور، والأحياء كالأموات ))(3). وإني أتمنى من كل قلبي أن لا يشمل الجهل دكتوراً كبيراً مثل محمد التيجاني السماوي!!؟
ثانيا ـ موقفه من أبي بكر في قضية فاطمة وفدك والرد عليه في ذلك:
__________
(1) الحلية لابن نعيم جـ6 ص (98)، والزهد لابن المبارك ص (157) وراجع السلسلة الصحيحة جـ2 رقم (742).
(2) كتاب الخصال للقمي ـ باب ـ (الإثنين) جـ1 ص (79).
(3) منهاج السنة النبوية جـ6 ص (16).(171/32)
يقول التيجاني بعد مبحث شهادة الشيخين على نفسيهما مباشرة ((...كما أنني أستحضر أمامي شريط الحوادث التي جرت بعد وفاة الرسول وما جرى مع ابنته الزهراء الطاهرة من إيذاء وهضم وغمط وقد قال (ص): ( فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني )، وقالت فاطمة لأبي بكر وعمر: نشدتكما الله تعالى ألم تسمعا رسول الله (ص) يقول ( رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبّني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني، قالا:نعم سمعناه من رسول الله (ص) فقالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه ) ودعنا من هذه الرواية التي تدمي القلوب (!!) فلعل ابن قتيبة وهو من علماء أهل السنة المبرزين في كثير من الفنون وله تآليف عديدة في التفسير والحديث واللغة والنحو والتاريخ، لعله تشيع هو الآخر كما قال لي أحد المعاندين مرة عندما أطلعته على كتابه تاريخ الخلفاء، وهذه هي الدعاية التي يلجأ إليها بعض علمائنا بعدما تعييهم الحيلة، فالطبري عندنا تشيع والنسائي الذي ألف كتاباً في خصائص الإمام علي تشيع وابن قتيبة تشيع وحتى طه حسين من المعاصرين لما ألف كتابه الفتنة الكبرى وذكر حديث الغدير واعترف بكثير من الحقائق الأخرى فهو أيضاً تشيع!! والحقيقة أن كل هؤلاء لم يتشيعوا وعندما يتكلمون عن الشيعة لا يذكرون عنهم إلا ما هو مشين، وهم يدافعون عن عدالة الصحابة بكل ما أمكنهم ))(1)
أقول رداً على خزعبلاته:
1ـ بالنسبة للرواية التي ادّعى فيها أن فاطمة اشتكت من أبي بكر وعمر فقد نقلها عن كتاب ( الإمامة والسياسة ) المسمى ( تاريخ الخلفاء ) المنسوب لابن قتيبة فسوف أتحدث عنه في نهاية هذا البحث.
__________
(1) ثم اهتديت ص (113 ـ 114).(171/33)
2ـ هذه الرواية التي ساقها التيجاني من كتاب ( الإمامة والسياسة ) المنسوب لابن قتيبة من شكوى فاطمة عليها السلام من أبي بكر وعمر فهي رواية مكذوبة ولا شك، فليس لها إسنادٌ أصلاً ولا تعرف في أيٍّ من كتب الحديث المعتمدة وإذا كان هذا التيجاني يستطيع أن يثبت صحة هذه الرواية فليرنا ذلك، ووالله إني لأعجب من إنصاف هذا الرافضي المزعوم فهو هنا يحتج برواية لا تصح سنداً ولا متناً بينما تراه يضعف أحاديث صحيحة الإسناد والمتن(1) لا لشيء اللهم لأنها تخالف هواه فمرحا لهذا الإنصاف المكذوب.
__________
(1) مثل حديث ( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر ..).(171/34)
3ـ أماقوله بأن أحد المعاندين ادّعى أن ابن قتيبة تشيع فهذه من أكاذيبه وينطبق عليه قول من قال كذَّب الكذبة فصدقها لأن أحداً من أهل السنة لم يقل ذلك وهذا الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه القيم ( العواصم من القواصم ) ذكر ابن قتيبة وكتابه المذكور فقال عنه (( فأما الجاهل فهو ابن قتيبة فلم يبق ولم يذر للصحابة رسماً في كتاب (الإمامة والسياسة )(1) بيد أنه شكك في صحة نسبته لابن قتيبة بقوله: إن صح عنه جميع ما سبق(2). ثم علق محقق كتاب العواصم العلامة محب الدين الخطيب بقوله (( لم يصح عنه شيء مما فيه. ولو صحت نسبة هذا الكتاب للإمام الحجّة الثبت أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة لكان كما قال عنه ابن العربي، لأن كتاب (الإمامة والسياسة ) مشحون بالجهل والغباوة والركة والكذب والتزوير ))(3) أما قوله ( وهذه هي الدعاية التي يلجأ إليها بعض علمائنا بعدما أعيتهم الحيلة..) فأقول: لا أدري والله من يظن نفسه هذا؟ فكل من يلاقيه من العلماء ينصهر أمام حججه وبراهينه كما تنصهر الشمعة! سبحان الله ما أفكه هذا الرجل فأين هو من هذه الثروة العظيمة من الكتب التي خلّفها أهل السنة في القديم والحديث في الردِّ على الرافضة الاثني عشرية حتى ألقموهم الحجارة وحتى نعرف من هو الذي أعيته الحيلة نأخذ لذلك مثالاً وهو الشهيد ( إحسان إلهي ظهير ) فعندما قام بالرد على الرافضة وفضحهم وردّهم لجحورهم فلم يستطيعوا لحججه المسكته رداً فأعيتهم الحيلة فماذا فعلوا؟ وكيف ردّوا؟ لقد استخدموا سلاح الجبان المهزوم فاغتالوه غيلة في إحدى المؤتمرات، وعندما قام ( أحمد الكسروي ) ـ وهو من أصل شيعي ـ في الرد على دعاويهم الكاذبة بالحجة والبرهان ناصراً مذهب أهل السنة(4)
__________
(1) العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تأليف الإمام أبو بكر بن العربي المالكي ص (261).
(2) نفس المصدر.
(3) نفس المصدر ص (261 ـ 262).
(4) راجع لذلك كتابه ( التشيع والشيعة ).(171/35)
فأعيتهم الحيلة فاضطروا لإستخدام أسلوبهم الرخيص والمعهود فأطلقوا عليه الرصاص ولكن تم شفاؤه بعدما أجري له عملية جراحية، ولكنهم رفعوا ضده شكوى ودعي للتحقيق معه وفي آخر جلسة من جلسات التحقيق في نهاية سنة 1324هـ ضرب بالرصاص مرة أخرى وطعن بخنجر فمات على إثر ذلك وكان في جسمه تسعة وعشرون جرحاً(1)، ولست أدري أين كنت يا أيها التيجاني في ذلك الوقت لتكفينا صرع الرافضة وترد بأدلتك وبراهينك الساطعة التي أعيت كل العلماء الذين قابلهم؟؟! وصحيح قول من قال رمتني بدائها وانسلّت.
4ـ أما قوله ( فالطبري عندنا تشيع والنسائي الذي ألّف كتاباً في خصائص الإمام علي تشيع ...ألخ )، أقول: لا بد لي هنا أن أوضح أمراً لعله غائبٌ عن عوام الشيعة والسنة على حدٍّ سواء ألا وهو الفرق بين التشيع والرفض وحتى أوضح هذا الفرق أعرّفها لغةً واصطلاحاً.
فالرفض من حيث اللغة: رَفَضه يرفِضَه ويَرْفُضُه رفْضَا ورَفَضاً: تركه... والروافض: كل جندٍ تركوا قائدهم، والرافضة الفِرْقَة منهم، وفرقةٌ من الشيعة بايعوا زيد بن علي، ثم قالوا له: تبرأ من الشيخين، فأبى وقال: كانا وزيري جدّي فتركوه، ورفضوه، وارْفَضُوا عنه. والنسبة: رافضي(2)
__________
(1) المصدر السابق.
(2) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص (829 ـ 830) وراجع مختار الصحاح (105).(171/36)
وأما الرفض من حيث الإصطلاح: فهو تقديم عليٍّ على أبي بكر وعمر، يقول ابن حجر في مقدمة فتح الباري (( والتشيع محبة عليّ وتقديمه على الصحابة، فمن قدّمه على أبي بكرٍ وعمر فهو غالٍ في تشيعه، ويطلق عليه رافضي وإلا فشيعي، فإن انضاف إلى ذلك السب أو التصريح بالبغض فغالٍ في الرفض، فإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشد في الغلو ))(1) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (( ... لكنّ لفظ الرافضة إنما ظهر لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين في خلافة هشام ... ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية، فإنه لماّ سئل عن أبي بكرٍ وعمر فترحّم عليهما، رفضه قومٌ، فقال لهم: رفضتموني فسمّوا رافضة لرفضهم إيّاه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيديّا لانتسابهم إليه ))(2) ويقول مرزة محمد تقي لسان الملك وهو من الإمامية معترفاً (( وكان أصحاب زيد لما خرجوا سألوه في أبي بكر وعمر؟ فقال: ما أقول فيهما إلا الخير، وما سمعته من أهلي فيهما إلا الخير فقالوا: لست بصاحبنا، وتفرقوا عنه ورفضوه، فقال: رفضونا اليوم فسموا من ذلك اليوم الرافضة... ويضيف... إن زيدا منعهم عن الطعن في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ورضوان الله عليهم أجمعين فلما عرفوا منه أنه لا يتبرأمن الشيخين ( أبي بكر وعمر ) رفضوه وتفرقوا عنه، وبعد ذلك استعمل هذه الكلمة في كل من يغلو في المذهب، ويجّوز الطعن في الأصحاب!؟ ))(3) وقد اعترف متكلّم الاثني عشرية ( الحسن بن موسى النوبختي ) بأن الرفض والطعن في أبي بكر وعمر لم يكن موجوداً بين شيعة علي وأن أوّل من أشهر الطعن ( الرفض ) هو اليهودي عبد الله بن سبأ فقال (( ... وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكرٍ وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم ))(4)
__________
(1) مقدمة فتح الباري ص (483).
(2) منهاج السنة لابن تيمية جـ1 ص (34 ـ35).
(3) ناسخ التواريخ جـ3 ص (590) تحت أقوال زين العابدين وراجع الشيعة وأهل البيت لإحسان إلهي ظهير ص (209).
(4) فرق الشيعة للنوبختي ص (22).(171/37)
.
وأما التشيع من حيث اللغة: ( شيعة ) الرجل أتباعه وأنصاره، و ( تشيّع ) الرجل ادّعى دعوى ( الشيعة )، وكل قومٍ أمرهم واحد يتبع أمرهم أمر بعض فهم ( شِيَعٌ )(1)
وأما التشيع من حيث الاصطلاح: فهو موالاة علي ومحبته رضي الله عنه وتقديمه على الصحابة دون الخليفتين أبي بكرٍ وعمر. فقد قال أبو القاسم البلخي: سأل سائلٌ شريك بن عبد الله بن أبي نمر فقال له: أيهما أفضل أبو بكر أم علي؟ فقال له: أبو بكر. فقال له السائل: أتقول هذا وأنت من الشيعة؟ فقال: نعم، إنما الشيعي من قال مثل هذا والله لقد رقى عليٌّ هذه الأعواد فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكرٍ ثم عمر. أفكنّا نردُّ قوله؟ أكنّا نكذبه؟ والله ما كان كذّابا )) ذكر هذا أبو القاسم البلخي(2). فهذا هو الفرق بين التشيع والرفض من حيث اللغة والاصطلاح، والتيجاني يريد أن يوهم القارئ أنه من الشيعة المحبين لأهل البيت مستغلاً جهل كثير من عوام الشيعة والسنة لهذه الحقيقة، أما بالنسبة للإمام الطبري والنسائي فإن كانا مؤيدين لعلي دون معاوية فيكون فيهم تشيع يسير ولكنهما لم يفضِّلاَ علياً على أبي بكر وعمر أبداً ولم يقولا أنهما اغتصبا الخلافة من عليّ كما تدعي الرافضة، وأما بالنسبة لاستشهاد التيجاني بطه حسين فأقول الآن عرفتُ من أي منبع بستقي هذا التيجاني خزعبلاته خصوصاً وهو يدّعي أنه تخرج من جامعة السربون وهي ذات الجامعة التي تخرج منها طه حسين، ولكن الفرق بينهما أن طه حسين كان مكشوفاً للعيان باتباع سلفه من أساتذته المستشرقين، ولكن التيجاني يتستّر بالتّقية ويتبع سبيل الفرق الضالة من الباطنيين، وأما قوله أنه تشيع عندما ألف كتاب الفتنة
__________
(1) مختار الصحاح للرازي ص (148) وراجع القاموس المحيط ص (949).
(2) منهاج السنة جـ1 ص (13 ـ 14) وراجع كتاب ( تثبيت دلائل النبوة ) للقاضي عبد الجبار الهمداني جـ1 ص (549) تحقيق د. عبد الكريم عثمان ط. دار العربية ـ بيروت.(171/38)
الكبرى فإن أحداً من أهل السنة لم يذكر ذلك بل ذكروا عنه ما لا يبعده كثيراً عن تشيع الرافضة ألا أنه قد ارتد عن الإسلام، وأظن أنه ليس غائباً عن هذا التيجاني ما كسبت يدا طه حسين من الضلال الذي كتبه في كتابيه ( الشعر الجاهلي ) و ( على هامش السيرة ) لما فيهما من الكفر والتشويه لدين الله عزوجل، والغريب أن يستشهد التيجاني برجل مثل طه حسين على خلافة علي وهو الذي اجتهد في كتابه الفتنة حتى يثبت أنه لا يوجد في الإسلام نظام معين للحكم، بل هو للاجتهاد كما زعم وهذا خلاف ما يدعيه الرافضة اللهم إن كان التيجاني يؤمن بالديمقرطية!
أما قوله (( ولكن الذي يذكر فضائل عليّ بن أبي طالب ويعترف بما فعله كبار الصحابة من أخطاء نتهمه بأنّه تشيع ))(1)
__________
(1) ثم اهتديت ص (114).(171/39)
فأقول للتيجاني هذا كذبٌ ليس بعده كذب فأين أنت من كتب أهل السنة؟... أين أنت من صحيح البخاري ألم يفرد فصلاً عن فضائل علي؟(1)، وكذا مسلم في صحيحه(2) والترمذي(3) وابن ماجة(4) وغيرهم كثير ، فهل كل هؤلاء الذين ذكروا فضائل علي قد تشيعوا ؟!! فما أكذب هذا التيجاني وأنا أتحداه بأن يأتي بكتاب لأهل السنة يُنتقد فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولن يجد، أما قوله .... ويعترف بما فعله كبار الصحابة ... كأننا نتكتم على ما فعله الصحابة من الإجرام الخيالي!! فأرجوا من التيجاني أن يحيلنا على كاتب واحد يذكر مثالب الصحابة اللهم إلا من كان على شاكلته أمثال أبو رية وطه حسين! ثم يقول (( وأعود إلى رواية ابن قتيبة التي ادّعى فيها أن فاطمة غضبت على أبي بكر وعمر، فإذا شككت فيها فإنه لا يمكنني أنّ أشك في صحيح البخاري الذى هو عندنا أصح الكتب بعد كتاب الله، وقد ألزمنا أنفسنا بأنّه صحيح وللشيعة أن يحتجوا به علينا ويلزموننا بما ألزمنا به أنفسنا وهذا هو الإنصاف للقوم العاقلين.
فها هو البخاري يخرج من باب مناقب قرابة رسول الله، أنّ رسول الله ( ص ) قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني.
كما أخرج في باب غزوة خيبر، عن عائشة أنّ فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منه شيئاً فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفّيت.
__________
(1) راجع صحيح البخاري كتاب المناقب ـ باب ـ مناقب علي جـ3 ص (1357).
(2) راجع صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ فضائل علي جـ15 ص (248).
(3) راجع سنن الترمذي كتاب المناقب ـ باب ـ مناقب علي جـ5 ص (632).
(4) راجع ابن ماجة المقدمة ـ باب ـ فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ص (42) جـ1.(171/40)
والنتيجة في النهاية هي واحدة ذكرها البخاري باختصار وذكرها ابن قتيبة بشيء من التفصيل، ألا وهي أن رسول الله ( ص ) يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها وأنّ فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر.
وإذا كان البخاري قد قال: ماتت وهي واجدة على أبي بكر فلم تكلمه حتى توفّيت فالمعنى واحد كما لا يخفى، وإذا كانت فاطمة سيدة نساء العالمين كما صرّح بذلك البخاري في كتاب الاستئذان باب من ناجى بين يدي الناس، وإذا كانت فاطمة هي المرأة الوحيدة في هذه الأمة، التي أذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيراً، فلا يكون غضبها لغير الحق ولذلك يغضب الله ورسوله لغضبها، ولهذا قال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر باكياً حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: تالله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة أصلّيها، فخرج أبو بكر يبكي ويقول: لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي....ثم يقول ـ وقد توفيت ودفنت في الليل سراً بوصية منها حتى لا يحضر جنازتها أحد منهم ))(1)! أقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (114 ـ 116).(171/41)
1ـ بالنسبة للحديث الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( فاطمة بضعة منّي فمن أبغضها أبغضني ) فإن له سبباً ومناسبة وهو ما رواه البخاري أيضاً عن مسور بن مخرمة قال (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول وهو على المنبر: إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوا في أن يُنْكحُوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعةٌ مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها ))(1) ، وأخرجه أيضاً مسلمٌ في صحيحه عن مسور بن مخزمة بلفظه(2) فإذا عرفنا سبب قوله صلى الله عليه وآله وسلم عن فاطمة ذلك وهو أن علياً بن أبي طالب أراد الزواج من بنت أبي جهل فأقول:
2ـ لا يجوز إخراج سبب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مسببه ( وهو رغبة علي بالزواج من بنت أبي جهل ) وإلقاؤه جزافاً على أبي بكر.
__________
(1) راجع صحيح البخاري كتاب النكاح ـ باب ـ ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف برقم (4932).
(2) صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ فضائل فاطمة برقم (2449).(171/42)
3ـ إذا قلتم زاعمين أن الله ورسوله يغضبان لفاطمة بسبب أبي بكر فهذا يلزم أن يلحق هذا الغضب علي بن أبي طالب فإن قلتم بخلاف ذلك فإن أبا بكر أبعد في ذلك من علي بن أبي طالب وإن قلتم أن علياً تاب من تلك الخطبة ورجع عنها قيل فهذا يقتضي أنه غير معصوم، وإذا جاز أن من راب فاطمة وآذاها يذهب ذلك بتوبته، فمن باب أولى أن من رد قول فاطمة لائتماره بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذهب ذلك بتوبته أو بحسناته الماحية، فإن قلتم بجهلكم أن هذا الفعل من أبي بكر تجاه فاطمة كفرٌ لزمكم تكفير عليٍّ أيضاً والعجيب من أمر هؤلاء الرافضة أنهم دائماً يعيبون أبا بكرٍ وعمر وعثمان بل ويكفرونهم بأمورٍ قد صدر من عليٍّ ما هو مثلها أو أبعد عن العذر منها فإن عليًّا رضي الله عنه كان قصده أن يتزوج على فاطمة فله في أذاها غرضٌ بخلاف أبي بكر فإنه لم يؤذها لِغرضٍ في نفسه بل ليطيع الله ورسوله ويوصل الحق إلى مستحقه، وإلى هنا أستطيع أن أقول أنني رددت على هذا التيجاني كل خزعبلاته وتهويلاته التي ادّعاها على أبي بكر.(171/43)
4ـ أما بالنسبة لحديث عائشة رضي الله عنها فإن هذا التيجاني جاء بجزءٍ من الحديث معتقداً أنه يخدم مبتغاه ولكنه لم يكمل الحديث بالطبع لأن ذلك يكشف عن حقيقة إنصافه المزعوم، ويظهر حقيقة طالما يرفضها الرافضة وهي أن علياً قد بايع أبا بكرٍ، ومن حقهم أن ينكرونها لأنها تهدر أصل عقيدتهم والتي تزعم أن علياً أحق بالخلافة مستندين على أدلة ممجوجة ظنوها حجةً لهم على أهل السنة وخاب ظنهم وهنا سأضطر لنقل حديث عائشة بالكامل لكي يظهر لكلِّ منصفٍ يريد الحق أن عليًّا قد بايع أبا بكر فعن عائشة رضي الله عنها (( أن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفَدَك وما بقَىمن خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا نورَثُ، ما تركنا صدقة )، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من هذا المال. وإني والله لا اغيُّر شيئاً من صدقة رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولأعملنَّ فيها بما عملَ بهِ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأبى أبو بكر أن يدفعَ إلى فاطمة منها شيئا . فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تُكلمه حتى تُوُفيت وعاشت بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ستةَ أشهر . فلما تُوفيَت دفنها زوجها عليٌّ ليلاً ولم يُؤْذن بها أبا بكر، وصلَّى عليها . وكان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة، فلما تُوفيَت استنكرَ عليٍّ وجوه الناس، فالتمس مصالحةَ أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يُبايعُ تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أنِ ائتنا، ولا يأتنا أحدٌ معك، كراهةً لمحضَر عمَر فقال عمر: لا والله لا تدخُل عليهم وحدك . فقال أبو بكر: وما عسيتم أن يفعلوا بي ؟ والله لآتينهم . فدخل عليهم أبو بكر، فتشهَّد عليٌّ(171/44)
فقال: إنَّا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفِس عليك خيراً ساقه الله إليك ولكنك استبدَدْتَ علينا بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصيباً، حتى فاضت عينا أبي بكر . فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحبُّ إليَّ أن أصل قرابتي . وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آلُ فيه عن الخير، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنعه فيها إلاّ صنعتهُ . فقال عليّ لأبي بكر: موعدُك العشية للبيعة . فلما صلى أبو بكر الظهر رقيَ على المنبر فتشهَّد، وذكر شأن علي وتخَلُّفَهُ عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر . وتشهَّد عليٌّ فعظم حقَّ أبي بكر، وحدَّث أنه لم يَحمِله على الذي صنعَ نفاسةً على أبي بكر، ولا إنكاراً للذي فضَّله الله به، ولكنَّا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً فاستبدَّ علينا، فوَجَدْنا في أنفُسنا . فسُرَّ بذلك المسلمون وقالوا: أصبت . وكان المسلمون إلى عليّ قريباً حين راجع الأمرَ المعروف ))(1) وأخرجه أيضاً مسلم في صحيحه بنفس اللفظ عن عائشة(2)، فأقول لهذا التيجاني هل عرفت مدى إنصافك؟ فإن رددت هذا الحديث لزمك أن ترد أيضاً قضية فاطمة مع أبي بكر، ويقتضي هذا أيضاً أن كل ما خطته يداك في التجني على أبي بكر دونه خرط قتاد فتكفينا مؤونة الرد عليك، وإن أثبتّه فستثبت أن علياً قد بايع أبابكر وبذلك تهدر عقيدة الرفض من أولها إلى آخرها، فأيّ الطريقين تختار يا تيجاني؟!
5ـ أما بالنسبة لعدم إعطاء أبي بكر الميراث لفاطمة فذلك لأسباب وهي:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المغازي ـ باب ـ غزوة خيبر برقم (3997).
(2) صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير ـ باب ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث برقم (1759).(171/45)
أـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( لا نورث وما تركناه فهو صدقة )) وروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ بن أبي طالب! وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والعباس وأبو هريرة وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والرواية عن هؤلاء الصحابة ثابتة في الصحاح والمسانيد، ولا شك أن هذا إجماع من الصحابة على ذلك فعمل أبو بكر بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يذم عليه وقد جاءت أحاديث صحيحة أخرى تثبت هذه الحقيقة فأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (( لا يقتسم ورثتي ديناراً ولا درهماً، وما تركت ـ بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي ـ فهو صدقة ))(1) وأخرج أبو داود في سننه في جزء من حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ((....وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر ))(2) وأنا ألزم التيجاني بقبول هذا الحديث لأن البخاري أخرجه وهو يحتج بأحاديث البخاري وليس من الإنصاف أن يأخذ منه ما يشاء ويترك ما يشاء وإلا سيكون هذا لعباً بأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، أما إذا قالت الرافضة الاثني عشرية أن أحاديث البخاري ليست حجة عليهم فأقول لهم، أعتقد أن أحاديث ( الكليني ) ـ وهو من كبار علماء الاثني عشرية ـ في أهم كتبهم وهو ( الأصول من الكافي ) حجة ظاهرة عليكم فقد أورد الكليني في أصوله ـ باب ثواب العالم والمتعلم ـ عن عليٍّ بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبد الله قال (( قال رسول الله عليه السلام: من سلك طريقاً
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الوصايا برقم (2624) وصحيح مسلم بشرح النووي كتاب الجهاد والسير برقم (1760).
(2) سنن أبي داود كتاب العلم ـ باب ـ فضل العلم رقم (3641) وراجع صحيح أبي داود برقم (3096).(171/46)
يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ))(1) فتأمل! ولكن الرافضة مع ذلك يتناقضون في دينهم أشد التناقض، فمع وضوح هذا الحديث الذي يروونه هم يأتي زعيم القوم ( الخميني ) مكابراً ليرد هذه الحقيقة غافلاً عن أنه يردُّ على نفسه فيقول في كتابه ( كشف الأسرار ) تحت ما عنونه ( مخالفة أبي بكر لنصوص القرآن (!؟) ) ((..لربما هناك من يقول بأن القرآن لو تحدث بصراحة عن الإمامة، فإن الشيخين ما كانا ليعارضان ذلك، وحتى إن عارضاه، فإن أحداً لم يكن ليتقبل منهما ذلك، وهنا نجد أنفسنا مضطرين على إيراد شواهد من مخالفتهما الصريحة للقرآن ( هكذا! ) لنثبت بأنهما كانا يخالفان ذلك، وأنه كان هناك من يؤيدهما، وها نحن نورد نماذج من تلك المخالفات، منقولة عن مصادر موثوق بها، بل ومن أخبار متواترة عن أهل السنة.
__________
(1) الأصول من الكافي للكليني جـ1 ص (26 ـ 27) كتاب فضل العلم.(171/47)
1ـ جاء في كتب التاريخ المهمة، وفي صحيح أهل السنة، أن فاطمة ابنة النبي جاءت أبا بكر ذات يوم وطالبته بإرث والدها، فقال أبو بكر: إن النبي قال: ( إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة )وفي ( صحيحي البخاري والمسلم ) ورد شيء قريب من ذلك. بل وقيل أيضاً: إن فاطمة أعرضت عن أبي بكر، ولم تتكلم معه حتى ماتت. والكتابان الأخيران من أكبر كتب أهل السنة، ومانسبه أبو بكر إلى النبي إنما هو مخالف للآيات الصريحة حول إرث الأنبياء، نذكر هنا بعضها: فقد قالت الآية [ 16] من سورة النمل: { وورث سليمان داود } وقالت الآية [5] من سورة مريم: { فهب لي من لدنك ولياًّ. يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربِّ رضياًّ } فهل يجوز أن نكذب الله(1)، أو نقول بأن النبي قال كلاماً يخالف أقوال الإله؟ أم نقول بأن الحديث المنسوب إلى النبي لا صحة له، وأنه قيل من أجل استئصال ذرية النبي ))(2) فهذا هو قول الخميني، وهو يناقض الحديث المذكور في ( أصول كافيهم )؟! ولعلهم يقولون لا يوجد تناقض أبداً بل التناقض هو في فهمك السقيم وجهلك العقيم؟! لأن هذا الحديث الموري عندنا ضعيف فليس كل ما ورد في أصل أصولنا الكافي(3)! صحيح بل يوجد أيضاً الضعيف، وأنا سأتقبل هذا الرد ( العلمي ) بروح رياضية! وأتقبل اتهامي بالتناقض التام ولكني سأقف مشدوهاً لا أستطيع تقبل ما قاله الخميني نفسه في كتابه ( الحكومة الإسلامية ) حيث قال عن هذا الحديث ـ المنسوب للنبي والذي لاصحة له، والموضوع من أجل استئصال ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ! ـ بعد أن نقله وبالحرف الواحد (( الحديث صحيح، وحتى أبو عليّ بن إبراهيم ( إبراهيم بن هاشم ) فهو من كبار الثقاة في نقل الحديث ))(4)
__________
(1) سيأتي توضيح لمعنى هذه الآيات قريباً.
(2) كشف الأسرار، روح الله الخميني ص (131 ـ 133) تقديم: محمد الخطيب.
(3) مع أن هذا الكتاب يعتبر مثل صحيح البخاري عندنا!
(4) الحكومة الإسلامية للإمام الخميني ص (93).(171/48)
!!! وأنا أتساءل؟ كيف يكون الحديث الذي يثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يورث لا صحة له وبنفس الوقت صحيح بل رواه كبار ثقاتهم؟!؟ فمن منا إذاً يريد مخالفة القرآن أو استئصال ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أدعياء التشيع لآل البيت؟! الذي يتبع النبي الأميّ أم الذين يقوم دينهم على الكذب والتناقض؟! والغريب أن ينقل إمامهم الثقفي قول عليّ بن أبي طالب لشيعته محذراً ((... ولا تقض في أمرٍ واحدٍ بقضائين مختلفين فيتناقض أمرك وتزيع عن الحق..))(1)!؟ فماذا بعد قول عليٍّ هذا إلا الضلال.
ب ـ أن أبا بكر رضي الله عنه لم يدّع هذا المال لنفسه ولا لأهل بيته ولم يكن من أهل هذه الصدقة بل كان مستغنياً عنها، وقد تضمن تحريم هذا الميراث على ابنته عائشة ولم يعطها منه ولا أي من زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن، فقالت عائشة أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( لا نورث ما تركنا صدقة ))(2).
__________
(1) الغارات لإبراهيم الثقفي جـ1 ص (239) فصل ( ولاية محمد بن أبي بكر مصر ).
(2) صحيح مسلم بشرح النووي كتاب الجهاد والسير برقم (1758) وصحيح البخاري كتاب الفرائض برقم (6349).(171/49)
ث ـ أن أبا بكر قد أعطى علياًّ وأولاده من المال أضعاف ما خلفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذا فعل عمر رضي الله عنه ففي الحديث عن أبي هريرة قال (( جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت: من يرثك قال: أهلي وولدي. قالت فما لي لا أرث أبي؟ فقال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا نورث، ولكن أعُولُ من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعوله، وانفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفق عليه ))(1) ولم يُعلم عن أبي بكر أنه منع أحداً حقّه، ولا ظلم أحداً سواء في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو زمن خلافته فلماذا يظلم سيدة النساء حقها؟!
جـ ـ ثم إن فاطمة رضي الله عنها إنما عظم أذاها لما في ذلك من أذى أبيها فإذا دار الأمران: أذى أبيها وأذاها كان الاحتراز عن أذى أبيها أوجب، وهذا حال أبي بكر فإنه احترز عن أن يؤذي أباها أو يريبه بشيء فإنه عهد عهداً وأمر بأمرٍ فخاف إن غير عهده وأَمْرَه أن يغضب لمخالفة أمره وعهده ويتأذى بذلك(2) ويظهر هذا واضحاً جلياً في قول أبي بكر لفاطمة ((..... لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ ))(3).
__________
(1) سنن الترمذي كتاب السير برقم (1608) وراجع صحيح الترمذي برقم (1310).
(2) منهاج السنة جـ4 ص (253).
(3) صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير برقم (1758) جـ12 وصحيح البخاري كتاب فرض الخمس برقم (2926).(171/50)
د ـ ولِيُعْلَم أن أبا بكر كان يحب آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقدرهم ويجلهم ولهذا كان يقول ((... والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إليّ من أن أصل قرابتي ))(1) وقال أيضاً (( ارقبوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته ))(2) والآن وبعد هذا الاستعراض لأسباب موقف أبي بكر من قضية الميراث أيجوز هذا التحامل ضدّه؟ واتهامه أنه آذى فاطمة وأغضبها وهضم حقها؟! هذه الإجابة أتركها للقارئ المنصف.
6ـ وأما بالنسبة لوقوف فاطمة من أبي بكر هذا الموقف الذي يزعمه هذا التيجاني وأشياعه فلا نسلم به لأنه أمرٌ لا يليق بها واحتجاج هذا التيجاني به احتجاج جاهل يحسب أنه يمدحها ولم يعلم أنه ذم لها لأسباب وهي:
أ ـ إذا عرفنا أن فعل أبي بكر هو ما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومما أجمع عليه الصحابة من بعده علمنا أنه حكم الله ورسوله (( فمن طلب أن يحكم له بغير حكم الله ورسوله فغضب وحلف أن لا يكلم الحاكم ولا صاحب الحاكم، لم يكن هذا مما يحمد عليه ولا مما يذم به الحاكم، بل هذا إلى أن يكون جرحاً أقرب منه أن يكون مدحاً ))(3)
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المغازي جـ4 برقم (3810).
(2) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (3509).
(3) راجع منهاج السنة جـ4 ص (243).(171/51)
ب ـ وما ذكره التيجاني من أن فاطمة سخطت على أبي بكر وعمر وإنها ستشتكيهما للنبي صلى الله عليه وسلم معتمداً على هذه الرواية من كتاب تاريخ الخلفاء المنسوب لإبن قتيبة أنه لا دليل صحيح عليها فهذا (( أمر لا يليق أن يذكر عن فاطمة رضي الله عنها، فإن الشكوى إنما تكون إلى الله تعالى، كما قال العبد الصالح: { إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله } ( يوسف: 86 )، وفي دعاء موسى عليه السلام: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباس: ( إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله )، ولم يقل: سلني ولا استعن بي ))(1).
__________
(1) المصدر السابق جـ4 ص (244).(171/52)
جـ ـ (( ثم من المعلوم لكل عاقل أن المرأة إذا طلبت مالا من ولي أمر فلم يعطعها إياه لكونها لا تستحقه عنده، وهو لم يأخذه ولم يعطه لأحد من أهله ولا أصدقاءه، بل أعطاه لجميع المسلمين، وقيل: إن الطالب غضب على الحاكم ـ كان غاية ذلك أنه غضب لكونه لم يعطه مالاً، وقال الحاكم إنه لغيرك لا لك، فأي مدح للطالب في هذا الغضب؟ لو كان مظلوماً محضاً لم يكن غضبه إلا للدنيا. وكيف والتهمة عن الحاكم الذي لا يأخذ لنفسه أبعد من التهمة عن الطالب الذي يأخذ لنفسه، فكيف تحال التهمة على من لا يطلب لنفسه مالاً، ولا تحال على من يطلب لنفسه المال؟ . وذلك الحاكم يقول: إنما أمنع لله لأني لايحل لي أن آخذ المال من مستحقه فأدفعه إلى غير مستحقه، والطالب يقول: إنما أغضب لحظي القليل من المال. أليس من يذكر مثل هذا عن فاطمة ويجعله من مناقبها جاهلاً ؟. أوليس الله قد ذم المنافقين الذين قال فيهم: { ومنهم من يَلْمِزُكَ في الصدقات فإن أُعطوا منها رَضُوا وإن لم يُعْطوا منها إذا هم يسخطون، ولو أنَّهم رَضوا ما آتاهم الله وَرسوله وقالوا حَسْبُنا الله سيُؤتينا الله من فضله ورسُوله إنا إلى الله راغبون } ( التوبة: 85 ـ 95 ) فذكر الله قوما رضوا إن أعطوا، وغضبوا إن لم يعطوا، فذمَّهم بذلك، فمن مدح فاطمة بما فيه شبه من هؤلاء ألا يكون قادحاً فيها ؟ فقاتل الله الرافضة، وانتصف لأهل البيت منهم، فإنهم ألصقوا بهم من العيوب والشين ما لا يخفى على ذى عين ))(1).
__________
(1) منهاج السنة جت4 ص (244 ـ 246).(171/53)
د ـ ولعل التيجاني يقول (( فاطمة لا تطلب إلا حقها، لم يكن هذا بأولى من قول القائل: أبو بكر لا يمنع يهودياً ولا نصرانياً حقه فكيف يمنع سيدة نساء العالمين حقها ؟ فإن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم قد شهدا لأبي بكر أنه ينفق ماله لله، فكيف يمنع الناس أموالهم ؟ وفاطمة رضي الله عنها قد طلبت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مالاً، فلم يعطها إياه. كما ثبت في الصحيحين عن علي رضي الله عنه في حديث الخادم لمَّا ذهبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسأله خادماً، فلم يعطها خادماً وعلَّمها التسبيح(1) وإذا جاز أن تطلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يمنعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياه ولا يجب عليه أن يعطيها إياه، جاز أن تطلب ذلك من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعُلم أنها ليست معصومة أن تطلب ما لا يجب إعطاؤها إياه. وإذا لم يجب الإعطاء لم يكن مذموماً بتركه ما ليس بواجب وإن كان مباحاً. فأما إذا قدّرنا أن الإعطاء ليس بمباح، فإنه يستحق أن يحمد على المنع. وأما أبو بكر فلم يعلم أنه منع أحداً حقّه، ولا ظلم أحداً حقّه، لا في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا بعد موته ))(2)
__________
(1) راجع البخاري كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ فضائل علي برقم (3502).
(2) منهاج السنة جـ4 ص (246 ـ 247).(171/54)
د ـ (( وما ذكره من إيصائها أن تدفن ليلاً ولا يصلي عليها أحد منهم، لا يحكيه عن فاطمة ويحتج به إلا رجل جاهل يطرق على فاطمة ما لا يليق بها، وهذا لو صح لكان بالذنب المغفور أولى منه بالسعي المشكور، فإن صلاة المسلم على غيره زيادة خير تصل إليه، ولا يضرّ أفضل الخلق أن يصلي عليه شر الخلق، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي عليه ويسلم عليه الأبرار والفجار بل والمنافقون، وهذا إن لم ينفعه لم يضره، وهو يعلم أن في أمته منافقين، ولم ينه أحداً من أمته عن الصلاة عليه، بل أمر الناس كلهم بالصلاة والسلام عليه، مع أن فيهم المؤمن والمنافق، فكيف يُذكر في معرض الثناء عليها والاحتجاج لها مثل هذا الذي لا يحكيه ولا يحتج به إلا مفرط في الجهل، ولو وصّى موصٍ بأن المسلمين لا يصلون عليه لم تنفذ وصيته، فإن صلاتهم عليه خيرٌ له بكل حال، ومن المعلوم أن إنساناً لو ظلمه ظالم، فأوصى بأن لا يصلّى عليه ذلك الظالم، لم يكن هذا من الحسنات التي يحمد عليها، ولا هذا مما أمر الله به ورسوله. فمن قصد مدح فاطمة وتعظيمها، كيف يذكر مثل هذا الذي لا مدح فيه، بل المدح في خلافه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع؟! ))(1) فإذا عرفنا هذا علمنا الحق أين يوضع، والباطل أين يوضع.
7ـ لا بد لنا من توضيح بعض الأمور التي تختلط على القارئ من أنه قد ثبت أن فاطمة غضبت على أبي بكر بسبب الإرث وهجرته، وأنها أمرت بدفنها ليلاً فأقول:
__________
(1) منهاج السنة جـ4 ص (247 ـ 248).(171/55)
أ ـ بالنسبة لاعتراض فاطمة على ضوء ما قررناه سابقاً (( مع احتجاج أبي بكر بالحديث فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله ( لا نورث ) ورأت أن منافع ما خلّفه من أرض وعقار لايمتنع أن تورث عنه، وتمسك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك ))(1).
ب ـ (( وأما ما ذكره من هجران فاطمة أبا بكر رضي الله عنه فمعناه: انقباضها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم، الذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء. قوله في الحديث ( فلم تكلمه ) يعني في هذا الأمر، أو لانقباضها لم تطلب منه حاجة ولا اضطرت إلى لقائه فتكلمه، ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته ))(2) بل روى البيهقي من طريق الشعبي (( أن أبا بكر عاد فاطمة، فقال لها عليّ: هذا أبو بكر يستأذن عليك. قالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها فترضاها حتى رضيت. وهو وإن كان مرسلاً فإسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر ))(3) وقال السيوطي (( مرسلات الشعبي صحيحة عند أئمة المعرفة النقدة، قال العجلي: مرسل الشعبي صحيح، ولا يكاد يرسل إلا صحيحاً ))(4)، وأما بالنسبة لأمرها أن تدفن ليلاً سراً ولم ترخص أن يصلي عليها أبو بكر وعمر فسنأتي إليه في الفقرة التالية:
وهنا تظهر القضية بوضوح وجلاء حقيقة هذا الخلاف، أن الذي ذكرناه هو الصحيح وأن كلاًّ من فاطمة وأبي بكر قد طالب بالحق الذي يراه حسب إجتهادهما.
__________
(1) فتح الباري جـ6 ص (233) بتصرف يسير.
(2) مسلم مع الشرح جـ12 ص (111).
(3) الفتح جـ6 ص (233).
(4) مسند فاطمة الزهراء للإمام جلال الدين السيوطي تحقيق: فواز أحمد زمرلي ص (69).(171/56)
ت ـ أما بالنسبة لإستشهاد هذا التيجاني النبيه ! بالرواية المنسوبة كذباً لإبن قتيبة في كتاب تاريخ الخلفاء بقول أبي بكر: ( أنا عائد بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ثم بكاؤه حتى كادت نفسه أن تزهق وقوله: لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي... ) أقول بما أن هذا الكلام لا سند له ولم يعرف عن أحدٍ من أهل الحديث فهو كذب ولا شك على أبي بكر ثم أسأل التيجاني النبيه كيف يوفق بين إستشهاده على أن أبا بكر أبى أن يدفع لفاطمة الميراث وفدك واحتجاجه عليها بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( لا نورث... ) وقال لها لا أغير شيئاً عمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أقول كيف يوفق بين موقف أبي بكر هذا وبين موقفه الآخر في نفس القضية وهو بكاؤه حتى كادت نفسه أن تزهق !؟ وعوذه من سخط فاطمة ؟! بل قوله: لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي ؟؟! ألا ترى أخي القاريء أن هذه الرواية تناقض تماماً الرواية الأخرى وهما في نفس الموضوع وهو الميراث ؟! فإذا كان أبو بكر احتج على فاطمة بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلماذا يبكي حتى تكاد نفسه أن تزهق ؟! وكيف يقول أنا عائد بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ؟! هل إقترف ذنباً باتباعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم أن التشريع يوجب اتباع فاطمة كاتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل بنسخ أمره صلى الله عليه وآله وسلم ؟!؟ فأظن أن التيجاني النبيه ! قد قطع عليَّ الطريق وكفاني مؤونة التدليل على أن هذه الرواية التي يدعي فيها أن أبا بكر بكى حتى كادت نفسه أن تزهق وطالب بإقالته من البيعة ما هي إلا رواية كذب واضح وفاضح على أبي بكر الصديق ويكفي متنها كذباً فكيف إذا اجتمع السند والمتن فكيف يحتج بها التيجاني ؟ ألا يدل ذلك على إنصافه ودقيق بحثه الذي هداه إلى الحق! ولكن القضية هي ذم أبي بكر وفقط ولو على حساب المنطق والمعقول!!(171/57)
8ـ أما قوله (( والنتيجة في النهاية هي واحدة ذكرها البخاري باختصار وذكرها ابن قتيبة بشيء من التفصيل، ألا وهي أن رسول الله ( ص ) يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها وأنَّ فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر ))(1) أقول:
أـ أظن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غضب على عليٍ لأنه راب فاطمة ولا شك أن غضبه لفاطمة في الحق وليس لمجرد الغضب.
ب ـ لم تدل رواية البخاري أبداً أن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر، أما عمر فلست أدري كيف أقحم هنا ولكني لو وضعت علياً بدل عمر فلن أكون متجنياً !؟
9ـ وأما قوله ( ... وإذا كان البخاري قد قال: ماتت وهي واجدة على أبي بكر فلم تكلمه حتى توفيت فالمعنى واحد كما لا يخفى ). قلت:
رواية البخاري تقول: (( فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ... ))(2) وفي رواية أخرى (( ..... فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت ))(3) والتيجاني يحرف الكلم عن مواضعه ويدعي أن البخاري قال: ماتت وهي واجدة على أبي بكر، وشتان بين المعنيين فالبخاري لم يقل أن فاطمة ماتت وهي واجدة على أبي بكر بل وجدت على أبي بكر عندما ردها ولذلك لم تكلمه في هذا الأمر حتى توفيت، وهَجْرها له ليس من باب الهجران المحرم يتضح ذلك إذا ما أضفنا رواية الشعبي(4) أما الرواية المكذوبة الأخرى فهي صريحة بأن فاطمة قالت لأبي بكر و( عمر ) ! أنهما أسخطاها ونحن نجل فاطمة من أن تقول ذلك، فكيف يقول هذا المفتري أن المعنى واحد بل هو بين الاختلاف.
__________
(1) ثم اهتديت ص (114 ـ 115).
(2) راجع الحديث ص (158).
(3) مسند أبي بكر الصديق لأبي بكر المروزي برقم (38) ص (74).
(4) راجع الحديث ص (167).(171/58)
ثم يقول التيجاني: (( غير أن من المؤرخين ومن علمائنا، يعترفون بأن فاطمة (عليها السلام ) خاصمت أبا بكر في قضية النِّحلة والإرث وسهم ذي القربى فرُدّت دعواها حتى ماتت وهي غاضبة عليه، إلا أنّهم يمرّون بهذه الأحداث مرور الكرام ولا يريدون التكلّم فيها حفاظاً على كرامة أبي بكر كما هي عادتهم في كل ما يمسّه من قريب أو بعيد، ومن أعجب ما قرأته في هذا الموضوع قول بعضهم بعدما ذكر الحادثة بشيء من التفصيل قال: ( حاشى لفاطمة من أن تدّعي ما ليس لها بحق، وحاشى لأبي بكر من أن يمنعها حقّها ). وبهذه السفسطة ظنّ هذا العالم أنه حلّ المشكلة وأقنع الباحثين وكلامه هذا كقول القائل: ـ ( حاشى للقرآن الكريم أن يقول غير الحق، وحاشى لبني إسرائيل أن يعبدوا العجل ) . لقد ابتلينا بعلماء يقولون مالا يفقهون ويؤمنون بالشيء ونقيضه في نفس الوقت والحال يقتضي أن فاطمة أدّعت وأبا بكر رفض دعواها فإمّا أن تكون كاذبة و( العياذ بالله ) حاشاها، أو أن يكون أبو بكر ظالماً لها وليس هناك حلاً ثالثاً للقضية كما يريدها بعض علمائنا ))(1) أقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (115).(171/59)
1ـ أما بالنسبة لقوله عن علماء أهل السنة أنهم يعترفون بخلاف فاطمة مع أبي بكر ولكنهم يمرون عليها ولا يريدون التكلم فيها حفاظاً على كرامة أبي بكر كما هي عادتهم، فهذا كذب عليهم وما دللت به على هذه القضية في الفقرات السابقة يوضح ذلك، وشيخ الإسلام ابن تيمية وضح هذه القضية أعظم توضيح في كتابة القيم (( منهاج السنة النبوية ))(1) الذي رد فيه على ابن مطهر الحلي وجعل أدلته قاعاً صفصفاً لم يبق فيها عوجاً ولا أمتاً وكذا ابن حجر فقد وضح الحديث في شرحه للبخاري في الفتح والنووي أيضاً في شرحه لمسلم كما بينت سابقاً إضافةً لكتاب التحفة الاثني عشرية لشاه عبد العزيز الدهلوي ومختصره للعلامة محمود شكري الألوسي والعلامة المباركفوري ولكتب(2) الشهيد إحسان إلهي ظهير الذى ألجم بها أفواه الرافضة حتى اضطروا لقتله كما هي عادتهم في كل من يفضحهم ويكشف زيف معتقداتهم، وغير هؤلاء الكثير ممن كتبوا في هذه القضية فادعاء التيجاني بأن علماء أهل السنة لا يتكلمون في هذه القضية يدل على قلة باعه وهشاشة معلوماته في القضية التي خاضها وأوقع نفسه فيها دون دراية.
__________
(1) راجع المنهاج جـ4 ص (193 ـ 264).
(2) وأخص كتابه ( الشيعة وأهل البيت ).(171/60)
2ـ أما قوله أنه يعجب من قول بعض العلماء ( حاشى لفاطمة من أن تدعي ما ليس لها بحق، وحاشى لأبي بكر من أن يمنعها حقها )وأن العالم بهذه السفسطة قد أقنع الباحثين ... ألخ، فأقول لقد بينت فيما مضى أن فاطمة لم تدع ما ليس لها بحق بل تأولت قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخلاف ما فهمه أبوبكر، وهو وإن لم يعطها ما طلبت من الميراث يعلم يقيناً أنه ما حرمها حقها بل لأنه استيقن أنه يعمل بما أمره به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا فإن كان لها حق فَلِمَ يمنعها ولماذا ؟! فمن المعلوم أنه ما منع أحداً من العباد حقه حتى لو كان يهودياً ولا نصرانياً فعلى أي شيء يمنع أبو بكر الصديق بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقها ؟! خصوصاً إذا عرفنا أنه منع هذا المال أيضاً عن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهن أبنته عائشة والتاريخ يشهد كيف كان أبو بكر ينفق ماله في سبيل الله في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول (( ما نفعني مال مثل مال أبي بكر .. ))(1) وبعد ذلك أتساءل.. أي الكلام أحق؟ كلامنا هذا أم ادعاء الرافضة الذي ليس له أدنى منطق ولا معنى وهو قولهم أن أبا بكر منع فاطمة لأنه يريد أن يغتصب حقها بتعجرف واستكبار، وفاطمة لا شك أنها على حق فيما تقوله...لماذا؟ السبب أنها معصومة! وأبو بكر لا يعدو إلا أن يكون من الأمراء المتسلطين الظلمة وبهذه السوفسطائية ظنوا أنهم قد حلّوا القضية!! وبذلك فهم يخففون مما في قلوبهم من غلٍّ على أبي بكر.
__________
(1) سنن الترمذي كتاب المناقب برقم (3661) وابن ماجة المقدمة برقم (94) وراجع صحيح ابن ماجة برقم (77).(171/61)
إذاً فالحق الذي يجب أن يقال ويقبله الشرع العظيم والمنطق السليم قول من يقول ( حاشا لفاطمة من أن تدعي ما ليس لها بحق، وحاشى لأبي بكر من أن يمعنها حقها )، ثم يشبّه التيجاني القول السابق بمن يقول ( حاشى للقرآن الكريم أن يقول غير الحق، وحاشى لبني إسرائيل أن يعبدوا العجل )!!؟
عجباً لهذا الدعي...إذا كيف يشبه كلام الله سبحانه بكلام البشر، وهل قول فاطمة كقول الله سواءٌ بسواء؟!! وقول أبي بكر كقول بني إسرائيل؟!! أإلى هذه الدرجة عملت عقدة العصمة في التيجاني عملها؟! فجعلته لا يفرق بين كلام الخالق والمخلوق فلا أقول إلا اللهم نسألك العصمة من جنون العصمة!؟ وبإختصار يريد التيجاني منا أن نقول ( فاطمة ادعت ما هو من حقها وأبو بكر ظالم لها ) ليضيف إثباتاً جديداً على إنصافه المزعوم.
أما قوله (( وإذا امتنع بالأدلة العقلية والنقلية أن تكون سيدة النساء كاذبة لما ثبت عن أبيها رسول الله قوله: فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني، ومن البديهي أن الذي يكذب لا يستحق مثل هذا النص من قبل الرسول (ص)، فالحديث بذاته دالٌ على عصمتها من الكذب وغيره من الفواحش، كما أن آية التطهير دالّة هي الأخرى على عصمتها وقد نزلت فيها وفي بعلها وابنيها بشهادة عائشة نفسها، فلم يبق إذن إلا أن يعترف العقلاء بأنها ظلمت فليس تكذيبها في دعواها إلا أمراً ميسوراً لمن استباح حرقها إن لم يخرج المتخلفون في بيتها لبيعتهم، ولكل هذا تراها ـ سلام الله عليها ـ لم تأذن لهما في الدخول عليها عندما استأذنها أبو بكر وعمر، ولما أدخلهما عليّ أدارت بوجهها إلى الحائط وما رضيت أن تنظر إليهما.(171/62)
وقد توفيت ودفنت في الليل سراً بوصية منها حتى لا يحضر جنازتها أحد منهم (!) وبقي قبر بنت الرسول مجهولاً حتى يوم الناس هذا وإنني أتساءل لماذا يسكت علماؤنا عن هذه الحقائق ولا يريدون البحث فيها ولا حتى ذكرها، ويصوّرون لنا صحابة رسول الله وكأنهم ملائكة لا يخطئون ولا يذنبون ))(1) قلت:
1ـ لم يقل أهل السنة أن فاطمة كاذبة بل قضية الكذب ليس لها محلٌّ من الإعراب في هذا الأمر، ففاطمة طالبت بما ظنّته حقاً لها من الميراث ولما أبان لها أبو بكر سبب عدم إعطائها للميراث فلم تكلمه في هذا الأمر ثم ذهب وترضاها حتى رضيت.
__________
(1) ثم اهتديت ص (115 ـ 116).(171/63)
2ـ أما قوله ( إذا امتنع بالأدلة العقلية والنقلية أنْ تكون سيدة النساء كاذبة لما ثبت عن أبيها رسول الله: فاطمة بضعة مني من آذاها آذاني، ومن البديهي أن الذي يكذب لا يستحق مثل هذا النص من قبل الرسول (ص) فالحديث بذاته دالٌّ على عصمتها من الكذب وغيره من الفواحش )، إذا كان هذا الأمر بهذه البساطة والسذاجة الباردة فأقول وكذلك يمتنع أيضاً بالأدلّة العقلية والنقلية أن يكون صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالغار ظالماً لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله في حقه (( لوكنت متّخذاً خليلاً لاتّخذتُ أبا بكرٍ، ولكن أخي وصاحبي ))(1) ومن البديهي أن الذي يكذب لا يستحقّ مثل هذا النص من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فالحديث بذاته دالٌّ على عصمته من الظلم وغيره من الفواحش، وكذا يمتنع بالأدلّة العقلية والنقلية أن يكون كلاً من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وهما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظالمين لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله في الحديث الأول عن عمر (( بينا أنا نائم شربت ـ يعني اللبنَ ـ حتى أنظُر إلى الريِّ يجري في ظُفُري ـ أو في أظفاري ـ ثم ناولتُ عمر. قالوا: فما أولّته يا رسول الله، قال: العلم ))(2) وقال في حق عثمان (( من جهز جيش العسرة فله الجنة، فجهزه عثمان ))(3) وقال أيضاً عندما صعد أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فقال (( اثبت أُحُداً، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ))(4) ومن البديهي أن الذي يظلم لا يستحق مثل هذا النص من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فالحديث بذاته دالٌّ على عصمتها من الفواحش ويهلم ما جرى، فلو عددت مناقب الصحابة على
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3656) جـ3.
(2) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3478).
(3) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ مناقب عثمان.
(4) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3472).(171/64)
لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصبحوا جميعاً معصومين حسب حجة هذا التيجاني الجاد الفهم! فإن قال الخصوصية مرتبطة بفاطمة فيلزمه الدليل على ذلك فإن كان عنده دليل واضح وصريح تخصيص فاطمة بالعصمة فله أن يناقش كما يريد وأما مجرد النسب ليس دليلاً على العصمة بحال ولو كان كذلك لكان أبو طالب والد على من أهل الجنة ولكنه ثبت بالدليل على أنه من أهل النار، وإن ادعى أن تلكم الأحاديث التي أوردتها ضعيفة(1) لأنها مروية في صحاح أهل السنة الذين يضعفون الأحاديث المكذوبة في فضائل الصحابة ! فأرجوا ألا ينسى أن حديث فاطمة قد رواه أهل السنة في صحاحهم فهذا يقضي ضعفه أيضاً لأن واضعي أحاديث الصحابة مجروحون فلا يقبل منهم حديث حتى ولو كان في فضائل آل البيت اللهم إن كنت تحتفظ بطرق جديدة تحكم من خلالها على صحة الحديث من ضعفه ألا وهي مبدأ الإنصاف المزعوم والهوى المذموم.
3ـ وأما قوله كما أن آية التطهير دالة هي الأخرى على عصمتها وقد نزلت فيها وفي بعلها وأبيها بشهادة عائشة نفسها ... ألخ.
فأقول لهذا القائل:
__________
(1) وقد ادعى ذلك بالفعل!(171/65)
أ ـ الآية التي يسميها آية التطهير ليست مختصة بأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي وفاطمة والحسن والحسين وحدهم بل يدخل ضمنها أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا واضح من سياق الآية فالله سبحانه يقول { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً . ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً . يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا . وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية اللأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا . واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيرا } ( الأحزاب 32 ـ 33) فالآية تبين أن المراد هنا هنَّ زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل الأمر والنهي والوعد والوعيد يخصهن أيضاً ولكننا لا نخصصها بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل نقول يدخل في عموم الآية جميع أهل البيت ولكنَّ علياً وفاطمة والحسن والحسين أخص من غيرهم بهذا الأمر لإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خصَّهم بالدعاء وأخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سألنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله علمنا كيف نسلم عليكم ؟ قال : (( قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد ))(1) ولا شك أن أهل البيت المقصودين هم أزواجه وذريته كما يوضح الحديث الآخر الذي رواه البخاري عن
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الأنبياء ـ باب ـ يزفون ( يزفون ) النسلان في المشي برقم (3190).(171/66)
عمرو بن سليم الزرقي قال : (( أخبرني أبو حُميد السَّاعدي رضي الله عنه أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قولوا اللَّهم صلِّ على محمدٍ وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ ))(1) كما أخرج البخاري في جزء من الحديث الذي يرويه أنس رضي الله عنه (( ... فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال : ( السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله )، فقالت : وعليك السلام ورحمة الله ) ...... فتقَرَّى حجر نسائه كلِّهنَّ، يقول لهن كما يقول لعائشة ... ))(2) وأما في اللغة فإن معنى الأهل يشمل الأزواج يقول الفيروز آبادي (( ... أهل الأمر: ولاته وللبيت : سكانه وللمذهب : من يدين به، وللرجل : زوجته كأهلَتِه وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم : أزواجه وبناته وصهرُه علي رضي الله عنه ... ))(3) ويقول ابن منظور (( ... أهل البيت : سكانه، وأهل الرجل : أخص الناس به، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أزواجه وبناته وصهره، أعني علياً عليه السلام، وقيل نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... ))(4) وبعد هذا البيان أعتقد أن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشملهم الآية دون أدنى شك.
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الأنبياء برقم (3189).
(2) صحيح البخاري كتاب التفسير ـ باب ـ سورة الأحزاب رقم (4515).
(3) القاموس المحيط باب اللام فصل الهمزة ص (1245).
(4) لسان العرب لإبن منظور المصري حرف ( اللام ) ص (290).(171/67)
ب ـ كما أن الاستعمال اللفظي في القرآن لكلمة ( الأهل ) تبين أن المقصود بها الزوجات كما في قوله تعالى { إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر } ( النمل 7 ) ومعلوم أن زوجته هي التي كانت معه، وقوله تعالى { قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن ... } ( يوسف 25) قائل هذه الجملة هي زليخا زوجة العزيز باتفاق المفسرين وقوله تعالى { فأنجيناه وأهله إلا امرأته ...} ( النمل 57) و( إلا ) أداة إستثناء بمعنى أنها من أهله ولكنها إستثنيت للسبب المعلوم، ولعل التيجاني لا يعتبر تفسير أهل السنة حجة عنده خصوصاً أنه أصبح من المهديين فلا بد لي من أن أسوق تفسير كبار الأئمة الاثني عشرية مثبتاً من خلالها اعترافهم بأن كلمة الأهل تعني الأزواج يقول علي القمي في تفسير قوله { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله } في قصة موسى (( ... فلما حال عليه الحول حمل موسى امرأته، وزوده شعيب من عنده، وساق غنمه، فلما أراد الخروج ... قال له ( شعيب ) : إذهب فقد خصك الله بها، فساق غنمه فخرج يريد مصر فلما صار في مفازة ومعه أهله أصابهم برد شديد وريح وظلمة وجنَّهم الليل فنظر موسى إلى النار قد ظهرت كما قال الله { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله ... ألخ } ))(1) وقال أبو علي الطبرسي في تفسير قوله تعالى { وإذ قال موسى لأهله } ... في قصة موسى إذ قال لأهله أي امرأته وهي بنت شعيب ))(2) وكررها عند تفسير قوله تعالى { إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا..... } وقوله ( لأهله ) : وهي بنت شعيب كان تزوجها بمدين ))(3) وعلى ضوء ماسبق يتضح لكل ذي عين ولب أن مفسري الشيعة يثبتون بأن الأهل يدخل في ضمنها الأزواج والحمدلله رب العالمين.
__________
(1) تفسير القمي جـ2 ص (116 ـ 117) سورة القصص.
(2) مجمع البيان جـ5 ص (168) سورة النمل.
(3) المصدر السابق جـ4 ص (89) سورة طه.(171/68)
ت ـ ليس هناك دليل يخصص الآية بهؤلاء الخمسة وحديث عائشة ما هو إلا دعاء لهم بتطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم وليس مخصصاً بهم ومثله كقول الله سبحانه { لمسجد أسِّس على التقوى من أول يوم } ( التوبة 108) وهذه الآية نزلت في مسجد قُباء ولكنه يشمل بنفس الوقت مسجده صلى الله عليه وآله وسلم فقد روى الترمذي في سننه عن أبي سعيد الخدري أنه قال (( تمارى رجلان في المسجد الذي أُسِّس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قُباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هو مسجدي هذا ))(1) فالحكم يشمل المسجدين وكلاهما أُسس على التقوى(2)
رابعاًـ ليس في الآية ما يدل على العصمة لفاطمة ولا لغيرها لأسباب وهي:
1ـ فالحديث الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها فقالت: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداةً وعليه مِرطٌ مُرَحَّلٌ من شعر أسود فجاء الحسن بن عليّ فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله ثم قال (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ))(3) فالحديث كما هو واضح دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ليذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً فلو كانوا معصومين لم الحاجة للدعاء؟! فإذا كانوا يحتاجون للطهارة وذهاب الرجس أصلاً فكيف بالعصمة؟! ولا فرق بين هذه الآية وقوله تعالى { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليُتمّ نعمته عليكم لعلكم تشكرون } ( المائدة 6 ) فالله يخبر بهذه الآية أنه برحمة منه لعباده يريد أن يطهرهم ويتم نعمته عليهم لا أنه يريد أن يجعلهم معصومين؟! فالآية الأولى مثل هذه الآية ولا فرق.
__________
(1) سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن ـ باب ـ تفسير سورة التوبة برقم (3099) وراجع صحيح الترمذي برقم (2475).
(2) راجع المنهاج جـ7 ص (74 ).
(3) صحيح مسلم مع الشرح كتاب فضائل الصحابة برقم (2424).(171/69)
2ـ وإذا استثنوا من هذه الآية العصمة فيجب أن يأتوا بدليل واضح من الكتاب والسنة وإلا فهذه المزاعم لا تعدو أن تكون أوهام ظنون لا تسمن ولا تغني من جوع.
3ـ لو كانت هذه الآية دليلاً عل عصمة عليّ وفاطمة وابنيهما فلَعلِّيِ لن أخطئ لو قلت أن قوله تعالى { وسيجنبها الأتْقى الذي يؤتي مالَهُ يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى } ( الليل 17 ـ 21 ) والذي قال ابن كثير في سبب نزولها (( قد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ))(1) أن هذه الآية دالة على عصمته رضي الله عنه لأن الله وصفه بالتقى وأنه يتزكّى ويتطهّر من الذنوب ببذله المال في سبيله فما هو قول التيجاني؟! فانظر أخي القارئ إلى هشاشة هذه الأدلة التي يبني عليها التيجاني أموراً عظيمة تحتاج إلى أدلة واضحة البيان من الكتاب والسنة.
4ـ لا شك أن الآية تشمل جميع أهل البيت غير الخمسة وهم بقية بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي الحديث الذي رواه مسلم عن يزيد بن حيان في جزء منه (( ثم قال ـ أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ (وأهل بيتي. أُذكّركم الله في أهل بيتي. أُذكركم الله في أهل بيتي. أُذكركم الله في أهل بيتي ) فقال له حصين: ومن أهلُ بيته؟ يا زيد! أليس نساؤُهُ من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليٍ، آل عقيلٍ، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم ))(2) ولا أعتقد أن التيجاني يقول أن العصمة تشمل كل هؤلاء ولا يوجد دليل يخرج هؤلاء ويخصص الخمسة فقط في عموم الآية، وكل الأدلة التي سقتها ترد هذا التخصيص.
__________
(1) تفسير ابن كثير جـ4 ص (556) سورة الليل.
(2) صحيح مسلم مع الشرح كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ فضائل علي برقم (2408).(171/70)
5ـ يجب أن يعلم أن الرافضة الاثني عشرية لا يرون العمل بخبر الواحد لا في العبادات ولا في العقائد والحديث الذي يحتج به التيجاني وهو حديث عائشة الذي رواه مسلم ليس متواتراً بل آحاد فكيف يحتج بالحديث الآحاد على قضية عقديه بحته وهي قضية العصمة؟!
6ـ وللتدليل أيضاً على أن هذه الآية هي دعاء لتطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم وليس كما يقول الرافضة أن الله طهرهم من الذنوب وأذهب عنهم الرجس فاصبحوا معصومين فعقيدتهم في القدر تخالف معتقدهم هنا فالتيجاني يقول في كتاب آخر وهو ( مع الصادقين ) (( وإذا محّصنا قول الشيعة في القضاء والقدر وجدناه قولاً سديداً ورأياً رشيداً، فبينما فرّطت طائفة فقالت بالجبر أفرطت أخرى فقالت بالتفويض، جاء أئمة أهل البيت سلام الله عليهم ليصحّحوا المفاهيم والمعتقدات ويرجعوا بهؤلاء وأولئك ، فقالوا: (( لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين )) . وقد ضرب الإمام جعفر الصادق لذلك مثلاً مبسّطاً يفهمه كل الناس وعلى قدر عقولهم فقال للسائل عندما سأله : ما معنى قولك لا جبر ولا تفويض ولكن أمرٌ بين أمرين؟ أجابه عليه السلام: ( ليس مشيك على الأرض كسقوطك عليها ) ومعنى ذلك أننا نمشي على الأرض باختيارنا ـ ولكنّنا عندما نسقط على الأرض فهو بغير اختيارنا، فمن منّا يحب السقوط الذي يسبب كسر بعض الأعضاء من جسمنا فنصبح معاقين . فيكون القضاء والقدر أمراً بين أمرين، أي قسم هو من عندنا وباختيارنا ونحن نفعله بمحض إرادتنا . وقسم ثان هو خارج عن إرادتنا ونحن خاضعون له، ولا نقدر على دفعه، فنحاسبُ على الأول ولا نحاسب على الثاني . والإنسان في هذه الحالة وفي تلك مخيَّر ومسيَّر في نفس الوقت.(171/71)
أ ـ مخير في أفعاله التي تصدر منه بعد تفكير ورويّة إذ يمرّ بمرحلة التخيير والصراع بين الإقدام والإحجام، وينتهي به الأمر إمّا بالفعل أو الترك، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله: { ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها } . فالتزكية للنفس والدسّ لها هما نتيجة إختيار الضمير في كل إنسان ـ كما أن الفلاح والخيبة هما نتيجة حتمية وعادلة لذلك الإختيار))(1) فقولكم أن الله طهرّهم من الذنوب وأذهب عنهم الرجس مخالفٌ لعقيدتكم في القضاء والقدر والتي تبين أن الله لا يطهّر أحداً إلا إذا أراد هو أن يطهر نفسه لأنه مخيرٌ وليس مسيّراً وإرادة الله بمعنى أمره فلماذا تتناقضون بعقيدتكم؟! ...ألا يدل ذلك على هشاشة معتقداتكم وأنها من بيوت أفكاركم وليس وحياً من الله؟!
خامساً ـ أما قوله ( فليس تكذيبها إلا أمراً ميسوراً لمن استباح حرقها إن لم يخرج المتخلّفون في بيتها لبيعتهم ـ ثم يعزو الرواية لتاريخ الخلفاء لإبن قتيبة ) ويقصد بالذي استباح حرقها عمر بن الخطاب، فأقول:
أ ـ هذا الادعاء كذب لأن الرواية الصحيحة تثبت مبايعة علي لأبي بكر فعن أبي نضرة قال (( لما اجتمع الناس على أبي بكر رضي الله عنه فقال: مالي لا أرى علياً؟ قال: فذهب رجال من الأنصار فجاؤوا به فقال له: يا عليّ قلت ابن عم رسول وختن رسول الله؟ فقال عليّ رضي الله عنه: لا تثريب يا خليفة رسول الله أبسط يدك، فبسط يده فبايعه، ثم أبو بكر: ما لي لا أرى الزبير؟ قال: فذهب رجال من الأنصار فجاؤوا به فقال: يا زبير قلت ابن عمة رسول الله وحواري رسول الله قفال الزبير: لا تثريب خليفة رسول الله.. أبسط يدك فبسط يده فبايعه ))(2) فهذه هي الرواية الصحيحة التي تقبل لا رواية مجهول من كتاب منسوب!
__________
(1) مع الصادقين للتيجاني ص (143).
(2) كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل جـ2 برقم (1292) وقال المحقق: إسناده صحيح.(171/72)
ب ـ اتفق أهل السنة على عدم اشتراط قبول البيعة بقبول جميع الناس لها ولكن يكفي موافقة أهل الشوكة والجمهور الذي يقام بهم أمر الخلافة ولو فرضنا عدم قبول علي لبيعة أبي بكر فهذا لا يقدح بها فلا يلزم منه اشتراط مبايعته طالما التزم باطاعة ولم يشق عصى المسلمين وهذا علي نفسه يقول ـ ومن كتب الرافضة أنفسهم ـ (( لعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس فما إلى ذلك من سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار ))(1) فإذا كان الأمر كذلك فما هو الداعي لحرق بيته؟!
سادساً ـ أما قوله ( ولكل هذا تراها لم تأذن لهما في الدخول عليها عندما استأذناها، ولما أدخلها علي أدارت بوجهها إلى الحائط وما رضيت أن تنظر إليهما ) فأقول:
لا شك في كذب هذا القول فليس هو برواية صحيحة بل لا سند لهاولم يقل بها أحد من أهل الحديث فضلاً عن مخالفتها للروايات الصحيحة التي ذكرت خلال البحث، ويا لعجب الرافضة فهل يظنون أنهم يدافعون عن فاطمة بزعمهم؟ لا بل هم يقدحون بها، فهذا الفعل الذي ينسبونه لها، هي أجل من أن تقوم به لأجل ماذا؟ من أجل المال!! فرحم الله فاطمة الزهراء وحفظها من هؤلاء الأوباش الذين يسيئون لها وهم يدعون أنهم يحسنون صنعا، ثم أتساءل ما دخل عمر في موضوع فدك وميراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أوليس أبو بكر الخليفة؟ فما دخل عمر لتغضب عليه فاطمة يا ترى؟ وما هو الدليل الذي يستند عليه هذا التيجاني حتى يقحم عمر في موضوع الإرث فالقاريء يرى التيجاني يردد ويقول أبو بكر وعمر ولم يأت بسبب واحد يبين فيه دور عمر في الموضوع اللهم إلا تكثير الطعن في عمر ( الفاروق ) فتباً لهذه الهداية المزعومة.
__________
(1) نهج البلاغة جـ3 ص (368).(171/73)
سابعاً ـ أما أنها توفيت ودفنت في الليل سراًّ بوصية منها حتى لا يحضر جنازتها أحد منهما، لاشك أنه كذب صريح ومفضوح فهو يشير بالهامش إلى صحيح البخاري جـ3 ص 39، موهماً أن الراوي هو البخاري، ولكن إذا عدنا للحديث لا نجد من ذلك شيئاً ففي الحديث ( ..فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ...) فكيف علم أنها أوصت أن تدفن ليلاً وفي السر وأن لا يصلي عليها أحد منهما، فهل أوحي إليه بذلك خصوصاً إذا عرفنا أنه من أتباع الطريقة التيجانية التى تؤمن بالإلهامات الربانية!! ثم بعد ذلك يؤلف كتاباً ويُعَنْوِنَهُ ب ( لأكون من الصادقين )!؟ وصحيح ما قيل ( عش رجباً ترى عجباً ).(171/74)
ثامناً ـ أما قوله (... لماذا يسكت علماؤنا عن هذه الحقائق ولا يريدون البحث فيها ولا حتى ذكرها، ويصورون لنا صحابة رسول الله وكأنهم ملائكة لا يخطئون ولا يذنبون ) قلت نحن لم نصور الصحابة وكأنهم ملائكة ولكن الذي صورهم بخير الناس هو رب الناس الذي يقول في محكم تنزيله : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ( آل عمران 110 ) وقوله تعالى : { محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركّعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً } ( الفتح 29 ) وقوله سبحانه : { والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم } ( الأنفال 74 ) وقوله تعالى : { لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون . أعدّ الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم } ( التوبة 88 ـ 89 ) وقوله تعالى : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } ( الأنفال 64 ) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( يأتي على الناس زمانٌ فيغْزو فئام من الناس، فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فيقولون لهم: نعم، فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمانٌ فيغْزو فِئامٌ من الناس فيقال: فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقولون: نعم فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صَاحَبَ من صاحَبَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فيقولون نعم فيفتح لهم ))(1)
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3449).(171/75)
وقال=+ (( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ))(1). وندافع عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن من البداهة أن الطعن في الصحابة هو طعْنٌ مبطّنٌ في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كيف لا وهو القائل (( الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ))(2) ثم يقول (( لو كنت متّخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي ))(3) ويصاحب الصحابة كل هذه الفترة ويخالف قوله فعله!؟! وهو أيضاً قدْحٌ بالكتاب الكريم وبالرب الرحيم، والإدعاء على الله بالعبث، تعالى الله عمّا يقول الرافضة علوّاً كبيراً، فكيف يمدح الصحابة في كتابه الكريم ويقول سبحانه { لقد رضي الله عنه المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً، ومغانم كثيرة يأخذنونها وكان الله عزيزاً حكيما } ( الفتح 18ـ 19 ) وقوله تعالى { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } ( التوبة 100) ثم يكونون كما تقول الرافضة الفاسدة الكاسدة، وندافع عنهم أيضاً لأنهم الذين حفظوا الدين وحافظوا على كتاب الله سبحانه وسنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم فالطعن بحملته وحفظته هو طعن بالقرآن والسنة، وهذا هو حقيقة ما يريده أهل الرفض، وهذا هو الأمير محسن الملك السيد محمد مهدي علي ـ من أصل شيعي ـ الذي هداه الله إلى عقيدة أهل السنة بعد دراسة عميقة وواعية توصل من خلالها إلى مصادمة الفكر الرافضي الإمامي للواقع والعقل حينما قال (( الحقيقة
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3470).
(2) سنن أبي داود كتاب الأدب برقم (4833) جـ5 والترمذي كتاب الزهد برقم (2378) جـ4 وراجع أبي داود برقم (4046).
(3) سبق الحديث ص (174).(171/76)
أن ما يعتقده الشيعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم، يسبب توجيه التهمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويثير الشبهات حول الإسلام، في نفوس المطّلعين على هذه المعتقدات، ذلك لأن من يعتقد في الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم لم يكونوا صادقين في إيمانهم في ظاهر الأمر، أما في باطنهم فكانوا كافرين ( والعياذ بالله ) حتى أنهم ارتدوا عن الإسلام إثر وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يستطيع أن يصدّق نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل يقول: لو أن النبي كان صادقاً في نبوّته لكانت تعليماته ذات تأثير، ووجد هناك من يكون آمن به من صميم القلب، ووجد من بين العدد الهائل ممن آمنوا بعض المئات الذين ثبتوا على الإيمان، فإذا كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم ناقصين في إيمانهم وإسلامهم ـ كما يزعمون ـ فمن هم أولئك تأثروا بهداية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى كم يبلغ عدد الذين استفادوا من نبوته؟ فإن كان أصحابه سوى بضعة رجال منهم ـ منافقين مرتدين فيما زعموا ( والعياذ بالله ) فمن دان بالإسلام؟ ومن انتفع بتعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وتربيته؟ ))(1) انظر إلى الفطرة السليمة كيف تصطدم مع ما يخالفها لتعلم إلى أي مدى وصلت عقيدة الرافضة في مصادمتها للعقل والمنطق والفطر السليمة! فإذا عرفنا ذلك فلْيحتَط المسلم لدينه وكل مسلم حفيظ نفسه.
وأخيراً وقبل أن أنتهي من هذا البحث يتبقّى سؤال وهو هل كتاب ( الإمامة والسياسة ) لإبن قتيبة أم لا؟ فأقول لا شك في أن هذا الكتاب منسوب لابن قتيبة وذلك للأسباب التالية:
__________
(1) الآيات البينات جـ1 ص (6 ـ 7) وانظر كتاب صورتان متضادتان لأبي الحسن الندوي ص (55).(171/77)
1ـ أن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكر واحد منهم أنه ألّف كتاباً في التاريخ يُدعى الإمامة والسياسة، ولا نعرف من مؤلفاته التاريخية إلا كتاب المعارف، والكتاب الذي ذكره صاحب كشف الظنون باسم ( تاريخ ابن قتيبة ) والذي توجد نسخة منه بالخزانة الظاهرية بدمشق رقم (80) تاريخ (1).
2ـ أن المتصفح للكتاب يشعر أن ابن قتيبة أقام في دمشق والمغرب في حين أنه لم يخرج من بغداد إلا إلى دينور(2).
3ـ يخالف أموراً متفقاً عليها وكمثال على ذلك ما ذكره تحت عنوان ( إباية على كرم الله وجهه بيعة أبي بكر رضي الله عنه ) يقول: ( ثم إن علياً كرم الله وحهه أُتي به إلى أبي بكر وهو يقول أنا عبد الله وأخو رسوله فقيل له بايع أبا بكر فقال أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي )(3).
4ـ أن المنهج والأسلوب الذي سار عليه مؤلف الإمامة والسياسة يختلف تماماً عن منهج وأسلوب ابن قتيبة في كتبه التي بين أيدينا، ومن الخصائص البارزة في منهج ابن قتيبة أنه يقدم لمؤلفاته بمقدمات طويلة يبين فيها منهجه والغرض من مؤلفه، وعلى خلاف ذلك يسير صاحب الإمامة والسياسة، فمقدمته قصيرة جداً لا تزيد على ثلاثة أسطر هذا إلى جانب الاختلاف في الأسلوب، ومثل هذا النهج لم نعهده في مؤلفات ابن قتيبة(4)
5ـ يروي مؤلف الكتاب عن ابن أبي ليلى بشكل يشعر بالتلقي عنه، وابن أبي ليلى هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه قاضي الكوفة توفى سنة 148، والمعروف أن ابن قتيبة لم يولد إلا سنة 213 أي بعد وفاة ابن أبي ليلى بخمسة وستين عاماً(5)
__________
(1) كتاب الإمامة والسياسة في ميزان التحقيق العلمي للدكتور عبد الله عسيلان ص (23).
(2) المصدر السابق ص (23).
(3) المصدر السابق ص (17).
(4) المصدر السابق ص (24).
(5) المصدر السابق ص (24).(171/78)
6ـ حتى أن المستشرقين اهتموا بالتحقيق في نسبة الكتاب وأول من اهتم بذلك المستشرق ( دي جاينجوس ) في كتابه ( تاريخ الحكم الإسلامي في أسبانيا ) ومن ثم أيده الدكتور ( ر. دوزي ) في كتابه ( التاريخ السياسي والأدبي لأسبانيا )، وذكر الكتاب كل من بروكلمان في تاريخ الأدب العربي، والبارون دي سلان في فهرست المخطوطات العربية بمكتبة باريس باسم أحاديث الإمامة والسياسة، ومارغوليوس في كتابه دراسات عن المؤرخين العرب، وقرروا جميعاً أن الكتاب منسوب إلى ابن قتيبة ولا يمكن أن يكون له(1).
7ـ أن الرواة والشيوخ الذين يروي عنهم ابن قتيبة عادة في كتبه لم يرد لهم ذكر في أي موضع من مواضع الكتاب(2)
8ـ يبدو من الكتاب أن المؤلف يروي أخبار فتح الأندلس مشافهة من أناس عاصروا حركة الفتح من مثل ( حدثتني مولاة لعبد الله بن موسى حاصر حصنها التي كانت من أهله ) والمعروف أن فتح الأندلس كان سنة 92 أي قبل مولد ابن قتيبة بنحو مائة وواحد وعشرين عاماً(3).
9ـ أن كتاب الإمامة والسياسة يشتمل على أخطاء تاريخية واضحة، مثل جعله أبا العباس والسفاح شخصيتين مختلفتين، وجعل هارون الرشيد الخلف المباشر للمهدي؟ واعتباره أن هارون الرشيد أسند ولاية العهد لابنه المأمون ومن ثم لابنه الأمين، وإذا رجعنا إلى كتاب المعارف لابن قتيبة نجده يمدنا بمعلومات صحيحة عن السفاح والرشيد تخالف ما ذكره صاحب الإمامة والسياسة(4)
10ـ أن في الكتاب رواة لم يرو عنهم ابن قتيبة في كتاب من كتبه من مثل ( أبي مريم وابن عفير )(5).
__________
(1) المصدر السابق ص (22 ـ 23).
(2) المصدر السابق ص (25).
(3) المصدر السابق ص (25).
(4) المصدر السابق ص (25 ـ 26).
(5) المصدر السابق ص (26).(171/79)
11ـ ترد في الكتاب عبارات ليست في مؤلفات ابن قتيبة نحو ( قال ثم إن ) ( وذكروا عن بعض المشيخة ) ( حدثنا بعض المشيخة ) ومثل هذه التراكيب بعيدة كل البعد عن أسلوب وعبارات ابن قتيبة ولم ترد في كتاب من كتبه(1).
12ـ من الملاحظ أن مؤلف الإمامة والسياسة لا يهتم بالتنسيق والتنظيم فهو يورد الخبر ثم ينتقل منه إلى غيره ثم يعود ليتم الخبر الأول، وهذه الفوضى لا تتفق مع نهج ابن قتيبة الذي يستهدف التنسيق والتنظيم(2)
13ـ أن مؤلف الإمامة والسياسة يروي عن اثنين من كبار علماء مصر وابن قتيبة لم يدخل مصر ولا أخذ عن هذين العالمين(3).
14ـ أن ابن قتيبة يحتل منزلة عالية لدى العلماء فهو عندهم من أهل السنة وثقة في علمه ودينه، يقول السلفي ( كان ابن قتيبة من الثقات وأهل السنة ) ويقول ابن حزم ( كان ثقة في دينه وعلمه ) وتبعه في ذلك الخطيب البغدادي ويقول عنه ابن تيمية ( وإن ابن قتيبة من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة ) وهو خطيب السنة كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة. ورجل هذه منزلته لدى رجال العلم المحققين هل من المعقول أن يكون مؤلف كتاب الإمامة والسياسة الذي شوّه التاريخ وألصق بالصحابة الكرام ما ليس فيهم؟(4)
__________
(1) المصدر السابق ص (26 ـ 27).
(2) المصدر السابق ص (27).
(3) المصدر السابق ص (27).
(4) المصدر السابق ص (28).(171/80)
وأخيراً ـ ثبت في كتاب ابن قتيبة المتفق على نسبته إليه وهو كتاب ( الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة ) على أنه يرمي الرافضة بالكفر وذلك لطعنهم بصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول ((... وقد رأيت هؤلاء أيضاً حين رأوا غلو الرافضة في حب عليّ وتقديمه على من قدمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته عليه وادعاءهم له شركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نبوّته وعلم الغيب للأئمة من ولده وتلك الأقاويل والأمور السرية التي جمعت إلى الكذب والكفر إفراط الجهل والغباوة ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم وتبرّؤهم منهم ))(1) فكيف ينسب إليه بعد ذلك كتاب مشحونٌ بالطعن في الصحابة الكرام؟
ثم في فصل ( أسباب الإستبصار ) يعيد ذكر خلاف فاطمة مع أبي بكر بأسلوب جديد فيقول ((.... وهذا الموضوع أيضاً مجمع على صحته من الفريقين فلا يسع المنصف العاقل إلا أن يحكم بخطأ أبي بكر إن لم يعترف بظلمه وحيفه على سيدة النساء. لأنّ من يتتبّع هذه المأساة ويطّلع على جوانبها يعلم علم اليقين أنّ أبا بكر تعمّد إيذاء الزهراء وتكذيبها لئلا تحتج عليه بنصوص الغدير وغيرها على خلافة زوجها وابن عمّها عليّ ونجد قرائن عديدة على ذلك، منها ما أخرجه المؤرخون من أنها ـ سلام الله عليها ـ خرجت تطوف على مجالس الأنصار وتطلب منهم النصرة والبيعة لابن عمّها، فكانوا يقولون: ( يا ابنة رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول عليّ كرّم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله (ص) في بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم ))(2)
فأقول للتيجاني المهتدي:
__________
(1) الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة ص (41).
(2) ثم اهتديت ص (138).(171/81)
1ـ ليس هذا الموضوع موضع اتفاق عند السنة والشيعة ( الرافضة ) بل عند الرافضة وحدهم وقد أوضحت ذلك فيما مضى.
2ـ وقوله فلا يسع المنصف العاقل ( هكذا؟ ) إلا أن يحكم بخطأ أبي بكر إن لم يعترف بظلمه وحيفه على سيدة النساء .. قلت: لقد ذكرت فيما سبق بيانه من أن أبابكر نفّذ وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي قوله ( لا نورث وما تركناه فهو صدقة ) فليس تنفيذه لوصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ظلماً أو حيفاً فضلاً عن أن يكون خطأً، وإن كان هناك مخطئ أو ظالم فهو الذي أمر بذلك فهل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مخطئ أو ظالم يا تيجاني؟! فحاشا رسولنا العظيم ذلك، والتيجاني لم يأتي بدليل واحد وحجّة منطقية على تخطئته أبي بكر إلا ادعائه أن فاطمة هي سيدة نساء العالمين وأنها معصومة فهي على حق وقد أثبتُّ فساد هذا القول العاري عن الدليل إلا أدلة يضحك منها الصغار قبل الكبار! وتحميل القضية ما لا تحتمل، كل هذا للطعن بالصحابي الجليل أبي بكر الصديق وتسويد الورق في سبيل ذلك وأريد أن أذكر التيجاني أن الذي أجحف في حق فاطمة ورابها وأراد الزواج من ابنة أبي جهل فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم هو الأمام الوصي علي بن أبي طالب فما هو موقفك من هذه المأساة؟!
3ـ ثم يهذي حتى الثمالة فيقول ( لأن من يتتبع هذه المأساة ( إنظر ) ويطّلع على جوانبها يعلم علم اليقين أن أبا بكر تعمّد إيذاء الزهراء وتكذيبها لئلا تحتج عليه بنصوص الغدير وغيرها على خلافة زوجها وابن عمّها عليّ ).(171/82)
فأقول: سبحان الله ... على هذا الرجل الذي يكذب ثم يصدّق نفسه ولا يدري أنه يكشف نفسهُ بِنفْسه، ويعرض عقله ( المتفتّح ) على الناس، وإنني قد تتبعت هذه المأساة من جميع جوانبها فتبين لي أن أبا بكر على حق فيما فعل لائتماره بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد أجمع على ذلك الصحابة بما فيهم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ولكن التيجاني انعطف عن هذا الأمر (180) درجة مئوية ودخل في قضية الخلافة من أوسع أبوابها، فيقول أن أبابكر تعمّد إيذاء الزهراء وتكذيبها لماذا؟ لئلا تحتج عليه بنصوص الغدير وغيرها!!؟ فوالله لو كان الجهل خروفاً لذبحته؟!... سبحان الله إذا كان التيجاني يدعي أن صاحب النص على الخلافة وعدداً كبيراً من الصحابة وبني هاشم وسعد بن عبادة رفضوا مبايعة أبي بكر، بل وحمل أهل المدينة على البيعة قهراً!!(1) ثم بعد ذلك يؤذي فاطمة لماذا؟ لئلا ( تحتج )!؟ عليه بحديث غدير خم ( يا للهول )!؟ وولله لست أدري أين يكون عقل هذا الرجل عندما يكتب؟ فهل يبعده عنه عند الكتابة حتى لا يثقل عليه؟!...فإذا كان الصحابة يعارضونه ويحتجون عليه ثم يقهرهم ويجبر الناس على البيعة قهراً أيُؤثِّرعليه احتجاج فاطمة الزهراء ( تنزَّهت عن مساوئكم ) بحديث غدير خم؟!، ثم نسأل التيجاني ( المهتدي ) كيف يؤذي أبو بكر فاطمة ويكذِّبها حتى لا تحتج عليه بحديث غدير خم وبنفس القضية يقول لها أنا عائذ بالله تعالىمن سخطه وسخطك يا فاطمة؟؟ ثم ينتحب أبا بكر (واأسفاه ) حتى كادت نفسه أن تزهق 0 يا ألله؟! وهي تقول: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها.. ـ لست أدري لماذا؟ هل من أجل المال أم من أجل البيعة؟!.. ثم يخرج بعد ذلك أبو بكر يبكي ويقول أقيلوني بيعتي!!! سبحان الله أي تناقض هذا؟! أرأيتم كيف أن الرجل يكتب من دون عقل! أليس ينطبق عليه قول الشاعر:
__________
(1) راجع ثم اهتديت ص (136).(171/83)
إثبات ضدين معاً في حالٍ أقبح ما يأتي من المحال
ولو سمح لي أن اعلق على كتابه لقلت ( متناقض مئة في المئة بحيث لا يستطيع كبار أهل السنة أن يحلوا هذا التناقض!! ويتضح ذلك عندما نتتبع هذه المأساة! ونطلع عليها من كل جوانها ( ويكفينا كتابه ) لنعلم علم اليقين أن فاطمة الزهراء بريئة كل البراءة من سفسطة هذا الشانئ وأمثاله الذين يكذبون ويكذبون حتى يصبح الكذب حجةً عليهم لا لهم والله المستعان وعليه التكلان.(171/84)
4ـ أما ادعاؤه على وجود قرائن عديدة على تعمد أبي بكر ايذاء فاطمة حتى لا تحتج عليه بحديث الغدير منها ما أخرجه المؤرخون (!) ثم ساق القصة التي عزاها لابن أبي الحديد في شرحه للنهج وكتاب تاريخ الخلفاء المنسوب لابن قتيبة . فأقول: هذه القصة مختلقة ليس فيها نصيب من الصحة فعزوها لتاريخ الخلفاء أو لشرح النهج لإبن أبي الحديد ليس في حد ذاته حجة، فأين سند القصة وأما متنها فهو يصطدم بالأدلة الصحيحة الواضحة التي تخالف هذه الرواية إضافةً إلى أن تاريخ الخلفاء قد أثبتنا بالأدلة الدامغة بطلان نسبته لابن قتيبة عدا رواياته الباطلة التي يقضي بعضها على بعض، وأما شرح نهج البلاغة فلا حجة به علينا، لأن الكتاب وشارحه ليس من أهل السنة بل شيعي معتزلي(1)، وهو يعتمد الغث والسمين في شرحه ولا يفرق بين الصحيح والسقيم بخلاف أهل السنة الذين يعتبرون الإسناد من الدين لأنه لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء بالضبط كما هو حال الرافضة، بالإضافة إلى أنه ليس مؤرخاً كما يدعي التيجاني فهو مجرد شارح لنهج البلاغة، ومع ذلك لم أعثر على هذه القصة وإنما عثرت على خلافها فقد قال (( واعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة أبا بكر كان في أمرين في الميراث والنحلة وقد وجدت في الحديث أنها نازعت في أمر ثالث ومنعها أبو بكر إياه أيضاً وهو سهم ذوي القربى ))(2)
__________
(1) هو عز الدين عبد الحميد بن أبي الحسن بن أبي الحديد المدائني صاحب شرح نهج البلاغة المشهور ( هو من أكابر الفضلاء المتبعين، وأعاظم النبلاء المتبحرين موالياً لأهل بيت العصمة والطهارة ـ وحسب الدلالة على علو منزلته في الدين وغلوه في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، شرحه الشريف الجامع لكل نفيسة وغريب، والحاوي لكل نافحة ذات طيب ) راجع كتاب ( روضات الجنات) لشيخ الإمامية الخوانساري، وانظر هامش كتاب الشيعة وأهل البيت ص (49 ـ 50).
(2) شرح نهج البلاغة جـ4 ص (86) فصل (فيما اختلفت فيه السيدة مع أبي بكر من أمور ثلاثة ).(171/85)
ثم ذكر الحديث، بل وأنكر مقولة من يقول أن أبا بكر تعمد إيذاء فاطمة من أجل الخلافة فقال ((... وقال علوي من الحِلَّة يعرف بعلي بن مهنأ ذكي ذو فضائل: ما تظن قصد أبي بكر وعمر بمنع فاطمة فَدَك، قلت: ما قصدا، قال: أرادا أن لا يظهر لعليّ وقد اغتصباه الخلافة، رقة ولينا وخذلاناً، ولا يرى عندهما خوراً فاتبعا القرح بالقرح، وقلت لمتكلم من متكلّمي الامامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل وهل كانت فدك إلا نخلا يسيراً وعقارا، ًليس بذلك الخطير فقال لي الأمر كذلك بل كانت جليلة جداً وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا أن يتقوى عليُّ بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة ولهذا اتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلى سائر بني هاشم وبني المطلب وحقهم في الخمس فإن الفقير الذي لا مال له تضعف همته ويتصاغر عند نفسه ويكون مشغولاً بالإحتراف والإكتساب عن طلب الملك والرئاسة، فانظر إلى ما قد وقر في صدور هؤلاء، وهو داء لا دواء له وما أكثر ما تزول الأخلاق والشيم، فأما العقائد الراسخة فلا سبيل إلى زوالها ))(1)!! هل يوجد أكثر من ذلك؟ نعم ... يرد الشبه ويدفعها عن الصحابة وأولهم أبو بكر وعمر فيقول: (( واعلم أنّا نذكر في هذا الفصل ما رواه رجال الحديث وثقاتهم وما أودعه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه وهو من الثقات الأمناء عند أصحاب الحديث وأما ما يرويه رجال الشيعة والأخباريون منهم في كتبهم من قولهم أنهما أهاناها واسمعاها كلاماً غليظاً وأن أبا بكر رق لها حيث لم يكن عمر حاضرا فكتب لها بفدك كتاباً فلما خرجت به وجدها عمر فمد يده إليه ليأخذه مغالبةً فمنعته فدفع بيده في صدرها وأخذ الصحيفة فحرقها بعد أن تفل فيها فمحاها وإنها دعت عليه فقالت: بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي فشئ لا يرويه أصحاب الحديث ولا ينقلونه وقدر الصحابة يجل عنه وكان عمر أتقى
__________
(1) شرح نهج البلاغة جـ4 ص (88).(171/86)
لله وأعرف لحقوق الله من ذلك وقد نظمت الشيعة بعض هذه الواقعة التي يذكرونها شعراً ـ ثم يذكر الشعر ويعلق عليه بقوله ـ فانظر إلى هذه البلية التي صبّت من هؤلاء على سادات المسلمين وأعلام المهاجرين وليس ذلك بقادح في علو شأنهم وجلالة مكانهم، كما أن مبغضي الأنبياء وحسدتهم ومصنفي الكتب في إلحاق العيب والتهجين لشرائعهم لم تزد لانبيائهم إلا رفعة ولا زادت شرائعهم إلا انتشاراً في الأرض وقبولاً في النفس وبهجة ونوراً عند ذوي الألباب ))(1) هذا هو رأي ابن أبي الحديد الشيعي في الصحابة الكرام الذي يحتج به التيجاني موهماً أنه يلثم الصحابة ولكن أقول فماذا بعد الحق يا أهل العقول إلا الضلال؟! ...وبقية كلام التيجاني في هذه القضية فقد رددنا عليه بما يغني عن الإعادة والحمد لله رب العالمين.
ثالثاً: موقفه من أبي بكر في مبحث محاورة مع عالم والرد عليه في ذلك:
__________
(1) شرح نهج البلاغة جـ4 ص (88).(171/87)
يبدأ التيجاني محاورته مع من يدعي أنه عالم من علماء أهل السنة في محاورة طويلة ولكني سآخذ المهم من هذه المحاورة المزعومة وهي محاولة التيجاني الطعن في أبي بكر وعمر، ففي معرض محاورته مع ذاك العالم يحاول التشكيك بأبي بكر محتجاً بما رواه الإمام مالك في موطئه فيقول (( ... فما كان مني إلا أن أسرعت إلى البيت وأتيتهم بكتاب الموطأ للإمام مالك وصحيح البخاري وقلت يا سيدي: إنّ الذي بعثني على هذا الشك هو رسول الله نفسه وفتحت كتاب الموطأ وفيه روي مالك أنّ رسول الله (ص) قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر الصديق، ألسنا يا رسول الله إخوانهم أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا، فقال رسول الله (ص): بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي! فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال ( إننا لكائنون بعدك ).... وبعد ما قرأ الشيخ العالم والحاضرون معه الأحاديث تغيّرت وجوههم وبدأوا ينظرون بعضهم إلى بعض ينتظرون ردّ العالم الذي صدم فما كان منه إلا أن رفع حاجبيه علامة التعجب وقال ( وقل رب زدني علما ) ..))(1)!! أقول:
1ـ هذا الحديث مرسل ومنقطع عند جميع رواة الموطّأ، ومعلوم أن الحديث المرسل مردود عند جمهور المحدثين والفقهاء للجهل بحال الراوي فيفقد شروط الصحة، وحجة عند أبي حنيفة ومالك وأحمد في الراجح من مذهبه.
__________
(1) ثم اهتديت ص (128 ـ 129).(171/88)
2ـ أما بالنسبة لشرح الحديث فهو خلاف ما اخترعه هذا التيجاني حسب فهمه المقلوب فإن قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : هؤلاء أشهد عليهم أي بالإيمان والبذل في سبيل الله فلما قال ذلك سأله أبو أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله إخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلى! ـ أي أنتم مسلمون مثلهم ومجاهدين في سبيل الله ـ ولكن لا أدري ما تحدثون ـ أي لا أعلم ما سوف تفعلون بعد وفاتي وأبو بكر لم يسأله عن نفسه ولكنه سأله بصيغة الجمع، فأجاب بنفس الصيغة أنه لا يعلم ما سيكون بعده ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم الغيب أي ما سيحدث في المستقبل وبعد مماته ـ إلا بما أخبره به الله سبحانه وتعالى ـ يقول الله سبحانه وتعالى { قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء أن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون } ( الأعراف 188 ) فبكى أبو بكر لأنه علم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيفارقهم وذلك واضح في قول أبي بكر ( أئنا لكائنون بعدك ) أي سنعيش بعدك يا رسول الله وبالطبع لم يبك لأنه يعلم أنه سيحدث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم !!
3ـ لو كان تفسير الآيات وفهم النصوص النبوية يعتمد على الأهواء والكذب الرخيص لكانت حجج المستشرقين أقوى من حجج التيجاني ولأصبح الطعن بالكتاب والسنة حجة لكل أبله مثله والعجيب أنه يقول في كتابه (( فكتاب الله صامت، وحمّال أوجه، وفيه المحكم والمتشابه ولا بد لفهه من الرجوع إلى الرّاسخين في العلم حسب التعبير القرآني وإلى أهل البيت حسب التفسير النبوي ))(1).
__________
(1) لا شك أن هذه الجملة باطلة ولكني استشهدت بها لأبين مدى تناقض التيجاني المتكرر!(171/89)
فهل تفسيرك للحديث رجعت فيه إلى أهل البيت؟ وعلى أضعف الإيمان هل رجعت إلى الراسخين في العلم حتى تفهم معنى الحديث؟ وإذا قلت أن الحديث مرو عن طريق أهل السنة فإما أن ترفض الحديث أو ترجع فيه لشرح علماء أهل السنة مرغماً وإليك شروحهم:
4ـ هذا وقد شرح الموطأ لمالك مجموعة من أهل العلم لا بد لنا أن نأتي بأقوالهم وشروحهم لهذا الحديث:
أـ يقول الزرقاني ((...هؤلاء أشهد عليهم ) بما فعلوه من بذل أجسامهم وأرواحهم وترك من له الأولاد أولاده ( فقال أبو بكر الصديق ألسنا يا رسول الله بإخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا ) فلم خص هؤلاء بشهادتك عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بلى أنتم إخوانهم ألخ ( ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي ) فلذا خصصتهم بالشهادة المستفادة من حصر المبتدأ في الخبر بقوله هو لا أشهد عليهم ( فبكى أبو بكر ثم بكى ) كرّره لمزيد أسفه على فراق المصطفى ( ثم قال أئنا لكائنون ) أي موجودون ( بعدك ) استفهام تأسف لا حقيقي لاستحالته من أبي بكر بعد أن أخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم ))(1).
__________
(1) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك جـ3 ص(49 ـ 50).(171/90)
ب ـ يقول ابن عبد البر (( ... ومعنى قوله: أشهد عليهم ـ أي أشهد لهم بالإيمان الصحيح والسلامة من الذنوب الموبقات، ومن التبديل والتغيير، والمنافسة في الدنيا، ونحو ذلك ـ والله أعلم. وفيه من الفقه دليل على أن شهداء أحد ومن مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ قبله أفضل من الذين تخلفهم بعده ـ والله أعلم. وهذا ـ عندي ـ في الجملة المحتملة للتخصيص، لأن من أصحابه من أصاب من الدنيا بعده وأصابت منه، وأما الخصوص والتعيين، فلا سبيل إليه إلا بتوقيف يجب التسليم له. وأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين تخلفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعده، فأفضلهم: أبو بكر وعمر، على هذا جماعة علماء المسلمين إلا من شذ، وقد قالت طائفة كثيرة من أهل العلم: إن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر وعمر لم يستثنوا من مات قبله ممن مات بعده ))(1) ثم قال ((... وأما قوله أنا أشهد لهؤلاء وأنا شهيد لهؤلاء ونحو هذا فقد روى هذا اللفظ ومعناه من وجوه ثم ساق عدة روايات ومنها هذه الرواية ((...وأخبرنا خلف بن القاسم، قال حدثنا ابن أبي العقب، حدثنا أبو زرعة، حدثنا الحكم بن نافع أبواليمان، حدثنا شعيب عن الزهري، أخبرني أيوب بن بشير الأنصاري عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين خرج تلك الخرجة استوى على المنبر فتشهد، فلما قضى تشهده كان أول كلام تكلم به: أن استغفر للشهداء الذين قتلوا يوم أحد، ثم قال: إن عبداً من عباد الله خيّر بين الدنيا وبين ما عند ربه فاختار ما عند ربه ففطن بها أبو بكر الصديق أوّل الناس وعرف إنما يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه، فبكى أبو بكر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : على رسلك سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب
__________
(1) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر جـ21 ص (228).(171/91)
أبي بكر، فإني لا اعلم امرءاً أفضل عندي يداً في الصحبة من أبي بكر ))(1).
ثم يتقيأ هذا التيجاني ويقول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد شك في أبي بكر؟ فيا للعجب!
جـ ـ يقول الإمام الباجي ((... وقول أبي بكر رضي الله عنه ألسنا يا رسول الله باخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا على وجه الإشفاق لما رأى من تخصيصهم بحكم كان يرجوا أن يكون حظه منه وافراً وأن يكون حظ جميع من شركه فيه من الصحابة ثابتاً فقال أن عملنا كعملهم في الإيمان الذي هو الأصل والجهاد الذي هو آخر عملهم فهل تكون شهيداً لنا كما أنت شهيدا لهم فقال صلى الله عليه وآله وسلم بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي، قال قوم إن الخطاب وإن كان متوجهاً إلى أبي بكر فإن المراد به غيره ممن لم يعلم صلى الله عليه وآله وسلم بما آل حاله وعمله وما يموت عليه وأما أبو بكر رضي الله عنه فقد أعلم أنه من أهل الجنة، والنبى صلى الله عليه وآله وسلم شهيد له بذلك لظاهر عمله الصالح ولما قد أوحي إليه وأُعْلِمَ من رضوان الله تعالى عنه ولكنه لما سأل أبو بكر واعترض بلفظ عام ولم يخص نفسه بالسؤال عن حاله كان الجواب عاماً، وقد بيّن تخصيصه بأنه ليس ممن يحدث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً مما يحبط عمله بما تقدم وتأخر عن هذا الحال من تفضيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم له واخباره بما له عند الله من الخير وجزيل الثواب وكريم المآب. قال القاضي أبي الوليد رضي الله عنه ويحتمل عندي وجهاً آخر، وهو أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: هؤلاء أشهد عليهم بما شاهدت من عملهم في الجهاد الذي أدى إلى قتلهم في سبيل الله ولذلك لم يقل أنه شهيد لمن حضر هذا اليوم وقاتل وسلم من القتل كعليّ وطلحة وأبي طلحة وغيرهم ممن أبلى ذلك اليوم، ومن هو أفضل من كثير ممن قتل ذلك اليوم، لكنه خصّ هذا الحكم بمن شاهد النبي صلى الله عليه
__________
(1) المصدر السابق جـ21 ص (230).(171/92)
وآله وسلم جهاده إلى أن قتل، ويكون على معنى هذا قوله لأبي بكر رضي الله عنه: بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي، لم يرد به الحدث المضاد للشريعة وإنما أراد به جميع الأعمال الموافقة للشريعة والمخالفة لها، فيكون معنى ذلك أن ما تعملونه بعدي لاأشاهده، فلا أشهد لكم به وأن علمت أن منكم من يموت على ما يرضي الله من الأعمال الصالحة، إلاّ أنها لم تعين لي فيقال لي أنه يجاهد في الموطن كذا وأن الواحد منكم يقتل زيداً أو يقتله عمرٌ، وكما شاهدت من حال هؤلاء، فلذلك لا أكون شهيداً لكم بنفس الأعمال وتفصيلها، كما أشهد على تفصيل عمل هؤلاء وأن شهدت لبعضكم بجملة العمل بالوحي واعلام الله، فعلى هذا يكون قوله: ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي متوجّهاً إلى جميع الصحابة من أبي بكر وغيره. ( فصل ) وقوله: فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال أئنا لكائنون بعدك، يريد أنه أطال البكاء وكرره وأظهر معنى بكائه بقوله: أئنا لكائنون بعدك كأنه للإشفاق من البقاء بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإنفراد دونه وفقد بركته ونعمة الله على أمته به،وهذا يدل على أنه قد فهم أبو بكر رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي أنه لا يخاف أو يجوز أن يكون من أبي بكر حدث يضاد الشريعة ويخالف به من أجله عن سبيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن بكاءه لذلك كان أولى له وكان حكمه على ذلك بأن يقول ائنا لمحدثون بعدك حدثاً يصد عن سبيلك ونخالف به طريقتك ولما لم يقل ذلك ولا بكى من أجله وإنما بكى من أجل فراقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبقائه بعده علمنا أنه فهم منه ما قدمنا ذكره والله أعلم ))(1) فهذا هو قول أهل العلم في هذا الحديث والذي يظهر جلياً مدى جهل هذا التيجاني بفقه الحديث وتحامله على الصحابة العظام.
__________
(1) الموطأ شرح الباجي جـ3 ص (207 ـ 208).(171/93)
أما قوله (( فقلت: إذا كان رسول الله (ص) هو أول من شك في أبي بكر ولم يشهد عليه لأنه لا يدري ماذا سوف يحدث بعده ))(1) فأقول:
1ـ قد ظهر واضحاً لكل عاقل من خلال الشروح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقصد أبا بكر الصديق بقوله: لا أدري ما تحدثون بعدي. ولكن كلامه عام على جميع الصحابة بخلاف هؤلاء الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
2ـ من المسلم به أنّ اليقين لا ينتفي بالشك، ومن المعلوم يقيناً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهد لأبي بكر بالجنة في الكثير من الروايات، منها ما رواه الترمذي والطبراني في الكبير عن عائشة قالت: أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال (( أنت عتيق الله من النار ))(2) وفي الحديث الذي رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري في جزء منه (( فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت من هذا؟ فقال: أبو بكر . فقلت على رسلك، ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن له وبشِّرْهُ بالجنة. فأقبلتُ حتى قلتُ لأبي بكر: ادخُل ورسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يبشِّرك بالجنةِ ))(3) وأخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( أبو بكر في الجنة و....الخ ))(4) وأخرج الترمذي أيضاً عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ طلع أبو بكر، وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( هَذَان سيِّدا كهول أهل الجنة، من الأولين والآخرينَ، إلاالنَّبينَ والمُرْسلينَ، يا عليُّ: لاتُخْبِرهُما ))(5)
__________
(1) ثم اهتديت ص (129).
(2) سنن الترمذي كتاب المناقب برقم (3679) والطبراني في الكبير جـ1 برقم (7 ـ 10). وراجع صحيح الترمذي برقم (2905).
(3) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3471) جـ3.
(4) سنن الترمذي كتاب المناقب ـ باب ـ مناقب عبد الرحمن بن عوف برقم (3747).
(5) سنن الترمذي كتاب المناقب برقم (3665).(171/94)
، وقد أثبت الله لهذا الصحابي الجليل الصحبة لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا...} ( التوبة 40 ) ففي الآية فضل أبي بكر الصديق لأنه انفرد بهذه المنقبة حيث صاحب رسول صلى الله عليه وآله وسلم .في تلك السفرة ووقاه بنفسه(1) ولهذا قال سفيان بن عيينة وغيره: إن الله عاتب الخلق جميعهم في نبيه إلا أبابكر. وقال: من أنكر صحبة أبي بكر فهو كافر، لأنه كذَّب القرآن. ))(2) ثم يدع بعد ذلك التيجاني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد شك في أبي بكر! ولكن من خلال هذه الأدلة من الكتاب والسنة يعلم طالب الحق يقيناً لا شكاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي شهد لأبي بكر بالجنة لا يشك به قطعاً وإلا لكان هذا تناقضاً منه وحاشاه ذلك فيكون قوله : لا أدري ما تحدثون بعدي. على سبيل اليقين والرؤية كما عاين ورأى شهداء أحد. ثم يقول ((... فمن حقي أن أشك وأن لا أفضّل أحداً حتى أتبيّن وأعرف الحقيقة، ومن المعلوم أن هذين الحديثين يناقضان كل الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها، لأنهما أقرب للواقع المعقول من أحاديث الفضائل المزعومة: قال الحاضرون وكيف ذلك؟ قلت: أن رسول الله (ص) لم يشهد على أبي بكر وقال لو إنني لا أدري ماذا تحدثون بعدي! فهذا معقول جداً وقد قرّر ذلك القرآن الكريم والتاريخ يشهد أنهم بدّلوا بعده ولذلك بكى أبو بكر وقد بدّل وأغضب فاطمة الزهراء بنت الرسول ـ كماسبق ـ وقد بدل حتى ندم قبل وفاته وتمنّى ألا يكون بشراً. أما الحديث الذي يقول ( لو وزن إيمان أمتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر ) فهو باطل وغير معقول: ولا يمكن أن يكون رجلاً قضى أربعين سنة من عمره يشرك بالله ويعبد الأصنام أرجح إيماناً من أمة محمد
__________
(1) فتح الباري جـ7 ص (12).
(2) منهاج السنة جـ8 ص (381).(171/95)
بأسرها، وفيها أولياء الله الصالحين والشهداء والأئمة الذين قضوا أعمارهم كلها جهاداً في سبيل الله، ثم أين أبو بكر من هذا الحديث؟ لو كان صحيحاً لما كان في آخر حياته يتمنى ألا يكون بشراً. ولو كان إيمانه يفوق إيمان الأمة ما كانت سيدة النساء، فاطمة بنت الرسول (ص)، تغضب عليه وتدعو الله عليه في كل صلاة تصلِّيها ))(1).
1ـ قوله أن هذين الحديثين يناقضان كل الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها من أشد أقواله عجباً! فلست أدري على أي مبدأ استند في إبطال أحاديث صحيحة؟ فالحديث الذي يستند عليه التيجاني هو حديث مرسل كما بينت سابقاً في حين أنه يرى ضعف الحديث المرسل ففي مكان آخر من كتابه يحتج على أهل السنة بحديث ( يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) تراه يضعّف حديث ( كتاب الله وسنتي ) بحجة أنه حديث مرسل!؟ فيقول بالهامش (( أخرج مسلم في صحيحه والنسائي والترمذي وابن ماجه وأبي داود في سننهم الحديث المذكور بلفظ ( كتاب الله وعترتي ) مسنداً إلى رسول الله (ص). أما لفظ سنتي(2) فلم يرد في أي من الصحاح الست، وأخرج الحديث بهذا اللفظ مالك بن أنس في موطّئه ونقله مرسل غير مسند (!!!)، وأخذ عنه بعد ذلك البعض كالطبري وابن هشام ونقلوه مرسلاً كما ورد عن مالك ))(3) فكيف يحتج هنا بالحديث المرسل على بطلان الأحاديث الصحيحة المسندة؟! السبب بسيط أنه يريد أن يظهر حقيقة إنصافه المزعوم وتلاعبه المأثوم بالقراء الكرام فمرحا بالهداية!
__________
(1) ثم اهتديت ص (129 ـ 130).
(2) سنبين صحة هذا الحديث في موضعه.
(3) ثم اهتديت ص (151 ـ 152).(171/96)
2ـ يبدو أن التيجاني عنده من الشجاعة العلمية في إثبات الأحاديث التي يهواها فتتحول إلى أحاديث مسندة في نظره، أما الأحاديث التي تثبت فضائل الصحابة فليس عنده هذه الشجاعة العلمية في نقدها سنداً ومتناً فتتحول بدون مقدمات إلى أحاديث باطلة ولو كانت من أصح الأسانيد! وأقول إذا كانت كل الأحاديث التي تذكر فضائل أبي بكر باطلة فأظن أن شهادة الله سبحانه بفضل أبي بكر وتقواه وبصحبته النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست باطلاً!؟ فشهادة الله هذه لأبي بكر تقتضي أن أحاديث فضائل أبي بكر صحيحة وهذه قضية منطقية ومعقولة جداً، لأن من شهد الله له بالتقوى والطهارة لا بد أن يشهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.
3ـ أما قوله أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يشهد على أبي بكر وقال له إنني لا أدري ماذا تحدثون بعدي.(171/97)
قلت: بل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شهد لأبي بكر في هذا الحديث عندما قال له أبو بكر ألسنا يا رسول الله إخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا؟! فقال له: بلى! فهذه شهادة منه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ولكنه استدرك بأنه لا يعلم ما سيكون منهم على سبيل الرؤية والتعيين بالإضافة إلى أن سياق الجملة لا يستساغ بلاغياً فكيف يقول التيجاني أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يشهد على أبي بكر ويقول له أنني لا أدري ما تحدثون بعدي، فكيف يخاطب أبا بكر بصيغة الجمع وهو مفرد، بل لأن أبا بكر خاطبه بصيغة الجمع واعترض بلفظ عام ولم يخص نفسه بالسؤال عن حاله، كان الجواب عاماًوعلى أقل تقدير أن يكون هو من ضمن المخاطبين، وبما أننا علمنا أن علياً بن أبي طالب كان من المقاتلين في أحد ولم يستشهد فيها فعلى ذلك لا بد أن يشمله الخطاب لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم ما سيحدث له بعده مثله كمثل بقية المخاطبين فكل ما بناه التيجاني الوبيّ على هذا الحديث من الطعن على أبي بكر وعمر يدخل فيه علي!! فهذا معقول جداً؟! أما قوله ( وقد قرر ذلك القرآن الكريم والتاريخ يشهد أنهم بدّلوابعده...)!!! فهذا من أقبح الكذب إذ كيف يقرر القرآن أن الصحابة بدلوا ؟! فأين هذه الآيات التي تدل على هذا التخرص فلو كانت عنده بينة لأتى بها اللهم إن كان يقصد مصحف فاطمة؟! وأما إذا ادعى أنه بيّن هذه الكذبة في فصل رأي القرآن في الصحابة فقد دحضت افتراءاته بحول الله تعالى وفضله منه بما يقنع كل من يريد الحق ويرتضيه وأما بالنسبة لما قرره القرآن حقاً فيتضح في قوله تعالى { لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون، أعدّ الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم } ( التوبة 88 ـ 89 ) فأسأل هذا التيجاني المهتدي هل هؤلاء المذكورون في الآية هم علي وابناه الحسن(171/98)
والحسين اللذان لم يكونا قد بلغا الحلم؟ بالإضافة إلى الثلاثة أو السبعة الذين يبقي الرافضة على صحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عدا جميع الصحابة وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير؟! وهل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاهد المشركين في بدر والذين وصل تعدادهم إلى ألف مقاتل، وفي أحد وكانوا ثلاثة آلاف مقاتل، وغيرها من الغزوات بهؤلاء النفر الذين لم يتجاوزوا العشرة يا تيجاني؟!؟ وقوله تعالى { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } ( التوبة 100 )، فنسأل التيجاني من هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؟!.. هل هم علي والسبعة المرضيون عندكم؟!! سبحان الله فوالله لست أدري كيف يُهدى البعض إلى عقيدة تخالف النقول وتهين العقول؟!، فأسأل الله الكبير المتعال أن يقينا شرور هؤلاء المرجفين وشرور ما يرددون من أباطيلهم وجميع المسلمين اللهم آمين.(171/99)
4ـ يقول الله سبحانه { للفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فؤلئك هم المفلحون } ( الحشر 8 ـ 9) وإنني لن أسأل التيجاني فيمن تعنيهم هذه الآية وسأوفر عليه الجواب وسأدع الإمام الرابع عند الاثني عشرية وهو عليّ بن حسين يجيب عن ذلك فقد روى علامتهم عليّ بن أبي الفتح الأربلي في كتابه ( كشف الغمّة في معرفة الأئمة ) عن علي بن الحسن أنه (( قدم عليه نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم، قال لهم: ألا تخبروني أنتم { المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون }؟ قالوا: لا، قال: فأنتم { الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة }؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم { والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا } أخرجوا عني فعل الله بكم ))(1)! فهذا هو قول الإمام الرابع فيمن نزلت فيهم هذه الآيات، وهو يرد على من أغلقت عقولهم وعمّيت أبصارهم، فأخذوا يطعنون بأبي بكر وعمر وعثمان فأخرسهم بهذه الآيات البينات، فأقول للتيجاني هل ما زلت تصدق أنك قد اهتديت؟؟!
__________
(1) كشف الغمة جـ2 ص (291) تحت عنوان ( فضائل الإمام زين العابدين ).(171/100)
5ـ وأما قوله ( أما الحديث الذي يقول ( لو وزن إيمان أمتي بأيمان أبي بكر ) فهو باطل وغير معقول ولا يمكن أن يكون رجلاً قضى أربعين سنة من عمره يشرِك بالله ويعبد الأصنام أرجح إيماناً من أمة محمد بأسرها..ألخ، وللإجابة على ذلك أقول:
أـ يلاحظ القارئ أن التيجاني أبطل حديثاً لا لشئ سوى أن عقله الواعي لا يقبله، فمعنى ذلك أن علم الجرح والتعديل علم لا قيمة له لأن العقل هو الحاكم الذي يحكم على الحديث بالقبول أو الرد، وهذا يعني أيضاً أنه لو اختلق البعض أحاديث مدعياً أنها من فم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واستساغتها عقول بعضهم لأصبحت أحاديث صحيحة؟! وهذا القول سيفتح الباب على مصراعيه للمستشرقين وأفراخهم للطعن بالسنة بحجة أن عقولهم الصدئة لا تستسيغ أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بفضل العلم الجديد الذي استحدثه المجتهد التيجاني في قبول الأحاديث أو ردها؟! فابحث أخي القارئ بعد ذلك عن دينك؟؟!(171/101)
ب ـ أما الحديث (لو وزن ...) فهو حديث موقوف على عمر فقد رواه أسحاق بن راهويه والبيهقي في الشعب بسند صحيح عنه (( ورواية عن عمر هذيل بن شرحبيل، وهو عند ابن المبارك في الرهد، ومعاذ بن المثنى في زيادات مسند مسدد، وكذا أخرجه ابن عدي في ترجمة عيسى بن عبد الله من كامله، وفي مسند الفردوس، معاًمن حديث ابن عمر مرفوعاً، بلفظ: ( لو وضع أيمان أبي بكر على إيمان هذه الأمة لرجح بها )، وفي سنده عيسى بن عبدالله بن سليمان، وهو ضعيف، لكنه لم ينفرد به، فقد أخرجه بن عدي أيضاً من طريق غيره بلفظ: ( لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجحهم ). وله شاهد في السنن أيضاً، عن أبي بكرة مرفوعاً: أن رجلاً قال: يا رسول الله، رأيت كأن ميزاناً أنزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت، ثم وزن أبو بكر بمن بقي فرجح، الحديث ))(1)، وعلى ذلك إن كانت هذه الرواية في رفعها إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضعف ولكن حديث أبي داود يشهد لها بالصحة وعلى العموم فأبو بكر الصديق من أكثر الناس إيماناًوتقوى وصلاحاً!
ت ـ أما قوله ( ولا يمكن أن يكون رجل قضى أربعين سنة من عمره يشرك بالله ويعبد الأصنام أرجح إيماناً من أمة محمد بأسرها، وفيها أولياء الله الصالحين والشهداء والأئمة الذين قضوا أعمارهم كلّها جهاداً في سبيل الله ). وجواب ذلك من وجوه:
__________
(1) المقاصد الحسنة للسخاوي برقم (908) ص (555).(171/102)
1ـ كيف علم التيجاني أن أبا بكر قضى أربعين سنة يشرك بالله ويعبد الأصنام، فهل جاء ببينة على دعواه هذه بدل أن يتقيأ هذا الكذب الذي استمرأه؟ فإن احتج أنه لم يكن أحد مؤمناً قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا يعبدون الأصنام ولا شك أن أبا بكركان واحداً منهم. قلت: وكذلك الصبيان كانوا يعبدون الأصنام كعليّ لأن الصبي المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر باتفاق المسلمين وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (( ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهوَّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه، كما تُنْتَج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تُحسون فيها من جَدْعاء ))(1)، وإن ادّعى التيجاني أن كفر الصبي ليس مثل كفر البالغ، قلت ولا إيمان الصبي مثل إيمان البالغ، فإسلام أبي بكر مخرجاً له من الكفر باتفاق المسلمين، وأما إسلام علي فهل يكون مخرجاً له من الكفر علي قولين مشهورين ومذهب الشافعي أن إسلام الصبي غير مخرج له من الكفر(2) بالإضافة إلى أن أبابكر لم يتلعثم عند إسلامه فعن محمد بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (( ما عرضّت الإسلام على أحد، إلا كانت له عنده كبوة وتردد، غير أبي بكر، فإنه لم يتلعثم ))(3) والغريب في الأمر أن الشيعة الاثني عشرية يروون أن علياً تردّد في قبول الإسلام وطلب الإمهال من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال ((... إن هذا مخالف دين أبي، وأنا أنظر فيه ))(4)!؟
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الجنائز برقم (1293).
(2) راجع منهاج السنة جـ8 ص (286).
(3) راجع الشيخان أبو بكر الصديق للبلاذري ص (21).
(4) سعد السعود لأبي القاسم علي بن موسى المعروف بابن طاووس ص (216) مكتبة الرضى ط. قم(171/103)
2ـ أما بالنسبة لعبادة أبي بكر للأصنام فإنه لم يثبت أنه سجد لصنم قط (( قال أبو بكر رضي الله عنه في مجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ما سجدت لصنم قط، وذلك أني لما ناهزت الحكم أخذني أبو قحافة بيدي فانطلق بي إلى مُخدع فيه الأصنام، فقال لي: هذه آلهتك الشمّ العوالي، وخلاّني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمني فلم يجبني، فقلت: إني عار فاكسني فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخرّ لوجهه ))(1) فكيف يدعي إذاً هذا التيجاني الأنوك على أبي بكر أنه قضى أربعين سنة يشرك بالله ويعبد الأصنام!؟... وبالنسبة لعلي وأنه سجد لصنم أم لا فليس عندنا نقل يثبت ذلك فلا نجزم بعدم سجوده للأصنام ولأنّ أهل قريش كانوا يسجدون للأصنام الرجال والنساء والصبيان!
3ـ ولو فرضنا أن أبا بكر مكث أربعين سنة يشرك بالله ويعبد الأصنام فما من شك أن المشرك إذا تحول للإسلام فإن الله يغفر له ما قد سلف كما يقول الله سبحانه { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ( الأنفال 38 ) وفي الحديث الطويل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عمرو بن العاص عندما جاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد الإسلام ولكنه إشترط أن يغفر الله له فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟...))(2) فاعتناق الإنسان للإسلام يَجُبُّ ما اقترفه وأصابه ويمحوه.
__________
(1) راجع التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر جـ3 ص (31) ومختصر المحاسن المجتمعة لعبد الرحمن الصفوري ص (38).
(2) صحيح مسلم مع الشرح كتاب الإيمان ـ باب ـ هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية برقم (192).(171/104)
4ـ وهذه الحقيقة يؤكدها أيضاً الرافضة الإمامية فقد روى إمامهم الكليني في كتابه ( أصول الكافي ) تحت ( باب ) ـ أنه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهلية ـ فعن أبي جعفر عليه السلام قال (( إنّ ناساً أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما أسلموا فقالوا: يا رسول الله أيؤخذ الرجل منا بما كان عمل في الجاهلية بعد إسلامه؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من حسن إسلامه وصحَّ يقين إيمانه لم يؤاخذه الله تبارك وتعالى بما عمل في الجاهلية، ومن سَخُفَ إسلامه ولم يصحّ يقين إيمانه أخذه الله تبارك وتعالى بالأوّل والآخر ))(1) وحتى التيجاني نفسه يعترف بهذه الحقيقة فيقول (( وليست لي أي عداوة لأبي بكر (!) ولا لعمر ولا لعثمان ولا لعلي ولا حتى لوحشي قاتل سيدنا حمزة ما دام أنه أسلم والإسلام يجب ما قبله وقد عفى عنه رسول الله (ص) ))(2)!؟ فكيف يؤاخذ أبو بكر على جاهليته، والإسلام بجب ما قبله؟ الجواب واضح وهو أنه ليست له أي عداوة لأبي بكر؟؟!
5ـ (( أنه ليس كل من ولد على الإسلام بأفضل ممن أسلم بنفسه كأبي بكر وعمر، بل قد ثبت بالنصوص المستفيضة أن خير القرون القرن الأول وعامتهم أسلموا بأنفسهم بعد الكفر، وهم أفضل من القرن الثاني الذين ولدوا على الإسلام))(3).
__________
(1) أصول الكافي جـ2 ص (333).
(2) ثم اهتديت ص (80).
(3) منهاج السنة بتصرف جـ8 ص (284).(171/105)
جـ ـ أما إدعاؤه أن أبا بكر لا يمكن أن يكون أرجح إيماناً من أمة محمد وفيها أولياء الله الصالحين والشهداء والأئمة الذين قضوا أعمارهم كلها جهاداً في سبيل الله. قلت: لا يشك أي منصف أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه من كبار أولياء الله الصالحين والأئمة المهتدين الذين قضوا أعمارهم كلها جهاداً في سبيله فهو من أحب وأقرب الناس إلى سيد الأولياء والصالحين محمد صلى الله عليه وآله وسلم لدرجة أنه كان يغضب لمن يؤذي أبا بكر فقد أخرج البخاري فيى صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال (( كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ أقبل أبو بكر آخذ بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه، قفال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أما صاحبكم فقد غامر، فسلّم وقال: يا رسول الله، إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيءٌ، فأسرعت إليه ثم ندمتُ، فسألته أن يغفر لي فأبى علىَّ، فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك ياأبابكر ( ثلاثاً ). ثمّ إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمَّ أبو بكر؟ فقالوا: لا. فأتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتمعَّرُ، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم ( مرتين ). فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدقَ، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ ( مرتين ) فما أوذي بعدها ))(1) وعن أبي عثمان قال (( حدّثني عمرو بن العاص رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحبُّ إليك؟ قال: عائشة. فقلت من الرجال؟ قال: أبوها، قلت ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعدّرجالاً ))(2). وهذا رأي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أيضاً، فعن محمد
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3461).
(2) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3462).(171/106)
بن الحنفية ـ وهو ابن عليّ ـ قال (( قلت لأبي: أي الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: أبو بكر. قلت ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين ))(1) وكان أبو بكر أكثر الصحابة عملاً للصالحات فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة ))(2) إضافة إلى شهوده جميع الغزوات مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومباشرته الأهوال التي كان (( يباشرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أول الإسلام إلى آخره، ولم يجبن ولم يحرج ولم يفشل، وكان يقدم على المخاوف، يقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه، يجاهد المشركين تارة بيده وتارة بلسانه وتارة بماله، وهو في ذلك كله مقْدِم ))(3) وعن علي رضي الله عنه قال (( قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدرٍ ولأبي بكر: مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيلُ ملكٌ عظيم يشهد القتال أو يكون في القتال ))(4) فبعد هذه الأدلة الواضحة يتّضح لكل طالب للحق أن أبا بكر كان من كبار أئمة الدين و أوليائه الصالحين، المجاهدين في سبيل الله، ولعل التيجاني لا يقتنع بهذه الحقائق الواضحة فاضطر لإيراد رأي أحد كبار الأئمة الاثني عشرية لتصبح الحقائق دامغة وحجةً على المكابرين والمعاندين وسلسبيلاً
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3468).
(2) مسلم مع الشرح ـ باب ـ فضائل الصحابة برقم (1028).
(3) المنهاج جـ8 ص (79).
(4) مسند أبي يعلى جـ1 برقم (340) مسند علي بن أبي طالب وقال المحقق: إسناده صحيح.(171/107)
للمطمئنين المهتدين، فقد أورد أبي الحسن الأربلي الاثني عشري في كتابه ( كشف الغمة ) عن (( عروة بن عبد الله قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن حلية السيوف، فقال: لا بأس به، قد حلّى أبو بكر الصديق رضي الله عنه سيفه، قلت: فتقول: الصديق؟ قال: فوثب وثبة واستقبل القبلة وقال: نعم الصديق، نعم الصديق، نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدّق الله له قولاً في الدنيا ولا في الآخرة ))(1) فهل يرتدع التيجاني ويكفينا إيراداً للأدلة المكذوبة على هدايته؟؟!، وأما بقية كلامه في هذا المبحث فقد رددنا عليه بحول الله وقوته فيما سبق والحمد لله أولاً وأخيراً.
رابعاًـ موقفه من أبي بكر في مبحث أسباب الإستبصار والرد عليه في ذلك : أـ النص على الخلافة:
يتحدث التيجاني عن الأسباب التي دعته للإستبصار إلى الطريق الحق فيقول (( أما الأسباب التي دعتني للاستبصار فكثيرة جداً ولا يمكن لي في هذه العجالة إلاّ ذكر بعض الأمثلة منها:
1ـ النص على الخلافة: لقد آليت على نفسي عند الدخول في هذا البحث أن لا أعتمد إلاّ ما هو موثوق عند الفريقين وأن أطرح ما انفردت به فرقة دون أخرى، وعلى ذلك أبحث في فكرة التفضيل بين أبي بكر وعلي بن أبي طالب وأنّ الخلافة إنّما كانت بالنص على علي كما يدّعي الشيعة أو بالإنتخاب والشورى كما يدّعي أهل السنة والجماعة.
__________
(1) كشف الغمة للأربلي جـ2 ص (360).(171/108)
والباحث في هذا الموضوع إذا تجرّد للحقيقة فإنّه سيجد النص على علي بن أبي طالب واضحاً جلياً كقوله (ص): ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) قال ذلك بعدما انصرف من حجة الوداع فعُقد لعلي موكب للتهنئة حتى أنّ أبا بكر نفسه وعمر كانا من جماعة المهنئين للإمام يقولان ) :بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ). وهذا النص مجمع عليه من الشيعة والسنّة، ولم أخرّج أنا في البحث ـ هذا ـ إلا مصادر السنّة والجماعة ومع ذلك لم أذكر المصادر كلها فهي أكثر بكثير مما ذكرت، وللإطلاع على المزيد من التفصيل ادعو القارئ إلى مطالعة كتاب الغدير للعلاّمة الأميني وقد طبع منه ثلاثة عشر مجلداً يحصي فيها المنصف رواة هذا الحديث من طريق أهل السنة والجماعة ))(1).
فأقول لهذا الدعي:
1ـ بالنسبة لقوله أن أهل السنة يقولون بأن الخلافة بالانتخاب والشورى فهذا قول ليس صحيحاً، لأن أهل السنة اختلفوا في خلافة أبي بكر، فقالت جماعة ان خلافة أبي بكر ثبتت بالنص الجلي أو الخفي، في حين قالت جماعة أخرى من أهل السنة أن الخلافة كانت بموافقة أهل الحل والعقد، وقد استدل الطرف الأول على وجود النص بالخلافة على أدلة قوية(2)، وعلى العموم يجب أن يُعلم أن ما يقوله هذا التيجاني من أنّ أهل السنة يجعلون الخلافة بالشورى ليس قول الجميع، فإن كان حقاً فهو قول بعضهم، وإن كان الحق هو بالنص الجلي أو الخفي فهو قول البعض الآخر فعلى التقديرين لم يخرج الحق عن أهل السنة.
__________
(1) ثم اهتديت ص (135ـ 136).
(2) راجع هذه الأدلة ص (51 ـ 52).(171/109)
2ـ أما قوله أن الشيعة ( الرافضة ) يدعون بأن الخلافة كانت بالنص على علي بن أبي طالب رضي الله عنه مستندين على عدة أحاديث فهذا ادعاء فاسد لأنهم يستندون على أدلة واهية ويستدلون على ألفاظ لا تدل أبداً إلى ما ذهبوا إليه وسيأتي تفصيل ذلك قريباً، ومن جانب آخر لو فرضنا أن القول بالنص على الخلافة هو الحق لم يكن لهذا الأمر دليل على ما يدعيه الشيعة الاثني عشرية، فإن الراوندية القائلين بإمامة العباس بن عبد المطلب يدعون النص الثابت عليه كما يدعي الرافضة بأن النص الثابت هو في علي، يقول القاضي أبو يعلى: (( واختلف الراوندية فذهب جماعة منهم إلى أن النبي نصَّ على العباس بعينه واسمه، واعلن ذلك وكشفه وصرَّح به، وأن الأمة جحدت هذا النص وارتدَّت وخالفت أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عناداً. ومنهم من قال: إن النص على العباس وولده من بعده إلى أن تقوم الساعة ))(1) وهذا الادعاء مثل إدعاء الرافضة ويناظره، وكلا القولين لا دليل على أي منهما ولم يقل بهما أحد من أهل العلم قاطبة بخلاف النص على أبي بكر الذي يعضِّده أقوال أهل العلم.
3ـ أما قوله أن الباحث عن الموضوع إذا تجرّد للحقيقة فإنه سيجد النص على عليّ بن أبي طالب واضح جليّ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( من كنت مولاة فهذا عليّ مولاه ). وللرد على ادعائه أقول:
أ ـ إختلف أهل الحديث في تصحيح وتضعيف هذا الحديث فمنهم من ضعفه ومنهم من حسّنه والذي أراه حقاً أن الحديث صحيح وثابت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا أستطيع أن أضعف هذا الحديث بالهوى كما يضعف هذا التيجاني الأحاديث التي لا يرغب فيها أو يراها تخالف خزعبلات وإلا فالمسألة بسيطة لأهل الأهواء، وهذا لمن أنصف وعلم أن أهل السنة يقفون عند النصوص الحديثية ويثبتونها إن كانت صحيحة الإسناد والمتن.
__________
(1) المنهاج جـ1 ص (500).(171/110)
ب ـ وادعاء التيجاني بأن الحديث نص واضح وجلي على عليّ فأقول يبدو أن الكلام لا يحتاج إلى كثير عناء، فمن السهل على أي إنسان فضلاً عن التيجاني! أن يقول ما يريد، فالكلام لا يشترى بالمال أو يباع، فليس الكلام بحد ذاته يعتبر دليلاً لمن فهم، فهذا التيجاني يدّعي أن هذا الحديث واضح وجلي ولم يتعنَّ ويظهر هذا الوضوح والجلاء، ولا برهان على كلامه وقد وصدق الشاعر:
والدعاوى مالم تقيموا عليها بينات فأصحابها أدعياء
ولكن ومع الأسف البرهان على عدم وجود هذا الوضوح والجلاء هو في نفس النص لأن النص كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع باعتراف التيجاني نفسه عند غدير خُم، ومعلوم أنه بعد حجة الوداع لم يرجع المسلمون كلهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بل رجع أهل مكة إلى مكّتهم وأهل الطائف إلى الطائف وأهل اليمن إلى يمنهم فلم يرجع معه إلا أهل المدينة فلو كان ما ذكره في غدير خُم بلاغاً للناس كافّة لذكره في حجة الوداع التي اجتمع فيها المسلمون كافة، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الحجة الإمامة بشيءٍ ولا ذكر علياً أصلاً، ومن هنا نعلم أن إمامة عليّ لم تكن وحياً منزلاً ولا منصوصاً عليها في دين الله عزوجل، ولا مما أُمر ببلاغها، فهذا الحديث ليس حُجّة على خلافته فضلاً عن وضوحه وجلائه!(171/111)
جـ ـ وبالنسبة لكلمة ( مولاه ) فلم يَرد بها الخلافة قطعاً ولا اللفظ يدل على ذلك لتعدّد معاني ( المولى ) ففي مختار الصحاح يقول الرازي (( ( المولى ) المُعتِقِ والمُعْتَقُ وابن العَمِّ والناصر والجار والحليف..... ( والموالاة ) ضد المعاداة )) وقال (( ( الوِلاية ) بالكسر السلطان و (الوَِلايةُ ) بالفتح والكسر النصرة ))(1)، وقال فيروز أبادي (( الوَلْيُ: القرب والدنو، ... والوَلِيُّ: الاسم منه، والمحب والصديق، والنصير، وولي الشئ، وعليه وِلايَةً وَوَلايَةً أو هي المصدر وبالكسر: الخطة والإمارة والسلطان... والمَوْلَى: المالك، والعبد، والمُعْتِقُ، والمُعتَقُ، والصاحب، والابن، والعم، والنزيل، والشريك، وابن الأخت، والوَلِيُّ، والرب، والناصر، والمُنْعِمُ، والمُنْعَمُ عليه، والمحب والتابع، والصهر ))(2)، ومن هنا نعلم أن المولى جاءت بمعنى النصرة وغيرها من التعريفات السابقة فجعلها في معنى السلطان يحتاج إلى دليل واضح لإثبات ذلك، هذا بالاضافة لتعذر حمل المولى على الوالي يقول شيخ الإسلام (( وليس في الكلام ما يدل دلالة بيّنة على أن المراد به الخلافة. وذلك أن المولى كالولي، والله تعالى قال { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } وقال { وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاهُ وجبريلُ وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ } فبيّن أن الرسول وليّ المؤمنين، وأنهم مواليه أيضاً، كما بيّن أن الله ولي المؤمنين، وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرا، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفّار لا يحبون الله ورسوله، ويحادّون الله ورسوله ويعادونه. وقد قال
__________
(1) مختار الصحاح ص (306 ـ 307).
(2) القاموس المحيط ص (1732).(171/112)
تعالى { لا تتخذوا عدوِّي وعدوَّكم أولياء } وهو يجازيهم على ذلك، كما قال تعالى { فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } وهو وليّ المؤمنين وهو مولاهم يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان كذلك فمعنى كون الله وليّ المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون عليّ مولاهم، هي الموالاة التي هي ضد المعاداة، والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعليّ رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولنه، وفي هذا الحديث إثبات موالاة عليّ في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق الموالاة باطناً وظاهراً، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره، فكيف ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له موالي، وهم صالحو المؤمنين، فعليّ أيضاً له مولى بطريق الأوْلى والأحرى، وهم المؤمنون الذين يتولّنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن أسلم وغفار ومُزينة وجهينة وقرشاً والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله(1)، وجعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما جعل صالح المؤمنين مواليه والله ورسوله مولاهم، وفي الجملة فرق بين الوليّ والمولى ونحو ذلك وبين الوالي. فباب الولاية التي هي ضدّ العداوة شيء، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء، والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل: من كنت واليه فعليّ واليه. وإنما اللفظ ( من كنت مولاه فعليّ مولاه) وأما كون المولى بمعنى الوالي، فهذا باطل، فإن الولاية تثبت من الطرفين، فإن المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم، وأما كونه أوْلى بهم من أنفسهم، فلا يثبت إلا من طرفه صلى الله عليه وآله وسلم ، وكونه أوْلى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوّته،ولو قُدّر أنه
__________
(1) راجع البخاري كتاب المناقب ـ باب ـ ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع برقم (3321).(171/113)
نصَّ على خليفة من بعده، لم يكن لم ذلك موجباً أن يكون أوْلى بكل مؤمن من نفسه، كما أنه لايكون أُزواجه أُمهاتهم، لو أريد هذا المعنى لقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به نفسه وهذا لم يقله أحد، ولم ينقله أحد ومعناه باطل قطعاً لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بكل مؤمن من نفسه أمر ثابت في حياته ومماته، وخلافة عليّ لو قدر وجودها لم تكن إلا بعد موته، لم تكن في حياته، فلا يجوز أن يكون عليّ خليفة في زمنه، فلا يكون حينئذ أولى بكل مؤمن من نفسه، بل ولا يكون مولى أحد من المؤمنين إذا أريد به الخلافة، وهذا مما يدل على أنه لم يُرِد الخلافة، فإن كونه وليّ كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتأخّر حكمه إلى الموت، وأما الخلافة فلا يصير خليف إلا بعد الموت، فعلم أن هذا ليس هذا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة، وإذا استخلف أحداً على بعض الأمور في حياته أو قُدّر أنه استخلف أحداً على بعض الأمور في حياته أو قُدّر أنه استخلف أحداً بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع، فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه، لا سيما في حياته. وأما كون عليّ مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعليّ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات عليّ، فعليّ اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متولّياً على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياءً وأمواتاً ))(1)
__________
(1) المنهاج جـ7 ص (322 ـ 325).(171/114)
4ـ وأما حجة الشيعي سبط ابن الجوزي في كتابه ( تذكرة الخواص ) ـ وهو إحدى المصادر التي عزى إليها الحديث ـ قوله من أن (( علماء العربية قالوا أن لفظة الولى ترد على وجوه وذكر عشر معانٍ ـ وهذا اعتراف منه بتعدد معنى المولى ـ ثم رجّح المعنى العشر وهو بمعنى ( الأولى ) أي أولى المؤمنين بالإمامة، بحجّة أنّ المعاني الأخرى منتفية عن عليّ! وجعله نصاً صريحاً في إثبات إمامة عليّ(1) فهذا الإدعاء حجة عليه لا له، لأنه لم يُظهر دليلاً بيناً واحداً على أن المولى بمعنى الأولى، فتحديدها بالأولى تحتاج لدلالة واضحة ونص ثابت ولا يوجد ما يدل على ذلك فبطل احتجاجه.
وبعد هذا البيان يظهر بكل وضوح أن هذا الحديث الذي يستند عليه التيجاني يدحض ادعاءه أنه دليل على إمامة عليّ، فالأدلة على الخلافة لا تكون بأدلة ممجوجة وحجج مدحوضة، بل بأدلة واضحة الدلالة والبيان بحث تنتفي معها الشبهات والله المستعان وعليه التكلان.
5ـ وقال التيجاني (( والباحث في هذا الموضوع إذا تجرّد للحقيقة فإنه سيجد النص على عليّ بن أبي طالب واضح وجلي كقوله (ص) ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) قال ذلك بعدما انصرف من حجة الوداع فعقد لعليّ موكب للتهنئة حتى أن أبا بكر نفسه وعمر كانا من جماعة المهنّئين للإمام يقولان: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ))(2). أقول:
__________
(1) تذكرة الخواص ص (35 ـ 40).
(2) ثم اهتديت ص (135).(171/115)
سبحان الله ما أكذب هؤلاء القوم وما أجرأهم على الكذب فهذا التيجاني يدّعي أن علياً قد عقد له موكب للتهنئة وكان في مقدمة المدعوّيين لهذا الحقل البهيج أبو بكر عمر ثم يعزو هذه الرواية المكذوبة إلى عدة مصادر(1)، فلو رجعنا إلى مسند أحمد في الجزء السادس ( مسند البراء بن مالك ) حديث رقم ( 18506 ) لوجدناه يذكر الحديث وفيه ( فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ) ولم يذكر أبا بكر أبداً، وتجده أيضاً في كتاب تذكرة الخواص ص (36) وليس فيه ذكر لموكب التهنئة ولا لعمر فضلاً عن أبي بكر، وأورده السيوطي في ( الحاوي للفتاوي )(2) وفيه تهنئة عمر لعلي ولكن لا ذكر لأبي بكر أيضاً! وفي كتاب كنز العمال(3) تجد الحديث في باب فضائل عليّ بن أبي طالب برقم (36340 ) والأرقام (36341 )، ( 36342 )، (36343 )، (36344 ) وفي جزء (11) برقم ( 32904 )، (32905 )، (3290)، ( 32916 )(4) ولا يوجد فيها ذكر لعمر ولا لأبي بكر فضلاً عن موكب التهنئة!! وذكر ابن كثير الحديث في كتابه ( البداية والنهاية )(5) بروايات مختلفة وكثيرة وليس فيها ذكر لموكب التهنئة ولا لأبي بكر؟! وسأضرب صفحاً عن بقية المراجع المذكورة لأن الذي ذكرته يغني ويكفي ولأن الحديث روي بروايات متقاربة وليس فيها ذكر لموكب التهنئة ولا لأبي بكر الصديق، وأظن أنه قد ظهر الكذب والافتراء على القرّاء بمحاولة تهويل الأمر وتحسينه، وزيادة إضافات له حسب متطلبات الكذب الرافضي، إضافة لمحاولة إقحام إسم أبي بكر في الحديث لا لشيء إلا للتدليس
__________
(1) راجع المصدر السابق.
(2) راجع الحاوي للفتاوي للسيوطي باب ( ما ورد في التهنئة بالعيد والاعمال الصالحة ) جـ1 ص (79) ط. دار الكتب العلمية.
(3) كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال جـ 13( فضائل علي ).
(4) المصدر السابق جـ11 باب ( فضائل علي ).
(5) البداية والنهاية راجع الصفحات ( من 359 إلى 363) جـ7.(171/116)
على القارئ المسكين الذي لا يستطيع البحث في هذه المراجع الكثيرة فيظن أن أبا بكر يعلم أحقية علي بن أبي طالب بالخلافة ولكنه اغتصب حقّه، ولكن أظن أنه قد ظهر الحق من الباطل، وظهر الكذّاب الأفاك من الصادق الأمين، والمنصف ممن يدعي الإنصاف. وبالنسبة للرواية التي فيها هذه الزيادة وهي ( أن عمر قال لعليّ بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ) فهذا الشطر من الحديث لا يصح لتفرّد ( عليّ بن زيد بن جدعان ) فهو ضعيف عند أهل الحديث(1) فإذا علمت ذلك فاعرف أن الحق مع الصديق وصاحبه، فلا حجة لهؤلاء الرافضة في هذا الحديث والحمد لله رب العالمين.
__________
(1) راجع تقريب التهذيب جـ1 رقم (4750) ص (694) وتهذيب الكمال في أسماء الرجال جـ21 رقم (4070) ص (434) وقال عنه الجوزجاني في كتابه الشجرة في أحوال الرجال ص (194) (( على بن زيد واهي الحديث ضعيف، وفيه ميل عن القصد، ولا يحتج بحديثه ) وراجع السلسلة الصحيحة جت4 ص (344).(171/117)
ثم يقول التيجاني (( أما الإجماع المدعى على انتخاب أبي بكر يوم السقيفة ثم مبايعته بعد ذلك في المسجد، فإنه دعوى بدون دليل، إذ كيف يكون الإجماع وقد تخلف عن البيعة عليّ والعباس وسائر بني هاشم كما تخلّف أسامة بن زيد والزبير وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وحذيقة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وأبو بريدة الأسلمي والبراء بن عازب وأُبي بن كعب وسهل بن حنيف وسعد بن عبادة وقيس بن سعد وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وخالد بن سعيد وغير هؤلاء كثيرون. فأين الإجماع المزعوم ياعباد الله؟ على أنه لو كان علي بن أبي طالب وحده تخلّف عن البيعة لكان ذلك كافياً للطعن في ذلك الإجماع إذ أنه المرشح الوحيد للخلافة من قبل الرسول على فرض عدم وجود النص المباشر عليه ))(1) ثم يعزو تخلُّف من ذكرهم عن بيعة أبي بكر إلى المصادر التالية ( الطبري، تاريخ ابن الأثير، تاريخ الخلفاء، تاريخ الخميس، الاستيعاب، وكل من ذكر بيعة أبي بكر )!؟ ولم يشر إلى الجزء أو الصفحة في أي من المصادر السابقة!؟؟
فأقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (136).(171/118)
1ـ والله الذي رفع السماوات ووضع الأرض لو كان الكذب يتكلم لتبرّأ من هذا الكذّاب قبّحه الله وجزاه بما يستحق على كذبه ودجله، فلو راجعنا هذه المصادر لم نجد في أي منها ما ادّعاه من عدم مبايعة المذكورين للخليفة أبي بكر الصديق، فبالنسبة للمصدر الأول وهو تاريخ الطبري ( المجلد الثاني) عنوان ـ حديث السقيفةـ يسوق الطبري عدة روايات بعضها صحيح والبعض الآخر ضعيف، فذكر حديث ابن عباس الذي أخرجه البخاري وهو حديث طويل وفيه (... أن عمر بن الخطاب قام على المنبر يخطب الناس ليرد على من يقول: لو مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلاناً ) ـ فذكر في جملة الحديث قصة السقيفة ـ قوله (( وأنه كان من خبرنا حين توفّى الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن علياً والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة، وتخلفت عنا الأنصار بأسرها، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم، فلقينا رجلان صالحان قد شهدا بدراً، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار.قالا: فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم. فقلنا والله لنأتينهم، قال: فأتيناهم وهم مجتمعون في سقفة بني ساعدة. قال: وإذا بين أظهرهم رجل مُزَّمِّل، قال: قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت ما شأنه؟ قالوا: وجع، فقام رجل منهم فحمد الله، وقال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر قريش رهطُ نبينا، وقد دفّت إلينا من قومكم دافة، قال: فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويغصبونا الأمر. وقد كنت زوّرت في نفسي مقالةً أقدمها بين يدي أبي بكر، وقد كنت أداري منه بعض الحدّ، وكان هو أوقر مني وأحلم، فلما أردت أن أتكلم، قال: على رسلك فكرهت أن أعصيه، فقام فحمد الله وأثنى عليه، فما ترك شيئاً كنت زوّرت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت، إلا قد جاء به أو بأحسن منه. وقال: أما بعد يامعشر الأنصار،(171/119)
فإنكم لا تذكُرون منكم فضلاً إلا وأنتم له أهلٌ، وإنّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحيّ من قريش، وهم أوسط العرب داراً ونسباً، ولكن رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم. فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح. وإني والله ما كرهت من كلامه شيئاً غير هذه الكلمة، إن كنت لأقدَّم فتضرب عنقي فيما لا يقرّبني إلى إثم أحبُّ إليَّ من أن أؤمَّر على قوم فيهم أبو بكر. فلما قضى أبو بكر كلامه، قام منهم رجلٌ فقال: أنا جُذيلُها المُحك، وعُذيقُها المُرجَّب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، قال: فارتفعت الأصواتن وكثر اللغط، فلما أشفقت الاختلاف، قلت لأبي بكر: ابسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، وبايعه الأنصار...))(1) ثم ساق الطبري الأثر عن الوليد بن جميع الزهري قال: قال عمرو بن حريث لسعيد بن زيد (( أشهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: نعم، قال: فمتى بويع أبو بكر؟ قال: يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة . قال: فخالف عليه أحدٌ؟ قال: لا إلا مرتدٌّ أو من قد كاد أن يرتدّ، لولا أن الله عز وجلّ ينقذهم من الأنصار، قال: فهل قعد أحد من المهاجرين؟ قال: لا، تتابع المهاجرون على بيعته، من غير أن يدعوهم ))(2) ثم ساق رواية حبيب بن أبي ثابت (( قال: كان عليّ في بيته إذا أتي فقيل له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء، عجلاً، كراهية أن بيطئ عنها، حتى بايعه، ثم جلس إليه وبعث إلى ثوبه فأتاه فتجلله، ولزم مجلسه ))(3) ثم ساق الطبري بعد ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري(4) والذي ذكرته في مبحث ميراث فاطمة من مبايعة عليّ لأبي بكر بعد وفاة فاطمة(5)
__________
(1) صحيح البخاري جـ6 كتاب المحاربين برقم (6442) وراجع الطبري جـ2 ص (234 ـ 235).
(2) الطبري جـ2 ص (236) سنة (11) هـ
(3) المصدر السابق.
(4) راجع ص (158).
(5) ولكن زاد الطبري ((.. فقال رجل: أفلم يبايعه على ستة أشهر قال: لا، ولا أحد من بني هاشم، حتى بايعه علي )) فقد (( ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده، وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح، وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم، وعلى هذا فيحمل قول الزهري لم يبايعه على في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده وما أشبه ذلك، فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة بعد موت فاطمة عليها السلام لإزالة هذه الشبهة )) الفتح جـ7 ص (566)، ويمكن الجمع بينهما أن علي بايع بيعتين، بيعة في أول الأمر وبيعة بعد ستة أشهر أمام الناس وقد وجدت رواية جميع رواتها ثقات تؤكد ذلك، فقد ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة (( عن أبي نضرة قال: لما اجتمع الناس على أبي بكر رضي الله عنه فقال: مالي لا أرى علياً؟ قال: فذهب رجال من الأنصار فجاءوا به فقال له: يا علي: قلت ابن عم رسول الله وختن رسول الله؟ فقال علي رضي الله عنه: لا تثريب يا خليفة رسول الله ابسط يدك، فبسط يده فبايعه، ثم قال أبو بكر: مالي لا أرى الزبير؟ قال: فذهب رجال من الأنصار فجاءوا به فقال: يا زبير قلت ابن عمة رسول الله وحواري رسول الله، فقال الزبير: لا تثريب يا خليفة رسول الله.. ابسط يدك فبسط يده فبايعه )) كتاب السنة جـ2 رقم (1292) وقال المحقق: إسناده صحيح.(171/120)
. وأخيراً ساق رواية أنس بن مالك(1) في بيعة أبي بكر بيعة عامة بعد بيعة السقيفة ولم يذكر بعدها أي شيء آخر، وأما كتاب ( تاريخ ابن الأثير )(2) فلا يوجد فيه ذكر لما ادعاه هذا الكذّاب بشأن تخلف المذكورين عن بيعة أبي بكر ففي باب (حديث السقيفة وخلافة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه )! ذكر حديث السقيفة ورواية مبايعة عليّ بن أبي طالب لأبي بكر في أول الأمر عند سماعه بالبيعة ثم قال ابن الأثير (( والصحيح أن أمير المؤمنين ما بايع إلا بعد ستة أشهر )) ثم حديث ابن عباس في خلافة عمر بن الخطاب وصعوده المنبر وذكره البيعة الذي سبق ذكره، ثم ذكر رواية أبو عمرة الأنصاري في اجتماع السقيفة الطويلة وخلاصتها اجتماع الناس على بيعة أبي بكر، وأثبت مبايعة عليّ وبني هاشم لأبي بكر بعد وفاة فاطمة، وقد بيّنت ضعف هذه الرواية ومخالفتها للرواية الصحيحة والواقع، فهذا هو ما ذكره ابن الأثير في تاريخه ولم يذكر أبداً ما ادعاه هذا المنصف! وأما بالنسبة لكتاب تاريخ الخلفاء المنسوب لابن قتيبة فحريّ أن لا نبحث فيه للشك في نسبته على أقل تقدير هذا أولاًوالكتب المعتمدة قد نقلنا قولهم ثانياً، وثالثاً لم يحدد التيجاني الصفحة لنرجع إليها، وأما ( تاريخ الخميس ) فلم أجده مع الأسف الشديد ولست أدري لعله من كتب الرافضة؟ وأما كتاب ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب ) لابن عبد البر فقد ساق فيه المؤلف من الأدلة على خلافته أكثر من أي مطبوع آخر(3)، فقد أورد رواية النّزّال بن سبرة عن عليّ قال (( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر. وروى محمد ابن الحنيفية وعبد خير و ابو جحيفة عن عليّ مثله ))، (( وكان عليّ رضي الله عنه يقول: سبق رسول
__________
(1) صحيح البخاري جـ6 كتاب الأحكام برقم (6793).
