وهناك روايات اخرى في تسمية هؤلاء الاثني عشر ذكرها ابن حجر في (فتح الباري) (2/539) وليس في اي منها- حتى الضعيفة- ذكر لما ادعاه هذا الموسوي هنا، فبعض الروايات تقول ان منهم جابرا رأوي الحديث، وبعضها تذكر سالماً مولى أبي حذيفة وبعضها الخلفاء الاربعة وابن مسعود وبعضها تذكر العشرة المبشرة وبلالاً وابن مسعود، ، واصحها اسنادا تلك التي تذكر ابا بكر وعمر وجابر، والمهم ان ليس هناك ذكر للرواية التي اخترعها، وقد استقصى السيوطي في (الدر المنثور) (8/165- 167) هذه الرواية ما صح منها وما لم يصح وليس في اي منها ذكر للحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم اجمعين، والحسن كان عمره ثماني سنوات حين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحسين ست سنين، وهذه الآية نزلت في عهد متقدم في المدينة، وعلى ابعد الاحتمالات قبل فتح مكة الذي كان سنة ثمان للهجرة، ومعنى هذا ان عمر الحسن- على ابعد الاحتمالات- حين نزولها كان اقل من خمس سنين والحسين اقل من ثلاث فلا يمكن ان يكونا شهدا تلك الواقعة لكن الصحيح انها نزلت قبل ان يولد الحسن والحسين أو ولد الحسن لبضعة أشهر، أما فاطمة رضي الله عنها فلم ينقل انها كأنت تشهد الجمعة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا غيرها من المؤمنات، ثم ان لفظ الآية التي ادّعى نزولها في ذلك- وهي التي ذكرها في المتن دون الهامش وليس فيها ذكر الجمعة- لا يحتمل شمول فاطمة رضي الله عنها، إذ قال الله تعالى {رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ . . . } فلا يمكن دخول فاطمة في لفظ {رجال}.(64/186)
وقد ذكر السيوطي في (الدر المنثور) فيما ذكر من الروايات رواية ابن عباس في سبب نزول هذه الآية بلفظ قريب مما هو في الهامش (37/68) لكنّها ليس فيها ذكر لعلي ولا الحسن ولا الحسين ولا فاطمة، وعزاها لابن مردويه لكن ضعفها الحافظ في (الفتح) (2/538)، وأخرى عن ابن عباس ايضا عند عبد بن حميد وثالثة عند البزار، ونقل السيوطي (8/ 166) عن عبد بن حميد قول مجاهد في هذه الآية بما يخالف ما ادعاه هنا في الهامش.
أما الأثر الذي ذكره في الهامش (38/69) في قوله تعالى: { في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه . . . الاية} فقد عزاه للثعلبي في تفسيره، وما صنع شيئا لعدم معرفة اسناده ومقدار صحته وإلا ليسق لنا اسناده ان كان صادقا بل وجوده في تفسير الثعلبي وحده مما يؤكد الشبهة فيه ويمنع من قبوله دون معرفة اسناده لما اسلفنا من حال الثعلبي في تفسيره وانه حاطب ليل، وما اكثر الموضوعات فيه التي بينها ونبه عليها أهل العلم بالحديث ولا اظن هذا الاثر الا واحدا منها، ولا اراه نقله الا من سلفه ابن المطهر الحلي الذي رد عليه شيخ الإسلام فقال- (المنتقى) (ص450)-: (و الحديث كذب بلا ريب) وهذا الحكم لا يسعه رده ولا احدا على مذهبه الا ان يسوق لنا اسناده ويبين لنا صحته، ثم ان لفظ الآية {رجال} يمنع من حمله على علي وفاطمة وحتى على علي وحده، اما اذا اريد ان الآية تشملهم فهذا صحيح، وهو كذلك في الآية السابقة أيضاً فآل علي رضي الله عنه هم من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهم من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الصحابة وآل البيت اجمعين، وأيضاً هي لا تدل على أفضليتهم على غيرهم وتقديمهم في الامامة حتى وان كأنت خاصة بهم فكيف وهي تعمهم وتعم غيرهم كما اسلفنا؟(64/187)
وحتى لفظ الحديث الذي ساقه ليس فيه دليل على الأفضلية، قصارى ما فيه دليل على الفضل لا الأفضلية فلم يقل ان الآية بهم وحدهم ولم يقل ان بيتهم أفضل البيوت بل قال: (من أفاضلها) وهذا يقتضي مشاركة غيره له في هذه المنزلة، وهذا كله على فرض صحته.
وان مما يرد عليه احتجاجه بهذه الآية ما ثبت من تفسير البيوت هنا بالمساجد، قال ابن تيمية- (المنتقى) (ص450)-: (باتفاق الناس) قلت: وهو قول حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فيما أخرجه الطبري (18/100) من اكثر من طريق واخرجه أيضاً ابن ابي حاتم- (الدر المنثور) (6/202)- وبه قال مجاهد والحسن وأبو صالح وسالم ابن عمر وابن زيد وقتادة وغير واحد. واخرجه الطبري (18/100) بسند صحيح إلى عمرو بن ميمون الأودي قال: أدركت اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم يقولون: المساجد بيوت الله وانه حق على الله ان يكرم من زاره فيها. وعمرو بن ميمون هذا تابعيّ ثقة أدرك الجاهلية ولم يلقَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لكنّه روى عن عدد من الصحابة مثل عمر وابن مسعود ومعاذ وابي ذر وسعد بن ابي وقاص وابن عباس وابي هريرة وغيره- (تهذيب التهذيب)- هذا هو الصواب في معنى البيوت هنا وهو الذي اختاره محققو المفسرين كابن جرير الطبري وابن كثير. وهو الذي يتناسب مع سياق الآية فيما قبلها وما بعدها، فقبل هذه الآية ضرب الله مثلا فقال: {الله نور السمأوات والأرض مثل نروه كمشكاة فيها مصباح. . . } الآية وهو مثل ضربه الله تعالى لقلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم- كما سيأتي بيانه- فلما بينه الله تعالى ذكر بعد ذلك محله وهي المساجد التي هي احب البقاع إلى الله تعالى من الارض وهي بيوته- كما بينه ابن كثير- واما ما بعدها فهو قوله تعالى: {يسبح له فيها بالغدو والاصال. . . } فين انها بنيت اساسا للعبادة فكأنت هي المساجد.(64/188)
وهناك اقوال اخرى في الاية- وما سبق اصح- وليس فيها ما ادعاه هذا الموسوي هنا سوى نقل السيوطي في (الدر المنثور) (6/203) لحديث أنس وبريدة المزعوم هذا ولم يسنده للثعلبي بل لابن مردويه ولم يبين اسناده ولم يتكلم عليه بشيء ابدا فلا يعتبر بذلك حجة، إذ وجود الحديث في اي كتاب سوى الصحيحين- البخاري ومسلّم- لا يلزم منه صحتها خصوصا عند السيوطي المعروف بالتساهل وهذا امر بيناه مراراً.
لكن الملفت للنظر عند مقارنة لفظ الحديث الذي ساقه السيوطي وهذا الذي في (المراجعات) يتبين ان الحديث واحد وبلفظ واحد تماما سوى فقرة فيه ذكرها السيوطي وليست هي في هامش (المراجعات) وقد ذكرها أيضاً ابن المطهر الحلي عند استدلاله بهذا الحديث مما يجعلني اجزم ان المتصرف بها والذي حذفها هو صاحب (المراجعات) نفسه الموسوي هذا لان وجودها عند الثعلبي متحقق بنقل ابن المطهر منه، كما هو وجودها عند ابن المطهر وكذا ذكرها السيوطي فلم يبق الا الموسوي هذا، ذلك ان فيها ما ينقض عليه احتجاجه بهذا الحديث على فرض ثبوته، وهذه الفقرة هي بعد ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الآية: (فقام اليه رجل فقال: اي بيوت هذه يا رسول الله ؟ قال: بيوت الانبياء، فقام اليه أبو بكر . . .) فجريا ً معه في استدلاله بهذا الحديث يكون المقصود بهذه البيوت بيوت الأنبياء، وأفضلهم محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وبيوته تشمل بيوت زوجاته أمّهات المؤمنين رضي الله عنهنّ أجمعين كعائشة وحفصة وغيرهما، ويكون- بدليله الذي استدل به- بيت عائشة وبيت حفصة أول المقصودين في الآية ثم باقي بيوت آل البيت رضي الله عنهم.(64/189)
فانظر إلى صنيع هذا الرجل بهذا النص الذي ساقه هو لكنّه مع ذلك لم يكن امينا حتى في نقل حروفه، وحرّفه واقتطع منه ما لا يريد وما لا يوافق هواه وهذا كله مما يدحض من وصفه في ترجمته في مقدمة الكتاب بامانة النقل، لا بل بالتلاعب بالنّصوص وفق ما يريده، وهذا ما يترفع عنه الشرفاء الصادقون، حتى سلفه ابن المطهر لم يجرؤ على مثل هذا الفعل. والحمد لله فقد كفونا بذلك مؤونة البحث عن إسناد الحديث ومعرفة ثبوته لانه حتى لو ثبت لما كان دليلا خاصا بعلي وآله. كما افترى هذا الموسوي والحمد لله على توفيقه في بيان زيف الباطل واهله. .
قوله: (وقد جعل الله مشكاتهم في اية النور مثلا لنوره وله المثل الاعلى في السمأوات والارض وهو العزيز الحكيم) وقال في الهامش (39/69): (اشارة إلى قوله تعالى {مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباح. } الآية فقد أخرج ابن المغازلي الشافعي في مناقبه بالاسناد إلى علي بن جعفر قال سألت ابا الحسن (الكاظم) عن قوله عزّ وجلّ: كمشكاة فيها مصباح، قال عليه السّلام: المشكاة فاطمة، والمصباح الحسن والحسين، والزجاجة كأنها كوكب دريّ قال: كأنت فاطمة كوكباً درياً بين نساء العالمين توقد من شجرة مباركة شجرة ابراهيم، لا شرقية ولا غربية ولا يهودية ولا نصرانية، يكاد زيتها يضيء، قال: يكاد العلم ينطق منها ولو لم تمسسه نار نور على نور، قال فيها إمام يهدي الله لنوره من يشاء، يهدي الله لولايتنا من يشاء إ. ه. وهذا التأويل مستفيض عن أهل بيت التنزيل)إ. ه.(64/190)
قلت: بل هذا تأويل باطل مكذوب لا يصدر الا عمن حملته عصبيته على ليّ النّصوص ليّاً وبتكلّف يريد ان يجعل كل آية فيها مدح أو مثلٌ حسن لمذهبه وبالعكس لأضداده، وكأن الدنيا ليس فيها أمرٌ أهم من ولاية أهل البيت، ولو كان صادقاً في ثبوت هذا التأويل لساق اسناده بالكامل ولم يكتف بقوله: (بالإسناد) فان هذا يصحّ حتى على الموضوع المكذوب، هذا أولاً، وثانياً: فان هذا التأويل منسوب إلى الكاظم فهو لا يلزم أهل السّنّة بشيء، وهو يسوقه اليهم يريد اقامة الحجة علهيم، افيصح مثل هذا؟ كحال اليهودي الذي يحتج على المسلّم بما في التوراة. وهذا من اصول المناظرة عن أهل العلم.(64/191)
وثالثاً: فان ما ذكره من التأويل لا يستقيم حتى مع لفظ الآية وسياقها، فإنّه مرة يجعل المشكاة هي فاطمة رضي الله عنها ومرة يجعل مثلها الزجاجة التي مثلها كوكب دري، وهذا تناف في نفس سياق الآية وفي المثل، فان المشكاة هي موضع الفتيلة من القنديل كما قال غير واحد، وهو شيء آخر غير الزجاجة التي تحيط بالمصباح التي كأنها كوكب دري، فلا يمكن الجمع بينهما، ثم ان المصباح هنا مفرد وهو يدل على شيء واحد مفرد ايضاً، بينما يجعلها هو الحسن والحسين وهو من تحميل النص ما لا يحتمله، فلو كانا مرادين لقال (فيها مصباحان). يضاف إلى ذلك عدم تفسيره للزيتونة المذكورة وهو ما لا يستطيعه مع هذا التأويل فاعرض عنه. وتفسيره {يكاد زيتها يضيء} بقوله (يكاد العلم ينطق منها) مما يبين جهله فان معناها ان العلم لم ينطق منها بل كاد. لكن المهم انه لم ينطق من شجرة فاطمة وذريتها، هذا هو معنى الفعل (كاد) في لغة العرب. ثم قوله { نور على نور } اي فيها إمام بعد إمام دعوى لا دليل عليها ولو كان صحيحا لقال (نور بعد نور)و لم يقل على، ومثلها تفسيره{ يهدي الله لنوره من يشاء} يهدي الله لولايتنا من يشاء، فان النور هنا هو نفسه في أول الآية في قوله {مثل نوره. . . } ثم قال{يهدي الله لنوره} اي ذاك، فكيف يفسر مرة بفاطمة وذريتها ومرة بولاية أهل البيت، هذا تناقض واضح.(64/192)
ورابعاً: ثبت تفسير هذه الآية تفسيرا واضحا وكافيا وشافيا عن حبر الامة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أعلم أهل اليت بعد عليّ رضي الله عنه. وثبت أيضاً عن غيره من الصحابة والتابعين بما يخالف هذا التأويل المزعوم وهو أيضاً مروي عن بعض أهل البيت، واسناده اصح مما ذكر على فرض ان ما ذكره له إسناد وهو المستفيض عن الصحابة والتابعين وسلف الأمة . اخرج ابن جرير (18/94) عن ابن عباس قوله: { الله نور السموات والارض} يقول: الله سبحانه هادي أهل السموات والارض. واخرج أيضاً عن أنس قال: ان الهي يقول نوري هداي. وهو الذي اختاره ابن جرير وبين وجه تناسبه مع سياق الآية قبلها وبعدها. {مثل نوره} أي مثل نوره في قلب المؤمن أو مثل هداه أو مثل من آمن به، وكلها متقاربة . وقد فسّره بما ذكرنا كل من عبد الله بن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والضحاك والحسن البصري وعكرمة وقتادة، أخرجه عنهم ابن جرير (18/94-95)، وعبد الرزاق وعبد بن حميد- (الدر المنثور) (6/199-200)- واخرج قول ابن عباس أيضاً الحاكم (2/398)- وصححه ووافقه الذهبي- وابن ابي حاتم- (الدر المنثور) (6/196)- ولفظ ابن عباس عند الحاكم صريح كل الصراحة في ربط هذا المثال مع الايات بعدها وهي التي قدمنا الكلام عليها أولا. إذ قال ابن عباس في قوله تعالى {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه. . . } قال: (ضرب الله هذا المثل وهو قوله {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة . . . } لأولئك القوم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وكانوا اتجر الناس وابيعهم ولكن لم تكن تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله) إ. ه. راجع (مستدرك الحاكم) (2/398) .(64/193)
فالمثل اذا ضربه الله تعالى لقلب المؤمن وما فيه من الهدى إذ شبه قلب المؤمن بالمشكاة {فيها مصباح} وهو النور في قلب المؤمن {المصباح في زجاجة} وهي صدر المؤمن {الزجاجة كأنها كوكب دري} اي من شدة اضاءتها {يوقد من شجرة مباركة } وهو الاخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له- كما قال ابي بن كعب- {زيتونه لا شرقية ولا غربية} اي ان الزيت الذي يوقد هذا المصباح هو أفضل انواعه وهو من زيت الزيتون، ومن اجود انواعه أيضاً إذ ان شجرته في الصحراء لا يظلها شجر ولا جبل ولا كهف ولا يواريها شيء وهو أجود لزيتها- كما قال ابن عباس- اي ان الشمس اذا اشرقت اشرقت عليها واذا غربت غربت عليها فذلك اصفى ما يكون من الزيت- وهو قول مجاهد ايضا- {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} اي ان هذا الزيت لشدة صفائه يكاد يتوهج ولو لم تمسسه نار، فكذلك يكون قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل ان يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور {نورٌ على نور} اي فكما ان هذا الزيت ازداد نوراً بالنار على نوره نفسه فكذلك المؤمن زاده الله نورا بالقرآن على ما جعل في قلبه من نور الحجج والبينات ونور الفطرة {يهدي الله لنوره من يشاء} اي يوفق الله سبحانه لاتباع نوره هذا من يشاء من عباده.
وهذا التأويل الذي ذكرناه هو الذي يفهم من اقوال الصحابة والتابعين وسلف الامة في هذه الآية، فراجعه في (تفسير الطبري) (18/94-99)، (تفسيرابن كثير) (3/289- 291)، (الدر المنثور) (6/196-200)، والحمد لله الذي ميّز الخبيث من الطيب. . .(64/194)
قوله: (وهم السابقون السابقون أولئك المقربون) وقال في الهامش (40/69): (اخرج الديلمي كما في الحديث 29 من الفصل الثاني من الباب 9 من الصواعق المحرقة لابن حجر عن عائشة، والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: السبق ثلاثة فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين، والسابق إلى محمّد علي بن ابي طالب إ. ه. وأخرجه الموفق بن احمد والفقيه ابن المغازلي بالاسناد إلى ابن عباس)إ. ه.
قلت: اما استدلاله بلفظ الآية فهو استدلال احمق، فان الآية- وهي من سورة الواقعة- انما هي في سياق آيات القيامة واصناف الناس عندها، فاهل الجنة هم سابقون مقربون أو اصحاب اليمين الا ترى انه قال بعد ذلك {ثلّة من الأولين وقليل من الآخرين} فبان بذلك انه لم يرد السبق إلى الايمان ولم يرد قوماً مخصوصين بل مرتّبة في الجنة واصحابها موزعون ما بي الامم السالفة والامم الباقية وهو في الأولين اكثر، أو انها خاصة بامة محمّد صلّى الله عليه وسلّم أولها وآخرها. واليك سياق الآيات، قال الله عزّ وجلّ { إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة . إذا رجّت الأرض رجّا وبسّت الجبال بسّاً فكأنت هباءً منبثاً وكنتم أزواجاً ثلاثةً فأصحابُ الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسّابقون السّابقون أولئك المقرّبون}.(64/195)
واما استدلاله بالحديث المذكور فلا يستقيم له لانه حديث ضعيف جدا ومنكر ان لم يكن موضوعاً مكذوباً، ولا يغني عنه ذكر ابن حجر له في (الصواعق) لما سبق بيانه من منهجه في كتابه ذاك خصوصا وانه لم يعقب عليه بشيء ومثله كل من ذكره من اصحاب التفاسير ولم يتكلم عليه بشيء فلا يعني ذلك ثبوته لان احدا منهم لم يدع انه التزم الصحيح من الحديث في كتابه، وخير مثال على ذلك السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) إذ ذكر الحديث في (8/6) ولم يعقب بشيء على اسناده، مع انه كان قد ذكره أيضاً في (7/52) وبين ضعفه هناك، وهو دليل على ان السكوت على الحديث لا يدل على ثبوته، بل غالبا ما يكون لأجل عدم ثبوته، والله اعلم.
وبالنسبة لحديثنا هذا فقد اخرجه الطبراني في (الكبير) (11152) من رواية الحسين بن أبي السري العسقلاني عن حسين الأشقر. والأول ضعفه ابو دأود، وقال أخوه محمّد: لا تكتبوا عن أخي فإنّه كذاب. وقال ابو عروبة الحراني: هو خال ابي وهو كذاب، انظر (ميزان الاعتدال) وغيره. وشيخه حسين الأشقر ضعيف أيضاً وهو إلى ذلك شيعي غال فلا يقبل خبره في مثل هذا حتى لو غضينا الطرف عن ضعفه: ونقل ابن عدي عن السعدي انه قال: كان غاليا من الشتامين للخيرة. انظر ترجمته في (تهذيب التهذيب) و(الميزان) وغيرهما.
وقد ضعف هذا الحديث السيوطي- كما مر- مع ما عنده من تساهل، وقال العقيلي عنه لا اصل هل- كما في (التهذيب) (2/337)- ورده أيضاً الحافظ ابن كثير في (تفسيره) (3/570) وفي (البداية والنهاية) (1/231)
وقال هذا حديث منكر، وضعفه أيضاً بشدة الالباني في (الضعيفة) (358)، فلا حجة فيه بعد ذلك والحمد لله .(64/196)
واما كون علي رضي الله عنه كان اسبق إلى الإسلام من غيره فهذا غير مقطوع به، فان أول من سبق إلى الإسلام من الرجال ابو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي، ومن الموالي زيد، وقطعا كان اسلام خديجة هو أول الجميع، فان كان فيه فضل على الاخرين فلخديجة لا لعليّ . ثم ان إسلام الصبي فيه نزاع، وإسلام أبي بكر كان أكمل وأنفع كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- (المنتقى) (ص463)- وهو معلوم لكل من نظر في السيرة النبوية والحمد لله.
لكن اعظم سابق في هذه الأمة هو ابو بكر رضي الله عنه، كما قال عنه عمر: والله ما سابقته إلى خير قط الا سبقني. .
قوله: (و هم الصديقون والشهداء الصالحون) وقال في الهامش (41/69): (اخرج ابن النجار- كما في الحديث 30 مما أشرنا اليه من الصواعق- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصديقون ثلاثة حزقيل مؤمن آل فرعون. وحبيب النجار صاحب ياسين وعلي بن ابي طالب، واخرج ابو نعيم وابن عساكر- كما في الحديث31 مما أشرنا اليه في الصواعق- عن ابن ابي ليلى ان رسول الله قال: الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل ياسين قال يا قوم اتبعوا المرسلين، وحزقيل مؤمن آل فرعون قال اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وعلي بن ابي طالب وهو أفضلهم إ. ه. والصحاح في سبقه وكونه الصديق الاكبر والفاروق الاعظم متواترة)إ. ه.
قلت: استدلاله بهذه الآية لا يقل حماقة عن استدلاله بالسابقة، قال الله عزّ وجلّ في هذه الآية: {و من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً} فشملت الآية جميع عباد الله المؤمنين وبين الله تعالى الشرط في ذلك وهو طاعة الله ورسوله فقط ولم يذكر أهل البيت ولا ولايتهم ولا حتى طاعتهم فاستدلاله بالولاية هو استدلال اصحاب الجهل والاهواء.(64/197)
واما الحديث الذي ذكره فهو حديث موضوع مكذوب باطل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على ابن المطهر وقد ذكر هذا الحديث، وبيّن وجه رده اسناداً ومتناً . اما اسناده فقد بينه شيخ الإسلام- كما في (مختصر المنهاج) (452)- بانه من رواية القطيعي عن الكديمي حدثنا الحسن ابن محمّد الانصاري حدثنا عمرو بن جميع حدثنا ابن ابي ليلى عن أخيه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه مرفوعاً، واكد اسناده هذا الالباني في (الضعيفة) (1/359) بقوله: (ثم وجدت الحديث رواه ابو نعيم أيضاً في (جزء الكديمي) (31/2) وسنده هكذا: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الانصاري ثنا عمرو بن جميع عن ابن أبي ليلى عن اخيه عيسى عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن ابيه مرفوعاً) إ. ه. وحكم عليه الألباني أيضاً بالوضع، وهو حريّ به، فالكديمي المذكور هو محمّد بن يونس بن موسى الكديمي القرشي السامي، نقل الذهبي في (الميزان) عن ابن حبّان ان الكديمي لعله قد وضع اكثر من الف حديث. وعمرو بن جميع قال عنه الذهبي في (الميزان) أيضاً: كذبه ابن معين، وقال البخاري: منكر الحديث وقال الدارقطني وجماعة: متروك. قلت: وقد اتهمه بالوضع الحافظ ابن عدي. وابن ابي ليلى الأول هو محمّد بن عبد الرحمن بن ابي ليلى، وهو سيء الحفظ جداً كما قال الحافظ وغيره فهذا حال اسناده فيه كذابان وسيء الحفظ جداً، فسقط بذلك الحديث وهو الثاني الذي أشار اليه في هامشه وعزاه لابي نعيم وابن عساكر. واما الأول الذي عزاه لابن النجار عن ابن عباس- وهو ينقل كل ذلك من الصواعق وليس لهفضل في ذكره- فلا اظنه احسن حالاً من الآخر، وحتى وان كان من طريق آخر فقد بينه لنا السيوطي في(الجامع الصغير) (5148) وقال: حديث ضعيف، مع قلة عنايته بذلك. واكرر هنا ان السيوطي متساهل في التصحيح فربما يصحّح الضعيف، وهذا يفيدنا هنا انه اذا حكم على حديث بالضعف فيجعلنا متيقنين من ضعفه وربما يكون موضوعا- كما هو الغالب هنا- وهو يقول ضعيف(64/198)
لتساهله.
وعلى كل فالحديث لا يثبت من جميع طرقه فهو موضوع، كما قال أهل العلم، هذا من جهة اسناده، وما من جهة متنه فان لفظه يقتضي ان الصّدّيقين هم ثلاثة فقط كما هو واضح، وهذا مردود بثبوت تسمية غير هؤلاء صدّيقين، كما بينه شيخ الإسلام- (المنتقى) (ص474)- فقد سمى الله سبحانه النبيين كذلك فقال {انه كان صدّيقاً نبياً} لغير واحد منهم، وقال عن مريم ام عيسى أيضاً {و أمّه صدّيقة} وقال: {و الذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصّديقون} فهذا يقتضي ان كل من آمن بالله ورسله فهو صدّيق، ومثله قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً)- البخاري (2340)، مسلّم (2607)- وأحق الامة بهذا الاسم هو أبو بكر رضي الله عنه فقد ثبت تسميته بذلك دون حصره به، لكنّه أولى الامة به ففي الصحيحين ان النبي صلّى الله عليه وسلّم صعد احد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (اثبت أُحُد فما عليك الا نبي وصدِّيق وشهيدان)، وحادثة تسميته بالصّدّيق عقب الاسراء والمعراج معروفةٌ مشهورة، ثم ان الحديث لا يدل على مطلوبه أيضاً من تسمية آل البيت صدّيقين فليس فيه الا ذكر علي فمن أين ألحق به باقي أهل البيت؟(64/199)
وأولى الامة بالتشبيه بمؤمن آل فرعون هو ابو بكر الصديق رضي الله عنه. وليس عليا، كما ثبت عن عروة قال: قلت لعبد الله بن عمرو اخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن ابي معيط فاخذ بمنكب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فاقبل ابو بكر رضي الله عنه فاخذبمنكبيه ودفعه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: {أتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم}- اخرجه البخاري في (صحيحه) (6/159)- وهذا قول مؤمن آل فرعون تمثل به ابو بكر رضي الله، بل ان ابا بكر أفضل منه كما قال ذلك علي رضي الله عنه نفسه فيما اخرجه البزار وابو نعيم في (فضائل الصحابة)- (الدر المنثور) (7/285-286)- عن علي رضي الله عنه انه قال: (أيها الناس أخبروني بأشجع الناس، قالوا: أنت، قال: لا ! قالوا: فمن ؟ قال: أبو بكر رضي الله عنه، لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واخذته قريش هذا يحثه وهذا يبلبله، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً، قال: فوالله ما دنا منّا أحدٌ إلا أبو بكر رضي الله يضرب هذا ويجاهد هذا، وهو يقول: (ويكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله) ثم رفع علي رضي الله عنه بردة كأنت عليه فبكى حتى أخضلت لحيته، ثم قال: انشدكم بالله أمؤمن آل فرعون خيرٌ أم أبو بكر رضي الله عنه خير من مؤمن آل فرعون؟ ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه) إ. ه.(64/200)
بقي من قوله في الهامش (و الصحاح في سبقه وكونه الصّدّيق الأكبر والفاروق الأعظم متواترة) . قلت: وهذه دعوى لا تختلف عن سابقاتها في المبالغة والكذب، فليس فيها شرط التواتر حتى من جهة العدد فضلاً عن عدم صحتها، فقد ذكر ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/345) حديثا عن ابن عباس في تسمية علي بالصديق الأكبر والفاروق الاعظمم وحكم عليه بالوضع، وتابعه السيوطي كذلك في (اللالئ المصنوعة في الاحاديث الموضوعة) (1/324-325) وكذلك ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة) (1/353).
وروى أيضاً من حديث أبي ذر رضي الله عنه ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: (أنت أول من آمن بي وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت صدّيقي الأكبر، وأنت الفاروق تفرّق بين الحق والباطل وأنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكفار) اخرجه البزار كما في (تنزيه الشريعة) (1/352) لكنّه لا يثبت، في إسناده محمّد بن عبيد الله بن ابي رافع، قال ابن أبي حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث جداً ذاهب. وقال الدارقطني: متروك . وقال ابن معين: ليس بشيء . وعدّه الكناني في (تنزيه الشريعة) آفة هذا الحديث . وفي إسناده أيضاً عبّاد بن يعقوب، وهو وان كان صدوقاً لكنّه غالٍ في التشيع فمثله لا يُقبل خبره في شيء من فضائل علي رضي الله عنه، ومن غلوّه انه كان يقول ان الذي حفر البحر علي بن ابي طالب والذي اجراه الحسين بن علي كما في ترجمته من (تهذيب التهذيب) و(الميزان)، فهذه علتان في اسناده تكفي كل واحدة منهما لرد اي حديث هي فيه، واخرج هذا الحديث أيضاً من نفس الطريق ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/344).(64/201)
ورواه أيضاً الطبراني في (الكبير) (6184). وقال: حدثنا علي بن اسحاق الوزير الاصبهاني حدثنا إسماعيل بن موسى السدي ثنا عمر بن سعيد عن فضيلبن مرزوق عن ابي سخيلة عن ابي ذر وسلّمان قالا. . . الحديث، وهذا إسناد مطعون في جميع رجاله سوى شيخ الطبراني علي بن اسحاق فلم اجد له ترجمه والله اعلم بحاله، وإسماعيل السّدّي يخطئ ورُمي بالرفض، كما قال الحافظ في (التقريب)، وشيخه عمر بن سعيد ضعيف وقال النسائي: ليس بثقة. وتركه الدارقطني وبه أعل الحديث الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/102): وفضيل بن مرزوق في حفظه ضعف، قال الحافظ: صدوق يهم ورمي بالتشيع، وأخيراً أبو سخيل هذا مجهول، كما قال الحافظ وغيره وهي جهالة عين لا جهالة حال وهي اشد ضعفا من مرتبة الضعيف. فهذا اذاً إسناد لا يفرح بمثله ولا يُغني شيئاً إذ انه ان سلّم من علة وقع في اخرى كما هو واضح . واخر ذلك ما روي عن علي رضي الله عنه من قوله نفسه قال: (انا عبد الله واخو رسوله وانا الصدّيق الاكبر لا يقولها بعدي الا كاذب صليت قبل الناس سبع سنين) اخرجه الحاكم في (المستدرك) (3/112)، والنسائي في (خصائص علي)كمافي (تنزيه الشريعة) (1/376) من طريق عباد بن عبد الله الأسدي عن علي. وذكره الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) في ترجمة عباد بن عبد الله وهو ضعيف. قال ابن المديني: ضعيف الحديث. وقال البخاري: فيه نظر. وبه ردّ الحديث الذهبي وتعقبه على الحاكم حين قال: صحيح على شرط الشيخين، فتعقبه الذهبي بانه باطل وان عبادا ضعيف، وقد رد هذا الاثر احمد بن حنبل وضرب عليه، كما في (تهذيب التهذيب) وذكره الذهبي في (الميزان) في ترجمة عباد وقال: هذا كذب على علي، وانظر (ص411- 412) من كتابنا هذا . هذه حال جيمع طرق هذا الحديث، فمن اين تأيته الصحة فضلاً عن التواتر؟(64/202)
قوله: (وفيهم وفي أوليائهم قال الله تعالى: وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون)و قال في الهامش (42/70): (نقل صدر الائمة موفق ابن احمد عن ابي بكر بن مردويه بسنده إلى علي قال: تفترق هذه الامة ثلاثاً وسبعين فرقة كلها في النار الا فرقة فانها في الجنة، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ في حقهم: وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون، وهم انا وشيعتي) إ. ه.
قلت: قصر الآية بهم لا دليل عليه ولا يصح، فالآية عامة، وان كان يلحقها التخصيص فبأمة صلّى الله عليه وسلّم كما قال غير واحد من السلف فيما رواه ابن جرير (9/86) وغيره، ويروي أيضاً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بسند معضل. وما نسبه هذا الموسوي إلى علي رضي الله عنهو لم يبينلنا اسناده حتى يلزمنا به الحجة، ولا اظنه الا باطلاً كدعأويه السابقة وإلا فليسق لنا احدٌ إسناده.
ثم رأيت السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) (3/617) ذكر قول علي رضي الله عنه هذا واليك لفظه، قال: (لتفترقن هذه الأمة على ثلا وسبعين فرقة كلها في النار الا فرق، يقول الله {و ممّن خلقنا أمةٌ يهدون بالحق وبه يعدلون} فهذه هي التي تنجو من هذه الأمة) إ. ه. ومع ان السيوطي لم يصرح بثبوته فهو موافق لحديث صلّى الله عليه وسلّمالصحيح المعروف في هذا الباب ويزيد عليه في تفسيره الآية بهذا، لكن المهم انه ليس فيه قوله (و هم أنا وشيعتي) مما يبين التحريف والزيادة في النص أما من هذا الموسوي أو ممن لقبه بصدر الائمة موفق بن احمد، ومثل هذا التحريف والتلاعب بالنص يجعلنا لا نثق بأي شيء يسوقه لنا خصوصاً اذا لم يبين لنا موضعه من الكتاب واسناده، كما هو دأبه في معظم ما ساقه من النّصوص.(64/203)
قوله: (و قال في حزبهم وحزب اعدائهم: لا يستوي أصحاب النار واصحاب الجنة اصحاب الجنة هم الفائزون) قلت: بامكان اي صاحب دعوى حقه أو باطلة ان يحتج بهذه الآية ضد خصومه كما فعل هذا الاحمق وان يلفق رجاله من النّصوص ما يقصرها به دون خصومه كما فعل صاحبنا في الهامش (43/70) في نقله من الطوسي والصدوق وموفق بن احمد، وكلهم من ائمة الشيعة فكيف يلزم أهل السّنّة بهم؟ وهو انما ادعى في كتابه انه يسوق الأدلة من كتب أهل السّنّة ليقيم الحجة عليهم- كما زعم- فهل هذه كتب أهل السّنّة؟ بل لا اشك انه انما فعل هذا لعدم وجود اي نص في جميع كتب أهل السّنّة حتى ولو موضوع مكذوب يؤيّد ادعاءه فعرّج إلى كتب طائفته، فكفانا بذلك مؤونة الرد عليه ولله الحمد.
ثم ان مَن تدبر الآية وسياقها علم ان الله سبحانه وتعالى لم يسقها لبيان من هم اصحاب الجنة واصحاب النار، فان هذا مفصل مبين في سائر ايات القرآن الكريم، بل ساقها ليبين انهما لا يستويان في ميزان الله تعالى وانه من عدله سبحانه وتعالى ان يكرم الابرار ويهين الفجار، كما قال: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} وقال: {و ما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلاً ما تتذكرون} وقال تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار}.(64/204)
ومن المناسب لهذه الآية أن نذكر ما اخرجه مسلّم (2/705، 706) عن جرير قال: كنت جالساً عند رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم فأتاه قوم مجتابي النمار متقلدي السيوف عليهم ازر ولا شيء غيرها عامتهم من مضر فلما رأى النبي صَلّى الله عليه وسلّم الذي بهم من الجهد والعري والجوع تغير وجه رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم ثم قام فدخل بيته ثم راح إلى المسجد فصَلّى الظهر ثم صعد منبره فحمد الله واثنى عليه ثم قال: (اما بعد فان الله انزل في كتابه {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إنّ الله خبيرٌ بما تعملون. ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون. لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} تصدقوا قبل ان لا تصدقوا، تصدقوا قبل ان يحال بينكم وبين الصدق، تصدق امرؤ من ديناره تصدق امرؤ من درهمه . .) الحديث وشاهدنا من الحديث ان رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم تلا هذه الآية وجعلها عامة ولم يخصصها ولم يشر إلى أيّ مقصود خاص بها بل جعلها محفزة على الصدقة هي والآيات قبلها، الم يكن رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يعلم بمقصودها الخاص ان كان لها مقصود خاص؟
قوله: (و قال في الحزبين أيضاً: أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار. وقال فيهما ايضاً: أم حسب الذين اجترحوا السّيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون).(64/205)
قلت: تقدم الجواب عليه في استشهاده بالاية السابقة فهما كقوله تعالى: { لا يستوي أصحاب النار واصحاب الجنة اصحاب الجنة هم الفائزون} وما اشار اليه في الهامش (44/70) في تفسير علي بن ابراهيم لا دليل به على أهل السّنّة، فعلي بن ابراهيم هذا هو القمي صاحب (تفسير القمي) الذي قدمنا شيئا من الكلام على تفسيره في مقدمة كتابنا هذا، وهو الذي يقول ان في القرآن الذي بين أيدينا الآن ما هو على خلاف ما أنزل الله، وهو مع ذلك من كبار ائمتهم لكنّه عند أهل السّنّة أضل من حمار أهله.
ولا أظن هذا الموسوي يعني في هامشه الا ما اخرجه ابن عساكر عن ابن عباس- كما في (الدر المنثور) (7/174-175)- في قوله {أم نجعل الذين آمنوا . . . } الآية قال: الذين آمنوا علي وحمزة وعبيدة بن الحارث. والمفسدين في الارض عتبة وشيبة والوليد وهم الذين تبارزوا يوم بدر إ. ه.
وهو الذي جعله تفسيراً للآية الثانية كما في الهامش (45/70). ولا يمكن ان يصح لا للآية الأولى ولا للآية الثانية، فكلا الآيتين مكية، بينما وقعة بدر كأنت في السنة الثانية للهجرة كما هو معروف، وعلى أية حال فليس في أيّ من الآيتين سوى تفضيلهم على غير المؤمنين، وهذا لا يماري فيه مسلّم، فأين في الآيتين والأثر الذي أشار إليه وذكره تفضيلهم على باقي الصحابة؟
ثم إن سبب النزول الذي ادعاه فيه ذكر لحمزة وعبيدة بن الحارث مع علي، فليس فيه ذكر لآل عليّ وذريته بل فيه غير آله، مع انه كما قلنا تفضيل في مقابل أهل الشرك مثل عتبة وشيبة والوليد، فاين هو مما ادعاه من تقديمهم على باقي الأمة؟ أينكن أن يخالفني أحد بأن مثل هذا الإستدلال لا يفعله الا الجهلة؟ لا أظن ذلك.(64/206)
قوله: (وقال فيهم وفي شيعتهم: ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) وقال في الهماش (46/70): (حسبك في ذلك ان ابن حجر قد اعترف بنزولها فيهم وعدذها من آيات فضلهم فهي الآية 11 من أياتهم التي أوردها في الفصل الأول من الباب 11 من صواعقه، فراجعها وراجع ما أرودناه من الأحاديث المتعلقة بهذه الآية في فصل بشائر السنة والشيعة من فصولنا المهمة) إ. ه.