(2) تاريخ ابن الأثير من ص (189 إلى 195) سنة (11) هـ
(3) يوجد في هذه الروايات الضعيف والباطل، ولكني سقتها ليعلم القارئ مدى الكذب الذي يتمتع به التيجاني!(171/121)
لله صلى الله عليه وآله وسلم ، وثنّى أبو بكر، وثلّث عمر، ثم حفتّنا فتنة يعفو الله فيها عمّن يشاء))، (( وقال عبد خير: سمعتُ علياً يقول: رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع بين اللوحين ))، (( وروينا عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب من وجوه أنه قال: ولينا أبو بكر فخيرُ خليفة، أرحمه بنا وأحناه علينا. وقال مسروق: حبُّ أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة ))، وساق حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في طلبه أن يؤم الناس وذكر حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر،واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد )) ثم قال ابن عبد البر ((... وبويع له بالخلافة في اليوم الذي مات فيه رسول الله=+ في سقيفة بني ساعدة، ثم بويع البيعة العامة يوم الثلاثاء من بعد ذلك اليوم، وتخلّف عن بيعته سعد ابن عبادة، وطائفة من الخزرج، وفرقة من قريش، ثم بايعوه بعد غير سعد. وقيل: إنه لم يتخلّف عن بيعته يومئذ أحدٌ من قريش، وقيل: إنه تخلّف عنه من قريش: علي، والزبير، وطلحة، وخالد بن سعيد بن العاص، ثم بايعوه بعد. وقد قيل: إن علياً لم يبايعه إلا بعد موت فاطمة، ثم لم يزل سامعاً مطيعاً له يُثني عليه ويفضّله ))، وساق عن عبد الله بن مسعود (( كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر بن الخطاب: أنشدتكم بالله، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فأيكم تطيب نفسه أن يُزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله=+ ؟ فقالوا: كلنا لا تطيب نفسه، ونستغفر الله )) وروى الحسن البصري عن قيس بن عبادة قال (( قال لي عليّ بن أبي طالب: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرض ليالي وأياماً ينادي بالصلاة فيقول: مروا أبا بكر يُصلي بالناس، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظرت فإذا الصلاة عَلَم(171/122)
الإسلام، وقوام الدين، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لديننا، فبايعنا أبا بكر ))(1) فهذا الذي ذكره ابن عبد البر في كتابه فأقول لمن يبحث عن الحق الواضح من الكذب الفاضح، ماذا بعد الحق إلا الضلال، فهذه يا طالب الحق المراجع التي ساقها هذا التيجاني ليثبت تخلّف هؤلاء الصحابة عن بيعة أبي بكر والتي تجمع على بيعة المسلمين له بيعة السقيفة والبيعة العامة من جميع الناس، ولا يكتفي التيجاني بذلك فيقول بالهامش بعدما يذكر المراجع ... وكل من ذكر بيعة أبي بكر!؟ بل أقول لا يوجد كتاب يتعرض للبيعة إلا ويثبت صحة بيعته وبيعة الصحابة بالإضافة لعلي وبني هاشم بل وكتب الرافضة الاثني عشرية تثبت ذلك أيضاً.
__________
(1) راجع الروايات السابقة في كتاب الإستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر جـ3 من ص (970 إلى 977) تحقيق علي محمد البجاوي ط. دار الجيل ـ بيروت.(171/123)
2ـ ولو فرضنا جدلاً أن هؤلاء الصحابة المذكورون لم يبايعوا أبا بكر على الخلافة، فهذا أيضاً لا يقدح في البيعة لأنها لا تحتاج إلى إجماع كل الناس، ولكن يكفي موافقة أهل الشوكة والجمهور الذي يقام بهم أمر الخلافة، وهذا ما اتفق عليه أهل العلم، يقول النووي (( أما البيعة فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحّتها مبايعة كل الناس،ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس ))(1)، وقال المازري (( العذر لعلي في تخلّفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من أهل الحل والعقد ولا يجب الاستيعاب، ولا يلزم من كل احد أن يحضر عنده ويضع يده في يده، بل يكفي التزام طاعته والانقياد له بأن لا يخالفه ولا يشقّ العصا عليه، وهذا كان حال عليّ لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر، وقد ذكرت سبب ذلك ))(2). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (( بأنه لا يشترط في الخلافة إلا اتفاق أهل الشوكة والجمهور الذين يقام بهم الأمر، بحيث يمكن أن يقام بهم مقاصد الإمامة ))(3)، بل وهذا علي نفسه يقول بما ذكره عنه الشريف الرضى في كتابه الحجة للإمامية نهج البلاغة (( لعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى يحضرها عامَّة الناس فما إلى ذلك سبيل (!!)، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، وليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار ))(4)! فانظر أيها القارئ للحق الواضح وإلى كذب التيجاني الناضح!... والسبب في اتفاق العلماء على ذلك لأنه لو اعتبر تخلّف الواحد أو الاثنين أو الفئة القليلة من الناس قدح في الإجماع فلن نستطيع أن نثبت إجماعاً أبداً لأنه قد يتخلّف الإنسان لهوى في نفسه أو لسبب غير مسوّغ، أو لأي أمر آخر، فإذا كان الأمر كذلك فكيف سنجمع على إمام
__________
(1) مسلم مع الشرح جـ12 ص (112 ـ 113).
(2) الفتح جـ7 ص (565) كتاب المغازي.
(3) المنهاج جـ8 ص (336).
(4) نهج البلاغة جـ2 ص (368) ط.دار الألفين.(171/124)
بعينه؟! ويجب أن يقال أيضاً أن (( إجماع الأمة على خلافة أبي بكر كا أعظم من إجتماعهم على مبايعة عليّ، فإن ثلث الأمة ـ أو أقل أو أكثر ـ لم يبايعوا علياً بل قاتلوه، والثلث الآخر لم يقاتلوا معه، وفيهم من لم يبايعه أيضاً، والذين لم يبايعوه منهم من قاتلهم، ومنهم من لم يقاتلهم، فإن جاز القدح في الإمامة بتخلف بعض الأمة عن البيعة، كان القدح في إمامة عليّ أولى بكثير. وإن قيل: جمهور الأمة لم تقاتله أو قيل بايعه أهل الشوكة والجمهور ونحو ذلك كان هذا في حق أبي بكر أوْلى وأحرى ))(1) وإن ادعى هذا التيجاني بأنّ النص على عليّ بالخلافة ظاهر، فأقول له أدلتك قد أثبتُّ أنها ليست حجة بالإضافة إلى أن الأد لّة على خلافة أبي بكر أصح وأقوى وأعظم من أن تنكر(2)، وعلى ذلك يظهر لدينا تهافت قول التيجاني ( على أنه لو كان عليّ وحده تخلّف عن البيعة لكان ذلك كافياً للطعن في ذلك الإجماع ) فرحم الله الإجماع وأهله!؟
ثم يتابع فيقول (( وإنما كانت بيعة أبي بكر من غير مشورة بل وقعت على حين غفلة من الناس وخصوصا أولي الحل والعقد منهم كما يسميهم علماء المسلمين إذ كانوا مشغولين بتجهيز الرسول ودفنه، وقد فوجئ سكان المدينة المنكوبة بموت نبيهم وحُمل الناس على البيعة بعد ذلك قهراً. كما يشعرنا بذلك تهديدهم بحرق بيت فاطمة إن لم يخرج المتخلّفون عن البيعة فكيف يجوز لنا بعد هذا أن نقول بأن البيعة كانت بالمشورة وبالإجماع ))(3)؟ فأقول وبالله التوفيق:
__________
(1) المنهاج جـ8 ص (338 ـ 339).
(2) راجعها ص (51 ـ 52).
(3) ثم اهتديت ص (136).(171/125)
1ـ إذا كانت بيعة أبي بكر وقعت من غير مشورة وعلى حين غفلة من المسلمين فكيف يوفّق التيجاني بين قوله هذا وقوله قبلاً أن بعضاً من الصحابة قد تخلّفوا عن البيعة؟! فهل كان المسلمون هم الفئة القليلة؟! ثم يقول أن البيعة وقعت من غير مشورة من المسلمين، فكيف حدث ذلك وقد أثبتنا من مصادر التيجاني أنها وقعت عن مشورة من المسلمين، وبويع أبو بكر في السقيفة وفي البيعة العامة من الناس؟!
2ـ يقول ( وقد فوجئ سكان المدينة المنكوبة بموت نبيهم وحملوا الناس على البيعة بعد ذلك قهراً )؟!؟
سبحان الله... من حمل سكان المدينة على البيعة قهراً؟ أبو بكر وعمر!؟ فكيف قهروهم؟ فهل قاتلت معهما الملائكة؟ أم ساندتهم قطاعات الحرس الجمهوري أم سرايا الدفاع؟ ... أم حرس الثورة؟؟! يا الله عليّ بن أبي طالب المنصوص عليه بالخلافة بالنص الواضح الجلي، وأهل الحل والعقد والوجهاء، وسكان المدينة لم يستطيعوا إيقاف بيعة أبي بكر بمساندة القلّة القليلة التي معه، ومع ذلك استطاع أن يصبح الخليفة رغم معارضة الأمة له؟ فوالله لو كان الجهل قطاً لأطلقت عليه كلباً!! فما هذا الوَضَر الذي يخرجه قلم هذا العبقري، والذي لا يستند على دليل معقول فضلاً عن المنقول، فمبايعة الأمة للخليفة أبي بكر أكبر من أن تنكر.
فهل يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل؟(171/126)
فهاهم الشيعة الاثني عشرية يؤكدون هذه الحقيقة ولا يستطيعون إنكارها، فهذا إمام الشيعة الاثني عشرية الحسن بن موسى النوبختي يؤكد ذلك في كتابه ( فرق الشيعة ) فيقول ((... فصار مع أبي بكر السواد الأعظم والجمهور الأكثر فلبثوا معه ومع عمر مجتمعين عليهما راضين بهما ))(1) وهذا إبراهيم الثقفي ـ أحد كبار الشيعة الاثني عشرية ـ يورد قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في جزء من رسالة له لأصحابه ((... فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه..))(2) ثم يشرح محقق الكتاب (( انثيال الناس ـ أي انصبابهم من كل وجه كما ينثال التراب، على أبي بكر! ويقول قال المجلسي: الإجفال: الإسراع ))(3)! وأما ابن مطهر الحلي فلم يستطع هو الآخر أن ينكر هذه الحقيقة فلجأ إلى الهذيان فقال (( وبايعه أكثر الناس طالباً للدنيا ))(4)!! ثم يأتي المهتدي بعد كل ذلك ليكتشف ما غاب عن السنة والشيعة ( الرافضة )، وهو أن أبا بكر وعمر حملوا الناس على البيعة قهراً!؟ ليضيف الدلائل تلو الدلائل على هدايته، فأرجوه أن يتوقف عن ذلك فإنني أخشى أن أُروَّعْ بانثيال الناس وإجفالهم إليه ليبايعوه على الهداية!!!؟
3ـ أما قوله عن حرق بيت فاطمة فقد أجبت عنه فيما سبق(5)
4ـ ثم يقول ((وقد شهد عمر بن الخطاب نفسه بأن تلك البيعة كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها، وقال فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، أو قال فمن دعا إلى مثلها فلا بيعة له ولا لمن بايعه ))(6)، فأقول:
__________
(1) فرق الشيعة للنوبختي ص (4) ط. دار الأضواء.
(2) الغارات للثقفي ص (305 ـ 306) باب ( رسالة علي (ع) إلى أصحابه ).
(3) المصدر السابق ص (306).
(4) راجع المنهاج جـ2 ص (16).
(5) راجع ص (182).
(6) ثم اهتديت ص (136 ـ 137).(171/127)
لم ترد الرواية عن عمر بهذا السياق لا في البخاري ولا في غيره، بل وردت في حديث طويل رواه ابن عباس من أن عمر قام خطيباً في المدينة ليرد شبهة أثارها فلان من الناس وكان مما قال ((... ثم لإنه بلغني أنّ قائلاً منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلاناً، فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن وقى شَرَّها، وليس فيكم من تُقطعُ الأعناقُ إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعهُ تغَّرةً أن يُقتلا ))(1) ومعنى قول عمر أنها كانت فلته أي فجأة دون استعداد لها، وهكذا وقعت بيعة أبي بكر فجأة من دون أن يستعدوا أو يتهيأوا لها فوقى الله شرها، أي فتنتها، وعلل لذلك بقوله مباشرة ( وليس فيكم من تُقطعُ الأعناق إليه مثل أبي بكر ) أي ليس فيكم من يصل إلى منزلة أبي بكر وفضله، فالأدلة عليه واضحة، واجتماع الناس إليه لا يحوزها أحد، يقول الخطابي (( يريد أن السابق منكم الذي لايلحق في الفضل لا يصل إلى منزلة أبي بكر، فلا يطمع أحد أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر من المبايعة له أولاً في الملأ اليسير ثم اجتماع الناس عليه وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه، فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر ولا إلى مشاورة أخرى، وليس غيره في ذلك مثله ))(2) وبالطبع كان سبب قول عمر هذا لأنه علم أنّ أحدهم قد قال ( لو مات عمر لبايعت فلاناً ) أي يريد أن يفعل كما حدث لأبي بكر، ويتعذّر بل يستحيل أن يجتمع الناس على رجل كاجتماعهم على أبي بكر فمن أراد أن ينفرد بالبيعة دون ملأ من المسلمين فسيعرّض نفسه للقتل، وهذا هو معنى قول عمر ( تغرةً أن يقتلا )، أي (( من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرّضهما للقتل ))(3) وهنا يظهر معنى ما أراده عمر في هذا القضية، والتيجاني
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المحاربين برقم (6442).
(2) الفتح جـ12 ص (155).
(3) المصدر السابق جـ12 ص (155).(171/128)
نقل نقلاً مبتوراً عن عمر وذلك لعدم نقله سبب قوله ذاك، فإذا عرف السبب بطلت الحجّة التي يستند عليها هذا التيجاني، بل وانقلبت عليه لأن عمر عندما ذكر ذلك أراد إظهار الفضيلة والسبق لأبي بكر، وهي اجتماع الناس عليه وانثيالهم إليه، وهذا ما حدث والتاريخ يشهد على ذلك، فمن ظنّ أنّ قول عمر منقصة لأبي بكر فليعلم أن هذا بسبب نقصان فهمه ليس إلا!!
ثم يقول كذباً أن علياً قال في حق الخلافة (( أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وأنه ليعلم أن محلّي منها محلّ القطب من الرّحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إليّ الطير ))(1) قلت:
1ـ نحن نجلّ علياً من أن يقول هذا الكلام في حق أبي بكر أو يدعي لنفسه الخلافة، لأنّ أبا بكر لا يتقمص ما ليس من حقه، ولو كان علي محلّه من الخلافة محل القطب من الرحى لما بايعه باتفاق السنة والشيعة.
2ـ لو فرضنا جدلاً أن علياً قال ذلك فليس فيه أي قدحٍ في أبي بكر، بل القدح في عليّ أظهر منه في أبي بكر، لأننا قد بينا أن الاجماع قد انعقد لأبي بكر دون إكراه لأحد، فالأنصار والمهاجرون وبمن فيهم بنوهاشم بايعوا دون إكراه ولا قهر، فلم يكن هذا تقمصاً من أبي بكر، وأما الإدعاء بأن علياً قال أنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، فأقول حاشى لأبي بكر أن يتقدم أحداً ثبت بالنص أنه الخليفة، فلو كانت الخلافة من حق عليٍّ لبايعه الناس دون أبي بكر، فإذا علم ذلك علمنا أن الذي محلّه من الخلافة محلّ القطب من الرحى هو أبو بكر وقد كان، واما الأدلة التي يقال أنها تثبت الخلافة لعليّ فهي أوهى من بيت العنكبوت فلا تقف في وجه الأدلة على أحقيّة أبي بكر.
__________
(1) ثم اهتديت ص (137).(171/129)
3ـ ثبت بالدليل الواضح مبايعة عليّ بن أبي طالب لأبي بكر بالخلافة سواءٌ في بداية المبايعة أم بعدها بستة أشهر، فكيف يقال أن علياً قال ما قاله فيما يسمّى بالخطبة الشقشقية، فإن قلنا أنه بايع والكلام مكذوب عليه كان كلامناحقاً، ولو قالوا ـ أي الرافضة ـ بل بايع تقيّةً، قلنا حاشا علي أن يكون الحق معه بالنص الواضح والجلي ثم يتنازل عنه لأي أحد وأن يتظاهر بالموافقة على بيعة أبي بكر فهذا عين النفاق والجبن ونحن نعيذ علياً بالله من ذلك.
4ـ كتاب نهج البلاغة ليس حجة على أهل السنة، فيعارضه ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة(1) الذي يثبت مبايعة عليّ لأبي بكر مع اعترافه بالفضل والأحقية.
5ـ هل قرأ هذا التيجاني ( المهتدي ) المنصف كتاب نهج البلاغة كلّه أم اختار فقرات معيّنة لنقلها في كتابه مثبتاً بها ادعاءه؟ ولو راجعنا رسائل علي لوجدنا بها ما يضاد ما نقله التيجاني(2) ففي إحدى رسائله إلى معاوية التي يحتج بها على أحقيته بالخلافة والبيعة بقوله (( إنَّهُ بايَعَني القومُ الذين بايعوا أبا بَكر، وعمر، وعثمان، على ما بايعوهُم عليه، فلم يكُن لشاهد أن يَختار، ولا للغائب أن يَرُدَّ، وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإنِ اجتمعوا على رجُلٍ، وسَمُّوْهُ إماماً، كانَ ذلك لله رِضي، فإن خرج من أمرِهِم خارجٌ بِطَعْنٍ، أو بِدعةٍ، رَدُّوه إلى ما خَرَجَ منه، فإنْ أبَى قاتلوهُ على اتِّباعهِ غير سبيل المؤمنين، وولَّاه الله ما تولَّى ))(3).
__________
(1) راجع الكتاب ص (158 ـ 159).
(2) كقوله ((.. دعوني والتمسوا غيري )) نهج البلاغة جـ1 ص (216).
(3) نهج البلاغة ص (530).(171/130)
سبحان ربي... كيف يتوافق قول علي ( لقد تقمَّصها ابن أبي قحافة ) مع قوله هنا ( لقد بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ) فكيف يكون أبو بكر متقمِّصاً وبنفس الوقت يحتج بها عليّ على صحة خلافته، وكيف يتفق قوله ( إنه لا يعلم محلي منها محل القطب من الرحى ) مع قوله ( فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد (!!) إضافةً لقوله ( إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل، وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن، أو بدعة، ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين )!!! فأقول لأولي النهى والعقول أيوجد تناقض أهزل من هذا؟! أليس ذلك أعظم دليل على أن كتاب نهج البلاغة ليس كله لعليّ بن أبي طالب، بل أكثره منسوب له، فعلي ينصح بعدم التناقض، فكيف يقع بهذه التناقضات الفاضحات؟ ومن هنا نعلم أن واضع هذه الترَّهات التي ينسبها كذباً وزوراً لعليّ هو جامع النهج إمام الرافضة الشريف الرِّضى، ومن رسالة عليّ لمعاوية السابقة نكتشف أن أبا بكر لم تكن مبايعته قهراً وإنما بمبايعة المهاجرين والأنصار بالشورى، فإذا عرفت ذلك أخي القارئ فاتبع الحق تسلم!
ثم يقول أن سعد بن عبادة هاجم أبا بكر وعمر وحاول منعهما من الخلافة وأنه لولا مرضه لقاومهم وقاتلهم إلى آخر هذا الهراء(1) فأجيب:
1ـ أن هذه الرواية لو كانت صحيحة لكانت قدحاً في سعد وليست مكرمة له، ولكنَّ هذا الفعل والقول في الرواية أجلّ من أن يصدر عن صحابي كأمثال سعد بن عبادة سيد الأنصار.
2ـ مجرد النقل من كتاب تاريخ الخلفاء المنسوب لابن قتيبة لا يعده صحيحاً.
__________
(1) ثم اهتديت ص (137).(171/131)
3ـ أنا لن أرد على كذب الرواية بالأدلة والحجج السنِّية، بل سأرد بما تحتجُّونَ به أنتم وهو احتجاجُ عليّ السابق على معاوية في كتابكم المهم نهج البلاغة، فقد قال عليّ أن أبابكر بايعه المهاجرون والأنصار، والشورى لهم، وقال أيضاً فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، وعلى فرض صدور ما ادعاه التيجاني على سعد، فأيُّ مدحٍ أو حجة على مهاجمة سعد لأبي بكر وعمر؟ وقد بايعه المهاجرون والأنصار! فهل عمل سعد هذا يبطل شورى المهاجرين والأنصار؟! وهل إذا خرج عليهم بطعنٍ، يريد قتالهم يكون فعله حقاً؟! أم يجب أن يرد عن ذلك ويقاتل على اتباعه غير سبيل المؤمنين؟!! فأقول للتيجاني: إن عارضت ذلك فيلزمك رد أهم كتاب تحتجون به على أعدائكم، وهذا خيرٌ لنا نحن أهل السنة، لأنكم تثبتون أن كتبكم هذه ما هي إلا أكاذيب على عليّ وأهل بيته، وإن قلت أن قول عليّ صحيح فيلزمك هذا أمرين، أما تعترف أن قول وعمل سعد مخالف للحق ولشورى المؤمنين وتكون قد رددت على قولك في حق أبي بكر رضي الله عنه، وإما تقرّ بأن ما روي عن سعد كذب عليه، والرواية هذه عنه باطلة، فيكون هذا الاعتراف خير دليل على أن كتاب تاريخ الخلفاء ما روي فيه باطل ولا يقوم على حجة سواءٌ من حيث السند أو المتن، ويلزمك ذلك أيضاً أن ترد الروايات المنسوبة كذباً على لسان فاطمة رضي الله عنها في حق أبو بكر وعمر، وأظن أن هذا إقرار عفوي وغير مقصود (!) من التيجاني المهتدي بأن كتاب تاريخ الخلفاء أو الإمامة والسياسة منسوب لابن قتيبة، وبعد ذلك أقول للتيجاني فأي القولين تنصف يا منصف؟! وهنا يحق لي وبعد ما فنّدت حجج هذا التيجاني في حق أبي بكر أن أقول:
ـ إذا عرفنا أن قول عمر بن الخطاب في أن بيعة أبي بكر كانت فلتة هو مدح لا ذماً.
ـ وإذا عرفنا أن علياً اعترف بأن أبا بكر قد بايعه المهاجرون والأنصار بالشورى الملزمة فكانت من الله رضى.(171/132)
ـ وإذا كانت بيعة أبي بكر حقاً بالإجماع والشورى عرفنا أن القول المنسوب لسعد بن عبادة في حق أبي بكر باطل.
ـ وإذا عرفنا أن هذه البيعة كانت بمبايعة جميع الصحابة بما فيهم عليّ وبنو هاشم وذلك باتفاق أهل التاريخ كالطبري وابن الأثير والاستيعاب وكل من ذكر بيعة أبي بكر بما فيها كتاب نهج البلاغة (!) نعلم أن الحجة ظاهرة وبيّنة على صحة خلافة أبي بكر، وأستطيع الآن الإجابة على سؤال التيجاني.... فما هي الحجة على صحة خلافة أبي بكر؟ فأقول الحجة ظهرت عند أهل السنة والجماعة وبانت بالأدلة الواضحة عند أهل الفتنة والشناعة؟!
خامساً ـ ادعاؤه أن علياً أولى من أبي بكر بالاتباع والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني تحت عنوان ( علي أولى بالاتباع) (( ومن الأسباب التي دعتني للاستبصار وترك سنة الآباء والأجداد، الموازنة العقلية والنقلية بين عليّ بن أبي طالب وأبي بكر. وكما ذكرت في الأبواب السابقة من هذا البحث إني أعتمد على الإجماع الذي يوافق عليه أهل السنة والشيعة. وقد فتشّت في كتب الفريقين فلم أجد إجماعاً إلاّ على عليّ بن أبي طالب فقد أجمع على إمامته الشيعة والسنة في ما ورد من نصوص ثبتتها مصادر الطرفين، بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين وقد كنّا ذكرنا ما قاله عمر عن بيعة أبي بكر ))(1) أقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (140 ـ 141).(171/133)
1ـ يبدو أن الجهل تجاوز بالتيجاني درجات! فإذا كان أهل السنة والجماعة قد أجمعوا مع الشيعة على إمامة عليّ فيما ورد من نصوص على زعمه، فلماذا سوّد كل هذه الصفحات لإثبات إمامة عليّ؟ وما هو الخلاف بين الطرفين إذا كانوا متفقين على إمامة عليّ؟! وكيف يحصل الإجماع على عليّ والتاريخ يشهد أن الإجماع قد ثبت على إمامة أبي بكر بل لا يوجد أصلاً إجماع على إمامة عليّ لا من مصادر السنة ولا من مصادر الشيعة(1) ( الرافضة )، مع ما يكتنف دين الرافضة من تناقض وكذب وخرافات، ثم أقول لهذا المهتدي إذا كان عندك مصدر واحد من مصادر أهل السنة يجمع على إمامة عليّ بن أبي طالب، فأرجو أن تفحمنا وتدلنا عليه، وإن لم تستطع ذلك فاعلم أنك من أصحاب الكذب الرخيص.
2ـ ثم يقول ( بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين ) قلت: ومع ذلك أصبح الخليفة الأول ودانت له جموع المسلمين راضين به، منقادين له؟! وأما بالنسبة لقول عمر عن البيعة فقد بينّاه سابقاً.
ثم يقول (( بما أنّ الكثير من الفضائل والمناقب التي يذكرها الشيعة في علي بن أبي طالب لها سند ووجود حقيقي وثابت في كتب أهل السنة المعتمدة عندهم، ومن عدة طرق لا يتطّرق إليها الشك ))(2) أقول:
1ـ سنرى بإذن الله وسيرى القارئ الروايات التي يحتج بها الرافضة ويتطلع على أسانيدها وعلى مدى صحتها ليعلم القول الثابت من التقول الزائف.
__________
(1) راجع ما ذكرناه من تعظيم أبي بكر في كتب الرافضة وعلى ألسنة إئمتهم الاثني عشر.
(2) ثم اهتديت ص (141).(171/134)
2ـ أما أنها مروية من عدة طرق لا يتطرق إليها الشك فهذا عجب من القول لأنه يعني أنها ( متواترة )(1) فهل كل الأحاديث التي رُوِيَت في علي وصلت إلى درجة التواتر؟ سنرى ذلك! أقول ذلك مع أنني لو حلفت بين الركن والمقام أن هذا التيجاني يهرف بما لا يعرف ويجهل أبسط أصول علم الحديث لن أحنث؟!
ثم يتابع فيقول (( فقد يروي الحديث في فضائل الإمام علي جمع غفير من الصحابة، حتى قال أحمد بن حنبل : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل كما جاء لعلي بن أبي طالب. وقال القاضي إسماعيل والنسائي وأبو علي النيسابوري : لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي))(2) ، قلت:
1ـ ليس المقصود كثرة الروايات في فضائل علي، بل كثرة الرواة وبتالي كثرة المسانيد، بمعنى أن الرواة أكثروا الرواية في مناقب علي ـ الصحيح منها والمكذوب ـ وأصبح للرواية الواحدة أسانيد كثيرة، كرواية ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) فلها طرق كثيرة جداً مع أنها رواية واحدة، وسبب ذلك يرجع إلى تأخر وفاة علي وما جرى في وقته من الأحداث والفتن العظيمة، وكثرة الطعون التي تعرض لها لذلك يقول ابن حجر (( قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي وكأن السبب في ذلك أنه تأخر، ووقع الاختلاف في زمانه وخروج من خرج عليه، فكان ذلك سبباً لانتشار مناقبه من كثرة من كان بينها من الصحابة رداً على من خالفه ))(3).
__________
(1) الحديث المتواتر: هو الحديث الذي رواه عدد كبير يستحيل في العادة تواطئهم على الكذب.
(2) ثم اهتديت ص (141).
(3) فتح الباري جـ7 ص (89).(171/135)
2ـ إضافة إلى ما سبق فليس كل ما روي في فضائل علي فهو صحيح، (( يقول الذهبي في تلخيص الموضوعات: لم يرو لأحد من الصحابة في الفضائل أكثر مما روي لعلي رضي الله عنه، وهي على ثلاثة أقسام: صحاح وحسان، وقسم ضعاف، وفيها كثرة، وقسم موضوعات وهي كثيرة إلى الغاية ولعل بعضها ضلال وزندقة ))(1)أهـ، فليس كل ما روي في فضائل علي صحيح، بل قد وضع الكذّابون في فضائله الشيء الكثير، وهذا ما يؤكده الإمامية فيقول ابن أبي الحديد الشيعي (( إن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة (!)، فانهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث مختلقة في صاحبهم حملهم على وضعها عداوة خصومهم ))(2)، ويقر بذلك الكشي حين يورد في كتابه ( رجال الكشي ) عن أبي مسكان عمن حدثه من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول (( لعن الله المغيرة بن سعيد إنه كان يكذب على أبي فأذاقه الله حر الحديد ))(3)، وأورد عن يونس قال (( وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر (ع) ووجدت أصحاب أبي عبد الله متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا (ع) فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله (ع) وقال لي: إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله (ع) لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله (ع) ))(4)، فهل يشك شاك بعد ذلك بأن الكثير من فضائل علي كذب من جهة من يزعمون أنهم من شيعته! ومن كتبكم نحاججكم.
__________
(1) انظر هامش كتاب الصواعق المحرقة ص (186).
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد جـ3 ص (17) ط. دار الفكر.
(3) رجال الكشي ص (195).
(4) المصدر السابق.(171/136)
3ـ يحاول التيجاني إيهام القارئ أن الإمام أحمد يرى أفضلية علي على أبي بكر وعمر، ولكن الحقيقة أن الإمام أحمد يرى أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها هو أبو بكر وعمر يقول الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل (( سمعت أبي يقول: أما التفضيل فأقول: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ))(1) وقال (( سألت أبي رحمه الله عن التفضيل بين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، فقال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي الرابع من الخلفاء، قلت لأبي: إن قوماً يقولون إنه ليس بخليفة قال: هذا قول سوء ردئ ))(2) وفي مسائل ابن هانئ قال (( سمعت أبا عبد الله يقول في التفضيل: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ولو أن رجلاً قال علي لم أعنفه ))، ثم سأله ابنه عن الخلافة (( سألت أبي عن الأئمة فقال: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي في الخلفاء ))(3) فهذا هو قول أحمد في التفضيل والخلافة.
ثم يقول (( أما بالنسبة لأبي بكر فقد فتّشت أيضاً في كتب الفريقين فلم أجد له في كتب أهل السنة والجماعة القائلين بتفضيله ما يوازي أو يعادل فضائل الإمام عليّ ))(4)، أقول:
__________
(1) السنة للإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل جـ2 برقم (1347) ص (573).
(2) المصدر السابق جـ2 برقم (1349) ص (574).
(3) مسائل ابن هانئ جـ2 ص (169) وانظر المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل، جمع: عبد الإله الأحمدي جـ1 ص (385).
(4) ثم اهتديت ص (141).(171/137)
أما تفتيش التيجاني فلا يعتمد عليه لأنني واثق وثوق الشمس أنه غير منصف مهما ادّعى الإنصاف، إضافةً إلى أنه لا يفرّق بين الحديث المتواتر والحديث الموضوع!! ثم إنني لست أدري لماذا يناقض ( الدكتور ) التيجاني نفسه مرّات ومرّات، فهو قد ذكر قبل قليل قوله ( فقد أجمع على إمامته ـ أي عليّ ـ الشيعة والسنة في ما ورد من نصوص أثبتتها مصادرالطرفين ) إنظر؟ ( بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين ) هل نظرت أخي القارئ؟! ثم انظره هنا ماذا يقول ( أما بالنسبة لأبي بكر فقد فتشت أيضاً في كتب الفرقين فلم أجد له في كتب أهل السنة والجماعة القائلين بتفضيله (!؟) ـ وتفضيل أهل السنة له يعني إمامته ـ ما يوازي أو يعادل فضائل عليّ ) فأقول للتيجاني أي الفريقين تختار؟ أهل السنة الذين أجمعوا على خلافة عليّ؟! أم أهل السنة القائلين بتفضيل أبي بكر؟؟ لذلك أود أن أقدم لك نصيحة غالية، أرجوا منك أن تأخذها مأخذ الإعتبار وهي عندما تقوم بطبع هذا الكتاب مرة أخرى الرجاء أن تصحح تخصصك فتكتب على الغلاف ( ثم اهتديت... تأليف الدكتور محمد التيجاني السماوي... دكتوراة في علم المتناقضات؟! )
ثم يقول (( ورغم أن أبا بكر كان هو الخليفة الأول وله من النفوذ ما قد عرفنا ورغم أنَّ الدولة الأموية كانت تجعل عطاءً خاصاً ورشوة لكل من يروي في حق أبي بكر وعمر وعثمان ورغم أنَّها اختلقت لأبي بكر من الفضائل والمناقب الكثير مما سُوّدت بها صفحات الكتب، مع ذلك فلم يبلغ معشار عشر حقائق الإمام عليّ وفضائله ))(1) أقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (142 ـ143).(171/138)
ألا لعنة الله على الكاذبين، فكيف عرف هذا الشانئ الكذاب أن الدولة الأموية كانت تجعل عطاءً خاصاً ورشوة لمن يروي في حق أبي بكر وعمر وعثمان، ولماذا لم تُحَلْ أكاذيبه هذه المرة إلى الطبري والكامل وغيرها من كتب التاريخ حتى يثبت صحة ما يقول أم يريد أن يدلل على حقده وتجنيه على العظماء باختلاق الأكاذيب التي لا تنطلي على الأطفال فضلاً على الكبار، ثم ألا يعلم، أن الذي روى الأحاديث في فضائل عليّ بزعمه هم الصحابة أيضاً؟__فقوله هذا طعن مبطن للصحابة الكبار من رواة الأحاديث في أنهم يروون الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل القرآن الذي جاءنا عن طريق الصحابة هو مكذوب أيضاً؟_والقرآن الذي جاءنا عن طريق أولاد ابن سبأ اليهودي هو المحفوظ؟_فقاتل الله الرافضة ومن شايعهم في طعنهم على خير القرون ممن صحبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأي طعن في نبيّنا أكثر من ذلك؟ فأصحابه ظالمون مغتصبون منافقون جبناء وهنا كذابون مرتشون يختلقون الكذب على من صحبوه من أجل بعض العطاءات والرشاوي!! ورحم الله الإمام مالك حين قال (( هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل رجل سوء كان له أصحاب سوء ولو كان رجلاً صالحاً لكان له أصحاب صالحون ))(1)
ـ فلِينظرمن يريد الحق إلى ما يدعيه هؤلاء الرافضة ليستنتج من ذلك حقيقتهم وأنهم لا يعدون إلا أن يكونوا من أولاد عبد الله بن سبأ اليهودي الذين لا يريدون إلا تدمير الإسلام وأهله فيدعون بالكذب والزور حب آل البيت الكرام وهم منهم براء كبراءة الذئب من دم يوسف.
ثم يضيف هذا المهترئ فيقول (( أضف إلى ذلك أنّك إذا حلّلت الأحاديث المروية في فضائل أبي بكر وجدتها لا تتماشى مع ما سجّله له التاريخ من أعمال تناقض ما قيل فيه ولا يقبلها عقل ولا شرع ))(2)!!
__________
(1) الفتاوي العراقية لابن تيمية ص (157).
(2) ثم اهتديت ص (143).(171/139)
انظر أخي القارئ إلى من لا عقل له ولا فقه يريد أن يخالف الأصول المعلومة... يريد أن يحلل الأحاديث المروية في فضائل أبي بكر لا أن يبحث في سندها أو متنها بل يريد أن يحللها بماذا؟ بعقله أو قُل بتجرده وإنصافه، فيحلل أحاديث فضائل أبي بكر، وهو يقول الأحاديث. وليس حديثاً واحداً و(أل) تفيد الاستغراق أي كل أحاديث فضائل أبي بكر، فأتساءل يا ترى هل يريد أن يغرسها في التربة القابلة للزراعة ليرى هل ستنمو أم لا ليعلم مدى صحتها أو لعله سيقوم بنقعها في محلول الكذب ويضع عليها ثاني أكسيد الدجل؟! لينظر ماذا يكتشف.
ثم يقول (( وقد تقدم شرح ذلك في حديث ( لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أمتي لرجح إيمان أبي بكر ) ولو كان يعلم رسول الله أن أبا بكر على هذه الدرجة من الإيمان ما كان ليؤّمر عليه أسامة بن زيد ولا ليمتنع من الشهادة له كما شهد على شهداء أحد وقال له إني لا أدري ماذا تحدث من بعدي حتى بكى أبو بكر ))(1)
أقول: لقد أجبت عن هذه الحجج في غير ما موضع من هذا الكتاب فلتراجع. مع الإشارة إلى أنه لم يشرح الأحاديث كما يزعم هنا بل يحلل! ويحرم؟، إضافة لتحريفه المتكرر للحديث فهنا يقول ( وقال له إني لا أدري ما تحدث بعدي ) مع أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( لا أدري ما تحدثون بعدي ) بصيغة الجمع، ولكن أقول الطبع يغلب التطبع!
ثم يقول (( ولا أن يُرسل خلفه علي بن أبي طالب ليأخذ منه سورة براءة فيمنعه من تبليغها ))(2).
__________
(1) ثم اهتديت ص (143).
(2) المصدر السابق.(171/140)
أقول: هذا من الكذب الرخيص لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يمنع أبا بكر من تبليغها كما يزعم هذا التيجاني ولم يذكر في أي حديث مثل ذلك، ومعلوم بالتواتر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمّر أبا بكر على الحج عام تسع فقد (( أخرج الطبري وإسحق في مسنده النسائي والدارمي كلاهما عنه وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق ابن جريج ( حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج، فأقبلنا معه حتى إذا كدنا بالعرج ثوّب الصبح، فسمع رغوة ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا علي عليها، فقال له: أمير أو رسول؟ فقال: بل أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببراءة أقرؤها على الناس، فقدمنا مكة، فلما كان قبل يوم التروية بيوم قدم أبو بكر فخطب الناس بمناسكهم، حتى إذا فرغ قام عليّ فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، ثم كان يوم النحر كذلك، ثم يوم النفر كذلك ))(1)
فكان أبو بكر ينادي: أن لا يحج بعد العام المشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ويأمر أصحابه بذلك ويعضده ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة قال (( بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحَجَّة في المؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنىَ أن لا يحُجَّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميدٌ: ثمَّ أردفَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعليّ بن أبي طالب فأمرهُ أن يؤذن ببراءة . قال أبو هريرة فأذن معنا عليٌّ في أهل منىَ يوم النَّحر ببراءة، وأن لا يحجَّ بعد العام مشركٌ ولا يطوف بالبيت عريان))(2) أقول:
__________
(1) الفتح جـ8 ص (171).
(2) صحيح البخاري كتاب التفسير برقم (4378) جـ4 .(171/141)
وأما إرداف عليّ فلأنه لا يبلّغ هذا الأمر إلا النبي أو أحد من أهل بيته، لما أخرجه الطبراني عن أبي رافع في جزء منه فأتاه فقال (( إنه لن يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك ))(1)، فإرسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي كان لهذا السبب وليس لمنع أبي بكر وهو الذي استخلفه على الحج وكان علي من جملة أصحابه.
أما قوله ((ولا أن يقول يوم إعطاء الراية في خيبر: لأعطين رايتي غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّاراً ليس فرّاراً امتحن الله قلبه بالإيمان، فأعطاهاإلى عليّ ولم يعطها إليه ))(2) ثم يعزو الرواية إلى صحيح مسلم.
__________
(1) الفتح جـ8 ص (169).
(2) ثم اهتديت ص (143).(171/142)
أقول: لم أجد هذا الحديث بهذا اللفظ في مسلم، وإنما الذي ورد في صحيح مسلم هو ما رواه أبو هريرة (!) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر (( لأعطيّن هذه الراية رجلاً يُحبُ الله ورسوله. يفتح الله على يده. قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ، قال: فتساورت لها رجاء أن أُدعى لها، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّ بن أبي طالب فأعطاه إياها.وقال: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. قال: فسار عليٌّ ثم وقف ولم يلتفت فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمد رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم، إلا بحقّها، وحسابهم على الله ))(1) ففي هذا الحديث الإخبار عن فضائل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وليس في الحديث تنقيص لأبي بكر البتّه، ولم تكن الراية مع أبي بكر حتى يعطيها لعلي ولا يعطيها لأبي بكر، وليس من المعقول أنْ يُخصّ أبا بكر وحده بالفضل دون جميع الصحابة ويحوز كل الإمتيازات وبقية الصحابة لا فضل لهم، حتى لو أعطيت فضيلة لأحد غيره أصبحت هذه مذمّة له!؟ وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ) لاشك أن هذا من فضائل عليّ، ولكن لا يقول عاقل أن هذا مختص بعلي وحده أي لأنه يحب الله ورسوله وحده ولا يشاركه أحد من الصحابة في ذلك، بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهد لعبد الله بن حمار وقد جاء ليحد على شربه للخمر أكثر من مرة، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( لا تلعنوه، فولله ما علمت إلا أنه يُحب الله ورسوله ))(2) فهل يقول عاقل أنها تختص به؟ ومعلوم أن أصحاب
__________
(1) مسلم مع الشرح كتاب فضائل الصحابة برقم (2405).
(2) صحيح البخاري كتاب الحدود ـ باب ـ ما يكره من لعن شارب الخمر برقم (6398).(171/143)
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كُثر، فليس من المقبول أن توكل جميع الأمور والمدائح والفضائل والأسبقية لصحابي واحد، بل كل صحابي من المقربين، له منزلة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا شك أنّ من شهد الله ورسوله له بالصحبة أنه يحب الله ورسوله، فبطل الاحتجاج بهذا الحديث على أفضلية عليّ على أبي بكر، ولا أنسى أن أذكّر التيجاني أنّ راوي الحديث هو الصحابي الجليل أبو هريرة الذي تتهمه بأنه يختلق ويدسّ الأحاديث في فضائل أبي بكر ومن المتحاملين على الإمام عليّ، فكيف توفّق بين إيراده لهذا الحديث العظيم في فضل عليّ وادعائك المشحون بالكذب والتحامل على خير الخلق؟!
أما قوله (( ولو علم الله أنّ أبا بكر على هذه الدرجة من الإيمان وأنّ إيمانه يفوق أمة محمد بأسرها فلم يكن الله ليهدده بإحباط عمله عندما رفع صوته فوق صوت النبي ))(1)، قلت:
__________
(1) ثم اهتديت ص (143).(171/144)
هذه الآية نزلت لتأديب المسلمين عامة وللصحابة بالأخص، في كيفية معاملتهم مع نبي المرحمة صلى الله عليه وآله وسلم وتوقيره وتبجيله، والآية عامة اللفظ إلا أن يأتي ما يخصصها، فكيف يقول هذا التيجاني أن الله سبحانه يهدده ( هكذا ) بإحباط عمله، وقد ذُكِرَ أنّ سبب نزول الآية أكثر من سبب منها أن أبا بكر وعمر تماريا فنزلت هذه الآيات وابتدأت بـ{ يا أيها الذين آمنوا...} ومن هنا نعلم أن نزول هذه الآية هي لتربية الصحابة وتعليمهم وتنبيههم لهذا الأمر بالقرآن، ليكونوا خير الناس بصحبة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم وليست تختص بأبي بكر وحده، فقد روى مسلم أنها نزلت في ثابت بن قيس فعن أنس بن مالك أنه قال (( لما نزلت هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، إلى آخر الآية. جلس ثابت بن قيس وقال: أنا من أهل النار، واحتبس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو، ما شأن ثابت؟ أَشتكى؟ قال سعد: إنه لجاري، وما علمت له بشكوى، قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال ثابت: أُنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأنا من أهل النار فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل هو من أهل الجنة ))(1)27) فكيف بأبي بكر الذي بشره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة مرات ومرات، والذي كان من أول المستجيبين والمتأدبين مع هذا الأمر الإلهي، فقد أخرج الحاكم في المستدرك موصولاً وابن مردويه من طريق بن شهاب عن أبي بكر قال (( لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم.. الآية، قال أبي بكر: قلت يا رسول الله آليت أن لا أكلمك إلا كأخي السرار ))(2) وخلاصة القول أن أبا بكر
__________
(1) 27) مسلم مع الشرح كتاب الإيمان برقم (119) جـ2
(2) الفتح جـ8 ص (456).(171/145)
الصديق ليس معصوماً بل يخطئ ويصيب، وينبّه على خطئه، فالقرآن يؤدبه، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يربّيه، وهذا مدح له وليس قدح به هذا لمن يفهم.
ثم يكرر ما سبق الجواب عليه ثم يقول (( .. وأنه لم يكن أحرق الفجاءة السلمي ))(1)، أقول: عجباً والله من هؤلاء الزعانف الذين يحتجون بما هو حجة عليهم لا لهم (( فالإحراق بالنار عن عليّ أشهر وأظهر منه عن أبي بكر، وأنه قد ثبت في الصحيح أن علياً أُتي بقوم زنادقة من غلاة الشيعة، فحرّقهم بالنار، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرّقهم بالنار، لنهْي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُعذّب بعذاب الله، ولضربت أعناقهم، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( من بدل دينه فاقتلوه ) فبلغ ذلك علياً، فقال: ويح أبن أم الفضل ما أسقطه على الهنات. فعليّ حرّق جماعة بالنار، فإن كان ما فعله أبو بكر منكراً، ففعل عليّ أنكر منه، وإن كان فعل عليّ مما لا يُنْكر مثله على الأئمة، فأبو بكر أولى أن لا ينكر عليه ))(2).
أما قوله (( وأنه يوم السقيفة كان قذف الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة ))(3). قلت:
__________
(1) ثم اهتديت ص (143).
(2) المنهاج جـ5 ص (495 ـ 496).
(3) ثم اهتديت ص (143).(171/146)
هذه الحجة المردودة أجاب عليها الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري بما يغني عن الرد فقال (( وقد استشكل قول أبي بكر هذا مع معرفته بأنه الأحق بالخلافة بقرينة تقديمه للصلاة وغير ذلك، والجواب أنه استحيى أن يزكي نفسه فيقول مثلا رضيت لكم نفسي، وانضم إلى ذلك أنه علم أنّ كلا منهما لا يقبل ذلك، وقد أفصَح عمر بذلك في القصة، وأبو عبيدة بطريق الأولى لأنه دون عمر في الفضل باتفاق أهل السنة، ويكفي أبا بكر كونه جعل الاختيار في ذلك لنفسه فلم ينكر ذلك عليه أحد، ففيه إيماء إلى أنه الأحق، فظهر أنه ليس في كلامه تصريح بتخلية من الأمر))(1)، وقال في موضع آخر (( وتمسّك بعض الشيعة بقول أبي بكر ( قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ) بأنه لم يكن يعتقد وجوب إمامته ولا استحقاقه للخلافة، والجواب من أوجه: أحدهما ان ذلك كان تواضعاً منه، والثاني لتجويزه إمامة المفضول مع وجود الفاضل، وإن كان من الحق له فله أن يتبرع لغيره، الثالث أنه علم أن كلا منهما لا يرضى أن يتقدمه فأراد بذلك الإشارة إلى أنه لو قدر أنه لا يدخل في ذلك لكان الأمر منحصراً فيهما، ومن ثم لمّا حضره الموت استخلف عمر لكون أبي عبيدة كان إذ ذاك غائباً في جهاد أهل الشام متشاغلا بفتحها، وقد دلّ قول عمر ( لأن أُقدم فتُضرب عنقي ألخ ) على صحة الإحتمال المذكور ))(2).
__________
(1) الفتح جـ7 ص (38 ـ 39 ) كتاب فضائل الصحابة.
(2) المصدر السابق جـ12 ص (162) كتاب الحدود.(171/147)
ثم يقول (( فالذي هو على هذه الدرجة من الإيمان ويرجح إيمانه على إيمان كل الأمة لا يندم في آخر لحظات حياته على ما فعله مع فاطمة وعلى حرقه الفجاءة السلمي وعلى توليه الخلافة، كما لا يتمنى أن لا يكون من البشر ويكون شعرة أو بعرة، أفيعادل إيمان مثل هذا الشخص إيمان الأمة الإسلامية بل يرجح عليها ))(1) أعتقد أنني قد أجبت على كل ذلك، ولكن الغريب هنا ملاحظة كثرة تكرار التيجاني لكلامه بما يوحي أن المؤلف نفسه لا يصدق ما يكتب، أو لعله يظن أن القراء قليلو الفهم فيجب تكرار الكلام عليهم حتى يعوهُ، متخذاً المثل القائل ( تكرار الكلام يعلم الشطار )!!
ثم يهذي فيقول (( وإذا أخذنا حديث ( لو كنت متخذاً خليلاً لأتخذت أبا بكر خليلاً ) فهو كسابقه، فأين كان أبو بكر يوم المؤاخاة الصغرى في مكة قبل الهجرة ويوم المؤاخاة الكبرى في المدينة بعد الهجرة وفي كلتيهما اتخذ رسول الله (ص) علياً أخاً له وقال له ( أنت أخي في الدنيا والآخرة ) ولم يلتفت إلى أبي بكر فحرمه من مؤاخاة الآخرة كما حرمه من الخُلّة، وأنا لا أريد الإطالة في الموضوع وأكتفي بهذين المثلين اللذين أوردتهما من كتب أهل السنة والجماعة،أما عند الشيعة فلا يعترفون بتلك الأحاديث مطلقاً ولديهم الأدلة الواضحة على أنها وضعت في زمن متأخر على زمن أبي بكر ))(2).
1ـ لو فرضنا جدلاً صحة ما يقوله هذا السماوي من عدم وجود أبي بكر يوم المؤاخاة الصغرى والكبرى واتخاذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً أخاً له، فهل هذا يوجب القدح لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،، وهل يجب أن يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفضائل كلها لواحد من الصحابة مثل أبي بكر دون الباقين حتى إذا ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفضيلة لغيره مثل عليّ، أصبحت أحاديث أبي بكر ضعيفة؟!
__________
(1) ثم اهتديت ص (143 ـ 144).
(2) ثم اهتديت ص (144).(171/148)
2ـ يُعرف الحديث الصحيح من المكذوب من ناحيتي السند والمتن، وبالنسبة لحديث اتخاذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر خليلاً، فهو من ناحية المتن لا قدح فيه لأن أبا بكر صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يوم مبعثه حتى وفاته وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يجلس مع صحابيّ مثل أبي بكر(1)، فهو يستحق أن يكون بهذه المنزلة العظيمة، وأما من ناحية السند فلا شك في صحة الحديث، فقد رواه جمع من الصحابة في الصحاح والمسانيد بالإسناد المتصل الثقة الخالي من العلل والجروح.
3ـ أما حديث المؤاخاة الصغرى والكبرى فهو من الأكاذيب، فالحديث الذي استند عليه هذا التيجاني وهو حديث ( أنت أخي في الدنيا والآخرة ) حديث موضوع، أخرجه الترمذي وابن عدي والحاكم كلهم من طريق حكيم بن جبير عن جميع بن عمير، وحكيم بن جبير هذا ضعيف، وجميع بن عمير كذاب قال عنه ابن حبّان: رافضيٌ يضع الحديث (!) وقال ابن نمير: كان من أكذب الناس(2) وقال ابن تيمية: أن أحاديث المؤاخاة لعلي كلها موضوعة(3) فكيف يضعّف التيجاني حديث أبي بكر الصحيح محتجاً على ذلك بحديث موضوع؟!
ثم يقول (( أما عند الشيعة فلا يعترفون بتلك الأحاديث مطلقاً ولديهم الأدلة الواضحة على أنها وضعت في زمن متأخر على زمن أبي بكر ))(4).
__________
(1) في جزء من الحديث الذي رواه ابن عباس قول علي بن أبي طالب ((...وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي =+ يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبوبكر وعمر )) راجع هامش الكتاب ص (326 ـ 327)، وحديث عائشة ((..لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا ويأتينا رسول الله =+ طرفي النهار، بكرةً وعشيّةً )) البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3692).
(2) ميزان الاعتدال للذهبي جـ1 ص (421) برقم (1552).
(3) المنهاج جـ7 ص (361) وراجع السلسلة الموضوعة للألباني جـ1 ص (355 ـ 356).
(4) ثم اهتديت ص (144).(171/149)
وهذا الكلام لا غبار عليه، إذ كيف للكاذب أن يصدق الصادق، وكما قيل (البعرة تدل على البعير )!؟ وأما الادعاء على أنها وضعت في زمن متأخر على زمن أبي بكر بالأدلة الواضحة لدى الرافضة، فأرجوه رجاءً حاراً أن يأتينا بالأدلة الواضحة ليفحمنا ويخرسنا وصحيح ما قيل ( رمتني بدائها وانسلّت )؟!
ثم يدعي على أبي بكر بالجهل فيقول (( وفي هذا الصدد سجّل لنا التاريخ أن الإمام عليّ هو أعلم الصحابة على الإطلاق وكانوا يرجعون إليه في أمهات المسائل ولم نعلم أنه (ع) رجع إلى واحد منهم قط فهذا أبو بكر يقول: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن ))(1)
__________
(1) ثم اهتديت ص (145 ـ 146).(171/150)
قلت: هذا من الكذب الظاهر فأين النقل الصحيح على ذلك؟ فأهل السنة والجماعة اتفقوا أن أعلم الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد منهم، ولم يُنقل أبداً ان أبابكر قد أخذ العلم عن عليّ بل الثابت أن علياً قد أخذ العلم عن أبي بكر كما في السنن عن ((أسماء بن الحكم الفزاري قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً، نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني أحد من أصحابه، استحلفته فإذا حلف لي صدّقته، قال: وحدّثني أبو بكر ـ وصدق أبو بكر رضي الله عنه ـ أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلّي ركعتين ثم يستغفر الله غفر الله له ) ثم قرأ هذه الآية { والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله } إلى آخر الآية ))(1) وأيضا الأخذ برأيه في مقاتلته مانعي الزكاة وقتاله معه، وأخرج مسلم في صحيحه وأحمد في المسند في الحديث الطويل وفي جزء منه قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((... فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا ))(2) (( وثبت عن ابن عباس أنه كان يفتي بكتاب الله، فإن لم يجد فبما في سنة رسول الله، فإن لم يجد أفتى بقول أبي بكر وعمر، ولم يكن يفعل ذلك بعثمان ولا بعلي، وابن عباس هو حبر الأمة وأعلم الصحابة في زمانه، وهو يفتي بقول أبي بكر وعمر مقدماً لهما على قول غيرهما، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل ) ))(3) وهذا يدلل على عميق فقه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل ولم يثبت أنه قد خالف النصوص ولكن
__________
(1) سنن أبي داود ـ باب ـ نفريع أبواب الوتر برقم (1521) وراجع صحيح أبي داود برقم (1346).
(2) صحيح مسلم مع الشرح كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (681).
(3) المنهاج جـ7 ص (503).(171/151)
عمر وعليّ ثبت أنهما قد خالفا النصوص في أمور وذلك لأن النصوص لم تبلغهما، ويعلم هذه الحقيقة من له بمسائل العلم وأقوال العلماء أدنى معرفة، وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال في جزء من الحديث ((...كان أبو بكر أعلمنا ( أي ) بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ))(1) وقال ابن حزم في كتابه القيم ( الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحَل ) كلاماً نفيساً في هذه القضية أَضّطر لنقله على طوله لأهميته (( قال أبو محمد: واحتج ـ أي الرافضة ـ أيضاً بأن علياً كان أكثرهم علماً، قال أبو محمد: كذب هذا القائل، وإنما يعرف علم الصحابي لأحد وجهين لا ثالث لهما، أحدهما: كثرة روايته وفتاويه، والثاني: كثرة استعمال النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، فمن المحال الباطل أن يستعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لا علم له، وهذه أكبر الشهادات على العلم وسعته، فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ولىّ أبا بكر الصلاة بحضرته طول علته، وجميع أكابر الصحابة حضور، كعليّ وعمر وابن مسعود وأُبي، وغيرهم فآثره بذلك على جميعهم، وهذا خلاف استخلافه عليه السلام إذا غزا لأن المستخلف في الغزوة لم يستخلف إلا على النساء، وذو الأعذار فقط، فوجب ضرورة أن نعلم أنّ أبا بكر أعلم الناس بالصلاة، وشرايعها، وأعلم المذكورين بها وهي عمود الدين، ووجدناه صلى الله عليه وآله وسلم قد استعمله على الصدقات فوجب ضرورة أن عنده من علم الصدقات كالذي عند غيره من علماء الصحابة، لا أقل وربما كان أكثر، أو لا أكثر إذ قد استعمل عليه السلام أيضاً عليها غيره وهو عليه السلام لا يستعمل إلا عالماً بما استعمله عليه، وبرهان ما قلنا من تمام علم أبي بكر رضي الله عنه بالصدقات أن الأخبار الواردة في الزكاة أصحها، والذي يلزم العمل به ولا يجوز خلافه
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الصلاة ـ باب ـ الخوخة والممر في المسجد برقم (454) وراجع المنهاج جـ7 ص (508).(171/152)
فهو حديث أبي بكر الذي من طريق عمر، وأما من طريق عليّ فمضطرب وفيه ما قد تركه الفقهاء جملة، وهو أن في خمس وعشرين من إبل خمس شياه، فوجدنا عليه السلام قد استعمل أبا بكر على الحج، فصح ضرورة أنه أعلم من جميع الصحابة في الحج، وهذه دعائم الإسلام، ثم وجدناه عليه السلام قد استعمله على البعوث فصح أن عنده من أحكام الجهاد مثل ما عند سائر من استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على البعوث في الجهاد، إذ لا يستعمل عليه السلام على العمل إلا عالماً له، فعند أبي بكر من الجهاد من العلم به كالذي عند عليّ، وسائر أمراء البعوث، لا أكثر ولا أقل، فإذ قد صح التقدم لأبي بكر على عليّ وغيره في علم الصلاة، والزكاة، والحج، وساواه في علم الجهاد، فهذه عمدة العلم، ثم وجدناه عليه السلام قد ألزم نفسه في جلوسه، ومسامرته، وظعنه، وإقامته أبابكر فشاهد أحكامه عليه السلام، وفتاويه أكثر من مشاهدة عليّ لها، فصح ضرورة أنه أعلم بها فهل بقيت من العلم بقية إلا أبو بكر هو المتقدم فيها الذي لا يلحق؟ أو المشارك الذي لا يسبق؟ فبطلت دعواهم في العلم، والحمدلله رب العالمين.(171/153)
ـ ثم يقول ـ فإنا غير متّهمين على حط أحد من الصحابة رضي الله عنهم عن مرتبته ولا على رفعه فوق مرتبته، لأننا لو انحرفنا عن عليّ رضي الله عنه ونعوذ بالله من ذلك لذهبنا فيه مذهب الخوارج، وقد نزهنا الله عز وجل عن الضلال في التعصب ولو غلونا فيه لذهبنا فيه مذهب الشيعة، وقد أعاذنا الله من هذا الإفك في التعصب فصار غيرنا من المنحرفين عنه أو غالين فيه هم المتّهمون فيه إما له وإما عليه، وبعد هذا كله فليس يقدر من ينتمي إلى الإسلام أن يعاند في الاستدلال على كثرة العلم باستعمال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمن استعمله منهم على ما استعمله وعليه من أمور الدين، فإن قالوا: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد استعمل علياً على الأخماس وعلى القضاء باليمن؟ قلنا لهم: نعم ولكن مشاهدة أبي بكر لأقضية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقوى في العلم وأثبت مما عند عليّ وهو باليمن، وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر على بعوث فيها أخماس، فقد ساوى علمه علم عليّ في حكمها بلا شك، إذ لا يستعمل عليه السلام إلا عالماً بما يستعمله عليه، وقد صح أن أبا بكر وعمر كانا يفتيان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عليه السلام يعلم ذلك، ومحال أن يبيح لهما ذلك إلا وهما أعلم ممن دونهما وقد استعمل عليه السلام أيضاً على القضاء باليمن مع عليّ معاذ بن جبل، وأبا موسى الأشعري، فلعليّ في هذا شركاء كثير، منهم أبو بكر ، وعمر، ثم قد انفرد أبو بكر بالجمهور الأغلب من العلم على ما ذكرنا. وقال هذا القائل ـ أي الرافضي ـ : إن علياً كان أقرأ الصحابة، قال أبو محمد: هذه القحة المجردة والبهتان لوجوه أولها إنه رد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه عليه السلام قال: يؤم القوم أقرؤهم، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأقدمهم هجرة، ثم وجدناه عليه السلام قد قدم أبا بكر على الصلاة مدة الأيام التي مرض(171/154)
فيها وعليّ بالحضرة يراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم غدوة وعشية فما رأى لها عليه السلام أحداً أحق من أبي بكر بها، فصح أنه كان أقرؤهم وافقههم واقدمهم هجرة، وقد يكون من لم يجمع حفظ القرآن كله على ظهر قلب أقرأ ممن جمعه كله عن ظهر قلب فيكون ألفظ به وأحسنهم ترتيلا، هذا على ان أبا بكر وعمر وعليا لم يستكمل أحد منهم حفظ سواد القرآن كله ظاهرا إلا أنه قد وجب يقيناً بتقديم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر على الصلاة وعليُّ حاضر أن أبا بكر أقرأ من عليّ، وما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقدم إلى الإمامة الأقل علما بالقراءة على الأقرأ أو الأقل فقهاً على الأفقه فبطل أيضاً شغبهم في هذا الباب، والحمد لله رب العالمين ))(1) ومما سبق يتضح لكل ذي لب تقدم أبي بكر على عليّ في العلم والفقه.
ثم يقول (( بينما يقول أبو بكر عندما سئل عن معنى الأب في قوله تعالى { وفاكهة وأباً متاعاً لكم ولأنعامكم } قال أبو بكر: أي سماء تظلني وأي أرض تقلّني أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم ))(2) أقول:
1ـ هذه الرواية التي ذكرها ابن كثير رواها إبراهيم التيمي عن أبي بكر وهي ضعيفة، لأن السند منقطع بين إبراهيم وأبو بكر.
__________
(1) الفصل في الملل والنحل لابن حزم جـ4 ص (212 ـ 215).
(2) ثم اهتديت ص (146).(171/155)
2ـ ولا يفهم من الحديث ـ إن صح ـ أن أبا بكر لا يعرف معنى الأب لأن معناها واضح جداً على أنها من نبات الأرض كما يقول الله { فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً..} ولكنه لم يحدد ما هية الأب أي أن يعرف شكله وجنسه وعينه وهذا ما أراده في قوله ذاك، وكما روى أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر { وفاكهة وأبا } هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر(1)! لذلك جاء معنى الأب عند المفسرين على أنه من نبات الأرض فقال (( مجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك: الأب الكلأ، وعن مجاهد والحسن وقتادة وابن زيد: الأب للبهائم كالفاكهة لنبي آدم، وعن عطاء: كل شيء نبت على وجه الأرض فهو أب، وقال الضحاك: كل شيء أنبتته الأرض سوى الفاكهة فهو الأب ))(2) فالمعنى كما هو واضح ما أنبت على الأرض، ولكن الصحابة لم يحددوه بالكيف والجنس، وهذا لا يدل على عدم العلم ولو وضحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنوع معين لعرفه الصحابة فيحمل على كل ما أنبت على الأرض.
__________
(1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان جـ باب ـ في تعظيم القرآن ص (424) بسند صحيح والحاكم في المستدرك جـ2 ص (514) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(2) تفسير ابن كثير جـ4 ص (504).(171/156)
ثم يعود إلى خلاف فاطمة مرة أخرى فيقول (( وإذا كانت أول حادثة وقعت بعد وفاة رسول الله مباشرة وسجّلها أهل السنة والجماعة والمؤرخون: هي مخاصمة فاطمة الزهراء لأبي بكر الذي احتجّ بحديث ( نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة )، هذا الحديث الذي كذّبته فاطمة الزهراء وابطلته بكتاب الله، واحتجّت على أبي بكر بأن أباها رسول الله (ص) لا يمكنه أن يناقض كتاب الله الذي أنزل عليه إذ كيف يقول الله سبحانه { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين } وهي عامة تشمل الأنبياء وغير الأنبياء، واحتجّت عليه بقوله تعالى { وورث سليمان داوود } وكلاهما نبي، وقوله عز من قائل { فهب لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّاً } ))(1) أقول:
1ـ الغريب في هذا التيجاني أنه يعيد ويكرر هذه القضية حتى كأنه لم يصدق ما يكتب فهو يقوم بعصر رأسه وما يخرج له يسوّده على صفحات كتابه، وهذا الأسلوب يدلل بوضوح على أن قضية فاطمة لا تحتمل ما يحمّله لها هذا التيجاني، ولكنه يأبى إلا أن يجعل من الحجر جبالاً وهذا ديدن الرافضة، وبالنسبة لقوله أن فاطمة كذّبت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبطلته بكتاب الله واحتجت على أبي بكر بأن أباها لا يناقض القرآن..الخ فهذا من الكذب الذي لا يخفى على من له مسكة من عقل، فأين المصدر الصحيح الذي يثبت أن فاطمة قالت ذلك أم أن الكذب تمادى بصاحبه حتى جعله يسوق الأعاجيب.
__________
(1) ثم اهتديت ص (153).(171/157)
2ـ ذكر هذا التيجاني قبل صفحات واحتج على أبي بكر بأن فاطمة معصومة لذلك لا يمكن أن تكذب أبداً فالمنطق يقول أن أبا بكر هو الظالم ولهذا السبب غضبت فاطمة ودعت عليه إلى آخر هذيانه، ثم يقول في موضع آخر أن أبا بكر تعمد إيذاء فاطمة وتكذيبها لئلا تحتج عليه بنصوص الغدير وغيرها على خلافة زوجها عليّ، ولكنه هنا يقول أن أبا بكر احتج بحديث ( نحن معشر الأنبياء لا نورث ) وأن فاطمة كذبته بكتب الله سبحانه؟! فبالله كيف يستقيم ذلك كله؟ وهل القصة واحدة أم عدة روايات أو قل عدة أكاذيب؟! فرحم الله أبا بكر وطهّر عرضه من هؤلاء المجرمين، فمرة يدّعي أن أبا بكر هو المخطئ لأن فاطمة معصومة، ومرة يبكي على سخط فاطمة! ومرة أن أبا بكر تعمّد إيذاءها وتكذيبها، وهنا يحتج على فاطمة بحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، كل ذلك في آن واحد، فماذا يقول القارئ المنصف هنا إلا أن يذعن للحق الذي لا ثانية له، وهو الذي أثبتناه، ولو كانت فاطمة أخي القارئ معصومة لم تحْتَجْ لتكذيب حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحجة أنها لا تكذب وأبو بكر مخطيء ضرورة، ولكن الحقيقة أن فاطمة ليست معصومة والكلام السابق كفيل بإبطال هذا الادعاء، وأما احتجاج فاطمة على أبي بكر بالقرآن فلا شك في بطلانه وإليك المزيد.(171/158)
3ـ أما بالنسبة لقوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظِّ الأنثيين } فيجاب عليه أنه (( ليس في عموم لفظ الآية ما يقتضي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يورث فإن الله تعالى قال { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين، فإن كُنَّ نساءً فوق اثنتين فلهنَّ ثُلُثا ماترك وإن كانت واحدةً فلها النّصفُ لكل واحدٍ منهما السُدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن لهُ ولدٌ وورثه أبواه فلأُمِّه الثُلُث فإن كان له إخوةٌ فلأمِّه السُدس } وفي الآية الاخرى { ولكم نِصفُ ما ترك أزواجُكُم إن لم يكُنْ لهُنَّ ولد فإنْ كان لهُنَّ ولد فلكم الرُّبُع مما تركْنَ ـ إلى قوله ـ من بعد وصيَّةٍ يُوصي بها أو دين غير مُضارّ } وهذا الخطاب شامل للمقصودين بالخطاب وليس فيه ما يوجب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخاطب بها، و( كاف ) الخطاب يتناول من قصده المخاطب، فإن لم يعلم أن المعيّن مقصود بالخطاب لم يشمله اللفظ، حتى ذهبت طائفة من الناس إلى أن الضمائر مطلقاً لا تقبل التخصيص فكيف بضمير المخاطب؟ فإنه لا يتناول إلا من قُصد بالخطاب دون من لم يُقصد، ولو قدّر أنه عام يقبل التخصيص، فإنه عام للمقصودين بالخطاب، وليس فيها ما يقتضي كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المخاطبين بهذا ))(1) ولأنّ ( كاف ) الجماعة تأتي بالقرآن وتشمل بالخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتأتي دونه كقوله تعالى { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم } ( محمد 33) وقوله تعالى { إن كنتم تحبُّون الله فاتّبعوني يُحببكم الله ويغْفر لكُم ذُنُوبكم } ( آل عمران 31 ) فإن كاف الخطاب لم تشمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل تناولت المخاطبين بالسياق وهذه كقوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم } فهي مثل الآيات السابقة، وكذلك كقوله تعالى { إنْ خفتُم إلا تُقسِطوا في اليتامَى فانكحوا ما طاب
__________
(1) المنهاج جـ8 ص (199).(171/159)
لكم من النساء مَثْنى وثُلاث ورُباع فإن خِفتم ألا تعْدلوا فواحِدةً أو ما ملكت أيمانُكم ذلك أدنى ألا تعُولوا، وآتُوا النساء صدُقاتِهنَّ نِحلَة فإن طِبنَ لكم عن شيء منهُ نفساً فكُلوه هنيئاً مريئاً } ( النساء 3 ـ 4) فإن هذه الآية تشمل المخاطبين أيضاً دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يحل له أن يتزوج أكثر من أربعة وبدون مهر، كما ثبت بالنصوص الصحيحة والتي لا تخفى على أحد(1).
4ـ أما بالنسبة لاستدلال التيجاني بقوله تعالى { وورث سليمان داود } وقوله كلاهما نبي ـ فأقول:
أ ـ مجرّد ذكر كلمة ( الإرث ) لا يدل على أن المقصود به المال لأن هذه الكلمة تأتي بمعاني كثيرة كقوله تعالى { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } ( فاطر 23 ) وكقوله تعالى { وأورثَكم أرضَهُم وديارهُم وأموالَهم وأرضاً لم تطؤوها } ( الأحزاب 27 ) وكقوله تعالى { ولقد كتبْنا في الزبُورِ من بعد الذكْر أنّ الأرضَ يرثُها عبادِيَ الصالحون } ( الأنبياء 105 ) فليست الوراثة تعني إرث المال وفقط بل تشتمل على معاني أخرى.
__________
(1) راجع المنهاج جـ8 ص (200 ـ 201).(171/160)
ب ـ وقوله تعالى { وورث سليمان داود } فإن الإرث المقصود في هذه الآية هو إرث العلم والنبوّة لا إرث المال لأن داود كان له من الأولاد الكثير غير سليمان فلا يخصّه بالمال (( وأيضاً ليس في كونه ورث ماله صفة مدح، لا لداود ولا لسليمان فإن اليهودي والنصراني يرث أباه ماله، والآية سيقت في بيان المدح لسليمان، وما خصّه الله به من النعمة ))(1) (( وأيضاً فإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس، كالأكل والشرب، ودفن الميت، ومثل هذا لا يُقصُّ عن الأنبياء إذ لا فائدة فيه، وإنما يُقص ما فيه عبرة وفائدة تستفاد، وإلا قول القائل ( مات فلان وورث أبنه ماله ) مثل قوله ( ودفنوه ) ومثل قوله ( أكلوا وشربوا وناموا ) ونحو ذلك مما لا يحسن أن يجعل من قصص القرآن ))(2).
ت ـ أما وقوله تعالى { فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب } ومن المسلّم به أن هذا هو كلام زكريا وهو لا يرث من آل يعقوب مالاً بل يرثهم أولادهم وورثتهم، فلا يدل الارث هنا على أنه إرث المال بالتأكيد، هذا بالإضافة إلى أنّ زكريا كان نجّاراً وليس ذو مالٍ وفير حتى يوّرثه ليحي، إضافةً إلى أننا لو راجعنا بداية هذه الآية والتي أخفاها هذا التيجاني وهي قوله تعالى { وإني خفت المَوالي من ورائي } ( مريم 5 ) (( لتبيّن لنا أنه لم يخف أن يأخذوا ماله من بعده إذا مات، فإن هذا ليس بمخوف ))(3) ومن هنا تبين لنا انه أراد بالوراثة وراثة العلم والنبوة.
__________
(1) منهاج السنة جـ4 ص (224).
(2) المصدر السابق.
(3) المنهاج جـ4 ص (225).(171/161)
جـ ـ وقد اعترف بهذا المعنى مفسرو الشيعة الاثني عشرية فصاحب ( التفسير المبين) محمد جواد مغنية ـ من كبار علمائهم المعاصرين ـ يقول عند تفسير قوله تعالى { وورث سليمان داود } قال (( في الملك والنبوة ))(1)! ويقول عند تفسير قوله تعالى { وإني خفت الموالي من ورائي } (( الموالي: العمومة وبنو العم، ومن ورائي، خاف زكريا إذا ورثوه أن يسيئوا إلى الناس، ويفسدوا عليهم دينهم ودنياهم.... { فهب لي من لدنك وليا } وارثاً، { يرثني ويرث من آل يعقوب} قال: العلم والنبوة ))(2)!؟ بالإضافة لتأكيد إمامهم الكافي لهذه القضية عندما ساق الحديث الصحيح باعتراف إمامهم المتأخر الخميني والذي يثبت أنّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم(3)؟! فهل يوجد حق بهذا الوضوح والبيان يا أيها التيجاني المهتدي؟!
سادساً ـ إدعاء التيجاني أن أبا بكر خالف سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قتاله لما نعى الزكاة والرد عليه في ذلك:
__________
(1) التفسير المبين لمحمد جواد مغنية ص (496) سورة النمل.
(2) المصدر السابق ص (396) سورة مريم.
(3) راجع ص (160ـ 162).(171/162)
يقول التيجاني (( والحادثة الثانية التي وقعت لأبي بكر في أول أيام خلافته وسجّلها المؤرخون من أهل السنة والجماعة اختلف فيها مع أقرب الناس إليه وهو عمر بن الخطاب تلك الحادثة التي تتلخّص في قراره بمحاربة مانعي الزكاة وقتلهم (!) فكان عمر يعارضه ويقول له لا تقاتلهم لأني سمعت رسول الله (ص) يقول: ( امرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فمن قالها عصم مني ماله ودمه وحسابه على الله ) . وهذا نص أخرجه مسلم في صحيحه جاء فيه: ( أن رسول الله (ص) أعطى الراية إلى علي يوم خيبر فقال علي: يا رسول الله على ماذا أقاتلهم؟ فقال (ص) قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها وحسابهم على الله ) ولكن أبا بكر لم يقتنع بهذا الحديث وقال: والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حقّ المال، أو قال: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه) واقتنع عمر بن الخطاب بعد ذلك وقال: ما إن رأيت أبا بكر مصمّماً على ذلك حتى شرح الله صدري، ولست أدري كيف يشرح الله صدور قوم بمخالفتهم سنّة نبيّهم! ))(1).
__________
(1) ثم اهتديت ص (153 ـ 154).(171/163)
1ـ إن قرار أبا بكر في قتال مانعي الزكاة هو الحق الموافق للكتاب والسنة، وما اتفقت عليه الأمة وفي هذا يقول الله سبحان { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم } ( التوبة 5 ) وقوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصّل الآيات لقوم يعلموم } ( التوبة 11) فبيّن الله سبحانه في هاتين الآيتين أن شروط التوبة والدخول في الإسلام يلزم منها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وعدم التفريق بينهما لذلك قال عبد الله بن مسعود (( أمرتم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن لم يزك فلا صلاة له، وعن بن عباس { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة }، قال: حرّمت هذه الآية دماء أهل القبلة ))(1)، ويقتضي ذلك أنهم إذا أخلّوا بأداء الصلاة أو إيتاء الزكاة فإنه يباح قتالهم حتى يعودوا إلى أدائها كاملة، وهذا ما فعله الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع مانعي الزكاة لذلك قال ابن كثير معلقاً على هذه الآية (( ولهذا اعتمد الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال وهي الدخول في الإسلام والقيام بأداء واجباته، ونبه بأعلاها على أدناها فإن أشرف أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة التي هي حق الله عز وجل وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء والمحاويج وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين، ولهذا كثيراً ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة ))(2)، وقال عبد الرحمن بن زيد (( افترضت الصلاة والزكاة جميعاً لم يفرّق بينهما، وقرأ { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين }، وأبا أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة، وقال: رحم الله أبا بكر، ما كان
__________
(1) تفسير الطبري جـ6 ص (328).
(2) تفسير ابن كثير جـ2 ص (349).(171/164)
أفقهه ))(1).
2ـ أما السنة فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر (( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقّ الإسلام، وحسابهم على الله ))(2)، فهذا الحديث الصحيح يظهر بوضوح أن عصمة الدم والمال لا تتحقق إلا بتحقيق الإيمان، والإيمان الحقيقي لا يتحقق إلا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وإذا منع الناس الزكاة وجب هنا القتال من أجل أخذها من المطالب بها إلى مستحقيها، وهذا فعله أبو بكر الصديق.
__________
(1) تفسير الطبري جـ6 ص (349).
(2) صحيح البخاري كتاب الإيمان ـ باب ـ(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) برقم (25) جـ1 ، مسلم مع الشرح كتاب الإيمان برقم (22).(171/165)
3ـ يبدوا أن التيجاني لا يعلم من المذهب الاثني عشري الذي هُدي إليه إلا اسمه، فالرافضة الاثني عشرية يثبتون في كتبهم أنّ الزكاة مثل الصلاة تماماً ومن المُسّلم به أنّ تارك الصلاة يقتل بلا خلاف فجعل الزكاة مثل الصلاة يبين أن حكمهما واحد وهذا ما اعترف به الرافضة فقد أورد إمامهم والذين يصفونه بالمحقق المحدث المتبحر محمد الحر العاملي في كتابه ( وسائل الشيعة ) (( عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: فرض الله الزكاة مع الصلاة ))(1)، (( وعن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى قرن الزكاة بالصلاة فقال: { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } فمن أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة لم يقم الصلاة ))(2)، فهل يريد التيجاني أكثر من ذلك؟! لا بأس! وهذا إمام القوم والذين يصفونه برئيس المحدثين يروي في كتابه ( من لا يحضره الفقيه ) ـ وهو أحد الكتب الأربعة التي تمثل مرجع الإمامية في الفروع والأصول ـ (( عن أبي عبد الله عليه السلام: من منع قيراطاً من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم وهو قول الله عز وجل: { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } . وفي رواية أخرى لاتقبل له صلاة ))(3) وعن أبي جعفر عليه السلام قال (( بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله في المسجد إذ قال: قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر فقال: اخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه وأنتم لا تزكون ))(4)، وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال (( من منع
__________
(1) وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة للعاملي جـ6 ص (5 ـ 11) كتاب الزكاة ـ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه . وراجع من لا يحضره الفقيه جـ2 ص (11).
(2) فروع الكافي للكليني ـ باب ـ في منع الزكاة جـ3 رقم (23) ص (503).
(3) من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي جـ2 ص (12 ـ 13) باب ( في ما جاء في مانع الزكاة ).
(4) المصدر السابق جـ2 ص (13).(171/166)
قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهوديّاً أو نصرانيّاً ))(1) ولا يكتفي بذلك بل يبيح قتله صراحة فيورد عن أبّان بن تغلب عنه عليه السلام أنه قال (( دمان في الإسلام حلال من الله تبارك وتعالى لا يقضي فيهما أحد حتى يبعث الله عز وجل قائمنا أهل البيت فإذا بعث الله عز وجل قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم الله عز وجل، الزاني المحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضرب عنقه ))(2)!، فكيف إذن يعترض هذا التيجاني على أبي بكر قتاله لمانعي الزكاة حتى يعطوها ( وليس قتلهم بالطبع ) ولا يكون في نفسه غضاضة من أن تُضرب عنق مانع الزكاة على يد القائم الخيالي؟!! هكذا، فكبّر أربعاً على هدايتك أيها التيجاني!!
__________
(1) فروع الكافي جـ3 ص (502).
(2) من لا يحضره الفقيه جـ2 ص (12) وفروع الكافي جـ3 ص (500).(171/167)
4ـ أما بالنسبة لاعتراض عمر بن الخطاب في البداية على أبي بكر فلأن الأمر قد استشكل عليه فقال ( كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ودمه ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ) فاستدل على العموم وبظاهر الكلام ولم ينظر في آخره وهو ( بحقه ) فردّ عليه أبا بكر بأنّه سيقاتل من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال فجعل الزكاة كالصلاة، ومعلوم أن قتال تارك الصلاة مما أجمع عليه الصحابة، والصلاة وحدها كافية لرد ما توّهمه عمر من الحديث الذي احتجّ به، والذي يعضّد ويقوّي قول أبو بكر هذا، هو الحديث الذي رواه ابن عمر والذي جاء في آخره ( إلا بحق الإسلام ) واستيفاء الحق المتضمن لعصمة الدم والمال هي الأمور المذكورة بالحديث، ولمّا تبين ذلك لعمر وظهر له صواب قول أبي بكر تابعه على قتال القوم فقال (( فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق ))(1)، بما ظهر له من الأدلة والحجج المقامة على أنّ ما ذهب إليه أبو بكر هو الحق.
5ـ وبالنسبة لحديث علي يوم خيبر فيرد عليه بنفس الرد على حديث عمر ويرده أيضاً بأن تارك الصلاة مما أجمع الصحابة على قتاله فالحديث عام وتخصة الأحاديث الأخرى، على أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي ( إلا بحقها ) فمن حقها كما بيّنت إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
__________
(1) راجع صحيح البخاري كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة رقم (6854).(171/168)
6ـ لعلّ أحداً يتساءل كيف لم يعرف عمر بن الخطاب بحديث ابن عمر؟ نقول إن في اعتراض عمر ليدلل أنه لم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ما رواه ابن عمر وغيره من الرواة، ولعل ابن عمر وأبا هريرة سمعا هذه الزيادات في مجلس آخر ولو أن عمر سمع بهذا الحديث لما خالف أبا بكر الصديق واحتج بالحديث الآخر لذلك يقول ابن حجر (( وفي القصة دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة ويتطلع عليها آحادهم، ولهذا لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها، ولا يقال كيف خفى ذا على فلان؟ ))(1)، فإذا عرفنا ما سبق نعلم أن قول هذا التيجاني أن أبا بكر لم يقتنع بهذا الحديث من مجازفاته التافهه وجهله البارد! ونعلم أيضاً أنّ قوله ( ولست أدري كيف يشرح الله صدور قومٍ بمخالفتهم سنة نبيهم ) يظهر كيف أثّرت شهادة الدكتوراة بعلم الفلسفة على كتاباته، وحملته على الطعن بخير القرون وحملة القرآن اعتماداً على استنباطاته الكسيحة!!
ثم يهذي فيقول (( وهذا التأويل، منهم لتبرير قتال المسلمين الذين حرّم الله قتلهم إذ قال في كتابه العزيز { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤْمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبيّنوا إن الله كان بما تعملون خبيرا ))(2) قلت:
__________
(1) الفتح جـ1 ص (96).
(2) ثم اهتديت ص (154).(171/169)
يأبى هذا التيجاني إلا أن يضيف الأدلة تلو الأدلة على إثبات جهله، فهو لا يرجع لسبب نزول الآية أو إلى أقوال المفسرين، بل يريد أن يثبت الجهل الذي تلفّع به فأصبح كالسفّود الذي لا ينفك عن صاحبه! وأمّا بالنسبة لهذه الآية فقد أخرج البخاري في صحيحه سبب نزولها فعن ابن عباس رضي الله عنهما (( { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً } قال ابن عباس: كان رجل في غنيمة له، فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك إلى قوله { تبتغون عرض الحياة الدنيا } تلك الغنيمة ))(1)، فبالله ما دخل قضية أبي بكر وعمر بهذه الآية فهما لم يختلفا على تكفير مانعي الزكاة وإنما اختلفا على جواز قتالهم، والقتال غير القتل، ومانعو الزكاة بغاة وجب أخذ الزكاة منهم بالقوة، وأبو بكر أجاز قتالهم لا قتلهم ولم يقل هؤلاء كفارٌ كأمثال مسيلمة الكذاب والأسود العنسي الذين قاتلهم الصديق أيضاً واعتبرهم كفّاراً وسبى ذراريهم وساعده في ذلك أكثر الصحابة واستولد علي بن أبي طالب جارية من سبي بني حنيفة، فولدت له محمد الذي يدعى ابن الحنيفية، فأبو بكر أجاز قتال مانعي الزكاة لا لأنهم كفار بل لأنهم أخلّوا بحق من حقوق الإسلام، ولم نعلم أن أبا بكر قاتل من جاءه مسلماً مستسلماً ذاعناً للحق، ولم يقاتل أبو بكر مانعي الزكاة لعرض الدنيا بل قاتلهم للحفاظ على شمولية هذا الدين، فكيف يستشهد هذا التيجاني بهذه الآية على قضية أبي بكر مع مانعي الزكاة؟! فما عساني إلا أن أدعو فأقول اللهم احفظ دينك من الرويبضة!!
__________
(1) صحيح البخاري كتاب التفسير سورة النساء برقم (4315).(171/170)
ثم يتقدم خطوات في هذيانه فيقول (( على أن هؤلاء الذين منعوا إعطاء أبي بكر زكاتهم لم ينكروا وجوبها ولكنهم تأخروا ليتبينوا الأمر ويقول الشيعة إن هؤلاء فوجئوا بخلافة أبي بكر وفيهم من حضر مع رسول الله حجة الوداع وسمع منه النص على عليّ بن أبي طالب فتريّثوا حتى يفهموا الحقيقة، ولكن أبا بكر أراد إسكاتهم عن تلك الحقيقة وبما أنني لا أستدل ولا أحتج بما يقوله الشيعة (!!) سأترك هذه القضية لمن يهمّه الأمر ليبحث فيها ))(1).
فأقول له متسائلاً ألا يهمك هذا الأمر؟ فلماذا لم تبحث فيه؟! أليس لأنه أدنى من أن يلتفت إليه! ولماذا ذكرته في كتابك مستدلاً به؟ ومن أين جئت بهذا الادعاء الذي يقول بأن مانعي الزكاة تأخروا في دفعها ليتبينوا الأمر ولأنهم فوجئوا ( هكذا ) بخلافة أبي بكر إلى آخر هذا المين، وأنا واثق من أنك جئت بهذه الرواية من كتاب ( إكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس ))!!!
__________
(1) ثم اهتديت ص (154).(171/171)
ثم يقول (( على أنّني لا يفوتني أن أسجّل هنا أن صاحب الرسالة (ص) وقعت له في حياته قصة ثعلبة الذي طلب منه أن يدعوا له بالغنى وألحّ في ذلك وعاهد الله أنّه يتصدق ودعا له رسول الله وأغناه الله من فضله وضاقت عليه المدينة وأرجاؤها من كثرة إبله وغنمه حتى ابتعد ولم يعد يحضر صلاة الجمعة، ولمّا أرسل إليه رسول الله (ص) العاملين على الزكاة رفض أن يعطيهم شيئاً منها قائلاً إنّما هذه جزية أو أخت الجزية، ولم يقاتله رسول الله ولا أمر بقتاله وأنزل فيه قوله {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصّدّقن ولنكوننّ من الصالحين، فلمّا آتاهم الله من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون } وجاء ثعلبة بعد نزول الآية وهو يبكي وطلب من رسول الله قبول زكاته وامتنع الرسول حسب ما تقول الرواية، فإذا كان أبو بكر وعمر يتّبعان سنة الرسول فلماذا هذه المخالفة وإباحة دماء المسلمين الأبرياء لمجرّد منع الزكاة على أنّ المعتذرين لأبي بكر والذين يريدون تصحيح خطئه بتأويله بأنّ الزكاة هي حق المال، لا يبقى لهم ولا له عذر بعد قصة ثعلبة الذي أنكر الزكاة واعتبرها جزية، ومن يدري لعلّ أبا بكر أقنع صاحبه عمر بوجوب قتل من منعوه الزكاة أن تسري دعوتهم في البلاد الإسلامية لإحياء نصوص الغدير التي نصّبت عليّاً للخلافة، ولذلك شرح الله صدر عمر بن الخطاب لقتالهم وهو الذي هدّد بقتل المتخلّفين في بيت فاطمة وحرقهم بالنار من أجل أخذ البيعة لصاحبه ))(1)
__________
(1) المصدر السابق ص (154 ـ 155).(171/172)
قلت: هذه الرواية التي احتج بها التيجاني ناقصة، فقد أخفى منها الجزء المتبقّي وهو أن ثعلبة قد (( أتى أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي، فقال أبو بكر: لم يقبلها رسول الله منك، أنا أقبلها؟ فقُبِض أبو بكر رضي الله عنه ولم يقبلها، فلما ولي عمر أتاه، فقال: يا أمير المؤمنين، اقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أبو بكر، أنا أقبلها؟ فقُبِض ولم يقبلها، ثم ولي عثمان رضي الله عنه فأتاه فسأله أن يقبل صدقته فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أبو بكر ولا عمر أنا أقبلها؟ وهلك ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عنه ))(1) ولست أدري لماذا أخفى هذه الرواية، فلعلّه اعتقد أن فيه مدحاً للخلفاء الثلاثة، ولكني أبشرّه بأن هذه الرواية ساقطة سنداً ومتناً ولا تقوم مقام الاستدلال، فمن ناحية السند فمدار الرواية على عليّ بن يزيد الألهاني وعمرو بن عبيد أبو عثمان البصري وهما مجروحان، فعلي بن يزيد قال عنه ابن حجر (( ضعيف ))(2)(( وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو زُرعة: ليس بقوي، وقال الدارقطني: متروك ))(3) وقال يحي بن معين: علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة هي ضعاف كلها، (( وقال يعقوب: واهي الحديث كثير المنكرات، وقال الحاكم: ذاهب الحديث ))(4) وأما عمرو بن عبيد (( قال عنه ابن معين: لا يكتب حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أيوب ويونس: يكذب ))(5) (( وعن أحمد بن حنبل: ليس بأهل أن يحدث عنه، وعن يحي بن معين:
__________
(1) المعجم الكبير للطبراني جـ8 برقم (7873) ص (218).
(2) تقريب التهذيب لابن حجر برقم (4883) جـ1.
(3) ميزان الإعتدال للذهبي برقم (5966)جـ3 ص (161).
(4) تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي برقم (4154) جـ21.
(5) ميزان الإعتدال برقم (6404) جـ3 ص (273).(171/173)
ليس بشيء، وقال عمرو بن علي: متروك الحديث صاحب بدعة، وقال حاتم: متروك الحديث))(1) فهذه هي منزلة الحديث من ناحية السند وهي أوضح من أن أعلّق عليها بالإضافة لتضعيف العلماء لهذه الرواية فقد ضعّفها ابن حزم والبيهقي وابن الأثير والقرطبي والذهبي والهيثمي وابن حجر والسيوطي وغيرهم.
وأما من ناحية المتن فهي باطلة أيضاً وذلك للأسباب التالية:
أ ـ مخالفة القصة للقرآن الكريم فمن (( أصول الشريعة التي قررها الله في كتابه وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن التائب لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم تاب، تاب الله عليه، قال جل شأنه { إنما التوبةُ على الله للذين يعملون السُّوء بجَهالةٍ ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوبُ الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تُبتُ الآن ولا الذين َيموتون وهم كفّار أولئك اعتدنا لهم عذاباً أليماً } ( النساء 17ـ 18 ) ودليل ذلك أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (( إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ))(2) وهو بيان لقوله تعالى { وليست التوبة ...إذا حضر أحدهم الموت قال إني تُبت الآن } فالآية استثنت هذه الحالة فقط وأنها لا تقبل التوبة، وهذا دليل خطاب يدل على ان غير هذه الحالة تقبل فيها التوبة وهو ما قبل الموت، والقصة تؤكد أن ثعلبة تاب توبة نصوحاً فجاء يعرض صدقته على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأكد توبته مراراً فجاء أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لكنهم رفضوا قبول توبته، وأخبروه أن الله لم يقبل توبته وهذا خلاف ما تقدّم من النصوص القاطعة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا خلفها، والتي تقرر { وهو الذي يقبلُ التّوبةَ عن عباده ويعفو عن السيئات } ( الشورى 25 )، فإن
__________
(1) تهذيب الكمال (4406) جـ22 ص (123).
(2) رواه الترمذي كتاب الدعوات برقم (3537) وراجع صحيح الترمذي برقم (2804).(171/174)
قيل: أن ثعلبة منافق. قلت: حتى المنافقين فقد فتح الله لهم باب التوبة على مصراعيه قال الشاكر العليم { إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولنْ تجِد لهم نَصيراً إلا الذين تابوا وأَصلحوا واعتَصموا بالله وأخْلصوا دينهم لله فأُولئك مع المؤمنين وسوْفَ يُؤْتِ الله المؤمنين أجراً عظيماً، ما يفعلُ الله بِعذابكُم إن شكَرْتم وآمنْتُم وكان الله شاكراً عليماً } ( النساء 145ـ 147 )، وقال الغفور الرحيم مخبراً عن المنافقين { ... فإنْ يَتوبوا يك خيراً لهم } ( التوبة 74 )، والقصة تنمّي في قلوب العصاة الذين جهلوا فاقترفوا بعض الذنوب واجترحوا السيئات صفة القنوط واليأس من رحمة الله، تلك الصفة التي لا يحبها الله ورسوله الذي بشّر الناس أنهم لو أتوا إليه بقُراب الأرض خطايا، واستغفروا الله لغفر لهم ولو لم يستغفروا لاستبدلهم الله بأناس يخطئون فيستغفرون فيغفر لهم، قال صلى الله عليه وآله وسلم (( قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أُبالي، يا ابن آدم إنك لو اتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ))(1) وقال صلى الله عليه وآله وسلم (( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ))(2)(3)
__________
(1) سنن الترمذي كتاب الدعوات برقم (3540) وراجع صحيح الترمذي برقم (2805).
(2) مسلم مع الشرح كتاب التوبة ـ باب ـ سقوط الذنوب بالإستغفار برقم (2749).
(3) الشهاب الثاقب في الذب عن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب لسليم الهلالي ص (18 ـ 22) بتصرف.(171/175)
ب ـ (( أمر آخر يدحض هذه القصة ويردها، ويزيد في وجوب استبعادها، والذود عن عرض صاحبها ودينه، هو أن ثعلبة بن حاطب رضي الله عنه لا تُعلم له سنة وفاة على الحقيقة، وقد اختلف في سنة وفاته على أقوال عديدة. فأصحاب هذه القصة جعلوه متوفًى في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهذا القول مردود من حيث السند لأنه والقصة أتى بإسناد واحد واه! وقيل إنه استشهد في أحد، وقيل إنه استشهد في غزوة خيبر، والقول الثاني ذكره ابن عبد البر وابن حجر. وسواء كان استشهاده في أحد أو خيبر، فالرجل توفي في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند بعضهم وهو معارض للقصة القائلة بأنه هلك في خلافة عثمان، وما دام الاحتمال وارداً مع القصة، وهو ضعيف الإسناد لا يعتمد عليه، فإنه يتعين علينا المصير إلى الاحتمال الثاني أو الثالث، إذ لم يذكر غيرهما وهما ينسفان القصة نسفاً، ويقتلعان جذورها. أو التوقف في هذا الصدد إذ لم يتبين لنا ورود خبر صحيح بأحد هذين القولين، أو بهما )).
ت ـ إن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لا يستطيعون أن يمنعوا أحداً من عبادة يريد أداءها، وإلا كانوا صادين عن سبيل الله ـ وحاشاهم ـ بل إننا لنعجب من هذا، وأبو بكر رضي الله عنه قد حارب مانعي الزكاة، واعتبرهم مرتدين(1) عن دين الله تعالى وقال ( والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه )، فكيف ينسجم قتاله لمانعي الزكاة، مع منعه لمريد اخراج الزكاة من ذلك؟ ثم ألم يكن بإمكان ثعلبة أن يخرج زكاة ماله على فقراء المنطقة التي كان يعيش فيها؟ (( ولعل هذا هو السر في عدم ذكر التيجاني لبقية القصة لأنها تصطدم مع ادّعاءاته.
__________
(1) أي اعتبرهم مرتدين ردة مجازية لا ردة حقيقية.(171/176)
ث ـ إنّ المعروف من أحكام الإسلام أنه يعامل الناس على ظواهر أحوالهم وتلك هي كانت معاملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمنافقين، مع معرفته بنفاقهم، بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد صلّى على عبد الله بن أُبي بن سلول، وأعطاه ثوبه لُيكفّن فيه، عملاً بما كان يظهر من إسلامه، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أنه في الدرك الأسفل من النار، فأين فعلة ثعلبة من هذا كله؟! ))
جـ ـ إن هذه القصة تخالف أسلوب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأسلوب الصحابة في معاملة مانعي الزكاة إذ إن الزكاة حق المال ـ كما سبق ـ هي حق للفقراء والمساكين وغيرهم، فالإمام مطالب بتحصيلها إذا امتنع الأغنياء من الدفع، وقد سبق معنا كيف حارب الصحابة مانعي الزكاة، أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال ( من أعطى زكاة ماله مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها، فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء )، فضعاف النفوس والبخلاء الجشعون من أصحاب الأموال، ليس من الصواب معهم أن يعاملوا بما يوافق أهواءهم ورغباتهم، بل الحق معاكستهم فيما يرغبون مما هو محرّم، لأنه أصلح لأحوالهم وأعون لهم على نفوسهم وأجدى عائدة على المجتمع المسلم الذي ابتلي بأمثالهم! ))(1) فهذه الرواية باطلة سنداً ومتناً وكل ما جَعْجَعَه التيجاني مستنداً به على هذه الرواية ذهب أدراج الرياح.
سابعاً ـ موقف التيجاني من أبي بكر في قضية خالد بن الوليد والرد عليه في ذلك:
ـ موقف التيجاني من خالد بن الوليد والرد عليه في ذلك:
__________
(1) ثعلبة بن حاطب المفترى عليه لعداب الحمش من ص (78 إلى 83).(171/177)
يقول التيجاني (( أما الحادثة الثالثة التي وقعت لأبي بكر في أول خلافته واختلف فيها عمر بن الخطاب وقد تأوّل فيها النصوص القرآنية والنبوية: تلك هي قصّة خالد بن الوليد الذي قتل مالك بن نويرة صبراً ونزا على زوجته فدخل بها في نفس الليلة. وكان عمر يقول لخالد: يا عدوّ الله قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنّك بالأحجار، ولكن أبا بكر دافع عنه وقال ( هبه يا عمر، تأوّل فأخطأ فأرفع لسانك عن خالد )، وهذه فضيحةٌ أخرى سجّلها التاريخ لصحابي من الأكابر!! إذا ذكرناه، ذكرناه بكل احترام وقداسة، بل ولقبناه بـ( سيف الله المسلول )!! ماذا عساني أن أقول في صحابي يفعل مثل تلك الأفعال يقتل مالك بن نويرة الصحابي الجليل (!!!) سيد بني تميم وسيد يربوع وهو مضرب الأمثال في الفتوة والكرم والشجاعة. وقد حدّث المؤرخون أن خالداً غدر بمالك وأصحابه وبعد أن وضعوا السّلاح وصلّوا جماعة أوثقوهم بالحبال وفيهم ليلى بنت المنهال زوجة مالك وكانت من أشهر نساء العرب بالجمال ويقال أنه لم ير أجمل منها وفتن خالد بجمالها، وقال له مالك: يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا، وتدخّل عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري وألحّا على خالد أن يبعثهم إلى أبي بكر فرفض خالد وقال: لا أقالني الله إن لم أقتله فالتفت مالك إلى زوجته ليلى وقال لخالد: هذه التي قتلتني، فأمر خالد بضرب عنقه وقبض على ليلى زوجته ودخل فيها في تلك الليلة ))(1) أقول وبالله التوفيق:
__________
(1) ثم اهتديت ص (155 ـ 156).(171/178)
1ـ لا بد أن يلاحظ القارئ قبل البدء في سرد الردود على هذا الشانئ الكذاب كيف يدّعي الإنصاف والعدل وهما في براءة منه، وسيرى مدى تحامله وحنقه على صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومدى تحامله على الصحابي الجليل خالد بن الوليد هازم فلول الفرس وكاسر أنوفهم، حيث لا يذكر إلا الرواية المكذوبة والتي لا يلتفت إليها ويحتج بها إلاّ إخوانه من الرافضة، ويتجاهل الروايات التي أوردتها كل كتب التاريخ المعروفة وهي التي طالما يحتج بها علينا عندما يعتقد أنها تخدم مبتغاه ويتجاهلها حينما لا يجد فيها بغيته للنيل من أهل السنة ولكن خاب ظنه.
2ـ الروايتان اللتان ذكرهما المؤرخون واللتان أخفاهما هذا التيجاني وتتحدثان عن خبر مقتل مالك بن نويرة هما:
الرواية الأولى (( ... ولما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام وأنْ يأتوا بكل من لم يجب وإن امتنع أنْ يقتلوه. وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يؤذّنوا إذا نزلوا منزلاً فإن أذّن القوم فكفوا عنهم وإن لم يؤذنوا فاقتلوا وانهبوا وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة، فإن أقروا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم قال فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع فاختلفت السرية فيهم. وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلّوا فلما اختلفوا أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء فأمر خالد منادياً فنادى ( دافئوا أسراكم ) وهي في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفْء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكاً، وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم. فقال: إذا أراد الله أمراً أصابه ))(1)
__________
(1) تاريخ الطبري جـ2 ص (273) سنة 11هـ ،تاريخ ابن الأثير جـ2 ص (217) سنة 11هـ ،البداية والنهاية جـ6 ص (326)، تاريخ ابن خلدون جـ2 ص (500 ، 501).(171/179)
وأما الرواية الثانية (( أن خالداً استدعى مالك بن نويرة فأنّبه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة وقال: ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟ فقال مالك: إن صاحبكم يزعم ذلك، فقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ يا ضرار اضرب عنقه، فضربت عنقه ))(1).
3ـ أما الرواية التي اعتمدها التيجاني والتي تدّعي أن خالداً أراد قتل مالك بن نويرة بسبب زوجته فلم يعيروها اهتمامهم لنكارتها وشذوذها، والتي عزاها التيجاني بالهامش على المراجع التالية ( تاريخ أبي الفداء، وتاريخ اليعقوبي وتاريخ ابن السحنة ووفيات الأعيان )، فبمجرّد مراجعة بعض هذه المراجع يتضح لكل باحث عن الحق إسلال هذا التيجاني في النقل، فلو راجعنا كتاب ( وفيات الأعيان ) لابن خلكان في خبر مقتل مالك لوجدناه يورد القصة بخلاف ما أوردها التيجاني ، فإبن خلكان أورد القصة على النحو التالي (( ... ولما خرج خالد بن الوليد رضي الله عنه لقتالهم في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه نزل على مالك وهو مقدم قومه بني يربوع وقد أخذ زكاتهم وتصرّف فيها، فكلمه خالد في معناها، فقال مالك: أني آتي بالصلاة دون الزكاة، فقال له خالد: أما علمت أن الصلاة والزكاة معاً لا تقبل واحدة دون أخرى، فقال مالك: قد كان صاحبك يقول ذلك، قال خالد: وما تراه لك صاحباً؟ والله لقد هممت أن أضرب عنقك، ثم تجاولا في الكلام طويلاً فقال له خالد: إني قاتلك، قال، أو بذلك أمرك صاحبك؟ قال: وهذه بعد تلك؟ والله لأقتلنك.وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه حاضرين فكلما خالداً في أمره، فكره كلامهما، فقال مالك: يا خالد، ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا، فقد بعثت إليه غيرنا ممن جُرْمه أكبر من جرمنا، فقال خالد: لا أقالني الله إن أقلتك، وتقدّم إلى ضرار بن الأزور
__________
(1) الطبري جـ2 ص (273 ـ 274)، تاريخ ابن الأثير جـ2 ص (217 ـ218) البداية والنهاية جـ6 ص (326 ـ 327).(171/180)
الأسدي بضرب عنقه، فالتفت مالك إلى زوجته أم متمم وقال لخالد: هذه التي قتلتني، وكانت في غاية الجمال فقال له خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام، فقال مالك أنا على الإسلام، فقال خالد: يا ضرار اضرب عنقه، فضرب عنقه ))(1)، فقارن أخي القارئ هذه الرواية بما أورده هذا التيجاني لتعرف مدى التدليس الذي يتمتع به هذا التيجاني المهتدي، وهو يقول بأمر زواج خالد بليلى زوجة مالك ( وقبض على ليلى زوجته ودخل بها في تلك الليلة ويعزوها لكتاب وفيات الأعيان، ولكن عندما نرجع للكتاب نجده يقول (( وقبض خالد امرأته، فقيل إنه اشتراها من الفيئ وتزوج بها، وقيل إنها اعتدت بثلاث حيض ثم خطبها إلى نفسه فأجابته ))(2)!؟ فهل يوجد كذب واغلال أشد من ذلك والكتاب يملأ الأسواق ولينظره من يريد الحق ليعرف كيف أصبح الكذب من السهولة بمكان بحيث تُؤلّف كتبٌ بالكامل مملوءة بالكذب والدجل ولا يستحي مؤلفوها من أن يعنونوها بالهداية والتقوى ومع الصادقين؟ ثم يكمل ابن خلكان القصة ويقول في نهايتها (( هكذا سرد هذه الواقعة وثيمة المذكور والواقدي في كتابيهما والعهدة عليهما ))(3)! أي لم أسردها مستوثقاً بها بل نقلتها كما جاءت في كتابيهما فأي طعن في الرواية يرجع عليهما. وبالنسبة لتاريخ اليعقوبي فإنه أورد القصة بأسلوب مهين فقال (( وكتب إلى خالد بن الوليد أن ينكفئ إلى مالك بن نويرة اليربوعي، فسار إليهم وقيل إنه كان ندأهم، فأتاه مالك بن نويرة يناظره، واتبعته امرأته، فلّما رآها أعجبته فقال: والله لا نلت ما في مثابتك حتى أقتلك فنظر مالكاً فضرب عنقه، وتزوج امرأته ))(4)! فإذا أضفنا لذلك الكذب والتخرُّس الذي يتمتع به الرافضة، مع نكارة وتلفيق هذه الرواية وآثار التحريف فيها مع معارضتها للروايات الأخرى
__________
(1) وفيات الأعيان وانباء أبناء الزمان لابن خلكان ص (14) جـ6 ط. دار صادر بيروت.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق ص (15).
(4) تاريخ اليعقوبي جـ2 ص (131).(171/181)
ومصادمتها لتاريخ هذا البطل المسلم لأصبح الحق واضحاً، وحتى ينقضي عجب القارئ لهذا الكلام المكذوب والمخالف أيضاً لكذب التيجاني، فلا بد أن أُظهر من هو اليعقوبي؟ فاليعقوبي أخو التيجاني من حيث المنبع والاتجاه، فهو رافضي إثنا عشريٌّ ففي كتابه هذا يعرض (( تاريخ الدولة الإسلامية من وجهة نظر الشيعة الإمامية فهو لا يعترف بالخلافة إلا لعلي بن أبي طالب وأبنائه حسب تسلسل الأئمة عند الشيعة ويسمي علي بالوصي. وعندما أرّخ لخلافة أبي بكر وعمر وعثمان لم يُضِفْ عليهم لقب الخلافة وإنما قال تولى الأمر فلان.. ثم لم يترك واحداً منهم دون أن يطعن فيه، وكذلك كبار الصحابة فقد ذكر عن عائشة رضي الله عنها أخباراً سيِّئة وكذلك عن خالد بن الوليد (!) وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان. وعرض خبر السقيفة عرضاً مشيناً، ادعى فيه أنه قد حصلت مؤامرة على سلب الخلافة من علي بن أبي طالب الذي هو الوصيُّ في نظره، وبلغ به الغلو إلى أن ذكر أن قول الله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } قد نزلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يوم النفر، وطريقته في سياق الاتهامات هي طريقة قومه من أهل التشيع والرفض وهي إما اختلاق الخبر بالكلية أو التزيد في الخبر والإضافة عليه أو عرضه في غير سياقه ومحله حتى يتحرّف معناه))(1)، ومن هنا نعلم أن خالداً قتل مالك بن نويرة معتقداً أنه مرتدٌ ولا يؤمن بوجوب الزكاة كما في الرواية التي ذكرتها كتب التاريخ، إضافة لبعض المصادر السابقة الذكر(2) التي عزا إليها التيجاني إذا تجاهلنا آثار الوضع عليها وتحريفها إلى جعل خالد يريد قتل مالك من أجل زوجته وتصبح اتهامات التيجاني لخالد وما بناه
__________
(1) منهج كتابة التاريخ الإسلامي لمحمد بن صامل السَّلمي ص (430،431).
(2) لم أعثر على تاريخ أبي الفداء أو ابن سحنة مع الأسف الشديد ولكن ما ذكرناه يغني ويشفي طالب الحق!؟.(171/182)
عليها لا وزن لها.
4ـ أما ادعاؤه أن عمر قال لخالد: يا عدوَّ الله قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنَّك بالأحجار. ويعزوها إلى ( تاريخ الطبري وأبي الفداء واليعقوبي والإصابة )، فهذا من المين الواضح، فبمجرد مراجعة تاريخ اليعقوبي والإصابة فلا تجد لهذه الجملة أثراً؟! وأما تاريخ الطبري فقد أوردها ضمن رواية ضعيفة لا يحتج بها مدارها على ابن حميد ومحمد بن اسحاق، فمحمد بن اسحاق مختلف في صحته(1)وابن حميد هو محمد بن حميد بن حيان الرازي ضعيف، (( قال عنه يعقوب السدوسي: كثير المناكير، وقال البخاري: حديثه فيه نظر، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الجوزجاني: رديء المذهب غير ثقة ))(2)، وضعّفه ابن حجر في التقريب(3)، فهذه الرواية ضعيفة الإسناد لا يحتج بها، وحتى من ناحية المتن فباطلة أيضاً لأنها تقول (( إن أبا بكر استقدم خالداً. فلما قدم المدينة دخل المسجد في هيئة القائد الظافر. فقام إليه عمر ونزع أسهمه وحطّمها وقال له تلك الكلمة المتوعّدة بقاصمة الظهر ( قتلت رجلاً مسلماً ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بالأحجار ) وبطل الإسلام خالد لا يكلمه. يظن أن رأي أبي بكر مثله ـ فأقول إذا كان ـ عمر بن الخطاب يعرف رأي أبي بكر في هذه القضية ـ كما هو مذكور في الرواية ـ قبل أن يقدم خالد عليهما، لأنهما تجاولا في القضية، واشتد عمر على خالد، فنهْنَههُ أبو بكر وقال له: ارفع لسانك عن خالد، وقرظ خالداً وزكاه بما زكاه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ( إن خالداً سيف سلّه الله على الكافرين فلا أشيمه ) فكيف ساغ لعمر بن الخطاب بعد هذا أن يصنع بخالد هذا الصنيع مخالفاً رأي الخليفة؟ قد يقول قائل: إن عمر بن الخطاب ذلك الرجل الشديد في الدين، الذي
__________
(1) راجع تهذيب الكمال للمزي جـ24 برقم (5057) ، والضعفاء للعقيلي جـ4 برقم (1578).
(2) التهذيب جـ25 رقم (5167) ص (102).
(3) تقريب التهذيب جـ2 رقم (5852) ص (69).(171/183)
يقف مع رأيه غير متخاذل لرأي أحد، قلنا: وأين ذهبت تلك الشدة بعد أن قابل خالد أبا بكر وأفضى إليه بحقيقة الأمر كما وقع وكما قدره هو ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخرج على عمر يتوعده بهذه الكلمة الساخرة: هلم إليّ يا ابن أم شملة؟ أكانت في تلك الصورة الهزيلة التي تختم بها الرواية فصولها. ( فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلمه ودخل بيته ) وهذه المعرفة عند عمر قبل أن يلقى خالداً وينزع أسهمه ويحطّمها، ولكن الرواة ينسون أو يغفلون؟ أم إن عمر غير رأيه وعرف أن خالداً بريء مما قذف به ))(1)؟! ولو فرضنا جدلاً أن عمر قد أشار بقتله (( فيقال: غاية هذا أن تكون مسألة اجتهاد، كان رأي أبي بكر فيها أن لا يَقْتُل خالداً، وكان رأي عمر فيها قتله، وليس عمر بأعلم من أبي بكر: لا عند السنة ولا عند الشيعة، ولا يجب على أبي بكر ترك رأيه لرأي عمر، ولم يظهر بدليل شرعي أن قول عمر هو الراجح، فكيف يجوز أن يَجْعَل مثل هذا عيباً لأبي بكر إلا من هو من أقل الناس علماً وديناً؟ ))(2).
5ـ أما قوله (( وهذه فضيحة أخرى سجلها التاريخ لصحابي من الأكابر، إذا ذكرناه، ذكرناه بكل احترام وقداسة بل ولقبناه بـ( سيف الله المسلول )
__________
(1) خالد بن الوليد تأليف صادق إبراهيم عرجون (166 ـ 167).
(2) المنهاج جـ5 ص (519).(171/184)
عجباً؟ من يسمع كلام هذا المنصف يظن أنه يتكلم عن رأس المنافقين ويدل أيضاً على عظيم فرحه لأنه أوجد خطأً بزعمه على صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل ويعتب علينا لأننا نذكره باحترام وقداسة!! وكأن لسان حاله يقول لا احترام ولا تقدير لصحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أما لقب ( سيف الله المسلول ) فالذي لقبه بذلك هو إمام الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في صحيح البخاري (( عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للنَّاس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال ( أخذ الراية زيدٌ فأُصيبَ، ثمَّ أخذها جعفرٌ فأُصيب، ثمَّ أخذ بن رواحة فأُصيبَ ). وعيناه تذرفانِ: ( حتى أخذها سيفٌ من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم ))(1)، وأخرج الترمذي عن أبي هريرة قال (( نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منزلاً فجعل يمرون، فيقول رسول الله: يا أبا هريرة من هذا؟ فأقول: فلان، فيقول: نعم عبد الله فلان، ويمر فيقول: من هذا يا أبا هريرة فأقول: فلان، فيقول بئس عبد الله، حتى مر خالد بن الوليد، فقلت هذا خالد بن الوليد يا رسول الله. قال: نِعْمَ عبد الله خالد، سيف من سيوف الله ))(2)، فماذا يصنع التيجاني بهذه الأحاديث لا شك أنه سيحللها كما هي عادته لأنها تخالف المنطق والمعقول وسيقول بكل سرور حديث باطل قطعاً!!
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3547) جـ3.
(2) سنن الترمذي برقم (4117) باب مناقب خالد بن الوليد وانظر صحيح الترمذي برقم (3021).(171/185)
6ـ أما قوله بأن مالك بن نويرة صحابي جليل فهذا الذي لا يقره الواقع والتاريخ فالمؤرخون أثبتوا أن مالك كان قد ارتدَّ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن يؤدي الزكاةوفرق الصدقات بين قومه، وعندما جيء به لخالد وجادله بأمر الزكاة قال له: قد كان صاحبكم يزعم ذلك!؟ ومعنى قوله ذلك أنه لم يقر بالزكاة هذا أولاً وثانياً ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله صاحبكم وهذا هو قول المشركين الذين لم يقروا بنوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعدم الإقرار وحده بالزكاة كافياً لقتله وهذه الرواية ذكرها جميع المؤرخين بما في ذلك الأصفهاني في الأغاني وابن خلكان بخلاف اليعقوبي الرافضي المعروف بالكذب فكيف يقال بعد ذلك أن مالكاً صحابيٌّ جليل؟ ... بل قد ذكر المؤرخون دليلاً آخر على موت مالك مرتداً فقالوا (( التقى عمر بن الخطاب متمم بن نويرة أخو مالك، واستنشد عمر متمماً بعض ما رثى به أخاه، وأنشده متمم قصيدته التي فيها:
وكنا كندمانَيْ جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً(171/186)
فلما سمع عمر ذلك قال: هذا والله التأبين ولوددت أني أحسن الشعر فأرثي أخي زيداً بمثل ما رثيت أخاك. قال متمم: لو أن أخي مات على ما مات عليه أخوك ما رثيته، فسر عمر رضي الله عنه لمقالة متمم وقال: ما عزاني أحد عن أخي بمثل ما عزاني به متمم ))(1)، وجاء في سياق آخر قول متمم صريحاً (( فقال يا أمير المؤمنين إن أخاك مات مؤمناً ومات أخي مرتدا فقال عمر رضي الله عنه ما عزاني أحد عن أخي بأحسن مما عزيتني به عنه ))(2)، فهل يوجد أوضح من ذلك دليلاً على ردة مالك؟!
7ـ أما عن زواجه بامرأة مالك وادعاء التيجاني أنه دخل بها في نفس الليلة فهذا خلاف الحق فقد ذكر ابن كثير أن خالداً اصطفى امرأة مالك ولما حلت بَنَا بها(3) وذكر الطبري زواج خالد بقوله ((... وتزوج خالد أم تميم ابنة المنهال، وتركها لينقضي طُهرها ))(4)، وفي الكامل (( وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك ))(5)، ولم يقل كما يدعي التيجاني أنه دخل بها في نفس الليلة بل تزوجها لما حلت وإلا لذكر ابن الأثير ذلك، ويقول ابن خلكان الذي استشهد به التيجاني ( وقبض خالد امرأته، فقيل أنه اشتراها من الفيء وتزوج بها، وقيل أنها اعتدت بثلاث حيض ثم خطبها إلى نفسه فأجابته )(6)!؟، فأتساءل والقراء من أين عرفت أن خالداً دخل بامرأة مالك في نفس الليلة؟! فهل من جواب يا أيها التيجاني المهتدي؟! فإذا كان خالد قد تزوج امرأة مالك بعدما استبرأت من حيضتها فهل هذا مما يذم عليه؟!
__________
(1) جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين ص (42) د. محمد السيد الوكيل ، فتوح البلدان لأحمد البلاذري ص (108)، الكامل في التاريخ لابن الأثير جـ2 ص (218).
(2) كتاب الأمالي لأبي عبد الله اليزيدي ص (25 ، 26) ط. عالم الكتب.
(3) البداية والنهاية لابن كثير جـ6 ص (326).
(4) تاريخ الطبري المجلد الثاني ص (273) سنة 11هـ.
(5) الكامل لابن الأثير جـ2 ص (217) سنة 11هـ.
(6) راجع ص (277) من الكتاب.(171/187)
ثم يكابر فيقول (( ماذا عساني أن أقول في هؤلاء الصحابة الذين يستبيحون حرمات الله ويقتلون النفوس المسلمة من أجل هوى النفس ويستبيحون الفروج التي حرّمها الله، ففي الإسلام لا تنكح المرأة المتوفي زوجها إلا بعد العدّة التي حددها الله في كتابه العزيز، ولكنّ خالداً اتخذ إلهه هواه فتردّى ))(1) أقول:
1ـ ألا لعنة الله على المنافقين المكابرين الفاسدة سرائرهم الذين يطعنون بخير الناس، ولا حجة لديهم إلا الباطل والتحامل الذي لا يدل إلا على الحقد الدفين على هذا الدين العظيم، وذلك بالطعن بصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحاملين للكتاب والحافظين للسنة والذّابين عن هذا الدين، والقادة المجاهدين في سبيل رب العالمين، حتى يسهل تدمير هذا الدين بالكلية من نفوس المسلمين ولكن بطل السحر يا تيجاني.
2ـ لا شك أن صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يستبيحون حرمات الله ويقتلون النفوس المسلمة من أجل هوى النفس فهذا ادعاءٌ يعوزه الدليل والبرهان وقد أوضحت قبل قليل عذر خالد بما يغني عن الاعادة وأما أنهم يستبيحون الفروج التي حرمها الله فهذا لا يقوله إلا من تعفن قلبه وأغلق فؤاده فقد أظهرت من مصادر التيجاني نفسها أن خالداً دخل بامرأة مالك بالحلال وبرضاها أيضاً ولكن التيجاني اتخذ تشيعه هواه فتردى!
ويتتابع التيجاني في عمايته فيقول (( وأي قيمة للعدة عنده بعد أن قتل زوجها صبراً وظلماً وقتل قومه أيضاً وهم مسلمون بشهادة عبد الله بن عمر وأبي قتادة الذي غضب غضباً شديداً مما فعله خالد وانصرف راجعاً إلى المدينة وأقسم أن لا يكون أبداً في لواءٍ عليه خالد بن الوليد )) ثم يعزوها إلى ( تاريخ الطبري، وتاريخ اليعقوبي وتاريخ أبي الفداء والإصابة )(2) فأقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (156).
(2) ثم اهتديت ص (156).(171/188)
1ـ هذه الرواية التي يعزوها التيجاني للطبري هي نفس الرواية التي تدعي أن عمر هدد خالداً برجمه بالأحجار، وقد ذكرت أنها رواية ضعيفة(1)
2ـ لم أجد لهذه الرواية أثراً في الإصابة ولكن يبدو أن تكثير المراجع أمر ذا أهمية لكي تثبت الكذبة.
3ـ أما رأي أبو قتادة فهذا مارآه وهو خلاف ما تأوله خالد في شأن مالك ولا يضير خالد أن لا يسير أبو قتادة معه في غزواته لأنه أعتقد أنه فعل الصواب، وإذا كان فعل أبو قتادة صحيحاً فلماذالم يفعل ذلك ابن عمر الذي اكتفى بإبداء رأيه ثم سار مع الجيش؟! فهذا لا يدل إلا على فقهه رضي الله عنه وعلمه أن خالداً ومن وافقوه على قتل مالك لا يصدرون عن هوى وأنهم إن أخطأوا فقد تأولوا(2)، وأنا أريد أن أسأل المنصف التيجاني لماذا أيّد موقف أبو قتادة ضد خالد؟ وحكم على فعله بالبطلان؟! مع أن كلاهما قد تأول الأمر بحسب ما ظنّه، ولماذا مثلاً لم يقف في صف ضرار بن الأزور الذي قتل مالكاً، معتقداً ردّته موافقاً لخالد فهل يريد أخبارنا أن ضرار قتل مالكاً لهوى في نفسه، وأنه وقف مع أبي قتادة منافحاً عن الحق؟! فأقول للتيجاني كفاك ثم كفاك إحراجاً للصحابة بإنصافك!!
__________
(1) راجع ص (279).
(2) راجع خالد بن الوليد لصادق عرجون ص (170).(171/189)
ثم يستشهد بكلامٍ ممجوج لحسين هيكل في كتابه ( الصديق أبو بكر ) الذي يغرقه بالروايات ولا يفرّق بين صحيحها وسقيمها، ثم يهذي بقوله (( وهل لنا أن نسأل الأستاذ هيكل وأمثاله من علمائنا الذين يراوغون حفاظاً على كرامة الصحابة ، هل لنا أن نسألهم، لماذا لم يقم أبو بكر الحد على خالد؟ وإذا كان عمر كما يقول هيكل مثال العدل الصارم فلماذا اكتفى بعزله عن قيادة الجيش ولم يقم عليه الحد الشرعي حتى لا يكون ذلك أسوأ مثل يضرب للمسلمين في احترام كتاب الله كما ذكر؟ وهل احترموا كتاب الله وأقاموا حدود الله؟ كلا إنها السياسة وما أدراك ما السياسة! تصنع الأعاجيب وتقلّب الحقائق وتضرب بالنصوص القرآنية عرض الجدار ))(1) فأقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (157).(171/190)
لقد بينت فيما سبق أن خالد قتل مالك لأنه رآه مرتداً وقد ذكرت الأسباب التي دعت خالد لاعتقاد ذلك وهي أسباب في نظري تظهر بوضوح ردة مالك، وعلى العموم غاية ما يقال في هذه الحادثة أن خالداً إن أخطأ في قتل مالك فيكون متأولاً وهذا لا يجيز قتل خالد وهذه القضية مثلها رواية أسامة بن زيد (( لما قتل الرجل الذي قال: لا إله إلا الله. وقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا أسامة: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ ) فأنكر عليه قتله، ولم يوجب عليه قَوَداً ولا دية ولا كفَّارة. وقد روى محمد بن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس وقتادة أن هذه الآية: قوله تعالى { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً } ( النساء 94 ) نزلت في شأن مرداس، رجل من غطفان، بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً إلى قومه ، عليهم غالب الليثي، ففرّ أصحابة ولم يفرّ، قال: إني مؤن، فصبّحته الخيل فسلّم عليهم، فقتلوه وأخذوا غنمه، فأنزل الله هذه الآية وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برد أمواله إلى أهله وبِديته إليهم، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك. وكذلك خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة متأولاً ورفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يديه وقال: ( اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ). ومع هذا لم يقتله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان متأولاً. فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتله مع قتله غير واحد من المسلمين من بني جذيمة للتأويل، فلأن لا يقتله أبو بكر لقتله مالك ابن نويرة بطريق الأوْلى والأحرى ))(1)
__________
(1) المنهاج جـ5 ص (518).(171/191)
والغريب أن هذا التيجاني يورد خبر خالد مع بني جذيمة ويحتج به على أبي بكر (( وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتله، فكيف لم يجعل ذلك حجة لأبي بكر في أن لا يقتله؟! لكن من كان متّبعا لهواه أعماه عن اتّباع الهدى ))(1). وبعد ذلك هل لي أن أسأل الدكتور التيجاني المنصف لماذا لم يقم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحد على خالد بل ولم يعزله من قيادة الجيش بل أبقى عليه حتى وفاته؟ وهل هذا الأمر يعتبر أسوأ مثل يُضرب للمسلمين في احترام كتاب الله؟! وهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب بالنصوص القرآنية عرض الحائط؟! كلا ولكنها الخساسة التي يتمتع بها التيجاني وما أدراك ما الخساسة!!
ثم ينهمك في غوايته فيقول (( وهل لنا أن نسأل بعض علمائنا الذين يروون في كتبهم أن رسول الله (ص) غضب غضباً شديداً عندما جاء، أسامة ليشفع في امرأة شريفة سرقت. فقال (ص): ويحك أتشفع في حدّ من حدود الله والله لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدّ ). فكيف يسكتون عن قتل المسلمين الأبرياء والدخول بنساءهم في نفس الليلة وهنّ منكوبات بموت أزواجهنّ ويا ليتهم يسكتون! ولكنهم يحاولون تبرير فعل خالد بإختلاق الأكاذيب وبخلق الفضائل والمحاسن حتى لقبوه بسيف الله المسلول، ولقد أدهشني بعض أصدقائي وكان مشهوراً بالمزح وقلب المعاني، فكنت أذكر مزايا خالد بن الوليد في أيام جهالتي وقلت له أنه سيف الله المسلول، فأجابني: إنه سيف الشيطان المشلول، واستغربت يومها، ولكن بعد البحث فتح الله بصيرتي وعرّفني قيمة هؤلاء الذين استولوا على الخلافة وبدّلوا أحكام الله وعطّلوها وتعدّوا حدود الله واخترقوها ))(2). للرد على ذلك أقول:
__________
(1) السابق جـ5 ص (519).
(2) ثم اهتديت ص (157).(171/192)
1ـ روى البخاري الحديث بهذا اللفظ (( عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشاً أهمّتْهُم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلِّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنْ يجترئ عليه إلا أسامة، حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكلَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: ( أتشفع في حدٍّ من حدود الله ). ثم قام فخطب، قال: ( يا أيها الناس، إنما ضلَّ من كان قبلكم، أنَّهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، وآيْمُ الله، لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطَعَ محمدٌ يدَهَا ) ))(1).
وهذا الحديث من أظهر الحجج على التيجاني نفسه لأنه يظهر بوضوح أن أسامة أراد أن يستشفع لأمرأة ثبت أنها سارقة بلا تأويل ولا شبهة والحدود كما هو معلوم تدر بالشبهات فلو كان هناك شبهة لما دفع أسامة ليستشفع للمخزومية وهذا واضح في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أتشفع في حدٍ من حدود الله! بخلاف فعل خالد الذي رأى أن مالك قد ارتد بعد مناقشته له، فقتله فأقل ما يقال أنه تأول فأخطأ فكيف إذا ثبت بالبراهين والبيِّنات ردة مالك، فلماذا إذن يساوي التيجاني بين القضيتين؟_!
__________
(1) صحيح البخاري جـ6 كتاب الحدود برقم (6406).(171/193)
2ـ انظر أخي القارئ إلى هذا التيجاني المهتدي الذي يتهم أهل السنة بأنهم يختلقون الأكاذيب والفضائل للقائد المجاهد خالد بن الوليد ويلقبونه بسيف الله المسلول وقد ثبت أن الذي قال ذلك هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكيف لا يكون كذلك وهو الذي قاد المسلمين من نصر إلى نصر، وأبلى في الجهاد أعظم البلاء حتى أنه اندق في يده يوم مؤته تسعة أسياف فما صبرت معه إلا صحيفة يمانية(1) وثبت عنه أنه قال (( لقد منعني كثيراً من قراءة القرآن الجهاد في سبيل الله ))(2)، وعندما إقتربت منيته قال كلاماً نقشه التاريخ على صفحاته لأجيال الأمة (( ما ليلة يهدى إليّ فيها عروس أنا لها محب أو أبشّر فيها بغلام أحب إليّ من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أُصبِّح بها العدو، فعليكم بالجهاد ))(3)، وذكر ابن عبد البر بالاستيعاب أنه قال (( لما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال: لقد شهدتُ مائة زحف أو زُهاءَها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربةٌ أو طعنة أو رَمْية، ثم هأنذا أموت على فراشي كما يموت العَيْر، فلا نامت أعين الجبناء ))(4)، وحتى علماء الرافضة يعترفون ببطولة وشجاعة هذا القائد الأشم ولا يستطيعون إنكارها فيقول علامتهم عباس القمي في كتابه ـ الكنى والألقاب ـ (( هو الفتاك البطل الذي له الوقائع العظيمة، وكان يقول على ما حكي عنه لقد شاهدت كذا وكذا وقعة ولم يكن في جسدي موضع شبر إلا وفيه أثر طعنة أو ضربة وها أنا ذا أموت على فراشي لا نامت عين الجبان ))(5)
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المغازي ـ باب ـ غزوة مؤتة من أرض الشام جـ4 برقم (4017) (4018).
(2) سير أعلام النبلاء جـ1 ص (375 ، 376) ورواه أبو يعلى بالمسند جـ13 تحت حديث خالد بن الوليد برقم (7188) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(3) الإصابة لابن حجر جـ(2) ص (254).
(4) الاستيعاب لعبد البر جـ2 ص (430).
(5) الكنى والألقاب للعباس القمي ص (38 ، 39).(171/194)
وأنظر التيجاني وهو يقول في أيام جهالته (!) لأحد أصحابه عن خالد أنه سيف الله المسلول كما لقبه به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم جواب صاحبه السخيم: إنه سيف الشيطان المشلول (!!) ورد التيجاني بقوله أنه بعد البحث فتح الله بصيرته!!؟ لتعلم أخي القارئ إلى أي سبيل هُدِي إليه التيجاني فتدعو الله بالسلامة!
ثم يطيش بسكرته فيقول (( فقد سجّل المؤرخون بأنه بعثه بعد تلك الواقعة المشينة إلى اليمامة التي خرج منها منتصراً وتزوّج في أعقابها بنتاً كما فعل مع ليلى ولمّا تجف دماء المسلمين بعد ولا دماء أتباع مسيلمة (!!)، وقد عنّفه أبو بكر على فعلته هذه بأشد مما عنّفه على فعلته مع ليلى، ولا شك أن هذه البنت هي الأخرى ذات بعل فقتله خالد ونزا عليها كما فعل بليلى زوجة مالك. وإلا لما استحقّ أن يعنّفه أبو بكر بأشد مما عنّفه على فعلته الأولى، على أن المؤرخون يذكرون نصّ الرسالة التي بعث بها أبو بكر إلى خالد بن الوليد وفيها يقول ( لعمري يا ابن أم خالد إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد )، ولما قرأ خالد هذا الكتاب قال: هذا عمل الأعسر يقصد بذلك عمر بن الخطاب))(1)، فأقول:
1ـ هذا الأثر ضعيف ففي سنده ابن حميد وهو ضعيف(2)، ذكره العقيلي في الضعفاء(3) وكذا محمد بن اسحاق فهو في أفضل أحواله مختلف فيه(4)، فهذا الأثر ضعيف ولا يحتج به.
__________
(1) ثم اهتديت ص (158 ،159).
(2) راجع ص (279) فيما سبق.
(3) جـ4 برقم (1612).
(4) راجع ص (279) الهامش.(171/195)
2ـ ولو فرضنا أنه صحيح فليس فيه ما يعيب خالد، فإنه تقدم لمجاعة بن مرارة طالباً الزواج من ابنته فزوّجها له، فلا أظن أن هذا الزواج مما يعيب خالد ولا أنّ زواجه بأكثر من امرأة يوجب مذمّة أو حرمة، أما بالنسبة لاعتراض أبو بكر عليه فقد رد خالد مدافعاً عن نفسه معتذراً عن فعله بقوله (( أما بعد فلعمري ما تزوجت النساء حتى تم لي السرور، وقرت بي الدار، وما تزوجت إلا إلى امرىء لو عملت إليه من المدينة خاطباً لم أبل، دع إني استثرت خطبتي إليه من تحت قدمي، فإن كنت قد كرهت لي ذلك لدين أو دنيا أعتبتك، وأما حسن عزائي عن قتلى المسلمين فوالله لوكان الحزن يبقي حياً أو يرد ميتاً، لأبقى الحزن الحي ورد الميت ولقد اقتحمت حتى أيست من الحياة وأيقنت الموت، وأما خدعة مجاعة إياي عن رأي فإني لم أخطيء رأي يومي، ولم يكن لي علم بالغيب، وقد صنع الله للمسلمين خيراً، أورثهم الأرض وجعل العاقبة للمتقين ))(1) وكتاب خالد هذا أوضح من التعليق عليه.
3ـ يبدو أن أن التيجاني لا يستطيع أن يتخلًص من أخص صفاته وأحبها إليه ألا وهي الكذب! فهو يموه الحق بقوله ( ولا شك أن هذه البنت هي الأخرى ذات بعل فقتله خالد ونزا عليها، كما فعل بليلى زوجة مالك )!! ولا أعتقد أن التيجاني الذي ذكر هذه القصة وعزا إلى مصادرها في هامش كتابه لا يعلم أنها تذكر أن خالداً تقدم بالزواج من هذه المرأة إلى أبيها مجاعة وأنه وافق على زواجه منها(2)، فسبحان الله... هذا التيجاني يدعي أنه هدى إلى الصراط المستقيم فكيف سيكون حاله إذا علم أنه قد ضل عن الحق المبين؟! فنسأل الله العافية.
وبعد هذا البيان أعتقد أنني قد بينّت الحق لمريده فالحمد لله رب العالمين.
الباب السابع:
مبحث مطاعن التيجاني في الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والرد عليه في ذلك:
__________
(1) خالد بن الوليد لصادق عرجون ص (201).
(2) الطبري جـ2 ص (284) سنة (11) هـ(171/196)
مما لا شك فيه عند كل مطلع على مذهب الرافضة الاثني عشرية يعلم أن الطعن والسب لصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أصل هام في مذهبهم ولكنه سيلحظ أن من أكثر الصحابة حظّاً في ذلك هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى أن الخليفة عمر هو الذي فتح فارس وأزال مملكتهم، يقول المستشرق الانكليزي الدكتور براؤن موضحاً إن (( من أهم أسباب عداوة أهل إيران للخليفة الراشد، عمر هو أنه فتح العجم، وكسر شوكته، غير أنهم أعطوا لعدائهم صبغة دينية، مذهبية وليس من الحقيقة بشيء ))(1) ثم يضيف قائلاً (( ليس عداوة إيران وأهلها لعمر بن الخطاب بأنه غصب حقوق عليّ وفاطمة، بل لأنه فتح إيران وقضى على الأسرة الساسانية ـ ثم يذكر أبياتاً فارسية لشاعر إيراني تعني: أن عمر كسر ظهور أسود العرنين المفترسة، واستأصل جذور آل جمشيد ( ملك من أعاظم ملوك فارس ) ))(2) وأخيراً يوصلنا إلى النتيجة التي توصل إليها بقوله (( ليس الجدال على أنه غصب الخلافة من عليّ، بل إن المسألة قديمة يوم فتح إيران ))(3) ومن هذا المبدأ فقد صبّ التيجاني في كتابه أشدّ هجوم على الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، وسأبدأ بإيراد مطاعنه عليه وسأردّها عليه بإذن الله تعالى وذلك إجلالاً وتعظيماً لهذا الصحابي العظيم الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( لقد كان فيمن قبلكم من بني اسرائيل رجال، يُكَلَّمُون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحدٌ فعمُرُ ))(4) وشهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعلم فقال (( بينا أنا نائم، رأيت الناس عُرضُوا علي وعليهم قُمُصُ، فمنها ما يبلغ الثَّدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعُرض
__________
(1) تاريخ أدبيات إيران للدكتور براؤن جـ1 ص (217).
(2) المصدر السابق جـ4 ص (49).
(3) المصدر السابق جـ1 ص (215) وانظر الشيعة والسنة لاحسان إلهي ظهير ص (56 ـ 57).
(4) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3486).(171/197)
عليَّ عمر وعليه قميص اجتَرَّهُ، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين ))(1) فأقول وبالله التوفيق:
أولاًـ إبتدأ التيجاني هجومه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مبحث ( الصحابة في صلح الحديبية ) فقد اتهمه أنه لا يمتثل لأوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضاق صدره من قضاء الرسول في صلح الحديبية بل ودفع بقية الصحابة للتخلّف عن أوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد رددت على هذا الخطل وفندته بفضل الله ومنه بما يغني عن الإعادة هنا فليراجع في مكانه من هذا الكتاب(2).
ثانياًـ طعن التيجاني بعمر بن الخطاب في مبحث ( الصحابة ورزيّة يوم الخميس ) واتهمه بأنه يقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يهجر! وأنه يتعالم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يحترمه! بل ويخطط هو والصحابة في منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الكتابة؟! إلى آخر هذيانه، وقد أجبت عن كل ذلك بما لا يدع مجالاً لمشكك في طهارة ونقاء باطن هذا الصحابي وظاهره من الفعل السئ في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعريت كذب هذا التيجاني وجهله في التعامل مع السيرة النبوية فليراجع في مكانه من هذا الكتاب(3) والحمد لله أولاً وأخيراً.
ثالثاً ـ وفي مبحث ( الصحابة في سرية أسامة ) إتهم عمر بأنه ممن طعن في تأمير أسامة وغيرها من التهم وأجبت عن ذلك في موضعه(4).
رابعاًـ الرد على التيجاني بادعائه أن عمر يخالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرد عليه في ذلك:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3488).
(2) ص (21).
(3) يراجع الكتاب ص (33).
(4) يراجع الكتاب ص (53).(171/198)
يقول التيجاني (( ومن أمعن النظر في مثل هذه الرواية فسيجدهم ينزلون أنفسهم فوق منزلته ويعتقدون بأنه يخطئ ويصيبون، بل إن هذا يستتبع تصحيح بعض المؤرخين لأفعال الصحابة حتى لو خالفت فعل النبي أو إظهار بعض الصحابة بمنزلة من العلم والتقوى أكثر من رسول الله (ص) كما حصل ذلك عندما حكموا بأن النبي أخطأ في قضية أسرى بدر وأصاب عمر بن الخطاب، ويروون في ذلك روايات مكذوبة بأنه (ص) قال: لو أصابنا الله بمصيبة لم يكن ينج منها إلا بن الخطاب ))(1)، أقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (92).(171/199)
1ـ ثبت في الصحيح أن عمر قد وافقه ربه في عدة أمور فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أنس قال (( قال عمر: وافقتُ ربي في ثلاث: فقُلتُ يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى فنزلت { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى }. وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلِّمهن البرُّ والفاجر فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغيرة عليه فقلت لهنَّ: عسى ربه إن طلَّقكنَّ أن يُبدلَهُ أزواجاً خيراً منكُنَّ فنزلت هذه الآية ))(1)، وأخرجه البخاري في موضع آخر بلفظ (( قال عمر: وافقت ربي في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض نسائه، فدخلتُ عليهن، قلت: إن انتهيتُنَّ أو ليبدِّلنّ الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم خيراً منكن، حتى أتيت إحدى نسائه قالت: يا عمر، أما في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يعظُ نساءه، حتى تعظهنّ أنت؟ فأنزل الله { عسى ربُهُ إن طلَّقكنّ أن يبدِّله أزواجاً خيراً منكنَّ مُسلِمات }. الآية ))(2) أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال (( قال عمر: وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر ))(3). وأخرج أيضاً عن عمر من حديث طويل ((... قال ابن عباس: فلما أسروا الأُسارى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأُسارى؟ فقال أبو بكر يا نبي الله! هم بنوا العمّ والعشرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله ان يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى
__________
(1) صحيح البخاري كتاب أبواب القبلة برقم (393).
(2) صحيح البخاري كتاب التفسير ـ سورة البقرة ـ برقم (4213).
(3) صحيح مسلم مع الشرح كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ من فضائل عمر برقم (2399).(171/200)
الله عليه وآله وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله! ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكّنا فنضرب أعناقهم، فمتُكّن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتُمكّني من فلان ( نسيباً لعمر ) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوِي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال أبو بكر ولم يهْوَ ما قلتُ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت يارسول الله: أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاءً بكيت وإن لم أجد بكاءً تباكيتُ لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أبكي للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عَليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ( شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنزل الله عز وجل { ما كان لنبيٍ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ـ إلى قوله ـ فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً } ، فأحلّ الله الغنيمة لهم ))(1) وهذه الروايات كما ترى ثابته وصحيحة وإذا قال عنها التيجاني روايات مكذوبة فليُظهر ذلك بالدليل الواضح، لا بالجهل الفاضح والعقل الخرب، وهذه الروايات لا تعني أبداً أن بعض الصحابة عندهم من العلم والتقوى أكثر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالرسول يجتهد في بعض الأمور التي لم ينزل بها الوحي، بحسب المصلحة وليس كل ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتبر وحياً كما صلّى على رأس المنافقين عبد الله بن أبي فقال له عمر(( يا رسول الله تصلّي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنما خيرني ربي فقال { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة } وسأزيده على السبعين، قال: إنه منافق، قال: فصلى عليه
__________
(1) صحيح مسلم مع الشرح كتاب الجهاد والسير ـ باب ـ الامداد بالملائكة في غزوة بدر، وإباحة الغنائم برقم (1763).(171/201)
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله { ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره } ))(1) وهذا الأمر ثابت بالكتاب، كما هو واضح، وثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في سَوْقه الهدْي في حجة الوداع (( لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما أهديت، ولولا أن معي الهدْي لأحللت ))(2) وأيضاً عندما رجع لرأي زوجتاه عائشة وحفصة عندما حلف أن لا يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فأنزل الله قوله { يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضاتَ أَزواجك والله غفور رحيم } ( التحريم 1) فلو كان كل ما يقوم به عن طريق الوحي لما نزل القرآن يبين له هذه الأمور وليس أن يوافق الله في حادثة أو أكثر أحد الصحابة يُعتبر هذا إنقاص من قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أن بعض الصحابة يملكون علماً أكثر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يقول ذلك إلا من هو أجهل الناس بأفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد ثبت أن النبي كان يستشير أصحابه في كثير من الأمور التي لم ينزل بها الوحي كما في قضية الأسرى.
__________
(1) صحيح البخاري كتاب التفسير ـ سورة التوبة برقم (4393).
(2) صحيح البخاري كتاب الحج برقم (1568) عن جابر بن عبد الله.(171/202)
2ـ إذا كانت هذه الروايات باطلة فلماذا يحتجُّ بها إخوانك من الرافضة الأثني عشرية، فقد ردَّ الدكتور علاء الدين القزويني على الدكتور موسى الموسوي في كتابه ( الشيعة والتصحيح ) محتجاًّ عليه بحديث أنس فقال (( ولهذا جاء عن أنس بن مالك ـ وهي رواية عمر الذي يقول فيه وافقت ربي في ثلاث ـ أنه قال، قال عمر: بلغني بعض ما أذين رسول الله (ص) نساؤه، فدخلت عليهنّ، فجعلت أستقريهنّ وأعظهُن، فقلت فيما أقول: لتنتهينّ أو ليبدلنه الله خيراً منكنّ حتى أتيت على زينب فقالت: يا عمر ما كان في رسول الله (ص) ما يعظ نساءه حتى تعظنا أنت، فأنزل الله تعالى { عسى ربه إن طلّقكن ...} ))(1) ثم يذكر عدة روايات أخرى عن عمر ويقول (( هذه جملة من روايات الصحاح ))(2) والغريب في هؤلاء الرافضة أنهم عندما يحتجّون على أهل السنة ببعض الأحاديث يحللونها، فمرة تكون عندهم صحيحة ولكنها قابلة في الوقت ذاته لكي تصبح ضعيفة، فإذا ظنوا أن فيها مدحاً لصحابي يحوّلونها إلى رواية ضعيفة تلقائياً، ولعل هذا الأمر هو الذي يفسّر كيف أن الحديث الذي يحتج به التيجاني على أهل السنة من كتبهم فيما يظنّه طعناً في صحابي يصبح صحيحاً، وأي حديث يظن أن فيه مدحاً لصحابي يتحول إلى حديث مكذوب وغير مقبول شرعاً وعقلاً! وحسب خبرتي فإني أرجع الفضل في هذا التّلون إلى معمل التحليل الحديثي التابع للمحلل التيجاني!؟
__________
(1) مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح لدكتور علاء الدين القزويني ص (151).
(2) المصدر السابق ص (152).(171/203)
3ـ يبدو أن التيجاني منزعج ومتأثر بهذا الضلال الذي ينفثه أهل السنة بين الناس (!) فإنهم يدّعون أن بعض أفعال الصحابة خير من فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأن بعضهم بمنزلةٍ من العلم والتقوى أكثر من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويحتج برواية لست أدري من أين أتى بها وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لو أصابنا الله بمصيبة لم يكن ينج منها إلا ابن الخطاب!؟ وبالطبع لم يعزوها لأي مصدر لأنها مكذوبة وباطلة متناً قبل البحث في سندها، فكيف يصيب الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام بمصيبة! وليس كذلك فقط فالمصيبة يقع بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجميع أصحابه أللهم إلا عمر !؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يقول التيجاني ( والعياذ بالله ) (( .. وكأن لسان حالهم يقول: لولا عمر لهلك النبي (والعياذ بالله )! من هذا الاعتقاد الفاسد المشين الذي لا قبح بعده، ولعمري أن الذي يعتقد هذا الاعتقاد هو بعيد عن الإسلام بعد المشرقين ويجب عليه أن يراجع عقله أو يطرد الشيطان من قلبه، قال الله تعالى { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } ))(1). أقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (92 ـ 93).(171/204)
إذن هذا هو حكم التيجاني فيمن يعتقد ذلك الاعتقاد، وحتى أزيده هدايةً سأضطر لكي أكشف عن الذي يرفع بعض الصحابة عن منزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويظهرهم بمنزلة من العلم والتقوى أكثر منه صلوات ربي وسلامه عليه، يورد ( الكليني ) وهو من كبار أئمتهم في كتابه ( الأصول من الكافي ) الذي يعتبر في منزلته كالبخاري عند أهل السنة على أن عليّ بن أبي طالب كان كثيراً ما يقول (( أنا قسيم الله بين الجنة والنار وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصاء والميْسَم لقد أقرّت لي جميع الملائكة والروح والرسلُ ِبمثل ما أقرُّوا به لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ولقد حُملتُ على مثلِ حمُولَته وهيَ حمُولةُ الرّب ولقد أُعطِيتُ خِصالاً ما سبقني إليها أحدٌ قبْلي، عُلِّمت المنايا والبلايا والأنساب وفصْل الخِطاب فلم يفُتْني ما سبقني ولم يَعْزُب عنَّي ما غاب عنَّي، ابشِّر بإذنِ الله وأُؤَدّي عنه، كل ذلك من الله مكّنني فيه بعِلْمه ))(1) ولم يكتفوا بذلك بل جعلوا ( أبناء ) عليّ أعظم من أنبياء الله!؟ فيورد إمامهم محمد فروخ الصفار في كتابه ( فضائل أهل البيت ) عن عبد الله بن الوليد قال (( قال لي أبو عبد الله (ع): أيّ شيء يقول الشيعة في عيسى وموسى وأمير المؤمنين (ع) قلت: يقولون: إن عيسى وموسى أفضل من أمير المؤمنين (ع) قال فقال: أيزعمون أنّ أمير المؤمنين (ع) قد علم ما علم رسول الله (ص) قلت نعم ولكن لا يقدّمون على أولو العزم من الرسل أحداً قال أبو عبد الله (ع) فخاصمهم بكتاب الله قال قلت: وفي أيّ موضع منه أخاصمهم قال: قال الله تعالى لموسى { وكتبنا له في الألواح من كلّ شيء علماً } إنه لم يكتب لموسى كلّ شيء، وقال الله تبارك وتعالى لعيسى { ولأبيّن لكم بعض الذي تخْتلفون فيه } وقال الله تعالى لمحمد (ص) { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً
__________
(1) الأصول من الكافي جـ 1ص (152) كتاب الحجة ـ باب ـ أن الأئمة هم أركان الأرض ص (152).(171/205)
ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } ))(1) وعن أبي عبد الله ـ وهو جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب!! ـ قال (( إن الله خلق أولو العزم من الرسل وفضّلهم بالعلم، وأورثنا علمهم وفضّلهم، وفضّلنا عليهم في علمهم وعلم رسول الله (ص) ما لم يعلموا وعلّمنا علم الرسول (ص) وعلمهم ))(2)!!؟ وبعد ذلك لا يسعني إلا أن أتقدم بأحرّ التعازي للدكتور التيجاني على هدايته للباطل!
ثم يقول (( وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإننا نسمع الكثير عن عدل عمر الذي سارت به الركبان حتى قيل ( عدلت فنمت ) وقيل دفن عمر واقفاً لئلا يموت العدل معه وفي عدل عمر حدّث ولا حرج، ولكن التاريخ الصحيح يحدثنا بأن عمر حين فرض العطاء في سنة عشرين للهجرة لم يتوّخ سُنة رسول الله ولم يتقيّد بها، فقد ساوى النبي (ص) بين جميع المسلمين في العطاء فلم يفضّل أحداً على أحد، واتّبعه في ذلك أبو بكر مدة خلافته (!)، ولكن عمر بن الخطاب اخترع طريقة جديدة وفضّل السابقين على غيرهم وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، وفضل المهاجرين كافة على الأنصار كافة، وفضّل العرب على سائر العجم، وفضّل الصريح على المولى وفضل مضر على ربيعة، ففرض لمضر ثلاثمائة ولربيعة مائتين وفضّل الأوس على الخزرج، فأين هذا التفضيل من العدل يا أولي الألباب؟ ))(3).
__________
(1) فضائل أهل البيت المسمى بصائر الدرجات لمحمد الصفار ص (223 ـ 224) باب ( أن الأئمة عليهم السلام أفضل من موسى والخضر عليهما السلام ) (!)
(2) المصدر السابق ص (224).
(3) ثم اهتديت ص (94 ـ 95).(171/206)
1ـ أقول نعم كان عمر يفضّل بالعطاء وليس ذلك مما يعاب عليه لأنه لا يوجد دليل في وجوب التسوية في العطاء ولم يقل به أحد من أهل العلم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أحياناً يفضّل بالعطاء فقد أخرج البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (( قسّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهماً، قال: فسّره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثةأسهم، فإن لم يكن معه فرس فله سهم ))(1).
2ـ (( والمجوّزون للتفضيل قالوا: بل الأصل التسوية، وكان أحيانا، يفضّل، فدلّ على جواز التفضيل، وهذا القول أصح: أن الأصل التسوية، وأن التفضيل لمصلحة راجحة جائز. وعمر لم يفضّل لهوى ولا حابى، بل قسّم المال على الفضائل الدينية، فقدَّم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ثم من بعدهم من الصحابة، ثم من بعدهم وكان ينقص نفسه وأقاربه عن نظائرهم، فنقص ابنه وابنته عمّن كانا أفضل منه، وإنما يطعن في تفضيل من فضَّل لهوى، أما من كان قصده وجه الله تعالى وطاعة رسوله، وتعظيم من عظّمه الله ورسوله وتقديم من قدّمه الله ورسوله فهذا ُيمدح ولا يُذم، ولهذا كان يُعطي علياً والحسن والحسين ما لا يعطي لنظائرهم، وكذلك سائر أقارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو سوّى لم يحصل لهم إلا بعض ذلك ))(2).
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المغازي ـ باب ـ غزوة خيبر برقم (3988).
(2) منهاج السنة جـ6 ص (103 ـ 104).(171/207)
3ـ قسم عمر أهل العطاء إلى طبقات: الطبقة الأولى فئة البدرّيين من المهاجرين، ثم فئة البدرّيين من الأنصار، ثم المهاجرين الذين لم يشتركوا في بدر، ثم الأنصار الذين لم يشتركوا في بدر واشتركوا في بقية الغزوات، ثم الذين شهدوا الحديبية وفتح مكة، ثم الذين اشتركوا في فتح القادسية واليرموك، ثم فرض لأناس رواتب خاصة منهم الحسن والحسين، وكان يساوي بين العربي والمولى بخلاف ما يقوله هذا التيجاني، فقد أعطى أهل بدر العرب والموالي على السواء وكتب إلى أمراء الجند: ومن أعتقتم من الحمراء ـ الموالي ـ فأسلموا فألحقوهم بمواليهم، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن أحبوا أن يكونوا قبيلة وحدهم فاجعلوهم أسوتكم في العطاء والمعروف(1) أما التقسيمات التي ذكرها التيجاني التي نقلها عن كتّب الشيعة فلا إسناد صحيح لها.
__________
(1) موسوعة فقه عمر بن الخطاب للدكتور محمد رواس قلعة جي ص (541).(171/208)
خامساً ـ إدعاء التيجاني على عمر بالجهل والردّ عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ونسمع عن علم عمر بن الخطاب الكثير الذي لاحصر له حتى قيل أنه أعلم الصحابة وقيل أنه وافق ربّه في كثير من آرائه التي ينزل القرآن بتأييدها في العديد من الآيات التي يختلف فيها عمر والنبي. ولكنّ الصحيح من التاريخ يدلّنا على أنّ عمر لم يوافق القرآن حتى بعد نزوله، عندما سأله أحد الصحابة أيام خلافته فقال: ياأمير المؤمنين إني أجنبت فلم أجد الماء فقال له عمر: لا تصلّ واضطّر عمار بن ياسر أن يذكّره بالتيمم ولكن عمر لم يقنع بذلك وقال لعمار: إنا نحمّلك ما تحملت، فأين علم عمر من آية التيمّم المنزّلة في كتاب الله وأين علمه من سنة النبي الذي علّمهم كيفية التيمم كما علّمهم الوضوء ))(1).
1ـ لم يرو البخاري هذا الأثر بهذا اللفظ، إنما جاء عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال (( جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أُصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنّا كنّا في سفر أنا وأنت، فأما أنت لم تُصلِّ، وأما أنا فتمعّكت فصلّيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه ))(2).
__________
(1) ثم اهتديت ص (95).
(2) صحيح البخاري كتاب التمم برقم (331).(172/1)
2ـ من المعلوم أن عمر بن الخطاب كان لا يجيز للجنب التيمم ويأخذ بظاهر قوله تعالى { وإن كنتم جُنباً فاطّهروا } وقوله { ولا جُنُباً إلا عابري سبيل حتى تغْتسلوا } وبقي عمر كذلك حتى ذكره عمار بالحادثة بينهما ولكنه لم يتذكر ذلك، ولهذا قال لعمار كما جاء في رواية مسلم، اتّق الله يا عمار قال النووي شارح مسلم (( معنى قول عمر ( اتق الله يا عمار ) أي فيما ترويه وتتثبّت فيه، فلعلك نسيت أو اشتبه عليك، فإني كنت معك ولا أتذكرشيئاً من هذا ))(1) ولما قال له عمار:إن شئت لم أحدّث به فقال له عمر: نوليك ما توليت ـ وليس نحملك ما تحملت ـ (( أي لا يلزم من كوني لا أتذكّره أن لا يكون حقّاً في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحدّث به ))(2) فكلّ ما في الأمر أن عمر لم يتذكر هذه الحادثة وأعتقد أنه ليس معصوماً حتى يُجعل هذا مما يعاب عليه.
3ـ وأما قوله ( فأين عمر من آية التيمم المنزلة في كتاب الله، وأين علمه من سنة النبي (ص) الذي علّمهم كيفية التيمم كما علّمهم الوضوء ) فهذا لا يدل إلا على عظيم جهله وسخفه، فعمر يعلم هذه الآية ولم يجهلها ويعلم كيفيّة التيمم، ولكن المشكلة عنده هي هل تشمل الجنب أم لا؟ فالله سبحانه يقول { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً } وعمر لم ير الجنب داخلاً في هذه الآية، والملامسة التي في الآية فسّرها بملامسة اليد لا بالجماع لذلك كان يرى وجوب الوضوء لمن لمس المرأة.
__________
(1) الفتح جـ1 ص (544 ـ 545).
(2) المصدر السابق ص (545).(172/2)
ثم يقول ((... وتجرّأ على كتاب الله وسنة رسوله فحكم في خلافته بأحكام تخالف النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة ))(1) ويقول في موضع آخر (( وكان عمر بن الخطاب يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه، كقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ))(2) فأقول وبالله التوفيق:
1ـ بالنسبة لتحريم متعة الحج فالصحيح أن عمر لم يحرّمها نهي تحريم، وإنما كان يريد إرشاد الناس إلى ما هو أفضل والنهي هنا هو نهي أولوية للترغيب في القران بدل التمتع بالعمرة إلى الحج، وحتى لايخلو بيت الله الحرام من المعتمرين باقي أيام السّنة، ولأن التمتّع كان من السهولة بحيث تُرك الاعتمار في غير أشهر الحج، ولهذا أراد عمر ألاّ يخلوا بيت الله من المعتمرين فنهاهم عن التمتع على سبيل الإختيار لا على التحريم، وإلا فقد ثبت عن عمر إباحته فعن ابن عباس قال (( سمعت عمر يقول والله إني لا أنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ يعني ـ العمرة في الحج ))(3) وعن الصُّبي بن معبد في جزء من الحديث أنه قال لعمر: إني أحرمت بالحج والعمرة، فقال له عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم (4)، ولا شك أن الاعتمار في غير أشهر الحج أفضل من المتعة باتفاق الكثير من الفقهاء.
__________
(1) ثم اهتديت ص (96).
(2) المصدر السابق ص (109 ـ 110).
(3) سنن النساء مع شرح الحافظ وحاشية السندي كتاب الحج ـ باب ـ القران برقم (2719).
(4) سنن النسائي مع الشرح كتاب الحج ـ باب ـ التمتع برقم (2736) المسند لأحمد جـ1 مسند عمر بن الخطاب (169) وانظر صحيح سنن النسائي للألباني جـ2 برقم (2548).(172/3)
2ـ ثبت أيضاً عن أبي ذر أنه كان يحرِّم متعة الحج مطلقاً كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن إبراهيم التيِّمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال (( كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ))(1)، وأبو ذر من الصحابة المرضيين عندكم فإذا كان الخطأ في مسألة يقتضي القدح والطعن فينبغي أن يشمل أبو ذر أيضاً اللهم إذا كانت القضية هي البحث عن مثالب عمر فقط!
3ـ لِيلاحظ القارئ أن التيجاني يستدل بحديث يرويه أهل السنة في كتبهم على أنه صحيح، والسبب اعتقاده أن الحديث يطعن في عمر، وقد أثبتُّ بآثار أُخرى عن عمر ما يخالف هذه الرواية ولا شك أن هذه الآثار باطلة شرعاً وعقلاً والسبب أنها في صالح عمر!؟
__________
(1) مسلم مع الشرح كتاب الحج ـ باب ـ جواز التمتع برقم (1224).(172/4)
4ـ وبالنسبة لمتعة النساء فلم يحرِّمها عمر من تلقاء نفسه بل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرَّمها فقد أخرج مسلم في صحيحه عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدَّثه، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال (( يا أيها الناس إني قد كنت أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنَّ شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ))(1)وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الزهري عن الحسن بن محمد بن علي، وأخوه عبد الله عن أبيهما (( أن علياً رضي الله عنه قال لابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية، زمن خيبر ))(2)، فنكاح المتعة حُرِّم عام الفتح ولا إشكال في الرواية الأخرى التي فيها أنها حرِّمت يوم خيبر والصحيح أنها لم تحرَّم عام خيبر (( بل عام خيبر حرِّمت لحوم الحمر الأهلية، وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذلك عليه، وقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرَّم متعة النساء وحرَّم لحوم الحمر يوم خيبر، فقرن علي رضي الله عنه بينهما في الذِّكْرِ لما روى ذلك لابن عباس رضي الله عنهما، لأن ابن عباس كان يبيحهما. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه أنه رجع عن ذلك لمَّا بلغه حديث النهي عنهما ))(3)، ولهذا كان سفيان بن عيينة يقول (( قوله ( يوم خيبر) يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة ))(4)، وقال (( أبو عوانة في صحيحة سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأما المتعة
__________
(1) صحيح مسلم مع الشرح كتاب النكاح ـ باب ـ نكاح المتعة برقم (1406).
(2) صحيح البخاري كتاب النكاح برقم (4825) ـ باب ـ نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخراً ، ومسلم مع الشرح كتاب النكاح برقم (1407).
(3) المنهاج جـ4 ص (190).
(4) الفتح جـ9 ص (73).(172/5)
فسكت عنها وإنما نُهي عنها يوم الفتح ))(1)، وقيل أنها حرِّمت يوم خيبر ثم أبيحت، ثم حرِّمت مرة أخرى، وعلى العموم فقد ثبت تحريمها بالاتفاق عام الفتح من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
5ـ لقد اعترف بهذه الحقيقة عالم شيعي فتح الله بصيرته فأناب إلى الحق وبيَّن أن متعة النساء حرِّمت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن عمر لم يحرَّمها من تلقاء نفسه وقد أقرَّه على ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول (( إن النظرية الفقهية القائلة بأن المتعة حُرِّمت بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب يفندها عمل الامام علي الذي أقر التحريم في مدة خلافته ولم يأمر بالجواز وفي العرف الشيعي وحسب رأي فقهائنا عمل الامام حجة لا سيما عندما يكون مبسوط اليد ويستطيع إظهار الرأي وبيان أوامر الله ونواهيه. والامام علي كما نعلم اعتذر عن قبول الخلافة واشترط في قبولها أن يكون له اجتهاده في ادارة الدولة. فإذن اقرار الامام علي على التحريم يعني أنها كانت محرمه منذ عهد الرسول (ص) ولولا ذلك لكان يعارضها ويبين حكم الله فيها وعمل الامام حجة على الشيعة ولست أدري كيف يستطيع فقهائنا أن يضربوا بها في عرض الحائط ))(2)، ومن هنا نعلم أن (( أهل السنة اتبعوا علياً وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،والشيعة ـ الاثني عشرية ـ خالفوا علياً فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، واتبعوا قول من خالفه ))(3)
__________
(1) المصدر السابق ص (74).
(2) الشيعة والتصحيح للموسوي ص (109).
(3) المنهاج جـ4 ص (190 ، 191).(172/6)
6ـ ولما لم يعلم الكثير من الناس بأمر التحريم نبه على ذلك عمر وأعلنه للناس فعن ابن عمر قال (( لما ولي عمر بن الخطاب، خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً، ثم حرمها. والله! لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة. إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله أحلَّها بعد إذ حرمها ))(1) لذلك قال سعيد بن المسيب (( رحم الله عمر لولا أنه نهى عن المتعة لصار الزنا جهاراً ))(2)، فأسأل التيجاني هل عرفت حقاً من يخالف النصوص القرآنية والأحاديث النبوية إنهم شيعتك الذين هديت إليهم فحيهلا من هداية!
ثم يقول ((... وهذا عمر يقول:لولاعلي لهلك عمر ))(3)، فأقول:
__________
(1) سنن ابن ماجة كتاب النكاح ـ باب ـ النهي عن نكاح المتعة برقم (1963) وراجع صحيح سنن ابن ماجة برقم (1598).
(2) مصنف ابن أبي شيبة كتاب النكاح ـ في نكاح المتعة وحرمتها جـ3 ص (390).
(3) ثم اهتديت ص (146).(172/7)
1ـ هذه الجملة لها سبب وهو أن عمر أراد أن يرجم امرأة فأخبره علي بأنها مجنونة فترك حدَّها وقال هذه المقولة وفي أثر آخر أن عمر أراد أن يرجم امرأة حامل فنبهه علي فقال هذه المقولة، والذي أشار إلى ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب ومحب الطبري في الرياض النضرة، إضافة إلى ابن المطهر الذي ذكر هاتين الروايتين بهذا السياق، وأما بالنسبة للرواية الأولى فقد ذكرها أحمد في الفضائل، عن ابن ظبيان الجنبي أن عمر بن الخطاب (( أتى امرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا بها ليرجموها فلقيهم علي فقال ما لهذه؟ قالوا زنت، فأمر عمر برجمها فانتزعها علي من أيديهم وردهم فرجعوا إلى عمر فقال ما ردكم؟ قالوا ردنا يعني علي، قال ما فعل هذا علي إلا لشيء قد علمه فأرسل إلى علي فجاء وهو شبه المغضب فقال ما لك رددت هؤلاء؟ قال أما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلي حتى يعقل؟ قال بلى قال علي هذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها. فقال عمر لا أدري قال وأنا لا أدري فلم يرجمها ))(1)، وقد تتبعت الرواية من مظانها(2)فلم أجد في أي منها مقولة عمر (( لولا علي
__________
(1) فضائل الصحابة لأحمد برقم (1209) ص (707) جـ2 وقال المحقق : إسناده صحيح.
(2) راجع المسند جـ1 برقم (1327) مسند علي ص (325) وابن خزيمة في صحيحه كتاب المناسك برقم (3048) ص (348) جـ4 ، وذكره البخاري معلقاً جازماً به كتاب المحاربين ـ باب ـ لا يرجم المجنون والمجنونة ص (2499) جـ6 ، وأبو داود ـ باب ـ في المجنون يسرق أو يصيب حد برقم (4399) ، (4400) ، (4401) ، (4402)، سنن الدارقطني كتاب الحدود والديات برقم (173) جـ3 ، مسند أبي يعلى جـ1 مسند علي بن أبي طالب برقم (587) ص (440) مستدرك الحاكم كتاب الصلاة ص (258) جـ1 ، ص (59) كتاب البيوع جـ2 ، وص (389) كتاب الحدود جـ4 ، وراجع العلل للدار قطني جـ3 ص (291) ص (72).(172/8)
لهلك عمر ))!
2ـ المقولة نفسها تثبت عدم قول عمر لهذه المقولة وهي أنه كان لا يعرف بجنون المرأة عندما قال ( لا أدري ) ولا شك أن عمر يكون في هذه الحالة معذور لأنه خفي عنه أمر المرأة ولا ذنب عليه فلماذا يقول إذاً لولا علي لهلك عمر؟ ولماذا يهلك عمر؟! فإن كان قال ذلك تواضعاً منه فهل هذا مما يعتبر ذماً له!؟
أما الرواية الأخرى وهي أن عمر أراد أن يرجم امرأة حامل فقد بحثت عنها فوجدت ابن أبي شيبة قد روى عن أبي سفيان عن أشياخه (( أن امرأة غاب عنها زوجها، ثم جاء وهي حامل فرفعها إلى عمر، فأمر برجمها فقال معاذ: إن يكن لك سبيل عليها فلا سبيل لك على ما في بطنها، فقال عمر: احبسوها حتى تضع، فوضعت غلاماً له ثنيتان، فلما رآه أبوه قال: ابني، فبلغ ذلك عمر فقال: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ هلك عمر ))(1) ثم قال ابن أبي شيبة ((حدثنا خالد الأحمر عن حجاج عن القاسم عن أبيه عن علي مثله ))(2)، وفي سنده الحجاج وهو ابن أرطاه ضعيف، كثير التدليس، ويقول الذهبي (( الحجاج بن أرطاه لا يحتج به ))(3)، فهذه الرواية ضعيفة لا حجة فيها، أما الرواية التي ذكرها محب الطبري (( أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر، فقال له علي: إن الله تعالى يقول { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } وقال تعالى { وفصاله في عامين } فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين، فترك عمر رجمها وقال: لولا علي لهلك عمر، أخرجه العقيلي، وأخرجه ابن السمان عن أبي حزم بن أبي الأسود ))(4). قلت: قوله أبو حزم خطأ والصواب أبو حرب بن أبي الأسود، وفي سند هذه الرواية عثمان بن مطر الشيباني (( قال يحيى بن معين: ضعيف لا يكتب حديثه، ليس بشيء، وقال علي بن المديني:
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة جـ6 كتاب الحدود ص (558).
(2) المصدر السابق.
(3) راجع تهذيب الكمال جـ5 ص (420) برقم (1112) وميزان الاعتدال جـ1 ص (458) برقم (1726).
(4) الرياض النضرة جـ2 ص (161).(172/9)
عثمان بن مطر ضعيف جداً، وقال أبو زُرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، وقال صالح البغدادي: لا يكتب حديثه، وقال أبو داود: ضعيف، وقال النسائي: ليس بثقة ))(1)، (( وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: كان عثمان بن مطر ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ))(2)
2ـ ولو فرضنا أن هذه الروايات صحيحة، فهي لا تقدح في فضل عمر وعلمه، وليس هو معصوماً عن الوقوع في الخطأ والزلل حتى تصبح هذه القضية منقصة له، ولا تقدح في علمه ولا أن الله وضع الحق على لسانه، فقد وافق حكم الله في اكثر من قضية (( فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأي عيب في ذلك ))(3)، والذي يدل على علمه وفقهه هو رجوعه إلى الحق وعدم تمسكه برأيه فهل في ذلك مذمة أو مثلبة؟
ثم يقول (( وهذا عمر بن الخطاب يقول ( كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال ) ويسأل عن آية من كتاب الله فينتهر السائل ويضربه بالدرة حتى يدميه ويقول { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } ))(4).
__________
(1) تهذيب الكمال جـ19 ص (494) برقم (3863).
(2) ميزان الاعتدال جـ3 ص (53).
(3) منهاج السنة جـ6 ص (42).
(4) ثم اهتديت ص (95)، (146).(172/10)
1ـ أقول هذه الرواية ليست بهذا اللفظ بل روي عنه قوله ( كل أحد أفقه من عمر) ولا شك أن لهذا القول سبب ولكن التيجاني أخفاه ليوهم أن عمر يقول ذلك دون سبب، فالرواية بتمامها هي ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن الشعبي قال (( خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله أحق أن يتبع أم قولك؟ قال: بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً أن يغالوا في صداق النساء، والله عز وجل يقول في كتابه: { وءاتيتم إحداهن قِنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً } فقال عمر: ( كل أحد أفقه من عمر ) مرتين أو ثلاثاً، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني نهيتكم أن لا تغلوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له ))(1) ، قلت: هذه الرواية باطلة سنداً ومتناً، فأما من ناحية السند: ففيه علّتان، الأولى الانقطاع، قال البيهقي عقب روايته: ( هذا منقطع ) لأن الشعبي لم يدرك عمر، يقول ابن أبي الرازي في كتاب ( المراسيل ) (( سمعت أبي وأبا زُرعة يقولان: الشعبي عن عمر مرسل ))(2) . والعلّة الثانية: أن في سنده مجالد وهو ابن سعيد، قال عنه البخاري (( كان يحي القطان، وكان ابن مهدي لا يروي عنه عن الشعبي ))(3) وقال النسائي (( كوفي ضعيف ))(4) وقال الجوزجاني (( مجالد بن سعيد يضعّف حديثه ))(5) وقال ابن عدي سألت
__________
(1) سنن سعيد بن منصور جـ1 باب ما جاء في الصداق برقم (595 ، 569 ،579 ).
(2) القول المعتبر في تحقيق رواية كل أحد أفقه من عمر ص (20).
(3) الضعفاء الصغير للبخاري ص (116) رقم (368).
(4) الضعفاء والمتروكين للنسائي ص (236) رقم (552).
(5) الشجرة في أحوال الرجال وآيات النبوة للجوزجاني ص (144).(172/11)
أحمد بن حنبل عن مجالد فقال (( ليس بشيء، يرفع حديثاً منكراً لا يرفعه الناس وقد احتمله الناس، وقال ابن عدي أيضاً عامة ما يرويه غير محفوظ، وقال ابن معين، لا يحتج بحديثه ـ وقال أيضاً: ضعيف واهي الحديث ))(1) وقال ابن حجر (( ليس بالقوي، لقد تغير في آخر عمره ))(2)، وأما من ناحية المتن: ففيه نكارة وذلك للأسباب التالية:
أ ـ أنه ثبت عن عمر صريحاً نهيه عن المغالاة في المهور بالسند الصحيح، فقد روى أبو داود عن أبي العجفاء السلمي قال (( خطبنا عمر فقال: ألا لا تغالوا بصُدْقِ النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إمرأة من نسائه، ولا أُصْدِقَتِ امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية ))(3) فهذا الحديث الصحيح يظهر نهي عمر عن المغالاة في المهور وهو يظهر بطلان الرواية الأخرى.
__________
(1) تهذيب الكمال للمزي جـ27 ص (222) رقم (5780).
(2) تقريب التهذيب جـ2 ص (159) وانظر كتاب القول المعتبر.
(3) سنن أبي داود ـ باب ـ الصداق برقم (2106) وراجع صحيح أبي داود برقم (1852).(172/12)
ب ـ مخالفتها لنصوص صحيحة صريحة في الحث على عدم المغالاة في المهور وتيسير أمر الصداق منها: ما أخرجه أبو داود في سننه عن عمر قال (( خير النكاح أيسره))(1)، وأيضاً ما أخرجه الحاكم وابن حبان في موارد الظمآن عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( من يُمن المرأة تسهيل أمرها وقِلّة صداقها ))(2)، وما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال (( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئاً، قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال: على أربعة أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : على أربع أواق؟ كأنّما تنحتون الفضة من عُرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه ))(3)، وغير هذه الأحاديث التي تحث على تقليل الصداق.
ت ـ هذه الآية التي استدلت بها المرأة { وآتيتم إحداهُنَّ قِنطاراً } معترضة بمفهومها على عمر في نهيه عن المغالات في مهور النساء، لا تنافي توجيه عمر، فغاية ما تدل عليه جواز دفع القادر على الصداق الكثيرالمنوه عنه بالآية بالقنطارلا تكليف العاجز ما لا يقدر عليه أو يستطيعه، بدليل إنكار النبي على الرجل المتزوج امرأة من الأنصار بأربع أواق صنيعهما لكون ذلك لا يتناسب وحالهما أو لكثرته، هذا فيما لو كانت الآية تدل على المغالاة في المهور.
__________
(1) سنن أبي داود كتاب النكاح رقم (2117) وراجع صحيح أبي داود برقم (1859) وموارد الظمآن جـ4 برقم (1257) وقال المحقق: إسناده جيد.
(2) موارد الظمآن كتاب النكاح برقم (1256) والحاكم في المستدرك كتاب النكاح ص (181) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(3) مسلم مع الشرح كتاب النكاح ـ باب ـ ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها برقم (1424).(172/13)
أما وأنها لا تدل على إباحة المغالاة في الصداق لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة، قال القرطبي رحمه الله بعد أن حكى قول من أجاز المغالاة في المهور (( وقال قوم: لا تعطي الآية جواز المغالاة، لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) ومعلوم أنه لا يكون مسجداً كمفحص قطاة ))(1) ، هذا من جهة وأما من جهة ثانية فما نقله أبو حيان عن الفخر الرازي أنه قال ( لا دلالة فيها على المغالاة لأن قوله تعالى { وآيتيم } لا يدل على جواز إيتاء القنطار، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع كقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين )(2)، نستخلص مما سبق أن الآية الكريمة لا علاقة لها بإباحة غلاء المهور وأن نصها ومفهومها يفيدان أن الرجل القادر لو أحب إعطاء زوجته تطوعاً من نفسه فدفع إليها قنطاراً أو قناطير فهذا جائز، وهذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال (( ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقاً كثيراً فلا بأس بذلك، كما قال تعالى { وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} ))(3) وبعد هذا البيان نخلص إلى بطلان هذا الحديث سنداً متناً، ونعلم مقدار فقه وعلم عمر!
__________
(1) القول المعتبر ص (34 ـ 36).
(2) المصدر السابق ص (36).
(3) المصدر السابق ص (37).(172/14)
2ـ أما قوله أن عمر ضرب من سأله عن آية بالدرة حتى أدماه وقال (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) والتي عزاها إلى سنن الدارمي وتفسير ابن كثير والدر المنثور، فقد بحثت عنها في هذه المصادر فلم أجد لها أثراً؟!؟ ولا يوجد لها أثر أصلاً، والحمد لله أن هذه الكتب موجودة في كل مكان وليست هي مخفية مثل كتب الرافضة، فليبحث فيها من يريد أن يعرف كيف تألف كتب ثلاث أرباعها كذباً محضاً!؟؟
ثم يقول (( وقد سئل عن معنى الكلالة فلم يعلمها، أخرج الطبري في تفسيره عن عمر أنه قال: لئن أكون أعلم الكلالة أحبّ إليّ من أن يكون لي مثل قصور الشام، كما أخرج ابن ماجة في سننه عن عمر بن الخطاب قال: ثلاث لئن يكون رسول الله بيّنهنّ أحب إليّ من الدنيا وما فيها الكلالة والربا والخلافة ))(1)، فأقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (146).(172/15)
1ـ هذا من التدليس الرخيص على القارئ ولتوضيح ذلك أنقل ما أخرجه مسلم في صحيحه عن معدان بن أبي طلحة (( أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعةٍ فذكر نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أبا بكر. ثم قال: إني لا أدَعُ بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، ما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبَعهِ في صدري، وقال: يا عمر ألا تكفيك آيةُ الصيف التي في آخر سورة النساء؟ وإني إن أعش أقْض فيها بقضية، يقض بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن ))(1)، ومن هذا الحديث نعلم أنّ عمر لم تكن عدم معرفته بالكلالة سببه قصوره في العلم بل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد له وللصحابة الاعتناء بالاستنباط من النصوص، فأخفى النص الصريح بذلك واكتفى بإرشاده إلى الآية التي تكفيه للوصول لمعنى الكلالة كما في قوله ( ياعمر! ألا تكفيك أية الصيف التي في آخر سورة النساء ) وهي قوله تعالى { يستفتونك قُل الله يُفْتيكم في الكَلالَة } ويقول النووي (( ولعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أغلظ له لخوفه من اتكاله واتكال غيره على ما نص عليه صريحاً وتركهم الاستنباط من النصوص وقد قال الله تعالى { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمْرِ منهم لعلِمه الذين يستَنْبِطونه منهُم } فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة، فإذا أهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو في بعضها والله أعلم ))(2)، وكان عمر يرى رأي أبي بكر في أن الكلالة من لا والد له ولا ولد وهذا ما اتفقت عليه جماهير العلماء ومن بعدهم وكان عليّ أيضاً يرى رأيهم، مما يدلل على عظيم علم عمر وفقهه، وكيف لا والرسول صلى الله عليه
__________
(1) صحيح مسلم مع الشرح كتاب الفرائض ـ باب ـ في ميراث الكلالة برقنم (1617).
(2) المصدر السابق ص (82) جـ11.(172/16)
وآله وسلم يقول (( إن الله وضع الحق على لسان عُمر يقول به ))(1)
2ـ ذكر الطبري في تفسيره خمس عشرة أثراً عن عمر بن الخطاب في الكلالة منها حديث مسلم السالف الذكر، ولكن التيجاني لا يستطيع أن ينفكّ من عقدة الإنصاف المصاب بها فلا ترى عيناه إلا قول عمر: لئن أعلم الكلالة، أحب إليّ من أن يكون لي مثل جزية قصور الروم. وليس قصور الشام كما نقل التيجاني فسبحان الله حتى مجرّد النقل لا يحْسِنه فكيف بالإنصاف؟ أما هذا الأثر ـ إن صح ـ فغاية ما فيه أن عمر أراد معرفة الكلالة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكي يكون حكمه موافقاً للصواب، ولا أن يخضع للاجتهاد فقط، وهذا من حرصه على معرفة الحق والصواب في هذه المسألة فهل هذا مما يذم عليه يا تيجاني؟!
3ـ أما الخبر الذي أخرجه ابن ماجة في سننه عن عمر أنه قال: ثلاث لئن يكون رسول الله بينهن...الخ فهو منقطع لأن مرة بن شراحيل الهمداني لم يدرك عمر(2) وضعّفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة(3)فلا يحتج به لضعفه.
ثم يتابع غثيانه فيقول (( ومن أول الصحابة الذين فتحوا هذا الباب على مصراعيه هو الخليفة الثاني الذي استعمل رأيه مقابل النصوص القرآنية بعد وفاة الرسول (ص) فعطّل سهم المؤلّفة قلوبهم الذين فرض الله لهم سهماً من الزكاة وقال: لا حاجة لنا فيكم ))(4) أقول:
__________
(1) سنن أبي داود كتاب الخراج والإمارة والفيء ـ باب ـ في تدوين العطاء برقم (2962) وسنن الترمذي كتاب المناقب ـ باب ـ مناقب عمر بن الخطاب برقم (3946) وابن ماجة في المقدمة ـ باب ـ فضائل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ـ باب ـ فضل عمر برقم (108) وراجع صحيح سنن أبي داود للألباني برقم (2566).
(2) الأحاديث المختارة لضياء الدين المقدسي جـ1 ص (396).
(3) ضعيف سنن ابن ماجة كتاب الفرائض ـ باب ـ الكلالة برقم (597) ص (219).
(4) ثم اهتديت ص (165).(172/17)
1ـ الاجتهاد والرأي ثابت عن سائر الصحابة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وابن مسعود وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ))(1)ولا يكون اجتهادهم مقابل النصوص فهذا من الجهل البيّن، بل اجتهادهم هو في فهم النصوص القرآنية والنبوية، أو في الأمور العارضة المستجدّة، (( لأن الصحابي شاهد التنزيل ووقف على حكمة التشريع وأسباب النزول ولازم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملازمة طويلة أكسبته معرفة الشريعة ))(2) إضافة إلى أن بعض الصحابة كانوا يجتهدون بما يخالف النصوص لأنها لم تصلهم فإذا تبيّنوا الحق أنابوا إليه
2ـ أما بالنسبة لعمر فإنه رأى أن سهم المؤلّفة قلوبهم كان يصرفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان المسلمون في ضعف تأليفاً لقلوبهم واتقاءً لشرّهم، أما والحال أنّ الأمة في قوة ومنعة، فإنه لا يجوز أن يُعطى هؤلاء الزكاة، ولا شك أن هذا هو اجتهاد عمر في هذه المسألة، وقد وافقه الصحابة على ذلك فكان إجماعاً منهم في وقته، ولا شك أن هذا ليس اجتهاداً في مقابل النص القرآني بل المراد من النص، ولكن أن يأتي في آخر القرن العشرين رويبض لا يفهم النصوص ومدلولاتها ولا يعلم الاجتهاد وصلاحيّاته، يظن نفسه أدرى من صحابي عايش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتلّقى النصوص القرآنية والحديثية طرية نقية من فمه صلى الله عليه وآله وسلم ليدعي عليه أنه يجتهد في مقابل النصوص، ويسمح لنفسه من أول كتابه إلى آخره أن يفسر الآيات القرآنية والأخبار النبوية حسب الكم الهائل من الجهل والكذب والتدليس الذي يتمتع به فهذا هو المصاب الأليم.
__________
(1) صحيح البخاري ـ باب ـ الإعتصام بالكتاب والسنة برقم (6919) جـ6 ، مسلم مع الشرح ـ باب ـ الأقضية برقم (1716) عن عمرو بن العاص .
(2) الوجيز في أصول الفقه للدكتور: عبد الكريم زيدان ص (261).(172/18)
3ـ لقد اجتهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قاتل في الجمل وصفين الذي أفضى بعد ذلك إلى قتل آلاف المسلمين، ولم يصل إلى ماقصده وطلبه، وبالطّبع لم يأتي بنص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعزز به دليله على القتال وإنما كان من رأيه ولم يوافقه عليه أكثر الصحابة، فإذا كان هذا من الاجتهاد المغفور لصاحبه فاجتهاد عمر أولى وأقنى.
ثم يقول (( وقد وقعت له حادثة أخرى مع رسول الله (ص) لعلها تعطينا صورة أوضح لنفسية عمر الذي أباح لنفسه أن يناقش ويجادل ويعارض صاحب الرسالة تلك هي حادثة التبشير بالجنة إذ بعث رسول الله أبا هريرة وقال له من لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشّره بالجنة، فخرج ليبشّر فلقيه عمر ومنعه من ذلك وضربه حتى سقط على إسته، فرجع أبو هريرة إلى رسول الله يبكي وأخبره بما فعل عمر فقال رسول الله لعمر ما حملك على ما فعلت؟ قال: هل أنت بعثته ليبشّر بالجنة من قال لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه؟ قال رسول الله نعم، قال عمر: لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس على لا إله إلا الله! ))(1) أقول:
1ـ ليلاحظ القارئ أن التيجاني يورد هذا الحديث مسلّماً بصحّته لا أن سلسلة رواته عدول بل لسبب واحد ليس إلا، هو أنه يقدح في عمر حسب عقلية هذا التيجاني ولكن..!
__________
(1) ثم اهتديت ص (165 ـ 166).(172/19)
2ـ هذا الحديث من أعظم الدلائل على فقه عمر وأن الحق على لسانه دائماً، وهذا مصداقاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به ))(1) وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( رأيت كأني أتيت بقدح لبن فشربت منهُ فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم ))(2) وأخرج مسلم حديث أبي هريرة هذا وهو حديث طويل وفي جزء منه (( فقال ـ أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ يا أبا هريرة ( وأعطاني نعليه ) قال: إذهب بنعلي هاتين، فمن لقيتَ من وراء هذا الحائط يشهد أنْ لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشِّره بالجنة، فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة! فقلتُ: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، بشرتُه بالجنة فضرب عمر بيده بين ثدييَّ فخررتُ لإستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فأجهَشْتُ بُكاءً. وَرَكِبني عُمَرُ. فإذا هو على أثري. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مالك يا أبو هريرة؟ قلت: لقيتُ عُمَرَفأخبرته بالذي بعثْتني بِهِ. فضرب بينَ ثدْييَّ ضرْبةً. خررتُ لإِسْتى. قال: ارْجع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( يا عمر! ما حملك على ما فعلتَ؟ ) قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمِّي. أَبعثتَ أبا هريرةَ بِنَعليكَ، منْ لقيَ يشهدُ أن لا إله إلا الله مُستَيْقِناً بها قلبه، بشَّره بالجنة؟ قال: نعم. قال: فلا تفعل. فإني أخشى أن يتَّكل الناس عليها. فخَلِّهم يعملون. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فَخَلَّهِمْ. ))(3). ففي هذا الحديث خشي عمر أن يسمع الناس هذا الخبر فيتكلوا عليه ويتركوا
__________
(1) سبق الحديث ص (314).
(2) سبق ص (40).
(3) صحيح مسلم مع الشرح كتاب الإيمان برقم (31).(172/20)
العمل فعرض رأيه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ به تصويباً له! قال القاضي عياض وغيره من العلماء رحمهم الله: (( وليس فعل عمر رضي الله عنه ومراجعته النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتراضاً عليه ورداّ لأمره إذ ليس فيما بعث به أبا هريرة غير تطبيب قلوب الأمة وبشراهم، فرأى عمر رضي الله عنه أن كتم هذا أصلح لهم وأحرى أن لا يتكلوا، وأنه أعود عليهم بالخير من معجّل هذه البشرى، فلما عرضه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم صوّبه فيه والله تعالى أعلم ))(1) وأما دفع عمر رضي الله عنه له فلم يقصد به سقوطه وإيذاءه، بل قصد رده عما هو عليه، وضرب بيده في صدره ليكون أبلغ في زجره))(2). وبعد ذلك أقول هل يوجد دليل على أن الحق على لسان عمر وقلبه أبلغ من هذا الحديث الذي احتججت به عليه؟!
ثم يتشبع بالكذب فيقول (( ومن مواقف عمر المتعددة تجاه النبي وسنته نفهم بأنه ما كان يعتقد يوماً بعصمة الرسول بل كان يرى أنه بشر يخطئ ويصيب. ومن هنا جاءت الفكرة لعلماء أهل السنّة والجماعة بأن رسول الله معصوم في تبليغ القرآن فقط وما عدا ذلك فهو يخطيء كغيره من البشر ويستدلون على ذلك بأن عمر صوّب رأيه في العديد من القضايا ))(3). فأقول:
1ـ ألا لعنة الله على المجرمين المارقين الذين يتخذون من عقولهم الكسيحة وقلوبهم الخسيسة مدخلا للطعن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم محتجين بأفعال صحابته رضوان الله عليهم وقد ذكرت في بداية كتابي أن طعن هذا الأفاك وإخوانه من الرافضة ما هو إلا غطاء للطعن في خير البرية صلوات الله وسلامه عليه وأي طعن أعظم من إتهام أقرب صحابته إليه بأنه لا يرى عصمته صلى الله عليه وآله وسلم _أليس هذا طعن صريح به بأبي هو وأمي.
__________
(1) صحيح مسلم مع الشرح ص (325 ، 326).
(2) صحيح مسلم ص (325).
(3) ثم اهتديت ص (166).(172/21)
2ـ روى البخاري في صحيحه عن الزهري: قال: أخْبَرني عليُّ بن حسين: أن حسين بن عليٍّ أخبره: أن عليَّ بن طالب أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طرقهُ وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلةً، فقال: ألا تُصلِّيان. فقُلت: يا رسول الله، أنْفُسنا بِيَدِ الله، فإذا شاءَ أن يَبعَثَنا بَعَثَنا، فانصرف حين قلنا ذلك ولَمْ يَرْجع إليّ شيئاً، ثمَّ سمعتُهُ وهو مولَّ يضربُ فخذهُ وهو يقول: وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلا ))(1). فهل من موقف علي هذا تجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي رفض طلبه وأغضبه نفهم بأنه يرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معصوم بتبليغ القرآن فقط، وما عدا ذلك فهو يخطئ ويصيب كغيره من البشر، لذلك لم يُعر طلبه اهتماماً؟! فما هو جواب التيجاني الوبي؟!
3ـ التيجاني يدّعي أن علماء أهل السنة يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معصوم بتبليغ القرآن وفقط، وما عدا ذلك فلا عصمة له وأنا لا أريد من التيجاني إلا أن يأتي ولو بمصدر واحد لأهل السنة يقولون به مثل هذا القول المكذوب، وأنّا له ذلك، والمضحك هنا أن التيجاني لم ينتبه إلى أن أهل السنة لم يُسمَّوا بأهل السنة إلا لأنهم المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المقتفون لها فهنيئاً لهم!.
ثم يقول (( وإذا كان رسول الله (ص) ـ كما يروي البعض من الجهلة ـ يقبل مزمارة الشيطان في بيته وهو مستلق على ظهره والنسوة يضربن الدفوف والشيطان يلعب ويمرح إلى جانبه حتى إذا دخل عمر بن الخطاب هرب الشيطان وأسرع النسوة فخبأن الدفوف تحت أستهن وقال رسول الله لعمر ما رآك الشيطان سالكاً فجاً حتى سلك فجاً غير فجك. فلا غرابة إذا أن يكون لعمر بن الخطاب رأي في الدين ويسمح لنفسه لمعارضة النبي في الأمور السياسية وحتى في الأمور الدينية كما تقدم في تبشير المؤمنين بالجنة ))(2)
__________
(1) صحيح البخاري أبواب التهجد برقم (1075).
(2) ثم اهتديت ص (166).(172/22)
1ـ أقول لهذا التيجاني لا يوجد حديث في أيٍّ من كتب السنة بهذا اللفظ، والحمد لله أن كتب الحديث السنية موجودة وتملأ الأسواق ـ بخلاف كتب الرافضة المدفونة ـ فعلى طالب الحق أن يبحث عن هذه الرواية المكذوبة حتى إذا لم يجد شيئاً يعلم أنه سيجدها مروية في الصحيح المسند للمهتدي التيجاني!!
2ـ لا شك أن هذا التيجاني يشير إلى بعض الأحاديث الصحيحة التي يعرفها، ولكن عقدة الإنصاف أبت عليه إلا أن يتلاعب بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويخلط ما يريده منها ليُخرج لنا كذباً يعزوه لأهل السنة_!؟ وسأسوق روايتين أعتقد أن التيجاني حاول خلطهما فأخرج ما يسميه رواية لأهل السنة الحديث الأول: رواه البخاري في صحيحه (( عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار، تُغَنِّيان بما تَقَاولت الأنصار يوم بُعاثَ، قالت: وليْستا بِمُغنِّيتين، فقال أبو بكرٍ: أمَزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في يوم عيدٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا أبا بكرٍ إن لكلِّ قومٍ عيداً، وهذا عيدُنا ))(1). والحديث الآخر أخرجه الترمذي في سننه عن بريدة: قال: (( خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جائت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردّك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدُّفّ وأتغنّى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا، فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عليّ وهي تضرب، ثم دخل عثمان هي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت إستها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالساً وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل عليّ وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب،
__________
(1) صحيح البخاري كتاب العيدين ـ باب ـ سنة العيدين لأهل الإسلام برقم (909).(172/23)
فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف ))(1)، وهذان الحديثان لا يوجد ما يقدح بهما فهما حديثان صحيحان، والجاريتان اللتان ذكرتا في الحديث الأول هما فتاتان لم تبلغا الحلم، وكانتا تغنّيان في يوم عيد وبالطبع ليس كالغناء المعروف الذي يحرّك الساكن ويبعث الكامن ويثير الغريزة من الغناء المحرّم، وهذا ظاهر بقول عائشة ( وليستا بمغنّيتين ) وأما انتهار أبو بكر لهما وإضافة الضرب بالدف لمزمار الشيطان فلأنها تلهي وتشغل القلب عن الذكر، ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال له: دعهما وعلل ذلك بقوله ( إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا ) والحديث الآخر فيه أن جارية سوداء قالت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنها نذرت إن رجع سالماً أن تضرب بالدف فقال لها ( إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا ) فأباح لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تضرب لايفاء النذر وإلا فلا..... ثم بعد ذلك دخل أبو بكر ثم عليّ ثم عثمان وعندما دخل عمر ألقت الجارية بالدف ثم قعدت عليه فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مقولته التي أثقلت التيجاني ( إن الشيطان ليخاف منك ياعمر ) فهل بعد هذا المدح من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمر من مديح.
ثم يقول التيجاني (( وزاد عمر في الطين بلة عندما ولي أمور المسلمين فأحل ما حرّم الله ورسوله وحرّم ما أحل الله ورسوله ))ثم يشير بالهامش بقوله (( كقضية إمضائه الطلاق الثلاث وكتحريمه متعة الحج ومتعة النساء ))(2)، فأقول:
1ـ بالنسبة لادعاء التيجاني أن عمر حرّم متعة الحج ومتعة النساء فقد أجبت عن ذلك وافياً فيما مضى(3) بما يغني عن الاعادة هنا.
__________
(1) سنن الترمذي ـ باب ـ مناقب عمر بن الخطاب برقم (3690) وانظر صحيح الترمذي برقم (2913).
(2) ثم اهتديت ص (167).
(3) راجع الكتاب ص (303).(172/24)
2ـ وبالنسبة لامضائه الطلاق الثلاث فعن ابن عباس قال (( كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم ))(1)، هذا الحديث يبين أن الرجل إذا طلّق امرأته ثلاثاً تقع طلقة واحدة، وظل الأمر على ذلك حتى جاءت خلافة عمر وفي السنتين الأولتين أبقى عمر الطلقة الواحد البائنة، ولكن عندما رأى تهاون الناس في التطليق وعبثهم فيه أراد أن يشدد عليهم في ذلك تأديباً وردعاً لهم فأوقع الطلاق ثلاثاً وهذا من اجتهاده وفقهه رضي الله عنه وقد وافقه الصحابة في زمانه على ذلك ـ ولا شك أن علياً واحداً منهم ـ وليس ذلك تحليلاً لما حرم الله ورسوله فإنه لم ينسخ الحكم إنما جعله مرتبطاً بالعلة وهو أعلم بمراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك إضافةً إلى أنه الامام المسؤول عن رعيته أمام الله عز وجل، فيجب عليه أن يسوسهم ويرشدهم لما يصلحهم وأن يردهم للصواب إن تقاعسوا عن المطلوب أو قصّروا في الحقوق، وأن يعمل على ما يصلحهم وينفعهم، وعمر قد ثبت أنه من أفاضل الصحابة وأعلمهم بالدين، واجتهاده هذا اجتهاد سائغ، وعلى فرض أنه أخطأ فهذا من الخطأ الذي يرفع الله به المؤاخذة، وقد اعترف بفضله وعلمه خيار الصحابة، فقد روى الشعبي عن عليّ قال (( ما كنّا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ))(2) وقال ابن مسعود (( كان عمر أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله وأعرفنا بالله، والله لهو أبين من طريق الساعين، يعني أن هذا أمر بيّن يعرفه الناس ))(3) وقال أيضاً (( لو أن
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي كتاب الطلاق برقم (1472).
(2) فضائل الصحابة لأحمد جـ1 ص (249) رقم (310) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(3) مجمع الزوائد للهيثمي جـ9 ص (72 ،82) وقال : رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح.(172/25)
علم عمر وُضع في كفّة ميزان ووضع علم أهل الأرض في كفّة لرجح عليهم ـ وقال إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر ))(1) وقال مجاهد (( إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به ))(2) وقال أبو عثمان النهدي (( إنما كان عمر ميزاناً لا يقول كذا ولا يقول كذا ))(3) ولكن لعل التيجاني لن يقتنع بهذا الكلام، فسأضطر لكي أنقل من كتب الرافضة الاثني عشرية والمعتمدة لديهم رأي أهل البيت في عمر، يقول وصي القوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه واصفاً زمن حكم عمر بقوله (( لله بلاء فلان(4) فقد قوّم الأوَد وداوى العمَد، خلّف الفتنة وأقام السنّة، ذهب نقيَّ الثوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرّها، أدّى إلى الله طاعته، واتقاه بحقّه، رحل وتركهم في طرقٍ متشعّبة، لا يهتدي فيها الضاّل ولا يستيقن المهتدي ))(5)وقال عنه أيضاً (( ووليهم والٍ فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرّانه ))(6)وفي كتاب ( الغارات ) لإمام القوم ابراهيم الثقفي يذكر أن علياً وصف ولاية عمر بقوله (( ... وتولى عمر الأمر وكان مرضيّ السيرة، ميمون النقيبة ))(7)، وعندما شاوره عمر في الخروج إلى غزو الروم قال له (( إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتَلْقَهُم بشخصك فتُنكب، لا تكن للمسلمين كانفة(8) دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه،
__________
(1) مجمع الزوائد جـ9 ص (72) وقال الهيثمي (رواه الطبراني بأسانيد ورجال ، وهذا رجال الصحيح ، غير أسد بن موسى ، وهو ثقة ).
(2) الفضائل لأحمد برقم (342) جـ1 ص (264) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(3) الفضائل لأحمد رقم (332) جـ1 ص (259) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(4) في هامش كتاب النهج ( هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه )!!.
(5) نهج البلاغة جـ2 ص (509) ط. مكتبة الألفين.
(6) نهج البلاغة جـ4 ص (794).
(7) الغارات للثقفي جـ1 ص (307) (رسالة علي (ع) إلى أصحابه).
(8) كانفة: عاصمة يلجأون إليها.(172/26)
فابعث إليهم رجلاً محْرَباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهرك الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأُخرى كنت ردءاً(1) للناس ومثابة للمسلمين ))(2) ويقول أمامهم الآخر محمد آل كاشف الغطاء في كتابه ( أصل الشيعة وأصولها )الذي ادعى التيجاني أنه تمتع بقراءته! (( وحين رأى ( أي عليّ بن أبي طالب ) ـ أن الخليفتين ـ أعني الخليفة الأول والثاني ( أي أبو بكر وعمر! ) بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجنود وتوسيع الفتوح ولم يستأثرا ولم يستبدا ( انظر؟! ) بايع وسالم ))(3) لذلك زوّج علي ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب(4)، وليس ذلك وفقط بل وسمى أحد أولاده باسم عمر باعتراف الأربلي(5) تدليلاً على حبه وتقديره للخليفة عمر بن الخطاب فهل بعد ذلك يشك أحد بأنّ الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه؟!
سادساً: الرد على التيجاني بادعائه أن عمر يشهد على نفسه:
__________
(1) الردء: الملجأ.
(2) نهج البلاغة ص (296 ـ 297).
(3) أصل الشيعة وأصولها ص (124).
(4) أنظر الفروع من الكافي كتاب النكاح ـ باب ـ تزويج أم كلثوم جـ5 ص (346).
(5) كشف الغمة للأربلي جـ2 ص (68).(172/27)
يقول التيجاني (( أخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب: لمّا طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عبّاس وكأنه يجزعه: يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنّهم وهم عنك راضون، قال: أمّا ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإنما ذاك من منّ الله تعالى منّ به عليّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من منّ الله جلّ ذكره منّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه. وقد سجل التاريخ له أيضاً قوله: ليتني كنت كبش أهلي يسمّنونني ما بدى لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء ويعطوني قديداً ثم أكلوني وأخرجوني عذرة ولم أكن بشراً ))(1)، قلت:
__________
(1) ثم اهتديت ص (111).(172/28)
لا شك أن قول عمر عند وفاته إن دل فإنما يدل عن شديد خوفه من الله سبحانه وتعالى وهذا يدل على مدى قوة إيمانه بربه جل وعلا فعن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (( قال الله عز وجل: وعزتي لا أجمع لعبدي أمنين وخوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي ))(1)، إضافة إلى أن الحديث يثبت الصحبة لعمر، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفِّي وهو عنه راضٍ، فخوفه من الله إنما يدل على شدة تقواه رضي الله عنه إضافة إلى أن قاتله ليس رجلاً من المسلمين، وإنما هو مجوسي فارسي كافر وهذه مكرمة له، وأخرج مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (( خيار أئمَّتكم الذين تُحبّونهم ويحبّونكم، ويصلّون عليكم وتُصلّون عليهم، وشرارُ أئمّتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ))(2) وعمر كان عادلاً تحبه رعيته وتترضى عنه فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عمرو بن ميمون في جزء منه (( فاحتُمل إلى بيته، فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصِبهم مصيبة قبل يومئذٍ، فقائل يقول: لا بأسَ، وقائل يقول: أخافُ عليه، فأُتي بنبيذٍ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أُتي بلبن فشربه، فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه وجاء الناس، فجَعلوا يثْنون عليه، وجاء رجل شابٌّ فقال: أَبشر يا أمير المؤمنين بِبشرى الله لكَ، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقَدِم في الإسلام ما قد علِمتَ، ثمّ وَلِيتَ فعَدَلْتَ، ))(3)، وهذا علي أيضا أثنى على عمر بعد وفاته فعن ابن أبي مليكة (( أنه سمع ابن عباس يقول: وُضع عمر على سريره، فتكفَّنهُ الناس يدْعون ويصلُّون قبل أن
__________
(1) سبق الحديث ص (148).
(2) صحيح مسلم مع الشرح كتاب الإمارة ـ باب ـ خيار الأئمة وشرارهم برقم (1855).
(3) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ قصة البيعة برقم (3497).(172/29)
يُرفع، وأنا فيهم، فلم يَرُعني إلا رجلٌ آخذٌ منكبي، فّإذا علي بن أبي طالب، فترحَّم على عمر وقال: ما خلَّفت أحداً أحبَّ إليَّ أن ألقى الله بمثْلِ عملِهِ منك، وايْمُ الله إن كنت لأظُنُّ أن يجعلكَ الله مع صاحبيك، وحسبت: إني كنت كثيراً أسمعُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر ))(1)، وبالنسبة لباقي الشبهات التي أوردها التيجاني في هذا المبحث فقد أجبت عليها إجابات وافية في مبحث ( شهادة أبي بكر على نفسه )(2) فلتراجع.
سابعاً ـ موقفه من عمر بن الخطاب في مبحث محاورة مع عالم والرد عليه في ذلك:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ مناقب عمر برقم (3482).
(2) راجع ص (142).(172/30)
يقول التيجاني (( ثم فتحت صحيح البخاري وفيه دخل عمر بن الخطاب على حفصة وعندها أسماء بنت عميس فقال ـ حين رآها ـ من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه. قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم. فغضبت وقالت كلا والله، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنّا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله وأيّم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر رسول الله (ص) ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك للنبي اسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلما جاء النبي (ص) قالت: يا نبي الله، عمر قال كذا وكذا. قال: فما قلت له، قالت: كذا وكذا. قال: ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث ما من الدنيا هم به أفرح ولا أعظم ما في أنفسهم مما قال لهم النبي (ص) ـ ثم يقول ـ فقلت: إذا كان رسول الله (ص) هو أول من شك في أبي بكر ولم يشهد عليه لأنه لا يدري ماذا سوف يحدث من بعده، وإذا كان رسول الله (ص) لم يقر بتفضيل عمر بن الخطاب على أسماء بنت عميس بل فضّلها عليه، فمن حقي أن أشك وأن لا أفضّل أحداً حتى أتبين وأعرف الحقيقة ومن المعلوم أن هذين الحديثين يناقضان كل الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها، لأنهما أقرب للواقع المعقول من أحاديث الفضائل المزعومة ))(1)، أقول:
1ـ والله لست أدري كيف يفهم هذا التيجاني وكيف يكتب، بحيث يجعل هذا الحديث يمثّل مطعناً لعمر؟!.. كل ما في الأمر أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فضّل أهل السفينة ـ وهم الذين هاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة ـ على أصحاب الهجرة الواحدة من صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولكن تفضيلهم هذا ليس على الاطلاق بل من هذا الجانب فقط.
__________
(1) ثم اهتديت ص (129).(172/31)
2ـ أما قوله ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقر بتفضيل عمر بن الخطاب على أسماء بنت عميس بل فضّلها عليه ) جهلٌ مركّب لأن الرسول عندما أجاب أسماء قال ( ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ) فقد جمعه مع أصحابه الذين هاجروا هجرة واحدة ولم يعنيه وحده، وعلى ذلك فأسماء خير من أصحاب الهجرة الأولى حسب الفهم المهترئ لهذا التيجاني، ولا شك أن هذا التفضيل سيطال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه من أصحاب الهجرة الأولى! ولكن الفهم الصحيح هو الذي أثبتناه من أن هذا التفضيل ليس على إطلاقه بل من هذه الحيثية فقط.
3ـ أما قوله ( من المعلوم أن هذا الحديث يناقض كل الأحاديث الواردة في فضل عمر ويبطلها ) فأقول: بالطبع معلوم، وكيف لايكون معلوماً أن جميع الأحاديث الواردة في فضل عمر باطلة وقد خرّجها التيجاني في معمله للتحليل الحديثي!!؟(172/32)
ثم يقول (( فالشيعة ليس كما يدّعي بعض علمائنا، بأنهم الفرس والمجوس الذين حطّم عمر كبرياءهم ومجدهم وعظمتهم في حرب القادسية ولذلك يبغضونه ويكرهونه! وأجبت هؤلاء الجاهلين بأنّ التشيع لأهل البيت النبوي لا يختص بالفرس بل الشيعة في العراق وفي الحجاز وفي سوريا ولبنان وكل هؤلاء عرب كما يوجد الشيعة في الباكستان والهند وفي أفريقيا وأمريكيا وكل هؤلاء ليسوا من العرب ولا من الفرس. ولو اقتصرنا على شيعة إيران فإن الحجة تكون أبلغ إذ أنني وجدت الفرس يقولون بإمامة الأئمة الأثنى عشر وكلهم من العرب من قريش من بني هاشم عترة النبي، فلو كان الفرس متعصّبين ويكرهون العرب كما يدعي البعض لأتخذوا سلمان الفارسي إماماً لهم لأنه منهم وهو صحابي جليل عرف قدره كل من الشيعة والسنة على حدّ سواء. بينما وجدت أهل السنة والجماعة ينقطعون في الإمامة إلى الفرس فأغلب أئمتهم من الفرس كأبي حنيفة والإمام النسائي والترمذي والبخاري ومسلم وابن ماجة والرازي والإمام الغزالي وابن سينا والفرابي وغيرهم كثيرون يضيق بهم المقام فإذا كان الشيعة من الفرس يرفضون عمر بن الخطاب لأنه حطّم كبرياؤهم وعظمتهم فبماذا نفسر رفض الشيعة له من العرب وغير الفرس فهذه دعوى لا تقوم على دليل، وإنما رفض هؤلاء عمر للدور الذي قام به في إبعاد أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عن الخلافة بعد رسول الله (ص) وما سبّب ذلك من فتن وقلاقل وانحلال لهذه الأمة ويكفي أن يزاح الحجاب عن أي باحث حر (!) وتكشف له الحقيقة حتى يرفضه بدون عداوة سابقة ))(1)، أقول رداً عليه:
__________
(1) ثم اهتديت ص (131 ـ 132).(172/33)
1ـ أول ظهور الرفض كان على يد اليهودي عبد الله بن سبأ فهو الذي ابتدع إمامة علي بن أبي طالب بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا الأمر يعترف به الرافضة الاثني عشرية ولا يستطيعون إنكاره لذلك يقول إمامهم المتكلم الحسن بن موسى النوبختي في كتابه الحجة عند الإمامية ( فرق الشيعة ) (( وحكى جماعة من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البرآءة من أعدائه وكاشَفَ مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ))(1) وبما أن عمر بن الخطاب كسر بجيوشه شأفة الفرس وأزال مملكتهم فنقموا عليه فتمالئوا فيما بينهم للكيد للإسلام وأهله فكانت أسلم طريقة لذلك في تلك الفترة وهي فترة ضعف لهم، هو التمسك بشيء مقدس لدي المسلمين فلم يجدوا إلا فكرة عبد الله بن سبأ اليهودي التي تتخذ من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مدخلاً للطعن في دين الله عز وجل فتمسّكوا بها واتخذوها ستاراً لبث ضلالهم العريض في أوساط المسلمين فهذا هو مبتدأ نشأة الرفض باعترافهم أنفسهم.
__________
(1) فرق الشيعة ص (22).(172/34)
2ـ أما ادعاؤه أن نشأة التشيع ليس في الفرس وحدهم، إنما يوجد في العرب وغير العرب فليس هذا مما يغيّر من الحق شيئاً، لأن القضية التي يجب أن تبحث هي في أصل الرفض والتشيع، وقد أثبتُّ أن الأصل هم الفرس، أما أن يسري هذا الداء إلى العرب وغيرهم فهذا شيء سنني في الكون ولا توجد دعوة في الأرض إلا وتجمّع حولها جمع من المؤمنين بفكرتها، فلا يعتبر ذلك دليلاً على الحق، ألا ترى أن الفكرة الشيوعية في فترة سطوتها قد تأثر بها ـ بالاضافة لأصحابها ـ الكثير من العرب والفرس أيضاً فهل هذا يغني من الباطل شيئاً؟! فإذا كانت فكرة إنكار وجود الله قد آمن بها بعض العرب بل وقامت على أرضهم دولاً تؤمن بهذه الفكرة فالأولى أن يتأثر الكثير من العرب بفكرة الرفض خصوصاً إذا كانت تتمسح بشعار موالاة أهل البيت والانتصار لهم! فليس في ذلك أي حجة للتيجاني على صحة دين الرافضة.
3ـ أما أن العرب وغير العرب دون الفرس يبغضون عمر فهذا شيء طبيعي لأن أصل عقيدة الرفض هي الطعن في أبي بكر وعمر، فكل من آمن بهذه الفكرة لا بدّ أن يؤمن بتبعاتها، لذلك أردّ حب الكثير من الفرس لعمر بن الخطاب بالدرجة الأولى لإيمانهم بعقيدة الحق، عقيدة أهل السنة والجماعة، وهذا شيء طبيعي أيضاً فهذا هو الذي يفسر عداوة بعض العرب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
4ـ أما قوله أنه وجد أهل السنة والجماعة ينقطعون في الإمامة إلى الفرس فهذا جهل فاضح، فالصحيح أن يقال أن كل العلماء من العرب وغيرهم ينقطعون في الاعتقاد لمنهج أهل السنة والجماعة، لأن منهج أهل السنة لا يمثله عرب ولا فرس فهو ليس منهجاً طارئاً ومشوهاً مثل أهل الرفض الذي يمثّله أشخاصه، إنما هو منهجاً يمثل أصل الإسلام وجوهره باعتماده على كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وكل من ارتضى له هذا المنهج فهو من أهل السنة والجماعة سواءٌ كان عربياً أو غير عربي وليس العكس.(172/35)
5ـ أما قوله ( فلو كان الفرس متعصبين ويكرهون العرب كما يدعي البعض لاتخذوا سلمان الفارسي إماماً لهم لأنه منهم وهو صحابي جليل عرف قدره كل من الشيعة والسنة ) فأقول للتيجاني: إذا كنت بهذه السذاجة فلا أعتقد أن الرافضة الإمامية كذلك هنا، لأن سلمان وإن كان صحابياً جليلاً فهذه مكرمة يتمتّع بها جميع الصحابة بل حتى الكثير من الصحابة يسبقونه بالمنزلة والصحبة، إضافة إلى أنه فارسي الأصل، فلو اتخذته الشيعة الاثني عشرية إماماً من دون الصحابة فستنْفضح اللعبة وتحوم الشبهات، إذن فمن الحنكة والدهاء أن يتخذ الرافضة الاثني عشرية من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملاذاً لهم، وأما سلمان فقدَّروا أصله الفارسي وجعلوه من الصحابة المرضيين إتماماً للعبة واتقاناً للمخطط.
6ـ أنا لا أزعم أن كل من التوى تحت لواء الرافضة الإمامية يعرف ذلك بل على العكس فأكثر عوام الرافضة لا يعرفون هذه الحقيقة ويعتقدون أنهم على الحق والصراط المستقيم، والكثير من هؤلاء إذا ظهر لهم الحق يؤوبون إليه ويتمسّكون به، وبالفعل فقد رأينا الكثير منهم يرجعون إلى منهج أهل السنة والجماعة، بل ويصبحون من أنشط الدعاة إليه، بل وحتى العلماء منهم فقد رجعوا إلى الجادة وأنابوا للحق بعدما تكشف لهم ضلال ما هم عليه، من أمثال الدكتور موسى الموسوي وأحمد الكسروي(1) فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يهدي عوام الشيعة إلى الحق ويقيهم ضلالات الضّالين المضلين من أقوامهم آمين.
ثامناً ـ الرد على التيجاني في موقفه من عمر في أمر الخلافة:
__________
(1) راجع ص (151). من الكتاب.(172/36)
يقول التيجاني (( وكانت خلافة عثمان مهزلة تاريخية، وذلك أن عمر رشّح ستةً للخلافة وألزمهم أن يختاروا من بينهم واحداً وقال إذا اتفق أربعة وخالف إثنان فاقتلوهما وإذا انقسم الستة إلى فريقين ثلاثة في كل جهة فخذوا برأي الثلاثة الذين يقف معهم عبد الرحمن بن عوف. وإذا مضى وقت ولم يتّفق الستة فاقتلوهم، والقصة طويلة وعجيبة، والمهم أن عبد الرحمن بن عوف اختار علياً واشترط عليه أن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين أبي بكر وعمر فرفض عليّ هذا الشرط، وقَبِله عثمان فكان هو الخليفة، وخرج عليّ من البيعة وهو يعلم مسبقاً النتيجة وتحدث عن ذلك في خطبته المعروفة بالشقشقية ))(1)، أقول:
1ـ ما أكذب هذا التيجاني وما أشد تحامله فلماذا لم يشر إلى المصدر الذي يستقي منه كذبه؟! أليس لأنه أقل من أن ينظر إليه لتهافته وكذب رواته ولكن ماذا نقول لهؤلاء البشر فهم (( لفرط جهلهم وهواهم يقلبون الحقائق في المنقول والمعقول، فيأتون إلى الأمور التي وقعت وعُلم أنها وقعت، فيقولون: ما وقعت، وإلى أمور ما كانت ويُعلم أنها ما كانت، فيقولون: كانت، ويأتون إلى الأمور التي هي خير وصلاح، فيقولون: هي فساد، وإلى الأمور التي هي فساد، فيقولون: هي خير وصلاح، فليس لهم لا عقل ولا نقل، بل لهم نصيب من قوله { وقالوا لو كنّا نسمعُ أو نعقلُ ما كنّا في أصحاب السّعير } ))(2).
__________
(1) ثم اهتديت ص (144 ـ 145).
(2) منهاج السنة جـ6 ص (121).(172/37)
2ـ الحق الثابت في هذه القضية هو فيما أخرجه البخاري في صحيحه في الحديث الطويل عن عمرو بن ميمون في جزء منه ((... أوصِ يا أمير المؤمنين استخلِف، قال: ما أجدُ أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر، أو الرهط، الذين تُوفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض، فسمَّي علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن، وقال: يشهدُكُم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ ـ كهيئةِ التعْزِية ـ فإن أصابت الإمْرَة سعداً فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيُّكم ما أُمّر، فإني لم أعزلْه عن عجزِ ولا خيانَة. وقال: أُوصي الخليفة من بعدي، بالمهاجرين الأولين، أن يعرف لهم حقّهم ويحفظ لهم حُرمتهُم، وأوصيه بالأنصار خيراً، الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم أن يُقبل من مُحسنهم، وأن يُعفى عن مسيئهم، وأُوصيه بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردْءُ الإسلام. وجُباة المال وغيظُ العدوِّ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلُهُم عن رضاهمُْ، وأوصيه بالأعراب خيراً، فإنهم أصلُ العربِ ومادةُ الإسلام أن يُؤخذَ من حواشيِ أموالِهم ويُردَّ على فُقرائهم، أُوصيه بذمَّة الله تعالى، وذمَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهِم، ولا يُكلَّفوا إلا طاقَتَهم ))(1) فعمر كما ترى جعل الأمر في هؤلاء الستة، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راضٍ، أما أنه أمر بقتلهم أو قتل بعضهم فهذا أولى به أن يلحق في قصص ألف ليلة وليلة!؟
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة برقم (3497).(172/38)
3ـ ولو فرضنا أن عمر أمر بقتلهم، فلا شك أن أمره هذا هو منع للفتن والافساد، فأتساءل هل الأمر بقتلهم يمنع الفتن أم يشعلها؟! وهل قتل الستة من خيار الأمة سيمر دون سلام؟! وهل سيقبل به المسلمون؟! ثم لو أمر عمر بالقتل كما يدعي التيجاني، لأَمَرَ بأن يتولّى الأمر أحد من الناس فهل أمر بذلك عمر؟! ومن هنا نعلم أنه لا يحتج بذلك ويصدقه ويكتبه إلا أشدّ الناس غباءً!!
4ـ أما قوله أن عمر قال ( فخذوا برأي الثلاثة الذين يقف معهم عبد الرحمن بن عوف ) فهذا من الكذب أيضاً على عمر، فإنه جعل الأمر في هؤلاء الستة ليختاروا منهم واحداً ولم يأمر بأخذ رأي من يقف معهم عبد الرحمن بن عوف، ولكن الصحيح أن الستة هم الذين اختاروا عبد الرحمن بن عوف ففي نفس الحديث الذي أخرجه البخاري يقول (( فلما فُرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلتُ أمري إلى عليّ، فقال طلحة: قد جعلتُ أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف. فقال عبد الرحمن: أيُّكُما تبرَّأ من هذا الأمر، فنجعله إليه والله عليه والإسلام، لَيَنظُرنَّ أفضلهم في نفسه؟ فأُسكتَ الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفَتَجعلوُنه إليَّ والله عليَّ أن لا آلو عن أفضلِكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابةٌ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمَّرتُك لتعدلنّ ولئن أمَّرت عثمان لتسمعنّ ولتُطيعنّ، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، فبايع له علي، وولج أهل الدّار فبايَعوه ))(1) وهنا تظهر براءة أمير المؤمنين عمر من جميع خزعبلات التيجاني والحمد لله رب العالمين.
الباب الثامن:
مبحث مطاعن التيجاني في الخليفة الثالث عثمان بن عفان والرد عليه في ذلك:
__________
(1) المصدر السابق.(172/39)
عثمان بن عفان ذو النورين، زوجتاه رقية وأم كلثوم، بنتا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعديل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وعنوان الجود والكرم، جهّز جيش العسرة، واشترى بئر رومة وجعله وقفاً للمسلمين، ولكنه لم يَسلم من هذا التيجاني الذي حاول أن يشوّه حقيقة التاريخ بالطعن في هذا الصحابي الجليل وهأنذا سوف أسرد شبهاته من كتابه مفنداً لها وذاباً عن حِبِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي بشره بالجنة فأقول وبالله التوفيق:
أولاًـ قال التيجاني تحت عنوان ( حديث التنافس على الدنيا ) أن عثمان ترك بعد وفاته مائة وخمسين ألف دينار عدا المواشي والأراضي والضياع مما لا يحصى، وقد رددت عليه وفنّدت قوله هذا في نفس العنوان السابق فليراجع(1)
ثانياًـ ادّعى التيجاني أن أول من غير سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة هو خليفة المسلمين عثمان وقد دفعت هذه الشبهة عنه بفضل الله ومنّه في غير هذا الموضع بما يشفي المفتون فليراجع(2).
ثالثاً ـ ادّعاء التيجاني بأن الصحابة أجمعوا على قتل عثمان والرد عليه في ذلك:
__________
(1) راجع ص (122).
(2) راجع ص (132).(172/40)
يقول هذا التيجاني (( وإذا ما سألت أحدهم كيف يقتل خليفة المسلمين سيدنا عثمان ذي النورين فسيجيبك بأن المصريين ـ وهم كفرة ـ جاؤوا وقتلوه وينهي الموضوع كله بجملتين، ولكن عندما وجدت الفرصة للبحث وقراءة التاريخ وجدت أن قتلة عثمان بالدرجة الأولى هم الصحابة أنفسهم وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادي بقتله وإباحة دمه على رؤوس الأشهاد فكانت تقول ( اقتلوا نعثلاً فقد كفر ). كذلك نجد طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وغيرهم من مشاهير الصحابة وقد حاصروه ومنعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقالة، ويحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثته في مقابر المسلمين فدفن في ( حش كوكب ) بدون غسل ولا كفن، سبحان الله، كيف يقال أنه قتل مظلوماً وأن الذين قتلوه ليسوا مسلمين، وهذه القضية هي الأخرى كقضية فاطمة وأبي بكر، فأمّا أن يكون عثمان مظلوماً وعند ذلك نحكم على الصحابة الذين قتلوه أو شاركوا قتله بأنهم قتلة مجرمون لأنهم قتلوا خليفة المسلمين ظلماً وعدواناً وتتبعوا جنازته يحصبونها بالحجارة وأهانوه حياً وميتاً أو أن هؤلاء الصحابة استباحوا قتل عثمان لما اقترفه من أفعال تتنافى مع الإسلام كما جاء ذلك في كتب التاريخ، وليس هناك احتمال وسط إلا إذا كذّبنا التاريخ وأخذنا بالتمويه ( بأن المصريين وهم كفرة هم الذين قتلوه ) (!!) وفي كلا الاحتمالين نفيٌ قاطع لمقولة عدالة الصحابة أجمعين دون استثناء فإمّا أن يكون عثمان غير عادل أو يكون قتلته غير عدول وكلّهم من الصحابة وبذلك نبطل دعوانا. وتبقى دعوى شيعة أهل البيت قائلين بعدالة البعض منهم دون الآخر ))(1)، أقول رداً على أكاذيبه:
__________
(1) ثم اهتديت ص (116 ـ 117).(172/41)
1ـ أمّا قوله أن قتلة عثمان بالدرجة الأولى هم الصحابة أنفسهم فهذا مما لا يشك عاقل في كذبه ورده فالصحابة رضوان الله عليهم لم يشاركوا في قتل عثمان، ولم يرضوا بذلك أصلاً، بل على العكس من ذلك فإنهم مانعوا عنه ووقفوا بجانبه ولكنه رضي الله عنه خشي الفتنة فمنعهم من الدفاع عنه ولأنه كان يعلم أنه سيقتل مظلوماً كما أعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ذكر الفتنة فقال (( يقتل فيها هذا مظلوماً )) يعني عثمان رضي الله عنه(1)، وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري في جزء منه (( ... ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة ثم قال: إئذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه، فإذا عثمان بن عفان ))(2) ، أقول لقد شارك خيار الصحابة في الدفاع عن عثمان وأعلنوا غضبهم لقتله فهذا علي يرفع يديه يدعوا على القتله فعن عبد الرحمن بن ليلى قال: رأيت علياً رافعاً حضينه يقول (( اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ))(3)، وعن عميرة بن سعد قال: (( كنا مع علي على شاطيء الفرات، فمرت سفينة مرفوع شراعها، فقال علي: يقول الله عز وجل { وله الجوار المنشآت في البحر كالاعلام } والذي أنشأها في بحر من بحاره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله ))(4)، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه (( أن علياًّ أرسل إلى عثمان: إنَّ معي خمسمائة ذراع، فأذن لي فأمنعك من القوم، فإنك تحدث شيئاً يستحلّ به دمك. قال ـ أي عثمان ـ جزيت خيراً، ما أحب أن يهراق دم في سببي ))(5)، وحتى أولاد علي وأولاد الصحابة
__________
(1) سنن الترمذي كتاب المناقب برقم (3708) وانظر صحيح الترمذي برقم (2924).
(2) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ مناقب عثمان بن عفان رقم (3492).
(3) فضائل الصحابة جـ1 ص (452) وقال المحقق: إسناده حسن.
(4) المصدر السابق جـ1 ص (458) وقال المحقق: إسناده حسن.
(5) تاريخ دمشق ص (403) وانظر تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة لمحمد آمحزون جـ1 ص (469).(172/42)
شاركوا في الدفاع عن عثمان فعن محمد بن سيرين قال (( انطلق الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان كلهم شاكي السلاح حتى دخلوا الدار، فقال عثمان: اعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم ))(1) وعن كنانة مولى صفية قال: (( شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم، محمولين، كانوا يدرأون عن عثمان رضي الله عنه، الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن حكم ))(2)، وعن سلمة بن عبد الرحمن أن أبا قتادة الأنصاري ورجلاً آخر معه من الأنصار دخلا على عثمان وهو محصور فاستأذن في الحج فأذن لهما ثم قالا مع من تكون إن ظهر هؤلاء القوم؟ قال عليكم بالجماعة قالا أرأيت إن أصابك هؤلاء القوم وكانت الجماعة فيهم قال: الزموا الجماعة حيث كانت قال فخرجنا من عنده فلما بلغنا باب الدار لقينا الحسن بن علي داخلاً فرجعنا على أثر الحسن لننظر ما يريد فلما دخل الحسن عليه قال يا أمير المؤمنين إنا طوع يدك فمرني بما شئت فقال له عثمان يا ابن أخي ارجع فاجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره فلا حاجة لي في هراقة الدماء ))(3)، وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الله بن الزبير قال (( قلت لعثمان يوم الدار: اخرج فقاتلهم، فإن معك من قد نصر الله بأقل منه، والله قتالهم لحلال، قال: فأبى ))(4)، وفي رواية أخرى لابن الزبير (( لقد أحل الله لك قتالهم، فقال عثمان: لا والله لا أقاتلهم أبداً ))(5)، و (( وقد لبس ابن
__________
(1) تاريخ خليفة الخياط ص (174) وانظر تحقيق مواقف الصحابة جـ1 ص (468).
(2) عصر الخلافة الراشدة لأكرم ضياء العمري ص (390) وقال: رواه ابن عبد البر في الاستيعاب باسناد حسن.
(3) الفضائل لأحمد جـ1 برقم (753) ص (464 ـ 465) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(4) مصنف أبي شيبة جـ8 كتاب الفتن ـ ما ذكر في عثمان ص (681 ـ 682).
(5) طبقات ابن سعد جـ3 ص (70) وقال مؤلف عصر الخلافة: إسناده صحيح ص (386).(172/43)
عمر درعه مرتين يوم الدار وتقلد سيفه حتى عزم عليه عثمان أن يخرج مخافة أن يقتل ))(1)، وروي الخياط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (( قلت لعثمان: اليوم طاب الضرب معك، قال: اعزم عليك لتخرجن ))(2)، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال (( جاء زيد بن ثابت إلى عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب، قالوا: إن شئت أن نكون أنصار الله مرتين، قال: أما قتال فلا ))(3)، وعن قيس بن أبي حازم ـ ثقة ـ قال (( سمعت سعيد بن زيد يقول: والله لو أن أحداً انقضّ فيما فعلتم في ابن عثمان كان محقوقاً أن ينقضّ ))(4)، وعن خالد بن الربيع العبسي قال (( سمعنا بوجع حذيفة، فركب إليه أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه في نفر أنا فيهم إلى المدائن، قال: ثم ذكر قتل عثمان، فقال: اللهم إني لم أشهد، ولم أقتل، ولم أرض ))(5) وعن جندب بن عبد الله ـ له صحبة ـ (( أنه لقي حذيفة فذكر له أمير المؤمنين عثمان فقال: أما أنهم سيقتلونه! قال: قلت فأين هو؟ قال: في الجنة، قلت فأين قاتلوه؟ قال: في النار ))(6)، وروى ابن كثير في البداية والنهاية عن أبي بكرة قال (( لأن أخرّ من السماء إلى الأرض أحبَّ إليَّ من أن أشرَك في قتل عثمان ))(7)، وعن ابن عثمان النهدي ـ ثقة ـ (( قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: إن قتل عثمان رضي الله عنه لو كان هدًى احتلبت به الأمة لبناً، ولكنه كان ضلالاً فاحتلبت به دماً ))(8)،
__________
(1) المصدر السابق وقال مؤلف عصر الخلافة: إسناده صحيح ص (386).
(2) تاريخ خليفة الخياط ص (174) انظر تحقيق مواقف الصحابة جـ1 ص (468) باسناد صحيح ( راجع عصر الخلافة ص 386).
(3) المصنف جـ8 كتاب الفتن ص (682) وحسن اسناده مؤلف عصر الخلافة ص (391).
(4) المصدر السابق جـ8 ص (682).
(5) المصدر السابق جـ8 ص (683).
(6) تاريخ دمشق ص (388) وانظر تحقيق مواقف الصحابة جـ2 ص (28).
(7) ابن كثير جـ7 ص (203).
(8) تاريخ دمشق ص (490) وانظر مواقف الصحابة جـ2 ص (32).(172/44)
وعن كلثوم بن عامر ـ تابعي ثقة ـ (( عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما سرّني أني رميت عثمان بسهم أصاب أم أخطأ وأن لي مثل أحد ذهباً ))(1)، وروى ابن شبة بإسناد إلى ريطة مولاة أسامة بن زيد قالت (( بعثني أسامة إلى عثمان يقول: فإن أحببت نقبنا لك الدار وخرجت حتى تلحق بمأمنك يقاتل من أطاعك من عصاك ))(2)، وأخرج البخاري عن حارثة بن النعمان ــ شهد بدراً ــ قال لعثمان وهو محصور (( إن شئت أن نقاتل دونك ))(3)، وأخرج أحمد في فضائل الصحابة عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال (( لا تقتلوا عثمان فإنكم إن فعلتم لم تصلُّوا جميعاً أبداً ))(4) وروى ابن عساكر في تاريخه أن سمرة بن الجندب قال (( إن الإسلام كان في حصن حصين، وإنهم ثلموا في الإسلام ثلمة بقتلهم عثمان، وأنهم شرطوا شرطة، وإنهم لن يسدّوا ثلمتهم إلى يوم القيامة، وإن أهل المدينة كانت فيهم الخلافة فأخرجوها ولم تعد فيهم ))(5) وعن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر قال (( لقيت ابن عباس وكان خليفة عثمان على موسم الحج ـ عام قتل ـ فأخبرته بقتله، فعظّم أمره وقال: والله إنه لمن الذين يأمرون بالقسط، فتمَنّيتُ أن أكون قتلت يومئذ ))(6) وبعد هذا السرد لموقف الصحابة العظيم من مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه نعلم جيداً أنهم لم يشاركوا ولم يرضوا بقتل هذا الصحابي الجليل، ونعلم أيضاً الأمانة التي يتمتع بها هذا التيجاني المفتري عندما ادعى أنه درس التاريخ واكتشف أن قتلة عثمان هم الصحابة الكرام في الدرجة
__________
(1) مجمع الزوائد للهيثمي جـ9 ص (93).
(2) تاريخ المدينة المنورة لابن شبة جـ3 ص (1211) وانظر مواقف الصحابة جـ2 ص (34).
(3) التاريخ الصغير للبخاري جـ1 ص (76) وانظر مواقف الصحابة جـ2 ص (34).
(4) الفضائل لأحمد جـ1 ص (474) وقال المحقق: اسناده صحيح.
(5) تاريخ دمشق ص (212) وانظر مواقف الصحابة جـ2 ص (37).
(6) عصر الخلافة الراشدة ص (397) وقال المحقق: اسناده صحيح.(172/45)
الأولى، هكذا! فأقول ألا لعنة الله على الكاذبين، وحتى لا يكون لهذا الدعي أي حجة أسوق بعض روايات الشيعة التي تثبت دفاع الصحابة عن عثمان في مقدمتهم علي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما حيث يقول المسعودي الشيعي(1) في كتابه مروج الذهب ((... فلما بلغ علياً أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين مع مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته، وأمرهم أن يمنعوه منهم، وبعث الزبير ابنه عبد الله، وبعث طلحة ابنه محمداً، وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بمن ذكرنا، فصدّوهم عن الدار ))(2) ويقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (( ... وقام بالكوفة نفر يحرضون الناس على نصر عثمان وأعانه أهل المدينة منهم عقبة بن عمر وعبد بن أبي أوفى وحنظلة الكاتب، وكل هؤلاء من الصحابة، ومن التابعين مسروق والأسود وشريح وغيرهم، وقام بالبصرة عمران بن حصين وأنس بن مالك وغيرهما من الصحابة، ومن التابعين كعب بن شور وهرم بن حيان وغيرهما، وقام بالشام ومصر جماعة من الصحابة والتابعين، وخرج عثمان يوم الجمعة فصلّى بالناس وقام على المنبر فقال: يا هؤلاء الله الله، فوالله إن أهل المدينة يعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم فامحوا الخطأ بالصواب، فقام محمد بن سلمة الأنصاري، فقال نعم أنا أعلم ذلك فاقعده حكيم بن جبلة، وقام زيد بن ثابت فاقعده قتيرة بن وهب، وثار القوم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشياً عليه، فادخل داره واستقل نفر من أهل المدينة مع عثمان منهم سعد بن أبي وقاص، والحسن بن عليّ عليه السلام! وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، فأرسل إليهم عثمان عزمت عليكم أن تنصرفوا فانصرفوا ))(3)
__________
(1) راجع الكتاب ص (127).
(2) مروج الذهب للمسعودي جـ2 ص (344 ـ 345).
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد جـ1 ص (162) تحت عنوان ( في خروج أهل مصر والكوفة والبصرة على عثمان ).(172/46)
2ـ أما الذين خرجوا على عثمان وتآلبوا عليه وقتلوه فهم على قسمين، أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي الذي حاول إضلال الناس، فتنقّل في الحجاز والبصرة والكوفة ثم الشام فطرد منها، ثم أتى مصر فأقام بها ووضع لهم الرُجعة، وادعى أن الوصي بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو عليّ، فافتتن به بشر كثير من أهل مصر، ثم بث دعاته وكاتب من استُفْسِدَ من الأمصار وكاتبوه واتفقوا بالسر على ما أرادوا وهم القسم الثاني من الذين تمالئوا على عثمان وهم الأعراب وأوباش العرب وأُصُولُهم من أهل الردة في زمن أبي بكر، وهاهو عليّ يقول لطلحة والزبير عندما اشترطا إقامة الحدود في قاتلي عثمان (( يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم... ))(1) وهذا ما يقرّه إمام الإمامية الاثني عشرية النوبختي حيث يقول ((وارتد قوم فرجعوا عن الإسلام ودعت بنو حنيفة إلى نبوّة مسيلمة وقد كان ادعى النبوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبعث أبو بكر إليهم الخيول عليها خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي فقاتلهم وقتل مسيلمة وقتل من قتل ورجع من رجع منهم إلى أبي بكر فسموا أهل الردة ولم يزل هؤلاء جميعاً على أمر واحد حتى نقموا على عثمان أموراً أحدثها وصاروا بين خاذل وقاتل إلا خاصة أهل بيته وقليلاً من غيرهم حتى قتل ))(2) وكان الذي يتزعم الحملة على عثمان هم الذين جاؤو من مصر ويترأسهم الغافقي بن حرب العكبي الذين عُرفوا بالمصريين، ولكن التيجاني ينكر ذلك لأنه كما يدعي قرأ التاريخ! ولكن كتب التاريخ وغيرها، تجمع على أن قتلة عثمان هم المصريّون، راجع تاريخ الطبري(3) ، وابن الأثير(4)، والتمهيد والبيان(5)
__________
(1) تاريخ الطبري جـ2 ص (702) سنة 35 هـ
(2) فرق الشيعة للنوبختي ص (4).
(3) تاريخ الطبري جـ3 ص (36).
(4) ابن الأثير تحت سنة 35 هـ جـ3 ص (46).
(5) التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان لمحمد بن يحيى المالقاني ص (109 ـ 118) تحت ( ذكر حصار عثمان ).(172/47)
، ومروج الذهب(1)، والبداية والنهاية(2)، وطبقات ابن سعد(3)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(4)، والاستيعاب لابن عبد البر(5)، والتاريخ الاسلامي(6)، والفتوح لابن الأعثم(7) . وبعد ذلك أتساءل والقرّاء أي تاريخ قرأ التيجاني؟ أعتقد أنه قرأ حقاً التاريخ ولكن ليس أي تاريخ، إنه تاريخ الحمقى والمغفّلين!!
3ـ ثم يدعي أنّ في مقدمة قتلة عثمان أم المؤمنين عائشة ( وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادي بقتله واباحة دمه على رؤوس الأشهاد فكانت تقول ( اقتلوا نعثلاً فقد كفر ) ثم يعزو هذا القول بالهامش: إلى الطبري وابن الأثير والعقد الفريد ولسان العرب وتاج العروس، فأقول:
__________
(1) مروج الذهب للمسعودي الشيعي جـ2 خلافة عثمان بن عفان ص (343).
(2) البداية والنهاية تحت ( دخلت ستة وثلاثين ففيها مقتل عثمان ) جـ7 ص (177).
(3) الطبقات تحت ( ذكر المصريين وحصر عثمان رضي الله عنه ) جـ3 ص (64).
(4) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد تحت ( في خروج أهل مصر والكوفة والبصرة على عثمان ) إلى ( منع عثمان الماء وكيفية قتله ) جـ1 ص (162 ـ 167). دار الفكر ـ بيروت.
(5) الاستيعاب ـ ذكر عثمان بن عفان جـ3 ص (1037 ـ 1053).
(6) التاريخ الاسلامي لمحمود شاكر جـ3 الباب الثالث عثمان بن عفان.
(7) الفتوح جـ1 ص (44) تحت ( ذكر وصول المصريين إلى المدينة ).(172/48)
أـ هذه الرواية التي تزعم أن عائشة قالت ذلك مدارُها على نصر بن مزاحم قال فيه العقيلي (( كان يذهب إلى التشيع وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير ))(1)، وقال الذهبي (( رافضي جلد، تركوه وقال أبو خيثمة: كان كذاباً، وقال أبو حاتم: واهي الحديث، متروك، وقال الدارقطني: ضعيف ))(2)، (( وقال الجوزجاني: كان نصر زائفاً عن الحق مائلاً، وقال صالح بن محمد: نصر بن مزاحم روى عن الضعفاء أحاديث مناكير، وقال الحافظ أبي الفتح محمد بن الحسين: نصر بن مزاحم غال في مذهبه ))(3)، وعلى ذلك فهذه الرواية لا يعول عليها ولا يلتفت إليها إضافة إلى مخالفتها للروايات الصحيحة الناقضة لها.
__________
(1) الضعفاء للعقيلي جـ4 ص (300) رقم (1899).
(2) الميزان للذهبي جـ4 ص (253) رقم (9046).
(3) تاريخ بغداد للبغدادي جـ13 ص (283).(172/49)
ب ـ الروايات الصحيحة الثابتة تظهر أن عائشة تألمت لمقتل عثمان ودعت على قاتليه، فعن مسروق ـ تابعي ثقة ـ قال (( قالت عائشة: تركتموه كالثوب النقي من الدنس، ثم قربتموه تذبحونه كما يذبح الكبش، قال مسروق: فقلت هذا عملك كتبت إلى الناس تأمرينهم بالخروج عليه، فقالت عائشة: والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم بسواد في بياض حتى جلست مجلسي هذا. قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها ))(1)، وأخرج أحمد في فضائله عن عائشة أنها كانت تقول ـ أي في مقتل عثمان ـ (( ليتني كنت نسياً منسياً فأما الذي كان من شأن عثمان فوالله ما أحببت أن ينتهك من عثمان أمر قط إلا انتهك مني مثله حتى لو أحببت قتله قتلت .. ))(2)، وروى ابن شبة عن طلق بن حُشَّان قال (( قلت لعائشة: فيم قتل أمير المؤمنين عثمان؟ قالت: قتل مظلوماً، لعن الله قتلته ))(3)، وأخرج أحمد في الفضائل عن سالم بن أبي الجعد قال (( كنا مع ابن حنيفة في الشِّعب فسمع رجلاً ينتقص وعنده ابن عباس، فقال: يا بن عباس! هل سمعت أمير المؤمنين عشية سمع الضجة من قبل المربد فبعث فلان بن فلان فقال: اذهب فانظر ما هذا الصوت؟ فجاء فقال: هذه عائشة تلعن قتلة عثمان والناس يؤمِّنون فقال عليّ: وأنا ألعن قتلة عثمان في السهل والجبل، اللهم العن قتلة عثمان، اللهم العن قتلة عثمان في السهل والجبل، ثم أقبل ابن الحنيفة عليه وعلينا فقال: أما فيَّ وفي ابن عباس شاهدا عدل؟ قلنا؟ بلى! قال: قد كان هذا ))(4).
__________
(1) البداية والنهاية لابن كثير جـ7 ص (204) وقال: هذا إسناد صحيح إليها.
(2) فضائل الصحابة لأحمد جـ1 ص (462) وقال محققه: إسناده صحيح.
(3) التاريخ الكبير للبخاري جـ4 ص (358) باسناد حسن وانظر عصر الخلافة ص (397).
(4) المصنف لابن أبي شيبة جـ8 كتاب الجمل ص (712) باسناد صحيح(172/50)
ت ـ المعلوم عند جميع المؤرخين أن عائشة خرجت تطالب بدم عثمان فكيف يوفق بين موقفها هذا وقولها ( إقتلوا نعثلا فقد كفر )؟! إلا أن هذا القول كذب صريح عليها.
4ـ وأما قوله ( كذلك نجد طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وغيرهم من مشاهير الصحابة (!!) وقد حاصروه ومنعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقاله ). وجواباً على ذلك أقول:
أ ـ أما أن محمد بن أبي بكر من مشاهير الصحابة فهذا أمر ثابت لا يمكن إنكاره لأنه من أكثر المصاحبين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ صاحبه ما يقرب الأربعة أشهر!؟ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفّي ولم يتم محمد بن أبي بكر من عمره أربعة أشهر!!!؟ فياله من صحابي مشهور؟!؟
ب ـ أما أن طلحة والزبير قد حاصرا عثمان ومنعوه من شرب الماء!؟ فهذا من المين الفاضح، فأين النقل الثابت؟ وما هو المصدر الذي استقى منه التيجاني كذبهُ هذا؟ وأنا أتحدّاه بأن يأتي بمصدر واحد يذكر مثل هذه الترّهات، ولكن بعداً له!(172/51)
ت ـ الروايات الصحيحة الثابتة تبين أن طلحة والزبير تألّما لقتل عثمان غاية الألم بل وحاولا الدفاع عنه فعن أبي حبيبة قال (( بعثني الزبير إلى عثمان وهو محصور، فدخلت عليه في يوم صائف وهو على كرسي، وعنده الحسن بن عليّ، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، فقلت: بعثني إليك الزبير بن العوام وهو يقرئك السلام ويقول لك: إني على طاعتي لم أبدّل ولم أنكث، فإن شئت دخلت الدار معك وكنت رجلاً من القوم، وإن شئت أقمت، فإنّ بني عمرو بن عوف وعدوني أن يصبحوا على بابي، ثم يمضون على ما آمرهم به. فلما سمع الرسالة قال: الله أكبر، الحمد لله الذي عصم أخي، أقرئه السلام ثم قل له: إن يدخل الدار لا يكن إلا رجلاً من القوم، ومكانك أحبّ إليّ، وعسى الله أن يدفع بك عنّي، فلما سمع الرسالة أبو هريرة قام فقال: ألا أخبركم ما سمعت أذناي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قالوا: بلى، قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: تكون بعدي فتن وأمور، فقلنا: فأين المنجى منها يا رسول الله؟ قال: إلى الأمين وحزبه، وأشار إلى عثمان بن عفان. فقام الناس فقالوا: قد أمكننا البصائر، فأذن لنا في الجهاد؟ فقال عثمان: أعزم على من كانت لي عليه طاعة ألا يقاتل ))(1) وروى الداقطني في فضائل الصحابة (( أن عثمان أشرف على المسجد، فإذا طلحة جالس في شرق المسجد، قال: يا طلحة قال: لبيك قال: نشدتك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يشتري قطعة يزيدها في المسجد، فاشتريتها من مالي، قال طلحة: اللهم نعم، فقال: يا طلحة قال: لبيك، قال: نشدتك بالله هل تعلمني حملت في جيش العسرة على مائة؟ قال طلحة: اللهم نعم، ثم قال طلحة: اللهم لا أعلم عثمان إلا مظلوماً ))(2).
__________
(1) الفضائل لأحمد جـ1 ص (511 ـ 512 ) قال المحقق: اسناد صحيح.
(2) تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة جـ2 ص (24).(172/52)
جـ ـ لا يختلف إثنان في أن طلحة والزبير كانا من أوائل المطالبين بدم عثمان، والاقتصاص من قاتليه، ولم يخرجا، إلا لهذا السبب، فليت شعري إن كانا من المحرضين على قتل عثمان، والمشاركين في حصاره فما معنى موقفهما ممن يريدون قتالهم وهم يشاركونهم في الجريمة؟!
5ـ ثم يقول ( ويحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثّته في مقابر المسلمين، فدفن في ( حش كوكب ) بدون غسل ولا كفن )!؟ وفي موضع آخر يقول ( وتحقق لدي ما قاله المؤرخون من أنه دفن بحش كوكب وهي أرض يهودية)
أ ـ يريد هذا التيجاني أن يصور الصحابة على أنهم مجموعة من الرعاع والهمج الذين يقتلون بعضهم بعضاً، بل ويمنعون خيرة الصحابة من أن يدفن مثل باقي المسلمين، فيضعونه في قبره دون غسل ولا تكفين!! وأنا لا أستغرب هذا القول من هذا المهتدي، لأنه لم يشعر قلبه يوماً بمحبّة صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأحبُّ أن أعلمه أن هذه الأفعال التي يريد إلصاقها بصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي أولى بطباعهم وأفعالهم، وكيف لا وهم أحفاد عبد الله بن سبأ اليهودي راعي الفتنة الأولى!
ب ـ أما ادعاؤه بأن الصحابة منعوا دفنه في مقابر المسلمين فدفن في حش كوكب وهي أرض يهودية فلا يدلّ إلا على جهله المطبق لأن حش كوكب ليست أرض يهودية، ولم تكن كذلك إطلاقاً، لأن حش بمعنى البستان، وقد اشتراه عثمان من كوكب وهو رجل من الأنصار(1) وعندما توفي دفن في بستانه الذي اشتراه من ماله، فأي شيء في ذلك؟
__________
(1) تهذيب الأسماء واللغات للنووي جـ1 ص (323) والمعالم الأثيرة في السنة والسيرة لمحمد حسن شراب ص (101).(172/53)
ثم يضيف قائلاً (( وتحقق لدى ما قاله المؤرخون من أنه دفن بحش كوكب وهي أرض يهودية لأن المسلمين منعوا دفنه في بقيع رسول الله، ولمّا استولى معاوية بن أبي سفيان على الخلافة اشترى تلك الأرض من اليهود (!!!) وأدخلها في البقيع ليدخل بذلك قبر ابن عمه عثمان فيها والذي يزور البقيع حتى اليوم سيرى هذه الحقيقة بأجلى ما تكون ))(1) وأنا أقول:
لو سألت طفلاً في المرحلة الإبتدائية هل كان اليهود موجودين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عهد الخلفاء الراشدين، فسيجيبك باسترخاء بالطبع لا، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجلاهم عن المدينة، ومن ثم أجلاهم عمر من الجزيرة كلها فتاهوا في الأرض، فسبحان الله ويقولون: حاصل على الدكتوراه!؟
ثم يقول (( وبالمناسبة أذكر هنا قصّة طريفة ذكرها بعض المؤرخين ولها علاقة بموضوع الإرث. قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة: جاءت عائشة وحفصة ودخلتا على عثمان أيام خلافته وطلبتا منه أن يقسم لهما ارثهما من رسول الله (ص). وكان عثمان متكئاً فاستوى جالساً وقال لعائشة: أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهّر ببوله وشهدتما أن رسول الله (ص) قال: نحن معشر الأنبياء لا نورث فإذا كان الرسول حقيقة لا يورّث فماذا تطلبان بعد هذا، وإذا كان الرسول يورّث لماذا منعتم فاطمة حقها؟ فخرجت من عنده غاضبة وقالت: أقتلوا نعثلاً فقد كفر ))(2) أقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (139).
(2) ثم اهتديت ص (140).(172/54)
1ـ فتحت شرح النهج في الجزء السادس عشر ص (220ـ 223 ) ـ كما أشار بالهامش ـ فلم أجد لهذه الرواية المكذوبة أثراً! ولكن وجدت هذه الرواية (( عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة: أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله أردن لما توفّي أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسأله ميراثهنَّ أو قال ثمنهنَّ، قالت: فقلْتُ لهنّ أليس قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نورث ما تركنا صدقة ))(1) وهذه الرواية أخرج مثلها البخاري ومسلم في الصحيح، وهي كما ترى تناقض القصة التي ذكرها التيجاني في كتابه.
2ـ مجرّد عزو التيجاني على شرح النهج لابن أبي الحديد ليس فيه أي حجة لأنه ليس من أهل المعرفة بالحديث فيضع في كتابه من الأحاديث غثّها وثمينها، ومع ذلك فإني لم أستطع العثور على هذه القصة في الموضع المشار إليه، وأخشى أن تكون من عنديّات التيجاني، وعلى العموم فالأحاديث الصحيحة وسيرة كل من عائشة وعثمان رضي الله عنهما تكذّب هذا الخبر وترّده والحمد لله.
ثم يقول (( ولما جاء عثمان بعده ـ أي بعد عمر ـ ذهب شوطاً بعيداً في الإجتهاد فبالغ أكثر ممن سبقوه حتى أثّر اجتهاده في الحياة السياسية والدينية بوجه عام فقامت الثورة ودفع حياته ثمن اجتهاده ))(2)، أقول:
__________
(1) شرح نهج البلاغة جـ4 ص (82) تحت ( في الأخبار الواردة في فدك وما صنع فيها ) أما الطبعة التي اعتمد عليها ويعزوها إلى جـ16 فهي غير الطبعة التي أعتمدت عليها ولكني رجعت إلى الطبعة المذكورة في الجزء والصفحة التي أشار إليها المؤلف فلم أجد لها أثراً أيضاً.
(2) ثم اهتديت ص (167).(172/55)
هذا من الكذب الظاهر على عثمان فهؤلاء الأعراب لم يخرجوا عليه إلا لمرض نفوسهم ولم يصيبوا فيما ادعوه عليه، إضافة لدور اليهودي عبد الله بن سبأ في إشعال الفتنة على عثمان فهؤلاء هم المتسببون بالفتنة وليس عثمان ويظهر ذلك في وقوف الصحابة جميعاً مع عثمان والدفاع عنه، ولن أنسى ذكر الأدلة التي تبيّن أن الحق مع عثمان وأن الخارجون عليه هم أهل الفتنة والباطل، فقد أخرج الحاكم في المستدرك وأحمد في الفضائل عن موسى بن عقبة قال (( حدثني أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافاً، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ فقال: عليكم بالأمين وأصحابه، يعني عثمان ))(1)، وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري في جزء منه عندما جاء عثمان بن عفان (( قال: فجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: افتح له وبشّره بالجنة على بلوى تكون، قال: فذهبت فإذا هو عثمان بن عفان، قال: ففتحت وبشرّته بالجنة، قال: وقلت الذي قال، فقال: اللهم صبراً،أو الله المستعان ))(2)، وعن ابن عمر قال: ذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فتنة فقال (( يقتل هذا فيها مظلوماً )) لعثمان بن عفان(3) وروى أحمد في الفضائل عن كعب بن عُجرة قال (( ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتنة فقرّبها وعظّمها، ثم مر رجل مقنّع في ملحفة فقال: هذا يومئذ على الحق، فانطلقت مسرعاً فأخذت بضبعيه فقلت: هذا يا رسول الله؟ قال: هذا، فإذا عثمان بن عفان ))(4)
__________
(1) فضائل الصحابة لأحمد جـ1 ص (451) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(2) سنن الترمذي كتاب المناقب ـ باب ـ مناقب عثمان برقم (3710) وراجع صحيح البخاري برقم (3492).
(3) سبق الحديث ص (337 ـ 338).
(4) فضائل الصحابة لأحمد جـ1 ص (450) وقال المحقق: اسناده صحيح.(172/56)
، فهل بعد ذلك لا زال يظن التيجاني أن اجتهادات عثمان الباطلة! هي السبب في الفتنة عليه؟ فهنيئاً للتيجاني وقوفه مع أهل الفتنة ضدّ أهل السنة!
وأخيراً: فهذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثالث أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث المنزلة، والذي شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة، وهو الصحابي الحييّ الذي ضرب به المثل في الكرم والانفاق، فكان له فضل توسيع مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بماله واشترى بئر رومة، وجعله وقفاً للمسلمين، وجهز جيش العسرة للمسلمين، وعن عبد الرحمن بن سمرة قال (( جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بألف دينارـ قال الحسن بن واقع: وفي موضع آخر من كتابي: في كمه ـ حين جهّز جيش العسرة فنثرها في حجره، قال عبد الرحمن: فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقلّبها في حجره ويقول: ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم، مرتين ))(1)، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها حتى هداة التيجاني أنفسهم فهذا أبو الفتح الأربلي ـ من علماء الإمامية ـ يورد في كتابه ( كشف الغمة ) قصة زواج على بن أبي طالب من فاطمة رضي الله عنهما مثبتاً مساعدة عثمان لعلي في زواجه من فاطمة (( ... قال علي فأقبل رسول الله (ص) فقال: يا أبا الحسن انطلق الآن فبع درعك وأت بثمنه حتى أهيء لك ولابنتي فاطمة ما يصلحكما، قال علي: فانطلقت وبعته باربعمائة درهم سود هجرية من عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلما قبضت الدراهم منه وقبض الدرع مني قال: يا أبا الحسن ألست أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم مني؟ فقلت: بلى، قال: فإن الدرع هدية مني إليك، فأخذت الدرع والدراهم وأقبلت إلى رسول الله ( ص )، فطرحت الدرع والدراهم بين يديه وأخبرته بما كان من أمر عثمان فدعا له بخير ...))(2)
__________
(1) سنن الترمذي كتاب المناقب برقم (3701) وراجع صحيح الترمذي برقم (2920).
(2) كشف الغمة للأربلي جـ1 ص (368 ـ 369) تحت ( في تزويجه فاطمة عليها السلام ).(172/57)
!، ويثبت أيضاً حب الأئمة الإثني عشر لعثمان وتعظيمهم لشأنه فيروي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسن أنه (( قدم عليه نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم، قال لهم: ألا تخبروني أنتم { المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } ؟ قالوا: لا، قال: فأنتم { الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا } أخرجوا عني فعل الله بكم! ))(1)؟!، فهل بعد ذلك الاعتراف بفضائل عثمان من السنة والشيعة يدعي التيجاني أن الله هداه للطعن به وبالصحابة الكرام؟!
الباب التاسع:
مبحث مطاعن التيجاني في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر والرد عليه في ذلك:
__________
(1) المصدر السابق جـ2 ص (291) تحت ( في فضائل الإمام زين العابدين ).(172/58)
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها شرفها الله سبحانه بأن تكون زوجة لخير خلق الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم نالت من هذا المجترىء الكذّاب أشد المطاعن وأعظمها وها أنا سوف أسرد هذه المطاعن راداً عليه وذاباً عن خير نساء الأرض التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (( فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام ))(1)، وقال لها (( إنه لَيُهوَّن عليَّ الموت أنْ أُريتُكِ زوجتي في الجنة، يعني عائشة ))(2) فأقول وبالله التوفيق:
أولاًـ ادعى التيجاني على عائشة أنها أول من غير في الصلاة وقد فندت هذه الحجة المكذوبة في موضعها فلتراجع(3).
ثانياًـ ادعاء التيجاني على عائشة في الفتنة والرد عليه في ذلك:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ فضل عائشة برقم (3559) عن أنس بن مالك.
(2) زوائد الزهد لحسين المروزي جـ2 ص (207) وأحمد في المسند مختصراً جـ9 برقم (25130) ص (467) وانظر السلسلة الصحيحة جـ6 برقم (2867)
(3) راجع الكتاب ص (132).(172/59)
يقول التيجاني (( ونتساءل عن حرب الجمل التي أشعلت نارها أم المؤمنين عائشة إذ كانت هي التي قادتها بنفسها، فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالإستقرار فيه بقوله تعالى { وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى }. ونسأل بأي حق استباحت أم المؤمنين قتال خليفة المسلمين علي بن أبي طالب. وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة. وكالعادة وبكل بساطة يجيبنا علماؤنا بأنها لا تحب الإمام علياً لأنه أشار على رسول الله بتطليقها في حادثة الفك، ويريد هؤلاء إقناعنا بأن هذه الحادثة ( إن صحّت ) وهي إشارة علي على النبي بتطليقها كافية بأن تعصي أمر ربّها وتهتك ستراً ضربه عليها رسول الله، وتركب جملاً نهاها رسول الله أن تركبه وحذّرها أن تنبحها كلاب الحواب، وتقطع المفاسات البعيدة من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة، وتستبيح قتل الأبرياء ومحاربة أمير المؤمنين والصحابة الذين بايعوه، وتسبّب في قتل ألوف المسلمين كما ذكر ذلك المؤرخون كل ذلك لأنها لا تحبّ الإمام علياً الذي أشار بتطليقها ومع ذلك لم يطلقها النبي ))(1)، أقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (117).(172/60)
1ـ إن أهل السنة في هذا الباب وغيره قائمون بالقسط شهداء لله، وقولهم حق وعدل لا يتناقض. وأما الرافضة ففي اقوالهم من التناقضات الشيء الكثير ـ وقد ذكرنا أمثلة كثيرة من كتاب التيجاني نفسه ـ وذلك أن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة، وكذلك أمهات المؤمنين: عائشة وغيرها، وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير هم سادات أهل الجنة بعد الأنبياء، وأهل السنة يقولون: إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم عن الخطأ، بل ولا عن الذنب، بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنباً صغيراً أو كبيراً ويتوب منه، وهذا متفق عليه بين المسلمين.وإذا كان هذا أصلهم فيقولون: ما يذكر عن الصحابة من السيئّات كثير منه كذب، وكثير منه كانوا مجتهدين فيه، ولكن لم يعرف كثير من الناس وجه اجتهادهم، وما قدّر أنه كان فيه ذنب من الذنوب لهم فهو مغفور لهم: إما بتوبة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفّرة، وإما بغير ذلك، فإنه قد قام الدليل الذي يجب القول بموجبه: أنهم من أهل الجنة، فامتنع أن يفعلوا ما يوجب النار لا محالة، وإذا لم يمت أحد منهم على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم الجنة. ونحن قد علمنا أنهم من أهل الجنة، ولو لم يعلم أن أولئك المعينين في الجنة لم يجز لنا أن نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور لا نعلم أنها توجب النار، فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يعلم أنهم يدخلون الجنة، ليس لنا أن نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك، فكيف يجوز مثل ذلك في خيار المؤمنين، والعلم بتفاصيل أحوال كل واحد منهم باطناً وظاهراً وحسناته وسيئاته واجنهاداته، أمر يتعذر علينا معرفته؟! فكان كلامنا في ذلك كلاماً فيما لا نعلمه، والكلام بلا علم حرام، ولهذا كان الإمساك عما شجر بين الصحابة خيراً من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة الأحوال، إذ كان كثير من الخوض في ذلك ـ أو أكثره ـ كلاماً بلا علم، وهذا حرام لو لم يكن فيه هوىً(172/61)
ومعارضة الحق المعلوم، فكيف إذا كان كلاماً بهوىً يطلب فيه دفع الحق المعلوم؟! فمن تكلّم بهذا الباب بجهل أو بخلاف ما يعلم من الحق كان مستوجباً للوعيد، ولو تكلّم بحق لقصد إتباع الهوى لا لوجه الله تعالى، أو يعارض به حقاً آخر لكان أيضاً مستوجباً للذّم والعقاب، ومن علم ما دل عليه القرآن والسنة من الثناء على القوم، ورضى الله عنهم واستحقاقهم الجنة وأنهم خير هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، لم يعارض هذا المتيَقَّن المعلوم بأمور مشتبهه: منها مالا يعلم صحته ومنها ما يتبين كذبه، ومنها مالا يعلم كيف وقع ومنها ما يعلم عذر القوم فيه، ومنها ما يعلم توبتهم منه، ومنها ما يعلم أن لهم من الحسنات ما يغمره، فمن سلك سبيل أهل السنة استقام قوله وكان من أهل الحق والاستقامة والاعتدال، وإلا حصل في جهل وكذب وتناقض كحال هؤلاء الضلال ))(1).
2ـ أما أن عائشة أشعلت حرب الجمل فهذا من أبين الكذب، لأن عائشة لم تخرج للقتال، بل خرجت للإصلاح بين المسلمين واعتقدت في خروجها مصلحة ثم ظهر لها أن عدم خروجها هو الأسلم لذلك ندمت على خروجها، وثبت عنها أنها قالت (( وددت أني كنت غصنا رطباً ولم أسر مسيري هذا ))(2) وعلى فرض أن عائشة قاتلت عليّ مع طلحة والزبير، فهذا القتال يدخل في قوله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداها على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويْكُم } ( الحجرات 9ـ 10 ) فأثبت لهم الإيمان مع أنهم قاتلوا بعضهم بعضاً وإذا كانت هذه الآية يدخل فيها المؤمنين فالأولى دخول هؤلاء المؤمنون أيضاً.
__________
(1) منهاج السنة جـ4 ص (309 ـ 313) بتصرف.
(2) مصنف ابن أبي شيبة جـ8 كتاب الجمل ـ في مسير عائشة ص (718).(172/62)
3ـ أما قوله ( فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالاستقرار فيه بقوله تعالى { وقرن في بيوتكن ولا تبرّجْنَ تبرُّج الجاهليةِ الأُلى } ) فجواباً على ذلك أقول:
أ ـ أن عائشة رضي الله عنها بخروجها هذا لم تتبرج تبرّج الجاهلية الأولى!
ب ـ (( والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة أو خرجت مع زوجها في سفرة، فإن هذه الآية نزلة في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد سافر بهنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك، كما سافر في حجة الوداع بعائشة رضي الله عنها وغيرها، وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم، وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الآية، ولهذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحججن كما كنّ يحججن معه في خلافة عمر رضي الله عنه وغيره، وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزاً فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين، فتأولت في ذلك ))(1).
4ـ أما ادعاؤه أن عائشة استباحت قتال عليّ بن أبي طالب لأنها لا تحب علياً، والسبب أنه أشار على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتطليقها في الإفك وأن هذا هو جواب علماء أهل السنة! فأقول:
أ ـ إذا كان هذا هو جواب علماء اهل السنة فهلاّ سقت لنا يا تيجاني قولاً لواحد منهم أم أن الكذب تجاوز معك أعلى الحدود، بحيث لا تذكر قضية إلا وتُطَعِّمَها بالباطل والبهتان.
__________
(1) المنهاج جـ4 ص (317 ـ 318).(172/63)
ب ـ وأما حديث الإفك الذي برّأ الله فيه أم المؤمنين من فوق سبعة أعظم، ففي جزء منه يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم استشارة بعض أصحابه في فراق عائشة فيكون رأي عليّ بقوله (( لم يضيّق الله عليك والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك ))(1) وعليّ بقوله هذا لم يشر عليه بترك عائشة لشيء فيها ـ معاذ الله ـ ولكنه لما رأى شدّة التأثر والقلق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأحب راحته فأشار عليه بذلك وهو يعلم أنه يمكن مراجعتها بعد التحقق من براءتها، أو بسؤال الجارية لأن في ذلك راحة له أيضاً ولم يجزم عليه بفراقها وهذا واضح من كلام عليّ رضي الله عنه، لذلك يقول ابن حجر (( وهذا الكلام الذي قاله علي حمله عليه ترجيح جانب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى عنده من القلق والغم بسبب القول الذي قيل، وكان صلى الله عليه وآله وسلم شديد الغيرة فرأى عليّ أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق براءتها فيمكن رجعتها ويستفاد منه ارتكب أخف الضررين لذهاب أشدهما ))(2) ويقول النووي (( هذا الذي قاله عليّ رضي الله عنه هو الصواب في حقه، لأنه رآه مصلحة ونصيحة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في اعتقاده، ولم يكن ذلك في نفس الأمر لأنه رأى انزعاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر وتقلقه فأراد راحة خاطره وكان ذلك أهم من غيره ))(3)، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة (( لم يجزم عليّ بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله ( سل الجارية تصدقك ) ففوض الأمر في ذلك إلى نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فكأنه قال: إن أردت تعجيل الراحة ففارقها، وإن أردت خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الأمر إلى أن تطلع براءتها، لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تخبره إلا
__________
(1) جزء من حديث رواه البخاري كتاب التفسير ـ سورة النور برقم (4473) جـ4
(2) فتح الباري جـ8 ص (324) كتاب التفسير.
(3) مسلم مع الشرح كتاب التوبة ص (162 ـ 163).(172/64)
بما علمته، وهي لم تعلم من عائشة إلا البراءة المحضة))(1).
5ـ أما قوله ( ويريد هؤلاء إقناعنا بأن هذه الحادثة ـ إن صحت ـ وهي إشارة علي على النبي بتطليقها كافية بأن تعصي أمر ربها وتهتك ستراً ضربه عليها رسول الله، وتركب جملاً نهاها رسول الله ان تركبه وحذّرها ان تنبحها كلاب الحوأب، وتقطع المسافات البعيدة من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة، وتستبيح قتل الأبرياء ومحاربة أمير المؤمنين والصحابة الذين بايعوه، وتسبب في قتل ألوف المسلمين كما ذكر ذلك المؤرخون ) ويشير بالهامش إلى هؤلاء المؤرخين ( الطبري وابن الأثير والمدائني وغيرهم من المؤرخين الذين أرّخوا حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة)(2)، وجواباً على ذلك أقول:
__________
(1) الفتح جـ8 ص (324) كتاب التفسير.
(2) ثم اهتديت ص (117).(172/65)
أ ـ لو راجعنا تاريخ الطبري الذي أرّخ حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة لما وجدناه يروي عن هذه الحادثة مثل ما يقول هذا التيجاني، مع أنه يذكر الكثير من الروايات التي تتحدث عن وقعة الجمل فيروي خلاف ما يقوله التيجاني ويثبت أن عائشة جاءت مع طلحة والزبير من أجل الإصلاح، فيذكر أن علياً يبعث القعقاع بن عمرو إلى أهل البصرة يستفسرهم عن سبب خروجهم ((... فخرج القعقاع حتى قدم البصرة، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فسلم عليها، وقال: أي أُمّة، ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بنيّة إصلاحٌ بين الناس، قال: فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما، فبعثت إليهما فجاءا، فقال: إني سألت أم المؤمنين: ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد؟ فقالت: إصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما؟ أمتبعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان ))(1)، ويثبت أن المتسببين بقتل الألوف من المسلمين هم قتلة عثمان فيقول (( فلما نزل الناس واطمأنوا خرج عليّ وخرج طلحة والزبير فتوافقوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمراً هو أمثل من الصّلح ووضع الحرب حين رأوا الأمر قد أخذ في الانقشاع، وأنه لا يُدرك، فافترقوا عن موقفهم على ذلك، ورجع علي إلى عسكره، وطلحة والزبير إلى عسكرهما، وبعث علي من العشيّ عبد الله بن عباس إلى طلحة والزبير، وبعثاهما من العشيّ محمد بن طلحة إلى عليّ، وأن يكلم كل واحد منهما أصحابه، فقالوا: نعم، فلما أمْسوا ـ وذلك في جمادة الآخرة ـ أرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما، وأرسل عليّ إلى رؤساء أصحابه، ما خلا أولئك الذين هضُّموا عثمان، فباتوا على الصلح، وباتوا بليلةلم يبيتوا مثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه، والنُّزوع عما اشتهى الذين اشتهوا، وركبوا ماركبوا، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشرّ ليلة باتوها قطّ، قد أشرفوا على الهَلَكة، وجعلوا يتشاورون
__________
(1) تاريخ الطبري جـ3 ص (29) سنة 36 هـ وابن الأثير جـ3 ص (122 ـ 123) سنة 36 هـ(172/66)
ليلتهم كلّها، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السرّ، واستسرّوا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشرّ، فغدوا مع الغلَس، وما يشعر بهم جيرانهم، انسلّوا إلى ذلك الأمر انسلالاً، وعليهم ظلمة، فخرج مُضَريُّهم إلى مُضرِيِّهم، ورَبعيَهم إلى رَبعيِّهم، ويمانيُّهم إلى يمانيِّهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة، وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين بَهَتوهم. ...))(1)، وقال الطبري أيضاً (( وقالت عائشة: خلّ يا كعب عن البعير، وتقدّم بكتاب الله عزّ وجل فادعهم إليه، ودفعت إيه مصحفاً. وأقبل القوم وأمامهم السبئيّة يخافون أن يجري الصلح، فاستقبلهم كعب بالمصحف، وعليّ من خلفهم يَزَعُهم ويأْبون إلا إقداما، فلما دعاهم كعب رشَقوه رِشقاً واحداً، فقتلوه، ورمَوا عائشة في هودجها، فجعلت تنادي: يا بنيَّ، البقيَّة البقيَّة ـ ويعلو صوتها كثرة ـ الله الله، اذكروا الله عز وجلّ والحساب، فيأْبون إلا إقداماً، فكان أوّل شيء أحدثته حين أبوْا قالت: أيُّها الناس، العنوا قتلة عثمان وأشياعهم، وأقْبلت تدعو. وضجّ أهل البصرة بالدعاء، وسمع عليُّ بن أبي طالب الدعاة فقال: ما هذه الضجّة؟ فقالوا: عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعهم، فأقبل يدعو ويقول: اللهم العنْ قتلةَ عثمان وأشياعهم ))(2)، وهذا هو ما أرخه أيضاً ابن الأثير في تاريخه ولم أجد كتاب المدائن، ويعضد هذه الحقيقة الروايات الصحيحة التي تثبت أن عائشة والزبير وطلحة وعليّ لم يكونوا يريدون قتال بعضهم بعضاً، ولذلك ندمت عائشة على مسيرها وقالت (( وددت أني غصناً رطباً ولم أسر مسيري هذا ))(3)، وقالت أيضاً (( وددت أني كنت ثكلت عشرة مثل الحارث بن هشام وأني لم أسر مسيري مع ابن الزبير ))(4)، فلو كانت تريد القتال دون الإصلاح فلماذا
__________
(1) الطبري جـ3 سنة 36 هـ ص (39).
(2) المصدر السابق جـ3 سنة 36 هـ ص (43).
(3) سبق الحديث ص (356).
(4) مصنف أبي شيبة جـ8 كتاب الجمل ص (716).(172/67)
الندم؟!
ثم يقول (( فلماذا كل هذه الكراهية وقد سجّل المؤرخون لها مواقف عدائية للإمام عليّ لا يمكن تفسيرها، فقد كانت راجعة من مكة عندما أعلموها في الطريق بأن عثماناً قتل ففرحت فرحاً شديداً ولكنَّها عندما علمت أن الناس قد بايعوا علياًّ غضبت وقالت: وددت أن السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب وقالت ردّوني وبدأت تشعل نار الفتنة للثورة على علي الذي لا تريد ذكر اسمه كما سجّله المؤرخون عليها، أفلم تسمع أم المؤمنين قول الرسول (ص): ( بأن حبّ علي إيمان وبغضه نفاق ) حتى قال بعض الصحابة ( كنا لا نعرف المنافقين إلا ببغضهم لعلي ) أولم تسمع أم المؤمنين قول النبي ( من كنت مولاه فعلي مولاه )... أنها لا شك سمعت كل ذلك ولكنها لا تحبه ولا تذكر اسمه بل إنها لما سمعت بموته سجدت شكراً لله ))(1)، فأقول:
1ـ قوله بأن عائشة فرحت بقتل عثمان فرحاً شديداً لا يدل إلا كذبه كذباً أكيداً! فلم يقل أحد من أهل التاريخ ذلك بل أثبتوا جميعاً أن عائشة ما خرجت إلا للقصاص من قتلة عثمان، وأنا أتساءل؟ إذا كانت عائشة فرحت لمقتل عثمان فلماذا خرجت؟ هل خرجت من أجل منع علي بن أبي طالب من تولي الخلافة؟! التيجاني يقول نعم! وإذا سئل عن السبب فسيقول بأنها تكرهه لأنه أشار على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتطليقها؟! فأقول له إذا كانت عائشة تكره علياًّ فكيف نفسّر خروج الآلاف معها؟! فهل هناك سبب منطقي عند التيجاني يبين فيه سبب موافقة هؤلاء الناس لعائشة؟ أم هؤلاء يكرهونه أيضاً؟ فإذا أجاب بنعم، فأسأله.. هل من سبب لهذا الكره؟ فإن كان يملك جواباً فحيهلا، وإذا لم يملك لذلك جواباً فأُبشِّرُهُ أنه من أضل الناس!!
__________
(1) ثم اهتديت ص (117 ، 118).(172/68)
2ـ يدعي التيجاني أن المؤرخين سجلوا على عائشة أنها لا تريد ذكر اسم علي، وأنا أسأله من هؤلاء المؤرخون؟ فهل تستطيع أن تحددهم لنا حتى نعرف الصادق من الكاذب؟ وما هي المراجع التي عوَّلت عليها؟ ولكن الصحيح المعلوم أن عائشة ذكرت علي بملأ فمها، فعن شريح بن هانئ قال (( سألت عائشة عن المسح فقالت: إئت علياً فهو أعلم مني قال: فأتيت عليا فسألته عن المسح على الخفين قال: فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرنا أن نمسح على الخفين يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثاً ))(1)، كما أخرج مسلم بسنده إلى شريح بن هانئ قال (( أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله ...ألخ ))(2).
3ـ ثم يذكر حديثان في فضل علي ويقول ( أولم تسمع أم المؤمنين قول النبي ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) .. أنها لا شك سمعت كل ذلك ولكنها لا تحبه ولا تذكر اسمه بل أنها لما سمعت بموته سجدت لله شكراً )!! ، فأقول:
__________
(1) فضائل الصحابة لأحمد جـ2 برقم (1199) ص (702).
(2) صحيح مسلم مع الشرح كتاب الطهارة ـ باب ـ التوقيت في المسح على الخفين برقم (276).(172/69)
أـ لقد قلت بأن عائشة لا تبغض علياً ولكنها خالفته لا لشيء إنما للطلب بدم عثمان ولم تذهب لقتاله بل ذهبت من أجل الإصلاح بين الناس لذلك ذهبت تحت رغبة الناس في محاولة للإصلاح ويذكر ابن العماد في ( شذرات الذهب ) (( وحين وصل علي إلى البصرة، جاء إلى عائشة وقال لها: غفر الله لك، قالت: ولك، ما أردت إلا الإصلاح ))(1)، ويوضح ابن العربي ذلك بقوله (( وأما خروجها إلى حرب الجمل، فما خرجت لحرب ولكن تعلّق الناس بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة، وتهارج الناس ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت إلى الخلق، وظنّت هي ذلك فخرجت عاملة بقول الله تعالى { لا خير في كثير من نجواهم }...الآية، { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } ))(2)، ونقل ابن حبان (( أن عائشة كتبت إلى أبي موسى ـ وهو والي الكوفة من قبل عليّ ـ : إنه قد كان من أمر عثمان ما قد علمت، وقد خرجت مصلحة بين الناس، فمر من قبلكم بالقرار في منازلهم والرضا بالعافية حتى يأتيهم ما يحبّون من صلاح أمر المسلمين ))(3).
فهذا هو سبب خروج عائشة وليس بسبب بغضها لعلي فهذا من الكذب المكشوف الذي لا يستند إلى أي دليل صحيح.
ب ـ أما قوله (( ... بل أنها لما سمعت بموته سجدت شكراًلله )) ثم يشير بالهامش إلى المراجع التي استقى منها ادعاؤه هذا وهي (( الطبري وابن الأثير والفتنة الكبرى وكل المؤرخين الذين أرخوا حوادث سنة أربعين للهجرة ))(4)، فرجعت إلى الطبري وابن الأثير في حوادث سنة أربعين فلم أر لهذه الدعوى أثراً فلله أبوه ما أكذبه!
__________
(1) شذرات الذهب جـ1 ص (42) وانظر تحقيق مواقف الصحابة جـ2 ص (115).
(2) أحكام القرآن لابن العربي جـ3 ص (1536) وانظر كتاب تحقيق مواقف الصحابة جـ2 ص (116).
(3) كتاب الثقات لابن حبان جـ2 ص (282) وانظر تحقيق مواقف الصحابة جـ2 ص (115).
(4) ثم اهتديت ص (118).بالهامش(172/70)
ثم يهذي فيقول (( ونفس السؤال يعود دائماً ويتكرر أيهم علىالحق وأيهم على الباطل، فإما أن يكون علي ومن معه ظالمين وعلى غير الحق، وإما أن تكون عائشة ومن معها وطلحة والزبير ومن معهم ظالمين وعلى غير الحق وليس هناك احتمال ثالث، والباحث المنصف لا أراه إلا مائلاً لأحقّية علي الذي يدور الحق معه حيث دار، نابذاً فتنة ( أم المؤمنين عائشة ) وأتباعها الذين أوقدوا نارها وما أطفؤوها حتى أكلت الأخضر واليابس وبقيت آثارها إلى اليوم. ولمزيد البحث وليطمئن قلبي أقول أخرج البخاري في صحيحة من كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر، قال: لمّا سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر والحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمّار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عماراً يقول: أنّ عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي ))(1)، أقول:
أ ـ بل هناك احتمال ثالث وهو أن الطرفين قد اجتهدا للوصول للحق ولم يكن أي من الطرفين ظالماً لأن فتنة قتل عثمان فرقت الأمة إلى فرقتين فرقة ترى وجوب قتل قتلة عثمان على الفور وهم طلحة والزبير وعائشة وفرقة ترى وجوب قتل قتلة عثمان ولكن يجب التروي في ذلك حتى تتمكن الوصول لهذا الهدف لأن هؤلاء القتلة كانت لهم قبائل تدفع عنهم وهو رأي علي وأصحابه وهؤلاء القتلة هم المتسببون في وقعة الجمل وليس لكلا الفرقتين أي تسبب في إشعال المعركة كما بينت سابقا.ً
__________
(1) ثم اهتديت ص ( 118 ـ 119).(172/71)
ب ـ أما رواية البخاري التي اطمأن بها قلب التيجاني فهي من أعظم الدلائل على فضل عائشة ولكن ماذا نقول عن جاهل يحتج على أهل السنة بروايات هي حجة عليه وعلى شيعته من قبل أن تكون حجة على أهل السنة ففي الحديث يشهد عمار لأم المؤمنين رضي الله عنهما بأنها زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة! أي في الجنة؟! فهل من فضل ومكرمة أعظم من ذلك وهل استحقت هذا الفضل العظيم إلا برضى الله سبحانه عنها ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، أما بالنسبة لقول عمار فإنه من أنصار علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأراد حث الناس للخروج مع علي ولكنهم ترددوا لأن أم المؤمنين كانت في الطرف المقابل لعلي، فبين لهم أنّ الحق مع علي لأنه الخليفة، ويجب أن يطاع كما أمركم الله سبحانه وذلك قبل المطالبة بالقصاص من قتلة عثمان كما ترى أم المؤمنين ولا شك أن أم المؤمنين وطلحة والزبير كانوا يرون أن المطالبة بالقصاص من قتلة عثمان قبل الخضوع لخلافة علي هو أمر الله سبحانه وتعالى أيضاً كما بينت ذلك لعثمان بن حنيف عندما بعث يسألها عن مسيرها فقالت (( والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطّي لبنيه الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزّاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحدثوا فيه الأحداث، وآووْا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا تِرَة ولاعذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام وأحلّوا البلد الحرام والشهر الحرام، ومزّقوا الأعراض والجلود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارّين مضرّين، غير نافعين ولا متقين، لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا. وقرأت { لا خير في كثير من نجْواهُم إلا من أمَرَ بِصدقَةٍ أو معْرُوف أو(172/72)
إصلاحٍ بين النَّاس } ننهض في الإصلاح من أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروفٍ نأمركم به، ومنكر ننهاكم عنه، ونحثّكم على تغييره ))(1)، هذا وإذا أضفنا إلى ذلك أن أوّل من رشّح علياً للخلافة هم هؤلاء الغوغاء، وأنهم في جيش عليّ، ومن هنا يتضح أن كل طرف ظن أن الحق معه، وتأوّل خطأ الآخر وخرج الطرفان للإصلاح كما بينت، ولم يكونا يريدان القتال ولكنه وقع، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
ثم يتخرّص فيقول (( كما أخرج البخاري أيضاً في كتاب الشروط باب ما جاء في بيوت أزواج النبي، قال: قام النبي (ص) خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال ههنا الفتنة، ههنا الفتنة، ههنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان ))(2)، قلت:
1ـ فتحت البخاري كتاب الشروط فلم أجد الباب المذكور من ضمن كتاب الشروط، بل الحديث موجود في أبواب الخمس، وهذا يدل أن هذه الشبهة لقّنت له تلقيناً!
__________
(1) تاريخ الطبري جـ3 ص (14) سنة 36 هـ
(2) ثم اهتديت ص (119).(172/73)
2ـ والتيجاني يحتج بهذا الحديث على أن عائشة هي مصدر الفتن!؟ وهذا ادعاء ظاهر البطلان، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد المشرق، ولو أراد بيت عائشة لقال الراوي ( إلى ) وليس ( نحو )، وفي رواية مسلم عن ابن عمر (( خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بيت عائشة فقال: رأس الكفر من ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان، يعني المشرق ))(1)، وعن ابن عمر أيضاً (( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: ألا إن الفتنة ها هنا، ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان ))(2) وحتى أقطع الشك باليقين أذكر رواية مسلم أيضاً عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام عند باب حفصة ( وفي رواية عبيد الله بن سعيد: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند باب عائشة ) فقال بيده نحو المشرق (( الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان، قالها مرتين أو ثلاثاً ))(3) وأظن أنه قد ظهر الحق للعيان وافتضح أولياء الشيطان!
ثم يقول (( كما أخرج البخاري في صحيحه عنها أشياء عجيبة وغريبه في سوء أدبها مع النبي حتى ضربها أبوها فأسال دمها وفي تظاهرها على النبي حتى هدّدها الله بالطلاق وأن يبدله ربه خيراً منها وهذه قصص أخرى يطول شرحها ))(4)، فأقول:
1ـ أما قوله بأن البخاري أخرج في صحيحه ما يفيد سوء أدب عائشة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن أبا بكر ضربها حتى أسال دمها فهذا من الكذب الرخيص، إلا فلْيُرنا موضع هذه الرواية في صحيح البخاري ثم بعد ذلك فليخرج ما في قلبه من أوضار!
__________
(1) مسلم مع الشرح رقم (2905) ـ (48) كتاب الفتن ـ باب ـ الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان جـ18 .
(2) مسلم مع الشرح رقم (2905) والبخاري كتاب الفتن رقم (6680).
(3) المصدر السابق وراجع بقية الأحاديث التي تذكر المشرق.
(4) ثم اهتديت ص (119).(172/74)
2ـ أما قوله ( وفي تظاهرها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى هددها الله بالطلاق وأن يبدله ربه خيراً منها ) فأجيب:
أ ـ قلت غير مرّة أن كل إنسان غير معصوم في الواقع من الذنوب، بل معرّض للوقوع في الذنوب الكبيرة والصغيرة، خلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلو وقع أحد في الذنب، عائشة أو غيرها، فليس ذلك بمستغرب لأنه ليس لأحد العصمة من ذلك، فليس من المقبول ولا من المعقول أن يجعل التيجاني من ذنبٍ وقعت فيه عائشة وتابت منه من مساوئها، ويطعن عليها وكأنها جاءت أمراً إدّا، بالضبط عندما أراد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يتزوج بنت أبي جهل مع فاطمة فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال في الحديث (( إن بني هاشم بن مغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لاآذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد بن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم...))(1)، وهذا كما ترى تهديد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ بتطليق فاطمة، إن هو أقدم على ذلك، فليس من المعقول أن يجعل هذا الأمر من مطاعن ومساوىء عليّ! إلا من هو من أشد الناس جهلاً؟
__________
(1) سبق الحديث ص (156).(172/75)
ب ـ أما قوله أن الله هددها بالطلاق وأن يبدله أي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ منها فغير صحيح فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عمر رضي الله عنه قال (( اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلّقكن أن يبدله أزواجاً خير منكن فنزلت هذه الآية ))(1) فالآية كما هو ظاهر ليست تهديداً وإنما تخيير من الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في التطليق لذلك سميت آية التخيير، إضافة إلى أنها لا تخص عائشة وحدها بل تشمل أيضاً بقية زوجاته، وعلى فرض أن الآية تخص عائشة وقد هدّدها الله بالطلاق فأقول هل في تهديد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بتطليق فاطمة ما يعتبر ذمّاً؟! فإن كان كذلك فكل ما تُحَمِّله لعائشة من الطعن فسيصيب عليّ، وإن اعتبرت أن علي أخطأ مجرّد خطأ ورجع عنه وليس فيه ما يطعن عليه، فعائشة مثله تماماً فاختر ما شئت يا تيجاني!؟
ثم يتطاول في هذيانه فيقول (( وبعد كل هذا أتساءل كيف استحقت عائشة كل هذا هذا التقدير والاحترام من أهل السنة والجماعة، ألأنها زوج النبي، فزوجاته كثيرات وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي نفسه ـ ويشير بالهامش إلى الترمذي والاستيعاب والإصابة ـ ثم يقول ... أم لأنها ابنة أبي بكر! أم لأنها هي التي لعبت الدور الكبير في إنكار وصيّة النبي لعليّ حتى قالت عندما ذكروا عندها أن النبي أوصى لعلي: قالت من قاله لقد رأيت النبي (ص) وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست فانحنت فمات فما شعرتُ فكيف أوصى إلى علي ))(2). فأقول لهذا الشانئ:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب التفسير ( التحريم ) برقم (4632).
(2) ثم اهتديت ص (119 ، 120).(172/76)
1ـ عائشة استحقّت كل هذا التقدير والاحترام وأكثر، من أهل السنة والجماعة لأنها زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطيب الذي اختارها لأن تكون زوجة له لأنها طيبة أيضاً والله سبحانه يقول { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، أولئك مبرّءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } ( النور 26) قال (( مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت والضحاك: نزلت في عائشة وأهل الإفك، واختاره بن جرير الطبري ))(1)وقوله { أولئك مبرءون مما يقولون } : أي هم بعداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان ))(2) وعندما يحاول التيجاني إثبات أن عائشة خبيثة ألا يعتبر هذا من أعظم المطاعن في النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟! فكيف لا والله يقول { الخبيثات للخبيثين...}!!؟ ونقدرها لأنها أمنا في الإيمان فالله يقول { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم ..} ( الأحزاب5 )
__________
(1) تفسير ابن كثير جـ3 سورة النور ص (288).
(2) تفسير ابن كثير سورة النور جـ3 ص (289).(172/77)
2ـ أما قوله (( ألأنها زوج النبي، فزوجاته كثيرات وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي نفسه )) ثم يشير بالهامش إلى الترمذي والاستيعاب والإصابة...(1)، فأقول فتحت سنن الترمذي على أبواب الفضائل (باب) فضل عائشة فوجدت هذا الحديث عن (( عائشة قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت: فاجتمع صواحباتي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير، كما تريد عائشة، فقولي لرسول الله يأمر الناس يهدون إليه أين ما كان. فذكرت ذلك أم سلمة، فأعرض عنها، ثم عاد إليها فأعادت الكلام، فقالت: يا رسول الله إنّ صواحباتي قد ذكرن أن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة فأمرِ الناس يهدون أين ما كنت، فلما كانت الثالثة قالت ذلك: قال: ( يا أم سلمة لا تُؤذيني في عائشة، فإنّهُ أنزل علي الوَحيَ وأنا في لِحافِ امرأَةٍ منْكُنَّ غيرها ) ))(2)، وعن عمرو بن العاص (( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعمله على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: ( يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها ) ))(3)، وعن أنس قال (( قيل يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قيل من الرجال؟ قال: أبوها ))(4)، وعن عبد الله بن زياد الأسدي قال (( سمعت عمار بن ياسر يقول: هي زوجته في الدنيا والآخرة ـ يعني: عائشة ))(5)، وعن انس بن مالك (( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فضل عائشة على النساء، كَفَضلِ الثَّريدِ على سائِرِ الطَّعام ))(6)، وعن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنَّ جِبْرَائيلَ يَقْرَأ عَلَيْكِ
__________
(1) ثم اهتديت ص (119).
(2) سنن الترمذي جـ5 كتاب المناقب ـ باب ـ فضل عائشة برقم (3879).
(3) سنن الترمذي برقم (3886) ورواه البخاري برقم (3462).
(4) المصدر السابق برقم (3890).
(5) سنن الترمذي برقم (3889).
(6) المصدر السابق برقم (3887).(172/78)
السلام، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله ))(1)،عن أبي موسى قال (( ما اشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديث قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علماً ))(2)، عن موسى بن طلحة قال (( ما رأيت أحداً أفصح من عائشة ))(3)، ثم فتحت باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت هذا الحديث عن صفية بنت حيي قالت: (( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم +، وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام، فذكرت ذلك له، فقال: ( ألا قلتِ: وكيف تكونان خيرا منِّي، وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى ) وكأن الذي بلغها أنهم قالوا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها، وقالوا: نحن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبنات عمه ))(4)، هذه هي الأحاديث الواردة في فضل عائشة وصفية فأقول:
أ ـ لا شك أن عائشة أفضل نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتضافر الأدلة الصريحة في ذلك والصحيحة من أصح كتب الحديث أمثال البخاري ومسلم.
ب ـ بالنسبة لحديث صفية فليس فيه ما يظهر أنها أفضل من عائشة أو حفصة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال لها ما قال أراد إسترضائها في مقابل ما ذكرته عائشة وحفصة في حقها بخلاف الأحاديث الصريحة التي يؤكد فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضل عائشة على جميع نسائه.
__________
(1) المصدر السابق برقم (3882).
(2) المصدر السابق برقم (3883) وانظر صحيح الترمذي للألباني برقم (3044).
(3) المصدر السابق برقم (3884) وانظر صحيح الترمذي للألباني برقم (3046).
(4) المصدر السابق برقم (3892).(172/79)
ت ـ أقول ذلك على فرض صحة حديث صفية ولكن الحديث ضعيف الإسناد فـ((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هاشم الكوفي، وليس إسناده بذلك))(1)، وأما الاستيعاب فقد ذكر في ترجمتها نفس الحديث المذكور ولم يذكر غير ذلك(2) وأما في ترجمة عائشة فقد ذكر في فضائلها الكثير فأثبت أنها من أعلم أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيروى عن الزهري قوله (( لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل ))(3)، ثم ساق في إثبات أنها أحب النساء وأفضلهن عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث عمرو بن العاص، وحديث أنس اللذان سبقا قبل قليل(4). وأما الإصابة فكل الروايات التي ذكرها بالتغاضي عن صحتها لا يوجد بها حديث واحد فيه التصريح بتفضيل حفصة على عائشة إلا الحديث السابق(5).
3ـ أما قوله (( أما لأنها لعبت الدور الكبير في إنكار وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي حتى قالت ثم ذكر الحديث ... الخ ))، فأقول:
أ ـ لم تلعب عائشة رضي الله عنها الدور الكبير في إنكار وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدعي هذا التيجاني فلو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى لعلي حقاً لما كانت عائشة تستطيع الإنكار أمام الأمة، ولكنها قالت ما تعرفه هي حسب علمها وهو أن النبي مرض وتوفّي عندها ولم تسمع في هذه القضية منه أي شئ.
__________
(1) ضعيف سنن الترمذي للألباني برقم (816).
(2) الإستيعاب جـ4 حرف الصاد ص (1872).
(3) الإستيعاب جـ4 حرف العين ص (1883).
(4) نفس المصدر.
(5) راجع الإصابة جـ7 ص (739 ـ 742).(172/80)
ب ـ إذا أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يوصي، لا بد أن يذكر ذلك أمام الناس ولا يكتفي بذكره عند امرأته، والتيجاني يدعي أن الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى لعلي بالخلافة مستفيضة ومعلومة وقد ذكر بعضها في كتابه، وادعى أنها صريحة في استخلاف عليّ، فكيف يتهوّك فيقول أن عائشة لعبت الدور الكبير في إنكار الوصية لعلي؟! فإذا كانت كل هذه الأدلة الظاهرة على إمامة عليّ كما تزعم ليست حجة في نظر أهل السنة فقول عائشة أحْرى أن يكون هو الحق.
ت ـ عائشة رضي الله عنها الصدّيقة بنت الصديق لا يمكن أن تنكر وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ إن كان هذا حقاً، فهي الطيّبة زوجة الطيّب في الدنيا والآخرة، وهي خير زوجاته وأفضلهنّ وأحبهنّ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وما استحقت هذه المنزلة إلا لأنها من خير نساء الأرض، فكيف نصدق التيجاني المتمرّس علىخصلة الكذب الذي يأتي إلى الرواية الصادقة فيكّذبها، ويأتي إلى الرواية الكاذبة فيصدقها، ويتهم خير الناس بأنهم أشّر الناس ويدعي على أضلّ الناس بأنهم أصحاب هداية، فكيف برجل هذا حاله، هل نصدقه ونكذّب خير نساء أمهات المؤمنين؟!(172/81)
ثم يقول (( أم لأنها حاربته حرباً لا هوادة فيها وأولاده من بعده حتى اعترضت جنازة الحسن سيد شباب أهل الجنة ومنعت أن يدفن بجانب جده رسول الله قائلة: لاتدخلوا بيتي من لا أحب ونسيت أو تجاهلت قول الرسول فيه وفي أخيه ( الحسن والحسين سيدّا شباب أهل الجنة ) أو قوله ( أحب الله من أحبهما وأبغض الله من أبغضهما )، أو قوله ( أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم )، وغير ذلك كثير لست في معرض الكلام عنه... كيف لا وهما ريحانتاه من هذه الأمة ))(1)، ويقول في موضع آخر (( وإذا كانت فاطمة الزهراء التي أوصت بدفنها سراً فلم تدفن بالقرب من قبر أبيها كما ذكرت فما بال ما حصل مع جثمان ولدها الحسن لم يدفن قرب قبر جده؟! حيث منعت هذا ( أم المؤمنين ) عائشة وقد فعلت ذلك عندما جاء الحسين بأخيه الحسن ليدفنه إلى جانب جدّه رسول الله، فركبت عائشة بغلة وخرجت تنادي وتقول: لا تدفنوا في بيتي من لا أحب. واصطف بنو أمية وبنو هاشم للحرب ولكنّ الإمام الحسين قال لها: بأنه سيطوف بأخيه على قبر جدّه ثم يدفنه في البقيع لأن الإمام الحسن أوصاه أن لا يهرقوا من أجله ولو محجمة من دم. وقال لها ابن عباس أبياتاً مشهورة:
تجمّلت تبغلت ولو عشت تفيّلت لك التسع من الثمن وبالكل تصرفت ))(2)،
فأقول:
1ـ أين مصدر هذه الأكاذيب وما مدى صحتها؟ فإن كانت عند التيجاني الجرأة فلْيُرنا من أين استقى هذه السخافة، وإلا فباستطاعة أي أحمق أن يتقول على خير الناس ما يشاء من الهذيان!
__________
(1) ثم اهتديت ص (120).
(2) المصدر السابق ص (139 ـ 140).(172/82)
2ـ لا شك في كذب هذه الروايات على أم المؤمنين ـ بل وكل مايروى عنها في هذا الباب فهو كذب ـ فلم أجد لها أثر في أي من كتب أهل السنة، بل وجدت العكس، فقد أورد ابن الأثير في خبر وفاة الحسن بن عليّ رضي الله عنهما أن (( الحسن استأذن عائشة ـ أي في دفن أخيه ـ فأذنت له ))(1)، وفي الاستيعاب (( فلما مات الحسن أتى الحسين عائشة فطلب ذلك إليها فقالت: نعم وكرامة ))(2)! وفي البداية (( أن الحسن بعث يستأذن عائشة في ذلك فأذنت له ))(3)، فانظر أخي القارئ إلى الحق الواضح وكيف يحيف التيجاني عن ذلك ثم يدعي الإنصاف والعقلانية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
3ـ أعداء الحسن بن عليّ رضي الله عنهما الحقيقيون هم الذين يزعمون أنهم له شيعة، وهم من أرذل الناس وأفسدهم وذلك باعتراف الشيعة الاثني عشرية أنفسهم، فيروي أبو منصور الطبرسي ـ من أئمتهم ـ عن الحسن بن علي قوله (( أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي (!!) وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي، والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي واومن به في أهلي (!؟)، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وبيتي ))(4)8)!!! فهؤلاء هم أعداء الحسن بن عليّ وليس عائشة يا تيجاني ومن كتب الهداة ندينك!
__________
(1) الكامل لابن الأثير جـ3 ص (315) سنة 49 هـ.
(2) الإستيعاب جـ1 حرف (ح) الحسن بن علي ص (392).
(3) البداية والنهاية لابن كثير جـ8 ص (46) سنة 49 هـ.
(4) الإحتجاج للطبرسي جـ2 ص (290).(172/83)
4ـ أما ادعاؤه على ابن عباس أنه قال عن أم المؤمنين بيتين من الشعر، فمع ركاكة هذين البيتين فينقضها ما قاله في حقها عند وفاتها، فقد أخرج أحمد في الفضائل عن ذكوان مولى عائشة (( أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها إبن اخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقال هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك، فقالت دعني من ابن عباس، ومن تزكيته فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن أنه قارئ لكتاب الله فقيه في دين الله فأذني له ليسلم عليك وليودعك قالت فأذن له إن شئت قال فأذن له فدخل ابن عباس ثم سلم وجلس فقال أبشري يا أم المؤمنين فوالله ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب أو قال وصب وتلقي الأحبة محمد وحزبه أو قال أصحابه إلا أن يفارق روحك جسدك، فقالت: وأيضاً، فقال ابن عباس: كنت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه ولم يكن ليحب إلا طيباً، وأنزل الله عز وجل براءتك من فوق سبع سماوات فليس في الأرض مسجد إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها أو قال في طلبها حتى أصبح القوم على غير ماء فانزل الله عز وجل { فتيمّموا صعيداً طيباً } الآية، فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سبيلك، فوالله انك لمباركة، فقالت: دعني يا ابن عباس من هذا فوالله لوددت لو أني كنت نسيا منسيّا ))(1)، وفي مناقشته للخوارج الذين قاتلهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه احتج عليهم بقوله (( قلت: ـ أي ابن عباس ـ وأم قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم. أفتسبون أمكم عائشة، وتستحلّون منها ما تستحلّون من غيرها، وهي أمكم؟ فإن قلتم إنا نستحل منها ما نستحلّ من غيرها، فقد كفرتم (!!)، ولأن قلتم ليست بأمنا، فقد كفرتم (!!!)، لأن الله تعالى يقول { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه
__________
(1) فضائل الصحابة لأحمد جـ2 برقم (1639) وقال المحقق: إسناده صحيح.(172/84)
أمهاتهم }. فأنتم تدورون بين ضلالتين، فأتوا منهما بمخرج. قلت: فخرجت من هذه؟ قالوا: نعم،... ))(1)، فهذه الروايات الصحيحة ترد هذه الرواية المجهولة المصدر ولعلها من خزعبلات التيجاني.
ثم يتخرص فيقول (( ... أما عن ابنته عائشة وقد عرفنا موقفها من الإمام عليّ فهي تحاول بكل جهدها دعم أبيها ولو بأحاديث موضوعة ))(2)!؟
1ـ أقول: للمحدث التيجاني! هل تعرف ما هو الحديث الموضوع؟ الحديث الموضوع هو من كان راويه متهماً بالكذب، وبما أن الراوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو عائشة رضي الله عنها، فهل هي ممن اتهم بالكذب؟! فإن زعمت ذلك فيعزوك الدليل لأن كل الدلائل القرآنية والحديثية، إضافة إلى سيرتها تشير إلى صدقها، وأنها لا يمكن أن تكذب على زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوضعها أحاديث في فضائل أبيها، فلا يتبقّى إلا أن نحكم على التيجاني بأنه الكذّاب، ولا شك أن ذلك لا يضيره أبداً،لأنه يعلم أن من أعظم خصال شيعته الرافضة، والتي يتميزون بها عن سائر الفرق ألا وهي خصلة الكذب والتخرّص!
__________
(1) خصائص أ مير المؤمنين للنسائي رقم (185) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(2) ثم اهتديت ص (141).(172/85)
2ـ إذا كانت عائشة تروي الأحاديث الموضوعة فكيف تستشهد بالأحاديث التي ترويها مسلّم بها، مثل شهادة عائشة في أن آية التطهير نزلت في عليّ وفاطمة وابنيها(1)، وروايتها لحديث القوم الذين يتنزّهون عما رخص فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (2)، وتستشهد بحديث مطالبة فاطمة بحقها من ميراث أبيها والذي ترويه عائشة(3)، وبحديث إنكارها أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى لعليّ(4)، أكل هذه الأحاديث تستشهد بها وتعترف بها، وهي التي ترويها عائشة، ثم تدعي أنها تروي الأحاديث الموضوعة؟! وكيف يستشهد برواياتها شيخ الإمامية ابن بابويه القمي في كتابه ( الخصال ) مسلّم هو أيضاً بها(5) سبحان الله، إنظر كيف يظهر الله الحق على ألسنتهم.
ثم يختم كذبه فيقول (( مع أن الباحث في هذه المسألة يجد رائحة الوصية لعلي تفوح رغم كتمانها وعدم ذكرها فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا كما أخرج مسلم أيضاً في صحيحه في كتاب الوصية أنه ذكر عند عائشة أن النبي أوصى إلى علي. أنظر كيف يظهر الله نوره ولو ستره الظالمون.... ـ ثم يقول ـ وإذا كانت عائشة أم المؤمنين لا تطيق ذكر اسم عليّ ولا تطيب له نفساً كما ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته والبخاري في صحيحه ( باب مرض النبي ووفاته ) وإذا كانت تسجد شكراً عندما سمعت بموته، فكيف يرجى منها ذكر الوصية لعلي وهي من عرفت لدى الخاص والعام بعدائها وبغضها لعليّ وأولاده ولأهل بيت المصطفى ))(6)، فأقول:
1ـ الذي يبدو حقاً ان رائحة الكذب الذي امتهنه التيجاني قد فاح وامتلأ به كتابه وادعاءه الهداية!
__________
(1) ثم اهتديت ص (115).
(2) ثم اهتديت ص (92).
(3) ثم اهتديت ص (114).
(4) ثم اهتديت ص (164).
(5) الخصال للقمي ص (69، 70، 71).
(6) ثم اهتديت ص (164).(172/86)
2ـ أما الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم والذي يدعي فيه التيجاني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى لعليّ هو حديث عائشة عندما ذكروا عندها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى لعلي فأنكرت ذلك، مستدلّة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات عندها ولم يوص، وهي الصادقة في ذلك، والغريب أن يجعل التيجاني هذا الحديث حجة له لا عليه، ولست أدري والله ما نوع الحجة في هذا الحديث فهل قول من قال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى لعلي دون دليل صريح مرفوع منه صلى الله عليه وآله وسلم يعتبر حجة؟! كيف ذلك والحجة أوضح من الشمس متمثّلة في إجابة عائشة الأدرى بوصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، سبحان الله، إنظر كيف يظهر الله نوره ولو ستره الظالمون!؟
3ـ أما ادعاؤه على عائشة أنها لا تطيق ذكر اسم عليّ فقد أجبت عنه في موضع سابق والحمد لله، ولا يوجد في طبقات ابن سعد مما يدّعيه التيجاني من أن عائشة لا تطيق ذكر اسم عليّ، وأما في البخاري فهو يشير إلى حديث عائشة الذي يدّعي فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى فيه لعليّ تصريحاً بذكر اسم عليّ، راجع كتاب التيجاني نفسه الذي يذكر فيه هذا الحديث(1)، والحمد لله أولاً وأخيراً.
الباب العاشر:
مبحث مطاعن التيجاني في طلحة والزبير والرد عليه في ذلك:
الصحابيان الجليلان طلحة والزبير اللذان شهد لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة(2) لا بد أن تنالهما يد التيجاني بالطعن تارة، والتحريف لسيرتهما تارة أخرى وسبب ذلك أنهما ممن شاركا في المطالبة بالقصاص من عثمان رضي الله عنه وسوف أسوق مطاعن التيجاني في حقهما وأذود عنهما بالبنان والقلم.
__________
(1) راجع ثم اهتديت ص (119 ـ 120).
(2) راجع الترمذي كتاب المناقب برقم (3747).(172/87)
أولاًـ إدّعى التيجاني في مبحث ( حديث التنافس على الدنيا ) أنهما ممن تنافسا على الدنيا، وأخذا يكنزان الذهب والفضة الخ، وقد رددت على هذه الحجة بالأدلة الواضحة التي تبرىء هذين الصحابيين من الذي نسبه إليهما هذا التيجاني الشانئ فليراجع في موضعه(1)
ثانياًـ إتهم التيجاني طلحة والزبير بأنهما كانا من ضمن الخارجين على عثمان وأنهما شاركا في حصاره ومنعه وقد فندت هذه الكذبة الممجوجة في مبحث عائشة السابق فليراجع(2).
ثالثاًـ ادعاء التيجاني على طلحة والزبير أنهما يشهدان الزور والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ودعني من كل هذا فأنا لا أريد البحث عن تاريخ أم المؤمنين عائشة ولكن أريد الإستدلال على مخالفة كثير من الصحابة لمبادئ الإسلام وتخلّفهم عن أوامر رسول الله (ص)، ويكفيني من فتنة أم المؤمنين دليلاً واحداً أجمع عليه المؤرخون، قالوا لما جازت عائشة ماء الحوأب ونبحتها كلابها تذكرت تحذير زوجها رسول الله ونهيه إياها أن تكون هي صاحبة الجمل، فبكت وقالت ردّوني ردّوني. ولكن طلحة والزبير جاؤوها بخمسين رجلاً جعلوا لهم جعلاً، فأقسموا الله أن هذا ليس بماء الحوأب فواصلت مسيرها حتى البصرة، ويذكر المؤرخون أنها أوّل شهادة زور في الإسلام ـ ثم يعزو هذا الخبر إلى الطبري وابن الأثير والمدائني وغيرهم من المؤرخين الذين أرخوا السنة ست وثلاثين ـ ثم يقول... دلّونا أيها المسلمون يا أصحاب العقول النيّرة على حل لهذا الإشكال، أهؤلاء هم الصحابة الأجلاّء الذين نحكم نحن بعدالتهم ونجعلهم أفضل البشر بعد رسول الله (ص)! فيشهدون شهادة الزور التي عدّها رسول الله (ص) من الكبائر الموبقة التي تقود إلى النار ))(3)، فأقول:
__________
(1) راجع ص (122).
(2) راجع ص (346).
(3) ثم اهتديت ص (118).(172/88)
1ـ حل هذا الإشكال بسيط جداً لأننا لو فتحنا كتاب الطبري وابن الأثير لما وجدنا لهذا الخبر أثراً اللهم إلا هذه الرواية (( فعن الزهري، قال: بلغني أنه لما بلغ طلحة والزبير منزل عليّ بذي قار انصرفوا إلى البصرة، فأخذوا على المنْكَدِر، فسمعت عائشة رضي الله عنها نُباح الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ فقالوا: الحوأب، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، إني لهية، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول وعنده نساؤه ( ليت شعري أيَّتكنّ تنبحها كلاب الحوأب ). فأرادت الرجوع، فأتاها عبد الله بن الزبير فزعم أنه قال: كذب من قال إنّ هذا الحوأب. ولم يزل حتى مضت ))(1)، والحمد لله أن الكتابين يملآن الأسواق، وليطّلع عليهما القارئ الذي يبحث عن الحق ليعلم إلى أي درجة وصلت بهذا التيجاني جرأة الكذب! ورواية الطبري وابن الأثير كما هو واضح لا تأتي على ذكر طلحة والزبير، وإنما عبد الله بن الزبير، وليس فيها شهادة زور، وحتى مقولة أنّ ابن الزبير: كّذب من قال إن هذا الحوأب، فجاءت بصيغة تمريضية، لأن الزهري قال ( فزعم أنه قال ).
1ـ هذا الخبر الذي ينسبه التيجاني لطلحة والزبير خبرٌ باطل لسببين:
أ ـ مما لا شك فيه أن طلحة والزبير رضي الله عنهما المشهود لهما بالجنة من أصدق الناس وأعلاهما أخلاقاً، وأجلّ من أن يشهدا شهادة زور في أمرٍ كهذا!
__________
(1) الطبري جـ3 ص (18) سنة 36 هـ وابن الأثير جـ3 ص (103) سنة 36 هـ(172/89)
ب ـ هذا الخبر المكذوب تعارضه رواية صحيحة في خبر الحوأب فعن قيس بن أبي حازم البجلي ـ ثقة ـ قال (( لما بلغت عائشة رضي الله عنها بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت: أي ماء هذا، قالوا الحوأب قالت: ما أظنني إلا راجعة فقال الزبير لا بعد تقدمي ويراك الناس ويصلح الله ذات بينهم قالت: ما أظنني إلا راجعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب ))(1)، ومع ذلك لا يستحي هذا المهتدي أن يقول يكفيني من فتنة أم المؤمنين دليلاً واحداً أجمع عليه المؤرخون!؟ لا أريد منك إثبات هذا الإجماع الخيالي!؟، ولكن أريد منك مصدراً واحداً يذكر فيه هذا الخبر المكذوب؟، وبعد ذلك أقول للتيجاني أعتقد أنني قد أرشدتك على حل لهذا الإشكال والحمد لله الكبير المتعال.
الباب الحادي عشر:
مبحث مطاعن التيجاني في معاوية بن أبي سفيان والرد عليه في ذلك:
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك جـ3 ص (120) وأبو يعلى في مسنده برقم (4868) ص (282) وقال المحقق: اسناده صحيح وموارد الظمآن برقم (1831) ـ باب ـ في وقعة الجمل جـ6 ص (73) وقال ابن كثير في البداية ( هذا اسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه ) جـ6 ص (217) وقال الألباني ( واسناده صحيح جداً، رجاله ثقات أثبات من رجال الستة الشيخين والأربعة ) سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (474) ص (768).(172/90)
من المسلم به أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان من أبرز من قاتل علياً رضي الله عنه بشأن مقتل عثمان والذي مثل زعامة الجانب المقابل لعلي في معركة صفين فما كان من التيجاني إلا أن صب جام غضبه عليه واتهمه بالظلم والضلال وسوف أسوق ادعاءات التيجاني على هذا الصحابي مفنداً لها ومدافعاً عن كاتب الوحي الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به ))(1)
يقول التيجاني (( أن عمر بن الخطاب الذي اشتهر بمحاسبة ولاته وعزلهم لمجرّد الشبهة نراه يلين مع معاوية بن أبي سفيان ولا يحاسبه أبداً وقد ولاّه أبو بكر وأقرّه عمر طيلة حياته ولم يعترض عليه حتى بالعتاب واللّوم، رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية ويقولون له بأنّ معاوية يلبس الذهب والحرير اللذين حرمهما رسول الله على الرّجال، فكان عمر يجيبهم: دعوه فإنه كسرى العرب، واستمر معاوية في الولاية أكثر من عشرين عاماً لم يتعرّض له احد بالنقد ولا بالعزل ولمّا ولي عثمان خلافة المسلمين أضاف إليه ولايات أخرى مكّنته من الاستيلاء على الثروة الإسلامية وتعبئة الجيوش وأوباش العرب للقيام بالثورة على إمام الأمة والاستيلاء على الحكم بالقوة والغضب والتحكّم في رقاب المسلمين وارغامهم بالقوّة والقهر على بيعة ابنه الفاسق شارب الخمر يزيد وهذه قصّة أخرى طويلة بصدد تفصيلها في هذا الكتاب ))(2)، فأقول:
__________
(1) سنن الترمذي كتاب المناقب باب مناقب معاوية برقم (3842) وانظر صحيح الترمذي رقم (3018).
(2) ثم اهتديت ص (93 ـ 94).(172/91)
1ـ يبدو أن التيجاني في كل ما يسوقه لا يستطيع أن يتخلى عن بعض الخصال التي يتمتع بها ومن ضمنها الجهل! فهو يدعي أن أبا بكر قد ولى معاوية فأقره عمر طيلة حياته! ولكن المعروف عند كل من درس سيرة الخلفاء أن أبا بكر قد ولى يزيد بن أبي سفيان الشام، وبقي واليا عليها في خلافة عمر وأقره عمر فلما توفي يزيد ولى أخاه معاوية بن أبي سفيان.
2ـ أما أن عمر كان يلين مع معاوية ولا يحاسبه أبداً فما هو الدليل على ذلك؟ ومن أين يستقي هذا التيجاني هذه الإدعاءات؟ فهل من مصدر يرشدنا إليه وإلا فأقول له كما يقول الشاعر:
والدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء!
ولكن الثابت يشهد بخلاف ذلك فقد أورد ابن كثير في البداية (( أن معاوية دخل على عمر وعليه حلة خضراء فنظر إليها الصحابة، فلما رأى ذلك عمر وثب إليه بالدرة فجعل يضربه بها، وجعل معاوية يقول: يا أمير المؤمنين الله الله في، فرجع عمر إلى مجلسه فقال له القوم: لم ضربته يا أمير المؤمنين؟ وما في قومك مثله؟ فقال: والله ما رأيت إلا خيراً، وما بلغني إلا خير، ولو بلغني غير ذلك لكان مني إليك غير ما رأيتم، ولكن رأيته ـ وأشار بيده ـ فأحببت أن أضع منه ما شمخ ))(1).
3ـ أما قوله (... رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية ويقولون له بأن معاوية يلبس الذهب والحرير (!) اللذين حرمهما رسول الله على الرجال، فكان عمر يجيبهم: دعوه فإنه كسرى العرب )، فأقول:
أ ـ أما قوله رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية يكذبه الواقع والتاريخ فقد مكث معاوية أربعين عاماً يحكم أهل الشام وكانت علاقته بهم علاقة حب وولاية لدرجة أنهم أجابوه بقوة للأخذ بدم عثمان.