قلت: وهذا افتراء على ابن حجر إذ لم يعترف بها بل أوردها وحسب ولم يتكلم على صحتها، شأنه في ذلك كشأنه في جميع ما ساقه من الأدلة فلا يعد ذكره لها اعترافا بصحتها، وهذه كتب أسباب النزول فلم يذكر أحد منهم مثل هذه الرواية حتى من طريق ضعيف. وسياق الآية يأبى ما قاله فقد بين الله سبحانه وتعالى منزله أهل الكتاب والمشركين فقال: {ان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم، أولئك هم شر البريّة} ثم قال: {ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريّة} أفيمكن ان يقصر كل لفظ للذين آمنوا وعملوا الصالحات بعليّ وآله؟ وهذه الدعوى بامكان المخالف لهم ان يدّعيها أيضاً لمتبوعيه حتى الخوارج يمكنهم ان يقولوا: اننا نحن المقصودون بهذه الآية، أبمثل هذه العموميات تحل النزاعات؟(64/207)
وكان ما قاله ابن حجر في (الصواعق المحرقة) أن ذكر حديثا لابن عباس في نزول هذه الآية، وعزاه للحافظ جمال الدين الذرنديِ، وفيه: (لما نزلت هذه الآية {إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم لعلي: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين) إ. ه. وهو حديث باطل لا يثبت كما بينه ابن عدي في (الكامل) (2/803) ونقله عنه السيوطي في (الدر المنثور) (8/589) لكنّه لم يبين ضعفه لانه مفهوم من عزوه لابن عدي فكتابه خاص في الرواة الضعفاء والكذابين الذين لا يثبت حديثهم وهو (الكامل في ضعفاء الرجال) ويذكر في ترجمة كل رأو حديثاً أو أكثر من غرائبه ومناكيره، ومنها حديث ابن عباس هذا، وهو احد الأحاديث التي اشار اليها في الهامش (46/70). ومن تلك الاحاديث الموضوعة أيضاً حديث أبي سعيد رضي الله عنه ان النبي صَلّى الله عليه وسلّم قال: (عليّ خير البرية) اخرجه ابن عدي في (الكامل) (1/174) ونقله عنه الذهبي في (الميزان) (1/99-100) والكناني في (تنزيه الشريعة) (1/354) والسيوطي في (اللآلئ المصنوعة) (1/170) وذكره السيوطي أيضاً في (الدر المنثور) (8/589) وعزاه لابن عساكر ايضا، وهو حديث باطل كما قلنا، وهذا واضح من اسماء هذه الكتب فهي مختصة بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، قال عنه الذهبي: (و هذا كذب، وانما جاء عن الاعمش عن عطية العوفي عن جابر قال: كنا نعد عليّاً من خيارنا، وهذا حق) إ. ه. قلت: وهذه الرواية عن جابر رضي الله عنه بهذا اللفظ هي الاصح بخلاف الرواية الاخرى عنه التي رواها ابن عساكر- (الدر المنثور) (8/589)- بتسمية عليّ خير البرية فهي موضوعة كما سبق، اما ان يقال ان عليّاً رضي الله عنه وجميع آل البيت ممن تشملهم الآية كما تشمل غيرهم فهذا حق لا مرية فيه . . . .(64/208)
قوله: (و قال فيهم وفي خصومهم: هذا خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم) وقال في الهامش (47/70): (أخرج البخاري في تفسيره، سورة الحج ص107 من الجزء 3 من صحيحه بالإسناد إلى علي قال: انا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة (قال البخاري) قال قيس: وفيهم نزلت هذا خصمان اختصموا في ربهم، قال: هم الذين بارزوا يوم بدر عليّ وصاحباه حمزةُ وعبيدةُ، وشيبة بن ربيعة وصاحباه عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة إ. ه. وأخرج في الصفحة المذكورة عن أبي ذر أنه كان يقسم فيها ان هذه الآية هذان خصمان اختصموا في ربهم نزلت في عليّ وصاحبيه، وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر) إ. ه.
قلت: ليس هذا دليل على تفضيل علي رضي الله عنه على من سواه من الصحابة ولا على تفضيل آل البيت على من سواهم من سلف الامة، كما هو واضح إذ الحادثة فيما بينهم وبين أهل الشرك فأين فيها ما ادعاه من تقديمهم على سائر الامة؟ ولا شك انها من فضائل علي وصاحبيه رضي الله عنهم لكن ليس فيها اي دليل على أفضليتهم على غيرهم، وقد تقدم الكلام على حادثة المبارزة عند الكلام على قوله تعالى: {ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض} فليراجع، والمهم ان الآية وحادثة المبارزة ليس فيها دليل على الأفضلية مع العلم ان هناك اقوالا أخرى في المقصودين بالآية عن ابن عباس وغيره ومع ملاحظة ان لفظ الآية عام فلا ينبغي لنا تخصيصه حتى بسبب النزول عملا بالقاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) وهو الذي اختاره امام التفسير محمّد بن جرير الطبري في تعميم الآية وقال (17/91): (و لا يخالف المروي عن علي وأبي ذر لأن الذين تبارزوا ببدر كانوا فريقين مؤمنين وكفار، ألا ان الآية اذا نزلت في سبب من الاسباب لا يمنع ان تكون عامة في نظير ذلك السبب) إ. ه. بتصرف.(64/209)
قوله: (و فيهم وفي عدوهم نزل: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقاً لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نُزُلاً بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) وقال في الهامش (48/71): (نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين والوليد بن عقبة بن أبي معيط بلا نزاع، وهذا هو الذي اخرجه المحدثون وصرح به المفسرون- ثم ذكر ما أخرجه الواحدي فقط-) إ. ه.(64/210)
قلت: سبب النزول هذا اخرجه الواحدي (ص263) وفي اسناده ضعف ولكنّه ينجبر بكثرة طرقه ويصح، وقد ذكرها السيوطي في (الدر المنثور) (6/553) وفي (اسباب النزول) (ص163) بيد أنه لا يختلف عن سابقه في عدم دلالته سوى على تفضيل علي رضي الله عنه على الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فليس فيه اية اشارة إلى تفضيله على باقي الصحابة، ولا ادري ما وجه المناسبة بينه وبين ما ادعاه هذا الموسوي حتى يورده، أيشك مسلّم في أفضلية عليّ رضي الله عنه على ذلك الفاسق الوليد بن عقبة بين أبي معيط الذي سماه الله سبحانه فاسقاً في هذه الآية وفي قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا . . . } الآية كما روى الامام أحمد (4/279) والطبراني (3395) وابن جرير (26/107) وابن اسحق - (سيرة ابن هشام) (3/308-309)- وغيرهم انه هو المعنيّ في الآية وذلك حين بعثه رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم ليأخذ صدقات بني المصطلق فافترى عليهم وادعى انهم ارادوا قتله، كما هو مفصل في تلك القصة، فمثل هذا لا شك في أفضلية علي رضي الله عنه عليه- الا ما كان من امر الخوارج- فاين فيها أفضليته هو وآله على باقي الصحابة وسلف الأمة؟ وحقا ان هذه الآية من فضائل علي رضي الله عنه بتسميته الوليد بالفاسق أولا، وثانياً قد شاركه في مثلها- أعني هذه الموافقة- وزاد عليه أيضاً امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بموافقته القرآن الكريم في اكثر من موضع كالصلاة في مقام ابراهيم، واية الحجاب، والحكم في اسارى بدر، وعدم الصلاة على ابي بن سلول وغير ذلك مما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما . . .(64/211)
قوله: (و فيهم وفيمن فاخرهم بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام انزل الله تعالى: أجعلتم سقايةَ الحاج وعمارة المسجدالحرام كَمَن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) وقال في الهامش (49/71): (نزلت هذه الآية في علي وعمّه العباس وطلحة بن شيبة وذلك انهم افتخروا فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفاتيحه وإليّ ثيابه,و قال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال علي: ما أدري ما تقولان لقد صليتُ ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله تعالى هذه الآية، هذا ما نقله الإمام الواحدي- في معنى الآية من كتابه أسباب النزول- عن كل من الحسن البصري والشعبي والقرظي ونقل عن ابن سيرين ومرة الهمداني إنّ علياً قال للعباس: ألا تهاجر ألا تلحق بالنبي صَلّى الله عليه وسلّم؟ فقال ألستُ في أفضل من الهجرة، ألست أسقي حاجُ بيت الله وأعمر المسجد الحرام؟ فنزلت الآية) إ. ه.(64/212)
قلت: ذكره الواحدي (ص182) لكنّه لم يسنده ولم يبين طريقه ولا من أخرجه مع أنه قد روى قبل ذلك بالإسناد الصحيح سبب نزول هذه الآية فأعرض هذا الموسوي عنه إلى ما يوافق هواه مع عدم وجود دلالة صحيحة تدل على ثبوته. وقول الحسن البصري والشعبي ومحمّد ابن كعب القرظي هذا أخرجه ابن جرير (10/59- 60) وعزاه السيوطي في (الدر المنثور) (4/145) لعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، وبغضّ النظر عن ثبوته وصحته إلى كل من الحسن والشعبي والقرظي فإنّه لا يصح ولا يثبت الاحتجاج به لأنه مرسل فان كلا منهم ليس صحابيا قطعا ولم يدرك زمن الرسول صَلّى الله عليه وسلّم وزمن نزول هذه الآية حتى يروي هذه القصة، لذا فمن المؤكد أن كلا منهم أخذ هذه القصة عن رأو آخر وليس هناك ما يشير إلى أن هذا الرأوي صحابي أخذوه عنه حتى نقول بصحته بل يحتمل أن يكون تابعياً، وإذا كان كذلك يحتمل أنه أخذه عن صحابي أو تابعي آخر، وعلى احتمال أنه تابعي في كلا الحالتين فلا بد من معرفة عينه حتى تعرف عدالته وضبطه، وما دمنا نجهل عينه فانه يستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه، كما قال الخطيب في (الكفاية) (ص287) فوجب بذلك كونه غير مقبول، أعني أن الحديث المرسل والرواية المرسلة كروايتنا هذه ضعيفة لا يحتج بها وان كان المرسِل ثقة، قال ابن الصلاح في (علوم الحديث) (ص58): (و ما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وقد تدأولوه في تصانيفهم) إ. ه.(64/213)
بقيت مسألة واحدة وهي ادعاء تصحيح هذه الرواية بكثر الطرق على اعتبار انه قد ارسلها الحسن البصري والشعبي ومحمّد بن كعب القرظي، وهذه دعوى مردودة لبقاء جهالة الرواة الذين أخذوا عنهم مع تعددهم وبالتالي بقاء عدم معرفة عدالتهم واحتمال ضعفهم: هذا أولاً، وثانياً: من ملاحظة طبقة الحسن البصري والشعبي والقرظي يتبين انهم من طبقة واحدة وهي الثالثة وانهم متعاصرون ومتقاربون في وفياتهم فالحسن البصري توفي سنة (110) والشعبي قبله بقليل (108) والقرظي بعدهما بقليل (117) وهذا يفيدنا انه من المحتمل- احتمال قوي- انهم جميعاً أخذوا هذه الرواية عن رأو واحد لا غير وبالتالي هذا يدحض دعوى تعدد الطرق، وإن كأنت هي غير مجزية هنا.
من أجل كل هذا أقطع بعدم صحة هذه الرواية وعدم ثبوتها وبطلان الاحتجاج بها، خصوصا اذا علمنا بأنها مع ضعفها هذا مخالفة لرواية أصح منها سنداً وأقوى مخرجاً وأكثر طرقا في سبب نزول هذه الآية وهو ما أخرجه مسلّم في (صحيحه) (3/1499)، والإمام أحمد (4/269)، وابن جرير (10/59)، والواحدي (ص181-182) وعزاه ابن كثير في (التفسير) (2/342) لابن مردويه وابن أبي حاتم وابن حبان، وكذا السيوطي في (الدر المنثور) (4/144) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: كنت عند منبر رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم في نفر من أصحابه، فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل لله عملا بعد الإسلام الا أن أسقي الحاج، وقال آخر بل عمارة المسجد الحرام، وقال آخر: بل الجهاد في في سبيل الله خير مما قلتم، فزجرهم عمر رضي الله عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم- وذلك يوم الجمعة- ولكن اذا صليتم الجمعة دخلت على رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام} إلى قوله: { والله لا يهدي القوم الظالمين} إ. ه.(64/214)
قلت: فهذا هو الصحيح في سبب نزول هذه الآية، وعلى فرض ان الصحابي الذي قال: (الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم) هو علي رضي الله عنه فتعد هذه من فضائله رضي الله عنه في موافقة القرآن له، كما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه من ذلك الكثير، لا انها تفضيل له على غيره كما تدعيه الرواية الضعيفة السابقة.
بقي مما نقله في الهامش قول ابن سيرين ومرة الهمداني اللذين ذكرهما الواحدي أيضاً لكنّه لم يسندهما ولم يبين مخرجهما كذلك مع انهما ليس فيهما تفضيل لعليّ رضي الله عنه نفسه، بل فيهما- ان ثبتا- تأييد الآية لعلي رضي الله عنه في دعوته عمه للهجرة، ثم انهما مرسلان ضعيفان ليسا متصلين فحالهما كحال رواية الحسن البصري والشعبي والقرظي في ضعفها وبطلان الاحتجاج بها. ولم أجد ذكراً لمن أخرجهما سوى ما ذكره السيوطي في (الدر المنثور) (4/146) ان قول ابن سيرين هذا أخرجه الفريابي دون الكلام عن اسناده. . .(64/215)
قوله: (و في جميل بلائهم وجلال عنائهم قال تعالى: { ومِنَ الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}، وقال: {ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتَلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين}. وقال في الهامش (50/71): (أخرج الحاكم في صفحة 4 من الجزء 3 من المستدرك عن ابن عباسٍ قال: شرى على نفسه ولبس ثوب النبي. . . الحديث، وقد صرح الحاكم بصحته على شرط الشيخين وإن لم يخرجاه واعترف بذلك الذهبي في تلخيص المستدرك، وأخرج الحاكم في الصفحة المذكورة أيضاً عن علي بن الحسين قال: إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله عليّ بن أبي طالب إذ بات على فراش رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم ثم نقل أبياتاً لعليّ أولها:
وقيتُ بنفسي خير من وطأ الحصا ومن طاف بالبيت العتيقِ وبالحجر)إ. ه.(64/216)
قلت: أما الآية الثانية وهي قوله تعالى {إنّ الله اشترى من المؤمنين . . . } إلى قوله تعالى: {وبشّر المؤمنين} فليست مخصوصةً بعلي رضي الله عنه ولا أهل البيت فان لفظها عام لجميع المؤمنين بما وعدهم الله سبحانه به، بل عامّة لكل الأمم ليس فقط أمة محمّد صَلّى الله عليه وسلّم، ألا ترى أنه قال: {وعداً عليه حقّاً في التوراة والإنجيلِ والقرآن} وليس هناك ما يؤيد ما ادعاه باختصاصها بهم ونزولها فيهم حتى ولا في حديث أو رواية موضوعة مكذوبة، لذا تراه لم يُشر إلى أي شيء فيها في الهامش وغيره. وأما الآية الأولى، وهي قوله تعالى {و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} فلا يمكن أن يكون سبب نزولها مبيت علي رضي الله عنه في فراش النبي صَلّى الله عليه وسلّم ليلة الهجرة فان قول ابن عباس الذي ساقه في الهامش لا يدل عليه فليس فيه أية إشارة إلى نزول هذه الآية عقب تلك الحادثة، كل ما فيه تشابه في اللفظ مع الآية، أو أن يقال أن عليا رضي الله عنه بفعله ذلك ممن تشمله الآية وتنطبق عليه مع غيره من الصحابة، واخصهم في تلك الآية الصحابي الجليل صهيب الرومي كما سيأتي في ما جاء سبب نزول هذه الآية.(64/217)
والأثر الذي ذكره في الهامش عن ابن عباس وعزاه للحاكم (3/4) ليس فيه ذكر للآية ولا ربط بين فعل علي رضي الله عنه ونزول الآية، فيكف يدّعي انها نزلت فيه، ثم انه قد كذب في الهامش كذبا صريحا ولا يستحي منه حين قال: (و قد صرّح الحاكم بصحته على شرط الشيخين وان لم يخرجاه، واعترف بذلك الذهبي في تلخيص المستدرك)، فان الحاكم لم يقل: صحيح على شرط الشيخين بل قال- وراجع قوله في (المستدرك)-: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي نعم لكن ليس على شرط الشيخين. وأهل الجهل بالحديث- كهذا الموسوي- لا يفرقون بين (صحيح الإسناد) وبين (صحيح على شرط الشيخين). فالثاني منهما أعلى مرتبةً وأقوى صحةً، وهو ليس متحققا في إسناد قول ابن عباس هذا ولا حتى أدنى درجات الصحة لمن نظر في رجال إسناده ولم يغتر بتصحيح الحاكم وموافقة الذهبي له، فإنّه من طريق كثير بن يحيى عن أبي عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس، وفي هذا الإسناد علتان تمنعان من تصحيحه:
الأولى: كثير بن يحيى عند مناكير، كما قال الإزدي فيما نقله الحافظ في (تعجيل المنفعة)، وكان عباس بن عبد العظيم العنبري ينهى الناس عن الأخذ عنه- أي الرواية عنه- لما في رواياته من المنكرات، وقد ذكر ذلك الذهبي نفسه في (الميزان) (3/410)، فلا أدري كيف غفل عنه هنا.
الثانية: أبو بلج هذا- وهو يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم- عنده مناكير أيضاً وبلايا كما قال الذهبي نفسه في (الميزان) (4/384-385) وساق له بعضها، وقال عنه ابن حبان: كان يخطئ، ومثله قاله الحافظ في (التقريب)، وقال البخاري: فيه نظر. هذا فضلا عن انهما- أعني كثير ابن يحيى وأبا بلج- ليس لهما رواية عند البخاري أو مسلّم.
فقول ابن عباس هذا مع انه لا يدل على مطلوبه وليس فيه ذكر الآية، ليس صحيحاً ولا يثبت.(64/218)
وأما قول علي بن الحسين- وهو زين العابدين- الذي أخرجه الحاكم (3/4) فليس فيه أي دليل يلزم به أهل السّنّة بشيء من ذلك، كما أنه ليس من الصحابة حتى يقبل خبره، وعلأوة على ذلك فإن إسناده ضعيف لا يثبت عن علي بن الحسين، فهو من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني ثنا قيس بن الربيع ثنا حكيم بن جبير عن علي بن الحسين وهذا إسناد مسلسل الضعفاء، فيحيى بن عبد الحميد كان يسرق الحديث فيحدث به وهو ليس من حديثه، كما في ترجمته من (التهذيب) و(الميزان)، وقيس بن الربيع سيء الحفظ وحكيم بن جبير ضعيف متروك، كما في (الميزان) و(التهذيب).
وأما سبب النزول الصحيح في هذه الآية فهو قدوم صهيب مهاجراً نحو النبي صَلّى الله عليه وسلّم وقد اتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته وأنتشل ما في كنأنته ثم قال: يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأيم الله لا تصلون الي حتى أرمي بكل سهم من كنأنتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخلّيتم سبيلي قالوا نعم. فلما قدم على النبي صَلّى الله عليه وسلّم قال: (ربح البيع، ربح البيع) ونزلت {و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} وقد أخرج ذلك الحاكم نفسه في (المستدرك) (3/398، 400) عن صهيب، وأخرجه أيضاً من طريق حماد ابن سلّمة عن ثابت عن أنس، وقال صحيح على شرط مسلّم، وهو الذي ذكره الواحدي في (أسباب النزول) (ص43، 44)، والسيوطي أيضاً (ص28) وعزاه للحارث بن أبي أسامة في (مسنده)، ولابن أبي حاتم. وعزاه في (الدر المنثور) (1/575، 576) لابن مردويه وابن المنذر وابن عساكر وغيرهم. وساق ابن كثير في (التفسير) (1/247) إسناد ابن مردويه عن صهيب وهو إسناد جيد، ورواه أيضاً أبو نعيم في (الحلية) (1/151، 152) ورواه الطبراني في (الكبير) (7289، 7290) مرسلا عن ابن جريج وعكرمة.(64/219)
هذا هو سبب النزول الصحيح الثابت لهذه الآية، وهو الذي أخرجه الحاكم نفسه كما سبق وهو الذي صححه على شرط مسلّم دون الآخر الذي أنتقاه هذا الموسوي لا لصحتهِ بل لموافقه هواه ومذهبه، وهذا هو ما نبهنا عليه مراراً بأن مقياس القبول عنده وعند أمثاله لا صحة الإسناد وثقة الرواة بل موافقة هواه وما يريد التوصل اليه، وهذا شأن أهل البدع كافة. . .
قوله: (وقال: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} وقال في الهامش (51/72): (أخرج المحدثون والمفسرون وأصحاب الكتب في أسباب النزول بأسانيدهم إلى ابن عباس في قوله تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنّهار سرّاً وعلانية}. قال: نزلت في علي بن أبي طالب. كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحداً وبالنهار واحداً وفي السرّ واحداً وفي العلانية واحداً فنزلت الآية. أخرجه الإمام الواحدي في (أسباب النزول) بسنده إلى ابن عباس. وأخرجه أيضاً عن مجاهد. ثم نقله عن الكلبي مع زيادة فيه) إ. ه.
قلت: عبارته توحي بأن له طرقا كثيرة وانه صحيح، والحق انه خلاف ذلك كما سنبينه، وهو لم يذكر من مخرجيه سوى الواحدي وهو قصور منه ناتج عن قلة معرفته بأمهات المصادر.
وقد أخرج قول ابن عباس هذا الواحدي (ص64)، والطبراني في (الكبير) (11164)، وابن أبي حاتم- (تفسير ابن كثير) (1/326)- وعزاه السيوطي في (الدر المنثور) (2/100) لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر، وقد ضعفه في (أسباب النزول) (ص35) وهو حري به فان طرقه وان تعددت تجتمع كلها في عبد الوهاب بن مجاهد عن مجاهد عن ابن عباس، وكذا قول مجاهد الذي أشار إليه رواه ابنه عبد الوهاب هذا، وهو متروك كما قال الحافظ في (التقريب) والذهبي (المغني). وقد كذبه سفيان الثوري، وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه وقال ابن الجوزي: أجمعوا على ترك حديثه.(64/220)
وأما قول الكلبي فقد ذكره الواحدي دون اسناد. وهو لا يغني شيئا فان الكلبي هذا هو محمّد بن السائب وهو متهم بالكذب، كما في ترجمته من (التقريب) وغيره. ثم ان الواحدي قد ذكر في كتابه (ص63) سبباً آخر لنزول هذه الآية وقد قدمه على هذا فلِمَ أعرض عنه هذا الموسوي؟ مع انه أصح منه، وأثبت.
قال شيخ الإسلام في (منهاج السنة)- أنظرالمنتقى (ص475)0 في ردّه على ابن المطهر في هذه الآية: (وهو كذب، والآية عامة في كل من ينفق أمواله، فيمتنع أن يراد بها واحدا لم يكن صاحب مال، ثم ما نسبته إلى عليّ يمتنع عليه، إذ من فعل ذلك كان جاهلا بمعنى الآية فان الذي ينفق سراً وعلانيةً ينفق ليلاً ونهاراً. ومن أنفق ليلاً ونهاراً فقد أنفق سراً وعلانيةً، فالدرهم ينصف نصفين ولا يتحتم أن يكون المراد أربعة دراهم، ولو كان كذلك لقال {و سرا} بالوأو {وعلانية} بل هما داخلان في الليل والنهار سواء قيل نصبا على المصدر اي إسراراً وإعلاناً، أو قيل على الحال مسراً ومعلناً. وهب أن علياً فعل ذلك فباب الانفاق مفتوح إلى قيام الساعة فأين الخصوصية؟ ولو كان انفاق أربعة دراهم خاصا به فلم قلت انه صار بذلك أفضل الأمة؟) إ. ه.
قلت: وما علاقة إنفاق أربعة دراهم بالإمامة؟ وهل من شروط الإمام أن يملك أو ينفق أربعة دراهم؟ فيا للعجب ما يفعل الجهل بأصحابه! وما أظن عاقلاً يقرأ كلامه هذا حتى يضحك عليه وعلى سخافته ملء فيه! فنحن نناقشه في وجوب تقديم عليّ بالإمامة هو يناقش بأنه كان يملك أربعة دراهم وقد أنفقها!!(64/221)
وقد حصل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه من ذلك ما لا يدانيه فيه أحدٌ من الأولين ولا من الآخرين، كما ثبت في (صحيح البخاري) (1/126)، وغيره أن النبي صَلّى الله عليه وسلّم قال: (إنّ أمنّ الناس عليَّ في نفسهِ وماله أبو بكر) وفي رواية قال: (إنه ليس من الناس أحدٌ أمنّ عليَّ في نفسهِ وماله من أبي بكر بن أبي قحافة). وأخرج الإمام أحمد (2/253، 266)، وابن ماجة (94) ان النبي صَلّى الله عليه وسلّم قال: (ما نفعني مالٌ قطّ ما نفعني مالُ أبي بكر)، وفي رواية عند الترمذي (4/310) قال: (ما لأحدٍ عندنا يداً إلاّ وقد كافأناه ما خلا أبا بكر فأن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مالُ أحدٍ قطّ ما نفعني مالُ أبي بكر . . .). وغير ذلك كثير وليس هذا موضع بسطه لكننا أحببنا الإشارة إلى ذلك، فأين هذا الفضل العظيم الذي حصل للصديق من أربعة دراهم يزعمون أن علياً أنفقها؟
وهل تسأوي هذه الدراهم الأربع شيئاً إذا ما قورنت بما أنفقه عثمان رضي الله عنه وخصوصاً في تجهير جيش العسرة، وهو جيشُ معركة تبوك؟ فقد أخرج الترمذي (4/320) عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال جاء عثمان إلى النبي صَلّى الله عليه وسلّم بألف دينار في كمّه حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره، قال عبد الرحمن فرأيت النبي صَلّى الله عليه وسلّم يقلبها في حجره ويقول: (ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم) مرتين. فان كان الفضل والتقدم بما ينفقه الرجل في سبيل الله يكون عثمان رضي الله عنه خيراً من علي رضي الله عنه. بما بين الألف دينارو الأربعة دراهم من الفضل والقيمة.(64/222)
قوله: (و قد صدقوا بالصدق فشهد لهم الحق تبارك إسمه فقال: {و الذي جاء بالصّدق وصدّق به أولئك هم المتقون}) وقال في الهامش (52/72): (الذي جاء بالصدق رسول الله، والذي صدّق به أمير المؤمنين، بنض الباقر والصادق والكاظم والرضا وابن عباس وابن الحنفية وعبد الله بن الحسن والشهيد زيد بن علي بن الحسين وعلي بن جعفر الصادق، وكان أمير المؤمنين يحتج بها لنفسه، وأخرج ابن المغازلي في مناقبه عن مجاهد قال: الذي جاء بالصدق محمّد، والذي صدّق به عليّ، وأخرجه الحافظان ابن مردويه وأبو نعيم وغيرهما) إ. ه.
قلت: كل ما ذكره في الهامش هراء في هراء، ولو كان صادقا في ثبوت ذلك عمّن ذكره لساق إسنادَه أو ذكر من أخرجه على أقل تقدير كما فعل في قول مجاهد، ثم ان هؤلاء الذين ذكرهم ليسوا حجة عن أهل السّنّة فليسوا معصومين عندهم كما هم عند الشيعة فكيف يحتج بهم عليهم؟ ونحن إذا سقنا لك حديثاً عن أبي هريرة لإعترضتَ بدعوى أنّ أبا هريرة- رضي الله عنه- مطعون به عندكم، فكيف تفعل مثل هذا؟ وإنما هي نصوصٌ لفّقتموها أنتم في كتبكم عن هؤلاء الأئمة وما أنتبهتم أنكم بحملكم هذه الآية على عليّ نقضتم أصلاً من أصولكم وهو عصمة عليّ والأئمة كما سنبينه.
وما حكاه عن قول مجاهد نقله من سلفه ابن المطهر الذي رد عليه شيخ الإسلام فقال- (المنتقى) (ص470)-: (قول مجاهد وحده ليس بحجة ان لو ثبت عنه، كيف والثابت عنه خلاف هذا، وهو: ان الصدق القرآن، والذي صدق به من عمل به، ثم ما ذكرت معارض بما هو أشهر منه عند المفسرين، وهو أنّ الذي صدق به أبو بكر الصديق، ذكره ابن جرير الطبري وغيره) إ. ه.
قلت: قول مجاهد هذا الذي ذكره شيخ الإسلام هو الثابت عنه وقد أخرجه الطبري (24/4)، وعزاه السيوطي في (الدر المنثور) (7/228- 229) لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن الضريس وابن المنذر، وهو قول قتادة أيضاً.(64/223)
وأما تفسيره {و صدّق به} بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو مروي عن علي رضي الله عنه نفسه، وهو ما يدحض حجته، رواه عنه الطبري (24/3) وعزاه السيوطي في (الدر المنثور) (7/228) للبأوردي في معرفة الصحابة وابن عساكر، وفي (تاريخ الخلفاء) (ص49) للبزار أيضاً من طريق أسيد بن صفوان- وله صحبة- عن علي بن أبي طالب.
وأما ان احتجاجهم بهذه الآية مما ينقض أصلهم في عصمة علي والأئمة فهذا يتبين من الآيات بعدها فقد قال الله تعالى: {و الذي جاء بالصّدق وصدّق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاؤون عند ربّهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا} وعندهم أنّ علياً والأئمة معصومون لا يخطئون ولا يعملون سوءاً، إذن فماذا يكفر الله عنهم؟ ذكر ذلك شيخ الإسلام عن أبي بكر بن عبد العزيز فقال- (المنتقى) (ص470)-: (و بلغنا عن أبي بكر بن عبد العزيز بن جعفر الفقيه غلام الخلال انه سئل عن هذه الآية فقال: نزلت في أبي بكر، فقال السائل: بل في علي، فقال، أبو بكر الفقيه: إقرأ ما بعدها، فقرأ إلى قوله {ليكفّر الله عنهم أسوأ الذي عملوا} فقال: عليّ عندكم معصوم لا سيئة له فما الذي يكّفر عنه؟ فبهت السائل) إ. ه. ثم قال شيخ الإسلام: (و لفظ الآية عام مطلق دخل في حكمها أبو بكر وعلي وخلق) إ. ه.
قلت: لا ريب ان هذا هو الصواب، ولله الحمد. . .
قوله: (فهم رهط رسول الله المخلصون وعشيرته الأقربون الذين اختصّهم الله بجميل رعايته وجليل عنايته فقال: وأنذر عشيرتك الأقربين).(64/224)
قلت: لا ريب انهم رهط رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم المخلصون وعشيرته الأقربون، لكن ذلك لا يعطيهم فضلا على غيرهم فأساس التفضيل عند الله التقوى والعمل الصالح لا النسب، كما قال الله تعالى: {إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم} وقال صَلّى الله عليه وسلّم: (إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليّيَ الله وصالح المؤمنين} أخرجه الإمام أحمد (4/203)، والبخاري (8/7)، وقال صَلّى الله عليه وسلّم يخاطب أهل بيته يحذّرهم من الاتكال على قرابتهم له صَلّى الله عليه وسلّم: (إن أوليائي يوم القيامة المتقون، وإن كان نسب أقرب من نسب، فلا يأتيني الناس بالأعمال وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم فتقولون: يا محمّد، فأقول هكذا وهكذا: لا، وأعرض في كلا عطفيه) أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) (921) بإسناد جيد، وأخرجه أيضاً ابن ابي عاصم في (السنّة) (213).(64/225)
وأما قوله تعالى: {و أنذر عشيرتك الأقربين} فليست كما ادعى هذا الموسوي من اختصاص الله سبحانه لهم بجميل رعايته وجليل عنايته، بل من اختصاصه لهم بالإنذار كما هو واضح مع كونهم داخلين في الإنذار العام لجميع الناس، وهذه الآية لو احتجّ بها الخوارج على الطعن بآل البيت- مع كونهم مخطئين في ذلك- لكان لهم وجه في ذلك أوضح مما زعمه هذا الموسوي، فهي نظير قوله تعالى: {و أوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} أي كل من بلغه القرآن فهو نذير له، وهذا عام في كل بني آدم. أفتبقى في الإنذار بعد ذلك فضيلة؟ ونظير قوله: {لنتذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون} وقوله تعالى {لتنذر أمّ القرى ومن حولها} وقوله {و أنذر به الذين يخافون أن يُحشروا إلى ربّهم} وقوله {لتبشّر به المتقين وتنذر به قوماً لُدّاً}، والإنذار في عرف كل بني آدم دليل على التخويف والتحذير والإرهاب، فليس فيه أية فضيلة، بعكس التبشير. ومما يدل على ذلك تتمه الآيات بعدها، إذ قال الله تعالى: {و أنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين. فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون} فهذا أيضاً من ضمن خطابه وانذاره لعشيرته الأقربين بأنهم إن عصوه بعد الإنذار أمره بأن يتبرأ من عملهم، أفيبقى بعد ذلك في هذه الآية أية فضيلة لهم على من سواهم وهو يحذرهم بأن يتبرأ من عملهم إن لم يجيبوه؟ ثم إنا نلمح في قوله تعالى: {و اخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين} مباهاة الله بأتباعه صَلّى الله عليه وسلّم عشيرته الأقربين، فهو يأمره بانذار عشيرته وتحذيرهم من البراءة من عملهم في الوقت الذي يخفض جناحَه ويلين لمن اتبعه من المؤمنين مهما كانوا، وهذا يشمل جميع الصحابة رضي الله عنهم وأخصهم ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فعادت من فضائل صحابته على أهل بيته وعشيرته صَلّى الله عليه وسلّم.(64/226)
وهذه النذارة الخاصة لعشيرته لا تنافي النذارة العامة، بل هي فرد من أفرادها، وفائدة تخصيصهم بالإنذار هنا هو ما سبق بيانه، خشية أن يتكل أحد منهم على قرابته صَلّى الله عليه وسلّم، فأمره الله سبحانه وتعالى أن ينذرهم ويحذرهم ويبين لهم أنه لا يغني عنهم من الله شيئا، وقد كان ذلك فعلاً، فقد أخرج الإمام أحمد (1/281- 307)، والبخاري (6/140، 153، 221) ومسلّم (1/194)، والترمذي (4/220) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله عزّ وجلّ {و أنذر عشيرتك الأقربين} أتى النبي صَلّى الله عليه وسلّم الصفا فصعد عليه ثم نادى: (يا صباحاه) فاجتمع الناس اليه بين رجل يجيء اليه ورجل يبعث رسوله فقال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم: (يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدّقتموني؟) قالوا: نعم، قال: (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) فقال: أبو لهب: تباً لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله {تبت يدا أبي لهب وتب}. وفي حديث أخرجه الامام أحمد (2/360)، والبخاري (6/140)، ومسلّم (1/192)، والترمذي (4/158)، والنسائي (6/248، 249، 250) إن هذه الآية عندما نزلت دعا رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم قريشاً فعمّ وخصّ فقال: (يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب أنقذوا أنفسكم من النار- يا معشر بني هاشم انقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد المطلب انقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمّد أنقذي نفسك من النار- فإنّي والله لا أملك لكم من الله شيئاً إلاً أنّ لكم رحماً سأبلّها ببلالها) وفي رواية أخرى قال: (يا صفية عمة رسول الله ويا فاطمة بنت رسول الله اشتريا أنفسكما من الله فإني لا أغني عنكما من الله شيئا). وقد روى هذا الحديث عائشة رضي الله عنها وأبو هريرة رضي الله عنه وقبيصة بن مخارق وزهير بن عمرو جميعا رضي الله عنهما، وله طرق أخرى(64/227)
وعن صحابة آخرين: ابي موسى الأشعري وأنس بن مالك والبراء والزبير بن العوّام وأبي أمامة رضي الله عنهم أجمعين، وقد ذكرها ومن أخرجها السيوطي في (الدر المنثور) (6/324- 327). فعلى هذا ليس في الآية فضيلة لعليّ وأهل البيت رضي الله عنهم، ولم أتبين ما الذي حمل هذا الموسوي على ذكر هذه الآية في فضائله- أو فضائل علي- حتى رأيت ابن المطهر قد استشهد بها على ذلك، فتبعه خلفه هذا الموسوي.