__________
(1) البداية والنهاية جـ8 ص (128).(172/92)
ب ـ أما أنّ عمر قد قال في معاوية بأنه كسرى العرب عندما علم بأنه يلبس الذهب والحرير! فأرجو من المؤلف أن يرشدنا إلى المصدر الذي استقى منه هذا الكذب، والغريب أن يضرب عمر معاوية للبسه حلّة خضراء مباحة، ويسكت عليه عندما يلبس الذهب والحرير المحرّم؟!
ت ـ أما الرواية عن عمر هو ما رواه ابن أبي الدنيا عن أبي عبد الرحمن المدني قال (( كان عمر بن الخطاب إذا رأى معاوية قال: هذا كسرى العرب ))(1)
4ـ ثم يقول ( واستمر معاوية في الولاية أكثر من عشرين عاماً لم يتعرض له أحد بالنقد ولا بالعزل ولما ولي عثمان خلافة المسلمين أضاف إليه ولايات أخرى مكنته من الإستيلاء على الثورة الإسلامية ...)، فأقول:
أ ـ ليس في تولية معاوية للشام أي مطعن في عمر أو عثمان فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ولى أبوه أبو سفيان على نجران حتى توفي بل كان الكثير من أمراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بني أمية (( فإنه استعمل على مكة عتّاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص بن أمية على صدقات مَذْحج وصنعاء اليمن، ولم يزل عليها حتى مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، واستعمل عمرو على تيماء وخيبر وقرى عرينة، وأبان بن سعيد بن العاص استعمله على البحرين برها وبحرها حين عزل العلاء بن الحضرمي، فلم يزل عليها حتى مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأرسله قبل ذلك أميراً على سرايا منها سرية إلى نجد ))(2).
__________
(1) البداية والنهاية جـ8 ص (128).
(2) منهاج السنة جـ4 ص (460).(172/93)
ب ـ وعندما ولي معاوية الشام كانت سياسته مع رعيته من أفضل السياسات وكانت رعيته تحبه ويحبُّهم (( قال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحداً أعظم حلماً ولا أكثر سؤدداً ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجاً، ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية. وقال بعضهم: أسمع رجل معاوية كلاماً سيئاً شديداً، فقيل له لو سطوت عليه؟ فقال: إني لاستحي من الله أن يضيقَ حلمي عن ذنب أحد رعيتي. وفي رواية قال له رجل: يا أمير المؤمنين ما أحلمك؟ فقال: إني لأستحي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي ))(1)، لذلك استجابوا له عندما أراد المطالبة بدم عثمان وبايعوه على ذلك ووثقوا له أن يبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم، أو يدركوابثأره أو ينفي الله أرواحهم قبل ذلك(2).
__________
(1) البداية النهاية جـ8 ص (138).
(2) المصدر السابق جـ8 ص (131).(172/94)
ت ـ أما ادعاؤه على معاوية أنه استولى على الثورة الإسلامية وتعبئة الجيوش وأوباش العرب للقيام بالثورة على إمام الأمة والاستيلاء على الحكم بالقوة والغصب والتحكم في رقاب المسلمين فهذا من أكبر الكذب على معاوية فإنه ما أراد الحكم ولا اعترض على إمامة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بل طالب بتسليمه قتلة عثمان ثم يدخل في طاعته بعد ذلك، فقد أورد الذهبي في ( السير ) عن يعلى بن عبيد عن أبيه قال (( جاء بو مسلم الخولاني وناس معه إلى معاوية فقالوا له: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل مني، وإنه لأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدم عثمان، فأتوه فقولوا له فليدفع إليّ قتلة عثمان وأسلّم لهُ فأتوْا علياً فكلّموه بذلك فلم يدفعهم إليه ))(1)، طالما أكّد معاوية ذلك بقوله (( ما قاتلت علياً إلا في أمر عثمان )) ، وهذا هو ما يؤكده عليّ ومن مصادر الشيعة الاثني عشرية أنفسهم، فقد أورد الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة في خطبة لعليّ قوله (( وبدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء ))(2)، فهذا عليّ يؤكد أن الخلاف بينه وبين معاوية هو مقتل عثمان وليس من أجل الخلافة أو التحكم في رقاب المسلمين كما يدعي التيجاني.
__________
(1) سير أعلام النبلاء جـ3 ص (140) وقال المحقق: رجاله ثقات.
(2) نهج البلاغة جـ3 ص (648).(172/95)
5ـ أما قوله بأن معاوية أرغم المسلمين بالقوة والقهر على بيعة إبنه الفاسق شارب الخمر يزيد، فهذا من الكذب الظاهر فإن معاوية لم يرغم الناس على بيعة ابنه يزيد ولكنه عزم على الأخذ بعقد ولاية عهده ليزيد وتم له ذلك، فقد بايع الناس ليزيد بولاية العهد ولم يتخلّف إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وتوفيّ معاوية ولم يرغمهم على البيعة. أما أن يزيد فاسق شارب للخمر فهذا كذب أيضاً وندع محمد بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يجيب على هذا الادعاء لأنه أقام عند يزيد وهو أدرى به، قال ابن كثير في البداية (( لما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدّى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواضباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنّعاً لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه. فقال لهم أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } ولست من أمركم في شيء، قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نولّيك أمرنا. قال: ما استحل القتال على ما تريدونني عليه تابعاً ولا متبوعاً، فقالوا: فقد قاتلت مع أبيك، قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه، فقالوا: فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا، قال: لو أمرتهما قاتلت. قالوا: فقم معنا مقاماً نحض الناس فيه على القتال، قال: سبحان الله!! آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه إذاً ما نصحت لله في عباده قالوا: إذاً نكرهك. قال: إذا آمر الناس بتقوى(172/96)
الله ولا يرضون المخلوق بسخط الخالق، وخرج إلى مكة ))(1).
ثانياً ـ ادعاء التيجاني على معاوية بأنه أمر بسبّ عليّ، وأنه ليس من كتبة الوحي والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( وقد بحثت كثيراً عن الدوافع التي جعلت هؤلاء الصحابة يغيرون سنة رسول الله (ص)، واكتشفت أن الأمويين وأغلبهم من صحابة النبي وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان ( كاتب الوحي ) كما يسمّونه كان يحمل الناس ويجبرهم على سبّ علي بن أبي طالب ولعنه من فوق منابر المساجد، كما ذكر ذلك المؤرخون، وقد أخرج مسلم في صحيحه في باب ( فضائل علي بن أبي طالب) مثل ذلك، وأمر عمّاله ـ يعني معاوية ـ في كل الأمصار باتخاذ ذلك اللعن سنّة يقولها الخطباء على المنابر ))(2)، ويقول في موضع آخر (( كيف يحكمون باجتهاده ويعطوه أجراً وقد حمل الناس على لعن علي واهل البيت ذرية المصطفى من فوق المنابر ))(3)، وفي موضع آخر يقول (( حمل الناس على لعن علي وأهل البيت ذرية المصطفى من فوق المنابر وأصبحت سنة متبعة لستين عاماً ))(4)، ويقول (( وكيف يسمّونه ( كاتب الوحي )... وقد نزل الوحي على رسول الله (ص) طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، كان معاوية لأحد عشر عاماً منها مشركاً بالله... ولمّا أسلم بعد الفتح لم نعثر على رواية تقول بأنه سكن المدينة في حين أن الرسول (ص) لم يسكن مكة بعد الفتح..... فكيف تسنى لمعاوية كتابة الوحي يا ترى؟! ))(5)، فأقول:
__________
(1) البداية والنهاية جـ8 ص (236).
(2) ثم اهتديت ص (106 ـ 107).
(3) المصدر السابق ص (121).
(4) المصدر السابق ص (169).
(5) المصدر السابق ص (170).(172/97)
1ـ أما ان معاوية أمر بسبّ عليّ من على المنابر فكذب، ولا يوجد دليل صحيح ثابت بذلك، وسيرة معاوية واخلاقه تستبعد هذه الشبهة، أما ما يذكره بعض المؤرخين من ذلك فلا يلتفت إليه لأنهم بإيرادهم لهذا التقول لا يفرقون بين صحيحها وسقيمها، إضافة إلى أن أغلبهم من الشيعة، ولكن بعض المؤرخين رووا في كتبهم روايات فيها الصحيح والباطل، ولكنهم أُعْذروا عندما اسندوا هذه المرويات إلى رواتها لنستطيع الحكم عليها من حيث قبولها أو ردها، ومن هؤلاء الطبري ـ الذي عاش تحت سطوة وتعاظم قوة الرافضة، الذي يقول في مقدمة تاريخه (( ولْيعلم الناظر في كتابنا هذا أنّ اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما اشترطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويتُ من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه، دون ما إدرك بحجج العقول، واستنبط بفكر النفوس، إلا اليسير القليل منه، إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين، وما هو كائن من أنباء الحادثين، غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم، إلا بإخبار المخبرين ونقل الناقلين دون الاستخراج بالعقول، والاستنباط بفكَر النفوس. فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة، ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يُؤتَ في ذلك من قِبَلنا، وإنما أُتي من قِبَل بعض ناقليه إلينا، وأناّ إنما أدينا ذلك على نحو ما أدِّيَ إلينا ))(1)، لذلك يجب على التيجاني عندما يحتج بالمؤرخين أن يذكر الرواية التي تبين أن معاوية أمر بلعن عليّ من على المنابر، ثم يرغي ويزبد بعد ذلك كما يشاء.
__________
(1) تاريخ الطبري ـ المقدمة ص (13).(172/98)
2ـ أما قوله أن مسلم أخرج في صحيحه باب فضائل علي مثل ذلك فكذب أيضاً، فالرواية التي يقصدها هي ما رواه عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال (( أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسُبَّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلن أسُبّهُ لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حُمر النَّعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول له خلّفه في مغازيه فقال له عليُّ: يا رسول الله، خلَّفْتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما ترضىأن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوّة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأُ عْطينَّ الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً، فأُتي به أرْمَد فبصق في عَيْنه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: { قل تعالوْا ندعُ أبْنائنا وأبْناءَكم ...}، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحُسيناً فقال: اللهم، هؤلاء أهلي ))(1).
__________
(1) صحيح مسلم مع الشرح كتاب الصحابة ـ باب ـ فضائل علي رقم (2404).(172/99)
وهذا الحديث لا يفيد أن معاوية أمر سعداً بسبِّ عليّ، ولكنه كما هو ظاهر فإن معاوية أراد أن يستفسر عن المانع من سب عليّ، فأجابه سعداً عن السبب ولم نعلم أن معاوية عندما سمع رد سعد غضب منه ولا عاقبه، وسكوت معاوية هو تصويب لرأي سعد، ولو كان معاوية ظالماً يجبر الناس على سب عليّ كما يدّعي هذا التيجاني، لما سكت على سعد ولأجبره على سبّه، ولكن لم يحدث من ذلك شيءٌ فعلم أنه لم يؤمر بسبّه ولا رضي بذلك، ويقول النووي (( قول معاوية هذا، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك. فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب، فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك، فله جواب آخر، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبّون، فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال. قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ ))(1).
3ـ من الغرائب أنّ هذا التيجاني ينكر سبَّ عليّ ولم يتورّع هو والهداة عن سب خيرة الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان! وكتبهم طافحة بذلك، ومنها كتاب التيجاني نفسه، لذلك لا بد لي من القول أن (( هؤلاء الرافضة، الذين يدّعون أنهم المؤمنون، إنما لهم الذل والصغار ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ))(2).
__________
(1) المصدر السابق ص (250 ـ 252).
(2) منهاج السنة جـ4 ص (498).(172/100)
4ـ أما أن معاوية من كتبة الوحي فامر ثابت، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة مطالب (( فقال للنبي : يا نبي الله ثلاثٌ أعطينهن قال: نعم ـ منها ـ قال: معاوية، تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم ...))(1)، وروى أحمد في المسند ومسلم عن ابن عباس قال (( كنت غلاماً أسعى مع الصبيان، قال: فالتفتُّ فإذا نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم خلفي مقبلاً، فقلت: ما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ إليّ، قال: فسعيت حتى أختبيء وراء باب دارٍ قال: فلم أشعر حتى تناولني، قال: فأخذ بقفاي، فحطأني حطأةً، قال: اذهب فادع لي معاوية، وكان كاتبهُ، قال: فسعيتُ فقلت: أجِب نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه على حاجة ))(2)، فهذان الحديثان يثبتان أن معاوية كان من كتبة الوحي.
5ـ أما قوله أن الوحي نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طيلة ثلاثة وعشرين عاماً كان معاوية لأحد عشر عاماً منها مشركاً بالله!؟لقد قلت أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل معاوية كاتباً له فقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وأصبح يكتب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مدة أربع سنوات كاملة فهل هذا أمر يصعب تصديقه؟!
ثم يهذي فيقول ( ولما أسلم بعد الفتح لم نعثر على رواية تقول بأنه سكن المدينة في حين أن الرسول (ص) لم يسكن مكة بعد الفتح )، أقول:
__________
(1) مسلم مع الشرح كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ فضائل أبي سفيان جـ16 برقم (2501).
(2) مسند أحمد جـ1 مسند ابن عباس برقم (2651) ومسلم مع الشرح كتاب البر والصلة رقم (2604).(172/101)
وهل الرواية السابقة لا تثبت أن معاوية سكن المدينة؟ وهل الرواية التي أخرجها الترمذي عن أبي مجلز قال: خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير، وابن صفوان حين رأوه فقال اجلسا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (( من سره أن يتمثّل له الرجال قياماً، فليتبوّأ من النار ))(1)، لا تثبت ذلك؟ ولكن يبدو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر ابن عباس أن ينادي معاوية من مكة؟! وأنا لا أعتب على التيجاني بقوله ( لم نعثر على رواية ) لأنه لو بحث لوجدها، ولكن نسأل الله له الشفاء من عقدة الإنصاف!
ثالثاً ـ ادعاء التيجاني أنّ سبب قتل حجر بن عدي على يد معاوية استنكاره لسبّ عليّ والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ولمّا استاء لذلك بعض الصحابة واستنكر هذا الفعل أمر معاوية بقتلهم وحرقهم وقد قتل من مشاهير الصحابة حجر بن عدي الكندي واصحابه ودفن بعضهم أحياءً لأنهم امتنعوا عن لعن علي واستنكروه ))(2)، ويقول في موضع آخر (( كيف يحكمون بإجتهاده وقد قتل حجر بن عدي وأصحابه صبراً ودفنهم في مرج عذراء ببادية الشام لأنهم امتنعوا عن سب علي بن أبي طالب ))(3)، فأقول:
1ـ اختلف الناس في صحبة حجر بن عدي ( المشهور )! فعدّه البخاري وآخرون من التابعين، وعده البعض الآخر من الصحابة.
__________
(1) 11) الترمذي كتاب الاستئذان برقم (2755) وراجع صحيح الترمذي برقم (2212).
(2) ثم اهتديت ص (107).
(3) المصدر السابق ص (121).(172/102)
2ـ لم يقتل معاوية حجراً لأنه امتنع عن سب عليّ، فهذا تخرّص واضح والذي ذكره المؤرخون في سبب مقتل حجر بن عدي هو أن زياد أمير الكوفة من قبل معاوية(1) قد خطب خطبة أطال فيها فنادى حجر بن عدي الصلاة فمضى زياد في الخطبة فما كان من حجر إلا أن حصبه هو وأصحابه فكتب زياد إلى معاوية ما كان من حجر وعدّ ذلك من الفساد في الأرض وقد كان حجر يفعل مثل ذلك مع من تولّى الكوفة قبل زياد، فأمر أن يسرح إليه فلما جيء به إليه أمر بقتله، وسبب تشدد معاوية في قتل حجر هو محاولة حجر البغي على الجماعة وشق عصا المسلمين واعتبره من السعي بالفساد في الأرض، وخصوصاً في الكوفة التي خرج منها جزء من أصحاب الفتنة على عثمان فإن كان عثمان سمح بشيء من التسامح في مثل هذا القبيل الذي انتهى بمقتله، وجرّ على الأمة عظائم الفتن حتى كلّفها ذلك من الدماء أنهاراً، فإن معاوية أراد قطع دابر الفتنة من منبتها بقتل حجر، والغريب أن هذا التيجاني يصيح من أجل قتل حجر ولا يعترض على عليٍّ عندما قاتل الخارجين على خلافته في الجمل وصفين، والتي تسببت في مقتل خيار الصحابة إضافة إلى الآلاف من المسلمين، مع أنّ السبب واحد وهو الخروج على سلطة الخليفة!!
رابعاً ـ ادعاء التيجاني أنّ الحسن البصري طعن في معاوية والرد عليه في ذلك: يقول التيجاني (( وقد أخرج أبو الأعلى المودودي في كتابه ( الخلافة والملك ) نقلا عن الحسن البصري قال: أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة له:
(1) أخذه الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ونور الفضيلة.
(2) إستخلافه بعده ابنه سكيراً خمّيراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير.
(3) ادّعاؤه زياداً وقد قال رسول الله (ص) الولد للفراش وللعاهر الحجر.
__________
(1) كانت الأمة في هذا الوقت قد دانت بالخلافة لمعاوية وأمنت الفتن.(172/103)
(4) قتله حجراً وأصحاب حجر فيا ويلا له من حجر ويا ويلا له من حجر وأصحاب حجر. ))(1) فأقول:
1ـ هذه الرواية مدارها على أبي مخنف(2)، وأبو مخنف هذا هو لوط بن يحى الأزدي الكوفي قال عنه الذهبي وابن حجر(( أخباري تالف لا يوثق به ))(3)، (( تركه أبو حاتم وغيره، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة ليس بشيء، وقال ابن عدي: شيعي محترق ))(4)، وعده العقيلي من الضعفاء(5)، وعلى ذلك فالخبر ساقط ولا حجة فيه.
__________
(1) ثم اهتديت ص (107)
(2) راجع الطبري جـ3 ص (232) سنة 51 هـ
(3) ميزان الاعتدال للذهبي جـ3 ص (419) برقم (6992) ولسان الميزان لابن حجر جـ4 ص (492).
(4) ميزان الاعتدال جـ3 ص (419 ـ 420).
(5) الضعفاء للعقيلي جـ4 ص (18 ـ 19) برقم (1572).(172/104)
2ـ لو فرضنا صحة هذا الكلام عن الحسن، لما كان فيه أي مطعن في معاوية، فالادعاء بأن معاوية أخذ الامر من غير مشورة فباطل، لأن الحسن تنازل له عن الخلافة وقد بايعه جميع الناس ولم نعلم أن أحداً من الصحابة امتنع عن مبايعته، وأما استخلافه يزيد فقد تم بمبايعة الناس ومنهم عبد الله بن عمر، ولم يتخلّف إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وليس تخلّف من تخلف عن البيعة بناقض لها ولا يمثل أي مطعن في معاوية، أما أن يزيد خميراً يلبس الحريرالخ، فقد كذّبه ابن عليّ محمد بن الحنفية الذي أقام عند يزيد فوجده بخلاف ما يدعون(1)، أما ادعاؤه زياداً بخلاف حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال ( لعبد بن زمعة، هو لك الولد للفراش وللعاهر الحجر) باعتبار أنه قضى بكونه للفراش وباثبات النسب فباطل (( لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يثبت النسب، لأن عبداً ادعى سببين: أحدهما الأخوة، والثاني ولادة الفراش، فلو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أخوك، الولد للفراش لكان اثباتاً للحكم وذكراً للعلة، بيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدل عن الأخوة ولم يتعرض لها وأعرض عن النسب ولم يصرح به وإنما هو في الصحيح في لفظ ( هو أخوك ) وفي آخر ( هو لك ) معناه فأنت أعلم به بخلاف زياد فإن الحارث بن كلدة الذي ولد زياد على فراشه لم يدّعيه لنفسه ولا كان ينسب إليه فكل من ادعاه فهو له إلا أن يعارضه من هو أولى به منه فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز بل فعل فيه الحق على مذهب الإمام مالك ))(2)، ومن رأى أن النسب لا يلحق بالوارث الواحد أنكر ذلك مثل الحسن على فرض صحة نسبة هذا الادعاء له فكيف إذا ظهر كذب هذه النسبة إليه، وعلى كل فالمسألة اجتهادية بين أهل السنة، وأما قتل حجر فقد ذكرت الأسباب التي دعت معاوية لذلك بما يغني عن الإعادة هنا(3)،
__________
(1) راجع ص (387 ـ388).
(2) راجع العواصم من القواصم ص (252 ـ 253) بتصرف.
(3) راجع ص (393).(172/105)
ومما سبق يتضح لدينا أن هذه المآخذ الأربعة على معاوية لا تمثل في حقيقتها أي مطعن به والحمد لله رب العالمين.
خامساً: الرد على فهم التيجاني السقيم لأحداث الفتنة بين معاوية وعلي:
يقول التيجاني (( وعندما نسأل بعض علمائنا عن حرب معاوية لعلي وقد بايعه المهاجرون والأنصار، تلك الحرب الطاحنة التي سبّبت انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة وانصدع الإسلام ولم يلتئم حتى اليوم، فإنهم يجيبون كالعادة وبكل سهولة قائلين:أن علياً ومعاوية صحابيان جليلان اجتهدا فعلي اجتهد وأصاب فله أجران أما معاوية اجتهد وأخطأ فله أجر واحد. وليس من حقّنا نحن أن نحكم لهم أو عليهم وقد قال الله تعالى { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عمّا كانوا يعملون }، هكذا ـ وللأسف ـ تكون إجاباتنا وهي كما ترى سفسطة لا يقول بها عقل ولا دين ولا يقرّ بها شرع، اللهم أبرأ إليك من خطل الآراء وزلل الأهواء وأعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك ربّ أن يحضرون، كيف يحكم العقل السليم باجتهاد معاوية ويعطيه أجراً على حربه إمام المسلمين وقتله المؤمنين الأبرياء وارتكابه الجرائم والآثام التي لا يحصي عددها إلا الله وقد اشتهر عند المؤرخين بقتله معارضيه وتصفيتهم بطريقته المشهورة وهو إطعامهم عسلاً مسموماً وكان يقول ( إن لله جنوداً من عسل )، كيف يحكم هؤلاء باجتهاده ويعطوه أجراً وقد كان إمام الفئة الباغية ففي الحديث المشهور الذي أخرجه كل المحدثين والذي جاء فيه ( ويح عمّار تقتله الفئة الباغية ) وقد قتله معاوية وأصحابه .... والسؤال يعود دائماً ويتكرر ويلح: ترى أي الفريقين على الحق وأيهما على الباطل؟ فأما أن يكون علي وشيعته ظالمين وعلى غير الحق. وأمّا أن يكون معاوية وأتباعه ظالمين وعلى غير الحق، وقد أوضح رسول الله (ص) كل شيء، وفي كلا الحالين فإن عدالة الصحابة كلهم من غير استثناء أمر مستحيل، لا ينسجم مع المنطق السليم ))(1)
__________
(1) ثم اهتديت ص (120 ـ 121).(172/106)
، فأقول:
1ـ لقد قلت أن معاوية لم يقاتل علي إلا في أمر عثمان وقد رأى أنه ولي دم عثمان وهو أحد أقربائه واستند إلى النصوص النبوية التي تبين وتظهر أن عثمان يقتل مظلوماً ويصف الخارجين عليه بالمنافقين إشارة إلى ما رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة قالت (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( يا عثمان! إن ولاّك الله هذا الأمر يوماً، فأَرادكَ المنافقون أن تخْلع قميصك الذي قمَّصَكَ الله، فلا تخلعه ) يقول ذلك ثلاث مرات ))(1)، وقد شهد كعب بن مرة أمام جيش معاوية بذلك فقال (( لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قمت ـ أي ما قمت بالقتال بجانب معاوية للقصاص من قتلة عثمان ـ وذكر الفتن فقرّ بها فمر رجل مقنع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان، فأقبلت عليه بوجهه فقلت: هذا ؟ قال: نعم ))(2)، وأيضاً عن عبد الله بن شقيق بن مرة قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تهيج على الأرض فتن كصياصي البقر فمر رجل متقنع فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا وأصحابه يومئذ على الحق فقمت إليه فكشفت قناعه وأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله هو هذا؟ قال هو هذا، قال: فإذا بعثمان بن عفان ))(3)، وقد رأى معاوية وأنصاره أنهم على الحق بناء على ذلك، وأنهم على الهدى وخصوصاً عندما نعلم أن المنافقين الثائرين على عثمان كانوا في جيش علي فاعتبروهم على ضلال فاستحلّوا قتالهم متأولين.
__________
(1) سنن ابن ماجة ، المقدمة ـ باب ـ فضائل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم برقم (112) وراجع صحيح ابن ماجة برقم (90).
(2) أخرجه الترمذي عن أبي الأشعث الصنعاني كتاب الفضائل برقم (3704) وراجع صحيح الترمذي برقم (2922).
(3) فضائل الصحابة لأحمد جـ1 ص (449 ـ 450) برقم (720) وقال المحقق: اسناده صحيح.(172/107)
2ـ إضافة إلى أن أنصار معاوية يقولون لا يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ولا يظلمنا ونحن إذا بايعنا علياً ظلمنا عسكره كما ظلم عثمان وعلي عاجز عن العدل علينا وليس علينا أن نبايع عاجزاً عن العدل علينا(1) ويقولون أيضاً أن جيش علي فيه قتلة عثمان وهم ظلمة يريدون الاعتداء علينا كما اعتدوا على عثمان فنحن نقاتلهم دفعاً لصيالهم علينا وعلى ذلك فقتالهم جائز ولم نبدأهم بالقتال ولكنهم بدأونا بالقتال.
3ـ وعلى ذلك فالنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفيد أن ترك القتال كان خيراً للطائفتين فلم يكن واجباً ولا مستحباً وأن علياً مع أنه أولى بالحق وأقرب إليه من معاوية ولو ترك القتال لكان فيه خيراً عظيماً وكفاً للدماء التي أسيلت ولهذا كان عمران بن حصين رضي الله عنه ينهى عن بيع السلاح فيه ويقول: لا يباع السلاح في الفتنة وهذا قول سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وابن عمر وأسامة بن زيد وأكثر من كان بقي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار(2) الذين اعتزلوا الفتنة ولم يشاركوا في القتال لذلك قال الكثيرمن أئمة أهل السنة (( لا يشترط قتال الطائفة الباغية فإن الله لم يأمر بقتالها ابتداءً، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما ثم إن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت التي تبغي ))(3) فادعاء التيجاني أن معاوية هو الذي أمر بقتال علي كذب فاضح.
__________
(1) راجع منهاج السنة جـ4 ص (384).
(2) المصدر السابق جـ4 ص (391 ـ 393).
(3) المنهاج جـ4 ص (391).(172/108)
4ـ ولو فرضنا أن الذين قاتلوا علياً عصاة وليسوا مجتهدين متأولين فلا يكون ذلك قادحاً في إيمانهم واستحقاقهم لدخول الجنان فالله سبحانه وتعالى يقول { وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما بالعدل فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسِطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } ( الحجرات 9 ـ 10)، فوصفهم بالإيمان وجعلهم إخوة رغم قتالهم وبغي بعضهم على بعض فكيف إذا بغى بعضهم على بعض متأولاً أنه على الحق فهل يمنع أن يكون مجتهداً سواءٌ أخطأ أو أصاب؟! لهذا فأهل السنة يترحمون على الفريقين كما يقول الله تعالى { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم } ( الحشر 10)(172/109)
5ـ الأحاديث الثابتة تبين أن كِلا الطائفتين دعوتهما واحدة وتسعيان للحق الذي تعتقدان وتبرئهما من قصد الهوى واتباع البطلان فقد أخرج البخاري في صحيحه أن أبا هريرة رضي الله عنه قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان(1) دعواهما واحدة ))(2)، وهذا الحديث كما ترى يثبت أنهما أصحاب دعوة واحدة ودين واحد، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ))(3)، فهذا الحديث يبين أن كلا الطائفتين يطالبان بالحق ويتنازعان عليه أي أنهما يقصدان الحق ويطلبانه ويبين أن الحق هو مع علي لأنه قاتل هذه الطائفة وهي طائفة الخوارج التي قاتلها في النهروان، وقال النووي (( فيه التصريح بأن الطائفتين مؤمنون لا يخرجون بالقتال عن الإيمان ولا يفسقون ))(4).
__________
(1) قال ابن حجر ( المراد بهما من كان مع علي ومعاوية لما تحاربا بصفين ) الفتح جـ6 ص (713).
(2) صحيح البخاري كتاب المناقب ـ باب ـ علامات النبوة في الإسلام برقم (3413).
(3) مسلم مع الشرح كتاب الزكاة ـ باب ـ ذكر الخوارج وصفاتهم برقم (150)
(4) المصدر السابق جـ7 ص (235).(172/110)
6ـ بالنسبة لبغي معاوية فإما أن يكون فيه متأولاً أن الحق معه، أو يكون متعمداً في بغيه وفي كلا الحالتين فإن معاوية ليس معصوماً من الوقوع في ذلك أو غيره من الذنوب فأهل السنة لا ينزهونه من الوقوع في الذنوب بل يقولون أن الذنوب لها أسباب ترفعها بالاستغفار والتوبة منها أوفي غير ذلك وقد ذكر ابن كثير في البداية عن المسور بن مخرمة أنه وفد على معاوية قال: (( فلما دخلت عليه ـ حسبت أنه قال سلمت عليه ـ فقال: ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور؟ قال قلت: ارفضنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له، فقال: لتكلمني بذات نفسك، قال: فلم أدع شيئاًَ أعيبه عليه إلا أخبرته به، فقال: لا تبرأ من الذنوب، فهل لك من ذنوب تخاف أن تهالك إن لم يغفرها الله لك؟ قال: قلت: نعم، إن لي ذنوباً إن لم يغفرها هلكت بسببها، قال: فما الذي يجعلك أحق بأن ترجوا أنت المغفرة مني، فولله لما إلي من إصلاح الرعايا وإقامة الحدود والاصلاح بين الناس والجهاد في سبيل الله والأمور العظام التي لا يحصيها إلا الله ولا نحصيها أكثر من العيوب والذنوب، وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات ويعفو عن السيئات، والله على ذلك ما كنت لأخيَّر بين الله وغيره إلا اخترت الله على غيره مما سواه، قال: ففكرت حين قال لي ما قال فعرفت أنه قد خصمني. قال: فكان المسور إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير))(1)، فكيف إذا كان متأولاً؟
__________
(1) البداية والنهاية جـ8 ص (136 ـ 137).(172/111)
7ـ بالنسبة لحديث ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية )، فإنه من أعظم الدلائل أن الحق مع عليّ، لكن معاوية تأوّل الحديث فعندما هزَّ مقتل عمار، عمرو بن العاص وابنه تملّكتهما الرهبة ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال (( لمّا قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قُتل عمار وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تقتله الفئة الباغية فقام عمرو بن عاص فزعاً يُرجِّع حتى دخل على معاوية فقال له معاوية: ما شأنك؟ قال: قتل عمار فقال معاوية: قتل معاوية فماذا؟ قال عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال له معاوية: دحضْتَ في بولك أو نحن قتلناه؟ إنما قتله عليٌ وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا أو قال: سيوفنا ))(1)، فخرج الناس يقولون: إنما قتل عماراً من جاء به، فأرجع الثقة لجيشه، والذي جعل معاوية يأول الحديث هذا التأويل أنه لم يكن يتصور أن قتلة عثمان أهل حق في ضوء الأحاديث التي تثبت أن عثمان يقتل مظلوماً، وأن قتلته هم الظالمون، فلا شك أن الفئة الباغية هي التي في جيش عليّ، ولكن الحق الذي يقال أن هذه التأويلات باطلة قطعاً وأن الحق مع عليّ، ولكن فئة معاوية معذورون في اجتهادهم لأنهم أرادوا الحق ولكنهم لم يصيبوه، وهذا هو الذي جعل عمرو بن العاص يقترح رفع المصاحف لايقاف الحرب لأنه كان في قلبه شيء من هذا الحديث.
__________
(1) مسند الشاميين من مسند الإمام أحمد جـ2 مسند عمرو بن العاص برقم (957) ص (163) وقال المحقق: رواته ثقات.(172/112)
8ـ وإذا أصرَّ التيجاني على جعل معاوية ظالماً فسيجيبه الناصبة(1)بأن علياً ظالماً أيضاً لأنه قاتل المسلمين لا لشيء بل لإمارته، وهو الذي بدأهم بالقتال وسفك الدماء دون فائدة تجنى للمسلمين، ثم تراجع وصالح معاوية، فلن يستطيع التيجاني وشيعته الاجابةعلى ذلك، ولو احتج بحديث عمار فسيردّ عليه بأن الله لم يشترط البدء في قتال الطائفة الباغية إلا إذا ابتدأت هي بالقتال ولكن علياً هو الذي بدأهم بالقتال فما هو جواب التيجاني؟ وقد ضربت صفحاً عن حجج الخوارج والمعتزلة التي تقدح في علي، المهم أن نعلم أن كل حجة يأتي بها التيجاني على معاوية سيقابل بمثلها من جانب الطوائف الأخرى ولكن أهل السنة يترضون عن الطائفتين ولا يفسقون أحدهما ويقولون أن الحق مع علي رضي الله عنه ويردون على جميع حجج الطوائف التي تقدح في علي أو معاوية لأن مذهبهم مستقيم بخلاف مذهب الرافضة والحمد لله.
9ـ من المسلم عند كل من اطلع على مذهب الإمامية يعلم أنهم يكفرون معاوية لقتاله علياً ولكن الثابت أن الحسن بن علي ـ وهو من الإئمة المعصومين عندهم فكل ما يصدر عنه فهو حق ـ والحسن قد صالح(2) معاوية وبايعه على الخلافة فهل صالح الحسن ( المعصوم ) كافر وسلّم له بالخلافة؟! أم أصلح بين فئتين مسلمتين كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين ))(3)، أرجو من التيجاني الإجابة؟!
__________
(1) هم شيعة معاوية.
(2) باعتراف التيجاني راجع ثم اهتديت ص (171).
(3) البخاري كتاب الفتن برقم (6629) جـ6.(172/113)
10ـ أما ادعاؤه أن معاوية ارتكب جرائم لا تحصى وقد اشتهر عند المؤرخين بقتله معارضيه وتصفيتهم بطريقته المشهورة وهو إطعامهم عسلاً مسموماً وكان يقول (إن لله جنوداً من عسل )!! فهذا القول فيه من الجهل والكذب ما لايخفى على عاقل وأنا أريد من التيجاني إرشادنا إلى هؤلاء المؤرخين حتى يتسنى لنا التثبت من هذا الادعاء المكشوف وإلا فالكلام سهل جداً.
11ـ الغريب أن يعترض التيجاني على أبي بكر قتاله لمانعي الزكاة مع أن ذلك باتفاق الأمة، بينما تراه يقف مع عليّ في قتاله لمعاوية والذي اختلف فيه مع الصحابة ولم يأتي بنتائجه المرجوة وتسبب بقتل الألوف من المسلمين ولعل السبب هو إنصافه المزعوم والعقلانيته المذؤومة!
12ـ أستطيع الإجابة على سؤال التيجاني الذي يتكرر ويلح بالقول أن فريق عليّ على الحق وأما معاوية فليس بظالم ولا داع إلى باطل، ولكنه طالب للحق ولم يصبْهُ وهو مأجور على اجتهاده فليس أحدهما ظالم أو فاسق، والوقع بالذنب لا يقدح بعدالة المذنب وفي كل الأحوال فإن عدالة الصحابة كلهم من غير استثناء أمر مسلّم بالكتاب والسنة والإجماع، وينسجم مع المنطق السليم ولكنه لا ينسجم بالطبع مع المنطق السقيم الذي يتمتع به التيجاني!(172/114)
وأخيراً ـ إذا لم يقتنع التيجاني بذلك فسأضطر لكي استقي من مصادر هداته الاثني عشرية ما يثبت أن علي ومعاوية على حق ومأجورين على اجتهادهما فقد ذكر الكليني في كتابه( الروضة من الكافي ) ـ الذي يمثل أصول وفروع مذهب الاثني عشرية ـ عن محمد بن يحيى قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (( اختلاف بني العباس من المحتوم والنداء من المحتوم وخروج القائم من المحتوم، قلت: وكيف النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن علياً وشيعته هم الفائزون، وقال: وينادي مناد في آخر النهار: ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون ))(1)، وهذا علي بن أبي طالب يقرر أن عثمان وشيعته هم أهل إسلام وإيمان ولكن القضية اجتهادية كل يرى نفسه على الحق في مسألة عثمان فيذكر الشريف الرضي في كتابكم ( نهج البلاغة ) عن علي أنه قال (( وكان بدء أمرنا أن إلتقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء ))(2).
سادساً: إدعاء التيجاني أن معاوية سم الحسن والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( كيف يريدونه صحابياً عادلاً وقد دسّ السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنّة وقتله ))(3)، ويقول (( كيف يحكمون بإجتهاده وقد دسّ السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة فقتله، ولعلهم يقولون: هذا أيضاً من اجتهاده فقد اجتهد وأخطأ!))(4)
فأقول: هذا الادعاء باطل وذلك لأسباب وهي:
أ ـ أنه لم يثبت ولا دليل صحيح عليه وإن كان عند التيجاني نقل ثابت عن عدل فليرشدنا إليه لا أن يتهم صحابيا دون أن يأتي ببينة على ادعائه.
__________
(1) روضة الكافي ص (177) جـ8.
(2) نهج البلاغة جـ3 ص (648).
(3) ثم اهتديت ص (121).
(4) ثم اهتديت ص (169).(172/115)
ب ـ كان الناس في تلك المرحلة في حالة فتنة تتصارعهم الأهواء وكل فرقة تنسب للأخرى ما يذمها وإذا نقل لنا ذلك فيجب ألا نقبله إلا إذا نقل بعدل ثقة ضابط.
جـ ـ لقد نقل أن الذي سمّ الحسن غير معاوية فقيل هي زوجته وقيل أن أباها الأشعث بن قيس هو الذي أمرها بذلك وقيل معاوية وقيل ابنه يزيد وهذا التضارب بالذي سمّ الحسن يضعف هذه النقول لأنه يعزوها النقل الثابت بذلك، والتيجاني لم يعجبه من هؤلاء إلا الصحابي معاوية مع أنه أبعد هؤلاء عن هذه التهمة.
ث ـ حجة التيجاني هذه تستسيغها العقول في حالة رفض الحسن الصلح مع معاوية ومقاتلته على الخلافة ولكن الحق أنّ الحسن صالح معاوية وسلّم له بالخلافة وبايعه، فعلى أي شيء يسمّ معاوية الحسن؟! ولهذه الأسباب أقول أن حجة التيجاني هذه خاوية على عروشها!
سابعا: ادعاء التيجاني على معاوية أنه حوّل الخلافة من الشورى إلى ملكية قيصرية والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( كيف ينزّهونه وقد أخذ البيعة من الأمة بالقوة والقهر لنفسه أولاً ثم لابنه الفاسق يزيد من بعده وبدّل نظام الشورى بالملكية القيصرية ))(1)(( وبعد علي استولى معاوية على الخلافة فأبدلها قيصرية ملكية يتداولاها بنو أمية ومن بعدهم بنو العباس أبا عن جد ولم يكن هناك خليفة إلاّ بنص السابق عن اللاّحق أو بقوة السيف والسلاح والإستيلاء، فلم تكن هناك بيعة صحيحة في التاريخ الإسلامي من عهد الخلفاء وحتى عهد كمال أتاتورك الذي قضى على الخلافة الإسلامية إلا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ))(2) (( كيف يحكمون باجتهاده وقد أخذ البيعة من الأمة بالقوة والقهر لنفسه ثم لابنه يزيد من بعده وحوّل نظام الشورى إلى الملكية القيصرية ))(3)، فأقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (121).
(2) ثم اهتديت ص (145).
(3) ثم اهتديت ص (169).(172/116)
1ـ لم يأخذ معاوية الخلافة بالقوة والقهر وإنما سلمت له من قبل الحسن بن علي وذلك بعدما تم الصلح بينهما وذلك مصداقاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)، فقد أخرج البخاري في صحيحه أن الحسن البصري قال (( استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب امثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تُوليّ حتى تقْتُل أقرنها، فقال له معاوية ـ وكان والله خير الرجلين ـ أي عمرو، إن ْقتلَ هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور النّاس، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم، فبعث إليه رجلين من قريش، من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمُرة وعبد الله بن عامر بن كُريز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه وقولا له، واطلبا إليه. فأَتياهُ فدخلا عليه، فتكلَّما وقالا له فطلبا إليه، فقال الحسن بن عليّ: إنَّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإنَّ هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألُكُ، قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئاً إلا قالا: نحن لك به، فصالحة. فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر، والحسن بن عليّ إلى جنبه، وهو يُقبل على النّاس مرَّة وعليه أخرى، ويقول ( إنَّ ابني هذا سيدٌ، ولعلّ الله أن يُصلح به بين فِئتين من المسلمين))(1)
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الصلح جـ2 برقم (2557).(172/117)
2ـ أما بالنسبة لمبايعة ابنه يزيد فقد حرص معاوية على موافقة الناس، فعزم على أخذ البيعة لولاية العهد ليزيد، فشاور كبار الصحابة وسادات القوم وولاة الأمصار فجائت الموافقة منهم، وجاءته الوفود بالموافقة على بيعة يزيد وبايعه الكثير من الصحابة حتى قال الحافظ عبد الغني المقدسي (( خلافته صحيحة، بايعه ستون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهم ابن عمر ))(1)، وقد ثبت في صحيح البخاري أن ابن عمر بايع يزيد وعندما قامت عليه الفتنة من المدينة جمع أهله وحذّرهم من الخروج على يزيد، فعن نافع قال (( لمّا خلع أهل المدينة بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده، فقال: إني سمعت النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يُنصب لكل غادر لواء يوم القيامة. وإنَّا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يُبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم يَنصُبُ له القتال، وإني لا أعلم أحداً منكم خَلَعَهُ، ولا تابع في هذا الأمر، إلا كانت الفيصل بيني وبينه ))(2)، وقد خالف ابن الزبير والحسين هذه الموافقة ولا يقدح ذلك في البيعة إذ لا بد من مخالف لذلك، ومن هنا نعلم أن معاوية حرص على موافقة الأمة على بيعة يزيد، ولو أراد معاوية الاستبداد وأخْذ البيعة ليزيد بالقوة والقهر كما يدعي التيجاني لاكتفى ببيعة واحدة، وفرضها على الناس فرضاً، وهذا ما لم يفعله معاوية بل قد خالف من خالف ولم يتخذ معاوية سبيل القوة لارغامهم على البيعة.
3ـ ولعل السبب الذي دفع معاوية لأخذ البيعة ليزيد، حتى يُبعد الخلاف ويجمع الكلمة في هذه المرحلة المتوتِّرة التي تعيشها الأمة، وكثرة المطالبين بالخلافة فرأى أنه بتوليته ليزيد صلاح للأمة وقطعاً لدابر الفتنة باتفاق أهل الحل والعقد عليه.
__________
(1) قيد الشريد من أخبار يزيد لابن خلدون ص (70).
(2) صحيح البخاري كتاب الفتن جـ6 برقم (6694).(172/118)
4ـ لم يبتدع معاوية نظاماً جديداً للخلافة بتوريث ابنه يزيد، فقد سبقه إلى ذلك أبو بكر عندما عهد بالأمر لعمر بن الخطاب وقد عمد عمر إلى نفس الأمر فعهد بالولاية وحصرها بستة من الصحابة، أما إذا احتج التيجاني بأن الاستخلاف في عهد الشيخين لم يكن للأبناء أي ملكاً وراثياً فأقول له أن أول من فعل ذلك هو علي عندما عهد بالخلافة من بعده لابنه الحسن فقد ذكر الكليني في ( أصول الكافي) عن سليم بن قيس قال (( شهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام وأشهد على وصيته الحُسين ومحمداً ـ أي ابن الحنفية ـ عليهما السلام وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتاب والسلاح ... ))(1)
5ـ الرافضة الاثنا عشرية يعارضون في الأصل مبدأ الشورى ويدعون أن الولاية يجب أن ينص عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنص صريح، والتيجاني نفسه عارض خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، فلماذا يتباكا هنا على نظام الشورى الذي يعارضه هو نفسه، ويعترض على معاوية بولاية العهد لابنه يزيد فهل لو جعلها شورى سيقبلها التيجاني وأخوته الرافضة؟! أم أن الأمر عندهم سيان! الجواب أنهم لن يقبلوها ولو كانت شورى من جميع المسلمين فلماذا هذه الإثارة الممجوجة والورع المكذوب من التيجاني على مبدأ الشورى وأغرب ما في الأمر اعتراض التيجاني أن يورث معاوية ابنه يزيد وراثة قيصرية ملكية! وما درى أن أعظم اعتقاد للرافضة الامامية هو اعتقاد الإمامية وراثية قيصرية ملكية في ولد علي بن أبي طالب بإستخلاف الأب للابن وهكذا فهل هي حلال لهم حرام على غيرهم؟!
وأخيراً ـ أما ادعاءه أنه لم تكن هناك بيعة صحيحة في التاريخ الإسلامي من عهد الخلفاء وحتى عهد كمال أتاتورك (!!) الذي قضى على الخلافة الاسلامية إلا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب
__________
(1) أصول الكافي جـ1 ص (236) ـ باب ـ الإشارة والنص على الحسن بن علي عليهما السلام.(172/119)
فأقول: هذا الكلام لا يقوله إلا من هو أقل الناس فهماً وأكثرهم جهلاً وأعماهم بصراً، فأقول للتيجاني على أي شيء استندت على قولك السقيم هذا وما هي شروط البيعة الصحيحة؟ إذا ادعيت أنه لا بد من إجماع الناس على البيعة، قلت: علي بن أبي طالب أبعد الخلفاء الثلاثة عن الإجماع فقد خالفه أضعاف من خالف الثلاثة وقامت الحروب بينه وبين معارضيه وتوفي قبل توحيد المسلمين على البيعة أما إذا قلت أن خلافة الثلاثة كانت بالقوة قلت: هذا من أكبر الكذب والتاريخ يشهد بذلك وأنت بنفسك قلت أن الخلافة كانت شورى حتى استبدلها معاوية بالقيصرية ولو قال معارضو علي بأنه أراد الخلافة بالقوة لكانت حجتهم أقوى من حجتك فإن علياً قاتل على خلافته حتى سقطت دماء الآلاف من المسلمين وإن ادعيت أن خلافة علي صحيحة لأنها ثابتة بالنص من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأقول: فهذا كذب أيضاً فكل الأدلة التي سقتها لا تفيد النص على علي ولو كان ذلك صحيحاً لما بايع علي الخلفاء الثلاثة إضافة إلى أن النصوص التي تبين أن الخليفة هو أبو بكر أقوى صحة وأظهر دليلاً على نصية الخلافة له(1) فكل حجج التيجاني ظاهرة البطلان والعوار، والغريب حقاً أن التيجاني الذي ينفي وجود خلافة صحيحة إلا لعلي، يقر بالحق من حيث لا يدري فيقول، حتى عهد أتاتورك الذي قضى على الخلافة الاسلامية؟! فسبحان الله كيف يجري الحق على ألسنتهم في حق معاوية، وأظن أنني رددت على جميع الشبه التي ساقها التيجاني والحمد لله رب العالمين.
الباب الثاني عشر:
مبحث مطاعن التيجاني في أبي هريرة والرد عليه في ذلك:
__________
(1) راجع كتابنا ص (51 ـ 52).(172/120)
أبو هريرة رضي الله عنه سيد الحفّاظ الأثبات صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حله وترحاله، اسمه: عبد الرحمن بن صخر، نقل عن النبي=+ علماً كثيراً لم يسلم هو الآخر من لسان هذا الشانئ الذي اتهمه بالكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوضعه الأحاديث المكذوبة فضّ الله فاه وسوف أسوق شبهاته في حق هذا الصحابي الجليل وأفنّدها بإذن الله.
أولاً: ادعاء التيجاني على أبي هريرة أنه يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث موضوعة والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ولعل نصف الدين الثاني خصّوا به أبا هريرة الذي روى لهم ما يشتهون فقرّبوه وولّوه إمارة المدينة وبنوا له قصر العقيق بعدما كان معدماً، ولقّبوه براوية الإسلام. وبذلك سهل على بني أميّة أن يكون لهم دين كامل جديد ليس فيه من كتاب الله وسنّة رسوله إلا ما تهواه أنفسهم ))(1)، ويقول ((... كذلك يروي فضائل أبي بكر كل من عمرو بن العاص وأبو هريرة ))(2)، ويقول أيضاً (( ثم قرأت كتاب أبي هريرة لشرف الدين، وشيخ المضيرة ( للشيخ! ) محمود أبو رية وعرفت بأن الصحابة الذين غيروا بعد رسول الله قسمان، قسم غير الأحكام بما له من السلطة والقوة الحاكمة، وقسم غير الأحكام بوضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) ))(3)، أقول رداً على كذبه:
1ـ أما قوله أن أبا هريرة روى لبني أمية ما يشتهون فقربوه وولوه إمارة المدينة وبنو له قصر العقيق بعدما كان معدماً ولقبوه براوية الإسلام فكذب صريح لهذه الأسباب:
__________
(1) ثم اهتديت ص (120).
(2) ثم اهتديت ص (142).
(3) ثم اهتديت ص (131).(172/121)
أ ـ لم يكن أبا هريرة مع أحد الجانبين في الفتنة بل كان من المعتزلين عنها ولم يقاتل مع أحد، وروى في الاعتزال أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، ومن تشرّف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به ))(1)، وكان هذا أيضاً رأي كبار الصحابة.
ب ـ لم يكن أبا هريرة معدماً ولم تكن ولايته على المدينة بالأولى، ولكن ماذا نقول عن جاهل يعبث في التاريخ؟! فقد ولاهُ عمر في خلافته على البحرين وكان يملك المال فعن محمد بن سيرين (( أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف. فقال له عمر: استأثرت بهذه الاموال يا عدوّ الله وعدوَّ كتابه؟ فقال أبو هريرة: فقلت: لست بعدو الله وعدو كتابه، ولكني عدوّ من عداهما. قال: فمن أين هي لك؟ قلت: خيلٌ نُتجتْ، وغلّةُ رقيق لي وأُعطيةٌ تتابعت. فنظروا، فوجده كما قال، فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليوليه، فأبى. فقال: تكرهُ العمل وقد طلب العمل من كان خيراً منك: يوسف عليه السلام، فقال: يوسف نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة بن أميمة. وأخشى ثلاثاً واثنتين، قال: فهلا قلت: خمساً؟ قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حلم، وأن يُضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي))(2)
ت ـ سبب تولية الأمويين لأبي هريرة المدينة أنه كان من كبار الصحابة المتبقين في المدينة وغيرها ومن أعلامها الظاهرين خصوصاً إذا عرفنا أنه كان يقدَّم في الصلاة في أيام عليّ ومعاوية ولو جاء غير الأمويين لكان من المؤكد أن يولوه المدينة، فكان المرشّح لذلك، وكيف لا وقد رشحه من هو خير منهم وهو عمر.
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الفتن ـ باب ـ تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم برقم (6670)(6671).
(2) سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2 ص (612) وقال المحقق: رجاله ثقات.(172/122)
ث ـ يحاول هذا الآبق أن يظهر أبا هريرة بمظهر الحريص على الدنيا وشهواتها، وفي صورة المداهن للأمراء الذي يكذب في سبيل الحصول على مصالحه الغريزية، فتباً له! فهل يقال عن أبي هريرة ذلك، وهو الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله (( ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، أحدهم ـ رجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط ـ ))(1)! وكيف يطلب وهو الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله (( لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه ))(2)، ولا شك أن الذي هذه حاله لو رأى من الحاكم شيئاً منكراً أن يسكت عليه، هذا إن لم يحسّن منكره، فهل كان أبو هريرة كذلك؟ اخرج مسلم في صحيحه عن أبي زرعة قال (( دخلت مع أبي هريرة في دار مروان. فرأى فيها تصاوير فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي؟ فليخلقوا ذرّة أو ليخلقوا حبّة او ليخلقوا شعيرة ))(3)، وأخرج الحاكم في مستدركه عن أبي مريم مولى أبي هريرة قال (( مر أبو هريرة بمروان وهو يبني داره التي وسط المدينة قال: فجلست إليه والعمال يعملون، قال: ابنوا شديداً وآملوا بعيداً وموتوا قريباً، فقال مروان: إن أبا هريرة يحدث العمال فماذا تقول لهم يا أبا هريرة؟ قال: قلت ابنوا شديداً وآملوا بعيداً وموتوا قريباً. يا معشر قريش، ثلاث مرات اذكروا كيف كنتم أمس وكيف أصبحتم اليوم، تخدمون أرقاءكم فارس والروم، كلوا الخبز السميد واللحم السمين، لا يأكل بعضكم بعضاً، ولا تكادموا تكادم البراذين، كونوا اليوم صغاراً تكونوا
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المساقاة ـ باب ـ منع ابن السبيل من الماء برقم (2230) جـ2.
(2) صحيح البخاري كتاب البيوع ـ باب ـ كسب الرجل وعمله بيده برقم (1964).
(3) مسلم مع الشرح كتاب اللباس والزينة برقم (2111).(172/123)
غداً كباراً، والله لا يرتفع منكم رجل درجة إلا وضعه الله يوم القيامة ))(1) فانظر أخي القارئ للحق الواضح ولا تلتفت إلى صاحب الكذب الفاضح والهوى القادح.
2ـ أما ادعاء التيجاني أن أبا هريرة يروي ما يشتهي الناس، ويروي في فضائل الصحابة خصوصاً أبو بكر أحاديث موضوعة وازداد التيجاني تيقناًمن ذلك، عندما قرأ كتاب أبي هريرة لشرف الدين ومحمود أبو رية فأقول داحضاً حجته المتهافتة بـ:
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك جـ4 ص (463) راجع أقباس من مناقب أبي هريرة تأليف عبد المنعم صالح العلي ص (119).(172/124)
أ ـ لقد اتفق الصحابة على فضل أبي هريرة وثقته وحفظه، وأنه من أكثرهم علماً بأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة (( يا أبا هريرة، أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحفظنا لحديثه ))(1) وقيل لابن عمر (( هل تنكر مما يحدث به أبو هريرة شيئاً؟ فقال:لا، ولكنه اجترأ وجبنَّا ))(2)، وعن أشعث بن سليم عن أبيه قال (( أتيت المدينة، فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: وأنت صاحب رسول الله، قال: إنه قد سمع وأن أحدث عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أحبُّ إليّ من أن أُحدّث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ))(3)، وعن معاوية بن أبي عياش الانصاري (( أنه كان جالساً مع ابن الزبير، فجاء محمد بن إياس بن البكير، فسأل عن رجل طلّق ثلاثاً قبل الدخول. فبعثه إلى أبي هريرة، وابن عباس ـ وكانا عند عائشة ـ فذْهب، فسألهما، فقال: ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة. فقال: الواحدة تُبينها، والثلاث تُحرِّمها، وقال ابن عباس مثله ))(4)، فهل يُتَّهمَ بالكذب من يوثّقه ابن عباس ـ صاحب عليّ ـ ويتأدب معه ويقول له أفتِ يا أباهريرة؟!
__________
(1) سنن الترمذي جـ3 ـ باب ـ مناقب أبي هريرة برقم (3836).
(2) سير أعلام النبلاء جـ2 ص (608).
(3) سير أعلام النبلاء جـ2 ص (606).
(4) المصدر السابق ص (607) وقال المحقق: إسناده صحيح.(172/125)
ب ـ والسبب في كثرة روايته عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان مرافقاً له في حلّه وترحاله، ولم يشغله عنه عمل ولا زوجة، إذ لم يكن يعمل ولم يتزوج، فكان يحرص على مرافقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أي مكان يذهب إليه سواءٌ إلى حج أو جهاد، فعن أبي أنس مالك بن أبي عامر قال (( جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد، أرأيت هذا اليماني ـ يعني أبا هريرة ـ أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منكم؟ نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، أم هو يقول على رسول الله ما لم يقل؟ قال: أمّا أن يكون سمع ما لم نسمع، فلا أشُكُّ، سأحدثك عن ذلك: إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل، كنّا نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طرفي النهار وكان مسكيناً، ضيْفاً على باب رسول الله، يدُه مع يدِه، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع، ولا تجد أحداً فيه خيرٌ يقول على رسول الله ما لم يقل ))(1)
__________
(1) سير أعلام النبلاء جـ2 ص (605 ، 606) وقال المحقق: رجاله ثقات.(172/126)
ت ـ إضافة إلى كثرة مرافقته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم التي جعلته أكثر الصحابة رواية للحديث فقد كان يمتاز بقوة حفظه وإتقانه وذلك بفضل تعليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، فقد روى البخاري عن الزهري قال (( أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدِّثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمثل حديث أبي هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفْقٌ بالأسواق، وكنت ألزمُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ملءِ بطني فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكُنتُ امرأً مسكيناً من مساكين الصفُّة، أعي حين ينسون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث يحدِّثُه: إنه لن يبسطَ أحدٌ حتى أقْضي مقالتي هذه ثم يجمعَ إليه ثوبه إلا وعى ما أقول. فبسطْتُ نمِرةً عليّ حتى إذا قضى رسول الله مقالته جمعتُها إلى صدري، فما نسيتُ من مقالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك من شيء ))(1)
__________
(1) صحيح البخاري كتاب البيوع برقم (1942).(172/127)
ث ـ لا بد لي من أن أسوق رأي أحد الأئمة الاثني عشر في أبي هريرة ومدى ثقته عنده وهو الإمام الرابع زين العابدين علي بن الحسين فقد أورد شيخهم أبو الحسن الأربلي ـ من كبار الأئمة الاثني عشر ـ في كتابه ( كشف الغمة ) عن سعيد بن مرجانة أنه قال (( كنت يوماً عند علي بن الحسين فقلت: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله تعالى بكل إرب منها إرباً منه من النار، حتى أنه ليعتق باليد اليد، والرجلِ الرجل وبالفرج الفرج، فقال علي عليه السلام: أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟ فقال سعيد: نعم، فقال لغلام له: أفره غلمانه ـ وكان عبد الله بن جعفر قد أعطاه بهذا الغلام ألف دينار فلم يبعه ـ أنت حر لوجه الله ))(1)!، هل رأيت أخي القارئ مدى صدق وأمانة أبي هريرة في نظر الإمام علي بن الحسين بحيث بادر إلى تنفيذ ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون أي تردد! لذلك ليس بالمستغرب أن يوثّقه أحد كبار علماء الإمامية في الرجال، ويضعه من جملة الرجال الممدوحين فيقول ابن داود الحلي (( عبد الله أبو هريرة معروف، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ))(2)، وهذا أيضاً إبن بابويه القمي يستشهد به في كتابه ( الخصال ) في أكثر من موضع(3) ولا يتعرض له محقق الكتاب علي أكبر غفاري بالقدح مع تعليقه على الكثير من الرجال في الكتاب، إضافة إلى أن الذي يروي عن أبي هريرة الكثير من الأحاديث هو زوج ابنته سعيد بن المسيب، أشهر تلاميذه، والذي روى عن أبي هريرة حديث تعليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم له حفظ الأحاديث، يقول عنه الكشي ـ من كبار أئمتهم في الرجال ـ ((... سعيد بن المسيب رباه أمير المؤمنين عليه السلام ))(4)
__________
(1) كشف الغمة جـ2 فضائل الإمام زين العابدين ص (290).
(2) رجال ابن داود الحلي ص (198).
(3) الخصال للقمي ص (31،38،164،174،176) وغيرها.
(4) رجال الكشي برقم (54) ص (107).(172/128)
، وروى أن أبا جعفر قال (( سمعت علي بن الحسين صلوات الله عليهما يقول: سعيد بن المسيب أعلم الناس بما تقدمه من الآثار وأفهمهم في زمانه ))(1)، فأقول للتيجاني المهتدي، إذا كان علي رباه (( أفلم يسمع رأيه بأبي هريرة وهو في حجره يربيه؟ وكيف يأذن له بأن يتزوج بابنة أكذب الناس وهو ولي أمره وحاضنه؟ ))(2)، وكيف يوثق علمه زين العابدين وهو من أخص تلاميذ أكذب الناس ووارثه؟! أجبنا يا صاحب الهداية المزعومة؟!
3ـ أما قوله (( كذلك يروي فضائل أبي بكر، كل من عمرو بن العاص وأبو هريرة وعروة وعكرمة، وهؤلاء كلهم يكشفهم التاريخ بأنهم كانوا متحاملين على الإمام علي وحاربوه إما بالسلاح أو بالدس واختلاق الفضائل لأعدائه وخصومه... ))(3) فأقول:
أ ـ أما بالنسبة لعمرو بن العاص وقتاله لعليّ فهذا صحيح، ولكنه قاتله عندما بدأهم عليّ وجنده، ولم تكن مشاركته بسبب عداوته لعلي كلا، وإنما لاعتقاده انه يقاتل دفاعاً عن الحق وإبطالاً لباطل، وقد ذكرت الأسباب التي دعته ومعاوية وأصحابهما لقتال عليّ في مبحث معاوية بما يغني عن الإعادة هنا، أما أنه كان يختلق الفضائل لأعدائه فهذا صحيح فهو أحد رواة حديث ( عمار تقتله الفئة الباغية )! بل روى أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (( إن قاتله وسالبه في النار )) وعندما اعتُرضَ عليه بأنه يقاتله (( فقيل لعمرو: فإنك هو ذا تُقاتله؟ قال: إنما قال: قاتله وسالبه ))(4).
__________
(1) المصدر السابق ص (110).
(2) أقباس من مناقب أبي هريرة لعبد المنعم العلي ص (147).
(3) ثم اهتديت ص (142).
(4) مسند أحمد جـ6 برقم (17791) باسناد صحيح.(172/129)
فانظر أخي القارئ إلى هذا الدس واختلاق الفضائل لأعداء علي!؟ ولكن تهمته الحقيقية الوحيدة أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( أي الناس أحب إليك قال: عائشة فقلت من الرجال فقال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب فعد رجالاً ))(1)، فهذا الحديث يكفي للطعن به!
ب ـ إما بالنسبة لأبي هريرة فإنه كان معتزلاً للفتنة بين علي ومعاوية، فليس هو في هذه الناحية متحاملاً ولكن التحامل يظهر بالدس واختلاف الفضائل لأعدائه من مثل ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر (( لأعطينّ هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ... فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياه ))(2) وليس هذا فقط فقد روى أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (( من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني يعني الحسن والحسين ))(3)؟ وروى أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (( اللهم إني أحبهما فأحبهما ))(4) فمرحى بالهداية يا تيجاني.
ت ـ أما بالنسبة لعروة فلست أدري من يقصده التيجاني ولعل أقرب احتمال إلى أنه عروة بن الزبير لأنه لم يعرف رجل باسم عروة أشهر منه خصوصاً وأنه روى عن عائشة وابن عمر أحاديث في فضائل أبي بكر ولم يشارك عروة في الفتنة بين علي ومعاوية، إذ كان صغيراً لم يتجاوز العشر سنين لذلك يقول أحمد بن عبد الله العجلي: عروة بن الزبير تابعي ثقة، رجل صالح، لم يدخل في شيء من الفتن(5).
__________
(1) سبق الحديث ص (211).
(2) سبق الحديث ص (246).
(3) فضائل الصحابة لأحمد برقم (1359) وقال المحقق: اسناده صحيح.
(4) الفضائل برقم (1371) وقال المحقق: اسناده صحيح.
(5) سير أعلام النبلاء جـ4 ص (433).(172/130)
ث ـ أما قوله وعكرمة فلا شك أنه يقصد عكرمة بن أبي جهل فلا يوجد أحد اسمه عكرمة غيره وقد استشهد رضي الله عنه سنة 13هـ واختلفوا في المعركة التي استشهد فيها فقيل قتل في اليرموك وقيل يوم أجنادين لأنهما وقعتا في نفس العام وعلى ذلك فعكرمة توفي قبل دخول الفتن إلى الأمة بسنوات طويلة فلست أدري ما دخله، فيما نحن فيه ويبدو أن التيجاني يتمتع بمعلومات جيدة عن التاريخ الإسلامي ورجاله!
جـ ـ أما قوله (( ولكن الله يقول { إنهم يكيدون كيداً، وأكيد كيداً فمهل الكافرين أمهلهم رويداً } ))(1). فأقول:
الله أكبر على المجرمين المارقين الذين ينزلون على خير الناس آيات الكفار ويتهمونهم بالكفر والعياذ بالله وما دروا أن هذه الآيات أولى بهم وبأشياعهم، ولكن أقول يأبى الله إلا أن يكشفهم أمام الناس ويخرج ما تكنه صدورهم من حقد على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأقول لهذا التيجاني لأخوانه الرافضة { فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }.
رابعاًـ الغريب ان تجد التيجاني يشن حملة ضاربة ضد أبو هريرة متهماً إياه في أكثر من موضع في كتابه بأنه يروي الأحاديث المكذوبة والموضوعة ثم يحتج بما يرويه! فيستدل بحديث الحوض الذي يطعن به على الصحابة(2)ولم يدر أن راويه هو أبو هريرة! ثم يستدل على أفضلية علي بحديث الراية يوم خيبر(3) مع أن راوي الحديث هو أبو هريرة ويحتج بحديث الرجل الذي بال في المسجد(4) وقد رواه أبو هريرة أيضاً! ثم يدعي بعد ذلك أن أبا هريرة يختلق الفضائل لأعداء علي؟
الباب الثالث عشر:
المبحث الأخيرـ متفرقات:
أولاًـ ادعاء التيجاني وجود النصوص التي توجب اتباع علي والرد عليه في ذلك:
__________
(1) ثم اهتديت ص (142).
(2) ثم اهتديت ص (104).
(3) المصدر السابق ص (143).
(4) المصدر السابق ص (72).(172/131)
يحتج التيجاني بوجوب اتباع علي على بعض الروايات والتي يدعي أن السنة والشيعة متفقون عليها، فيقول (( من الأحاديث التي أخذت بعنقي ودفعتني للإقتداء بالإمام علي هي تلك التي أخرجتها صحاح أهل السنة والجماعة وأكدت صحتها والشيعة عندهم أضعافها ولكن ـ وكالعادة ـ سوف لا أستدل ولا أعتمد الاّ الأحاديث المتفق عليها من الفريقين. ومن هذه الأحاديث: حديث (( أنا مدينة العلم وعلى بابها ))(1)، أقول:
هذا الحديث باطل سنداً ومتناً.
__________
(1) ثم اهتديت ص (145).(172/132)
أما من ناحية السند: فقد ذكره ابن الجوزي في كتابه الموضوعات: واستقصى جميع طرقه وبين أنها باطلة(1)، وذكره ابن طاهر المقدسي في كتابه ( تذكرة الموضوعات ) وقال (( فيه أبو الصلت الهروي، واسمه عبد السلام، وفيه عثمان بن خالد، واسماعيل بن محمد بن يوسف، كلهم كذبة ))(2)، والسيوطي في كتابه (اللآلئ المصنوعة )(3)، والشوكاني في كتابه ( الفوئد الموضوعة )(4)، وقال العقيلي: لا يصح في هذا المتن حديث(5)، وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا حديث ضعيف بل موضوع عند أهل المعرفة بالحديث، ولكن قد رواه الترمذي وغيره ومع هذا كذب(6)، ورواه الترمذي بلفظ (أنا دار الحكمة وعلي بابها ) وقال: هذا حديث غريبٌ منكر(7)، وذكره ابن كثير في البداية وقال (( وهذا الحديث يعرف بأبي الصلت الهروي عن أبي معاوية سرقه منه أحمد بن سلمة هذا ومعه جماعة من الضعفاء، هكذا قال رحمه الله. وقد روى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز عن ابن معين أنه قال: أخبرني ابن أيمن أن أبا معاوية حدث بهذا الحديث قديماً ثم كف عنه، قال: وكان أبو الصلت رجلاً موسراً يكرم المشايخ ويحدثونه بهذه الأحاديث وساقه ابن عساكر باسناد مظلم عن جعفر الصادق عن أبيه عن جده عن جابر بن عبد الله فذكره مرفوعاً، ومن طريق أخرى عن جابر: قال بن عدي وهو موضوع أيضاً. وقال أبو الفتح الأودي: لا يصح في هذا الباب شيء ))(8)، وأبطله محقق الفضائل لأحمد(9)، وقال الألباني: موضوع(10)،
__________
(1) الموضوعات لابن الجوزي جـ1 ص (349 ـ 354).
(2) التذكرة ص (47).
(3) اللآلئ جـ1 ص (328 ـ 336).
(4) الفوائد ص (348 ـ 349).
(5) الضغفاء للعقيلي جـ3 ص (150).
(6) الأحاديث الموضوعة لابن تيمية ص (40) وقال محقق الكتاب: وبالجملة فكل طرقه ضعيفة.
(7) سنن الترمذي كتاب المناقب برقم (3723).
(8) البداية والنهاية لابن كثير جـ8 ص (372).
(9) الفضائل لأحمد جـ2 حديث رقم (1081) ص (634 ـ 635).
(10) ضعيف الجامع الصغير للألباني برقم (1322).(172/133)
وقال الدارقطني (( الحديث مضطرب غير ثابت ))(1).
وأما من ناحية المتن فباطل وذلك: أن (( الكذب يعرف من نفس متنه، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان مدينة العلم، ولم يكن لها إلا باب واحد، ولم يبلغ عنه العلم إلا واحد، فسد أمر الإسلام. ولهذا اتفق المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون المبلّغ عنه العلم واحداً، بل يجب أن يكون المبلّغون أهل التواتر، الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب. وخبر واحد لا يفيد العلم إلا بقرائن، وتلك قد تكون منتفية أو خفية عن أكثر الناس، فلا يحصل لهم العلم بالقرآن والسنن المتواترة. وإذا قالوا: ذلك الواحد المعصوم يحصل العلم بخبره. قيل لهم: فلا بد من العلم بعصمته أولاً. وعصمته لا تثبت بمجرد خبره قبل أن يعلم عصمته، فإنه دوْر ولا تثبت بالإجماع، فإنه لا إجماع فيها. وعند الإمامية إنما يكون الإجماع حجة، لأن فيهم الإمام المعصوم، فيعود الأمر إلى إثبات عصمته لمجرد دعواه، فعلم أن عصمته لو كانت حقاً لا بد ان تعلم بطريق آخر غير خبره. فلو لم يكن لمدينة العلم باب إلا هو، لم يثبت لا عصمته ولا غير ذلك من أمور الدين، فعلم أن هذا الحديث إنما افتراه زنديق جاهل ظنه مدحاً، وهو مطرق الزنادق إلى القدح في دين الإسلام، إذ لم يبلغه إلا واحد. ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر، فإن جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير عليّ. أما اهل المدينة ومكة فالامر فيهما ظاهر، وكذلك الشام والبصرة، فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن عليّ إلا شيئاً قليلاً، وإنما كان غالب علمه في الكوفة، ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القرآن والسنة قبل ان يتولى عثمان، فضلاً عن علي.
__________
(1) العلل الواردة في الأحاديث النبوية جـ3 سؤال رقم (386) ص (247).(172/134)
وفقهاء اهل المدينة تعلموا الدين في خلافة عمر، وتعليم معاذ لأهل اليمن ومقامه فيهم أكثر من عليّ. ولهذا روى اهل اليمن عن معاذ بن جبل أكثر مما رووا عن علي، وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل. ولمّا قدم عليّ الكوفة كان شريح فيها قاضياً. وهو وعبيدة السلماني تفقها على غيره، فانتشر علم الإسلام في المدائن قبل أن يقدم عليّ الكوفة ))(1).
ثم يحتج التيجاني بالحديث الثاني فيقول (( حديث ( ياعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي ) هذا الحديث كما لا يخفى على اهل العقول فيه ما فيه من اختصاص أمير المؤمنين بالوزارة والوصاية الخلافة. كما كان هارون وزيراً ووصياً، وخليفة موسى في غيابه عندما ذهب لميقات ربه، وفيه أيضاً أن منزلة الإمام علي كمنزلة هارون عليه وعلى نبينا السلام فهو صورة طبق الأصل ما عدا النّبوة التي استثناها نفس الحديث، وفيه أيضاً أن الإمام علياً هو أفضل الصحابة فلا يفوته في ذلك الا صاحب الرسالة (ص) ))(2)، فأقول:
هذا الحديث صحيح فقد رواه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص قال ((خلَّف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّ بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، تُخلِّفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنَّه لا نبي بعدي ))(3)، ولكنه لا يفيد ما ادعاه التيجاني من اختصاص عليّ بالوزارة والوصاية والخلافة، وذلك للأسباب التالية:
__________
(1) المنهاج جـ7 ص (515 ـ 517).
(2) ثم اهتديت ص (146 ـ 147).
(3) صحيح مسلم مع الشرح كتاب الفضائل برقم (2404) والبخاري كتاب الفضائل برقم (3503).(172/135)
أ ـ أن لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب وهو أنه استخلف علياً في غزوة تبوك، وهي الغزوة التي لم يأذن لأحد في التخلف عنها فقال المنافقون إنما استخلفه لأنه يبغضه، فقد اخرج النسائي في خصائص عليّ عن سعد بن أبي وقاص قال (( لما غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة تبوك خلّف علياً كرم الله وجهه في المدينة، قالوا فيه: ملّه وكره صحبته، فتبع عليّ رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى لحقه في الطريق، قال: يارسول الله خلفتني بالمدينة مع الذراري والنساء، حتى قالوا: ملّه وكره صحبته؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا عليّ إنما خلّفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ))(1)، ولهذا خرج عليّ إلى النبي وقال ما قال، فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يطيب قلب عليّ وأبان له أن الاستخلاف لا يوجب نقصاً له، لأن موسى استخلف هارون على قومه فكيف يعدّ ذلك نقصاً، فرضي علي بذلك ( فقال: رضيت رضيت ) كما جاء في رواية ابن المسيب عند أحمد(2) فكان قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا لترضية عليّ ليس إلا.
__________
(1) خصائص أمير المؤمنين للنسائي برقم (43) وقال المحقق: اسناده صحيح.
(2) راجع الفتح جـ7 ص (92).(172/136)
ب ـ الثابت في السيرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستخلف في كل مرة يغزو أو يسافر فيها ولكنه لم يقل لأحد ممن استخلفه أنه منه بمنزلة هارون من موسى، وسبب ذلك أن كل من استخلفه لم يظن أن في استخلافه نوع نقص، فلم يحتج أن يقول له هذه الجملة، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ هذه الجملة لا تبين اختصاصه بها، ومن ادعى غير ذلك فعليه الدليل، وليس في الحديث ما يدل على التخصيص وأن غيره لم يكن منه بمنزلة هارون من موسى، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم للرجل الذي لعن شارب الخمر (( لا تلعنوه فولله ما علمت أنه يحب الله ورسوله ))(1)، فلا يقول عاقل أن غيره لا يحب الله ورسوله، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك لسبب، وهو ان ينهى الساب عن لعنه كما كان سبب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي رضي الله عنه ذلك لكي يرضى ولا يتوهم النقص في استخلافه.
ت ـ قلت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خص علياً بقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى لأنه أعتقد أن استخلافه يعد نقصاً، ومعنى ذلك أن عليّ لو لم يعترض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما خصه بذلك، وهذا أعظم دليل على أن الحديث ليس دليلاً على إمامة عليّ، وأنه المستحق للخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يعتقد ذلك إذن إلا من هو أكثر الناس جهلاً وأقلّهم عقلاً.
ث ـ أما قول التيجاني أن هذا الحديث ( فيه من اختصاص أمير المؤمنين عليّ بالوزارة والوصاية والخلافة كما كان هارون وزيراً ووصياً وخليفة موسى في غيابه عندما ذهب لميقات ربه ).
__________
(1) سبق الحديث ص (247).(172/137)
قلت: ليس في الحديث أي اختصاص لعليّ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استخلف على المدينة غيره، فليس مجرد الاستخلاف على المدينة يجعل المستخلف خليفة، إضافة إلى أن استخلاف عليّ على المدينة لم يكن الأخير فقد استخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة في حجة الوداع غير عليّ، فإذا كان مجرد الاستخلاف يعني الاستمرارية فغير عليّ أولى بذلك إذاً، ولكن الاختصاص الحقيقي هو الذي يختص به شخصاً واحداً، كما اختص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر على الحج، واختصه أيضاً بإمامة الصلاة وحده، ولم يكن اختصاصه بسبب قرابة أو لأجل استرضائه، كما كان مع عليّ، بل اختصاص مطلق من أجل الفضيلة والاستحقاق.
جـ ـ وعلى فرض التسليم باختصاص عليّ بالوصاية والخلافة، فإن هذا الاختصاص هو في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يستمر إلى ما بعد وفاته لأن (( هارون لم يكن خليفة موسى إلا في حياته لا بعد موته لأنه ( أي هارون ) مات قبل موسى باتفاق))(1)، أوليس التيجاني يقول ( أن منزلة الإمام عليّ كمنزلة هارون فهو صورة طبق الأصل ) فها هي الصورة الحقيقية لهارون من الاستخلاف، وصورة عليّ أصبحت طبق الأصل منه أي أن الاستخلاف هو في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفقط، ومن فمك ندينك يا تيجاني.
وفي ضوء ما سبق يتضح لطالب الحق أن هذا الحديث لا يدل من قريب ولا من بعيد على أن علياً خليفة الرسول في حياته فضلاً على ان يكون بعد مماته.
__________
(1) الفتح جـ7 ص (93) وشرح مسلم جـ15 ص (249).(172/138)
وأما الحديث الثالث الذي يحتج به التيجاني وهو (( حديث ( من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) ـ ثم يعلق عليه بقوله ـ وهذا الحديث وحده كاف لردّ مزاعم تقديم أبي بكر وعمر وعثمان على من نصّبه رسول الله (ص) ولياً للمؤمنين من بعده، ولا عبرة بمن أوّل الحديث إلى منعى المحب والنصير لصرفه عن معناه الأصلي الذي قصده الرسول وذلك حفاظاً على كرامة الصحابة لأن رسول الله (ص) عندما قام خطيباً في ذلك الحر الشديد ( قال ألستم تشهدون بأني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) قالوا بلى يارسول الله فقال عندئذ ( فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه... ) وهذا نص صريح في استخلافه على أمته، ولا يمكن للعاقل المنصف العادل إلاّ قبول هذا المعنى ورفض تأويل البعض المتكلف والحفاظ على كرامة الرسول قبل الحفاظ على كرامة الصحابة لأن في تأويلهم هذا استخفاف واستهزاء بحكمة الرسول الذي يجمع حشود الناس في الحر الهجير الذي لا يطاق ليقول لهم بأنّ علي هو محب المؤمنين وناصرهم. وبماذا يفسر هؤلاء الذين يؤولون النصوص حفاظاً على كرامة كبرائهم وساداتهم موكب التهنئة الذي عقده له رسول الله (ص). وبدأ بزوجات أمهات المؤمنين وجاء أبو بكر وعمر يقولان ( بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وامسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ) والواقع والتاريخ يشهد أن المتأولين لكاذبون فويل لهم ممّا كتبت أيديهم وويل لهم ممّا يكتبون قال تعالى { وان فريقاً منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون } ))(1)، فأقول:
أ ـ هذا الحديث صحيح إن شاء الله، ولكنه لا يفيد استخلاف عليّ على الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد بينت ذلك باستفاضة في مبحث أبي بكر فليرجع إليه للأهمية(2).
ب ـ بالنسبة للزيادة في قوله ( وانصر من نصره واخذل من خذله ) فهي
__________
(1) ثم اهتديت ص (147).
(2) راجع الكتاب ص (214).(172/139)
زيادة ضعيفة خلا الحديث لأن هذه الزيادة مدارها على شريك القاضي وهو سيء الحفظ(1) ، أما ( وأدر معه الحق حيث دار ) فلم أجدها في جميع طرق الحديث!
ت ـ أما أقوله ( ولا عبرة بمن أوّل الحديث إلى معنى المحب والنصير لصرفه عن معناه الأصلي الذي قصده الرسول وذلك حفاظاً على كرامة الصحابة )! وأنا أسأل التيجاني المنصف كيف عرفت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصد هذا المعنى الأصلي؟! هل اتصلت بشيخ الطائفة ( أحمد التيجاني ) للاستفسار عن المعنى الأصلي، الذي بادر من فوره للالتقاء بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسأله عن قصده ـ كما علمه صلاة الفاتح من قبل ـ فأخبره بالمعنى الأصلي، ثم أعلمك إياه؟؟! سبحان الله، جاهل ويتنطّع.
ث ـ أما احتجاجه بأن النبي قام خطيباً في الحر الشديد الذي لا يطاق ذاكراً النص على علي. فأقول:
__________
(1) السلسلة الصحيحة جـ4 ص (338) وقال الجوزجاني في الشجرة وأحوال الرجال ص (150) (( شريك بن عبد الله: سيء الحفظ، مضطرب الحديث مائل )).(172/140)
وقوفه في الحر الذي لا يطاق ليس دليلاً على أن علياً خليفة، فهذا لا يحتج به إلا مفلس ولعل هذه الحجة تقبل عقلاً في حال جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس وامرهم بالذهاب لغدير خُم ثم ذكر لهم الحديث، ولكنه عندما قال ما قال كان عائداً من حجة الوداع وفي الطريق عند الغدير ذكر موالاة عليّ فلو كان يقصد بالموالاة الإمامة لذكرها في حجة الوداع التي خطبهم فيها بأهم ما يجب أن يعرفوه، وكان يقول ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد، ولكن لما لم يكن هذا بلاغاً للناس فلم يذكره، ولتأكيد مقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بموالاة عليّ على أنها الحب والنصرة هو مارواه احمد في الفضائل عن ابن بريدة عن أبيه قال (( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستعمل علينا علياً، فلما رجعنا سأَلنا: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإما شكوته أنا إما شكاه غيري فرفعت رأسي وكنت رجلاً من مكة، وإذا وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد احمرّ فقال: من كنت وليه فعليّ وليه ))(1)، وما رواه ابن عباس عن بريدة قال خرجت مع عليّ رضي الله عنه إلى اليمن، فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فذكرت علياً فتنقصته، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتغير وجهه، يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه ))(2)، ومن هنا نعلم أن معنى مقصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالموالاة هي الحب والنصرة.
__________
(1) خصائص أمير المؤمنين برقم (77) وأحمد في الفضائل برقم (947) وقال المحققان: صحيح.
(2) الفضائل لأحمد برقم (989) والنسائي في الخصائص برقم (79) وقال المحققان: صحيح.(172/141)
جـ ـ أما قوله ( وبماذا يفسر هؤلاء الذين يؤولون النصوص حفاظاً على كرامة كبرائهم وساداتهم موكب التهنئة الذي عقده له رسول الله (ص) وبدأ بزوجات أمهات المؤمنين وجاء أبو بكر وعمر يقولان ( بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة )، قلت:
تباً لهذا التيجاني الأنوك الذي يعبث في النصوص الحديثية كيف يشاء، فعندما ذكر هذا الحديث في مبحث ( أسباب الاستبصار ) لم يذكر أن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كن من جماعة المهنّئين لعليّ، وهنا أضافهن زيادة في التحريف وامعاناً في الكذب، إضافة إلى أن أبا بكر لم يذكر في هذه الاضافة من الحديث إطلاقاً(1)، عدا أن هذه الزيادة ـ التهنئة ـ قد تفرد بها عليّ بن زيد وهو ضعيف(2)، ثم لا يستحي بعد ذلك أن يقول ( والواقع والتاريخ يشهد أن المتأولين لكاذبون، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكتبون )!؟ اللهم استجب!
ثم يذكر التيجاني الحديث الرابع فيقول (( حديث ( علي مني وأنا من علي، ولا يؤدّي عني الا أنا أو علي ) وهذا الحديث الشريف هو الآخر صريح في أن الإمام علي هو الشخص الوحيد الذي أهّله صاحب الرسالة ليؤدي عنه وقد قاله عندما بعثه بسورة براءة يوم الحج الاكبر عوضاً عن أبي بكر، ورجع أبو بكر يبكي ويقول يا رسول الله أنزل فيّ شيء فقال: أن الله أمرني أن لا يؤدي عني الا أنا أو علي. وهذا ظهير ما قاله رسول الله (ص) لعلي في مناسبة أخرى عندما قال له (أنت يا علي تبيّن لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي ) ..))(3)، فأقول:
هذا الحديث صحيح وثابت ولكن التيجاني يحمله ما لا يحتمل وذلك للاسباب التالية:
__________
(1) أرجو مراجعة ص (220 ـ 221). ليتضح للقارئ مدى تزييف التيجاني للنصوص.
(2) راجع ص (222) ففيها زيادة بيان.
(3) ثم اهتديت ص (147 ـ 148).(172/142)
أ ـ أما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( علي مني وأن من علي ) فلا يختص بعليّ وحده فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مثل ذلك لغيره فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( إنّ الأشعريين إذا أرملوا في غزوِ، أو قلَّ طعام عِيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوبٍ واحدٍ، ثم اقْتسموه بينهم في إناءٍ واحدٍ بالسوّية، فهم منِّي وأنا منهم ))(1)، وقال مثل ذلك لجليبيب رضي الله عنه فعن أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( كان في مغزًى له. فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم ، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم ، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا. قال: لكني أفقد جُليبيباً فاطلبُوه، فطلب في القتلى، فوجدوه إلى جنبِ سبعةٍ قد قتلهم ثم قتلوه، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوقف عليه فقال: قتل سبعةً ثم قتلوه، هذا منّي وأنا منه ، هذا منّي وأنا منه ))(2)، فليس قوله هذا من خصائصه بل يشاركه في ذلك غيره.
ب ـ أما قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا يؤدي إلا أنا أو علي )، لأنه (( كان من دأب العرب إذا كان بينهم مقاولة في نقض وإبرام وصلح ونبذ عهد أن لا يؤدي ذلك السيد أو من يليه من ذوي قرابته القريبة ولا يقبلون ممن سواهم ))(3).
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الشراكة برقم (2353) ومسلم مع الشرح كتاب فضائل الصحابة برقم (2499).
(2) مسلم مع الشرح كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ من فضائل جليبيب رضي الله عنه برقم (2472).
(3) تحفة الأحوذي بشرح الترمذي للمباركفوري جـ10 ص (152).(172/143)
ت ـ ومع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أردف بعلي ليؤذن ببراءة فقد جعله تابعاً مأموراً تحت أبي بكر، لأن أبا بكر كان أميراً على الحج في ذلك الوقت فليس إرداف عليّ مأموراً من قبل أبي بكر دليل على أحقيته للخلافة بل على العكس، فالأحق هو أبو بكر لأنه كان الأمير على الحج.
ث ـ أما رواية ( أنت يا علي تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي ) فهو حديث موضوع، من طريق ضرار بن الصرد (( قال عنه البخاري وغيره: متروك، وقال يحيى بن معين: كذابان بالكوفة ضرار بن الصرد وأبو نعيم النخعي، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: صدوق لا يحتج به، وقال الدارقطني: ضعيف ))(1)، وله طريق آخر عن علي بن عابس أخرجه ابن الجوزي في كتابه الموضوعات وقال (( هذا الحديث لا يصح. قال يحي بن معين علي بن عابس ليس بشيء ))(2) ((وقال الجوزاني والنسائي والأزدى: ضعيف، وقال بن حبان: فحش خطؤه ما استحق الترك ))(3)، وقال ابن حجر ضعيف(4) فالحديث باطل ولا حجة فيه. ومما سبق يظهر لكل ذي لب أن هذا الحديث ليس فيه أي حجة أو دليل على خلافة علي.
ثم يحتج بالحديث الأخير فيقول ( ( حديث الدار يوم الإنذار: قال رسول الله (ص) مشيراً إلى علي: ( إن هذا أخي، ووصيي، وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا ) . وهذا الحديث هوأيضاً من الأحاديث الصحيحة التي نقلها المؤرخون لبداية البعثة النبوية وعدّوها من معجزات النبي، ولكنّ السياسة هي التي أبدلت وزيّفت الحقائق والوقائع ))(5)، فأقول:
هذا الحديث باطل متناً وسنداً:
أما من ناحية السند: فمدار رواياته على ثلاثة، محمد بن اسحاق وعبد الغفار بن القاسم وعبد الله بن عبد القدوس.
__________
(1) ميزان الاعتدال للذهبي جـ2 ص (327 ـ 328) برقم (3951).
(2) الموضوعات لابن الجوزي ص (376 ـ 377) جـ1
(3) الميزان جـ3 ص (134 ـ 135) برقم (5872).
(4) تقريب التهذيب جـ1 ص (697).
(5) ثم اهتديت ص (148 ـ 149).(172/144)
أما محمد بن اسحاق: راوي الحديث فهو مختلف في صحته(1) وأما عبد الغفار بن القاسم: قال عنه الذهبي (( أبو مريم الأنصاري رافضي، ليس بثقة، قال علي بن المديني: كان يضع الحديث، ويقال: كان من رؤوس الشيعة، وروى عباس بن يحيى: ليس بشيء، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال أحمد بن حنبل: كان أبو عبيدة إذا حدّثنا عن أبي مريم يضج الناس يقولون: لا نريده، وقال أحمد: كان أبو مريم يحدّث ببلايا في عثمان ))(2)، وقال عنه ابن حبّان (( كان ممن يروي المثالب في عثمان بن عفان وشرب الخمر حتى يسكر، ومع ذلك يقلّب الأخبار، ولا يجوز الاحتجاج به، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ))(3)، وقال النسائي (( متروك الحديث ))(4)، وقال عنه ابن كثير (( متروك كذّاب شيعي اتهمه علي بن المديني وغيره بوضع الحديث وضعّفه الأئمة رحمهم الله ))(5)، وأما عبد الله بن عبد القدوس: قال عنه الذهبي (( كوفي رافضي نزل الري، روى عن الأعمش وغيره، قال بن عدي: عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت، قال يحيى: ليس بشيء رافضي خبيث، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال أبومعمر: عبد الله بن عبد القدوس وكان خشبياً))(6) (( وحدثنا أحمد بن علي الأبار قال: سألت زنيج شيخ رازي عن عبد الله بن عبد القدوس فقال: تركته، ولم أكتب عنه شيئاً ولم يرضه ))(7).
وأما من ناحية المتن فهو باطل لأسباب وهي:
__________
(1) راجع الكتاب ص (279).
(2) ميزان الاعتدال للذهبي جـ2 ص (640).
(3) كتاب المجروحين لابن حبان ص (143).
(4) كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي ص (210).
(5) تفسير ابن كثير جـ3 ص (364).
(6) ميزان الاعتدال جـ2 ص (457).
(7) الضعفاء للعقيلي جـ2 ص (279).(172/145)
أ ـ الرواية التي ذكرها التيجاني ليست كاملة بل ناقصة جداً والرواية كاملة (( لمانزلت هذه الآية على رسول الله (ص) وأنذر عشيرتك الأقربين دعاني رسول الله (ص) فقال يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليه حتى جاء جبرائيل فقال يا محمد إنك ألا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك فاصنع لنا صاعاً من الطعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله (ص) خدية من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصفحة، ثم قال خذوا بسم الله فأكل القوم حتى مالهم بشيء حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم وأيم الله الذي نفسي بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم، ثم قال إسق القوم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى روا منه جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله (ص) أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله (ص) فقال الغد يا علي إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعِد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم اجمعهم إلي. قال ففعلت، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى مالهم بشيء حاجة، ثم قال إسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعاً، ثم تكلم رسول الله (ص) فقال يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني(172/146)
على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم. قال فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطشاً واحمشهم ساقاً أنا يا رسول الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لإبنك وتطيع ))، وفي سياق آخر ((... فلم يجبه أحد منهم فقام علي وقال: أنا يا رسول الله. قال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانياً فصمتوا، فقام علي وقال: أنا يا رسول الله فقال اجلس، ثم أعاد القول على القوم ثالثاً فلم يجبه أحد منهم فقام علي فقال أنا رسول الله فقال اجلس أنت أخي...الخ ))(1)، وأنا أعذر التيجاني عندما أخفى هذا الجزء من الحديث الذي يكشف عن آثار وضْعه وكذبه وذلك للأسباب التالية:
__________
(1) لماذا اخترت مذهب الشيعة لمحمد مرعي الأنطاكي ص (137 ـ 143) والمراجعات المراجعة (20) ص (123).(172/147)
أ ـ في الحديث أن بني عبد المطلب ( هم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه) والتاريخ يشهد أنهم لم يبلغوا العشرين رجلاً فضلاً عن الأربعين! (( فإن بني عبد المطلب لم يُعقب منهم باتفاق الناس إلا أربعة: العبّاس، وأبو طالب، والحارث، وأبو لهب. وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة وهم بنوهاشم ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة: العباس وحمزة وأبو طالب وأبو لهب، وأما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين: طالب وعقيل وجعفر وعليّ. وأما العباس فبنوه كلهم صغار، إذ لم يكن فيهم بمكة رجل، وهَبْ أنهم كانوا رجالاً فهم: عبد الله وعبيد الله والفضل، وأما قثم فوُلد بعدهم، وأكبرهم الفضل، وبه كان يكنَّى، وأما الحارث بن عبد المطلب وأبولهب فبنوهما أقل، والحارث كان له ابنان: أبو سفيان وربيعة، وكلاهما تأخر إسلامه، وكان من مُسلمة الفتح، وكذلك بنو أبي لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح، وكان له ثلاثة ذكور، فأسلم منهم اثنان: عتبة ومغيث ))(1).
ب ـ هذه الرواية معارضة برواية أخرى اتفق أهل الحديث على صحّتها وثبوتها فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (( لمّا نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين }. صعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الصّفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدِي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم أنّ خيلاً بالوادي تريد أن تُغير عليكم أكنتم مصدقِّي، قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإنِّي نذير لكم بين يديْ عذابٍ شديدٍ، فقال أبو لهب: تباًّ لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا، فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتبّ، ما أغنى عنه ماله وماكسب } ))(2).
__________
(1) المنهاج جـ7 ص (304 ـ 305) بتصرف.
(2) صحيح البخاري كتاب التفسير ـ باب ـ ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) برقم (4492).(172/148)
ت ـ الرافضة الاثنا عشرية طالما ادعوا النص الصريح على خلافة عليّ وأنه هو الوصي والمستحق الوحيد لهذا المنصب، وأن النصوص متظافرة في اثبات ذلك، وهذا الحديث يدحض مزاعمهم، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا قومه لنصرته وأن من يقبل نصرته فسيصبح أخوه ووصيه وخليفته من بعده ولم يخص عليّ بذلك بل وأعرض عنه ثلاث مرات، ولمّا لم يجد ناصراً غير عليّ قال له ما قال، وهذا يدل على أن علياً لا يستحق هذا المنصب ابتداءً، وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم اضطر مع إحجام قومه أن يجعل هذا الأمر في عليّ، فهل هذا يتوافق مع ما يدعيه الرافضة من أنّ علياً منصوص عليه من قبل السماء؟!
ث ـ لقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المنصب من نصيب من يؤازره على هذا الأمر وهو الإسلام والنطق بالشهادتين، وأنا أتساءل هل مجرد إسلام الشخص ونطقه بالشهادتين يستحق أن يصبح وزيراً ووصياً وخليفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟! ومعنى ذلك أيضاً أن جميع من أسلم وآزر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الأمر يستحق أن يصبح خليفة له، فأي ميزة لعليّ عن جميع من أسلم حتى يصبح وصي وخليفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك؟ ثم لو فرضنا أن اثنين أو أكثر من قومه أجابوه إلى ذلك، فهل سيكون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة خلفاء في وقت واحد؟؟! أم سيجري انتخابات لترشيح واحداً منهم!!؟ أليس من ينسب هذا الهذيان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هومن أغبى الناس.(172/149)
جـ ـ هذه الرواية تزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعليّ بعدما أحجم القوم عن مؤازرته ( إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ـ وليس من بعدي كما يزعم التيجاني ـ فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع )!؟ وأنا أتساءل مبهوتاً، كيف يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقومٍ رفضوا مؤازرته ونصرته بل وحاربوه، هذا خليفتي فاسمعوا له وأطيعوا؟! يا الله، هم أنفسهم لم يطيعوا النبي المرسل فهل سيطيعون صبياً صغيراً؟! ولو فرضنا أن قول التيجاني ـ إن هذا أخي وخليفتي من ( بعدي ) وليس ( فيكم ) صحيحاً، فهل هم أطاعوا النبي في الحاضر حتى يطيعوا خليفته من بعده؟! كأن الخطاب لجمع من المسلمين وليس لجمع من رؤؤس الكفر! سبحان الله حتى المشركين في الرواية أكثر فهماً من هؤلاء الروافض، لذلك خرجوا يضحكون على مثل هذا الكلام العجيب، ويقولون لأبي طالب، قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!!! فهل بعد هذه الأدلة يعتقد من يحترم عقله بصحة هذا الحديث.(172/150)
ثم يهذي فيقول ( ولا عجب من ذلك لأن ما وقع في ذلك الزمان المظلم يتكرر اليوم في عصر النور فهذا محمد حسين هيكل أخرج الحديث بكامله في كتابه ( حياة محمد ) في صفحة 104 من الطبعة الأولى سنة 1354 هجرية وفي الطبعة الثانية وما بعدها حذف من الحديث قوله (ص) ( وصيي وخليفتي من بعدي )، كذلك حذفوا من تفسير الطبري الجزء 19 صفحة 121 قوله ( وصيي وخليفتي ) وأبدلوها بقوله أن هذا أخي وكذا وكذا..!! وغفلوا عن أن الطبري ذكر الحديث بكامله في تاريخه الجزء 2 صفحة 319 . أنظر كيف يحرّفون الكلم عن مواضعه ويقلّبون الأمور، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متّم نوره (!!) ... وخلال البحث الذي قمت به أردت الوقوف على جلية الحال فبحثت عن الطبعة الأولى لكتاب ( حياة محمد ) وتحصلّت عليه بحمد الله بعد عناء ومشقة وقد كلفني ذلك كثيراً، والمهم أنني اطّلعت على ذلك التحريف وزادني ذلك يقيناً بأن أهل السوء يحاولون جهدهم لمحو الحقائق الثابتة لأنها حجة قوية لدى ( خصومهم)! ))(1) قلت:
__________
(1) ثم اهتديت ص (149).(172/151)
لست أدري والله كيف يبرز هذا التيجاني جهله الواسع، فكأن كتاب ( حياة محمد ) هو صحيح البخاري أو مسلم حتى يسعى أهل السنة لتحريف ما فيه من روايات، فهذا الكتاب لا يعدو أن يكون أقرب إلى الأسلوب القصصي ولا يمثل أي قيمة لدى أهل السنة، فحسبه مثل الكثير من الكتب التي تدفع بها المطابع إلى سوق الكتب، والحديث المشار إليه قد كذبه علماء الجرح والتعديل قبل أن يخلق صاحب الكتاب بقرون، فلماذا يحرفونه في هذا الكتاب بالذات، وقد استشهد به من قبل المفسرون، ولعل كلام التيجاني يقبله العقل إذا حرّف الحديث في كتاب معتبر أو كتاب حديث، ولن يحدث هذا إطلاقاً لأن أهل السنة لا يهتمون بالحديث، أنما بسلسلة روات السند، ولكن التيجاني يحسب أهل السنة مثلهم أ هل التحريف من الرافضة الذين حرفوا نصوص القرآن وليس فقط الرويات الحديثية وليعلم التيجاني أنه لوجاء بعشرات الكتب من مثل كتاب حياة محمد كلهم يوردون هذه الرواية ويثبتونها في كتبهم فلا يعني هذا أن الحديث أصبح صحيحاً ومن هنا نعلم أنه لا يوجد تحريف في كتاب حياة محمد وإن كان هناك تغير فإنه من عمل المؤلف، مع العلم أن دعوى التحريف لم يأت عليها بدليل واحد اللهم إلا دليل التحامل والكذب، وبالنسبة للطبري فإنه قد ساق هذه الرواية كما ذكرها التيجاني، ولم يحرفها أحد ولكن التيجاني يحاول جهده أن يثبت ذكاءه ولكنه مع الأسف يكتشف دائماً لأنه يثبت جهله!؟ فأسأله سؤالاً سيتضح من جواب التيجاني له مدى الذكاء الذي يتمتع به، والسؤال هو: عندما اكتشفت اكتشافك العظيم بأن الطبري ساق الحديث وقد حرفه المحرفون، ثم وجدته كاملاً في موضع آخر، فهل ظننت أن الذي يريد تحريف كتاب، يقرأ جزءاً واحداً فقط دون أن يقرأه كله كي يتم التحريف كاملاً حتى تأتي أنت وتكتشف هذا الخلل؟ فستقول نعم، يأبى الله إلا أن يكشف حقيقتهم فأغفلهم عن الموضع الآخر، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون! فسأقول لك: وما(172/152)
أدراك أن الطبري نفسه هو الذي ساقه بهذا اللفظ؟ ومادليلك على التحريف؟ وكيف عرفت أن المحرفون قد غفلوا عن الموضع الآخر؟ وهل الجزء الصغير من هذه الرواية ـ التي نحن بصددها ـ الذي استشهدت به في كتابك وتركت بقيتها يعتبر نوعاً من التحريف؟! فإجابة التيجاني على هذه الأسئلة ستحسم ذكاءه من غبائه!!
ثانياً ـ ادعاء التيجاني وجود النصوص التي توجب اتباع أهل البيت والرد عليه في ذلك:
يحتج التيجاني على أهل السنة بوجوب اتباع أهل البيت في كل أمر، ويستدل على ذلك ببعض الأحاديث التي يعتقد أنها توجب ذلك.(172/153)
ويبدأ بأول حديث فيقول (( حديث الثقلين: قال رسول الله (ص) ( يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) وقال أيضاً ( يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي ). وإذا تمعّنا في هذا الحديث الشريف الذي أخرجه صحاح أهل السنة والجماعة وجدنا أن الشيعة وحدهم هم الذين اتبعوا الثقلين ( كتاب الله والعترة النبوية الطاهرة ) بينما اتّبع أهل السنة والجماعة قول عمر ( حسبنا كتاب الله ). وليتهم اتبعوا كتاب الله بغير تأويل حسب أهوائهم فإذا كان عمر نفسه لم يفهم منه معنى الكلالة ولا عرف منه آية التيمم وعدة أحكام أخرى فكيف بمن جاء بعده وقلده بدون اجتهاد أو اجتهد برأيه في النصوص القرآنية، وبطبيعة الحال سوف يردون عليّ بالحديث المروي عندهم وهو ( تركت فيكم كتاب الله وسنتي )، وهذا الحديث إن صح وهو صحيح في معناه، لأن العترة بقوله (ص) في حديث الثقلين المتقدم هو الرجوع إلى أهل البيت ليعلّموكم ـ أولاً ـ سنتي: أو لينقلون إليكم الأحاديث الصحيحة لأنهم منزّهون عن الكذب وأن الله سبحانه عصمهم بآية التطهير. وثانياً: لكي يفسروا لكم معانيها ومقاصدها، لأن كتاب الله وحده لا يكفي للهداية فكم من فرقة تحتج بكتاب الله وهي في الضلالة كما ورد ذلك عن رسول الله عندما قال ( كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه). فكتاب الله صامت، حمّال أوجه، وفيه المحكم والمتشابه ولا بد لفهمه من الرجوع إلى الراسخين في العلم حسب التعبير القرآني وإلى أهل البيت حسب التفسير النبوي. فالشيعة يرجعون كل شيء إلى الأئمة المعصومين من أهل البيت النبوي ولا يجتهدون إلا فيما نصّ فيه، ونحن نرجع في كل شيء إلى الصحابة سواء في تفسير القرآن أو في إثبات السنة وتفسيرها وقد علمنا أحوال الصحابة وما فعلوه وما استنبطوه(172/154)
واجتهدوا فيه بآرائهم مقابل النصوص الصريحة وهي تعدّ بالمئات فلا يمكن الركون إلى مثلهم بعدما حصل منهم ما حصل، وإذا سألنا علماءنا، أي سنّة تتبعون؟ لأجابوا قطعاً: سنّة رسول الله (ص)، والواقع التاريخي لا ينسجم مع ذلك، فقد رووا بأن الرسول نفسه قال ( عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ ) إذاً فالسنّة التي يتبعونها هي في أغلب الأحيان سنّة الخلفاء الراشدين وحتى سنّة الرسول التي يقولون بها فهي مروية عن طريق هؤلاء، على أننا نروي في صحاحنا بأن الرسول منعهم من كتابة سننه لئلا تختلط بالقرآن، وكذلك فعل أبو بكر وعمر إبّان خلافتيهما، فلا يبقى بعد هذا حجّة في قولنا ( تركت فيكم سنتي ) ))(1)،
للجواب على ما سبق أقول:
1ـ ( أهل البيت ) في الحديث المشار إليه له معنيان لا ثالث لهما، المعنى الأول: أن المقصود بهم هم أهل العلم والصلاح المتمسكون بالكتاب والسنة من أهل البيت، وهو الذي يشير إليه الحديث ( يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي )، المعنى الثاني: هو محبة أهل البيت واحترامهم وإكرامهم والمحافظة عليهم وهو الذي يشير إليه الحديث الآخر ( يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور واهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي )، ولا يفهم من هذا الحديث الرجوع إلى أهل البيت وحدهم، وهم عليّ وبنوه في معرفة السنة إطلاقاً وذلك للأسباب التالية:
__________
(1) ثم اهتديت ص (151 ـ 152).(172/155)
أ ـ أن المقصود بأهل البيت: الأقرباء والزوجات، وقد أثْبتُّ هذه الحقيقة في مبحث خلاف أبي بكر مع فاطمة، وسقت اعتراف الشيعة الاثني عشرية على ذلك(1) ، ومن أهم مصادرهم بما لا يدع مجالاً لشاكٍّ، إضافة إلى أن الحديث الذي رواه مسلم واحتج به التيجاني في هامش كتابه، يبين أن أهل البيت المقصودون هم غير عليّ وأولاده فعن زيد بن أرقم قال (( قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فينا خطيباً. بماء يدعى خُمّاً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر ثم قال ( أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثم قال: وأهل بيتي، أُذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته.؟ يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهلُ بيته من حُرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال كل هؤلاء حُرم الصدقة؟ قال: نعم ))(2)، وهذا يؤيد المعنى الثاني وهو المحافظة عليهم وإكرامهم واحترامهم.
ب ـ بما أننا عرفنا أن أهل البيت يدخل فيه جميع الأقارب بما فيهم من ظل على الكفر، وبما أنه أمرنا بالتمسك بأهل البيت، فهل الأمر جاء بالتمسك بكل من ينتسب إلى أهل البيت حتى لو خالفوا الكتاب والسنة؟ لا شك أن هذا قول باطل. إذن أمرنا بمتابعة من تمسك بالكتاب والسنة من أهل البيت، وهم العلماء والصالحون، وهذا يؤيد المعنى الأول للحديث وهم أهل العلم من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..كزز
__________
(1) راجع مبحث خلاف أبي بكر مع فاطمة ص (176 ـ 178).
(2) مسلم مع الشرح كتاب فضائل الصحابة برقم (2408).(172/156)
ت ـ ولكن هل يجب التمسك بالصالحين من أهل البيت فقط؟ الجواب بالطبع لا، لأنه ليس من المعقول أن يلم بعض أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسنة كلها كعليّ مثلاً لأنه لا يمكن أن يحصل العلم بالقرآن والسنة له وحده، فلا بد أن يشاركه الصحابة الذين استأنسوا بصحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل، وتعلموا منه صلى الله عليه وآله وسلم
ث ـ ويقابل حديث العترة من حيث المعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم (( ... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ ))(1)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( إني لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ))(2)، ففي هاذين الحديثين، حض بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين وخصوصاً أبو بكر وعمر فحديث العترة ليس على إطلاقه.
__________
(1) سنن الترمذي كتاب العلم برقم (2676) وراجع صحيح الترمذي برقم (2157).
(2) الترمذي كتاب المناقب برقم (3663) وراجع صحيح الترمذي برقم (2896).(172/157)
جـ ـ ولكن ما المراد بالتمسك في حديث العترة والخلفاء، فبالنسبة لحديث العترة يقول القاري في شرحه (( المراد بهم: أهل العلم منهم المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته والعارفون بحكمه وحكمته ـ وقال ابن الملك: معنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم. وزاد جمال الدين: إذا لم يكن مخالفاً للدين ))(1)، وقال بعض العلم أيضاً (( عترة الرجل أهل بيته ورهطه الأدنون ولاستعمال العترة على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله أهل بيتي ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه ))(2)، وكقوله تعالى عن زوجات النبي في آية التطهير { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } ( الأحزاب ـ 34)، والحكمة بمعنى السنة، وبالنسبة لقوله ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين )، يقول القاري، المعنى (( فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم إياها ))(3)، وقال ابن رجب (( هذا إخبار منه صلى الله عليه وآله وسلم بما وقع في أمّته بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه، وفي الأقوال والأعمال والاعتقادات، وهذا موافق لما روي عنه من افتراق أُمته على بضع وسبعين فرقة، وأنها كلها في النار إلا فرقة واحدة، وهي من كان على ما هو عليه وأصحابه، وكذلك في هذا الحديث أمر عند الافتراق والاختلاف بالتمسك بسنته وسنّة الخلفاء الراشدين من بعده، والسنة: هي الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه السنة الكاملة، ولهذا كان السلف قديماً لا يطلقون اسم السنّة إلا على ما يشمل ذلك كله ))(4)، ومن هنا نستنتج أن الأمر
__________
(1) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح جـ10 ص (531).
(2) المصدر السابق جـ10 ص (530) وتحفة الأحوذي جـ1 ص (196).
(3) تحفة الأحوذي جـ7 ص (367).
(4) جامع العلوم والحكم لابن رجب ص (120).(172/158)
بالتمسك بهؤلاء هو التمسك بما عندهم من العلم بالسنّة.
د ـ وإذا راجعنا القرآن وجدناه يحض على الرجوع إلى السنة كما في قوله { لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعثَ فيهم رسولاً من أنْفُسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين } ( آل عمران 164 )، قال الشافعي (( فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ))(1)، وقوله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فنتهوا )) ( الحشر 7 )، قال محمد جواد مغنية ـ من كبار الإمامية المعاصرين ـ في تفسير هذه الآية (( يقول سبحانه: اعملوا بالقرآن، فإن لم تجدوا فيه النص على ما تريدون فارجعوا إلى السنة النبوية ))(2)، فإذا عرفنا ذلك، وعرفنا أن الأحاديث السابقة تحض على التمسك بالعترة والخلفاء لعلمهم بالسنة نعلم يقيناً أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم (( تركت فيكم شيئين، لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض ))(3)، لا يتناقض معهما، بل يتوافق تماماً، وهذا ما يعترف به الرافضة الإمامية أيضاً وهو أن اتباع العترة هو بما وافق السنة وليس أن كل ما يقولونه حق، وما سواهم من الصحابة قولهم باطل، لذلك يروي الكليني في كتاب ( أصول الكافي ) ـ مثل البخاري عند السنة ـ عن أيوب بن الحر قال (( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ))(4)، وعن أبي عبد الله قال
__________
(1) مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة لجلال الدين السيوطي ص (18).
(2) التفسير المبين ص (731).
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك جـ1 كتاب العلم ص (93) وصحح إسناده الألباني في صحيح الجامع برقم (2937) عن أبي هريرة.
(4) الأصول من الكافي للكليني جـ1 كتاب فضل العلم ـ باب ـ الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ص (55).(172/159)
(( خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى فقال (( أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وماجاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله ))(1)، وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (( من خالف كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد كفر ))(2)، وعن أبان بن تغلب عن أبي جعفر عليه السلام (( أنه سُئل عن مسئلة فأجاب فيها قال: فقال الرجل: إنّ الفقهاء لا يقولون هذا فقال: يا ويحك وهل رأيت فقيهاً قط؟! إنّ الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، المتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ))(3) ويورد كبير علمائهم في الرجال في كتابه ( رجال الكشي ) عن أبي عبد الله يقول (( إتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا (ص) فإنا إذا حدثنا قلنا: قال الله عزوجل وقال رسول الله (ص) ))(4) وعن يونس عندما عرض على أبي الحسن الرضا كتب أصحاب أبي عبد الله فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد الله وقال (( إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله (ع) لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الاحاديث إلى يومنا هذا (!!) في كتب أصحاب أبي عبد الله (ع) فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن(5)
__________
(1) المصدر السابق ص (56).
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) رجال الكشي ص (195) المغيرة بن سعد.
(5) إذن كل ما تنسبه الرافضة لأبي عبد الله أو أبيه من ادعاء وجود مصحف لفاطمة غير قرآننا، أو ارتداد جميع الصحابة عدا ثلاثة أو سبعة، أو الزعم بأن الأئمة منصوص عليهم بالإمامة من عند الله ورسوله، وكل ما ذكر على لسانه من أقوال تفيد الكفر أو تفيد الغلو في الأئمة فهو كذب وباطل، وخير دليل على ذلك أن أبا عبد الله قال (( أن المغيرة كان يدس الكفر والزندقة على أبيه ويسندها إلى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة، فكل ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم )) رجال الكشي ص (196).(172/160)
، فإنا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة إما عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول قال فلان وفلان(1) ، فيتناقض كلامنا ..))(2)، فهل يشك شاك بعد ذلك أن أهل السنة هم المتبعون حقاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، باتباعهم الكتاب والسنة؟
2ـ يقول التيجاني ( معنى العترة بقوله (ص) في حديث الثقلين المتقدم هو الرجوع إلى أهل بيتي ليعلموكم أولاً سنتي: أو لينقلون إليكم الأحاديث الصحيحة لأنهم منزهون عن الكذب ومعصومون بآية التطهير )، قلت:
أ ـ وإذا كان أهل البيت هم جميع الأقارب كما أثبتنا، فهل هؤلاء جميعاً منزّهون عن الكذب؟! وآية التطهير يدخل فيها زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل هنّ معصومات؟!
__________
(1) الغريب أن الإمامية يرجعون في أ مور دينهم لأقوال الرجال ـ مذهبهم في الفروع على مذهب جعفر الصادق ـ كيف ذلك وهو يأمر باتباع الكتاب والسنة ونبذ أقوال الرجال، وهل يؤاخذ أهل السنة بعد ذلك باتباعهم الكتاب والسنة؟!
(2) رجال الكشي ص (195 ـ 196).(172/161)
ب ـ التيجاني واخوانه من الإمامية يدّعون أن المراد بأهل البيت هم الأئمة الاثنا عشر من ولد علي بن أبي طالب إلى جعفر الصادق، ثم جعلوا الإمامة من بعده في موسى بن جعفر الكاظم، ويخالفهم في ذلك ( الإسماعلية )، الذين يجعلون الإمامة من بعد جعفر لابنه إسماعيل بن جعفر، ثم خرجت فرقة أخري ( الكيسانية ) التي لفظت أولاد عليّ من فاطمة، وقالت بإمامة محمد بن الحنفية بن عليّ، وتبعتها فرقة قالت بأن أهل البيت هم العباس وولده وهي فرقة ( الرواندية )(1)، وغيرهذه الفرق التي تدعي الانتساب لآل البيت علماً، أن كل فرقة من هذه الفرق تدعي الحق لنفسها وأنها التي تسير على خطى أهل البيت، وتكفر أو تضلل الفرق الأخرى، وكل منها تدعي الأخذ للسنة الصحيحة ممن تعتقد فيهم الإمامة فأين الكتاب وأين السنة من بين هؤلاء هؤلاء؟ فادعاء التيجاني أنه على الحق لأنه وشيعته يتبعون أهل البيت حجة مكشوفة ودعوى عريضة، فكل من يريد تدمير هذا الدين فما عليه إلا التمسح بآل البيت ويكفيه ذلك ليكون على بر الأمان، لا يسأل عما يفعل، كما هو شأن تلك الفرق الضالة التي اتخذت من آل البيت ستاراً لتحقيق مآربها وآل البيت منهم براء.
والمخرج من كل ذلك هو اتباع الكتاب والسنة عن طريق العارفين بها من آل البيت والصحابة الكرام، فهذه حقيقة الاعتصام من كل هذا الركام.
3ـ والتيجاني يدّعي أن الشيعة يرجعون في كل شيء إلى الأئمة الاثني عشر من أهل البيت بخلاف أهل السنة الذين يرجعون في كل شيء إلى الصحابة سواء في تفسير القرآن أو إثبات السنة.
__________
(1) راجع فرق الشيعة للنوبختي ص (23، 33، 68) والفرق بين الفرق للبغدادي ص (60) وكتاب عقائد الثلاث والسبعين فرقة لأبي محمد اليمني جـ2(172/162)
فأقول لطالب الحق أيهما أحق؟ الرجوع في تفسير القرآن أو السنة لصحابي عاش مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وشاهد التنزيل وتعلم التأويل من فم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، وكان الأدرى بالسنة، أم الرجوع فيها إلى عليّ بن الحسين بن عليّ أم جعفر الصادق الذي يستقي الإمامية مذهبهم في الفروع منه؟! فهل من عاش مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قرب مثله مثل من لم ير أي صحابي أصلا؟! وهل الإمام العاشر علي بن محمد الهادي أعلم من أبي بكر وعمر في تفسير القرآن أو فهم السنة؟؟! أم اجتهاد الإمام السابع موسى الكاظم أولى من اجتهاد عبدالله بن مسعود أو عبد الله بن عباس الذي دعى له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفقه بالدين؟! فضلاً عن أبي بكر وعمر! وأنا أتساءل؟ إذا كان الأئمة الاثنى عشر هم أعلم من الصحابة في فقه الكتاب والسنة، والأحق بالاجتهاد منهم، فما الذي كانوا يفعلونه طيلة مكوثهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ يبدوا أنهم لم يتعلموا منه إلا السوء لذلك فسروا القرآن حسب أهوائهم وكذبوا عليه فرووا الأحاديث الموضوعة، ونسبوها إليه، واجتهدوا مقابل النصوص الصريحة!! يا الله أي طعن سيلحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد ارتضاهم له أصحاب ورضي بمجالستهم وهو القائل (( الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ))(1)، ولكن التيجاني سيسارع بالقول، ليس الأمر كذلك، ولكن النبي اضطر لمصاحبتهم درءاً لشرّهم، فأقول نعم، لذلك رضي أن يكونوا هم جيشه الذي يقاتل بهم الكفار، وجعل منهم قادةً للفتوح، وبعث منهم من يعلم أبناء المسلمين العقيدة والدين! في البلاد التي فتحها أصحابه؟ و( اضطر ) لمشاورتهم في أموره لقوله تعالى { وشاورهم بالأمر }!؟ ورضي مبايعتهم له بالموت تحت الشجرة فأنزل الله رضاه عنهم، وبعث عثمان نائباً عنه للتفاوض مع الكفار وقت الحديبية الخ أرأيت أخي القارئ كيف يتخذ
__________
(1) سبق الحديث ص (185).(172/163)
التيجاني وشيعته من الطعن بالدين العظيم والرسول الامين ديناً وعقيدة!
وقد ضربت صفحاً عن بقية سفسطة التيجاني لأن فيما سبق كفاية والحمد لله.
ثم يحتج التيجاني بالحديث الثاني فيقول (( حديث السفينة: قال رسول الله (ص) ( إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق) ( وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل من دخله غُفر له ) ))(1)، فأقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (160).(172/164)
مدار هذا الحديث على مجموعة من الضعفاء والمتروكين، ففي سندها: الحسن بن أبي جعفر وهو متروك،وعلي بن زيد ضعيف، وفي إسناد الطبراني عبد الله بن داهر وهو متروك(1)، وقال عنه الألباني في ( المشكاة ): إسناده واهٍ(2)، وأقره محقق فضائل الصحابة لأحمد لأن في سنده مفضل بن صالح النحاس الأسدي وقد ضعفه أهل التحقيق، وقال عنه الذهبي: مفضل واه(3)، ثم ترى التيجاني يعزو الرواية الثانية لمجمع الزوائد للهيتمي، وإذا رجعنا للكتاب لوجدناه يقول (( وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق ومن قاتلنا آخر الزمان كمن قاتل الدجال. رواه البزار والطبراني في الثلاثة، وفي اسناد البزار الحسن بن أبي جعفر الجعفري، وفي اسناد الطبراني عبد الله بن داهر وهما متروكان. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق. رواه البزار والطبراني، وفيه الحسن بن أبي جعفر وهو متروك. وعن عبد الله بن الزبير: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: مثل اهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها سلم ومن تركها غرق. رواه البزار وفيه ابن لهيعة وهو لين. وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له. رواه الطبراني في الصغير والاوسط وفيه جماعة لم أعرفهم ))(4)!؟ ومما سبق نعلم أن الحديث باطل ولا يصح الاحتجاج به والحمد لله على كل حال.
__________
(1) راجع معجم الطبراني الكبير الأحاديث رقم (2636)، (2637)، (2638)، (12388).
(2) مشكاة المصابيح للتبريزي حديث رقم (6183).
(3) فضائل الصحابة جـ2 برقم (1402).
(4) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي جـ9 ص (168).(172/165)
ثم يحتج بالحديث الثالث فيقول (( حديث من سرّه ان يحيا حياتي: قال رسول الله (ص) ( من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي، فليوال علياً من بعدي وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي ))(1)، أقول: هذا الحديث موضوع فإسناده مظلم رواته مجهولون عدا بن أبي رواد فـ(( كل من دون ابن أبي رواد مجهولون، لم اجد من ذكرهم، غير أنه يترجح عندي أن أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم إنما هو ابن مسلم الانصاري الاطرابلسي، المعروف بابن أبي الحناجر، قال ابن أبي حاتم ( كتبنا عنه صدوق ) وله ترجمة في ( تاريخ ابن عساكر )، وأما سائرهم فلم أعرفهم فأحدهم هو الذي اختلق هذا الحديث الظاهر البطلان والتركيب، وفضل علي رضي الله عنه أشهر من أن يستدل عليه بمثل هذه الموضوعات، التي يتشبث الشيعة بها، ويسودون كتبهم بالعشرات من أمثالها، مجادلين بها في اثبات حقيقة لم يبق اليوم أحد يجحدها، وهي فضيلة على رضي الله عنه ))(2)، والغريب هنا أن التيجاني أشار بالهامش إلى مصادر هذا الحديث، منها الحلية لأبي نعيم وتاريخ ابن عساكر، ولكنه أخفى تضعيف هذان للحديث ليدلل على أمانته المكذوبة وإنصافه المعروف، فأبو نعيم قال عنه (( غريب ))(3)، إشارة إلى تضعيفه، وابن عساكر أخرجه في تاريخه وقال عنه (( هذا حديث منكر، وفيه غير واحد من المجهولين ))(4)!؟
__________
(1) ثم اهتديت ص (161).
(2) سلسلة الأحاديث الموضوعة جـ2 ص (298).
(3) الحلية لأبي نعيم جـ1 ص (86).
(4) تاريخ دمشق جـ12 ص (120).(172/166)
ثم يثبت الجهل الذي يتمتع به بقوله (( وتجدر الإشارة بانه خلال البحث الذي قمت به شككّت في البدء في صحّة هذا الحديث واستعظمته لما فيه من تهديد ووعيد لمن كان على خلاف مع علي وأهل البيت وخصوصاً أن الحديث لا يقبل التأويل، وخفت الوطأة عندما قرأت في كتاب الإصابة قول ابن حجر العسقلاني بعدما أخرج الحديث قال ( قلت في اسناده يحيى بن يعلى المحاربي وهو واهي (!!) )) وأزال ابن حجر بهذا القول بعض الإشكال الذي علق بذهني إذ تصورت أن يحيى بن يعلى المحاربي هو واضع الحديث وهو ليس بثقة، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يوقفني على الحقيقة بكاملها، وقرأت يوماً كتاب ( مناقشات عقائدية في مقالات إبراهيم الجبهان )، وأوقفني هذا الكتاب على جلّية الحال إذ تبين ان يحيى بن يعلى المحاربي هو من الثقات الذين اعتمدهم الشيخان مسلم والبخاري، وتتبعت بنفسي فوجدت البخاري يخرج له أحاديث في باب غزوة الحديبية من جزئه الثالث في صفحة عدد 31، كما أخرج له مسلم في صحيحه في باب الحدود من جزئه الخامس في صفحة عدد 119 والذهبي نفسه ـ على تشدده ـ (!!) أرسل توثيقه إرسال المسلمات وقد عدّه أئمة الجرح والتعديل من الثقات واحتج به الشيخان فلماذا هذا الدّس والتزوير وتقليب الحقائق والطعن في رجل ثقة احتج به أهل الصحاح؟ ))(1).
__________
(1) ثم اهتديت ص (162).(172/167)
قلت: يأبى هذا الوبي أن يكشف للقرّاء مدى السذاجة والسطحية التي يتمتع بها، فالحديث الذي ساقه ـ وهو حديث من سرّه أن يحيا حياتي ـ لا يوجد فيه راوٍ بإسم يحيى بن يعلى المحاربي، ولكن التيجاني خلط بين الحديث الذي نحن بصدده وبين حديث آخر وهو (( من أحب أن يحيا حياتي، ويموت موتتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي عز وجل غرس قضبانها بيديه فليتولّ علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ))، وفيه يحيى بن يعلى الأسلمي، ولكن قوة الملاحظة والبحث المستفيض الذي قام به التيجاني جعله لا يفرق بين الحديثين فيروي حديثاً ويحقق حديثاً آخر!!!؟ ويبدو أن التيجاني تابعَ هاديه عبد الحسين الموسوي في كتابه ( المراجعات )، عندما ذكر الحديث وجاء بكلام ابن حجر على يعلى المحاربي ثم قال (( أقول هذا غريب من مثل العسقلاني، فإن يحيى بن يعلى المحاربي ثقة بالاتفاق... ))(1)، فسارع التيجاني إلى نقل كلام الموسوي هذا، ولكن ومع الأسف الشديد لم ينتبه أنه يعلق علىحديث آخر!؟ وأما بالنسبة لقول ابن حجر (( في إسناده يحيى بن يعلي المحاربي، وهو واهٍ ))، فيبدو أن ابن حجر أخطأ دون قصد فبدل أن يقول يحيى بن يعلى الأسلمي، وهو أحد رواة سند هذا الحديث فقال: المحاربي، والدليل على ذلك أن ابن حجر نفسه يوثق المحاربي فقال في ترجمته (( يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي الكوفي ثقة ـ وقال في ترجمة الأسلمي: يحيى بن يعلى الأسلمي الكوفي شيعي ضعيف ))(2)، فبدل أن يقول الأسلمي واهٍ، قال المحاربي واهٍ، هذا كل ما في الأمر، ولكن الأمر الغريب حقاً الاستدلال بحديث وتحقيق حديث آخر!!! وسجّل يا تاريخ.
ثالثاً ـ ادعاء التيجاني على البخاري بأنه يفرد علياً بالصلاة والسلام والرد عليه في ذلك:
__________
(1) المراجعات للموسوي ص (27) بالهامش.
(2) تقريب التهذيب لابن حجر جـ2 ص (319).(172/168)
يقول التيجاني (( وتحدثت يوماً مع صديقي ورجوته وأقسمت عليه أن يجيبني بصراحة، وكان الحوار التالي:
ـ أنتم تنزلون علياً رضي الله عنه وكرم الله وجهه منزلة الأنبياء لأنّي ما سمعت أحداً منكم يذكره إلا ويقول ( عليه السلام )
ـ فعلاً نحن عندما نذكر أمير المؤمنين أو أحد الأئمة من بنيه نقول ( عليهم السلام )، فهذا لا يعني أنهم أنبياء، ولكنهم ذريّة الرسول وعترته الذين أمرنا الله بالصلاة عليهم في محكم تنزيله وعلى هذا يجوز أن نقول: عليهم الصلاة والسلام أيضاً.
ـ لا يا أخي نحن لا نعترف بالصلاة والسلام إلاّ على رسول الله والأنبياء الذين سبقوه ولا دخل لعلي وأولاده في ذلك رضي الله عنهم ـ ثم يستدل صديقه الشيعي على قوله ببعض الأدلة ثم يقول التيجاني قال: فما رأيك في البخاري؟ أهو من الشيعة؟ قلت: أمام ( جليل من أئمة أهل السنة والجماعة وكتبه أصحّ الكتب بعد كتاب الله ). عند ذلك قام وأخرج عن مكتبته صحيح البخاري وفتحه وبحث عن الصفحة التي يريدها، وأعطاني لأقرأ فيه: حدّثنا فلان عن فلان عن علي (ع). ولم أصدق عينيّ واستغربت حتّى أنني شككت أن يكون ذلك هو صحيح البخاري، واضطربت وأعدت النظر في الصفحة وفي الغلاف، ولمّا أحس صديقي بشكّي أخذ منّي الكتاب وأخرج لي صفحة أخرى فيها ( حدثنا علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ) فما كان جوابي بعدها إلا أن قلت: سبحان الله واقتنع مني بهذا الجواب وتركني وخرج، وبقيت أفكّر وأراجع قراءة تلك الصفحات وأتثبّت في طبعة الكتاب فوجدتها من طبع ونشر شركة الحلبي وأولاده بمصر ـ ثم يقول ـ يا إلهي. لماذا أكابر وأعاند وقد أعطاني حجة ملموسة من أصحّ الكتب عندنا والبخاري ليس شيعياً قطعاً، وهو من أئمة أهل السنّة ومحدثيهم ))(1)، فأقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (42 ـ 44).(172/169)
1ـ اختلف أهل السنة في حكم الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال بالمنع مالك والشافعي والمجد ابن تيمية، وحجتهم في ذلك أن ابن عباس قال (( لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن للمسلمين والمسلمات الاستغفار )) وقال بالجواز أحمد بن حنبل واختاره أكثر أصحابه كالقاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر واحتجوا بما روى عن على أنه قال لعمر: صلى الله عليك(1)، وقال النووي من الشافعية (( والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع ))(2) وإلا فالأصل الجواز، واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعاً لهم في الصلاة فيقال (( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أمرنا به في التشهد، ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضاً ))(3) وعلى ذلك نعلم أنه يجوز قول: فلان عليه السلام، دون جعل ذلك شعاراً خاصاً به كما يفعل الرافضة مع عليّ رضي الله عنه، حيث أصبح ذلك من شعارهم، فلو وقع مؤلف في مثل ذلك فلا يقال عنه أنه أصبح شيعياً.
__________
(1) راجع مجموع الفتاوى جـ22 ص (472 ـ 474).
(2) الأذكار للإمام النووي ص (176).
(3) المصدر السابق ص (177) وانظر مسائل من فقه الكتاب والسنة لعمر الأشقر ص (62 ـ 63).(172/170)
2ـ لم يثبت أن الإمام البخاري خصّ علياً وأولاده بالصلاة والسلام عليه، واستدلال التيجاني على طبعة بابي الحلبي حجة ساقطة لأن كتاب البخاري موجود قبل أن يخلق الحلبي ومطبعته، وما أدرانا لعلّ الأيدي أضافت هذه الزيادة في بعض طبعات البخاري ويظهر هذا واضحاً في طبعات الكتاب، فقد وجدت طبعة فيها ( علي عليه السلام ) وطبعة ( علي رضي الله عنه )، والذي يؤكد ذلك أن شارح البخاري وهو ابن حجر قد تطرق إلى هذه المسألة وذكر فيها خلاف أهل السنة فقال (( واستدل بهذا الحديث على جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أجل قوله فيه ( وعلى آل محمد ) وأجاب من منع بأن الجواز مقيد إذا وقع تبعاً، والمنع إذا وقع مستقلاً، والحجة فيه أنه صار شعاراً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يشاركه غيره فيه، فلا يقال أبو بكر صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صحيحاً، ويقال صلى الله عليه وآله وسلم وعلي صديقه أو خليفته ونحو ذلك. وقريب من هذا أنه لا يقال قال محمد عز وجل وإن كان معناه صحيحاً، لأن هذا الثناء صار شعاراً لله سبحانه فلا يشاركه غيره فيه. ولا حجة لمن أجاز ذلك منفرداً فيما وقع من قوله تعالى { وصلّ عليهم } ولا في قوله ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) ولا في قول امرأة جابر ( صل علي وعلى زوجي، فقال اللهم صل عليهما )، فإن ذلك كله وقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ولصاحب الحق أن يتفضل من حقه بما يشاء، وليس لغيره أن يتصرف إلا بإذنه، ولم يثبت عنه إذن في ذلك. ويقوي المنع بأن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم صار شعاراً لأهل الأهواء يصلون على من يعظمونه من أهل البيت وغيرهم، وهل المنع في ذلك حرام أو مكروه أو خلاف الاولى؟ حكى الأوجه الثلاثة النووي في ( الأذكار ) وصحح الثاني. وقد روى إسماعيل بن إسحاق في كتاب ( أحكام القرآن ) له باسناد حسن عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب ( أما بعد فإن(172/171)
ناساً من الناس التمسوا عمل الدنيا بعمل الآخرة، وإن ناساً من القصاص أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل الصلاة على النبي، فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين، ودعاؤهم للمسلمين، ويَدَعُوا ما سوى ذلك، ثم أخرج عن ابن عباس بإسناد صحيح قال ( لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن للمسلمين والمسلمات الاستغفار ) وذكر أبو ذر أن الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في السنة الثانية من الهجرة، وقيل من ليلة الإسراء ))(1)، وأنت كما ترى لم يتطرق ابن حجر إلى البخاري بشيء، وهذا يؤكد أن البخاري لم يذكر الصلاة على علي وأولاده، وأنها من إضافات المتأخرين.
رابعاً ـ ادعاء الرافضة أن الائمة الأربعة أخذوا العلم عن جعفر الصادق والرد عليه ذلك:
__________
(1) الفتح جـ8 ص (394 ـ 395).(172/172)
يقول التيجاني وهو بصدد مناقشة بعض الصبية (!) (( وسألني أحدهم: ما هو المذهب المتبع في تونس؟ قلت: المذهب المالكي، ولاحظت بعضهم يضحك، فلم أهتمّ لذلك، قال: ألا تعرفون المذهب الجعفري؟ فقلت: خير إن شاء الله، ما هذا الإسم الجديد؟ لا، نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة وما عداها فليس من الإسلام في شيء، وابتسم قائلاً: عفواً، أن المذهب الجعفري هو محض الإسلام، ألم تعرف بأنّ الإمام أبا حنيفة تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق؟ وفي ذلك يقول أبو حنيفة ( لولا السنتان لهلك النعمان )، سكتُّ ولم أبد جواباً، فقد أدخل علي اسماً جديداً ما سمعت به قبل ذلك اليوم ولكني حمدتّ الله أنه ـ أي إمامهم جعفر الصادق ـ لم يكن استاذاً للإمام مالك وقلت نحن مالكية ولسنا أحنافاً، فقال: أنّ المذاهب الأربعة أخذوا عن بعضهم البعض فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي والشافعي أخذ عن مالك وأخذ مالك عن أبي حنيفة وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق وعلى هذا فكلهم تلاميذ لجعفر بن محمد، وهو أول من فتح جامعة إسلامية في مسجد جدّه رسول الله وقد تتلمذ على يديه أكثر من أربعة آلاف محدّث وفقيه ))(1)، فأقول:
1ـ الادعاء بأن أبا حنيفة تتلمذ على يد جعفر الصادق كذب يعرفه كل من قرأ شيئاً عن حياة أبي حنيفة، والمعلوم المشهور أنه تتلمذ على يد ثلة من كبار العلماء في عصره ومن أبرزهم إسماعيل بن حماد أبي سليمان الكوفي وهو من أخص شيوخ أبي حنيفة إضافة إلى ابراهيم بن محمد المنتشر وإبراهيم بن زيد النخعي وأيوب السختياني والحارث الهمذاني وربيعة المدني وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعيد بن مسروق ولد سفيان الثوري وسليمان الهلالي وعاصم بن كليب وغيرهم كثير(2).
__________
(1) ثم اهتديت ص (48).
(2) راجع كتاب أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء لوهبي غاوجي ص (57 ـ 60).(172/173)
2ـ وعلى فرض أن أبا حنيفة درس على يد جعفر الصادق فلا يعدو ذلك أن يكون أبو حنيفة واحداً ممن أخذ العلم عنهم، فلا يعني هذا أن أبا حنيفة صار جعفري المذهب وأنا أقول ذلك افتراضاً وإلا فالثابت أنه كان يفتي في زمان أبي جعفر والد جعفر الصادق! أما قوله بأن المذاهب الأربعة تتبع المذهب الجعفري فكلام ساقط، فأحمد لم يقرأ على الشافعي بل جالسه، والشافعي قرأ على مالك الموطأ ولا يوجد فيه لجعفر إلا تسعة أحاديث فقط! ولم يقل أحد أن مالكاً كان من تلاميذ أبي حنيفة بل عدوه من أقرانه.
3ـ الرافضة أنفسهم يرون في أوثق كتبهم ما يفيد أن أبا حنيفة لم يكن يوماً من تلاميذ أبي جعفر فضلاً عن جعفر الصادق بل من أعدائهم! فهذا كبيرهم الكليني يروي في أوثق كتبهم والذي يضاهي البخاري عندنا وهو ( أصول الكافي ) (( عن سدير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام وهو وأنا خارج وأخذ بيدي ثم استقبل البيت فقال: يا سدير إنما أمر الناس أنْ يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا وهو قول الله { وإني لغفّار لمن تاب وآمن وعمِلَ صالحاً ثم اهتدى } ثم أومأ بيده إلى صدره: إلى ولايتنا، ثم قال يا سدير فأريك الصادين عن دين الله، ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حِلَقٌ في المسجد، فقال: هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدًى من الله ولا كتاب مبين، إنّ هؤلاء الأخباث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحداً يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ))(1).
__________
(1) الأصول من الكافي جـ1 كتاب الحجة ص (323) ونحن نجل أن يصدر هذا عن أبي جعفر ولعله من دسائس المغيرة بن سعيد.(172/174)
4ـ أما أن يقول بأنه تتلمذ على يد جعفر الصادق أكثر من أربعة آلاف محدث وفقيه، فأقول هذا الكلام يبقى معقولاً جداً، كيف لا وقد روى الرافضة الاثني عشرية أنه (( استأذن على أبي جعفر عليه السلام قومٌ من أهل النّواحي من الشيعة فأذن لهم، فدخلوا فسألوه في مجلسٍ واحدٍ عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عليه السلام وله عشر سنين ))(1)!!!؟ فما قيمة علم الأئمة الأربعة أمام علم هؤلاء؟!
خامساً ـ إنكار الرافضة لوجود فرقة من الشيعة تدّعي أن الرسالة نزلت لعلي وليس لمحمد، وفرقة تدّعي أُلوهية عليّ والرد عليهم في ذلك:
يبين التيجاني للسيد الخوئي عما يردده السنة في حق الشيعة من التهم فيقول ((قلت: الشيعة عندنا هم أشد على الإسلام من اليهود والنصارى لأن هؤلاء يعبدون الله ويؤمنون برسالة موسى (ع)، بينما نسمع عن الشيعة لأنهم يعبدون علياً ويقدسونه، ومنهم فرقة يعبدون الله ولكنهم ينزلون علياً بمنزلة رسول الله ورويت قصّة جبريل كيف أنه خان الأمانة حسب ما يقولون وبدلاً من اداء الرسالة إلى علي أدّاها لمحمد (ص)، أطرق ( السيد ) رأسه هنيهة ثم نظر إليّ وقال: نحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وما عليّ إلاّ عبد من عبيد الله واْلتفت إلى بقية الجالسين قائلاً ومشيراً إليّ: إنظروا إلى هؤلاء الأبرياء كيف تغلّطهم الإشاعات الكاذبة، وهذا ليس بغريب فقد سمعت أكثر من ذلك من أشخاص آخرين، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ))(2)!؟ قلت:
__________
(1) المصدر السابق جـ1 كتاب الحجة ـ باب ـ مولد أبي جعفر ص (415).
(2) ثم اهتديت ص (49 ـ 50).(172/175)
1ـ نعم يوجد من فرق الشيعة من يؤلهون علياً رضي الله عنه، وهذا أمرٌ ثابت لا ينكره إلا جاهل، أو مدلّس، فهذه فرقة ( السبئية ) أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي قالوا بألوهية عليّ بن أبي طالب، وجاء أتباعه علياً وقالوا له أنت هو، فقال لهم:ومن هو؟ قالوا: أنت الله فاستعظم الأمر، وأمر بنار فأحرقهم فيها(1)، ولا يستطيع الرافضة الإمامية إنكار ذلك، فهذا الكشي ـ وهو عمدتهم في الرجال ـ يروي عن (( أبي جعفر عليه السلام قال: إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله تعالى عن ذلك علوا كبيراً، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله فأقر بذلك قال: نعم أنت هو وقد كان ألقى في روعي أنك الله وإني نبي. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب، فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار وقال: إن الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك ))(2)، وتوجد فرقة أخرى تدعي أن جبريل خان الأمانة عندما أرسله إلى عليّ فغلط في طريقه فذهب إلى محمد وهي فرقة ( الغرابية )(3).
__________
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم جـ5 ص (46 ـ 47) والفرق بين الفرق لابن طاهر ص (213).
(2) رجال الكشي ص (99) عند ترجمة عبد الله بن سبأ.
(3) المنية والأمل لابن المرتضى ص (30) الفرق بين الفرق ص (225) الفصل لابن حزم جـ5 ص (42).(172/176)
2ـ لقد ذكر إمام الإمامية النوبختي في كتابه ( فرق الشيعة ) الكثير من هذه الفرق التي تدعي الألوهية في عليّ وأهل بيته فقال (( فهذه فرق ( الكيسانية ) و (العباسية) و ( والحارثية ) ومنهم تفرقت فرقة ( الخرمدينية ) ومنهم كان بدء الغلو في القول، حتى قالوا أن الأئمة آلهة وأنهم أنبياء وأنهم رسل وأنهم ملائكة وهم الذين تكلموا بالأظلة وفي التناسخ في الأرواح ))(1)، ثم تحدث عن فرقة ( المنصورية ) وقال (( وكان أبو منصور هذا من اهل الكوفة من عبد القيس وله دار وكان منشأه بالبادية، وكان أمياً لا يقرأ فادعى بعد وفاة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أنه فوض إليه أمره وجعله وصيه من بعده ثم ترقى به الأمر إلى ان قال كان علي بن أبي طالب عليه السلام نبياً ورسولا، وكذا الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي، وأنا نبي ورسول، والنبوة في ستة من ولدي، يكونون بعدي أنبياء آخرهم القائم ))(2)!! وقال النوبختي (( ( وفرقة ) قالت ( جعفر بن محمد ) هو الله عز وجل ـ وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ))(3)، وقال عنهم أيضاً (( قالوا أن محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآله كان يوم قال هذا عبداً ورسولا أرسله ( أبو طالب ) وكان النور الذي هو الله في ( عبد المطلب ) ثم صار في ( أبي طالب ) ثم في ( محمد ) ثم صار في ( علي بن أبي طالب ) عليه السلام فهم آلهة كلهم ))(4)!؟! ثم ذكر فرقة أخرى (( قالت الإمام عالم بكل شيء وهو الله عز وجل ـ وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .... وهم من ( الرواندية ) ))(5)، وقال النوبختي أيضاً (( وقد شذّت ( فرقة ) من القائلين بامامة ( علي بن محمد ) في حياته فقالت بنبوة رجل يقال له ( محمد بن نصير النميري ) وكان يدعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري عليه
__________
(1) فرق الشيعة للنوبختي ص (36).
(2) فرق الشيعة للنوبختي ص (38).
(3) المصدر السابق ص (44).
(4) المصدر السابق ص (45).
(5) المصدر السابق ص (52).(172/177)
السلام، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإباحة للمحارم ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم (!!) ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل (!!!) وأنه إحدى الشهوات والطيبات وأن الله عز وجل لم يحرم شيئاً من ذلك ))(1)، فهذه هي كتب الشيعة الاثني عشرية تنطق بالحق وتقر بأن من فرق الشيعة من يُؤلِّه علياً ومنهم من ينزلونه إلى منزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس هذا فقط بل وسرت هذه العدوى إلى تأليه أولاد عليّ أيضاً.
3ـ ولكن السيد الخوئي يدعي بأن علياً عندهم هو عبد من عبيد الله، فهل صدق في دعواه؟ وأنا سوف أسوق بعضاً مما يرويه الرافضة الاثني عشرية في علي وبنيه، وأريد من القارئ أن يحكم هل علي عبد من عبيد الله في نظرهم أم أعظم من محمد والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؟!
__________
(1) فرق الشيعة ص (93).(172/178)
يورد إمام الاثني عشرية في كتابه الحجة ( أصول الكافي ) الكثير من الروايات، بل يفرد أبواباً كاملة في بيان منزلة علي وبنيه، فيجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل حديث علي وبنيه مثلاً بمثل فعن (( هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: حديثي حديثُ أبي، وحديث أبي حديث جدّي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين عليه السلام حديث رسول الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول الله عز وجل ))(1)!! ثم يفرد باباً كاملاً ويعنونه بـ(( أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار عليهم السلام))(2)، ثم يذكر بعض الروايات في ذلك منها عن أبي حمزة الثمالي قال (( دخلتُ على عليّ بن الحسين عليهما السلام فاحتبست في الدّار ساعة، ثم دخلتُ البيت وهو يلتقط شيئاً وأدخل يدهُ من رواء الستر فناوله من كان في البيت، فقلتُ: جُعلتُ فداك هذا الذي أراك تلتقطُهُ أيُّ شيء هو؟ فقال: فَضْلَةٌ من زَغَبِ الملائكة نجمعُهُ إذا خلَّونا، نجعلُهُ سَيْحاً لأولادنا، فقلت: جعلت فداك وإنهم ليأْتونكُم؟ فقال: يا أبا حمزة إنهم ليُزاحمونا على تُكاتِنا ))!؟(3)وعن أبي الحسن عليه السلام قال (( سمعته يقول: ما من ملك يُهبطُهُ الله في أمر ما يهبطُهُ إلاّ بدأ بالإمام، فعرض ذلك عليه وإنَّ مُختَلَفَ الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر ))(4)، وبضيف ثقتهم شيخ القميين أبو جعفر محمد بن فروخ الصفار في كتابه ( بصائر الدرجات ) في ـ باب في أنهم يخاطبون ويسمعون الصوت ويأتيهم صور أعظم من جبريل وميكائل ))(5)!! عن
__________
(1) الأصول من الكافي للكليني جـ1 ص (42) كتاب فضل العلم.
(2) الأصول من الكافي ص (323)كتاب الحجة جـ1.
(3) الأصول من الكافي جـ1 ص (324).
(4) الأصول من الكافي جـ1 ص (324).
(5) بصائر الدرجات ص (325).(172/179)
أبي بصير قال (( سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إنّ منّا لمن يعاين معاينة وإنّ منّا لمن ينقر في قلبه كيت وكيت، وإنّ منّا لمن يسمع كما تقع السلسلة كلها في الطست، قال: قلت: فالذين يعاينون ما هم قال: خلق أعظم من جبريل وميكائيل ))(1)، وعن أبي عبد الله (ع) قال (( إنّ منّا لمن يوقر في قلبه ومنّا من يسمع بأذنه ومنّا من ينكت، وأفضل من يسمع))(2)، فأين محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من الأئمة الذين يوحى إليهم بخير وأعظم مما يوحى إليه؟؟!
ثم يذكر الكليني عدّة أبواب في بيان منزلة الأئمة عندهم فيقول
باب (( أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم ))(3)
باب (( أن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها ))(4)
باب (( ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم السلام ))(5)
باب (( أنَّ الأئمة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام ))(6)
باب (( أنّ الأئمة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا عَلموا ))(7)
باب (( أنَّ الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ))(8)!؟؟
باب (( أنّ الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء صلوات الله عليهم ))(9)!!؟؟
باب (( أنّ الله عز وجل لم يعلم نبيه علماً إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين عليه السلام وأنه كان شريكه في العلم ))(10)
__________
(1) المصدر السابق.
(2) المصدر السابق.
(3) أصول الكافي كتاب الحجة جـ1 ص (174).
(4) أصول الكافي كتاب الحجة جـ1 ص (177).
(5) المصدر السابق جـ1 ص (180).
(6) المصدر السابق جـ1 ص (199).
(7) المصدر السابق جـ1 ص (201).
(8) المصدر السابق جـ1 ص (202).
(9) المصدر السابق جـ1 ص (203).
(10) المصدر السابق جـ1 ص (205).(172/180)
باب (( أنّ الأئمة عليهم السلام لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئٍ بما له وعليه ))(1)
ثم يضيف ثقتهم الصفار في بصائره عدة أبواب فيقول:
باب (( في الأئمة (ع) أنهم حجة الله وباب الله وولاة أمر الله ووجه الله الذي يؤتى منه وجنب الله وعين الله وخزنة علمه جل جلاله وعم نواله ))(2)!! يروي عن هاشم بن أبي عمار قال (( سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول: أنا عين الله وأنا يد الله وأنا جنب الله وأنا باب الله ))(3)!؟! فلماذا لا يقولون هو الله وننتهي؟؟!
باب (( في علم الأئمة بما في السموات والأرض والجنة والنار وما كان وماهو كائن إلى يوم القيامة ))(4)!؟!
باب (( في الأئمة عليهم السلام عندهم الصحيفة التي فيها أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار ))(5)!؟
وبعد هذا كله يقول الخوئي ما عليّ إلا عبد من عبيد الله!!؟ فمن هم الأبرياء الذين تغلّطهم الإشاعات الكاذبة إذن؟ السنة أم عوام الشيعة يا خوئي ويا تيجاني!
سادساً ـ ادعاء التيجاني والخوئي أن القرآن الذي عندهم هو نفسه الذي عند السنة الرد عليهما في ذلك:
__________
(1) المصدر السابق جـ1 ص (207).
(2) بصائر الدرجات للصغار ص (75).
(3) المصدر السابق ص (75).
(4) المصدر السابق ص (131).
(5) المصدر السابق ص (189).(172/181)
ثم يسترسل الخوئي فيقول (( ... هل قرأت القرآن؟ قلت: حفظت نصفه ولم أتخطّ العاشرة من عمري. قال: هل تعرف أنّ كلّ الفرق الإسلامية على اختلاف مذاهبها متّفقة على القرآن الكريم، فالقرآن الموجود عندنا هو نفسه موجود عندكم. قلت نعم هذا أعرفه. قال: إذاً ألم تقرأ قول الله سبحانه وتعالى:{ وما محمد إلاّ رسول ، قد خلت من قبله الرسل }. وقوله أيضاً { محمد رسول الله والذين معه أشّداء على الكفار }. وقوله { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين }. قلت بلى أعرف هذه الآيات قال: فأين هو علي؟ إذا كان قرآننا يقول بأن محمداً هو رسول الله فمن أين جاءت هذه الفرية؟ ))(1)، فأقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (50).(172/182)
1ـ أما قوله أن القرآن الذي عندهم هو نفسه الموجود عند أهل السنة فكذب ظاهر، تكذّبه أوثق كتب الإمامية الاثني عشرية فإنهم يتخرصون بكبرياء ويدعون تحريف القرآن من قبل الصحابة، وأنَّ القرآن الذي أنزل على محمد هو عند عليّ وأولاده فقط، وهو الذي يسمونه ( مصحف فاطمة ) فهذا إمامهم في التفسير علي بن ابراهيم القمي يقول في كتابه العمدة ( تفسير القمي ) (( فالقرآن منه ناسخ ومنه منسوخ ومنه محكم ومنه متشابه ومنه عام ومنه خاص ومنه تقديم ومنه تأخير ومنه منقطع ومنه معطوف ومنه حرف مكان حرف ومنه على خلاف ما أنزل الله ))(1)، ثم يأتي بأمثلة على ما هو خلاف الحق فيقول (( وأما ما هو على خلاف ما أنزل الله، فهو قوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } فقال أبو عبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية { خير أمة } يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليه السلام؟ فقيل له: وكيف نزلت يا بن رسول الله؟ فقال: إنما نزلت { كنتم خير أئمة أخرجت للناس } ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية { تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ومثله آية قرئت على أبي عبد الله عليه السلام { الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعنا للمتقين إماماً } فقال أبو عبد الله عليه السلام : لقد سألوا الله عظيماً أن يجعلهم للمتقين إماماً، فقيل له: يا بن رسول الله كيف نزلت؟ فقال: إنما نزلت { الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا من المتقين إماماً } ، وقوله { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } فقال أبو عبد الله: كيف يحفظ الشيء من أمر الله، وكيف يكون المعقب من بين يديه (!!!)، فقيل له: وكيف ذلك يا بن رسول الله؟ فقال: إنما نزلت { له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر
__________
(1) تفسير القمي جـ1 مقدمة الكتاب ص (17).(172/183)
الله }، ومثله كثير ))(1)، ثم يسترسل وريث اليهود والنصارى في التحريف فيقول (( وأما ما هو محرّف، منه فهو قوله { لكن الله يشهد بما أنزل إليك ـ في علي ـ أنزله بعلمه والملائكة يشهدون } وقوله { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ـ في عليّ ـ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } وقوله { إن الذين كفروا وظلموا ـ آل محمد حقهم ـ لم يكن الله ليغفر لهم } وقوله { وسيعلم الذين ظلموا ـ آل محمد حقهم ـ أي منقلب ينقلبون } وقوله { ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت } ومثله كثير نذكره في مواضعه))(2)، والعجيب أن الخوئي نفسه يوثق القمي هذا فيقول عنه (( ونحكم بوثاقة جميع مشايخ علي بن إبراهيم القمي الذي روى عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين ))!؟(3)، و الغريب أن أحد مؤلفي الشيعة الاثني عشرية ذكر ويقصدون بهما أبو بكر وعمر(4)!؟ والذي جاء فيه ((... والعن صنمي في كتابه ( تحفة العوام مقبول جديد ) دعاء يسمّونه دعاء صنمي قريش
__________
(1) تفسير القمي جـ1 ص (22 ، 23).
(2) تفسير القمي جـ1 ص (23).
(3) معجم رجال الحديث لأبي القاسم الخوئي جـ1 ص (63).
(4) وقد ذكر أن المقصود بصنمي قريش أبو بكر وعمر إمامهم محمد باغايزرك في كتابه الذريعة إلى تصانيف الشيعة جـ1 ص (9) ط. النجف والفيض الكاشاني في قرة العيون ص (326) ط. دار الكتاب اللبناني.(172/184)
قريش وجبتيهما وطاغوتيهما .... الذين خالفا أمرك ... وحرفا كتابك (!) واللهم العنهما بكل آية حرفوها ))(1)، ثم ذكر أن ما في كتابه مطابقاً لفتاوي ستة من العلماء منهم الخوئي نفسه !!؟(2)، وهذا الوريث الثاني لخصلة التحريف محمد العياشي ـ وهو عمدتهم في التفسير أيضاً ـ يروي في تفسيره (( عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو قد قرأ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمّين ))(3)، وعن أبي جعفر عليه السلام قال (( لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقّنا على ذي حجي، ولو قد قام قائمنا فنطق صدَّقه القرآن ))(4). وهذا الوريث الثالث لخصلة التحريف الفيض الكاشاني ـ وهو من كبار علمائهم يقول في تفسيره ( الملوث ) الصافي؟! (( أقول: المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من طريق أهل البيت عليهم السلام إن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغير محرف وإنه قد حذف عنه أشياء كثيرة منها اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع ومنها لفظة آل محمد (ع) غير مرة ومنها أسماء المنافقين في مواضعها ومنها غير ذلك وإنه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله ))(5).
__________
(1) تحفة العوام مقبول جديد لمنظور حسين ص (422).
(2) راجع غلاف الكتاب!.
(3) تفسير العياشي المقدمة ص (25).
(4) المصدر السابق.
(5) تفسير الصافي جـ1 ص (44).(172/185)
أما إمامهم سلطان محمد الجنابذي في تفسيره ( بيان السعادة في مقامات العبادة ) يذكر في مقدمة تفسيره فصلاً في إثبات التحريف وهو الفصل الثالث عشر ويعنونه بـ(( في وقوع الزيادة والنقيصة والتقديم والتأخير والتغيير في القرآن الذي بين أظهرنا الذي امرنا بتلاوته وامتثال اوامره ونواهيه واقامة احكامه وحدوده ))(1)، وأما الكليني فهو يقر بهذا التحريف، بل ويثبت وجود مصحف غير مصحفنا الذي بين أيدينا فيروي عن أبي عبد الله رواية طويلة في جزء منها ((... ثم قال: وإنَّ عندنا لمصحف فاطمة (ع) وما يدريهم ما مصحف فاطمة (ع)، قال: قلتُ: وما مصحف فاطمة (ع)؟ قال: مصحفٌ فيه مثلُ قرآنكم هذا ثلاث مرّاتٍ والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ))(2)، والذي يؤكد أن هذا المصحف أكبر ثلاث مرات من قرآننا، وهو ما رواه الكليني (( عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ القرآن الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية ))!؟(3)، ولكن من جاء بهذا المصحف وأين هو؟ يجيب عن ذلك الصفار في كتابه ( بصائر الدرجات ) في باب ـ الأئمة أن عندهم جميع القرآن الذي أنزل على رسول الله (ص) فيروي عن جابر (( عن أبي جعفر (ع) أنّه قال ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّه جمع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء ))(4)، وعن جابر قال (( سمعت أبا جعفر (ع) يقول ما من أحد من النّاس يقول إنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل الله إلاّ كذّاب وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلاّ عليّ بن أبي طالب والأئمّة (ع) من بعده ))(5)
__________
(1) بيان السعادة للجنابذي المقدمة ص (19).
(2) الأصول من الكافي جـ1 كتاب الحجة ص (186).
(3) المصدر السابق جـ2 ص (463) كتاب فضل القرآن ـ باب ـ النوادر.
(4) بصائر الدرجات ص (191).
(5) المصدر السابق.(172/186)
. ثم يأتي الطبرسي ويتكلم بصراحة أكثر ودون مواربة ليؤكد على هذه الحقيقة فيروي في كتابه المهترئ ( الاحتجاج ) رواية عن أبي ذر (!!) أنه قال (( لما توفي رسول الله (ص) جمع علي (ع) القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله (ص)، فلما فتحه أبو بكر خرج في اول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه (ع) وانصرف ثم أحضروا زيد بن ثابت ـ وكان قارياً للقرآن ـ فقال له عمر: إنَّ عليّاً جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار (!!!)، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فضيحة وهتكاً للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر عليّ القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه (!!!!)، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، وقد مضى شرح ذلك. قلما استخلف عمر، سأل علياً (ع) أن يدفع إليهم القرآن فيحرّفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال (ع): هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا: ما جئتنا به، إنّ القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم. فقال (ع) نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة به صلوات الله عليه ))(1)، ثم يسوق رواية طويلة تبين أن هناك قرآنان (!!) وليس قرآناً واحداً وهذا جزء منها ((... فلما رأى علي (ع) غدرهم وقلّة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلِّفه ويجمعه، فلم يخرج حتى جمعه كلّه فكتبه على تنزيله والناسخ
__________
(1) الإحتجاج للطبرسي جـ1 ص (155 ، 156).(172/187)
والمنسوخ، فبعث إليه أبو بكر أن أخرج فبايع، فبعث إليه إنيِّ مشغول فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه، فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (ص) فنادى (ع) بأعلى صوته: أيها الناس إنِّي لم أزل منذ قبض رسول الله (ص) مشغولاً بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كلَّه في هذا الثوب، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثوب، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله وعلَّمني تأويلها. فقالوا: لا حاجة لنا به عندنا مثله ))(1)، إذاً هناك قرآن لعلي يختلف عن قرآننا، ولا ينفرد الطبرسي بهذا التصريح، بل يقرّه على ذلك الكليني والصفار فيرويان عن سالم بن سلمة قال (( قرأ رجل على أبي عبد الله (ع) وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأها الناس فقال أبو عبد الله (ع) مه مه كف عن هذه القراءة كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام فاقرأ كتاب الله على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه عليّ (ع) وقال أخرجه عليّ (ع) إلى النّاس حيث فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزل الله على محمّد وقد جمعته بين اللوحين قالوا: هو ذا عندما مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه قال أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً إنما كان عليّ ان أخبركم به حين جمعته لتقرؤوه ))(2)، وهذه الحقيقة يؤكدها شيعي إثني عشري معاصر فيروي عن أبي بصير رواية طويلة جاء فيها ((... ثم أتى الوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال { سأل سائل بعذاب واقع للكافرين } بولاية عليّ { ليس له دافع ـ من الله ذي المعارج }، قال: قلت: جعلت فداك إنّا لا نقرؤها هكذا فقال: هكذا نزل بها جبرائيل على محمد صلى الله عليه وآله
__________
(1) المصدر السابق جـ1 ص (82).
(2) الأصول من الكافي جـ2 ص (462 ، 463) كتاب فضائل القرآن ، بصائر الدرجات ص (191 ، 192).(172/188)
وسلم وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة عليها السلام ))(1). ومعنى ما سبق أن الأمة عملت طيلة الخمسة عشر قرناً بقرآن محرف!!؟ فهنيئاً لليهود والنصارى باحفاد ابن سبأ!! ... والمصحف الحقيقي هو عند عليّ، وقد ورّثه أولاده أباً عن جد حتى وصلت للقائم الذي لم يتجاوز الخمس سنوات!! يا للمصاب الأليم، وأنا أسأل العقلاء.. هل جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقرآن يتلى للأمة، ويكون حجة على أعدائها، وشريعة تطبق في كل العصور وشفاء لما في الصدور، ويحتوي أصول الاعتقاد وفروع الأحكام؟ أم جاء به خاصاً لعليّ وأولاده، يهددون باخراجه تارة ويساومون عليه تارة أخرى، ويخفونه طيلة هذه القرون الماضية؟! فأنا أرجو من التيجاني أن يجيب على السؤال العقلاني جداّ حتى يعلم إلى أي شيء هُدِي!
أما قول الخوئي (( وأضاف يقول: وأما خيانة جبريل ( حاشاه ) فهذه أقبح من أولى، لأنّ جبريل (ع) عندما أرسله الله سبحانه إلى محمد كان عمر محمد أربعين سنة، ولم يكن عليّ إلاّ صبيّاً صغيراً عمره ستّ أو سبع سنوات، فكيف يا ترى يخطيء جبريل ولا يفرق بين محمدالرجل وعليّ الصبي؟ ))(2)،
فأقول: هذه النتيجة المنطقية التي ذكرها الخوئي قد أجاب عليها ابن حزم قبل أن يخلق الخوئي بمئات السنين، ولا نستبعد أن يكون أخذها عنه، وعلى كلٍ فإجابة الخوئي لا تنفي وجود هذه الفرقة من الشيعة، التي تقول بذلك خصوصاً إذا عرفنا أن القاسم المشترك بين فرق الرافضة أنها تخالف المعقول، وتجهل المنقول، وتأتي بما تحار منه العقول!
ثم يقول الخوئي (( ولا يختلف الشيعة مع السنة إلاّ في الأمور الفقهية كما يختلف المذاهب السنيّة أنفسهم فيما بينهم فمالك يخالف أبو حنيفة، وهذا يخالف الشافعي وهكذا...))(3)
__________
(1) شمائل علي في القرآن والسنة تأليف طالب السنجري ص (23).
(2) ثم اهتديت ص (50).
(3) المصدر السابق ص (51).(172/189)
فأقول: أعتقد أن كتاب التيجاني يكذّب هذا الكلام الهزيل، فهل يختلف مالك مع أبي حنيفة في تفضيل عليّ على الصحابة؟ أم يختلف أحمد مع الشافعي في أحقية أبي بكر للخلافة؟! وهل يختلف أبوحنيفة مع الشافعي في تقسيم الصحابة، فيقول الشافعي الصحابة كلهم عدول بينما يقول أبو حنيفة المنافقين جزء من الصحابة؟! وهل يختلف الأئمة بعضهم مع بعض في أخذ السنة من الصحابة أو من الأئمة الاثني عشر؟! فانظر أخي القارئ إلى هذا التناقض العجيب، فوالله لو كان التناقض ينطق لتعجب من هذا التناقض!؟
سابعاً ـ حجتهم في إضافة ( علي ولي الله ) في الأذان والرد عليهم في ذلك:(172/190)
يقول التيجاني (( سألت السيد الصدر عن الإمام علي، ولماذا يشهدون له في الأذان بأنّه ولي الله؟! أجاب قائلاً: أنّ امير المؤمنين علياً سلام الله عليه وهو عبد من عبيد الله الذين اصطفاهم الله وشرّفهم ليواصلوا حمل أعباء الرسالة بعد أنبيائه وهؤلاء هم أوصياء الأنبياء، فلكل نبي وصي وعلي بن أبي طالب وصيّ محمد، ونحن نفضّله على سائر الصحابة بما فضّله الله ورسوله ولنا في ذلك أدلّة عقلية ونقلية من القرآن والسنة وهذه الأدلّة لا يمكن أن يتطرّق إليها الشك لأنها متواترة وصحيحة من طرقنا وحتى من طرق أهل السنة والجماعة، وقد ألّف في ذلك علماؤنا العديد من الكتب، ولمّا كان الحكم الأموى يقوم على طمس هذه الحقيقة ومحاربة أمير المؤمنين علي وأبنائه وقتلهم، ووصل بهم الأمر إلى سبّه ولعنه على منابر المسلمين وحمل الناس على ذلك بالقهر والقوّة، فكان شيعته وأتباعه رضي الله عنهم يشهدون أنّه ولي الله، ولا يمكن للمسلم أن يسّب ولي الله وذلك تحدّياً منهم للسلطة الغاشمة حتى تكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وحتى تكون حافزاً تاريخياً لكل المسلمين عبر الأجيال فيعرفون حقيقة علي وباطل أعدائه، ودأب فقهاؤنا على الشهادة لعلي بالولاية في الأذان والإقامة استحباباً، لا بنيّة أنها جزء من الأذان أو الإقامة فإذا نوى المؤذن أو المقيم أنها جزء بطل أذانه وإقامته (!) والمستحبات في العبادات والمعاملات لا تحصى لكثرتها والمسلم يثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها))(1)، قلت:
__________
(1) ثم اهتديت ص (56 ، 57).(172/191)
1ـ إدعاؤه أنّ الشهادة لعلي بالولاية في الأذان والاقامة أمراً مستحباً فباطل، لأن الاستحباب هو (( الفعل المقتضى شرعاً من غير لوم على تركه ))(1)، أي (( ما ثبت طلبه شرعاً طلباً غير جازم ))(2)، وهذا ما يعترف به الاثنا عشرية فيقول جمال الدين الحلِي في كتابه ( مبادئ الوصول إلى علم الأصول ) وهو يقسم الأحكام التكليفية (( فإن كان فعله راجحاً في الشرع: فهو المستحب والمندوب والنفل والتطوع والسنة ))(3)، إذن لا بد أن يستحبه الشارع حتى يصبح مندوباً ومستحباً، فأين الدليل من الشرع على استحباب تخصيص عليّ بالولاية بالأذان والاقامة؟ الجواب لا دليل! فتصبح هذه الشهادة بدعة مستحدثة شرعاً لا يجوز العمل بها، أما قول السيد الصدر: أنه إذا نوى المؤذن أو المقيم أنها جزء بطل أذانه واقامته فهو قول عجيب، لأن الإمام آية الله العظمي (!) السيد محمد الشيرازي ـ من علماء الإمامية ـ يقول في كتابه ( المسائل الاسلامية ) (( الظاهر أن ( أشهد أن علياً ولي الله ) جزء من الأذان والاقامة (!!) وقد أشير إلى ذلك في الروايات في الجملة ))(4)، فكيف يبطل الأذان والاقامة، مع أن الظاهر أنها جزء من الأذان، ويأتي السؤال الثاني، فأين الدليل على أنها جزء من الأذان؟!
__________
(1) البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين للجويني جـ1 ص (214).
(2) الحكم التكليفي في الشريعة الإسلامية لمحمد البيانوني ص (162).
(3) مباديء الوصول للحلي ص (84).
(4) المسائل الإسلامية للشيرازي ص (281) المسألة رقم (928).(172/192)
2ـ وحتى أثبت لطالب الحق بطلان هذه الشهادة المستحبة أو الواجبة! وأبين أنّ أهل السنة هم أهل الاتباع الحقيقي للكتاب والسنة، أسوق رأي إمام المحدثين ـ عند الرافضة الاثني عشرية ـ ابن بابويه القمي في هذه المسألة، وذلك في واحد من أربعة كتب تمثل أصول الشيعة الاثني عشرية وفروعها ... فيقول في كتابه ( من لايحضره الفقيه ) (( وروى أبو بكر الحضرمي وكليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه حكى لهما الأذان فقال: الله اكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد ان محمداّ رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، حي على خير العمل، حي على خير العمل، الله اكبر الله اكبر، لا إله إلا الله، والإقامة كذلك ولا بأس ان يقال في صلاة الغداة على أثر حي على خير العمل الصلاة خير من النوم مرتين للتقية(1). وقال مصنف هذا الكتاب: هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان محمد وآل محمد خير البرية مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن علياً ولي الله مرتين (!؟!)، ومنهم من روى بدل ذلك أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً مرتين، ولا شك في أن علياً ولي الله وأنه أمير المؤمنين حقاً وأن محمداّ وآله صلوات الله عليهم خير البرية، ولكن ذلك في أصل الأذان، وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا ))!!؟(2)، فأي حق أبلج وباطل لجلج أوضح من ذلك؟ ومزيداً من دلائل الهداية يا تيجاني.
__________
(1) تأمل ما هو معنى التقية عندهم ؟!.
(2) من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي جـ1 ص (290) ـ باب ـ في الأذان والإقامة وثواب المؤذنين ط. دار الأضواء بيروت وراجع جـ1 ص (188) ط. طهران.(172/193)
ثامناً ـ حجة الرافضة في الضرب واللطم في ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه والرد عليهم في ذلك:
يقول التيجاني (( قلت ـ على ذكر سيدنا الحسين رضي الله عنه ـ لماذا يبكي الشيعة ويلطمون ويضربون أنفسهم حتّى تسيل الدّماء وهذا محرم في الإسلام، فقد قال (ص) ( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية )، أجاب السيد قائلاً: الحديث صحيح لا شك فيه ولكنّه لا ينطبق على مآتم أبي عبد الله، فالذي ينادي بثأر الحسين ويممشي على درب الحسين دعوته ليست جاهلية، ثم إن الشيعة بشر فيهم العالم وفيه الجاهل ولديهم عواطف، فإذا كانت عواطفهم تطغى عليهم في ذكرى استشهاد أبي عبد الله وما جرى عليه وعلى أهله وأصحابه من قتل وهتك وسبي، فهم مأجورون لأن نواياهم كلها في سبيل الله، والله سبحانه وتعالى يعطي العباد على قدر نواياهم، وقد قرأت منذ أسبوع التقارير الرّسمية للحكومة المصرية بمناسبة موت جمال عبد الناصر، تقول هذه التقارير الرسمية بأنه سجّل أكثر من ثماني حالات انتحارية قتل أصحابها أنفسهم عند سماع النّبأ فمنهم من رمى نفسه من أعلى العمارة ومنهم من ألقى بنفسه تحت القطار وغير ذلك، وأما المجروحون والمصابون فكثيرون، وهذه أمثلة أذكرها للعواطف التي تطغى على أصحابها وإذا كان الناس وهم مسلمون بلا شك يقتلون أنفسهم من أجل موت جمل عبد الناصر وقد مات موتاً طبيعياً، فليس من حقنا ـ بناءً على مثل هذا ـ أن نحكم على أهل السنة بأنهم مخطئون ))(1). فأقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (58).(172/194)
1ـ أما ادعاؤه أن هذا الحديث لا ينطبق على الذي ينادي بثأر الحسين لأن دعوته ليست جاهليه فحجة سخيفة، فكل من يريد أن يلطم ويشق الجيوب حزناً على عزيز له فسيدّعي هذه الدعوى، ثم لماذا استثنى شيعته من ذلك، فهل في الحديث أي استثناء حتى يدعي الاستثناء لنفسه، ثم ما فائدة النوح واللطم والضرب بالجنازير واسالة الدماء من أجل رجل من أهل الجنة؟! وقد توّفاه الله منذ عشرة قرون! فهل يريدون أن يثأروا له؟! ولماذا لم يفعلوا مثل صنيعهم هذا مع أبيه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه قتل أيضاً وهو أيضاً أفضل من الحسين بالاتفاق!؟
2ـ وأما قوله أنهم مأجورون لفعلهم هذا ( ! ) لأن نواياهم كلها في سبيل الله، فأسأله وما أدراك أن نواياهم كلها لله ؟ ولو فرضنا أن نواياهم لله كما تقول فهل تكفي النية لقبول العمل وإن خالف هذا العمل أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟! لاشك أن أي عمل لايوافق أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه باطل.
3ـ ثم يحتج على فعل الشيعة بما قام به بعض الأغبياء من الانتحار وقتل أنفسهم بالإضافة إلى المجروحين عند سماعهم نبأ وهلاك الطاغية جمال عبد الناصر !!!؟ ثم يقول (( وإذا كان الناس وهم مسلمون بلا شك يقتلون أنفسهم من أجل موت جمال عبد الناصر وقد مات موتا طبيعيا فليس من حقنا - بناء على مثل هذا - أن نحكم على أهل السنة بأنهم مخطئون (!!؟) وليس لإخواننا من أهل السنة أن يحكموا على إخوانهم من الشيعة بأنهم مخطئون في بكائهم على سيد الشهداء ))؟!(172/195)
سبحان الله ! أنظر إلى حجة أحد كبار علماء الشيعة الإمامية التي تضحك الثكلى من هشاشتها، فانظر إلى طرق استنباطه للحكم الشرعي؟ أنا أعلم أن الإستنباط يكون من الكتاب والسنة أما أن يكون استنباط حكم الحلال والحرام على فعل ما من تصرفات عامة الناس (!؟!) فهذا عجب عجاب، وأريد أن أسأل أهل العقول هل من قام يقتل نفسه من أجل طاغوت فرعوني يعتبر حجة على أهل السنة ؟! وهل أهل السنة يجيزون مثل هذه الموبقات ؟! فكيف يحمل فعل المجرمين على منهج أهل السنة ؟! فلو قام بعض من الناس بعمل أخرق فهل يعتبر ذلك قدحا في عقيدة ومنهج أهل السنة ؟!
كتب أهل السنة تُحَرّم أن يقتل الإنسان نفسه(1) من أجل وليّ، فكيف بطاغوت استباح دماء المسلمين وأعراضهم، ونحن نناقش العقيدة والمنهج أي الكتاب والسنة ولا نناقش فعل الأشخاص وهذا إن دلّ فإنما يدل على أن عقيدة ومنهج الرافضة الإثنى عشرية واضعه مجموعة من الأشخاص فإذا حكموا على عمل حكموا على فعل الناس وليس على الكتاب والسنة ! وحتى أدلل على ذلك انظر ماذا يقول عن الحجة التالية.
يقول التيجاني (( قلت ولماذا يزخرف الشيعة قبور أوليائهم بالذهب والفضة وهو محرم في الإسلام ؟
أجاب السيد الصدر : ليس ذلك منحصرا بالشيعة، ولا هو حرام فها هي مساجد إخواننا من أهل السنة سواء في العراق أو في مصر أو في تركيا أو غيرها من البلاد الإسلامية مزخرفة بالذهب والفضة وكذلك مسجد رسول الله في المدينة المنورة وبيت الله الحرام في مكة المكرمة الذي يكسى في كل عام بحلة ذهبية جديدة يصرف فيها الملايين، فليس ذلك منحصرا بالشيعة ))(2)
__________
(1) ثم اهتديت ص (58 ، 59).
(2) المصدر السابق.(172/196)
هل نظرت أخي القارىء من أين استقى الحكم ؟ ..... من تصرفات عامة الناس !؟ فالناس إذا خالفوا أمر الله وفعلوا ما حرمه الله عليهم فهذا في حد ذاته مسوغ لإباحة هذا المحرم! لأنه ما رآه الناس حسنا فهو عند الله حسن ولو خالف امره ؟! سبحان الله أي أصل هذا ؟! وأي فقه يسمح بمثل هذه الخزعبلات فرحمة الله وبركاته على الفقه وأهله! ولم يدر الصدر أن زخرفة المساجد من علامات القيامة، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (( لاتقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ))(1)
وقد جاء النص الصريح عن ذلك فعن ابن عباس قال : قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم (( ما أمرت بتشييد المساجد )) قال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى ))(2) فانظر أخي القارىء رعاك الله كيف تُغيّر أحكام الله بآراء الناس.
تاسعاً ـ ادعاء الرافضة أن التوسل بالقبور ليس شركاً والرد عليهم في ذلك:
__________
(1) سنن أبي داود كتاب الصلاة ـ باب ـ في بناء المساجد برقم (449) وراجع صحيح أبي داود للألباني برقم (432).
(2) سنن أبي داود برقم (448) وراجع الصحيح برقم (431).(172/197)
يقول التيجاني (( قلت أنّ علماء السعودية يقولون: أن التمسّح بالقبور ودعوة الصالحين والتبرك بهم، شرك بالله، فما هو رأيكم؟ أجاب السيد باقر الصدر: إذا كان التمسح بالقبور ودعوة أصحابها بنيّة أنهم يضرّون وينفعون، فهذا شرك، لا شك فيه: وإنما المسلمون موحّدون ويعلمون أن الله وحده هو الضّار والنافع وإنّما يدعون الأولياء والأئمة ( عليهم السلام ) ليكونوا وسيلتهم إليه سبحانه وهذا ليس بشرك، والمسلمون سنّة وشيعة متّفقون على ذلك من زمن الرّسول إلى هذا اليوم، عدا الوهابية وهم علماء السعودية الذين ذكرت والذين خالفوا اجماع المسلمين بمذهبهم الجديد الذي ظهر في هذا القرن، وقد فتنوا المسلمين بهذا الاعتقاد وكفّروهم وأباحوا دمائهم، فهم يضربون الشيوخ من حجّاج بيت الله الحرام لمجرّد قول أحدهم: السلام عليك يا رسول الله، ولا يتركون أحداً يتمسح على ضريحه الطاهر، وقد كان لهم مع علمائنا مناظرات (؟؟) ولكنّهم أصرّوا على العناد واستكبروا استكباراً ))!؟(1)
__________
(1) ثم اهتديت ص (59).(172/198)
فأقول لهذا الموحد (!) : أما قوله أن دعوة الصالحين من أهل القبور ليس شركاً لأن المتوسل لا يقصد أنهم يضرون وينفعون، وإنما ليكونوا لهم وسيلة وواسطة أي شفعاء عند الله سبحانه وهذا ليس بشرك، فاعلم أن هذه الدعوى هي نفس حجة المشركين في السابق الذين حكى الله عنهم بقوله:{ ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إنّ الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إنّ الله لا يهدي من هو كاذبٌ كفّار } ( الزمر 3 )، فما هو الفرق بين أن يكونوا وسيلة لهم أو ان يقربوهم زلفى إلى الله؟! وللتدليل على ذلك أسوق رأي الشيخ الفضل الطبرسي في كتابه الحجة لدى الرافضة الإمامية( مجمع البيان ) في تفسير هذه الآية فيقول (( { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } أي ليشفعوا لنا إلى الله ))(1)، والعجيب أن محمد جواد مغنية لا تعجبه هذه الحقيقة فينقل عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب جزء من كلامه في كتابه ( كشف الشبهات ) فيقول (( وقال في صفحة 110: ( وإن قالوا: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق، ولا يرزق، ولا ينفع، ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسول الله لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولكن الصالحين عند الله، وأنا أطلب من الله بهم، فجاوبه أن الذين قاتلهم رسول الله مقرون بما ذكرت، ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه والشفاعة. أهـ ــ ثم يعلق عليه بقوله: أي أن من يطلب الشفاعة من محمد تماماً كمن يطلبها من الأوثان سواء بسواء .. هذا هو التحقيق الدقيق، والإيمان العميق ))(2)، وأنا لا أريد أن أعلق على هذا الفهم المعوجّ، ولكن أنقل ما فسره هو للآية السابقة فيقول (( { والذين اتخذوا من دونه أولياء } وقالوا { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ليشفعوا لهم عند
__________
(1) مجمع البيان جـ5 ص (137).
(2) هذه هي الوهابية لمحمد جواد مغنية ص (78 ، 79).(172/199)
الله))(1)!؟ فهل يوجد أوضح من هذا التناقض، فتبّاً لهذا التلاعب والتحريف في دين الله عز وجل. وأيضاً هذا العمل مثل ما حكى الله عن المشركين بقوله تعالى { ويعبدون من دون الله ما لايضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبّئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون } ( يونس 18 )، وهذه الآية من الوضوح بمكان بحيث لا يسع أن يقول الانسان أنا لا أعتقد النفع والضر بهذه الأضرحة بل أريد شفاعتها لأن الله يقول { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } نفس الحجة سواء بسواء، ومع ذلك حكم الله عليهم بالكفر، ويقول الطبرسي في قوله تعالى (( { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا إنا نعبد هذه الأصنام لتشفع لنا عند الله ))(2)، إذا عرفت ذلك فعليك بتطبيق نصيحة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباس حينما قال له (( إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ))(3)، وليس الاستعانة بالأئمة كما يدعي الصدر.
__________
(1) التفسير المبين لمحمد جواد ص (606).
(2) مجمع البيان للطبرسي جـ3 سورة يونس ص (27).
(3) جزء من حديث أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة برقم (2516) وراجع صحيح الترمذي برقم (2043).(172/200)
ثم يدعي أن هذا الشرك هو إجماع المسلمين خلاف الوهابية، فلله أبوه ما أكذبه! فالاجماع المنعقد هو على العكس من ذلك، فقد قال أهل العلم (( إن من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كَفَرَ إجماعاً، لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام الذين قالوا { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ))(1)، وأخيراً أقول لمن يجعل من الأولياء وسيلة وواسطة إلى الله تمعن بقوله تعالى { وإذا سألك عِبادي عنّي فإني قريب أُجيب دعْوة الدّاع إذا دعانِ فليسْتَجيبوا لي وليُؤمنوا بي لعلهم يَرْشدون } ( البقرة 186).
عاشراً ـ بيان معنى حديث افتراق الأمة:
__________
(1) كشاف القناع للبهوتي جـ6 ص (168 ، 169) وانظر أصول مذهب الشيعة جـ2 ص (442).(172/201)
يقول التيجاني (( قرأت الحديث الشريف الذي قال فيه رسول الله (ص) ( افترقت بنو إسرائيل إلى إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى إلى إثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمّتي إلى ثلاثةٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ فرقة واحدة ..... والغريب أن كل فرقة تدّعي أنها هي وحدها الناجية وقد جاء في ذيل الحديث: ( قالوا من هم يا رسول الله؟ قال من هم على ما أنا عليه وأصحابي ) فهل هناك فرقة إلاّ وهي متمسّكة بالكتاب والسنة، وهل هناك فرقة إسلامية تدّعي غير هذا؟ فلو سئل الإمام مالك أو أبوحنيفة أو الإمام الشافعي أو أحمد بن حنبل فهل يدّعي أي واحد منهم إلا التمسك بالقرآن والسنّة الصحيحة؟ فهذه المذاهب السنية وإذا أضفنا إليها الفرق الشيعية التي كنت اعتقد بفاسدها وانحرافها، فها هي الاخرى تدّعي أيضاً أنها متمسّكة بالقرآن والسنّة الصحيحة المنقولة عن أهل البيت الطاهرين، وأهل البيت أدرى بما فيه كما يقولون. فهل يمكن أن يكون كلهم على حق كما يدّعون؟ وهذا غير ممكن لأنّ الحديث الشريف يفيد العكس، اللهمّ إلاّ إذا كان الحديث موضوع، مكذوب، وهذا لا سبيل إليه لأن الحديث متواتر عند السنّة والشيعة، أم أنّ الحديث لا معنى له ولا مدلول؟ وحاشى لرسول الله (ص) أن يقول شيئاً لا معنى له ولا مدلول وهو الذي لا ينطق عن الهوى وكل أحاديثه حكمة وعبر. إذا لم يبق أمامنا إلاّ الإعتراف بأن هناك فرقة واحدة على الحق وما بقي فهو باطل ))(1)، أقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (64).(172/202)
1ـ بالنسبة لاختلاف الأئمة الأربعة فهو ليس أختلافاً في أصول الدين فهم متفقون على ذلك ولكن اختلافهم هو في فروع الدين وذلك راجع لأسباب منها تفاوت فهمهم للنصوص الحديثية إضافة إلى وجودهم في أزمان متفرقة فأبو حنيفة توفي سنة ( 150) هـ ومالك توفي سنة ( 179 ) هـ والشافعي توفي سنة ( 204 ) هـ وأحمد توفي سنة (241 ) هـ وكل منهم كان يفتي بحسب ما يصله من نصوص، لذلك كان أبو حنيفة من أكثر الأئمة فتوى لقربه من عهد الصحابة وقلة توفر الأحاديث، أما أحمد فكان غالب فتواه من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتقادم زمانه ووصول الأحاديث إليه بعكس الباقين، ومن هنا كان اختلاف الفتوى بينهم، لذلك كان كل واحد منهم يشدد على الرجوع للحديث ويدعو اتباعه لذلك، والافتراق الذي يشير إليه الحديث هو في الأصول وليس في الفروع.
2ـ الفرقة الوحيد المتمسكة بالكتاب والسنة هي فرقة أهل السنة والجماعة، لان الحديث يقول ( ما أنا عليه وأصحابي ) ولا توجد فرقة متمسكة بما كان عليه، إلا أهل السنة ولهذا السبب بالذات يفتح الرافضة النار على أهل السنة، وكتاب التيجاني نفسه من أوله إلى آخره طعن في الصحابة، وهجوم على أهل السنة بسبب توليهم للصحابة، فبالطبع والحال كذلك أن يكون الرافضة من أبعد الناس عن الفرقة الناجية!؟
الحادي عشر ـ تحريفه لحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والرد عليه في ذلك:(172/203)
يقول التيجاني (( ... واسمحوا لي أن أروي لكم قصّة ذلك الأعرابي الذي بال في مسجد رسول الله بحضرته وبحضرة أصحابه بدون حياء ولا خجل، ولمّا قام إليه بعض الصحابة شاهرين سيوفهم ليقتلوه، ونهاهم رسول الله (ص) ومنعهم وقال ( دعوة ولا تزرموه وهريقوا على بوله دَلْوا من الماء، إنّما بعثتم لتيسروا لا لتعسروا، لتبشّروا لا لتنفّروا ) وما كان من الصحابة إلاّ أن امتثلوا أمره، ونادى رسول الله الأعرابي وأجلسه إلى جانبه ورحّب به ولاطفه وأفهمه أن ذلك المكان هو بيت الله ولا يمكن تنجيسه فأسلم الأعرابي ولم يّر بعد ذلك إلا وهو آت المسجد في أحسن ثيابه وأطهرها، وصدق الله العظيم إذ يقول لرسوله { ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك }))(1)
فأقول: الحديث لم يرو بهذا اللفظ مطلقاً وإنما بألفاظ متقاربة فرواه البخاري عن أبي هريرة قال (( قام أعرابيٌّ فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم : دعوه وهريقوا على بوله سجْلاً من ماء، أو ذنوباً من ماءٍ، فإنَّما بعثُم ميسِّرين، لم تبعثوا معسِّرين ))(2)، ولكن التيجاني أراد أن يخفف عن بعض جروحه النفسية تجاه الصحابة فحرّف الرواية وقال ( ولما قام إليه بعض الصحابة شاهرين سيوفهم ليقتلوه )!؟ مع أن كل الروايات تخالف هذا الكذب فقد جاءت هذه الجملة بعدة سياقات مثل ( قام عليه بعض الناس )، ( صاح به الناس )، ( فاسرع الناس إليه )، ( فتناوله الناس )، ( فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مَهْ مَهْ )، ولكن هذه الروايات لم تعجب التيجاني فعمد لتحريف سياق الحديث ليثبت أن الصحابة أغلاظ ليس همهم سوى القتل والفتك بالناس ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) ثم اهتديت ص (72).
(2) صحيح البخاري كتاب الوضوء ـ باب ـ صب الماء على البول في المسجد برقم (217).(172/204)
ثم يهذي فيقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاطف الأعرابي فأسلم (!!) ولم ير بعد إلا وهو آت المسجد في أحسن ثيابه وأطهرها! سبحان الله وهل الأعرابي كافر حتى يسلم؟! جاء في رواية أبي داود عن أبي هريرة (( أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لقد تحجَّرت واسِعاً. ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إنما بعثتم ميسِّرين ولم تبعثوا معسّرين، صُبُّوا عليه سجْلاً من ماء، أو قال ذنوباً من ماء ))(1)، وفي رواية لأحمد زاد فيها (( فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنما بُنيَ هذا البيت لذكر الله والصلاة، وإنّه لا يبال فيه، ثم دعا بسجل من ماء فأفرغ عليه، قال: يقول الأعرابي بعد أن فقه: فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليَّ بأبي هو وامي فلم يسب ولم يؤنب ولم يضرب(2))(3)، فكيف يدّعي التيجاني أنه أسلم؟!؟ ومن أين عرف أن الأعرابي أصبح يأتي المسجد في أحسن ثيابه وأطهرها؟! يا الله ويقولون دكتور!
الثاني عشر ـ طعنه بعبد الله بن عمر والرد عليه في ذلك:
__________
(1) سنن أبي داود جـ1 كتاب الطهارة ـ باب ـ الأرض يصيبها البول برقم (380) وراجع صحيح أبي داود برقم (366) وأخرجه الترمذي برقم (147).
(2) ولم يقل: ولم يقتل!.
(3) المسند جـ3 برقم (10538) ص (572) مسند أبي هريرة.(172/205)
يقول التيجاني (( ... أو عن عبد الله بن عمر وهو أيضاً من البعيدين عن الإمام علي وقد رفض مبايعته بعدما أجمع الناس على ذلك وكان يحدث أن أفضل الناس بعد النبي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم لا تفاضل والناس بعد ذلك سواسية يعني هذا الحديث أن عبد الله بن عمر جعل الإمام علي من سوقة الناس كأي شخص عادي ليس له فضل ولا فضيلة. فأين عبد الله بن عمر من الحقائق التي ذكرها أعلام الأمة وأئمتها بأنه لم يرد في أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي بن أبي طالب، وهل أن عبد الله بن عمر لم يسمع بفضيلة واحدة لعلي؟ بلى والله لقد سمع ووعى ولكنّ السياسة وما أدراك ما السياسة فهي تقلب الحقائق وتصنع الاعاجيب ))(1). فأقول:
1ـ التيجاني يشنّع على الصحابي ابن عمر لمجرد روايته هذه الرواية التي اعتبرها طعناً في عليّ، ولم ينتبه لنفسه وهو يحرّف أحاديث ويحلل اخرى! لمجرد أنها تمدح بعض الصحابة، ولا شك انّ هدفه نبيل وقصده شريف، أما الصحابي ابن عمر فقصده الطعن في عليّ ووضع أحاديث مكذوبة في فضائل أبي بكر فمرحى بالضلالة!
__________
(1) ثم اهتديت ص (141 ، 142).(172/206)
2ـ لم يقصد ابن عمر أبداً الطعن في عليّ أو جعله بدون فضيلة ولكنه في الحديث المذكورة قيّده (( الخيرية المذكورة والأفضلية بما يتعلق بالخلافة وذلك فيما أخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن يسار عن سالم عن ابن عمر قال ( إنكم لتعلمون أنّا كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر وعمر وعثمان، يعني في الخلافة ) وكذا في أصل الحديث. ومن طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ((كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من يكون أولى الناس بهذا الأمر؟ فنقول أبو بكر ثم عمر ))(1)15)، وإلا إذا كان لا يرى له فضيلة فكيف يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما ))(2)، إضافة إلى ما أخرجه البخاري عن سعد بن عبيدة قال (( جاء رجل إلى ابن عمر، فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: لعلّ ذاك يسوؤُك؟ قال: نعم، قال: فأرغم الله أنف، ثم سأله عن عليّ فذكر محاسن عمله، قال: هو ذاك بيته، أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال: لعلّ ذاك يسوؤُك؟ قال: نعم، فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجْهَد عَلَيَّ جّهْدك ))(3)، ووقع في رواية عطاء المذكورة (( قال: فقال الرجل: فإني أبغضه، فقال له ابن عمر: أبغضك الله تعالى ))(4)! وقول عمر أن بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أي أحسنها بناء(5)، فهل مثل هذه الروايات تدل على أن ابن عمر لا يرى الفضائل لعلي؟! ولكن التيجاني لا ينظر إلا بعين واحدة فلا يرى إلا المطاعن!
__________
(1) 15) فتح الباري جـ7 ص (21).
(2) سنن ابن ماجة ـ باب ـ فضائل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم برقم (118) وراجع صحيح ابن ماجة للألباني برقم (96).
(3) صحيح البخاري كتاب الفضائل ـ باب ـ فضائل علي برقم (3501).
(4) الفتح جـ7 ص (91) وانظر خصائص علي ص (104 ، 105) وقال المحقق: صحيح.
(5) المصدر السابق جـ7 ص (91).(172/207)
3ـ وللتدليل على فضل ابن عمر ومكانته وتقواه فقد ذكره محدث الإمامية عباسي القمي في كتابه الكنى والألقاب معرّفاً به فقال (( عبد الله ابن عمر صحابي معروف قال ابن عبد البر في الاستيعاب كان (رض ) ـ أي رضي الله عنه! ـ من أهل الورع والعلم وكان كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شديد التحري والاحتياط والتوقي في فتواه وكل ما يأخذ به نفسه، وكان بعد موته مولعاً بالحج وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزوجه حفصة بنت عمر إن اخاك عبد الله رجل صالح لوكان يقوم من الليل فما ترك ابن عمر قيام الليل...))(1) ، وهذا الإمام إبن بابويه القمي يحتج بروايات ابن عمر في كتابه ( الخصال )(2) مسلماً به وكذلك المحقق، فهذا هو ابن عمر في نظر الإمامية الإثني عشرية!؟
الثالث عشر ـ ادعاؤه استبدال الصحابة المنقلبين بالصحابة الشاكرين والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( وأبدلت الصحابة المنقلبين على أعقابهم أمثال معاوية وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة وأبي هريرة وعكرمة وكعب الأحبار وغيرهم بالصحابة الشاكرين الذين لم ينقضوا عهد النبي أمثال عمار بن ياسر وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأُبي بن كعب وغيرهم والحمد لله على هذا الإستبصار ))(3)؟؟
__________
(1) الكنى والألقاب للقمي جـ1 ص (363) ط. مكتبة الصدر ـ طهران.
(2) الخصال ص (29، 31، 67، 72، 163، 184، 191 ).
(3) ثم اهتديت ص (133).(172/208)
فأقول: ماهو ذنب معاوية حتى يصبح منقلباً على عقبيه؟ وهو الذي صالحه الحسن الإمام المعصوم وسلّمه الخلافة! وما هو ذنب عمرو بن العاص أيضاً؟ فإن كان بسبب وقوفه بجانب معاوية فهو الذي أصبح الخليفة المرشح من قبل الحسن والحسين، فما يلحق معاوية يلحق عمرو، وفي الحقيقة لست أدري ما سبب انقلاب المغيرة بن شعبة وعكرمة وكعب الأحبار؟! فإن التيجاني لم يذكر قدح في هؤلاء الثلاثة ولكن على مايبدو انه جعل من حديث الإنقلاب باباً يلقي فيه من لا يعجبه من الصحابة! ولا يذكر سبب إنقلاب هؤلاء الصحابة ليكشف حقيقة تحامله على خير الناس، وأما أبو هريرة فذنبه الوحيد أنه يروي فضائل أبو بكر وعمر، وهذا وحده كافٍ لانقلابه، وأترك للقارئ التعليق على ماسبق ليقرر بنفسه حقيقة الهداية التيجانية!
الرابع عشر ـ تعريف التيجاني لمصطلح أهل السنة والجماعة بـ( معاوية ) والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ... من أطلق مصطلح أهل السنة والجماعة؟! لقد بحثت في التاريخ فلم أجد إلا أنهم اتفقوا على تسمية العام الذي استولى فيه معاوية على الحكم بعام الجماعة وذلك أن الأمة انقسمت بعد مقتل عثمان إلى قسمين شيعة علي وأتباع معاوية ولما استشهد الإمام علي واستولى معاوية على الحكم بعد الصلح الذي أبرمه مع الإمام الحسن وأصبح معاوية هو أمير المؤمنين سُمِّيَ ذلك العام بعام الجماعة، إذاً فالتسمية بأهل السنة والجماعة دالّة على اتباع سنة معاوية والإجتماع عليه وليست تعني اتباع سنة رسول الله ))(1)، فأقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (170 ، 171).(172/209)
السنة تعرّف باللغة: بأنها الطريقة والسيرة، وأما الجماعة فتعرّف: بأنها ضد التفرقة، فهذا هو التعريف اللغوي لمصطلح السنة والجماعة، وأما التعريف الاصطلاحي، فالسنة: هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه اعتقاداً واقتصاداً، وقولاً وعملاً(1)، ويعرفها ابن حزم فيقول (( وأهل السنة أهل الحق، ومن عداهم فأهل البدعة، فإنهم الصحابة رضي الله عنهم، ومن سلك نهجهم من خيار التابعين رحمة الله عليهم، ثم أصحاب الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها رحمة الله عليهم ))(2)،إذن فأهل السنة هم المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما معنى الجماعة الاصطلاحي: هي الجماعة المتابعة للحق والمقصود بها جماعة الصحابة، كما بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحقيقة حينما سئل عن الفرقة الناجية فقال (( ما أنا عليه وأصحابي))(3)وجاءت صريحة في الرواية الأخرى بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( هي الجماعة ))(4)، لذلك قال أبو شامة رحمه الله (( وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة، فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف كثيراً، لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ولا ينظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم ))(5)
__________
(1) منهج الإستدلال على مسائل الإعتقاد عند أهل السنة والجماعة لعثمان بن علي جـ1 ص (28).
(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم جـ2 ص (271).
(3) سنن الترمذي كتاب الإيمان ـ باب ـ ما جاء في افتراق هذه الأمة برقم (2641) جـ5 ، وراجع صحيح الترمذي برقم (2129).
(4) سنن ابن ماجة كتاب الفتن ـ باب ـ باب افتراق الأمم برقم (3992) و (3993) جـ2 ، وراجع صحيح ابن ماجة رقم (3226) (3227).
(5) الباعث على انكار البدع والحوادث لأبي شامة ص (91) وانظر منهج الأستدلال جـ1 ص (39).(172/210)
، فالجماعة هو اتباع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من الحق فمن اتبعها فهو على الحق ولو كان وحده لذلك قال ابن مسعود (( ... إن الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك ))(1)، إذن فالسنة : هي اتباع الكتاب والسنة والجماعة: هي ماأجمع عليه الصحابة (( فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة ))(2) فهذا هو تعريف أهل السنة لمصطلح أهل السنة والجماعة، فادعاء التيجاني أن السنة المتبعة هي سنة معاوية التي سنّها لسب عليّ يدل على كذبه الفاضح وجهله الناضح!
الخامس عشر ـ ادعاء التيجاني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نص على الأئمة الاثني عشرية بعددهم وأسمائهم والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( كيف تقلدون أئمة نصّبتهم الدولة الأموية أو الدولة العباسية لأمور سياسية وتتركون الأئمة الذين نص عليهم رسول الله بعددهم وبأسمائهم. كيف تقلدون من لم يعرف النبي حق معرفته وتتركون باب مدينة العلم ومن كان منه بمنزلة هارون من موسى ـ ثم يشير بالهامش إلى البخاري وينابيع المودة ))(3)، فأقول:
__________
(1) المصدر السابق ص (92).
(2) مجموع الفتاوى جـ3 ص (346).
(3) ثم اهتديت ص (170).(172/211)
1ـ يشير التيجاني بتعيينه العدد إلى ما أخرجه البخاري عن جابر بن سمُرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (( يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش ))(1)، والعجيب أن يستدل التيجاني بهذا الحديث الذي هو من أعظم الأدلة ضده!؟ لأنه يقصد بالأئمة الاثني عشرة أولاد عليّ، والمعلوم المتفق عليه أنه لم يصبح أحداً من هؤلاء أميراً، اللهم إلا علي بن أبي طالب، وحتى الحسن تنازل عن الإمارة لمعاوية، وبقية الانثي عشرة توفّوا قبل أن يصبح أحدٌ منهم أميراً! فكيف يجعل التيجاني من هذا الحديث دليلاً له؟ بل هو دليل لأهل السنة فإن الامراء وأولهم الخلفاء الأربعة كانوا من قريش وقد تولى غيرهم الإمارة وهم أيضاً من قريش، مثل معاوية، وعلى أقل تقدير نقول أنه لا بد أن يلي الإمارة إثنا عشر أميراً كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن من الاستحالة أن يقصد بهم الأئمة الذين يتشبث بهم الرافضة، لأنهم جميعاً توفّوا اللهم إلا آخرهم وهو محمد بن الحسن العسكري الذي دخل السرداب وهو ابن الخمس سنوات، وسيخرج في وقت معلوم كما يزعم أهل الرفض ثم لو أردنا أن نحدد العدد بإثني عشرة أميراً فهذا لا يتوافق مع اعتقاد الرافضة الذين يدعون أن أول الأئمة الاثنا عشر هو عليّ، وعلى ذلك سيصبح العدد ثلاثة عشر أميراً!؟ وليس إثني عشر وهذا ما يؤكده إمامهم الطبرسي الذي يروي في كتابه الحجة لدى الامامية ( إعلام الورى بأعلام الهدى ) (( عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثنى عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم عليّ ))(2)
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الأحكام ـ باب ـ الإستخلاف برقم (6796) ومسلم مع الشرح كتاب الأمارة ـ باب ـ الناس تبع لقريش برقم (1821).
(2) إعلام الورى لأبي الفضل الطبرسي ص (366) الفصل الثاني في ذكر بعض الإخبار التي جاءت من طريق الشيعة الإمامية في النص على امامة الأثني عشر من آل محمد عليهم السلام (!).(172/212)
، ويروي عن زرارة قال (( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من آل محمد اثنا عشر كلّهم محدّث من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد عليّ بن أبي طالب عليه السلام فرسول الله وعليّ هما الوالدان ))(1)!؟ وعلى ذلك فأوصي الرافضة أن يغيّروا التسمية، فيسمّون أنفسهم الإمامية الثلاث عشرية؟؟!! بدلاً من الاثني عشرية وإلا سيصبح منهجهم بخلاف معتقدهم!؟
2ـ أما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نص على الأئمة وعين أسماءهم فكذب ظاهر فلم يثبت ذلك بدليل صحيح، أما عزوه إلى ينابيع المودة فهذا كتاب للرافضة وهو ليس حجة عندنا لأن الرافضة يأتون بأدلة ما أنزل الله بها من سلطان، فيجعلونها أدلة لا تقبل الرد إضافة إلى أنه يلزم من تعيين النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعددهم من طرق أهل السنة أن يعين أسماءهم أيضاً، وكتب أهل السنة منتشرة فاتونا بدليل واحد يعين هذه الأسماء، فإن لم تجدوا فاعلموا أن هذه الدعوى باطلة ثم أقول أنتم أيها الشيعة مختلفون في تعيين أسماء الأئمة فقسم منكم يجعلونها في أولاد الحسين إلى جعفر، ثم ينقسمون ففرقة تجعل الإمامة في موسى بن جعفر وهي الإمامية وفرقة تنقل الإمامة إلى إسماعيل بن جعفر وهي الاسماعيلية، وفرقة أخرى تجعلها في محمد بن الحنيفية وهلم جرا، ويكفي القارئ الرجوع إلى كتاب ( فرق الشيعة ) للنوبختي ليعلم مدى تخبّطهم في ذلك، فادعاء التيجاني أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد نص على الأئمة بأسمائهم حجة متهافته.
السادس عشر ـ ادعاء التيجاني بأن الصحابة قتلوا علياً والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( فإذا كان اصحاب موسى قد تآمروا على هارون وكادوا يقتلونه، فإن بعض أصحاب محمد قتلوا هارونه وتتبعوا أولاده وشيعته تحت كل حجر ومدر ومحوا أسماءهم من الديوان ومنعوا أن يتسمى أحد بإسمه ))(2)!؟
__________
(1) المصدر السابق ص (369) النصوص الواردة على الأئمة الإثني عشر .
(2) ثم اهتديت ص (107 ـ 108).(172/213)
فأقول: هل يوجد كتاب يذكر بأن الصحابة قتلوا علياً؟! سبحان الله كيف يصل الجهل بأصحابه إلى أن يخالفوا الواقع والتاريخ، المعروف عند الشيعة والسنة أن الذين قتلوا علياً هم طائفة الخوارج وعلى يد ابن ملجم، فهل الخوارج أصبحوا جزء من الصحابة في نظر التيجاني؟! أما قوله بأنهم منعوا أن يتسمى أحد باسمه فمن أكثر أقواله طرباً، ولا أستطيع القول تعليقاً على ذلك إلا طلب السلامة من الهداية التيجانية المزعومة!!
السابع عشر ـ تحريفه لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيان ذلك:
يقول التيجاني (( وإذا كان بعض الصحابة الأولين غير ثقات في نقل الأحاديث النبوية الشريفة فيبطلون منها ما لا يتماشى وأهواءهم وخصوصاً إذا كانت هذه الأحاديث من الوصايا التي أوصى بها رسول الله (ص) عند وفاته فقد اخرج البخاري ومسلم بأن رسول الله أوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ـ اجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ... ثم يقول الراوي: ونسيت الثالثة، فهل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاثة عند موته ينسون الوصية الثالثة وهم الذين كانوا يحفظون القصائد الشعرية الطويلة بعد سماعها مرةً واحدة؟ كلا ولكن السياسة هي التي أجبرتهم على نسيانها وعدم ذكرها، إنها مهزلة أخرى من مهازل هؤلاء الصحابة، ولأن الوصية الأولى لرسول الله كانت بلا شك استخلاف على بن أبي طالب فلم يذكرها الراوي ))(1)، فأقول:
__________
(1) ثم اهتديت ص (163 ـ 164).(172/214)
1ـ هذا الحديث هو جزء من الحديث الذي يسميه التيجاني رزية يوم الخميس، ونقْل هذا الجزء هنا وعدم ذكره في البحث المذكور يظهر بوضوح تلاعب هذا التيجاني بالحديث إذ أن هذا الجزء المذكور هنا يبين أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يطرد الصحابة من عنده، والأهم من ذلك أنه أوصى الصحابة بهذه الوصايا بعدما توقف عن كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده أبداً، وهذا من أوضح الدلائل على أن الكتاب الذي أراد كتابته ليس على سبيل الإلزام، إنما على سبيل الاختيار وهو موافق لرأي عمر(1).
2ـ القائل ( ونسيت الثالثة ) هو سعيد بن جبير، وفي رواية ( وسكت عن الثالثة أو قالها فانسيتها )، والساكت هو ابن عباس والناسي هو سعيد بن جبير وهو ليس من الصحابة كما هو معلوم فقوله ( فهل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاثة عند موته ينسون الوصية الثالثة ) لا تدل إلا على جهله لأن الصحابة لم ينسوا الحديث إنما الذي روى الحديث عن الصحابة هو الذي نسيها فكيف يحمِّل الصحابة مسؤولية نسيان أحد الرواة لجزء من الحديث، ثم لو فرضنا أن أحداً من الصحابة نسي جزءاً من الحديث أو حتى حديثاً فهل هذا أمر مستغرب؟ فالصحابي مثل أي إنسان يتذكّر الامر وينساه، وليس هو في عصمة من ذلك، ولكن كما قلت سابقاً، العصمة التي أوقعها التيجاني على عليّ وبنيه، جعلته يظن أنّ كل خطأ أو نسيان أو حتى هفوة تقع من صحابي على أنها جريمة وقدح، فنسأل الله النقمة لعقدة العصمة لدى الرافضة!
الثامن عشر ـ ادعاء التيجاني بأن اختلاف الأئمة الأربعة يدل على مخالفتهم للقرآن والسنة والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( وبما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير فليست من عند الله ولا من عند رسوله لأن الرسول لا يناقض القرآن ))(2)، أقول:
__________
(1) أرجو مراجعة الكتاب ص (33) للأهمية.
(2) ثم اهتديت ص (127).(172/215)
لا أريد الدفاع عن الأئمة الأربعة رحمهم الله، وإظهار سبب إختلافاتهم الفقهية هنا، ولكني أريد التعليق على قوله أن اختلافات الأئمة يدل على أنها ليست من عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟ فأقول للتيجاني إذا كان الأمر كذلك فسأضطر لنقل كلام شيخ الطائفة الاثني عشرية أبو جعفر الطوسي، والذي يثبت فيه أن الاختلاف في مذهب الاثني عشرية فاق اختلاف الأئمة الأربعة أنفسهم فيقول في كتابه ( عدة الأصول ) ما نصّه ((... وقد ذكرت ما ورد عنهم ـ أي الأئمة ـ عليهم السلام من الأحاديث المختلفة التي تختص بالفقه في كتابي المعروف بالاستبصار، وفي كتابي تهذيب الأحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث، وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها، وذلك أشهر من أن يخفى حتى أنك لو تأملت اختلافهم في الأحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة والشافعي ومالك ))(1)!!؟ فأهنئ التيجاني لهدايته إلى مذهب ليس من عند الله ولا من عند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حسب فهمه المتفلسف للإختلاف الفقهي.
وأخيراً ـ الرد عليه في مبحث ( هدى الحق ):
__________
(1) عدة الأصول للطوسي جـ1 ص (356 ـ 357) ط. سيد الشهداء، نشر مؤسسة آل البيت ـ النجف.(172/216)
يذكر التيجاني في هذا المبحث قصة طويلة(1) ملخصها أن عشيرتان تكتشفان أن أحد أفرادها تزوج امرأة من العشيرة الأخرى قد أرضعتهما مرضعة واحدة؟ فأحدث ذلك الأمر صدمة، وبحث الأهالي عن حلٍّ لهذه المصيبة، فذهبوا إلى الكثير من الفقهاء الذين أفتوهم بحرمة هذا الزواج حتى وقعوا على ( العلاّمة ) التيجاني، الذي حل هذا الاشكال بفتوى لعليّ بن أبي طالب زعم فيها أن علياً يحرّم الزواج إذا بلغت الرضاعة خمس عشرة رضعة!؟ وبعدها تعرض لمحاكمة القضاة بسبب هذه الفتوى، ثم أظهر لهم الأدلة على صدق دعواه من كتب الشيعة، ومن كتب السنة أيضاً! فحل هذه المعضلة، وخرج منها ظافراً منتصراً، ودون الخوض في صدق هذه القصة أو كذبها، أقول:
1ـ اختلف فقهاء أهل السنة في عدد الرضعات التي تحرّم ذلك فقالت طائفة، التحريم بخمس رضعات وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد وفتوى عائشة وعبد الله بن الزبير واسحاق وابن مسعود وعطاء وطاووس، وقسم حرّم قليل الرضاع وكثيره ولم يفرّق بينهما، وهو قول عليّ بن أبي طالب (!) وابن عباس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثوري والليث، وقسم يرى التحريم إلا بثلاث رضعات وهو وقل أبو ثور وأبو عبيد وداود ورواية عن وغيرهم(2)، والصحيح إن شاء الله أنه لا يحرم الرضاع إلا فوق خمس رضعات لما ثبت في الصحيح عن عائشة أنها قالت (( كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يُحِّرمنَ، ثم نُسخْنَ بخمس معلومات، فتُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهُنَّ فيما يُقرأُ من القرآن ))(3).
__________
(1) ثم اهتديت ص (176ـ 184) مبحث هدى الحق.
(2) راجع في ذلك المغني جـ11 ص (310 ـ 312 ) ومسلم مع الشرح جـ10 ص (44 ـ 46) وبداية المجتهد لابن رشد جـ3 ص (64 ـ 66).
(3) مسلم مع الشرح كتاب الرضاع ـ باب ـ التحريم بخمس رضعات برقم (1452).(172/217)
2ـ أما ادعاؤه أن الإمام مالك يفتي بما يلائم أهواء السلطة الحاكمة(1) فهذا كذب فلم يأت بدليل واحد على ذلك وأنّى له ذلك، ولو قلد أحد الإمام مالك فلا يعتبر هذا قدح فيه لأنه لم يأمر أحداً بتقليده وثبت عنه أنه قال (( إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه ))(2).
__________
(1) ثم اهتديت ص (178).
(2) معنى قول الإمام ص (105) من ضمن مجموعة الرسائل المنيرية جـ2 .(172/218)
3ـ أما ادعاؤه أن علياً يحرم الزواج إذا بلغت الرضاعة خمس عشرة رضعة(1) فكذب على عليِّ، لأن الثابت أن علياً يري أن قليل الرضاع مثل كثيره في التحريم، وهذا القول الشاذ لم يقل به احد من أهل العلم إطلاقاً، ولكن الرافضة الاثني عشرية تخبّطوا في هذا تخبّطاً عجيباً، فيروي الطوسي في كتابه ( تهذيب الأحكام ) ـ وهو أحد الكتب الأربعة التي تمثل أصول وفروع مذهب الاثني عشرية ـ روايات متناقضة فيروي جواز العشر رضعات، فعن عبيد بن زرارة قال (( قلت لأبي عبد الله (ع): إنا أهل بيت كثير، فربما كان الفرح والحزن يجتمع فيه الرجال والنساء، فربما استحيت المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها وبينه الرضاع، وربما استحيا الرجل أن ينظر إلى ذلك، فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال: ما أنبت اللحم والدم، فقلت: فما الذي يُنبت اللحم والدم؟ فقال: كان يقال: عشرُ رضعات، قلت: فهل يحرم بعشر رضعات؟ فقال: دع ذا، وقال: ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع ))(2)، ويروى عن أبي عبد الله (ع) قال ((لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم، فأما الرضعة والرضعتان والثلاث ـ حتى بلغ عشراً ـ إذا كنَّ متفرقات فلا بأس ))(3)، ثم يروي أن العشر لا تحرم، بل الخمس عشر لا تحرم أيضاً، فعن أبي عبد الله قال (( سمعته يقول: عشر رضعات لا تحرم ))(4)، ويروى عن عمر بن يزيد قال (( سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: خمس عشرة رضعة لا تحرم ))(5)، ثم يحاول الطوسي التوفيق بين هذه الروايات المتضاربة، فيقول (( فهذه الأخبار كلّها وما في معناها، محمولة على أنه إذا كانت الرضعات متفرقات، فأما إذا كانت متوالية فإنها تحرم، وقد تضمن ذلك الخبر الذي قدمناه وهو خبر هارون بن مسلم، عن أبي
__________
(1) ثم اهتديت ص (179).
(2) تهذيب الأحكام للطوسي جـ7 ص (281) ـ باب ـ ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه.
(3) المصدر السابق جـ8 ص (281).
(4) المصدر السابق جـ8 ص (282).
(5) المصدر السابق.(172/219)
عبد الله (ع) وهو قوله لمّا ذكر العشر رضعات قال: لا بأس به إذا كنّ متفرقات، فدلّ على أنها كانت متوالية فإنها تحرّم ))(1)، فشيخ الطائفة يقرر أن العشر رضعات المتواليات تحرِّم والتيجاني يقرر أن الخمس عشرة رضعة مشبعات ومتواليات تحرِّم فانظر إلى هذا التضارب والتناقض!؟
4ـ أما قوله أنه فتح البخاري وفيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرم من الرضعات إلا خمسة فما فوق(2) فكذب لأن البخاري لم يرو مثل هذه الرواية إنما الذي روى مثلها هو مسلم وقد ذكر الحديث في الفقرة السابقة.
5ـ لقد استشهد التيجاني على صحة زواج الرجل والمرأة في هذه القضية من كتب أهل السنة كمسلم وابن رشد وفتاوي شلتوت، والتي اعتمدها القضاة، فلست أدري ما هي الحجة لشيعته في هذه الحادثة.
6ـ لا أكاد أصدق أنّ كل هؤلاء العلماء والقضاة لم يعرف واحداً منهم أن الأدلة الصحيحة تظهر أن دون الخمس رضعات لا تحرّم الزواج، وعلى كل حال فإن كان هناك جهل يعتري كل هؤلاء الناس! فالسبب بسيط وهو ابتعادهم عن منهج أهل السنة والجماعة الذي يوجب اتباع الكتاب والسنة، وليس التقليد المذموم، وهو المنهج الذي استدل به التيجاني على صدق دعواه عندما استشهد بسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فأي عيب أو قدح يصيب أهل السنة بعد ذلك؟!
(( المراجع ))
ـ كتب السنة ـ
1ـ أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ، تأليف: الدكتور ابراهيم على شعوط، المكتب الاسلامي ط.1408 ـ 1988.
2ـ أبو هريرة وأقلام الحاقدين، بقلم: عبد الرحمن الزرعي، دار الأرقم، الكويت ط. 1405 ـ 1984م.
3ـ إتحاف ذوي النجابة بما في القرآن والسنة من فضائل الصحابة، تأليف محمد العربي بن التباني المغربي، ط.1405 ـ 1985م.
4ـ الاتقان في علوم القرآن، تأليف جلال الدين السيوطي، تعليق: الأستاذ محمد شريف سكر، مكتبة المعارف، الرياض ط. 1407 ـ1987م.
__________
(1) المصدر السابق.
(2) ثم اهتديت ص (182).(172/220)
5ـ أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله، تأليف: دكتور علي السالوس ط. 1402 ـ 1982م.
6ـ الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، تأليف: الإمام بدر الدين الزركشي، تحقيق: سعيد الأفغاني، المكتب الاسلامي ط. 1405 ـ1985م.
7ـ الأحاديث الموضوعة، تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمود الأرناؤوط، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت ط. 1408 ـ1988م.
8ـ أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء، تأليف: وهبي سليمان غاوجي، دار القلم، دمشق، ط. 1407هـ ـ 1987م.
9ـ أحكام الجنائز وبدعها، تأليف: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط. 1412هـ ـ 1992م.
10ـ الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تأليف: أبي الحسن علي بن محمد البغدادي الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت.
11ـ الاختلاف في اللفظ والرد الجهمية والمشبهة، تأليف: الامام عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، دار الكتب العلمية، بيروت ط. 1405 ـ 1985م.
12ـ أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ ـ استخلاف أبي بكر الصديق، تأليف: الدكتور جمال عبد الهادي، الدكتورة وفاء محمد رفعت جمعة، دار الوفاء للطباعة والنشر، مصر، ط. 1409هـ ـ 1989م.
13ـ أراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، تأليف: د. عمر بن ابراهيم رضوان، دار طيبة، الرياض ط. 1413هـ ـ 1992م.
14ـ إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي ، تأليف: الإمام محمد بن علي الشوكاني، تحقيق: مشهور سلمان، دار المنار للنشر، الرياض، ط. 1413هـ ـ 1992م.
15ـ أسباب ورود الحديث، تأليف: جلال الدين السيوطي، تحقيق: يحيى اسماعيل أحمد ، دار الكتب العلمية، بيروت ط. 1404هـ ـ 1984م.
16ـ أسباب النزول، تأليف: علي بن أحمد الواحدي، تخريج: عصام الحميدان، دار الاصلاح، الدمام ط. 1411هـ ـ1991م.
17ـ أسباب النزول، تأليف: جلال الدين السيوطي، بعناية: بديع اللحام، دار الهجرة، بيروت، ط. 1410 ـ 1990م.(172/221)
18ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تأليف: أبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت ط. 1412 ـ 1992م.
19ـ الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، تأليف: ملا علي القاري تحقيق: محمد بن لطفي الصباغ، المكتب الاسلامي، بيروت، ط. 1405هـ ـ 1985م.
20ـ الاسماعيلية تاريخ وعقائد، تأليف: إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة، لاهور باكستان، ط. 1406هـ ـ 1986م.
21ـ الإصابة في تمييز الصحابة، تأليف: ابن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل ـ بيروت، ط. 1412هـ ـ 1992م.
22ـ أصل الاعتقاد، تأليف: د. عمر سليمان الأشقر، مكتبة الفلاح، دار النفائس ـ الكويت، ط. 1410هـ ـ 1990م.
23ـ أصول الدين عند الأئمة الأربعة واحدة، تأليف: د. ناصر بن عبد الله القفاري، دار الوطن ط. 1414هـ .
24ـ أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية عرض ونقض، تأليف: د. ناصر بن عبد الله القفاري ط. 1414هـ ـ 1993م.
25ـ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، تأليف: محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة ، ط. 1413هـ ـ 1992م.
26ـ الأضواء السنية على مذاهب رافضي الاحتجاج بالسنة النبوية، تأليف: د. عمر سليمان الأشقر، دار النفائس ـ عمان ، الأردن، ط. 1412هـ ـ 1992م.
27ـ أعلام الموقعين عن رب العالمين، تأليف: ابن قيم الجوزية، ترتيب: محمد عبد السلام ابراهيم، دار الكتب العلمية ـ بيروت. ط. 1411هـ ـ 1991م.
28ـ أفعال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية، تأليف: محمد سليمان الأشقر، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط. 1408هـ ـ 1988م.
29ـ أقباس من مناقب أبي هريرة، تأليف: عبد المنعم صالح العزى، دار المنطلق، دبي ـ الإمارات العربية المتحدة، ط. 1412هـ ـ 1991م.(172/222)
30ـ أمالي المحاملي، رواية ابن يحيى البيِّع، تحقيق: د. ابراهيم القيسي، المكتبة الاسلامية ـ عمان. دار ابن القيم ـ الدمام، ط. 1412هـ ـ 1991م.
31ـ الإمام الجوزجاني ومنهجه في الجرح والتعديل، مع تحقيق كتابيه الشجرة في أحوال الرجال وإمارات النبوة، تحقيق: د. عبد العليم البستوي، حديث أكادمي ـ فيصل أباد، باكستان. دار الطحاوي ـ الرياض، ط. 1411هـ ـ 1990م.
32ـ الإمامة من أبكار الأفكار في أصول الدين، تأليف: سيف الدين الآمدي، تحقيق: محمد الزبيدي، دار الكتاب العربي ط. 1412هـ ـ 1992م.
33ـ كتاب الإمامة والرد على الرافضة، تأليف: أبي نعيم الأصفهاني، تحقيق: د. على بن محمد الفقيهي، مكتبة العلوم والحكم ـ المدينة المنورة، ط. 1407 ـ 1987م.
34ـ الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التيجانية، تأليف: عبد الرحمن بن يوسف الأفريقي، تعليق: اسماعيل الأنصاري، دار البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد ـ الرياض، ط. 1404هـ
35ـ أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، تأليف: الشيخ قاسم القونوي، تحقيق: د. أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي، دار والوفاء للنشر والتوزيع ـ جدة، ط. 1406هـ ـ 1986م.
36ـ أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب، تأليف: أبي محمد الحسيني، ط. 1413هـ ـ 1993م.
37ـ آية التطهير بين أمهات المؤمنين وأهل الكساء، تأليف: د. علي أحمد السالوس، مكتبة ابن تيمية ـ الكويت، ط. 1397هـ ـ 1977م.
38ـ بحوث في أصول التفسير، تأليف: د. محمد بن لطفي الصباغ، المكتب الاسلامي ـ بيروت، ط. 1408هـ ـ 1988م.
39ـ بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن قيم الجوزية، جمع وتخريج: يسري السيد محمد، دار ابن الجوزي، ط. 1414هـ ـ 1993م.(172/223)
40ـ بدائع الفوائد، تأليف: الإمام ابن قيم الجوزيةـ تحقيق وتخريج: معروف مصطفى زريق، محمد وهبي سليمان، علي عبد الحميد بلطة جي، دار الخاني ـ الرياض. دار الخير ـ بيروت، دمشق، ط. 1414هـ ـ 1994م.
41ـ البداية والنهاية، تأليف: الحافظ ابن كثير، تحقيق: د. أحمد أبو ملحم، د. علي عطوي، فؤاد السيد، مهدي ناصر الدين، علي عبد الساير، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1405هـ ـ 1985م.
42ـ بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود، تأليف: عبد الله الجميلي، مكتبة الغرباء الأثرية ـ المدينة المنورة، ط. 1414هـ ـ 1994م.
43ـ البرهان في أصول الفقه، تأليف: إمام الحرمين أبي المعالي الجويني، تحقيق: عبد العظيم محمود الديب، دار الوفاء ـ المنصورة، مصر، ط. 1412هـ ـ 1992م.
44ـ البينات في الرد على أباطيل المراجعات، تأليف: محمود الزعبي، ط. 1406هـ ـ 1986م.
45ـ بين الشيعة وأهل السنة، تأليف: إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة، لاهور ـ باكستان، ط. 1406هـ ـ 1986م.
46ـ بين الشيعة والسنة دراسة مقارنة في التفسير وأصوله، تأليف: د. علي السالوس، دار الاعتصام ـ القاهرة.
47ـ التأدب مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ضوء الكتاب والسنة، تأليف: حسن نور حسن، دار المجتمع ـ جدة، ط. 1412هـ ـ 1991م.
48ـ تاريخ ابن خلدون، تأليف: عبد الرحمن بن خلدون، دار الفكر ـ بيروت، ط. 1401هـ ـ 1981م.
49ـ التاريخ الاسلامي، جزء الخلفاء الراشدون، تأليف: محمود شاكر، المكتب الاسلامي، ط. 1405هـ ـ 1985م.
50ـ تاريخ الطبري ( تاريخ الأمم والملوك ) تأليف: محمد بن جرير الطبري، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1408هـ ـ 1988م
51ـ تحريف النصوص من مآخذ أهل الأهواء في الاستدلال، تأليف: بكر أبو زيد، دار العاصمة ـ الرياض، ط. 1412هـ
52ـ تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، تأليف: الإمام محمد عبد الرحمن المباركفوري، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1410هـ ـ 1990م.(172/224)
53ـ تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، تأليف: د. محمد آمحزون، دار طيبة. دار العاصمة ـ الرياض، ط. 1415هـ ـ 1994م.
54ـ تذكرة الحفاظ للذهبي، دار الفكر العربي.
55ـ تصحيح الأخطاء والأوهام الواقعة في فهم أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، تأليف: رائد بن صبري بن أبي علفة، رمادي للنشر ـ الدمام،ط. 1414هـ ـ 1994م.
56ـ التصوف المنشأ والمصادر، تأليف: إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة، لاهور ـ باكستان، ط. 1406هـ ـ 1986م.
57ـ تعريف بمذهب الشيعة الإمامية، تأليف: محمد أحمد التركماني، دار عمار للنشر والتوزيع ـ عمان، ط. 1406هـ ـ 1986م.
58ـ تفسير البغوي ( معالم التنزيل ) تأليف: الإمام الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: محمد النمر، عثمان جمعة، سليمان الحرش، دار طيبة ـ الرياض، ط. 1414هـ ـ 1993م.
59ـ تفسير التحرير والتنوير، تأليف: الإمام محمد الطاهر ابن عاشور، الدار التونسية للنشر.
60ـ تفسير الحسن البصري، جمع وتوثيق ودراسة: د.محمد عبد الرحيم، دار الحديث ـ القاهرة
61ـ تفسير القرآن العظيم، تأليف: الإمام الحافظ ابن كثير، دار المعرفة ـ بيروت، ط. 1407ـ 1987م.
62ـ تفسير القرآن، تأليف: الإمام عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: د، مصطفى مسلم محمد، مكتبة الرشد ـ الرياض، ط. 1410هـ ـ 1989م.
63ـ تفسير الطبري ( جامع البيان في تأويل القرآن ) دار الكتب العلمية ـ بيروت. ط. 1412هـ ـ 1992م.
64ـ التفسير والمفسرون، تأليف: د. محمد حسين الذهبي، مكتبة وهبة ـ القاهرة، ط. 1409 ـ 1989م.
65ـ تفسير النسائي، تحقيق: سيد الجليمي، صبري الشافعي، مكتبة السنة ـ القاهرة، ط. 1410هـ ـ 1990م.
66ـ تقريب التهذيب، تأليف: أحمد بن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية ـ بيروت، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط. 1413هـ ـ 1993م.
67ـ التقريب لعلوم ابن القيم، تأليف: بكر أبو زيد، دار الراية ـ الرياض، ط. 1411هـ(172/225)
68ـ التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان، تأليف: محمد بن يحيى المالقي، تحقيق: د. محمود يوسف زايد، دار الثقافة ـ الدوحة، ط. 1405هـ ـ 1985م.
69ـ التمهيد والبيان لما في الوطأ من المعاني والأسانيد، تأليف: الإمام ابن عبد البر الأندلسي، تحقيق: سعيد أحمد أعراب، ط. 1412هـ ـ 1992م.
70ـ تنزيه الشريعة المرفوعة عن الاخبار الشنيعة الموضوعة، تأليف: علي بن محمد الكناني، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، عبد الله محمد الصديق، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1401هـ ـ 1981م.
71ـ تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، تأليف: الإمام جلال الدين السيوطي، المكتبة الثقافية ـ بيروت، ط. 1408هـ ـ 1988م.
72ـ تهذيب الأسماء واللغات، تأليف: الإمام محي الدين بن شرف النووي، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
73ـ تهذيب تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي، هذبه: الشيخ نايف العباس، دار الألباب ـ بيروت. دمشق، ط. 1990م.
74ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تأليف: الحافظ جمال الدين يوسف المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط. 1413هـ ـ 1992م.
75ـ التيجانية، تأليف: علي بن محمد الدخيل الله، دار طيبة، الرياض.
76ـ تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان، تأليف: عبد الرحمن السعدي، تقديم: محمد النجار، دار المدني ـ جدة ط. 1408هـ ـ 1988م.
77ـ ثعلبة بن حاطب المفترى عليه، تأليف: عداب محمود الحمش، دار عالم الكتب ـ الرياض، ط. 1405هـ ـ 1985م.
78ـ الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام، تأليف: محمد منظور نعماني، ترجمة: د. سمير عبد الحميد ابراهيم، دار الصحوة للنشر.
79ـ جامع المسانيد، تأليف: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث ـ القاهرة، ط. 1412هـ ـ 1991م.(172/226)
80ـ الجامع المفهرس لأطراف الأحاديث النبوية والآثار السلفية التي خرجها محدث العصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتبه المطبوعة، تأليف: سليم الهلالي، دار ابن الجوزي ـ الدمام، ط. 1409هـ ـ 1989م.
81ـ جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين، تأليف: د. محمد السيد الوكيل، دار المجتمع ـ جدة، ط. 1408هـ ـ 1987م.
82ـ الحاوي للفتاوي، تأليف: الإمام جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1402هـ ـ 1982م.
83ـ الحسن البصري وحديثه المرسل، تأليف: د. عمر عبد العزيز الجغبير، دار البشير ـ عمان ط. 1412هـ ـ 1992م.
84ـ حقيقة الشيعة، تأليف: عبد الله الموصلي، دار الحرمين للطباعة ـ القاهرة، ط. 1412هـ ـ 1992م.
85ـ حياة الصحابة، تأليف: الشيخ محمد الكاند هلوي، تحقيق: نايف العباس، محمد علي دولة، دار القلم ـ دمشق، ط. 1410هـ ـ 1989م.
86ـ خالد بن الوليد، تأليف: صادق إبراهيم العرجون، الدار السعودية للنشر والتوزيع ـ جدة، ط. 1407هـ ـ 1987م.
87ـ خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، تأليف: الإمام عبد الرحمن شعيب النسائي، تحقيق: أبي اسحاق الحويني الأثري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط. 1407هـ ـ 1987م.
88ـ الخطوط العريضة، تأليف: محب الدين الخطيب، تعليق: محمد مال الله، ط. 1409هـ
89ـ الخلافة والملك، تأليف: أبي الأعلى المودودي، تعريب: أحمد إدريس، دار القلم ـ الكويت، ط. 1398هـ ـ 1978م.
90ـ دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ( الخوارج والشيعة ) تأليف: د. أحمد محمد جلي، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ـ الرياض، ط. 1406هـ ـ 1986م.
91ـ الدرر في اختصار المغازي والسير، تأليف: ابن عبد البر، تخريج: مصطفى ديب البغا، مؤسسة علوم القرآن ـ دمشق، ط. 1404هـ ـ 1984م.
92ـ الدر المنثور في التفسير المأثور، تأليف: جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1411هـ ـ 1990م.(172/227)
93ـ دلائل النبوة، تأليف: الإمام إسماعيل الأصفهاني، مساعد بن سليمان الحميد، دار العاصمة ـ الرياض، ط. 1412هـ
94ـ الدين الخالص، تأليف: محمد صديق البخاري، مكتبة دار التراث ـ القاهرة.
95ـ رجال الشيعة في الميزان، تأليف: عبد الرحمن الزرعي، دار الأرقم ـ الكويت، ط. 1403هـ ـ 1983م.
96ـ الرحيق المختوم، تأليف: صفي الرحمن المباركفوري، دار السلام ـ الرياض. دار الوفاء ـ مصر، ط. 1411هـ ـ 1991م.
97ـ رسالة في الرد على الرافضة، تأليف: أبوحامد محمد المقدسي، تحقيق: عبد الوهاب الرحمن، الدار السلفية ـ الهند، ط. 1403هـ ـ 1983م.
98ـ رسالة في الرد على الرافضة، محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: ناصر بن سعد الرشيد، دار طيبة ـ الرياض.
99ـ الرياض النضرة في مناقب العشرة، تأليف: الإمام أحمد الشهير بمحب الطبري، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1405هـ ـ 1984م.
100ـ زاد المعاد في هدى خير العباد، تأليف: ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، عبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة. مكتبة المنار الإسلامية ـ الكويت، ط. 1405هـ ـ 1985م.
101ـ زيد بن ثابت كاتب الوحي وجامع القرآن، تأليف: صفوان عدنان داوودي، دار القلم ـ دمشق، ط. 1411هـ ـ 1990م.
102ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة، تأليف: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي ـ بيروت. مكتبة المعارف ـ الرياض.
103ـ سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، تأليف: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط. 1405هـ ـ 1985م.
104ـ كتاب السنة، تأليف: الإمام عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: د. محمد بن سعيد القحطاني، الرمادي للنشر ـ الدمام، المؤتمن للتوزيع ـ الرياض، ط. 1414هـ ـ 1994م
105ـ سنن أبي داود، تعليق: عزت الدعاس، عادل السيد دار الحديث ـ بيروت، ط. 1394هـ 1974م.
106ـ سنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، ط. 1395هـ ـ 1975م.(172/228)
107ـ سنن الدارقطني، تحقيق: عبد الله هاشم يماني المدني، وبذيله التعليق المغني على الدارقطني تأليف: محمد شمس الحق آبادي، دار المعرفة ـ بيروت، ط. 1386هـ ـ 1966م.
108ـ سنن الدارمي، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار القلم ـ دمشق، ط. 1412هـ ـ 1991م.
109ـ سير أعلام النبلاء، تأليف: الإمام شمس الدين محمد الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط. 1412هـ ـ 1992م.
110ـ السيرة الحلبية، تأليف: الإمام علي بن برهان الدين الحلبي، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
111ـ السيرة النبوية الصحيحة، تأليف: د. أكرم ضياء العمري، مكتبة العلوم والحكم ـ المدينة المنورة، ط. 1412هـ ـ 1992م.
112ـ السيرة النبوية، تأليف: ابن هشام، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط. 1408هـ ـ 1987م.
113ـ شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، تأليف: محمد بن عبد الباقي الزرقاني، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1411هـ ـ 1990م.
114ـ شرح العلامة الزرقاني على المواهب اللدنية، دار المعرفة ـ بيروت، ط. 1414هـ ـ 1993م.
115ـ الشريعة، تأليف: الإمام محمد بن الحسين الآجري، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار السلام ـ الرياض، ط. 1413هـ ـ 1992م.
116ـ الشهاب الثاقب في الذب عن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب، تأليف: سليم الهلالي، دار عمار ـ عمان، ط. 1405هـ
117ـ الشيخان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وولدهما برواية البلاذري في أنساب الأشراف، تحقيق: د. إحسان صدقي العمد، مؤسسة الشراع العربي ـ الكويت، ط. 1989م.
118ـ الشيعة الإمامية الإثني عشرية في ميزان الإسلام، تأليف: ربيع بن محمد السعودي، مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة. مكتبة العلم ـ جدة، ط. 1414هـ
119ـ الشيعة وأهل البيت، تأليف: إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة ـ لاهور، باكستان
120ـ الشيعة والتشيع فرق وتاريخ، تأليف: إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة ـ لاهور، ط. 1404هـ ـ 1984م.(172/229)
121ـ الشيعة والسنة، تأليف: إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة ـ لاهور، باكستان.
122ـ الشيعة وصكوك الغفران، تأليف: محمد مال الله، مكتبة ابن تيمية، ط.1411هـ
123ـ الشيعة والقرآن، تأليف: إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة ـ لاهور، باكستان، ط. 1403هـ ـ 1983م.
124ـ الشيعة والمتعة، تأليف: محمد مال الله، تقديم: نظام الدين الأعظمي، مكتبة ابن تيمية، ط. 1409هـ
125ـ صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الكتاب والسنة، تأليف: عيادة أيوب الكبيسي، دار القلم ـ دمشق. المنار ـ بيروت، ط. 1407هـ ـ 1986م.
126ـ الصحابة ومكانتهم في الإسلام، تأليف: نور عالم الأميني، دار الصحوة للنشر ـ القاهرة، ط. 1409هـ ـ 1989م.
127ـ الصحابي وموقف العلماء من الاحتجاج بقوله، تأليف: د. عبد الرحمن الدرويش، مكتبة الرشد ـ الرياض، ط. 1413هـ ـ 1992م.
128ـ صفة النفاق وذم المنافقين، تأليف: الحافظ جعفر بن محمد الفريابي، تحقيق وشرح: أبي عبد الرحمن الأثري، دار الصحابة للتراث ـ طنطا، مصر، ط. 1408هـ ـ 1988م.
129ـ الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة. ويليه كتاب تطهير الجنان واللسان عن الخطورة والتفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان، كلاهما تأليف: أحمد بن حجر الهيتمي، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1403هـ ـ 1983م.
130ـ صورتان متضادتان عند أهل السنة والشيعة الإمامية، تأليف: علي الحسني الندوي، دار البشير ـ جدة، ط. 1410هـ ـ 1990م.
131ـ صحيح أشراط الساعة، تأليف: مصطفى أبو النصر الشلبي، مكتبة السوادي للتوزيع ـ جدة، ط. 1413هـ ـ 1992م.
132ـ صحيح البخاري، ضبط وفهرسة: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير ـ دمشق. بيروت، اليمامة للطبع والنشر ـ دمشق. بيروت، ط. 1410هـ ـ 1990م.
133ـ صحيح الجامع الصغير وزيادته، تأليف: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط. 1408هـ ـ 1988م.(172/230)
134ـ صحيح سنن ابن ماجة، تأليف: محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج ـ الرياض، ط. 1408هـ ـ 1988م.
135ـ صحيح سنن أبى داود ، تأليف : محمد ناصر الدين الألبانى ، مكتب التربية العربى لدول الخليج ـ الرياض ، ط . 1409هـ ـ 1989م .
136ـ صحيح سنن الترمذى ، تأليف : محمد ناصر الدين الألبانى ، مكتب التربية لدول الخليج ـ الرياض ، ط . 1408هـ ـ 1988 م .
137ـ صحيح سنن النسائي ، تأليف : محمد ناصر الدين الألبانى ، مكتب التربية لدول الخليج ـ الرياض ، ط . 1409 هـ ـ 1988 م.
138ـ صحيح السيرة النبوية ، تأليف : إبراهيم العلي ، دار النفائس للنشر والتوزيع ـ العبدلى ـ الأردن ، ط . 1415 هـ ـ 1995 م .
139ـ صحيح السيرة النبوية المسماة " السيرة الذهبية " تأليف : محمد بن رزق طرهوني دار ابن تيمية ـ القاهرة ، ط . 1410هـ .
140 ـ صحيح مسلم بشرح الإمام النووى ، مؤسسة قرطبة ، ط . 1412 هـ ـ 1991 م .
141 ـ الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة ، تأليف : مصطفى العدوى ، دار الهجرة ـ الرياض ، ط . 1412 هـ ـ 1991 م .
142 ـ الصحيح المسند من فضائل الصحابة ، تأليف : مصطفى بن العدوى ، مكتبة الكوثر ـ الرياض ، دار الهجرة ـ صفاء ـ اليمن ، ط . 1410 هـ ـ 1990 م .
143 ـ الضعفاء الصغير ـ تأليف : الإمام محمد بن إسماعيل البخاري ـ ويليه الضعفاء والمتروكين للإمام أحمد بن شعيب النسائي ، تحقيق محمود إبراهيم زايد ، دار المعرفة ـ بيروت ط . 1406 هـ ـ 1986م.
144ـ ضعيف الجامع الصغير وزيادته ـ تأليف : محمد ناصر الدين الإلباني ، المكتب الإسلامي ـ بيروت ـ ط. 1410 هـ ـ 1990 م .
145 ـ ضعيف سنن ابن ماجة ـ تأليف : محمد ناصر الدين الألباني ـ المكتب الإسلامي بيروت ، ط . 1408 هـ ـ 1988 م .(172/231)
146ـ ضعيف سنن أبي داود تأليف: محمد ناصر الدين الألباني المكتب الاسلامي-بيروت؛ ط. 1412هـ - 1991م.
147ـ ضعيف النسائي، تأليف: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط. 1411هـ ـ 1990م.
148ـ طه حسين في ميزان العلماء والأدباء، تأليف: محمود مهدي الاستانبولي، المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط. 1403هـ ـ 1983م.
149ـ الطبقات الكبرى، تأليف: ابن سعد، دار صادر ـ بيروت.
150ـ طريق الهجرتين وباب السعادتين، تأليف: ابن قيم الجوزية، تخريج: عمر بن محمود أبو عمر، دار ابن القيم ـ الدمام، ط. 1409هـ ـ 1988م.
151ـ عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام، تأليف: سليمان بن حمد العودة، دار طيبة ـ الرياض، ط. 1412هـ
152ـ عصر الخلافة الراشدة، تأليف: د. أكرم ضياء العمري، مكتبة العلوم والحكم ـ المدينة المنورة، ط. 1414هـ ـ 1994م.
153ـ عقائد الثلاث والسبعين فرقة، تأليف: أبي محمد اليمني، تحقيق: محمد بن عبدالله الغامدي، مكتبة العلوم والحكم، ط. 1414هـ
154ـ العقائد السلفية بأدلتها النقلية والعقلية، تأليف: أحمد بن حجر البنعلي، ط. 1415هـ ـ 1994م.
155ـ العقد الفريد، تأليف: أحمد بن محمد بن عبد ربه، دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق: مفيد محمد قميحة، ط. 1407هـ ـ 1987م.
156ـ عقيدة الإمامية عند الشيعة الاثني عشرية، تأليف: د. علي السالوس، دار الاعتصام ـ القاهرة، ط. 1407هـ ـ 1987م.
157ـ عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام، تأليف: د. ناصر بن علي الشيخ، مكتبة الرشد ـ الرياض، ط. 1413هـ ـ 1993م.
158ـ العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، تأيف: عبد الرحمن بن الجوزي، تقديم: خليل الميس، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1403هـ ـ 1983م.
159ـ العلل ومعرفة الرجال، تأليف: الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: وصي الله عباس، المكتب الإسلامي ـ بيروت، دار الخاني ـ الرياض،ط. 1408هـ ـ 1988م.(172/232)
160ـ العلل الواردة في الأحاديث النبوية، تأليف: الإمام علي بن عمر الدارقطني، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله السلفي، دار طيبة ـ الرياض، ط. 1405هـ ـ 1985م.
161ـ عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير، تحقيق: أحمد شاكر، مكتبة التراث الإسلامي.
162ـ العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، تأليف: الإمام أبوبكر بن العربي المالكي، تحقيق: محب الدين الخطيب، تخريج: محمود مهدي الاستانبولي، تعليق: مركز السنة للبحث العلمي، مكتبة السنة ـ القاهرة، ط. 1412هـ
163ـ عون الباري لحل أدلة البخاري، تأليف: صديق حسن القنوجي، دار الرشيد ـ حلب.
164ـ عون المعبود شرح سنن أبي داود، تأليف: محمد شمس الحق آبادي، مع شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1410هـ ـ 1990م.
165ـ عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، تأليف: الحافظ محمد بن محمد بن سيد الناس، تحقيق: د. محمد العيد الخضراوي، محي الدين مستو، مكتبة دار التراث ـ المدينة النورة. دار ابن كثير ـ دمشق، ط. 1413هـ ـ 1992م.
166ـ الفتاوى العراقية، تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: عبد الله عبد الصمد المفتي، مطبعة الجاحظ ـ بغداد.
167ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تأليف: الإمام أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية ـ القاهرة، ط. 1408هـ
168ـ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، تأليف: محمد بن علي الشوكاني، علق عليه: سعيد محمد اللحام، دار الفكر ـ بيروت، ط. 1412هـ ـ 1992م.
169ـ الفتنة ووقعة الجمل برواية سيف بن عمر الضبي الأسدي، جمع: أحمد راتب عرموش، دار النفائس ـ بيروت، ط. 1406هـ ـ1986م.
170ـ الفتوح، تأليف: أحمد بن أعثم الكوفي، تحقيق: د. سهيل زكار، دار الفكر ـ بيروت،ط. 1412هـ ـ 1992م.(172/233)
171ـ الفرق بين الفرق، تأليف: الإمام عبد القاهر البغدادي، تعليق: الشيخ إبراهيم رمضان، دار المعرفة ـ بيروت، ط. 1415هـ ـ 1994م.
172ـ الفِصل في الملل والأهواء والنحل، تأليف: علي بن أحمد المعروف بإبن حزم، تحقيق: د. محمد إبراهيم نصر، د. عبد الرحمن عميرة، شركة مكتبات عكاظ، ط. 1402هـ ـ 1982م.
173ـ فضائل أبي بكر الصديق، تأليف: عبد الرحمن عبد الخالق، ط. 1409هـ ـ 1988م.
174ـ فضائح الباطنية، تأليف: أبي حامد الغزالي، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، مؤسسة دار الكتب الثقافية ـ الكويت.
175ـ فضائل الصحابة، تأليف: الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: وصي الله محمد عباس، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط.1403هـ ـ 1983م.
176ـ فقه السيرة، تأليف: محمد الغزالي، تحقيق: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، دار القلم ـ دمشق، ط. 1409هـ ـ 1989م.
177ـ الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، تأليف: عبد الرحمن عبد الخالق، دار الفيحاء ـ دمشق، مكتبة السلام ـ الرياض، ط. 1414هـ ـ 1994م.
178ـ فنون الأفنان في عيون علوم القرآن، تأليف: عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق: حسن ضياء الدين عتر، دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، ط. 1408هـ ـ 1987م.
179ـ الفوائد، تأليف: الحافظ تمام بن محمد الرازي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة الرشد ـ الرياض، ط. 1412هـ ـ 1992م.
180ـ الفوائد البديعة في فضائل الصحابة وذم الشيعة، جمع: أحمد فريد، دار الضياء ـ الرياض، ط. 1409هـ ـ 1989م.
181ـ في ظلال القرآن، تأليف: سيد قطب، دار الشروق ـ بيروت، القاهرة، ط. 1405هـ ـ 1985م.
182ـ القاموس المحيط، تأليف: محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط. 1407هـ ـ 1987م.
183ـ القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، تأليف: أبي بكر بن العربي، تحقيق: د. محمد عبد الله ولد كريم، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت، ط. 1992م.(172/234)
184ـ القصيمية دراسة نقدية لنصوص السيرة النبوية، تأليف: محمد الصوياني، ط. 1409هـ ـ 1989م.
185ـ القول المعتبر في تحقيق رواية ( كل أحد أفقه من عمر )، تأليف: نزار محمد عرعور، دار الراية ـ الرياض، ط. 1409هـ ـ 1989م.
186ـ الكامل في التاريخ، تأليف: علي بن أبي بكر المعروف بإبن الأثير، تحقيق: عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1407هـ ـ 1987م.
187ـ كتاب الأمالي، تأليف: أبي عبد الله محمد اليزيدي، عالم الكتب ـ بيروت، ط. 1404هـ ـ 1984م.
188ـ كتاب الإمامة والسياسة في ميزان التحقيق العلمي، تأليف: د. عبد الله عسيلان، مكتبة الدار ـ المدينة المنورة، ط. 1405م.
189ـ كتاب التاريخ وأسماء المحدثين وكناهم، تأليف: الإمام محمد بن أحمد المقدَّمي، حققه: إبراهيم صالح، مكتبة دار العروبة ـ الكويت. دار ابن العماد ـ بيروت، ط. 1413هـ ـ 1992م.
190ـ كتاب الزهد، تأليف: الإمام عبد الله ابن المبارك، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
191ـ كتاب الضعفاء الكبير، تأليف: الحافظ محمد بن عمرو العقيلي، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية ـ بيروت،؟؟
192ـ كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، تأليف: الحافظ محمد بن حبان البستي، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار المعرفة ـ بيروت، ط. 1412هـ ـ 1992م.
193ـ الكتاب المستفاد من مبهمات المتن والإسناد، تأليف: الحافظ أبو زرعة أحمد عبد الرحيم العراقي، تحقيق: د. عبد الرحمن عبد الحميد البر، دار الوفاء ـ المنصورة. دار الأندلس الخضراء ـ جدة، ط. 1414هـ ـ 1994م.
194ـ كتاب المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير، تأليف: الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق: مروان عطية، محسن خرابة، ابن كثير ـ دمشق، ط. 1410هـ ـ 1990م.(172/235)
195ـ الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث، تأليف: برهان الدين الحلبي، تحقيق: صبحي السامرّائي، عالم الكتب ـ بيروت، ط. 1407هـ ـ 1987م.
196ـ كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، تأليف: إسماعيل بن محمد العجلوني، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
197ـ كشف الشبهات، تأليف: محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: الحسين بن عمر مروزي، دار الوطن ـ الرياض، ط. 1413هـ
198ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تأليف: علاء الدين علي الهندي البرهان فوري، ضبط: بكري حياني، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط. 1405هـ ـ 1985م.
199ـ لسان العرب، تأليف: جمال الدين ابن منظور المصري، دار صادر ـ بيروت.
200ـ اللؤلؤ المرصوع فيما لا أصل له أو بأصله موضوع، تأليف: محمد بن خليل القاوجي الطرابلسي، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، ط. 1415هـ ـ 1994م.
201ـ لماذا يزيفون التاريخ ويعبثون بالحقائق، تأليف: إسماعيل الكيلاني، المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط. 1407هـ ـ 1987م.
202ـ لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، تأليف: موفق الدين بن قدامة المقدسي، شرح: محمد صالح العثيمين، تحقيق: أشرف عبد المقصود، مكتبة الإمام البخاري ـ الإسماعيلية، ط. 1412هـ ـ 1992م.
203ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تأليف: الحافظ نور الدين علي الهيثمي، دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط. 1402هـ ـ 1982م.
204ـ مجموع فتاوي شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد، دار عالم الكتب ـ بيروت، ط. 1412هـ ـ 1991م.
205ـ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تأليف: القاضي عبد الحق بن غالب بن عطية، تحقيق: المجلس العلمي بتارودانت، مكتبة ابن تيمية، ط. 1413هـ ـ 1992م.
206ـ مختار الصحاح ، تأليف : الإمام محمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة لبنان ـ بيروت ط. 1986 م .(172/236)
207ـ مختصر الأباطيل والموضوعات ، تأليف : الحافظ محمد بن أحمد الذهبي ، ط . 1413هـ 1993 م.
208ـ مختصر التحفة الإثني عشرية ، تأليف شاه عبد العزيز الدهلوي ، إختصار : محمود شكري الألوسي ، مكتبة إيشق ـ استانبول ـ تركيا ، ط . 1399 هـ ـ 1979 م .
209ـ مختصر زاد المعاد ، إختصره : الإمام محمد بن عبد الوهاب ، دار السلام ـ الرياض ، تحقيق : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ، محمد بن عبد الله السمهري .
210ـ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، تأليف : الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، مكتبة دار الفيحاء ـ دمشق ، مكتبة دار السلام ـ الرياض ، ط . 1414 هـ ـ 1994 م .
211ـ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، تأليف : الإمام محمد بن عبد الوهاب ، تحقيق : عبد الرحمن البراك ، عبد العزيز الراجحي ، محمد البراك ـ الرياض .
212ـ مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة ، تأليف : عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري ، تحقيق : محمد خير المقداد ، راجعه : محمود الأرناؤوط ، دار ابن كثير ـ دمشق ، ط . 1406 هـ ـ 1986 م .
213ـ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، تأليف : الملا علي القاري ومعه أجوبة الحافظ ابن حجر على رسالة القزويني ، تقديم : خليل الميس ، تخريج : صدقي محمد العطار ، دار الفكر ـ بيروت ، ط . 1412 هـ ـ 1992 م .
214ـ مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة ، تأليف : ناصر بن عبد الله الغفاري ، دار الطيبة الرياض ، ط . 1412 هـ .
215ـ المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة ، جمع وتحقيق : عبد الاله بن سليمان الأحمدي، دار الطيبة ـ الرياض ، ط . 1412 هـ .
216ـ مسائل من فقه الكتاب والسنة ، تأليف : د . عمر سليمان الأشقر ، دار النفائس ـ عمان الأردن ، ط . 1412 هـ ـ 1994 م.(172/237)
217ـ مسند أبي بكر الصديق ، تأليف : أحمد بن علي المروزي ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط المكتب الإسلامي ـ بيروت ، ط . 1406 هـ ـ 1986 م.
218ـ مسند أبي يعلى الموصلي ، تأليف : الإمام أحمد بن علي التميمي ، تحقيق : حسين سليم الأسد ، دار الثقافة العربية ـ دمشق ، بيروت ـ ط . 1412 هـ ـ 1992 م.
219ـ مسند الإمام عبد الله المبارك ، تحقيق : صبحي السامرائي ، مكتبة المعارف ـ الرياض ، ط . 1407 هـ ـ 1987 م .
220ـ مسند سعيد بن أبي وقاص ، للإمام أبي بكر البزاري ، تحقيق : ابي إسحاق الحويني الأثري ، مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، ط . 1413 هـ ـ 1990 م .
221ـ مسند الشاميين من مسند الإمام أحمد بن حنبل ، تخريج : د . علي محمد جماز ، دار الثقافة الدوحة ـ قطر ، ط . 1410 هـ ـ 1990 م .
222ـ مسند الفاروق عمر بن الخطاب ، تأليف : إسماعيل بن عمر كثير ، التخريج : د . عبد المعطي قلعجي ، دار الوفاء ـ المنصورية ، ط . 1412 هـ ـ 1992 م.
223ـ مسند فاطمة الزهراء وما ورد في فضلها ، تأليف : الإمام الجلال الدين السيوطي ، تحقيق : فواز أحمد زمرلي ، دار ابن حزم ـ بيروت ، ط . 1414 هـ ـ 1994 م.
224ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل ، ويليه القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد لابن حجر العسقلاني تحقيق : عبد الله محمد الدرويش ، دار الفكر بيروت ، ط . 1411 هـ ـ 1991 م.
225ـ مشكاة المصابيح ، تأليف : محمد بن عبد الله التبريزي ، تحقيق : محمد ناصر الدين الألباني المكتب الإسلامي ـ بيروت ، ط . 1405 هـ ـ 1985م .
226ـ المعالم الأثيرة في السنة والسيرة ، تأليف : محمد حسن شراب ، دار القلم ـ دمشق ، الدار الشامية ، بيروت ط . 1411 هـ ـ 1991 م.
226ـ معاوية بن أبي سفيان صحابي كبير وملك مجاهد، تأليف: منير محمد الغضبان، دار القلم ـ دمشق، ط. 1410هـ ـ 1989م.(172/238)
227ـ المعجم الكبير، تأليف: الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، ط. 1404هـ ـ 1984م.
228ـ معجم المناهي اللفظية، تأليف: بكر أبو زيد، دار ابن الجوزي ـ الدمام، ط. 1410هـ ـ 1989م.
229ـ المغني، تأليف: موفق الدين بن قدامة المقدسي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، د. عبد الفتاح الحلو، دار الهجرة للطباعة والنشر والتوزيع ـ القاهرة، ط. 1410هـ ـ 1990م.
230ـ مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة، تأليف: جلال الدين السيوطي، تخريج: بدر بن عبد الله البدر، مؤسسة الريان ـ بيروت. دار النفائس ـ الكويت، ط. 1414هـ ـ 1993م.
231ـ المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، تأليف: محمد السخاوي، تحقيق: محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط. 1405هـ ـ 1985م.
232ـ مقدمة في أصول التفسير، تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، دار ابن جزم ـ بيروت، ط. 1414هـ ـ 1994م.
233ـ المنافقون وشعب النفاق، تأليف: حسن عبد الغني، دار البحوث العلمية ـ الكويت، ط. 1401هـ ـ 1981م.
234ـ مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، تأليف: عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق: د. زينب إبراهيم القاروط، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط. 1407هـ ـ 1987م.
235ـ مناهل العرفان في علوم القرآن، تأليف: محمد عبد العظيم الزرقاني، تخريج: أحمد شمس الدين، دار الكتب ـ بيروت، ط. 1409هـ ـ 1988م.
236ـ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تأليف: عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية ـ بيروت،ط.1412هـ
236ـ المنتقى من منهاج الاعتدال، اختصار: الحافظ محمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية ـ القاهرة.
237ـ منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، مؤسسة قرطبة، ط. 1406هـ ـ 1986م.(172/239)
238ـ منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، تأليف: عثمان بن علي حسن، مكتبة الرشد ـ الرياض، ط. 1412هـ ـ 1992م.
239ـ منهج كتابة التاريخ الإسلامي، تأليف: محمد بن صامل السلمي، دار طيبة ـ الرياض، ط. 1406هـ ـ 1986م.
240ـ منهج النقد عند المحدثين نشأته وتاريخه، تأليف: د. محمد مصطفى الأعظمي، ويليه كتاب التمييز للإمام مسلم بن حجاج النيسابوري، مكتبة الكوثر ـ السعودية، ط. 1410هـ ـ 1990م.
241ـ موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، تأليف: الحافظ نور الدين علي الهيثمي، تحقيق: حسين الأسد الداراني، عبده علي كوشك، دار الثقافة العربية ـ دمشق، ط. 1412هـ ـ 1992م.
242ـ المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، تأليف: الإمام أحمد القسطلاني، تحقيق: صالح الشامي، المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط.1412هـ ـ 1991م.
243ـ موسوعة فقه عمر بن الخطاب، تأليف: د. محمد بن رواس قلعة جي، مكتبة الفلاح ـ الكويت، ط. 1401هـ ـ 1981م.
244ـ الموضوعات، تأليف: عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة، ط. 1386هـ ـ 1966م.
245ـ الموطأ، تأليف: الإمام ملك بن أنس، وبذيله إسعاف المبطأ برجال الموطأ، تأليف: جلال الدين السيوطي، دار الريان للتراث ـ القاهرة، ط. 1408هـ ـ 1988م.
246ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تأليف: محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الفكر ـ بيروت.
247ـ النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة، تأليف: أبي إسحاق الحويني الأثري، دار الصحابة للتراث ـ طنطا، ط. 1408هـ ـ 1988م.
248ـ نزعة التشيع وأثرها في الكتابة التاريخية، تأليف: سليمان بن حمد العودة، دار المسلم ـ الرياض، ط. 1415هـ
249ـ النكت على كتاب ابن الصلاح، تأليف: الحافظ ابن حجر العسقلاني، دار الراية ـ الرياض، ط. 1408هـ ـ 1988م.(172/240)
250ـ النكت والعيون ( تفسير الماوردي )، تأليف: علي بن محمد الماوردي، تعليق: السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية ـ بيروت. مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت، ط. 1412هـ ـ 1992م.
251ـ النهاية في غريب الحديث والأثر، تأليف: الإمام المبارك بن محمد ابن الأثير، تحقيق: طاهر الزاوي، محمود الطناحي، المكتبة العلمية ـ بيروت.
252ـ النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب، تأليف: الإمام محمد بن عبد الواحد المقدسي، تحقيق: محي الدين نجيب، مراجعة: عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة دار العروبة ـ الكويت. دار ابن العماد ـ بيروت، ط. 1413هـ ـ 1992م.
253ـ نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، تأليف: محمد الخضري، تحقيق: عبد اللطيف الفاعوري، عواد الفاعوري، دار الفكر ـ عمان، الأردن، ط. 1986م.
254ـ هذا الحبيب محمد يا محب، تأليف: أبي بكر الجزائري، مكتبة السوادي للتوزيع ـ جدة، ط. 1412هـ ـ 1992م.
255ـ وجاء دور المجوس، تأليف: د. محمد عبد الله الغريب، دار الجيل للطباعة ـ مصر.
256ـ الوجيز في أصول الفقه، تأليف: د. عبد الكريم زيدان، مكتبة القدس ـ بغداد. مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط. 1405هـ ـ 1985م.
257ـ الوشيعة في نقد عقائد الشيعة، تأليف: موسى جار الله، مكتبة الكليات الأزهرية ـ القاهرة.
258ـ وفيات الأعيان وانباء أبناء الزمان، تأليف: ابن خلكان،ط دار صادرـ بيروت.
259ـ ولاية الله والطريق إليها دراسة وتحقيق لكتاب قطر الولي على حديث الولي للإمام الشوكاني، تأليف: إبراهيم إبراهيم هلال، تقديم: ابن الخطيب، دار الكتب الحديثة ـ مصر.
260ـ يزيد بن معاوية الخليفة المفترى عليه، تأليف: هزاع بن عيد الشمري، دار أمية ـ الرياض، ط. 1413هـ
( كتب الشيعة )
1ـ اتقوا الله، تأليف: د. محمد التيجاني السماوي، دار المجتبى ـ بيروت، ط. 1414هـ ـ 1993م.(172/241)
2ـ الإحتجاج، تأليف: أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، تعليقات: محمد باقر الموسوي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. مؤسسة أهل البيت ـ بيروت، ط. 1401هـ 1981م.
3ـ أصل الشيعة وأصولها، تأليف: الإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء، تحقيق: محمد جعفر شمس الدين، دار الأضواء ـ بيروت، ط. 1413هـ ـ 1993م.
4ـ الأصول من الكافي، تأليف: محمد بن يعقوب الكليني الرازي، صححه: الشيخ نجم الدين الاملي، تقديم: علي أكبر الغفاري، المكتبة الإسلامية ـ طهران.
5ـ إعلام الورى بأعلام الهدى، تأليف: الفضل بن الحسن الطبرسي، صححه: علي أكبر الغفاري، دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت.
6ـ الإقتصاد فيما يتعلق بالإعتقاد، تأليف: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، دار الأضواء ـ بيروت، ط. 1406هـ ـ 1986م.
7ـ أهل البيت في الكتاب والسنة، تأليف: السيد أمير محمد الكاظم القزويني دون إشارة إلى جهة الناشر .
8ـ بيان السعادة في مقامات العبادة، تأليف: الحاج سلطان الجنابذي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط. 1408هـ ـ 1988م.
9ـ تاريخ اليعقوبي، تأليف: أحمد بن أبي يعقوب المعروف باليعقوبي، دار صادر ـ بيروت.
10ـ تحفة العوام مقبول جديد، تأليف: مقبول أحمد ط. لاهور ـ الباكستان.
11ـ تذكرة الخواص، تأليف: سبط ابن الجوزي، مؤسسة أهل البيت ـ بيروت ـ ط. 1401 هـ ـ 1981م.
12ـ تعارض الأدلة الشرعية، تقرير لأبحاث د. السيد محمد باقر الصدر، محمود الهاشمي، دار الكتاب اللبناني ـ بيروت، دار الكتاب المصري ـ القاهرة ـ ط. 1980م.
13ـ تفسير الحسن العسكري طبع حجري ط. 1315هـ
14ـ تفسير الصافي، تأليف: الفيض الكاشاني، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت .
15ـ تفسير العياشي، تأليف: محمد بن مسعود ابن عياش السلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، تصحيح: السيد هاشم الهولي المحلاني ط. 1411هـ ـ 1991م.(172/242)
16ـ تفسير القمي، تأليف: علي بن إبراهيم القمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ـ ط. 1412هـ ـ 1991م.
17ـ التفسير المبين، تأليف: محمد جواد مغنية، دون تحديد جهة الناشر !.
18ـ التوحيد، تأليف: الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، صححه ـ السيد هاشم الحسيني الطهراني، دار المعرفة ـ بيروت .
19ـ تهذيب الأحكام في شرح المقنعه للشيخ المفيد، تأليف: محمد بن الحسن الطوسي، صححه محمد جعفر شمس الدين، دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت ـ ط. 1412هـ ـ 1992م.
20ـ جنة المأوى، تأليف: محمد الحسين آل كاشف الغطاء ، دار الأضواء ـ بيروت ـ ط. 1408هـ ـ 1988م.
21ـ حق اليقين في معرفة أصول الدين، تأليف: السيد عبد الله شبر، دار الأضواء بيروت ـ ط. 1404هـ ـ 1983م.
22ـ الحكومة الإسلامية، تأليف: الإمام روح الله الخميني، دون إشارة لجهة االناشر .
23ـ خمسون ومائة صحابي مختلق، تأليف: مرتضي العسكري، دار الزهراء ـ بيروت ط. 1405هـ 1985م
24ـ رجال الكشي، تأليف: محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، تقديم: أحمد الحسيني ـ منشورات مؤسسة الأعلمي ـ كربلاء العراق .
ـ سعد السعود، تأليف: علي بن موسى بن طاووس، ط.الرضى ـ قم.
25ـ الشافي في الإمامة، تأليف: علي بن الحسين الموسوي، تحقيق: السيد عبد الزهراء الخطيب، راجعه: السيد فاضل الميلاني، مؤسسة الصادق ـ طهران ـ ط. 1407هـ ـ 1986م.
26ـ شرح نهج البلاغ، تأليف: ابن أبي الحديد، دار الفكر ـ بيروت .
27ـ شمائل علي ( ع ) في القرآن والسنة، تأليف: طالب السنجري، مجمع البحوث الإسلامية ـ بيروت ـ ط. 1414هـ ـ 1994م.
28ـ الشيعة والتشيع، تأليف: أحمد الكسروي تحقيق د. ناصر القفاري والشيخ سلمان بن فهد العوده .
29ـ الشيعة والتصحيح، تأليف: د. موسى الموسوي، ط. 1408هـ ـ 1978م.
30ـ الشيعة في عقائدهم وأحكامهم، تأليف: السيد أمير محمد الكاظمي القزويني دون إشارة إلى جهة الناشر .(172/243)
31ـ الشيعة في الميزان، تأليف: محمد جواد مغنية، دار الجواد، دار التيار الجديد ـ بيروت ـ ط. 1409هـ ـ 1989م.
32ـ الشيعة هم أهل السنة، تأليف: د. محمد التيجاني السماوي، مؤسسة الفجر ـ لندن .
33ـ عقائد الإمامية، تأليف: الشيخ محمد رضا المظفر، بدون ناشر .
34ـ عقائد الإمامية الاثني عشرية، تأليف: السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ـ ط. 1413هـ ـ 1992م.
35ـ عدة الأصول، تأليف: محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: محمد مهدي نجف، سيد الشهداء ، نشر مؤسسة آل البيت، ط. 1983م.
36ـ علل الشرائع، تأليف: الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بابويه القمي، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية ـ النجف، دار إحياء التراث العربي ـ ط. 1385هـ ـ 1966م.
37ـ عيون أخبار الرضا، تأليف: محمد بن علي بن الحسين بابويه القمي، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن، منشورات الأعلمي ـ طهران .
38ـ الغارات، تأليف: إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي، تحقيق: السيد جلال الدين .
39ـ فاسألوا أهل الذكر، تأليف: د. محمد التيجاني السماوي، مؤسسة الفجر ـ لندن ـ ط. 1412هـ ـ 1991م.
40ـ فروع الكافي، تأليف: أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، تحقيق: الشيخ محمد جواد الفقيه، فهرسة وتصحيح: د. يوسف البقاعي، دار الأضواء ـ بيروت ـ ط. 1413هـ ـ 1992 م.
41ـ فرق الشيعة، تأليف: الشيخ الحسن بن موسى النوبختى ـ دار الأضواء بيروت ـ ط. 1404هـ ـ 1984م.
42ـ الفصول المهمة في تأليف الأمة، تأليف: الإمام عبد الحسين الموسوي، دار الزهراء ـ بيروت ـ ط. 1397هـ ـ 1977م.
43ـ فضائل أهل البيت المسمى بصائر الدرجات، تأليف: محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، تقديم: الحاج ميرزا محسن، مؤسسة النعمان ـ بيروت ـ ط. 1412هـ ـ 1992م.(172/244)
44ـ كشف الأسرار، تأليف: روح الله الخميني، تقديم: د. محمد أحمد الخطيب، دار عمار ـ عمان ـ الأردن، ترجمة: د. محمد البنداري، ط. 1408هـ ـ 1987م.
45ـ كتاب الخصال، تأليف: محمد الحسين ابن بابويه القمي، نشر مكتبة الصدوق ـ طهران، ط. 1389هـ
46ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة، تأليف: علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي، دار الأضواء ـ بيروت ـ ط. 1405هـ ـ 1985م.
46ـ الكنى والألقاب، تأليف: الشيخ عباس القمي، مطبعة العرفان ـ صيدا ـ بيروت، ط. 1358هـ، وط. مكتبة الصدر ـ طهران.
47ـ لماذا اخترت مذهب الشيعة، تأليف: الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت .
48ـ مبادئ الوصول إلي علم الأصول، تأليف: جمال الدين الحلي، تحقيق عبد الحسين محمد البقال، دار الأضواء ـ بيروت ـ ط. 1406هـ ـ 1986م .
49ـ مجمع البيان في تفسير القرآن، تأليف: الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي، منشورات دار مكتبة الحياة ـ بيروت .
50ـ المراجعات، تأليف: الإمام السيد عبد الحسين الموسوي، مؤسسة الوفاء ـ تقديم: السيد حسن الشيرازي .
51ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر، تأليف: علي بن الحسين المسعودي، دققها: يوسف أسعد داغ، دار الأندلس .
52ـ المسائل الإسلامية، تأليف: الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي، ط. 1402هـ
53ـ مسائل وردود طبقا لفتاوي السيد أبوالقاسم الموسوي الخوئي، جمعه: محمد جواد الشهابي مؤسسة العروة الوثقى، ط. 1412هـ ـ 1991م.
54ـ معجم رجال الحديث، تأليف: أبو القاسم الخوئي، مدينة العلم ـ بيروت ط. 1403هـ
55ـ معالم المدرستين، تأليف: السيد مرتضى العسكري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ـ ط. 1406هـ ـ 1986م.
56ـ مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه " الشيعة والتصحيح "، تأليف: د. علاء الدين السيد أمير القزويني، مكتبة الألفين ـ الكويت ـ ط. 1414هـ ـ 1993م.(172/245)
57ـ مع الصادقين، تأليف: محمد السماوي، مؤسسة الفجر ـ لندن ـ ط. 1412هـ ـ 1991 م.
58ـ من لا يحضره الفقيه، تأليف: محمد بن علي ابن بابويه القمي، تحقيق: الشيخ محمد جواد الفقيه، فهرسة د. يوسف البقاعي، دار الأضواء ـ بيروت ـ ط. 1413هـ ـ 1992م.
59ـ نقض كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر، تأليف: السيد أمير محمد الكاظمي القزويني، بدون ناشر .
60ـ نهج البلاغة، جمع: الشريف الرضي، شرح: الإمام محمد عبده، مكتبة الألفين ـ الكويت ـ ط. 1410هـ ـ 1990م.
61ـ هذه هي الوهابية، تأليف: محمد جواد مغنية، دار الجواد ـ بيروت ـ ط. 1403هـ ـ 1983م.
62ـ وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة، تأليف: الإمام محمد بن الحسن العاملي، تحقيق: الشيخ عبد الرحيم الشيرازي، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ ط. 1403هـ ـ 1983م.
ـ فهرس الموضوعات ـ
المقدمة...................................................................1
التمهيد...................................................................4
ـ الباب الأول ..........................................................
أولاً: تقسيم الصحابة بين أهل السنة والرافضة الاثني عشرية....................5
تعريف الصحابي والمنافق...................................................7
ثانياً: التقسيم الحقيقي للصحابة في اعتقاد الرافضة الاثني عشرية ................8
ثالثاً: الرد على تقسيم الشيعة الاثني عشرية للصحابة ..........................10
الرد على تقسيم الشيعة للصحابة من أقوال أئمتهم ...........................18
ـ الباب الثاني: ..........................................................
أولاً: الرد على التيجاني في موقفه من الصحابة في صلح الحديبية ...............21
ثانياً: الرد على التيجاني في موقفه من الصحابة في رزية يوم الخميس ............33(172/246)
ـ فضائل ومناقب عمر بن الخطاب من كتب الشيعة الاثني عشرية .............40
ثالثاً: الرد على التيجاني في موقفه من الصحابة في سرية أسامة رضي الله عنه .....53
ـ الباب الثالث: ...........................................................
الرد على التيجاني بادعائه أن القرآن يذم الصحابة .............................69
أولاً: استدلاله بالآية الأولى على ذم الصحابة والرد عليه في ذلك ................70
ثانياً: استدلاله بالآية الثانية على ذم الصحابة والرد عليه في ذلك ................78
ـ رأي علي بن أبي طالب وأولاده في الشيعة.................................90
ـ الرد على التيجاني باستدلاله بآية أخرى على ذم الصحابة....................94
ـ فضائل الصحابة من كتب الشيعة الاثني عشرية.............................101
ثالثاً: استدلاله بالآية الثالثة على ذم الصحابة والرد عليه في ذلك.................103
ـ الباب الرابع: ...........................................................
ـ الرد على التيجاني بادعائه أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يذم الصحابة ....................107
أولاً: استدلاله على أن حديث الحوض يذم الصحابة والرد عليه في ذلك..........107
ثانياً: استدلاله على تنافس الصحابة على الدنيا ................................12
بحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والرد عليه في ذلك
ـ الباب الخامس: .........................................................
ـ الرد على التيجاني بادعائه أن الصحابة يذم بعضهم بعضاً....................129
أولاً: استدلاله على حديث أبي سعيد الخدري والرد عليه في ذلك...............129
ثانيا: ادعاؤه أن الصحابة غيّروا في الصلاة والرد عليه في ذلك...................132
ثالثاً: ادعاؤه أن الصحابة يشهدون على أنفسهم والرد عليه في ذلك..............137(172/247)
ـ الباب السادس: .........................................................
ـ مبحث مطاعن التيجاني في الخليفة الأول أبي بكر الصديق ..................141
والرد عليه في ذلك
أولاً: الرد على التيجاني بادعائه أنّ أبا بكر يشهد على نفسه....................142
ثانياً: موقفه من أبي بكر في قضية فاطمة وفدك والرد عليه في ذلك..............149
ثالثاً: موقفه من أبي بكر في مبحث محاورة مع عالم والرد عليه في ذلك...........195
رابعاً: موقفه من أبي بكر في مبحث أسباب الإستبصار والرد عليه في ذلك........214
خامساً: ادعاؤه أن علياً أولى من أبي بكر بالاتباع والرد عليه في ذلك............237
سادساً: ادعاء التيجاني أن أبا بكر خالف سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ........................262
في قتاله مانعي الزكاة والرد عليه في ذلك
ـ الاستدلال من كتب الشيعة على قتال مانعي الزكاة.........................264
سابعاً: موقف التيجاني من أبي بكر في قضية خالد بن الوليد....................274
والرد عليه في ذلك
ـ موقف التيجاني من خالد بن الوليد والرد عليه في ذلك .....................274
ـ الباب السابع: ..........................................................
ـ مبحث مطاعن التيجاني في الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ..................292
والرد عليه في ذلك
أولاً وثانياً وثالثاً: الرد على التيجاني في موقفه من .............................293
عمر بن الخطاب في صلح الحديبية ورزية يوم الخميس وسرية أسامة
رابعاً: الرد على التيجاني بادعائه أن عمر يخالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم .......................294
خامساً: ادعاء التيجاني على عمر بالجهل والرد عليه في ذلك....................301
سادساً: الرد على التيجاني بادعائه أن عمر يشهد على نفسه....................325(172/248)
سابعاً: موقفه من عمر في مبحث محاورة مع عالم والرد عليه في ذلك.............327
ثامناً: الرد على التيجاني في موقفه من عمر في أمر الخلافة.......................332
ـ الباب الثامن: ...........................................................
ـ مبحث مطاعن التيجاني في الخليفة الثالث عثمان بن عفان ..................336
والرد عليه في ذلك
أولاً وثانياً: الرد على التيجاني في موقفه من عثمان ............................336
في حديث التنافس على الدنيا وفي اتهامه له بتغيير سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ثالثاً: ادعاء التيجاني بأن الصحابة أجمعوا على قتل عثمان والرد عليه في ذلك.....336
ـ الباب التاسع: ..........................................................
ـ مبحث مطاعن التيجاني في أم المؤمنين ....................................354
عائشة بنت أبي أبي بكر والرد عليه في ذلك
أولا : الرد على التيجاني بادعائه أن عائشة أول من غير في الصلاة...............354
ثانيا: ادعاء التيجاني على عائشة في الفتنة و الرد عليه في ذلك...................354
ـ الباب العاشر: ..........................................................
ـ مبحث مطاعن التيجاني في طلحة و الزبير و الرد عليه في ذلك...............380
أولا و ثانيا : الرد على التيجاني في ادعائه على طلحة و الزبير في................380
مبحث التنافس على الدنيا و أنهما شاركا في الخروج على عثمان و حصاره.
ثالثا : ادعاء التيجاني على طلحة و الزبير ....................................380
أنهما يشهدان الزور و الرد عليه في ذلك
ـ الباب الحادي عشر : ...................................................
مبحث مطاعن التيجاني في معاوية بن أبي سفيان و الرد عليه في ذلك ...........383
أولا: ادعاء التيجاني أن عمر بن الخطاب .....................................383(172/249)
قد لان مع معاوية والرد عليه في ذلك
ثانيا: ادعاء التيجاني على معاوية بأنه أمر بسب علي...........................388
وأنه ليس من كتبة الوحي و الرد عليه في ذلك
ثالثاً: ادعاء التيجاني أن سبب قتل حجر بن عدي .............................393
على يد معاوية استنكاره لسب علي والرد عليه في ذلك
رابعاً: ادعاء التيجاني أن الحسن البصري طعن في معاوية والرد عليه في ذلك......394
خامساً: الرد على فهم التيجاني السقيم لأحداث الفتنة بين علي ومعاوية.........396
سادساً: ادعاء التيجاني أن معاوية سمّ الحسن بين علي والرد عليه في ذلك........404
سابعاً: ادعاء التيجاني على معاوية أنه حوّل الخلافة............................405
من الشورى إلى ملكية قيصرية والرد عليه في ذلك
ـ الباب الثاني عشر: ......................................................
ـ مبحث مطاعن التيجاني في أبي هريرة والرد عليه في ذلك....................410
أولاً: ادعاء التيجاني على أبي هريرة أنه يروي عن.............................410
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث موضوعة والرد عليه في ذلك
ـ فضائل و مناقب أبي هريرة من كتب الشيعة الاثني عشرية...................415
ـ الباب الثالث عشر: .....................................................
ـ المبحث الأخير ـ متفرقات ـ ...........................................420
أولاً:ادعاء التيجاني وجود النصوص التي توجب ..............................420
اتباع علي و الرد عليه في ذلك
ثانياً: ادعاء التيجاني وجود النصوص التي توجب ..............................438
اتباع أهل البيت و الرد عليه في ذلك
ثالثاً: ادعاء التيجاني على البخاري بأنه يفرد...................................451
علياً بالصلاة و السلام و الرد عليه في ذلك
رابعاً: ادعاء الرافضة أن الأئمة الأربعة أخذوا العلم ............................455(172/250)
عن جعفر الصادق و الرد عليهم في ذلك
خامساً: إنكار الرافضة لوجود فرقة من الشيعة تدّعي أن الرسالة ................457
نزلت لعلي وليس لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وفرقة تدّعي ألوهية عليه والرد عليهم في ذلك
سادساً: ادعاء التيجاني والخوئي أن القرآن الذي عندهم .......................463
هو نفسه الذي عند السنة والرد عليهما في ذلك
سابعاً: حجّتهم في إضافة ( علي ولي الله ) في الأذان والرد عليهم في ذلك........471
ثامناً: حجّة الرافضة في الضرب واللطم في ذكرى..............................474
مقتل الحسين رضي الله عنه والرد عليهم في ذلك
تاسعاً: ادعاء الرافضة أن التوسل بالقبور ليس شركاً والرد عليهم في ذلك.........477
عاشراً: بيان معنى حديث افتراق الأمة........................................480
الحادي عشر: تحريفه لحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والرد عليه في ذلك....................481
الثاني عشر: طعنه بعبد الله بن عمر و الرد عليه في ذلك .......................483
الثالث عشر: ادعاؤه استبدال الصحابة المنقلبين ...............................485
بالصحابة الشاكرين و الرد عليه في ذلك
الرابع عشر: تعريف التيجاني لمصطلح أهل السنة ..............................486
و الجماعة بـ(معاوية) و الرد عليه في ذلك
الخامس عشر: ادعاء التيجاني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نص على ........................488
أن الأئمة الإثنا عشر بعددهم و أسمائهم و الرد عليه في ذلك
السادس عشر: ادعاء التيجاني بأن الصحابة قتلوا علياّ و الرد عليه في ذلك .......490
السابع عشر: تحريفه لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم و بيان ذلك .............................491
الثامن عشر: ادعاء التيجاني بأن اختلاف الأئمة ...............................492
الأربعة يدل على مخالفتهم للقرآن و السنة والرد عليه في ذلك(172/251)
أخيرا: الرد عليه في مبحث (هدى الحق) .....................................493
المراجع ...................................................................497
تنبيه
لعل القارئ الكريم شيعياً كان أو سنياً سيلحظ من خلال قراءته لكتابنا هذا نوع شدة في الأسلوب وحدة في العبارة، وعذري في ذلك أن المؤلف التيجاني قد تعدّى على صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكذب فظ وبتحامل جارح، فأرجو من القارئ أن يعذرني في ذلك.(172/252)
رسالة
من سنية إلى شيعة
أم عمار آل عبد الحميد
http://www.albrhan.com
1) الإهداء...:-
(( رسالة من محبة ))
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى السميّة الغالية، والصديقة الوفيّة..
إلى من عرفتها شعلةً من الهداية والتُقى..
وصوتاً للحق ومنبراً له، إلى من قنتت لربها..
وابتهلت إليه بالدعاء أن يُذيق أبويها ما أذاقها من حلاوة الإيمان ولذة الهداية..
إلى الأخت الفاضلة المهتدية: س.ن.
أُهدي هذه الرسالة..
أختك المحبة المخلصة
أم عمار آل عبد الحميد
2) المقدمة:-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامين.. وبعد:
إليكِ أيتها الأخت العاقلة.. أيتها الفتاة الراشدة.. أيتها المؤمنة بالله رباً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، والمتخذة شرعة الإسلام منهجاً وسلوكاً قويماً..
إليكِ أختاه! أكتب هذه الكلمات التي بثثت فيها شيئاً من أشجاني، وكتبتها إليكِ من مكنون قلبي.. مدادُها حبي ووفائي، وورقها صفحات قلبكِ الناصعة؛ أملاً أن تنتقش عليه أحرفي، وترتسم فيه كلماتي؛ فقد عهدتك صادقة الود معي.. طاهرة الجنان تُجاهي..
أُختاه! عرفتكِ أثناء دراستي معكِ باحثةً عن الحق..
عهدتكِ نابهةً عاقلة لا تقبلين غير كتاب الله، وصحيح سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بديلاً، ولا تبغين عنهما تحويلاً.(173/1)
أُختي الغالية: إني أكتبُ إليكِ هذه الأسطر وكلي أملٌ أن تقع كلماتي موقعها الصحيح في زاوية قلبك الكبير؛ لتقفي معي موقف المصارحة.. مصارحة الحبيب لمن يحب، وما أجمل إن رأيتِ مني خطأً أن تُسدديه، وإن رأيتُ عليكِ شائنةً أن أُبيِّنها لكِ! فالمؤمنة مرآة لأختها المؤمنة: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة:71].
ما أجمل المصارحة! وما أجمل أن أكتب لكِ مشاعري نحوكِ! هذا في الود والصفاء، فكيف بالعقيدة والدين؟!
لا شك أن الأمر آكد وأوثق، ووالله وبالله وتالله من أجل هذا كتبت، فقد رأيتكِ في عموم الكلام تجهرين، وعن الدين والمعتقد تُمسكين وتهمسين!! لِم أختاه؟ أليس هو الدين الحق الذي يجب علينا إظهاره والاعتزاز بالانتساب إليه؟!!
نعم أختاه: وصل الحال إلى هذا.. تخيلي!!
والآن أستأذنك في قراءة رسالتي هذه، عسى أن تكون قنديلاً يضيء ليذكركِ تلك الجلسات على بوابات الكلية وأقبيتها وأفنيتها، وفي مدرجاتها وصالاتها، فكم كنتِ تسترين عني وتُخفين.. وها أنا الآن أجهر لكِ بأحرفي وكلماتي سائلة الله العلي القدير أن يفتح عليَّ وعليكِ بالحق وهو خير الفاتحين، قال جلّ في عُلاه: ((وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)) [طه:82].
أختكم المحبة المخلصة
أم عمار آل عبد الحميد
Um-ammar@gawab.com
21/7/1423هـ
3) الوقفة الأولى:-
- التفكر بالعقل وأهميته:(173/2)
أختي الفاضلة: مما لا شك فيه أن للعقل مكانة عالية، ولا غرو فقد وردت مادته في القرآن تسعاً وخمسين مرة كلها يفيد أن انتفاء العقل مذمة وكماله مدح.. هذه سوى ذكر مرادفاته، كالألباب والأحلام والحجر؛ وذكر أعماله، كالتفكر والتذكر والتدبر والنظر والاعتبار والفقه والعلم؛ فهذه الأعمال العقلية لا تكاد تخلو من ذكرها سورة من كتاب الله تعالى، ويرد ذكرها على أنها أوصاف مدح وكمال للمتصف بها، وأن انتفاءها أو نقصانها مذمة شرعية.
وهذا يدل على رفع الإسلام من شأن العقل وتكريمه له واحتفائه به، كيف لا وقد جعله مناطاً للتكليف وشرطاً لقيام الحجة؟!
كما يدل على عناية الإسلام الفائقة بمكانة العقل، محاربته وتحريمه لكل ما من شأنه أن يُعطله أو يضعفه كالخمر وما في حكمه؛ أو يحول بينه وبين أدائه لوظيفته التي خلقه الله من أجلها، كالتقليد الأعمى، واتباع الهوى، والتعصب لغير الحق. كما حرّم ما ينافيه من الأوهام الباطلة والخرافات، كالتشاؤم والكهانة والسحر والشعوذة وما جرى مجرى ذلك.
أختاه! لو نظرتِ نطرة سريعة وإطلالة عابرة في آيات كتاب الله فإنكِ ستجدين ما ذكرناه آنفاً مجسداً بيناً واضحاً، اقرئي معي قوله سبحانه عن الكفار في نار جهنم وهم ينفون عن أنفسهم العقل بعد دخولهم النار: ((وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)) [الملك:10].
وقال سبحانه مبكتاً من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) [البقرة:44].
أختاه! لقد أردف الله تعالى بعد قوله: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)) [البقرة:170].(173/3)
أردفها بقوله سبحانه: ((وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [البقرة:171].
أختي! الآية واضحة بينة المحجة لمن تدبرها، ولقد بين سبحانه سبب معاندة المشركين ورفضهم الحق واتخاذه هزواً ولعباً، فقال عز وجل: ((وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:58].
وبيَّن الله حال الذين كفروا وكذبهم على الله تعالى بنفي العقل عن أكثرهم، فقال سبحانه: ((وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:103].
أيتها الأخت العاقلة: إن الله تبارك وتعالى جعل عقاب من لا يعقل -وهو أهل لذلك- أن يجعل عليه عذاباً، إذ إنه استحب الضلالة على الهداية وتعامى وتغافل وعطل عقله وتفكيره، فقال جل شأنه: ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)) [يونس:100] بل الله جل في علاه خص تفصيل آياته لمن يعقل ويعي الخطاب، فقال: ((كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) [الروم:28].
أخيراً أختاه: تأملي نهي الله هذا ثم انتهي! قال جل شأنه: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)) [الأنفال:21-22].(173/4)
وتذكري قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) [الأنفال:24-25].
4) الوقفة الثانية:-
- التوحيد أولاً:
أخيتي الغالية: لا شك أنك قد اطلعتِ على صفحاتٍ من كتب المذهب عندكم.. ولكن هل وجدتِ التوحيد الذي قرره القرآن الكريم أم وجدتِ غير ذلك؟
دعيني أخية أذكر لك بعض ما وجدته أنا فيها.. ولن أُطيل بل سأكتفي بذكر أنموذجين فقط!!
مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب (3/35) الفردوس، طاووس، عن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خبر: (يا بن عباس! والذي بعثني بالحق نبياً إن النار لأشد غضباً على مبغضي علي منها على من زعم أن لله ولداً).
جاء في كتاب عيون أخبار الرضا (1/287): حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: قرأت كتاب أبي الحسن الرضا عليه السلام: (أبلغ شيعتنا أن زيارتي تعدل عند الله ألف حجة، قال: فقلت لأبي جعفر عليه السلام ابنه: ألف حجة؟! قال: إي والله، ألف ألف حجة لمن زاره عارفاً بحقه).
فالرواية الأولى: هدمت كل معاني التوحيد والفطرة في قلب كل مؤمن! وعليٌ وبنوه رضوان الله عليهم في غنىً عن هذا الغلو المفضي إلى الإشراك بالله تعالى وتقدس.(173/5)
والرواية الثانية: هدمت مقدسات الله ومعانيها السامية، وتوحيد الله في أعمال وأقوال المؤمن لتصرفه إلى تقديس قبور الأولياء والصالحين والحج إليها من دون شعائر الله، والله يقول: ((كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)) [الحج:22].
نعم.. إنكِ في القرآن تجدين سورة للحج ولا تجدين فيه سورة للقبور والمشاهد!!
أختاه! تذكري حال الأمة قبل مبعث إمام الموحدين عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ لقد كانوا في جاهلية جهلاء وظلمات ظلماء، وتيه في مفازات الهلاك، وانغماس في جهالات الضلال! عقائد متهافتة.. فذاك يعبد إلهاً من حجارة، وآخر يصنعه بيده من العجوة!! يدعون غير الله، ويأتمرون بأوامر الشيطان زيّن لهم أعمالهم!
ومن أوساط هذا الزخم الشركي وهذه الظلمات: يخرج الله دعوة الحق على أيدي أنبيائه عليهم السلام بنداء عبادة الله وحده واجتناب الطاغوت: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)) [النحل:36].
والتوحيد -أختاه- هو الغاية من الخلق، وعليه نصب الله الجنة والنار، قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56] أي: ليوحدون، فجعل الله جلّ في عُلاه سر الخلق وسببه هو العبودية لله وحده لا شريك له، فهذا نداء الله لأصفيائه الكرام الذين اختارهم الله لحمل رسالاته يناديهم ويصفهم بهذا الوصف الدال على التوحيد الخالص وهو العبودية لله تعالى، فيقول سبحانه: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى)) [الإسراء:1].
وقال جلّ شأنه: ((وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ)) [ص:45].(173/6)
وقال عن سليمان عليه السلام: ((وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)) [ص:44].
وقال عز وجل: ((فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)) [مريم:65].
وقال عن ملائكته: ((بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)) [الأنبياء:26].
أرأيتِ -أخيتي الغالية- كيف هي منزلة العبودية وحصرُها لله جلّ في عُلاه؟ فهي معنى لا إله إلا الله التي أفادت النفي والإثبات.. نفي الألوهية عما سوى الله، وإثباتها حصراً لله وحده.. فكان معناها: لا معبود بحقٍ إلا الله.
فالعبادة هي: الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة التي يحبها الله ويرضاها؛ والظاهر من الأعمال كالدعاء والذبح، والباطن من الأعمال كالخوف والرجاء والاستغاثة والتوكل.. وغيرها من العبادات العظيمة التي لا يجوز صرف شيءٍ منها إلا لله مع الإخلاص والبعد عن الرياء، قال سبحانه: ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [الزمر:3].
وقال عز وجل: ((فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)) [الزمر:2].
وقال تعالى: ((هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [غافر:65].
فأين من يدعو غير الله من الأموات والأحياء عن هذا في كتاب الله؟ أليس بعد هذا إلا الضلال المبين؟ قال سبحانه: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) [الأحقاف:5].
وقال تعالى: ((يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ)) [الحج:12].
فإن قال قائل جاهل بالتوحيد مُتلبس ببدعة الشرك: إنما أوردَ هنا في عبادة غير الله من الأصنام والحجارة؛ أما نحن فندعو من يسمع ويقرب إلى الله، مع كون أصل العبادة لله!(173/7)
قلنا له: هذا كلامٌ غير رشيد! ألم تقرأ وتتمعن في كتاب الله جل وعلا؟
ألم تعلم أن النهي عن دعاء غير الله جاء صريحاً على وجه العموم والتوضيح الصريح، فقال تعالى: ((فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) [الجن:18].
وكلمة (أَحَداً) نكرة، ومعلوم عند العلماء العقلاء أهل العربية أن النكرة إذا جاءت في سياق النفي أو النهي لا تفيد إلا العموم، قال جل شأنه: ((قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِي الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) [غافر:66].
كما أن الله عز وجل أنكر على المشركين التوسط بالأولياء والصالحين موضحاً أنهم عباد أمثالهم لا يملكون لأنفسهم جلب نفع أو دفع ضر! فضلاً أن يكشفوا عنهم ضراً أو يحوّلوا عنهم سوءاً!! بل إنهم مع قربهم منه جل وعلا يتقربون إليه بالخوف منه والرجاء لرحمته، قال تعالى في شأن الأنبياء والملائكة والصالحين: ((قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)) [الإسراء:56-57].
فهل هؤلاء أصنام؟
وقال سبحانه: ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)) [الزمر:3].
فما أشبه الليلة بالبارحة! فإن عامة الناس اليوم إذا أمرتهم بإخلاص الدعاء والعبادة لله وحده وترك دعاء الأولياء والصالحين، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى!!(173/8)
فهذا -أختاه- بيان قد أبان لكل ذي بصر وعقل أن دعاء غير الله الواحد الأحد منافٍ لدين الإسلام وهو عين الشرك برب العالمين، قال تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً)) [الجن:20].
وقال سبحانه: ((وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ)) [القصص:87]
وقال تعالى: ((ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا)) [غافر:12].
فما هو مشهد هؤلاء المشركين عندما تتجلى الأمور يوم الدين؟
اقرئي معي قوله تعالى: ((وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ)) [النحل:86].
ثم أتبع ذلك بتبرئهم من شركهم؛ فيقول سبحانه عنهم: ((تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ)) [القصص:63].
فيا حسرة من أشرك بالله معه غيره يومئذٍ! وصدق الله العظيم: ((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)) [الأعراف:37].
أخيتي: ماذا عن واقعنا الذي نعيشه الآن؟ هل يُحقق فيه إخلاص التوحيد لله تعالى؟
فهذه عند المصيبة تندب وتصرخ بدعاء غير الله؛ فتقول: يا فاطمة! يا زهراء! يا معصومة!
وهذه عند الولادة تدعو علياً وكأنه معها ويسمعها!
وهذه كادت أن تتعثر، فتقول: يا علي!
وهذه تُعبّدُ أسماء أبنائها لغير الله؛ فتسمي: عبد الحسين! وعبد الزهراء! وعبد الرضا!(173/9)
أُختاه: هل هذا من التوحيد؟ والسؤال هنا: إذا أصابك الكرب.. هل يقدر الله على كشفه أم لا يقدر؟ وهل يعلم حالكِ ويسمع صوتك ويجيب صرختكِ أم لا؟ فكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً، قال تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) [النمل:62].
فالله هو القريب المجيب، وغيره لا يسمع ولا يجيب: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) [البقرة:186].
فتأملي معي قوله سبحانه: ((لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ)) [الرعد:14]، وقوله عز وجل: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)) [الزمر:38].
ومن يدعو من دون الله من الأموات، ألم يقرأ قوله تعالى: ((وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ)) [فاطر:14] وقوله عز وجل: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) [الأحقاف:5] وقوله جلَّ شأنه: ((وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوْا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ)) [القصص:64] وقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ)) [الأعراف:197].
أختاه: هل يستوي الأحياء والأموات؟(173/10)
أجاب الله عز وجل عن ذلك بقوله: ((وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)) [فاطر:22] وبقوله سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)) [النحل:20-21].
وهذه الآيات البينات تكشف أختاه شبهة من يقول من أهل الإشراك: إن هذه الآيات هي في الحجارة والأصنام بالذات!! فهل الحجارة تُبعث من القبور؟! فإن هذه الحجارة إنما هي تماثيل الصالحين وصورهم، وفي قوله تعالى: ((وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)) [نوح:23] دليلٌ واضح على ذلك؛ فهؤلاء أُناسٌ صالحون لما ماتوا جاء الشيطان بهذا الشرك لقوم نوح فمثلوا تماثيل بصورهم وعبدوهم من دون الله!!
تأملي معي رعاكِ الله هذه الآيات، قال الله تعالى: ((قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [الأعراف:188] وقال تعالى: ((وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً)) [المائدة:41] وقال تعالى عن الأولياء: ((فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً)) [الإسراء:56] وقال سبحانه: ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)) [فاطر:13].
بل اقرئي الآيات التي بيَّن الله عز وجل فيها الفرق بين الخالق والمخلوق، وأن الدعاء لا يكون إلا للخالق، كما قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ)) [النحل:20](173/11)
وفي هذا إشارة إلى أن الذي لا يخلق شيئاً وهو مخلوق، لا ينبغي دعاؤه حتى لو كان نبياً أو ولياً أو صالحاً، وإنما ينبغي دعاء الخالق الذي لم يُخلق وهو الله سبحانه وتعالى.
وقال سبحانه مشيراً إلى دعاء رب العباد وترك دعاء العباد أيَّاً كانوا: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ)) [الأعراف:194].
وهذا يدلكِ دلالة واضحة على أن الشرع إنما يأمر بدعاء الله وحده، وهذا هو المنهج القرآني وسبيل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
وبعد:
فقد حرّم الله الجنة على المشركين حتى يتوبوا إلى الله بالتوحيد، قال تبارك وتعالى: ((إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)) [المائدة:72].
وكتب على أهله أن لا يغفر الله لهم إذا ماتوا عليه، فقال عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)) [النساء:48].
فحذارِ حذارِ أُختي الغالية من هذا الذنب الكبير والظلم العظيم: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان:13].
طهِّري قلبكِ من علائق الشرك ودنس العبودية لغير الله، ومحبة الله إنما هي باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه وتعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [آل عمران:31].
وإياكِ إياكِ أن تكوني في زمرة الأشقياء الذين ورثوا الضلال والشقاء عن الأجداد والآباء الذين يقولون عن حسرة الاقتداء: (( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)) [الزخرف:23].(173/12)
وعليكِ غاليتي بالقرآن الكريم، والنور المُبين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد، هل ترين فيه قبور أنبياء وأولياء؟ هل ترين دعاء غير الله؟ هل ترين الحث على المزارات والعكوف عندها؟ هل ترين طلب الحاجات من الأولياء؟ هل ترين الاستغاثة بالمعصومة وبزينب وبالحسين و.. و...
فيا صاحبة العقل الكبير: ألا من توبة وأوبة ورجعة إلى الله الواحد القهار؛ قال تعالى وهو أرحم الراحمين: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) [الفرقان:68-70].
فبادري بالتوبة من الشرك والبدع والتوجه لغير الله.
عجلي بتوحيد الله.. فلا غفران مع الشرك، قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء:48]
((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)) [الطلاق:2-3].
- وقفة تأمل:
أختاه! تأملي في الآيات الآتية؛ ورددي تلاوتها، وتدبري في معانيها.
قال الله تعالى: ((إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)) [الأنبياء:98].
((لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ)) [الأنبياء:99].(173/13)
((لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ)) [الأنبياء:100].
((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)) [الأنبياء:101].
((لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ)) [الأنبياء:102].
أختاه! من هم الذين سبقت لهم الحسنى؟
أختاه! هنا ذكر الله حقائق ثابتة بنص القرآن، والواقع يشهد أن طوائف من البشر تعبد الأنبياء والصالحين! تعبدهم من دون الله ومع الله عز وجل، وقد حكم الله سبحانه بدخول من أشرك به النار مع آلهته المزعومة، ولما كان في المعبودين من لا يرضى أن يعبد مع الله وينهى عن الشرك كله.. وهم أئمة التوحيد الداعين إليه: بَيَّن الله سبحانه نجاتهم وإبعادهم عن النار، وهؤلاء هم الذين سبقت لهم الحسنى.
أختاه! الآيات صريحة الدلالة! فأين التدبر لمعانيها؟!
علينا أن نسأل الله التوفيق والسداد وأن يهدينا سبيل الرشاد.
5) الوقفة الثالثة:-
- حالنا مع القرآن الكريم:
أختاه: لقد أكرمنا الله تعالى بأن جعلنا من أُمةِ أفضلِ الأنبياء والمرسلين، وأكرمنا بإنزال خير كُتبه في العالمين، وخصَّنا من بين الأمم بذلك؛ قال سبحانه وتعالى: ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [المائدة:15-16].(173/14)
إنه العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، فهو شفاءٌ لما في الصدور، والحَكم العدل عند شبهات الأمور، وهو الكلام الجزل، وهو الفصل ليس بالهزل، سِراجٌ لا يخبو ضوءه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يدرك غوره، بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل منقول، بهر حُسن ارتباط أواخره بأوائله، وأعجزت بديع إشاراته وعجيب انتقالاته، من قصصٍ باهرة إلى مواعظ زاجرة وأمثال سائرة، ومواقع تَعجُّبٍ واعتبار، ومواطن تنزيه واستغفار، إن كان الكلام ترجيةً بسط، وإن كان تخويفاً قبض، وإن كان وعداً أبهج، وإن كان وعيداً أزعج، وإن كان دعوة جذب، وإن كان زجراً أرعب، وإن كان موعظة رأف، وإن كان ترغيباً شوّق، فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وصرفه بأبدع معنىً وأعذب أسلوب؛ فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبره واصطفاه للتذكير به وتذكُّره.
أختاه! إن هذا القرآن أنزله الله ليكون منهج حياة؛ هي خير حياة وأسعدها، ومرشداً إلى سبيل هي أقوم سبيل وأنجحها: ((فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) [طه:123-124].
أُخيتي: كلام ربنا بين أيدينا نزّهه الله عن الخطأ والزلل، وجعله فصلاً في كل زمان ومكان: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42].
فبهِ اتضح سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم، فهو الضياء والنور، وفيه الشفاء لما في الصدور؛ من تمسك به فقد هُدي، ومن عمل به فاز، جعل الله فيه وبه الهداية لمن شاء من عباده المتقين: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)) [البقرة:1-2].(173/15)
أختي الغالية: لقد وعد الله سبحانه أن يحفظ كتابه من عبث العابثين، وتحريف الغالين؛ قال جلّ في عُلاه: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
وإن من أسباب حفظه في القلوب والمصاحف؛ استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة والآداب الظاهرة، فهذا -أُختاه- ما أراده الله عز وجل من إنزال كتابه، أن نأتمر بأمره، وننتهي عند نهيه، ونصدق أخباره وما فيه من الإخبار بالغيب، ونتعظ ونعتبر من قصص الأمم الماضية، لا لنتخذه ظهرياً؛ فنؤمن ببعض ونكفر ببعض: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [ص:29].. ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد:24].
أُختاه! إن القرآن الكريم منهج حياة ودستور ونظام وشريعة الله إلى أهل الأرض، قضى أن لا يحتكموا إلا إليه، وأمر أن لا يؤمنوا إلا بما وافقه، وأن يُعرضوا عن زبالات أذهان الناس من الشرق ومن الغرب.. فهو الحكم العدل، كما قال سبحانه: ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) [المائدة:50].(173/16)
وقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً)) [النساء:60-62]
((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)) [النساء:63]
((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)) [النساء:64]
((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65].
إن الله قد جمع الهداية والفلاح في هذا الكتاب الكريم، فقال سبحانه: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً)) [الإسراء:9].
ففيه الشفاء: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)) [فصلت:44].(173/17)
إن آيات هذا الكتاب العظيم والسراج المنير قد أثرت في قلوب المشركين؛ وقلبتها من شركٍ إلى توحيد، ومن عصيان وطغيان إلى طاعة وعبادة؛ فهذا أحدهم يسمع النبي عليه الصلاة والسلام يتلو عند الكعبة آيات مما أوحى الله إليه، فيقول: (والله ما سمعتُ قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه) فأثرت كلمات القرآن في نفسه، وسرت إلى عقله وقلبه همسات دافئة هادئة تحمل هداية القرآن. وهذا رجل آخر كان جباراً في الجاهلية شديداً على المسلمين يومئذٍ، فلمّا سمع قوله تعالى: ((طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)) [طه:1-2] إلى قوله عز وجل: ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)) [طه:14] كسّرتْ تلك الآيات أعواد الشرك في قلبه، وأذابت صخور الجاهلية، وقال: (ما ينبغي لمن يقول هذا أن يُعبد معه غيره) فأصبح ذلك الرجل إذا سار في فجٍ سار الشيطان من فجٍ آخر، إنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أُختاه! ألم تتفكري وتتدبري في جامعة القرآن! كيف أخرجت جيلاً مُميزاً في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جمعاء؟
إنه جيل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم؛ هذا العدد النقي الصالح الذي لم يجتمع مثله بعد ذلك في مكانٍ واحد، وليس السبب في تجمعه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم قائم فحسب! ولكن ثمة سببٌ آخر: هو أن الصحابة رضوان الله عليهم استقوا من نبع القرآن، وتكيفوا به، وتخرجوا عليه، فكانوا يتلون القرآن للعمل به في أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه.
إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يُقبل عليه بهذه الروح، روح المعرفة المتمثلة في العمل به، وانظري مثال ذلك في حادثة (تحريم الخمر) من كُتب التفسير.
أما بعد.. أُختي الفاضلة:(173/18)
فهذا الدستور الخالد منذ يومه الأول وهو آخذ بروعته عقول الناس، مؤمنهم وكافرهم، فقد خضعت له أعناق كُبراء الجاهلية وأسيادهم، وطأطأتْ له رءوس البلاغة والأدب..، شهادة إكبار وقول حق واعتبار، قام له العالم كله ولم يقعد هيبة لمطلعه النوراني، فهو كلام رب الأرباب، الآخذ بالقلوب والألباب.. المهيمن على جميع الكتب.. المُنزل على خير الرسل.. المشرِع لخير الأمم؛ ولا غرو فقد شهد له بذلك الكافر! ونحن في غنى عن شهادته، فراجعي -أُختي- ما كتبه علماء الغرب والشرق في كتاب الله، وانظري على سبيل المثال كتاب: (قالوا عن الإسلام، لعماد خليل) لَتَريْ ما يهولكِ من اعترافات بصدق هذا الكتاب الخالد وقوةتأثيره وصداه عندهم!
ولكن أُختاه: ما حال مذهبكِ مع هذا القرآن العظيم؟
غاليتي: ليس غرضي من هذا السؤال التفرقة الطائفية! أو الفتنة المذهبية! أو من أجل التدليس الفردي! كلا والله، بل الأمر كلمات خرجت من القلب لتصل إلى القلب، ولتري نفسكِ -أُختاه- ومكانكِ تجاه كتاب الله تعالى؛ فتأخذي بيدي وآخذ بيدك لنحقق الوحدة الإسلامية المنشودة، انطلاقاً من كتاب الله تعالى أصل الأصول ودستور الحياة الخالد.
تعلمين -أختاه- ويعلم كل مسلم دور الحكومات الإسلامية في العالم واهتمامها بطباعة المصحف الشريف، ودور جامعاتها ومعاهدها ومدارسها بالعناية به، ولا يخفاكِ مسابقات القرآن الكريم العالمية، وحلقات التحفيظ الخاصة به، كل ذلك اهتماماً بكلام الله تعالى وتقدس، علاوة على إنشاء مؤسسات خاصة تشجع طباعته ودراسته وحفظه وتلاوته وتفسيره، ولنأخذ مثالاً وهو: الجامع الأزهر الشريف، بل الكلام عنه وعن اهتمامه بالقرآن قد يعتبر لغواً من الكلام! فهو غني عن التعريف، إنه جامع الأزهر، منارة القرآن وجامعة الحفاظ.. وقد خرَّج مئات الألوف من حفظة كتاب الله الذين علموا الدنيا كلها كيف يُرتل كتاب الله، وقد طبع الأزهر ملايين النسخ من القرآن خدمةً لكتاب الله.(173/19)
أما الدراسات التي تخدم القرآن وتُدافع عنه فهي أكثر من أن تُذكر، ويكفي أن تطلعي على فِهرس الدراسات العليا للأزهر؛ لتري ما يُذهلكِ! وأما جامعات المملكة وتونس وسوريا والمغرب ودول الخليج، وبقية دول العالم الإسلامي فهي غير خافية.
ولكن أُختي: ما هو الدور الذي أدَّاه مذهبك واعتقده علماؤه ومفكروه تجاه القرآن الكريم؟؟ وحتى أكون بعيدة عن الظلم والاستبداد، وقريبة من المصداقية والعدل، سأوثق كلامي وأحيله إلى مصدر مطلع على الأمور، لا على جاهل شاذ أحمل كلامه وأُعممه على الجميع، وسأسند نقلي إلى مؤسسات علمية دينية معتمدة، لا على أفراد قد يكونون مقصرين.
- وعلى ما سبق أقول والله المستعان:
يقول الدكتور جعفر الباقري وهو أستاذ في طهران في كتابه: (ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية) يقول: (من الدعائم الأساسية التي لم تلق الاهتمام المنسجم مع حجمها وأهميتها في الحوزة العلمية هو القرآن الكريم، وما يتعلق به من علوم ومعارف وحقائق وأسرار فهو يمثل الثقل الأكبر والمنبع الرئيسي للكيان الإسلامي بشكل عام، ولكن الملاحظ هو عدم التوجه المطلوب لعلوم هذا الكتاب الشريف، وعدم منحه المقام المناسب في ضمن الاهتمامات العلمية القائمة في الحوزة العلمية، بل وإنه لم يدخل في ضمن المناهج التي يعتمدها طالب العلوم الدينية طيلة مدة دراسته العلمية، ولا يختبر في أي مرحلة من مراحل سيره العلمي بالقليل منها ولا بالكثير، فيمكن بهذا لطالب العلوم الدينية في هذا الكيان أن يرتقي في مراتب العلم، ويصل إلى أقصى غاياته وهو "درجة الاجتهاد" من دون أن يكون قد تعرف على علوم القرآن وأسراره أو اهتم به ولو على مستوى التلاوة وحسن الأداء، هذا الأمر الحساس أدى إلى بروز مشكلات مستعصية وقصور حقيقي في واقع الحوزة العلمية لا يقبل التشكيك والإنكار). المرجع: [ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية، ص:109].(173/20)
ويقول آية الله الخامنئي المرشد الديني للجمهورية الإسلامية الشيعية: (مما يؤسف له أن بإمكاننا بدء الدراسة ومواصلتنا لها إلى حين استلام إجازة الاجتهاد من دون أن نراجع القرآن ولو مرة واحدة!! لماذا هكذا؟! لأن دروسنا لا تعتمد على القرآن). [نفس المرجع: ص110].
ويقول آية الله محمد حسين فضل الله: (فقد نفاجأ بأن الحوزة العلمية في النجف أو في قم أو في غيرهما لا تمتلك منهجاً دراسياً للقرآن). [نفس المرجع: ص111].
ويقول آية الله الخامنئي: (إن الانزواء عن القرآن الذي حصل في الحوزات العلمية، وعدم استئناسنا به أدى إلى إيجاد مشكلات كثيرة في الحاضر، وسيؤدي إلى إيجاد مشكلات في المستقبل، وإن هذا البعد عن القرآن يؤدي إلى وقوعنا في قصر النظر). [نفس المرجع:ص110].
ومما تقدم نقول مستفهمين: كيف تكون هناك جامعات دينية شرعية شيعية متخصصة تخرج الآيات العظام دون أن تدرسهم القرآن، ولو على مستوى التلاوة؟!! كيف يدرس الطالب من بداية دراسته وحتى يحصل على لقب (آية) وهو لم يتعلم القرآن ولو على مستوى التلاوة؟!!
هذا خلل عظيم قد أصاب الثقل الأكبر!!
وبعد هذا النقل أُختاه: ألم تتساءلي في نفسكِ عن سبب عدم اهتمام الشيعة بالقرآن؟
وفي الجواب الفادحة الكبرى والرزيَّة العظمى!! إنهم يرون أن هذا القرآن اليوم ليس هو الذي أُنزل على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بل هو مُحرَّف ومبدَّل ومغيَّر زِيَد فيه وأُنقص منه!! وأستغفر الله من هذا الاعتقاد الذي لا يقبله المسلم مهما كانت عقيدته ومذهبه!
نعم أُختاه: هذه الحقيقة التي ربما أن كثيرات منكن لا يعلمن عنها شيئاً!! أو إنهن يعلمن ولكنهن لا يردن أن يُصدِّقنَ! لهول هذا المعتقد الذي يهدم الثقل الأكبر ويُنهي معالمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهل يعقل أن يهتم الكفرة بكتاب ربنا، ونقول نحن: إنه كتابٌ محرف؟؟(173/21)
والآن إلى توثيق كلامي هذا من مصادرهم ومراجعهم المعتمدة وأقوال أكابر علماء الشيعة الثقات عندهم -والله المستعان-.
يقول الطبرسي: (1/377-378) في كتاب الاحتجاج: (ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرِّف وبدِّل وما يجري في هذا المجال لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء).
ذكر الكاشاني في مقدمة تفسيره الصافي: (1/32) بعد ذكر ما يفيد تحريف القرآن ونقصه من قبل الصحابة قال ما يلي: (المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة، منها: اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها لفظة آل محمد صلى الله عليه وسلم غير مرة، ومنها: أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وبه قال علي بن إبراهيم القمي) ا.هـ
قال الكاشاني أيضاً في الصافي (1/33): (لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن؛ إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً ومغيراً ويكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به.. إلى غير ذلك).(173/22)
قال المجلسي في مرآة العقول في شرح أحاديث الرسول [الجزء الثاني عشر، ص:525] أثناء شرحه لحديث هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم (سبعة عشر ألف آية)، قال عن هذا الحديث: (موثق في بعض النسخ هشام بن سالم موضع هارون بن سالم، فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر) ا.هـ.