والقصّة: إنهم يزعمون أن عليا رضي الله عنه رواها في نزول قوله تعالى {و أنذر عشيرتك الأقربين} قال: (فجمع رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم بني عبد المطلب في دار أبي طالب، وهم أربعون رجلاً وامرأتان، فصنع لهم طعاماً وكان الرجل منهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق من الشراب فأكلت الجماعة كلهم من ذلك اليسير حتى شبعوا ولم يتبين ما أكلوا، فبهرهم ذلك وتبين لهم أنه صادق في نبوّته، فقال يا بني عبد المطلب، إن الله بعثني إلى الخلق كافة، وبعثني اليكم خاصة، فقالِ: {و أنذر عشيرتك الأقربين} وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان تملكون بهما العرب والعجم وتنقاد لكم بهما الأمم وتدخلون بهما الجنة وتنجون بهما من النار، شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه يكن أخي وو صيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي، فقال علي: أنا يا رسول الله) إ. ه. وقد رد على ذلك شيخ الإسلام فقال- (المنتقى) (ص488- 489)-: (و الجواب المطالبة بصحة النقل، فلا هو في السنن ولا في المسانيد ولا في المغازي فأين قولك فيه: نقله الناس كافة، وإنما هو من الموضوعات، ثم إن بني عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلا وقت نزول الآية، ولا كانوا اربعين في حياة الرسول أبدا، وجميع بني عبد المطلب من أولاد العباس وأبي طالب والحارث وأبي لهب، فكان لأبي طالب: علي وجعفر وعقيل وطالب، فطالب لم يدرك الإسلام، والعباس كان أولاده رضّعا أو لم(64/228)
يولد له. والحارث كان له ثلاثة: أبو سفيان وربيعة ونوفل، وأبو لهب كان له ولدان أو ثلاثة، فكل أولاد عبد المطلب إذ ذاك لم يبلغوا بضعة عشر فأين الأربعون؟ ثم قوله في الحديث: كل رجل منهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق من اللبن، كذب ليس بنو هاشم معروفين بكثرة الأكل، بل ولا واحد منهم يحفظ عنه هذا ثم لفظ الحديث ركيك يشهد القلب ببطلانه، فإنّه عرضه- كما زعمت- على أربعين رجلا، فلو فرضنا إنهم أجابوه كلهم- قلت: وهو الذي كان يحرص عليه صَلّى الله عليه وسلّم- من الذي يكون الخليفة منهم؟) أنتهى كلام شيخ الإسلام وقد أحسن- جزاه الله خيراً- في ردّ هذه القصة وبيان بطلانها من جهة متنها ولفظها وأجمل الردّ من جهة إسنادها ونحن نفصله بإذن الله فنقول: أخرجها ابن إسحق عن عبد الغفار بن القاسم بن أبي مريم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس عن عليّ بن أبي طالب، ومن طريق ابن إسحاق هذا أخرجها ابن جرير (19/112- 113) والبيهقي في (دلائل النبوة) (2/179) وعنه نقلها إبن كثير في (تفسيره) (3/350- 351) وفي (البداية والنهاية) (3/39-40) وأخرجها البيهقي أيضاً في (سننه الكبرى) (9/7). وشيخ ابن إسحاق هنا عبد الغفار بن القاسم بن أبي مريم- الذيقد أبهم في بعض الروايات ولم يصرح باسمه- كذاب، قال ابن المديني: كان يضع الحديث، وقال أبو حاتم والنسائي: متروك، وقال أحمد: ليس بثقة، وكذا قال الذهبي، وقال أبو دأود: أشهد أن أبا مريم كذاب إ. ه.(64/229)
والحديث رواه ابن أبي حاتم- (تفسير ابن كثير) (3/351- 352)، (البداية والنهاية) (3/40)- من طريق عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن المنهال بن عمرو به، وفيه أنه قال: (ايكم يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي)، وعبد الله بن عبد القدوس هذا هو الكوفي، قال يحيى بم معين: ليس بشيء رافضي خبيث، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة، وضعفه الدارقطني. ثم إن الأعمش مدلّس وقد عنعنه ولم يصرح بالتحديث لكن الملاحظ في لفظ هذا الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم انه لم يذكر فيه الخلافة العامة التي تدّعيها الشيعة لعليّ، بل كل ما فيه انه قال (يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي) فهو رضي الله عنه خليفته في أهل فقط صَلّى الله عليه وسلّم، وهذا أمر لا ريب في قبوله- مع ان هذا الحديث أيضاً لا يثبت- فعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أفضل من خلف رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم من أهل بيته، وأما لفظ الوصاية والوراثة والخلافة العامة فلم يأت إلا في الحديث السابق المروي من طريق الكذاب عبد الغفار ابن القاسم بن أبي مريم، وهذه عمدة هذا الموسوي وأشياعه الإحتجاج بالكذابين، قال ابن كثير في (التفسير) (3/352): (ومعنى سؤاله صَلّى الله عليه وسلّم لأعمامه وأولاده أن يقضوا عنه دينه ويخلفوه في أهله يعني ان قتل في سبيل الله كأنه خشي إذا قام بأعباء الإنذار أن يقتل فلمّا أنزل الله تعالى: { يا أيها الرسول بلّغ ما انزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس}. فعند ذلك أمن وكان أولاً يحرس حتى نزلت هذه الآية {و الله يعصمك من الناس} ولم يكن أحد في بني هاشم إذ ذاك أشد إيماناً وأيقاناً وتصديقاً لرسول الله صَلّى الله عليه وسلّم من علي رضي الله عنه) إ. ه.(64/230)
ومثل لفظ حديث ابن أبي حاتم هذا في عدم دلالته على ما زعمه هذا الموسوي، أخرج الإمام أحمد في (مسنده) (1/111) هذه القصة بلفظ مختصر، وفيه قوله صلّى الله عليه وسلّم: (من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي) وأيضاً ليس في لفظه ما يؤيد ما ادعاه من الوصاية والإمامة العامة والوراثة على فرض صحته وثبوته، فإنّه من طريق شريك القاضي عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي. وهذا إسناد ضعيف جداً لا يغني شيئاً فشريك القاضي مع انه ثقة في نفسه إلا أنه سيء الحفظ جداً لا يحتج بما انفرد به، والأعمش مدلّس وقد عنعنه في هذا الإسناد أيضاً، وعباد بن عبد الله الأسدي ضعيف الحديث كما قال ابن المديني. وقال البخاري: فيه نظر. ومتابعة شريك لعبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش هنا لا تغني شيئا فضلا ً عن ظهور علة أخرى في الإسناد وهي ضعف عباد بن عبد الله الأسدي. أيقول هذا رغم أن هذا الحديث لو ثبت فليس في لفظه أي شيء مما ادعاه هذا الموسوي وأشياعه من الوصاية لعليّ ووراثته للنبي صلّى الله عليه وسلّم كما بيناه سابقاً، ويكفي ان اللفظ الوحيد لهذا الحديث الذي فيه التصريح بالوصاية لعلي ووراثته وخلافته للنبي صلّى الله عليه وسلّم من بعده لم يُروَ- كما قلنا- الا من طريق ذلك الكذاب عبد الغفار بن القاسم بن أبي مريم.
وقد ذكر هذا الحديث أيضاً الهيثمي في (مجمع الزوائد) (8/302- 303) وقال: (رواه البزار واللفظ له وأحمد باختصار والطبراني في الأوسط باختصار أيضاً، ورجال أحمد وأحد إسنادي البزار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة) إ. ه. قلت: والإسناد الذي أشار اليه هو نفسه الذي ذكرناه، مع العلم ان لفظه عند البزار لا يدل أيضاً على مطلوبه، إذ فيه: (أيّكم يقضي عني ديني) فقط دون الألفاظ الأخرى، فحتى لو صحّ ما دل على ما ادعاه هذا الموسوي.(64/231)
وذكر الهيثمي أيضاً (9/113) لفظ حديث أحمد السابق وقال (و إسناده جيد) وهو غير جيد لما قدمنا من الضعف في إسناده، وحتى لو أغمضنا العين عن شريك القاضي والأعمش فإن عباد بن عبد الله الأسدي ضعيف كما قال الحافظ في (التقريب)، معروف بضعفه، فمن أين أتت الجودة لهذا الإسناد؟ مع ان في ثبوته ما لا يضير لعدم مساعدة لفظه على دعوى الموسوي.
لكن عباد بن عبد الله الأسدي هذا قد تابعه عن علي ربيعة بن ناجذ عند الإمام أحمد (1/159) بلفظ مختصر أيضاً، وهو: (فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي)، وهو لا يفرح به، فربيعة هذا أشدّ ضعفاً من عبّاد، قال الذهبي في (الميزان): لا يكاد يعرف، وأشار إلى حديثه هذا وقال خبر منكر، وقال في (المغني) أيضاً: فيه جهالة. قلت: وجهالته وعدم معرفته لأنه لم يرو سوى رأو واحد وهو أبو صادق الإزدي- قيل انه أخوه- فلا يكفي ذلك في معرفته وتوثيقه إذ رواية الواحد لا ترفع جهالة العين فضلا عن جهالة الحال، سوى عند ابن حبان والعجلي فانهما يكتفيان للتوثيق برواية واحد فقط، وهو تساهل كبير منهما، وقد وهم أيضاً الحافظ في (التقريب) بتوثيق ربيعة هذا فليس له مستند في ذلك سوى ابن حبان والعجلي، مع انه قد خالف بذلك قاعدة مهمة من القواعد التي بينها في مقدمة (التقريب)، فقال عن المرتبة التاسعة من مراتب الجرح والتعديل: (من لم يرو عنه غير واحد ولم يوثق واليه الإشارة بلفظ مجهول) إ. ه. قلت: وقد جعل هذه المرتبة دون مرتبة (الضعيف) التي هي الثامنة بدءا من الأخف. وهذه أوصاف تنطبق تماما على رواينا هذا ربيعة بن ناجذ، وتوثيق ابن حبان والعجلي لا يعتبر هنا لأنه مستند أساساً إلى رواية واحد فقط فلا يمكن اعتباره شرطا منفصلا كما هو في التعريف. .(64/232)
وعلى كل حال فربيعة هذا مجهول، وهي جهالة أشد من ضعف عباد بن عبد الله الأسدي الذي قال عنه ابن النمديني: ضعيف الحديث، وضعفه أيضاً الحافظ في (التقريب) . فلا أظن هذا الإسناد يصلح شاهدا لتقوية الأول، بل يزيده ضعفا، والله أعلم.
تنيبه: عباد بن عبد الله الأسدي هذا الذي في الإسناد والذي تكلمنا عنه وبينا ضعفه وهو غير عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي المدني، أما الأول فهو الضعيف وهو الذي له رواية عن علي وروى عنه المنهال بن عمرو- كما في ترجمته من (التهذيب)- وهذا عين الإسناد هنا، وأما الثاني منهما فهو ثقة لكن ليس له رواية عن علي ولم يرو عنه المنهال بن عمرو، ثم ان الثاني وان كان أسدياً لكنّه لا يعرف به ومن راجع ترجمة كل منهما في (تهذيب التهذيب) وغيره علم ان الذي في إسناد حديثنا هذا هو الأول الأسدي الكوفي الضعيف وليس الثاني بخلاف ما زعمه هذا الموسوي عند ذكره لهذا الإسناد في (المراجعة- 22-) (ص148)، فأحببت التنبيه على ذلك، وسيأتي مزيد من الكلام إن شاء الله عليه وعلى هذا الحديث عند الكلام على (المراجعة-22-) بعد أن بينا ان طرق هذه القصة كلها ما بين موضوع في إسناده كذاب أو ضعيف جداً لا يثبت مع ما في متنها ولفظها من النكارة التي سبق بيانها من كلام شيخ الإسلام، ولله الحمد والمنّة. .
قوله: (و هم أولوا الأرحام وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله).(64/233)
قلت: لو أنه رجع إلى كتب التفسير والحديث وأسباب النزول لما قال ما قال، فهذا من جهله انه يفسر القرآن برأيه، وربما يكون قد رجع اليها فلم يرَ فيها ما يوافق هواه فأعرض عنه وفسر الآية بما يشتهي . وكان من سبب نزولها الذي ذكره السيوطي في (أسباب النزول) (ص91-92) وغيره: ان المهاجرين لما قدموا المدينة قدموا ولا أموال لهم فوجدوا الأنصار وتأخوا بينهم حتى ان أحد الأخوين كان يرث الآخر اذا مات، وبقي الحال على هذا حتى عقيب معركة بدر حين أنزل الله سبحانه هذه الآية فنسخ التوارث فيما بين أولئك وجعله بين أولي الأرحام فقط. وقد أخرج ذلك أو دأود الطيالسي- كما في (الدر المنثور) (4/118)- ومن طريقه أخرجه الطبراني في (الكبير) (11748) عن ابن عباس رضي الله عنهما: (ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بين أصحابه فجعلوا يتوارثون لذلك حتى نزلت {و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} فتوارثوا بالنسب). وإسناده لا بأس به، وعزاه السيوطي لابن مردويه أيضاً .
وذكر السيوطي أيضاً (4/ 117) حديثا آخر عن الزيبر بن العوام رضي الله عنه وعزاه لابن سعد وابن أبي حاتم والحاكم- وصححه- وابن مردويه. وقد أخرجه ابن جرير (10/ 36) عن كل من ابن الزبير وقتادة، وهو الذي قال به سعيد بن جبير عند ابن أبي حاتم. فهذا هو سبب نزول الآية وهذا ما صح في تفسيرها عن الصحابة وآل البيت كعبد الله بن عباس والزبير بن العوام، وعن التابعين أيضاً كسعيد بن جبير وغيره، فأين الحجة له فيها بعد ذلك؟
قوله: (و هم المرتقون يوم القيامة إلى درجته الملحقون به في دار جنات النعيم بدليل قوله تعالى: {و الذين آمنوا واتبعتهم ذريّتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء}.(64/234)
وقال في الهامش (53/72): (أخرج الحاكم في تفسير سورة الطور ص468 من الجزء الثاني من صحيحه المستدرك عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ {ألحقنا بهم ذريّتهم وما ألتناهم }، قال: إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وان كانوا دونه في العمل، ثم قرأ: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم، يقول: وما نقصناهم)إ. ه.
قلت: قول ابن عباس هذا صحيح وقد أخرجه ابن جرير (27/18) وغيره، وهو أحد القولين في معنى هذه الآية، والقول الآخر ان المراد بالذرية هنا الصغار دون الكبار لأن البالغين لهم حكم أنفسهم في الثواب والعقاب فانهم مستقلون بأنفسهم ليسوا تابعي الآباء في شيءٍ من أحكام الدنيا ولا أحكام الثواب والعقاب ولإستقلالهم بأنفسهم، ولو كان المراد بالذرية البالغين لكان أولاد الصحابة البالغون كلهم في درجة آبائهم ويكون أولاد التابعين البالغون كلهم في درجة آبائهم أيضاً وهلمّ جرا إلى يوم القيامة فيكون الآخرون في درجة السابقين، وهذا القول بأن الذرّيّة هنا الصغار فقط مروي عن ابن عباس أيضاً في هذه الآية، يقول: والذين أدرك ذريتهم الإيمان فعملوا بطاعتي ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة وأولادهم الصغار تلحق بهم، وهكذا يقول الشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة وأبو صالح والربيع بن أنس والضحاك وابن زيد، وهو الذي اختاره ابن جرير في تفسيره، واختاره أيضاً ابن القيّم في (حادي الأرواح) فقال: (ص284): (واختصاص الذرية هنا بالصغار أظهر لئلا يلزم استواء المتأخرين والسابقين في الدرجات، ولا يلزم مثل هذا في الصغار فان أطفال كل رجل وذريته معه في درجته والله أعلم) إ. ه. فلا يبقى بعد ذلك أية حجة لهذا الموسوي في هذه الآية، مع انه حتى ثبت ما قال فيها ليس فيها أي دليل على الأفضلية ولا على الإمامة، فما علاقة ارتقائهم في الجنة إلى درجات النبي صلّى الله عليه وسلّم - على زعمه- بتقديمهم في الدنيا على غيرهم؟ ثم ان(64/235)
الآية حتى على تفسيره هو لا تشمل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فليس هو من ذرية النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومعلوم انه أفضلهم وخيرهم، فأما أن يقال ان الأئمة بعده- وهم من ذريته- يرتقون يوم القيامة في الجنة إلى درجته هو رضي الله عنه، وبذلك حصرت المسألة في أهل البيت دون غيرهم فليس في هذا أي دليل على أفضليتهم على من سواهم لأنهم أصبحوا في درجة علي، وأبو بكر وعمر خيرٌ منه، فلا ترفعه الآية فوق درجة أبي بكر وعمر، بل ترفع ذريته إلى درجته، أو يقال في معنى الآية ان أئمة أهل البيت يرفعون إلى درجة النبي صلّى الله عليه وسلّم - لأنهم من ذريته من ابنته فاطمة- لكنّها لا تشمل عليا رضي الله عنه ويبقى هو خارجها، وقد قدمنا أنه خيرهم وأفضلهم حتى على قول هذا الموسوي وشيعته، وعلى كلا الوجهين لادليل له في هذه الآية، والحمد لله.
قوله: (و هم ذوو الحق الذي صدع القرآن بإيتائه: {و آت ذا القربى حقه}، وذوو الخمس الذي لا تبرأ الذمة إلا بأدائه: {و اعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذوي القربى}، وأولوا الفيء: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى}إ. ه.(64/236)
قلت: ما أفسد احتجاجه بهذه الآيات وما أدله على جهله، فما علاقة الخمس والفيء بالإمامة والتقديم على الناس؟ وهذه الآيات بإمكان المساكين والفقراء واليتامى وأبناء السبيل أن يحتجّوا بها أيضاً على أفضليتهم وعلى أحقيتهم بالإمامة لأن لهم نصيبا في كل تلك الآيات، فهل يمكن أن يقبل هذا عاقل؟ وماذا يقول هذا الموسوي بعد ذلك؟ فقد قال الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى التي ساقها: {و آت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل ولا تبذّر تبذيراً} (الإسراء/ 26) ومثلها قوله تعالى (الروم/38): {فآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل} وحق ذوي القربى هو صلتهم كما فسره غير واحد من المفسرين، وهو ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم- (الدر المنثور) (5/271)- عن ابن عباس في الآية الأولى قال: (هو أن تصل ذا القرابة وتطعم المسكين وتحسن إلى ابن السبيل)إ. ه.(64/237)
وأما ما روى من أن هذه الآية حين نزلت دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطمة فأعطاها فدك- التي فتحت مع خيبر- فهو حديث موضوع لا شك في ذلك، وفقد رواه البزار- (تفسير ابن كثير) (3/36)- من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد، وقد تقدم غير مرة ذكر ضعف عطية هذا وانه كان يدلس تدليساً شنيعاً إ كان يأتي محمّد بن السائب الكلبي، وهو كذاب فيأخذ عنه الحديث ويكنيه أبا سعيد يوهم أنه أبو سعيد الخدري وليس هو كذلك، ومما يبين كذب هذا الحديث أيضاً ان فدك فتحت مع خيبر سنة سبع للهجرة في حين ان هذه الآية مكية فكيف يلتئم هذا مع هذا؟ قال ابن كثير: (فهو إذن حديث منكر والأشبه أنه من وضع الرافضة والله أعلم) إ. ه. هذا بالنسبة للآية الأولى أما الآية الثانية فقد قال الله تعالى (الأنفال / 41): {و اعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فإنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إنْ كنتم آمنتم بالله . . . } الآية، والمذكورون في هذه الآية أكثر من الأولى فما بال اليتامى والمساكين وابن السبيل حتى أخرجهم هذا الموسوي منها؟ والآية الثالثة قال الله تعالى (الحشر/7): {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم. . . } الآية، فانظر إلى فعل هذ الموسوي كيف يحرف النّصوص بتقطيعها وأخذه منها ما يظن أنه يؤيّد قوله وتركه لما سوى ذلك، وقد مر بنا من ذلك أمثلة كثير من فعله، فأين الدقة والأمانة في النقل التي زعمها له مترجمه في مقدمة كتابه؟ لا والله ليس عنده أمانة في نقل النّصوص حتى مع آيات الكتاب العزيز, أمثل هذا يعد إماماً يقتدى به ويوثق بقوله؟
قوله: (و هم أهل البيت المخاطبون بقوله تعالى: {إنّما يريد الله ليُذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا} إ. ه.(64/238)
قلت: قد تقدم الكلام على معنى هذه الآية والمقصود منها في كلامنا على ما جاء في (المراجعة-12-) (ص62) من المراجعات حيث ذكر هذا الموسوي آية التطهير هذه وادعى اختصاصها بهم دون غيرهم وقد بينا هناك بيانا شافيا- إن شاء الله- ان المقصودين الحقيقيين بهذه الآية هم نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم، وباقي أهل البيت تبعا لهم بحكم عموم اللفظ وبحكم حديث الكساء، لكن سياق الآيات في سورة الأحزات ما قبل هذه الآية وما بعدها كذلك كله خاصّ بنساء النبي صلّى الله عليه وسلّم فهنّ أولى المقصودات بهذه الآية، فراجع الكلام عليه هناك مفصّلاً حتى تتبين أن لا حجّة للشيعة في هذه الآية إطلاقاً بل هي حجّة عليهم، ولله الحمد. وهم في كلامهم مع أهل السّنّة لا يحتجون بالحديث ويدعون إلى الإحتجاج بالقرآن فقط بدعوى ان الأحاديث منها ما هو مكذوب، فإذا ما وصل الأمر إلى هذه الآية تركوا الإحتجاج بلفظها وسياقها الدال على المراد إلى الإحتجاج بحديث الكساء وحده مع أنّ أهل السّنّة لا ينكرون هذا الحديث بل يقولون بموجبه مع موجب الآية فجمعوا بين الأمرين وهذا من توفيق الله، أما هم فيأخذون الحديث ويتركون دلالة ظاهرة الآية لعدم موافقته لمذهبهم الفاسد، وصدق عبد الرحمن بن مهدي حين قال: أهل العلم يكتبون ما لهم وماعليه، وأهل الجهل لا يكتبون إلا ما لهم. . .
قوله: (و آل ياسين الذين حياهم الله في الذكر الحكيم فقال: {سلامٌ على آل ياسين}) وفي الهامش (54/73): (هذه هي الآية الثالثة من الآيات التي أوردها ابن حجر في الباب 11 من صواعقه، ونقل ان جماعة من المفسرين نقلوا عن ابن عباس القول: بأن المراد بها السّلام على آل محمّد، قال ابن حجر: وكذا قال الكلبي إلى أن قال وذكر الفخر الرازي ان أهل بيته يسأوونه في خمسة أشياء. . . إلى آخر كلام الرازي المنقول)إ. ه.(64/239)
قلت: على فرض ان الآية كما فسرها به وان قراءتها كما ادعى فإن آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليسوا هم ذرية عليّ فقط، بل أيضاً ذرية العباس وعقيل وجعفر رضي الله عنهم ويشمل أيضاً أزواجه صلّى الله عليه وسلّم فهم من آله حتماً كما قدمنا بيان ذلك بالتفصيل بالأدلة في الملاحظة الرابعة من خمس ملاحظات تعقيبا على كلامه في (ص60) من المراجعات ونقلناه هناك من عدد من العلماء أيضاً، فعلى هذا تكون هذه الآية شاملة لأزواجه صلّى الله عليه وسلّم ضمن باقي أهله، مع ان هذا لا ينكره أهل السّنّة من فضل أهل البيت لكن النزاع في أفضليتهم بذلك على من سواهم. فكيف إذا كأنت قراءته للآية خاطئة وان الصحيح هم {سلامٌ على إل ياسين } بدليل السياق قبلها في قصة إلياس عليه السّلام، قال تعالى (الصافات /123- 132): {و إن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون. أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين. الله ربّكم وربّ آبائكم الأولين. فكذّبوه فإنهم لمحضرون. إلا عباد الله المخلصين. وتركنا عليه في الآخرين سلامٌ على إل ياسين. إنا كذلك نجزي المحسنين. إنّه من عبادنا المؤمنين}. فسياق الآيات كلها قبلها وبعدها في إلياس عليه السّلام، فمن أين يأتي ذكر آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيه ؟ وقوله تعالى عن إلياس (إلياسين) كما يقال في إسماعيل إسماعين، قال ابن كثير (4/20): وهي لغة بني أسد، ومثله يقال: ميكال وميكائيل وميكائين، وإبراهيم وإبراهام وإسرائيل وإسرائين وطور سيناء وطور سينين. ونظير هذا الكلام قال الإمام ابن القيّم في (جلاء الإفهام) (ص118) بأنه من السّلام على النبي إلياس أوعلى آله ويكون هو داخلاً فيه، وقال: (و لا سيما عادة العرب في استعمالهم للإسم الأعجمي وتغييرها له فيقولون مرةً: إلياسين، ومرةً إلياس، ومرةً ياسين، وربما قالوا: ياس ويكون على إحدى القراءتين قد وقع السّلام عليه، وعلى القراءة الأخرى على آله)إ. ه.(64/240)
قلت: يعني به النبي إلياس لا غيره وان الآية تخصه لا تخص أحداً غيره على كلا القراءتين . وهذه القراءة التي زعمها هذا الموسوي لا تثبت مع انها مروية عن ابن عباس رضي الله عنهما، فقد أخرجها الطبراني في (الكبير) (11064) وفي إسنادها موسى بن عمير القرشي قال أبو حاتم: ذاهب الحديث كذاب، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الحافظ في (التقريب): متروك.
وأما ما نقله عن ابن حجر من (الصواعق) فقد اقتطع من كلامه ما يفيده وترك الباقي كعادته في التلاعب بالنّصوص حسب ما يشتهي . فتتمة كلام ابن حجر من (الصواعق): (. . . لكن أكثر المفسرين على ان المراد إلياس عليه السّلام وهو قضية السياق) إ. ه. فهذا هو ابن حجر نفسه يقرر ان قول أكثر المفسرين على خلاف ذلك، فما حجة هذا الموسوي إذن غير قراءة ابن عباس التي قدمنا ان في إسنادها كذاب؟ ولا يفيده قول الكلبي الذي نقله فإن الكلبي هذا هو محمّد بن السائب، متهم بالكذب كما في ترجمته من (التهذيب) و(التقريب) .
قوله: (وآل محمّد الذين فرض الله على عباده الصلاة والسّلام عليهم فقال: إنا الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً، فقالوا: يا رسول الله أما السّلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد. . الحديث فعلم بذلك ان الصلاة عليهم جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية، ولذا عدّها العلماء من الآيات النازلة فيهم، حتى عدّها ابن حجر في الباب 11 من صواعقه في آياتهم عليهم السّلام) وقال في الهامش (55/73): (كما أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن من الجزء الثالث من صحيحه في باب ان الله وملائكته يصلّون على النبي من تفسير سورة الأحزاب، وأخرجه مسلّم في باب الصلاة على النبي من كتاب الصلاة من الجزء الأول من صحيحه، وأخرجه سائر المحدثين عن كعب بن عجرة)إ. ه.(64/241)
قلت: قد تقدم الكلام- في الملاحظات الخمسة تعقيباً على ما جاء في كلامه في (المراجعة 10) (ص60) من المراجعات- على فرضية أو وجوب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم وآله في الصلاة وبيان حكمها هناك، وهذا الموسوي يعيد الكلام والإستدلال رغبة في التطويل، وقد بينا هناك معنى الآل الصحيح وبينا شمول هذا الإسم لأزواجه صلّى الله عليه وسلّم، بل فوق ذلك جاء التصريح بذكرهن في أحد الألفاظ الصحيحة في الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد التشهّد، وذلك في حديث أبي حميد الساعدي الذي أخرجه البخاري (4/178)، ومسلّم (1/306) بلفظ: (اللهم صلّ على محمّد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمّد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) وقلنا هناك: إن هذا اللفظ يدفع ماقاله هذا الموسوي وما ادعاه ويهدم كلّ ما بناه على أساس وجوب الصلاة على آل النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة. وما اشار اليه في الهامش (55/73) مما أخرجه البخاري ومسلّم لا يؤيد ما قاله وفق معنى الآل الذي سبق بيانه، ونقول له قد أخرج البخاري ومسلّم أيضاً حديث أبي حميد الساعدي السابق الذكر فلم أعرضت عنه؟ ففيه التصريح بذكر زوجاته صلّى الله عليه وسلّم ورضي الله عنهنّ.
وكلام ابن حجر الذي أشار اليه في المتن وذكر موضعه في الهامش (56/74) يرد عليه بذلك أيضاً فقد شمل ابن حجر أزواجه بذكر الآل، وذكر رواية الصحيحين بخصوصه، وقال: (قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم. . .) فراجع كلام ابن حجر في (الصواعق) (ص87) إذ لم يكن هذا الموسوي أميناً في نقله كعادته. . .(64/242)
قوله: { فطوبى لهم وحسن مآب . جنات عدن مفتّحةً لهم الأبواب} وقال في الهامش (57/74) عن معنى طوبى: (أخرج الثعلبي في معناها من تفسيره الكبير بسند يرفعه إلى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم قال: طوبى شجرة في الجنة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة- فقال بعضهم يا رسول الله سألناك عنها فقلت: أصلها في دار عليّ وفرعها على أهل الجنة، فقال (ص) أليس داري ودار علي واحدة؟) إ. ه.
قلت: لم يبين إسناده ولا مخرجه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يصرح هذا الموسوي بمصدره ومن أين نقله فتفسير الثعلبي غير مطبوع ولا أدري من أين نقله، وتفسير (طوبى) بأنها شجرة في الجنة جاء عن بعض الصحابة والتابعين وجاء ذلك أيضاً مرفوعاً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكن ليس في أي من طرقه تلك ان أصلها في دار النبي صلّى الله عليه وسلّم أو في دار علي، وقد رواه ابن جرير الطبري في (تفسيره) (13/87-88) عن كل من أبي هريرة وابن عباس وشهر بن حوشب والضحاك ووهب بن منّبه وحماد وغيره وليس فيها ما ذكره هذا الموسوي، وقد استقصى طرقه والأقوال الأخرى السيوطي في (الدر المنثور) (4/643-650) عن عدد من الصحابة والتابعين وعزاه إلى عديدين ولم يذكر ما أخرجه الثعلبي هذا، وبعضهم فسرّ (طوبى) بأنها الجنة وانها من أسماء الجنة بالحبشية أو الهندية.
وروى الطبري (13/86) عن ابن عباس في قوله {طوبى لهم} قال: فرح وقرّة عين. وروى أيضاً عن عكرمة قال: نِعم مالهم . وعن الضحاك: غبطة لهم. وأخرج أيضاً (13/86) عن قتادة قال: حسنى لهم، وهي كلمة من كلام العرب، يقول الرجل طوبى لك أي أحببت خيراً. وعن إبراهيم قال: الخير والكرامة الذي أعطاهم الله سبحانه وتعالى. قال ابن كثير (2/521) بعد نقله لهذه الأقوال: (و هذه الأقوال شيء واحد لا منافاة بينها).(64/243)
وعلى فرض صحة ما ادّعاه هذا الموسوي فليس فيها دليل على الأفضلية- أكرر- بل دليل على الفضل ولا تلازم بين هذا وبين الإمامة والتقديم على الناس، وفي الأثر الذي ساقه فضل لعليّ رضي الله عنه وحده فأين الفضل فيه لباقي الأئمة وآل البيت؟ ثم ان سياق الآيات عام في كل المؤمنين، قال الله تعالى {الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب} (الرعد/29) فلم يخصّصها بعليّ رضي الله عنه وحد؟
قوله: (فهم المصطفون من عباد الله، السابقون بالخيرات بإذن الله، الوارثون كتاب الله الذين قال الله فيهم: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه} وهو الذي لا يعرف الأئمة {و منهم نقتصد} وهو الموالي للأئمة { ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} وهو الإمام {ذلك هو الفضل الكبير}. وقال في الهامش (58/74): (اخرج ثقة الإسلام الكليني بسنده الصحيح عن سالم قال: سألت أبا جعفر (الباقر) عن قوله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا. . . } الآية قال عليه السلام: السابق بالخيرات هو الإمام، والمقتصد هو العارف بالإمام، والظالم لنفسه هو الذي لا يعرف الإمام، وأخرج نحوه عن الإمام أبي عبد الله الصادق وعن الإمام أبي الحسن الكاظم وعن الإمام أبي الحسن الرضا، وأخرجه عنهم الصدوق وغير واحد من أصحابنا، وروى ابن مردويه عن عليّ انه قال في تفسير هذه الآية: هم نحن، والتفصيل في كتابنا (تنزيل الأيات) وفي غاية المرام)إ. ه.
قلت: ها هو يخلّ ثانيةً بالشرط الذي اشترطه على نفسه من الإستشهاد بالنّصوص من كتب أهل السّنّة، ويلجأ إلى ما ليس بحجّة عند أهل السّنّة اضطراراً، وسأجعل ردي هنا من عدة أوجه:(64/244)
(الوجه الأول): استدل على تفسيره للآية بما نقله عن محمّد الباقر وابنه جعفر الصادق والكاظم وأبي الحسن الرضا، وهم أئمة أهل البيت، وليس قولهم لوحده حجّة عند أهل السّنّة فهم عندهم بمنزلة باقي أئمة التابعين وتابعيهم ان لم يكن في الآخرين من هو أعلم منهم، ومن كان من الصحابة من أهل البيت فلا مزية له على سائر الصحابة من جهة الإستدلال بقوله، فكلٌّ يؤخذ منه ويردّ عليه إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والعبرة في صحة القول والأخذ به أن ينسب إلى المعصوم صلّى الله عليه وسلّم، وما سوى ذلك يحتمل الصحّة والخطأ على فرض صحة السّند إلى من ينسب له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تعريفه للعلم الشرعي الصحيح: نظر محقق في خبر مصدق عن المعصوم صلّى الله عليه وسلّم.
فأهل السّنّة إذن لا يقدحون في هؤلاء الأئمة ولكن ليس قولهم بأولى من قول غيرهم من أئمة هذه الأمة، هذا كله على فرض صحّة نسبة ما ادّعاه اليهم، فكيف وهو لم يبين إسناده، وقوله بسنده الصحيح لا يُلزم به أهل السّنّة فهوه صحيح باعتبار مذهبه لا مطلقاً، وإلا ليسق إسناده إن كان صادقاً، فأي حجة في قول الباقر والصادق وغيرهما بعد ذلك يلزم به أهل السّنّة خصوصاً وانه معارض بتفسير غيرهم لهذه الآية وهو ما سنبينه إن شاء الله .(64/245)
(الوجه الثاني): قيل في الأصناف الثلاثة المذكورين في الآية وهو الظالم لنفسه والمقصد والسابق بالخيرات إن السابق بالخيرات والمقتصد من أمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والظالم لنفسه من غيرهم، والصحيح إن الظالم لنفسه من هذه الأمة أيضاً فتكون جميع هذه الأصناف من أمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهو ظاهر الآية لقوله تعالى{ثمّ أورثناالكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومن هم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله} فبين ان هذه الأصناف من جنس واحد وأمة واحدة، ثم قال الله تعالى بعدها بثلاث آيات: { والذين كفروا لهم نار جهنم لا يُقضى عليهم فيَموتوا. . . } الآية فدلّ هذا على أنّ المقدّمين غير الذين كفروا وأنّ هؤلاء هم أهل النار هذا أولاً. وثانياً هو موافق لما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من طرق يسد بعضها بعضاً، فمنها ما رواه الإمام أحمد (3/78)، والترمذي (4/171)، وابن جرير (22/137) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في هذه الآية: (هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنّة) وقال الترمذي: حديث غريب حسن قلت: وقد حسّنه لشواهد فمنها حديث أبي الدرداء عند أحمد (5/194، 198) (6/444)، وابن جرير (22/137) وابن أبي حاتم- (تفسير ابن كثير) (3/555)- من طريقين. ومثله حديث عوف بن مالك رضي الله عنه عند الطبراني في (الكبير) (18/66) (رقم 149)، وابن أبي حاتم- (إبن كثير) (3/556)- وأخرج نحوه أيضاً الطبراني في (الكبير) (410) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما. وفي كل هذه الأحاديث التصريح بأن جميع هذه الأقسام الثلاثة هم من أمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وإنهم جميعاً من أهل الجنة، فراجع نصّ هذه الأحاديث في مواضعها التي أشرنا اليها أو راجعه في ما ساقه ابن كثير في (تفسيره) (3/555-556) من ألفاظها أو ما أورده السيوطي في (الدر المنثور) (7/23- 26)(64/246)
وقد ذكر كلّ منهما آثاراً أخرى عن عدد من الصحابة والتابعين وذكرا من أخرجها ورواها مثل قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأنس والبراء وعائشة وغيرهم من التابعين رضي الله عنهم أجمعين، وهو اختيار ابن جرير وابن كثير في معنى الآية أيضاً.
والمهم انه جاء تفسير الآية بما يخالف ما ذكره حتى عن بعض أئمة أهل البيت رضي الله عنهم، فقد روى ابن جرير (22/133- 134) عن ابن عباس في هذه الآية قال: (هم أمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله فظالمهم يُغفر له ومقتصدهم يحاسَب حساباً يسيراً وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب) فهذا تفسير حبر الأمة رضي الله عنه ان المقصودين بالذين أورثهم الله الكتاب هم أمة صلّى الله عليه وسلّم وهم المصطفون من عبادالله لا كما زعمه هذا الموسوي باختصاص ذلك بأهل البيت ثم جعله للظالم لنفسه هم من لم يعرف الأئمة وانه من أهل النار، فها نحن نردّ عليه بقول ابن عباس رضي الله عنهما المسند، وله طريق آخر بلفظ آخر أخرجه الطبراني (الكبير) (11454) قال: (السابق بالخيرات يدخل الجنّة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمّد صلّى الله عليه وسلّم) فهذا تصريح ابن عباس بدخول الظالم لنفسه الجنة، فإن قيل أنه لا يخالف كونه لم يعرف الأئمة، قيل يلزمه ان معرفة الأئمة ليست حتماً لدخول الجنّة كما يزعمه هذا الموسوي إذ جعلها الركن الأساس للإيمان كما مرّ في كلامه، ويلزمه أن من لم يعرفهم لا يسيئه ذلك شيئاً فأي فضيلة تبقى لهم بعد ذلك ؟ وفوق ذلك روى ابن جرير (22/135) بإسناده عن محمّد بن الحنفية رضي الله عنه قال: إنها أمة مرحومة ؛ الظالم مغفور له، والمقتصد في الجنات عند الله، والسابق بالخيرات في الدرجات عند الله.(64/247)
وذكر ابن كثير (3/556) عن أبي الجارود قال: سألت محمّد بن عليّ- الباقر- رضي الله عنهما عن قول الله تعالى {فمنهم ظالمٌ لنفسه} فقال: هو الذي خلظ عملاً صالحاً وآخر سيّئاً . فهذا ما قاله الباقر، يردّ ما زعمه هذا الموسوي من قوله، والحمد لله، وما ادّعى انه من قول عليّ رضي الله عنه فيما أخرجه ابن مردويه فهو غير صريح في ما أراده هذا الموسوي، إذ قول عليّ: هم نحن، يمكن حمله على أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهو الحق وبذلك يوافق ما سقناه من الأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين في ذلك مع انه لم يبين لنا إسناده ولا من أين نقله فتفسير ابن مردويه غير مطبوع.