ومعنى كلامه: كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف؟
قال الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية: (2/357) في كلامه حول القراءات السبع: (إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها).
ويزيد نعمة الله الجزائري في هذا الباب الكلام، فيقول في الأنوار أيضاً: (1/97): (ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة! فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد غيَّروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا؛ كتغييرهم القرآن، وتحريف كلماته، وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة الطاهرين، وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم، كما سيأتي بيانه في نور القرآن).(173/23)
قال أبو الحسن العاملي في مقدمة تفسيره: [مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، ص:36]: (اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغيرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لَمّا أنزله الله تعالى ما جمعه إلا علي عليه السلام وحفظه، إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه الصلاة والسلام، وهكذا إلى أن وصل إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه).
قال النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب (ص:31): (قال السيد الجزائري ما معناه: إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن).
قال المفيد في أوائل المقالات: [(ص:9)، دار الكتاب الإسلامي بيروت]: (إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه الظالمين -كذا كتبت- فيه من الحذف والنقصان).
قال العلامة الحجة السيد عدنان البحراني في كتاب: [مشارق الشموس الدرية: (ص:126)] بعد أن ذكر الروايات التي تفيد التحريف في نظره: (الأخبار التي لا تحصى كثيرة، وقد تجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين، بل وإجماع الفرقة المحقة، وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم).
وغيرها كثير جداً تركتها خشية الإثقال عليكِ بما لا تُحبين أن تسمعي عنه!!(173/24)
أختي الغالية: أرأيتِ؟ فأنا لم أتهم أحداً، ولم أتقوّل على أحدٍ. حاشا وكلا. بل هي عقيدة أخذتها من كتب علماء الشيعة ومُحدثيهم أصحاب الشأن، ودوري فقط هو النقل لبعض ما وجدته من كلام، ورأيته من أقوال في المصادر الشيعية حول هذا الاعتقاد الذي بمجرد عرضه يتبين لكِ يا صاحبة النظر الثاقب والفكر النير بطلانه، كيف لا؟ والله عز وجل يقول: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
فالله يقول: أنا أتكفل بحفظه، وتقول هذه العقيدة: بل ضَيَّع وما حفظ!! والله عز وجل يقول: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42] وهذه العقيدة تقول: بل أتاه الباطل من كل جانب!!
فسبحان الله! كيف وصل بهم الهوى إلى هذا الدرك البعيد، ولكن حق عليهم قول المولى سبحانه وتعالى عن القرآن: ((وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)) [الحاقة:48-52].
أختي: كم والله تعجبني تلك الفتاة التي أعملتْ فكرها بنفسها، وخلت مع كتاب ربها بعقلها، وتدبرت وتأملت بذاتها، واتّبَعت ما تبين لها أنه الصواب.
ولنستعن بالله ولنرفع أكفنا إليه ولنقُلْ: اللهم وفقنا إلى سبيل الهدى والرشاد، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
6) الوقفة الرابعة:-
- نساء لسن كالنساء:
نعم أختاه: إنهن نساء ولكنهن لسن كالنساء الأخريات، إنهنَّ نلنَّ شرفاً وتشريفاً بالغاً عظيماً، وشأناً ومكانةً كبيرةً.(173/25)
نعم.. إنهنَّ تميزنَّ عن نساء العالمين، اختارهن الله واصطفاهن ليكُنَّ زوجات لرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وصرن بذلك أفضل وأكمل من غيرهن، ولسن كسائر النساء، بل أحسن وأطيب وأكمل، قال تعالى: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ)) [الأحزاب:32].
فبزواج النبي صلى الله عليه وسلم منهن نلن تلك الفضيلة، وتبوأن تلك الدرجة السامية الباسقة الرفيعة، التي لم تتحقق لأحدٍ من النساء غيرهن رضي الله عنهن.
أخيتي: إن الكلام عن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطول ويفوح عطراً وشذا، ولكن لن أطلق العنان لقلمي، ويا له من جامح هنا، ولكني سأقتصر على مسألة لطالما كدرت أخواتي الكريمات العاقلات، ويا لها من مسألة تصك الأسماع، وتؤذي المؤمنين! ولكن لا بد من التعرض لها لتعلمي -أخية- أني لا أتجنى وأتقوَّل على أحد، ولكنها الحقيقة المرة!
لا يخفى عليكِ هنا معتقد الشيعة في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخص منهن رضوان الله عليهن: عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر.
فأقول: وقف الشيعة موقفاً شاذاً منحرفاً تجاه أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الطاهرات المطهرات الطيبات المكرمات.
وفيما يلي ذكر لبعض تلك المواقف مع مراعاة الاختصار:
لا أظنكِ -أخية- يخفى عليكِ الدعاء المسمى بدعاء صنمي قريش، وهو موجود في عدد من كتب الشيعة الموثوقة، ويدعون به إلى وقتنا الحاضر، وفيه: (اللهم... والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما...) إلخ.
ويقول المجلسي في كتابه: [حق اليقين، (ص:519)]: (وعقيدتنا في التبرؤ: أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة..، ومن النساء الأربع -وذكر منهن عائشة وحفصة-...).
وذكر هو كذلك في عين الحياة (ص:599) أن جعفراً الصادق -وحاشاه- كان يلعن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال، وأربعة من النساء.. يسميهم، وعائشة وحفصة.. إلخ.(173/26)
ويزعمون كما في كتاب الصراط المستقيم [للبياضي (3/168)] (أن عائشة وحفصة تآمرتا على أن يسما رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وهكذا قال المجلسي في كتابه حياة القلوب (2/700): (إن عائشة وحفصة لعنة الله عليهما وعلى أبويهما قتلتا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسم دبرتاه).
وذكر العياشي في تفسيره [2/269]: (أن التي ((وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً)) [النحل:92] هي عائشة نقضت إيمانها) أي: أنها ارتدت.
وقد جاء في كتب كثيرة من كتب علماء الشيعة تكفير عائشة وحفصة زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم ووصفهما بأبشع وأقبح الأوصاف.
فهذا البياضي في كتابه الصراط المستقيم (3/161) يعقد فصلين خاصين في عائشة وحفصة، وسمى الأول: فصل في أم الشرور، يعني: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ويلقبها فيه بالشيطانة، والفصل الآخر: في أختها حفصة.
وهذا الكلام القبيح ذكرني بإحدى الأخوات من المعلمات الفاضلات اللاتي دَرَّسنَ في مدارس الشيعة، فتقول: "في حجرة الرسم أحضرتُ للطالبات رسومات وكان من بينها صور لحشرات -ذباب- فإذا بطالبات في الخلف يهمسن ثم يرتفع صوتهن بالضحك، وبعد التحقق من أمرهن وجدت أنهن يقلدن أهلهن في تسمية عائشة المصونة أم المؤمنين زوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (أم الذبان)!! وذلك حسب إفادتهن هداهن الله".
فهل هذا يوافق ما جاء في القرآن الكريم من مكانتهن وعظيم شرفهن؟!(173/27)
فتأملي معي أختاه: إن النبي عليه الصلاة والسلام قد خيرهن بين البقاء في هذه المنزلة، وهي شرف الاقتران به في الدنيا والآخرة، وإن قلَّ العيش في الدنيا وضاق الرزق، وبين متاع الدنيا الزائل وزينتها، فلم يردن شيئاً غير البقاء معه صلى الله عليه وآله وسلم، وآثرن ذلك على الدنيا ومتاعها وزينتها، قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)) [الأحزاب:28-29].
فلم يخترن رضي الله عنهن غير الله ورسوله والدار الآخرة، وكن خير زوجات لخير زوج مؤمنات قانتات عابدات صالحات، فآتاهن الله أجرهن مرتين، وأعد الله لهن الرزق الكريم، والثواب الجزيل المضاعف، قال الله تعالى: ((وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً)) [الأحزاب:31]
وعندما نتأمل قول الله تبارك وتعالى: ((وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)) [النور:26] نعلم عظيم قدر أزواج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو الطيب المطيب، ونساؤه الطيبات، بل هو عليه الصلاة والسلام خير الطيبين وأفضلهم، ونساؤه خير الطيبات وأفضلهن، ولم يكن الله ليختار لنبيه عليه الصلاة والسلام إلا خير النساء وأفضلهن.
وتأملي معي -أخية- الإضافة في قوله تعالى: ((وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) [الأحزاب:6] ففيها لطائف جمة وإشارات إلى فوائد كثيرة لا يعقلها إلا العالمون:(173/28)
منها: أن العاقل مهما أساءت أمه فإنه يتحملها ويصبر عليها، ومنها: استمرارية ذكر الأم بهذا الاسم، والإمساك عن هفواتها وعيوبها -إن كانت- فهي (أُم) ووصفهن بالأمهات لمن؟ (للمؤمنين) شرف وأيما شرف لهن رضي الله عنهن، لا سيما وأن الله أخبر عن ذلك بلفظ (الأزواج) المشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران، وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفرداً وجمعاً كقوله تعالى لآدم: ((آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)) [البقرة:35].
وقال تعالى في حق زكريا: ((وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ)) [الأنبياء:90].
وقال تعالى: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) [الأحزاب:6] ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)) [الأحزاب:1].
وقال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)) [الأحزاب:28-29].
وجاء الإخبار عن أهل الشرك بلفظ المرأة، قال تعالى:
((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)) [المسد:1-5].(173/29)
وقال تعالى: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)) [التحريم:10]
تأملي لما كانتا مشركتين أوقع عليها اسم المرأة.
وقال في فرعون: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) [التحريم:11].
لما كان هو المشرك وهي مؤمنة لم يسمها زوجاً له، وقال سبحانه في حق المؤمنين: ((وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ)) [البقرة:25] فكان عدم ذكر الأزواج في حق الكافرات؛ لأنهن لسن بأزواج لرجالهن في الآخرة، فجرد الكافرة منه كما جرد منها امرأة نوح ولوط.
فإن قيل: فلم قال الله عن زكريا عليه السلام: ((وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً)) [مريم:8] وعن إبراهيم عليه السلام: ((فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ...)) [الذاريات:29]؟
قلنا: قد أجاب أهل البيان واللغة والفهم في القرآن، فقالوا: بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع؛ لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة، فذكر المرأة أولى به؛ لأن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع لا من حيث كانت زوجة!
فتأملي معي -أخية- رعاكِ الله هذه المعاني تجديها أشد مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه، ولهذا وقع على المسلمة امرأة الكافر، وعلى الكافرة امرأة المؤمن لفظ المرأة دون الزوجة تحقيقاً لهذا المعنى، فتأملي ثم تأملي في أسرار هذا الكتاب العظيم.(173/30)
وتأملي معي -أخية- في آية التطهير من كتاب الله، التي قصَّر علماء الشيعة في بيانها لعوامهم؛ وما ذاك إلا لعلمهم بالبعد الكبير بينهم وبين القرآن وآياته الكريمات، فدخول أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فيها واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار.
تأملي سياق الآيات والخطاب الموجه من بدايته حتى نهايته.
قال الله تعالى: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً)) [الأحزاب:32-34].
فالذي يتدبر سياق هذه الآيات يوقن أنها في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، بل من يدقق في الآيات سيجد بنفسه أن قوله تعالى: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)) [الأحزاب:33] وقوله جلَّ شأنه: ((وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33] آية واحدة…
والخطاب فيها كما هو واضح موجه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم.(173/31)
ودائماً وأبداً تجد الشيعة يقتطعون هذا الجزء من الآية، وهو قوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33] دون أن يأتوا بالآية كاملة، لماذا؟ هل يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض...؟!
لماذا الشيعة لا يتدبرون القرآن الكريم، ولا يتمعنون باللغة العربية، والقرآن الكريم إنما نزل بلسان عربي مبين...؟!
أختي الغالية وفقكِ الله وسددكِ: لن أكتب لك هنا كلمة واحدة حول مآثرهن وما جاء في فضلهن وخصائصهن رضوان الله عليهن، وإنما أحيلك إلى كتاب الله وصحيح سنة نبيه عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم ففيهما الكفاية والرشاد والهداية والعصمة من الغواية لمن أراد التوفيق والسداد وحكَّم عقله ولم يعره لغيره!!
7) الوقفة الخامسة:-
- هل المرأة أُلعوبة:
أخية: أنا وأنتِ نعلم كيف أباح الشيعة لأنفسهم (نكاح المتعة) وتوسعوا فيه ووصلوا به إلى سُبلٍ ليست من الإسلام في شيء وأخالك لا تخفاك قصص الفتيات اللاتي تحدثن معك بصورة أو أخرى حول الممارسات الشاذة هنا وهناك!! ونحنُ النساء نكره بطبعنا ما يخدش حياءنا أو يهز عفتنا، وقد وقف شعري واقشعر جسدي عندما قرأت في كتاب الشيعة المُعتمد الكافي (5/539) نقلهم عن الإمام قوله: (إنما المرأة أُلعوبةُ الرجلِ)!!
فهل تَعِين غاليتي معنى هذا القول؟
فالمرأة لا تعني لهؤلاء سوى أنها لعبة؛ يُقلبها كيف يشاء على أي وجه كانت، ويضع شهوته في أي موضع منها!
فقد أُبيح له ذلك! آه آه أيتها المسكينة، كيف يصل بكِ هؤلاء إلى هذه الوحشية وهذه الصورة المنحطة في العلاقات الجنسية؟!
ولم يقف بهم الحال إلى هذا فقط! بل إنهم يُجيزون التمتع وممارسة الجنس مع الصبية البكر إذا بلغت تسع سنين أو سبعاً! على رواية، بشرط عدم الإدخال في الفرج، لِمَ؟ كراهية العيب على أهلها! لا مراعاة لذوق أو خلق أو دين!!(173/32)
وأدهى من هذا أخية: الخميني يبيح التمتع بالبنت الرضيعة، يقول الخميني في كتابه تحرير الوسيلة [(1/241) مسألة رقم: (12)]: (وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة)!!
ثم تخيلي -يا غاليتي- أن هذه البنت هي أنتِ أو ابنتكِ أو أختكِ أو قريبتكِ؛ فهل ترضين لها أن يُفعل بها هكذا؛ من أجل قضاء شهوة جامحة؟ لا والله، إني أجدكِ أشرف وأعف من هذا؛ بل إن الموت أهون عليكِ من مجرد التفكير في ممارسة هذا الفعل القذر الممجوج، ثم اقرئي معي بعين الباحث عن الحق والصواب لا الذي يبحث عن شهوته ومتعته الرخيصة فقط، عندما تقرئين في كتب الشيعة هذه الأسطورة المنسوبة زوراً وبُهتاً إلى أئمة آل البيت: (عن علي بن الحكم قال: سمعت صفوان يقول: قلت للرضا عليه السلام: إن رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيا منك أن يسألك، قال: ما هي؟ قال: للرجل أن يأتي امرأته في دبرها؟ قال: نعم ذلك له)!! [الاستبصار: (3/243)].
ذكر أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في الاستبصار: عن عبد الله بن أبي يعفور قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال: لا بأس إذا رضيت..) [الاستبصار: (3/243)].
ثم يأتي عالمهم الكبير الخميني فيبيح وطء الزوجة في الدبر: يقول الخميني في: [تحرير الوسيلة: (1/241)، مسألة رقم: (11)]: (المشهور الأقوى جواز وطء الزوجة دبراً على كراهية شديدة)!
ووالله إن القلم ليكسِف، وإن البيان ليخسِف هنا؛ حياءً وتقززاً من هذه الأقوال النشاز.
أما عندنا أهل السنة والجماعة فإن مثل هذا الأمر المشين أطلق عليه علماؤنا (اللواطة) تشنيعاً له وتنفيراً منه، وقد جاء حكمه عندنا كما يلي:
قال الله عز وجل: ((نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)) [البقرة:223].(173/33)
إن الله عز وجل أذن بإتيان مقام الحرث وهو الفرج، ولم يأذن بإتيان مقام الفرث وهو الدبر، وقال تعالى: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)) [البقرة:222] في هذه الآية منع الله عز وجل الأزواج من إتيان النساء في الفرج عند الحيض مع أنه لا يدوم إلا بضعة أيام، فكيف يكون إتيان الدبر جائزاً مع دوام وجود النجاسة فيه؟
وأيضاً يبين في الآية أن الممنوع من الإتيان هو الفرج فقط وليس الدبر؛ لأن الحيضة متعلقة بالفرج فقط، أما الدبر فحاله كما كان قبل الحيضة، فلو كان جائزاً إتيانه قبل الحيضة فلا مانع الآن أيضاً.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول، أو أتى امرأته حائضاً، أو أتى امرأته في دبرها، فقد برئ مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ملعون من أتى امرأة في دبرها). صححه الألباني.
هذا فضلاً عما يترتب على هذا العمل القبيح من أضرار صحية أثبتها الطب الحديث، ومن إساءة للعلاقة الاجتماعية بين الزوجين، حيث لا يرضى بذلك ذو سلوك سويّ.
اللهم جنبنا الفواحش والمعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم آمين..
فهذا هو الحق المبين والطهر والعفاف الموافق للفطرة السليمة، أما ما أباحه علماء الشيعة فعلاوة على أنه مخالف للكتاب والسنة، فإنه انحطاط في الأخلاق والعياذ بالله.
أُختي: هل ترضى إحدانا أن تبيع وتعرض جسدها مقابل دراهم معدودة؟ كلا ثم كلا..(173/34)
أختاه: إني لا أفتري كذباً ولا أبالغ في كلامي، فإليكِ هذه الروايات في اعتبار المتمتع بها كالمستأجرة!! فقد كذبوا على جعفر الصادق رحمه الله بأنه قال: (تزوج منهن ألفاً فإنهن مستأجرات)!! ورووا عن الباقر أنه قال: (إنما هي مستأجرة)، ورووا عن أبي عبد الله أنه قال: (ليست هي من الأربع؛ إنما هي إجارة)!
أُختاه: ماذا بعد هذا إلا الشذوذ وإهانة المرأة التي كرمها الإسلام، والبعد عن الذوق السليم، فضلاً عن الشرع الحكيم. فهل تصدقين -أخية- أن أمثال هذه الشهوانية خرجت من مشكاة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأي غيور يرضى بمثل هذا لعرضه؟
أُختاه: أنا أعلم أنكِ لا ترضين بمثل هذه الإباحية، ولربما أنكِ لم تري مثل هذه الروايات الهابطة في غير هذه الرسالة!! ولكن ما هو دوركِ بعدما اطَّلعتِ عليها؟ هل ستقفين موقف المتفرجة حتى تقع عليكِ أو على أختكِ أو ابنتكِ؟ وهل سيقبل رجلٌ حرٌ عاقلٌ بفتاةٍ لها هذا التاريخ من المخازي؛ تتنقل بين أحضان الرجال هذا يستدبرها! وهذا يستقبلها؟!!
أخية: أستميحكِ عذراً وحياءً وخجلاً أن أنقل إليكِ فتاوى بعض علماء ومراجع الشيعة المعاصرين!! حول المتعة المُبتذلة، فوالله إني أُصبتُ بالغثيان والكآبة عندما اطلعت على بعضها؛ ولا أريد أن أخفي عليكِ اطلاعي على كتاب [المتعة] للكاتبة الشيعية:
د/ شهلاء الحائري، وهي حفيدة آية الله حائري، وهي دراسة أكاديمية ميدانية موثقة.. ولم أحب أن أنقل لك ما فيه من مقابلات مذهلة مع الفتيات حول ممارساتهن للمتعة وابتذال أعراضهن للساقطين من الرجال، ومن حسنِ خُلقي معكِ ولطف معاشرتي لكِ فإني لا أحب أن تُصابي بما لَحِقَني من حالة بائسة!
ويكفيكِ أن تعلمي أخية أنّ عالم الشيعة الطوسي يعترف بأن المتعة ذل وعار على المرأة!! فقد جاء في كتابه تهذيب الأحكام: (7/253) قوله:(173/35)
أما ما رواه أحمد بن محمد عن أبي الحسن عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تتمتع بالمؤمنة فتذلها. فهذا حديث مقطوع الإسناد شاذ، ويحتمل أن يكون المراد به إذا كانت المرأة من أهل بيت الشرف فإنه لا يجوز التمتع بها لما يلحق أهلها من العار ويلحقها هي من الذل ويكون ذلك مكروهاً دون أن يكون محظوراً) ا.هـ
أقول: فإذا كانت المتعة حلالاً ومن القربات إلى الله فكيف أصبحت عاراً وذلاً على أهل المرأة؟!! وهل يعدّك هذا الشيخ من (أهل بيت الشرف) أم يراكِ شيئاً آخر؟!
وأترك التعليق لكُنَّ أيتها العاقلات.
8) الوقفة السادسة:-
- رسائل تقطر دماً:
نعم أُختاه: إنها رسائل كُتبت بالمداد على الورق، ولكنها صِيغتْ بقطرات دموعِ، وإن شِئتِ فقولي: بقطراتِ دمٍ، كُتبت على صفحات قلب مكلوم!! تنكَّر له أقرب قريب! وصدّه عن مبتغاه أعزُّ عزيز!
نعم أخيتي الغالية: جاءتني رسائل عدة من أخوات كريمات وقر نور الإيمان في قلوبهن فعشنَ أياماً وليالي من التفكير الحر بعقلٍ حاضر وقلب واعٍ، جعلن كتاب الله تعالى هو الحكم والفيصل، فتحررنَّ من قيود التقليد، وظلمة التبعية، وجمعنَ أقفال العقل والجمود، وكل كلام ليس عليه من الله برهان ثم أحرقنها ليصنعنَ منها مشعلاً يسرن به بين الناس: ((يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [الحديد:12].(173/36)
وعلمن أن الحق مع هذا المشعل المضيء بنور كتاب الله وهدي النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، مستلهمات من الله وحده الثبات على الهداية، والتلذذ بلذة الإيمان والاستئناس بوحدة الطاعات، والصلوات في ظلمة الليل والخلوات، اعتدن وتعودنَ في هذه الساعات مناجاة رب البريات وسؤاله العفو والصفح عن أوقات ضاعت في غير الهداية والدعوة إليها، ضاعت ما بين خوف ووجل وحياءٍ وتسويل الشيطان وترهيبه، والمقارنات غير المنطقية.
فالأمر أن هؤلاء مرجعهم القرآن وسنة المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام، والدليل الصحيح الصريح هو مرجعهم في الأصول والفروع.
وأما أولئكَ فدليلهم كل ما نقل عن الإمام المعصوم على أي طريقة كان النقل! من غير معرفة لصحيح من غيره، وعليه يجب التسليم بهذه الروايات وإلا الكفر! فرووا كذباً عن المعصوم قوله: (الراد على الإمام كالراد على النبي، والراد على النبي كالراد على الله...).
أُختاه: إن قليلاً من التفكير والتأمل والانطراح بين يدي الله وسؤاله الهداية والتوفيق كفيلٌ بأن يغير الحال ويبدلها من ظلمات إلى نور؛ ومن همٍّ وكدر إلى سعادة وصفاء؛ وإنما هي الخطوة الأولى في مشوار الهداية.
أختي الغالية: لا تحسبي وأنتِ تُقدمين على هذه الطريق أنكِ الوحيدة السائرة في دروبه السالكة للججه، بل معكِ أخوات كثيرات قريبات، ولكن منعتهنّ ظروفهنّ من التصدر والإعلان! والله يعلم السر وأخفى، وإن مع العسر يسراً، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، أراد الله لهنَّ ذلك بتقدير سابق وقضاء نافذ..(173/37)
إن الأخوات اللاتي يعشن هذه المرحلة لم يجدن بُداً من الإمساك بالقلم ليسطرنَ لنا كلمات نيرات خرجت من القلب لتصل إلى القلب مباشرة وبدون مقدمات، وهؤلاء الأخوات جمعهنَّ حب الدين الحق فعرفن القرآن ومعانيه، وأيقنّ بالتوحيد ومراميه، وآمنَّ بالدليل من الوحيين، ولم يبغين عنهما حولاً!! مع أن ظروفهن مختلفة وأنماط حياتهن متغايرة؛ فهذه من أسرة صغيرة فقيرة، وهذه جامعية، وتلك طالبة في الثانوية، وهذه ربة منزل، وتلك طبيبة أو ممرضة!!
ولله درُّ المعلمات الفاضلات فهنّ بيت القصيد ومنبع الهداية.. ولا عجب ألبتة: فهن عقول ناطقة، وعواطف ثابتة، اِمْتَهنَّ أشرف المهن؛ مهنة التربية والتعليم، وتنقلن هنا وهناك بعيداً وقريباً، ورأين الكذب من الصدق!! وعرفن أن الخبر ليس كالمعاينة! ولملكتهنّ الناصعة استطعن شق طريق الهداية بلا مشقة، بل بقليل من النظر في كتاب الله، والاطلاع على رسائل أهل السنة الصغيرة التي توزع في كل مكان.
فهذه المعلمة الفاضلة (زهرة) جلست في أحد المستشفيات وبجوارها رف كتيبات، فأخذت بصورة عفوية كُتيباً بعنوان: العقيدة الصحيحة وما يضادها فكانت بداية الهداية والتوفيق.
وهذه المعلمة النابهة (ع.م) أهدتها إحدى طالباتها كتيباً صغيراً بعنوان: عقيدة أهل السنة والجماعة فقرأته عدة مرات، ولمست الحق واتبعته بلا تردد.
وهذه إحدى المعلمات وجدت في حقيبتها شريطاً، فاستمعت إليه فكان سبيلها إلى الهداية واعتناق الحق والدعوة إليه.. وغيرهن كثيرٌ وكثير لا نعلمهن، ولكن الله يعلمهن.(173/38)
أختي الغالية: إن ما تمرين به قد كان لكِ فيه سلفٌ من الصدر الأول، فكثير من الصحابة والصحابيات قد مروا بما تمرين به، وما منعهم ذلك عن ترك الإشراك بالله وأهله، والدخول في الإسلام، ومِنْ ثَمَّ ثباتٌ كثبات الجبال، حالهم في الدنيا: ((تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) [الفتح:29] وفي الآخرة: ((لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [المائدة:119].
وهنا أتذكر كلمات خطتها أنامل أختٍ لنا هداها الله تعالى إلى الحق، فتقول: (كنت أشبه بمن يعيش على ضفاف نهر عذب صافٍ ولديَّ ماء قد نقله آبائي وأجدادي من ذلك النهر، وتغير مع الزمن، ووقعت فيه شوائب كثيرة حتى أصبح وليس له من الماء إلا اسمه؛ فلونه أسود متغير، وطعمه وشكله آسن، يدل على أي شيء إلا الماء، ثم إنهم يقدسونه ويسمونه: ماء الكوثر، وماء الحياة، وماء الخلود!! ويعتبرون النهر العذب الزلال الذي هو الأصل: نهر الهلاك ووادي جهنم!! ثم بعد اكتشافي الحق من الباطل عكفت على الماء المتغير طعمه وريحه أنوح وأبكي؛ يكاد يقتلني الظمأ وأتمنى من كل قلبي تنقيته وتصفيته -ولا يزال الكلام لها- فتقول: ارحمي نفسكِ وأسرعي في اتخاذ القرار؛ فالموت أقرب إليكِ من حبل الوريد، فالأمر لم يعَد سراً ولم يعد هناك ظاهرٌ وباطن!! ((وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) [الأعلى:17].. ((وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) [طه:131].
أُختاه: أنا أعلم مدى الحزن الذي تمرين به، وكآبة اللوعة والهجران، ولكن أختاه: إنها حلاوة الإيمان، فوالله ما إن تخالط بشاشة الإيمان قلبكِ إلا وتحسين بالسعادة الحقيقية حينئذٍ؛ ولو كنتِ في سجن ضيّق، عندها تذهب المرارة والحزن وتُبدّل قوة وعزيمة.(173/39)
أُختاه: إن معظم الشيعيات قد أخذن المذهب عن طريق الوراثة، فلم يُقارنَّ بين مذهبهن هذا وبين كتاب الله تعالى ليرين ما في مذهبهن من الشرك والغلو وإهانة المرأة باسم المتعة! والتمسح بالقبور ودعاء غير الله وطلب الشفاء من الأموات!! فهل هذا هو الإسلام الصحيح الحق الذي أرسل الله به محمداً صلى الله عليه وسلم؟؟
وإليكِ مثالاً واحداً فقط على ما أقوله، فهذه إحدى الفتيات الشيعيات العاقلات تناقش أستاذاً لها في الجامعة.
يقول الأستاذ: بينما كنت منهمكاً في إعداد إحدى المحاضرات إذا بإحدى الطالبات تستأذن في الدخول، وما إن أذنت لها حتى دخلت ومعها صويحباتها، ولم تترك لي المجال لأسألها عن حاجتها، فقد ابتدرتني قائلة: أريد أن أسألك سؤالاً واحداً وأرجو أن تجيبني بصراحة: ما الذي يجعل الإنسان يغير عقيدته؟
لم أكن أتوقع منها هذا السؤال ولكني لم أظهر أي علامة استنكار في إجابتي، فظنَّت أنني أنتظر توضيحاً، فقالت: لكي أوضح لك السؤال: لِمَ يتنكر الإنسان لعقيدة آبائه وأجداده التي تربى عليها؟ وهل هناك شيء في الدنيا يستحق أن يغير الإنسان عقيدته من أجله؟
أجبتها على الفور: إن سؤالاً عاماً كهذا لا يمكن إجابته إلا بصورة عامة، فهلا خصصت سؤالك ووضحت مأربكِ؟
قالت: لماذا غيرت عقيدتك أنت؟
ولم أشأ أن أسألها عن مصدر علمها أني غيرت عقيدتي، وأجبتها: لقد بحثت عن الحق في بطون الكتب وفي نقاشات السادة والعلماء ومن الأشرطة حتى شرح الله صدري لما أنا عليه الآن، وهو الذي أرجو أن يكون ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، والذي أرجو أن يتوفاني الله عليه.. قالت: ولكن ألا تظن أن أصدقاءك وزوجتك هم الذين أثروا عليك؟
لم أشأ أن أجيب على هذا التساؤل، فطرحت سؤالاً آخر: هل تريدين أن تَصَلِي إلى الحق؟ تعالي نناقش بعض ما أنت عليه من عقائد:(173/40)
أنتِ تعتقدين أن الصحابة جميعاً ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أو خمسة أليس كذلك؟
قالت: لنفترض أن ما قلته صحيح..
قلت: كيف يتزوج رسولك بابنة رجل منافق يكفر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؟ إن أحدنا نحن الرجال إذا سمع أن هناك شخصاً سيئ الأخلاق والسمعة -غير منافق ولا كافر- فإنه لا يفكر بالاقتران بابنته، فكيف ترضين ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ومع اثنتين من زوجاته رضوان الله عليهن أجمعين؟!
ثم كيف يصف تبارك وتعالى أبا بكر بالصحبة في قوله: ((إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ)) [التوبة:40] وتقولين: إنه منافق؟!
إن إنكار صحبة أبي بكر رضي الله عنه كفر؛ لأنه إنكار لشيء من القرآن.
قالت بثقة: ولكن كلمة [صاحب] لا تعني صحبة الألفة والمحبة دائماً، بل قد تكون صحبة مكان كما قال تعالى في قصة يوسف: ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ)) [يوسف:39] فهل أصحاب سجن يوسف كانوا صحابة له؟
أجبتها: وهل حقاً تظنين أن الصحبة التي ذكرت في حق أبي بكر كتلك التي ذكرت لأصحاب يوسف؟
وهل كان مخيراً في أن يدخل السجن أو لا يدخل ليصاحب أولئك صحبة مكان؟
ثم كيف يقترن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم برجل يرتد بعد موته؟ أم إنه كان يجهل كل هذه المساوئ في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعلمها غيره من البشر؟!
ثم إن قوله: ((إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) [التوبة:40] يقتضي المعية لهما، أي: معي ومعك يا أبا بكر، فمعية الله جاءت بلفظ التثنية للاثنين، ولم يقل: إن الله معي، وذلك لفضيلة أبي بكر رضي الله عنه، وإلا فالذين مع موسى لم تشملهم المعية، كما قال سبحانه: ((فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)) [الشعراء:61].
((قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)) [الشعراء:62] ولم يقل: إن معنا ربنا، وفي هذا دلالة على أن إدخال أبي بكر في المعية إنما هو لفضله.(173/41)
علاوة على ذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يُطَمئنُ أبا بكر ويذهب قلقه وحزنه، ويخبره بمعية الله لهما جميعاً، فكيف يكون الله قد نصر نبيه، ومع ذلك يجعل صاحبه في الشدة منافقاً؟
بل كيف تكون المعية الخاصة من الله للمنافق؟ وكيف يَطْمئنّ النبي صلى الله عليه وسلم لمنافق؟ وكيف ينصر الله المنافق؟ أي عقلٍ يقبل هذا؟!
فإن قال قائل: إذا كان هذا، فلماذا قال الله سبحانه وتعالى: ((فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ)) [التوبة:40] بالإفراد؟
فنقول: لأن الآية في أصلها إنما هي في بيان حال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ)) [التوبة:40].
فمقتضى الكلام أن يستمر الإفراد كذلك: ((فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ)) [التوبة:40] وهذا هو مقتضى اللغة العربية، ثم إن المعية من الله لأبي بكر تقتضي إنزال السكينة عليه، فلا حاجة إذاً للتثنية في ذكر إنزال السكينة، وإلا لعُدَّ لغواً من الكلام.
ولكن هذا الإشكال إنما ينتج لقلة تدبر كتاب الله سبحانه وتعالى، ومثله من يتعلق بقوله سبحانه: ((لَا تَحْزَنْ)) مع أن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ((وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) [يونس:65] وقالت الملائكة للوط عليه الصلاة والسلام: ((وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ)) [العنكبوت:33] وغيرها من الآيات كثير، ولكن تدبر كتاب الله تعالى يحتاج إلى التدبر بلسان عربي مبين بعيداً عن الهوى والتعصب.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا الهوى، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه..
ومن المعلوم في العقيدة أن زوجة الرجل في الدنيا هي زوجته في الآخرة إن دخلا الجنة.(173/42)
قاطعتني قائلة: لم أرد أن أناقشك في الصحابة، ولكن سؤالي كان عن سبب تغيير عقيدتك؟ فقلت: بل هذا الأمر من صلب العقيدة، فمن الذي نقل لنا القرآن؟ ومن الذي نقل لنا السنة؟
إننا إن قلنا: بأن الصحابة كفروا أو ارتدوا، فإننا نطعن في صحة القرآن الذي بين أيدينا، وقد طعن كثيرون في صحته في أمهات الكتب المعتمدة عندهم، فكل ما نعتقده باطل؛ لأن الكافر ليس أهلاً لنقل شيء من الأخبار.
قالت: وهل تنكر أنت الإمامة؟ قلت: إن كنتِ تعنين الإمامة بمعنى: الصلاح والتفضيل بالتقوى والإيمان فإني أثبتها لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين وزين العابدين والصادق رضوان الله عليهم أجمعين.
أما إن كنتِ تريدين بالإمامة تلك المنزلة التي تؤهل الإمام أن يتصرف في الكون كيف يشاء ويعلم الغيب ويبلغ مراتب الرسل والملائكة المقربين، فإني لا أثبت هذا الأمر، وسيد الأئمة وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكن له تصريف شيء في هذا الكون، ولم يكن يعلم الغيب؛ لقوله تعالى: ((وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ)) [الأعراف:188].
فأي إمامة تريدين؟ قالت: لنرجع إلى موضوع العقيدة؟
قلت: ابدئي من حيث شئتِ.
تريدين أن نبدأ بقضية الإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته، أم الإيمان بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أم الإيمان بالقرآن؟
قالت: ظننت أننا متفقون في قضايا الإيمان بالله والرسول والقرآن؟(173/43)
قلت: هذا مجرد ظن، فالعقيدة المسطرة في أمهات الكتب التي تعتبرينها مراجع صحيحة تناقض العقيدة المسطرة في الكتب التي أعتبرها أنا مراجع صحيحة، ولهذا الاختلاف في المراجع ارتأيت أن نبني نقاشنا على شيء نتفق عليه.. فإن كنتِ تؤمنين بأن كتاب الله مرجع فإني سأثبت لكِ أن تلك المراجع المعتمدة تخالف ما في القرآن وإن كنتِ تعتقدين أن القرآن الذي بين أيدينا محرف فإني سأثبت لكِ بالعقل أن ما أنتِ عليه لا يتفق والفطرة السليمة.
قالت مقاطعة: ولكني أعتقد أن هذا القرآن غير محرف وصحيح ولا غبار عليه، بل هذه عقيدة كل مسلم.
قلت: فإن اخترت لكِ حديثاً صحيحاً صريحاً في أحد مراجعك يقول بأن هذا القرآن محرف؟!
ترددت قليلاً ثم قالت: لعلك لم تفهم معنى الحديث كما ينبغي. قلت: بل سألحق الحديث بشرح صاحب الكتاب، وآخذ شرحه هو لا شرحي أنا.
قالت: في أي كتاب هذا؟
قلت: هذه مشكلتك ومشكلة الكثيرين، أنهم لا يعرفون أصول دينهم وما تحويه مراجعهم المعتمدة عند علمائهم، اقرئي حديث كذا في صفحة كذا من كتاب كذا.. للعالم كذا.. اقرئي ما سطر في كتابه صفحة كذا، وعندما تتيقنين أن ما أقول لكِ موجود فعندئذٍ نستطيع أن نكمل النقاش).
المصدر: كلمات في العقيدة، تأليف الدكتور/ أمير حداد، (ص:158) (بتصرف).
أرأيتِ أختاه؟ إن كثيرات قد أخذن المذهب عن طريق الوراثة والآباء والأجداد فقط، فهذه الطالبة لا تعرف أساسيات معتقداتها الحقيقية التي في كتب ومراجع علماء مذهبها!! وكيف أنها وقفت في الحوار العفوي وغير المرتب له بسبب جهلها بما في كتب مذهبها مما هو مخالفٌ لدين الإسلام وعقيدة المسلمين.
أختاه: الهجي إلى الله بهذا الدعاء لعلّ الله أن يفتح على قلبكِ: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أن تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).
9) الوقفة السابعة:-(173/44)
- وماذا بعد...؟؟:
أختي الغالية: يا من تحبين آل بيت النبي عليه وعليهم الصلاة والسلام، اسألي نفسكِ بعض الأسئلة لنعود إلى صدر ما بدأنا به من أهمية العقل وإعمال الفكر، وسأخاطب غيركِ؛ لأني أعلمُ أنكِ أرفع ممن سأخاطبهم بكثير!!
يقولون: (ارتد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة)!!
وأقول: إذاً فقد فشل النبي صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه؛ بعد أن أمضى معهم ثلاثاً وعشرين سنة، لم يستطع تربية وهداية أحد إلا ثلاثة!! وأين هم من آيات الثناء العاطر على الصحب الكرام في كتاب ربنا جل وعلا؟
فالله جل وعلا يقول: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [البقرة:218].
ويقول تعالى: ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)) [آل عمران:195].
وقال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100].
وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) [النحل:41].(173/45)
وقال تعالى: ((ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)) [النحل:110].
وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمْ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) [الحج:58].
وقال تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18].
فماذا تفعلين أختاه بكتاب الله وآياته المحكمات في مدح الصحابة والصحابيات؟ هل تعرضين عن كلام العزيز الجبار وترضين بكلام البشر في أصحاب خير البشر صلى الله عليه وسلم؟! أم تتبعين ما تشابه من القرآن فتخلطين الآيات وتجعلين آيات المنافقين في الصحابة أيضاً، مع أن الله عز وجل بيَّن صفات كل منهم، وبيَّن أن هؤلاء غير هؤلاء، أم إنكِ سَتُسلِّمين لله وتقولين: سمعنا وأطعنا كلٌ من عند ربنا؟
يقولون: بجواز دعاء غير الله! والطواف بالقبور! وشد الرحل إليها!
وأقول: وهل يخرج من مشكاة آل البيت الأطهار ما يخالف صريح القرآن العظيم؟ والله يقول سبحانه: ((وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [غافر:60]، والله يقول: ((وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)) [الحج:29] ولم يقل: ادعوا غيري وطوفوا بقبر أو غيره!!
يقولون: أبو بكر وعمر وعائشة وحفصة كُفَّار بالله العظيم.(173/46)
وأقول: أبو بكر وعمر، تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيهما: عائشة وحفصة! فهل يليق بمكانة النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج في الإسلام من كافرات بنات كفار؟! أليس هو المؤيد بالوحي؟ وعمر تزوج ابنة علي (أم كلثوم) رضي الله عنهم أجمعين؛ فهل يُزوِّج عليٌ كافراً ؟!
يقولون: أبو بكر وعمر كسرا باب بيت عليٍ وضربا فاطمة وأسقطا جنينها!!
وأقول: وأين علي الحيدرة أسد الأسود وبطل الأبطال؛ ألا يدافع عن زوجته وبيته؟!
يقولون: الإمامة نصٌ من الله لعلي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم للحسن، ثم للحسين رضي الله عنهم!!
وأقول: كيف يخالف الإمام علي رضي الله عنه كتاب الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُسلم الخلافة لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان رضوان الله على الجميع، وكذا الحسن كيف يتنازل عن هذا المنصب الإلهي لمعاوية رضي الله عن الجميع؟؟
فإن قالوا: اجتهدا! قلنا: هل يجوز الاجتهاد مع وجود النص؟؟ إذ لو كانت الإمامة من أصول الدين -كما يذكر علماء الشيعة تخرصاً- فكيف يذكر الله في القرآن أصول الإيمان وأركان الإسلام، ولم يذكرها فيه لا نصاً ولا تلميحاً بالمعنى الذي يريده هؤلاء، علماً أن الله ذكر كلب أصحاب الكهف وحمار عزير وهدهد سليمان؟! قليلاً من التأمل يا أخية!!
يقولون: إن علياً أخفى القرآن الحق الذي لم يُحرَّف معه؛ وجعله مع القائم (المهدي)!!
وأقول: هل يجوز أن تبقى الأمة خليَّة من كتاب ربها طيلة هذه الدهور؟؟
يقولون: إن الأئمة يعلمون الغيب!!
وأقول: ألم يقل الله: ((قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ)) [النمل:65] وكيف يموت بعضهم مسموماً؟ فهل انتحر هذا الإمام مع علمه أنه يموت بالسم فأكله؟؟
ويقولون: إن الصحابة الكرام غير عدول!!
وأقول: يلزم من هذا عدم تواتر القرآن الكريم حيث هو عن طريقهم وصل إلينا.(173/47)
يقولون: العداوة مُستحكمة بين الصحابة وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأقول: فما بال المصاهرات بينهم؟ فهل تزوج ابنتك أو ابنك بمن تبغض؟ وما بال علي رضي الله عنه وأبنائه يسمون أبناءهم بأسماء الخلفاء: أبو بكر وعمر وعثمان ؟ فهل تسمي ابنك باسم من تبغضه؟ وهنا بطل نهر مَعْقِل!!
ويقولون: بعصمة الأئمة من الذنوب والأخطاء والسهو والغلط!
وأقول: فما بال القرآن يُثبت الذنب لآدم والنسيان لموسى، والعِتاب للنبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم؟ وغير ذلك أخيتي كثير كثير.
فهذه عجالة من قلم، ولم أُرد التفصيل في مسائل كثيرة؛ أنتِ بها أعلم لواقع المعايشة والبيئة المفروضة، وصدق الله العظيم: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)) [النساء:82].
وقد أشار طائفة من علماء الشيعة في مصنفاتهم إلى كثرة الاختلاف في مذهبهم، واقفين موقف العاجز أمامها مرة؛ والمتخبط مرة أخرى، فمرة يحملونه على مخالفة العامة أهل السنة! وإن وافق القرآن وفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ومرة يُحمِّلون التقيّة عِبء المسألة!
فهذا الطوسي عالم الشيعة الكبير يقول في أول كتابه: تهذيب الأحكام [1/2]:
(وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا، وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا.. إلى أن قال: سمعت شيخنا أبا عبد الله أيده الله يذكر أن أبا الحسين الهاروني العلوي كان يعتقد الحق ويدين بالإمامة، فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب ودان بغيره..).
ولا يخفى عليكِ البون الشاسع والبعد الهائل بين هذا المذهب وبين القرآن الكريم والعقل السليم!(173/48)
أختي الغالية: هذه آخر كلماتي وأسطري في رسالتي هذه إليكِ، سدد الله خطاكِ ورعاكِ، وأرجو منكِ -أخية- أن تأخذي بأحسنها وأن تنظري إليها بعين الإنصاف والعدل، وتجردي نفسكِ من الهوى والتعصب المذموم؛ فوالله ما أمسكت بالقلم إلا لأكتب لكِ محبة صادقة، وشفقة عليكِ في الدنيا والآخرة.
ولتعلمي بعد أني وإياكِ سنقف بين يدي الله، فماذا أنتِ قائلة بعد أن بَلَغتْكِ الحجة واتضح لكِ الأمر.
- أختي وغاليتي: إليكِ همستي هذه:
أخيراً أختاه: بعد أن منَّ الله عليكِ بمعرفة الحق؛ احرصي بارك الله فيكِ على نشره بين أخواتكِ وقريباتكِ.
أختاه: يا من نشأتِ في أوساط السنة وأنتِ الآن تعيشين في الوسط الشيعي بسبب العمل أو غيره وقد تجمعك بهن قاعة فصل أو سقف عمل أو جوار في مسكن، علينا أن نجتهد في بيان الحق لهن؛ وبدل إظهار الكراهية والجفوة والهجر علينا أن نشفق عليهن، كالطبيب مع مريضه، ونسعى لعلاجهن وإصلاحهن، لعل الله أن يجعل توبتهن وهدايتهن على أيدينا ونفوز بالأجور والثواب العظيم.
أختاه: لعل من المناسب أن أذكر لكِ بعض المسائل التي تعين على دعوة أخواتنا الشيعيات، ومنها تصحيح المفاهيم المغلوطة علينا معشر أهل السنة كـ:
1- قولهم عنا: (أنا نكره أهل البيت)! لذا لا بد من البيان الكامل لهن من كتبنا ورسائل علمائنا تجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الأطهار.
2- زعمهم أن معنى السنة: (اتباع طريقة بني أمية وسنتهم)! فلا بد من بيان معنى السنة، وأنَّا نتبع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا سنة غيره.
3- زعمهم: (وجود العداوة المتأصلة بين الإمام علي رضي الله عنه وبين الخلفاء الراشدين)!
فلا بد من إظهار كذب هذه المقالة؛ وأن الخلفاء بل الصحابة جميعاً كانوا مع آل البيت في وفاق ووئام، بل ونسب ومصاهرة، وعليكِ بمراجعة رسالة صغيرة في هذا الباب بعنوان: (رحماء بينهم) لفضيلة الشيخ القاضي/ صالح الدرويش.(173/49)
4- زعم بعضهم: (أنَّا معاشر أهل السنة نحرف القرآن) فلابد من بيان كذب هذا القول، وأنه عندنا من قال بتحريف القرآن بزيادة أو نقصان فهو كافر، وفرق بين النسخ الذي كان في عهد الوحي وبأمره عليه الصلاة والسلام، وبين القول بتحريف القرآن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
5- لا بد من بيان مفهوم الشرك بالأدلة النقلية والعقلية؛ لأن مفهوم الشرك لديهم غير واضح بل عندهم فيه جهل مركب!!
6- من المفاهيم الواجب بيانها وهو من أهم أسباب كراهية الشيعة -هداهم الله- لنا أهل السنة والجماعة، ظنهم واعتقادهم بأن موقفنا منهم هو بسبب حبهم لآل البيت والأئمة!! فقد غرس شيوخهم هذا الفهم المغلوط في أذهانهم وفي قلوب عامتهم، فعندهم أن كراهية السني للشيعي وما يترتب عليها من أفعال ومواقف هي بسبب حب الشيعة للإمام علي وأولاده، وأن السنة يحبون بني أمية!! لذا فهم يكرهون كل من أحب علياً رضوان الله عليه!! لذا كان لزاماً تصحيح هذا المفهوم، وبيان حقيقة الانحرافات العقائدية لديهم، وأنها هي سبب الفرقة الواقعة.
والله تعالى أعلم وأحكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(173/50)
سياحة في عالم التشيع
( الحوزة العلمية ...اسرار خفايا)
للإمام محب الدين عباس الكاظمي
هذه الرسالة
إنها
صرخة نذير واستغاثة غريق
وجد نفسه وقومه وسط العباب
تتقاذف سفينة نجاتهم الأمواج
في بحر الظلمات لا أول له ولا آخر
ثم ...
لاحت له من بعيد منارات النجاة
على شاطئ الأمل
فهو يصرخ في قومه صراخا ربما انزعج له الكثيرون –القليلون :
خلصوا أنفسكم قبل أن يدرككم الغرق
أنقذوا ما تستطيعون إنقاذه
ووجهوا دفة سفينتكم
قبل .. فوات ..
الأوان .
جاء فى محكم التنزيل فى القرآن الكريم
( وقال الذى امن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد) غافر 30-31
( ويا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم التناد . يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد) غافر 32-33
( وقال الذى امن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد . يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) غافر 38-39
(ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار. تدعونني لأكفر بالله وأشرك ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار. لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار. فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) غافر 41-44
لماذا كتبت هذه الرسالة :
عشت سنوات عمري بي وأنا مؤمن -ولازلت- بأن منهج أهل البيت الأطهار (ع) موافق لشرع الله جل وعلا كما هو موافق للعقل الصريح ومنسجم مع الذوق السليم والسلوك الإنساني القويم وليس فيما يؤثر عنهم ما يتناقض مع كتاب الله أو سنة نبيه و إلا خالفناه وأخذنا بغيره كما جاء التوجيه عن الإمام الصادق (ع) لما كثرت التقول عليه وصارت الروايات الباطلة تصنع على لسانه وتنسب إليه قال :(174/1)
(ما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالفه فدعوه)1.
---------------------
1-اصول الكافى 1/69
واستمرت بي الايام وأنا أراقب أحداثها ، وأعيش الواقع وأرصد حركاته وأرى الناس وأتفحص تصرفاتهم وأختبر أفكارهم فلقد رزقني الله نفسا لا تقتنع بما ترى أو تسمع دون دراسة و تمحيص وتؤمن أن الله أعطى كل إنسان عقلا ليفكر به ويستعمله لا ليعطله ويفكر بعقول الآخرين لا سيّما في الأمور العظيمة كأصول الدين والعقيدة وضروريات الحياة البشرية ، وكنت أردد دائما مقولة أمير المؤمنين (ع) (أعوذ بالله من سبات العقول) 1
وأرتعد فرقا أمام قوله جل جلاله:
(يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا)/الأحزاب 66-67.
سبحان الله هؤلاء قوم عطلوا عقولهم عن فهم كتاب الله وسنة نبيه وأسلموا زمامها إلى أيدي السادة والكبراء والعلماء فكان مصيرهم إلى النار جميعا .
وإن تقليد العلماء ليس عاما لكل شيء وإنما هو مقصور على فروع الدين وجزئياته وغوامضه لمن لايملك الة البحث والاجتهاد بشرط عدم الاصطدام بنص القرآن أو السنة .
أما أصول الدين ومهماته فلا يعذر الإنسان بجهلها أو الخطأ فيها إتباعا للعلماء وتقليدا لهم ، وإلا فإن لكل ملة علماءها ، فلليهود علماء وللنصارى كذلك ولكن كما قال الله تعالى :
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)/ التوبة –31وعرفت ... أن الإسلام –ذلك الدين العظيم قد تعرض خلال مسيرته الطويلة إلى كثير من المؤامرات والكيد ومحاولات
-------------------
1- شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد 11/246
الدس والتحريف ومنها وضع الأحاديث الملفقة على لسان رسول الأمة صلى الله عليه وآله وسلم وصنع الروايات المزخرفة على ألسنة الأئمة (ع).
وبين العيش في الناس والغوص في بطون الكتب توصلت إلى ...
حقيقة مرة هي :(174/2)
أن أئمة أهل البيت –شأنهم شأن كل المصلحين الكبار- قد ظلموا مرتين !!
مرة ... من الأعداء .
ومرة ... من الأتباع !!
أما الأعداء : فطعنوا فيهم وشوهوا سيرتهم وأشد ذلك الطعن والتشويه ما كان مبطنا مستترا يتخفى وراء براقع الانتساب إليهم كي لا ينتبه إليه الأتباع والمحبون .
وأما الأتباع ...
فكان ظلمهم أشد حين انخدعوا بمقولات الأعداء المبطنة فصدقوها وتبنوها فعملوا بها ! بل و تحمسوا لها فأذاعوها ونشروها !فيا للمصيبة ..
وهنا أشعر بالحاجة إلى أن أضع القلم من يدي لأبكي ... مرتين !! ولكن ... ما فائدة البكاء؟ وإلى متى؟!
أما آن لنا أن نحصل على حصتنا من التفاؤل والأمل ؟ وأن تأخذ عدة الجد والعمل كي نواصل الطريق وصولا إلى الهدف ، ومعرفة الحقيقة وسط أنوار الحق الساطعة !!
بين المراقد والمراجع
زرت العديد من مراقد الأئمة والصالحين والتقيت الكثير من السادة والمشايخ والعلماء العاملين وقرأت كذلك كثيرا من المصادر والمراجع المعتمدة ولكن ... بالروحية الفاحصة الباحثة نفسها .
فكنت أعرف .. وكنت أنكر !!
وأحيانا أجد عجبا فأقول : أين الحقيقة ؟!!
لا سيما وأن في هذه العجائب ما يوقع في الحرج الشديد كل من يحاول جاهدا أن يدافع عنه أو يتلمس له المخارج والأعذار ، وأحيانا تنتابه حالة من الخجل أمام تساؤلات المرتابين أو هجوم المنكرين إذ لا يجد ما يدافع به أو يصلح للدفاع وقد يبدو عليه الضعف فيتلعثم أو يرتبك وهو يفتش عن وسيلة للخروج من مأزق حشر فيه أو نفق طويل لا يراه يخلص إلى شيء فأما السكوت وأما اللجاج وأحلاهما مر ! فما هو الحل ؟
ما هو الحل ؟
هل نكتفي بالقول أن هذا كذب أو بالادعاء أنه مدسوس ؟ وهو أمر بات واضحا أنه ليس أكثر من وسيلة للتملص والهروب من الإحراج، وصاحبه أعلم به من خصمه !! لو كان الموضوع يتعلق بمسالة أو مسألتين أو -حتى- مائة أو مائتين !(174/3)
أو كان الاعتراض على خط مسطور في كتاب مغمور أو منشور، لهان الخطب .
أما و المسائل التي تخالف الكتاب والصواب وتناقض المنقول والمعقول
وتنبو عن الذوق والسلوك الرفيع تعد بالمئات بل بالآلاف !! ومثبتة في المصادر الموثقة والمراجع المعتمدة والكتب الكثيرة المنتشرة المتداولة ، الممنوعة منها والمشروعة وكذلك المخطوطة و والمطبوعة قديما وحديثا وتباع في المكتبات –وتدرس في المدارس ، وتعلن على الملأ وعامة الناس دون نكبر من كبير أو صغير فهو الأمر الجلل الذي لا تنفع معه محاولات التكذيب ولا يعالج بالترقيع ! لا بد من إجراء عملية جراحية (كبرى)!
ناهيك عن الأعمال المخالفة للشرع والأدب والتي نشاهدها بأم أعيننا تمارس -وبالمكشوف- عند مراقد الأولياء ومشاهد الأصفياء !
وإذا سمع صوت خافت من هنا أو هناك قيل له: إن هذا من فعل العوام أو الجهلة ، ويعلم الله أن من المشاركين لهم فيها والواقعين في دواهيها أناسا يعتمرون العمائم ويعفون اللحى ويلبسون زي (رجال الدين) –كما يقولون- أو يرقبونها عن كثب دون نكير !!
ما هو دور العلماء ؟ ولماذا هذا الصمت ؟! إن هذه الأفعال أضحت ممارسات طبيعية اعتاد الناس ارتكابها وهم يعيشون حياتهم اليومية في المجتمع !
أيعقل أن هذا هو منهج أهل البيت ؟!!
أيصح شرعا أو يحتمل وجدانا أو يستساغ عقلا أن نرى كل هذا ثم نسكت على نسبته إليهم أو فعله باسمهم ؟!
حقا إن ذلك مما لا يمكن السكوت عليه تحت أي حجة أو ذريعة لأن الانحدار وصل وتجاوز حد الهاوية .
وإن ارعدت انوف ... ... ... ... ... ... ... ...
وأنا أعلم أن في هذه الصرخة المدوية ما يؤلم ويزعج وتغص به حلاقيم ، وترعد له أنوف !
ولكن .. حسبي وعذري أن الحقيقة مرة ، وإن الحال قد أمسى مما لا ينفع في علاجه الترفق والإيماء أو الإيغال بحذر وحياء .
إنه ... ورم
...
وورم كبير!!(174/4)
ولا بد لعلاجه من مبضع الجراح !! إن الركام لهائل وإن التركة لثقيلة .
ولا بد من تصفية الحساب كله ومراجعة الدفاتر كلها والرجوع من جديد إلى أول الطريق من أجل أن نميز بين التشيع الأصيل والدخيل .
الباب الأول
منهج أهل البيت ...النظرية والتطبيق
الفصل الأول : الرسول (ص ) والأئمة (ع)
السيرة العطرة
محمد (ص) سيد الزاهدين :
كان رسول الله (ص) أزهد الناس وأبعدهم عن زخارف الدنيا وملذاتها ، وكان في شغل في دينه ودعوته عن حاجات نفسه ومطالب أهله وقرابته !
كان (ص) ينام على التراب ، ويفترش الحصير فيقوم وقد أثر في جنبه فيقولون له :
يا رسول الله لو اتخذت لك وطاءا (أي فراشا لينا) فيجيبهم :
((ما لي وللدنيا ؟!ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح عنها)) .
ورأى جماعة يعالجون خصا لهم (أي بيتا من خشب وقصب) فقال: ((ما هذا)) ؟ قالوا قد وهن فنحن نصلحه فقال : ((ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك)).
وكان (ص) أحيانا يشد الحجر على بطنه من الجوع .
ويمر عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار ، طعامه واهل بيته الأسودان : التمر والماء إلا أنه قد كان له (ص) جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إليه من ألبانها فيشرب ويسقي أهله.
وخرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير أو القمح ! مع قدرته عليه لا سّيما في أواخر حياته الشريفة بعد أن فتح الله عليه الفتوحات وصارت الأموال تجبى إليه .
ولما اشتكت إليه أزواجه ما يلقينه من الشدة وشظف العيش معه وكان ذلك بعد خيبر وحيازة أموالها وأراضيها نزل قول الرب –جل وعلا- بالتخيير بين البقاء معه على هذه الحال أو الفراق بالطلاق ليجدن ما يردنه في أرض الله الواسعة :
(يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا . وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما)/الأحزاب 28-29(174/5)
وكان (ص) يصلي أحيانا جالسا ما به إلا الجوع !
وجاءته السيدة فاطمة (ع) يوما بكسرة خبز فقال : ((ما هذه الكسرة يا فاطمة؟)) قالت : قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى آتيك بهذه الكسرة ، فقال :
((أما أنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام)) !!.
لم يكن ذلك منه عجزا ، بل كانت الدنيا كلها بين يديه ولكنه كان يؤثر الزهد والتعفف والقناعة .
وحرم على نفسه وأهل بيته الزكاة والصدقات وسماها أوساخ الناس !
ليضرب المثل الأعلى بنفسه وأهله في العلو والتسامي
ولقد عرض عليه ربه أن يجعل له بطحاء مكة ذهبا فقال :
((لا يا رب ولكن أجوع يوما وأشبع يوما فإذا شبعت حمدتك وشكرتك وإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك))!! وخرج من الدنيا ودرعه مرهونة عند يهودي على صاع من شعير !!
فمن أحق الناس بأتباعه والتأسي به من أهل بيته وإن تطاولت بهم الحقب ، أو طالت بهم سلسلة النسب ؟!
على خطى جدهم وإمامهم (ص)
لقد وفى أهل البيت الكرام –لاسيما الأئمة الكبار منهم- لرسولهم وإمامهم (ص) فساروا على طريقه ومنهاجه مختارين حياة الزهد والعفا ف والسمو والترفع عما في أيدي الناس فكانوا خير من علم بعده وعمل بقوله :
((اليد العليا خير من اليد السفلى))
ولقد حفلت كتب السير والتواريخ ودواوين الأحاديث والروايات بتراث ضخم من مآثرهم يخبرنا عن توكلهم وحسن ظنهم بربهم وتعلقهم به والتجائهم إليه في البأساء والضراء واليسر والرخاء.
وكيف أنهم قاموا بواجبهم تجاه الناس وإرشادهم وتعليمهم دون انتظار أجر من أحد سوى الله بل كانوا يرفضون أن يمدوا أيديهم إلى درهم واحد من أموالهم بل كانوا هم المتفضلين عليهم فيعطونهم من جهودهم وأوقاتهم وأموالهم كذلك ولسان حالهم :
((إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا))/الدهر9 .
الإمام علي (ع)
من أقواله المأثورة :(174/6)
(يا أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان : إتباع الهوى وطول الأمل أما إتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة ألا وإن الدنيا ولت حذاء (مسرعة) فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء اصطبها صابها).
ألا وإن الآخرة قد أقبلت ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة
ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن كل ولد سيلحق بأمه يوم القيامة وإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل)1.
وقال يذكر النبي (ص) :
(قد حقر الدنيا وصغرها وأهون بها وهونها وعلم أن الله زواها عنه اختيارا وبسطها لغيره احتقارا فأعرض عنها بقلبه وأمات ذكرها عن نفسه ، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه لكي لا يتخذ منها رياشا أو يرجو فيها مقاما)2.
أكبر مصائبنا
لكن المصيبة –التي نكبنا بها فتركتنا كالسكارى لا نعي ولا نفكر في سعي- أننا نقرأ هذه الأقوال ونرويها للإعجاب والتباهي دون شعورنا أن هذا لن ينفعنا عند الله مثقال ذرة ما لم نعمل أو نطالب أنفسنا ولو بجزء قليل من العمل بمقتضى هذه التوجيهات العظيمة .
((يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون))/الصف2-3.
لقد أصابنا مرض مزمن انه تبلد الإحساس بما نقرأ أو نسمع من سير الصالحين وحكم الواعظين أنها لا تعني بالنسبة لنا أكثر من أننا نسمعها أو نرويها ونمر بها كما يمر السائق السكران بإشارة المرور لا يعي ما تعني بالنسبة إليه ولا يثيره منها إلا زخرفتها أو حسن رسمها وجاذبية ألوانها ! ولذلك حصل الانشطار بين أقوالنا وأفعالنا .
1-شرح نهج اللاغة لابن ابى الحديد 2/318
2-شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد 7/217
أقوال تسندها الأفعال
لقد كانت حياة أمير المؤمنين (ع) ترجمانا أمينا لأقواله ووصاياه عاش عيشة الفقراء حتى وهو على رأس السلطة ! ومنع أهله وأقاربه من متع الدنيا والتبسط فيها ليظلوا مثلا يقتدي به المقتدون .(174/7)
استمع إليه كيف يخبر عن حال أخيه عقيل الذي افتقر واشتد به الفقر حتى أنه لا يجد مدا من طحين فيأتي أخاه أمير المؤمنين يسأله من بيت المال ما يسد به جوع عياله الذين اسودت وجوههم واغبرت ألوانهم وشعثت شعورهم فيرده رغم تكرار طلبه ومراجعته :
(لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استملحني من بركم صاعا ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظائم، وعاودني مؤكدا وكرر علي القول مرددا فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني واتبع قياده مفارقا طريقي، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه؟! أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟!.
وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها ، فقلت : أصلة أم صدقة أم زكاة؟فذلك محرم علينا أهل البيت . فقال : لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية. فقلت : هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟!! 1.
1- شرح نهج اللاغة 11/245
إنني لأرى العار مجسما يجلجل في أردية ولحى كثيرة حين أقارن بين هذه الحالات وبين ما عليه أصحاب تلك الأردية من غنى فاحش وترف وتخمة ورتع في أموال الناس بل هناك ما هو امر وادهى !!.
او قوله (المال مادة الشهوات) 1 .
ورؤى (ع) وعليه إزار خلق مرقوع فقيل له في ذلك فقال :
(يخشع له القلب ، وتذل به النفس ، ويقتدي به المؤمن) 2.
يكنس بيت المال !
كان (ع) ينفق جميع ما في بيت المال ويوزعه على المستحقين ثم ... يكنسه بنفسه ويرشه ليصلي فيه ركعتين هما نصيبه منه !!
ثم خلفت من بعده خلوف تكنس المال كنسا !
التوحيد الخالص
قال (ع) يصف ربه :
(كل شيء خاشع له ، وكل شيء قائم به ، غنى كل فقير ، وعز كل ذليل ، وقوة كل ضعيف ، ومفزع كل ملهوف) 3.(174/8)
وأقول مرة أخرى : إن مصيبتنا أننا نقرأ أقوال الأئمة للتباهي والمدح المجرد لا للإقتداء والعمل، وإلا كم من ملهوف إذا استغاث أو دعا أو استجار جعل مفزعه غير الله يلتجيء إليه يعوذ به ويتقرب إليه بالنذور
------------------------------------
1-شرح نهج البلاغة 18/193
2-شرح نهج البلاغة 18/48
3- شرح نهج البلاغة 7/194
ويندب اسمه ويستغيث به دون الله ؟! دون أن يدري أنه في طريق والإمام (ع) في طريق أليس هو القائل :
(إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة ، وأقام الصلاة فإنها الملة ، وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة ... وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة ... واقتدوا بهدي نبيكم فإنه أفضل الهدي واستنوا بسنته فإنها أهدى السنن ، وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب) 1.
حكم أين نحن منها ؟
(من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) 2.
(إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته (نسبه)، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته) 3.
ما مدى تطبيق هذه القواعد العظيمة من الواقع ؟!
يعطون و...لا يأخذون !!
لقد سار أولاد أمير المؤمنين (ع) وأحفاده على خطاه التي ترسمت خطى رسول الله (ص) ، فهذا الإمام الحسن (ع) دخل السوق لحاجة يشتريها فساوم صاحب دكان في سلعة فأخبره بالسعر ثم علم أنه الحسن بن علي سبط رسول الله (ص) فنقص في السعر إجلالا له وإكراما ، ولكن الحسن لم يقبل منه
--------------------------------------
شرح نهج البلاغة 7/121
شرح نهج البلاغة 19/331
شرح نهج البلاغة 18/252
ذلك وترك الحاجة وقال :
(إنني لا أرضى أن أستفيد من مكانتي من رسول الله (ص) في شيء تافه).
أما الإمام السجاد (ع) فكان إذا سافر كتم نفسه حتى لا يعرفه أحد فيصله ويعطيه شيئا بلا مقابل ويقول :(174/9)
(أنا أكره أن آخذ برسول الله (ص) مالا أعطي به).
أقول : لقد أمسى الانتساب إلى رسول الله (ص) مهنة !! بل هو أعظم المهن وسيلة للارتزاق واستجلاب الترف والنعيم !!! وأضحت توضع لها الشارات والعلامات من أجل الدلالة والتعريف وصاحبها مستعد لتذكيرك إذا نسيت ومطالبتك إن قصرت ! أين هذا من قول الباقر (ع) :
(إذا رأيتم القارىء (أي العالم) يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا)!! واليوم أكثر الناس حبا للأغنياء وتزلفا إليهم هم العلماء إلا القليل !
وكان الإمام الصادق (ع) يتصدق حتى لا يبقى لعياله شيئا وكان كجده زين العابدين يسر بالعطاء ولا يظهره فكان إذا جاء الغلس و أعتكر الظلام حمل جرابا فيه خبز ولحم ودراهم ثم يذهب إلى ذوي الحاجات من أهل المدينة ويعطيهم وهم لا يعلمون .
أما ابنه الإمام الكاظم (ع) فكانت صرة عطائه يضرب بها المثل !
من عمل أيديهم يأكلون
كان أمير المؤمنين علي (ع) يحصل على رزقه أيام خلافته من كد عمله في بستان يعمل فيه ظاهر الكوفة . وهكذا كان الأئمة (ع).
فقدكان للإمام الصادق (ع) مزرعة يعمل فيها ، فيلتقيه رجل يوما ما على قارعة الطريق وهو راجع من مزرعته يتصبب عرقا فيلومه ذلك الرجل بكلمة غير مهذبة تثيره فيقول :
(خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك)1 .
وروى الكليني أيضا عن أبي حمزة قال : رأيت أبا الحسن (ع) يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق فقلت : جعلت فداك أين الرجال؟ فقال : يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي فقلت له : ومن هو ؟ فقال : رسول الله (ص) وأمير المؤمنين وآبائي (ع) كلهم قد عملوا بأيديهم 2.
وجاء رجل إلى أبي عبدالله (ع) فقال : أدعو الله أن يرزقني في دعة فقال : لا أدعو لك أطلب كما أمرك الله عز وجل 3.
----------------------------------
فروع الكافي للكليني 5/74.
فروع الكافي للكليني 5/75.
فروع الكافي للكليني 5/75 .
الفصل الثاني(174/10)
نظام الحياة في الإسلام
الاسلام نظام شامل متوازن
جاء الإسلام بنظام للحياة عظيم يمتاز بالشمولية والتوازن ينظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بمجتمعه وكذلك علاقته بنفسه بحيث نؤدي حقوق الله تعالى وعبادته وحقوق المجتمع والإحسان إلى أفراده ومؤسساته وكذلك حقوق النفس وحاجاتها بصورة متوازنة يمتنع فيها طغيان جانب على آخر بل تجعل هذا الإنسان يعيش ضمن منظومة متناسقة مترابطة ترضي خالقه وتمنح نفسه ومجتمعه الاستقرار وطيب العيش في الحياة الدنيا وفى لآخرة وإلى هذا أشار الرسول العظيم (ص) بقوله :
إن لربك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ولنفسك عليك حقا) لقد فصل ديننا هذه الحقوق تفصيلا :
فأمر بعبادة الله وحدة ونبذ عبادة ما سواه أو التعلق به من دونه كدعائه والاستغاثة به أو استعانته أو القسم به أو الخوف منه أو رجاءه والاعتماد عليه أو الرجوع إليه في الطاعة والتحاكم والتشريع وما إلى ذلك مما لا يصلح صرفه إلا إلى الله وحده .
وفرض الصلوات الخمس وحدد أوقاتها وفرض صوم رمضان وإيتاء الزكاة وحج البيت وأمر ببناء المساجد وعمارتها وشرع الذكر وقراءة القرآن وتدبره والعمل به وجعل الجهاد في سبيل الله والدعوة إليه ذروة سنام الإسلام ...
وبين سبحانه –أن هذه العبادات أساسها عمل القلب من الإخلاص والصدق والخشوع والخوف والحب والرجاء والتفكر والتوكل واليقين ... و شرع كذلك الصدقة والإحسان إلى الخلق من ذوي القربى واليتامى
والمساكين وأبناء السبيل- وأوصى بالجار وإحسان العلاقة مع الناس جميعا .(174/11)
ونظم الأسرة وشرع الزواج وحرم الزنا وبين حقوق الزوجين في الائتلاف والاختلاف وحث على تربية الأولاد أما الوالدان فالإحسان إليهما مقرون بأعظم أركان الدين –وهو التوحيد! كما أمر بالصدق في الحديث والوفاء بالوعد وغض البصر والعفاف وإحصان الفرج... ونظم احوال السوق فأحل البيع وحرم الربا والغش والاحتكار وحث على التسامح والتعاون على البر والتقوى.
وعلم المسلم كيف يتطهر ويتجمل ويلبس ويتغذى وينام وفي العموم ما من جزئية من جزئيات الحياة ومفرداتها إلا وذكرها ونظمها كالزراعة والصناعة والتعليم والصحة والجيش ...الخ.
فإذا أديت هذه الحقوق والواجبات كما أراد الله عز وجل صلح حال الفرد والمجتمع .
أما إذا وقع الخلل واختل التوازن المذكور كأن تطغى حظوظ النفس ورغبات الجسد على حقوق الله أو المجتمع أو حصل العكس فإن هذا النظام الرائع يفسد فيعم الخراب وينهار المجتمع وصدق الله إذ يقول :
(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)الروم 41
إن الإسلام حين يقدم نظامه العظيم هذا ويدعو المسلم إلى أن يراعي حقوق الله وحقوق المجتمع مراعاة شديدة ويحثه على التوسع في هذين الحقين قدر المستطاع.
لكنه من الناحية الأخرى يدعو إلى التخفف من متع الدنيا ويحثه على الزهد فيها وعدم الإكثار منها .
إنهما أمران متعاكسان تماما!
فبينما نرى الإسلام يقسم حق الله وحق المجتمع إلى :
- واجب لا يحل التفريط فيه
مستحب رتب عليه أجرا يغري المسلم بفعله والتوسع فيه
نراه من الناحية الأخرى يقسم الأمر قسمة معاكسة فمثلا :
أمر بالصلاة والصوم وحث على الإكثار من التطوع فيهما كنافلة القيام والسنن وصوم يومي الاثنين والخميس وفرض كذلك طاعة الوالدين وبرهما وفرض الزكاة التي هي حق المجتمع وحث على الصدقة من الأموال والأطعمة وغيرهما بل قرن بين الذبح وإطعام اللحم وبين الصلاة فقال :
(فصل لربك وانحر) الكوثر2 .(174/12)
بينما لم يجعل التوسع في المآكل والمشارب و المساكن و المناكح لا من الواجبات ولا من المستحبات ولم يرتب على ذلك مدحا ولا أجرا وإنما غايته أن يكون من المباحات التي يستوي فيها الفعل والترك إذ ليس جمع المال ولا بناء القصور ولا المتاع الجسدي أمورا جاء الشرع بالترغيب فيها ولا جعل لها فضيلة لذاتها ولا أجر فيها ما دامت منفعتها مقتصرة على الفرد نفسه إنما الأجر على إعطاء المال والإيثار به لا على أخذه أو كنزه أو التمتع به .
وقد أمر الإسلام بالعفاف وغض البصر وإحصان الفرج وجعل للزواج غاية سامية فوق المتعة الجسدية الزائلة ، ألم تر أن الله تعالى يقول :
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) الأحزاب 41-42
(إنما أموالكم وأولادكم فتنة) التغابن 15
(المال و البنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) الكهف46
فأرشد إلى الإكثار من الذكر وإلى الحذر من المال والولد وبين أنهما متاع دنيوي زائل .
إذن الأمر في باب العبادة والإحسان إلى الخلق قائم على الترغيب والتوسيع وفي باب المتاع المالي والجسدي قائم على التزهيد والتضييق والحكم في الباب الأول يدور بين الاستحباب والوجوب بينما هو في الباب الآخر يتردد بين الإباحة والكراهة والخط هناك صاعدا أبدا، وهنا نازل قد ينحدر إلى درك الإثم والحرمة . هذاهو نظام الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده وما عداه فمن وضع البشر واجتهادهم .
النظام الذي يقوم عليه التدين الدخيل
بعد طول ملاحظة ونظر ومناقشة تيقنت من حقيقة مرة بائسة هي : أن التدين الذي نمارسه اليوم يتناقض كليا مع النظام الرباني البديع !!(174/13)
إنه باختصار دين آخر يقوم ويرتكز على الاهتمام بحظوظ النفس ورغبات الجسد من المال والجنس والمتع الدنيوية الهابطة . لقد وصل هذا التدين البديل إلى درجة مخيفة من الاختلال والاضطراب في هذا النظام . لقد تغلبت الحظوظ والمتع الذاتية على حقوق الله والمجتمع تغلبا مذهلا ، لا يمكن أن يتأمله عاقل إلا ويدرك جازما أن هذا ليس هو
التشيع الأصيل ولا يعقل قط أن يكون هو الدين الذي جاء في التنزيل !
وإذا أطلقت عليه ظلما كلمة (التشيع) فلا بد أن نضيف إليها كلمة أخرى هي (الدخيل) حتى نبرئ ساحة التشيع الأصيل .
انه ملخص في هذه العبارة الجامعة :
(دين في أمر العبادة والإحسان يقوم على التضييق والمشاححة وفي أمور المال والجنس يقوم على التوسيع والمسامحة)!! وحاشا أهل البيت (ع) ان يكون هذا ( الدين )منهجهم ، ومن الغلط الفاحش أن نسميه (تشيعا) .
وقد ربط أقطابه والمستفيدون منه بين كثير من العبادات الشرعية أو البدعية وبين الطعام والشراب والمال والجنس ! وفتحوا الباب على مصراعيه للولوج إلى دائرة الحرام بعد أن أمسى الجو مهيئا ومناسبا ، والحواجز ضعيفة أو معدومة ، والذرائع إليه موصولة موفورة ! لا سيما وأنهم استطاعوا أن يخيلوا لأتباعهم أن أعظم المنكرات تغفر بأوهن الأسباب وأوهى الأعذار .
و ..... هكذا –وكنتيجة حتمية- صار الجنس واقعا وباتت العبادة قائمة على المال والجنس والمتاع والتوسع فيه ، وعلى حذف ما أمكن حذفه واختصار ما أمكن اختصاره من الفرائض الدينية والتخفف منها أو تحويلها إلى مصيدة للمال والجنس ما وجدوا إلى ذلك سبيلا ! ففي المال والجنس نجد الإضافة والمسامحة والتوسيع ،وفي العبادة والإحسان نجد الحذف والمشاححة والتضييق!! هذه هي القاعدة احفظها جيدا وتعال معي أفصل لك ما أجملته تفصيلا وذلك فى الباب التالى .
الباب الثاني
المنهج الدخيل ... الواقع الفاسد
الفصل الأول : التوحيد
من الإيمان إلى ... الإدمان(174/14)
ومضات سريعة من درر القرآن الكريم
(أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فماله من هاد) الزمر22-23 .
تأمل هذه الصورة ثم قارن بينها وبين الصورة التي ترسمها الآية التالية لترى إلى أي الصورتين نحن أقرب :
(وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة و إذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) الزمر45.
من هؤلاء (الذين من دونه)؟ إنهم: (اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى) النجم 19-20 الذين قال الله عنهم : (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) النجم 27 ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... إذا كان المشركون يعتقدون أن الملائكة بنات الله -سبحانه- فيتخذونهم شفعاء يدعونهم أو يدعون الله بهم وقت الرخاء ويستبشرون
بذكرهم وينشرحون له أكثر منهم عند ذكر الله فإذا كان ذلك شركا بالله فما الفرق بينه وبين الانشراح عند ذكر الصالحين أكثر منه عند ذكر الله ؟!
ألسنا نخشع ونبكي عند الأضرحة والمقامات أكثر من خشوعنا وبكائنا ونحن في حضرة الله في بيوته ومساجده أو عند قراءة كتابه والاستماع إلى كلامه ؟!
(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا) الانفال 2-4.
(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) الزمر67 .
(وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة). فصلت6-7 .
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) التوبة31.(174/15)
إنها ربوبية الطاعة من دون نقاش لا ربوبية الخلق لأن اليهودي أو النصراني لا يعتقد في الِعالم أنه هو الذي خلقه وإنما يطيعه طاعة مطلقة كطاعة الله ويقدم له أمواله فهو مسلوب العقل والمال من قبل هؤلاء الأحبار والرهبان كما قال تعالى :
(إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله) التوبة34
مع أن الله تعالى يقول : (اتبعوا من لا يسألكم أجرا) يس 21.
وقال : (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا. وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) الأحزاب66-67 .
(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) النور30.
(وقضى ربك إن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا... وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ...) الخ من الوصايا التي جاءت في سورة الإسراء23-26.
وجاء قوله تعالى : (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة5 .
يأمر بإفراده بالاستعانة كإفراده بالعبادة سوءا بسواء وهو الأصل الذي إنبنى عليه القول المأثور عن علي (ع) :
(من استعان بغير الله ذل)
وجاء قوله تعالى : (ادعوني أستجب لكم) غافر60.
(فلا تدعوا مع الله أحدا) الجن18.
(وهو معكم أين ما كنتم) الحديد4.
(ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ق16 .
ليرد على كل من تعلق بغير الله فدعاه أو استغاث به في شدة أو تصور أنه أقرب إليه استجابة من الله أو اعتقد أن الله أبعد عنا من واسطة نحتاجها تقربنا إليه :
(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان) البقرة186.
هذه هي صورة التوحيد والإيمان الجميلة وفي مقابلها صورة الشرك والكفر البشعة القبيحة .(174/16)
إن التوحيد تعلق بالله وحده يثمر كل هذه الثمرات الطيبة ويصوغ شخصية المسلم صياغة جديدة تمتاز بالعفاف والحياء والإيثار والعطاء وعلى العكس من ذلك الشرك إنه انقطاع عن الله وتعلق بغيره مهما كان ذلك الغير ملكا فما دونه صورة كالحة وثمار فجة مرة و وقاحة وفحشاء وأخذ بلا عطاء إنه تخبط ودوران في فلك الذات والملذات بعيدا عن الله ومصلحة المجتمع .
والآن ... وبعد هذه الجولة السريعة بين معالم المنهج القرآني نأتي إلى هذا التدين الدخيل الذي نمارسه بصورة طبيعية دون نكير أو اعتراض معتقدين أنه دين أهل البيت !فماذا نجد فيه؟!!
في خدمة المال والجنس
ضعفت الصلة بالله ضعفا شديدا بحيث لا يذكر إلا قليلا ! وهذا القليل لا يكون إلا بواسطة و شفاعة !.
مساواة الله عزوجل بالرسول (ص) والائمة (ع)
ولو تلمس كل واحد قلبه لأحس أن تعلقه واعتماده على الوسطاء والشفعاء أكبر من تعلقه واعتماده على الله هذا إن لم يكن الله بعيدا تماما عن الموضوع . فالمدعو والمستعان والمستغاث والوهاب والشافي ، ومن يجيب المضطر ويكشف السوء، ويذهب الهموم ويزيل الغموم ويفرج الكربات ويلبي الطلبات ويحل المشكلات ، ويفرج الشدات ويسمع الدعوات ليس هو الله بنفسه وإنما لابد من توسط الوسطاء وتدخل الشفعاء ، وقد يدعى هؤلاء مباشرة دون الرجوع إلى الله !!
ولا أدل على ذلك من اللحظة التي يقع فيها أحدهم في شدة واضطرار فإن أول ما ينطق به لسانه هو (الإمام) أو (الولي) وليس (الله) !
الأمر الذي لم يكن قد وصل إلى دركه المشركون الأولون الذين (إذا ركبوا في الفلك دعو الله مخلصين له الدين) العنكبوت65 .والذين قال الله فيهم : (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا) الإسراء67.(174/17)
حتى أن كثيرا من العوام يدافع عن اعتقاده قائلا : (إن صبر الله طويل) وإن (صبره أربعون عاما) أي فمتى سيجيب ونحن مضطرون والحالة لا تحتمل تأخيرا ؟! ناسين أنه قريب مجيب بل هو أقرب إليهم من حبل الوريد ، وأنه (إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون) يس 82.
أما (الولي) -وهو لفظ يطلق عادة على صاحب القبر أو المرقد- فيعطي المراد ويستجيب للعباد كل حين ودون انتظار أو تأخير . وإذا ودعك مودع فإنه يقول لك : (الله ومحمد وعلي معك) مع أن القرآن من أوله إلى آخرة لا يثبت أحدا معك في كل حين وعلى كل حال إلا الله لا محمد (ص) ولا علي (ع) ولا غيرهما .
(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا (هو) رابعهم ولا خمسة إلا (هو) سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا (هو) معهم أينما كانوا) المجادلة7 .من هذا الذي يعبر عنه الله بقوله (هو) هل هو غير الله ؟!!
أليست هذه الآية : (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف106. منطبقة على هذه الحالة تمام الانطباق ؟!
من الحافظ ؟
سؤال قد يبدو غريبا ولكن تأمل هذه المواقف التي أشهدها وتشهدها معي كل يوم :
ذهبنا في تشييع جنازة إلى النجف وبينما كنت أدخل إلى صحن مرقد الإمام (ع) قال لى أحد باعة الماء وهو يعرض علي طاسة ماء : (يحفظك الإمام) قلت له –وأنا أخاطب الجميع- ألستم مسلمين ؟! ألم تقرأوا قول الله في القرآن : (فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) يوسف64 .
و ركب في سيارتي رجل فقال : (يا علي) ولما استقر في مجلسه بدأت أشرح له مسألة الاستغاذة وأنها خاصة بالله أما أهل البيت (ع) فنحن نحبهم ونقتدي بهم لكن لا ندعوهم ولا يجوز أن نستعين بهم ... الخ فوافقني على ما أقول لكنه حينما نزل ووجه إلي كلمات الشكر قال في آخرها :
(يحفظك الرسول) !! قلت في نفسي وأنا أبتسم : ما عملت شيئا!
أسماؤنا تعبد لغير الله(174/18)
حتى أسماؤنا تدل على ضعف تعلقنا بالله وشدة تعلقنا بالوسائط فعبد الحسين وعبد الزهرة وعبدعلي وعبد الرضا وعبدالكاظم بل عبدالسادة وعبدالأئمة وعبدالكل وعبدالأخوة أكثر شيوعا من عبدالله وعبدالرحمن وعبدالرزاق إلى الحد الذي يكاد يختفي معه هذه الأسماء الكريمة والتي هي من أحب الأسماء إلى الله!
بل عبدالرحمن أو عبدالرزاق مثلا يمكن أن يتحول إلى رحمن ورزاق أما عبدالحسين وعبدالرضا فحاشا وكلا.
وتجد التلفظ بعبد الحسين أو عبدعلي أسهل على الألسنة من التلفظ بعبد الرحمن أو عبدالرزاق ! حتى صار من المألوف أن يكون في سلسلة اسم شخص اسم الرب مجردا واسم المخلوق معبدا مثل (كريم عبدالرضا) عوضا عن ( عبد الكريم عبد الرضا ) و (جليل عبدالحسين) اختصارا ل ( عبد الجليل عبد الحسين )!
ومن المفارقات أنك تجد جميع أسماء الأئمة تحمل أداة التعريف (الـ) الا اسم علي فيقال : عبدالحسن ، ولا يقال عبدالعلي لأن (عبدالعلي) يعني عبدالله لذلك يقولون (عبدعلي) للتأكيد على أن العبودية لغير الله!!
ولد لصديق لي مولود ذكر وذلك بعد طول انتظار وترقب فسماه (عبدالوهاب) تيمنا باسم (الوهاب) الذي وهبه له كما قال إبراهيم (ع) : (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل) ابراهيم 39 ولما جاءتهم جارتهم مهنئة فوجئت بهذا الاسم (الغريب العجيب) فعبرت عن استغرابها قائلة : أما وجدتم غير هذا الاسم ؟! سموه حيدر سموه حسين !!
حور ونذور
وما أكثر (الأئمة) ! إذ لا يحتاج الأمر إلى أكثر من تصميم شكل مكعب على وجه الأرض من فوقه ستور وقبة ((بعضها فوق بعض)) ويجب أن يكون هذا كله قريبا من خط المواصلات! و (للأئمة) –وهذا هو المهم في الأمر كله- سدنة يقومون بأمرهم وأبنيتهم وقبابهم ((وهم لهم جند محضرون)يس 75.(174/19)
تصور ! (الإمام) يحتاج إلى من يحرسه ويحميه وليس العكس ! وهؤلاء السدنة يحصلون من وراء ذلك على أموال طائلة على شكل نقود أو ذبائح أو نذور أو قرابين وأطعمة ، والوساطات كلها قائمة ومشروطة بدفع الأموال والذبائح والنذور فلا يمكن أن تنجح وساطة أو تقبل شفاعة إلا بذلك ولا وصول إلى الله إلا بشفاعة أو وساطة!
حتى القسم أو اليمين اعظمه ما كان في حضرة (الإمام) ويمكن لأي إنسان أن يحلف مائة مرة بالله كاذبا على أن لا يحلف مرة واحدة (بالإمام) وهو كاذب خصوصا إذا كان في (حضرته) أو (مقامه) أو (ضريحه) ! وهو أمر لم يصل إليه مشركو الجاهلية الأولى فأنهم إذا أكدوا اليمين فإنهم يؤكدونها بالحلف بالله كما أخبر الله عنهم بقوله : (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم) فاطر42.
المناسبات الشرعية والمناسبات المحدثة بين الاهتمام والغفلة
والزيارات لا تنقطع وقد جعلوا لها مراسم ومناسبات على مدار العام وإن كانت تشتد وتخف من موسم لأخر ومن مناسبة لأخرى فشهر محرم إلى نهاية صفر موسم بحاله، وعاشوراء وما أدراك ما عاشوراء ! وأيام الأعياد خصوصا و يوم عرفة ، وهذا اليوم مولد فلان وذلك يوم وفاته أو مقتله وهذه (الرجبية) وتلك (الشعبانية) وهذه (دورة السنة) وهي السنة الفارسية يوم 21 آذار أي يوم نيروز الذي نحيي ليلته بإشعال النيران!أما السنة الإسلامية الهجرية فنستقبلها بالنوح ولبس السواد والمناسبات لكثرتها لا يمكن إحصاؤها ! ناهيك عن مساء كل جمعة التي هي مناسبة أسبوعية كما هي جماعية يجتمع فيها نساء ورجال الحي
وأكثرهم –إن لم يكن جميعهم- لا يعرف من الدين غير هذه الزيارات وهذه المناسبات التي على كثرتها وتنوعها وما يدعى من أهميتها وفضيلتها لم ترد واحدة منها –ولو لمرة واحدة- في آية من القرآن !(174/20)
قلت لأحد هؤلاء الشباب –وهو موسوي النسب- :يا سيد تصلي الجمعة؟ قال : نعم . قلت –وأنا أعلم جيدا أنه لا يصلي الجمعة- أين ؟ قال : في النجف أو كربلاء قلت : ما شاء الله في أي جامع؟ قال : لا إنما كل خميس نذهب إلى الأئمة وهناك نصلي ونزور!! قلت –في نفسي- : سبحان الله ! العصر زحف إلى الظهر قبلناه لكن الجمعة تزحف إلى الخميس ما سمعت بهذا !!
ومن الملفت للنظر أننا نحتفل بمولد ووفاة كل (إمام) إلا إمام الأئمة محمدا عليه الصلاة والسلام!
ونتجاهل كل المناسبات الإسلامية العظيمة مثل الإسراء والمعراج والهجرة والمعارك الفاصلة في تاريخنا كبدر . أما يوم النيروز الذي هو عيد مجوسي فنحتفل به ونشعل في ليلته النيران!
ماذا يحدث عند المزارات
وهذه الزيارات يقترن بها اجتماع الجنسين من الشباب والشابات بل هي فرصة ذهبية لتحقيق اللقاءات والوفاء بالمواعيد ونيل (المراد) خصوصا أيام وليالي مواسم المشي على الأقدام والمبيت على جنبات الطريق الطويل!
لقد وصل الخراب حدا لا ينفع معه التجاهل والمكابرة ولا يفيد الإيماء أو الرمز بحياء بل لا بد من التصريح والمجاهرة ومواجهة الحقيقة
كما هي بشجاعة دون لف أو دوران وإن كان تفصيل ما يحدث من علاقات محرمة أمر لا يجهله لبيب ولا غيره ولكن الجميع سكوت مودة بينهم في الحياة الدنيا ! حتى العلماء !!
أما لحظات الازدحام عند الطواف حول الضريح والمبيت فيه فحدث ولا حرج حتى إن بعضهم يتقصد الطواف من أجل ذلك ناهيك عن موسم زيارة (أحمد بن هاشم) المخصصة للطرب والرقص والخمور !
واللطيف أنك تقرأ عند مدخل كل مزار عبارة (ممنوع دخول السافرات)!!(174/21)
وإذا رأيت ثمّ رأيت السدنة وكيف يستولون على أموال المغفلين ويستلبونها منهم بشتى الأساليب ومختلف الوسائل والحيل !! فهذا يستقبل الزائرين والزائرات يستحلفهم بـ(الإمام) قائلا : (عليك بهذا الإمام عندك نذر)؟ حتى إن بعضهم ليقتحم المرأة يفتش ثيابها و جيب صدرها وليتعرف على أمور أخرى أنت قد لا تعرفها !
وهذا جالس يقرأ على ميت والأوراق تتهاوى عليه أوتدس في يده او جيبه مباشرة.
وعلى مسافة من هنا وهناك آخر وآخر يمسك بخروف يبيعه في اليوم الواحد مرات ومرات والخروف المسكين لا يزال كما هو لم يبرح يده بل هو في أسر دائم وسجن لا ينتهي إلا إلى بطن (الكَيِّم) ( أي القيم على القبر ) الذي يقول لكل مغفل يدفع إليه ماله ثم يأخذ منه الخروف أخذا صوريا ثم يرجعه إليه : (وصل نذرك) قلت : نعم وصل ولكن .. إلى جيب (الكَيِّم)!
وهذا يمسك بإناء يصطاد به الدنانير وذلك يحجزك عن الشباك كي لا تضع المال داخله وإنما في يده ليتحقق وصوله إلى (الإمام) تصور!
المال الذي يأخذه السادن قبل أن يصل أو يقع فوق القبر متحقق وصوله إلى (الإمام) أكثر من المال الذي وصل عيانا واستقر فوقه!
أحيانا ترى امرأة أو رجلا عنيدا لا يتوقف إلا عند الشباك إذ هو لا يقتنع إلا إذا رأى نقوده في داخله رغم اعتراضات وتوسلات السادن الذي يظل يكرر ويحاول ويقول (وصل نذرك ، وصل نذرك) !!
وهذا يمسك بكراريس وكتيبات : هذا حلال المشاكل وهذا الدعاء للحسد وذلك دعاء للخوف و (الجفلة) وهذا لجلب الرزق وآخر للدخول على علية القوم .. وهكذا حسب الطلب !
وهنا أحدهم قائم يبيع خرقا تسمى (ستارة) وهي في حقيقتها سنارة وعلى مقربة منه رجل يبيع قطعا من الجص مصبوغة باللون الأزرق ومثقبة بسبعة ثقوب يسمونها (أم سبع عيون) عجبا!
مثقبة وتمنع الأذى وتصد العيون !(174/22)
نعم لو ذهبت إلى أي مرقد من هذه المراقد لرأيت عجبا من أولئك الذين يضعون على رؤوسهم الطرابيش الحمر والعمائم الخضر ومنها بيض مختلف ألوانها وغرابيب سود ولهفتهم على تلك النذور والأموال وما يسمونه (بحق الجد) وغالبهم أو جميعهم حليقو اللحى حتى يسهل عليهم تغيير الجلد عندما يقتضي الأمر ويجد الجد!
أما الميت فلا يدفن إلا بقناطير مقنطرة من المال : فمن التغسيل إلى التكفين إلى التلقين إلى الطواف إلى الصلاة إلى بناء القبر الى القراءة عليه إلى إقامة العزاء في (المسجد) إلى مجيء (رجل الدين) للقراءة مرة
أخرى ... كل هذا لايتم إلامقابل مبلغ او مبالغ من المال فى كل خطوة تخطوها ،وهكذا دواليك في سلسة لا تنتهي حلقاتها فبعدها (الأربعين) و (الحول) وما الله به عليم !
ومن الأمور الملفتة للنظر أن معظم المراقد مبنية على مقربة من الطرق ومنها لا يبعد عن الطريق سوى بضعة أمتار مع أن هذه الطرق لم تكن موجودة من قبل مما يدل على أنها قبور وهمية ، القصد منها المتاجرة والربح و إلا كيف توزعت هذا التوزيع ؟؟! هل سمعت أو رأيت مقاما لجعفر الطيار (ع) ؟! وجعفر الطيار لم ير في عمره أرض العراق فمن الحجاز إلى الحبشة إلى الحجاز مرة أخرى بعد خيبر إلى الشام ليقتل شهيدا في معركة مؤتة!
أو مرقد الإمام الباقر (ع) والباقر مات في المدينة المنورة ودفن فيها!
أو مرقد للنبي شعيب (ع) ولا أدري ما الذي أتى به من مدين في الشام ليموت في الديوانية في العراق .
وأعجب منه مرقد (النبي مدين) وهل (مدين) نبي أم قبيلة بعث فيها شعيب (ع).
وهناك أغرب : مرقدا للملك (مالك) خازن النار !!
ملاحظة : توجد فروع متعددة لهذه المراقد والمقامات ! هل تجد نفسك بحاجة إلى الصراخ أو الاعتراض؟!
لا بأس! ولا أتوقع غير ذلك منك ومن الكثيرين من أبناء جلدتي وأحبتي! أما قلت لك : إن الورم الكبير ، يحتاج إلى عملية جراحية كبرى! أريد أن(174/23)
أجريها لك أمام عينيك من دون تخدير –كما فعلوا معك- لأني في حاجة إلى عقلك و صحوك وهم لا يريدونك إلا مخدرا لا تعي من الأمر شيئا فلا غرابة من انزعاج المريض إذا رأى مبضع الجراح!
ولكن أعلم أن الصراخ لا يليق بالكبار ، وأن الجراح وإن كان يقوم ببتر عضو تالف من أعضائك إلا أنه لا يستحق منك إلا الحب والإكبار !
لقد تحولت زيارة المراقد إلى ما يشبه حج المشركين في الجاهلية وطوافهم بالكعبة عراة!
نعم قد لا ترى امرأة عارية أو رجلا كذلك إلا أن هناك عريا أشد! وإذا جاء من مآثر الجاهلية أن إسافا ونائلة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين ، فإن إسافا ونائلة ما زالا يطوفان في مراقد الأولياء وما زالا يمسخان -لكن- مسخا لا تدركه العيون وإنما القلوب التي في الصدور!!
ماذا تقول المصادر ؟
وجدت في المصادر روايات لا تحصى في فضل زيارة المراقد حتى تصل إلى تفضيلها على حج بيت الله تعالى وزيارة المسجد النبوي الشريف!
اقرأ هذه الرواية –ومثلها كثير- في كتاب (الكافي) للكليني : عن أبي عبدالله (ع) أنه قال : (إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين (ع) يوم عرفة واغتسل من الفرات ثم توجه إليه كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها-ولا أعلمه إلا قال- وغزوة-1.
وتفضيل كربلاء على الكعبة المعظمة مشهور كشهرة البيت الذي يقول :
... ... ...
1- فروع الكافى للكلينى 4/580 ... ... ... ... ... ...
وفي حديث كربلاء والكعبة ********** لكربلاء بان علو الرتبة
وحديث كربلاء والكعبة هو الحديث الشنيع الذي صنعوه على لسان أبي عبدالله (ع) والذي جاء فيه : (إن الله أوحى إلى الكعبة لولا تربة كربلاء ما فضلتك ، ولولا من تضمنته أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذب افتخرت ، فقري واستقري وكوني ذنبا متواضعا ذليلا مهينا غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء و الا سخت بك وهويت بك في نار جهنم) 1.(174/24)
إن هذه العقيدة الباطلة تواطأ عليها أغلب الفقهاء ويصرحون بها دون حذر أو نكير من أحد.
سئل أحدهم : لماذا الإمام علي (ع) أفضل من الكعبة ؟
فأجاب ( بسمه تعالى : أوضح الأمثلة الموضحة لذلك : وردت رواية بتفضيل كربلاء على البيت الحرام . ونحن نعلم أن علي (ع) خير من الحسين (ع) كما نطقت به الروايات أيضا فيكون قبره خيرا من قبره فيكون أفضل من الكعبة أيضا2 (!!) . وسيأتي مزيد بيان في موضوع (الحج).
إن هذا كله يخالف صراحة تراث أهل البيت إذ لم يكونوا مجوسا أو زنادقة بل مسلمين مهتدين .
بحار الانوار للمجلسى 101/107
المسألة 9 من كراسة المسائل الدينية و اجوبتها للمرجع الدينى الاعلى السيد محمد صادق الصدر 2/5
وتأمل المسائل التالية : ... ... ... ... ... ...
-مسألة (561) الصلاة في مسجد النبي (ص) تعادل عشرة آلاف صلاة 1.
مسألة (562) تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة (ع) بل قيل : أنها أفضل من المساجد 2 . وقد ورد أن الصلاة عند علي (ع) بمائتي ألف صلاة 3.
أي فضل من الصلاة عند النبي (ص)بعشرين مرة!!.
تناقض عجيب
لقد وصف الله جل وعلا كتابه بقوله : (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) الزمر23 و لو لم يكن هذا الكتاب حقا لكان متناقضا ولم يكن متشابها يصدق بعضه بعضا ويشابهه ويقول تعالى : (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) النساء 82 فحيث وجدت التناقض وجدت الباطل .
لكنني نظرت في المصادر المنسوبة إلى أهل البيت فوجدت عجبا !! إذ لم أجد مسألة واحدة قط إلا وبجانبها واحدة أخرى تناقضها بحيث صارت هذه المصادر ميدانا فسيحا يجري فيه من هب ودب من الصِّدِيق إلى الزنديق يأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء ! ومع أن الإمام الصادق (ع) عندما كثر الكذب عليه قال ليضع حدا فاصلا بين ما هو
منهاج الصالحين للخوئى 1/147
منهاج الصالحين للخوئى 1/147
منهاج الصالحين للخوئى 1/147
حق وما هو باطل :(174/25)
(ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فدعوه) 1.
إلا أن الواقع يخالف هذه القاعدة الذهبية إذ الاختيار في أغلب المسائل المتناقضة لا سيما في أصول الدين ومهماته يقع على ما خالف كتاب الله!!
أقرأ هذه الرواية عن الإمام الباقر (ع) : (ما خلق الله عز وجل بقعة في الأرض أحب إليه منها –ثم أومأ إلى الكعبة- ولا أكرم على الله عز وجل منها لها حرم الله الأشهر الحرم في كتابه يوم خلق السموات والأرض) 2.
وهي مثال على تناقض المسائل وعلى أن المعمول به خلاف الكتاب! ومثلها كثير لكنه مطمور.
ماذا نحتاج؟
نحتاج إلى ثلة من العلماء الشجعان يسندهم جمهور متعطش إلى الحق يقومون بتصفية المصادر ونخلها من الروايات المرذولة والأحاديث المخبولة وهو أمر ليس بالمستحيل إذا التزمنا كتاب الله تعالى وجعلناه مرجعنا في كل شيء كما أمر الإمام الصادق وهو يعاني نفس ما نعانيه قبل أن يتسرب إلى الكتب .
اما إنه يكفي في الحكم علي هذه الروايات النظر في متونها (فكل متن يباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه باطل موضوع) .
اصول الكافى للكلينى 1/69
فروع الكافى للكلينى 4/240
خطاب إلى الأجيال الجديدة
إني أصرخ فيكم وأستنهض هممكم من أجل أن تعودوا إلى القرآن ثم تقارنوا به ما هو موجود في الكتب والمصادر فما وافقه فأثبتوه وما خالفه فدعوه .
إن دينكم الذي أنتم عليه اليوم معاكس –في غالبه- بذلك وأن الذين أسلمتم إليهم قيادكم ووثقتم بهم بين غاش لكم وساكت عن الحق يخاف على نفسه!.
وهناك فريق ثالث قليل جدا –وأراه يكثر- يقول الحقيقة لكن أقواله تذهب سدى وسط الضجيج والتشويه وحملات التحذير والدعايات المضللة ، وقد يدفع حياته ثمنا لذلك!!
أسلوب الإ سقاط(174/26)
إنه من أخطر الأساليب في تضييع الحق والتشويش على الحقيقة لكنه –ومع الأسف والأسى- معتمد ومطبق وشائع حتى صار الخنجر المسموم الذي لا يخيب ظن صاحبه في اغتيال كل صوت معارض كي لا يصل إلى الجماهير المنكوبة التي تعيش وسط سحب كثيفة من غبار التشكيك ودخان التشويه!
إنها لعبة قديمة قدم الباطل وأهله ، وجديدة لأنها متكررة ، ولطالما نجحت هذه اللعبة الماكرة في صد الناس عن معرفة الحقيقة ، وإن كانت خاسرة في ميزان الحق والأسلوب العلمي الصحيح.
إنها تجسد المعنى الآتي بكل حذافيره :
ما دام الحق يأتي على لسان زيد فأنا لا أتبعه
وما دام عمرو هو الذي يقول فقوله هو الحق !!
بهذا استطاع الماكرون أن يجعلوا من ملايين البشر قطعانا كقطعان الماشية يوجهونها كيف وأنى يشاؤون ! ولم لا ؟ أليست الجبة كجبة عمرو والعصا كعصاه إذن فما أحلى النعيق ! .
(إن الحق لا يعرف بالرجال . اعرف الحق تعرف أهله).
هذه هي القاعدة العلمية الرصينة التي أرسى دعائمها الإمام علي (ع) .
إذن علي أن استمع إلى كلام أولا ثم بعد ذلك أقرر إن كان صاحبه محقا أم لا وليس العكس .
اليست (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها)
أما هذا الكتاب لا تقرؤوه لأن صاحبه عميل للمخابرات الفلانية وذلك مزقوه لأن مؤلفه يعمل في الدائرة الفلانية ، وهذا الخطيب اتركوه ، وذاك اقتلوه والآخر فسقوه أو كفروه لا لشيء إلا لأنه جاء بغير المألوف فهو حقاً استهانة بعقول الناس ومصادرة لها وإرهاب فكري وإكراه مخالف للدين وتهريج لا يليق إلا بالمتاجرين!
إن أساليب الإسقاط وصلت إلى حد أن يقال فلان (وهو من العلماء!)شاذ أو مأبون وأمه كذا وابنته كذا!
ولكنه مع الأسف الشديد الواقع الذى دمر حياتنا . هب أن المتكلم يهودي أو أمريكي أو من أي جنسية أو ملة هل يكفي ذلك في مصادرة كلامه إذا كان حقا؟! أين غابت العقول ؟!!(174/27)
وبهذه الطريقة تبخرت كلمات الدكتور موسى الموسوي حفيد المرجع الديني الكبير أبي الحسن الأصفهاني وأمثاله ، وضاعت أو كادت وسط الضجيج .
أصغ إليه بسمعك وهو يقول : إن طلب الحاجة من غير الله وإشراك غيره في سلطانه وغير ذلك من الأمور الغوغائية التي تصدر من الشيعة عند قبور الأئمة والأولياء لها صلة مباشرة بالمعاناة التي نعانيها نحن في هذه الدنيا... وأي معاناة أكثر من أن يطلب الإنسان حاجاته من أناس لا يستطيعون إجابتها ، وأي معاناة أكثر من أن يكون دعاؤنا وطلب حوائجنا في غير مظانه، إن مظان استجابة الدعوات هو التوسل إلى الله حسب أمره وصريح قوله في القرآن المنزل على رسوله : (ادعوني أستجب لكم) غافر 60ولم يقل : (ادعوا غيري نبيا كان أو إماما حتى أستجيب لكم أو يستجيب لكم) 1 وقال : جاء في وسائل الشيعة للإمام المحقق المحدث الحر العاملي الجزء الثاني من المجلد الأول صفحة 869 : أ- عن أبي عبدالله (ع) قال : قال أمير المؤمنين (ع) : لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبرا إلا سويته .
ب- عن علي بن جعفر قال : سألت أبا الحسن موسى (ع) عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح ؟ قال: لا يصلح البناء عليه.
ج- عن أبي عبدالله (ع) قال : نهى رسول الله (ص) أن يصلى على قبر أو يقعد عليه 2 . انتهى كلام الموسوي .
يا شيعة العالم إ ستيقظوا للدكتور موسى الموسوى 55
يا شيعة العالم إستيقظوا للدكتور موسى الموسوى 56 الحاشية
وأنت ترى أن هذه الروايات قد غلفت منذ دهور وأخفيت عن أعين الجماهير إلى حد أن الذي يتكلم بمضمونها صار يتهم بأبشع تهمة (الوهابية) مع أنها صادرة من بيت النبوة ومشكاتها !!! وكذلك صار كثير من العارفين يتحاشون التحدث بها ، فضاعت الحقيقة ، وضاعت الروايات الصحيحة عن الأئمة وإلا أين نحن من هذه الروايات :(174/28)
عن الإمام علي بن الحسين (ع) قال : قال رسول الله (ص) : لا تحلفوا إلا بالله ومن حلف بالله فليصدق ، ومن حلف له بالله فليرض ومن حلف له بالله فلم يرض فليس من الله عز وجل)1.
عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر (ع) : قول الله عز وجل: (والليل إذا يغشى) الليل 1 و(والنجم إذا هوى) النجم 1وما أشبه ذلك؟ فقال : إن الله يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به )2
عن سماعة عن أبي عبدالله (ع) قال : سألته هل يصلح لأحد أن يحلف أحدا من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم ؟ قال : (لا يصلح لأحد أن يحلف أحدا إلا بالله عز وجل)3
قال في الحاشية : لعله في اليهود المراد به عزير كما قال بعضهم أنه ابن الله .
هل رسولنا (ص) أو الإمام زين العابدين أو الصادق وهابية ؟! يا نهابية !!
فروع الكافى 7/438
فروع الكافى 7/449
فروع الكافى 7/451
ومِن المصلحين الذين تعرضوا إلى المضايقة وتشويه السمعة والاتهام بشتى الأوصاف المنفرة من أجل عزله عن الجماهير وعزل الجماهير عنه (علي شريعتي) في إيران الذي انتهت حياته بالاغتيال لا لشيء إلا لأنه دعا بقوة للتمييز بين تشيعين يسمى أحدهما : (التشيع الصفوي) والآخر بـ(التشيع العلوي).
يصف شريعتي التشيع الصفوي بأنه تشيع الشرك والجهل والخرافة وأن ذلك لا يمكن اعتباره نهجا دينيا أو تيارا دينيا بل إنه تحريف مقصود قام به السلاطين الصفويون ، وكأمثلة على المراسم والمعتقدات التي يصل بعضها إلى حد الشرك بالله يذكر :(174/29)
تحريف فكرة الشفاعة وطرحها بشكل يشبه (الغش في الامتحانات) حيث يسهل بعض القيمين على شئون الدين تمرير بعض الناس للجنة دون أن يستحقوا ذلك ويبث هؤلاء أفكارا ملخصها أن الإنسان مهما عمل من سيئات يمكنه الأمل في الغفران ودخول الجنة إذا شفع له الأئمة في الأرض (أي رجال الدين) والمعلوم أن ذلك يتطلب دفع بعض المبالغ والنذور ويقول أن بعض مراسم الاحترام للقبور والأضرحة المذهبة تشبه مراسم العبادة وإنما يقصد منها إخافة الناس وإذلالهم وإعطاء هيبة مبالغ فيها لرجال الدين والقيمين على أمر هذه المؤسسات هكذا يصبح تراث الأئمة وقبورهم وسيلة لتكوين فئة فوقية مسيطرة على الجماهير بقوة الدين . هذه الفئة تستخدم كل تلك الهيبة الدينية لفرض ما تعتقده حلالا وحراما ولإرهاب كل صاحب فكر ولاحتكار التفكير أصلا .
ويعتبر هؤلاء القائمين على شئون الدين المدعين تمثيل الله رجال دين صفويين لا علاقة لهم بالتشيع العلوي ، ويقول :-وكله أمل بالمستقبل- إنني واثق بأن إسلام الغد لن يكون إسلام رجال الدين ، وإن إسلامنا بدون رجال الدين هؤلاء سيرجع أصيلا سليما 1.
ويذكر شريعتي نقاشات له مع بعض رجال الدين حول النذور والشفاعة وزيارة أضرحة الأئمة ، وكذلك حول مظاهر أخرى تدخل في باب الشرك وتقدم طرحا خرافيا وكاريكاتوريا للإسلام يقول بأن هؤلاء يعترفون ببطلان هذه المراسم ويوافقونك على كل ما تقول ثم يقولون :
ولكن !! ويضيف شريعتي : أن ألـ(لكن) هذه لا تعبر عن العجز بل تعبر عن عدم رغبة هؤلاء في تحطيم قوالب معيقة ومتخلفة هم ليسوا مؤمنين بها لماذا؟ لأن مصلحتهم كفئة ، كطبقة مهيمنة على المجتمع تقضي بالإبقاء على هذه المراسم .(174/30)
إن رجال الدين عندما يتحولون إلى طبقة وفئة خاصة منظمة ومسلحة بأدوات تأثير قوية في الجماهير فإنهم يتحولون إلى مؤسسة رجعية قمعية تفقد صلتها بمبادئ الرسالة السماوية وأهدافها ويصبح همها هو الحفاظ على مصالح الطبقة وهيمنتها .
إن عددا من علماء الإسلام أنكروا هذه الخرافة وعارضوها أو أظهروا التقية تجاهها ولكنهم في معظمهم لا يتجرؤون على المواجهة الصريحة والدحض الصريح .2
هكذا تكلم شريعتى لفاضل رسول 63-65
المرجع السابق مقتطفات من الصفحات 63-64-65
وهكذا .....
وهكذا –والقلب ينزف أسى ولوعة- حول هذا الأصل العظيم أصل الدين كله ! التوحيد إلى ...
هذه الصورة الممسوخة من الطقوس الشركية الباطلة القائمة كلها على المال والجنس والمتاع الدنيوي بعيدا عن الدين الصحيح وسنة الرسول (ص) وتراث الائمة ( ع )
الفصل الثاني
الصلاة عمودالدين
الصلاة أعظم أركان الدين بعد ركن التوحيد (من أقامها أقام الدين ومن هدمها هدم الدين) و(أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح العمل كله وإن فسدت فسد العمل كله) فانظر كيف عمل بها معول الحذف والتضييق :
أوقاتها
اختصرت من خمسة إلى ثلاثة وتبعا لذلك فلا يؤذن لها ولا تؤدى في غير هذه الأوقات .
ولست في صدد النقاش فيما إذا كانت ثلاثة أو خمسة وإنما أريد أن أبين أن المؤشر في مسائل العبادات يميل نحو التضييق بينما هو يتجه إلى التوسيع في مسائل المنافع المادية والمتع الجنسية أو الجسدية أما الاستدلال فليس صعبا على من أراد إتباع المتشابه لأن حكمة الله اقتضت وجود المتشابه ليهلك عنده الزائغون بإعراضهم عن المحكم كما قال جل وعلا : (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) آل عمران7.
الوضوء(174/31)
حذفت منه الرجلان كلاهما والرأس يكفي فيه مقدار إصبع أو إصبعين ولا يجوز تكرار المسح أكثر من مرة واحدة !
صلاة الجمعة
حذفت وعطلت كليا منذ القرن الخامس الهجري وإذا أصدر فقيه فتوى بإقامتها فلا يقيمها إلا مقلدوه فإن مات أو قتل انقلبوا إلى فتوى فقيه آخر قد يفتي باستحبابها أو بطلانها بعد أن كان سلفه يقول بوجوبها والكل يدعي أن الدليل معه وأنه جعفري المذهب !!
وهكذا صار أمر الله متوقفا على توقيع بشر مخلوق قد يجيزه وقد يمنعه .
فالله سبحانه محتاج إلى الفقيه والفقيه غير محتاج إليه ! فإذا قال الفقيه شيئا ينفذ وإن كان في خلاف قول الله فهو مطلق من كل قيد أما قول الله وأمره فلا ينفذ إلا بموافقة الفقيه وهذا بالضبط ما حكاه الله عن أهل الكتاب بقوله :
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) التوبة 31 .
وهو الذي جعل أهل النار (بقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا . وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) الأحزاب66-67 .
صلاة الجماعة
محذوفة أو مهملة لا يهتم بها إلا قليلا أو على سبيل الاستحباب وتجد لإقامتها شروطا صعبة أو تعجيزية مثل وجود (الغائب) أو نائبه،او من تتوفر فيه شروط العدالة و السلامة من كل عيب او نقص بالنسبة للمصلى وإذا أقيمت أحيانا فبلا نظام أو تسوية صفوف !
صلاة العيد
حذفت كذلك أو أهملت . واستبدلت بها زيارة المقابر إذ يهرع إليها الناس منذ منتصف الليل وبأعداد غفيرة يسابقون الفجر أو الشمس وإلا فإن ميتهم لن يراهم !
وعطلت بذلك شعيرة عظيمة من شعائر الدين .
أما العيد فهو عند السادن بعيدين ، والسر لا يخفى على ذي عينين بل ولا ذي عين !
وأراني لست بحاجة إلى الكلام أو التدقيق عما يحدث هناك بين الجنسين على وجه التحقيق !
إن اللسان ليقف والفم ليجف ... ويضيق .
وتأمل كيف تنسب إلى الإمام الصادق (ع) هذه التهمة :(174/32)
عن أبي عبدالله (ع) قال : أيما مؤمن أتى قبر الحسين عارفا بحقه في غير يوم عيد كتب له عشرين حجة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات ، وعشرين حجة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عادل. ومن أتاه في يوم عيد كتب له مائة حجة وعمرة ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل !!)1.
فما الحاجة إلى صلاة العيد إذن !!
قيام رمضان
معطل بالكلية في المساجد وغيرها ما عدا ليلة الثالث والعشرين والتى توافق ليلة القدر اما باقى ايام الشهر فتقام ليالى رمضان بتلاوة (المقتل) والنياحة !!
1- فروع الكافى 4/580 –581 باب فضل زيارة الحسين عليه السلام
النوافل
محذوفة من المنهاج العملي وإن كانت موجودة نظريا لأن جمع الصلوات جعل الأكثرية الساحقة تستثقل أداءها .
القراءة
لا يقرأ في الصلاة مع سورة الفاتحة إلا بعض قصار السور ، إما الإخلاص أو القدر أو النصر مع أن الله يقول : (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) المزمل20 . وهذا كله على قصره محذوف من الركعتين الأخيرتين إذ تستبدل به عدة تسبيحات .
صلاة الميت
ليست أكثر من وسيلة لجمع المال ، خالية من الخشوع ولا يهتم بها أو يحرص على تكثير العدد فيها وترى الأكثرية لا تعرف أداءها وكأنها سر لا يعرفه إلا السادن صاحب الحظ السعيد فما حاجته إلى تعليم الناس وصداع الرأس . ولذلك لا تؤدى في المساجد وإنما في المراقد .
تعويض الصلاة بالمال
لا بأس أن يموت الإنسان تاركا للصلاة إذ يمكن إجراء حساب سريع للأيام والسنين المتروكة أو المبروكة فيعطى (للسيد) مقابلها مبلغ من المال على أمل أن يقوم هو بأدائها عنه ! و(السيد) لو جاءه في كل يوم عشرة يطلبون منه الصلاة بدل أمواتهم لوافق دون تردد !! وأنت ما الذي يغيظك ؟ دع الناس يترزقون !
هذه هي قيمة الصلاة أعظم شعائر الدين على الإطلاق فما بالك بما هو دونها ؟!!
الحسينيات(174/33)
هي أماكن لإقامة التعازي والنياحة على الموتى واللطم في بعض المواسم ، وما يتبع ذلك من الأطعمة والأشربة والدخان! دون مراعاة لهيبة الحسين (ع) خصوصا فقد نصبت فيها الكراسي ووضعت (القنفث)1 كأنها أماكن استراحة تقضى فيها الأوقات وتتبادل أحاديث السمر ويتناول الطعام والشراب ويحرق الدخان وتدخل بعضها فتشعر كأنك في مقهى !
المساجد
ولا جمعة ولا جماعة فيها على الأغلب ، والأذان لا يرفع منها إلا ثلاث مرات فقط .
وهكذا أمست المساجد مجرد هياكل معطلة عن المقصد الذي من أجله أمر الله أن تبنى وأذن أن ترفع !
قارن ذلك بالتوسع في بناء المزارات والمراقد والمقامات توسعا مذهلا بحيث لا يخلو مكان أو تجمع سكاني –ولو في قرية صغيرة منعزلة-من مزار لما وجدوا من منافع مادية وغيرها .
أما المساجد فتكاد تختفي وتتوارى من حياة هؤلاء المساكين الذين لا يعرفون من أمور دينهم غير طقوس الزيارة وأدائها في تلك القباب والأبنية
- جمع قنفة اي الكرسى الكبير بالتركية
التي ضاهوا بها بيوت الله ، واهتموا بها فزينوها ورفعوها ووسعوها وتوسعوا في بنائها وأعدادها أكثر من المساجد التي أمر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله (ص) ، وهكذا وكنتيجة واقعية مشاهدة لا يمكن لأحد أن يكابر في إنكارها عطلنا المساجد ، وعمرنا بدلها المراقد والمشاهد .ومن الملفت للنظر أنك إذا اقتربت من أي مدينة فإنك أول ما تشاهد منارات المراقد وقببها لا منارات المساجد !
إن المرقد مهما عظمت منزلة صاحبه لا يمكن أن يكون أعظم من بيت الله .
إن راية الجندي لا ينبغي لها أن تكون أرفع من راية الأمير ولله المثل الأعلى .
الذكر وقراءة القرآن
من الملاحظ أن الاهتمام بالقرآن ضعيف جدا ، ولا يقرأ في الصلاة وحفظه معدوم إذ لا يعرف أن عالما أو فقيها فضلا عن إنسان من عامة الناس يحفظ القرآن، وهذه قضية تستحق النظر !!(174/34)
ولا يدرس للصغار ولا للكبار لا في الحسينيات ولا في الحوزات ولا يهتم بمعرفة قواعد تلاوته ولا تعرف حسينياتنا قط شيئا اسمه (دورة تحفيظ القرآن) .
وإنما يقرأ لكسب المال ! عن طريق قراءته على الأموات وعند القبور وفي (الفواتح) مقابل أخذ أجرة معينة مع أن الله جل وعلا خاطب اهل الكتاب بقوله (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا)البقرة41 وأخبر أن أنبياءه (ع) يقولون : (وما أسألكم عليه من أجر) الشعراء 109 .
ذهبت مرة في تشييع جنازة إلى كربلاء ، وصلت متأخرا فوجدت عند شفير القبر رجلا يقرأ سورة (يس) ، قلت : ألا تلتفت إلى ما يقول الله فيها (اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون) 21وإلى قوله: (إن هو إلا ذكروقرآن مبين لينذر من كان حيا) يس 69-70 فأنت تنذر الأموات وتسأل الأحياء !! فما تكرم علي بغير نظرة من طرف حاجبه ثم قام ليواصل نضاله الدؤوب مع مساكين آخرين بعد أن نقده بعض من (مساكيننا) و (فقرائنا) مبلغا من المال .
وحدثني صديق لي قال: كنت في زيارة لأحد أقربائي، وذلك في يوم جمعة فوجدت رجلا على حافة قبر يقرأ على ميت لما يدفن بعد سورة (الجمعة) فضحكت و قلت له : إن صلاة الجمعة مرفوعة عن الأموات !! يقول صديقي : يظهر أن هذا (القارئ) انتهى من دعوة الأحياء فجاء ليدعوا الأموات فسبق بدعوته الأولين والآخرين لأنه دعا الأحياء والأموات جميعا!!.
ونظرت فقلت : حقا إن قوله تعالى : (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم)فاطر14 .
وقوله : (ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون)الأنفال23.
ينطبق عليهما كليهما والعجيب أن الأحياء لا يصلون الجمعة وبقرار (شرعي)!! لقد صرفوا الناس عن القرآن وفهمه بحجج وأباطيل شتى منها أنه صعب الفهم فإن قرأته فللبركة ونسوا قوله تعالى عن القرآن : ( كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا ءايته وليذكر اولوا الالباب ) ص29فجمع بين البركة والتدبر .(174/35)
ومنها القول بأنه ناقص أو محرف والقرآن الصحيح عند (المهدي) كما يروي الكليني عن أبي عبدالله (ع) قال : (إن القرآن الذي جاء به جبرائيل (ع) إلى محمد (ص) سبعة عشر ألف آية) 1.اتعرف اخى معنى هذا الكلام ؟إن القران الذى بين ايدينا لايتجاوز الستة الاف وستمائة وستين اية فقط فاين ذهبت قرابة الاحد عشر الف اية ؟!
ويروي رواية عن سبب اختفائه أن الإمام عليا (ع) غضب على الصحابة لأنهم لم يقبلوه منه فأخفاه عنهم ولم يسلمه إلا إلى أولاده فظلوا يتوارثونه وحدهم إلى أن وصل إلى (المهدي) ولن يظهر للناس إلا بظهوره !! 2.
ومن الأمثلة على وقوع التحريف كما جاء في كتاب الكافي ما يرويه عن أبي عبدالله (ع) قرأ رجل عنده قوله تعالى : (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)التوبة 105، فقال : ليس هكذا، إنما هي : (والمأمونون) فنحن المأمونون 3
وغيرها كثير كتحريفه لقوله تعالى : (وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت) التكوير8-9 ، إذ يقول أنها (وإذا المودة سئلت) أي مودة أهل البيت بأي ذنب قتلوا وينسب هذا الهراء إلى الإمام الصادق (ع)4!!
اصول الكافى 2/634 باب النوادر
كتاب سليم بن قيس 361 روايه42 مطبعة الهادى 1420 هجرى
اصول الكافى 1/424 ، بحار الانوار باب 20 عرض الاعمال عليهم (ع)
اصول الكافى 1/295 باب الاشارة والنص على امير المؤمنين وبحار الانوار اخر باب تاويل قوله تعالى ( واذا الموؤودة سألت ) 23/254 وبحار الانوار باب 44 حقيقة الرؤيا 61/186
وهكذا ضعفت ثقة الناس بهذا الكتاب العزيز علماء وعامة فانصرفوا عنه وعن حفظه وتدبره إلى أمور أخرى مثل كتب الأدعية والزيارات وكتيبات يعتقدون أنها تشفي من المرض وتمنع من العين وتدفع الحسد وتطرد الشر وتحفظ من السوء وهي في الوقت نفسه وسيلة لا بأس بها لكسب المال من الجهال .
إن ولي الامر إذا كان فاسد النيه طامعا فى مال يتيمه لايريد له ان يبلغ رشده خوفا من الحرمان !(174/36)
والامة إنما تبلغ رشدها بالقرآن فهما وتدبرا ومرجعا لذلك عمل كثير من رجال الدين الطامعين او ذوى المقاصد البعيدة على عزل جماهير الامة عن قرآنها لتبقى دائما وابدا فى مرحلة الطفةلة الفكرية تحلم كل ليلة برجوع والدها( الغائب ) منذ دهور !
دروس الوعظ
سواء كانت فى المساجد ام خارجها ( كالفواتح ) ومجالس العزاء كلها قائمة على النياحة او اللطم
بداء وختاما و( القارىء ) لايمكن ان يقراء حسبة لله من دون مقابل هذا اذا لم يكن الثمن قد حسم من البداية حتى فى رمضان وفيها تقدم افخر الاطعمة والذ الاشربة حتى الفتاوى بثمن !ناهيك عن عقود الزواج والطلاق .
الفصل الثالث
صوم رمضان وحج البيت
صيام رمضان
صار التلاعب بالصيام والاستهانة بأمره عجبا !!
لقد أخضع للمآرب والمقاصد السياسية دون مراعاة لوجود رب عظيم ، أو استشعار لمسئولية ملايين المسلمين الذين يفطرون أول الشهر فلا بد لهم من صيام يوم من أيام العيد أو حتى يومين !! فالهلال لا يهل من جهة المغرب –كما هو المعروف والمعتاد- وإنما ينتظر خروجه من جهة (المشرق) وهؤلاء (أهل المشرق هداهم الله) يتعمدون مخالفة مسلمي الأرض جميعا وكل عام فلا يصومون بصومهم ولا يفطرون معهم ، لا لشيء إلا لعزل جمهور الشيعة عن بقية إخوانهم عزلا تاما في العقائد والشرائع والشعائر والمشاعر .
كم مرة رأينا المسلمين يصومون والهلال أمسى يراه حتى ضعاف العيون ، وأولئك كأنهم عمي لا يبصرون ، وكذلك وهم يفطرون ويعيدون!!
وهكذا .. وعلى مر الأيام وتعاقب الدهور مع تراكم القلق والشك في (اللاشعور) صار عوامنا مطبوعين على نفسية مفعمة بالشك وعدم اطمئنان إلى شيء ، لذلك تراهم يسبقون رمضان بعدة أيام حتى يضمنوا عدم فوات شيء منه حتى صار ذلك عادة اشتقوا لها اسما هو (التسبيق) ، وهذا دليل على أن هؤلاء المساكين في أعماق شعورهم غير واثقين ولا مقتنعين بتوقيت أحد وإن كانوا يدافعون عنه عنادا وجدلا .(174/37)
إنه حل وسط كي لا ينقطع الخيط بين عدم اقتناعهم أو ثقتهم وبين ما ينبغي أن يكونوا عليه من الثقة والاقتناع !! لكنه الانشطار بين الاعتقاد والعمل ، النظرية و التطبيق الذي مهد الطريق لتبلور نفسية معقدة ترى الحق وتجحده رغم وضوح الدليل !!
وإلا فأي دليل أصرح وأوضح من هلال يرى بالعين العادية المجردة؟!
حدثني قريب لي أنه نزل إلى السوق في ثاني أو ثالث يوم من أيام عيد الفطر فمر على محل صديق له ، كانت الشمس ساعتها تزحف نحو المغيب ، يقول : فوجدت صاحبي لا يزال صائما فقلت له : ألا ترى الهلال ؟!! أنظر –وأشرت إليه- كان الهلال في تلك اللحظة يرتسم كالسيف في صفحة السماء ورغم أن الشمس لا زالت ترسل آخر أشعتها ! لكن صاحبي رفض وبشدة أن ينظر إلى حيث أشير رغم إلحاحي ومحاولاتي المتكررة ، ولا أدري لماذا أغلق دكانه وذهب بعدها إلى داره مسرعا !!
وهكذا والمأساة تتكرر كل عام ، فاستهان الناس بهذا الركن العظيم وشعيرتين عظيمتين هما الإهلال بالصيام أول رمضان وإفطار أول شوال !!
أعذار مفضوحة
وتساهل الأصحاب في أعذار الإفطار إذ أوجبوا الإفطار في السفر ولأدنى مسافة !! ، ويحتالون لذلك بحيل لا تخلو من طرافة مثل أن يذهب طالب أيام الامتحانات ليستفتي فيفتى بأن يسافر في كل يوم سفرا قصيرا إلى منطقة قريبة فتحسب له المسافة ذهابا وإيابا ، ومنها وجوب الإفطار بمجرد عبور أي نهر .
ويجب الإفطار على من أدرك الفجر وهو جنب لم يغتسل والمصيبة أنهم لا يؤكدون على قضائه .
وللجنس نصيب
وللجنس نصيب في فتاوى رمضان !!! اقرأ هذه الفتوى :
(لا يبطل الصوم إذا قصد التفخيذ فدخل في أحد الفرجين من دون قصد.
ولو قصد الجماع وشك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة بطل صومه ولكن لم تجب الكفارة عليه)1!
ما هو شعورك وأنت تقرأ هذا الكلام ؟! وهل بقي بعده من حرمة أو هيبة لشهر الصيام ؟!
اقرأ هذه الفتوى :(174/38)
(من المفطرات تعمد الجماع الموجب للجنابة، ولا يبطل الصوم به إذا لم يكن عن عمد)2.
إن المصيبة في هذه الفتوى ليست فقط في تدريب القارئ على ان تستسهل نفسه إتيان مثل هذه الأمور وإنما في قصرها الإفطار على ما أوجب الجنابة أي إن اللواطة بالذكر ليست من المفطرات إلا على سبيل الاحتياط ، لان الحكم بجنابة من اتى الذكر إنما هى على الأحوط لا على اليقين !!!
واعلم أن من الجماع ما يوجب الجنابة ومنه ما لا يوجبها !!وصدق أو لا تصدق !!
منهاج الصالحين للخوئى 1/263
المسائل المنتخبة للخوئى مسألة 498/168
الملايات (والمُلايين)
ورمضان -بعد ذلك- موسم تكثر فيه (الملايات) من أجل اللطم والنياحة ويسمى (القرايه) .
والملالي كذلك يكثرون ، يقرؤون (المقتل) ويتظاهرون بالبكاء والشهيق ، ولا تسل عن العلاقة بين رمضان وهذه الطقوس فذلك لا يعلمه إلا( الراسخون في العلم) إنها وسائل ممتازة ومربحة لكسب المال وإصلاح الحال أليس رمضان هو شهر (الخير والبركة).
فعطل القرآن في شهر القرآن وأزيح هذا (العائق) من الطريق ووضع مكانه النياحة والبكاء وصار رمضان موسما لجمع المال وفرصة للاختلاط والاختباط !.
هل هذا ما تركنا عليه أهل البيت (ع)؟!
حاشا لله !! بل علموا وبلغوا ولكن نحن الذين خالفنا وعصينا !! فعن أبي عبدالله (ع) في قوله عز وجل : (ولا يعصينك في معروف) الممتحنة 12 قال : المعروف أن لا يشققن جيبا ولا يلطمن خدا ولا يدعون ويلا ولا يتخلفن عند قبر ولا يسودن ثوبا ولا ينشرن شعرا 1
وعن أبي جعفر (ع) قال : تدرون ما قوله تعالى : (ولا يعصينك في معروف)؟ إن رسول الله (ص) قال لفاطمة (ع) : إذا أنا مت فلا تخمشي عليّ وجها ولا تنشري عليّ شعرا ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليّ نائحة ، قال ثم قال : هذا المعروف الذي قال الله عز وجل 2.
فروع الكافى 5/527
المرجع السابق(174/39)
وفي رواية أخرى عن أبي عبدالله (ع) عن النبي (ص) قال : لا تلطمن خدا ولا تخمشن وجها ولا تنتفن شعرا ولا تشققن جيبا ولا تسوّدن ثوبا ولا تدعين بويل 1.
الحج إلى بيت الله
لا أظن أن عاقلا يطلع على ما اطلعت عليه من الروايات والفتاوى التي صنعت ووضعت للتقليل من شأنه والاستهانة به إلا ويصيبه الذهول ويأخذ برأسه الدوار!! وينسب كل هذا إلى (الأئمة) أو مذهبهم !! ولا زلنا نقرأ فتاوى ونسمع (بلاوي) تقول :
إن قبر الحسين (ع) أو ضريح علي (ع) أفضل من الكعبة !! بل صاروا يفلسفون هذا التفضيل و يضعون له الأقيسة والمخارج والتأويلات :
المسجد النبوي خير وأفضل من المسجد الحرام !! لماذا ؟
لأن النبي (ص) مدفون فيه أما المسجد الحرام فليس فيه أحد وبما أن الحسين (ع) ابن بنت النبي (ص) إذن قبره أفضل من الكعبة ، وبما أن الإمام علي (ع) أفضل من الحسين (ع) إذن ضريحه أفضل فهو أفضل من الكعبة!! ولعن الله إبليس أول من اتبع هذا الأسلوب في التفضيل :
(قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) الاعراف 12 فترك النص الصريح : (اسجدوا لآدم)البقرة 34إلى عقله وقياسه.
ولقد أعلمونا أن القياس لا يصح في الفروع الفقهية فكيف صححوه في الأمور الاعتقادية .
1- المرجع السابق
بل إن مسجد الكوفة (المهدم) ، وبيت الإمارة المجاور له والذي صار اليوم كالمتحف الفارغ أفضل كذلك من الكعبة !! نعم !! هو أفضل وأعظم منزلة في قلوب هؤلاء المتقولين لأنه لا فضيلة للكعبة في قلوبهم .
أتدري سبب عداوتهم للكعبة المعظمة المشرفة بتعظيم الله تعالى وتشريفه ؟!
آن الأوان للعقول أن تتحرر لتفكر أداء لوظيفتها التي خلفت لأجلها .
إن هذه العقائد ليست من دين الله في شيء ولا يمكن أن تكون على منهاج أهل البيت .(174/40)
إنها من صنع أياد خفية أراد أصحابها لمراقد الأئمة الأطهار (ع) أن تكون بدائل يضاهون بها الكعبة ليصرفوا قلوب الناس عنها إلى تلك القباب والمشاهد ، وتأمل كيف أنهم في الوقت الذي هونوا فيه من شأن الحج عظموا في مقابله من شأن المزارات تعظيما شديدا جعلوا به الناس إليها (يحجون) وعندها يلبون ويدعون ويبكون بل يضحون ويستغيثون وما بينها يهرولون ويسعون وحولها يطوفون وبها يتمسحون وأعتابها يقبلون وبها يقدمون القرابين ويوفون بالنذر ويذبحون كأنهم في الكعبة المشرفة ومن أراد أن يدرك معنى كلامي فليذهب إلى كربلاء في يوم عرفة !!
إن أكثرية عوامنا اليوم يعتقدون بأن صحة الحج معلقة بزيارة الأئمة وإلا فالحج باطل والعكس غير صحيح !!
ويمكن تعويض الحج بمبلغ من المال يدفع إلى أحد الدجالين بدلا من الذهاب إلى بيت الله رب العالمين!!
وأما ما يحصل عند المراقد من اختلاط النساء بالرجال وسوء الحال إلى حد ارتكاب الفاحشة رغم (هيبة المكان) فإن الحكايات فيه باتت مروية معرفة وهي ما ينبغي أن يطوى ولا يحكى !!
هل هذا هو دين أهل البيت ؟! أي بيت هذا الذي هذا دينه أو دين أهله ؟!!
لقد بات التعلق بالقبور شيئا عجبا حتى وهم في البيت الحرام!! وصار الناس يشهدون مهازل ومخارق جلبت علينا العار مثل اللطم والنياحة على الحسين بينما الحجاج يؤدون أروع لحظة اتصال بين الأرض والسماء في عرفة .
على أرض عرفة وفي يومها أدعياء أتباع أهل البيت ينوحون ويلطمون!! فماذا يقول الناس عن أهل البيت لو اعتقدوا فعلا أن هذا ما أوصى به أهل البيت ؟!(174/41)
حدثني ثقة فقال : بينما كنت أطوف بالكعبة إذ رأيت رجلا -قال أظنه إيرانيا- يدعو أصحابا له ويقول : تعالوا بنا نزور الحسين !! فتجمع حوله مجموعة من تلك القطعان الضالة، وحولوا وجوههم باتجاه كربلاء ثم أخذوا يرددون وراءه السلام عليك يا ابن بنت رسول الله !!... ثم شتموا وسبوا من وهم في داخل الحرم الشريف !! ثم ختم ذلك الرجل هراءه فقال : هذه زيارة الحسين (ع) وهي تعدل عند الله سبعين حجة !!
يقول محدثي : فأصابني القرف !! هممت بأن أرد عليه ، أشتمه ، ألعنه ، أو أسكته بأي وسيلة سترا عليه وخجلا من هذه الفضائح لكنني خفت أن يكون ذلك من الجدال الذي نهينا عنه في الحج فتركته ومضيت!!
مصادر البلاء
يروي الكليني عن أبي جعفر (ع) أنه نظر إلى الناس يطوفون حول الكعبة فقال : هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية . وفي رواية أخرى : فعال كفعال الجاهلية1 !! .
ويروى عن أبي عبدالله (ع) وهو ينكر على رجل جاءه ولم يزر قبر أمير المؤمنين (ع) فقال : بئس ما صنعت !! لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون 2.
سبحان الله !! الطواف ببيت الله (فعال كفعال الجاهلية) وقبر علي يزوره الله !!
هل تصدق أو يعقل أن هذا الكفر يمكن أن يخرج من مشكاة النبوة ؟!.
---------------------------------
اصول الكافى 1/392
فروع الكافي 4/ 580
الفصل الرابع
الزكاة والخمس والأموال عموما
الزكاة
لقد عظم الله من شأن الزكاة فكانت الركن الثالث من الأركان التي بني عليها الإسلام وجاء ذكرها والأمر بها في كثير من الايات و الاحاديث ومع كل هذا فإنها معطلة لا يهتم بذكرها ولا تذكر إلا نادرا وعامة الناس لا يعرفون عن أحكامها البسيطة الواضحة شيئا قليلا ولا كثيرا لماذا؟
تأملت السبب كثيرا فوجدته في (الخمس) !(174/42)
إن الزكاة حق الفقراء عموما بينما (الخمس) جعلوه خاصا بطبقة معينة هم (السادة) و (الفقهاء) هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن قيمتها بالنسبة إلى قيمة (الخمس) لا تعد شيئا يذكر وتكليف الناس بكليهما معا صعب جدا وإذن فلا بد من الاختيار والاختيار وقع على (الخمس) لأنه أعظم بكثير وخاص ، لهذا أهملوا الزكاة وعموا أمرها وتناسوها ، وإن كان إذا حصلت فلا بأس.
وهكذا أغلقوا –أو كادوا- بابا واسعا من أبواب الإحسان العام وفتحوا بدله بابا آخر يؤدي إلى دهليز التمتع الذاتي الخاص ألا وهو باب (الخمس).
لقد قلت في بداية هذا الكتاب إن التدين الدخيل ملخص فى هذه العبارة الجامعة :
(دين في أمر العبادة والإحسان يقوم على التضييق والمشاححة وفي أمور المال والجنس يقوم على التوسيع والمسامحة).
أما في الأزمنة التي لم يكن الفقهاء يستلمون فيها (الخمس) كما يستلمون اليوم ولم يكن بابه قد فتح على مصراعيه بعد كان يذكر ولا يشدد على دفعه ولا دخل للفقيه في استلامه وأخذه إنما يقال : هو حق (الإمام الغائب) يمكن لصاحبه أن لا يخرجه أصلا فإن أخرجه –وذلك ليس بواجب عليه- فإما أن يدفنه في الأرض أو يوصي به إلى من يثق به لحين ظهور (المهدي) ولم يكن قد عرف طريقه إلى المكاسب التجارية ولا عصا الفقهاء قد ساقته إلى غيرها من الموارد كالمساكن والمناكح أيام الفقهاء الكبار كالمرتضى والمفيد وشيخ الطائفة الطوسي1.
فلم يكن مورد إلا الزكاة لذلك كانوا يشددون في أمرها واقرأ هذه الرواية مثالا على ذلك وشاهدا على القاعدة التي لخصتها في العبارة السابقة :
عن أبي عبدالله (ع) قال: (كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها)2. حتى إذا اتسع باب (الخمس) بل كسر واقتلع من الأساس ضاق باب الزكاة إذ لم تعد الحاجة إليه ماسة .
الخمس(174/43)
إن المعنى الذى ذهب اليه علمائنا للخمس في الحقيقة بدعة لا أصل لها وإنما وجدوا اسمه –اسمه فقط- في آية واحدة من كتاب الله فتعلقوا به ليوهموا السذج بأن ما استحلوه من أموال الناس تحت ذريعة (الخمس) شيء مذكور في القرآن!
انظر مثلاً : النهاية فى مجرد الفقه والفتاوى للطوسى 200
الاستبصار للطوسى 2/145
أي إنهم استعاروا اللفظ وأعطوه معنى ومضمونا آخر يختلف تماما عما عناه الله وأراده في الآية التي تقول : (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير)الأنفال41 .
ويوم الفرقان هو يوم معركة بدر التي التقى فيها جمع المسلمين بجمع الكافرين . فالخمس هنا هو خمس الغنائم أي الأموال المغنومة من الكفار المحاربين لذلك يقول الإمام الصادق (ع) :
(ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة) 1. أما أموال المسالمين من الكفار فلا يحل أخذها بأي حال من الأحوال . فماذا فعل المسلمون أم أي ذنب عظيم اقترفوه تجاه من يسلبونهم خمس أموالهم حتى النعل الذي يلبسونه حتى الخيط والمخيط!! إن خزائن أكلة (الخمس) قد امتلأت بالذهب والمال الحرام الذي صار دولة بينهم لا يصل منه شيء إلى الفقراء والأرامل والمساكين .
وبقية المحتاجين بل هؤلاء هم الذين يدفعون فانعكس الأمر إذ صار الفقراء يدفعون أموالهم إلى الأغنياء وهؤلاء يتمتعون بها حتى صارت المؤسسات المالية الضخمة في لندن وغيرها تبنى بهذه الأموال التي يتوهم السذج والمغفلون أنها تصرف في مصارفها الشرعية فقط.
ثم هل يعقل أن خمس أموال الأمة _ وهم يزيدون اليوم على ألف مليون وفي أغنى بقاع العالم _يصرف لأقلية من الناس لا يزيدون على
1- المرجع السابق 2/56(174/44)
بضع مئات من المستحقين هم (السادة) أو (الفقهاء) وليكونوا بضعة آلاف أو مائة ألف أو حتى مليون .
إن النبي (ص) كان أبعد الناس عن الدنيا وزخارفها وأموالها وكنوزها وقصورها ، خاطبه الله بقوله : (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد)سبأ47.
وقوله : (أم تسألهم عليه خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين) المؤمنون 72.
وقوله : (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم)الحجر87-88.
فعطاء الله الذي اختاره لنبيه (ص) هو السبع المثاني (سورة الفاتحة) والقرآن العظيم لا متاع الدنيا وهؤلاء الذين يدعون خلافته في الأمة يعيشون في رغد ونعيم نتيجة استحواذهم على أموال (الخمس) إلا من رحم ربك.
إن نبينا محمدا (ص) لم يرسل في يوم من الأيام أحدا إلى قبيلة من القبائل أو سوق من الأسواق ليجبى له خمس أموالهم ولا فعل ذلك قط أمير المؤمنين علي (ع).
ولست في مقام الرد على هذه البدعة الظالمة وإبطالها وإنما أردت أن ألفت العقول المتحررة من خلال النظر إلى الواقع المنحرف إلى الهوة الواسعة بين ما هم عليه من تدين زائف وبين الدين الصحيح الذي كان عليه النبي (ص) وأهل بيته (ع).
ومن صور الانحراف المضحكة المبكية أن هؤلاء المتأكلين بدينهم لما رأوا صعوبة تطبيق أحكام (الخمس) صاروا يخففون في القضية على رأي المثل : (إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع) كأن يكون مقدار (الخمس) على أحدهم مليون دينار فيأتي (السيد) ويقول : ليس عندي إلا خمسون ألفا فيجيبه لا بأس عليك هاتها ويعيد قائلا : خمسون . ثم يرجعها إليه ثم يأخذها ثانية ويقول : مائة ... وهكذا ينتقل المبلغ بينهما إلى أن يصل العد إلى المليون قائلا :
(وصلت).(174/45)
وأحيانا تأخذ صاحبنا الأريحية السيدوية1 فيرجع إلى (خادمه) الجالس عند قدميه باستخذاء شيئا مما أخذ منه فيتناوله شاكرا ممتنا داعيا له بالسلامة وطول العمر !
أين ذهبت العقول ؟!
هل تعلم ؟
أن آية الخمس نزلت في بيان تقسيم غنائم بدر ؟
أن الفقيه لم يرد ذكره من الأصناف المذكورين في الآية ؟
أن إدخال الفقيه في الموضوع كان بطريق القياس على (الإمام) والقياس في (الفقه الجعفري) غير معتبر.
أن (السيد) لا يخمس أمواله ولا يزكيها وكذلك الفقيه .
أن الزكاة على الأغنياء فقط ومشروطة ببلوغ المال نصابا معينا ،
1- نسبة الى (سيد ) وهو رجل الدين الذى اتصل نسبه بالنبي (ص) وما اسهل الحصول على شجرة علوية بالمال !
فمثلا : النقود مشروطة ببلوغها ما يساوي مثقال ذهب بينما الخمس عام في أموال الأغنياء والفقراء.
أن الزكاة في أصناف محدودة من المال فالبيت والسيارة مثلا لا زكاة عليها.بينما (الخمس) مطلق في جميع الأموال والأحوال .
غرائب وعجائب
يجب (الخمس) في كل ما يزيد أو يفضل عن مؤونة السنة من أرباح وفوائد الصناعات والزراعات والتجارات والإيجارات .
ويجب أداء (الخمس) في الهدية والجائزة والهبة والمال الموصى به .
ويجب كذلك في ما يفضل في البيت من الأرز والطحين والحنطة والشعير والسكر والشاي والنفط والحطب والفحم والدهن والحلوى وغيره من متاع البيت وحاجياته الصغيرة والكبيرة .
ويجب في الكتب والثياب والفرس وأواني الطعام والشراب الزائدة علىالحاجة أو غير المستعملة .
ومن الأموال ما يوجبون تخميسه مرتين مثل الأموال المحرمة كالمال المسروق والربا مرة للتحليل ومرة بعد التحليل 1!.
كيف يصدق مسلم أن هذا من شرع الله المنزل؟! كيف تحل السرقة ويحل الربا؟!
1- انظر هذه الفتاوى مثلا فى رسالة الخمس للسيد محمد صادق الصدر ومنهاج الصالحين للخوئى فى موضوع الخمس
وهل تعلم ؟(174/46)
أن إعطاء (الخمس) إلى الفقهاء لم يكن على عهد قدماء علماء المذهب كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي .
وأنه تم بفتوى متأخرة جدا لبعض الفقهاء المتأخرين ودون أي مستند أو نص من (الأئمة) فضلا عن القرآن أو السنة النبوية.
وأن الفتاوى القديمة على عهد المفيد والطوسي والشريف المرتضى وإلى قرون عديدة من بعدهم مضطربة ومتناقضة فمنها ما يسقط وجوب دفعه لأن (الإمام) غائب و (الخمس) حق الإمام ، ولوجود نصوص من (الأئمة) صريحة في سقوطه.
ومنها ما يوجب دفنه في الأرض لحين ظهور (المهدي).
ومنها ما يوجب الوصية به عند الموت إلى ثقة.
وهو الذي رجحه الشيخ المفيد .
وأما ما رجحه الطوسي فهو تقسيمه إلى نصفين : نصف يعطى لمستحقيه والنصف الآخر يدفن في الأرض أو يوصى به إلى ثقة 1،وقارن بين ما ورد فيها وما موجود في الرسائل العملية المتأخرة لترى العجب والتناقض وتضارب الآراء التي تنسب كليا إلى الإمام جعفر الصادق (ع)!!
1- النهاية للطوسى 200-201 والمقنعة للمفيد 64
ثلث الأموات
ومن الواردات العجيبة ما يستحب للميت أن يوصي به من إيصال ثلث أمواله إلى المرجع الديني .
أسمعتم بهذا؟!
ولماذا هذه النسبة (الثلث)؟ الله أعلم.
فماذا سيبقى للورثة؟!
ثلث التركة أوصى به، وثلث آخر يذهب تكاليف تغسيل ودفن وبناء قبر ومصاريف أيام العزاء (الفاتحة) و (الحول) ولاستئجار مصل قضاء عن الميت إذا لم يكن الميت يصلي ... ثم يخمس الباقي من الإرث !! وصدق أو لا تصدق !
الصدقات و (حق الجد) وموارد أخرى لا تحصى
لقد أباح الآكلون باسم أهل البيت لأنفسهم أخذ أصناف كثيرة من الأموال تحت مسميات شرعية أو مخترعة مثل الصدقات والكفارات والذبائح والنذور والحقوق وكل ما حصل في اليد دون النظر في حله أو حرمته على رأي المثل : (الحلال ما حل في يدك، والحرام ما حرمت منه!).(174/47)
ويا ليتك تراهم أيام المواسم وخروجهم إلى الناس في مزارعهم وإتيانهم في مساكنهم يجبون أموالهم من الزروع والمواشي والأغنام والحبوب والنقود وكل ما صادفته العين .
لا وجه يعرق ولا عين تنكسر ولا لسان يتلعثم من الاستجداء بل تجد أحدهم بلا خجل يقول و بكل ثقة وصفاقة : أريد (حق جدي) فانظر حرصهم
على ماذا ؟ وتأمل لهفتهم على أي شيء؟ لا يهمهم ما وصل إليه الناس في محيطهم من ابتعاد مخيف عن الدين وترد سحيق القرار في الأخلاق والسلوك المتزن مهجور والعقيدة مشوهة والصلاة متروكة أو مبتورة و الأمان مفقود أما الزنا والفواحش وكل ما حرم الله من الأعمال : السرقة ، القتل ، والنهب والسلب، والربا ، والغش ، والسحر ، والشعوذة ، والغيبة والنميمة ، والتقاطع والتدابر وعقوق الوالدين والإساءة إلى الجار ناهيك عن الكذب والنفاق وسوء الأخلاق وفحش الكلام وتبذل النساء والتهتك والفساد فكل هذه الاعمال المحرمة حدث عن إنتشارها ولا حرج بل تأمل معاناة الناس فى عددمن الامور كالفقر والحاجة التي تتفطر منها الأكباد وتتقطع لها القلوب حتى تقطعت من جرائها الأواصر وصلة الأرحام، وتدنت الأخلاق حتى افتقدت العفة إلا من رحم الله وهؤلاء ينظرون ويتفرجون على كل هذه المصائب التي حلت بأبناء جلدتهم وإخوانهم في دينهم وشركائهم في وطنهم وسكنهم وأتباعهم في وجهتهم ومذهبهم فلا يحزن قلب ولا تقطر دمعة ولا يتمعر وجه ولا يفكر أحدهم في أن يكلف نفسه القيام ولو بجزء قليل من الواجب العظيم والمسؤولية الكبرى التي فرضها الله عليه وادعى هو حملها من تعليم الناس أمور دينهم وأساسيات حياتهم كتحفيظ آية من القرآن أو أمر بصدقة أو معروف أو إشاعة لخلق كريم أو فضيلة فقدت أو فريضة تركت أو سنة أميتت أو مكرمة نسيت أو كرامة انتهكت أو رحم قطعت أو حق جحد أو علم درس أو دين تبدل أو دنيا يعيش فيها الكثيرون كالبهائم أو أضل وحاشا القلة القليلة ممن يرى أو يسكت أو ينكر(174/48)
بصوت خفيض فإن الذي يشغلهم ويملأ عليهم فراغهم المال والمتع و (الحقوق) وما إلى ذلك فوا عجبي! كيف انقلبت الأمور واختلت الموازين؟!!
رسول الله (ص) –الذي يتبجحون بالانتساب إليه- أدى حقوق الناس
كاملة في دينهم ودنياهم فما ترك لهم حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا وبذل فيها المستطاع واستنفد فيها الجهد من نفسه وماله دون أن يمد يده الشريفة إلى درهم واحد من أموالهم جزاء بذله وجهاده ودعوته وإحسانه ولم يدَّع أن عليهم (حقا) يرثه أحفاده وذريته من بعده ولم تكن (الحقوق) تجبى إليه ولا (الأخماس) تكدس بين يديه ولم يدخر دينارا ولا درهما! وهؤلاء الأدعياء يحوزون الأموال ويكنزون الذهب والجواهر ويؤسسون الشركات ويعمرون المصارف الأجنبية من أموال المساكين المغفلين دون أن يؤدوا حق درهم واحد منها تجاههم لا في دين ولا دنيا فالناس من حولهم في جوع وفقر وألم وهم في شبع وغنى وعافية بل تخمة وترف ونعومة وسرف وبدلا من أن يتصدقوا على المحتاجين ويحسنوا إليهم ولو بأداء زكاة ما عندهم من أموال وجواهر وكنوز يأخذون أموال هؤلاء المساكين دون رحمة ولا تفريق بين غني وفقير ، ولا أرملة أو يتيم!
حدثنا أحد المزارعين –وهو صديق لي- أن أحدهم جاءه في موسم من المواسم يطلب (حق جده) وبعد أن أدى له مراسيم الطاعة وما له عليه من (حق) في الأموال والزروع والمواشي نظر فرأى بضع نعجات تعود لأولاد أخته اليتامى الذين سكنوا بجواره مع أمهم الأرملة فتناول منها خروفا فقال له المزارع: إن هذه النعاج تعود ليتامى أخته الفقراء المعوزين فأجابه : من كنت خاله فليس بيتيم ثم ساق الخروف ومضى!!
أما النذور التي تنذر لغير الله فحدث ولا حرج كيف أشاعوها وكيف يحصلون عليها؟
ومع هذا كله فإنهم لا يزكون مطلقا وكأن هذا الركن العظيم من أركان الإسلام محذوف من قائمة حسابهم!
الربا
ولهم في استحلاله وأكله فتاوى وحيل مثلا :(174/49)
(مسألة 1) –لا يجوز الإقتراض من البنك بشرط الفائض والزيادة لأنه ربا محرم وللتخلص من ذلك ا لمأزق عليك بالآتي وهو :
أن يشتري المقترض من صاحب البنك أو وكيله المفوض بضاعة بأكثر من قيمتها 10 % أو 20% على أن يقرضه مبلغا معينا من النقد .
أو يبيعه متاعا بأقل من قيمته السوقية ويشترط عليه في ضمن المعاملة أن يقرضه مبلغا معينا لمدة معلومة يتفقان عليها حسب وعندئذ يجوز الاقتراض ولا ربا فيه 1. وهذا -لاشك- ربا لأن البنك لم يقرض المال إلا بشرط أن يشتري المقترض بضاعة بأكثر من قيمتها 10 % أو 20% والزيادة في القيمة التي يضطر المقترض لتحملها ثم دفعها في الربا ولكن بدلا من أن توضع على القرض نفسه وضعت على البضاعة وفي كلتا
الحالتين يكون الدفع من جيب المقترض و كذلك يكون الضرر ولكن بدلا من أن يكون التسديد من جيبه الأيمن كان من جيبه الأيسر.
وكذلك لو باع للبنك بضاعة بأقل من قيمتها السوقية ! نصبوا الشبك يوم السبت وصادوا السمك يوم الأحد!
(مسألة 5) – (لا يجوز إيداع المال فيه بعنوان التوفير بشرط الحصول على الربح والفائدة لأنه ربا).
وهذا الكلام سليم لكن اقرأ تتمته لتعرف كيف تدخل من النافذة بعد أن خرجت من الباب : (ويمكن التخلص منه بإيداع المال بدون شرط الزيادة
1- منهاج الصالحين للخوئى 1/406
بمعنى أنه يبني في نفسه على أن البنك لو لم يدفع له الفائدة التي لم يطلبها منه. فلو دفع البنك له فائدة جاز له أخذها بعنوان مجهول المالك بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله )1
والمهم إذن الحاكم الشرعي أو وكيله الاتدري لماذا؟!
ولا شك أن هذه النية لا معنى لها لأنها غير مؤثرة لأن البنك يدفع هذه الزيادة عادة سواء طالب المودع بها أو لم يطالب .
وهذا يشبه استحلال المحرم بمجرد تسميته بغير اسمه .
صكوك الغفران(174/50)
فكل من كانت عليه مظلمة أو تقصير في حق شرعي أو ترك له ، يدفع مبلغا من المال مقابل كل مظلمة فيغفر له بذلك ويسمونه (رد المظالم).
إنها بالضبط صكوك الغفران التي كان يتعامل بها الأحبار والرهبان في أوربا في القرون الوسطي!
طريفة
روى الكليني عن أبي عبدالله (ع) أنه قال : ما من شيء أحب إلى الله من إخراج الدراهم إلى الإمام وإن الله يجعل له الدرهم في الجنة مثل احد2 وفي رواية : درهم يوصل ود الإمام أفضل من ألف ألف درهم فيما سواه من وجوه البر3. وإذا كان الإمام قد غاب فله نواب وأحباب والأمر لا يحتاج إلى أكثر من تحويل الصك من اسم الغائب إلى النائب !
المرجع السابق 1/407
اصول الكافى 1/537
المرجع السابق 1/538
مناسبات على أسماء الأطعمة
مثل خبز العباس وشاي العباس وعيش فاطمة ، ناهيك عن مناسبات أخرى لكنها قائمة على الاجتماع على الطعام والشراب والحلوى مثل فرحة الزهرة وحلال المشاكل وخضر إلياس وصيام زكريا والزردة والهريس والمحيا ومن اللطائف أن كتاب الكافي للكليني فيه مجلد كامل يكاد يكون كله على الأطعمة والأشربة والفواكه وأبوابه مبوبة على أسمائها ! فهذا باب الهريسة وهذا باب الجرجير وباب الجزر (وما أدراك ما باب الجزر!) وباب القثاء وباب البصل وباب الكراث وباب الرمان وباب الفرفخ وباب الثريد وباب الشواء وباب الكباب والرؤوس وباب السمك وباب البيض والدجاج وباب الباقلاء واللوبيا وباب الماش والكزبرة وباب الباذنجان ... الخ عافاك الله مما يصعب إحصاؤه ويثقل عده وذكره . ليس هذا فحسب وإنما جعل المؤلف لهذه الأطعمة والأشربة فوائد جمة وأسراراً مضحكة بعضها جنسى مثلا :(174/51)
عن أبي عبدالله (ع) قال : (أكل الجزر يسخن الكليتين ويقيم الذكر)1 وفي رواية : (وينصب الذكر) 2 وقال : (الجزر أمان من القولنج والبواسير ويعين على الجماع) 3 وعنه أن نبيا من الأنبياء شكا إلى الله عز وجل الضعف وقلة الجماع فأمره بأكل الهريسة 4 فتخيل!!
فروع الكافى 6/372
نفسه
نفسه
نفسه 6/320
الفصل الخامس
النكاح وكل ما هو مباح أو مستباح
توسع مخيف
إن التوسع والتساهل فيما يتعلق بهذا الموضوع الحساس (الجنس) لهو من البلاء الذي عم خطره واستشرى شره واستطار شرره لقد وصل الكثير من الناس إلى درك بعيد من الانحطاط والتهاون وعدم المبالاة ، وضعف الغيرة أو سقوطها والوقوع في أعمال رخيصة شاذة مثل الزنا بالمحارم واللواط وما شابهه ، والحالة مزرية جدا وما يحدث في الواقع أكبر مما يمكن وصفه أو الإحاطة به ! كل هذا يقع تحت سمع وبصر من يدعي العلم والإصلاح دون أدنى نكير أو زفير أو محاولة سعي في سبيل العلاج الذي بات أمرا ضروريا . وما أكثر هؤلاء (المصلحين)! ولكن ما الحيلة إذا كانت المصائب تتناسب طردا مع كثرتهم ؟ألا وهي حقيقة اجتماعية جديرة بالانتباه لعلنا نقع على مصدر البلوى ومنبع الفتوى !
لقد توسعوا في موضوع الجنس توسعا كبيرا حتى أجازوا أنواعا من الممارسات الجنسية لا فرق بينها وبين الزنا الصريح سوى فى الاسم ووضعوا لها الروايات الملفقة على ألسنة (الأئمة)-وهم منها مطهرون- حتى يسهلوا على المغفلين أمر فعلها ويخففوا عن نفوسهم وقع نكيرها!
من ذلك :
نكاح المتعة
إن هذا الذي يجري فى الواقع تحت مسمى (المتعة) زنا صريح بلا فرق!
وإلا فبم تسمي هذه النماذج من العلاقات الجنسية المستباحة باسم (المتعة)!(174/52)
أنقل بعضا منها حتى لا أدخل وإياك في جدل بيزنطي حول الأدلة وكون تحليل (المتعة) ورد –أو لم يرد- في الكتاب والسنة تجنبا للوقوع في فخ لعبة تراد بنا ليصرفونا بها عن رؤية الواقع البائس والممارسات الفعلية التي لا أعتقد أن اثنين يمكن أن يختلفا حول شذوذها وبعدها عن الذوق السليم فضلا عن الشرع الحكيم.
اقرأ معي هذه الصور المنحطة عن العلاقات الجنسية التي تجري وتستباح بين بني آدم الذين أراد الله تكريمهم على بقية أجناس الخلق تحت ستار المتعة:
لو سألت هذا السؤال :
هل يجوز لأي رجل أن يدخل أية أنثى أي مكان ليفعل بها ما يشاء متى شاء ثم يدعها لينصرف إلى غيرها بمجرد أن يتبادلا التلفظ ببضع كلمات عن الثمن والمدة أو (عدد المرات) و (متعتك نفسي) وبلا حاجة إلى ولي أو شهود؟ ولا داعي للسؤال عما إذا كانت المرأة ذات زوج أو أنها تمتهن البغاء؟
لجاء الجواب ومن أوثق المصادر :
(بسمه تعالى يجوز ذلك)1!!
1- انظر مثلا فروع الكافى 5/540
يجوز التمتع وممارسة الجنس مع الصبية البكر إذا بلغت تسع سنوات –أو سبعا على رواية- بشرط عدم الإدخال في الفرج كراهة العيب على أهلها لا تحريما ولا مراعاة لذوق أو خلق 1.
ولك -بعد- أن تطلق لخيالك العنان طويلا لتتصور مستقبل أخلاق طفلة بهذا العمر تتفرج على أعضاء الرجال التناسلية وتلحظ حركاتهم الجنسية وهم يفعلون معها كل شيء إلا الجماع!! والجماع المكروه من الفرج فقط، أي تجوز المجامعة من الدبر!
هل يرضى إنسان غيور كريم مثل ذلك لابنته الصغيرة أو أخته أو قريبته أو لأي من أطفال العالمين ؟!!!
وما هو شعورك وأنت تتخيل وقوع ذلك مع ابنتك البريئة مجرد تخيل؟!!
إن تحليل هذه الحيوانية الهابطة لا يصدر من شيطان أو وحش عدو لبني الإنسان فكيف ينسب إلى أئمتنا ويلصق بشرعتنا؟ كيف؟!
أليست هذه أخلاق مزدك وإباحية المجوس!!(174/53)
فكيف يوضع رجس تحليلها على فم طاهر ولسان قوم قال الله فيهم (إنما يريد الله أن ليذهب عنكم الرجز أهل البيت ويطهركم تطهيرا)/ الأحزاب33 هل هناك رجس أقذر من هذا؟!!
أما (إمام العصر) و (مرشد الأمة) فيصوغ المسألة كالآتي :
لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين دواما كان النكاح أو منقطعا .
1- المرجع السابق 5/462
وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة(!!!!!!!!!) 1
حتى الرضيعة لم تسلم !!
إنها -والله- أخلاق مزدك وبابك يبرقعونها وينسبونها بلا خجل إلى أهل البيت حتى يسهل ازدرادها من قبل المساكين.
أفيقوا من سباتكم أيها النائمون ! أيها المساكين الحالمون !
مجموعة من الطلبة في (قسم داخلي) يأتون بامرأة ساقطة يصيبها أحدهم والبقية ينتظرون في الصالة حتى إذا خرجت أخذها الآخر ... وهكذا حتى يكتمل النصاب في مكان واحد وساعة واحدة من ليلة أو نهار! كيف؟! إنها (متعة)!! واعلم أن العدة (الخيالية) يمكن الاحتيال عليها بأن يتمتع الرجل بالمرأة حتى إذا انتهى الأجل عقد عليها مرة أخرى ثم يطلقها قبل أن يجامعها لتحل -بزعمهم- على من يريد التمتع بها متى شاءت احتيالا على النص القرآني الجليل :
(يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا)الأحزاب49.
ذكر ذلك نعمة الله الجزائري في كتابه (زهر الربيع) .
إخوة تجار يسافرون إلى بلد مجاور استأجروا بيتا واستقعدوا امرأة تخدمهم وينكحونها جميعا على هذه الصورة المزرية : يأتي الأول فيستمتع
1- تحرير الوسيلة للخمينى 2/241
بها طيلة أيام إقامته حتى إذا جاء أخوه ليحل محله تركها له ورجع إلى بلاده ليأتي الثالث ... وهكذا عافاك الله !!
رجل دخلت زوجته المستشفى فجاءت أختها مكانها لتخدم أولادها هل تعرف كيف يحل الزنا بها من قبل زوج أختها ؟(174/54)
قال له الفقيه : طلق زوجتك دون أن تخبر أحدا يمكن أن يخبرها بذلك حتى إذا رجعت زوجتك إلى بيتها انو إرجاعها إلى عصمتك وينحل الإشكال!
وهكذا ظل هذا القذر يعاشر أخت زوجته ويستمتع بها طيلة أربعين يوما الفترة التي قضتها زوجته المسكينة في المستشفى ولا زال هذا الرجل يهمس بلا -خجل- في إذن بعض أصدقائه وهو يتلمظ تلذذا وتحسرا على تلك الفترة السعيدة ولا زالت نفسه معلقة بتلك الفريسة!
ترى! لو زارت نسيبته –وهو ما يحدث حتما- بيت أختها مرة أخرى فماذا تتوقعون أن يحصل وهي تلتقي أو تختلي بصاحبها ؟!
دين ليس فيه محرمات ! ولا محارم ! ولا حرمات! كيف ينسب إلى أهل البيت؟!!
اقرأ السؤال التالي وجوابه الذي أنقله بنصه :
هل يجوز التمتع بالفتاة البكر المسلمة من دون إذن وليها إذا خافت على نفسها الوقوع بالحرام؟
نعم لو منع وليها من التزويج بالكفؤ مع رغبتها إليه وكان المنع على خلاف مصلحتها سقط اعتباره إذنه .
ويجوز إذا كان العقد المنقطع بشرط عدم الدخول لا قبلا ولا دبرا 1!
هل يشترط إذن الولي في البكرولو بدون الدخول ؟
لا يشترط اذن الولي فى العقد المنقطع مع اشتراط عدم الدخول في العقد اشتراطا لفظيا 2!
أيها الشيعة! أيها الشرفاء! إن هؤلاء الذئاب يريدون أن يفسدوا بناتكم ويخربوا بيوتكم وأنتم لا تشعرون إن سرقة الأعراض أعظم من سرقة الأموال!
إنهم كالشياطين يستزلون الإنسان خطوة خطوة فاحذروهم (ولا تتبعواخطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) البقرة168 .
إن التطبيق العملي لهذه الفتاوى يجيز صورا كثيرة من الصلات الجنسية هذه بعضها :(174/55)
يلتقي طالب فى كلية مع زميلة له وتتطور العلاقة بينهما فيطلب منها يوما أن يذهبا معا إلى زاوية بعيدة عن الأنظار ويدخلا مكانا منزويا لتريه مفاتن جسدها ويريها كذلك ثم ليمارسا جميع طقوس الجنس –ومن دون حاجة إلى ذكر التفاصيل المثيرة- ثم يطمئنها وقد اعترضت عليه قائلة أنها لا تزال بكرا وتخشى الفضيحة فيقول : لا تخافي يمكن أن نستمتع ببعضنا من دون إيلاج وإن شئت استعملنا الطريق الآخر وحتى يتغلب على ترددها أو حيائها يخرج من بين كتبه كتابا لـ(سماحة السيد ...) عنوانه مسائل وردود – تحت عنوان (مسائل حول النكاح) ويقرأ لها هذه الفتاوى التي سبق ذكرها!
مسائل وردود لمحمد صادق الصدر الطبعة الاولى 1416-1995 ص 55
المرجع نفسه
فعلام التردد إذا كان (السيد) يحلل مثل هذا؟! أليسوا هم ظل الله في أرضه وأمناءه على شرعه؟! وهنا تستجيب الفتاة فتلتقي الأجساد الملتهبة لتطفئ نار الشهوة المحرمة المتأججة بمباركة السادة العلماء تحت ظلال مناديل (نكاح المتعة).
في الزيارات العائلية بين الأقارب والأصدقاء نجد أن الفتاوى السابقة تبيح لأي شاب منهم أن يتفق مع أية شابة من عائلة الزائر أو المزور ليختليا في مكان قصي ثم يفعلا ما يريدان من الضم والتقبيل والتكشف ولا بأس بالذهاب إلى أبعد من ذلك ما دام الإيلاج غير حاصل ، والوالد المحترم في تلك اللحظات جالس في صالة الضيوف(معززا) (مكرما) يتجاذب مع مضيفيه أطراف الحديث ويحتسي الشاي ريثما تنتهي ابنته من نضالها الشريف، هذا إذا كانت بكرا ، أما إذا كانت ثيبا كأن تكون أم الزائر أو أخته الأرملة أو ابنته المطلقة فهنا يمسي كل شيء حلالا زلالا فتمارس العملية الجنسية من حيث شاءا.
ملاحظة مهمة
إذا كانت الفتاة بكرا فيمكن الإيلاج دبرا –راجع الفتوى مرة أخرى- أما إذا كانت ذات زوج فيمكن التمتع بها دون الحاجة إلى سؤالها عن حالها.
إنها إباحية ومجتمع غابات تنزو فيه الحيوانات بعضها على بعض!!(174/56)
ثقوا أن فتوى (السيد) وموضوع (الدبر) في فتواه السابقة إشارة لطيفة ولمسة خفيفة للفتاة العذراء أنها تستطيع أن تمارس الجنس عن طريق (دبرها) –إن شاءت- حفاظا على (قبلها) سليما إلى وقت الحاجة حين يأتي (عريس الهنا) في ليلة المنى ليجد زوجته (العفيفة) (الشريفة) بـ(الحفظ) و (الصون)!!
أيها الشرفاء ! أيها المسلمون من المذاهب الأخرى !
رجائي ألا تسيئوا الظن بإخوانكم الشيعة فإنهم لا يرضون مثل هذه الإباحية أو الحيوانية ولا يتصورون أن فتاوى هؤلاء (السادة) تؤدي إلى هذا المستوى من الانحطاط بل غالبهم لا يدري عنها شيئا والكثير منهم إذا اطلع عليها لا يقف عندها كثيرا وليس عنده الجرأة على مناقشتها أو تخطيئها فضلا عن إنكارها والتصدي لها.
لقد ربوا على تقديس العلماء أو من تشبه بهم والرهبة منهم حتى صاروا يعاملونهم معاملة المعصومين !
وإلا فأي غيور يرضى مثل هذا لعرضه ؟! ويستسيغ الاقتران بامرأة لها هذا التاريخ من المخازي سنين عدداً وهي تنتقل بين أحضان الرجال هذا يستدبرها وهذا يستقبلها!!
هل تصدق أن هذا دين محمد (ص) ؟ أو تقبل أن أهل البيت الأطهار يرضون بمثله؟ أو أن مكارم أخلاق العرب التي جاء النبي (ص) ليتممها تستسيغه وتقره ؟
يقول النبي الأكرم (ص) : (إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق) (لأتمم) لا (لأهدم)!
الإباحية الأوربية
وحتى أزيح اللثام -لا أكثر- عن حقيقة الأمر ليظهر المقصود من دونما حاجة إلى تفسير أو تقشير أنقل إ ليكم هذه الفتوى بنصها : مسألة (289) هل يجوز التمتع بالفتاة الأوربية الغربية من دون إذن وليها ؟
الجواب : إذا فرضنا أن الولي أرخى لها العنان وأوكلها إلى نفسها في شؤونها فلا تحتاج إلى الاستئذان حتى في المسلمة (!!!) أو كان من مذهبها عدم لزوم الاستئذان جاز ذلك بلا مراجعة الولي حتى في المسلمة أيضا(!!!) .(174/57)
كما أنه لو منعها من التزويج بالكفؤ مع عدم وجود كفؤ آخر سقط اعتبار إذنه 1.
أليست هذه استباحة لكل ما يحدث في أوربا والغرب الفاجر من الفوضى الجنسية والإباحية الحيوانية؟!
أليست هذه الفتوى محاولة مفضوحة من (جناب السيد) لنقل هذه الإباحية إلى المجتمع المسلم؟!
إن السائل يسأل عن المجتمع الأوربي الغربي والفتاة الأوربية و (السيد) (قده) يرشده إلى أن هذا العمل لا بأس به حتى مع الفتاة المسلمة في المجتمع الإسلامي الشرقي ما دام الولي الديوث (أرخى عنان البنت وأوكلها إلى نفسها)!!
أو ما دامت الفتاة خارجة عن طاعة وليها (لتصنع منه ديوثا) بإرادتها وتوجيه مرجعها لأن (مذهبها عدم لزوم الاستئذان) لكن لم يقل لنا (السيد) ما حكم الولي الذي يرخي لبنته عنانها ويوكلها إلى نفسها لتفعل ما تشاء بها ما حكمه في شرعه؟!!
إن مثل هذا المجتمع يحتاج إلى علاج بالكي لا بالورق النشاف الذي تعطر به الجروح التي تنزف بالقيح والعفن !
1- مسائل وردود لمحمد صادق الصدر الطبعة الاولى 1416-1995 ص55
إن إطلاعنا على مثل هذه الفتاوى التي تغتال عفاف المجتمع ومعرفتنا بما يدور وراء الستور أحد الأسباب الكبرى التي تجعلنا نصرخ قائلين (أنقذوا منهج أهل البيت).
لماذا نلوم إخواننا من المذاهب الأخرى إذا صاروا يتندرون أو يسخرون من مذهب هذه فتاوى علمائه ؟
لماذا ننقم عليهم تقززهم منه؟ وهم يرون بأعينهم ما يجري يقرؤون بها ما يخزي ويزري وكل ما نفعله أننا نحاول ترقيع هذا الواقع المفضوح بقصاصات من الورق كتب عليها : قال الفقيه وأفتى المرجع ، قيل وقال ويروى ويحكى! كيف تقنعني بالوثوق بطبيب يخرج المرضى من عيادته محملين بالأمراض والجراثيم المعدية ثم تقول لي : هذه هي أصول الطب ومنهجه؟!
وإنني بصفتى إ نساناً أكرمني الله بالعقل المفكر بين أمرين لا ثالث لهما :(174/58)
إما أن هذا الطبيب دعي لا يحسن الصنعة وإما أن علينا أن نعيد النظر في تلك الأصول وذلك المنهج الذي خرج مثل هذا الطبيب.
ثم اقرأ وأعجب :
مسألة (237) : هناك دول عديدة مشهور فيها الزنا وكثير من بنات هذه البلاد بالنسبة لهم مصدر رزق ففيما إذا أراد شخص ما أن يتمتع من تلك البلاد فهل يجب السؤال عن أنها متزوجة أو أنها زانية وأنها اعتدت أم لا ؟
الجواب : لا يجب السؤال عن حالها مع الإشكال إذا كانت متزوجة باليقين (!!!) أو مطلقة فشك في الأولى في طلاقها فليسأل عن
أنها خلية أم لا فإذا قالت نعم أنا خلية كفى ، وفي الثانية إذا شك في أنها خرجت من عدتها فليسأل إذا قالت : نعم اكتفى به .
أما الزانيات المشهورات بالزنا فلا تصح متعتهن على الأحوط إلا من تابت من عمله يقينا فيصح العقد عليها متعة ودواما 1 . انتبه إلى المنع أنه (على الأحوط) أي أنه غير ملزم ولا شك أن مثل هذه الموانع الاختيارية غير الملزمة في مثل هذه المسائل تتلاشى ولا تكون لها قيمة واقعية إلا عند القلة القليلة جدا أو النادرة وقد لا تكون !
إن استعمال هذه الألفاظ مثل (على الأحوط) و (يكره) وما شابه من قبل الفقيه في مثل هذه المسائل لا يبدو أكثر من وسائل للتقية ولكن بالمقلوب –أي مع الموافق وليس المخالف- حذرا مما قد يعتمل في نفسه من اشمئزاز أو إنكار علما أن مراجع آخرين يجيزون التمتع بالزانية دون (على الأحوط)!!
مسألة (293) هل يجب إخبار الرجل الذي يريد أن يتمتع بامرأة أن هذه المرأة لم تعتد من رجل تمتع بها سابقا؟
الجواب : لا يجب الإخبار 2 (!!!)
كيف لا يجب !! على أي ملة أو أي دين ؟!
كيف وقد تكون المرأة قد حملت من السابق ! وإذا تبين حملها فيما بعد فلمن ينسب الولد؟!
1- المرجع السابق
داهية أخرى
-مسألة (290) هل يجوز التمتع بالفتاة البكر الرشيدة التي توفي والدها وبقيت أمها وقد بلغت سن رشدها من دون إذن أحد؟(174/59)
الجواب : لا مانع من ذلك (!!!!) إذا لم يكن لها جد من طرف الأب وإلا فالاحوط استحبابا الاستئذان منه 1.
ترى ! كيف يأمن الرجل على بناته في مثل هذا المجتمع؟!
ترى ! لو رأت هذه الأرملة المسكينة يوما رجالا غرباء في بيتها يمارسون الجنس مع بناتها وعلى فراشها فماذا ستفعل إذا قلنا لها –أو قالوا- : إنهم يفعلون ذلك (متعة)؟! وإذا ذهبت إلى (السيد) فكان جوابه : بسمه تعالى يجوز ذلك؟!! إن مجتمعا قادته (وأي قادة!! الروحيون المقدسون) يأمرون بالرذيلة ويشجعون الفساد ويقودون قافلة المفسدين لهو مجتمع أسوأ حالة من المجتمع الأوربي لأنهم لا يفعلون ما يفعلون باسم الدين بل طهروا دينهم من هذه القذارة وتحملوا بشجاعة مسؤولية التلطخ بها .
إن شارب الخمر معتقدا حرمتها يرتكب ذنبا واحدا ومستحلها باسم الدين يرتكب ذنبين بل هو كافر إذا كان يعلم بحرمتها .
فما بالك بمن يوجبها باسم الشرع الحنيف ؟!!!
إن المجتمع الأمريكي المتهتك أكثر نبلا وطهارة وصدقا مع نفسه وهو يحاكم رئيسه (كلينتون) على علاقته المشبوهة بموظفة البيت الأبيض (مونيكا لوينسكي) وإلا فلو كان كلينتون على دين يجيز له مثل هذه الفتاوى
1- المرجع السابق
لما حصلت له مشكلة لأنه ببساطة متناهية سيدعي أن علاقته تلك كانت نكاح متعة لا أكثر.
ولا شك أنه سيكون قد تعلم من (رجال الدين) القيام بتلك الشروط الشكلية القشرية : والتلفظ بـ(متعتك نفسي) مع القبول وذكر الأجرة والأجل وبذلك تصبح تلك العلاقة صحيحة (شرعا) وينتهي الإشكال ، وإن (رجال ديننا) يمارسون يوميا –وبالمكشوف ما مارسه كلنتون مع مونيكا لوينسكي ! فهل تصدق؟!!
ابن حلال
-مسألة (194) : إذا دخل الزوج بالزوجة بعد انتهاء العقد المؤقت معتقدا بقاء المدة وعدم انتهائها بعد فما حكم المولود ؟
الجواب : المولود المذكور في هذه الصورة ابن حلال 1 .
ورجعت أبحث(174/60)
قلت : هل من المعقول أن يجد الإسلام بين يديه هذه الإباحية العجيبة في المجتمع العربي ثم يقرها بل يباركها ؟!!
وأن رجلا واحدا من ذلك المجتمع كله تتحرك غيرته وتثور رجولته فيحرمهما ! واحد فقط؟!!
فرجعت إلى المصادر أقرأ وأفكر وأبحث فوجدت فيها ما قرت به عيني واطمأنت إليه نفسي.
1- المرجع السابق
وجدت أولا : أن نكاح (المتعة) الذي كان عند بعثة النبي (ص) إنما هو نكاح لا يختلف عن الزواج الشرعي إلا في الأجل والإرث أي تشترط فيه موافقة الولي و إشهاد الشهود أما هذه الصور السافلة التي يجيزها فقهاء اليوم فليس لها منه إلا الاسم و (المتعة) التي كانت أول الأمر شيء وهذا الذي يجري شيء آخر فالاحتجاج بها مغالطة تعتمد على لعبة الاشتراك اللفظي لا أكثر ومع ذلك حرمه فقد حرمه النبي (ص) آخر حياته فلم يمت إلا وقد حرمه كما حرم الله الخمر آخر الأمر .
والدليل القطعي على حرمته أن الأئمة أهل البيت (ع) لم يكن واحد منهم ابن متعة ولا واحد من أولادهم أو ذرياتهم وعلى امتداد فترة زمنية طويلة هي ثلاثة قرون تنتهي بما عرف بـ(الغيبة الكبرى) رغم أنهم عقدوا خلال هذه المدة المتطاولة مئات الزيجات وأنجبوا منها مئات الأبناء ذكورا وإناثا!
وهذه كتب الأنساب الخاصة بهم تذكر أولادهم وأمهات أولادهم ويصنفونهم صنفين فيقولون : هذا أمه حرة وهذا أمه أمة أي جارية وأحيانا يقولون : فلان أمه أم ولد أي جارية . هذا فضلا عن ذريات أهل البيت من غير الأئمة فلو كان نكاح المتعة محللا عندهم لكانوا قد مارسوه فعلا وأنجبوا منه مئات الأولاد حتما ولكانت هذه الكتب قد ذكرت أن فلانا أو فلانا أمه فلانة تمتع بها أبوه (الإمام أو غيره).
أم تريد مني أن أصدق أو أعقل أنهم فعلوه مع مئات النساء لكن –بقدرة قادر يا سبحان الله- لم تحمل واحدة منهن قط ولم تنجب؟!(174/61)
إن تواطؤ الأئمة وغيرهم من أهل البيت على اجتنابه لدليل قاطع على حرمته عندهم . وبذلك جاءت الروايات عنهم مطمورة في الكتب الروائية
إلا الشيعية الزيدية –فإنهم أظهروا ذلك وأعلنوه عن الإمام زيد بن علي (ع)- فهو محرم في مذهبهم .
فقد جاء في (الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير) في فقه الزيدية ج 4 / 218 ما يلي:
عن الإمام زيد (ع) عن أبيه علي (ع) عن جده الحسين (ع) عن علي (ع) قال : (نهى رسول الله (ص) عن نكاح المتعة عام خيبر) وفي رواية أخرى : (حرم) بدل (نهى).
وقال حفيد الإمام زيد (ع) الحسن بن يحيى فقيه العراق في زمانه : (أجمع آل رسول الله (ص) على كراهية المتعة والنهي عنها) انتبه إلى كلمة (أجمع)!
وعن الإمام الصادق (ع) في (المتعة) قال : (ذلك الزنا).
وقال عنها الإمام الباقر (ع) : (هي الزنا بعينه).
وإذا رجعنا إلى المصادر ا لاثنى عشرية وجدنا مايلي :
- روى الكليني بإسناده عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول (دعوها أما يستحي احدكم أن يرى في موضع العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه)1 .
وعن الإمامزيد (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين علي (ع) قال : (حرم رسول الله (ص) يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة ) 2وهذا
فروع الكافى للكلينى 5/453 ووسائل الشيعة للحر العاملى 4/450
تهذيب الاحكام لابى جعفر الطوسى 7/251 والاستبصار 3/142 ووسائل الشيعة للحر العاملى 4/441
موافق لما رواه الزيدية آنفا .
وعن الصادق (ع) أنه سئل عن المتعة ؟ فقال : (ما تفعلها عندنا إلا الفواجر)1 .
ويذكر الإمام أبو الحسن (ع) سرا لطيفا من أسرار بطلان نكاح المتعة وهو الاشتغال بها عن الأزواج مما يؤدي إلى الإضرار بهن ، وهو ما تعاني منه كل امرأة يتعاطى زوجها المتعة وهو المشاهد واقعا –إن شئتم فاسألوا- وقد يؤدي ذلك بها إلى الانحراف فقال (ع) وهو يذكر المتعة :(174/62)
(لا تشغلوا بها عن فرشكم وحرائركم فيكفرن ويتبرين ويدعين على الأمر بذلك و يلعنونا) 2.
إن الأخذ بروايات التحريم لا يخرج الشيعي من مذهبه لأنه إنما يرجح بعض الروايات المتعارضة على بعض، وليس في هذا الترجيح ما يخرج عن المذهب أو الدين بل المذهب كله –في واقع أمره- قائم على الترجيح إذ لا توجد مسألة واحدة إلا والروايات فيها عن الأئمة (ع) متعارضة وهي قضية عانى منها الأقدمون ولأجلها كتب الشيخ الطوسي شيخ الطائفة كتابه (تهذيب الأحكام) فكيف إذا كان المرجوح لا يقره عقل ولا دين ؟!!
قل إنما أعظكم بواحدة
لو حبلت امرأة غير ذات بعل –كأن تكون أرملة أو مطلقة- أو حتى بكرا –بسبب الزنا- ثم اكتشف الأهل أمرها وافتضح حالها فأنكرت عليهم –
بحار الانوار للمجلسى 100/318
فروع الكافى 5/453
لتخلص نفسها من العقوبة- قائلة : إنها حبلت بنكاح شرعي هو (المتعة) كيف يمكننا التفريق بين الأمرين ؟!!
يا قوم !
إن دينا تختفي فيه الفوارق بين المنكر والمعروف ولا تعرف فيه الحدود بين الشرك والتوحيد أو الكذب والصدق أو الزنا والزواج! إن دينا يستطيع فيه أي رجل أن يقف بباب بيته يعرض على الغاديات والرائحات إن كانت إحداهن توافقه على الدخول ساعة واحدة فقط ، أو أقل ، يغلق فيها عليها باب حجرته لينزو عليها ثم يدعها لتنصرف بسلام تفتش عن غيره ويفتش عن غيرها ، كفعل الزناة بالضبط وما من فارق إلا بضع كلمات عن الإيجاب والقبول والوقت على كف من طحين أو رغيف من الخبز .
إن دينا يقر هذا حاشا لله أن يكون دينا لله أو شرعه لأهل بيت نبيه الأطهار (ع) !
إن رجلا آخر عمل الشيء نفسه مع امرأة جاء بها من الشارع أيضا يعتبر زانيا يقام عليه الحد الذي قد يصل إلى الرجم بالحجارة حتى الموت لأنه لم يقم بتلك الإجراءات الشكلية مع أنه عادة ما يحصل الاتفاق على الثمن والمدة في كل حالة زنا
ترى أين ذهبت العقول ؟!
اقرأ الرواية في روضة الكافي للكليني :(174/63)
عن محمد بن مسلم : دخلت على أبي عبدالله (ع) ... فقلت : رأيت كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوزاً كثيرا ونثرته
علي فتعجبت من هذه الرؤيا ... فما تأويلها؟ قال : يا ابن مسلم إنك تتمتع بامرأة فتعلم بها أهلك فتمزق عليك ثيابا جددا فإن القشرة كسوة اللب قال ابن مسلم : فوالله ما كان بين تعبيره وتصحيح الرؤيا إلا صبيحة الجمعة فلما كان غداة الجمعة أنا جالس بالباب إذ مرت بي جارية فأعجبتني فأمرت غلامي فردها ثم أدخلها داري فتمتعت بها فأحست بي وبها أهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب وبقيت أنا فمزقت علي ثيابي جددا كنت ألبسها في الأعياد1 .
العلاقة الزوجية
أنظر كيف توسعوا فيها !
يجوز جماعها من الموضع الآخر.
ويغلب على ظني أن لو كان للمرأة موضع ثالث أو رابع أو حتى عاشر يمكن مجامعتها منه لحللوه ! ولم لا؟
- روى الكليني عن الرضا (ع) وقد سئل : الرجل يأتي امرأته من دبرها ؟ قال : ذلك له 2.
وهي –بلا شك- فرية لا يمكن أن يتفوه بها الرضا (ع) .
أما الحائض فيتساهلون في أمر إتيانها أثناء حيضها بحيث يمكن تسوية الموضوع بمبلغ من المال!
روضة الكافى 8/292
فروع الكافى 5/540
أما إذا كان الاتصال من الدبر فما عليه من شيء ! غاية ما يذكره الفقهاء في (المسائل العملية) الكراهة!!
وأنا لا أعرف معنى لقوله تعالى : (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) البقرة 222. إذا كان الاتصال الجنسي من الدبر جائزاً على كل حال ! فكيف يكون اعتزال مع وجود الاتصال ؟! ثم أي الموضعين أشد أذى؟!والله تعالى يقول : (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض)البقرة 222 فجعل سبب الاعتزال وجود الأذى في موضع الفرج أليس الأذى موجودا في الموضع الآخر على الدوام ؟!! بل هو أشد ولا أظن أن يخالفني في هذا أحد .
اقرأ هذه الفتوى :(174/64)
مسألة (67) : يحرم وطء الحائض في قبلها أيام الدم ... أما وطئها في الدبر ففيه إشكال وإن كان الأظهر جوازه مطلقا مع رضاها وأما مع عدمه فالأحوط تركه 1 (!!!).
ثم يسهل الأمر أكثر فيقول :
مسألة (68) : الأحوط الأولى أن يكفر عن وطء زوجته حال الحيض مع علمه بذلك 2.فهي على الاحوط لاعلى اللزوم!!
1-المسائل المنتخبة للسستانى 36،35 ط 9 دار المؤرخ العربى 1416-1996
2- المرجع السابق
أما شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي فيروي ما يلي :
عن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله (ع) عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ؟ قال : لا بأس إذا رضيت .
سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن إتيان الرجل المرأة من خلفها في دبرها ؟ قال : أحلتها آية من كتاب الله تعالى قول لوط (ع) (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم)هود 78وقد علم أنهم لا يريدون إلا الدبر .
ويعلق الطوسي على روايتين في تحريم إتيان الدبر إحداهما عن سدير قال : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول : قال رسول الله (ص) (محاش النساء على أمتي حرام) قائلا :
الوجه في هذين الخبرين ضرب من الكراهية لأن الأفضل تجنب ذلك وإن لم يكن محظورا ، يدل على ذلك ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي يرفعه عن أبي يعفور قال : سألته عن إتيان النساء في أعجازهن ؟ فقال : (ليس به بأس وما أحب أن تفعله)... ويحتمل أن يكون الخبران وردا مورد التقية 1 .
الخلوة بالنساء
من الظواهر الشائعة أن كثيرا ممن يدعي الديانة والسيدوية إذا أراد أن يعزم 2أو يرقى امرأة إشترط الخلوة بها فيخرج الحضور ويبقى معها لوحده .
وفي منطقتنا واحد من هذا الصنف إذا قصده رجل مع امرأته أو أخته يقول له : نحن لا نستقبل غير النساء! و يرفض إدخاله .
1-الاستبصار للطوسى 3/242 ط طهران 1390
2- العزيمة نوع من انواع الرقى(174/65)
بل تأصلت أعراف اجتماعية خطيرة ، حدثني ابن خال لي قال : كنت مع صديق لي في السوق فدعاني إلى بيته فوجدنا فيه شابا يتهيأ لدخول الحمام الذي كانت تعده له، ساعتها أخت صديقي لقد رحب به صديقي ترحيبا حارا وهو يقول مكررا : أهلا (سيد) زارتنا البركة (سيد) ... و (السيد) ليس على جسده إلا الإزار ! كان بدينا وجميلا . ثم خرجنا بعد قليل وتركناه في البيت وليس فيه إلا أخوات صديقي الشابات الثلاث !!
في الطريق همست في أذنه : كيف تترك رجلا غريبا في بيتك وليس فيه غير النساء؟! فإذا به يقول مستنكرا والشرر يكاد يتطاير من عينيه : أتشك في (السيد)؟!!
نذر المرأة (للسيد)
وهو أمر شائع ومعروف رغم ما فيه من استهانة بالنساء وإلغاء لشخصية المرأة وإنسانيتها وتحكم في مصيرها وإرادتها .
جاءتني مرة امرأة تقول : أن أمها كانت قد نذرتها وهي طفلة ل (السيد) لكنها لم تف بنذرها فتزوجت من غيره وهي تعاني الآن من سوء العلاقة الزوجية فسألتني (المسكينة) : هل يمكن أن يكون سبب ذلك عقوبة القدر لعدم الوفاء بالنذر ؟!!
عجائب وغرائب وشذوذ!!
أباحة النظر إلى وجوه الحسناوات من النساء 1.
أباحة النظر إلى عورات غير المسلمات 2
فروع الكافى 5/542
المرجع السابق 6/501
ومن السهل الاستناد إلى هذا النص المنسوب زورا إلى أهل البيت في تحليل النظر إلى الأفلام الجنسية الأجنبية .
أما عورة المسلم فيكفي في سترها وضع اليد على الفرج أما الدبر فما عليك منه فقد سترته الإليتان 1!!!.
مسألة (222) : يعتبر في الصلاة ستر العورة وهي من الرجل القبل والدبر والبيضتان 2 (!!!). وهذا في الصلاة !!! تصور مصليا يصلي على هذه الصورة !! أو جماعة من المصلين !! ولك أن تدخل الحمام عاريا من كل شيء بمجرد مسح جسدك بالنورة، وهي مادة طلاء لإزالة الشعر تشبه البودرة تماما !!!
بل تجد هذا الفعل الشنيع منسوبا فعله إلى الإمام الباقر (ع) نفسه3 !!!(174/66)
بل يجوز النظر إلى أجساد السافرات المتبتذلات بشرط عدم التلذذ الشهوي ، ولا فرق في ذلك بين نساء الكفار وغيرهن ، كما لا فرق بين الوجه والكفين وبين سائر ما جرت عادتهن على عدم ستره من أعضاء البدن 4بل وحتى الأفخاذ أو ما فوق أو ما تحت ما دامت العادة قد جرت به ! أما شرط (عدم التلذذ الشهوي) فهو كقولك : يجوز شرب الخمر بشرط عدم السكر .
ولا بأس بالخلوة بالمرأة الأجنبية بشرط (الأمن من الفساد!!)5 ويا له من شرط !
المرجع السابق
المسائل المنتخبة للسيستانى 100 والخوئى ايضا
فروع الكافى 6/503
المسائل المنتخبة للسيستانى 348 مسألة ( 1020)
المرجع السابق مسألة (1030)
يجوز للمرأة أن تتعلم قيادة السيارة عند الرجل الأجنبي بحيث يذهبان معا منفردين في الأماكن الصالحة للتدريب والتعليم وإن كانت خالية من الناس بشرط (والمهم هو الشرط) أن لا يستلزم الوقوع في الحرام 1 !! (إشرب الخمر بشرط أن لا تسكر كما قلت لك) .
ويجوز أن ينام الرجل بين امرأتين في فراش واحد 2 .
ويجوز أيضا (وكل شيء جائز) للرجل إذا نظر إلى زوجة عبده فاشتهاها أن يجامعها ويأمر عبده بتركها ثم إذا شاء أرجعها بعد ذلك إليه (استعارة!!).
ويجوز كذلك أن يعير عن الرجل إلى أخيه ... يعير ماذا ؟ يعير ... فرج جاريته ليجامعها ثم يرده إليه 4 .
وأن عمر اغتصب ابنة علي وأن عليا رضي بذلك خوفا من بطشه . وينسب هذا الهراء إلى الإمام الصادق (ع) مصاغا بألفاظ تستوحش منها النفوس : (إن ذلك فرج غصبناه) 5 !!!!!
مع أن الاغتصاب مستنكر حتى في شريعة كلينتون وتاتشر وباراك و لازالت المجتمعات –حتى المتحللة- تعتبره جريمة يعاقب عليها القانون!!! بيد أن عليا –كما يبدو- رد الصاع صاعين –حسب الرواية الشائعة-
مسائل وردود للسيد محمد صادق الصدر 77 مسألة 407
فروع الكافى 5/560
المرجع السابق 5/481
المرجع السابق 5/470(174/67)
زهر الربيع لنعمة الله الجزائرى ص14 ويقول : لذلك منع عمر المتعة
عندما بات ليلة عند عمر فأصبح وقد بات يتقلب بين أحضان أخت عمر دون علمه.
والتقيا وقد بيت كل منهما لصاحبة مقلبا :
عمر : ألست قد قلت : من كان في البلد لا ينبغي له أن يبيت عزبا ؟!!
علي : اسأل أختك 1!!
ولعلهما بعد ذلك تناولا طعام الإفطار وودع أحدهما الآخر وهما يضحكان !
هل هذه هي صورة المجتمع النبوي؟! أم هذه دياثة ؟!
ترى !
لو بات عندك صديق ثم استيقظت بعد منتصف الليل لتجده بين أحضان أختك فماذا سيكون موقفك ؟!!
هل تعتذر وأنت تغلق الباب عليهما من جديد أم ماذا وقد فعل ذلك علي (ع)كما تدعي الروايات المكذوبة ، وتبيحه الفتاوى التي قرأناها قبل قليل ؟!!
قاصمة الظهر
قرأت في كتاب الكافي للكليني -ويا شناعة ما قرأت- أن خيرة الله من خلقه وأعظم الناس خلقا وحياء إذا أراد الزواج من امرأة بعث إليها من تنظر إليها ويوصيها قائلا : (انظري كعبها فان درم كعبها عظم كعبثها) 2 . وفي
1-فروع الكافى 235
2-فروع الكافى 5/335
الحاشية يبين أن الكعبث هو الفرج الضخم .-ونسبوا الفواحش إلى نساء الأنبياء 1 ، فإذا كان هذا حال القدوة فكيف بعامة الناس .
الإكثار من ذكر (الجنس) في الكتب والرسائل الفقهية (العملية)(174/68)
مما يلفت النظر في هذه المصادر كثرة الحديث وتشقيق الكلام عن (الجنس) وبألفاظ وأوصاف مرذولة . وتذكر كذلك أعمالا شنيعة تشمئز منها النفوس السليمة لا لشيء إلا الذكر الحيل والمخارج (الشرعية) للتحلل من إثمها ! فتحس أن هذه الجرائم والرذائل ممارسات عادية قد أدمن الناس على فعلها ويمكن إتيانها أو ارتكابها بلا نكير حتى من العلماء ! كل الذي يشغل الفقيه من جريمة مثل اللواطة هو هل الاغتسال منها واجب أم على الأحوط !! وينفق الكلام وبإفراط في ذكر أمور يخجل حتى القلم من تسطيرها مثل : اللواط بوالد الزوجة أو أخيها أو عمها أو جدها أو إتيان أمها وخالتها ومصائب وبلاوي عمت وطمت (وقال الغلام وحكى الأمرد وأدخل فأوقب) مما يجري النفس على ارتكابها ويهون عليها فعلها وممارستها ويعود الأذن على سماعها والمجتمع على تقبلها بل تشعر وأنت تقلب صفحات الكتب الفقهية المخصصة لذلك أنك أدنى إلى التقرب منها وأدعى وأرغب منك قبل قراءتها!
1- اصول الكافى 2/404
اقرأ هذه الفتاوى :
الوطء في دبر الخنثى موجب للجنابة على الأحوط لزوما ...ولو أدخلت الخنثى في الرجل أو الأنثى مع عدم الإنزال لا يجب الغسل على الخنثى دون الرجل والأنثى 1 .
الجماع في قبل المرأة ودبرها يوجب الجنابة للرجل والمرأة ولا يترك الاحتياط في وطء غير المرأة في الواطئ والموطوء 2 .
من غير المرأة ؟!!
أن المعنى العملي لهذه الفتوى وأمثالها ليس أكثر من الدلالة على وجود طريق آخر للمرور منعا للزدحام والفقيه (قده) يؤدي عمله في الدلالة مشكورا مأجورا ولم لا ؟ فالدال على الخير كفاعلة .
مسألة (982) : لو زنى بخالته قبل أن يعقد على بنتها حرمت عليه البنت وكذلك الحال في العمة على الأحوط (لماذا؟) ولو زنى بالعمة والخالة بعد العقد على البنت والدخول بها لم تحرم عليه، وكذلك فيما إذا كان الزنا بعد العقد وقبل الدخول على الأظهر 3.(174/69)
مسألة (983) : لو زنى بامرأة أجنبية فالأحوط والأولى (انتبه : الأحوط) أن لا يتزوج بنتها . ولو كان قد عقد عليها ثم زنى بأمها لم تحرم عليه بلا إشكال 4.
مناج الصالحين للخوئى 1/47-48 نعم( المنهاج) وبارك الله فى (الصالحين) !
المسائل المنتخبة للخوئى14-15 ط2 النجف 1399-1979
المسائل المنتخبة للسيستاتنى 339
المرجع السابق
-مسألة (985) : لو زنى بذات بعل أو بذات العدة الرجعية حرمت عليه مؤبدا على الأحوط ، وأما الزنا بذات العدة غير الرجعية فلا يوجب حرمة المزني بها فللزاني تزويجها بعد قضاء عدتها 1 . أين هذا من قول الله تعالى : (الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) النور3 ؟!!
مسألة (986) : لو زنى بامرأة ليس لها زوج وليست بذات عدة جاز له أن يتزوجها ويجب عليه تأخير العقد إلى أن تحيض على الأحوط .نعم يجوز لغير الزاني تزويجها قبل ذلك وإن كان الأحوط هو التأخير 2 ، على قول وعلى قول آخر : يجوز لغيره أن يتزوجها قبل ذلك إلا أن تكون امرأة مشهورة بالزنا فإن الأحوط عدم تزويجها قبل أن تتوب ، كما أن الأحوط عدم التزويج بالرجل المشهور بالزنا إلا بعد توبته والأحوط و الأولى استبراء رحم الزانية من ماء الفجور بحيضة قبل التزويج بها سواء ذلك بالنسبة للزاني وغيره 3 (!!!)
-مسألة (989) : لا تحرم الزوجة على زوجها بزناها وإن كانت مصرة على ذلك والأولى (الأولى!!) مع عدم التوبة أن يطلقها الزوج 4!!)
لا أدري إلى من يوجه (الفقيه) خطابه في هذه الفتوى ؟
1-المسائل المنتخبة للسيستانى 339
2-المسائل المنتخبة للخوئى 300
3-المسائل المنتخبة للسيستانى 339
4- المرجع السابق 340(174/70)
هل يوجد فيها غير ديوث ؟ وهل يسأل ديوث عن الحلال والحرام إلا في مجتمع صار فيه المنكر معروفا والمعروف منكرا ، وأمسى الناس يستسهلون مثل هذه القبائح ويتعايشون معها كأنها أمور عادية وإلا فماذا يصنع مثل هذا الإنسان بمثل هذه الفتاوى وهو راض بما لا ترضى برؤيته البهائم !
ما قيمة مجتمع ترتكب فيه كل هذه الشنائع دون نكير ؟! ماذا يستفيد من الفتاوى؟! إنها ليست أكثر من تواقيع للرضا أو الإغضاء وبإمضاء من الفقهاء ! فهل هذا هو دورهم؟!!
لماذا لا توجد هذه الجراثيم في المناطق الأخرى ولايحتاج فقهاؤها إلى الحديث عنها أو إصدار الفتاوى بشأنها ؟
إن الفقيه في فتواه لا يركز على لب القضية وإنما يذهب إلى شأن جانبي منها يجعله محط حديثه ومناط فتواه .
فهو لا يذكر –مثلا- عظم جريمة الدياثة وأن الذي يرضى بالخنا في بيته ديوث والديوث لا يدخل الجنة هذا هو جوهر القضية . لكنه يهمل الحديث عنه تماما ليذهب إلى أمور جانبية تافهة .
اقرأ هذه الفتوى :
مسألة (991) : إذا لاط البالغ بغلام فأوقب حرمت على الواطء أما الموطوء وأخته وبنته (أقارب الدرجة الأولى فقط.!) ولا يحرمن عليه مع الشك في الدخول بل مع الظن به أيضا كما لا يحرمن إذا كان اللائط غير بالغ وكان الملوط به بالغا 1 (!!!!!) .
1- المسائل المنتخبة للخوئى 300
ويقول آخر : ولا يحرمن الثلاث المذكورات مع الشك في الدخول بل ومع الظن به أيضا 1!
مسألة (992) : إذا تزوج امرأة ثم لاط بأبيها أو أخيها أو ابنها لم تحرم عليه 2.
إن مجتمعا يحتاج إلى مثل هذه الفتاوى لهو مجتمع متهرئ ، وأن علماء وفقهاء لم يحل وجودهم بين مجتمعهم وبين الانحدار إلى هذا الدرك السحيق عليهم أن يحزموا امتعتهم ويغادروا بعد أن فشلوا في تحقيق ما هو مطلوب في أمثالهم لا سيما وهم يعيشون على أموال أبنائه وجهودهم وعرقهم !!(174/71)
هل واجب الفقيه النظر إلى الحالة الشاذة أو الواقع الراهن ثم وضع الفتاوى أو -بالأحرى- التخريجات الشرعية ؟ أم أن واجبه هو الحيلولة بين المجتمع والوقوع في ذلك أو –على الأقل- البحث بأمر العلاج الناجح إن أفلتت من يده حالة أو حالتان لم تنفع فيهما أساليب الواقية؟
أما أن يمسي الشذوذ واقعا لا مفر منه وحالة مقره بلا تنكير تنمو وتنشط بمباركة الفتاوى والمفتين الذين ينظرون إلى المنكر بهدوء وبرودة أعصاب كأن الأمر لا يعنيهم والمجتمع ليس مجتمعهم فهو أمر لم أجد شبيها له إلا في توراة اليهود التي يسمونها (الكتاب المقدس)! إنهم يقدسون المنكر !!
المسائل المنتخبة للسيستانى 340 مسألة 991
المسائل المنتخبة للخوئى 300 اما السيستانى فيجعل التحريم للاحوط
لوقيل لرجل : إن ابنتك حبلى من الزنا تريد أن تجهض جنينها ؟ فقال : نعم يحق لها ذلك أو قال : لا ، لا يجوز ثم سحب الغطاء وراح في نوم عميق !!
إنني أشك في أبوته أو أجزم بدياثته وأحلاهما أمر من المر !
وقس على ذلك .
هكذا يتعامل هؤلاء (الفقهاء) مع مجتمعهم وما يحدث فيه من جرائم ومنكرات !!
لعل قلبك الآن يقطع بالسكاكين ! ألم أقل لك إن الحقيقة مرة ؟ ولكن ...
سكاكين في الدنيا اهون من سكاكين في الآخرة !
وأخير اقرأ هذه الطامة ومثلها كثير ،كثير :
ومما تتحقق به الجنابة الجماع : ويتحقق بدخول الحشفة في القبل أو الدبر من المرأة وأما في غيرها فالأحوط (الأحوط) لزوما الجمع بين الغسل والوضوء للواطء والموطوء فيما إذا كانا محدثين بالحدث الأصغر وإلا يكتفي بالغسل فقط 1 .
هكذا الورع وإلا فلا ! يعني أن اللائط والملوط به إذا لاط أحدهما بالآخر وكانا على وضوء قبل اللواطة فليس عليهما إلا الغسل دون الوضوء ، وذلك على الأحوط .
1- منهاج الصالحين للخوئى 1/47 مسألة 172(174/72)
هل تخيلت المسألة ؟! لوطي متوضئ كأنما قد استعد لأداء صلاة لا لفعل أداء هو من أشنع الموبقات والمنكرات !!
هكذا يبارك هؤلاء (الفقهاء) الأمناء على دين المجتمع الفحشاء والمنكر!
إن التطبيق العملي لهذه الفتوى لا يمكن تصوره إلا في واحدة من ثلاث : إما أن الفاعل والمفعول به كانا قد تهيآ لأداء الصلاة فخطر ببالهما أن يركب أحدهما الآخر في مكان ما ربما الحجرة التي بجوار الحرم ، وبما أن الغسل على الأحوط وهما لم يحدثا الحدث الأصغر قبل اللواطة فيمكن أن يستغنيا عن الوضوء والغسل ويؤديا الصلاة بكل خشوع!
وإما أن يكون الفعل بعد أداء الصلاة وإما أنهما توضآ قبل أن يفعل أحدهما بالآخر ويكون الوضوء في هذه الحالة (على الأحوط استحبابا).
هذا في (منهاج الصالحين) أما في منهاج الفاسدين فلا أدري كيف يكون الأمر !
هل أصابك الغثيان ؟ إذا أردت أن تتقيأ فخذ هذه الوصفة :
أوصى رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع) فقال :
يا علي : إذا دخلت العروس بيتك فاخلع خفيها حين تجلس واغسل رجليها (أمير المؤمنين يخلع أحذية العروس ويغسل رجليها!!)... يا علي لا تجامع امرأتك في أول الشهر ووسطه وآخره فإن الجنون والجذام والخبل يسرع إليها وإلى ولدها يا علي لا تجامع امرأتك بعد الظهر فإنه إن قضي بينكما ولد في ذلك الوقت يكونا أحول ...
يا علي لا تتكلم عند الجماع فإنه إن يقض بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس ولا ينظرن أحدكم إلى فرج امرأته وليغض بصره عند الجماع فإن النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد .
يا علي لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك فإني أخشى إن قضي بينكما ولد أن يكون مخنثا أو مؤنثا مخبلا ...(174/73)
يا علي لا تجامع امرأتك إلا ومعك خرقة ومع أهلك خرقة ولا تمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة فإن ذلك يورث العداوة بينكما ثم يؤديكما إلى الفرقة والطلاق يا علي لا تجامع امرأتك من قيام فإن ذلك من فعل الحمير فإن قضي بينكما ولد كان بوالا في الفراش كالحمير البوالة في كل مكان يا علي لا تجامع امرأتك في ليلة الأضحى فإن قضي بينكما ولد يكون له ست أصابع أو أربع أصابع. يا علي لا تجامع امرأتك تحت شجرة مثمرة فإنه إن قضي بينكما ولد يكون جلادا قتالا أو عريفا يا علي لا تجامع امرأتك في وجه الشمس وتلألؤها إلا أن ترخى سترا فيستركما
يا علي لا تجامع امرأتك بين الأذان والإقامة ... يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلا وأنت على وضوء يا علي لا تجامع أهلك في النصف من شعبان فإنه إن قضي بينكما ولد يكون مشؤوما ذا شامة في وجهه ... يا علي لاتجامع إمرأتك على
سقوف البنيان ... يا علي لاتجامع اهلك إذا خرجت إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن ... يا علي عليك بالجماع ليلة الاثنين فإنه إن قضي بينكما ولد يكون حافظا لكتاب الله ... يا علي إن جامعت أهلك في ليلة الثلاثاء فقضي بينكما ولد فإنه يرزق الشهادة ... يا علي إن جامعت أهلك في ليلة الخميس فقضي بينكما ولد فإنه يكون حاكما من الحكام أو عالما من العلماء وإن جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس عن كبد السماء فقضى بينكما ولد فإن الشيطان لا يقربه حتى يشيب ... يا علي وإن جامعتها ليلة الجمعة وكان بينكما ولد فإنه يكون خطيبا وإن جامعتها بعد العصر فقضي بينكما ولد فأنه يكون معروفا مشهورا عالما وإن جامعتها في ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة فإنه يرجى أن يكون الولد من الأبدال ... يا علي لا تجامع أهلك في أول ساعة من الليل فإنه إن قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون ساحرا يا علي احفظ وصيتي هذه كما حفظتها عن جبريل (ع)1 .
ونسي القمي أن يعلمنا بأي جماع يولد المعصوم(174/74)
ولقد طبق إمام العصر (مع أنه لا يصلي العصر) هذه (الوصية) فجعلها فتوى استوعبت هذه الأمور ومنها :
1- فقيه من لايحضره الفقيه 3/358 – 361 ط طهران 1390
يكره الجماع قائما وتحت الشمس وتحت الشجرة المثمرة ويكره أن تكون خرقة الرجل والمرأة واحدة بل يكون له خرقة ولها خرقة ولا يمسحان بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة ففي الخبر ((إن ذلك يعقب بينهما العداوة 1) .
لكنه –لشدة ورعة وتعففه استغفر الله –كره (الكلام عند الجماع بغير ذكر الله)2والذنوب كلها مغفورة
ومع هذا فالذنوب كلها مغفورة ! مهما عظمت أو كثرت ! ولا فرق بين الصغائر والكبائر . ألست تحب (الأئمة) وتعتقد بهم ؟ -وهل هذا يكفي فى النجاة من الله ؟- نعم فإن الأئمة يشفعون لكل محب مهما كان ومهما عملوا من ذنوب ولن تركوه يدخل النار . كيف وهو معتقد بولايتهم ويدين بحبهم ونصرتهم !
أليس الإمام علي قسيم الجنة والنار؟!! أليس كل داخل إلى الجنة لا بد له من بطاقة من علي؟!
وعلي لن يترك واحدا من (شيعته) إلا وسيعطيه البطاقة المنجية على ما هو عليه من عمل !!
وهكذا تحول الدين إلى فكرة مجردة عن السلوك والالتزام .
تحرير الوسيلة للخمينى 2/239 –240 مسألة 8
المرجع السابق
اقرأ هذه الروايات ومن (أوثق المصادر) ثم تأمل الواقع وما يدور فيه مما يطابق هذه الروايات ويسير على نهجها !
أن الله تعهد للنبي (ص) أن لا يغادر لشيعة علي (ع) صغيرة ولا كبيرة ولهم تبدل السيئات حسنات 1 .
أن الله يستحيي من تعذيب أمة دانت بولاية إمام عادل وإن كانت ظالمة سيئة 2.
أن سيئة الشيعي خير من حسنة غيره 3.(174/75)
وعن أبي عبدالله (ع) ما من مؤمن يقارف في يومه وليلته أربعين كبيرة فيقول وهو قائم (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام وأسأله أن يصلي على محمد وأن يتوب علي) إلا غفرها الله عز وجل ولا خير فيمن يقارف في يوم أكثر من أربعين كبيرة 4.
تصور ! مؤمن ويقترف في يومه وليلته أربعين سيئة لا من الصغائر بل من الكبائر كالزنا واللواطة أو شرب الخمر أو السرقة ... الخ إذا كان هذا مؤمنا فكيف هم الكفرة إذن؟!!
(وفي الآثار أن امرأة زانية من جيران أهل المعصية وتعزية الحسين (ع)
1-اصول الكافى 1/444
2-المرجع السابق 1/376
المرجع السابق 2/464
المرجع السابق 2/438-439
ذهبت تقتبس نارا من مجلس العزاء فوجدتها قد خمدت فأشعلتها فدمعت عيناها من الدخان فغفر لها) 1.
وهذه القصة المتهافتة كثيرا ما يوردونها ويستشهدون بها في المجالس والتعازي .
حدثنا صديق فقال : حضرت أحد مجالس العزاء في عاشوراء فسمعت (القارئ) يقول : إن امرأة زانية خرجت من بيتها تطلب النار فمرت على قدر هريس قد خفتت ناره فنفخت تحته حتى أشعلت النار ثم أخذت منه قبسا ومضت فإذا بها ترى في المنام من يقول لها : لقد غفر الله لك جميع ما اقترفت من الآثام لأنك أشعلت النار تحت قدر الهريس ! قال : فهذا ثواب من لم يقصد إشعال النار فكيف من تقصد طبخ هريس أبي عبدالله!!
وانطلقت الأصوات متعالية تهتف : (اللهم صل على محمد وآل محمد) ! قال صديقي : قلت له : مولانا لعلك لا تعلم –أو تعلم- أن ثمانين بالمائة أو أكثر من الحاضرين –وأنا منهم- واقعون في آثام الزنا والخمر وغيره أليس كلامك هذا دعوة للاستمرار في طريق الرذيلة ما دام كل شيء مغفوراً بعود حطب تحت قدر هريس فعلام التوبة؟!
إذن لمن هذا الوعيد الشديد في القرآن والحديث على الزنا والقتل وشرب الخمر والغيبة والكذب ؟!(174/76)
يقول : فإذا به يفاجأ –ولأول مرة- بمن يقتحم عليه عريش كبريائه وهو أمر لم يستعد لمثله لأنه لا يتوقعه فحاول أن
1- انوار الولاية لأية الله ملا زين العابدين الكلبايكانى ص 338
يدافع عن موقفه لكنه تلعثم ثم سكت كأنه ألقم حجرا قلت : لو كان في كل مجلس رجل كهذا حر الفكر قوي الشخصية متمرد على قيود التقليد الأعمى لما تجرأ أمثال هذه النكرات على إفساد الناس وسلبهم أموالهم باسم أهل البيت ولعرف الناس شيئا فشيئا أن هؤلاء في واد وأهل البيت في وادٍ آخر .
إن الواقع يشهد أن هذه الروايات المكذوبة قد أتت كلها وأثمرت منذ زمن بعيد.
صدقوني أن هذه الوقعة المقززة التي سأرويها رغم تهافتها قد حصلت مع أحد أقربائي .
إنني سأرويها لعلي أحدث عزة في قلوب الشرفاء وألفت أنظار الغيارى إلى الهوة السحيقة التي تردى فيها كثير ممن انخدع بما يقال وينسب إلى أهل البيت (ع) ، مع ملاحظة أن هذه الواقعة ما هي إلا قطرة من مستنقع آسن يعرفه الكثيرون لكن لا يجرؤون على الحديث عنه لأسباب وأسباب !
حدثني قريبي هذا أنه زار صديقا له من أصدقائه فى الخدمة العسكرية يعمل مدرسا ومن باب إكرام الضيف عرض هذا المدرس على ضيفه عرضا اقشعر له جلده ! قال له :
عندي طالب يعجبك ، جميل جدا!!
ماذا تقول ؟؟!!
إذا كنت خائفا من الذنب فهذا الحمام حاضر نغتسل ثم نذهب من قريب إلى (الإمام) نزوره وينتهي كل شيء!!!!!!!!!!
تهيأ الجو ففسدت الأخلاق
وهكذا تهيأ الجو تماما لكل معصية وفاحشة فدمرت الأخلاق وفسد الناس .
إنها حقيقة مؤلمة مرة آن الأوان أن نعترف بمرارتها وأننا منذ زمن بعيد نتجرع العلقم المغلف باسم الحلوى والعسل .
إن أول خطوة في طريق العلاج أن يعترف المريض بأنه مريض ويمتلك الشجاعة على الاعتراف أمام نفسه أولا وطبيبه الأمين ثانيا، وإن المكابرة لا تزيد المريض إلا مرضا وعذابا.
خاتمة وقاعدة(174/77)
إن دين الإسلام دين يسمو بالإنسان ويرتفع به عن القاذورات والدنايا ويبتعد به عن الأنانية الضيقة إلى ميدان التكافل والإيثار الفسيح .
أما هذا الدين المبدل فعلى العكس تماما أنه ينحط بالإنسان ويسفل به فحاشا أن يكون دينا منزلا من عنده جل وعلا أو منهجا واقعيا سار عليه أهل البيت (ع).
إنه دين يقوم على أساس إتباع المتشابهات وفق القاعدة الآتية :
كل دليل أو آية أو رواية تحتمل أكثر من وجه أو تفسير فإن كانت تتعلق بالمال والجنس فيؤخذ بالوجه الذي يميل إلى التوسع والمسامحة .
وإن كانت تتعلق بالعبادة فتحمل دائما على الوجه الذي يتناسب مع التضييق والحذف والمشاححة وإن كان بعيد الاحتمال أو لا يخطر على بال .
وبعد ...
فإنها كلمة ناصح شفيق ، ولمسة آس رفيق
أؤديها وكلي ثقة –بمشيئة الله تعالى- أنها ستجد آذانا صاغية وقلوبا حية واعية من جيل واعد جديد بدأ يصحو وتتفتح عيونه
وها هو يتلمس بيمينه معالم الطريق
لقد بدأت تلوح له –ولو من بعيد-
منارات النجاة على
شاطىء الامل السعيد
محتويات الكتاب ...
هذه الرسالة ...................................................................4
جاء فى محكم التنزيل ...........................................................5
لماذا كتبت هذه الرسالة .......................................................5
الباب الاول : منهج اهل البيت بين النظرية والتطبيق
الفصل الاول : الرسو ل (ص) والائمة (ع) ....................................11
محمد (ص) سيد الزاهدين ....................................................11
على خطى جدهم ...........................................................13
الامام علي (ع) .............................................................13
الفصل الثانى : نظام الحياة فى الاسلام ........................................20(174/78)
الاسلام نظام شامل متوازن .................................................20
النظام الذى يقوم عليه التدين الدخيل ........................................23
الباب الثانى : المنهج الدخيل – الواقع الفاسد
الفصل الاول : التوحيد من الايمان الى الادمان ...............................25
ومضات سريعة من درر القرآن الكريم ......................................25
فى خدمة المال والجنس ....................................................28
مساواة الله عزوجل بالرسول (ص) والائمة (ع) ....................................28
من الحافظ ؟ ....................................................................30
اسمائنا تعبد لغير الله ............................................................30
حور ونذور .....................................................................31
المناسبات الشرعية والمناسبات المحدثة ................................................32
ماذا يحدث عند المزارات ........................................................33
ماذا تقول المصادر ............................................................. 37
تناقض عجيب ................................................................39
ماذا نحتاج ....................................................................40
خطاب الى الاجيال الجديدة ....................................................41
اسلوب الاسقاط .............................................................41
الفصل الثانى : الصلاة عمود الدين ............................................48
اوقاتها .....................................................................ز48
الوضؤ......................................................................48(174/79)
صلاة الجمعة ...............................................................49
صلاة الجماعة ..............................................................49
صلاة العيد ................................................................49
قيام رمضان .................................................................50
النوافل ......................................................................51
القراءة .....................................................................51
صلاة الميت ................................................................51
تعويض الصلاة بالمال .......................................................51
الحسينيات .................................................................52
المساجد ..................................................................52
الذكر وقراءة القرآن .......................................................53
الفصل الثالث : صوم رمضان وحج البيت ..................................57
صيام رمضان ............................................................57
وللجنس نصيب ........................................................59
الحج الى بيت الله .......................................................61
الفصل الرابع : الزكاة والخمس والاموال عموما...........................65
الزكاة .................................................................65
الخمس .................................................................66
غرائب وعجائب ......................................................70
ثلث الاموات..........................................................72(174/80)
الصدقات و( حق الجد ) ....................................................72
الربا .......................................................................75
صكوك الغفران ............................................................76
مناسبات على اسماء الاطعمة ...............................................77
الفصل الخامس : النكاح وكل ما هو مباح او مستباح ......................78
توسع مخيف .............................................................78
نكاح المتعة .............................................................79
الاباحية الاوروبية ......................................................85
داهية اخرى ...........................................................89
ورجعت ابحث ........................................................90
(( قل إنما أعظكم بواحدة ))...........................................93
العلاقة الزوجية ......................................................95
الخلوة بالنساء .......................................................97
عجائب وغرائب وشذوذ ...........................................98
الاكثارمن ذكر ( الجنس ) ..........................................102
تهيأ الجو ففسدت الاخلاق .........................................115
خاتمة وقاعدة .....................................................116
المحتويات .........................................................117
موقع فيصل نور(174/81)
شبهات شيعية والرد عليها
للشيخ عثمان الخميس
إعتنى به وعلق على حواشيه
أبو بدر (النظير)
شبكة الدفاع عن السنة
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد المرسلين , سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين , وبعد ..
فقد شرفت بالعناية بعدة دروس لشيخنا الفاضل عثمان بن محمد الخميس ألقاها بعد مناظرات قناة المستقلة قبل حوالي سنتين , علق فيها الشيخ على أدلة الشيعة الإمامية الإثني عشرية على إمامة علي بن أبي طالب وبنيه من بعده دون بقية الصحابة , وبعض شبهاتهم حول صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين , وقد وجدتها مادة علمية قيمة أغرتني قبل حوالي عام بتفريغها من المادة المسموعة , وطرحتها كما أفرغتها وسمعتها دون أي تغيير في الشبكة العنكبوتية , ووجدت بفضل الله إقبالا قويا , أسأل اله أن ينفع به شيخنا الفاضل وأخوكم العبد الفقير ومن يقرأه وينشره إنه سميع مجيب .
ثم عدت بعد حوالي العام من التفريغ بتوثيق أدلة الشيخ من الكتاب والسنة وقد تركت كلام الشيخ كما هو فلم أنقص منه حرفا واحدا , ولكني وثقت مصادر الآيات والأحاديث ما استطعت , وكنت معتمدا في توثيقي للأحاديث على الكتب وعلى بعض الكتب الإلكترونية خاصة كتب السنن والتاريخ , وحتى لا يحدث أي شك في مصدر الحديث فقد عزوت أي حديث لإسم الباب والكتاب بالدرجة الأولى لإختلاف الترقيم من دار نشر لأخرى , وقد إعتمدت على تخريج الشيخ عثمان الخميس لبعض الأحاديث القليلة من خلال كتابه حقبة من التاريخ ..
وألخص ما قمت به في تهذيبي لهذه المادة العلمية فيما يلي :
قمت بتوثيق أرقام الآيات وأسماء السور , وتوثيق مراجع الأحاديث الواردة دون التعرض للصحة والضعف .
تنسيق الموضوع كوحدة واحدة , وجعله يبدو في نسق كلمة مكتوبة وليست مسموعة دون التدخل في كلام الشيخ بنقص .(175/1)
في احد أدلة الشيعة على الإمامة حديث الثقلين , يوجد في التسجيل إنقطاع ولم يكمل الشيخ الموضوع هنا , فقمت بنسخ نفس رد الشيخ وشرحه للحديث ومدلوله من كتاب الشيخ ( حقبة من التاريخ ) الطبعة الأولى وأكملت به الموضع مع نقل توثيق الشيخ للأحاديث والآيات من نفس الكتاب .
وضعت مقدمتي هذه وقمت بفهرسة المادة كاملة في نهاية الموضوع .
هذا وإني إذ أشكر الله على توفيقه ومنه , أتقدم للشيخ بجزيل الشكر على ما يقدمه دفاعاً عن رسول الله وسنته , و وأصحابه وأهل بيته الكرام , وأسال الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن يحشره مع رسوله وصحبه وآل بيته , وأن لا يحرمنا الأجر معه , وان يوفقنا لما يحبه ويرضاه , والحمد لله رب العالمين .
أخوكم أبو بدر ( النظير )
23/3/1426هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:(175/2)
الحمد لله رب العالمين الحمد لله رب الأولين والآخرين الحمد لله خالق الخلق أجمعين الحمد لله حتى يرضى , والحمد لله إذا رضي , والحمد لله بعد الرضى , الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض , وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد , وصلاتاً وسلاماً على نبينا وإمامنا وحبيبنا وقدوتنا وقرة عيننا محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته أجمعين , أما بعد فبادئ ذي بدء نقول إنّ الله تبارك وتعالى إنما بعث الأنبياء والمرسلين مبشرين ومنذرين وختمهم بسيدهم وإمامهم محمد بن عبد الله وأنزل الله إليه أحسن كتبه وجعل له أحسن شرائعه , وأمتن الله عليه بأن جعل أمته أفضل الأمم فقال جل ذكره { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } (1) , هذه الأمة – أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم – التي أخبر عنها رسولها و نبيها وسيدها صلوات الله وسلامه عليه أنها خير الأمم وبين أن قرنه خير القرون فقال صلوات الله وسلامه عليه : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) (2) ....
__________
(1) سورة البقرة آية 143 .
(2) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة , باب فضائل أصحاب النبي رقم 3651 , صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل الصحابة , ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم حديث رقم 211 و 212.(175/3)
ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أنها تحب الخير للناس كل الناس , وهي أمة مرحومة وأمة راحمة ترحم الناس وتهديهم بفضل الله تبارك وتعالى إلى سراط الله وتهديهم إلى سنة نبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. تحب أن يهتدي الجميع تحب أن يدخل الجنة الجميع سالكين بذلك طريق نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم مسترشدين قول الله جل وعلا { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } (1), وقد قدر الله جل وعلا أن تكون هناك فرقة بين هذه الأمة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ( إفترقت اليهود على إحدى وسبعين فُرقة , وأفترقت النصارى على إثنتين وسبعين فرقة ( ثم قال) وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ( ثم قال ) كلها في النار إلا واحدة ) (2)
__________
(1) سورة الأعراف آية رقم 164 .
(2) سنن بن ماجه حديث 3992 باب افتراق الأمم , سنن أبي داود كتاب السنة , باب شرح السنة حديث رقم 4596 , سنن الترمذي باب ما جاء في افتراق هذه الأمة حديث رقم 2564 وقال الترمذي حديث حسن صحيح إلا أنه ليس في أبي داود والترمذي لفظة ( كلها في النار إلا واحدة ) , وسئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية قدس الله روحه عن قوله صلى الله عليه وسلم تفترق أمتي ثلاثة وسبعين فرقة ما الفرق وما معتقد ثم فرقة من هذه الصنوف فأجاب ( الحمد لله ثم صحيح مشهور في السنن والمساند كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم ولفظه افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وافترقت النصارى علىاثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وفي لفظ على ثلاث وسبعين ملة وفي وراية قالوا يا رسول الله من الفرق الناجية قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي وفي رواية قال هي الجماعة يد الله على الجماعة ولهذا وصف الفرقةالناجية بأنها أهل السنة والجماعة وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم ( الفتاوى 3/ 345 ) .(175/4)
ولا شك أن كل مسلم يتمنى أن يكون من هذه الفرقة , بل الواقع يقول أن كل مسلم يدعي أنه من أتباع هذه الفرقة ولكن – كما قيل – البينة على المدعي
والدعاوى إن لم تقيموا عليها بينات فأصحابها أدعياء
فكل من إدعى دعوة في أي موضوع كانت لا بد أن يأتي بالبينة التي بها تُقبل دعواه وإلا رُدت دعوته عليه ولم يُسمع منه ..
قامت مناظرات ومساجلات وكُتبت كتب في حرص كل فرقة على نصح وإرشاد وإظهار عيب والرد على الفرق الأخرى مدعية كل فرقة من هذه الفرق أن الحق معها وأنها صاحبته الملازمة له وأن غيرها على ضلال وهذا واقع الأمر
كل يدعي وصلا لليلى ..
وأصدق من ذلك قول الله تبارك تعالى { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } (1)..
ومن ضمن هذه المساجلات أو المحاورات التي تقع بين الناس ما قدر الله تبارك وتعالى أن يكون هناك محاورة وهي محاورة وقعت لمكلمكم مع بعض الشيعة الإثني عشرية وذلك في آخر عشر ليال من رمضان من سنة 1423هـ وقدر الله تبارك وتعالى أن تكون هذه المحاورة وهذه المساجلة في بلاد الكفر في لندن في بريطانيا , وإستمرت هذه المناظرة لمدة عشر ليال وقد شاركني من إخواني من أهل السنة والجماعة في هذه المناظرة الدكتور أبو المنتصر عبد الرحيم البلوشي والشيخ أبو عبيدة عبد الرحمن الدمشقية وسبقنا إلى ذلك الشيخ عبد السلام المغربي .
بينما شارك من الجهة الأخرى أعني من الشيعة الأثني عشرية الدكتور عبد الحميد النجدي والدكتور محمد التيجاني السماوي وسبقهم قبل ذلك معمم يقال له شمران العجلي وآخر لا أعرفه , فعلى كل حال أنها دارت هذه المساجلة وهذه المحاورة وراءاها ملايين المسلمين وحكموا كل واحد منهم بكل ما رأى وسمع ..
__________
(1) سورة المؤمنون آية 53 , سورة الروم آية 32 .(175/5)
ثم قدر الله تبارك وتعالى أن تكون مناظرة أخرى لمكلمكم كذلك بعد المناظرة الأولى بشهر تقريباً في شوال مع الدكتور محمد الموسوي والجلسة الأولى مع التيجاني والنجدي إستمرت أو إستغرقت خمسة عشرة جلسة حضرت منها عشر جلسات وأما الثانية مع الدكتور محمد الموسوي فأستغرقت خمس جلسات حضرتها كلها بل كنت وحدي مع الدكتور محمد الموسوي ممثلا للشيعة الأثني عشرية .
وطبيعي جداً أن يدلي كل واحد من المحاورين بدلوه ويستشهد على ما يقول ويستدل ويرد قول من يخالفه إذا ظن أنه خطأ ويعضد قوله بما يرى من الأدلة من الكتاب والسنة ومن النظر والعقل الصريح ..
والمناظرات والمحاورات لها ظروفها ولذلك أثناء المحاورة وأثناء المناظرة قد يقع من الإنسان بحكم جو المناظرة وطريقة المناظرين وزحمة المعلومات وكثرة الإتصالات وغير ذلك كثير قد يحدث ولابد أن يحدث خاصة في مثل هذه المناظرات العميقة أقول قد يحدث شيء من التقصير في شرح فكرة أو في رد مسألة وبيان زيفها أو غير ذلك من الأمور .. ولذلك ناسب أن نجلس الآن هذه الجلسة لنبين ونوضح ما كان يجب أن يوضح في ذلك الوقت .
وقبل ذلك أقول لماذا لم يبين في ذلك الوقت ولماذا يبين الآن ؟
أولا من أهم الأسباب ضيق الوقت , وذلك أن الوقت كان ضيقاً فما كان بوسع الواحد أن يتكلم بكل ما يستطيع في وقت ضيق محدد له , فضيق الوقت كان من أهم الأسباب التي منعت من طرح كل ما نريد أورد وتوضيح وبيان تلبيس كل ما ذُكر .(175/6)
ثم كذلك من الأسباب أننا كنا نقدم الأولويات ونرى أن نقدم الأهم على المهم ولذلك أهملنا بعض تلك الأمور لكوننا أننا كنا نرى أن غيرها أهم , قد نكون مصيبين في ذلك و قد نكون مخطئين , ولكن هكذا رأينا أثناء المناظرة أن نلتزم خطاً واحداً وهو في عرض ما نراه مهماً دون الإلتفات إلى كل ما يُطرح لأنه كان يُقصد منه - كما تبين في أثناء المناظرة - بلبلة الأفكار وتشتيت الموضوع لعدم التركيز على قضية معينة حتى نخرج منها بنتيجة بينة .
كذلك من الأسباب عدم منهجية المناظرين – الدكتور عبد الحميد النجدي والدكتور محمد التيجاني – وإنْ شئت ضم إليهما الدكتور محمد الموسوي لما جلست معه وحدي , فقد لاحظت أثناء المناظرة أنهم يخرجون عن الموضوع ويحاولون أن يثيروا الشغب ويكثرون من المقاطعة وتشتيت الموضوع والكلام يمنة ويسرة , ولهذا كان هذا سبباً قويا في عدم طرح كل ما نريد .
كذلك كنا نلتزم بموضوع الحوار الذي كان يحدد في نهاية كل جلسة للجلسة القادمة عن ماذا سنتكلم ؟ , فكنت ألتزم بموضوع الحوار قدر ما أستطيع ولذلك عندما أسمع بعض الأمور التي هي خارجة عن الحوار أحياناً أردها وأحياناً أتركها حتى أستغل وقتي فيما كان الحوار لأجله .
كذلك من الأسباب أن مدير الحوار , كان يطرح أسئلة خارج الموضوع أحياناً وكنا ملتزمين بالرد عليه على الأقل أدباً , ولذلك كان هذا أيضاً يأخذ من وقتنا ويخرجنا أحيانا عن الموضوع الذي كنا نريد أن نتحدث عنه .
كذا أظن أن بعض المسائل تمت الإجابة عليها أثناء المناقشة وأثناء الحوار ولكن لعل الإجابات كانت مقتضبة أو كانت كاملة ولكن لو أُسهب فيها أكثر لكان أفضل , لإجل هذا كله جلسنا هذه الجلسة , لإجل هذا كله أردنا أن نكون معكم مرة ثانية حتى نطرح عليكم ما نعتقد أنه حق رحمة بكم وإرادة للخير كما هو منهج أهل السنة والجماعة .(175/7)
سيكون مدار حديثنا في هذه الجلسة على نقاط سألتزم بها – بحول الله تبارك وتعالى وقوته - وهي عبارة عن شبهات أُثيرت أو مسائل ذُكرت في أثناء المناظرة ولم يُجب عليها إجابة وافية أحددها ثم أفصلها – بحول الله وقوته -
سيكون حديثنا عن هذه المواضيع مرتبة وسنبدأ بالقرآن الكريم ثم بعد ذلك ننتقل إلى نصوص السنة المشرفة.....:
آية الولاية
ثم آية التطهير
ثم آية ذوي القربى
ثم آية { ثم أورثنا الكتاب }
حديث المنزلة
ثم حديث الثقلين
ثم حديث الأثني عشر
ثم حديث رزية الخميس
ثم حديث الغدير
ثم حديث الإنذار
ثم حديث السُبّق – ثلاثة –
ثم حديث سفينة نوح
ثم حديث ( من سره أن يحى حياتي ويموت موتي ) ..
ثم بعد ذلك نختم بشبهة التحريف .
وهي متمثلة بأمرين إثنين – أعني تحريف القرآن الكريم الدعوى الباطلة التي يدعيها القوم - وهو أن الصحابة رضي الله عنهم حرفوا كتاب الله تبارك و تعالى , ثم بعد ذلك لما صارت هذه التهمة بدل أن تكون على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم صارت سبة في وجوه من إدعوها ومن طعنوا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أجلها , فلم يجدوا مخرجا إلا أن يتهموا أهل السنة بأنهم كانوا يقولون بالتحريف ومازالوا يقولون بالتحريف محتجين بذلك بمسألتين هما مسألة نسخ التلاوة ومسألة القراءة فهذا هو تقريبا حديثنا معكم في هذه الجلسة التي أسأل الله جل وعلا فيها أن يسدد لساني ويثبت فيها جناني فأقول مستعينا بالله جل وعلا :(175/8)
اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون , وكما قال النبي صلوات الله وسلامه عليه في قيامه لليل : ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون إهدنا إلى ما أُُختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صِراط مستقيم ) (1) , اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا إجتنابه :
آية الولاية :
آية الولاية هي قول الله تبارك وتعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } (2).
يستدلون بهذه الآية على إمامة علي رضي الله عنه وأرضاه قبل أبي بكر وقبل عمر وقبل عثمان .
وجه الدلالة ليس في هذه الآية وإنما في سبب نزول هذه الآية , فالآية إذا كما ترون عامة يقول الله فيها {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } لا ذكر فيها أبداً لعلي رضي الله عنه ولا ذكر فيها لأحد من أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه , إنما تذكر {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } إذاً أين الدلالة ؟؟ الدلالة هي في تفسير هذه الآية وهو سبب نزولها كما يزعم القوم فما سبب نزول الآية عندهم ؟؟
__________
(1) صحيح مسلم , كتاب صلاة المسافرين وقصرها , باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح رقم 770 وكان قوله صلى الله عليه وسلم عند قيامه لليل يفتتح صلاته به , سنن بن ماجة رقم 1356 باب ما جاء في الدعاء إذا قام الرجل من الليل .
(2) سورة المائدة آية 55 .(175/9)
إنّ سبب نزول الآية عندهم دعوى أنّ علياً رضي الله عنه كان يصلي فجاء سائل يسأل الناس فلم يعطه أحد شيئاً , فجاء إلى علي وهو راكع فمد علي يده وفيها خاتم فأخذ الرجل الخاتم من يد علي رضي الله عنه فأنزل الله جل وعلا هذه الآية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } فيقولون الذين آتوا الزكاة وهم راكعون هم واحد وهو علي بن أبي طالب فهذه الآية أو ما تسمى عندهم بآية الولاية وهي أقوى دليل عندهم بهذه المسألة كما قرأت لبعض علمائهم .
لنرى هل هذه الآية فعلاً تدل على مرادهم أو لا تدل , هذه الآية طُرحت في أثناء المناظرة وتم الرد على بعض شبههم فيها ولكن كما قلت نحتاج إلى أن نسهب أكثر في بيان معنى هذه الآية وبيان مدى دلالتها على ولاية علي رضي الله عنه وأرضاه .
إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 } (1) , ويقول رسولنا صلوات الله وسلامه عليه : ( إن في الصلاة لشغلاً ) (2) متفق عليه .
__________
(1) سورة المؤمنون آية 1 , 2 .
(2) صحيح البخاري كتاب العمل في الصلاة , باب ما ينهى من الكلام في الصلاة رقم 1199 , صحيح مسلم , كتاب المساجد رقم 34 .(175/10)
وعلي عندنا معاشر أهل السنة والجماعة من أئمة المسلمين ومن أئمة المتقين ومن أئمة الخاشعين فلا نقبل أبداً أن ينسب إلى علي رضي الله عنه أن يشتغل بإخراج الزكاة وقت الصلاة , بل نرى أن علياً رضي الله عنه ممن يلتزم بقول الله تبارك وتعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 } ويلتزم بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن في الصلاة لشغلاً ) , ثم يقال بعد هذا كله إن الأصل في الزكاة أن يتقدم بها المزكي لا أن ينتظر الفقير أو المحتاج حتى يأتيه ويطلب منه هذه الزكاة , فهذا لا يُمدح وإنما يُمدح الذي يعطيها إبتداءاً للذي ينتظر الفقير حتى يأتيه ويعرض نفسه للسؤال , ونحن كذلك ننزه علياً رضي الله عنه من أن يفعل ذلك وهو أن ينتظر الفقير حتى يأتيه ثم يعطيه زكاة ماله .
ثم كذلك نقول إنّ الزكاة لم تجب على علي رضي الله عنه في زمن النبي صلوات الله وسلامه عليه بل كان فقيراً , إسألوا أنفسكم ماذا أمهر علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها ؟؟
أمهرها درعاً , لم يكن ذا مال , كان فقيرا ما كان يستطيع أن يشتري خادماً لفاطمة , ولذلك لما سمع علي رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنها بقدوم سبي للنبي صلى الله عليه وسلم ذهبا يطلبان خادماً , ما كانا يملكان حتى شراء خادم , ومع هذا يأتي علي ويتزكى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم !! هذا لا يمكن أبداً , ما كانت الزكاة واجبة على علي زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
كذلك نقول ليس في هذه الآية مدح لمن يعطي الزكاة وهو راكع , إذ لو كان الأمر كذلك لكان إعطاء الزكاة أثناء وقت الركوع أفضل من غيره من الأوقات !! ونقول لجميع الناس أعطوا زكاة أموالكم وأنتم ركوع لأن الله مدح الذين يعطون زكاة أموالهم وهم ركوع !! ولقلنا للفقراء إبحثوا عن الراكعين و أسألوهم الزكاة ولا أظن أنه يقول أحد من أهل العلم مثل هذا الكلام .(175/11)
ثم إن الله جل وعلا ذكر إقامة الصلاة ولم يذكر أدائها , فلنحاول أن نتدبر الآية قليلاً , إن الله جل وعلا يقول : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } ثم وصفهم الله جل وعلا قال { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } فلم فصل بين الركوع والصلاة وأدخل بينهما الزكاة , إن القرآن يعلم جميع المسلمين أنه أفصح القول ولا يستطيع أحد أن يمسك على القرآن ولا غلطة واحدة في نحوٍ ولا بلاغة ولا صرف ولا في غيرها من الكلمات أبداً لا يمكن هذا , أحسن الحديث وأحسن الكلام , إذا كان الأمر كذلك – ولا أظن أن مسلماً يخالفني في ذلك – فكيف دخلت الزكاة بين الصلاة والركوع ؟ ثم إن الصلاة إنما ذكرت بالإقامة فقال جل ذكره { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ } إن إقامة الصلاة تختلف تماماً عن أدائها وذلك أن إقامة الصلاة هي أن تؤدى هذه الصلاة بكمال شروطها وأركانها وواجباتها بل و مستحباتها مع حسن وضوء وحسن خشوع , هذه هي إقامة الصلاة ولذا جاء بعده ذكر الزكاة أما قوله جل وعلا { وَهُمْ رَاكِعُونَ } فليس له دخل في الصلاة أصلا وإنما الركوع هنا بمعنى الخضوع لله جل وعلا كما قال سبحانه وتعالى عن داوود عليه السلام {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ 24 } (1) ومعلوم أن داوود عليه السلام إنما خر ساجداً ولذا نسجد نحن إذا قرأنا هذه الآية سجود التلاوة , و داوود خر راكعاً فكيف يكون هذا ؟؟ نقول إن داوود خر ساجداً ولكن الله قال {َخَرَّ رَاكِعًا } نقول أي خاضعاً لله جل وعلا , فالركوع هو الخضوع لله جل وعلا .
__________
(1) سورة ص آية 24 .(175/12)
ومنه قول الله جل وعلا عن مريم عليها السلام { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } (1) أي إخضعي مع الخاضعين ولذا مريم كانت تعيش بيت المقدس , وهبتها أمها لبيت المقدس و امرأة لا تجب عليها صلاة الجماعة مع الراكعين , وإنما المقصود إخضعي لله جل وعلا مع الخاضعين له سبحانه وتعالى .
فيكون مراد الله جل وعلا في هذه الآية كما ذكر أهل العلم ذلك { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } أي وهم في كل أحوالهم خاضعون لله جل وعلا .
كذلك نقول : لا نوافق أبداً بأن هذه الآية نزلت في علي رضي الله عنه وذلك أننا نعتقد جازمين أن هذه القصة غير صحيحة , لم يأت سائل ولم يسأل علياً وهو راكع ولم يدفع علي رضي الله عنه الزكاة وهو راكع لم يحدث شيء من ذلك أبداً .
ومن يقرأ هذه الآية وما سبقها وما يتبعها من الآيات يعلم علم اليقين أن الآية لها سبب آخر غير هذا السبب , وذلك أن الله جل وعلا يقول قبيل هذه الآية بثلاث آيات : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2) فنهى الله جل وعلا المؤمنين أن يتولوا اليهود والنصارى .
__________
(1) سورة آل عمران آية 43 .
(2) سورة المائدة آية 51 .(175/13)
وقد جاء في الحديث وهو حديث حسن الإسناد أن سبب هذه الآية هي قصة وقعت لعبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه وذلك أن عبد الله بن أُبي بن سلول شفع عند النبي صلى الله عليه وسلم لبني قينقاع , لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتلهم شفع لهم عبد الله بن أبي بن سلول وأكثر في هذا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى تركهم له صلوات الله وسلامه عليه فأراد إخوانهم اليهود من بني النظير أن يشفع لهم عبادة بن الصامت كما شفع عبدالله بن أُبي بن سلول لإخوانه اليهود فرفض رضي الله عنه أن يشفع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولذلك عبادة بن الصامت من أصحاب بيعة العقبة , عبادة بن الصامت من المؤمنين , عبد الله بن أبي من المنافقين بل رأس المنافقين , فكيف يصنع عبادة بن الصامت كما صنع عبد الله بن أبي بن سلول , ولذلك رد عليهم قولهم ورفض الشفاعة لهم فأنزل الله تبارك وتعالى قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } حتى قال الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ.. } فنجد أن الآيات تتكلم عن ولاية المؤمنين بشكل عام ولا تتكلم عن قضية رجل تصدق بصدقة وهو يصلي , ولذلك يستطيع كل أحد أن يدعي مثل هذه الدعوى فيأتينا شخص فيؤلف لنا حديثاً مكذوباً على طلحة بن عبيد الله ويقول إن طلحة تصدق وهو راكع إذاً هي في طلحة !! .(175/14)
ويأتينا ثالث ويقول هي في الزبير ورابع يأتينا ويقول هي في خالد بن الوليد وخامس يقول هي في العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ولا تنتهي هذه القضية , قضية وضع حديث وكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرها يسير من حيث الإحداث ولكنها عند الله تبارك وتعالى عظيمة وذلك أنه من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم فإن عليه أن يتبوأ مقعداً من النار أعاذنا الله وإياكم من النار .
حتى لو قلنا أنها نزلت في علي – تنزلا وإلا هي لم تنزل في علي رضي الله عنه – أين الخلافة ؟؟؟
أين الولاية ؟؟؟
لا ذكر أبداً للخلافة { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } أين الخلافة ؟؟ الحكم وليكم يعني حاكمكم ؟؟!!
هل يقال إن الله حاكم سبحانه وتعالى , الله خالق الخلق , الله رب العالمين سبحانه وتعالى , أين الخلافة ؟؟!! .
أين ربط هذه الآية بالآيات السابقة والآيات اللاحقة ؟ أين هذا كله ؟ لا نجده عندما نقول هي في الخلافة! .
وهناك دعاوى عريضة وجدتها لبعضهم حول هذه الآية يحاولون فيها التلبيس على الناس من ذلك ما قرأته للموسوي في مراجعاته مثلاً , في المراجعة رقم 12 ص 137 يقول عبد الحسين شرف الدين الموسوي أنظروا إلى هذه الجرأة : (أجمع المفسرون على أن هذه الآية إنما نزلت في علي حين تصدق راكعاً في الصلاة ) , ثم يزعمون بعد ذلك أن هذه المراجعات تمت بين عبد الحسين شرف الدين الموسوي والشيخ سليم البشري رحمه الله تعالى ( شيخ الأزهر في ذلك الوقت ) وهذا لا شك أنه كذب وليس هذا مجال حديثنا عن المراجعات ولكن من شاء أن يرجع إليها فهناك أربعة أشرطة نزلت في تكذيب هذه المراجعات وبيان تأليف عبد الحسين شرف الدين لها وزج اسم الشيخ سليم البشري في هذا الموضوع وهو منه براء – رحمه الله تعالى - .(175/15)
على كل حال نسمع أقوال المفسرين في هذه الآية , هؤلاء المفسرون الذين جمعت كلامهم في هذه الآية :
ابن كثير -رحمه الله تعالى- قال :
( وأما قوله { وَهُمْ رَاكِعُونَ} فقد توهم البعض أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } – يعني أنهم يؤتون الزكاة والحال أنهم راكعون - حتى أن بعضهم ذكر هذا أثراً عن علي رضي الله عنه أن هذه الآية قد نزلت فيه وأن مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه) ثم ذكر بن كثير الآثار التي رُويت عن علي وأنها نزلت فيه وبين ضعفها جميعاً ثم قال : ( وليس يصح منها شيء بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها ) .
بن عطية في المحرر الوجيز يقول : ( قال مجاهد : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع , وفي هذا القول نظر والصحيح ما قدمناه من تأويل الجمهور ولقول الله تبارك وتعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ } أي ومن آمن من الناس حقيقة لا نفاقاً وهم الذين يقيمون الصلاة المفروضة بجميع شروطها ويؤتون الزكاة ) وهذا قول - كما قلنا - جماهير المفسرين نقلها عنهم بن عطية رحمه الله تعالى .
النيسابوري في هامشه على تفسير الطبري قال : (فيها قولان الأول أن المراد عامة المسلمين لأن الآية نزلت على وفق ما مر من قصة عبادة بن الصامت رضي الله عنه , والقول الثاني أنها في شخص معين ورُوي أنه أبو بكر وروي أنه علي .. ) ثم رد القول الثاني وهو أن المراد فيها شخص بعينه .
وهذا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن قال : ( والذين عام في جميع المؤمنين , وقد سؤل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه – الذي هو الباقر - عن معنى قول الله تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } هل هو علي بن أبي طالب ؟ فقال : علي من المؤمنين , يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين , قال النحاس : ( وهذا قول جيد ) ) .(175/16)
الرازي في تفسيره يقول: - بعد أن ذكر كلاماً طويلاً في إبطال القول في أنها نزلت في علي – ( وعلي بن أبي طالب أعلم بتفسير القرآن من هؤلاء الروافض ولو كانت هذه الآية دالة على إمامته لأحتج بها في محفل من المحافل , وليس للقوم أن يقولوا إنه تركه للتقية , فإنهم ينقلون عنه أنه تمسك يوم الشورى بخبر يوم الغدير وخبر المباهلة في جميع فضائله ومناقبه ولم يتمسك البته بهذه الآية لإثبات إمامته وذلك يوجب القطع بسقوط قول هؤلاء الروافض لعنهم الله ) هكذا قال .
وكذلك قال : ( وأما إستدلالهم بأن هذه الآية نزلت في حق علي فهو ممنوع و قد بينا أن أكثر المفسرين زعموا أنه في حق الأمة ) يعني ليس في علي .
وهذا الألوسي كذلك في المعاني يقول : ( وهم راكعون حال من فاعل الفعلين أي يعملون ما ذُكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعون لله جل وعلا ) .
وهذا بن جرير الطبري رحمه الله تعالى يقول : ( يعني تعالى ذكره في قوله { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } ليس لكم أيها المؤمنون ناصر إلا الله ورسوله والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر الله تعالى , وقيل أن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرأه من من ولاية يهود بني قينقاع وحلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين , وأما قوله { وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } فإن أهل التأويل إختلفوا في المعنيّ به فقال بعضهم عُني به علي وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين ) ثم ذكر من قال بهذين القولين .
وهذا الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى يقول : ( فولاية الله تُدرك بالإيمان والتقوى فكل من كان مؤمناً تقياً كان ولياً لله ومن كان ولياً لله فهو ولي لرسوله وقوله { وَهُمْ رَاكِعُونَ } أي خاضعون لله ذليلون .(175/17)
والشوكاني كذلك في فتح القدير وبن الجوزي في زاد المسير . فأين الإجماع ؟!
كل هؤلاء المفسرين وغيرهم كثير لايقولون أنها نزلت في علي , وهؤلاء يدعون أنه أجمع المفسرون أنها نزلت في علي رضي الله عنه وأرضاه!! .
كذلك نقول الآية – كما يلاحظ الجميع - { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } فهي جمع وعلي واحد فهذه تعمية لحال علي , لو كان المراد علياً رضي الله عنه فعلى الأقل يأتي إما بإسمه أو بشيء يدل عليه , والذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة وهو راكع على الأقل هذه أوضح أما أن تأتي هكذا معماه إذا قلنا إن المقصود علي رضي الله عنه هذا لا يمكن أن يكون أبداً و لا يجوز أن يُنسب إلى الله جل وعلا الذي هو أحسن قيلا وأحسن حديثاً سبحانه وتعالى كيف نحن من قول الله تعالى { يريدُ اللهُ ليبينَ لكم ويهديَكُم سُنَنَ الذين مِنْ قبلكم ويتوبَ عليكم } أين نحن من هذه الآية ؟ أين البيان في هذه الآية!؟ , إنها دعوى والدعوى مرفوضة لا تُقبل .
وهناك جزئية ذكرها بعض أهل العلم مفيدة في هذا الجانب وهي قولهم أن الزكاة بالخاتم لا تُجْزئ , الزكاة إنما تكون بالدراهم والدنانير وأما إن يتزكى بالخاتم فإن هذا لا يجزئ أبداً .
على كل حال هذه هي الآية الأولى التي يستدلون بها ووجه الاستدلال عندهم – حسب ما قرأتُ لبعضهم - أنه كلمة إنما { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله } قالوا إنما هذه للحصر كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) (1) أي حصر الأعمال لا تُقبل إلا تكون مصحوبة بنية { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } وهو علي رضي الله عنه ! سلمنا جدلاً أنها في علي ثم ماذا ؟؟ ...
__________
(1) صحيح البخاري كتاب بدء الوحي , باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث رقم 1 .(175/18)
أين خلافة الحسن والحسين وعلي بن الحسين , أهذه للحصر ؟ , إذاً ليس لكم ولي إلا الله وليس لكم ولي إلا رسول الله وليس لكم ولي إلا علي إذاً أبطلوا خلافة الحسن أبطلوا خلافة الحسين أبطلوا خلافة التسعة من أولاد الحسين لأن الله قال { إِنَّمَا } أي فقط , فإذا إلتزموا بذلك فهذا شأنهم .
آية ذوي القربى :
وآية ذوي القربى هي قول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم آمرا له أن يقول للناس { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (1), ويقولون القربى هنا علي وفاطمة والحسن والحسين .
{ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} نجد أن بعضهم يفسر هذه الآية كما فعل الأنطاكي مثلاً في كتابه لماذا إخترت مذهب الشيعة , فلا يتقي الله تبارك وتعالى , وإن كنت أعتقد جازماً أن هذا الكتاب ليس له وإنما ألفه غيره ونسبه إليه , والعلم عند الله تبارك وتعالى ولكن على كل حال لما يأتي إلى هذه الآية وهي قول الله تبارك وتعالى : { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فينقل حديثاً من صحيح البخاري وفيه أن بن عباس رضي الله عنه يسأله رجل عن معنى هذه الآية { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فيقول سعيد بن جبير : ( إلا أن تودوا قرابتي ) فيرد عليه بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنه فيقول: (عجِلتَ فوالله ما من بطن من بطون قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيه قرابة ولكن إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة ) (2) هذا معنى الآية ..
__________
(1) سورة الشورى آية 23 .
(2) صحيح البخاري , كتاب التفسير , باب المودة في القربى رقم 4818 .(175/19)
ماذا فعل الأنطاكي أو من نسب الكتاب إلى الأنطاكي قطع هذا الحديث من وسطه ,بتره , وهذا موجود في البخاري فقال : قال بن عباس : ( ألا أن تودوا قرابتي ) وترك رد بن عباس على سعيد بن جبير , ونسب قول سعيد بن جبير إلى بن عباس رضي الله عنهما ! , ماذا تسمون هذا الصنيع ؟ سموه ما شئتم ! , ولكن ليس هذا سبيل المؤمنين وما هذا طريقهم أبداً لايقطعون ولا يبترون الأحاديث ويدلسون ويكذبون ولكن نقول الله المستعان .
إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (1) , هذه المصارف سهم لله والرسول , سهم لذوي القربى , سهم لليتامى , سهم للمساكين , وسهم لأبن السبيل , هذا ما يسمونه بالخُُمُس , وهذا الخُمس إنما يؤخذ من غنائم الجهاد لأن الله تبارك وتعالى يقول {وأعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم } غنيمة في الجهاد , غنائم الجهاد .
غنائم الجهاد صارت وللأسف بعدما كانت تؤخذ من الكفار صارت تؤخذ من المسلمين , الله تبارك وتعالى جعل لذوي القربى خمس خمس الغنيمة , وذلك أن الغنيمة تُقسم إلى خمسة أخماس فلوا فرضنا أن الغنيمة 10 آلاف فتقسم هذه الغنيمة إلى خمسة أخماس ألفين ألفين هكذا ثم أربعة أخماس تعطى للمجاهدين للذين قاتلوا وشاركوا في المعركة 8 آلاف يبقى ألفان يقسمان على خمسة أخماس لله والرسول لذوي القربى لليتامى للمساكين لأبن السبيل 400 لكل سهم , إذا هذه الأخماس تقسم بهذه الطريقة , إذا خمس الخمس لذوي القربى .
ماذا يفعل القوم اليوم ؟ خمس كامل ويؤخذ ممن ؟ من المسلمين !! والله إنما أعطى ذوي القربى خمس خمس من الكفار وهؤلاء يأخذون خمسا كاملا من المسلمين ليس هذا من دين الله في شيء أبدا ولا نقبل هذا أبداً .
__________
(1) سورة الأنفال آية رقم 41 .(175/20)
المهم أن الله تبارك وتعالى لما ذكر ما لذي القربى قال { ولذي القربى } باللام بينما الآية تقول { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } في القربى ففرق بين في القربى و للقربى في قول الله تبارك وتعالى { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى...} ولا بد لنا أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يطلب أجراً , كيف يطلب أجراً وهو الذي يقول الله له { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } (1) .
__________
(1) سورة ص آية رقم 86 .(175/21)
إن الأنبياء جميعاً لا يسألون أقوامهم أجراً قال الله تبارك وتعالى عن نوح { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ } (1)وقال عن هود { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ } (2) , وقال صالح كذلك وكذا قال لوط وقال شعيب كذلك { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ } (3), ومعلوم أن نبينا محمداً هو أكرم الأنبياء وسيد الأنبياء و المرسلين صلوات الله وسلامه عليه , فإذا كان إخوانه من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم كنوح ولوط وهود وصالح وشعيب وغيرهم لا يسألون الناس أجراً فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بذلك أن لا يسأل الناس أجراً إنهم لا يسألون الأجر إلا من الله سبحانه وتعالى وهذا معنى قول الله جل وعلا إذاً { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } , إلا هنا في الآية بمعنى لكن وليست إستثناءاً , هو لا يسأل أجرا قطعاً صلوات الله وسلامه عليه وإنما يكون معنى الآية قل لا أسألكم عليه أجرا ولكن المودة في القربى , ودوني في قرابتي كما قال بن عباس رضي الله عنه وأرضاه .
آية التطهير :
__________
(1) سورة الشعراء آية رقم 109 .
(2) سورة الشعراء آية رقم 127 .
(3) سورة الشعراء آية 145 .(175/22)
إن آية التطهير هي قول الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 } (1) الأحزاب .. يقولون إن أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين بدلالة حديث الكساء ! ما هو حديث الكساء ؟ , حديث الكساء ترويه أم المؤمنين عائشة – التي يزعمون أنها تبغض آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ويخرجه من ؟ الإمام مسلم الذي يزعمون أنه يكتم أحاديث في فضائل آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
عائشة تروي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه علي فأدخله في عباءته – في كساءه – ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جللهم أي غطاهم صلوات الله وسلامه عليه بالكساء ثم قال : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) (2) , فقالوا هذا الحديث يفسر الآية وهو قول الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 }.
ثم الإستدلال الآخر وهو أن إذهاب الرجس والتطهير أي العصمة ! فيكونون بذلك معصومين , فيكون علي رضي الله عنه معصوماً وكذا الحسن والحسن وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين , فإذا كان الأمر كذلك فهم أولى بالإمامة من غيرهم ثم أخرجوا فاطمة رضي الله عنها و قالوا إن الإمامة في علي والحسن والحسين ثم في أولاد الحسين كما هو معلوم عند الكثير .
__________
(1) سورة الأحزاب آية 33 .
(2) صحيح مسلم , كتاب فضائل الصحابة رقم 61 .(175/23)
هذه الآية هل هي فعلا في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أو في غيرهم كما قلنا قبل قليل في قوله تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ثم إقرأوا ما قبل هذه الآية وماذا بعد هذه الآية , تدبروا القرآن لا نريد أكثر من ذلك أليس الله جل وعلا يقول { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } (1) ويقول : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } (2) إن هذا الخطاب من الله جل وعلا ليس متوجها فقط لأناس معينين هم الذين يحق لهم أن يتدبروا القرآن , بل إن الله تبارك وتعالى يطلب من جميع المسلمين بل وغير المسلمين أن يتدبروا القرآن وأن يقرءوا القرآن ويتعرفوا على الله جل وعلا من خلال القرآن , فإنهم إذا قرءوا القرآن وتدبروه وعرفوه حق المعرفة وعرفوا قدره ومكانته لن يجدوا بداً من الانصياع إليه وإتباعه والإقرار بكماله وحسن رسمه وغير ذلك من الأمور , كذلك الأمر هنا لا نريد أكثر من أن تتدبر القرآن أنتم بأنفسكم – أنا أعنيكم يا عوام الشيعة – دعوا علمائكم جانباً ارجعوا إلى كتاب ربكم سبحانه وتعالى أقرءوه افتحوا هذا القرآن الكريم , افتحوه على سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين والجزء الحادي والعشرين فنجد أن الله تبارك وتعالى يقول في آخر الجزء الحادي والعشرين وفي أول الجزء الثاني والعشرين : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 28 وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ
__________
(1) سورة محمد آية 24 .
(2) سورة النساء آية 82 .(175/24)
أَجْرًا عَظِيمًا 29 يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا 30 وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا 31 يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا 32 وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا 34} كل الآيات متناسقة , آيات في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك لانريد أكثر من أن يتدبر الإنسان كتاب الله جل وعلا , آيات في نساء النبي يا نساء النبي .. يا نساء النبي .. يا نساء النبي .. وقرن في بيوتكن .. ولا تبرجن .. ثم قال : { وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } فنجد أن الآيات كلها في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم , إذاً كيف لأحد أن يدعي بعد ذلك أن هذا المقطع من الآية لأن قوله تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ.. } ليست آية إنما هي جزء من آية { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} جزء من آية , كيف تقبلون في كلام الله جل وعلا أن يكون الخطاب لنساء النبي { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ(175/25)
قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } ثم يقول : { يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } يا علي يا حسن يا حسين يا فاطمة ثم يعود مرة ثانية { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } ما دخل علي والحسن والحسين وفاطمة في الخطاب عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ؟ , ما مناسبة هذه الفقرة بين هذه الآيات ؟ لا توجد مناسبة , إذاً ماذا علينا أن نفعل هل نطعن في كلام الله أو نطعن في الذين فهموا هذا الفهم وادعوا دعوى غير صحيحة وهي أن قول الله تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ.. } هي في علي وفاطمة والحسن والحسين , نقول هذه دعوى باطلة , هذه في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك كان مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى يقول ( هي في نساء النبي ومن شاء باهلته ) أي في هذه الآية , القصد أن هذه الآية هي في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحديث الكساء في علي وفاطمة والحسن والحسين وبهذا نجمع بين الأمرين أن علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بدليل حديث الكساء , وأزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته بدليل آية التطهير , وغيرهم كالفضل بن العباس والمطلب بن ربيعة بن الحارث أبنا عم النبي صلى الله عليه وسلم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لما منعهما من الزكاة أن يكونا عاملين عليها وقال : ( إنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ) (1)ويدخل آل
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الزكاة , باب ترك استعمال آل النبيّ على الصدقة رقم 168 .(175/26)
جعفر وآل عقيل وآل العباس لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه وأرضاه .
فقصر هذه الآية على علي وفاطمة والحسن والحسين لا يستقيم معه نص الآية أبداً ولذلك نقول إن هذا القول مردود .
هنا إشكال وهو إذا كان الأمر كذلك وهي في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما مفهوم { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ } ولم يقل عنكن , هذا الذي يدندنون عليه , هذه ذكر لها أهل العلم معاني كثيرة منها :
أولاً : وهو أصح هذه الأقوال أن النبي داخل معهن صلوات الله وسلامه عليه وذلك أن الخطاب كان للنساء .. للنساء .. للنساء ثم لما تكلم عن البيت دخل سيد البيت وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فإذا دخل صلوات الله وسلامه عليه مع النساء في الخطاب فطبيعي جداً أن تلغى نون النسوة وتأتي بدلها ميم الجمع { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } أي يا نساء النبي ومعكن سيدكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا إذاًً معنى هذه الآية لماذا تأتي بميم الجمع ولم تأتي بنون النسوة , وتصح أيضاً لما قال الله عن امرأة إبراهيم { رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ } (1) وهي امرأة إبراهيم , إذاً لماذا جاء بميم الجمع هنا عليكم ولم يقل عليكن ولم يقل عليكِ أيضاً ؟؟ وإنما عليكم .. يريد أهل البيت يريد النص مراعاة اللفظ .. واللفظ للأهل .
على كل حال إنّ نون النسوة هنا لم يُؤتَ بها لإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل معهن .
__________
(1) سورة هود آية 73 .(175/27)
ما دلالتها كذلك أيضاً على التطهير , هو الله يريد أن يُذهبَ الرجس , يريد أن يُطهر سبحانه وتعالى , طيب هل هم مطهرون خلقة أو يريد الله الآن أن يطهرهم ؟؟ , بدعوى القوم أنهم مطهرون خلقة , خُلِقوا مطهرين فإذا كانوا خُلقوا مطهرين فما معنى قول الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } بعد أوامر ونواهي قال يريد ليذهب عنكم الرجس أي طهركم وأذهب عنكم الرجس , إذاً ما معنى حديث الكساء وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم جللهم بالكساء ثم قال : ( اللهم هؤلاء هم أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) يدعو لماذا ؟ وبماذا ؟ يدعو بذهاب الرجس الذي هو أصلاً هو ذاهب عنهم , هم مطهرون خلقة !! فكيف النبي يطلب من الله أن يُذهب عنهم الرجس !! تحصيل حاصل لا ينبغي أن يكون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
إذاً هذه الآية لا تدل على العصمة , كيف تدل على العصمة وعلي رضي الله عنه يقول ( فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن من أن يقع مني ذلك) الكافي ج8 ص 293 .
ويقول للحسن ابنه : ( ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما إختلف الناس فيه من أهواءهم وأراءهم مثل الذي إلتبس عليهم ) نهج البلاغة ص 576 .
وقال له أيضا : (ً فأعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء وتتورط الظلماء ) نهج البلاغة ص 577 . وقال له كذلك : ( فإن أشكل عليك من ذلك – يعني أمر – فأحمله على جهالتك به فإنك أو ل ما خُلقت جاهلاً ثم عُلمتَ وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك أو يضل فيه بصرك ) نهج البلاغة ص 578 .
وهذا من يسمونه بالشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي يقول : ( فإن كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون بعصمتهم لخفاءها عليهم بل كانوا يعتقدون أنهم علماء أبرار ) حقائق الأيمان ص 151 .
{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } ما هو الرجس ؟؟(175/28)
الرجس قال أهل اللغة : هو القذر , هو الذنْب , هو الإثم ,الفسق ,الشك ,الشرك , الشيطان .. كل هذا يدخل في مسمى الرجس .
وردت كلمة رجس في القرآن في مواضع عدة قول الله تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } (1) .
وقال سبحانه وتعالى { كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } (2), وقال سبحانه وتعالى { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ } (3) وكذلك يقول الله جل وعلا عن الكفار من اليهود { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } (4) ويقول { سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ } (5) وغيرها جاءت في القرآن الكريم تبين معنى الرجس وهو الإثم , الذنْب , القذر , الشك , الشيطان , الشرك وما شابهها من المعاني .
ولذلك جاء عن جعفر الصادق رضي الله عنه ورحمه أنه قال { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } قال : هو الشك , وقال الباقر : الرجس هو الشك والله لا نشك بربنا , وفي رواية : في ديننا , وفي رواية لا نشك في الله الحق ودينه , هذا هو الرجس .
أذهب الله عنهم الرجس فكان ماذا ؟
هل كل من أذهب الله عنه الرجس يصير إماماً .. معصوما؟! .
__________
(1) سورة المائدة آية رقم 90 .
(2) سورة الأنعام آية رقم 125 .
(3) سورة الأنعام رقم 145 .
(4) سورة الأعراف آية رقم 71 .
(5) سورة التوبة آية رقم 95 .(175/29)
الله سبحانه وتعالى يقول عن جميع المؤمنين , في أهل بدر لما كانوا معه { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } (1)وقُرأت رجس بالسين , هل صاروا معصومين إذاً , كل هؤلاء صاروا أئمة ثلاثمئة وبضعة عشر كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم !!
هل كل من طهره الله سبحانه وتعالى يكون إماماً يقول الله جل وعلا { وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (2)يقولها لجميع المؤمنين .
وقال سبحانه وتعالى { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } (3), الله يريد سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين كما قال أهل العلم :
إرادة شرعية وهي ما يحبه الله و يرضاه – سبحانه وتعالى- .
إرادة كونية قدرية وهي ما يوقعه الله سبحانه وتعالى .
__________
(1) سورة الأنفال آية رقم 11 .
(2) سورة المائدة آية رقم 6 .
(3) سورة النساء آية رقم 27 .(175/30)
والآية إنما هي فيما يحبه الله ولذلك سُبقت بأمر ونهي , { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} { وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ثم قال بعدها { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } أي مع هذه الأوامر وهذه النواهي يريد الله سبحانه أي يحب جل وعلى أن يُذهب عنكم الرجس إذا إلتزمتم بفعل ما أمر وترك ما عنه نهى وزجر , فهذه إرادة شرعية يحبها الله ورسوله , وهذه الإرادة الشرعية قد تقع وقد لا تقع ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول : { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } هل جميع الناس تاب الله عليهم ؟ لا , منهم من غضب الله عليهم سبحانه وتعالى ومنهم من لعنه جل وعلا ومنهم من جعل منهم عبدة الطاغوت وجعلهم حطب جهنم وما تاب عليهم سبحانه وتعالى لأنها إرادة شرعية ليست قدرية .(175/31)
أما الإرادة القدرية الكونية فهي التي يوقعها الله سبحانه وتعالى وهذه تقع على ما يحبه الله وما لا يحبه , ككفر الكافر مثلاً هل كفر الكافر رغماً عن الله أو بإرادة الله ؟ , بإرادة الله سبحانه وتعالى , ما يقع شيء في هذا الكون إلا بإرادة الله سبحانه وتعالى { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ } (1) سبحانه وتعالى فكفر الكافر ليس رغماً عن الله بل هو بإرادة الله القدرية الكونية سبحانه وتعالى وإن كان الله لا يحب هذا - أي لا يحب أن يكفر الكافر - , ولا يريد الله سبحانه وتعالى أن يمتنع إبليس عن السجود لآدم ولكن وقع هذا بإرادة الله الكونية القدرية وليس بإرادته الشرعية التي هي بمعنى المحبة – ما يحبه الله و يرضاه – ولذلك يحاسب الله على ترك إرادته الشرعية ولا يحاسب على ترك إرادته الكونية القدرية لأنه لا يستطيع أحد أصلاً أن يتركها ولا يستطيع أحد أن يتجاوزها أعني إرادة الله الكونية القدرية .
ومن الأدلة التي إستدلوا بها على الإمامة والعصمة أدلة من السنة أي من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وذكرنا في بداية حديثنا أننا سنتكلم عن مجموعة من الأحاديث تسعة تقريباً أولها حديث الثقلين .. حتى أُلفت كتبت عناوينها تحمل هذا المضمون :
حديث الثقلين :
ما هو حديث الثقلين , حديث الثقلين أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وأستمسكوا به ) , قال زيد : فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ) (2)
__________
(1) سورة الإنسان آية رقم 30 , وسورة التكوير آية رقم 29 .
(2) صحيح مسلم , كتاب فضائل الصحابة , باب فضائل علي بن أبي طالب حديث رقم 36 ( 2408 ) وهذا نصه :
حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد جميعا عن بن علية قال زهير حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أبو حيان حدثني يزيد بن حيان قال انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه ثم قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال ثم هؤلاء حرم الصدقة قال : نعم .(175/32)
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .
ماذا فيه ؟ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إني تارك فيكم الثقلين ) الثقل الأول كتاب الله وكما هو وارد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأخذ به والتمسك به ثم الثقل الثاني وهم أهل بيته قال ( أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي ) .
ظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر برعاية حقوق أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم ولكنهم لا يتوقفون عند هذا الحديث أعني حديث زيد بن أرقم وإنما يتجاوزون ذلك إلى حديث أم سلمة وحديث علي وحديث أبي سعيد الخدري , أما حديث علي رضي الله عنه ففيه ( إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله سببه بيد الله وسببه بإيديكم وأهل بيتي ) ظاهره أنه أمر بالتمسك بأهل بيته وهذا أخرجه بن أبي عاصم في السنة , ولكن مشكلته أنه لا يصح حيث إن في رواته سفير بن زيد ضعفه أبو حاتم والنسائي وأبو زرعة ويعقوب بن شيبة وبن المديني فلا يمكن الاستدلال بمثل هذا الحديث , ندعه ونأخذ الحديث الذي بعده وهو حديث أبي سعيد الخدري وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إني قد تركت الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) وهذا أخرجه أحمد و الترمذي وأبو يعلا وبن أبي عاصم ولكن هذا أيضاً فيه عطية العوفي ضعفه أحمد وأبو حاتم والنسائي وغيرهم بل هو متفق على ضعفه عند أهل العلم إذاً لا يسلم هذا أيضاً .(175/33)
الحديث الرابع وهو حديث زيد بن ثابت وفيه ( إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) (1)أخرجه أحمد والطبراني وفيه القاسم بن حسان وثقه أحمد بن صالح والعجلي وذكره بن حبان في الثقات وضعفه البخاري وبن قطان وسكت عنه بن أبي حاتم وضعفه الذهبي وقال بن حجر مقبول وفيه شريك بن عبد الله وهو سيء الحفظ .
الحديث الخامس حديث جابر بن عبد الله ( يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله و عترتي أهل بيتي ) (2) أخرجه الترمذي و الطبراني وفيه زيد بن الحسن الأنماطي قال أبو حاتم مُنْكر الحديث وكذا قال الذهبي وقال بن حجر ضعيف .
__________
(1) مسند الإمام أحمد حديث زيد بن ثابت رقم 21697 ( 5/189 ) .
(2) سنن الترمذي , كتاب المناقب , باب مناقب أهل البيت رقم 3786 , وفيه زيد الأنماطي والحديث له أكثر من طريق .(175/34)
من هذه الروايات يظهر لنا أن حديث الثقلين إنما يصح من رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه وليس فيه شيء من الأمر بالتمسك بالعترة , وإنما فيه الأمر برعاية حق العترة , والأمر إنما هو في التمسك بكتاب الله لذا جاء حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صحيح مسلم ( وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده أبداً إن إعتصمتم به , كتاب الله ) (1) فقط ولم يتطرق لأهل البيت ولا للعترة وهذا رواه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وحديث الأمر بالتمسك بالعترة ضعفه أحمد وبن تيمية , نعم صححه بعض أهل العلم كالألباني وغيره ولكن العبرة بما يكون فيه البحث العلمي وهو أن هذا الحديث لا يصح علمياً من حيث النظر إلى الأسانيد والدلالات و هذه منهجية أهل السنة والجماعة وأنهم لا يقلدون أحداً في مثل هذه الأمور بل يتبعون بحسب القواعد الموضوعة .
صح هذا الحديث فكان ماذا ؟ سلمنا بصحته فكان ماذا ؟ أمر بالتمسك بالثقلين , من هم الثقلان ؟ كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم , يقول بن الأثير ( سماهما الثقلين لإن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ويُقال لكل خطير نفيس ثَقَل فسماهما ثقلين إعظاماً لهما وتفخيماً لشأنهما ) قاله بن الأثير ج1 ص 216 في غريب الحديث .
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الحج , باب في المتعة بالحج والعمرة رقم 146 ( 1216 ) .(175/35)
ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفظ حقوقهم , ولذلك الصحابة رضي الله عنهم أعطوا الثقلين حقهم , هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يقول : ( إرقبوا محمداً في أهل بيته ) (1) وهذا أخرجه البخاري في صحيحه وقال : ( والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصِلَ من قرابتي ) (2)أخرجه البخاري كذلك في صحيحه .
ثم نرد على شبهتهم هذه من عدة وجوه (3) :
الوجه الأول : من عترة النبي صلى الله عليه وسلم ؟
عترة الرجل هم أهل بيته , وعترة النبي صلى الله عليه وسلم هم كل من حرمت عليه الزكاة وهم , بنو هاشم , هؤلاء هم عترة النبي صلى الله عليه وسلم , ولننظر من أولى الناس بالتمسك بهؤلاء السنة أم الشيعة ؟
الشيعة ليس لهم أسانيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقرون بأنه ليس عندهم أسانيد في نقل كتبهم ومروياتهم , وإنما هي كتب وجدوها فقالوا أرووها فإنها حق (4) .
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة , باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم 3713 وأيضا رقم 3751 .
(2) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة , باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم 3712 , صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير , باب باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا نورث ما تركنا فهو صدقة ) رقم 52 ( 1759 ) .
(3) هذا الجزء هو إكمال لرد الشبهة هذه من كتاب الشيخ عثمان الخميس ( حقبة من التاريخ ) ص 203 إلى ص 206 مع نقل توثيق الشيخ نفسه , وذلك لأن كلام الشيخ إنقطع في رده على هذه الشبه هنا من مصدر التسجيل .
(4) روى الكليني عن محمد بن الحسن قال : قلت لأبي جعفر الثاني : جُعلت فداك إن مشائخنا رووا عن جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم , فلما ماتوا صارت الكتب إلينا , فقال : حدثوا بها فإنها حق . الكافي 1/ 53 .(175/36)
أما أسانيدهم كما يقول الحر العاملي وغيره من أئمة الشيعة إنه ليس عند الشيعة أسانيد أصلا ولا يعولون على الأسانيد (1) , فأين لهم أن ما يروونه في كتبهم ثابت عن عترة النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
بل نحن أتباع عترة النبي صلى الله عليه وسلم الذين أعطيناهم حقهم ولم نزد ولم ننقص كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله " (2) .
الوجه الثاني : إمام العترة علي بن أبي طالب رضي الله عنه , وبعده يأتي في العلم عبد الله بن عباس الذي هو حبر هذه الأمة , وكان يقول بإمامة أبي بكر وعمر قبل عليّ رضي الله عنه بل إن عليّ بن أبي طالب قد ثبت عنه بالتواتر أنه قال : ( أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر ) (3) .
بل ثبت عنه عند الشيعة أنه قال : (أَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً ) (4) , فعليّ يقر بفضل الشيخين وهو إمام العترة .
الوجه الثالث : هذا الحديث مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً , كتاب الله وسنتي " (5) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسُنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " (6) , فأمر بالعضِّ عليها بالنواجذ .
__________
(1) انظر كتابه خاتمة الوسائل فإنه يبين فيه أن الشيعة ليس لهم أسانيد تصحيح على أساسها الروايات , وإن قضية الإسناد أمر مستحدث , الفائدة التاسعة .
(2) صحيح البخاري , كتاب أحاديث الأنبياء , باب قول الله واذكر في الكتاب مريم رقم 3445 .
(3) صحيح البخاري , كتاب فضائل الصحابة , باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : لو كنت متخذا خليلا رقم 3671 .
(4) نهج البلاغة ص 95 خطبة رقم 92 .
(5) مستدرك الحاكم 1/93 .
(6) سنن أبي داود , كتاب السنة , باب لزوم السنة رقم 4607 , سنن الترمذي , كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة 2676 .(175/37)
وقال : " اقتدوا بالَذّين من بعدي , أبي بكر وعمر " (1) .
وقال : " اهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود " (2) , ولم يدل هذا على الإمامة أبداً , وإنما دلَّ على أن أولئك على هدى الرسول صلى الله عليه وسلم , ونحن نقول إن عترة النبي صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة أبداً .
الوجه الرابع : إن الشيعة يطعنون في العباس (3) , ويطعنون في عبد الله ابنه (4) , ويطعنون في أولاد الحسن , وقالوا : إنهم يحسدون أولاد الحسين (5) , ويطعنون كذلك في أبناء الحسين نفسه من غير الأئمة الذين يدعونهم كزيد بن عليّ (6) , وكذلك إبراهيم أخي الحسن العسكري (7) , وغيرهم فهم ليسوا بأولياء النبي صلى الله عليه وسلم وعترته هم الذين مدحوهم وأثنوا عليهم وأعطوهم حقهم ولم ينقصوهم .
الوجه الخامس : نظرة الشيعة ليست نظرة اتباع وإنما هي نزعة شعوبية فارسية , فالنظر عندهم ليس نظراً في إسلام وكفر , وإنما النظر نظر فرس وعرب , وهذا يدل عليه أمور منها :
تعظيمهم لسلمان الفارسي من دون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى قالوا إنه يوحى إليه (8) , لماذا ؟!! لأنه من فارس .
__________
(1) سنن الترمذي كتاب المناقب باب مناقب أبي بكر وعمر رقم 3663 , سنن ابن ماجه , المقدمة باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رقم 86 .
(2) سنن الترمذي كتاب المناقب , باب مناقب عبد الله بن مسعود رقم 3805 .
(3) رجال النجاشي ص 52 .
(4) رجال النجاشي 52 , الكافي 1/247 واتهموه أنه سخيف العقل .
(5) الكافي 2/155 وانظر الحاشية .
(6) بحار الأنوار 46/194 , اتهموه أنه كان يشرب الخمر .
(7) الكافي 1/504 اتهموه بأنه فاجر ماجن شريب للخمور .
(8) رجال الكشي 21 .(175/38)
تعظيمهم لأولاد الحسين دون أولاد الحسن .. لماذا ؟! لأن أخوال أولاد الحسين من الفرس , من شهربانو بنت يزدجرد وهي أم عليّ بن الحسين رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين , فيرون أن الشجرة الساسانية الكريمة التقت مع الشجرة الهاشمية (1) .
قالوا كسرى في النار والنار محرمة عليه (2) , لماذا ؟! نظرة فارسية تعظيم لكسرى حتى وهو قد مات على الكفر قالوا : النار محرمة عليه .
ثم جاء آخرهم ولعله ليس بأخيرهم وهو الإحقاقي الحائري , وقال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما فتحوا بلاد فارس : ( أولئك العرب الأعراب الأوباش عُبَّاد الشهوات الذين يتعطشون إلى عفة نساء فارس ) (3) .
انظر كيف يصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكيف يصف نساء فارس في ذلك الوقت , لما كُنَّ مجوسيات , يقول عنهن : عفيفات ويقول عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم عطاشا لأعراض نساء فارس , فالنظرة إذاً ليست نظرة إسلام وكفر , أو نظرة إمامة عليّ وترك إمامة غيره , لا , إنما النظرة نظرة شعوبية بحتة (4) .
حديث الإثني عشر :
__________
(1) بحار الأنوار 45/329 .
(2) بحار الأنوار 41/214 .
(3) رسالة الإيمان 323 .
(4) إنتهى الإيراد من كتاب حقبة من التاريخ هنا .(175/39)
وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يكون بعدي إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ) وفي روايات أخرى لهذا الحديث عند أهل السنة والجماعة في الصحيحين وغيرهما ( لا يزال أمر هذا الدين قائماً حتى يلي إثنى عشر خليفة كلهم من قريش ) (1) هذا الحديث يستدلون به على إمامة الأثني عشر عندهم , فهل الأثني عشر في الحديث الشريف هم الأثنى عشر الذين يقول الشيعة إنهم أئمتهم ؟! وإنهم هم المقصودون في هذا الحديث أو لا؟ .
هذه دعوى للنظر هل هذه الدعوى صحيحة أو غير صحيحة , من هم أئمة الشيعة الأثنى عشر نعدهم :
علي بن أبي طالب .
الحسن بن علي .
الحسين بن علي .
علي بن الحسين .
محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) .
جعفر بن محمد ( الصادق ) .
موسى بن جعفر ( الكاظم ) .
علي بن موسى ( الرضا ) .
محمد بن علي ( الجواد ) .
علي بن محمد ( الهادي ) .
الحسن بن محمد العسكري .
محمد بن الحسن وهو المهدي .
__________
(1) البخاري كتاب الأحكام , باب الإستخلاف رقم 7222 بلفظ ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي إنه قال : " كلهم من قريش" ) , صيح سلم كتاب الإمارة , باب الناس تبع لقريش حديث رقم 5 , 6 , و7 بعدة ألفاظ كلها قريبة من هذا اللفظ ( حديث رقم 5 ) : " عن جابر بن سمرة قال دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة قال ثم تكلم بكلام خفي علي قال فقلت لأبي ما قال قال : كلهم من قريش " , سنن الترمذي باب ما جاء في الخلفاء حديث رقم 2223 بلفظ ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون من بعدي اثنا عشر أميرا قال ثم تكلم بشيء لم أفهمه فسألت الذي يليني فقال كلهم من قريش ) .وسنن أبي داود رقم 3731 ,(175/40)
يقولون هؤلاء هم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( يكون بعدي إثنى عشر خليفة ) قلنا فلننظر هل هذا الكلام صحيح أو غير صحيح ؟ .
نقول أولاً جاء في كتب القوم أن الأئمة ثلاثة عشر , في الكافي مثلاً عن أبي جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : ( إني وأثني عشر إماماً من ولدي وأنت يا علي سر الأرض ) الاثنى عشر غير علي أي ثلاثة عشر هؤلاء وهذا في الكافي ج 1 ص 534 .
وجاء كذلك عن جابر أنه قال دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت إثني عشر آخرهم قائمهم . إذا كلمة أثني عشر هذه كلمة غير صحيحة ولذلك جاء في حديث جابر هذا أنه قال : ( فعددت إثني عشر آخرهم قائمهم ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي ) من هم محمد , محمد الباقر , محمد بن علي ( الجواد), محمد بن الحسن ( المهدي ) , من هم الثلاثة علي ؟ , علي بن الحسين ( السجاد ) , علي بن موسى ( الرضا ) , علي بن محمد (الهادي ) وهذا في الكافي ص 532 .
إذاً هم ثلاثة عشر ولذلك ذكرت بعض كتب الشيعة التي تكلمت عن الفرق أن هناك فرقة من فرق الشيعة تسمت بالثلاثة عشر يعني إعتقدت بثلاثة عشر إماماً من هذان الحديثان الموجودان في الكافي يقولان أن الأئمة ثلاثة عشر وليسوا إثني عشر كما يقولون .
وهنا نقطة مهمة جداً في هذه المسألة , هم يقولون نحن الأثنى عشر وأئمتنا هم فلان وفلان وفلان .. الذين ذكرناهم الآن .. طيب النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا في زمنه بينما نجد أن كبار رواة الشيعة الذين عاصروا الباقر وعاصروا الصادق , الباقر قلنا هو الخامس والصادق هو السادس ولهما تلاميذ أتباع رواة ما كانوا يعرفون أن الأئمة أثنا عشر ولذلك كان الإختلاف يقع بينهم كآل زرارة لما حضره الموت قال ( ليس لي إمام وأشار إلا هذا الكتاب وأشار إلى القرآن ) رجال الكشي ص 139 .(175/41)
ونجد أن أقطاب الشيعة الكبار زرارة بن أعين , هشام بن سالم الجواليقي و محمد بن النعمان الأحول ( شيطان الطاق ) , عمار الساباطي هؤلاء يذهبون ويبايعون عبد الله بن جعفر !! ولم يبايعوا موسى بن جعفر بل بايعوا عبد الله بن جعفر الذي هو الأفطح , ولذلك ذكر النوبختي وغيره أن جل رواة الشيعة فطحية لأن جل الروايات عندهم عن جعفر الصادق ومحمد الباقر وجل أتباع محمد الباقر وجعفر الصادق إتبعوا بعد ذلك عبد الله بن جعفر وبايعوه وهو الأفطح ولذلك قالوا جل رواتنا فطحية , وهذا هشام بن سالم يقول : ( رجعنا من عبد الله بن جعفر ضلالاً لا ندري إلى أين نتوجه ولا من نقصد ) الكافي ج 1 ص 351 .
إذاً قضية أنهم إثنى عشر ومحسومون وأخبر بهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا ما كان يعرفه الشيعة الكبار ولذلك فرق الشيعة لم تقل بالأثني عشر , متى جاءت تسمية فرقة الأثني عشر ؟ ..
الأمام جعفر الصادق ما فيه شيء إسمه الأثني عشر وقبله من باب أولى أيام محمد الباقر وعلي بن الحسين والحسن والحسين وعلي ما كان فيه شيء إسمه الفرقة الأثني عشرية .. فيه شيعة , أيام علي بن الحسين شيعة , أيام الباقر شيعة , أيام جعفر شيعة , أيام موسى الكاظم شيعة , أيام علي الرضا شيعة فقط ما فيه شيعة أثنا عشر أبداً وكذا في زمن الجواد والهادي وزمن العسكري شيعة , متى خرجت هذه الفرقة ؟ ..
لما مات الحسن العسكري ولم يكن له ولد صُدموا ماذا نصنع ؟ ما عنده ولد ونحن قلنا الإمامة مستمرة ماذا نصنع ؟ ... قالوا ألفوا له ولد .. ألفوا له ولداً .. ما صدقهم أحد لذلك أخذت أمه الميراث مع أخيه جعفر , ما ظهر له ولد أصلاً , دعوى باطلة , ولذلك هم يردون على الإسماعيلية أنه ليس لإسماعيل بن جعفر ولد ... ويردون على الفطحية و الفطحية يردون عليهم وهكذا ..(175/42)
فهنا كذلك يُقال لهم في دعوى أنه ليس له ولد , من يقول أنه ليس له ولد ؟ ولذلك نقول مت جاءت الفرقة الأثنا عشرية .. أيام علي بن أبي طالب مافيه شيء إسمه الفرقة الأثنا عشرية ولا أيام الحسن ولا أيام الحسين رضي الله عنهم أجمعين ولا كذلك أيام علي بن الحسين ولا محمد البقر ولا جعفر الصادق رضي الله عنهم , بل ولا أيام موسى الكاظم ولا علي الرضا ولا محمد الجواد رضي الله عنهم مافيه شيء إسمه فرقة الأثنا عشرية , بعد الجواد علي الهادي والحسن العسكري لا توجد كذلك فرقة إثنا عشرية طيب لماذا لم يُتبنى هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الأمر ! , لماذا تُبنيى بعد ذلك ؟ أتدرون لماذا ؟ .. لأنه مات الحسن العسكري وليس له ولد .. ماذا يصنعون ؟ من أين يأتون له بولد , إدعوا ولداً .. ما صدقهم الناس ولذلك أخذت أمه ميراثه مع أخيه أعني ميراث الحسن العسكري , أين الولد قالوا ولد غائب , وطبيعي جداً أن يكون غائباً لأنه لا يمكن أن يحضر لأنه ليس موجوداً أصلاً , طيب هذا الولد أليس له ولد ؟ طبيعي جداً أن لا يكون له ولد لأنه أصلاً لم يُخلق فكيف يُخلق له ولد ؟ !! فكان لا بد إذاً أن يقفوا عند الأثني عشر .. ولذلك تسموا بالأثني عشرية , ثم بعد ذلك إما أن يكون سول لهم الشيطان – أعني شيطان الجن - أو شيطانهم من شياطينهم من شياطين الإنس فوجد حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم يخبر فيه صلوات الله وسلامه عليه أن يكون بعده إثنا عشر خليفة فقالوا بس .. أثنا عشر وأثنا عشر الرقم نفس الرقم إذاً النبي يخبر عن الثاني عشر .. هذا لا شك أنه لعب بكتاب الله جل وعلا ولعب بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولعب على عقول الناس .
ولذلك جاءت روايات كثيرة عند الشيعة أن القائم ليس هو محمد بن الحسن المهدي هذه رواية مثلاً تقول : ( تابعون قائمون ) الكشي ص 373 وقال جعفر عن المهدي(175/43)
( سمي فالق البحر ) الغيبة 46 وقال أيضا ( إسمه على إسم حديدة الحلاق ) الغيبة 47
لو نظرنا من السابع ؟ موسى الكاظم عدوا معي :
علي
الحسن
الحسين
علي بن الحسين
محمد بن علي
جعفر
موسى
موسى هو السابع من هو سمي فالق البحر .. موسى نبي الله موسى , من الذي اسمه على إسم حديدة الحلاق الموس .. موسى إذاً هذا هو القائم , ما كان عندهم شيء إسمه الثاني عشر .. القائم السابع من وين جاءت الثاني عشر ؟!!
وكذلك الحديث فيه يقول : ( لا يزال أمر هذا الدين قائماً ما ولي إثنى عشر خليفة ) الثاني عشر هم يزعمون و يدعون أنه موجود حالياً من سنة 260 ه , عندما مات الحسن العسكري هم يدعون أنه ولد عام 256 من سنة 260 هو موجود .. النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماذا يقول ؟ قال (لا يزال أمر هذا الدين قائماً ) ( لا يزال الدين منيعاً ) ( لا يزال الدين عزيزاً ما ولي إثنا عشر خليفة ) طيب وين هذا هل ترون الآن منذ سقوط الخلافة إلى يومنا هذا هل الدين عزيز ؟؟!! انظروا إلى أحوال المسلمين اليوم .. هل الذين عزيز ؟ , هل الذين منيع ؟ هل الإسلام عالٍ في الأرض ... أين إذاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم نكذب النبي أو نكذب الذين يزعمون هذه الدعوى يدعونها زوراً ويقولون إنه أخبر النبي بالإثني عشر بهذا الحديث ! .
كذلك هم يقولون أن أئمتهم كانوا يتقون وكانوا مستترين وكانوا خائفين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( الدين منيع ) الدين قوي !!
أين الدين قوي والدين منيع مع خوف وإستتار .. إذا كان القائم على الدين خائفاً مستترا متقياً فكيف يكون الدين قائما عزيزا منيعاً ؟! .(175/44)
ثم إن الحديث ليس فيه حصر يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في أثناء خلافة إثني عشر خليفتاً يكون الدين منيعاً , هل قال النبي صلى الله عليه وسلم ولن يحكم غيرهم , وسيتوقف الأمر عند هؤلاء وستقوم القيامة على الثاني عشر من هؤلاء , ما فيه أي شيء من هذا الحديث أبداً , الحديث يتكلم بخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور المستقبلية , وكما قال سبحانه وتعالى { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا 26 إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا 27 لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا 28 } (1) فيخبر الله جل وعلا نبيه ببعض غيبه ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم ببعض ما يقع , وهذا من علامات صدق النبي صلوات الله وسلامه عليه .
كذلك النبي قال : ( كلهم من قريش ) وهم يقولون كلهم أولاد علي بن أبي طالب , نحن نعلم علم اليقين لا مرية عندنا في هذا أبداً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وصدق أنه أوتى جوامع الكلم , فهل الذي أوتى جوامع الكلم يقول كلهم من قريش وهم من أولاد علي أصلاً , وهو كما نعلم علم اليقين كذلك أنه أنصح الناس للناس صلوات الله وسلامه عليه , نصوح .. كيف يضيعنا ! كيف يقول من قريش وهو يريد علياً وأبناءه , كان يقول علي وأبناء علي وأنتهى الأمر , بل يذكر أسماءهم وينتهي الأمر لكن يقول كلهم من قريش ويعمي المسألة على الناس لماذا !؟ نحن لا نؤمن بذلك أبداّ .. لو كان النبي يريد علياً وأولاده كان يقول علي وأولاده , ولذلك لو جئت أنا وقلت مثلاً سأعطي كل عربي مئة دينار فجاءني العرب إجتمعوا على بابي ماذا تريدون ؟
قالوا نريد مئة دينار , كل واحد منا يريد مئة دينار ..
قلت لا عفواً أنا سأعطي الليبيين فقط ..
لماذا تعطي الليبيين فقط ..؟
__________
(1) سورة الجن .(175/45)
قلت الليبيين عرب ..
قالوا : ونحن عرب ! ..
قلت طيب أنا ما أخطأت ..
قالوا : ولكنك لم تحسن الكلام لو كنت تحسن الكلام لقلت سأعطي كل الليبيين ولا يحتاج أن نأتي أصلاً ..
قلت طيب أنا آسف لكن لن أعطي إلا الليبيين إسمحوا لي بارك الله فيكم ..
فرجعوا فإجتمع عندي الليبيون فقالوا : صفا لنا الجو ..
قلت ماذا تريدون ؟
قالوا : كل واحد مئة دينار ..
قلت : لا أنا سأعطي فقط أهل طرابلس .. أما غير أهل طرابلس عفواً لن أعطيهم شيء ..
قالوا :لماذا ؟
قلت : أنا أريد أعطي فقط أهل طرابلس ..
قالوا : أنت قلت كل الليبيين ..
قلت : طيب أهل طرابلس ليبيين أو ما هم ليبيون ؟ ..
قالوا : أحسن الكلام .. أنت في الأول أحرجتنا مع العرب والآن أحرجتنا مع أنفسنا وأخرجتنا من الحسبة وضيعت علينا وقتنا .. كان قلت من أول سأعطي أهل طرابلس وإنتهى الأمر ..
قلت طيب أنا آسف إسمحوا لي وأعطيت أهل طرابلس ..
فأنا هل أُلام على إختيار مثل هذه الكلمات أو لا أُلام ؟؟ .. أتريدون أن ننسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( كلهم من قريش ) وهو يريد علياً وأبناءه ؟! .. أليس كان من الأفضل أن يقول ( كلهم من بني هاشم ! ) وحتى هذه ما تصلح لإن بني هاشم كثيرون مشكلة هذه .. إذاً كان يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ( كلهم أولاد علي ) ويحددهم بأسماءهم يقول الحسن والحسين لإن علي له تسعة عشر ولداً رضي الله عنه وذرية الحسين دون الحسن حدد هكذا حتى نقول أوتى جوامع الكلم صلوات الله وسلامه عليه .. ولكن الأمر ليس كذلك .. الأمر أن النبي قال : ( كلهم من قريش ) ونحن نعتقد يقيناً أن النبي أوتى جوامع الكلم وأن الذين زعموا على النبي أنه لم يؤتَ جوامع الكلم نؤمن يقيناً كذلك أن قولهم مردود لا نقبل قولهم أبداً لأنهم يريدون أن يطعنوا في نبينا ونحن لا نقبل هذا في نبينا صلوات الله وسلامه عليه .(175/46)
القضية إذاً هم استدلوا العدد على العدد فقط ! أثنى عشر خليفة ونحن نؤمن بإثني عشر إذاً هؤلاء هم هؤلاء إنتهى الأمر .. نقول فاتكم أنه جاء في حديث مسلم
( سيكون في أمتي إثنا عشر منافقاً ) (1).. هذه مشكلة إذا كانت قضية قضية العدد يوافق فكيف توفقون بين هذه وهذه وتلك إثني عشر خليفة وإثنى عشر إمام وإثنى عشر منافق ؟؟ هل كل إثنا عشر هي في أئمتكم أو لا تدبروا هذا الأمر .
لو رجعنا إلى كتاب الله جل وعلا ما وجدنا أن الله جل وعلا نص على إمامة أحد منهم أبداً , وقد مر بنا أدلتهم من القرآن وبينا أنه لا يصح منها شيء , أين كتاب الله جل وعلا عن الإمامة التي هي عندهم أهم من الصلاة وأهم من الزكاة وأهم من الحج وأهم من كل شيء ما ذكرها الله سبحانه وتعالى ولا نص على هؤلاء الأئمة الإثني عشر في كتابه العزيز , لما لم ينص الله تبارك وتعالى على هذا مع أهمية هذا الأمر هو عندهم أهم ركن من أركان الإسلام .
ذكر الله جل وعلا الرسل ورسالاتهم , ذكر الله تبارك وتعالى أحوالهم مع أممهم ولم يذكر شيئاً أبداً عن هؤلاء الأئمة لا من قريب ولا من بعيد أتقصير من الله أو دعواهم باطلة إختر أي الأمرين شئت .
__________
(1) صحيح مسلم كتاب صفات المنافقين وأحوالهم حديث رقم 10 .(175/47)
ولذلك زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه وزيد هذا أخو محمد الباقر عم جعفر الصادق , بن علي زين العابدين , تنتسب إليه طائفة الزيدية , زيد بن علي بن الحسين يقولون إنه جلس مع مؤمن الطاق , ويسميه أهل السنة شيطان الطاق محمد بن النعمان , فقال له : يا أبا جعفر , بعد أن بعث إليه وكان مستخفياً , أخرج معي ساعدني فيما خرجت إليه فقال له شيطان الطاق أو مؤمن الطاق كما يحبون أن يسموه قال : إن كان الخارج أباك أو أخاك فنعم خرجت معك أما أنت فلا . قال يا أبا جعفر – يعني الأحول هذا - : كنت أجلس مع أبي على الخيوان – طاولة الطعام - فيلقمني اللقمة السمينة ويبردها لي شفقة عليّ ولم يشفق علي من حر النار حيث أخبرك بالإمامة ولم يخبرني أنا !!! – أن الإمام بعد علي محمد وبعد محمد جعفر – ما أخبرني أبي بهذا على شفقته عليّ وحبه لي , قال : جُعلت فداك من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك , خاف عليك ألا تقبل فتدخل النار , وأخبرني أنا فإن قبلت نجوتُ وإن لم أقبل فلي ان أدخل .
هذا منطق !! , هذا عقل ! لا يخبر ولده بالإمامة لأهم ركن من أركان الدين ويخبر الأجنبي البعيد ! ولذلك أصاب أهل السنة عندما سموه شيطان الطاق , الذي يتكلم هكذا مع واحد من أئمة أهل البيت وهو زيد بن علي بن الحسين .(175/48)
كذلك هناك قضية مهمة .. هناك شخص إسمه محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب هذا يُقال له النفس الزكية سنة 130 هـ خرج هذا الرجل وقال إنه هو المهدي وتبعه أقوام كثير ومن أهل البيت وهذا جد أبيه الحسن بن علي بن أبي طالب , ليست القضية في خروجه , القضية في أن جعفر الصادق الذي هو في منزلته أمر ولديه موسى الكاظم وعبد الله الأفطح أمرهما أن يخرجا معه تابعين له فإنظما إلى ثورته وهذا في مقاتل الطالبيين ص 244 , مع أنهم يروون ( أن كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعته كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايِع والمبايَع له ) بحار الأنوار ج 53 ص 8 .
أحاديث المهدي لو نظرنا إليها في كتب الشيعة لوجدناها لا تُحصى من كثرتها لا أقول مئات تتجاوز المئات ومع هذا نجد أن جل فرق الشيعة لا تؤمن بالمهدي لماذا ؟ خاصة القديمة , الفطحية لا تؤمن بالمهدي , الناووسية لا تؤمن بالمهدي , البترية لا تؤمن بالمهدي , الصالحية لا تؤمن بالمهدي , الكيسانية لا تؤمن بالمهدي , الإسماعيلية لا تؤمن بالمهدي , الجعفرية القديمة لا تؤمن بالمهدي , الموسوية القديمة لا تؤمن بالمهدي ..
هذه الأحاديث الكثيرة , لماذا كلهم يغفلون عنها بل رواة أحاديث الشيعة الكبار هذه أسمائهم :(175/49)
عمار الساباطي , عبد الله بن أبي يعفور , أبان بن تغلب , هشام بن الحكم , جميل بن دراج , هشام بن سالم , محمد بن نعمان وظف إليهم زرارة وأسال إن شئت أو إقرأ في رجال الكشي عن هؤلاء ماذا يكونون في رواة الشيعة ؟ ! . كل هؤلاء يضيعون بعد جعفر الصادق لا يدرون إلى أين يتوجهون لماذا ؟ لأنه ما توجد مثل هذه الروايات كلها روايات متأخرة موضوعة بعد ذلك كُذبت بعد ذلك , ولذلك هذا البياضي مثلاً عالمهم يقول: ( إن علياً لم يذكر النص للصحابة على نفسه لسببين , لو ذكر ثم أنكروه لكفروا ولم يرد ذلك , أنهم قصدوا في الشورى تقديم الأفضل فشارك ليعترفوا بأنه الأفضل فقط ) إذاً هذا البياضي يعترف أنه ما فيه نص لعلي , علي لم يذكر النص لنفسه فكيف يكون ذُكر النص لأحد عشر من ولده , وإذا كانت الإمامة نصاً في الإثني عشر هؤلاء لماذا تنازل الحسن لمعاوية , إسألوا علمائكم ! والله نريد لكم الخير إسألوهم لماذا تنازل الحسن لمعاوية وهو إمام منصوص من عند الله تبارك وتعالى لماذا تنازل يقولون لأن الإمامة ليست في الحكم ليس الحكم شرطاً يمكن أن يكون إمام وليس بحاكم , إذاً لماذا خرج الحسين على يزيد , كان الحسين إمام وليس بحاكم لماذا خرج على يزيد ؟! إذا كانت القصية الإمامة لا شأن لها بالحكم أو لايلزم من الإمامة الحكم , طيب الحسين يقول كذلك لا يلزمني الحكم ويظل إماماً بدون أ، يخرج على يزيد .. لماذا خرج على يزيد ؟! سلوهم ..
لكن أيضاً اسألوهم سؤالاً آخر , لماذا خرج الحسين على يزيد ولم يخرج على معاوية ؟ , مع أنه عاش خلافة معاوية بعد موت الحسن إحدى عشرة سنة بعد الحسن , سنة 49 توفي الحسن رضي الله عنه وأنتهت خلافة معاوية رضي الله عنه سنة 60هـ , من سنة 49 هـ إلى سنة 60 هـ الحسين لم يحرك ساكناً ضد معاوية وإنما خرج على يزيد ولم يخرج على معاوية ..
فكروا لماذا ؟(175/50)
إما أن تقولوا أن معاوية كان رجلاً صالحاً فهذه جيدة نقبلها منكم , ويزيد ليس بصالح لاشيء فيها هناك كثير من علماء السنة يقولون يزيد ليس بصالح , أنا أقول لك يزيد ليس بصالح لكن لا نسبه نحن لا نتقرب إلى الله بسبه , لكن بدون شك هناك بكثير من هم أصلح منه وأولى منه بالخلافة , لكن لماذا لم يخرج الحسين على معاوية .. ولماذا تنازل الحسن لمعاوية والإمامة نص للأثني عشر ؟! , إما أن نقول إن فعلهم خطأ وإما أن نقول أنه لا يوجد نص وهذا هو الصحيح إنه لا يوجد نص صحيح على شيء إسمه إثني عشر .
إذاً كان الأمر شورى كما قال علي رضي الله عنه : ( إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن إجتمعوا على رجل وكان لله إماماً كان ذلك لله رضا ) نهج البلاغة ص 367 .
وقال : ( بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد ) نهج البلاغة ص 366 .
وقال كذلك لمن جاءه يطلبه أن يكون خليفة قال : ( دعوني وألتمسوا غيري فإننا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول وإن تركتموني فإني كأحدكم ولعلي أسمعُكم وأطوعُكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً ) نهج البلاغة ص 336 .. يغش الناس ؟ لا والله ما يغش الناس رضي الله عنه وأرضاه .
حديث الغدير :
ومن الأدلة التي إستدلوا بها كذلك ما يسمى بحديث الغدير ..
أي غدير ؟ غدير خم وهو غدير قريب من الجحفة بين مكة والمدينة , وكان هذا في حجة الوداع في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الحج قبيل وفاته بثلاثة أشهر تقريباً .(175/51)
هذه الحادثة أخرجها الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم قال : [ قام رسول الله فينا خطيباً بماء يُدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه وأثنى عليه ووعظ وذَكّر ثم قال : ( أما بعد ألا يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله و أستمسكوا به ) قال : فحث على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال : ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ,أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي ) قال حصين الراوي عن زيد ومن أهل بيته يا زيد أليس نساءه من أهل بيته قال : نعم ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده . قال : ومن هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس . قال : كل هؤلاء حُرم الصدقة ؟ , قال : نعم . ] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (1).
جاءت زيادات لهذا الحديث عند أحمد والنسائي في الخصائص و الترمذي وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ذلك المكان : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) (2) وجاءت كذلك زيادات أخرى منها ( اللهم والي من ولاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) يمكننا أن نقسم هذا الحديث إلى أربعة أقسام .
القسم الأول : ما جاء في حديث مسلم وهو ليس فيه من كنت مولاه فعلي مولاه .
القسم الثاني : الزيادة خارج مسلم وهي عند كما قلنا الترمذي وأحمد والنسائي والخصائص وغيرهم و هي التي فيها زيادة ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) .
__________
(1) صحيح مسلم , كتاب فضائل الصحابة , باب فضائل علي بن أبي طالب حديث رقم 36 ( 2408 ) .
(2) سنن الترمذي , كتاب المناقب , مناقب عليّ بن أبي طالب رقم 3713 , مسند أحمد 5/347 , النسائي في الخصائص خصائص علي ص 96 رقم 79 , مستدرك الحاكم 3/110 .(175/52)
القسم الثالث : زيادة أخرى عند الترمذي وأحمد وهي ( اللهم والي من ولاه وعاد من عاداه) (1).
القسم الرابع : وهي زيادة عند الطبراني وغيره (وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) .
أما القسم الأول فهو في صحيح مسلم ونحن مسَلّمون بكل ما في صحيح مسلم .
القسم الثاني وهو ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) فهذا حديث صحيح عند الترمذي وأحمد إذ لا يلزم أن يكون الحديث الصحيح فقط عند مسلم والبخاري والصحيح أن هذا حديث صحيح جاء عند الترمذي وأحمد وغيرهما .
أما زيادة ( اللهم والي من ولاه وعاد من عاداه) فهذه إختلف فيها أهل العلم , هناك من أهل العلم من صححها وهناك من ضعفها حتى الأولى قوله( من كنت مولاه فعلي مولاه ) هناك من ضعفها كإسحاق الحربي وبن تيمية وبن حزم وغيرهم .
أما الزيادة الأخيرة وهي (وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) هذه كذب محض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
هذا الحديث يستدلون به على خلافة علي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة بدلالة ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) قالوا المولى هو الحاكم والخليفة إذاٍ علي هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة .
__________
(1) سنن الترمذي , كتاب المناقب , مناقب عليّ بن أبي طالب رقم 3713 .(175/53)
أولا نريد أن نعرف لما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام لعلي ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وهل أوقف الناس في هذا المكان ليقول هذا الكلام أو أنه أوقفهم لشيء آخر .. لابد أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان راجعاً في سفره من مكة إلى المدينة بعد أن أنهى حجه صلوات الله وسلامه عليه , رحلة السفر كما هو معلوم تستغرق ما بين خمسة إلى سبعة أيام وكان من عادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سافر أن يمشي في الليل ويرتاح في النهار , فهذه كانت مرحلة من مراحل السفر التي كان يتوقف فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم , إذا لم يتوقف ليقول هذا الكلام وإنما توقف لأن هذه من عادته وهذا أمر طبعي لأنه مستحيل أن يسيروا خمسة أيام متصلة معهم نساء ومعهم رجال وقادمون من حج و ما ورائهم شيء آخر , فطبيعي جداً أن يرتاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مراحل السفر , فكان يرتاح في النهار ويسير في الليل صلوات الله وسلامه عليه كما قلنا , إذا لم يتوقف ليقول هذا الكلام .
القضية الثانية لما قال هذا الكلام ؟ لما قاله في علي , هم يقولون قاله يريد الخلافة ! يريد أن علياً هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحن نقول لا ليس الأمر كذلك .. لماذا نحن نقول لا ؟ .. لإمور .. ما قلنا هذا رداً لخلافة علي رضي الله عنه أبداً , نحن نتقرب إلى الله بحب علي رضي الله عنه , ولكن نرد هذا لأن هذا ليس بحق , لماذا ليس بحق ؟ ..(175/54)
نقول أولاً لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد خلافة علي كان يقول هذا في يوم عرفه الحجاج كلهم مجتمعون , هناك يقول هذا الكلام صلوات الله وسلامه عليه , حتى إذا غدر أهل المدينة شهد له باقي المسلمين من غير أهل المدينة , هم يقولون النبي كان خائفاً !! أن يبلغ هذه الخلافة , يخاف أن يُرَد قوله , يخاف من أهل المدينة ثم يترك الناس كلهم ويخاطب أهل المدينة فقط !! ما هذا التناقض ؟ لا يُقبل مثل هذا الكلام .