(الوجه الثالث): من ملاحظة سياق الآيات يتبين عدم استقامة ما ادّعاه في تفسير الآية، قال الله تعالى: {ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} فذكرسبحانه وتعالى أنه أورث الكتاب أمةً اصطفاها ثم قال عنها: {فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير} بعد ذلك، فأثبت ان من هؤلاء المصطفين الوارثين للكتاب ظالمٌ لنفسه كما ان منهم المقتصد والسابق بالخيرات، وهذا ما يرد قول الموسوي إذ جعل الظالم لنفسه من غير جنس المصطفين الوارثين للكتاب إضافةً إلى ثبوت ان من هؤلاء المصطفين الوارثين للكتاب- والذين جعلهم هذا الموسوي أهل البيت- من هو ظالمٌ لنفسه، وهو ما لا يقوله هذا الموسوي في أهل البيت، فبطل بذلك مذهبه من أساسه في عصمتهم وبعدهم عن الخطأ والظلم وفقا لما فسّر به الآية هو نفسه، والحمد لله رب العالمين.(64/248)
(الوجه الرابع): إعتماده ما نقله الكليني، ولم يذكر من أي كتاب ولا أظنه إلا كتاب المعروف له، وقد تقدمت الإشارة منا خلال بعض التعليقات إلى الكليني هذا وإلى كتابه الكافي، ومن أراد الإستزادة فليراجع ما قلناه في مقدّمة ردّنا هذا على الكتاب بشأن الكليني وكتابه (الأصول من الكافي) وغيره ممّا يعلم كذبه وبطلانه في إطلاقه عليه (ثقة الإسلام). وذلك واضح لا لبس فيه لكل من علم بما في كتبه تلك من الأباطيل التي لا تصدر إلاّ عن أعداء الإسلام أو تلامذتهم يبغون بها سبيل الله سبيلاً أعوج؛ كسبّ الصحابة ولعنهم والأنتقاص حتى من الأنبياء ومن محمّد صلّى الله عليه وسلّم نفسه، وليس ذلك فحسب بل والقول بتحريف القرآن والقدح في صفات الله سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً، ثم بعد ذلك يأتي هذا الأحمق ويستشهد بما عنده على أهل السّنّة.(64/249)
وأما الصدوق الذي أشار اليه فهو محمّد بن علي بن بابويه القُمّي- وقد ذكره المؤلف بعد صفحات قليلة- ولا أعلم من أي كتاب نقل قوله، فمما علمته من كتبه كتاب ا(الخصال) وقد طبع في طهران وفي دار التعارف في بيروت، وكتاب (من لا يحضره الفقيه) وقد طبع في طهران، وهو ليس أحسن حالاً من سابقه فكتابه (الخصال) مملوء بالطعن بسادة الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهم، أنظر ما جاء في الصفحات (80، 81، 82) من كتابه ذاك (طبعة طهران)، وفي (ص 143) روى حديث (لا تشدّ الرّحال إلا . . .) لكنّه بلفظ محرف فقال فيه: (. . . المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومسجد الكوفة). فهذا تحريف من يسمّونه بصدوق المسلّمين، مع ان الحديث على لفظه المحرّف هذا يردّ على كثير من أفعالهم في شدّ الرّحال إلى غير هذه المساجد الثلاثة؛ كمشهد كربلاء، وليس هذا موضع ذكره، فهل يشك أحد في كذب تلك الألفاظ التي أطلقوها على علمائهم من أجل إخفاء حقيقة كذبهم وتحريفهم للنصوص؟ وبكل حال كيف يظن هذا الموسوي أن أحداً من أهل السّنّة يطمئن إلى تلك الكتب بعد أن يعلم بما فيها مما بيناه وما لم نبينه؟
قوله: (وفي هذا القدر من آيات فضلهم كفاية، وقد قال ابن عباس: نزل في علي وحده ثلاث مئة آية، وقال غيره: نزل فيهم ربعُ القرآن، ولا غرو فإنهم وإياه الشقيقان لا يفترقان، فاكتفِ الآن بما تلوناه آيات محكمات هنّ أم الكتاب، خذها في سراح ورواح ينفجر منها عود الصباح، خذها رهواً سهواً، وعفواً صفواً، خذها من خبير عليه سقطت، ولا ينبئك مثل خبير والسّلام) إ. ه. وقال في الهامش (59/ 74) عن قوله ابن عباس المذكور: (أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس كما في الفصل 3 من الباب 9من الصواعق ص 76) إ. ه.(64/250)
قلت: قول ابن عباس هذا أورده ابن حجر في الصواعق، نعم لكنّه لم يتكلم على صحته ولم يبين إسناده، وقد ذكره ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/352) وقال: حديث موضوع. ومن لم يقل بوضعه وكذبه قال إنه ضعيف جداً كما فعل الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/362) وقد أخرجه الخطيب في التاريخ (6/221) وفي إسناده جويبر ابن سعد البلخي. قال الحافظ في (التقريب): ضعيف جداً، وقال النسائي وغيره متروك وفي إسناده كذلك سلام بن سليمان الثقفي وهوضعيف أيضاً كما في (التقريب) . ثم إنه من رواية الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس ولم يلقه وفي إسناده أيضاً إسماعيل بن محمّد بن عبد الرّحمن المدائني وهومجهول. فلا يثبت قول ابن عباس هذا، والقول الآخر الذي ساقه لم يبين صاحبه ولا مخرجه ولا أظنه إلاّ كذباً الا ان اراد بغيره هو نفسه- أي هذا الموسوي-، أو احد أئمته.
ثم انظر إلى المغالاة في مدح نفسه وقوله انه خبير بتلك النّصوص، ولا أظن أحداً نظر في ردنا عليه هذا إلا سيضحك منه ومن قوله هذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. . .
المراجعة (13): س:
موافقة شيخ الأزهر على كل كلامه وإعجابه به.
اعتراض شيخ الأزهر بأن رجال الشيعة لا يحتج بهم أهل السّنّة
المراجعة (14): ش:
زعمه بأن أهل السّنّة احتجّوا حتى بأهل الرفض- الغلاة- من الشعة ومثّل على ذلك بشيوخ البخاري.
إدّعاؤه بأن الشيعة إنما جرّوا على منهاج العترة في الصدق والأمانة.
زعمه امتيازهم بتغليظ حرمة الكذب في الحديث.
الردّ على المراجعة (14):
نقض ادعائه احتجاج أهل السّنّة ومنهم البخاري بأهل الرفض من الشيعة وتفصيل مسألة الإحتجاج بأهل البدع.
أئمة العترة أنفسهم يكذبون الشيعة في أتباعهم
عدم امتيازهم بما ادّعى.
قال في (ص76): (وفي شيوخ البخاري رجال من الشيعة نبزوا بالرفض ووصموا بالبغض، فلم يقدح ذلك في عدالتهم عند البخاري وغيره حتى احتجّوا بهم في الصحاح بكل ارتياح).(64/251)
قلت: ههنا مسألتان مهمتان، ، أحدهما فرع من الأخرى، الأولى وهي الأصل منهما: هل تقبل رواية أهل البدع والأهواء، ومنهم الرافضة؟ والثانية وهي الفرع من الأصل: تحقيق صحة القول برواية البخاري عن بعض أهل الرفض والتشيّع واحتجاجه بهم. فنقول مبتدئين بالمسألة الأولى:
بعيداً عن نقل واستقصاء الأقوال التي قيلت في هذه المسألة والتي يراجعها من أرادها في مظانها في كتب علوم المصطلح في الحديث فليس هذاموضع استقصائها، بعيداً عن ذلك اقول لا شك ان العبرة في قبول الرواية بصدق الرأوي وأمأنته والثقة بدينه مع حفظه وضبطه، ومن نظر في أحوال الرواة يرى ان من أهل البدع من هو موضع للثقة ولقبول روايته، وان منهم كثيراً لا يوثق بهم ولا بخبرهم، قال الحافظ ابن حجر في (نزهة النظر) (ص81) عن رواية أهل البدع: (فالمعتمد ان الذي تُردّ روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه، فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضمّ إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله).(64/252)
قلت: ويخصص من ذلك من كان داعية إلى بدعته فإنّه لا يقبل خبره على الصحيح، وهو مذهب ابن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل ويحبى بن معين فيماحكاه عنهم ابن رجب في (شرح علل الترمذي)(ص64-65) قال: (و ورى أيضاً عن مالك) قلت: وقد نسبه إلى مالك أيضاً الحاكم في (معرفة علوم الحديث) (ص135)، وهو القول الذي رجحه النووي في (التقريب) وقال: (و هو الأظهر الأعدل وقول الكثير والأكثر) ومال اليه الحافظ في (نزهة النظر) مع قيد آخر فقال: (والثاني: يقبل من لم يكن داعيةً في الأصح إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المذهب المختار وبه صرّح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي دأود والنسائي في كتابه معرفة الرجال فقال في وصف الرواة: ومنهم زائغ عن الحق أي عن السنة . صادق اللهجة، فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكراً اذا لم يقو به بدعته، والله أعلم) إ. ه. قلت: ما نقله عن الجوزجاني هو مضمون كلامه فهناك اختلاف يسير بن ما قاله وبين ما هو موجود في نص كتابه (ص32) لا يضر ههنا. وهذا التحقيق هوالذي مال إليه ابن دقيق العيد في (الإقتراح) (ص336) من التوقف في قبول رواية المبتدع فيما يقوي بدعته، إضافةً إلى عدم قبول رواية الداعي إلى بدعته. وهذا كله قاله العلماء فيمن كأنت بدعته بدعةً صغرى من غير غلوّ فيها، قال الحافظ الذهبي في (الميزان) (1/5-6) بعد ذكره لتوثيق ابان بن تغلب الكوفي- وهو شيعي- عن أحمد وغيره: (فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحدّ الثقة العدالة والإتقان، فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة؟ وجوابه ان البدعة على ضربين؛ فبدعةٌ صغرى كغلوّ التشيّع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرّف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهبت جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة، ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلوّ فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما،(64/253)
والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لا يحتجّ بهم ولا كرامة . وأيضاً فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم فكيف يقبل نقل من هذا حاله! حاشا وكلا. فالشّيعي الغإلى في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه وتعرض لسبهم، والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضال معثر ولم يكن ابن بن تغلب يعرض للشيخين اصلا، بل قد يعتقد عليا أفضل منهما) إ. ه. قلت: وسيذكر المؤلف ابان بن تغلب هذا فأردت التقديم لحاله نقلا من (الميزان).
والمقصود ان هذه هي الشروط التي وضعها أهل العلم بالحديث لقبول رواية أهل البدع وقد ذكرنا بعضا من أولئك العلماء واقوالهم في ذلك يضاف اليهم ما قال الحافظ ابن كثير في (اختصار علوم الحديث) (ص99- 100) وراجع ما قاله العلامة احمد محمّد شاكر رحمه الله في الهامش هناك ففيه فوائد جمة. على ان هناك شيئا اخر لا ينبغي لنا اغفاله هنا وهو ما قاله الحافظ ابن رجب في (شرح العلل) (ص65): (على هذا المأخذ فقد يستثنى من اشتهر بالصدق والعلم كما قال ابو دأود: ليس في أهل الاهواء اصح حديثا من الخوارج ثم ذكر عمران بن حطّان وأبا حسان الأعرج. وأما الرافضة فبالعكس، قال يزيد بن هارون: لا يكتب عن الرافضة فإنهم يكذبون، خرّجه ابن أبي حاتم) إ. ه.(64/254)
قلت: راجع قول يزيد بن هارون هذا في (الجرح والتعديل) (1/28)، ومثل هذا الذي قاله ونقله ابن رجب قاله قبله شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفرقان بين الحق والباطل) (ص32) عن الرافضة ولفظه: (و لهذا لا يوجد في فرق الأمة من الكذب أكثر مما يوجد فيهم بخلاف الخوارج فإنّه لا يعرف فيهم من يكذب، والشيعة لا يكاد يوثق برواية أحدٍ منهم من شيوخهم لكثرة الكذب فيهم، ولهذا أعرض عنهم أهل الصحيح فلا يروي البخاري ومسلّم أحاديث عليّ إلا عن أهل بيته كأولاده مثل الحسن والحسين ومثل محمّد بن الحنفية وكاتبه عبيد الله بن أبي رافع أو أصحاب ابن مسعود وغيرهم مثل عبيدة السلّماني والحرث التميمي وقيس بن عباد وأمثالهم، إذ هؤلاء صادقون فيما يروونه عن عليّ، فلهذا أخرج أصحاب الصحيح حديثهم) إ. ه.(64/255)
قلت: وهذا واضحٌ بين في شأن الخوارج فإنهم يقولون بتكفير أصحاب الذنوب الكبيرة مطلقاً، إذ كان المؤمن هو البر التقي قالوا فمن لم يكن برّاً تقياً فهو كافر وهو مخلد في النار، فعندهم ان الكذب مكفّر وموجب للخلود في النار، لذا أمن أهل العلم حديثهم وأخرجوه في الصحيح أيضاً كما أخرج البخاري لعمران بن حطان الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل عليّ، بخلاف الرافضة فإن من أساس مذهبهم التقية وأخفاء الحقّ والتظاهر بسواه، روى ثقة إسلامهم الكليني في (الكافي في الأصول) (باب التقية) (2/222) (طبعة إيران) عن جعفر الصادق انه قال لأحد شيعته: (يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزّه الله، ومن أذاعه أذله الله) فهذا يروونه- كذباً- عن جعفر الصادق انه يأمر بالنفاق والكذب، فكيف يؤمن بعد ذلك حديثهم، هذا مع ان هناك نصوصاً يروونها هم عن أئمة أهل البيت في ذم الشيعة أنفسهم وبيان ما عندهم من الكذب والنفاق منها ما رواه أبو عمر الكشي في (رجاله) (ص254) (مؤسسة الأعلمي- كربلاء) بسنده عن الإمام الصادق قال: (ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين الا وهي فيمن ينتحل التشيّع)، وورى أيضاً (ص253) عن الصادق أيضاً قوله: (لو قام قائمنا بدأ بكذّابي شيعتنا فقتلهم). وغير ذلك من نصوص كتبهم، مثل ما رواه الكليني في (الكافي) (8/228) (طهران) بسنده عن موسى بن بكر الواسطي قال: قال لي ابو الحسن عليه السّلام: (لو ميّزت شيعتي لم أجدهم إلا واضعة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدّين، ولو تمحّصتهم لما خلص من الألف واحد) ومعنى واضعة أي يضعون الحديث ويكذبونه، فهذا حال عموم رواة الشيعة، بل الشيعة أنفسهم فيما بينه أئمة أهل السّنّة ممّن نقلنا قوله في ذلك وغيرهم، وهو ما وصفهم به أئمة أهل البيت أنفسهم برواية الشيعة ذاتهم، نقلناه من كتبهم لا غيرها، وبه يعلم بطلان قول هذا الموسوي في الفقرة (2) من (المراجعة-14-) (ص76) ونصّه: (و لكن المعترضين لا يعلمون(64/256)
ولو عرفوا الحقيقة لعلموا أن الشيعة إنما جروا على منهاج العترة الطاهرة . . .) إلى أن قال: (لا يُبارون في الحفظ والضبط والإتقان، ولا يُجارون في تمحيص الحقائق والبحث عنها بكل دقّة واعتدال) إلى آخر كلامه الذي يكفي في ردّه كما قلنا نقول أئمتهم من كتبهم التي يعتمدونها مثل كتاب الكافي هذا وغيره، فما بال عليّ رضي الله عنه- فيما نقلناه من (الكافي)- يتهم شيعته بأنهم وضّاعين للحديث ومرتدّين؟ وما بال جعفر الصادق- فيما نقلناه من (رجال الكشي)- يحكم بالنفاق على من ينتحل التشيّع ويذكر ان فيهم كذّابين؟ وليس قول هذا الموسوي- غير المدعوم بالأدلّة- بأولى من أقوال أئمته هؤلاء من كتبه التي يعتمدها طبعاً.(64/257)
ومع ذلك لم يردّ أهل الحديث رواية كل من عنده تشيّع. بل ساروا فيها وفق المنهج العلمي الذي بيناه في شأن رواية أهل البدع عموماً، وما ردوا من ذلك سوى رواية الغالين منهم في الرفض، ومن أئمة أهل الحديث في ذلك الإمام البخاري رحمه الله، وهذا هو بيان المسألة الثانية التي أشرنا اليها وقنا انها فرع من الأصل الأول، فالإمام البخاري لم يختلف منهجه في ذلك عن باقي أهل العلم بالحديث لكن في عبارة الموسوي، هذا تدليس قبيح عندما قال: (رجال من الشيعة نبزوا بالرفض ووصموا بالبغض) فهناك فرق بين من قيل أنه شيعي أو عنده تشيّع وبين من قيل انه رافضي أو اتهم بالرفض، فالأول من أهل العدالة والقبول وهم من أهل البدعة الصغرى التي أشار اليها الذهبي في (الميزان)، وهم الذين روى لهم البخاري وغيره واحتج بهم ضمن الضوابط التي ذكرناها، أما أهل الرفض فهم ممن قدح بهم لأجل ذلك وهم أهل البدعة الكبرى فيما بينه الذهبي فيما نقلناه عنه، وهؤلاء ليس لهم رواية عند البخاري ولا عند من روى الصحيح فهم الذين لا يحتجّ بهم ولا كرامة. فتسوية الموسوي بينهما تدليس سيء منه، ثم قوله (و وصموا بالبغض) ان كان قصده بغضهم لأبي بكر وعمر وسائر الصحابة فلا والله ليس عند البخاري وليس لهم ذكر في اي حديث صحيح عند أهل السّنّة بل وجودهم في حديث دليل على ضعفه أو كذبه عند أهل الحديث.(64/258)
وبعد هذا فنحن نقول لهذا الموسوي أو لمن ينوب عنه إن كنتم تقولون ذلك عن البخاري وعن صحيحه وعن رواته، فلِمَ لا تحتجّون به ما دام هو يروي ويحتج بأناس منكم ثقات عندكم؟ ولم تتهمونه- رحمه الله- بأنه متعصّب ضد أهل البيت مبغض لهم مائل عن مذهبم؟ كما فعل هذا الموسوي في كتابه هذا (ص148) حين اتهم الإمام البخاري تجاه عليّ وأهل البيت وانه ما أخرج أحاديث- يزعمونها هم- في فضل علي وأهل البيت بسبب بغضه لهم، ولم يكتف بذلك بل اتهم البخاري في سريرته، وهذا من أقبح الكذب وهو ما لم يقله حتى رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم بأنه يعلم سريرة أحد من الخلق، فكيف تسنى لهذا الموسوي معرفة سريرة البخاري؟
فكلامه هذا يناقض بعضه بعضاً، فمرةً يقول إن البخاري احتجّ برجالهم، لا بل بالغلاة منهم ممن اتهم بالرفض والبغض لأبي بكر وعمر، ومرةً يقول إنه مبغض لآل البيت وشيعتهم ولا يروي عنهم ولا يذكر فضائلهم، ولو كان البخاري كما قال هذا الموسوي ما روى لمثل هؤلاء الذي أشار اليهم، بل ما عقد باباً في صحيحه (5/22-26) في مناقب عليّ وآخرين من أهل البيت وغيره رضي الله عنهم أجمعين.
وقوله: (يتّهم ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني وصدوق المسلّمين محمّد بن علي بن بابويه القُمّي، وشيخ الأمة محمّد بن الحسن بن علي الطوسي، ويستخفّ بكتبهم المقدّسة وهي مستودع علوم آل محمّد صَلّى الله عليه وآله وسلّم ويرتاب في شيوخهم أبطال العلم وابدال الأرض الذين قصروا أعمارهم على النصح لله تعالى ولكتابه ولرسوله صَلّى الله عليه وآله وسلّم ولأئمة المسلّمين وعامتهم) إ. ه.(64/259)
قلت: قد تقدم التعريف بهؤلاء الرجال وغيرهم من أئمتهم وبكتبهم في مقدمة كتابنا هذا، الأمر الذي يبين- بما نقلناه من نصوص كتبهم موثقاً بذكر مواضعها- ان هؤلاء أبعد الناس عن النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلّمين وعامّتهم، وإنهم قالوا في كتاب الله ما لم تستطعه اليهود ولا النصارى من القول بنقصانه بل وتحريفه وإنه فقد منه أضعاف ما هو عليه الآن وإنه سيخرجه المهدي المزعوم بظنّهم حين خروجه، فلم أرَ أحداً من النصارى ولا الملحدين يجرؤ على القول في كتاب الله ما قاله أئمة الشيعة هؤلاء كالكليني والبرقي والعياشي والطبرسي والمجلسي والحر العاملي والسيد الجزائري والسيد البحراني وغيرهم ممّن نقله عنهم أحد علماء الشيعة وهو السيد طيب الموسوي في (مقدمة تفسير القُمّي) (ص23و 24)، أو من الذين نقلنا قولهم في ذلك في المقدمة، مضافاًإلى أقوالهم الشنيعة الأخرى كالقول بالبداء الذي فصّناه هناك والطعن بالصحابة عموماً وسبهم وتكفيرهم والغلوّ في الأئمة وغير ذلك، وكله يدحض كلام هذا الموسوي من ثقتهم وأمأنتهم ونصحهم، ويكذّبه في إطلاق تلك الألقاب عليهم، ومن ارتاب في كل ذلك فليراجع مقدّمتنا هنا بالتفصيل ففيها القول الفصل إن شاء الله.
ثم قوله هنا (و يستخفّ بكتبهم المقدّسة وهي مستودع علوم آل محمّد صَلّى الله عليه وآله وسلّم) من الغلوّ الذي ما بعده غلو، فمن أين أتى التقديس كتب هؤلاء الضّالّين المُضلّين؟ فهم يطعنون بكتاب الله تعالى وينفون عنه التقديس بقولهم بنقصانه وتحريفه ثم يثبتون التقديس لكتب هؤلاء، وصدق الله العظيم إذ يقول عن كتابه: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} أما كتب هؤلاء فلا يأتيها الحق من بين أيديها ولا من خلفها ولا من فوقها ولا من تحتها، فهي نسجُ إبليس وأعوانه. وما هي إلا مستودعٌ لخبث إبليس ومكره. .(64/260)
قوله في الفقرة (3) من هذه المراجعة: (و قد علم البرّ والفاجر حكم الكذب عند هؤلاء الأبرار، والألوف من مؤلفاتهم المنتشرة تلعن الكاذبين، وتعلن ان الكذب في الحديث من الموبقات الموجبة لدخول النار، ولهم في تعمد الكذب في الحديث حكم قد امتازوا به حيث جعلوه من مفطرات الصائم)إ. ه.
قلت: نجيب عن ادّعائه هذا فنقول إن كان هذا حكم الكذب عندهم فما بالُ عليّ رضي الله عنه يتّهم شيعته بالكذب في الحديث ووضعه فيما نقلناه قريباً من (الكافي) (8/228) عن موسى بن بكر الواسطي، وكذلك ما نقلناه عن جعفر الصادق من كتاب (رجال الكشي) (ص253، 254) الذي يحكم بالكذب الصريح على من ينتحل التشيّع، بل يقرر ان المهدي حين يخرج يبدأ بكذّابيهم، فها نحن نرد على زعم هذا الموسوي لا بما قاله أهل السّنّة عنهم بل بما قاله أئمتهم فيما روته كتبهم التي يعتمدها هذا الموسوي نفسه، فما عساه يقول؟
وفوق ذلك روى الكشي في (رجاله)- وهو من كتب الجرح والتعديل عندهم- (ص252) عن الإمام الصادق انه قال: (ان ممن ينتحل هذا الأمر- أي التشيّع- لمن هو شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا) وصدق جعفر الصادق رحمه الله في قوله هذا.
وروى الكشي أيضاً (ص179) عن الإمام الباقر انه قال: (لو كان الناس كلهم لنا شيعةً لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكاً والربع الآخر أحمق) . وقال ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (1/103- 105) (و اعلم أن أصل الكذب في حديث الفضائل كان من جهة الشيعة، فإنهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث مختلفة في صاحبهم حملهم على وضعها عدأوة خصومهم، نحو حديث السطل وحديث الرمانة . . . إلى أن قال: وأحاديث كثيرة تقتضي نفاق قومً من أكابر الصحابة والتابعين الأولين وكفرهم) إ. ه. فهذه شهادة من مقرّبيهم إن لم تكن من أئمتهم.(64/261)
وما زعمه بما امتازوا به من حكمهم بإفطار الصائم حين يتعمّد الكذب فإنما يمدح الأنسان ويحكم بصحة قوله وحكمه ما كان ذلك القول والحكم مدعماً بدليل شرعي صحيح غير نابع من هوى وتحكّم مجرد، وعبارته- حتى على فرض صحة ما ادعاه- لا توحي بنسبة ذلك إلى دليل شرعي صحيح كما هو واضح. ثم ام ما ادعاه لم يمتازوا به هو وحدهم بل هو قول إمام أهل الظاهر أبي محمّد ابن حزم الأندلسي قال بأن الصوم يبطله كل معصية من متعمّد لها ذاكراً لصومه سواء كأنت فعلاً أو قولاً، واستشهد على ذلك وتابعه على هذا بعضُ أهل الظاهر وليس هذا موضع تفصيله لكن المقصود هنا ان قوله اشد وأكثر حيطةً وأدلّ على تحرّزه، فقد أدخل الكذب وغيره من الذنوب في ذلك ولم يقله تعصّباً ولا تحكّماً محضاً، بل مستشهداً على ذلك بأحاديث، فبطل بذلك قول الموسوي بامتياز أئمّته بذلك ولله الحمد.
- راجع لمذهب ابن حزم الذي نقلناه (المحلّى) (6/177)، ونقله عنه أيضاً الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) (4/131)-.
وما زعمه هذا الموسوي من اختصاصهم بذلك ليس مردّه إلا إلى التحامل الصريح أو الجهل القبيح، ذلك الوصف الذي غمز به أهل السّنّة وهو وأصحابه أحق الناس به، ونحن نقول نعوذ بالله من الخذلان وبه نستجير من سوء عواقب الظلم والعدوان ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
المراجعة (15): س:
شيخ الأزهر يطلب أسماء رجال الشيعة الذين احتجّ بهم أهل السّنّة.
المراجعة (16): ش:
ذكر مئة رأو (و سمّاهم أسانيد) . ونسبهم إلى التشيّع ثم ادّعى احتجاج أهل السّنّة بهم.
الرّد على المراجعة (16):
التقديم لذلك بأمرين مهمّين ؛ الأول: إن ثبوت قوله هو حجة على الشيعة. والثاني: بعض قواعد أهل العلم بالجرح والتعديل مما يفيد عند استعراض هؤلاء الرواة.
سرد أسماء هؤلاء الرواة والتعقيب على ما ساقه في تراجمهم.(64/262)
الخلوص إلى ان نصف المذكورين هم ممن يقدّم أبا بكر وعمر على عليّ ولا يطعن بباقي الصحابة، والنصف الآخر منهم من لم يثبت تشيّعه إطلاقاً، أو عندهم ما يخالف مذهب الشيعة عموماً، وأغلبهم من الكذابين أو المتهمين أو المتروكين أو الضعفاء الذين لا يحتجّ بهم وإن قيل إنّهم من الشعية أو الرافضة.
ذكر في هذه المراجعة مائة رأو ممن استشهد أو احتج بهم أهل السّنّة- كما زعم- وقد سماها مائة إسناد وهذا من جهله فليس كل واحد منهم إسناداً بل الإسناد مجموعة رواة كما هو واضح، ونذكّر هنا بما قلناه سابقاً من نظرة أهل العلم بالحديث لأهل البدع هؤلاء والاحتجاج بهم، وانه يشمل أصحاب البدعة الصغرى فقط وهم من عنده تشيع أو تقديم لأهل البيت على غيرهم دون الطعن بالآخرين- كما سنبينه مرة أخرى خلال التعليق على هؤلاء الرواة- وأما أصحاب البدعة الكبرى كالطعن بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وسائر الصحابة، وهم الذين يريدهم هذا الموسوي فهؤلاء لا يحتج بهم ولا كرامة، كما قال غير واحد من أهل الحديث ممن نقلناه عنهم، وسيأتي لذلك بعض الأمثلة إن شاء الله . لكن ههنا مسألتان لا بد من بيانهما:(64/263)
الأولى: ان ثبوت ما ادعاه هذا الموسوي في هؤلاء الرواة وغيرهم مما يفيدنا نحن- حتى وإن كان مبالغا فيه- فهو دليل عليه بإلزامه بما رواه أهل السّنّة في كتبهم لأنهم يروون عن رجالهم أنفسهم فما حجته في عدم الأخذ بروايتهم؟ وهو ما نخاطب به كل شيعي في بيان إنصاف أهل السّنّة لهم وإنه لم تحملهم مخالفتهم في المذهب على عدم الأخذ برواية الصادقين منم في الوقت الذي يخلو المذهب الشّيعي من كل إنصاف لأهل السّنّة حتى إنهم ليسمّونهم (أبناء العامة)، وحتى ان مقياس التوثيق والتعديل عند أئمتهم هو القدح في أبي بكر وعمر والتبرّؤ منهما، فقد نقل المامقاني في كتابه (تنقيح المقال) (1/207) جملة من الأحاديث من طريقهم استدلالاً على ضلال غير الشيعة وكفرهم، ومنها الحديث العاشر فقال: (العاشر: مانقله محمّد ابن إدريس الحلي في آخر السرائر عن كتاب (مسائل الرجال ومكاتباتهم إلى مولانا أبي الحسن علي بن محمّد بن علي بن موسى) في جملة مسائل محمّد ابن علي بن عيسى قال: كتبت اليه أسأله عن الناصب هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت- قلت: يعنى أبا بكر وعمر كما مرّ بنا في التعليق على الهامش (14) (ص63) من المراجعات- واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب) إ. ه. فهذا هو مقياس الثقة عندهم، فأين الإنصاف الذي تدّعيه يا هذا ؟ ! وكل ما يصدر عن أحد من علمائهم خلاف ذلك مما فيه رضى أو محبة أو مدح لأئمة أهل السّنّة فإنما مصدره التقية التي ينادون بها في مذهبهم لا غيرها.(64/264)
ومن الأدلة الأخرى على إنصاف أهل السّنّة لهم إنك تجد في كتب أهل السّنّة عموماً مدحاً لرؤوسهم وأئمتهم من أهل البيت واحتجاجا بهم، وتجد غير ذلك مما يخصهم بإسناد صحيح أو غير صحيح، لكن لا تجد نظير ذلك إطلاقا في أي من كتبهم حتى ولا بإسناد موضوع، فأين الإنصاف يا هذا ؟! ورحم الله عبد الرحمن بن مهدي حين قال: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم.
المسألة الثانية: معرفة بعض قواعد أهل العلم بالجرح والتعديل مما يهم ويفيد في معرفة مدى قبول التعديل أو الجرح في الرأوي، وممن يقبل هذا؟ وكيف إذا تعارض جرحٌ مع تعديل ؟ وذلك لما سيرد من خلال استعراض تراجم الرواة المذكورين من أقوال أهل العلم في ذلك فنقول وبالله التوفيق .
أجمع جماهير أئمة الحديث على انه يشترط فيمن يحتج بروايته شرطان أساسيان وهما:
العدالة: ويعنون بها أن يكون الرأوي: مسلّماً بالغاً عاقلاً سليماً من اسباب الفسق وخوارم المروؤة.
الضبط: ويعنون به أن يكون الرأوي: غير سيّء الحفظ ولا فاحش الغلط ولا مخالفاً للثقات ولا كثير الأوهام ولا مغفّلاً، عالماً بمعنى ما يرويه وبما يحيل المعنى عن المراد إن روى المعنى.
فمتى ما كان الرأوي عدلاً ضابطاً بالمعنى المتقدم سمّي (ثقة) . لكن ينبغي لنا معرفة كيفية ثبوت العدالة والضبط في الرأوي.
أما العدالة: فتثبت إما بالإستفاضة والشهرة بالخير والثناء الجميل عليه، واشتهاره بالصدق واستقامة الأمر مثل مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي والثوري وغيرهم. أو أن ينصّ علماء الجرح والتعديل ولو واحد منهم على عدالته.
وأما الضبط: فيعرف بموافقة الرأوي باقي الثقات المتقنين في الرواية، فان وافقهم في روايتهم فهو ضابط، ولا تضر مخالفته النادرة لهم، فإذا كثرت مخالفته أختل ضبطه ولم يحتج به.(64/265)
ثم المهم أيضاً معرفة كيفية قبول التعديل والجرح، أما التعديل فيقبل من غير بيان سببه لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها فيكتفي به دون ذكر السبب، وأما الجرح فلا يقبل إلا مفسّراً ومبين السبب لاختلاف الناس في أسباب الجرح فقد يجرح أحدهم بما ليس بجرح، لكن هذا فيمن ذكر فيه جرح وتعديل، أما إذا ذكر الجرح غير المفسر في رجل خلا عن التعديل فان الجرح يقبل هنا وإن لم يبين سببه، كما بيّه الحافظ ابن حجر.
ومن المسائل المهمة التي تفيدنا هنا كيفية العمل في حالة اجتماع جرح وتعديل في رأو واحد، فالمعتمد انه يقدم الجرح على التعديل اذا كان الجرح مفسراً وان كثر عدد المعدلين لما مع الجرح من زيادة علم بحال الرأوي لم يطّلع عليها المعدّل: ولان المعدّل أخبر عن ظاهر حاله ولم يعلم بباطن خفي عليه بينه الجارح، وقال السيوطي: وقيدّ الفقهاء ذلك بما إذا لم يقل المعدل: عرفت السبب الذي ذكره الجارح ولكنّه تاب وحسنت حاله، أو اذا ذكر الجارح سببا معينا للجرح فنفاه المعدّل بما يدلّ يقيناً على بطلان السبب إ. ه.
ومن المسائل التي تفيدنا أيضاً أن نعرف ان رواية الثقة عن رأو لا تكون توثيقا له حتى ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه، ومثله لو قال (حدثني الثقة) لا يكون توثيقا له على الصحيح قصارى ما يقال انه ثقة عنده لا عند غيره، ويخصص ذلك برواة البخاري أو مسلّم عن رأو محتج به- لا في المعلقات والمتابعات- لأن روايته عنه تعد تعديلاً له، كما قاله ابن دقيق العيد وابن حجر، وذلك لإطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين الصحيحين فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما.
هذا ما أردت تقديمه من أقوال أهل العلم بالجرح والتعديل ممّا يبين منهجهم في ذلك ويفيدنا في استعراضنا للرواة الذين ذكرهم هذا الموسوي.(64/266)
وتحقيقاً لما قلناه من تلك القواعد انظر ما قاله الحاكم في (معرفة علوم الحديث) (ص52- 53)، والخطيب البغدادي في (الكفاية) (ص86- 87، ص105- 108)، وابن الصلاح في (علوم الحديث) (ص94-99)، وابن دقيق العيد في (الإقتراح) (الباب السابع والباب الثامن ص 323، 330)، وابن كثير في (اختصار علوم الحديث) (ص92-96)، وابن حجر في (نزهة النظر) (ص112- 114) وكذا ما قاله في مقدمة فتح الباري (هدي الساري) (ص543-544)، وابن رجب في (شرح علل الترمذي) (ص79- 82) والسيوطي في (تدريب الرأوي) (1/253- 256)، وقبله قول النووي في متنه (التقريب) في تلك المواضع أيضاً. وفي ذلك تجد ما نقلناه أوبعضاً منه مما يبين مذهبهم في ذلك، إضافة إلى قواعد أخرى في هذا العلم الشريف لا حاجة بنا إلى ذكرها هنا . . .
وهذا أوان الشروع في استعراض أولئك الرواة فنقول وبالله التوفيق:
أبان بن تغلب: لم ينقل هذا الموسوي بيان الذهبي- الذي نقلناه سابقاً عند الكلام على رواية أهل البدع- في كيفية الإحتجاج بمثل أبان هذا، ومن من هؤلاء يقبل حديثه، إذ جعل الذهبي أبان هذا مثالاً لذلك، وقال: (و لم يكن أبان بن تغلب يعرض للشيخين أصلاً بل قد يعتقد عليّاً أفضل منهما) إ. ه. ومثل كلام الذهبي قاله الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (1/94) فراجع التفصيل في ذلك فيما سلف.(64/267)
إبراهيم بن يزيد النخعي: ترجم له كثير من أهل العلم بالجرح والتعديل لكن أحداً منهم لم يعده من رجال الشيعة سوى ابن قتيبة الدينوري وعليه اعتمد هذا الموسوي، وهو لا يثبت وذلك ان ابن قتيبة ليس من أهل الجرح والتعديل الذين يُقبل تفردهم ويعتمد عليه، وهو مؤرخ نعم ونحوي وأديب فاضل لكنّه ليس من فرسان الجرح والتعديل خصوصاً في ذكر الملل والنحل ودليله انه عدّ ضمن رجال الشيعة في كتابه (المعارف) (ص206) سفيان الثوري، وهو باطل قطعا عند كل من عرف الثوري وبغضه الشديد للرافضة، وهو أمر لم يدّعيه أحد حتى ولا من الشيعة ولا هذا الموسوي نفسه، مما يبين عدم صحة الإعتماد على قول ابن قتيبة لوحده في ذلك.
الأمر الثاني: إنه على فرض صحة ما قاله ابن قتيبة من تشيّع إبراهيم هذا فهو لا يخرج عما بيناه سابقاً من عدم غلوّه في ذلك الذي يوصله إلى الرفض المردود، وهو أيضاً دليل آخر على إنصاف أهل السّنّة.(64/268)
وحال ابن قتيبة الذي بيناه هنا في وصفه لبعض الرواة بالتشيّع يشبهه حال أبي الفتح الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) الذي اعتمد عليه أيضاً هذا الموسوي في عدد من الرواة، ونحن نقول إنه لا يمكن الإعتماد على قول ابن قتيبة لوحده في ذلك وكذا قول الشهرستاني لوحده ما لم يوافقهما احد من أهل العلم بالجرح والتعديل الذين اليهم المنتهى في هذا العلم الشريف وكما ذكرنا عن ابن قتيبة انه عد ضمن الشيعة سفيان الثوري، فمثله، بل أبطل منه ما فعله أبو الفتح الشهرستاني في (الملل والنحل) (2/ 27) إذ عد هناك ضمن رجال الشيعة الشعبي، وهو باطل كما قلنا لا يرتاب في ذلك أحد من السنة أو الشيعة على السواء، بل الشعي هذا من خصوم الرافضة المعروفين ويدلّ على ذلك غمز هذا الموسوي له في ترجمة الحارث بن عبد الله الأعور، وإنما نقلنا ذلك عن ابن قتيبة والشهرستاني لنبين انه لا يمكن الإعتماد عليهما فقط في ذلك، فكما ان الشيعة لا تعترف بالثوري والشعبي من رجالها مع إقرار ابن قتيبة والشهرستاني بذلك، فكذلك نحن لا نطمئن لحكم ابن قتيبة والشهرستاني بمفردهما في ذلك على أي من الرواة، والحمد لله .
أحمد بن المفضّل الحفري: مع أن كثيرين قالوا بتشيّعه فليس هو من الغالين في ذلك الغلو الذي يوجب ردّ حديثه، ولا يمكن هذا الموسوي وأشباهه ادعاء ذلك، فيبقى هو ضمن أصحاب البدعة الصغرى الذين يحتج بهم فيما لا يدخل في أصل بدعتهم كما نقلناه سلفا عن أهل الجرح والتعديل، وهذا من العدل ومن إنصاف أهل السّنّة والحمد لله.
إسماعيل بن أبان الورّاق: حاله كسابقه تماما وكحال أبان بن تغلب، وراجع ما نقلناه عن الإمام الذهبي عند الكلام على كيفية الإحتجاج بحديث أصحاب البدع والأهواء ومنها التشيع ففيه تمام العدل الذي أمر به الله سبحانه وتعالى ولا يخرج إسماعيل هذا وأمثاله عنه.(64/269)
إسماعيل بن خليفة أو إسرائيل الملائي: قال عنه الذهبي بما نقله هذا الموسوي، وإن كان قد دلّس فيما سوى ذلك، فلم يحتج به الترمذي إذ إخراجه لحديثه في كتابه لا يعد توثيقا له ولا احتجاجا به فليس كتاب الترمذي صحيحا كله مقطوعا به بل ولا يسمى صحيحاً أيضاً، مع أن الترمذي نفسه قد ضعّف أبا إسرائيل هذا فقال عنه في كتابه (1/177): (و ليس بذلك القوي عند أهل الحديث) مما يبين عدم احتجاج الترمذي به مع انه قد روى له حديثا يخالف مذهب الشيعة وهو في إثبات قول (الصلاة خيرٌ من النوم) في أذان الفجر، وأهل السّنّة يثبتونه بأحاديث أخرى كثيرة ليس هذا موضع ذكرها، والمقصود ان أبا إسرائيل الملائي هذا أحد رواه هذا الحديث مع ما عنده من الغلوّ في التشيّع وهو ما يبين تناقض الشيعة عموماً حتى في دقائق مذهبهم، وهم محجوجون برواياتهم ورجالهم، والحمد لله.