ثم لماذا يخاف النبي صلى الله عليه وسلم يخاف ممن من الصحابة !! الذين تركوا أموالهم وأولادهم وديارهم وهاجروا في سبيل الله , الذين قاتلوا في سبيل الله , الذين شاركوا في بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر وحنين وفتح مكة وتبوك هؤلاء هم الذين يخاف منهم النبي صلى الله عليه وسلم !! , بذلوا المُهَج بذلوا الأموال في سبيل الله سبحانه وتعالى ثم بعد ذلك يخاف منهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ما يقبلون خلافة علي رضي الله عنه .
على كل حال وجهة نظرنا نحن لماذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكلام لأهل المدينة خاصة ومن جاورها ولم يقل هذا الكلام لأهل الحج كلهم من أهل المدينة وغيرهم خاصة إذا علمنا أن غدير خم يبعد عن مكة قريباً من 250 كيلو متر , ولذلك لجهله بهذا المكان يقول : قال النبي في مجتمع الحجيج !! أي مجتمع الحجيج ؟! مجتمع الحجيج مكة مجتمع الحجيج عرفة ليس في غدير خم يبعد عن مكة 250 كلم وهو أقرب من المدينة منه إلى مكة وبين مكة والمدينة 400 كلم .
إذاً خص النبي أهل المدينة.. لِمَ خص أهل المدينة قال أهل العلم لسببين :(175/55)
السبب الأول : النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج إلى الحج كان في المدينة وكان قد أرسل خالد بن الوليد إلى اليمن في قتال , إنتصر خالد بن الوليد في جهاده أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنّا إنتصرنا وعندنا غنائم فأرسل إلينا من يخَمِّس هذه الغنائم فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن ليخمس الغنائم ثم أمره أن يدركه في مكة في الحج , إذا النبي في المدينة وعلي في المدينة ثم أمر علياً أن يخرج إلى اليمن والموعد مكة , ذهب علي إلى اليمن وصل إلى الغنائم قُسمت الغنائم كما هو معلوم إلى خمسة أقسام أربعة أخماس للجنود للذين قاتلوا للذين فتحوا للذين جاهدوا وخمس واحد يقسم إلى خمسة أخماس خمس لله والرسول , خمس لذوي القربى , خمس لليتامى , خمس للمساكين , خمس لأبن السبيل , قُسمت الغنائم .. الآن علي سيذهب إلى مكة يلتقي بالنبي صلى الله عليه وسلم هناك في حجة الوداع , الذي وقع أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أخذ الخمس الذي لذوي القربى وهو سيد ذوي قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والخمس عبارة عن ماذا ؟ عبارة عن أموال , بهائم كالخيل والبغال والإبل والبقر والغنم وسبي من نساء وأطفال ورجال .. ماذا صنع علي رضي الله عنه ؟ أخذ إمرأة من السبي فدخل عليها – يعني جامعها – فغضب بعض الصحابة كبريدة بن الحصين .. كيف علي يفعل ذلك !! يأخذ إمرأة من السبي ومن نصيب ذوي القربى من نصيب النبي صلى الله عليه وسلم هناك يوزعه في المدينة ليس هنا ! .. فأخذ إمرأة من السبي ودخل بها وخرج وقد إغتسل فغضب بريده فذهب إلى النبي في المدينة صلوات الله وسلامه عليه فقال يا رسول الله : حصل كيت وكيت وذكر له ما وقع من علي , لم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم , فرجع بريده وقال : حصل كذا وكذا من علي أيضا لم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم , جاء الثالثة قال يا رسول الله : علي فعل كيت وكيت , فقال النبي(175/56)
صلى الله عليه وسلم : ( يا بريدة أتبغض علياً ) قال : نعم يا رسول الله , فقال : ( لا تفعل فإن له من الخمس أكثر من ذلك ) (1) يقول : فأحببته بعد ذلك لأن النبي قال : لا تبغضه , خلاص يطيعون النبي صلى الله عليه وسلم فأحبه فدافع النبي عن علي صلوات الله وسلامه عليه .
إذاً هذه مشكلة الآن داخلية بين بريدة وعلي وبريدة لعله جاء وتكلم بها في المدينة وأيضا قد يكون شارك بريدة في الإنكار على علي كخالد بن الوليد وغيره في هذه العملية .
__________
(1) والقصة مختصرة في صحيح البخاري كتاب المغازي , باب بعث علي وخالد إلى اليمن رقم 4350 . وكذلك في الترمذي كتاب المناقب , باب مناقب علي بن أبي طالب رقم 3712 .(175/57)
السبب الثاني : أنه لما خرج علي من اليمن إلى مكة و النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة وهو في الطريق علي رضي الله عنه أخذ معه نوقاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم , يعني ساق الهدي معه فلما كان في الطريق أمر أصحابه أن يتقدموا عليه ونهاهم أن يركبوا على الإبل ونهاهم أن يلبسوا بعض الثياب التي من الغنائم وسبقوه , فلما أدركهم علي وجد أن الإبل رُكبت أو أن الملابس لُبست فغضب ونهرهم رضي الله عنه كيف ما تطيعوا أمري ؟ أن قلت لكم لا تركبوا أنا قلت لكم لا تلبسوا كيف تفعلون كذا .. فتضايقوا من هذه المعاملة ومنهم أبو سعيد الخدري , يقول فلما لقينا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة إشتكينا علياً ,أن علي فعل كيت وكيت وكان قاسياً معنا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإني علمت أن علي قد أحسن فلا تبغضوا علي ) وسكت القوم , أيضاً هذه مشكلة داخلية مع علي رضي الله عنه عندها لما إنتهى النبي صلى الله عليه وسلم من الحج ورجع النبي صلى الله عليه وسلم وصار قريباً من المدينة قريباً من 150 كلم أو 170 كلم من المدينة في أثناء الطريق أثناء راحتهم توقف هناك في يوم من الأيام و قال كلمته تلك ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) أي يا من تكلمتم في علي إحذروا فعلى مني وأنا منه , علي أنا يحبني من يحب علي , يودني من يود علياً ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) , هم يقولون المولى الحاكم ونحن نقول المولى المحب بدليل قوله بعد ذلك ( اللهم وال من والاه وعادي من عاداه ) ما معنى وال من والاه وعاد من عاداه وقوله من كنت مولاه فعلي مولاه .. المعنى واحد إذاً هذه قصة غدير خم .
المولى كما يقول بن الأثير تقع هذه الكلمة على : الرب والمالك والمنعم والناصر والمحب و الحليف والعبد والمعتق وبن العم والصهر .. تصوروا كل هذه تطلق عليها كلمة مولى قالوا نحن نريد الخليفة .(175/58)
لو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد الخليفة كان يأتي بكلمة صريحة واضحة ما يأتي بكلمة تحتمل أكثر من عشرة معاني .. يأتي بكلمة واضحة سهلة بينة يعرفها كل أحد علي هو الخليفة من بعدي .. إنتهى الأمر , لكن لم يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الكلمة التي تنهي كل خلاف .
وأما كلمة مولى أنها حاكم هذا ليس بسليم قال الله تبارك وتعالى { فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } (1)سماها مولى وذلك لشدة الملاصقة وشدة اللُحمة والقرب , ثم إن الموالاة وصف ثابت لعلي رضي الله عنه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد زمن النبي صلوات الله وسلامه عليه فهو في زمن النبي مولى وبعد وفاة النبي مولى والآن مولانا رضي الله عنه وأرضاه ولذلك قال الله تبارك وتعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } (2) فكل المؤمنين بعضهم أولياء بعض كما قال الله تبارك وتعالى .
إذا ً هذا دليل الموالاة الذي يستدلون به على إمامة علي رضي الله عنه وأرضاه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما نرى لا دلالة فيه أبداً . ولذلك نص عالمهم النوري الطبرسي يقول : ( لم يصرح النبي لعلي بالخلافة بعده بلا فصل في يوم غدير خم وأشار إليها بكلام مجمل مشترك بين معانٍ يُحتاج إلى تعيين ما هو المقصود منها إلى قرائن ) فصل الخطاب ص 205 و 206 إذا كان الأمر كذلك فكيف بعد ذلك يُقال أن هذا الحديث نص على خلافة علي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
حديث الدار :
أو حديث الإنذار يوم الدار وهو مرتبط إرتباطاً قوياً بقول الله تبارك وتعالى { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 214} (3) الشعراء .
__________
(1) سورة الحديد آية 15 .
(2) سورة المائدة آية 55 .
(3) سورة الشعراء آية 214 .(175/59)
يرون أنه لما نزل قول الله جل وعلا { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقاربه على النحو الآتي .
عن علي قال : لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } ورهطك المخلصين دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب وهم إذ ذاك أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً فقال : ( أيكم يكون أخي ووصيي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ) فعرض عليهم ذلك رجلاً رجلاً كلهم يأبى ذلك حتى أتى عليّّ فقلت أنا يا رسول الله فقال : ( يا بني عبد المطلب هذا أخي ووارثي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ) قال فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض ويقولون لأبي طالب : قد أمرك وتطيع لهذا الغلام ) وهناك روايات أخرى لهذا الحديث أو لهذه القصة مرجعها بحار الأنوار ج 18 ص 178 والبرهان ج 3 ص190 والميزان ج 15 ص 336 وأما كتب أهل السنة فجاء في مسند أحمد ج 1 ص 111 وص 159 (1)
__________
(1) وهذه نص رواية أحمد ج1 ص 111 (883 حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أسود بن عامر ثنا شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن على رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين قال جمع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا قال فقال لهم من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي من أهلي فقال رجل لم يسمه شريك يا رسول الله أنت كنت بحرا من يقوم بهذا قال ثم قال الآخر قال فعرض ذلك على أهل بيته فقال علي رضي الله عنه أنا ) وهذه الرواية الثانية ص 159 في مسند أحمد (1371 حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن على رضي الله عنه قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق قال فصنع لهم مداد من طعام فأكلوا حتى شبعوا قال وبقى الطعام كما هو كأنه لم يمس ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقى الشراب كأنه لم يمس أو لم يشرب فقال يا بنى عبد المطلب انى بعثت لكم خاصة والى الناس بعامة وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي قال إليه أحد قال فقمت إليه وكنت أصغر القوم قال فقال اجلس قال ثلاث مرات ثم ذلك أقوم إليه فيقول لي اجلس حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي ) .(175/60)
.
يستدلون بهذا الدليل على أن علي رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
نقول هذا الحديث ذكره الموسوي في كتاب المراجعات وذكره كذلك الأنطاكي في كتابه لماذا إخترت مذهب الشيعة , وذكره تقريباً كل علماء الشيعة الذين ألفوا كتباً يستدلون بها على أهل السنة في إثبات خلافة علي رضي الله عنه بعد رسول الله مباشرة , وقد بالغ عبد الحسين شرف الدين في كتابه المراجعات حيث قال : ودونك ما أخرجه أحمد في مسنده ج 1 ص 111 تجده يخرج الحديث عن أسود بن عامر عن شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي مرفوعاً , ثم قال , وكل واحد من سلسلة هذا السند حجة عند الخصم وكلهم من رجال الصحاح بلا كلام ..
ثم صار يترجم لكل رجل من رجال هذا السند فقال :
الأسود بن عامر إحتج به البخاري و مسلم , شريك إحتج به مسلم , الأعمش إحتج به البخاري و مسلم , المنهال إحتج به البخاري , عباد بن عبد الله الأسدي قال : هو عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي إحتج به البخاري ومسلم .
وللأسف لا أقول لقلة بل أقول لعدم وجود الأمانة العلمية حاول أن يدلس ويلبس بهذا الحديث فعباد بن عبد الله الأسدي يختلف تماماً عن عباد بن عبد الله بن الزبير , هذا شخص وذاك شخص آخر عباد بن عبد الله الأسدي هو الذي يروي عنه المنهال وهو الذي يروي عن علي رضي الله عنه وأرضاه بينما عباد بن عبدالله بن الزبير بن العوام هذا لاير وي عنه المنهال ولا يروي هو عن علي رضي الله عنه , ولكن لإرادة التدليس والتلبيس على الناس جعلوا عباد بن عبد الله الأسدي هو عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي كذلك , فهذا من التلبيس والكذب , ولذلك عباد بن عبد الله الأسدي يترجم له صاحب التهذيب وهو الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى يترجم له في الصفحة ذاتها التي يترجم لعبد الله بن عبد الله بن الزبير فقال :(175/61)
عباد بن عبد الله الأسدي روى عنه المنهال وروى عن علي .. ضعيف .
بينما عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي لا يُعرف بالأسدي وإنما يعرف بعباد بن عبد الله بن الزبير لكن جعله مكان هذا حتى يلبس على الناس وليس هو راوي هذا الحديث بل الذي يرويه عباد بن عبد الله الأسدي الضعيف وهذا من كذبهم الله المستعان .
على كل حال عباد بن عبد الله الأسدي قال عنه البخاري : فيه نظر , وكلمة فيه نظر عند البخاري كما قال الحافظ بن كثير هي من أشد عبارات الجرح عند الإمام البخاري كما قاله الحافظ بن كثير في الباعث الحثيث . وأحمد ضرب على حديثه , وقال بن حزم مجهول فهذا عباد بن عبد الله الأسدي , فالحديث إذاً لا يصح من طرق أهل السنة , أما من طرق الشيعة فالحديث روي من طرق كثيرة ولكن بعد تتبع هذه الطرق عندهم كذلك لا يصح هذا الحديث من كتبهم ومن رجالهم أيضاً فلا يصح عند أهل السنة ولا يصح كذلك عند الشيعة وجاء عند السنة أيضا من طريق آخر عند الطبراني والطبري من طريق عبد الغفار بن القاسم أبو مريم الأنصاري قال عنه بن المديني : كان يضع الحديث , وقال أبو داوود وأنا أشهد أن أبا مريم كذاب , وقال أبو حاتم والنسائي متروك , وقال الذهبي ليس بثقة .
إذاً هذا الحديث من حيث المتن لا يصح ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فالقصة هذه مكذوبة من أصلها , ثم هي أصلاً باطلة من حيث المتن متنها باطل لا يصح كذلك لماذا ؟
أولاً لو نظرنا إلى قول علي رضي اله عنه عندما يقول : ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب أربعون رجلاً يزيدون أو ينقصون رجلاً ) .. هل بني عبد المطلب يصلون إلى أربعين ؟ .. لا يصلون إلى أربعين فهل أخطأ علي في الحسبة أو كذبوا عليه , الأقرب أنهم كذبوا عليه , تعالوا معنا نحسب ونعد أبناء عبد المطلب من هم أبناء عبد المطلب ؟ :(175/62)
أبناء عبد المطلب كما ذكر أهل الأنساب عشرة والمشهور منهم , إثنان أسلما وعاصرا النبي صلى الله عليه وسلم , وإثنان لم يسلما وعاصرا النبي صلى اله عليه وسلم , وستة لم يعاصروا النبي صلى الله عليه وسلم , فاللذان أسلما وعاصرا النبي صلى الله عليه وسلم هما حمزة والعباس , وإثنان عاصرا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلما وهما أبو طالب وأبو لهب , وستة من بني عبد المطلب لم يدركوا البعثة أصلاً فلم يحضروا هذه القصة فلم يكونوا في ذلك اليوم من أهل الأرض بل كانوا من أهل باطن الأرض وهم : عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والحارث بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والزبير بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والمقوم وغيداق والسادس قيل صفار وقيل ضرار .. على كل حال هؤلاء الستة لم يدركوا بعث النبي صلى الله عليه وسلم إذاً لم يكونوا موجودين .
إذاً من كان يمكن أن يكون موجوداً من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة هم الأربعة حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب , من أولاد هؤلاء ؟ ..
أما حمزة والزبير وضرار والمقوم والغيداق لا يُعرف لهم ذرية من الذكور قد تكون ذريتهم إناث كما هو الحال بالنسبة لحمزة , كما هو الحال بالنسبة للزبير ,قصة ضباعة بنت الزبير التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت عمه , هؤلاء إناث ولكن من الذكور لا يُعرف لهم ذرية من الذكور .
وعبد الله ليس له ذرية إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقي أربعة :
العباس له ذرية أبو طالب له ذرية الحارث له ذرية وأبو لهب له ذرية , إذاً عندنا أربعة من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وأربعة آخرون لهم ذرية ..(175/63)
العباس من ذريته كُثُر تسعة ولا واحد منهم أدرك هذه الحادثة ما أدركها إلا واحد وهو الفضل بن العباس أكبر أولاده فقط , لأن بعد الفضل يأتي عبد الله بن العباس وعبيد الله وهذان أدركا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن متى ؟ ..
عبد الله بن العباس ولد قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر وهذا في أول البعثة إذاً لم يحضر إذاً من باب أولى عبيد الله لم يحضر ومن باب أولى الستة الآخرون من أبناء العباس وهم معبد وتمام وقثم وكثير وعبد الرحمن والحارث هؤلاء لم يحضروا هؤلاء من التابعين أصلاً لم يدركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذاً من الذي سيحضر من ولد العباس .. واحد وهو الفضل , إذا ضفنا إلى الأعمام الأربعة واحد وهو الفضل بن عباس صاروا خمسة .
أبناء أبي لهب : عتبة , عتيبة ومعتب نفرض كلهم حضروا مع الخمسة ثلاثة صاروا ثمانية بقي عندنا أولاد ابي طالب وأولاد الحارث عم النبي صلى الله عليه وسلم فقط ..
أولاد أبي طالب :
طالب , عقيل , جعفر , علي(175/64)
علي رضي الله عنه أصغرهم , طالب المشهور أنه لم يدرك البعثة أصلاً مات قبل البعثة , ولنفرض أن طالب كان موجوداً إذاً هؤلاء أربعة .. أربعة مع ثمانية هؤلاء صاروا إثنى عشر رجلاً فقط .. لم يبق عندنا إلا أولاد الحارث عم النبي صلى الله عليه وسلم أولاد الحارث : عبيدة بن الحارث , أبو سفيان بن الحارث , أمية بن الحارث , عبد الله بن الحارث , نوفل بن الحارث خمسة أضفهم إلى إثني عشر رجلا يصبحون سبعة عشر رجلاً وإذا تركنا طالباً وقلنا إنه مات يصبحون ست عشر رجلاً ولكن نضيفه وليكونوا سبعة عشر رجلاً .. أين الأربعين ؟؟ ! ويقول ( أربعين رجلا يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً ) هؤلاء كل أولاد عبد المطلب .. أين أربعون رجلاً ؟! كلام لا مصداقية له , ولذلك هذا الذي وضع الحديث لم يفكر تفكيراً دقيقاً في قضية أولاد عبد المطلب وإنما أرسلها إرسالاً هكذا دون أن يمعن النظر فيها ثم فوجئ بأنه بالغ فيها بالعدد تعدى أكثر من الضعف , إذاً هذا أول مطعن في هذا الحديث سنداً . ولعل هذه أربعون رجلا أو ينقصون رجلا من باب الدقة !! يعني محسوبة تماماً وهذا كله كلام باطل .
ثم كذلك يُقال علي هو الذي قام وقال : ( أنا أتابعك ) عجيب ! علي أصغرهم بعث النبي صلى الله عليه وسلم ولعلي 8 سنوات فكيف علي يقول أنا أتابعك ؟ ألم يتابع النبي صلى الله عليه وسلم غير علي من بني عبد المطلب ألم يؤمن قبل علي جعفر ؟ الذي هو أكبر من علي بعشر سنوات , أليس هو أمير القوم الذين هاجروا إلى الحبشة , جعفر بن أبي طالب بن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخو علي الكبير أكبر من علي بعشر سنوات , لماذا لا يكون جعفر هو الخليفة ؟ بالعكس أثر جعفر في مكة أكبر من أثر علي رضي الله عنه علي كان صغيراً فكيف يقوم علي ألم يقم جعفر في ذلك الوقت , جعفر من الأوائل الذين أسلموا وتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم .(175/65)
عبيدة بن الحارث من الأوائل الذين تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي خرج مع حمزة وعلي في بدر للقاء عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وشيبة بن ربيعة , لماذا لم يقم ويقول أنا .
أين حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم أليس أسلم وتابع النبي صلى الله عليه وسلم أسد الله وأسد رسوله أين هو ؟؟ ..
يعني إذا أردنا أن نمدح علياً رضي الله عنه فلا مانع من هذا ومدائحه كثيرة جداً لكن لا يكون هذا على حساب الطعن في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي أقارب النبي صلى الله عليه وسلم الذين تابعوه وأسلموا وأتبعوا ما جاء به صلى الله عليه وسلم .
ثم هل يكفي أنه قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له : ( أنا أتابعك ) يعني يكون وزيره ويكون خليفته ويكون كذا ..!!! ما يصلح هذا , هل الرسول صلى الله عليه وسلم بُعثَ لبني عبد المطلب , الأنبياء السابقون كانوا يُبعثون إلى أقوامهم والنبي بُعث للأنس والجن , بُعث للثقلين بُعث للأسود والأحمر ( كان الأنبياء يبعثون إلى أقوامهم خاصة وبُعثت للناس كافة ) (1) يقوله صلى الله عليه وسلم , ثم يحكرها هكذا يقول أيكم يتابعني يكون خليفتي من بعدي !! كيف يعقل هذا أن يخرج من النبي صلى الله عليه وسلم , وهل يكفي مجرد المتابعة أن يكون خليفته من بعده لا يلزم هذا .
ثم كذلك لنا أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم جاءه عامر بن الطفيل وجاءه بنو كلاب وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لهم الأمر من بعده ويتابعونه على الإسلام فقال : ( الأمر لله يضعه حيث شاء ) (2)ولم يقل لهم الأمر لعلي بعدي وإنما قال الأمر لله يضعه حيث شاء سبحانه وتعالى .
__________
(1) صحيح البخاري باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا رقم 438 , صحيح مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة حديث 521 , وحديث 523 بلفظ ( وأُرسلت للخلق كافة ) .
(2) السيرة الحلبية ج 2 ص 154 , تاريخ الطبري ج 1 ص 556 .(175/66)
وآخرها أليس الشيعة الأثني عشرية يزعمون أن علي كان خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم وكان وصياً له قبل خلق الخلق , فكيف يعرض النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً مفروغاً منه , الأمر عندهم مفروغ منه , والنبي صلى الله عليه وسلم جُعل خليفته علي رضي الله عنه قبل مبعثه قبل خلق السماوات والأرض , كانوا أشباحاً كما يقولون في كتبهم !! تحت العرش , إذاً قضية أن النبي يعرض شيئاً عليهم .. طيب إفرض أن حمزة قال أنا العباس قال أنا إفرض أبو طالب قال أنا .. طيب حق علي يضيع!! كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم : ترى علي منتهي الأمر علي هو الخليفة لا أحد يفكر لا أحد يناقش أم يأتي يعرض عليهم شيئاً هو أصلاً مفروغ منه عند الله سبحانه وتعالى .. هذا لا يمكن أن يكون أبداً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
ولنفرض أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها لعلي وهو قد حصل في الحديث أنه قال ( أنت خليفتي ووصيي ) هل صار خليفته هل صار وصيه ؟! الوعد لم يُنجز لأن الخليفة من بعده صار أبو بكر ثم عمر ثم عثمان , إذاً لم يُنجز وعده أترضون هذا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم ينجز وعده , قال هو يكون خليفتي يكون وصيي يكون وزيري .. ما صار شيء من هذا أبداً , إذاً النبي لم ينجز وعده أو أنه مكذوب على النبي .. نقول مكذوب على النبي أفضل بدل أن نتهم النبي أنه لم ينجز وعده صلى الله عليه وسلم .(175/67)
ثم أنظروا إلى خاتمة الحديث , لا يمكن أن تُعقل ولا يمكن أن تُقبل , الآن هم لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم , يقول لهم أنا رسول الله يقولون كذاب , ساحر , شاعر , كاهن , مجنون ما قبلوه أن يكون هو رسولاً من عند الله صلوات الله وسلامه عليه ثم بعد ذلك يريدهم أن يقبلوا أن يكون علي وصياً من بعده .. طيب هم لم يقبلوا بالأصل حتى يقبلوا بالفرع , إذاً إذا كان الأمر كذلك ننتهي إلى نهاية مهمة جداً مع ضعف أسانيد هذه القصة عند السنة وعند الشيعة لا تصح أسانيد هذه القصة - حسب بحثي- , بعد ذلك نستطيع أن نقول هذه قصة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم .
تصوروا أنتم لما يسمع العرب و يسمع الناس الذين يريدون أن يتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم , ومن الآن يسمعون هذه القصة .. يقولون ما هذا الرسول ؟؟ من بدايتها جعلها في أولاده علي خليفتي بني عبد المطلب الذي يسمع كلامي يصير خليفتي من بعدي طيب وباقي الناس مالهم حق ؟؟ ! كلها لبني عبد المطلب !! , يشكون في دعوته إذاً يقولون كأنه يريد ملكاً كما قال هرقل لأبي سفيان قال : هل كان من أباءه من ملك ؟؟ , قال أبو سفيان لا , قال هرقل : قلت لو كان في أباءه من ملك لقلت رجلا يطلب ملك أباءه ..
إذا كان الأمر كذلك إذا علي رضي الله عنه يكون خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه بن عمه فقط , ونحن لا نقبل بذلك .. نحن نقول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأفضل من أصحابه هو الخليفة ليست القضية لإنه قريبي أعطيه الملك بعدي هذه إذاً قضية هذا الحديث .
الشبهات :
أول شبهة يطالعنا بها الشيعة الأثنى عشرية على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي شبهة حديث الحوض ..
شبهة حديث الحوض :(175/68)
حديث الحوض فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( يَرِدُ علي رجال أعرفهم ويعرفونني فيذادون عن الحوض – يعني حوض النبي يوم القيامة - فأقول أصحابي أصحابي فيقال : إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك ) (1) ولهذا الحديث روايات أخرى فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( فأقول سحقاً سحقاً ) (2) هؤلاء الذين يذادون عن الحوض من هم ؟ قالوا هم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز لكم أن تثنوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم في الأصل يذادون عن الحوض ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عنهم سحقا سحقاً .. فنقول مستعينين بالله تبارك وتعالى :
أولاً أن المراد بهؤلاء الصحابة المنافقون وذلك أن المنافقين كانوا يظهرون الإسلام للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله جل وعلا { إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 1 } (3)..
__________
(1) صحيح البخاري , كتاب التفسير , باب كما بدأنا أول خلق نعيده , رقم 4740 , كتاب الفتنة , باب قول الله واتقوا فتنة , رقم 7049 , صحيح مسلم كتاب الطهارة حديث رقم 37 .
(2) صحيح البخاري , كتاب الفتنة , باب قول الله واتقوا فتنة رقم 7051 , صحيح مسلم كتاب الطهارة حديث 39
(3) سورة المنافقون آية 1 .(175/69)
وقد يقول قائل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين فنقول نعم كان يعرف بعضهم ولم يكن يعرفهم كلهم ولذلك قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } (1) فبين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم جميع المنافقين وكان يظن أن أولئك من أصحابه وليسوا كذلك بل هم من المنافقين .
ثم الشيء الثاني أن المراد بهم الذين إرتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه بعد توفي النبي صلوات الله وسلامه عليه إرتد بعض العرب .. إرتدوا عن دين الله تبارك وتعالى حتى قاتلهم أبو بكر الصديق مع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وسميت تلك الحروب بحروب الردة , فقالوا المراد بالذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم سحقاً سحقاً هم الذين أرتدوا بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه .
على الأول أو على الثاني لا يدخل أًصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر لماذا ؟ لأننا في تعريف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماذا نقول ؟ ..
نقول كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك .
فإذا قلنا أنهم هم المنافقون فالمنافقون لم يؤمنوا بالنبي يوماً صلوات الله وسلامه عليه , وإذا قلنا هم المرتدون فالمرتدون لم يموتوا على الإسلام .. فهؤلاء لا يدخلون في تعريف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) سورة التوبة آية رقم 101 .(175/70)
وأما إذا قصدوا أن الصحابة كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل أبو جهل في الصحابة وأبو لهب وأمية بن خلف وأبي بن خلف والوليد بن عتبة وغيرهم من المشركين يدخلون في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونحن لا نقول بذلك أبداً .. ولكن نقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعد بن معاذ ومعاذ بن جبل وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وعبدالله بن عمر وعبد الله بن العباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وفاطمة وعائشة والحسن والحسين وغيرهم كثير .. هؤلاء هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , فمن من هؤلاء كان منافقاً ومن من هؤلاء إرتد عن دين الله تبارك وتعالى بل كل هؤلاء آمنوا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولقوه وماتوا على ذلك والعلم عند الله تبارك وتعالى .
فالقصد أن الجواب الأول أن قول النبي صلى الله عليه وسلم سحقاً سحقاً هو للمنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم , أو هم الذين إرتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أصلاً من المسلمين ثم إرتدوا وتركوا دين الله جل وعلا .(175/71)
وهناك جواب ثالث وهو أن المعنى كل من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يتابعه , وإن كان النبي يعلم ذلك كعبد الله بن أبي بن سلول وهو كما هو معلوم رأس المنافقين وهو الذي قال : لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل , وهو الذي قال ما مثلنا ومثل محمد وأصحابه إلا كما الأول سمن كلبك يأكلك . فهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه فيكون هذا هو المقصود ولذلك إن تعريف الصحابة بأنه كل من لقي النبي مؤمناً به ومات على ذلك تعريف متأخر وأما كلام العرب كل من صحب الرجل فهو من أصحابه مسلماً أو غير مسلم متبع له أو غير متبع هذا أمر آخر . ولذلك لما قال عبد الله بن أبي بن سلول كلمته الخبيثة ( ليخرجن الأعز منها الأذل ) قام عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغته هذه الكلمة قال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق , فقال صلى الله عليه وسلم : (لا يا عمر لا يقول الناس إن محمد يقتل أصحابه ) (1), فسماه من أصحابه صلوات الله وسلامه عليه وهو رأس المنافقين , فهو غير داخل فالذين نحن نسميهم صحابة رضي الله عنهم وأرضاهم .
__________
(1) صحيح البخاري كتاب التفسير , باب قوله ( لئن رجعنا إلى المدينة ) رقم 4907 , صحيح مسلم كتاب البر والصلة والآداب باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما رقم63 .(175/72)
كذلك قد يكون المقصود بالأصحاب أي من صحب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الدين ولو لم يرى النبي صلى الله عليه وسلم فندخل نحن في هذا المسمى ولذلك جاءت بعض روايات الحديث ( أمتي أمتي ) (1)بدل ( أصحابي ) فنكون من أمته صلوات الله وسلامه عليه , وقد يقول قائل كيف وقد جاء في الحديث ( أعرفهم ويعرفونني ) (2) فنقول أنه قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعرف أمته بآثار الوضوء صلوات الله وسلامه عليه .
ولنا سؤال هنا لو جاءنا النواصب , والنواصب هم الذين يبغضون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يبغضون علياً وفاطمة والحسن والحسين وغيرهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وقالوا هؤلاء الذين إرتدو وهؤلاء الذين يذادون عن الحوض هم علي والحسن والحسين كيف تردون عليهم ؟؟!
الرد عليهم بأن نقول لهم ليسوا من هؤلاء بل هؤلاء جاءت فيهم فضائل ..
فنقول أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة جاءت فيهم فضائل فما الذي يخرج علياً ويدخل أبا بكر وعمر !!
فالقصد إذاً أن حديث الحوض لا يشمل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
شبهة جيش أسامة :
__________
(1) صحيح البخاري , كتاب الفتنة , باب قول الله واتقوا فتنة , رقم 7048 بلفظ ( أمتي ) دون تكرار .
(2) صحيح البخاري , كتاب الفتن , باب قول الله واتقوا فتنة , رقم 7050 , وكتاب الرقاق باب : في الحوض رقم 6583 .(175/73)
يقولون إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جهز جيش أسامه وذلك لينتقم أسامة رضي الله عنه لأبيه زيد بن حارثة لما قُتل في مؤته جهز النبي جيش أسامة ليذهب إلى مؤته وقالوا جعل من ضمن هذا الجيش أبا بكر وعمر حتى يصفو الجو لعلي رضي الله عنه ويستطيع النبي أن يعينه خليفة !! أنظروا كيف جعلوا النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفاً يخاف من أبي بكر وعمر فيرسلهما في الجيش حتى يستطيع أن يبين للناس أن علياً هو الخليفة !! هكذا يكتم الدين بهذه الدرجة .. وهذا طعن في النبي صلوات الله وسلامه عليه , الله سبحانه وتعالى يقول له : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } (1) يقول : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 قُمْ فَأَنذِرْ 2} (2) { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } (3) وهم يقولون يخاف من هؤلاء الصحابة صلوات الله وسلامه عليه وحاشاه من ذلك .
ثم يضيفون إلى هذا الأمر أموراً أخرى وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ) حتى تصيب اللعنة أبا بكر وعمر .
فنقول أولاً : إن أبا بكر لم يكن أبداً في جيش أسامة , ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام : لعن الله من تخلف عن جيش أسامة , بل هذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما كون عمر في جيش أسامه فهذا هو المشهور في السير , أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عمر في جيش أسامة .
__________
(1) سورة الحجر آية 94 .
(2) سورة المدثر آية 1, 2.
(3) سورة المائدة آية 67 .(175/74)
كيف يكون أبا بكر في جيش أسامة والنبي أمر أبا بكر ان يصلي بالناس في فترة مرض النبي صلى الله عليه وسلم ,هذا تناقض لا يمكن أن يحدث ولذلك لما أراد أسامة أن يخرج إستأذن أبو بكر أسامةَ أن يبقي عمر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بل ما سير جيش أسامة إلا أبو بكر الصديق , وذلك أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أشار بعض الصحابة على أبي بكر أن يبقي جيش أسامة في المدينة خوفاً على المدينة من المرتدين ومن العرب الذين لم يسلموا بعد فأبا أبو بكر أن ينزل راية رفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يخرج جيش أسامة , وخرج جيش أسامة بأمر من أبي بكر الصديق رضي الله عنه , فكيف جعلوا أبا بكر الصديق الذي أخرج جيش أسامة جعلوه ممن تخلف وجعلوه ممن يستحق اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم وما هذا إلا من شيء في قلوبهم على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
شبهة قضية فدك :
قضية أقيمت لأجلها الدنيا , تكلموا فيها كثيراً وشنعوا فيها كثيراً على أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه وهي قضية فدك وما أدراك ما فدك . فدك أرض للنبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وذلك من المعلوم أن خيبر لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إليها وحاصرها إنقسمت إلى قسمين , إلى قسم فُتح عنوة وإلى قسم فُتح صلحاً , من الذي فُتح صلحاً في خيبر ما فيه فدك .
فدك أرض صالح النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عليها على أنهم يزرعونها ويعطون نصف غلتها للنبي صلى الله عليه وسلم , فنصف غلة فدك تكون للنبي صلى الله عليه وسلم .(175/75)
بعد أن توفي صلوات الله وسلامه عليه جاءت فاطمة رضي الله عنها تطالب بورثها من النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت إلى أبي بكر لأنه خليفة المسلمين الذي كانت تعتقد خلافته , فذهبت إليه و طلبت منه أن يعطيها فدك ورثها من النبي صلى الله عليه وسلم , فقال لها أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) (1), وهنا لو قلنا لأبي بكر الصديق تعال يا أبا بكر عندك فاطمة تطالب بإرثها وعندك النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا نورث ) تطيع من ؟ ..
لا شك أنه سيقول سأطيع النبي صلى الله عليه وسلم .. طيب وفاطمة لماذا لا تطيعها فيقول أطيعها لو لم يكن عندي أمر من النبي صلى الله عليه وسلم , هذا النبي معصوم صلوات الله وسلامه عليه وفاطمة غير معصومة والنبي صلى الله عليه وسلم أمرني قال (لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) وإن أحببتم فسألوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , هذا الحديث رواه أبو عبيدة ورواه عمر ورواه العباس ورواه علي ورواه الزبير ورواه طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) ..
طيب ماذا أصنع أنا عندي حديث النبي وعندي قول فاطمة ؟ .. لا شك أي واحد منا يخاف الله سبحانه وتعالى ويقدر النبي صلى الله عليه وسلم فيقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد ..
فقال لها لا أستطيع أن أعطيك شيئاً الرسول قال : ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) .. فرجعت فاطمة رضي الله عنها ولم تأخذ ورثها ..
دعونا نوزع إرث النبي صلى الله عليه وسلم لو كان له إرث من الذي يرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟
يرثه ثلاثة : ترثه فاطمة ويرثه أزواجه ويرثه عمه العباس .
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير حديث رقم 49 , وكذلك رقم 51 بلفظ ( ما تركنا فهو صدقة ) , صحيح البخاري كتاب فرض الخمس , باب فرض الخمس رقم 3093 بلفظ ( لا نورث , ما تركنا صدقة ) .(175/76)
أما فاطمة فلها نصف ما ترك لإنها فرع وارث .. أنثى ..
وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يشتركن في الثُمُن لوجود الفرع الوارث وهي فاطمة ..
والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الباقي تعصيباً ..
هذا هو إرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم , إذا ليست القضية خاصة بفاطمة ولذلك أين العباس لماذا لم يأت ويطالب بإرثه من النبي صلى الله عليه وسلم , أين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يأتين ويطالبن بإرثهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فلم يعطها الإرث , قد يقول قائل كيف تحرمونها من الإرث ؟ والله سبحانه وتعالى يقول : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } (1) ويقول عن زكريا عليه الصلاة والسلام أنه قال عن يحى لما طلب الولد قال: { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } (2) , وأنتم تقولون ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) هذا الحديث يقوله أبو بكر وتلك آية والآية إذا عارضت الحديث فالآية مقدمة على الحديث ..
فنقول ليس الأمر كما قلتم لماذا .. تعنتاً .. لا ليس والله تعنتاً وما يضيرنا لو أخذت فاطمة نصيبها رضي الله عنها وأرضاها إن كان لها نصيب ..
__________
(1) سورة النمل آية 16 .
(2) سورة مريم آية 6 .(175/77)
ولكن نقول إقرأوا الآيات وتدبروها قليلاً لا نريد أكثر من ذلك , الله جل وعلا ماذا يقول عن زكريا ؟ قال { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } ما الآيات التي قبلها , يقول الله تبارك وتعالى عن زكريا { كهيعص 1 ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا 2 إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا 3 قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا 4 وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا 5 يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا 6} .. سياق الآيات هل هي وراثة مال ؟ إقرأوا كتب السيرة ماذا كان حال زكريا .. فقير .. زكريا كان نجاراً كان فقيراً ما هو المال الذي عند زكريا حتى يطلب وارثاً له , ثم هل يعقل أن رجلاً صالحاً يسأل الله الولد ليرث ماله !! أين الصدقة في سبيل الله .. أين البذل ؟ يطلب ولداً ليرث ماله !! لا نقبل هذا لرجل صالح فكيف تقبلونه لنبي كريم !! أن يسأل الله الولد لأي شيء قال : حتى يرث أموالي !! هذا لا يمكن أن نقبله في نبي كريم مثل زكريا عليه الصلاة والسلام , ثم ماذا يقول : { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } كم بين يعقوب وزكريا من الآباء والأجداد ؟ مئات السنين عشرات إن لم نقل مئات الآباء بين زكريا ويعقوب , موسى بين زكريا ويعقوب أيوب بين زكريا ويعقوب , داوود وسليمان بين زكريا ويعقوب , يونس بين زكريا ويعقوب , يوسف بين زكريا ويعقوب .. كل أنبياء بني إسرائيل تقريباً بين زكريا ويعقوب زكريا يمثل آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا يحى عيسى .. إنتهت النبوة ويعقوب هو إسرائيل , كل أنبياء بني إسرائيل هم بين زكريا ويعقوب ونحن لا نتكلم عن جميع الأنبياء نتكلم عن بني إسرائيل أمة كاملة ..(175/78)
كم سيكون نصيب هذا الولد { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } وكم و كم من الذين سيحجبونه عن الميراث , الأولاد الأقرب ..
هذا كلام لا يُعقل .. إذاً ماذا أراد زكريا .. أراد ميراث النبوة هذا الميراث الحقيقي ميراث النبوة .. يرث النبوة .. يرث الدعوة إلى الله تبارك وتعالى يرث العلم , ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم ) (1) , هذا الذي أراده زكريا صلوات الله وسلامه عليه , ومنه ميراث سليمان صلوات الله وسلامه عليه لما قال الله تبارك وتعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } ورث ماذا ؟ .. ورث العلم ورث النبوة ورث الحكمة , لم يرث المال لو كان مالاً ما فائدة ذكره ؟.. طبيعي جداً الولد يرث أباه , هذا أمر طبيعي فلماذا يذكر في القرآن ؟ إذاً الذي ذكر في القرآن أمر ذا أهمية عندما يقول الله تبارك وتعالى { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } أراد أن ينبه إلى شيء مهم ليس مجرد وراثة مال , ثم كم لداوود من الأبناء إرجعوا إلى سيرة داوود , داوود على المشهور كانت له ثلاثمئة زوجة وسبع مئة سُرّية – يعني أمة - ذكروا لداوود أولاد كثر ألا يرثه إلا سليمان ! صلوات الله وسلامه عليه .. هذا لا يمكن أن يكون أبداً .
ولنفرض أنه ورث , طيب ما شأن أبي بكر وعمر وعثمان هل أخذوا هذا المال لهم ؟ , كانوا يعطونه لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما ذنبهم .. ما الخطيئة التي أرتكبوها .. هل أبو بكر إستدخل فدك له , هل إستدخلها عمر .. هل إستدخلها عثمان أبداً لم يستدخلوها , إذاً لماذا يُلامون ؟ !
__________
(1) سنن الترمذي باب ما جاء في عالم المدينة رقم 2682 , سنن بن ماجه باب فضل العلماء والحث على طلب العلم رقم 223 , صحيح بن حبان ذكر وصف العلماء الذين لهم الفضل رقم 88 .(175/79)
لماذا نزرع الكراهية في قلوب الناس لأبي بكر وعمر وعثمان ؟! ماذا صنعوا بفدك ؟!
خاصة إذا قلنا إن عمر وعثمان عاشا بعد فاطمة زمن الخلافة , فاطمة ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها بعده بستة أشهر على المشهور .. ما شأن عمر وعثمان بفدك ؟! ..
دعونا نسلم بأن فدك إرث لفاطمة رضي الله عنها .. نصيبها الذي هو النصف إذا ماتت فاطمة من يرث فاطمة ؟ يرثها أولادها وزوجها من أولاد فاطمة ؟ .. اربعة : الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وزوجها علي , أبوها توفي صلى الله عليه وسلم وأمها توفيت وهي خديجة رضي الله عنها , مابقي من الورثة إلا الأولاد والزوج .. الزوج يأخذ الربع لوجود الفرع الوارث فربع الميراث لعلي , وبقية الميراث - ميراث فاطمة – لأولاد فاطمة للذكر مثل حظ الأنثيين ..
طيب علي في خلافته لم يعط فدك لفاطمة ولم يعطها لأولاد فاطمة ..
فإن كان أبو بكر ظالماً وعمر كان ظالماً وعثمان كان ظالماً لفدك فعلي كان ظالماً كذلك , فكلهم لم يعطوا فدك لأهلها .. أبو بكر لم يعطها لأهلها , عمر لم يعطها لأهلها , عثمان لم يعطها لأهلها , علي لم يعطها لأهلها , وإسألوا علمائكم في هذا الأمر هل أعطى علي فدك لأولاد فاطمة ؟ لم يعطهم فدك .
الحسن إستخلف بعد علي هل أعطى فدك لأخيه الحسين ولأخته زينب لم يعطهم , لأن أم كلثوم كانت قد توفيت ..
إذاً لماذا يُلام أبو بكر وعمر وعثمان ولا يُلام علي رضي الله عنه ؟! إما أن يُلام الجميع وإما أن لايُلام أحد ..
ننظر موقف أهل السنة وموقف الشيعة , أهل السنة لا يلومون أحداً , لماذا لا تلومون أحداً .. قالوا لأنها أصلاً ليست ميراثاً لفاطمة ولذلك لا نلوم أحداً .(175/80)
أما الشيعة فيلومون أبو بكر ويلومون عمر ويلومون عثمان ويلزمهم أن يلوموا علي ولذلك خرجت طائفة من الشيعة يُقال لها الكاملية هذه الطائفة تطعن في علي مع أنها شيعية .. قالوا أبو بكر وعمر وعثمان ظلمة أخذوا الخلافة من علي , وعلي لم يستجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمره بالخلافة و بايعهم وترك أمر الخلافة فعلي أيضاً مذنب ..
وهذا يلزمهم لأنهم لو فكروا بعقولهم بناءً على الأدلة الباطلة التي إستدلوا بها , إذاً فدك ليست إرثاً لفاطمة رضي الله عنها وأبو بكر خيراً صنع لأنه إتبع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سمعه يقول : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) .
هناك قول آخر وهو أن فدك هبة وهبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة كيف وهبها النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة .. قالوا لما فتح الله تبارك وتعالى فدك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم نادى فاطمة وأعطاها إياها .. هل هذا صحيح ؟
قالوا نعم لما نزل { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } (1) بعد فتح خيبر ناداها قال هذا حقك خذي حقك وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها وأرضاها .. هل هذا الكلام صحيح .. هل يُقبل أصلاً هذا الكلام ..
للنبي صلى الله عليه وسلم سبعة من الولد ثلاثة ذكور وأربعة إناث .. الذكور عبد الله والقاسم وإبراهيم كلهم ماتوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهم صغار لا دخل لهم هنا إذاً , بقي للنبي صلى الله عليه وسلم أربع من البنات أصغرهن فاطمة رضي الله عنها , ثم تأتي بعد فاطمة رقية ثم أم كلثوم ثم زينب وهي الكبيرة هؤلاء هن بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
__________
(1) سورة الإسراء آية 26 .(175/81)
يقولون النبي صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة فدك ولم يعطي باقي البنات , بنات النبي صلى الله عليه وسلم توفيت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة لما خرج إلى بدر صلى الله عليه وآله وسلم , لكن أم كلثوم وزينب توفيتا بعد ذلك , أم كلثوم توفيت في السنة التاسعة من الهجرة , وزينب توفيت في السنة الثامنة من الهجرة .. خيبر في أول السنة السابعة من الهجرة .. أنظروا كيف يتلاعب الشيطان بالناس , فيكون النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح الله عليه خيبر له ثلاث بنات أحياء فاطمة وزينب وأم كلثوم .. تصوروا كيف ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأن النبي يأتي إلى بناته الثلاث ويقول تعالي يا فاطمة هذه فدك لك وأنتما يا أم كلثوم ويا زينب مالكما شيء .. أيجوز أن يُقال هذا في النبي صلى الله عليه وسلم ؟ .
إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه بشير بن سعد والد النعمان بن بشير وقال : يا رسول الله إني أريد أن أنحل إبني هذا حديقة وأريدك أن تشهد على ذلك , والنبي يعلم أن له أولاد آخرون غير هذا الولد , فقال له صلوات الله وسلامه عليه : ( أكل أولادك أعطيت ؟ ) يعني أعطيت بقية أولادك أو أعطيت هذا فقط , قال : لا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذهب فإني لا أشهد على جور ) (1).
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الهبات باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة رقم 9- 19 .(175/82)
والنبي يقول : ( إتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم ) (1) ويقول : ( لا أشهد على جور ) الله أكبر ! أنرضى أن هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي لا يشهد على الجور والذي قول لنا : ( إتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم ) أرضى أن يكون هو بذاته صلى الله عليه وسلم الذي يفرق بين أولاده !! الذي لا يشهد على الجور هل يفعل الجور ؟! صلى الله عليه وآله وسلم .. لا يمكن هذا أبداً , إذاً لن يعط النبي صلى الله عليه وسلم فدك لفاطمة دون بناته .
ثم يا عقلاء إن كان النبي أعطاها لفاطمة فجاءت تطالب بماذا إذاً في عهد أبي بكر , إذا أخذتها وأستلمتها تطالب بماذا ؟ هي ملكك تطالبيني بماذا ؟ ! تقول أعطاها النبي في السنة السابعة من الهجرة وتوفي بعد أن أعطاها بأربعة سنوات .. وتأتي في عهد أبي بكر تقول أعطني الذي أعطاني النبي قبل أربع سنين !! أيعقل هذا الكلام .. لا يُعقل هذا أبداً ولا يُقبل مثل هذا الكلام .
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الهبات باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة رقم 13 .(175/83)
بقي شيء واحد يقولون لما غضبت فاطمة إذاً رضي الله عنها وأرضاها .. فاطمة إستدلت بعموم قول الله تبارك وتعالى { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } (1) فعلى هذا الأساس جاءت تطالب بإرثها رضي الله عنها فلما قال لها أبو بكر رضي الله عنه ( لا نورث ما تركناه صدقة ) إنتهى الأمر ورجعت , عائشة رضي الله عنها التي تروي هذه القصة وتروي هذا الحديث تقول : فوجدت على أبي بكر أي غضبت أنه لم يعطيها فدك , لكن ليس في الحديث شيء أن فاطمة تكلمت على أبي بكر بشيء وإنما هذا فهم عائشة فهمت أن فاطمة وجدت وتضايقت وأنها لم تكلم أبا بكر , طبيعي جداً أنها لم تكلم أبا بكر لأنها كانت مريضة وما كان أبا بكر يخالطها أصلاَ , ليست إبنته وليست قريبة له , هي إبنة النبي وزوجة علي رضي الله عنه ما شأن أبي بكر بها ؟ ولذلك زارها قبل موتها رضي الله عنها , بل وعلى المشهور أن التي غسلتها والتي كانت تمرضها هي أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق هي التي غسلت فاطمة رضي الله عنها .. فقضية أن فاطمة وجدت على أبي بكر الله أعلم بذلك . هذا فهم عائشة تقول أنها وجدت لكن ليس الحديث نص أن فاطمة تكلمت في أبي بكر أو طعنت فيه أبداً .. سكتت رجعت إلى بيتها بعد أن قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) .
شبهة رزية يوم الخميس :
__________
(1) سورة النساء آية رقم 11 .(175/84)
أو حديث الرزية , والرزية يعني المصيبة التي وقعت هذا الحديث يرويه بن عباس يقول : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني الوفاة – وفي البيت رجال فيهم عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هلم أكتب كتاباً لا تضلون بعده ) , فقال عمر : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ) , وأختلف أهل البيت وأختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لا تضلوا بعده , ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والإختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قوموا ) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما (1).
هم يطعنون على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة عمر من خلال هذا الحديث , مدار طعنهم في ماذا ؟ :
أولا قالوا إن عمر قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر , وهذه قالها التيجاني كذباً وزوراً في كتاب فسألوا أهل الذكر ص144 وص 179 ونسبه إلى البخاري كذباً وزوراً وهو ليس في البخاري أن عمر قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر وإنما قال غلب عليه الوجع (2) .
__________
(1) صحيح البخاري , كتاب العلم , باب كتابة العلم رقم 114 , صحيح مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه رقم 20 , 21 , 22 .
(2) ورد في مسلم لفظة ( ما شأنه أهجر ؟ ) ولفظة فقالوا ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر ) وفي الحالين لم يُنسب القول لعمر ولم يقلها وإنما الثابت في رواية البخاري ومسلم لفظة ( إن رسول الله قد غلب عليه الوجع ) هذا ما قاله عمر رضي الله عنه .(175/85)
ما معنى قول عمر : ( حسبنا كتاب الله ) هل معنى هذا أننا لا نريد السنة , هكذا هم يلبسون على الناس , إن معنى قول عمر ( حسبنا كتاب الله ) أي ما جاء في كتاب الله { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } (1) يكفي كمل الدين دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتاح , إجتهد عمر في هذه .. أصاب أو أخطأ هذا موضوع آخر , لكن هل نقول إن عمر كتم الدين رضي الله عنه وأرضاه !! عندما قال ( حسبنا كتاب الله ) , هل كان الذي سيبلغه النبي صلى الله عليه وسلم أمراً لازماً واجباً لابد منه وأحذروا قبل أن تقولوا نعم , لأننا إذا قلنا نعم هو أمر لازم واجب لابد منه والنبي لم يبلغه معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتم الرسالة ولم يكملها وكتم بعضها والله جل وعلا يقول { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } قبل هذه الحادثة بثلاثة اشهر في حجة الوداع قال الله هذا الكلام سبحانه وتعالى وأنزله على نبيه قرآناً يتلى .
بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله والجنة إلا وأمرتكم به , وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه ) (2) إذاً النبي بلغ الرسالة .
بقي أمر وهو ما هو هذا الأمر الذي أراد النبي أن يبلغه ؟ , جاء في مسند أحمد بإسناد مرسل ولكنه صحيح – صحيح مرسل – إلى حُميد بن عبد الرحمن بن عوف أن علياً رضي الله عنه كان حاضراً في هذه الحادثة فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إئتوني بكتاب قال علي : يا رسول الله إني أحفظ , قل أحفظ , فقال :
__________
(1) سورة المائدة آية 3 .
(2) رواه بن خزيمة , انظر السلسلة الصحيحة 4/417 ضمن حديث رقم 18903 .(175/86)
( أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ) إذاً بلّغ ما كان يريد صلوات الله وسلامه عليه .. (1)
ولنا أن نسأل هل كان علي حاضراً رضي الله عنه في هذه الحادثة .. قطعاً نعم عند الجميع عندنا وعند الشيعة هو حاضر , إذاً لما لم يكتب لما لم يذهب ويأتي بالدواة والقلم ويكتب مع من كان علي مع الذين منعوا أو مع الذين لم يمنعوا ؟! ..
هذا الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : ( قوموا عني ) أمرهم أن يقوموا عنه صلوات الله وسلامه عليه .. لماذا قال قوموا عني ؟ .. لأنه صار صياح هذا يقول قرب وهذا يقول لا تقرب والنبي صلى الله عليه وسلم في وادي وهم في وادٍ آخر , ولذلك أمرهم بالخروج صلوات الله وسلامه عليه .
__________
(1) ورد في صحيح مسلم كتاب الوصية , باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه حديث رقم 20 ما يلي : 1637 حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لسعيد قالوا حدثنا سفيان عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال : قال بن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى , فقلت : يا بن عباس وما يوم الخميس ؟ قال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال : ( ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي ) فتنازعوا وما ينبغي عند نبي تنازع وقالوا : ما شأنه أهجر استفهموه , قال : ( دعوني فالذي أنا فيه خير أوصيكم بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ) , قال : وسكت عن الثالثة أو قالها فأنسيتها . وكذلك في البخاري كتاب الجهاد والسير , باب هل يستشفع إلى أهل الذمة رقم 3053 .(175/87)
نعم هناك من قال يستفهم: أهجر ؟؟ يعني أهذا الذي يقوله النبي صلى الله عليه وسلم هجراً أو لا ؟؟ ولكن نقول من يقول أن الذي قال هذا عمر ؟ لماذا لا يكون قاله علي ! ونحن أيضاً نقول علي لم يقل هذا , إذاً من الذي قال : أهجر ؟ , لعله أحد الذين كانوا حديثي إسلام وحضروا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا مثل هذه الكلمة .. ولكن لم يثبت أبداً أن أبا بكر قال هذه الكلمة أو عمر أو عثمان أو علي أو الزبير أو طلحة أو أحد من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
النبي صلى الله عليه وسلم معلوم أنه لما أصابه الوجع قبيل موته لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة كما قال بن عباس إذ كان الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم شديداً صلى الله عليه وآله وسلم .. ولذلك بن مسعود لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت وجده يعرق عرقاً شديداً يتصبب العرق من جبينه , فقال يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً قال : ( إني أوعك كرجلين منكم ) , قال : أذلك لأن لك الأجر مرتين ؟ , قال : ( نعم ) (1).
فشفقة عمر على النبي صلى الله عليه وسلم هي التي دفعته أن يقول ( حسبنا كتاب الله حسبنا كتاب الله ) يعني دعوا النبي يرتاح صلى الله عليه وسلم .
وقلنا ونعيد ونكرر قبلتم هذا أو لم تقبلوه , لكن هل هذا يُخرج عمر من الملة ؟ , هل هذا يجعل عمر عاصياً لله جل وعلا ..
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المرضى , باب وضع اليد على المريض رقم 5660 , وباب مارُخِّص للمرض أن يقول إني وجع رقم 5667 .(175/88)
طبعاً هناك دعوى عريضة لا دليل عليها وهي أن هذا الكتاب هو خلافة علي ! دعوى من يقول إن هذه الدعوى صحيحة , أنا الآن في هذا المقام سأقول أن هذا الكتاب هو خلافة أبو بكر .. من يمنعني ؟ بل أنا صاحب الدليل لأنه ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إئتوني بكتاب فإني أخشى أن يتمنى متمني ويأبى الله إلا أبا بكر ) (1)ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر هو الذي يصلي بالناس في مرض موته صلوات الله وسلامه عليه .
من يقول أن هذا الكتاب هو خلافة علي ؟ ثم هذا الكتاب هو خلافة علي أليس النبي قد بلّغ خلافة علي – كما يدعي القوم - في الغدير وقبل الغدير في تبوك , وقبل تبوك في مكة في حديث الإنذار حديث الدار فلماذا صار الأمر إلا الآن .. الآن فقط يريد أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم , ثم تعالوا ننظر إلى ما بلغه النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن ومن السنة كم نسبة المكتوب من غير المكتوب ولا شيء جل ما بلّغه النبي صلى الله عليه وسلم مسموع غير مكتوب , والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الأحكام , باب الإستخلاف رقم 7217 , صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة , باب من فضائل أبي بكر رقم 11 .(175/89)
( نحن أمة أمية لا نكتب الشهر عندنا هكذا وهكذا وهكذا ) (1) يعد بأصابعه صلوات الله وسلامه عليه , ولذلك أنظروا كم حديث للرسول صلى الله عليه وسلم الذي كتبه الصحابة وكم حديث للنبي صلى الله عليه وسلم الذي وعاه الصحابة وحفظوه لا مقارنة فلماذا هذه بالذات تُكتب , فالقصد أننا ننظر في هذا الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم هل هو أمر واجب أو أمر مستحب .. قطعا هو أمر مستحب وليس من الأمر الواجب لأننا قلنا قبل قليل إذا قلنا إنه من الأمر الواجب فإننا نقول إن النبي قد كتم والنبي لم يكتم صلى الله عليه وسلم , هذا ليس امر واجب بل هو من المستحبات التي تركها للمصلحة صلوات الله وسلامه عليه .
خاتمة :
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الصوم , باب وجوب صوم رمضان .. رقم 15 , صحيح البخاري كتاب الصوم , باب قوله صلى الله عليه وسلم : " لانكتب ولا نحسب " رقم 1913 .(175/90)
وختاماً نقول إقرأوا كتاب الله تبارك وتعالى تدبروا كلام الله جل وعلا إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز : { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (1) , أي الذين أنفقوا من قبل الفتح والذين أنفقوا من بعد الفتح كلهم وعدهم الله تبارك وتعالى الحسنى , وماذا يترتب على وعد الله تبارك وتعالى بالحسنى , قال الله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ 101 لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ} (2), تدبروا قول الله تبارك وتعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } (3), تدبروا قول الله تبارك وتعالى { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ.. } (4), تدبروا قول الله تعالى { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ 8 وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
__________
(1) سورة الحديد آية 10 .
(2) سورة الأنبياء آية 101 ,102 .
(3) سورة التوبة آية 100 .
(4) سورة الفتح آية 29 .(175/91)
وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 9} (1), اقرأوا قول الله تبارك وتعالى { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا 18} (2) , أيرضى الله عن المنافقين لا يرضى الله تبارك وتعالى أبداً عن المنافقين , إن الله لا يرضى إلا عن المؤمنين لأن الله تبارك وتعالى يعلم ما كان ويعلم ما يكون سبحانه وتعالى فالله بكل شيء عليم ولا يرضى الله عن المنافقين أبداً .
__________
(1) سورة الحشر آية 8, 9 .
(2) سورة الفتح آية 18 .(175/92)
إن من أبرز صفات المنافقين في كتاب الله جل وعلا وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي واقع الأمر أنهم أجبن الناس , يخافون على أنفسهم ويخافون الموت ولذلك تجدهم مذبذبين كما قال الله جل وعلا { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء} (1) , فهل هذه الصفات هي صفات أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم , إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم هم الذين باعوا أنفسهم وأشتروا الجنة والذين بذلوا كل شيء في سبيل الله تبارك وتعالى هم الذين قاتلوا المرتدين , هم الذين فتحوا البلاد هم الذين فتحوا الهند والسند وفتحوا الشام ومصر وفتحوا العراق وفتحوا بلاد فارس هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , هم هؤلاء الذين تطعنون أنتم فيهم الله يقول { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ } والله سبحانه وتعالى يقول { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } الله تبارك وتعالى يقول { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} ويقول بعدها { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وأنظروا أنتم ماذا تقولون أنتم وماذا يقول علمائكم عن أولئك الصحابة , أتصدقون الله ورسوله أو تصدقون علمائكم ؟ إنكم بين أمرين , كيف بمن جلس مع طلابه ثلاثاً وعشرين سنة يعلمهم صلوات الله وسلامه عليه وهو رسول الله أوتي جوامع الكلم .. أحرص الناس على الخير .. أتقى الناس لله .. أعلم الناس بالله .. أصدق الناس مؤيد من عند الله تبارك وتعالى ثم بعد ذلك لم ينجح أحد !! إلا ثلاثة .. إلا أربعة إلا خمسة .. إلا سبعة على روايات متفاوتة عندهم ... أتقبلون هذا !!؟ ..
أتقبلون أن يُقال فشل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تربية أصحابه .. إنه الكفر بعينه إنه الطعن في ذات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
__________
(1) سورة النساء آية 143 .(175/93)
إن صفات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبداً أن تكون صفات المنافقين .. إقرأوا كتاب الله وتدبروه .. إقرأوا سورة التوبة لتعلموا ما هي صفات المنافقين وأقرأوا باقي القرآن , آل عمران والفتح وغيرها من كتاب الله حتى تعلموا صفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , إنكم تطعنون في أقوام قد حطوا رحالهم في الجنة , إنكم تطعنون في أقوام كان علي يحبهم وكان أولاده يجلونهم , علي رضي الله عنه زوج إبنته أم كلثوم لعمر يا من تطعنون في عمر , علي رضي الله عنه سمى أولاده بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان , الحسن سمى أولاده بأسماء أبي بكر وعمر , علي بن الحسين سمى إبنته عائشة وسمى ولده عمر , سُكينة بنت الحسين من زوجها ؟ مصعب بن الزبير بن العوام .
إن العلاقات بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأولادهم مع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأولادهم كانت حميمة جداً والله ما كان بينهم ما يدعون من كفر أولئك وعصمة الآخرين بل كانت علاقة ود وصفاء ومحبة هكذا كانوا .. لماذا نقبل من الآخرين أن يسيروا فكرنا ولا ننظر نحن في كتب التاريخ وكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتراجم هؤلاء لنعرف الحقيقة بأنفسنا , كل منا سيحاسب في قبره لوحده سيحاسبه الله تبارك وتعالى لماذا أبغضت هؤلاء ؟ .. ما ذنبهم ؟ .. إنهم أولياء الله جل وعلا والله سبحانه وتعالى يقول : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) (1) , وإنما توعد الله بالحرب ثلاثة .. توعد آكل الربا , وتوعد الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً , وتوعد الذين يحاربون أولياءه فأحذر ..
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الرقاق , باب التواضع رقم 6502 .(175/94)
والله ما أردنا من هذا الشريط ولا أردنا من هذه الجلسة إلا أن نقدم النصح والله لا نريد لكم إلا الخير لا نريد لكم إلا الجنة .. ليست بأيدينا ولكن الله تبارك وتعالى بين لنا طريقها وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم طريقها , إنه بقدر ثبوت قدمك على الصراط في هذه الدنيا يكون ثبوت قدمك على الصراط في الآخرة نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا ويهديكم وأن يوفقنا ويوفقكم ودعونا نقول جميعاً .. اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا إجتنابه ثم بعد ذلك نسعى سعياً حثيثاً لمعرفة الحق وطلبه حتى نتبعه ولمعرفة الباطل حتى نجتنبه ونبتعد عنه والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته أجمعين والسلام عليكم ورجمة الله وبركاته .
تم الإنتهاء من التفريغ والتنسيق في 22/ 11/ 1424هـ
و إنتهيت من توثيق مصادر الآيات والأحاديث في 23/31426 هـ .
أخوكم أبو بدر ( النظير )
الفهرس
مقدمة الموثق ..................................................................................
مقدمة ..............................................................................
آية الولاية ....................................................................................
آية ذوي القربى .........................................................................
آية التطهير ................................................................................
حديث الثقلين .............................................................................
حديث الإثني عشر ......................................................................
حديث الغدير ...........................................................................(175/95)
حديث الدار ..............................................................................
الشبهات .............................................................................
شبهة حديث الحوض .....................................................................
شبهة جيش أسامة ...........................................................................
شبهة قضية فدك .......................................................................
شبهة رزية الخميس ...........................................................................
خاتمة .............................................................................
الفهرس .........................................................................(175/96)
رد البهتان عن معاوية بن أبي سفيان
تم جمع هذا البحث من أبحاث الشيخ :
أبو عبد الله الذهبي ...
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
http://www.saaid.net/Doat/Althahabi
جمع وترتيب :
شمس الدين
Shams_aldeen21@hotmail.com
المقدمة
باسم الله العلي القدير .. والصلاة والسلام على رسول الله البشير النذير .. وبعد :-
إننا كثيراً ما نمر بقضايا من التاريخ تجعلنا نؤمن بأن الحكم على أقدار الناس يجب أن يكون قائماً على حسن الظن ؛ حتى يثبت خلاف ذلك ..
والحديث عن تاريخ الصحابة رضوان الله عليهم عريض الجوانب .. طويل المدى واسع الآفاق ورداً لكثير من الشبهات والتهم التي أثيرت حول الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وبالأخص خال المسلمين وأمير المؤمنين ، معاوية رضي الله عنه .. الذي يتلذذ بالطعن فيه بعض الجهلة تحت ستار النقد العلمي .. وما درى هؤلاء المساكين أن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ، من لابس الفتن منهم ومن اعتزل .. إحساناً للظن بهم ؛ لأنهم نقلة الشريعة .. والطعن في أحدهم مثل معاوية رضي الله عنه مدخلاً لأعداء هذا الدين للنيل من بقية الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .. وفي هذا يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله : معاوية عندنا محنة ، فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم – يعني الصحابة - . البداية والنهاية لابن كثير (8/139 ) .
وما أعتقد أن شخصية في تاريخنا الإسلامي ، من الرعيل الأول من الصحابة الذين تربوا على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قد نالها من التشويه والدس والافتراء والظلم ، ما ناله معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما .. حيث امتلأت معظم المصادر التاريخية بعشرات الروايات الضعيفة أو المكذوبة على هذا الصحابي الكريم .. فكان لابد من الحديث عنه والكتابة عنه والذب عن عرضه وفق المنهج الصحيح ..
أخوكم(176/1)
أبو عبد الله الذهبي ...
بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم عدالة الصحابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
إن موضوع عدالة الصحابة من المواضيع المهمة التي يجب على كل مسلم أن يعرفه حق المعرفة ، و قد ترددت كثيراُ في الكتابة أو الحديث عن هذا الموضوع لحساسيته و عظم شأنه ، لكن الذي دفعني للكتابة هو ما سمعته و قرأته من أقوال الجهال أصحاب الهوى ممن ينتسبون للعلم و هو منهم براء ، أسمعهم يتشدقون بأقوال و كلمات ما أنزل الله بها من سلطان في حق الصحابة و ما شجر بينهم ، متذرعين بشبهات يتشبثون بها ، وروايات ضعيفة ساقطة موضوعة مكذوبة واهية أوهى من خيوط العنكبوت ، يتلقفونها و يلتقطونها من كتب الأدب و التاريخ و قصص السمر و الكتب المنحولة و الضعيفة ككتاب الأغاني و البيان و التبيين و الإمامة و السياسة و نهج البلاغة و غيرها من الكتب فيطيرون بها في الآفاق كشيطان العقبة .
مثل تكفير بعض الصحابة أو الطعن في خلافة عثمان أو علي أو سبٍ للصحابة أمثال : معاوية و عائشة و طلحة و الزبير و أبو موسى الأشعري و عمرو بن العاص و غيرهم رضي الله عنهم أجمعين .
يقول الإمام مالك في الذين يقدحون في الصحابة : إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك ، فقدحوا في أصحابه حتى يقال رجل سوء و لو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين . الصارم المسلول (ص 553) .
و هذا القول من الإمام مالك منطلق من نظرته البعيدة إلى أبعاد الخبر فليس الأمر قدحاً في الصحابة فقط ، بل إن هذا يجر إلى ما هو أخطر منه .
و بهذا المنظار انطلق ابن تيمية رحمه الله بقوله : الطعن فيهم - أي في الصحابة - طعن في الدين . منهاج السنة (1/18) . و الأمثلة في هذا كثيرة .(176/2)
و إن الباحث المسلم كثيراً ما يحس بالمرارة ، أو يصاب بخيبة الأمل ، و هو يتابع تفاصيل العصر الراشدي ، و هو العصر الذهبي في تاريخ الإسلام ، في حشود الروايات التي تقدمها مصادرنا القديمة ، و على رأسها تاريخ الرسل و الملوك للإمام الطبري ، فيجد البون شاسعاً بين ما يعهده من عدالة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من سلامة في الاعتقاد و استقامة في السلوك ، و ما كانوا عليه من خلق كريم ، و بين ما تصوره الروايات التي نقلها الرواة و الإخباريين على أنه الواقع التاريخي .
و في العصر الحديث تلقف المستشرقون و من شايعهم و تأثر بآرائهم من المنتسبين إلى الإسلام ، هذه الأباطيل بل كانت مغنماً تسابقوا إلى اقتسامه ما دامت تخدم أغراضهم للطعن في الإسلام و النيل من أعراض الصحابة الكرام .
ولابد أن تعتقد و أنت تقرأ تاريخ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرين اثنين :-
أ- أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم خير البشر بعد الأنبياء ، و ذلك لأن الله تبارك و تعالى مدحهم و النبي صلى الله عليه وسلم مدحهم في أكثر من حديث أنهم أفضل الأمة أو الأمم بعد أنبياء الله صلوات الله و سلامه عليهم .
ب- لابد أن تعلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير معصومين ، لكن المصيبة أن البعض يعتقد العصمة فيهم ؛ نعم نحن نعتقد العصمة في إجماعهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة لحديث : ( إن الله تعالى قد أجار أمتي من أن تجتمع على ضلالة ) انظر : كتاب السنة لابن أبي عاصم بتخريج الألباني رحمه الله (1/41) - ، فهم معصومون من أن يجتمعوا على ضلالة ، و لكن كأفراد هم غير معصومين ، فالعصمة لأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم .
و بعد هذه المقدمة السريعة ندخل إلى صلب الموضوع ، إلا و هو عدالة الصحابة ، و نبدأ أولاً ، بتعريف الصحابي ، فأقول و بالله التوفيق
تعريف الصحابي(176/3)
ذهب جمهور الفقهاء والأصوليين في تعريف الصحابي إلى أنه :-
من لقي النبي صلى الله عليه وسلم يقظة مؤمناً به ، بعد بعثته ، حال حياته ، و طالت صحبته و كثر لقائه به ، على سبيل التبع له ، والأخذ عنه ، وإن لم يرو عنه شيئاً ، و مات على الإيمان .
شرح التعريف :
قولهم : من لقي النبي .. الخ : تقدم شرح ذلك و بيان ما فيه ، في تعريف الصحابي عند جمهور المحدثين .
و قولهم : طالت صحبته :- أي أن يكون الصحابي قد جالس النبي صلى الله عليه وسلم و لقيه كثيراً .
و قد اختلف العلماء في المدة التي يقال فيها طالت صحبته ، فمنهم من حددها بسنة فأكثر ، وعليه ابن المسيب ، كما نقله عنه الشوكاني في إرشاد الفحول ( ص 70) ، وابن الهمام في التحرير (3/66) و الآلوسي في أجوبته العراقية (ص 9) وغيرهم .
و منهم من حددها بستة أشهر فأكثر ، كما نقله عن بعض العلماء صاحب التيسير (3/66) و الشوكاني في إرشاد الفحول (ص 70) والآلوسي في الأجوبة العراقية ( ص 9) و غيرهم .
و قد رد على هذين القولين بما ذكره الشوكاني في إرشاد الفحول (ص 70) حيث قال : ولا وجه لهذين القولين ، لاستلزامهما خروج جماعة من الصحابة الذين رووا عنه ولم يبقوا لديه إلا دون ذلك ، و أيضاً لا يدل عليهما دليل من لغة ولا شرع .
ومنهم من رأى أنها لا تحدد بمقدار ، وإنما هي تطول بحيث يطلق عليها اسم الصحبة عرفاً .
و هذا هو القول الراجح والأصح عندهم ، وإليه ذهب الجمهور منهم .
و قولهم : على سبيل التبع له والأخذ عنه :- هذا قيد إنما جيء به في الحقيقة لبيان الواقع ، لأن من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم عرفاً لا يكون إلا على سبيل المتابعة له والأخذ عنه ، ولا يصح أن يكون قيداً له مفهوم ، إذ لا نعلم أن هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن متابعاً له ، آخذاً عنه .(176/4)
و قولهم : وإن لم يرو عنه شيئاً :- اختلف جمهور أهل الفقه والأصول في ذلك ، فمنهم من يشترط لثبوت الصحبة ثبوت الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثل : الشوكاني في إرشاد الفحول (ص 70) والسيوطي في تدريب الراوي (2/112) وغيرهم .
ومنهم من ذهب إلى أنه لا يشترط لثبوت الصحبة ثبوت الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثل : القاضي أبي يعلى الفراء في العدة (ص 3/989) والآمدي في الإحكام (1/275) و السبكي في جمع الجوامع (2/179) و غيرهم .
والقول الراجح هو القول الثاني ؛ لأن القول باشتراط الرواية لتحقق مفهوم الصحبة يؤدي إلى خروج كثير من الصحابة الذين لم تحفظ لهم رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع اتفاق العلماء الذين ترجموا للصحابة على عدهم فيهم . و قد تقدمت الأمثلة على ذلك في تعريف الصحابي عند جمهور المحدثين .
ومن خلال ما ذكرت نستطيع أن نقول الآن بأن التعريف الراجح للصحابي هو ما ذهب إليه جمهور المحدثين ، و ذلك لسلامة أدلتهم و خلوها من الانتقاد . والله أعلم .
طريق إثبات الصحبة للرسول صلى الله عليه وسلم ..
نقول وبالله التوفيق : هناك طريقتين لإثبات الصحبة :-
الطريقة الأولى : إثبات الصحبة بالنص أي بالخبر
و تحته أنواع :-
1- القرآن الكريم : و ذلك مثل قوله تعالى{ إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}التوبة/40 . فهذا النص يثبت صحبة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، حيث استقر الإجماع بأن المعني بالصاحب في هذه الآية هو أبو بكر رضي الله عنه . تفسير الرازي (16/65) .
2 - الخبر المتواتر : و ذلك كما في صحبة العشرة المبشرين بالجنة ، فقد تواترت الأخبار بثبوت صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم . راجع الحديث في سنن الترمذي (3/311-312) .(176/5)
3 - الخبر المشهور ، كما في صحبة عكاشة بن محصن و أبي هريرة وابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي موسى الأشعري وغيرهم الكثير ممن لا يرتاب مسلم في إثبات الصحبة لهم . راجع دراسات تاريخية في رجال الحديث (ص 39) .
4 - الخبر الآحاد : و يدخل تحته أربع طرق :-
أ - رواية أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الرؤية أو السماع ، مع معاصرته للنبي صلى الله عليه وسلم ، كأن يقول أحد التابعين : أخبرني فلان أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ، أو رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل كذا ، كقول الزهري فيما رواه البخاري في فتح مكة من صحيحه . راجع صحيح البخاري كتاب المغازي (3/64) . و من الذين قالوا بهذه الطريقة ابن كثير في الباعث الحثيث (ص 190) والسخاوي في فتح المغيث (3/97) .
ب - إخبار الصحابي عن نفسه أنه صحابي ، و قد افترق العلماء في هذا الطريق إلى أربع مذاهب :
المذهب الأول : أنه يقبل قوله مطلقاً من غير شرط ، وجرى على ذلك ابن عبد البر كما نقله السخاوي في فتح المغيث (3/99) .
المذهب الثاني : أنه يقبل قوله بشرطين :-
الأول : أن يكون ذلك بعد ثبوت عدالته .
الثاني : أن يكون بعد ثبوت معاصرته للنبي صلى الله عليه وسلم .
و ممن جرى على ذلك و جزم به : جمهور علماء الأصول والحديث . راجع : شرح الكوكب المنير لابن النجار (2/479) ، و المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص 89) و جمع الجوامع للسبكي (2/167) و شرح الألفية للعراقي (3/11) وابن حجر في الإصابة (1/8) والسخاوي في فتح المغيث (3/97) و غيرهم الكثير .
و العلة في صحة قبول إخباره عن نفسه أنه صحابي ، أنه لو أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قبلنا روايته ، فلأن نقبل خبره عن نفسه أنه صحابي من باب أولى . راجع شرح الكوكب المنير لابن النجار (2/479) .(176/6)
والمعاصرة التي اشترطوها في إثبات الصحبة هي : المعاصرة الممكنة شرعاً ، وإنما تكون المعاصرة للنبي صلى الله عليه وسلم ممكنة شرعاً إذا ادعى الصحبة في حدود مائة وعشر سنين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/8 ) ، و ذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في آخر حياته لأصحابه : أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد يقصد من أصحابه - . البخاري (1/33-34) و مسلم برقم (1965) .
ومن هنا يتبين أن من ادعى الصحبة وكانت المعاصرة غير ممكنة ، فإنه لا يقبل قوله ويعتبر في ذلك من الكذابين ، راجع الأمثلة على من ادعى أنه صحابي و ظهر كذبه : الإصابة (1/9) و محاضرات في علوم الحديث (1/138-139) و دراسات تاريخية (ص 46) .
المذهب الثالث : عدم قبول إنه صحابي ، و جرى على هذا القول ابن القطان كما نقل عنه ذلك الشوكاني في إرشاد الفحول (ص 71) ، و به قال أبو عبد الله الصيرمي من الحنفية ، كما ذكره ابن النجار في شرح الكوكب المنير (2/479) . و أيضاً ممن يرى ذلك الإمام البلقيني في محاسن الاصطلاح (ص 427) ، و غيرهم .
و عللوا ذلك : أنه متهم بأنه يدعي رتبة عالية يثبتها لنفسه ، و هي منصب الصحابة ، والإنسان مجبول على طلبها قصداً للشرف . راجع : البلبل (ص 62) و شرح مختصر الروضة (2/13) وتيسير التحرير ( 3/67) و غيرهم الكثير .
المذهب الرابع : قالوا بالتفصيل في ذلك ، فمن ادعى الصحبة القصيرة قبل منه ، لأنها مما يتعذر إثباتها بالنقل ، إذ ربما لا يحضره حاله اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، أو رؤيته له أحد ، و من ادعى الصحبة الطويلة و كثرة التردد في السفر والحضر ، فلا يقبل منه ذلك ؛ لأن مثل ذلك يشاهد و ينقل و يشتهر ، فلا تثبت صحبته بقوله ، كما قال بذلك السخاوي في فتح المغيث (3/98-99) .(176/7)
جـ - قول أحد الصحابة بصحبة آخر :
و هو إما أن يكون بالتصريح ، كأن يقول الصحابي : إن فلاناً صحابي ، أو من الأصحاب ، أو ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم .
وإما أن يكون بطريق اللزوم ، كأن يقول : كنت أنا وفلان عند النبي ، أو سمع معي هذا الحديث فلان من النبي ، أو دخلت أنا وفلان على النبي صلى الله عليه وسلم .
غير أن هذا الطريق الأخير إنما يثبت فيه الصحبة إذا عرف إسلام المذكور في تلك الحالة ، كما قال السخاوي في فتح المغيث (3/96) . و مثلوا ذلك بصحبة حمحمة بن أبي حمحمة الدوسي الذي مات بأصبهان ، فشهد له أبو موسى الأشعري . راجع : ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم (1/71) و الإصابة (1/355) وأسد الغابة (2/58-59) .
و يعلل لقبول قول الصحابي في آخر أنه صحابي : بأن الصحابي عدل فإن صح لناأن نقبل قوله حين يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلأن نقبل قوله حين يخبر أن فلاناً صحابي من باب أولى .
د - إخبار أحد التابعين الموثقين عند أهل الحديث بأن فلاناً صحابي :
اختلف العلماء من المحدثين والأصوليين في ذلك ، فذهب جماعة منهم إلى قبول قوله ، و منهم الإمام السخاوي في فتح المغيث (3/96) والحافظ ابن حجر في الإصابة (1/8) ، و غيرهم .
و ذهب جماعة آخرون إلى أنه لا يقبل قوله ، و لا يثبت به صحبة من أخبر عنه ، و ممن ذهب إلى ذلك بعض شراح اللمع على ما ذكره الإمام السخاوي في فتح المغيث (3/99) .
و كانت حجتهم في هذا النفي أن التزكية إذا صدرت من مزك واحد غير مقبولة ، بل لابد فيها من اثنين ، لأن التزكية تلحق بالشهادة ، فكما أن الشهادة لا تصح ولا تتحقق إلا بمتعدد اثنين فأكثر ، فكذلك التزكية لا تقبل إلا من اثنين فأكثر ، ولأن اشترط التعدد في المزكي أولى وأحوط من الإفراد ، إذ فيه زيادة ثقة . راجع تيسير التحرير (3/58) .(176/8)
والقول الراجح إن شاء الله : هو في ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من قبول تزكية التابعي الواحد : أن فلاناً صحابي . و قد أجابوا عما ذكره النافون بما يلي :-
1 - إن التزكية تتنزل منزلة الحكم ، فلا يشترط فيها العدد ، بخلاف الشهادة فإنها تكون عند الحكم فلا بد فيها من العدد ، فلا يصح إلحاق التزكية بالشهادة . نزهة النظر (ص 134) .
2 - إن التزكية إن كانت صادرة عن اجتهاد المزكي فهي بمنزلة الحكم ، و حينئذ لا يشترط التعدد في المزكي ، لأنه بمنزلة الحكم .
3 - أن المزكي يكتفى فيه بواحد ، لأنه بمثابة الخبر ، و كما يصح قبول خبر الواحد ، فكذلك يقبل قول المزكي ، لأنه بمنزلته . شرح الألفية للعراقي (1/295) .
4 - أن اعتبار الواحد في الجرح والتعديل أصل متفق عليه ، واعتبار ضم قول غيره إليه يستدعي دليلاً والأصل عدمه . الإحكام للآمدي (1/271) .
5 - ينبغي القول بعدم اشتراط التعدد في المزكي ، لأن اشتراط التعدد قد يؤدي إلى تضييع بعض الأحكام ، فكان عدم التعدد أولى وأحوط . تيسير التحرير (3/58) .
الطريق الثاني : إثبات الصحبة بعلامة من العلامات :
العلامة الأولى : أن يكون من يدّعي الصحبة قد تولى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عزوة من غزواته ، و ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يؤمّر على عزوة من غزواته إلا من كان من أصحابه . انظر : محاضرات في علوم الحديث (1/140) و المختصر في علم رجال الأثر (ص 27) .
العلامة الثانية : أن يكون المدعي صحبته ممن أمّره أحد الخلفاء الراشدين على إحدى المغازي في حروب الردة والفتوح . الإصابة (1/9) .(176/9)
العلامة الثالثة : أن يكون المدعي صحبته قد ثبت أن له ابناً حنكه النبي صلى الله عليه وسلم ، أو مسح على رأسه ، أو دعا له ، فإنه كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له ، كما أخرجه الحاكم عن عبدالرحمن بن عوف على ما ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/9) . وانظر صحيح مسلم (1/237) .
العلامة الرابعة : أن يكون من يدعي صحبته ممن كان بمكة أو الطائف سنة عشر من الهجرة ، إذ من المعلوم عند المحدثين أن كل من كان بمكة أو الطائف سنة عشر قد أسلم و حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، فيكون من الصحابة . الإصابة (1/9) و محاضرات في علوم الحديث (1/139) ، و في هذه العلامة نظر ؛ لأنه وإن سلّم بإسلامهم جميعاً ، فإنه لا يسلّم بأن جميعهم حجوا معه صلى الله عليه وسلم .
العلامة الخامسة : أن يكون من يدعي صحبته من الأوس أو الخزرج الذين كانوا بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت أنهم دخلوا في الإسلام جميعاً ، و لم يثبت عن أحد منهم أنه ارتد عن الإسلام . الإصابة (1/8) و محاضرات في علوم الحديث (1/139) .
طبقات الصحابة .
الطبقة لغة : بمعنى المرتبة ، و تأتي أيضاً بمعنى المساواة . راجع : مختار الصحاح (ص 388) و ترتيب القاموس (3/53) .
الطبقة اصطلاحاً : تطلق على الجماعة الذين تشاركوا في السن ، أو تقاربوا في الأخذ عن مشايخهم ، أو في وصف عام يشملهم ، وإنما سموا طبقة ، لأن لهم من رتبة السبق أو التوسط أو التأخر ما يحدد وصفهم ، و يعيّن مراتبهم . محاضرات في علوم الحديث (1/152) .
عدد طبقات الصحابة رضي الله عنهم ..
اختلف العلماء في عدد طبقات الصحابة ما بين مقل و مكثر ، واختلافهم في ذلك مبني على اختلاف أنظارهم فيما يتحقق به معنى الطبقة عندهم ؛ فمنهم من ذهب إلى أن الصحابة طبقة واحدة .
و ممن جرى على هذا القول ابن حبان و من رأى رأيه ، و وجهتهم فيما ذهبوا إليه :-(176/10)
أن للصحابة من الشرف العظيم والفضل الكبير ما يفوق كل ملحظ ، و يعلو فوق كل اعتبار ن فهم نظروا إلى مطلق الصحبة ، قاطعين النظر عن عيرها من سائر الاعتبارات الأخرى . محاضرات في علوم الحديث (1/152) ، ومن ثم جعلوا الصحابة كلهم طبقة واحدة ، إذ جميعهم فيها متساوون لا فضل في ذلك لأحدهم على الآخر .
ومنهم من جعل الصحابة خمس طبقات
الأولى : البدريون ، ومنهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب و بلال بن رباح رضي الله عنهم أجمعين ، و غيرهم ممن حضر غزوة بدر .
الثانية : من أسلم قديماً ممن هاجر عامتهم إلى الحبشة ، و شهدوا أحداً فما بعدها ، منهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ، والزبير بن العوام و غيرهم رضي الله عنهم .
الثالثة : من شهد الخندق فما بعدها ، منهم سلمان الفارسي و سعد بن معاذ و غيرهم .
الرابعة : مسلمة الفتح فما بعدها ، منهم أبو سفيان بن حرب و حكيم بن حزام و غيرهم .
الخامسة : الصبيان والأطفال الذي رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ممن لم يغزُ ، سواء حفظ عنه أو لم يحفظ .
و ممن جرى على هذا القول ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى ، و وجهته فيما ذهب إليه أن الصحابة رضي الله عنهم وإن تساووا في شرف الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنهم متفاوتون بالنظر إلى اعتبارات أخرى ، كالسبق إلى الإسلام والغزو ، وما إلى ذلك ، فيكون قد نظر إلى أمر زائد على أصل الصحبة . راجع : محاضرات في علوم الحديث (1/153) .
ومنهم من جعلها اثنتي عشرة طبقة ، وهو الإمام أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، فقد ذكر في كتابه معرفة علوم الحديث (ص 22-24 ) ، أن الصحابة على مراتب :
الطبقة الأولى : قوم أسلموا بمكة ، مثل أبي بكر و عمر و عثمان و علي و غيرهم رضي الله عنهم .(176/11)
الطبقة الثانية : أصحاب دار الندوة و هي دار قصي بن كلاب و ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم أسلم وأظهر إسلامه ، حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دار الندوة فبايعه جماعة من أهل مكة . منهم : سعيد بن زيد و سعد بن أبي وقاص .
الطبقة الثالثة : المهاجرة إلى الحبشة . منهم : حاطب بن عمر بن عبد شمس و سهيل بن بيضاء و جعفر بن أبي طالب .
الطبقة الرابعة : الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة . منهم : رافع بن مالك و عبادة بن الصامت ، وأسعد بن زرارة .
الطبقة الخامسة : أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار و هذه العبارة فيها نظر ؛ لأنه من المعلوم والثابت أنه لم يشترك مع أصحاب العقبة الأولى والثانية أحد من غير الأنصار ، اللهم إلا العباس فقد حضر ليستوثق للنبي صلى الله عليه وسلم - .
الطبقة السادسة : أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو بقباء ، قبل أن يدخلوا المدينة و يبني المسجد . منهم : أبو سلمة بن عبد الأسد و عامر بن ربيعة .
الطبقة السابعة : أهل بدر الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم : لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . البخاري (2/170-171) ، ومنهم : حاطب بن أبي بلتعة ، و المقداد بن الأسود و الحباب بن المنذر .
الطبقة الثامنة : المهاجرة الذين هاجروا بين بدر والحديبية . منهم المغيرة بن شعبة .
الطبقة التاسعة : أهل بيعة الرضوان ، الذين أنزل الله تعالى فيهم {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة }الفتح/18
، و منهم : سلمة بن الأكوع وابن عمر و سنان بن أبي سنان .
الطبقة العاشرة : المهاجرة بين الحديبية والفتح ، منهم : خالد بن الوليد و عمرو بن العاص .
الطبقة الحادية عشرة : هم الذين أسلموا يوم الفتح ، منهم : أبو سفيان بن حرب و عتاب بن أسيد و حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء .(176/12)
الطبقة الثانية عشرة : صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ، و في حجة الوداع و غيرهما ، و عدادهم من الصحابة . منهم : السائب بن يزيد و عبد الله بن ثعلبة ، و أبو الطفيل بن عامر بن واثلة ، وأبو جحيفة وهب بن عبد الله .
و وجهة الحاكم فيما ذهب إليه : أنه نظر إلى أمر زائد على أصل الصحبة ، و قد لاحظ اعتبارات أخرى زيادة على ما لاحظه ابن سعد في طبقاته .
ومنهم من ذهب في عد طبقات الصحابة إلى أكثر من ذلك ، كالإمام أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي ، فقد جعلها سبعة عشر طبقة ، حيث ذكر في كتابه أصول الدين (ص 298-303) ، أن الصحابة رضي الله عنهم على مراتب :-
الطبقة الأولى : السابقون منهم إلى الإسلام ، من الرجال أبو بكر و من أهل البيت علي و من النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة ، و من الحبشة بلال ، و من الفرس سلمان .
الطبقة الثانية : هم الذين أسلموا عند إسلام عمر . و قد تقدم أمثلة عليهم .
الطبقة الثالثة : أصحاب الهجرة الأولى إلى الحبشة ، و قد تقدم أمثلة عليهم .
الطبقة الرابعة : و هم أصحاب العقبة الأولى ، و كانوا اثني عشر رجلاً من الأنصار ، و قد تقدم أمثلة عليهم .
الطبقة الخامسة : أصحاب العقبة الثانية ، منهم : كعب بن مالك الشاعر و عبد الله بن عمرو بن حرام ، و البراء بن معرور وغيرهم .
الطبقة السادسة : المهاجرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، و من أدركه منهم بقباء قبل دخوله المدينة ، و قد تقدم أمثلة عليهم .
الطبقة السابعة : المهاجرون بين دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة و بين بدر .
الطبقة الثامنة : البدريون ، وهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً .
الطبقة التاسعة : أصحاب أحد ، غير رجل منهم اسمه قزمان فأنه كان منافقاً .
الطبقة العاشرة : أصحاب الخندق و عبد الله بن عمر معدود فيهم .
الطبقة الحادية عشرة : هم المهاجرون بين الخندق والحديبية .(176/13)
الطبقة الثانية عشرة : أصحاب بيعة الرضوان بالحديبية عند الشجرة .
الطبقة الثالثة عشرة : المهاجرون بين الحديبية و بين فتح مكة .
الطبقة الرابعة عشرة : الذين أسلموا يوم فتح مكة و في ليلته .
الطبقة الخامسة عشرة : الذين دخلوا في دين الله أفواجاً بعد ذلك .
الطبقة السادسة عشرة : صبيان أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و قد تقدم أمثلة عليهم .
الطبقة السابعة عشرة : صبيان حملوا إليه عام حجة الوداع و قبيل ذلك .
و وجهة نظر الإمام أبي منصور البغدادي فيما ذهب إليه ؛ أنه نظر إلى أمر زائد على أصل الصحبة ، ولاحظ اعتبارات أخرى لم يلاحظها غيره .
والمشهور عند العلماء في عد طبقات الصحابة ، هو ما ذهب إليه الحاكم من أنها اثنتا عشرة طبقة . انظر : الباعث الحثيث تعليق أحمد شاكر (ص 184) . و هذا التقسيم هو الذي جرى عليه أكثر الذين كتبوا في طبقات الصحابة رضي الله عنهم ، مقتفين في ذلك أثر الحاكم فيما ذهب إليه ، و تقسيم الصحابة إلى طبقات كثيرة على ضوء ما ذكره الحاكم والبغدادي هو الراجح في هذه المسألة .
و لنا لقاء آخر و معنى عدالة الصحابة ، وما يتعلق بها من أمور .
معنى العدالة
العدالة لغة : جاء في الصحاح للجوهري (ص 415-416) : العدل خلاف الجور ، يقال : عدل عليه في القضية فهو عادل ، و بسط الوالي عدله ومعدِلته ومعدَلته ، و فلان من أهل المَعدلة ، أي : من أهل العدل ، و رجل عدل ، أي : رضا و مقنع في الشهادة ، و هو في الأصل مصدر ، و قوم عدل و عدول أيضاً : و هو جمع عدل و قد عُدل الرجل بالضم عدالة .. إلى أن قال : وتعديل الشيء : تقويمه ، يقال : عدلته فاعتدل ، أي : قومته فاستقام .
و جاء في المصباح المنير (2/397) : وعدلت الشاهد نسبته إلى العدالة و وصفته بها .
و جاء في القاموس (4/13) : العدل ضد الجور ، وما قام في النفوس أنه مستقيم كالعدالة والعَدولة والمعدِلة والمعدَلة .(176/14)
فمن هذه التعاريف اللغوية تبين أن معنى العدالة في اللغة الاستقامة ، وأن العدل هو الذي لم يظهر منه ريبة ، و هو الذي يرضى الناس عنه و يقبلون شهادته و يقتنعون بها .
العدالة اصطلاحاً : تنوعت عبارات العلماء في تعريف العدالة في الاصطلاح :-
عرف الخطيب البغدادي في الكفاية (ص 103) العدالة بقوله : العدل هو من عرف بأداء فرائضه و لزوم ما أمر به و توقي ما نهي عنه ، و تجنب الفواحش المسقطة وتحري الحق و الواجب في أفعاله ومعاملته والتوقي في لفظه مما يثلم الدين والمروءة فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه ومعروف بالصدق في حديثه و ليس يكفيه في ذلك اجتناب كبائر الذنوب التي يسمى فاعلها فاسقاً حتى يكون مع ذلك متوقياً لما يقول كثير من الناس أنه لا يعلم أنه كبير .
و يعرف ابن الحاجب العدالة بقوله كما في مختصر المنتهى (2/63) : محافظة دينية تحمل على ملازمة التقوى والمروءة ، وليس معها بدعة ، و تتحقق باجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر ، و بعض الصغائر و بعض المباح .
تعريف ابن الهمام : ذهب ابن همام الذين في تعريف العدالة كما في كتابه التحرير (3/44) إلى أنها : ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة ، والشرط : أدناه ترك الكبائر ، والإصرار على صغيرة ، و ما يخل بالمروءة .
و يعرف بعض أهل العراق العدالة بأنها : عبارة عن إظهار الإسلام فقط مع سلامة المسلم عن فسق ظاهر ، فمتى كانت هذه حاله وجب أن يكون عدلاً ، فكل مسلم مجهول عنده عدل . راجع الكفاية للخطيب البغدادي (ص 141) .
و يعرف القرافي العدالة على أنها كما في كتابه شرح تنقيح الفصول (ص 361) إلى أنها : اجتناب الكبائر و بعض الصغائر و الإصرار عليها ، و المباحات القادحة في المروءة .(176/15)
و عرفها الغزالي كما في المستصفى (1/157) : والعدالة عبارة عن استقامة السيرة والدين و يرجع حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً ، حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه فلا ثقة بقول من لا يخاف الله تعالى خوفاً وازعاً عن كذب ن ثم لا خلاف في أنه لا يشترط العصمة من جميع المعاصي ولا يكفي أيضاً : اجتناب الكبائر بل من الصغائر ما يرد به كسرقة بصلة و تطفيف في حبة قصداً ، وبالجملة كل ما يدل على ركاكة دينه إلى حد يستجرئ على الكذب بالأغراض الدنيوية كيف و قد شرط في العدالة التوقي عن بعض المباحات القادحة في المروءة نحو الأكل في الطريق والبول في الشارع و صحبة الأراذل وإفراط المزاح و ضبط ذلك فيما جاوز محل الإجماع أن يرد إلى اجتهاد الحاكم فما دل عنده على جرأته على الكذب رد الشهادة به وما لا فلا .
و عرفها الحافظ ابن حجر في نزهة النظر (ص 29) : المراد بالعدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة ، والمراد بالتقوى : اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة .
وعرفها أيضاً في الفتح (5/251-252) بقوله : والعدل والرضا عند الجمهور من يكون مسلماً مكلفاً حراً غير مرتكب كبيرة ولا مصر على صغيرة .
هذه تعريفات أهل العلم للعدالة في الاصطلاح ، و هي وإن تنوعت عباراتها إلا أنها ترجع إلى معنى واحد و هو أن العدالة ملكة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة ولا يتحقق للإنسان إلا بفعل المأمور وترك المنهي ، وأن يبعد عما يخل بالمروءة ، وأيضاً : لا تتحقق إلا بالإسلام والبلوغ والعقل والسلامة من الفسق .
والمراد بالفسق : ارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب والإصرار على صغيرة من الصغائر لأن الإصرار على فعل الصغائر يصيرها من الكبائر .
والمروءة التي يعبر عنها أهل العلم : هي الآداب النفسية التي تحمل صاحبها على الوقوف عند مكارم الأخلاق و محاسن العادات وما يخل بالمروءة يعود إلى سببين :-(176/16)
الأول : ارتكاب الصغائر من الذنوب التي تدل على الخسة كسرقة شيء حقير كبصلة أو تطفيف في حبة قصداً .
الثاني : فعل بعض الأشياء المباحة التي ينتج عنها ذهاب كرامة الإنسان أو هيبته و تورث الاحتقار ، و ذلك مثل كثرة المزاح المذموم .
و لم تتحقق العدالة في أحد تحققها في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجميعهم رضي الله عنهم عدول تحققت فيهم صفة العدالة ومن صدر منهما يدل على خلاف ذلك كالوقوع في معصية فسرعان ما يحصل منه التوجه إلى الله تعالى بالتوبة النصوح الماحية التي تحقق رجوعه وتغسل حوبته فرضي الله عنهم أجمعين .
تعديل الله تعالى و رسوله صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم أجمعين ..
لقد تضافرت الأدلة من كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعديل الصحابة الكرام ، مما لا يبقى معها لمرتاب شك في تحقيق عدالتهم ، فكل حديث له سند متصل بين من رواه و بين المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يلزم العمل به إلا بعد أن تثبت عدالة رجاله ، و يجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم و إخباره عن طهارتهم واختياره لهم بنص القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، و من ذلك :-
1 - قوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً }البقرة/143 .
ووجه الاستدلال بهذه الآية : أن معنى كلمة ( وسطاً ) عدولاً خياراً ، ولأنهم المخاطبون بهذه الآية مباشرة . تفسير الطبري (2/7) و والجامع لأحكام القرآن (2/153) و تفسير ابن كثير (1/335) .
و قد ذكر بعض أهل العلم أن اللفظ وإن كان عاماً إلا أن المراد به الخصوص ، و قيل : إنه وارد في الصحابة دون غيرهم . الكفاية للخطيب (ص 64) . فالآية ناطقة بعدالة الصحابة رضي الله عنهم قبل غيرهم ممن جاء بعدهم من هذه الأمة .(176/17)
2 - قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله }آل عمران/110 .
وجه الاستدلال : أنها أثبتت الخيرية المطلقة لهذه الأمة على سائر الأمم قبلها و أول من يدخل في هذه الخيرية المخاطبون بهذه الآية مباشرة عند النزول هم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، و ذلك يقتضي استقامتهم في كل حال و جريان أحوالهم على الموافقة دون المخاطبة ، و من البعيد أ يصفهم الله عز وجل بأنهم خير أمة ولا يكونوا أهل عدل واستقامة ، و هل الخيرية إلا ذلك ، كما أنهلا يجوز أن يخبر الله تعالى بأنه جعلهم أمة وسطاً أي عدولاً وهم غير ذلك . راجع الموافقات للشاطبي (4/40-41) .
3 - قوله تعالى {والذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله والذين آووا و نصروا أولئك هم المؤمنون حقاً ، لهم مغفرة و رزق كريم }الأنفال/74 .
ففي هذه الآية وصف الله تعالى عموم المهاجرين والأنصار بالإيمان الحق و من شهد الله له بهذه الشهادة فقد بلغ أعلى مرتبة العدالة .
4 - قوله تعالى { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } التوبة/100 .
وجه الدلالة : أن الله تعالى أخبر فيها برضاه عنهم ولا يثبت الله رضاه إلا لمن كان أهلاً للرضا ، ولا توجد الأهلية لذلك إلا لمن كان من أهل الاستقامة في أموره كلها عدلاً في دينه .
5 - قوله تعالى { لقد رضي الله عنه المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً }الفتح/18 .(176/18)
و هذه الآية فيها دلالة واضحة على تعديل الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، و وجه دلالة الآية على تعديلهم أن الله تعالى أخبر برضاه عنهم و شهد لهم بالإيمان و زكاهم بما استقر في قلوبهم من الصدق والوفاء والسمع والطاعة ولا تصدر تلك التزكية العظيمة من الله تعالى إلا لمن بلغ الذروة في تحقيق الاستقامة على وقف ما أمر الله به .
6 - قوله تعالى { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله و رضواناً ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل .. الآية }الفتح/29 .
فهذا الوصف الذي وصفهم الله به في كتبه و هذا الثناء الذي أثنى به عليهم لا يتطرق إلى النفس معه شك في عدالتهم . راجع تفسير القرطبي (16/299) . إلى غيرها من الآيات الكريمة .
وأما دلالة السنة على تعديلهم رضي الله عنهم
فقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث يطول تعدادها وأطنب في تعظيمهم وأحسن الثناء عليهم بتعديلهم ، ومن تلك الأحاديث :-
1 - مارواه الشيخان في صحيحيهما البخاري (1/31) و مسلم (3/1306) من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( .. ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ) الحديث .
وجه الدلالة : أن هذا القول صدر من النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم جمع من الصحابة في حجة الوداع ، و هذا من أعظم الأدلة على ثبوت عدالتهم حيث طلب منهم أن يبلغوا ما سمعوه منه من لم يحضر ذلك الجمع دون أن يستثني منهم أحد .
2 - روى الشيخان في صحيحيهما البخاري (2/287-288) و مسلم (4/1964) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) الحديث .
وجه الدلالة : أن الصحابة عدول على الإطلاق حيث شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية المطلقة .(176/19)
3 - روى البخاري (2/292) بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) .
وجه الدلالة : أن الوصف لهم بغير العادلة سب لا سيما و قد نهى صلى الله عليه وسلم بعض من أدركه وصحبه عن العرض لمن تقدمه لشهود المواقف الفاضلة فيكون من بعدهم بالنسبة لجميعهم من باب أولى .
إلى غيرها من الأحاديث الكثيرة ، فالصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم و ثنائه عليهم و ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليسوا بحاجة إلى تعديل أحد من الخلق .
الإجماع على عدالتهم رضي الله عنهم ..
أجمع أهل السنة والجماعة على أن الصحابة جميعهم عدول بلا استثناء من لابس الفتن و غيرها ولا يفرقون بينهم الكل عدول إحساناً للظن بهم و نظراً لما أكرمهم الله به من شرف الصحبة لنبيه عليه الصلاة والسلام ولما لهم من المآثر الجليلة من مناصرتهم للرسول صلى الله عليه وسلم والهجرة إليه والجهاد بين يديه والمحافظة على أمر الدين والقيام بحدوده فشهاداتهم و رواياتهم مقبولة دون تكلف عن أسباب عدالتهم بإجماع من يعتد بقوله .
و قد نقل الإجماع على عدالتهم جمع غفير من أهل العلم ، و من تلك النقول
1 - قال الخطيب البغدادي في الكفاية (ص 67) بعد أن ذكر الأدلة من كتاب الله و سنة رسول الله التي دلت على عدالة الصحابة وأنهم كلهم عدول ، قال : هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء .
قال ابن عبد البر في الاستيعاب حاشية على الإصابة (1/8) : و نحن وإن كان الصحابة رضي الله عنهم قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين و هم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول فواجب الوقوف على أسمائهم .
قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/17) : اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول و لم يخالف ذلك إلا شذوذ من المبتدعة .(176/20)
و غيرهم الكثير : انظر : فتح المغيث شرح ألفية الحديث (3/112) و تدريب الراوي للسيوطي (2/214) والمستصفى للغزالي (1/164) و مقدمة ابن الصلاح (ص 146-147) ، و النووي في شرح مسلم (15/147) و التقريب (2/214) و ابن كثير في الباعث الحثيث (ص 181-182) و شرح الألفية للعراقي (3/13-14) والسخاوي في فتح المغيث (3/108) . إلى غيرها من الكتب .
فهذه النقول المباركة للإجماع من هؤلاء الأئمة كلها فيها بينان واضح و دليل قاطع على أن ثبوت عدالة الصحابة عموماً أمر مفروغ منه و مسلم ، فلا يبقى لأحد شك ولا ارتياب بعد تعديل الله و رسوله وإجماع الأمة على ذلك .
مذاهب الفرق الأخرى والأقوال الشاذة في معنى عدالة الصحابة
هناك مذاهب ذهب أصحابها إلى القول بخلاف هذا الإجماع وأصحابها ممن لا يعتد بقولهم ولا عبرة بخلافهم ، و هي لا تستحق أن تذكر ، وإنما تذكر لبيان بطلانها و مجانبتها للحق والصواب .
1 - مذهب الشيعة الرافضة :-
الشيعة الرافضة يعتقدون أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم ليسوا بعدول بل يعتقدون ضلال كل من لم يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الخليفة من بعده بلا فصل هو علي رضي الله عنه ، و يعتقدون أن جميع الناس هلكوا وارتدوا بعد أن اقبض النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفراً يسيراً منهم يعدون بالأصابع ، و سبب تكفيرهم لهم أنهم يزعمون أنهم بايعوا بالخلافة غير علي رضي الله عنه ولم يعملوا بالنص عليه ، ومعتقدهم هذا طافحة به كتبهم . راجع كتبهم : الاختصاص للمفيد (ص 6) و كتاب الروضة من الكافي للكليني حديث رقم (356) . وغيرها من الكتب .
2 - مذهب المعتزلة :-
أما المعتزلة فقد اضطربت آراؤهم في عدالة الصحابة إلى ثلاث أقوال وإليك مختصرها :-(176/21)
القول الأول : أن الصحابة جميعهم عدول إلا من قاتل علياً ، حيث أ، الجمهور منهم صوبوا علياً في حروبه و خطئوا من قاتله فنسبوا طلحة والزبير و عائشة ومعاوية إلى الخطأ . راجع مقالات الإسلاميين (2/145) والفرق بين الفرق (ص 120-121) .
القول الثاني : قول واصل بن عطاء ، فقد ذهب إلى أن أحد الفريقين من الصحابة في موقعتي الجمل و صفين كان مخطئاً لا بعينه كالمتلاعنين ، فإن أحدهما فاسق لا محالة ، و أقل درجات الفريقين أنه غير مقبول الشهادة كما لا تقيل شهادة المتلاعنين . فقد قال : لو شهدت عندي عائشة و علي و طلحة على باقة بقل ، لم أحكم بشهادتهم . الملل والنحل للشهرستاني (1/49) ، و ميزانالاعتدال للذهبي (4/329) و الفرق بين الفرق (ص 120 ) .
القول الثالث : قول عمرو بن عبيد ، فإنه يعتقد أن الطرفين المتحاربين في موقعتي الجمل و صفين قد فسقوا جميعاً ، و قال : لا أقبل شهادة الجماعة منهم سواء كانوا من أحد الفريقين أو كان بعضهم من حزب علي و بعضهم من حزب الجمل . الفرق بين الفرق (ص 121) والملل والنحل (1/49) .
3 المذهب الثالث :-
أن حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية . و هو قول ابي الحسين القطان من علماء الشافعية ، كما حكى ذلك السخاوي في فتح المغيث (3/112) . الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/274) و شرح مختصر المنتهى (2/67) .
4 المذهب الرابع :-
أن العدالة لا تثبت إلا لمن لازم النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه دون من رآه ، أو زاره أو وفد عليه لمدة قليلة . و هو قول المازري من علماء المالكية ، كما حكى ذلك عنه ابن حجر في الإصابة (1/19) .
فهذه هي المذاهب التي خالف فيها أصحابها إجماع أهل السنة والجماعة في مسألة عدالة الصحابة ، فهي كما رأينا مبنية على شبه واهية لا تزيدها إلى ضعفاً .
تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم ..(176/22)
إن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بنص الكتاب العزيز ، و هو ما تعتقده و تدين به الفرقة الناجية من هذه الأمة .
دلالة القرآن على تحريم سبهم رضي الله عنهم :-
لقد جاءت الإشارات إلى تحريم سبهم في غير ما آية من كتاب الله تعالى ، من ذلك :-
1 - قوله تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه } .
وجه الدلالة : أن الله تعالى رضي الله عنهم رضى مطلقاً ، فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان و لم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان ، والرضى من الله صفة قديمة فلا يرضى عن عبد علم أنه يوافيه على موجبات الرضى ، و من رضي الله عنه لم يسخط عليه أبداً .
2 - قوله تعالى { إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً } الأحزاب/57 .
وجه الدلالة : إن إيذاء الرسول يشمل كل أذية قولية أو فعلية من سب و شتم أو تنقص له أو لدينه ، أو ما يعود إليه بالأذى ، و مما يؤذيه صلى الله عليه وسلم سب أصحابه و قد أخبر صلى الله عليه وسلم أن إيذاءهم إيذاء له ، و من آذاه فقد آذى الله . المسند (4/87) و تيسير الكريم الرحمن (6/121) .
3 - قوله تعالى { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً } الأحزاب/58 .
وجه الدلالة : أن النهي عن سب المؤمنين والمؤمنات بما ينسب إليهم مما هم منه براء لم يعملوه ، فإن الصحابة رضي الله عنهم في صدارة المؤمنين ، فإنهم المواجهون بالخطاب في كل آية مفتتحة بقوله { يا أيها الذين آمنوا } . إلى غيرها من الآيات الكثيرة .
دلالة السنة عل تحريم سب الصحابة(176/23)
لقد دلت السنة النبوية المطهرة على تحريم سب الصحابة والتعرض لهم بما فيه نقص و حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع في ذلك ، لأن الله تعالى اختارهم لصحبة نبيه و نشر دينه وإعلاء كلمته ، فبلغوا الذروة في محبته صلى الله عليه وسلم فكانوا له وزراء وأنصاراً يذبون عنه و سعوا جاهدين منافحين لتمكين الذين في أرض الله حتى بلغ الأقطار المختلفة و وصل إلى الأجيال المتابعة كاملاً غير منقوص ، فمن الأحاديث التي دلت على تحريم سبهم :-
1 - مارواه الشيخان في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لاتسوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولانصيفه .
فهذا الحديث اشتمل على النهي والتحذير من سب الصحابة رضي الله عنهم ، و فيه التصريح بتحريم سبهم ، و قد عد بعض أهل العلم سبهم من المعاصي والكبائر . شرح مسلم (16/93) .
2 روى الحافظ الطبراني بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لاتسبوا أصحابي لعن الله من سب أصحابي . أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/21) و رجاله رجال الصحيح .
3 - وروى أيضاً بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : م سب أصحابي فعليه لعنة الله و الملائكة والناس أجمعين . أورده السيوطي في الجامع الصغير ، و حسن إسناده الألباني في صحيح الجامع .
4 - روى الطبراني من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا ذكر أصحابي فأمسكوا . مجمع الزوائد (7/202) .و صحح الألباني سنده في صحيح الجامع .(176/24)
إلى غيرها من الأحاديث الصرحية التي تنهى عن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فعلى المسلم أن يحذر من سبهم أو يعترض لهم بما يشينهم رضي الله عنهم ، و قد جمع الإمام الذهبي الذنوب التي هي من الكبائر في كتابه الكبائر (ص 233-237) وعد سب الصحابة منها .
والحاصل مما تقدم أن السنة دلت على أن سب الصحابة من أكبر الكبائر وأفجر الفجور ، وأن من ابتلي بذلك فهو من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .
من كلام السلف في تحريم سب الصحابة
إن النصوص الواردة عن سلف الأمة وأئمتها من الصحابة و من جاء بعدهم من التابعين لهم بإحسان التي تقضي بتحريم سب الصحابة والدفاع عنهم كثيرة جداً ، و متنوعة في ذم وعقوبة من أطلق لسانه على أولئك البررة الأخيار ، فمن ذلك :-
1 - ذكر ابن الأثير في جامع الأصول (9/408-409) عن رزين من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : قيل لعائشة : إن ناساً يتناولون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أبابكر وعمر ، فقالت : و ما تعجبون من هذا ؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر .
2 - روى ابن بطة في شرح الإبانة (ص 119) بإسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنه قال : لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فلمقام أحدهم ساعة يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم خير من عمل أحدكم أربعين سنة .
3 روى أبو يعلى والطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت لأبي عبد الله الجدلي : يا أبا عبد الله أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ، قلت : أنى يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : أليس يسب علي و من يحبه ، و قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه . مجمع الزوائد (9/130) بسند صحيح .(176/25)
4 - روى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى سعيد بن عبد الرحمن بن أبي أبزى قال : قلت لأبي : ما تقول في رجل يسب أبا بكر ؟ قال : يقتل ، قلت : سب عمر ؟ قال : يقتل . تهذيب التهذيب (6/132-133) .
5 قال مالك بن أنس رحمه الله : الذي يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له سهم أو قال نصيب في الإسلام . شرح الإبانة لابن بطة (ص 162) .
6 - قال عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي : من شتم أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقد ارتد عن دينه وأباح دمه . نفس المصدر . إلى غيرها من الأقوال الكثيرة .
حكم ساب الصحابة وعقوبته
اختلف أهل العلم في الحكم والعقوبة التي يستحقها من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جرحهم ، هل يكفر بذلك و تكون عقوبته القتل ، أو أنه يفسق بذلك و يعاقب بالتعزيز .
1 - ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة رضي الله عنهم أو انتقصهم و طعن في عدالتهم و صرح ببغضهم وأن من كان هذه صفته فقد أباح دم نفسه و حل قتله ، إلا أن يتوب من ذلك ويترحم عليهم .
و ممن ذهب إلى هذا القول من السلف :-
1 - الصحابي عبد الرحمن بن أبزى ، كما في كتاب النهي عن سب الأصحاب (ص 23) .
2 - عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي ، في شرح الإبانة لابن بطة (ص 162) .
3 - أبو بكر بن عياش ، كما في شرح الإبانة ( ص 160) .
4 - سفيان بن عيينة ، كما في كتاب النهي عن سب الأصحاب (ص 24-25) .
5 - محمد بن يوسف الفريابي ، كما في شرح الإبانة (ص 160) .
6 - بشر بن الحارث المروزي ، كما في شرح الإبانة ( ص 162) .
7 - محمد بن بشار العبدي ، كما في شرح الإبانة ( ص 160) .
و غيرهم كثير ، فهؤلاء الأئمة صرحوا بكفر من سب الصحابة و بعضهم صرح مع ذلك أنه يعاقب بالقتل ، وإلى هذا القول ذهب بعض العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية و الحنابلة والظاهرية .(176/26)
2 و ذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم بل يفسق و يضلل و لا يعاقب القتل ن بل يكفي بتأديبه وتعزيره تعزيراً شديداً يردعه و يزجره حتى يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الذي يعتبر من كبائر الذنوب و فواحش المحرمات ، وإن لم يرجع تكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة ، و ممن يرى بذلك من الأئمة :-
1 - عمر بن عبد العزيز ، كما في الصارم المسلول (ص 569) .
2 - عاصم الأحول ، كما ذكره ابن تيمية في الصارم المسلول (ص 569) .
3 - الإمام مالك ، كما في الشفاء (2/267) .
4 - إسحاق بن راهوية ، كما في الصارم المسلول (ص 568)
و جمع غفير من الأئمة ، فهذه النقول توضح أن طائفة من أهل العلم ذهبوا إلى أن ساب الصحابة فاسق و مبتدع ليس كافراً ، يجب على السلطان تأديبه تأديباً شديداً لا يبلغ به القتل .
و الذي يترجح أن ساب الصحابة لا يكفر ، لكن هذا ليس على إطلاقه ، وإنما هو مشروط بعدم مصادمة النصوص الصريحة من الكتاب والسنة الصحيحة ، و عدم إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، وعلى هذا يحمل كلام من أطلق القول بعدم التكفير . والله سبحانه وتعالى أعلم .
موقفنا مما شجر بين الأصحاب من فتن وقتال
أقول و بالله التوفيق : اعلم رحمني الله وإياك ؛ أن البحث فيما شجر بين الصحابة ، لا يقرب العبد إلى الله زلفى ، فهم قد لقوا ربهم و هو أعلم بما شجر بينهم ، فإن كان الأمر لا يقربك إلى الله زلفى و إنما قد يقودك إلى النار و أنت لا تعلم ، فتجنبه أولى ؛ إلا في حالة واحدة و سيأتي بيان هذه الحالة .
و معنى الإمساك عما شجر بين الصحابة ، هو عدم الخوض فيما وقع بينهم من الحروب و الخلافات على سبيل التوسع و تتبع التفصيلات ، و نشر ذلك بين العامة ، أو التعرض لهم بالتنقص لفئة و الانتصار لأخرى .(176/27)
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ( 3/406) : و كذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم ، و نعلم أن بعض المنقول في ذلك كذب و هم كانوا مجتهدين ، إما مصيبين لهم أجران أو مثابين على عملهم الصالح مغفور لهم خطؤهم ، و ما كان لهم من السيئات ، و قد سبق لهم من الله الحسنى ، فإن الله يغفر لهم إما بتوبة أو بحسنات ماحية أو مصائب مكفرة .
و ما شجر بينهم من خلاف فقد كانوا رضي الله عنهم يطلبون فيه الحق و يدافعون فيه عن الحق ، فاختلفت فيه اجتهاداتهم ، و لكنهم عند الله عز وجل من العدول المرضي عنهم ، و من هنا كان منهج أهل السنة والجماعة هو حفظ اللسان عما شجر بينهم ، فلا نقول عنهم إلا خيراً و نتأول و نحاول أن نجد الأعذار للمخطئ منهم و لا نطعن في نيّاتهم فهي عند الله ، و قد أفضوا إلى ما قدموا ، فنترضى عنهم جميعاً و نترحم عليهم و نحرص على أن تكون القلوب سليمة تجاههم .
قال ابن قدامة المقدسي في اللمعة (ص175) : و من السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و محبتهم و ذكر محاسنهم و الترحم عليهم و الاستغفار لهم ، و الكف عن ذكر مساوئهم و ما شجر بينهم ، و اعتقاد فضلهم و معرفة سابقتهم ، قال الله تعالى{ و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا}[الحشر/10] و قال تعالى{محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}[الفتح/29] و قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه . البخاري مع الفتح (7/25) و مسلم برقم (6435) .(176/28)
و يقول الإمام الذهبي رحمه الله في السير(10/92-93) : كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بينهم ، و قتالهم رضي الله عنهم أجمعين و ما زال يمر بنا ذلك في الدواوين و الكتب و الأجزاء ، و لكن أكثر ذلك منقطع و ضعيف و بعضه كذب .. فينبغي طيه و إخفاؤه بل إعدامه لتصفوا القلوب ، و تتوفر على حب الصحابة و الترضي عنهم ، و كتمان ذلك متعين عن العامة و آحاد العلماء .. إلى أن قال : فأما ما نقله أهل البدع في كتبهم من ذلك فلا نعرج عليه ، ولا كرامة فأكثره باطل و كذب و افتراء .
و فضيلة الصحبة و لو للحظة ، لا يوازيها عملٌ ولا تنال درجتها بشيء ، و الفضائل لا تؤخذ بالقياس .
و قد أخرج ابن عساكر في تاريخه (59/141) في ترجمة معاوية رضي الله عنه من طريق ابن منده ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي قال : جاء رجل إلى عمي فقال له : إني أبغض معاوية ، فقال له : لم ؟ قال : لأنه قاتل علياً بغير حق ، فقال له أبو زرعة : رب معاوية ربٌ رحيم و خصم معاوية خصمٌ كريم فما دخولك بينهما ؟.
و قال الآجري رحمه الله في كتاب الشريعة (5/2485-2491) ، باب ذكر الكف عما شجر بين أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و رحمة الله عليهم أجمعين : ينبغي لمن تدبر ما رسمنا من فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و فضائل أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين ، أن يحبهم و يترحم عليهم و يستغفر لهم ، ويتوسل إلى الله الكريم لهم – أي بالدعاء و الترحم والاستغفار و الترضي – ويشكر الله العظيم إذ وفقه لهذا ، ولا يذكر ما شجر بينهم ، ولا ينقّر عنه ولا يبحث . فإن عارضنا جاهل مفتون قد خطي به عن طريق الرشاد فقال : لم قاتل فلان لفلان ، ولم قتل فلان لفلان وفلان ؟!.
قيل له : ما بنا و بك إلى ذكر هذا حاجة تنفعنا ولا تضرنا إلى علمها .
فإن قال قائل : و لم ؟(176/29)
قيل : لأنها فتن شاهدها الصحابة رضي الله عنهم ، فكانوا فيها على حسب ما أراهم العلم بها ، و كانوا أعلم بتأويلها من غيرهم ، و كانوا أهدى سبيلاً ممن جاء بعدهم ، لأنهم أهل الجنة ، عليهم نزل القرآن ، و شاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، و جاهدوا معه ، و شهد لهم الله عز وجل بالرضوان والمغفرة و الأجر العظيم ، و شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون ، فكانوا بالله عز وجل أعرف و برسوله صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وبالسنة ، و منهم يؤخذ العلم ، و في قولهم نعيش و بأحكامهم نحكم ، و بأدبهم نتأدب و لهم نتبع و بهذا أمرنا .
فإن قال قائل : و أيش الذي يضرنا من معرفتنا لما جرى بينهم و البحث عنه ؟
قيل له : لاشك فيه ؛ و ذلك أن عقول القوم كانت أكبر من عقولنا ، و عقولنا أنقص بكثير ، ولا نأمن أن نبحث عما شجر بينهم فنزل عن طريق الحق و نتخلف عما أمرنا فيهم .
فإن قال قائل : و بم أمرنا فيهم ؟
قيل : أمرنا بالاستغفار لهم والترحم عليهم والمحبة لهم و الاتباع لهم ، دل على ذلك الكتاب والسنة و قول أئمة المسلمين ، وما بنا حاجة إلى ذكر ما جرى بينهم ، قد صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، و صاهرهم ، و صاهروه ، فبالصحبة له يغفر الله الكريم لهم ، و قد ضمن الله عز وجل لهم في كتابه ألا يخزي منهم واحداً ، و قد ذكر لنا الله تعالى في كتابه أن وصفهم في التوراة و الإنجيل ؛ فوصفهم بأجمل الوصف ، و نعتهم بأحسن النعت ، وأخبرنا مولانا الكريم أنه قد تاب عليهم ، و إذا تاب عليهم لم يعذب واحداً منهم أبداً رضي الله عنهم و رضوا عنه{ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة/22] .
فإن قال قائل : إنما مرادي من ذلك لأن أكون عالماً بما جرى بينهم ، فأكون لم يذهب عليّ ما كانوا فيه لأني أحب ذلك ولا أجهله .(176/30)
قيل له : أنت طالب فتنة ، لأنك تبحث عما يضرك ولا ينفعك ، و لو اشتغلت بإصلاح ما لله عز وجل عليك فيما تعبدك به من أداء فرائضه و اجتناب محارمه كان أولى بك . و قيل له : ولا سيّما في زماننا هذا مع قبح ما قد ظهر فيه من الأهواء الضالة – فما يقول رحمه الله لو رأى ما يحدث و يقال في زمننا هذا - .
و قيل له : اشتغالك بمطعمك ، و ملبسك من أين ؟ هو أولى بك ، و تمسكك بدرهمك من أين هو ؟ و فيم تنفقه ؟ أولى بك .
و قيل : لا نأمن أن تكون بتنقيرك و بحثك عما شجر بين القوم إلى أن يميل قلبك فتهوى ما يصلح لك أن تهواه ، و يلعب بك الشيطان فتسب و تبغض من أمرك الله بمحبته و الاستغفار له و باتباعه ، فتزل عن طريق الحق ، و تسك طريق الباطل .
فإن قال : فاذكر لنا من الكتاب و السنة و عمن سلف من علماء المسلمين ما يدل على ما قلت ، لنرد نفوسنا عما تهواه من البحث عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم .(176/31)
قيل له : قد تقدم ذكرنا لما ذكرته مما فيه بلاغ و حجة لمن عقل ، و نعيد بعض ما ذكرناه ليتيقظ به المؤمن المسترشد إلى طريق الحق . قال الله عز وجل{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ..}[الفتح:29] . ثم وعدهم بعد ذلك المغفرة والأجر العظيم { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} . و قال الله عز وجل{ {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة/117] . و قال عز وجل { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة/100] . و قال عز وجل{ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التحريم/8 ] . و قال عز وجل { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ(176/32)
عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران/110] . و قال عز وجل { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح/18]. ثم إن الله عز وجل أثنى على من جاء من بعد الصحابة فاستغفر للصحابة و سأل مولاه الكريم ألا يجعل في قلبه غلاً لهم ، فأثنى الله عز وجل عليه بأحسن ما يكون من الثناء فقال عز وجل{و الذين جاءوا من بعدهم .. إلى قوله .. رءوف رحيم}[الحشر/10] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . أخرجه البخاري مع الفتح (7/5) و مسلم برقم (6419) و أحمد في المسند (1/438) . وقال ابن مسعود : إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه و بعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد - يعني من غير الأنبياء و المرسلين كما هو معلوم - فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم يقاتلون على دينه . رواه أحمد في المسند (1/379) و البغوي في شرح السنة (1/214-215) و هو حدث حسن .
ثم قال الآجري رحمه الله : يقال : لمن سمع هذا من الله عز وجل و من رسوله صلى الله عليه وسلم : إن كنت عبداً موفقاً للخير اتعظت بما وعظك الله عز وجل به ، و إن كنت متبعاً لهواك خشيت عليك أن تكون ممن قال الله عز وجل فيهم{و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}[القصص/50] ، و كنت ممن قال الله عز وجل{ وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ }[الأنفال/23] .(176/33)
و يقال له : من جاء إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يطعن في بعضهم و يهوى بعضهم ، و يذم بعضاً و يمدح بعضاً ؛ فهذا رجل طالب فتنة ، و في الفتنة وقع ، لأنه واجب عليه محبة الجميع ، و الاستغفار للجميع رضي الله عنهم ، و نفعنا بحبهم ، و نحن نزيدك في البيان ليسلم قلبك للجميع ، و يدع البحث و التنقير عما شجر بينهم .
ثم ساق رحمه الله مجموعة من الآثار في بيان الواجب عمله تجاه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، منها : ما رواه عن شهاب بن خراش عن العوام بن حوشب قال : اذكروا محاسن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تأتلف عليه قلوبكم ، ولا تذكروا غيره فتحرشوا الناس عليهم . أخرجه الخلال في السنة (ص 513) و إسناده حسن . و أيضاً ما رواه أبي ميسرة قال : رأيت في المنام قباباً في رياض مضروبة ، فقلت : لمن هذه ؟ قالوا : لذي الكلاع و أصحابه – و كان مع من قتل مع معاوية رضي الله عنه - ، و رأيت قباباً في رياض فقلت : لمن هذه ؟ قالوا : لعمار و أصحابه ، فقلت : و كيف و قد قتل بعضهم بعضاً ؟ قال : إنهم وجدوا الله عز وجل واسع المغفرة . إسناده صحيح إلى أبي ميسرة ، و لم يخرجه غير الإمام الآجري . كما قال ذلك المحقق ، أنظر كتاب الشريعة (5/2493) . و أيضاً ما ذكر عن الحسن رحمه الله ، أنه كان في مجلس فذكر كلاماً و ذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً و أعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، قوماً اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإقامة دينه ، فتشبهوا بأخلاقهم و طرائقهم ، فإنهم و رب الكعبة على الهدى المستقيم . أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/305-306) عن الحسن عن ابن عمر ، و البغوي في شرح السنة (1/214) عن ابن مسعود .(176/34)
و الذي يظهر من كلام هؤلاء الأئمة التأكيد على هذا الضابط المهم و هو : عدم الخوض فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم ، على سبيل التسلية و تأليف الأشرطة والمحاضرات و عرضها بين الناس بمختلف مستوياتهم ، و هو الخطأ الذي وقع فيه الدكتور : طارق سويدان حفظه الله .
غير أن بعضهم أجاز الخوض في ذلك في حالة واحدة فقط ؛ و هي إن ظهر مبتدع مبطل يقدح فيهم بالباطل ، فيجب الدفاع عنهم بحق و عدل مع التنبيه إلى أنه لا يدافع عن بعضهم فيقع في سب آخرين منهم ، إنما يكون الدفاع عنهم رضي الله عنهم جميعاً ، و إلا فيجب الصمت و ترك الخوض فيما شجر بينهم . ضوابط إنقاذ التاريخ الإسلامي ، مقال من جريدة المسلمون للدكتور : محمد بن عبد الله الغبان . العدد (656ص 8) .
إن موضوع النزاع و الخلاف بين الصحابة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه يجب أن ينظر إليه من زاويتين :-
الأولى : إن اللوم في تلك الفتنة على العموم يلقى على قتلة عثمان ، لأن كل من قتل من المسلمين بأيدي
إخوانهم منذ قتل عثمان رضي الله عنه إنما يقع إثمه عليهم ، فهم الذين فتحوا باب الفتنة و كل ما وقع بعد ذلك فإثمه و وزره عليهم ، إذ كانوا هم السبب المباشر فيها ، و هم الفئة المعتدية الظالمة الباغية التي قتل بسببها كل مقتول في الجمل و صفين و ما تفرق عنها من أحداث و آراء و مواقف فتحت باب الخلاف و الفرقة بين المسلمين .(176/35)
الثانية : إن ما حدث من جانب الصحابة رضي الله عنهم في هذه الفتنة يحمل على حسن النية و الاختلاف في التقدير و الاجتهاد ، كما يحمل على وقوع الخطأ و الإصابة ، و لكنهم على كل حال كانوا مجتهدين و هم لإخلاصهم في اجتهادهم مثابون عليه في حالتي الإصابة و الخطأ ، و إن كان ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ ؛ لأن كل فئة كانت لها وجهة نظر تدافع عنها بحسن نية ، حيث إن الخلاف بينهم لم يكن بسبب التنافس على الدنيا ، و إنما كان اجتهاداً من كل منهم في تطبيق شرائع الإسلام . تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/340-342) بتصرف .
و قد سئل ابن المبارك عن الفتنة التي وقعت بين علي و معاوية رضي الله عنهما فقال : فتنة عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا - يعني في التحرز من الوقوع في الخطأ و الحكم على بعضهم بما لا يكون مصيباً
فيه - . و سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال : قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و غبنا ،
و علموا و جهلنا ، و اجتمعوا فاتبعنا ، و اختلفوا فوقفنا . الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/322) في تفسير سورة الحجرات .
و يقول النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم (18/219-220) : و اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد - يعني قوله صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار - و مذهب أهل السنة و الحق إحسان الظن بهم ، و الإمساك عما شجر بينهم ، و تأويل قتالهم و أنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا ، بل اعتقد كل فريق أنه المحق و مخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله ، و كان بعضهم مصيباً و بعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ لأنه اجتهاد و المجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه .(176/36)
و يورد شيخ الإسلام في مواضع متفرقة من مجموع الفتاوى (35/50 و 54 و 56 و 69) رأي أهل السنة في هذه المسألة مستبعداً رأي أهل البدع من الخوارج و الرافضة و المعتزلة الذين جعلوا القتال موجباً للكفر أو الفسق ، فيقول : و أهل السنة و الجماعة و أئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة بل يمكن أن يقع الذنب منهم ، والله يغفر لهم بالتوبة و يرفع بها درجاتهم ، و إن الأنبياء هم المعصومون فقط ، أما الصديقون و الشهداء و الصالحون فليسوا معصومين ، و هذا في الذنوب المحققة ، و أما اجتهادهم فقد يصيبون فيه أو يخطئون ، فإذا اجتهدوا و أصابوا فلهم أجران ، و إذا اجتهدوا و أخطأوا فلهم أجر واحد على اجتهادهم ، و جمهور أهل العلم يفرقون بين الخوارج المارقين و بين أصحاب الجمل و صفين ممن يعد من البغاة المتأولين ، و هذا مأثور عن الصحابة و عامة أهل الحديث ، و الفقهاء و الأئمة .
يقول ابن حجر في الفتح (13/37 ) : و اتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ، و لو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد و قد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد ، بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً ، و أن المصيب يؤجر أجرين .
و هكذا نأخذ من مجموع كلام هؤلاء الأئمة ، أن الموقف مما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم هو الإمساك و عدم الخوض ، و هذا هو الذي دل عليه الحديث الثابت كما عند الطبراني و غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا ذكر أصحابي فأمسكوا . أنظر : السلسة الصحيحة (1/75) .
و قد فسر المناوي في فيض القدير (2/676) الحديث بأن معناه : ما شجر بينهم - أي الصحابة - من الحروب والمنازعات .(176/37)
يقول الحافظ الذهبي في السير (3/128) : فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً في الحب ، مفرطاً في البغض ، و من أين يقع له الإنصاف و الاعتدال ؟! فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق و اتضح من الطرفين و عرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين ، و تبصرنا فعذرنا و استغفرنا و أحببنا باقتصاد ، و ترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة ، أو بخطأ إن شاء الله مغفور ، و قلنا كما علمنا الله{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا}و ترضينا أيضاً عمن اعتزل الفريقين كسعد ين أبي وقاص و ابن عمر و محمد بن مسلمة و سعيد بن زيد و خلق ، و تبرأنا من الخوارج الذين حاربوا علياً و كفروا الفريقين .
فهذه مقتطفات عاجلة من معتقد أهل السنة و الجماعة في الصحابة ، و تلك قناعات و منطلقات شرعية لا تهتز بإرجاف المرجفين ولا تتأثر بتشكيك المشككين .
و إذا كانت أعراض المسلمين بشكل عام مصونة في الإسلام ، فأعراض الصحابة و هم أهل الفضل و السابقة و الجهاد أولى بالصيانة ، و الدفاع عنهم قربة لله عز وجل و تقديراً لمآثرهم و جهادهم .
و أخيراً لماذا هذه العناية بأعراض الصحابة و لماذا الدفاع عنهم ؟
أقول : إن هناك مكمن خطر في سبهم أو التعريض بهم و بعدالتهم ، فهم نقلة الدين و الطعن فيهم وسيلة للطعن في الدين .(176/38)
وإن من أسوأ الأخطاء المنهجية والتربوية معاً ، تدريس الحروب والخلافات التي وقعت بين الصحابة لتلاميذ المدارس ، مع ما يصاحب ذلك من تشويه في العرض ، و تقصير في تعريف التلاميذ بمنزلة الصحابة و فضلهم و حقهم على الأمة ، حيث ينشأ عن ذلك تعارض في أذهانهم بين الصورة الفطرية التي تصوروها عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و ما ينبغي أن يكونوا عليه من الاستقامة ، و بين الصورة التي تلقوها من المدرسة ، فلا يستطيعون معرفة الحق من ذلك ولا يستوعبونه نظراً لصغر سنهم ، و لقلة ثقافتهم ، حتى لو حاولت أن توضح لهم الصورة الصحيحة فإنهم لا يكادون يقتنعون لأن الشبهة التي أثيرت قد انقدحت في أذهانهم .
و هذه المسارعة في عرض مثل هذه المادة التاريخية على صغار التلاميذ أو عوام الناس مخالف للقواعد الأصولية مثل قاعدة : ( سد الذرائع ) . و قاعدة : ( درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) . و مخالف أيضاً للقواعد التربوية التي تقتضي أن لا يعرض على الناس أكثر مما لا تحتمله عقولهم .
و قد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ما يؤيد هذا ؛ فقال عبد الله بن مسعود كما في مقدمة صحيح مسلم برقم (14) : ( ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) . و قد بوب البخاري في صحيحه : ( باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا ) . و أورد قول علي بن أبي طالب : ( حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله و رسوله ) . البخاري مع الفتح (1/272) ، قال ابن حجر معلقاً عليه : ( فيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة ) .(176/39)
فهذه الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على صحة هذه القاعدة التربوية ، و أنه لا ينبغي أن يدرّس مثل هذا لتلاميذ المدارس ، لأنه مما لا تبلغه عقولهم ، و مما يؤدي إلى فتنة بعضهم ، و هو اعتقاد ما لا ينبغي اعتقاده في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . و للمزيد حول هذا الموضوع أنظر كتاب : منهج كتابة التاريخ الإسلامي للدكتور : محمد بن صامل (ص252) . و مقال : فضيلة الإمساك عما شجر بين الصحابة : زياد سعد الغامدي في مجلة البيان الإسلامية العدد (134) .
و إذا قدر لهذه القضايا أن تبحث فينبغي أن يسند الأمر إلى أهله ، و أن يتوفر على ذلك علماء متمكنون في علمهم ، صادقين في توجههم ، برآء من أي تهمة في معتقدهم ، و أن يكونوا على مستوى الخاصة ، و ألا تفتن بهم العامة ، و ألا تكون قضية مطروحة للمزاد يهرف فيها من لا يعرف ، و يظن الجاهل أن من حقه أن يوافق أو يخالف .. و ليت شعري كم تنطق الرويبضة و يتصدر السفهاء إذا غاب عن الساحة صوت العلماء ، أو توارى خلف الحجب رأي النبلاء .. و مع ذلك فالزبد سيذهب جفاء و يمكث في الأرض ما ينفع الناس ، و كذلك اقتضت حكمة الله في الصراع بين الحق و الباطل قديماً و حديثاً ، ليميز الله الخبيث من الطيب و ينحاز الصادقون و ينكشف و لو بعد حين الكاذبون . خير القرون ، مقال للدكتور سليمان العودة . انظر مجلة الدعوة العدد (1610 ) .(176/40)
وما أحسن ما قيل عن التاريخ الإسلامي : فهو تاريخ ناصع مشرق ، و هو مفخرة على مر الزمن ، و درة على جبين الدهر ، لا يدانيه تاريخ أمة من الأمم في قديم الزمان و حديثه ، و مع ذلك فقد وقعت فيه بعض الحوادث التي تلقي بعض الظلال القاتمة على إشراقه ، بدأت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث ظهرت بعض الخلافات في وجهات النظر بين بعض الصحابة ، أدت إلى وقوع بعض الحروب ، مثل : وقعة صفين ، و وقعة الجمل و يوم الحرة و أمثالها ، و الطالب المسلم يمر بها في بعض مراحل حياته الدراسية ، و نحن نريد أن نلفت نظر المعلم أو المدرس إلى وجوب التزام جانب اليقظة و الحكمة و الحذر عند عرض هذه الوقائع على طلابه ، فالصحابة رضي الله عنهم شموس لامعة براقة أشرقت في تاريخ الإنسانية فغمرته بالنور ، و هي شموس تتفاوت أقدارها و تتباين في أنواع فضائلها ، و لكنها تبقى دائماً في أعلى درجات الفضل ، و في ذروة العزة و المجد ، و لو ميز المشتغلون بتاريخ الإسلام ، بين الأصيل و الدخيل من الحوادث التي وقعت بين الصحابة ، لأخذتهم الدهشة لما اخترعه أعداء الإسلام من يهود و مجوس و منافقين و ملحدين و حاقدين ، من أخبار ملفقة كاذبة ، ألصقوها بالصحابة الكرام ظلماً و عدواناً و كيداً ، فصورت أخبارهم الوضع عن غير حقيقته ، و أدخلت التشويه على الصورة الحقيقية الناصعة للصحابة رضي الله عنهم ، الذين يعتبرون بحق سادة البشر و خلاصة الإنسانية ، كيف لا ؟ و هم تلامذة أشرف المخلوقين و سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم . مقتبس من كتاب : كلمات نافعة لناجي الطنطاوي (ص79) بتصرف .(176/41)
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتمسك بقوله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [الحشر/10] .
و بعد هذا الذي ذكرت ، فإنه قد ظهر من يطعن في الصحابة الكرام و يثير هذه الأحداث من جديد لكن بشكل مشوّه مزرٍ ، لذا آثرت الحديث في هذا الموضوع ، دفاعاً عن الحق و عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم .
حول فضائل الصحابة عموماً ، مع أقوال أهل العلم في ذلك
لما كان معاوية رضي الله عنه واحداً من كبار الصحابة ، فإن الفضائل العامة التي أنزلها الله تعالى بخصوص الصحابة داخلة ضمن فضائله ..
أولاً : فضائلهم عموماً من القرآن الكريم ..
قال تعالى في شأن غزوة حنين : { ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ }[التوبة/26] .
ومعاوية رضي الله عنه من الذين شهدوا غزوة حنين ، وكان من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم . انظر : الفتاوى لابن تيمية ( 4/458 ) .
قال تعالى : { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }[الحديد/10] .
ومعاوية رضي الله عنه ممن وعدهم الله الحسنى ، فإنه أنفق في حنين والطائف وقاتل فيهما . الفتاوى لابن تيمية ( 4 /459 ) . وانظر : مرويات خلافة معاوية ( ص 22 – 23 ) .(176/42)
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }[الأنفال/64] .
في هذه الآية الكريمة أثنى الله تعالى على جميع المؤمنين الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم – ومعاوية رضي الله عنه منهم – بأنهم يكفونه في جميع أموره ، أو أنهم يكفونه الحرب بينه وبين أعدائه من الكفار والمشركين ، وفي ذلك تنويه بفضلهم وبيان لعظم شرفهم . انظر : روح المعاني ( 10/30 ) .
قال تعالى : { لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة/88-89 ] .
في هاتان الآيتان الكريمتان أثنى الله تعالى بهما على جميع المؤمنين الذين آمنوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فجعل لهم الخيرات ، وهي منافع الدارين .. وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار .. وفي ذلك من الفضل ما فيه . انظر : تفسير إرشاد العقل السليم لأبي السعود ( 4 / 91 ) .
قال تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } سورة الفتح [29] .(176/43)
في هذه الآية الكريمة أثنى الله تعالى على جميع المؤمنين الذين آمنوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأن الله وعدهم بأن لهم مغفرة وأجراً عظيماً . انظر : تفسير ابن كثير ( 4/203- 205 ) .
قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }[البقرة/143] .
في هذه الآية خطاب إلى جميع الأمة المحمدية إلى أنها من خيار الأمم يوم القيامة وأنها ستكون شهيدة على الناس ، وأولوية الدخول في هذا الخطاب إنما هو لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل بقية الأمة الإسلامية ، إذ هم أول من وجه إليهم هذا الخطاب إذ هم الموجودون حين نزولها . انظر أقول أهل العلم في تفسير هذه الآية من مثل تفسير الطبري ( 2/ 6 – 8 ) و تفسر القرطبي (2/ 153 – 154 ) وتفسير ابن كثير ( 1 / 78 ) .
قال تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } [آل عمران/ 110] .
في هذه الآية يبين الله تعالى أنه جعل أمة محمد خير أمة .. والصحابة رضي الله عنهم هم أولى وأفضل من دخل في هذا الخطاب وحاز قصب السبق في هذه الخيرية بلا نزاع ، لأنهم أول من خوطب بهذه الآية الكريمة . انظر أقوال أهل العلم في تفسير هذه الآية مثل قول الزجاج في معاني القرآن ( 1 / 467 ) و الخطيب البغدادي في الكفاية ( ص 94 ) السفاريني في لوامع الأنوار البهية ( 2/ 377 ) .
قال تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} }[التوبة/100] .(176/44)
هذه الآية اشتملت على أبلغ الثناء من الله تعالى على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان - ومعاوية رضي الله عنه منهم – حيث أخبر تعالى أنه رضي الله عنهم ..
قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }[النور/55] .
الوعد بالاستخلاف في هذه الآية عام يدخل تحته كل من تولى وظيفة من وظائف المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن بشرط أن تتوفر الصفتان المذكورتان في الآية وهما : الإيمان والعمل الصالح .. فيندرج تحت هذا العموم جميع الصحابة والخلفاء الأربعة رضي الله عنهم ومعاوية رضي الله عنه من الصحابة الذين تحققت فيهم صفة الإيمان والعمل الصالح . انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية حول تفسير هذه الآية في منهاج السنة ( 1 / 157 ) .
قال تعالى : { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى }[النمل/59] .
قال الطبري : .. الذين اجتباهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فجعلهم أصحابه ووزراءه .. انظر : جامع البيان ( 20 / 2 ) . ومعاوية رضي الله عنه من الصحابة الذين اصطفاهم الله يكونوا كتبة وحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . انظر حول تفسير هذه الآية : تفسير ابن كثير ( 5 / 245 ) ومنهاج السنة لابن تيمية ( 1 / 156 ) . ولوامع الأنوان البهية للسفاريني ( 2 / 384 ) .(176/45)
إلى غيرها من الآيات الكثيرة التي وردت في فضائل الصحابة عموماً .. للمزيد حول هذا الموضوع راجع كتاب : صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة للدكتور عيادة أيوب الكبيسي ( ص 150 – 161 ) وكتاب عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام للدكتور ناصر بن علي عائص الشيخ (1/ 55 – 80 ) .
ثانياً : فضائلهم عموماً من السنة النبوية
1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) . مسلم ( 2/ 1967) والبخاري (2/292 ) .
ففي هذا الحديث بيان لفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد نهى عن سبهم ووصفهم بالصحبة وأضافها إلى نفسه تنويهاً لفضلهم وبيان لشرف منزلتهم . انظر الفتح ( 7/34 ) .
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يأتي عن الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون : فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون لهم : نعم ، فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال : فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال : هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون نعم فيفتح لهم ) . البخاري (2/287) ومسلم (4/1962) .
فلله ما أعظم هذا التكريم الذي حظي به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي ما كان ولم يكن لأحد سواهم بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، و هذا الحديث إثبات لفضل الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك لما لهم من حسن قصد وسلامة نية وصدق في نشر الدعوة الإسلامية ، وكل ذلك كرامة لهم وبياناً لفضلهم . وكذلك فيه إثبات الفضيلة لمن صاحبهم أو صاحب من صاحبهم .(176/46)
3- عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير أمتي قرني ، ثم الذين يلونهم .. الحديث . البخاري ( 2/ 287-288 ) ومسلم (4/1964) .
في هذا الحديث إثبات الخيرية للصحابة رضي الله عنهم الذين هم قرن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنهم مقدمون على التابعين وأتباع التابعين .. وفضيلتهم في ذلك ظاهرة . انظر الفتح (7/6 ) .
4- عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه قال : صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قلنا : لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء ، قال فجلسنا ، فخرج علينا فقال : ( مازلتم ههنا ؟ ) قلنا : يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء ، قال : ( أحسنتم أو أصبتم ) ، قال : فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء فقال : ( النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتى فإذا ذهب أصحابي أتى أمتى ما يوعدون ) . مسلم ( 4 / 1961 ) .
في هذا الحديث بيان لفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم أمان للأمة من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن واختلاف القلوب ونحو ذلك ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه من ذلك . انظر : شرح النووي على مسلم (16/83) .
5- قال صلى الله عليه وسلم : ( مثل أمتي مثل المطر ، لا يدري أوله خير أم آخره ) . حديث حسن له طرق يرتقي بها إلى الصحة . انظر : سنن الترمذي ( 4 / 229 ) والمسند ( 3 / 143 ) .
والحاصل أن الأحاديث الواردة في فضلهم كثيرة وشهيرة بل ومتواترة .. وقد اقتصرت على ذكر بعضها هنا وللمزيد راجع كتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد بتحقيق وصي الله عباس . وغيرها من كتب الفضائل ..(176/47)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر بعض الأحاديث المتقدم ذكرها : وهذه الأحاديث مستفيضة بل متواترة في فضائل الصحابة والثناء عليهم وتفضيل قرنهم على من بعدهم من القرون ، والقدح فيهم قدح في القرآن والسنة . مجموع الفتاوى ( 4 / 430 ) .
وقد خاب من خالف كلام الله تعالى وقضاء رسوله صلى الله في أن الصحابة رضي الله عنهم هم صفوة الأمة المحمدية وساداتها على الإطلاق
ثالثاً : ثناء العلماء على الصحابة - رضوان الله عليهم -
لقد كثر الثناء في كلام السلف على الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بما امتازوا به من الصفات الطيبة والسيرة الحسنة والأخلاق المشرقة والأعمال الصالحة التي جعلتهم أهلاً لأن يكونوا أصحاباً ووزراء لخير البرية محمد صلى الله عليه وسلم .. فمن ذلك :-
1- قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إن الله نظر إلى قلوب العباد ، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه ، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيء . المسند ( 1 / 379 ) .
2- قول الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : من كان مستناً فليستن بمن قد مات ، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا خير هذه الأمة ، أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ونقل دينه ، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم ، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كان على الهدى المستقيم والله رب الكعبة . الحلية (1/305 – 306 ) . ومنهاج السنة ( 1 / 166 ) .(176/48)
3- قال حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه خص نبيه محمداً بصحابة آثروه على الأنفس والأموال ، وبذلوا النفوس دونه في كل حال ، ووصفهم الله في كتابه فقال : { رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً .. } الآية 29 من سورة الفتح ، قاموا بمعالم الدين وناصحوا الاجتهاد للمسلمين حتى تهذبت طرقه وقويت أسبابه وظهرت آلاء الله ، واستقر دينه ووضحت أعلامه وأذل بهم الشرك ، وأزال رؤوسه ومحا دعائمه ، وصارت كلمة الله العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزكية ، والأرواح الطاهرة العالية ، فقد كانوا في الحياة لله أولياء ، وكانوا بعد الموت أحياء ، وكانوا لعباد الله نصحاء ، رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها ، وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها . مروج الذهب (3/75 ) .
4- وقال علي رضي الله عنه كما رواه أبو نعيم في الحلية بإسناده إلى أبي أراكة قال : صلى علي الغداة ثم لبث في مجلسه حتى ارتفعت الشمس قيد رمح كأن عليه كآبة ، ثم قال : لقد رأيت أثراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أرى أحداً يشبههم والله إن كانوا ليصبحون شعثاً غبراً صفراً بين أعينهم مثل ركب المعزي قد باتوا يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم ، إذا ذكر الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح ، فانهملت أعينهم حتى تبل والله ثيابهم والله لكأن القوم باتوا غافلين . الحلية (1/76 ) .
5- وقال علي رضي الله عنه أيضاً : أولئك مصابيح الهدى يكشف الله بهم كل فتنة مظلمة ، سيدخلهم الله في رحمة منه ، ليس أولئك بالمذاييع – أي الذين يشيعون الفاحشة ويذيعونها – البذر ولا الجفاة المرائين . الحلية (1/77) . والبداية والنهاية (8/7 ) .(176/49)
6- وروى مسلم في صحيحه ( 3 / 1461 ) بإسناده إلى الحسن بن عائذ بن عمرو وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخل على عبيد الله بن زياد فقال : أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن شر الرعاء الحطمة ) ، فإياك أن تكون منهم ، فقال له اجلس فإنما أنت من نخالة – أي من قشور أو حثالة - أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : وهل كانت لهم نخالة ، إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم .
وقول عائذ بن عمرو رضي الله عنه هنا إنما هم من جزل الكلام وفصيحه وصدقه الذي ينقاد له كل مسلم ، فإن الصحابة رضي الله عنهم كلهم صفوة الناس وسادات الأمة وأفضل ممن بعدهم وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم ، وإنما جاء التخليط ممن بعدهم و فيمن بعدهم كانت النخالة . انظر شرح مسلم ( 12 / 216 ) .
7- ذكر السيوطي في الدر المنثور ( 4/ 272 ) عن أبي صخر حميد بن زياد قال : قلت لمحمد بن كعب القرظي : أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أريد الفتن ؟ قال : إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم ، قلت له : وفي أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه ؟ قال : ألا تقرأ : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100) سورة التوبة ، أوجب لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان ، وشرط على التابعين شرطاً لم يشترطه فيهم ، قلت : وما اشترط عليهم ؟ قال : اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان ، يقول : يقتدون بهم في أعمالهم الحسنة ، ولا يقتدون بهم في غير ذلك ، قال أبو صخر : لكأني لم أقرأها قبل ذلك وما عرفت تفسيرها حتى قرأها عليّ محمد بن كعب .(176/50)
8- روى أبو نعيم بإسناده إلى الحسن البصري .. أن بعض القوم قال له أخبرنا صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فبكى وقال : ظهرت منهم علامات الخير والسيماء والسمت والهدي والصدق وخشونة ملابسهم بالاقتصاد و ممشاهم بالتواضع ، ومنطقهم بالعمل ومطعمهم و مشربهم بالطيب من الرزق ، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى ، واستفادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا ، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم ، ظمئت هواجرهم ونحلت أجسامهم واستخفوا بسخط المخلوقين في رضى الخالق ، ولم يفرطوا في غضب ولم يحيفوا ولم يجاوزا حكم الله تعالى في القرآن ، شغلوا الألسن بالذكر ، بذلوا دماءهم حين استنصرهم وبذلوا أموالهم حين استقرضهم ولم يمنعهم خوفهم من المخلوقين ، حسنت أخلاقهم وهانت مؤنتهم وكفاهم اليسير من دنياهم إلى آخرتهم . الحلية ( 2 / 150 ) .
9- روى الإمام أحمد بإسناده إلى قتادة بن دعامة السدوسي أنه قال : أحق من صدقتهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه . المسند ( 3/ 134 ) .
ذكر ابن كثير في البداية ( 8 / 13 ) عن أيوب السختياني أنه قال : .. .. ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق .
إلى غيرها من الأقوال الكثيرة الكثيرة والتي تبين فضل الصحابة عموماً لما قدموه من الأعمال الصالحة وبما لهم من شرف الصحبة .. انظر على سبيل المثال : جامع بيان العلم ( 2/ 36 ) وطبقات ابن سعد ( 2/ 342 – 343 ) والحلية ( 1 / 84 – 85 ) .(176/51)
وكما جاء الثناء على الصحابة عموماً من التابعين ، كذلك أثنى عليهم غيرهم من أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم ممن جاء بعدهم من أئمة العلم والهدى ، وقد أكثرت من الإحالة إلى هذه الكتب ليعلم مدى حرص العلماء في الثناء على الصحابة ومدى معرفتهم لأقدارهم ومكانتهم .. لمزيد بيان ذلك راجع : العقيدة الطحاوية مع شرحها ( ص 528 ، 531 – 532 ) ، و شرح السنة للبغوي ( 1 / 229 ) ومناقب الشافعي للبيهقي ( 1 / 442 – 443 ) وأعلام الموقعين ( 1 / 79 ، 80 ، 82 ) وطبقات الحنابلة ( 1 / 30 ) و السنة للإمام أحمد ( ص 17 ) وجامع بيان العلم وفضله ( 2 / 227 ) ومقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( 1 / 7 –8 ) ورسالة أبي زيد القيرواني مع شرحها في تقريب المعاني ( ص 22- 23 ) وعقيدة السلف أصحاب الحديث الرسالة السادسة للصابوني ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (1/129 ) و العقيدة الواسطية مع شرحها لمحمد خليل هراس ( ص 142 – 151 ) والرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة ( ص 300 – 301 ) ولوامع الأنوار البهية ( 2/ 379 – 380 ) ودراسات تاريخية في رجال الحديث ( ص 32 ) إلى غيرها من الكتب .
والذي نخلص إليه من تلكم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكلام السلف الذي تقدم في بيان فضل الصحابة على وجه العموم ، أنه يجب على كل مسلم أن ينقاد لما دل على إثبات فضلهم رضي الله عنهم ويسلم لهم بذلك ويعتقد اعتقاداً جازماً أنهم خير القرون ، وأفضل الأمة بعد النبيين ، ومن لم يسلم لهم بذلك أو يشك فيه فليتدارك نفسه ويتب إلى الله ، لأن مقتضى ذلك تكذيب خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن كذب الله ورسوله لا حظ له في الإسلام .
فضائل معاوية رضي الله عنه(176/52)