وأما قول أبي حاتم عن إسماعيل هذا فنصّه: لا يحتجّ به، وهو حسن الحديث إ. ه. فتصرف هذا الموسوي بعبارة أبي حاتم كما يحلو له. وقال ابن معين عنه: ضعيف. وقال مرة: ثقة . والجرح مقدّم على التعديل كما أسلفنا من قواعد هذا العلم الشريف، ويبدوا أن توثيق ابن معين له كان قبل علمه بحقيقة حاله ومذهبه الفاسد ثم لما علمه ضعّفه. وإنما قلنا هذا وليس العكس حتى يوافق قول ابن معين قول الآخرين الذين ضعّفوه وعليه استقر رأيهم فيه.
وقد ضعفه النسائي والعقيلي وقال ابن حبّان: وكان رافضياً شتّاماً وهو مع ذلك منكر الحديث إ. ه. وقال أبو أحمد الحاكم: متروك الحديث، وقال ابن المبارك: لقد منّ الله على المسلّمين بسوء حفظ أبي إسرائيل إ. ه. وهو إلى ذلك كله كان يشتم عثمان- رضي الله عنه ولعنة الله على مُبغضيه- فكيف يحتج به أهل السّنّة بعد ذلك؟ إن كان هذا الموسوي وأشباهه يحتجون بحديث من يشتم عثمان ويلعنه فهذا مما يبين حقيقة مذهبهم في عثمان، فرضي الله عن عثمان ولعنة الله على شاتميه ومبغضيه.(64/270)
إسماعيل بن زكريا الخلقاني: عنده تشيع من غير غلوّ، كما قاله أهل العلم عنه ولم يثبت احد غلوّه في ذلك، وما ساقه هذا الموسوي في ترجمته من نسبة أقوال الغلو والكفر اليه فقد رده- كما نقله الموسوي أيضاً- الذهبي في ترجمته وبرّأه من ذلك، فيبقى من اصحاب البدعة الصغرى الذين يحتج بهم في غير بدعتهم.
إسماعيل بن عبّاد، الملقب بالصاحب بن عبّاد: هو من أئمة اللغة والأدب، وله رواية قليلة كما قال الذهبي في (الميزان) فلا يعد من أهل الحديث، وكان شيعياً ومعتزلياً كما بينه الذهبي في (الميزان) و(تاريخ الإسلام) وكل من ترجم له كابن كثير في (البداية والنهاية)، وابن العماد في (شذرات الذهب) وغيرهم. وأما ما قاله هذا الموسوي في (الهامش) من أن الذهبي قد هضمه حقّه فلم يطول في ترجمته فذلك لأنه ليس معروفا بالحديث، و(ميزان الإعتدال) إنما موضوعه رواة الحديث لا مطلق التراجم، لذا نرى الذهبي حين أتى على ترجمته في (تاريخ الإسلام) و(سير أعلام النبلاء) أطال فيها كثيرا وذكر ما نقله هذا الموسوي وأضعافه. راجع (سير أعلام النبلاء) للذهبي (16/511-541) و(تاريخ الإسلام) له أيضاً (/92-98). فكان الأجدر بهذا الموسوي أن يتأدّب مع أهل العلم هؤلاء- كالإمام الذهبي- ويتحقق مما يقوله فيهم، بل كان الأجدر أن يقرأ ويطّلع أكثر قبل أن يقول ما قال، فليس كل من قرأ كتابا أمكنه التأليف وعدّ عالماً.
ثم إني لم أجد لإسماعيل هذا أية ترجمة في (تهذيب التهذيب) ولا (التقريب) وهما في رجال الكتب الستة ومنها (سنن أبي دأود) و(جامع الترمذي)، وبحثت عن روايته عندهما فلم أجدها ولا أظن أنّ له رواية عندهما أبدا ولا في الكتب الستة قاطبةً، والله أعلم. . .(64/271)
وأخيراً إنّ ما يهمّنا في ترجمة إسماعيل بن عبّاد هذا بيان حقيقة تشيّعه، وهو ما بينه الحافظ الذهبي في (تاريخ الإسلام) (9/59) فقال: (و له . . وكتاب "الإمامة" ذكر فيه فضائل علي رضي الله عنه وثبت إمامة من تقدّمه، وكان شيعياً كآل بويه وما أظنه يسبّ لكنّه معتزلي) إ. ه. فهو أولاً لم يكن يسب الصحابة، وثانياً كان يقول بثبوت إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وإن كان يقول بأفضلية علي عليهم رضوان الله عليهم أجمعين وهو نوع من التشيّع والبدعة الصغرى التي قلنا إن أهل النسة يحتجون بأصحابها، بخلاف أصحاب الطعن والسب للصحابة أمثال إسماعيل بن خليفة أبي إسرائيل السابق الذكر، والحمد لله رب العالمين.
إسماعيل بن عبد الرحمن، المعروف بالسدّي الكبير: أما ما رمي به من التّشيع فهو صحيح، وأما ما سوى ذلك من شتمه لأبي بكر وعمر فهذا لا يثبت عنه بل هو من تقوّل البعض عليه، أو لاختلاطه بالسدّي الصّغير الآخر وهو محمّد بن مروان، فذاك متّهم بالكذب بخلاف صاحبنا هذا والا لما روى له أهل السّنّة إطلاقاً. وقد اتّهم السدّي هذا بالكذب أيضاً لكنّه لم يثبت فهو إذاً جرح غير مفسر ولا ثابت فيقدم عليه تعديل من عدله كما هو مقرر في (المصطلح)، لذا نقل الحافظ ابن حجر في ترجمته من (التهذيب) عن الحاكم انه قال في كتابه (المدخل) في باب الرواة الذين عيب على مسلّم إخراج حديثهم: (تعديل عبد الرحمن بن مهدي- يعني للسدي- أقوى عند مسلّم ممن جرحه بجرح غير مفسر) إ. ه. والسدي إلى ذلك في حفظه شيء من ضعف لذا قال الحافظ في (التقريب9: صدوق يهم. .
إسماعيل بن موسى الفزاري: شأنه في التّشّيّع شأن قريبه السدّي المار ذكره، وهو أيضاً لا يحتج به منفردا لما في حفظه من ضعف، قال الحافظ في (التقريب): صدوق يخطئ. .(64/272)
تليد بن سليمان الكوفي الأعرج: قال الحافظ في (التقريب): رافضي ضعيف. . ومن زعم أن أهل السّنّة احتجوا به فقد كذب عليهم- كما فعل هذا الموسوي- فروايتهم عنه لا تُعد توثيقا له كما قررناه في قواعد هذا العلم مختصرا، بل يروون عنه ليُحَذّروا الناس من أباطيله، وأما ما نقله من قول الإمام أحمد فيه: لا بأس به، فهذا ربما قاله قبل علمه بحاله، بدليل أنه ثبت عن أحمد بن حنبل أنه قال: حدثنا تليد بن سليمان، هو عندي كان يكذب- أنظر (تهذيب التهذيب) (1/509)- وإليك أقوال أهل العلم بالجرح والتعديل فيه إضافة لما قدمنا: قال ابن معين: (كذّاب كان يشتم عثمان وكل من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم دجّال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) فرحمه الله على ابن معين في قوله هذا وهو ينطبق على ما سبق بيانه في ترجمة إسماعيل بن خليفة الملائي.
وقال أبو دأود عن تليد هذا: رافضي خبيث، رجل سوء، يشتم أبا بكر وعمر . وقال النسائي: ضعيف . وقال يعقوب بن سفيان: رافضي خبيث. وقال صالح بن محمّد: كان أهل الحديث يسمونه بليداً وكان سيء الخلق لا يحتج بحديثه وليس عنده كثير شيء وقال ابن عدي: يتبين على روايته أنه ضعيف. وقال الساجي: كذّاب . وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش: رديء المذهب، منكر الحديث. وقال ابن حبّان: كان رافضياً يشتم الصحابة روى في فضائل أهل البيت عجائب. وقال الدارقطني: ضعيف أنظر ترجمته في (ميزان الإعتدال)، (تهذيب التهذيب)، (الضعفاء والمتروكين) للنسائي والدارقطني وغير ذلك، ومع كل ما تقدم فقد روى تليد هذا حديثا في فضائل أبي بكر وعمر عند الترمذي (4/314)، ويبدو أنه لم يكن يتعرض للشيخين بل لعثمان فقط. وهذا الموسوي يريدنا أن نحتج بأمثال هؤلاء الشاتمين للصحابة، بل ويزعم أننا نحتج بهم فما أجرأه على الكذب ألم يقرأكتب الجرح والتعديل حتى يرى حال ما يسوقه؟(64/273)
ثابت بن دينار أبو حمزة الثمالي: لم يحتج به أهل السّنّة وليس ثقة عندهم بالمرة، بل رووا حديثه فسحب مع تضعيفه، قال الحافظ في (التقريب): ضعيف رافضي . قلت: وكيف يخطر على بال أحد أن أهل السّنّة يحتجّون ويرضون بمن يطعن بعثمان رضي الله عنه؟ ! لكن هذا ما يهواه هذا الموسوي وأشباهه, ولم يكن أميناً- كعادته- في النقل من (ميزان الإعتدال) إذ ساق الحافط الذهبي هناك من أقوال أهل العلم في ثابت هذا ما يبين رده عندهم . فقد قال أحمد وابن معين: ليس بشيء . وقال أبو حاتم: لين الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة . وقال الدارقطني: متروك. وقال مرة: ضعيف . وضعفه أيضاً ابن سعد. وقال يزيد بن هارون كان يؤمن بالرجعة , أي عقيدة الرّجعة عند الرافضة الضّلال التّي يقولون فيها برجعة أئمتهم إلى الدنيا حتى يقتصّوا من مخالفيهم، وهي التي أشرنا اليه في مقدمة كتابنا. وقد ذكر ثابتاً هذا الذهبي في كتابه (المغني في الضعفاء) وقال: واهٍ جداً. فانظر كيف يفتري هذا الموسوي على أهل النسة بزعمه أنهم احتجوا بحديث أبي حمزة الثمالي هذا.
ثوير بن أبي فاختة: حالة كاسبقه، قال الحافظ في (التقريب): ضعيف رمي بالرفض إ. ه. وساق الذهبي في (الميزان) وكذا الحافظ في (التهذيب) أقوال أهل العلم بتضعيفه ورد حديثه الأمر الذي تعمّد إخفاءه هذا الموسوي وإليك البيان:
قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم وغيره: ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني: متروك. أما سفيان الثوري فقد قال عنه- كما في (الميزان)- ركن من أركان الكذب. مع روايته عنه مما يؤكد ما قررناه سابقا من أن رواية الثقة عن رجل لا تعني تعديلا ولا قبولا له.
وقال البخاري عن ثوير: تركه يحيى وابن مهدي، فمن أين تخيّل هذا الموسوي احتجاج أهل السّنّة بصاحبه هذا؟(64/274)
جابر بن يزيد الجعفي: قال الحافظ في (التقريب): ضعيف رافضي إ. ه. وهو من أضعف الناس عند أهل السّنّة كما سنبينه إن شاء الله وما ساقه هذا الموسوي منسوباً إلى الأمام مسلم صاحب الصحيح فإنّه يؤيد ذلك، فقد روى له مسم مثل هذه المنكرات الأباطيل وغيرها في مقدمة صحيحة (1/101- 103) (صحيح مسلم مع شرح النووي) في معرض كلامه على ضعفاء الرواة والمتّهمين بالكذب وجعله مثلاً لذلك مع آخرين كما يتبين لكل من راجع مقدمة الصحيح تلك بعكس ما أراد الإيهام به هذا الموسوي- عامله الله بما يستحق- حتى قال مسلّم عقب أنتهائه من سرد هؤلاء الرواة (1/123): (و أشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متّهمي رواة الحديث وإخبارهم عن معايبهم كثير يطول الكتاب بذكره على استقصائه وفيما ذكرنا كفياة لمن تفهّم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا، وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر) إ. ه. وأما إخراج أبي دأود والترمذي لحديثه فلا يُعد ذلك تعديلاً له إطلاقا كما قررنا، فليس شأنهما شأن الصحيحين ولا يقال أنهما احتجّا به أصلاً. بل ان مما عيب على أبي دأود إخراجه لحديث جابر هذا مع أنه روى له حديثاً واحداً فقط لا كما تشعره عبارة هذا الموسوي في الوقت الذي قال عنه أبو دأود نفسه: ليس عندي بالقوي في حديثه. وقال النسائي: متروك. وقال يحيى: لا يُكتب حديثه ولا كرامة. وقال جرير بن عبد الحميد- وهو الذي سيذكره هذا الموسوي في الترجمة القادمة-: لا أستحلّ أن احدث عن جابر الجعفي.
كان يؤمن بالرجعة. وقال يحيى بن يعلي المحاربي: طرح زائدة حديث جابر الجعفي وقال هو كذّاب يؤمن بالرجعة. وقد كذّبه أيضاً ابن معين في رواية، وقال أبو حنيفة: ما رأيت فيمن رأيت أفضل من عطاء ولا أكذب من جابر الجعفي. وقال العقيلي في الضعفاء: كذّبه سعيد بن جبير.(64/275)
وقد كذّبه أيضاً ابن عيينة كما حكاه الساجي. وقال شهاب بن عباد: سمعت أبا الأحوص يقول: كنت اذا مررت بجابر الجعفي سألت ربي العافية! وقال الشافعي: سمعت سفيان: سمعت من جابر الجعفي كلاما بادرت خفتُ أن يقع علينا السقف. وروى إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي انه قال: يا جابر لا تموت حتى تكذب على النبي صَلّى الله عليه وسلّم، قال إسماعيل: فما مضت الأيام والليالي حتى اتهم بالكذب. وغير ذلك من كلام أهل العلم بالجرح والتعديل الذي يبين كذبه ورد حديثه عند أهل السّنّة لا كما زعم وافترى هذا الموسوي. ولا يلتفت بعد ذلك إلى تعديل من عّدله- على فرض صحته- خصوصاً وهو معارض لهذا الجرح المفسّر. وأما رواية شعبة وسفيان الثوري عنه فلا تُعد تعديلاً له إطلاقا بل كانا ينهيان الناس عن الأخذ عنه ويرويان حديثه حتى تُعرف نكارته، والدليل عليه ما نقله الحافظ ابن حجر في ترجمته من (التهذيب) عن معلي بن منصور قال: قال لي أبو عوانة كان سفيان وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي، ونقل عن وكيع أنه قال: قيل لشعبة: لم طرحت فلاناً وفلاناً ورويت عن جابر؟ قال لأنه جاء بأحاديث لم نصبر عليها. وقد بين ذلك ابن حبان أحسن بيان فقال بعد تضعيفه لجابر هذا: (فإن احتج محتج بأن شعبة والثوري رواي عنه قلنا الثوري ليس من مذهبه ترك الرواية عن الضعفاء، وأما شعبة وغيره فرأوا عنده أشياء لم يصبروا عنها وكتبوها ليعرفوها فربما ذكر أحدهم عنه الشيء بعد الشيء على جهة التعجب- ثم روى بإسناده- عن محمّد بن رافع قال رأيت أحمد بن حنبل في مجلس يزيد بن هارون ومعه كتاب زهير عن جابر الجعفي فقلت له يا أبا عبد الله تنهونا عن جابر وتكتبونه ؟ قال: لنعرفه) إ. ه. ومصداق ذلك قد مر في ترجمة ثوير بن أبي فاختة، إذ مع تكذيب الثوري له ووصفه بأنه ركن من أركان الكذب فقد روى عنه فلا يعد ذلك تعديلاً له بالمرّة. وأيضاً ممن كان يروي عن جابر هذا ثم تركه لمّا تبين كذبه عبد الرحمن بن مهدي(64/276)
كما في ترجمته من (التهذيب) و(الميزان) عن عمرو بن علي قال: كان عبد الرحمن يحدثنا عنه قبل ذلك ثم تركه إ. ه.
وأخيراً ضعّف إسناد جابر هذا، بل عده أوهى أسانيد أهل البيت الحاكم النيسابوري الذي يعوّل عليه هذا الموسوي وأشباهه كثيراً لكنّه نفسه قال في (معرفة علوم الحديث) (ص65): (إن أوهى أسانيد أهل البيت عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحارث الأعور عن عليّ) لاجتماع ثلاثة من الضعفاء فيه، أحدهم صاحبنا هذا جابر الجعفي، والآخر الحارث الأعور وسيأتي رقم (19)، فلم يكن جابر هذا ضعيفا فحسب بل أضعف الرواة. والله المستعان على ما يصف هذا الموسوي. .
جرير بن عبد الحميد الضبي: صدوق يتشيّع إ. ه. ولم يكن عنده من الغلوّ في ذلك ما يوجب رد حديثه فهو إذا لا يخرج عن حال أصحاب البدعة الصغرى، مثل أبان بن تغلب وآخرين قد قدمنا الحكم في رواياتهم بالعدل والإنصاف الذي أمر الله سبحانه وتعالى به. .
جعفر بن زياد الأحمر: قال الحافظ في (التقريب): صدوق يتشيّع إ. ه. ولم يكن عنده من الغلوّ في ذلك ما يوجب رد حديثه فهو إذا لا يخرج عن حال أصحاب البدعة الصغرى، مثل أبان بن تغلب وآخرين قد قدمنا الحكم في رواياتهم بالعدل والإنصاف الذي أمر الله سبحانه وتعالى به. .(64/277)
جعفر بن سليمان الضبعي: قال الحافظ في (التقريب): صدوق زاهد لكنّه كان يتشيع إ. ه. قلت: وليس هو ممن يسب الصحابة ولا يبغضهم والا لما احتج به أهل السّنّة، وأما ما نقله هذا الموسوي من (الميزان) من أنه قيل له: بلغني أنك تشتم أبا بكر وعمر فقال: أما الشتم فلا، ولكن البغض ما شئت، فقد بينه غير واحد من أهل العلم بالجرح والتعديل انه لم يكن يعني بهما الشيخين وإلا لما احتجوا به إطلاقاً كما قرره الذهبي في مقدمة (الميزان) ونقلناه عنه سابقاً، وكذلك قول يحيى بن معين المار في ترجمة تليد بن سليمان، فلا يتصور أن يخالفوا في ذلك أصلاً وضعوه، بل من كان على هذا الحال فهو ساقط بالمرة، وهو كاف لجرحه وردّ حديثه، لكن جعفراً هذا كان يعني بأبي بكر وعمر جارين كان قد تأذى بهما، فيما بينه الذهبي في (الميزان) نقلا عن ابن عدي قال: سمعت الساجي يقوله .
وعقب الذهبي على ذلك بقوله: (قلت: ما هذا ببعيد فإن جعفراً قد روى أحاديث من مناقب الشيخين رضي الله عنهما) إ. ه. لكن هذا الموسوي غير أمين إطلاقاً في نقله، فحذف هذا الكلام كله محأولاً الإيهام بأن جعفراً هذا يسب الشيخين، فلعنة الله على من سبّهما وعلى من حاول ذلك وطلبه. ولا يمكن أن يكون جعفر يبغضهما وهو يروي فضائلهما، وقد قال نحو ذلك ابن عدي أيضاً- كما نقله الذهبي في (الميزان)- بأن جعفراً قد روى في فضائل الشيخين مع ما عنده من التشيع، فهو إذاً ليس من الغالين في ذلك بل بدعته من نوع البدعة الصغرى التي يحتج بأصحابها ولم يثبت أنه كان يشتم أو يبغض الشيخين، وقد نقل هذا الموسوي كلام ابن عدي هذا من (الميزان) لكنّه حذف منه عبارة رواية فضائل الشيخين، إذ قال ابن عدي: (جعفر شيعي أرجو أنه لا بأس به، قد روى في فضائل الشيخين أيضاً واحاديثه ليست بالمنكرة وهو عندي ممّن يجب أن يقبل حديثه) إ. ه.(64/278)
فقارن هذا الكلام مع ما ساقه هذا الموسوي المتلاعب بالنّصوص والكلام كما يحلو له، وهو أمر لا يخطر ببال أحد أن مؤلفاً يحترم نفسه يمكن أن يفعل مثل فعله هذا!
وقد نقل الحافظ في (التهذيب) أيضاً رواية بين فيها أن جعفراً كان يعني بأبي بكر وعمر جارين كان يتأذى منهما وليس هما الشيخين. ونقل الحافظ أيضاً عقبها ما يؤيد ذلك وهو قول أبي أحمد الحاكم أن جعفراً روى في فضل الشيخين أيضاً. فمن كل ما تقدم يتبين أن جعفراً ليس من الغالين بل عند بدعة صغرى من نوع التي بينا احتجاج أهل العلم بأصحابها. وأنه لم يكن يعرض للشيخين أبي بكر وعمر أصلا، بل روى في فضائلهما ومما يؤكد أيضاً عدم مغلاة جعفر في التشيع انه نفسه قد روى حديث أبي سعيد الخدري قال: مات رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم ولم يستخلف أحداً، وقال الذهبي عقب إيراده: فما حدث به إلا وعنده أن عليّاً ليس بوصيّ إ. ه. فليسمع اصحاب هذا الموسوي ثم ليحكموا بعد ذلك.
جميع بن عميرة بن ثعلبة الكوفي: لا أدري كيف يفتري هذا الموسوي على أهل السّنّة مثل هذه الإفتراءات، فجميع هذا عندهم متهم بالكذب، وأبو حاتم لم يوثّقه لكنّه سكت عن تضعيفه لما لم يكن يعلم من حقيقة حاله التي علمها غيره فبينها لنا، والجرح المفسر- كهذا- مقدم على التعديل على فرض أن يعد كلام أبي حاتم تعديلاً له، كما قررنا سابقاً من قواعد هذا العلم الشريف أما جميع هذا فقد قال عنه البخاري: فيه نظر إ. ه. ومن علم حقيقة ألفاظ البخاري وأنه لا يستعمل الألفاظ الشديدة في الجرح يتبين له أن قوله هذا من أشد أنواع التضعيف.(64/279)
وقال عنه ابن عدي: هو كما قال البخاري عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال ابن نمير عنه أيضاً: كان من أكذب النّاس. وقال ابن حبّان: رافضي يضع الحديث. وهذا كله موجود في (الميزان)، فلا أدري هل أعمى الله بصر هذا الموسوي فلم يره؟ أم هو الهوى والعصبية؟ أم التدليس والغش الذي حمله على ذلك ؟ وأكثر من هذا فإنّه نقل قول ابن حبان نفسه في (الميزان) الذي ذكرناه لكنّه حذف- باجتهاده- آخره وهو: (يضع الحديث) وأبقى قوله (رافضي) . فإن كان ذلك لا يعجبه فلم لم يعرض عن قول ابن حبان كله؟ وكل تصرفاته هذه في نقل النّصوص لهذه التراجم مما تضحك عليه الصبيان قبل الكبار!
فأما الحديث الذي ذكره في مؤاخاة النبي صَلّى الله عليه وسلّم لعليّ فهو من منكرات (جميع) وأباطيله كما سيأتي بيانه في موضعه، وبيان أنه موضوع مكذوب.(64/280)
الحارث بن حصيرة: فيه كلام يمنع من الإحتجاج بحديثه لكنّه يستشهد به فقط دون الإحتجاج. قال الحافظ في (التقريب): صدوق يخطئ ورُمي بالرفض إ. ه. ثم إنه لا يستشهد به في شيء من فضائل علي رضي الله عنه لما عنده من الرفض كما هو مقرر في (المصطلح) . وقد ساق هذا الموسوي عبارة أبي حاتم عنه من (الميزان) لكنّه حذف منها شيئاً مهماً، فقد قال أبو حاتم: (هو من الشيعة العتق لولا الثوري روى عنه لترك) إ. ه. فبان بهذه ضعف حاله، وهو ما صرّح به ابن عدي فيما ساقه هذا الموسوي، وذكر مسلّم في مقدمة صحيحه (1/103) (شرح النووي) ضمن الرواة الضعفاء والمتّهمين. وأما رواية الثوري عنه فلا تعد تعديلاً له إطلاقاً لما تقرر من أن رواية الثقة عن رجل لا تعد تعديلا له خصوصاً الثوري، وقد مرت بنا من ذلك أمثلة كثيرة. وما ساقه هذا الموسوي من أحاديثه إنما نقله من (الميزان)، وهي من الأحاديث المنكرة التي ردت على رواتها، وما علم هذا الموسوي إن منهج الذهبي- كما هو منهج ابن عدي من قبله- أن يسوق لكل رأو ضعيف أو متهم بعضاً من منكراته مدللاً عليها فلا يعد ذلك تصحيحاً لها كما هو معلوم عند أهل العلم دون أهل الجهل.(64/281)
الحارث بن عبد الله الهمداني: وهو الأعور، ضعيف جداً وقد اتهم، وما احتج به أحد من أهل السّنّة إطلاقاً على خلاف ما زعم هذا الموسوي. وليس هو من أفضل التابعين بل كان من كبار علمائهم في الفرائض والحساب فقط، وبه اشتهر . وقد أشار الذهبي إلى تضعيفه فيما تعمّد إخفاءه الموسوي. وقد كذّبه غير واحد، إذ لم ينفرد الشعبي بتكذيبه، فقد كذّبه أيضاً إبراهيم النخعي نفسه وأبو إسحاق السبيعي، وقال جرير بن عبد الحميد: كان زيفاً. وهؤلاء الثلاثة مقبولون مرضيون عند الشيعة وعند هذا الموسوي بالذات، يدلك على ذلك ذكره لهم في التراجم المائة هذه في مواضعها وقد كذّب الحارث الأعور أيضاً المغيرة صاحب إبراهيم النخعي وابن المديني، وضعّفه الدارقطني وابن معين- في رواية- وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ، وكان يحيى وعبد الرحمن بن مهدي لا يحدثان عنه وقال أبو زرعة: لا يُحتج بحديثه. وقال أبو حاتم: ليس بقوي ولا ممّن يُحتجح بحديثه، وضعّفه النسائي أيضاً فقال في موضع: ليس بالقوي، وقال ابن سعد: كان له قول سوء, وهو ضعيف في رأيه . قلت: والقول السوء الذي أشار إليه منه ما رواه الإمام مسلّم في قدمة صحيحه لما ذكر الحارث الأعور هذا وعدّه فيمن اتّهم، ونقل تكذيب الشعبي وغيره له، عن إبراهيم أن الحارث قال: (تعلّمت القرآن في ثلاث سنين والوحي في سنتين، أوقال الوحي في ثلاث سنين والقرآن في سنتين) إ. ه. قال النووي في شرحه (1/98- 99): (فقد ذكره مسلّم في جملة ما أنكر على الحارث الأعور وجرح به وأخذ عليه من قبيح مذهبه وغلوّه في التشيع وكذبه) ثم ذكر اعتذار القاضي عياض عن قول الحارث هذا ثم قال: (قال القاضي- يعني عياض- ولكن لما عرف قبح مذهبه وغلوّه في مذهب الشيعة ودعواهم الوصية إلى علي رضي الله عنه وسر النبي صَلّى الله عليه وسلّم إليه من الوحي وعلم الغيب ما لم يطلع غيره عليه بزعمهم سيء الظن بالحارث في هذا وذهب به ذلك المذهب ولعلّ هذا القائل(64/282)
فهم من الحارث منكراً فيما أراده والله أعلم) إ. ه. وقال النووي قبل ذلك عن الحارث الأعور هذا: (متّفق على ضعفه) فلا معنى بعد ذلك لمشاغبة هذا الموسوي في رده لقول ابن سعد في الحارث الأعور، فهو لم ينفرد به أولاً، ثم هو مبين السبب وليس سببه ما ادعاه هذا الموسوي محأولاً تخطئة ابن سعد فادّعى أن القول السّيء الذي عناه ابن سعد هو الولاء لآل محمّد، فأهل السّنّة لا يعادون آل محمّد صَلّى الله عليه وسلّم بل يوالونهم ولكن هذا الموسوي يحأول الردّ بما لا قبل له به أو ربما هو خلاف الحق كما بيناه. .
وممن ضعّف الحارث الأعور أيضاً ابن حبّان فقال: كان الحارث غالياً في التشيّع واهياُ في الحديث، وروى له ابن حبّان حديثاً منكراً.
فكيف يزعم هذا الموسوي بعد كل هذا أن أهل السّنّة احتجّوا به؟ نعم قال الذهبي أن النسائي- وحده- قد احتج به وهو قول مردود على الذهبي- رحمه الله- لم يوفق فيه للصواب كما بينه الحافظ ابن حجر في (التهذيب) إذ قال عقب إيراده كلام الذهبي هذا: (قلت: لم يحتج به النسائي وإنما أخرج له في السنن حديثاً واحداً مقروناً بابن ميسرة، وآخر في اليوم والليلة متابعة، هذا جميع ماله عنده) إ. ه. ثم ردّ الحافظ أيضاً على من زعم أن ابن حبان احتجّ بالحارث الأعور هذا وبين أنه لا يصح ذلك . والنسائي قد سبق قوله في تضعيف الحارث هذا، فكيف يحتج به؟ وإنما له في المتابعات والشواهد كما قال الحافظ وأيضاً ليس ذلك كثيراً بل في حديثين فقط.(64/283)
بقي من كلام هذا الموسوي ما ذكره من تكذيب إبراهيم النخعي للشعبي نقلاً من كتاب (جامع بيان العلم وفضله) لابن عبد البر وابتداءً نقول: أنّ إبراهيم النخعي نفسه قد كذّب الحارث الأعور ووافق الشعبي في ذلك فيما ساقه الذهبي وابن حجر ورواه مسلّم في مقدمة صحيحه ونقلناه سابقاً عند ذكر من كذّب الحارث الأعور هذا. وتكذيب إبراهيم النخعي للشعبي مردود ولا ينظر اليه فهو من كلام الأقران بعضهم في بعض، وللشعبي كلام يشبهه أيضاً في إبراهيم النخعي، وقدح كل منهما في الآخر غير معتبر ولا قائم. ألا ترى أن عبد البر نفسه قد جعل ذلك كله في (باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض) وقال عقب سرده لتلك الأقوال (2/157-158): (و هذا مما ذكرنا مما لا يسمع من قولهم ولا يلتفت اليه ولا يعرج عليه) إ. ه. وهذا كله بخلاف تكذيب الشعبي للحارث الأعور هذا فإنّه معتبر مأخوذ به ولم يرده أحد من أهل العلم بالجرح والتعديل، ودعوى ابن عبد البر بمعاقبة الشعبي لتكذيبه للحارث مردودة لا دليل عليها، فإبراهيم نفسه قد كذّب الحارث كما قلنا ويلزم من ذلك أن يعاقب عليه، وكذلك كل من كذّب الحارث ممن ذكرناهم أولاً، وهو أمر باطل لا يقوله عالم، بخلاف موافقة الكثيرين للشعبي في تكذيبه الحارث الأعور ورد حديثه. ومن تساهل منهم اكتفى بتضعيفه مع الإلتزام بردّ حديثه وما يروى ان ابن معين قال عن الحارث: ثقة، فهو لا يتابع عليه. قال عثمان الدارمي: ليس يتابع ابن معين على هذا إ. ه. ويبدو ان ابن معين قد وثق الحارث هذا أولا قبل علمه بحاله ثم لما تبين له امره ضعفه. كما نقله رواية عن ابن معين الذهبي في (الميزان) وذكرناه سابقا. وهو امر وافق عليه ابن معين باقي أهل العلم بتضعيف الحارث الأعور. ومن ثم قال النووي في (شرحه لصحيح مسلّم) (1/98) عن الحارث الأعور: متفق على ضعفه إ. ه. ومع كل ما تقدم أيضاً فقد روى الحارث عن علي رضي الله عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم قال: (ابو بكر(64/284)
وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين) اخرجه الترمذي (4/310) وابن ماجه (95) وهو شوكة في أعين الرافضة . وأهل السّنّة يصح عندهم هذا الحديث لا بالحارث فهو ضعيف متهم بل لطرقه الاخرى ولله الحمد.
حبيب بن ابي ثابت: لم يدع احد انه من رجال الشيعة سوى ابن قتيبة والشهرستاني. وقد قدمنا حالهما إذا انفردا في ذلك. ومع ذلك فليس عنده من الغلو ما ينكر.
واما قول هذا الموسوي: وقد تكلم فيه الدولابي لمجرد تشيعه، فهو قول باطل واتهام للدولابي دون علم ومعرفة، وانظر كتاب (الكنى والاسماء) للدولابي (2/165، 166) ففيه ذكر حبيب هذا. لكن ضعفه الدولابي لكلام ابن عون فيه، إذ قال فيه ابن عون: كان اعور ولم يرد بذلك تضعيفه بل وصفه وقد بينه الذهبي في (الميزان) بأن هذا وصف لا جرح، لكن الدولابي فهم منه معنى الجرح فأورده. وأوهى من ذلك ان ادعى هذا الموسوي تضعيف ابن عون لحبيب هذا بهذا الوصف فأخذ يرد عليه بما لا حاجة له به، فابن عون لم يجرحه بل وصفه وبين ذلك الذهبي نفسه في (الميزان) الذي نقل منه هذا الموسوي ثم ادعى انه هو الذي رد على ابن عون ذلك، فهو متشبه بما لم يعط، وحسبنا الله ونعم الوكيل.(64/285)
الحسن بن حيّ واسم حيّ صالح: ثقة فقيه عابد. وتشيعه ليس من الغلو في شيء فهو من نوع البدعة الصغرى التي نبهنا عليها مرارا. وقد ذكره الذهبي في (الميزان) فقال: (فيه بدعة تشيع قليل) ونقل عبارة الذهبي هذه الموسوي لكنّه حذف منها (قليل) محأولا الايهام بغلوه، فلعنه الله على الكاذبين والمحرفين الطالبين للغلو في الباطل. اما الحسن بن صالح هذا فتشيعه قليل ولا يرد به حديثه، ولم يكن بالتأكيد من الذين يسبون الصحابة أو يبغضونهم. ثم نقول ما بال هذا الموسوي هنا يحتج بتوثيق ابن سعد للحسن ابن صالح؟ ألم يطعن بابن سعد قبل قليل ويدع انه مجاف للشيعة ورجالهم؟ فما بال ابن سعد- ان كان كما يزعم هذا الموسوي- يوثق الحسن بن صالح هذا ثم يستشهد بتوثيقه هذا الموسوي؟ ولو كان ابن سعد كما وصفه هذا الموسوي في ترجمة الحارث الأعور- زوراً وبهتاناً- لضعف الحسن بن صالح هذا لأجل تشيعه. وقد رأيت للحسن بن صالح هذا حديثا في (سنن أبي دأود) (156) فيه اثبات المسح على الخفين هو احد رجاله وهو ما لا تقول به الشيعة عموما مما يؤكد عدم غلو الحسن هذا كما قلنا. ومن جهة أخرى فهو حجة على الشيعة في هذه المسألة برجال هم مرضيون عند الشيعة والحمد لله.
الحكم بن عتيبة: ثقة فقيه ثبت. وتشيعه لم يكن فيه غلو اطلاقا ولم ينقل عنه من الغلو في ذلك كالطعن بالصحابة أو بغضهم ما يوجب رد حديثه. بل لم يظهر منه تشيعه في الغالب كما نقل الحافظ ابن حجر في (التهذيب) عن العجلي أنّه قال: (و كان من فقهاء اصحاب ابراهيم وكان صاحب سنة واتباع وكان فيه تشيع الا ان ذلك لم يظهر منه) أ. ه. وأيضاً ان مما يبين عدم غلوه كسابقه الحسن بن صالح ان له عند ابي دأود حديثا (157) هو احد رواته في اثبات المسح على الخفين وهو على خلاف مذهب الشعية. , لله الحمد.(64/286)
حمّاد بن عيسى الجهني: ضعيف، ولم يوثّقه أحد سوى من ذكرهم هذا الموسوي من أئمة الشيعة . وهو لا يلزم أهل السّنّة بشيء، فأين فيه ما زعمه من احتجاج أهل السّنّة به؟ ثم انظر إلى صنيعه هنا فإنّه اكتفى في توثيقه باقوال أئمته الشيعة في الوقت الذي يزعم انه يلزم أهل السّنّة الحجة برواة هم عندهم ثقات. أليس هذا عجيباً؟ لكنّه لا شك قد اضطرإلى ذلك لما رأى ان أهل السّنّة اجمعوا على ضعفه وأن ذلك مما يفضحه فاضطر إلى فعل هذا وقد اعترف هو نفسه بتضعيف الذهبي وغيره من أهل السّنّة لحماد هذا، فماذا يريد منا بايراده هنا؟ واما قوله عن الذهبي (و تحامل عليه إذ نسب الطامات اليه) فنحن نقول ان تلك الطامات التي ذكرها الذهبي قد رواها حماد هذا عن جعفر الصادق وابن جريج، ونحن لتأكدنا من صدق هذين الامامين وصلاحهما وثقتهما عصبنا هذه الطامات بحمّاد بن عيسى هذا، وإلاّ فهل يرغب هذا الموسوي منا بخلاف ذلك؟
وقد ضعف حمادا هذا، ابو دأود وابو حاتم والدارقطني، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به وما فعله الذهبي من نسبة الطامات إلى حماد هذا لم ينفرد به بل وافقه فيه أيضاً الحاكم والنقاش فقالا: - كما في (التهذيب)- (يروي عن ابن جريج وجعفر الصادق احاديث موضوعة) إ. ه. وزعم هذا الموسوي احتجاج الدارقطني به ليس صحيحا ولا يقوله أهل العلم، فان رواية الدارقطني عنه في (سننه) لا تعد توثيقا له ولا تعديلا ولا حتى احتجاجا به كما نبهنا عليه مرارا، فكيف وقد تقدم ان الدارقطني قد ضعفه ايضا؟ ثم انا نقول لهذا الموسوي واشباهه: بمثل هذه الامور كأنت سنن الدارقطني ليست صحيحة كلها عندنا، افتراها عندك صحيحة كلها؟ ؟(64/287)
ثم نقول لهم ايضا، ان أهل العلم بالحديث يعلمون ان موضوع (سنن الدارقطني) ليس مطلق السنن كأبي دأود وامثاله، فان هذه كأنت موجودة هي والصحيحين في زمن الدارقطني فلا حاجة لتصنيف سنن اخرى، بل كان قصده فيها ذكر ما يستغرب من الاحاديث في ذلك وجمعها لذا نراه اعتنى كثيرا بطرق الحديث دون اي شيء سواها، وهذا هو السبب الذي من أجله حوى كتاب الدارقطني كثيرا من الضعفاء الذين تكلم عليهم هو نفسه، وهو الامر الذي حير عقول الجاهلين المرتابين مثل صاحبنا الموسوي هذا، والله المستعان. .
حمران بن أعين: ضعيف رمي بالرفض، كما قال الحافظ في (التقريب) . ولم يوثّقه أحد من أهل السّنّة وأقرّ بذلك الموسوي نفسه بما نقله من كلامهم فيه، فما وجه الحجة بايراده؟ قال ابن معين: ليس بشيء، وفي رواية: ضعيف ذكرها ابن حجر في (التهذيب) وقال النسائي: ليس بثقة . فان كأنت هذه حال اثبات الشيعة كما وصفه بذلك الموسوي فكيف يريدون منا الاعتماد والثقة بما يروونه في كتبهم وهذه حال أثباتهم؟(64/288)
وقد أشار هذا الموسوي في ترجمة حمران هذا إلى أخيه زرارة بن أعين، وعده في المكانة عندهم كأخيه سواء، وانما لم يذكره في هذه التراجم في مكانه حتى لا يفتضح فزرارة هذا عنده من الكذب الذي سنبينه ما يسقط الاحتجاج به عند أهل العلم، ثم ليس له رواية اصلا عند أهل السّنّة. وهو في الاصل مقل من الرواية، قال الذهبي في (الميزان): زرارة قلما روى. وذكر له بعضاً من منكراته ومنها مارواه عن ابن السماك قال: حججت فلقيني زرارة بن أعين بالقادسية فقال: ان لي اليك حاجةً وعظّمها، فقلت: ما هي؟ فقال: إذا لقيت جعفر بن محمّد فأقرئه مني السّلام وسله أن يخبرني أنا من أهل النار أم من أهل الجنة ؟ فأنكرت ذلك عليه، فقال لي: إنه يعلم ذلك، ولم يزل بي حتى أجبته، فلما لقيت جعفر بن محمّد أخبرته بالذي كان منه، فقال لي: هو من أهل النار! فوقع في نفسي مما قاله جعفر فقلت: ومن أين علمت ذاك؟ فقال: من ادّعى عليّ عِلمَ هذا فهو من أهل النار. فلما رجعت لقيني زرارة فأخبرته بأنه قال لي إنه من أهل النار، فقال: كال لك من جراب النورة، قلت: وما جراب النورة؟ قال: عمل معك بالتقية ! إ. ه. قلت: ولا يخفى ان تكذيب أي مسلّم أو لعنه أو الحكم عليه بالنار لا يصحّ أن يقال على سبيل التقية، خصوصاً مِن مثل جعفر الصادق رحمه الله، فإن نسبة ذلكا إليه وعلى وجه التقية من أقبح الأمور التي يُنزَّه عنها جعفر رحمه الله.(64/289)
ولم يثبت تكذيب جعفر لزرارة بن أعين هذا عند أهل السّنّة فقط بل ثبت أيضاً في كتب الشيعة أئمة هذا الموسوي . فقد جاء في كتاب (ثقات الرواة) لأغا حسن الموسوي الأصفهاني المتوفى سنة 387ه (1/317) (الطبعة الأولى- مطبعة الآداب في النجف) أن جعفر الصادق قال عن زرارة هذا (لعن الله زرارة لعن الله زرارة) وروى ذلك أيضاً في (رجاله) (ص135)، وقد أشرنا إلى كتاب (رجال الكشي) هذا في مقدمة كتابنا . وروى الكشي أيضاً (ص134) وفي (ثقات الرواة) أيضاً (1/319) ان جعفر الصادق قال: (ما أحدث أحدٌ في الإسلام ما أحدث زرارة من البدع لعنه الله) إ. ه. فمن هم أئمة هذا الموسوي يا ترى؟ هل هو زرارة ؟ أم هؤلاء الذين ضعّفوه وكذّبوه؟
ولزرارة هذا أخ هو عبد الملك يأتي الكلام عليه إن شاء الله في موضعه رقم (54) . .
خالد بن مخلّد القطواني: صدوق لكنّه يتشيّع، كما قال الحافظ ولم يكن من المغالين الطأعنين أو المبغضين للصحابة وإلا لردّ حديثه فهو جرح بنفسه، وسنذكر دليلاً على عدم غلوّه، لكنّه كان عنده تشيع، وحتى هذه العبارة توحي بخفته في ذلك إذ لم يقولوا عنه: شيعي، بل قالوا عنده تشيّع أو يتشيّع، مما يوحي ببساطته وعدم مغالته وهو أمر لا يخفى على من فهم كلام القوم بخلاف من تحامل وتحامق.
وأما قول الجوزجاني عنه: كان شتّاما معلناً بسوء مذهبه، فهو أمر لم يثبت ولم يلتفت إليه أحد لما عُرف من الجوزجاني- رحمه الله- من الحط والطعن بالكوفيين عموماً لذا قالوا ان قوله في هؤلاء الكوفيين غير مقبول لشدة تحامله عليهم ولمخالفته لهم في مذهبهم، والدليل على ذلك انه لم يلتفت إلى جرح الجوزجاني لخالد هذا الذهبي ولا غيره.(64/290)
وقد عدّ الذهبي الجوزجاني من المتعنتين في الجرح والتعديل فقال: في (ذكر من يُعتمد قوله في الجرح والتعديل) (ص148- 159): (إن الذين قبل الناس قولهم في الجرح والتعديل على ثلاثة أقسام: قسم منهم متعنت في الجرح متثبّت في التعديل . . . فهذا إذا وثّق شخصاً فعضّ على قوله بناجذيك وتمسّك بتوثيقه، وإذا ضعّف رجلا فانظر؛ هل وافقه غيره على تضعيفه فإن وافقه ولم يوثق ذلك أحد من الحذاق فهو ضعيف، وإن وثّقه أحد فهذا الذي قالوا فيه لا يقبل تجريحه إلا مفسّراً. . . الخ) إ. ه. وكذا قال الحافظ ابن حجر في (التهذيب) في ترجمة أبان بن تغلب لما طعن فيه الجوزجاني: (و أما الجوزجاني فلا عبرة بحطّه على الكوفيين) إ. ه.
وقد نقل هذا الموسوي كلام ابن سعد في خالد هذا وحذف منه ما لا يوافقه، إذ قال ابن سعد عنه: (وكان في التشيّع مفرطاً وكتبوا عنه ضرورة) إ. ه. فحذف هذا الموسوي من عبارة ابن سعد قوله (ضرورة) وهو بذلك يؤكد عدم أمأنته.
وأما الدليل على عدم غلو خالد هذا في التشيع وان أهل السّنّة علموا منه ذلك فارتضوه ورووا عنه أن له حديثاً في (صحيح البخاري) (5/26) في فضائل الزبير بن العوّام رضي الله عنه، ورواه عنه البخاري مباشرة من حديث عثمان بن عفّان رضي الله عنه، ورأوي الحديث عثمان ومن يخصه الزبير هما من أعداء الرافضة لعنهم الله ورضي عن عثمان والزبير. وحديث خالد هذا شوكة في أعينهم إذ هو من رواية رجالهم كما يزعمون، والحمد لله رب العالمين.(64/291)
دأود بن أبي عوف أبو الجحاف: وثقه غير واحد نعم، لكن توثيقه هذا ليس في أعلى مراتبه بل عنده بعض المنكرات نبّه عليها أهل العلم فيكون توثيقه في العموم صحيحاً، وابن عدي إنما قال فيه ما قال لما رأى له بعض المنكرات، وقد ساق الذهبي نفسه في (الميزان) بعضها وقال عقبها: (هذا منكر)، ووافق ابن عدي على ذلك العقيلي فقال عنه (كان من غلاة الشيعة)، وقال الأزدي: زائغ ضعيف. ومن زعم أن ابن عدي من النواصب وإنّه قال قوله ذلك بذلك الدافع فهو أضلّ من حمار أهله. ومرة أخرى نقول إن رواية الثقات عنه لا تعتبر تعديلاً له ولا احتجاجاً به فلا يغفلنَّ أحدٌ عن هذا فقد مرت بنا أمثلة من ذلك كثيرة.
وقال الحافظ في (التهذيب): (و له في السنن وابن ماجة حديث واحد في فضل الحسن والحسين) إ. ه. فهو اذا ليس له عند أصحاب السنن سوى حديث واحد لكثرة ما عنده من المنكرات فلم يكفروا عنه بل رووا عنه ما يعرف من حديثه دون ماينكر .
وعبارة الموسوي تبين أنه إنما وثق دأوداً هذا لتوثيق سفيان له ورد بذلك كلام ابن عدي عنه، فتأمل واعجب فلم لم يلازم هذا الموسوي كلام سفيان عن الرواة السابقين الذين منهم من كذّبه سفيان نفسه ؟ ؟ أم هو الهوى والعصبية ؟ !
زبيد بن الحارث: ثقة ثبت عابد فيه تشيّع. وقد قدمنا ان العبارة تعني أن بدعته من نوع البدعة الصغرى التي يحتج بأهلها وهم الذين لا يسبّون الصحابة ولا يطعنون بهم ولا يبغضونهم، وليس عنده من الغلوّ في ذلك ما يقتضي ردّ حديثه، وإلاّ لبينه أهل العلم بالجرح والتعديل، وأما شأن الجوزجاني فمن إنصاف أهل السّنّة وعدلهم- الذي يعلمه هذا الموسوي لكنّه يتكابر على الحق وينكره- أنهم بينوا حال الجوزجاني في مثل الكوفيين مع بقاء ثقته وأمأنته عندهم وعلمه وإمامته في الجرح والتعديل، الأمر الذي أراد هذا الموسوي المصادرة عليه وإنكاره، فله من الله ما يستحق. .(64/292)
زيد بن الحباب: لم يعدّه من الشيعة سوى ابن قتيبة، وقد قدمنا حاله في ذلك ولا أظنه يثبت مع اني قد رأيت له حديثاً من روايته بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه في إثبات المسح على الخفّين بخلاف مذهب الشيعة، رواه ابن ماجة في (سننه) (555) . وأكثر من ذلك أخرج له الترمذي (4/317) حديثاً عن عائشة رضي الله عنها في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وزيد بن الحباب هذ أحد رجال إسناده، وفيه أخبار النبي صَلّى الله عليه وسلّم بأن شياطين الأنس والجنّ تهرب من عمر ابن الخطاب، فإن كان هذا الموسوي يبغض عمر ويهرب منه فهو أحد شياطين الأنس هؤلاء.
سالم بن أبي الجعد: لم أرَ دليلاً صحيحاً في إثبات تشيع سالم هذا وما ذكره هذا الموسوي لا يقوى على إثبات ذلك، ومع هذا فلا يعدو حاله حال أمثاله ممن ذكرناهم من غير أن يكون عندهم غلو ولا رفض مردود وقد فصّلنا القول فيهم. .(64/293)
سالم بن أبي حفصة: عنده نوع غلوّ في التشيّع، وقد ضعّفه لذلك غير واحد ومن وثّقه وقبل خبره فإنما عنى في غير ما يدخل في بدعته ويقوّيها مثل فضائل أهل البيت ما لم يشاركه فيها غيره، فمن كان عنده نوع غلوّ في التشيّع فلا يقبل خبره في أي من فضائل علي وآل البيت كما هو مقرر في (المصطلح) . والعجب من هذا الموسوي فإنّه نقل في ترجمته لسالم هذا تضعيف الفلاس له ولم يبين وجه جوابه عليه ولا وجه عدم أخذه بهذا التضعيف ولا أظنه إلاّ التحكّم المحض النابع من الهوى والعصبية وقد ضعف سالماً هذا إضافةً للفلاس النسائي فقال عنه: ليس ثقةً، وهو ما حذفه هذا الموسوي فيما نقله من ترجمة سالم من (الميزان) . ونقل الحافظ في (التهذيب) عن الفلاس أنه قال عنه في موضع آخر: كان يحيى وعبد الرحمن لا يُحدّثان عن سالم. وقال أبو حاتم: هو من عتق الشيعة يكتب حديثه ولا يُحتج به. وقال العقيلي: ترك لغلوّه وبحقّ ترك. وقال ابن حبّان: يقلب الأخبار ويهم في في الروايات . وكل ما ساقه هذا الموسوي في الترجمة فهو من منكرات
سالم هذا التي بها يضعف، وما يدري هو انه بإيراده لها إنما يحمل من لا يعرف من أهل السّنّة على تركه وطرح حديثه.(64/294)
أما كونه ممن يتنقّص أبا بكر وعمر فهو لا يثبت عنه والله أعلم ففي إسناده اليه من الضعف ما يمنع ثبوته هذا أولاً. وثانياً: عقب الذهبي في ترجمة سالم هذا من (الميزان) على هذا الزعم بقوله: (و قد روي أن سالماً كان إذا حدّث بدأ بفضائل أبي بكر وعمر، فالله أعلم) إ. ه. قلت: وقد ثبت بالإسناد الصحيح إلى سالم هذا عند الترمذي: حدثنا قتيبة حدثنا محمّد بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة والأعمش وعبد الله بن صهبان وابن أبي ليلى وكثير النواء كلهم عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم: (إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما) وقال الترمذي: هذا حديث حسن إ. ه. فهذا ما رواه سالم من فضائل أبي بكر وعمر ذكرته دون استقصاء لروايته في فضائلهما رضي الله عنهما ولو استقصينا لجمعنا من ذلك الكثير، وهو ما يبين أن سالماً هذا لم يثبت عنه طعنه ولا بغضه لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بل كان يروي في فضائلهما رغم أنف هذا الموسوي وأشباهه والحمد لله. .(64/295)
سعد بن طريف الإسكاف: قال الحافظ في (التقريب): متروك ورماه ابن حبّان بالوضع وكان رافضياً إ. ه. قلت: وما أعلم أحداً من أهل السّنّة وثّقه ولا قبل خبره، وقد ساق الذهبي في (الميزان) وكذا الحافظ في (التهذيب) من أقوال أهل العلم فيه ما يمنع قبول خبره والإحتجاج به، لكن قد أخفاه هذا الموسوي عمداً كعادته في التزييف والغش. وإليك ما جاء في ترجمته من (الميزان): (قال ابن معين: لا يحل لأحد أن يروي عنه. وقال أحمد وأبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال ابن حبّان: كان يضع الحديث على الفور. وقال الفلاس: ضعيف يفرط في التشيّع. وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم) إ. ه. فلا أدري هل أعمى الله بصر هذا الموسوي فلم يره ؟ واكتفى بذكر تضعيف الفلاس له وزعم أنه قد ردّ عليه بقوله: (إفراطه في التشيع لم يمنع الترمذي وغيره عن الأخذ عنه) إ. ه. وهذا قول من لم ينظر في كتب أهل العلم، فقد قلنا مراراً ان رواية الثقة عن أحد لا تُعدّ تعديلاً له بالمرة- إلا ما كان من شأن الصحيحين- وها هو الترمذي الذي روى له يقول عنه (2/71): (يُضعّف) إذ روى له حديثاً هناك وضعّف إسناده بسبب سعد هذا.
وممّن ضعّف سعداً هذا أبو دأود، وقال أبوبكر الأعين: سمعت أبا الوليد يضعّفه، وقال ابن عدي: ضعيف جداً . وضعّفه العجلي أيضاً مع تساهله، وقال الساجي: عنده مناكير يطول ذكرها. فمن أين تخيّل هذا الموسوي ان أحداً من أهل السّنّة قد وثّق سعداً هذا فأورده؟(64/296)
سعيد بن أشوع: وهو سيعد بن عمرو بن أشوع، قال الحافظ في (التقريب): ثقة رمي بالتشيّع إ. ه. وهذا تعبير يقتضي عدم غلوّه فيه وانه ممّن يقبل خبره وليس عنده من المنكرات. وأما قول الجوزجاني عنه (غال زائغ) فهو قول لا يتابع عليه لما قدمنا من حال الجوزجاني هذا مع الكوفيين وتحامله عليهم ممّا يمنع قبول قوله فيهم، رحمه الله وغفر له. لهذا لم يلتفت اليه أحد، ولم يذكر سعيداً هذا في الغالين من الشيعة أحد من أهل العلم بالجرح والتعديل.
ومعنى ذلك أنه لا يسب الصحابة ولا يبغضهم ولا يقول بالأقوال الباطلة التي تدعيها الرافضة، ومن زعم خلاف ذلك فليأتنا بدليل.
سعيد بن خثيم الهلالي: حاله كسابقه في عدم غلوّه وإفراطه في التشيّع، فليس هناك دليل ينقض ما قلناه، ولله الحمد.(64/297)
سلّمة بن الفضل الأبرش: قال الحافظ في (التقريب): صدوق كثير الخطأ. وقد ضعّفه غير واحد؛ ضعفه إسحاق بن راهويه . وقال البخاري: في حديثه بعض المناكير. وقال النسائي: ضعيف . وقال ابن المديني: ما خرجنا من الري حتى رمينا بحديث سلّمة. وقال أبو حاتم: لا يُحتجّ به. وهذا كله في (الميزان) فلم ينقله هذا الموسوي كعادته في التصرّف في النقل. وقول ابن معين الذي نقله من (الميزان) لا يدل على غلوّه في التشيع بل خفته في تلك البدعة الأمر الذي لا يمنع من قبول روايته فيما لا يخص بدعته لولا انّ سلّمة هذا كان يخطئ ويخالف كما قال ابن حبّان. وأما قول أبي زرعة الذي نقله من (الميزان) أيضاً فقد تصرّف فيه هذا الموسوي تصرّفاً قبيحاً، إذ قال أبو زرعة فيما نقله الذهبي والحافظ: (كان أهل الري لا يرغبون فيه لسوء رأيه وظلم فيه) إ. ه. فهذا قول أبي زرعة، حذف منه هذا الموسوي قوله (وظلم فيه) إذ كان قاضياً عليهم ويبدوا أنهم رأوا منه ظلماً فكانوا يكرهونه لذلك مع ما عنده من بدعة التشيع، لكن هذا الموسوي تحامل وتحامق فقال: (بل لسوء رأيهم في شيعة أهل البيت) مع ما حذفه من قول أبي زرعة ونسي أنه نفسه وافق الذهبي في وصفه لجرير بن عبد الحميد المارّ ذكره بأنه (عالم أهل الري) الذي يبين أن عالمهم نفسه عنده نوع تشيّع مما يدل على بعدهم عن ما وصفهم به هذا الموسوي من سوء رأيهم في شيعة أهل البيت، فهل هذا هو الإنصاف ؟ وهل هذ هي الأمانة عندكم يا رافضة ؟!!
سلّمة بن كهيل الحضرمي: هو من الثقات وكان عنده تشيع قليل من غير غلوّ، قال العجلي عنه: (كوفيّ تابعيّ ثبت في الحديث وكان فيه تشيّع قليل) فليس هو من الطأعنين بالصحابة ولا المبغضين لهم ولا ممن عنده من الأقوال الباطلة ما يوجب ردّ حيدثه. وقد فصّلنا احتجاج أهل العلم بمثل هؤلاء. .(64/298)
سليمان بن صرد الخزاعي: صحابيّ جليل، والصحابة كلهم عدول عند أهل السّنّة بخلاف أهل الزيغ والضّلال من الروافض، ولا شك ان سليمان هذا رضي الله عنه لم يكن يطعن ولا يبغض أبا بكر وعمر وسائر الصحابة وليس عنده من بدع التشيع شيء، ومناصرته للحسين رضي الله عنه من أجل القربات عند الله وهو أمر لا يخالف فيه أحد من أهل السّنّة وليس هو مختصاً بالشيعة، فلا يعد من يفعل ذلك شيعياً بمجرّد فعله، فهذه دعوى غير مقبولة. .
سليمان بن طرخان: من الثقات الأثبات، ولم يكن عنده من التشيع سوى ميله لعلي رضي الله عنه، كما قال ابن سعد فيما نقله عنه الحافظ في (التهذيب) والذهبي في (تاريخ الإسلام) وهذا أمر حق لا يُعدّ من الغلو في شيء ولا شك انه على مذهب ليس كمذهب هذا الموسوي وأشباهه وإلا لردّ حديثه واعتبر مجروحاً.
سليمان بن قرم: قال الحافظ في (التقريب): سيّء الحفظ يتشيّع- إ. ه. وقال ابن حبّان- وهو الذي نقله الذهبي في (الميزان) والحافظ في (التهذيب)-: (كان رافضياً غالياً ومع ذلك يقلب الأخبار) وهذا مالم ينقله بتمامه هذا الموسوي كعادته في التصرف بالنّصوص بهواه. فليس هو من أهل الأمانة في ذلك، وقد سبقت من ذلك أمثلة كثيرة جداً. وأما سليمان هذا فقد وثّقه أحمد بن حنبل وابن عدي، لكن ضعّفه قومٌ آخرون كثيرون، وجرحهم مفسّر فهو مقدّم على تعديل من عدّله وتوثيق من وثّقه، كما هو مقرّر فيما سبق من قواعد هذا العلم الشريف. فقد ضعّفه ابن معين وقال: ليس بشيء، وفي رواية: كان ضعيفاً. وقال أبو حاتم: ليس بالمتين.(64/299)
وقال النسائي: ليس بالقوي . وقال أبو زرعة: ليس بذاك. ولولا إخراج مسلّم لحديثه في صحيحه لقلنا بضعفه مطلقاً. وغلوه لا يصل به إلى القول بما تقوله الرافضة من سب الصحابة وبغضهم وغير ذلك، بل قد نقل الذهبي في (الميزان) عن أبي بكر بن عيّاش عن سليمان بن قرم هذا قال: قلت لعبد الله بن الحسن: أفي أهل قبلتنا كفّار؟ قال: نعم، الرافضة إ. ه. فروايته لهذا تبين لنا حقيقة مذهبه، وهي رواية ترد على هذا الموسوي احتجاجه به.
وأما الحديث الذي نقله من (الميزان) عن عبد الله بن عمرو، وفيه ان النبي صَلّى الله عليه وسلّم لعن الحكم بن أبي العاص وما يخرج من صلبه إلى يوم القيامة، فهو من منكرات سليمان هذا، ذكره الذهبي تبعاً لابن عدي كعادتهما في سرد بعض منكرات الضعفاء الذين يترجمون لهم، لا على أنه صحيح ثابت كما لا يخفى على أهل العلم، وسليمان بن قرم هو إحدى علتيّ إسناد هذا الحديث الذي ساقه الذهبي في (الميزان)، وله علّة أخرى وهي تدليس الأعمش مع عنعنته. وأخرجه أيضاً الدارمي- (البداية والنهاية) لا بن كثير (6/243)- والطبراني- (مجمع الزوائد) (5/242- 243)- من طريق أبي الحسن الجزري- وهو الحمصي- عن عمرو بن مرّة الجهني وكأنت له صحبة، وفيه قال: (إلاّ الصالحين منهم) أو (إلاّ المؤمنين) ومع أنّ هذا الإستثناء مهمّ إذ بإمكانه أن يشمل من لا تحبّه الشيعة كمعاوية وأبيه، إلاّ أن الحديث ضعيفٌ أيضاً، فأبو الحسن الجزري هذا قال عنه الحافظ: (مجهول). وفي الإسناد أيضاً سعيد بن زياد أخو حمّاد وهو ضعيف له أوهام. والحديث أخرجه أيضاً من نفس هذا الطريق أبو يعلى- (المطالب العالية) (4533)- ونقل في الهامش هناك قول ابن المديني عن أبي الحسن الجزري هذا: (مجهول، ولا أدري سمع من عمرو بن مرة أم لا) إ. ه.(64/300)
سليمان بن مهران الأعمش: أحد الثقات الأثبات الحافظين. وعداده في رجال الشيعة باطل لا يصح، فقد كان رحمه الله صاحب سنّة كما قال غير واحد. وحتى من عدّه من رجال الشيعة فإنما صرّح بخفته في ذلك لا بغلوّه، كما قال أحمد بن عبد الله العجلي: (. . . وكان فيه تشيّع) . لكن حتى هذا لم يثبت بل ثبت عنه خلافه، إذ عقب الذهبي في (تاريخ الإسلام) في ترجمة الأعمش على قول العجلي السابق بقوله: (كذا قال وليس هذا بصحيح عنه بل كان صاحب سنّة) إ. ه. ثم إنّ الأعمش قد روى أحاديث كثيرة في فضل الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهو لم يروها إلاّ وهو معتقد بأفضليتهما على غيرهما، وأقرب مثال لذلك الحديث الذي مرّ ذكره في ترجمة سالم بن أبي حفصة، إذ الأعمش أحد رجال إسناده، وهو قول النبي صَلّى الله عليه وسلّم: (إنّ أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما). وأيضاً الأعمش هو أحد رواة حديث: (لو كنت متّخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتّخذت أبا بكر خليلاً. . .) في الصحيحين. وأكبر من ذلك أنه نُقل عن الأعمش ثناؤه على معاوية رضي الله عنه وتفضيله له، فيما أخرجه الطبراني في (الكبير) (19/266-267) (رقم 691) باسناده إلى أبي يحيى الحماني قال: سمعت الأعمش يقول: (لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي) إ. ه. ومع ان الأعمش لم يدرك معاوية رضي الله عنه- وهو الأمر الذي دعا الهيثمي ليحكم عليه بالارسال كما في (المجمع) (9/357)- الا ان هذا ما روى عن الأعمش في معاوية رضي الله عنه وهو ما يدحض حجّة هذا الموسوي في ادعائه تشيع الأعمش، فإن كان هذا هو التشيّع من تفضيل أبي بكر وعمر والثناء على معاوية فحيهلا على هذا التشيع.(64/301)
وسائر ما ساقه هذا الموسوي في ترجمة الأعمش يدل دلالة واضحة على حماقته وسفاهته وتعصّبه، من ذلك طعنه بالإمام أبي إسحاق الجوزجاني ورده لكلامه بما لازم للجوزجاني به، فالجوزجاني- مع ما عنده من تحامل على أهل الكوفة قد سبق منا بيانه- لم يطعن بهؤلاء المذكورين ومنهم الأعمش بل قال عنهم إنهم رؤوس محدثي الكوفة وووصفهم بصدق ألسنتهم في الحديث، لكن غمزهم بما عنده من تحامل على أهل الكوفة جميعاً وهو أمر مخطئ هو فيه نسأل الله له المغفرة، وهذا لا يعنى إطلاقاً أنه من النواصب كما ادعى هذا الموسوي إذ لا علاقة بين بغض الجوزجاني للكوفيين وبين البغض لعليّ رضي الله عنه، ثم هو عند أهل السّنّة كحال الصادقين من الذين عندهم نوع تحامل- من غير طعن ولا سب- على معاوية أو على عثمان وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين سواء بسواء. وأما قول المغيرة الذي ساقه هذا الموسوي، ولفظه: (أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعمشكم هذا) فلا علاقة له بالتّشّيع إطلاقاً ولا يقول ذلك الا الحمقى المتحاملون، إذ قوله هذا كقول ابن المبارك: (إنما أفسد حديث أهل الكوفة أبو إسحاق والأعمش) وكلا القولين ساقهما الذهبي في (الميزان) وبين أن المراد من ذلك هو التدليس الذي كانا يمارسانه في بعض روايتهما، وأعني به الرواية بالعنعنة وعدم التصريح بالتحديث في غير ما سمعاه عمّن ذكراه، وقد قال الذهبي في ترجمة الأعمش من (الميزان): (ما نقموا عليه إلاّ التدليس) إ. ه. وهو ما بيناه، وسببه أنه كان يحسن الظن بمن يحدثه ويروى عنه، كما قال الذهبي وزاد: (و لا يمكننا أن نقطع عليه بأنه علم ضعف ذلك الذي يدلّسه، فإن هذا حرام) إ. ه. وقال: (وهو يدلّس وربما دلّس عن ضعيف ولا يدري به فمتى قال حدّثنا فلا كلام ومتى قال "عن" تطرّق اليه احتمال التدليس الا في شيوخ له أكثر عنهم) إ. ه. فهذا هو سبب كلام المغيرة وابن المبارك في الأعمش وأبي إسحاق لا كما شاغب به هذا الموسوي من سوء(64/302)
فهمه أو مقصده.
وما ساقه من كلام الأعمش في أبي حنيفة رحمه الله معارض بما نقل من مدح الأعمش لأبي حنيفة، مثل ما ذكره الذهبي في ترجمة الإمام أبي حنيفة من (تاريخ الإسلام) (7/312) عن الأعمش أنه سئل عن مسألة فقال: (إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت الخزار وأظنه بورك له في علمه) . ومعارض أيضاً بما ذكره ابن عبد البر نفسه في (الأنتقاء) (ص126) فقال: (خرج الأعمش يريد الحج فما صار بالحيرة قال لعليّ بن مسهر اذهب إلى أبي حنيفة حتى يكتب لنا المناسك) إ. ه. وابن عبد البر ساق كلام الأعمش الذي نقله هذا الموسوي في الإمام أبي حنيفة ليبين أنه من نوع الكلام المردود غير المنظور اليه وجعله مثالاً لذلك فقال في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) (باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض) (2/152)- من المختصر (ص195)-: (هذا باب قد غلط فيه كثير من الناس وضلت به نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك والصحيح في هذا الباب ان من صحّت عدالته وثبتت في العلم أمأنته وبأنت ثقته وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلى قول أحد الا ان يأتي في جرحته بينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والعناية لذلك بما يوجب قوله من جهة الفقه والنظر) إ. ه. ثم قال أيضاً بعد سرده لتلك الأقوال ومنها قول الأعمش في أبي حنيفة هذا (2/157-158)- من المختصر (ص199)-: (وهذا مما ذكرنا مما لا يسمع من قولهم ولا يلتفت اليه ولا يعرج عليه) إ. ه. فجزى الله هذا الموسوي بما يستحق بصنيعته هذا الذي يريد به الإساءة إلى أئمة الإسلام هؤلاء، وصدق ابن عبد البر حين وصف أمثال هؤلاء فيما سبق: (ضلت به نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك)(64/303)
شريك بن عبد الله النخعي القاضي: قال الحافظ في (التقريب): صدوق يخطئ كثيراً إ. ه. فهو في نفسه ثقة صادق مأمون لكنّه كان كثير الخطأ وهو إلى ذلك تغير حفظه لما ولي القضاء بالكوفة، ولم يحتج به مسلّم كما ادعى هذا الجاهل الموسوي بل أخرج له في المتابعات وهو بذلك فقط يصح حديثه اذا توبع وإلا فلا لما عنده من سوء الحفظ لا لضعفه في نفسه، وقد نص الذهبي على ان مسلّماً إنما أخرج لشريك متابعة فقط ولم يحتج به، وهو ما لم يفهمه- فيما يبدو- هذا الموسوي لبعده عن هذا العلم الشريف. وأما إخراج أهل السنن لحديثه فلا يعتبر ذلك تعديلاً وقبولاً لحديثه وحده كما قررنا فليس هذا من لوازم ثقته وحفظه، هذا أولاً.
وثانياً: قد تحامق هذا الموسوي كثيراً في هذه الترجمة وأخفى كثيراً من الحق، فان ما ذكره من أحاديث شريك مثل: (علي خير البشر. . .)، (لكل نبيّ وصيّ ووارث. . .)، (و إذا رأيتم معاوية على منبري . . .) فهذه كلها من منكرات شريك وأباطيله التي ردت عليه، وقد نبّهنا مراراً أن منهج الذهبي- كما هو منهج ابن عدي قبله- ان يورد لكل رأو ضعيف أمثلة من أباطيله ومنكراته، لا ليحتج بها كما فعل هذا الجاهل الموسوي، وقد صرّح الذهبي بذلك فقال: (و من مناكيره. . .) وأخذ يسرد تلك الأحاديث وغيرها، إذ لم يتابع على أكثرها شريك وبعضها تابعه عليها الكذابون الدجّالون الوضّاعون، فلا حجة بها ولا كرامة ولله الحمد، وإليك الآن ما نقل عن شريك القاضي مما يرد زعم هذا الموسوي في مغلاة شريك أولاً، ويبين أنه لا يمكن أن يعتقد بخلاف قول أهل السّنّة ثانياً:(64/304)
نقل الذهبي في (الميزان) عن إبراهيم بن أعين قال: قلت لشريك: أرأيت من قال لا أفضل أحداً؟ قال: (هذا أحمق قد فضل أبو بكر وعمر) . ونقل عن شريك قوله: (لا يفضل عليّاً على أبي بكر إلا من كان مفتضحاً) فليسمع أصحاب هذا الموسوي بآذانهم ولا يصمّوها عما أخفاه وغشهم فيه صاحبهم الموسوي هذا. ومن أجل ما جاء عن شريك هذا بين الذهبي معنى قول شريك (عليّ خير البشر) على فرض ثبوته عنه، وهو انه إنما عنى في زمانه لموافقته ما نقل عنه من تفضيل أبي بكر وعمر على عليّ، بل أكثر من ذلك ذهب شريك إلى أفضلية عثمان أيضاً على عليّ رغم أنف هذا الموسوي، إذ نقل الذهبي أيضاً بالإسناد إلى شريك انه قال: (قبض النبي صَلّى الله عليه وسلّم فاستخلف المسلّمون أبا بكر، فلو علموا ان فيهم أحداً أفضل منه كانوا قد غشوا. ثم استخلف أبو بكر عمر، فقام بما قام به من الحق والعدل، فلما احتضر جعل الأمر شورى بين ستة فاجتمعوا على عثمان، فلو علموا أن فيهم أفضل منه كانوا قد غشونا) إ. ه. وهذا موافق لمذهب أهل السّنّة والجماعة، وهو يبين ان حديث (لكل نبي وصي ووارث. . .) الذي نسب إلى شريك كذب عليه اختلقه الرواة، وفي إسناده إلى شريك محمّد بن حميد الرازي، قال الذهبي: ليس بثقة، وقد كذبه غيره واحد، وقد نصّ الذهبي على كذب هذا الحديث في (الميزان) في ترجمة شريك هذا لكنّه برأ منه شريكاً وقد أحسن رحمه الله.(64/305)
ودعوى أن شريكا هذا ممن ينتقص أبا بكر وعمر، وهي التي أراد ان يروّج لها هذا الموسوي دعوى باطلة، وأبطل منها مذهب من يعتقد ذلك ومنهم هذا الموسوي فيما يبدو، وقد قدمنا لك ما جاء عن شريك هذا في تفضيله أبي بكر وعمر وحتى عثمان على عليّ رضي الله عنهم أجمعين. ومثل ذلك ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنّة) (1/43) عن أبي القاسم البلخي قال: سأل سائل شريك بن عبد الله فقال له: أيّهما أفضل أبو بكر أم عليّ؟ فقال له: (أبو بكر) فقال له السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فقل له: (نعم، من لم يقل هذا فليس شيعياً، والله لقد رقى هذه الأعواد علي فقال: ألا ان خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، فكيف نردّ قوله وكيف نكذبه والله ما كان كذّاباً) . قال شيخ الإسلام: نقل هذا عبد الجبار الهمذاني في كتاب تثبيت النبوة قال ذكره أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الرأوندي على اعتراضه على الجاحظ، نقله عنه القاضي عبد الجبار إ. ه. قلت: فليسمع الشيعة اليوم قول صاحبهم شريك القاضي هذا وهو يقول: (من لم يقل هذا فليس شيعياً) . .
شعبة بن الحجّاج: ثقة ثبت فاضل، لكنّه ليس من الشيعة إطلاقاً وهو ادعاء باطل كل البطلان، وذكر ابن قتيبة لذلك والشهرستاني لا يفيد في ثبوته كما لم يفد أيضاً في صحة ادعائهما تشيع سفيان الثوري والشعبي كما قدمنا. .
صعصعة بن صوحان: ثقة, وكان من أصحاب علي رضي الله عنه وشهد معه الجمل, وهذا كله لا يعني أنه من الشيعة الغلاة فأهل السّنّة عموماً يؤيّدون عليّاً رضي الله عنه في حروبه ويقولون أنه على الحق فلا يلزم من ذلك تشيع, ثم أن الجوزجاني ذكره في عداد الخوارج في كتابه (معرفة الرجال), وهي دعوى أصح من دعوى هذا الموسوي وأقبل منها. .(64/306)
طأووس بن كيسان: ثقة فقيه فاضل, كما قال الحافظ, وقول الموسوي هذا: (أرسل أهل السّنّة كونه من سلف الشيعة ارسال المسلّمات) من الكذب لا يخفى على من قرأ كتب الحديث فليس هو كذلك ولم يقله أحد سوى ما نقل عن الثوري قوله: يتشيّع, وهو لفظ مع ما فيه من بيان خفّته في ذلك فليس مقطوعاً في ثبوته عنه, ثم لنفرض أنه كذلك فما باله يروي عمّن تبغضه الشيعة ولا تحتج بحديثه من الصحابة أو التابعين الذين ذكرهم هذا الموسوي نفسه, مثل أبي هريرة وابن عمر وعائشة وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين, ومن التابعين مجاهد وعمرو بن دينار والزهري, وهؤلاء كلهم مبغوضون عند الشيعة كما يعلمه الخاص والعام, مطعون فيهم بل ومطعون بمن يروي عنهم ويحتج بهم, أليس هذا تناقضاً من قبل هذا الموسوي؟؟
ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي: ثقة, نعم ومن أصحاب علي رضي الله عنه, لكنّه غير غال إطلاقاً ولا عنده من منكرات الروافض ما يردّ به حديثه من الطعن بالصحابة وبغضهم, ولا أدلّ على ذلك من احتجاج أهل السّنّة به, إذ لو كان عنده ذلك- كما يريد الإيهام به هذا الموسوي- لردّ أهل السّنّة حديثه بالمرة, وكونه من المخلصين في ولاية علي والحسن والحسين أمر لا يدل على تشيّع وغلوّ فأهل السّنّة هم كذلك أيضاً كما بيناه. ثم ألا يرى هذا الموسوي أن أبا الأسود هذا قد روى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, الأمر الذي يبين بما لا مجال للشك فيه أنه غير غالٍ أبداً ومن زعم خلاف ذلك فعليه الدليل, إذ لم يأتِ هذا الموسوي بأي دليل على ذلك, ولله الحمد. .(64/307)
عامر بن واثلة أبو الطفيل: صحابي, وقد تقدم مذهب أهل السّنّة في الصحابة وأنهم كلهم عندهم عدول بخلاف مذهب أهل الزيغ والضلال والرفض من الذين يسبّونهم ويُبغضونهم. ومن المؤكد انه لم يكن من غلاة الروافض كما زعم هذا الموسوي إذ ليس عنده من الغلوّ شيء, ومناصرته لعليّ رضي الله عنه لا تكفي لإثبات ذلك, أما كونه كان حامل راية المختار بن أبي عبيد- الكذّاب- فهذا إن ثبت عنه فإنّه مما نقم على أبي الطفيل وعيب عليه مع بقاء عدالته وثقته في نفسه وفيما حدث رضي الله عنه, شأنه شأن باقي الصحابة الذين وقعوا في أخطاء مثل معاوية رضي الله عنه وغيره. ودليل من أدلة عدم غلو أبي الطفيل روايته عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما اعترف به هذا الموسوي وأنطقه الحق بذلك رغماً من أنفه.
وبمناسبة بيت الشعر الذي ذكر في الترجمة:
لا ألفينك بعد الموت تندبني ... ... و في حياتي ما زودتني زادا
فإن أحق الناس بوصفهم به هم هؤلاء الشيعة, خصوصاً منهم من امتنع عن نصرة عليّ والحسين في حياتهما ثم بعد موتهما أخذوا يندبون حظّهم وينوحون عليهما كما يفعله الجهلة والضُّلال من أهل زماننا ويشجّعهم هذا الموسوي في كتابه (المجالس الفاخرة), فإلى الله المشتكى.(64/308)
عباد بن يعقوب الرواجني: من غلاة الشيعة ورؤوس البدع لكنّه صادق في الحديث, كما قال الذهبي فيؤخذ عنه من الحديث ما كان غير متعلّق ببدعته ولا مقوّ لها ويرد ما سوى ذلك. وهذا موقف كله إنصاف من أهل السّنّة, في الوقت الذي يخلو فيه مذهب الشيعة من أي إنصاف لأهل السّنّة فحسبنا الله ونعم الوكيل. وفي كل ما ساقه هذا الموسوي- المفتري- وفي الترجمة من الأحاديث التي رواها عباد هذا فإنما هي أحاديث مكذوبة مردودة عند أهل السّنّة, وهو لا يعلم- لما عنده من حماقة- أنه بذكره لأقوال عبّاد هذا ولأحاديثه المنكرة هذه إنما يكشف عن عيب عبّاد وجرحه, هذا فيما يخص روايته في صلب بدعته بل ولا يستحيي أن يذكر أن عباداً هذا كان من شدة غلوّه أنه يحرّف حتى عند قراءته القرآن, فيقرأ: (و كفى الله المؤمنين القتال بعليّ). ومن غلوّه الفاحش أيضاً أنه كان يزعم أن الذي حفر البحر عليّ, والذي أجراه الحسين, فانظر إلى حماقات الشيعة ما تصنع بهم؟ وهذه رواية ثابتة عن عبّاد لا كما يزعم هذا الموسوي في ردّها, فإنما قوله تحكم محض ولئلا يفضح صاحبه فاضطّر إلى تكذيبها, وكذب رأويها القاسم بن زكريا المطرز, وهو حافظ ثقة كما قال الذهبي, وقال الخطيب: وكان ثقةً ثبتاً. وقال ابن المنادي: وكان من أهل الحديث والصدق والمكثرين في تصنيف المسند والأبواب والرجال. قلت: وله ترجمة في (تذكرة الحفاظ) (2/717) و(تاريخ بغداد) (12/441) وغيرها فما أجرأ هذا الموسوي- المفتري- على تكذيب أهل العلم والحفظ هؤلاء. وهذه شيمة الجهلاء, والله المستعان على ما يصفون مع أنّ تحريفه للآية السابق ذكره أشد وأنكر من قوله هذا الذي دفعه هذا الموسوي وأقر التحريف فلم يردّه!!(64/309)
وردّاً على قول عبّاد هذا الذي نقله الموسوي هنا: (من لم يتبرأ في صلاته كل يوم من أعداء آل محمّد حشر معهم) قال الأمام الذهبي: (قلت: فقد عادى آل عليّ آل عباس, والطائفتان آل محمّد قطعا فممّن نتبرأ؟ بل نستغفر للطائفتين ونتبرأ من عدوان المعتدي كما تبرأ النبي صَلّى الله عليه وسلّم مما صنع خالد لما أسرع في قتل بني جزيمة، ومع ذلك قال فيه: خالد سيف سله الله على المشركين. فالتبري من ذنب سيغفر لا يلزم منه البراءة من الشخص) إ. ه. وقول عبّاد هذا تقوله الشيعة اليوم, وهو ما يبين ضلالهم في تسمية أعداء آل محمّد صَلّى الله عليه وسلّم, وإلا فما عساهم يجيبون عمّا قاله الذهبي هنا, الذي اطلع عليه وعلمه هذا الموسوي لكنّه لم يورده لعدم تمكّنه من الرّدّ عليه, ولله الحمد.
وأخيراً أقول ان عبّاداً هذا لم يكثر له البخاري من الرواية بل روى له حديثاً واحداً فقط ومقروناً بغيره لا محتجاً به وحده.
عبد الله بن دأود: قال الحافظ في (التقريب): ثقة عابد. . ولم يعدّه أحدٌ من رجال الشيعة على كثره من ترجم له, ولا أظنه يثبت مع ذكر ابن قتيبة له فقد قدمنا حال ابن قتيبة في ذلك, ومع كل هذا فليس عنده من منكرات الروافض وبدعتهم وغلوّهم مايوجب ردّ حديثه, ومن خالف فعليه الدليل.
عبد الله بن شداد بن الهاد: من كبار ثقات التابعين, وكان يتشيّع. وقد قدمنا ان هذا اللفظ يدل على عدم غلوّه في ذلك, ولا أدلّ على ذلك من روايته عن عمر وابن عمر وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً ممّن تبغضهم الشيعة ولا تروي عنهم شيئاً, أنظر شيوخه في (تهذيب التهذيب).(64/310)
عبد الله بن عمر بن محمّد بن أبان: صدوق فيه تشيّع, كما قال الحافظ. فليس هو من الغالين في تشيّعه, ويؤكد ذلك ان السيوطي قد نقل في (تاريخ الخلفاء) (ص149) عن البيهقي في سننه أنه أخرج بإسناده عن عبد الله بن عمر- وهو الجعفي- أنه قال: قال لي خالي حسين الجعفي: (تدري لمَ سمي عثمان ذا النورين؟) قلت: لا. قال: (لم يجمع بين بنتي نبي منذ خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة غير عثمان, فلذلك سُمّي ذا النورين). فلم يروه إلا وهو موقن به مصدق به على رغم أنف هذا الموسوي. .(64/311)
عبد الله بن لهيعة: صدوق اختلط حفظه وساء, وقد ضعّفه غيرُ واحد بعد اختلاطه, والصواب ان رواية عبد الله بن يزيد وعبد الله بن المبارك وعبد الله بن وهب عنه صحيحة لأنهم رووا عنه قبل اختلاطه, وما سوى ذلك ضعيف مردود, كما قرره غير واحد من أهل العلم. وأما تشيّعه فلم يكن عنده من الغلو في ذلك ما يرد حديثه بسببه مثل الطعن بالصحابة وبغضهم, والحديث الذي ساقه هذا الموسوي لعبد لله بن لهيعة هذا في تعليم النبي صَلّى الله عليه وسلّم لعلي ألف باب. . . إلى آخره نقله من (الميزان) إذ ذكره الذهبي هناك وعدة من منكرات ابن لهيعة فليس هو من رواية أحد من العبادلة السابقين عنه فيُردّ كما قرّرناه. ومن أكبر الأدلة على عدم غلوّه في التشيّع أنه هو نفسه أحد رواة حديث (عمر مني وأنا من عمر والحق بعدي مع عمر) وفي رواية (عمر معي وأنا مع عمر, والحق بعدي مع عمر) وقد ذكره أيضاً الذهبي في (الميزان) لكن هذا الموسوي قد أغمض عينيه عنه وتعدّاه إلى ما يهواه, إذ هو ينسف كل مذهبه وما قرره سابقاً. وهذا الحديث وإن كان أيضاً من منكرات ابن لهيعة فليس هو من رواية العبادلة فيرد أيضاً, لكننا ذكرناه لنبين ما رواه ابن لهيعة من الأحاديث التي تردّ على من زعم أنه غالٍ في التشيّع. وحديث (عمر مني وأنا من عمر والحق بعدي مع عمر) أو الرواية الأخرى (عمر معي وأنا مع عمر . . .) روا من طريق ابن لهيعة ابن عدي في (الكامل) (4/1468) وروي أيضاً من طرق أخرى, عند الطبراني في (الكبير) (18/235- 236) (رقم 718), وعزاه الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/25- 26) للطبراني في (الأوسط) أيضاً ولأبي يعلي في (مسنده), ورواه أيضاً القضاعي في (مسند الشهاب) (246), والبيهقي في (دلائل النبوة) (7/179-180) وعنه نقله ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/ 231) وقال: (و في إسناده ومتنه غرابة شديدة) إ. ه.(64/312)
ومن أدلة عدم غلو ابن لهيعة هذا أيضاً وعدم بغضه للصحابة رضي الله عنهم أنه روى حديثاً في فضائل عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو ممن تعدّه الشيعة من أعدائها, والحديث هذا عند الترمذي (4/355) رواه عنه قتيبة بن سعيد, وهو من ثقة ثبت حافظ. .
عبد الله بن ميمون القدّاح: قال الحافظ في (التقريب): منكر الحديث متروك إ. ه. ولم يوثّقه أحد من أهل السّنّة بل أجمعوا على تضعيفه ورد حديثه, قال البخاري: ذاهب الحديث. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وقال أبو حاتم: متروك. وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج ببما انفرد به. وغير ذلك من ألفاظ الجرح والتضعيف, ثم يأتي هذا الموسوي ويفتري على أهل السّنّة انهم احتجّوا به ووثقوه فله من الله ما يستحق, وأما الترمذي فقد روى له نعم, لكن لم يحتج به لما قدمنا مراراً ان رواية الثقة عن رأو لا تُعدّ توثيقاً له ولا احتجاجاً به سوى ما في الصحيحين, علأوة على ذلك فقد صرّح الترمذي نفسه بتضعيف عبد الله بن ميمون هذا فقال في (جامعه)1/201) بعد ان روى حديثاً لعبد الله هذا: (عبد الله بن ميمون منكر الحديث), فكيف يجرؤ هذا الموسوي ويزعم أن الترمذي احتج به؟
عبد الرحمن بن صالح الإزدي: صدوق يتشيّع, كماقال الحافظ, ولم يكن عبد الرحمن هذا من الرافضة الغلاة بل كان عنده تشيّع فحسب يتمثل بتنقصه شيئاً ما لعثمان وباقي الصحابة رضي الله عنهم, أما الشيخان أبو بكر وعمر فلم يكن يتعرّض لهما أصلاً, بل جاء عنه أنه قال: (أفضل هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر وعمر), سمعه منه الحافظ الثقة الكبير أبو القاسم البغوي, وذكره الحافظ في (التهذيب) والذهبي في (الميزان), فحأول هذا الموسوي إخفاءه ولكن الله يُظهر الحق رغم أنف المبطلين, فان كان هذا الموسوي يرضى بعبد الرحمن بن صالح هذا فيما يبدو فليُجب إذاً عن تفضيله لأبي بكر وعمر بعد النبي صَلّى الله عليه وسلّم . .(64/313)
عبد الرزاق بن همام الصنعاني: قال الحافظ: ثقة حافظ مصنّف شهير عميَ في آخر عمره فتغيّر وكان يتشيّع إ. ه. قلت: لا ريب أن أئمة العلم وحفاظه يحتجون بحديثه إلاّ تلك المناكير التي حدّث بها بعدما كبر وعمي في آخر عمره فتردّ, والتي منها الحديث الذي ذكره هذا الموسوي في الهامش (31/211): (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه) وصحّحه طبعاً لموافقته مذهبه الفاسد من الطعن بصحابة رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم, وفاته ان الذهبي في (الميزان) قد عدّه من منكراته وأباطيله, وكذا ابن عدي في (الكامل), ويكفي في ردّ الإسناد الذي ساقه في الهامش ذاك ان عبد الرزاق رواه بعدما كبر وخلط كما قال الذهبي, هذا أولاً, وثانياً: في الإسناد أيضاً علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف كما قال الحافظ في (التقريب) وغيره, وسيأتي برقم (63). وقد ساق الذهبي في (الميزان) أقوال أهل العلم في إثبات تغيّر وتخليط عبد الرزاق بعدما كبر فأعرض عن ذلك كله هذا الموسوي- المفتري- فمنها:(64/314)
قال أحمد بن حنبل: أتينا عبد الرزاق قبل المائتين وهو صحيح البصر, ومن سمع منه بعدما ذهب بصره فهو ضعيف السماع. وقال أيضاً في رواية أحمد بن شبويه عن عبد الرزاق: هؤلاء سمعوا منه بعدما عمي, كان يلقن فلقّنه وليس هو في كتبه, وقد أسندوا عه أحاديث ليست في كتبه كان يلقنها بعدما عمي إ. ه. وقال النسائي: فيه نظر لمن كتب عنه بآخره, روي عنه أحاديث مناكير إ. ه. وقد حذف هذا الموسوي من عبارة الذهبي التي ساقها من (الميزان) رداً على تضعيف العباس بن عبد العظيم لعبد الرزاق شيئاً مهما ألا وهو قول الذهبي: (بل سائر الحفاظ وأئمة العلم يحتجون به الاّ في تلك المناكير المعدودة في سعة ما روى) إ. ه. وهذا تحريف صريح من الموسوي هذا العاري تماماً من الأمانة في النقل, كما أثبتنا ذلك غير مرة. وأما القصة التي ساقها هذا الموسوي نقلاً من (الميزان) في طعن عبد الرزاق بعمر بن الخطاب, فقد صرّح الذهبي بعدم صحّتها وعدم ثبوتها عنه فاغفله هذا الموسوي عمداً فله من الله ما يستحق. وكيف يمكن لعبد الرزاق هذا, ان يطعن بعمر وهو يفضله على عليّ كما نقله غير واحد من أصحابه, الأمر الذي ينغص على هذا الموسوي الاحتجاج بعبد الرزاق هذا. قال عبد الله بن أحمد سمعت سلّمة بن شبيب يقول سمعت عبد الرزاق يقول: (و الله ما انشرح صدري قط أن أفضل علياً على أبي بكر وعمر, رحم الله أبا بكر وعمر وعثمان, من لم يحبهم فما هو بمؤمن) وقال أيضاً: (أوثق أعمالي حبّي إيّاهم). وقال أحمد بن الأزهر- وهو الذي قال عنه هذا الموسوي نفسه أنه ثقة بالإتفاق في الهامش (30/112)- سمعت عبد الرزاق يقول: (أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسِهِ, ولو لم يفضّلهما لم أفضلهما كفى بي ازدراء أن أحبّ علياً ثم أخالف قوله).(64/315)
قلت: فليسمع هذا كل الشيعة ولا يصمّون آذانهم عن هذا الحق الواقع الذي نطق به عبد الرزاق هذا مع تشيّعه, وهو الذي نقله عنه الحافظ في (التهذيب) والذهبي في (الميزان), وذلك الذي أغمض عنه عينيه هذا الموسوي كعادته في الغش والتدليس. وأكثر من ذلك نقل الحافظ في (التهذيب) في ترجمة عبد الرزاق عن أبي دأود قال: سمعت الحسن بن علي الحلواني يقول سمعت عبد الرزاق وسُئل أتزعم أنّ عليّاً كان على الهدى في حروبه؟ قال: (لا, ها الله اذا يزعم عليّ أنها فتنه وأتقلّدها له) إ. ه. فهو حتى لا يراه محقّاً في حروبه ويرى أنها كلها فتنة! فإن كان هذا التشيع هو الذي يزعمه الموسوي فلا مانع عندنا, والا فهذا حال الرجال الذين يسوقهم لنا ويتفاخر بهم أمامنا. ونقل الذهبي في (الميزان) عن أبي بكر بن زنجويه قال: سمعت عبد الرزاق يقول: (الرافضي كافر) إ. ه. فهو إذن غير غال أولاً ويفضل ابا بكر وعمر وعثمان على عليّ ثانياً, كما نقلناه عنه قبل قليل. لكنّه عنده من التشيع بعض التعريض بمعاوية رضي الله عنه, ومعاوية لا يحط من قدره تنقص مثل عبد الرزاق إياه وإنما قد جنى عبد الرزاق على نفسه بذلك.
بقي مما ساقه هذا الموسوي في ترجمة عبد الرزاق حديثان من روايته, وذكرهما في الهامش (30/112): الأول عن ابن عباس أن رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم نظر إلى علي فقال: (أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني . . الحديث).
وعزاه الموسوي للحاكم في (المستدرك) (3/128), وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.(64/316)
قلت: وليس هو كذلك. بل منكر ليس ببعيد من الوضع كما قال الذهبي فيما سنبينه, إذ هو من رواية احمد بن الازهر وهو ابو الازهر قال: حدثني عبد الرزاق خلوة من حفظه. قال الذهبي في (تلخيص المستدر) رداً على تصحيح الحاكم لهذا الحديث: (قلت: وهذا وان كان رواته ثقات فهو منكر ليس ببعيد من الوضع, والا لأي شيء حدث به عبد الرزاق سراً ولم يجسر ان يتفوه به لاحمد وابن معين والخلق الذين رحلوا إليه. وابو الأزهر ثقة ذكر أنه رافق عبد الرزاق من قرية له إلى صنعاء, قال: فلما ودعته قال: قد وجب حقك علي وأنا احدثك بحديث لم يسمعه مني غيرك, فحدثني والله. بهذا الحديث لفظاً) إ. ه. قلت: وقد رد هذا الحديث وكذبه أيضاً يحيى بن معين فيما نقله الخطيب في (التاريخ) والحافظ في (التهذيب) في ترجمة أبي الأزهر هذا عن أحمد بن يحيى التستري قال: (لما حدث ابو الازهر بحديث عبد الرزاق في الفضائل- قلت: يعني هذا الحديث- . . . . . اخبر بذلك يحيى بن معين فبينا هو عنده في جماعة من أهل الحديث إذ قال يحيى: من هذا الكذّاب النيسابوري الذي يحدث عن عبد الرزاق بهذا الحديث؟ فقام أبو الأزهر فقال هو ذا أنا. فتبسم يحيى, فقال: أما انك لست بكذاب وتعجب من سلامته وقال: الذنب لغيرك في هذا الحديث) إ. ه. ونقل الخطيب في (التاريخ) والحافظ في (التهذيب) هناك وكذا الذهبي في (الميزان) في ترجمة أبى الأزهر هذا عن أبى حامد الشرقي أنه قال: (هو حديث باطل والسبب فيه أن معمرا كان له ابن أخ رافضي وكان معمر يمكنه من كتبه فأدخل عليه هذا الحديث وكان معمراً مهيباً لا يقدر أحد على مراجعته فسمعه عبد الرزاق في الكتاب) إ. ه. قال الذهبي عقبه: (قلت: وكان عبد الرزاق يعرف الأمور فما جسر أن يحدث بهذا إلا سراً لأحمد بن الأزهر وغيره) إ. ه. وذكره أيضاً في (الميزان) (2/613) وقال انه أوهى ما أتى به عبد الرزاق ثم قال: (قلت: مع كونه ليس بصحيح فمعناه صحيح سوى آخره ففي النفس منها شيء(64/317)
وما اكتفى بها حتى زاد (و حبيبك حبيب الله وبغيضك بغيض الله والويل لمن أبغضك) فالويل لمن ابغضه هذا لا ريب فهي, بل الويل لمن يغضّ منه أو غضّ من رتبته ولم يحبه كحب نظرائه أهل الشورى رضي الله عنهم أجمعين) إ. ه.
قلت: فقد رد هذا الحديث وكذبه ابن معين وأبو حامد الشرقي والذهبي فيما نقلناه سلفا. بالإضافة إلى ابن عدي في (الكامل) (1/195, 196). وابن الجوزي في (العلل المتناهية) (2/218) وقال: (موضوع ومعناه صحيح, فالويل لمن تكلف وضعه إذ لا فائدة في ذلك) إ. ه. وكذا أورده ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/398) وعزاه للخطيب البغدادي وقد أخرجه الخطيب (4/414) وذكر من أقوال أهل العلم بتكذيبه ما سبق نقله من قول ابن معين وأبي حامد الشرقي وغيرهما وأقرّهم عليه. وكذا أقرّ هذا الكلام في تكذيب هذا الحديث الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) في ترجمة احمد بن الأزهر إذ ساقه ولم يعقب عليه بشيء. وكل هذا مما يبطل دعوى الحاكم بتصحيحه إذ لم يوافقه على ذلك أحد ولله الحمد, وهو ما نبه عليه أهل العلم كثيرا بتساهل الحاكم وقلة عنايته بالتصحيح, ويبطل أيضاً دعوى هذا الموسوي بموافقة المنصفين- زعم- لعبد الرزاق على هذا الحديث. وقد أعاد ذكر هذا الحديث الموسوي هذا في صفحة (191) من مراجعاته هذه وسنبين في حينها ما في تعليقه هناك في الهامش من المغالطة والغش.(64/318)
والحديث الثاني: قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني عائلاً لا مالَ له, قال: (أما ترضين أن الله اطلع إلى أهل الأرض فاختار منهم رجلين, فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك) إ. ه. وعزاه للحاكم (3/129) وصححه على شرط الشيخين فأفحش, وقد رواه الحاكم فقال: حدثنا أبو بكر بن أبى دارم الحافظ ثنا أبو بكر محمّد بن احمد بن سفيان الترمذي ثنا سريج بن يونس الإسناد الذي ساقه هذا الموسوي في الهامش (30/112). وقال الذهبي: موضوع على سريج. قلت: وأبو بكر بن أبي دارم هذا- شيخ الحاكم- منهم هو وشيخه محمّد بن احمد بن سفيان الترمذي. أما الترمذي هذا فقد اتهمه باختلاق هذا الحديث صراحة الذهبي (الميزان) (3/457) وقال: (لعله الباهلي) قلت: يعني محمّد بن احمد بن سهيل الباهلي قال أبو زرعة: (هو ممن يضع الحديث) وعلى كل ان لم يكن هو الباهلي فهو اخر متهم بوضع الحديث أيضاً. وأما شيخ الحاكم أبو بكر بن أبي دارم فقد قال عنه الذهبي في (الميزان): (الكوفي الرافضي الكذاب) ونقل عن الحاكم نفسه انه قال عنه (رافضي غير ثقة) إ. ه. وهو ما يبين وهم الحاكم بتصحيحه, فإنّه نفسه قد ضعف شيخه ثم غفل عنه وصحح الحديث, الأمر الذي يجعلنا لا نعتمد على تصحيحه إطلاقا. وقد ذكر ابن أبي دارم هذا أيضاً الذهبي في (تاريخ الإسلام) (8/68), وفي (تذكرة الحفاظ) (3/884) واتهمه بالوضع, وأيضاً اتهمه ابن العماد في (شذرات الذهب) (3/11). هذه حال الطريق الأولى لهذا الحديث والطريق الثانية ذكرها هذا الموسوي أيضاً في الهامش مقطوعة نقلا من (الميزان) رواية أبي الصلت الهروي- وهو عبد السّلام بن صالح- عن عبدالرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس. أخرجه الطبراني في (الكبير) (45111) والخطيب في (تاريخ بغداد) (4/196). وآفته عبد السّلام بن صالح هذا كما قال الذهبي, فإنّه ضعيف جدا وقد كذبه ابن عدي والدارقطني والعقيلي, وقال العقيلي في رواية: رافضي خبيث. وقال النسائي: ليس(64/319)
بثقة. وكذبه أيضاً محمّد بن طاهر. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به اذا انفرد إ. ه.
وله طريق اخرى عن عبد الرزاق رواه عنه ابراهيم بن الحجاج- وهو غير الشامي والنيلي- اخرجه الخطيب البغدادي (4/195), وعزاه في (تنزيه الشريعة) (1/396) لأبي الشيخ وعزاه الهيثمي في (المجمع) (9/112) للطبراني في (الكبير) وذكره الذهبي في (الميزان) (1/26). وضعفوه وهو خليق به إذ ان ابراهيم هذا نكرة لا يعرف كما قال الذهبي, وقال أيضاً: والخبر الذي رواه باطل إ. ه. قلت: يعني هذا. وطريق رابعة عن عبد الرزاق رواه عنه احمد بن عبد الله بن يزيد- في الاصل (زيد) وهو خطأ يتضح لمن راجع ترجمته في (تاريخ بغداد) و(الميزان) وغيرهما- الهيثمي, اخرجه الخطيب البغدادي (4/196) وهو مكذوب أيضاً على عبد الرزاق فأحمد بن عبد الله الهيثمي هذا قال عنه ابن عدي: (كان بسا مرا يضع الحديث)- نقله عنه الذهبي في (الميزان) (1/109). والخطيب في (تاريخ بغداد) (4/219- 220)- وقال الدار قطني- فيما نقله الخطيب- (يترك حديثه) وعده ضمن المتروكين في رسالته بذلك (رقم 68), وقال الذهبي في (المغني): كذاب.
فهذه طرق هذا الحديث فيها خمسة من الكذابين أو المتهمين بذلك. فلم يروه عن عبد الرزاق غير كذاب أو مجهول نكرة أو ضعيف جداً, فكيف يمكن تصحيح هذا الحديث حتى بتعدد الطرق؟؟ وقد حكم عليه بالوضع والكذب أو الضعف والمردود كل من الذهبي والهيثمي- على تساهل- وابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1/220-221) وابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/396) وغيرهم.(64/320)
تنبيه . . . اخرج الطبراني في (الكبير) (11153) وقال: (حدثنا محمّد ابن جابان الجنديسابوري والحسن بن علي المعمري قالا: ثنا عبد الرزاق. . الحديث) بهذا اللفظ نفسه. وفي اسناده سقط ينبغي لنا التنبيه عليه حتى لا يغتر بهذا الاسناد احد ويزعم صحة الحديث استناداً إليه فنقول: قبل ذكر ذلك السقط أود الاسارة إلى ان شيخ الطبراني الأول (محمّد بن جابان الجنديسابوري) لم اجد له ترجمة أبداً, ثم رجعت إلى (المعجم الصغير) للطبراني الذي روى فيه لكل شيخ من شيوخه حديثا واحداً فوجدته هناك في حديث برقم (881) لكنّه قال: (محمّد بن حابان الجنديسابوري) بالحاء المهملة لا بالجيم المعجمة. ولم يتبين لي أيهما الصواب فالاخر هذا لم اجد له ترجمة أيضاً. لكن جهالته هذه لا تضر لمتابعة شيخ الطبراني الاخر وهو الحسن بن علي المعمري. وهو فيه كلام لا يسقط الاحتجاج به, قال الدارقطني: (صدوق حافظ), وقال الخطيب البغدادي: (كان من أوعية العلم يذكر بالفهم ويوصف بالحفظ), وله ترجمة في (تاريخ بغداد) (7/369-372), (تذكرة الحفاظ) (2/667-778), (شذرات الذهب) (2/ 218) , (ميزان الاعتدال) (1894) , وقال الذهبي في (المغني) (1435): (تفرد برفع أحاديث تحتمل له) إ. ه.(64/321)
لكن السقط الذي أشرنا إليه ما بين الحسن بن علي المعمري وعبد الرزاق , فبينهما طبقتان أو ثلاث, إذ أن الحسن هذا وُلِدَ بعد وفاة عبد الرزاق بسنتين , توفي عبد الرزاق سنة إحدى عشرة ومائتين , وتوفي الحسن بن علي المعمري سنة خمس وتسعين ومائتين وقد بلغ اثنتين وثمانين سنة, أي أنه ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين, فلا يمكن أبداً أن يتلاقيا, ويوضحه الإسناد الذي بعده عند الطبراني في (الكبير) (11154) وفيه بين الحسن المعمري وعبد الرزاق رأو. وهذا كله يبين الخطأ الفاحش الذي جاء في الإسناد الذي فيه التصريح بالتحديث بين الحسن المعمري وعبد الرزاق أن هناك رأو بينهما موجود في الأصل لكنّه سقط في النسخ- وهو الغالب- ويدل عليه أن الهيثمي في (المجمع) (9/112) قد ذكر إحدى طرق هذا الحديث عن عبد الرزاق عند الطبراني في (الكبير) أنها من رواية إبراهيم بن الحجاج الذي قدمنا الكلام عليه, في الوقت الذي يخلو فيه اسنادي هذا الحديث عند الطبراني من ذكر إبراهيم هذا, مما يؤكد سقوطه من أحدهما, ولا مجال لإدخاله إلا في هذا الإسناد لما فيه من السقط فرجع الحديث بذلك إلى رواية إبراهيم بن الحجاج عن عبد الرزاق, والله أعلم بالصواب. .(64/322)
عبد الملك بن اعين أخو زرارة: قال الحافظ في (التقريب): صدوق شيعي , له في الصحيحين حديث واحد متابعة إ. ه. فهو أولا ليس من رجال الصحيحين إذ لم يحتجا به بل رووا له فيما تابعه فيه غيره, وقد أقرّ بذلك الموسوي نفسه بما نقله من قول الذهبي: (و اخرجا له مقروناً بغيره في حديث) إ. ه. وقد ذكر الحافظ في (تهذيب التهذيب) الرأوي الذي قرن به عبد الملك هذا, وهو جامع بن أبي راشد, ثقة فاضل ومنه يتبين أن الاعتماد في ذلك الحديث الوحيد الذي له في الصحيحين على جامع هذا في الدرجة الأساس. وثانيا ليس عند عبد الملك هذا من التشيع ما يرد حديثه من الغلو الموصل للرفض والطعن بالصحابة وبغضهم كما هو عند أخويه حمران وزرارة فيما قدمنا من حالهما في ترجمة حمران الذي وصفه أهل العلم بالجرح والتعديل بالرفض وليس التشيع مما يبين أن مرادهم بالتشيّع هو الخفة فيه وعدم الغلوّ وهو الذي يقبل خبره في غير ما يخص بدعته كما قررناه سلفا. .
عبيد الله بن موسى: ثقة كان يتشيع, ولم يكن هو من الطأعنين بالصحابة قطعاً, ولم ينقل عنه من الغلو في تشيعه ما يوصله إلى الرفض المردود . وإخراج البخاري لحديثه واحتجاجه به من اكبر الأدلة على إنصاف أهل السّنّة وتحريهم للحق بخلاف غيرهم من أهل الرفض والزيغ كهذا الموسوي, فأهل السّنّة يتحرون الصادق في حديثه غير الغالي في بدعته- إن كان مبتدعاً- فهذا يروون حديثه ويحتجون به فيما لا يدخل في بدعته كما قررناه من أصولهم سابقاً , فكما أخرج البخاري لعبيد الله بن موسى هذا مع تشيعه فقد أخرج لعمران بن حطّان الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي لصدقه في نفسه مع ما عنده من البدعة, فأهل السّنّة يفخرون بصنيع البخاري هذا وغيره من أئمة أهل السّنّة فهو أكبر دليل على إنصافهم وعدم تعصبهم, الأمر الذي يخلو منه أهل البدع عموماً وأهل الرفض خصوصاً.(64/323)
عثمان بن عمير: قال الحافظ في (التقريب): ضعيف واختلط, وكان يدلس ويغلو في التشيع إ. ه. ولم يوثقه أحد من أهل السّنّة . قال الذهبي في (تاريخ الإسلام) (7/220): (و هو ضعيف بالاتفاق) إ. ه. فلا أدري ما وجه الحجة بإيراد هذا الموسوي له هنا مع إقراره بتضعيف أهل السّنّة له؟ ولا مستند له بنفي إيمان عثمان هذا بالرجعة سوى الإنكار المحض الخالي عن الدليل بعد أن أثبتها عنه ابن عدي وأبو أحمد الزبيري, تلك العقيدة الفاسدة من عقائد الرافضة التي تكلمنا عليها في مقدمة كتابنا هذا. وقد اقتطع هذا الموسوي من كلام الإمام أحمد بن حنبل ما صرح فيه بتضعيف صاحبه عثمان هذا, فقال أحمد: (أبو اليقظان خرج في الفتنة مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن, وهو ضعيف الحديث) إ. ه. فتصرف بكلامه هذا الموسوي كعادته كما يحلو له.(64/324)
وقد ضعفه إضافة لمن تقدم ذكرهم ومن ذكرهم هذا الموسوي وانطقه الحق به, كل من الدارقطني والنسائي والفلاّس , وقال الجوزجاني في (أحوال الرجال) (23): (سمعت أحمد بن حنبل يقول: هو منكر الحديث وفيه ذاك الداء) وأما احتجاج الموسوي هذا على توثيقه برواية من ذكرهم عنه فهو أوهى من خيط العنكبوت, لما قدمنا مراراً أن رواية الثقة عن رأو لا تعدّ توثيقاً له بالمرّة, كيف إذا انضم إلى ذلك اتفاق أهل الجرح والتعديل على تضعيفه؟ ونقل المباركفوري في (تحفة الأحوذي) (1/119) عن الحافظ المنذري أنه قال عن عثمان هذا: (لا يحتج بحديثه) . ومع ضعف عثمان هذا ففي رواياته ما لا يستقيم على مذهب الشيعة أنفسهم مثل نفي استخلاف النبي صَلّى الله عليه وسلّم لأحد من بعده, علي وغيره, فقد نقل الذهبي في ترجمته من (الميزان) أنّ عثمان هذا قال: حدثنا زاذان عن حذيفة: قلنا يا رسول الله لو استخلفت , قال: (لو استخلفت فعصيتم نزل العذاب, ولكن ما أقرأكم ابن مسعود فاقرؤا, وما حدّثكم حذيفة فاقبلوا أو قال فاسمعوا) إ. ه. وقد رواه عن عثمان شريك القاضي وهو ثقة مقبول عند الشيعة فما عساهم يقولون عن إسناد رجاله ثقات عندهم فيه نفي لأحد أركان عقيدتهم؟؟
عدي بن ثابت الكوفي: ثقة رمي بالتشيع, كما قال الحافظ وهو قول يشعر بعدم غلوه في ذلك ولا ادل عليه من قول الذهبي الذي نقله هذا الموسوي نفسه: (لو كأنت الشّيعة مثله لقل شرهم) . ولم يحتج أهل السّنّة به فيما يقوي بدعته كما هو مقرر في قواعد هذا العلم الشريف, قال الحافظ في (هدي الساري) (595): (و ما أخرج له في الصحيح شيء مما يقوي بدعته) إ. ه.(64/325)
عطية بن سعد العوفي: قال الحافظ في (التقريب): صدوق يخطئ كثيراً كان شيعياً مدلّساً إ. ه. وقال الذهبي في (الميزان): ضعيف . وقد ضعّفه غير واحد , وقول ابن سعد في توثيقه مردود لمعارضته من ضعفه بجرح مفسر واجب الأخذ , فضلا عن ان الموسوي حذف من قول ابن سعد الأخير الذي نقله ما شعر بتضعيفه, قال ابن سعد: (و كان ثقة وله أحاديث صالحة ومن الناس من لا يحتج به) إ. ه. فأخفى ذلك هذا الموسوي عمداً لانعدام الأمانة عنده. وقد ضعف عطية هذا أيضاً أحمد بن حنبل وهشيم وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والساجي.
وأما تدليسه فهو من أقبح أنواع التدليس, وقد مر بنا في كتابنا هذا ذكره والتنبيه عليه عدة مرات, فمنه إنّه كان يأتي الكلبي- وهو محمّد بن السائب الكلبي, متهم بالكذب- فيأخذ عنه ويكنيه أبا سعيد فيقول حدثنا أبو سعيد ويوهم أنه أبو سعيد الخدري, نقله الإمام أحمد بن حنبل عن أبي أحمد الزبيري ورواه أيضاً ابن حبان بإسناده في كتابه (الضعفاء) ثم قال عقبه: (لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب) إ. ه. أما زعم هذا الموسوي باحتجاج أبي دأود والترمذي به فهو مردود , فليست رواية الثقة بمن أخرجا عنه ولم يدّعيا ذلك, بل أكثر من هذا نقل الحافظ في (التهذيب) عن أبي دأود أنه قال عن عطية بن سعد هذا, (ليس بالذي يعتمد عليه) إ. ه.
العلاء بن صالح التيمي: قال الحافظ في (التقريب): صدوق له أوهام إ. ه. ومع ما عنده من أوهام يبقى هو ثقة في العموم, وأما تشيعه فلم يكن عنده من الغلو في ذلك ما يوجب رد حديثه, وإلاّ فلا دليل على خلاف ما قلناه. فهو إذاً من أصحاب البدعة الصغرى الذي يحتج بحديثهم في غير ما يدخل في بدعتهم شأنه شأن من سبق من أمثاله, والله الموفق للصواب.(64/326)
علقمة بن قيس النخعي: ثقة ثبت فقيه عابد, وإن ثبت تشيعه فهو فيه كحال أقرانه الذين أشار إليهم هذا الموسوي , مثل أبي إسحاق السبيعي- وسيأتي- والأعمش وزبيد اليامي وقد قدمنا حالهما وأنهما لا يخرجان عن أصحاب البدعة الصغرى, وكحال منصور بن المعتمر- وسيأتي أيضاً- ولا أدل على عدم غلوه من روايته عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه, وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ونحن نتحدى كلّ مخالف بأن يأتينا بدليل واحد على غلو علقمة وأصحابه المذكورين من رواياتهم أو رأيهم, في تنقّص الشيخين أو غير ذلك من الغلو.
علي بن بذيمة: ثقة رمي بالتشيع, كما فال الحافظ , ولا نريد اعادة ذكر حال أصحاب البدعة الصغرى ومنهم علي هذا فليس في الاحتجاج بهم ما يدخل في بدعتهم مع نفي أي غلو عنهم, ولا دليل على خلاف هذا ولله الحمد.
علي بن الجعد: ثقة ثبت رُمي بالتشيّع, وهذا لفظ يومئ بخفّته في ذلك, فحاله إذن لا يختلف عن حال سابقه, ولا نرى داعياً لإعادة الكلام.
علي بن زيد بن جدعان: قال الحافظ في (التقريب): ضعيف. وقد ضعفه غير واحد, ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعثمان الدارمي وابن سعد, وقال أبو زرعة: ليس بقوي, وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به . قلت: يعني لا يحتج به إلاّ إذا تابعه أحد. وضعفه أيضاً النسائي والدارقطني وآخرون. وضعفه هذا بسبب سوء حفظه كما صرح به ابن خزيمة وابن حبان , أما تشيعه فلم يكن عنده من ذلك من الغلو ما يرد به حديثه, كحال من قبل حديثه من المتشيعين السابقين. ومسلّم لم يحتج به منفرداً بل أخرج له في المتابعات, فلا يعد لذلك من شرط مسلّم.
علي بن صالح, أخو الحسن: حاله في التشيع كحال أخيه الحسن وقد قدمنا من الكلام عليه هناك فراجعه مع أني لم أجد ذكر صراحة علي بن صالح هذا فيمن عنده تشيع أبداً ولا أظنه كذلك والله أعلم, وإن كان فحاله لا يختلف عما سبق بيانه من حال أخيه.(64/327)
علي بن غراب: صدوق في نفسه, لكنّه ضُعّف بسبب بدعته هذه التشيع كما قال الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) (12/46) فحديثه مقبول محتج به إلاّ فيما يدخل في بدعته فيرد حتى يوافقه أحد في روايته . وابن سعد أشار في ترجمته إلى ضعفه فقال: (و كان علي صدوقاً وفيه ضعف) إ. ه. ولم يذكره في الشيعة أبداً, فأخفى هذا كله الموسوي عمداً.
علي بن قادم: حاله كسابقه تماماً فهو صدوق في نفسه لكن عنده بدعة تشيّع , فمن ضعفه نظر إلى بدعته , فلا يقبل خبره فيما يدخل في صلب بدعته, وما سوى ذلك مقبول محتجّ به, والله أعلم.
وكعادته تصرف هذا الموسوي في كلام ابن سعد واقتطع منه ما يهواه وترك الباقي, إذ قال عنه ابن سعد: (و كان ممتنعاً منكر الحديث شديد التشيّع) فاكتفى هذا الموسوي بالوصف الأخير فقط دون الوصفين الأولين اللذين فيهما تضعيف صاحبه بسبب بدعته كما بينا. ومع ذلك يسمون من يتلاعب بالنّصوص هكذا إماماً جليلاً!!
علي بن المنذر الطرائقي: صدوق يتشيع, وحاله كسابقيه. ومما يدل على عدم غلوه أنه روى حديثاً في فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, رغم انف هذا الموسوي وأشباهه, أخرجه الترمذي (3/385) وقال: حدثنا علي بن المنذر- يعني هذا- وذكر الإسناد أنّ رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم قال لعائشة: (أنّ جبريل يقرئك السّلام. . . الحديث). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح, ونحن نقول: فليعتبر المرجفون المجحفون كهذا الموسوي, فإن النسائي قد احتج به من أجل ما ذكرنا من علمه بعدم غلوه, بل ومن علمهم بأنه ممن يحب ويوالي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, ولعنة الله على الظالمين المبغضين لها.(64/328)
علي بن هاشم بن البريد: صدوق في نفسه, أنكروا عليه تشيّعه, فما رواه في غير ما يدخل في بدعته يقبل منه ويحتج به, وما كان من صلب بدعته رد عليه, كما روى أحاديث منكرة في فضائل علي رضي الله عنه لم يتابعه عليها أحد فردت عليه, وعلي رضي الله عنه أجل من أن يتكلف بذكر فضائله بالموضوعات المنكرات.
عمار بن رزيق الكوفي: لا بأس به, ولم يدع أحد أنه من الشيعة أو الرافضة سوى السليماني المذكور فيما نقله الذهبي, ولم يتابعه على ذلك أحد, وقد رد قوله الذهبي نفسه وبين عدم ثبوته, الأمر الذي أخفاه هذا الموسوي وأراد الإيهام بموافقة الذهبي له على ذلك, وهو خلاف الحق الواقع, فلا تبقى له بعد ذلك أيّة حجة بإيراده وقد رد ذلك الإمام الذهبي ولله الحمد.
عمار بن معاوية: صدوق يتشيع, وقد قدمنا حال أشباهه. وفي كلام هذا الموسوي من المبالغة ما لا يخفى , إضافة لكذبه على العقيلي بأنه ما غمز عماراً هذا إلاّ لتشيعه وهو خلاف الحق, إذ بين الذهبي في (الميزان) بأنه غمزه لما رواه عنه أبو بكر بن عياش أنه سأله: أسمعت سعيد بن جبير؟ قال: لا فغمزه لانقطاع روايته عن سعيد بن جبير لا غير, فلعنة الله على المحرفين المبدلين لكلام القوم.(64/329)
عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي: قال الحافظ في (التقريب): ثقةٌ عابد. . . اختلط بآخره إ. ه. قلت: واختلاطه هو تغير قليل كما بينه الذهبي في (الميزان) , ونقل الحافظ في (التهذيب) عن الإمام أحمد أنه قال: أبو إسحاق ثقة ولكن هؤلاء الذين حملوا عنه بآخره إ. ه. وحاله في التشيع كحال من سبقه ممّن عنده بدعة تشيع وقبلهم أهل السّنّة, وعبارة الجوزجاني التي ساقها هذا الموسوي هنا وفي مواضع أخرى تدل على ذلك بكل وضوح, وقطعاً لم يكن السبيعي هذا ممن يطعن بالصحابة ولا يبغضهم, وما عنده من المنكرات فإنما كأنت بسبب اختلاطه وتغيره وبسبب تدليسه أيضاً, وهذا لا يسقط عدالته لكن ترد تلك المنكرات فحسب, ومنها ذلك الحديث الذي سوّد هذا الموسوي ترجمة السبيعي به, وهو حديث باطل موضوع, ولفظه: (مثلي مثل شجرة أنا اصلها وعلي فرعها. . .) رواه يحيى بن بشار الكندي عن عمرو بن إسماعيل الهمداني عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي. ذكره الذهبي في (الميزان) (3/246) (4/366) وقال: خبر باطل , وعده من الموضوعات كل من: ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/397), والسيوطي في (اللآلئ المصنوعة) (1/196), وابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/365), والشوكاني في (الفوائد المجموعة) (379)، وآفته يحيى بن بشار الكندي وعمرو بن إسماعيل الهمداني، وكلاهما متّهم.
وأما زعم هذا الموسوي أن المغيرة بقوله: (إنما أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعمشكم) يعني به التشيع فهو باطل يدل على جهله، إذ أن المغيرة عنى به التدليس كما بينه الحافظ في (التهذيب) في ترجمة السبيعي هذا وفي غير موضع. وقد بينا ذلك بالتفصيل في ترجمة سليمان بن مهران الأعمش فليراجع. وهذا ما يمنع قبول رواية أبي إسحاق السبيعي هذا إذا عنعن ولم يصرح بالتحديث لأنه مدلس، فمتى صرح بالتحديث قبل فيما وافق فيه سائر الثّقات.(64/330)
ومن أدلة عدم غلو أبي إسحاق السبيعي هذا وأنه يقدم الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما على غيرهما أنه هو نفسه أحد رواة حديث النبي صَلّى الله عليه وسلّم (لوكنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) عند الترمذي (4/308) وقد رواه هناك أيضاً عبد الرزاق الصنعاني الذي عنده تشيع أيضاً، مما يدل على حقيقة مذهب الشيعة الأوائل وأنهم مع تشيعهم لا يعدلون بأبي بكر وعمر أحداً بعد النبي صَلّى الله عليه وسلّم. وكذلك روى أبو إسحاق السبيعي هذا عند ابن ماجه (456) عن ابن حية- أحد أصحاب علي- قال: (رأيت علياً توضأ فغسل قدميه إلى الكعبين ثم قال: أردت أن أريكم طهور نبيكم صَلّى الله عليه وسلّم) إ. ه. وهو يخالف مذهب الشيعة المعروف في ذلك مع إضافته للنبي صَلّى الله عليه وسلّم أولاً؛ ولعليّ رضي الله عنه نفسه ثانياً؛ ولأبي إسحاق السبيعي هذا ثالثاً؛ ولله الحمد والمنة.
عوف بن أبي جميلة المعروف بالأعرابي: ثقة, رمي بالتشيع, وهو إلى ذلك لم يكن عنده غلو ولا طعن بالصحابة رضوان الله عليهم فحاله وحال أمثاله قد قدمناه مراراً لا نرى داعياً لإعادته.
الفضل بن دكين، أبو نعيم: ثقة ثبت لكنّه يتشيع، وبين الذهبي في (ميزانه) أن تشيعه من غير غلو ولا سب، الأمر الذي كتمه هذا الموسوي العاري من الأمانة في النقل تماماً، قال الذهبي: (حافظ حجة إلاّ أنه يتشيع من غير غلو ولا سب) إ. ه. وقد فصلنا حال من عنده تشيع من غير غلو ولا سب وبينا أن هذا ممن يقبل خبره. وروى الخطيب في (تاريخ بغداد) (12/351) ونقله الحافظ في ترجمة أبي نعيم من (التهذيب) عن أبي نعيم هذا انه قال: (ما كتبت عَلَيَّ الحفظة أني سببت معاوية) وأمر بنقل ذلك عنه، وهو ما بين اعتداله في تشيعه وأنه من نوع البدعة الصغرى لا كما افترى هذا الموسوي. يضاف إلى ذلك أنه قد روى حديثين صحيحين عند البخاري (1/62) في إثبات المسح على الخفين، وهو يخالف ما عليه الشيعة الغلاة أيضاً.(64/331)
(74) فضيل بن مرزوق: قال الحافظ في (التقريب): صدوق يهم ص324، ورمي بالتشيع إ. ه. وعبارة الذهبي التي نقلها هذا الموسوي فيها اقتطاع مهم، اقدم عليه الموسوي كعادته في اقتطاع ما يوافق هواه وترك الباقي. قال الذهبي في (الميزان) عن فضيل هذا: (و كان معروفاً بالتشيع من غير سب) إ. ه. فحذف منها هذا الموسوي نفي السب الأمر الذي يدل على حقيقة مذهبه من محبته لسب الصحابة- لعن الله من سبهم- وإلا فما الذي حمله على هذا؟ أما بالنسبة لفضيل هذا فقد قدمنا حال أمثاله غير المغالين في تشيّعهم أصحاب البدعة الصغرى.
بقي مما جاء في الترجمة هنا أمر أضحكني والله من جهل هذا الموسوي وعمايته، وذلك يتعلق بحديث ساقه الذهبي في ترجمة فضيل من (الميزان) فيه أخبار النبي صَلّى الله عليه وسلّم عن تأمير أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وهو من رواية زيد بن الحبّاب عن فضيل هذا، ولا ادري ما الذي لم يُعجب هذا الموسوي في الحديث حتى كذبه مع أن فيه فضلاً لعلي رضي الله عنه، لكنّه سارع إلى تكذيبه واتهم زيد بن الحبّاب وأنه اختلقه على فضيل، فقال: (و كذب عليه زيد بن الحبّاب فيما رواه عنه من حديث التأمير) إ. ه. والحال إلى هنا ليس فيه ما يدعو إلى الضحك والسخرية بهذا الموسوي، ولكن الأمر ليس كذلك إذا علمنا أن هذا الموسوي قد ذكر زيد ابن الحبّاب هذا نفسه ضمن هؤلاء الرواة المئة الذين ساقهم (رقم 28) وعده هناك من رجالهم- رجال الشيعة- وطبيعي أن ذكره له يدل على ثقته وصدقه عند هذا الموسوي، وأنه كذلك أيضاً- فيما ادعى- عند أهل السّنّة، ثم عاد هنا وكذبه، أليس هذا مما يدعو إلى الضحك والسخرية بهذا الموسوي وحماقته؟ أليس هو أحق أن يوصف بما هو معروف عند العلماء بأنه (أضل من حمار أهله)؟ نقول: نعم هو كذلك. . .(64/332)
(75) فطر بن خليفة: صدوق رمي بالتشيع، كما قال الحافظ في (التقريب). وتشيعه لم يكن فيه غلو ولا سب كما صرح به احمد العجلي بقوله: (كان فيه تشيع قليل) نقله الذهبي في (تاريخ الإسلام) في ترجمة فطر هذا ونقله الحافظ في (التهذيب) وفي (هدي الساري) (ص608). وحقيقة تشيعه بينها الساجي- فيما نقله عن الحافظ في (التهذيب)- فقال: (و كان يقدم عليا على عثمان) فهذا ما نقل عنه لا غير، أما الشيخان فلم يكن فطر هذا يعدل بهما أحدا بعد رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم، إذ لم يتعرض لهما أصلا.
أما ما زعمه- الموسوي- بجهله من احتجاج البخاري بفطر هذا فليس صحيحاً بل ما روى البخاري لفطر هذا إلا مقرونا بغيره، كما تبينه إشارة الذهبي له في (الميزان)، وهو الذي صرح به الحافظ ابن حجر في (التهذيب) وفي (هدي الساري) (ص608)، وأيضاً ليس له ذكر في البخاري إلا في حديث واحد تابعه فيه الأعمش والحسن بن عمرو عن مجاهد، انظر (هدي الساري) (ص608)، فلا يعد فطر هذا من رجال الصحيح المحتج بهم، كما يعرفه أهل العلم. .(64/333)
(76) مالك بن إسماعيل: ثقة مُتقن، كما قال الحافظ وتشيعه لم يكن فيه غلو ولا سب وهو قلما يعرف بتشيعه لخفته في ذلك، ومع تشيعه كان يقدم أبا بكر رضي الله عنه على من سواه من الصحابة ويروي من فضائله ما يؤكد ذلك، مثل الحديث الذي رواه عند الترمذي (4/311) أن النبي صَلّى الله عليه وسلّم قال لأبي بكر رضي الله عنه: (أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار)و قال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. وقال العلماء في شرحه: أي صاحبه في الدنيا والآخرة. وهذا قد رواه مالك بن إسماعيل نفسه مما يؤكد تقديمه لأبي بكر رضي الله عنه على من سواه- وأيضاً روى مالك هذا حديثا صحيحا في فضائل الزبير بن العوام رضي الله عنه، وهو ممن تبغضه الشيعة وتكفره وصاحبهم مالك- كما يزعمون- يروي في فضائله، أخرج هذا الحديث البخاري في (صحيحه) (5/27) بإسناد مالك بن إسماعيل هذا أن النبي صَلّى الله عليه وسلّم قال: (إن لكل نبيّ حواريّ وأن حواريّ الزبير بن العوام) والحواريّ: هو خاصة الرجل من أصحابه وناصره. والحواريّون هم أيضاً: صفوة الأنبياء، انظر (المعجم الوسيط). وهذا كله مما يبين اعتقاد مالك بن إسماعيل هذا وبعده عن الرفض المذموم، بخلاف هذا الموسوي.
(77) محمّد بن خازم، أبو معاوية الضرير: ثقة ثبت، أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره كما مقرر في ترجمته من (التهذيب) و(التقريب) و(الميزان) و(تذكرة الحفاظ) وغيرها، ولم يذكره أحد بغلو مردود إلى الرفض، بل قبول أهل السّنّة له وأخرجهم لحديثه يدل على اعتداله في ذلك، هذا إن صح إدعاء الحاكم في تشيعه وغلوه في التشيع دون الرفض.(64/334)
(78) محمّد بن عبد الله النيسابوري أبو عبد الله الحاكم: إمام حافظ صدوق صاحب التصانيف، وقول هذا الموسوي (و كلّ من تأخر عنه من محدّثي السنة عيالٌ عليه وهو من أبطال الشيعة وسدنة الشريعة) مبالغة واضحة يريد بها حيازة سبق، ومع ذلك فلو كان الشيعة كلهم مثل الحاكم هذا لقلّ شرّهم، فليس هو رافضياً بل شيعيّ كما بينه الذهبي، وقد قدمنا التفريق بينهما مراراً، ثم أنه لم يكن يتعرض للشيخين أبي بكر وعمر كما حققه الذهبي وغيره، وهو ما أخفاه عمداً هذا الموسوي، وقد روى الحاكم في (المستدرك) أحاديث كثيرة في أفضلية أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، مع تقديم الشيخين أبي بكر وعمر على غيرهما، بل يُستبعد تفضيله لعليّ على عثمان رضي الله عنهما إذ له معارض أقوى لا يقدر على دفعه فإنّه عقد بابا في كتاب الأربعين لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأختصهم من بين الصّحابة رضوان الله تعالى عليهم. وقدم في (المستدرك) ذكر عثمان رضي الله عنه وروى في الفضائل (3/96- 97) حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أول حَجَرٍ حجَرٌ حمَله النبيّ صَلّى الله عليه وسلّم لبناء المسجد ثم حمل أبو بكر حجراً ثم حمل عمر حجرا ثم حمل عثمان حجراً، فقلت: يا رسول الله ألا ترى إلى هؤلاء كيف يساعدونك؟ فقال: (يا عائشة هؤلاء الخلفاء من بعدي). وخرج أيضاً في فضائل عثمان (3/97) حديث (لينهض كل رجل منكم إلى كفئه، فنهض النبي صَلّى الله عليه وسلّم إلى عثمان). وهذا كله رواه الحاكم صاحب الشيعة في (المستدرك). وكل ما نُقم على الحاكم أنه أخرج في (المستدرك) أحاديث كثير ليست على شرط الصحة، بل فيه أحاديث موضوعة مستنكرة وقال الذهبي في (الميزان): (إمام صدوق لكنّه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة، ويكثر من ذلك فما أدري هل خفيت عليه فما هو ممن يجهل ذلك) إ. ه. وقال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان): (إنما وقع للحاكم تساهل لأنه سوّد الكتاب لينقحه فعأجلته المنيّة ولم(64/335)
يتيسّر له تنقيحه) إ. ه.
وأعتذر عن ذلك أن الحاكم صنفه في أواخر عمره وقد اعترته غفلة، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له وقطع بترك الرواية عنهم ومنع الاحتجاج بهم لكنّه أخرج في (المستدرك) أحاديث بعضهم وصححها، وقد مر بنا من ذلك أمثلة أقربها شيخ الحاكم أبو بكر بن أبي دارم وقد مر ذكره في ترجمة عبد الرزاق الصنعاني، فراجعه.
فهذه حال الحاكم وحال تشيّعه، فلم يكن عنده من ذلك سوى بعض الكلام في معاوية رضي الله عنه. وفي (شذرات الذهب) (3/177) عن الذهبي أنه قال: (هو معظّم للشيخين بيقين ولذي النورين وإنما تكلم عن معاوية) إ. ه. وقد ذكر الحاكم نفسه فضائل طلحة والزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين مما يبعد غلوّ التشيّع عنه. ومن اتهمه بأنه رافضي فقد تحامل عليه وبالغ في اتهامه كما فعل ابن طاهر المقدسي، وقد ردّ تهمته هذه الذهبي فجزاه الله خيراً.
(79) محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع: قال الحافظ في (التقريب): ضعيف. وكذا قال الذهبي في (الميزان) ونقل من أقوال أهل العلم بالجرح والتعديل ما بين ضعفه عندهم وردهم لحديثه، من ذلك قول البخاري فيه: منكر الحديث. وقال معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث جدّاً ذاهب، وقال الدارقطني: متروك وله معضلات. فهذه حال صالح سلف الشيعة كما وصفه هذا الموسوي.(64/336)
ومن معضلات محمّد هذا ومناكيره ذلك الحديث الذي نقله هذا الموسوي من ترجمته في (الميزان)، وفيه قول النبي صَلّى الله عليه وسلّم لعلي: (أول من يدخل الجنة أنا وأنت، والحسن والحسين وذرارينا خلفنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا) وهو حديث باطل كما بينه الذهبي الذي لم يرض بقوله هذا الموسوي فأعرض عنه وليس عنده من بينة في ذلك سوى التحكم المحض والتحامل القبيح. فقد أخرج هذا الحديث الطبراني في (الكبير) (950) من طريق حرب بن الحسن الطحان ثنا يحيى بن يعلي عن محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده. وحرب ويحيى كلاهما ضعيف منكر الحديث إضافة إلى محمّد بن عبيد الله هذا، فالحديث إذا من رواية ضعيف عن ضعيف عن ضعيف، اجتمع فيه ثلاثة ضعفاء فأنى له الصحة؟ وقد ضعفه إضافة للذهبي الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/131).
(80) محمّد بن فضيل بن غزوان: قال الحافظ في (التقريب): صدوق عارف رُمي بالتشيع إ. ه. ولم يكن عنده من الغلو في ذلك ما يوصله إلى الرفض المردود، بل هو من نوع البدعة الصغرى التي تكلمنا عليها سابقاً، ودليله ما نقل عنه مما يبين بعده عن الرفض الكامل وغلو التشيع، مثل ما رواه عنه أبو هشام الرفاعي قال سمعت ابن فضيل يقول: (رحم الله عثمانَ ولا رحمَ من لا يترحم عليه)قال وسمعته يحلف بالله أنه صاحب سنة رأيت على خفه أثر المسح إ. ه. فها هو ينقل عنه ما يخالف مذهب الشيعة مما يدل على عدم غلوه في ذلك، ذكر ذلك الحافظ في ترجمته من (التهذيب) وفي (هدي الساري) (ص616).
ومما يدل على عدم غلوه أيضاً وتفضيله لأبي بكر وعمر أنه ثبت عنه عند الترمذي (4/308) أنه أحد رواة حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم: (أن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهما وأنعما). وقد تقدم ذكره أيضاً في ترجمة سالم بن أبي حفصة فهو أحد رواته أيضاً.(64/337)
(81) محمّد بن مسلّم الطائفي: قال الحافظ في (التقريب): صدوق يخطئ. وقد ضعفه الإمام أحمد بن حنبل لسوء حفظه وهو ما بينته عبارة الحافظ فهو جرح مفسر يقدم على تعديل من عدله أولا، وثانيا تقطع به لسان هذا الموسوي بإدعائه أنه انما ضعفه من ضعفه لتشيعه، إذ لم يعده أحد من أهل العلم بالجرح والتعديل من الشيعة إطلاقا، بل هذا ما ادعاه بعض رجال الشيعة كأبي جعفر الطوسي الذي ذكره هذا الموسوي وهو لا يشكل عند أهل السّنّة أية حجة ولله الحمد. فبطلت بذلك دعوى هذا الموسوي.
وأحب أن أنبه هنا إلى أن محمّداً هذا لم يحتج به مسلّم منفرداً بل أخرج له في المتابعات كما قرره الذهبي في (الميزان) والحافظ في (التهذيب)، وذلك بسبب سوء حفظه هذا، وليس له عند مسلّم سوى حديث واحد في جواز أكل المحدث للطعام (1/283) تابعه فيه ابن عيينة وحماد.
محمّد بن موسى الفطري: قال الحافظ: صدوق رمي بالتشيع إ. ه. وحاله كحال من قدمنا من أصحاب البدعة الصغرى التي يقبل من أهلها ويحتج بهم في غير ما يقوي بدعته.
معاوية بن عمار الدهني: قال الحافظ: صدوق. وقال النسائي وغيره: ليس به بأس . . . فهو ثقة محتج به لكن ليس بالمستوى الذي أظهره به هذا الموسوي مغالياً في ذلك، ثم أني لم أجد أحداً إدّعى أنه شيعي أو عنده تشيع أبداً وما أظنه كذلك، واسمه معاوية يدل على عدم تشيعه وعدم غلو أبيه في ذلك كما قدمنا حاله في ترجمته (برقم70).
وقول هذا الموسوي (احتج به مسلّم) من الخطأ الفاحش الذي يقع فيه من هم بعيدون عن هذا العلم الشريف إذ أن مسلّماً روى لمعاوية هذا لكن ليس محتجا به لوحده بل متابعة، فلا يقال عن مثل هذا احتج به مسلّم، بل هذا ما يزعمه الجهلة، وأهل العلم يفرقون بينهما، ثم إنّه ليس عند مسلّم والنسائي سوى حديث واحد، انظر (صحيح مسلّم) (2/990) تجده هناك قد تابعه في روايته للحديث أبوه عمار بن أبي معاوية الدهني، وانظر كذلك (سنن النسائي) (5/201). .(64/338)
معروف بن خرّبوذ الكرخي: قال الحافظ في (التقريب): صدوق ربما وهم. وليس عنده من الغلو في التشيع ما يوجب رد حديثه، ولم يدّع ذلك أحدٌ، ثم هو أصلا مقلّ من الرواية كما قال الذهبي وكان معروفاً بالزهد وكثرة العبادة رحمه الله . وليس له عند البخاري سوى روايته عن أبي الطفيل عن علي أنه قال: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله. أخرجه البخاري في (صحيحه) (1/44). وليس له عند مسلّم وأبي دأود وابن ماجة سوى حديث واحد عن أبي الطفيل في الحج. فلم يثبت عنه ما يشير إلى غلوه في التشيع ولله الحمد، لذا احتج به أهل السّنّة.(64/339)
منصور بن المعتمر: ثقة ثبت، كان لا يدلّس، قدمه كثيرون على الأعمش، وأما تشيعه فلم يكن عنده من ذلك غلو ولا رفض ولا بغض لأصحاب رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم رغم أنف هذا الموسوي، وحاله في التشيع لا يفرق عن حال الأعمش الذي قدمناه وأنه مع تشيعه يروي كثيراً من فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، شوكة في عيني هذا الموسوي وأشباهه . ومما يدل على خفة تشيعه ما نقله الحافظ في (التهذيب) عن العجلي أنه قال عنه: (و كان فيه تشيع قليل ولم يكن بغالٍ) إ. ه. ونقله أيضاً الذهبي في (تذكرة الحفاظ) و(تاريخ الإسلام). فقول العجلي هذا لا يسع هذا الموسوي ولا أحداً من أصحابه رده، فليس عند منصور هذا من منكرات الرافضة ما يوجب رد حديثه مثل الطعن بالصحابة وبغضهم والقول بالوصاية وغير ذلك من المنكرات الأباطيل. وقول الجوزجاني الذي ساقه قد نبهنا عليه غير مرة أنه من أكبر الأدلة على إنصاف أهل السّنّة، فهم مع بغضهم لبدعة التشيع لا يطعنون بكل من حملها بل يتحرون الصدق مع ذلك، بعكس من سواهم من الرافضة والشيعة المبتدعين الخالين عن الإنصاف تماماً، وأكبر الأدلة على ذلك كتاب الموسوي هذا (المراجعات)، لكنّه هنا يتبجح ويدعو إلى الإنصاف، وهذا دأبهم دائماً كلما فضحهم الله وأخزاهم وأظهر عيبهم تستروا بالدعوة إلى الإنصاف والائتلاف وتوحيد الكلمة وغير ذلك من أقوال الحق التي يريدون بها باطلاً. ولا يضر مثل الجوزجاني في علمه وقدره أنتقاص هؤلاء الجهلاء والحمقى والضّلاّل مثل عبد الحسين الموسوي هذا، وهو أكبر داعية إلى التنابز بالألقاب لكنّه ينكر ذلك الآن لافتضاح أمره . ومن أراد التحقق من حقيقة جهله وحماقته وضلاله فليراجع ردنا عليه في مراجعاته هذه تجد الأمثلة الكثيرة الوافرة- بحمد الله- على ذلك. وأما من أراد التحقق من حقيقة تعصبه وحقده على أهل السّنّة وأئمتهم ونبزهم إياهم بألقاب السوء فليراجع كتابيه (أبوه هريرة) و(المجالس الفاخرة).(64/340)
وكل ما وصف به أهل البيت أو عليّاً من تلك العبارات إنما هي افتراءات أخذها من الأحاديث المكذوبة التي لفقها أصحابهم الرافضة وقد بيناها هنا فلتراجع.
وتعقيب هذا الموسوي على قول حماد بن زيد: (و ما أظنه كان يكذب) فقال الموسوي (كأن الكذب من لوازم أولياء آل محمّد) نرد عليه بقولنا: إن كنت تعني بأولياء آل محمّد من هم على شاكلتك فنعم والله فإن الكذب من لوازمكم، ولا أدلّ على ذلك من كتاب (المراجعات) هذا بموضوعه الأصلي وبما احتوى من الكذب الصريح الذي بيناه مما لا يخطر على بال ومن لم يصدق فلينظر إلى تعقيباتنا، ثم قد نقلنا في صفحة (251-252) من أقوال أئمتكم في تكذيبكم ما لا يسعكم رده، فما عساكم تقولون؟
المنهال بن عمرو: صدوق ربما وهم، ولم أرَ أحداً زعم أنه شيعي غير هذا الموسوي الذي لا تطمئن النفس لادعاءاته. وقول الجوزجاني لم يرد به رد رواياته بل لبيان مذهبه وأنه سيئ المذهب، إن كان يعني به التشيع، والله أعلم. وهو جرح غير مقبول لما لم يكن عند المنهال هذا من الغلو ولا من الرفض ما يستوجب ردّ حديثه.
موسى بن قيس الحضرمي: قال الحافظ في (التقريب): صدوق، رمي بالتشيع إ. ه. فهو إذن من أصحاب البدعة الصغرى، ممن يقدم عليا على باقي الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من غير بغض لهم، وهو واضح من قوله الذي نقله هذا الموسوي في ترجمته حين سئل عن أبي بكر وعلي فقال: عليّ أحبّ إليّ، ولم يطعن بأبي بكر رضي الله عنه، فهذا لا يستوجب منه غلوّاً في الرفض.(64/341)
نفيع بن الحارث، أبو دأود: قال الحافظ في (التقريب): متروك وقد كذبه ابن معين إ. ه. فافترى هذا الموسوي على أهل السّنّة بتوثيق نفيع هذا, مع أنه لم ينقل قبوله ولا توثيقه عن أحد علماء هذا الشأن فنعوذ بالله من الكذب والإفتراء الذي يزأوله هذا الموسوي، ويبدو أنه لا بضاعة له غيرها. أما نفيع هذا فقد ضعفه وتركه البخاري والدارقطني والنسائي وأبو حاتم وأبو زرعة والدولابي، وكذبه ابن معين والساجي، وقال ابن حبّان: يروي عن الثقات الموضوعات لا يجوز الإحتجاج به إ. ه. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على ضعفه، وكذبه بعضهم وأجمعوا على ترك الرواية عنه إ. ه. فليسمع أصحاب هذا الموسوي ولينظروا إلى ما فعل صاحبهم من الإفتراء والكذب الذي لا يخطر على بال أحد أن مؤلفاً يحترم نفسه يقع في مثله. وأما الترمذي فلم يحتج به كما افترى هذا الموسوي، بل روى له فقط ولا يعد ذلك توثيقاً ولا إحتجاجاً به ولا قبولاً له كما هو معلوم عند أهل هذا الشأن، لذا نرى الترمذي نفسه قد صرح بضعف نفيع هذا في (جامعه) (3/370) وضعف حديثه أيضاً.
نوح بن قيس: صدوق رمي بالتشيع، كما قال الحافظ فهو إذاً من أهل البدعة الصغرى، لم يكن عنده غلو مذموم، وقد قدمنا حال أمثاله.(64/342)
هارون بن سعد العجلي الكوفي: قال الحافظ في (التقريب): صدوق رمي بالرفض ويقال رجع عنه إ. ه. فحتى على فرض عدم رجوعه عنه فهو من أدلّ الدلائل على إنصاف أهل السّنّة وتحرّيهم للحق والصدق إذ لم يحملهم هذا الاتهام لهارون على عدم إخراج حديثه، مثل ما فعله الإمام مسلّم إذ أخرج حديث هارون هذا في صحيحه، مع خلو مذهب الرافضة من أي إنصاف لأهل السّنّة، لأن حالهم- كحال جميع أهل الأهواء- لا يكتبون إلاّ ما لهم بخلاف أهل العلم- وهو حال أهل السّنّة- فإنهم يكتبون ما لهم وما عليهم كما قاله الإمام عبد الرحمن بن مهدي، ونقل الحافظ في ترجمة هارون من (التهذيب) عن ابن قتيبة- أنه أنشد شعراً لهارون، هذا يدل على نزوعه عن الرفض لذا لم يعده ابن قتيبة- من الرافضة ولا من الشيعة حين ذكرهم في كتابه(المعارف)، وأيضاً هذا هو السبب الذي من أجله أعرض هذا الموسوي عن الاستشهاد بابن قتيبة هنا بخلاف صنيعه في باقي التراجم ومما يدل على عدم غلو هارون هذا ما صرح به الإمام الذهبي في هارون من (تاريخ الإسلام) (الجزء السابع من المطبوع) (ص316) فقال رداً على قول ابن حبّان عن هارون: كان غالياً في الرفض، قال (قلت: لم يكن غالياً في رفضه فإن الرافضة رفضت زيد بن علي وفارقته) إ. ه.
هاشم بن البريد: ثقة إلا أنه رمي بالتشيع كما قال الحافظ في (التقريب)، وحاله كحال ولده علي فيما قدمناه (برقم 68) مع ملاحظة أن هاشماً هذا أوثق من ولده أولاً، وتشيعه أقل من ذلك ثانياً، إذ لم يحفظ عنه من المنكرات ما يدل على غلوه، وقد صرح بذلك الإمام أحمد بن حنبل كما في ترجمة هاشم من (التهذيب) فقال: (وفيه تشيع قليل). .(64/343)
هبيرة بن يَرِيم الحميري: لا بأس به كما قال الحافظ، وقد أقر هذا الموسوي بما نقله من (الميزان) بتضعيف بعض أهل العلم بالجرح والتعديل له، فانظر إلى من وصفه بأنه صاحب عليّ رضي الله عنه ونظير الحارث في ولائه، ومع ذلك فقد قدحوا فيه، وهو وإن كان جرحهم لا يؤخذ مطلقاً إلا أنه يدل على أن فيه كلاماً يمنع من الأخذ بحديثه فيما خالف به من الثقات الحافظين وهو ليس منهم قطعاً، هذا أولاً . وثانياً: مع حاله هذا فإنّه عيب عليه التشيع، مما يمنع قبول حديثه فيما يخص بدعته هذه، كما قد قررناه من قواعد هذا العلم الشريف . . .
هشام بن زياد، أبو المقدام البصري: قال الحافظ في (التقريب): متروك، وقال الذهبي حين ذكره في (الكنى): تالف وحين ذكره في الأسماء قال: (ضعفه أحمد وغيره، وقال النسائي: متروك. وقال ابن حبّان يروي الموضوعات عن الثقات، وقال أبو دأود: كان غير ثقة، وقال البخاري: يتكلمون فيه) كل هذا في (الميزان) لكن لم يره هذا الموسوي فيما يبدو، وصدق الله العظيم إذ يقول: {لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون}.
وقد ساق الحافظ في ترجمته من (التهذيب) أقوال أهل العلم بتضعيفه وترك حديثه ورده أكثر من هذا وعن آخرين غيرهم، وقد ضعفه الترمذي نفسه الذي روى له- وليس هو توثيقاً له ولا إحتجاجاً به كما زعم هذا الموسوي- فقال (4/47): (هشام أبو المقدام يضعّف). وهذا قال مع تساهله المعروف، فمن أين زعم هذا الموسوي توثيقه عند أهل السّنّة وإحتجاجهم به حتى يورده ضمن هؤلاء الرواة المئة؟(64/344)
هشام بن عمار بن نصير: لم يعده من الشيعة سوى ابن قتيبة، ولا أظنه يثبت إذ لم يتابعه على هذا أحد من أهل العلم. لكن هشاماً هذا عنده مناكير بسبب كبره واختلاطه فكان يلقن الحديث فيحدث به، كما هو مفصل في ترجمته من (الميزان) و(التهذيب)، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق مقرئ كبر فصار يلقن فحديثه القديم أصح) إ. ه. وممن أثبت تغيره وحاله هذا أبو حاتم وعبد الله بن محمّد بن سيار الفرهياني، وقال أبو دأود: حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها، وأثبت له الذهبي منكرات. من أجل هذا لم يكثر البخاري من الأخذ عنه بل أنتقى منها ما صح وما ثبت أنه من غير تلقين، فلم يخرج له سوى حديثين اثنين بمتابعة قاصرة، وعلق له في (الأشربة) حديثاً واحداً، كما بينه الحافظ في (هدي الساري) (ص625- 626)، وأحاديثه الثلاثة هذه في (صحيح البخاري) في كتاب (البيوع) و(كتاب الأشربة) و(كتاب فضائل أصحاب النبي صَلّى الله عليه وسلّم) لا غيرها. لكن القارعة على هذا الموسوي وأصحابه- والتي أخفاها عمداً هذا الموسوي- أن البخاري قد روى لهشام هذا في واحد من تلك الأحاديث الثلاثة حديثاً في فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه في (كتاب فضائل أصحاب النبي صَلّى الله عليه وسلّم)و هو الذي أشار إليه الموسوي نفسه، وهو حديث يبين بُعد هشام هذا عن التشيّع، أو على الأقل يبين أنه مع تشيعه فإنّه يقدم أبا بكر رضي الله عنه، فإن كان هذا الموسوي يدعي أن هشاماً هذا ثقة عنده لأنه شيعي فليحتج به إذن وليقبله في هذا الحديث عند البخاري (5/6) عن أبي الدرداء رضي الله عنه في حديث طويل، فيه أن النبي صَلّى الله عليه وسلّم قال يدافع عن أبي بكر رضي الله عنه: (إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها) إ. ه. فهذا فضل لأبي بكر رضي الله عنه لا يدانيه فضل أهل بيت ولا عترة ولا أبي تراب ولا غيره، رضي الله عنهم أجمعين.(64/345)
وأما ما ذكره هذا الموسوي من موافقة هشام هذا لغيره من الشيعة في قوله أن ألفاظ القرآن الكريم مخلوقة لله تعالى، فينبغي لنا أن نقف هنا عنده وقفة ولو قصيرة لبيان مجمل أمور:
الأمر الأول: أن هشاماً لم يكن يقول بخلق ألفاظ القرآن جملة، بل أنه قال: (لفظ جبريل ومحمّد عليهما السّلام بالقرآن مخلوق) كما نص عليه الذهبي فيما نقله في ترجمة هشام من (الميزان) ومنه نقله هذا الموسوي فدلس تدليساً شنيعاً، إذ القول بأن ألفاظ القرآن مطلقاً مخلوقة هو كالقول بخلق القرآن صراحة، وهو الذي ذهبت إليه الشيعة الرافضة، أما قول هشام وهو أن لفظ المخلوقين بالقرآن مخلوق فهو وإن كان منكراً وشنيعاً وباطلاً ومردوداً إلا أنه غير الأول فهو أخف منه كما سنبينه إن شاء الله.(64/346)
الأمر الثاني: أن قول هشام بن عمار هذا لو كان نفسه قول الشيعة الرافضة والذي أخذوه من إخوانهم المعتزلة لكان ذلك كافياً في جرح هشام وإسقاط عدالته بالكلية، إذ أن أهل السّنّة كلهم من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من السلف والخلف متفقون على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، كما قال ابن أبي العزّ في (شرح العقيدة الطحأوية) (176)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- (مجموع الفتأوى) (12/504)-: (و أئمة الدين كلهم متفقون على ما جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة من أن الله كلم موسى تكليماً وأن القرآن كلام الله غير مخلوق). وقال أيضاً- (المجموع) (12/531)-: (لكن هؤلاء الطوائف كلهم متفقون على تضليل من يقول أن كلام الله مخلوق والأمة متفقة على أنّ من قال كلام الله مخلوق لم يكلّم موسى تكليماً يُستتاب فان تاب وإلاّ يُقتل) . وهاهو الحافظ أبو القاسم الطبري المعروف باللالكائي قد ذكر في كتابه (شرح أصول إعتقاد أهل السّنّة والجماعة) من قال إن القرآن كلام الله غير مخلوق ثم قال عقبه (ص312): (هؤلاء خمسمائة وخمسون نفساً أو أكثر من التابعين والأئمة المرضيين سوى الصحابة على اختلاف الأعصار ومضيّ السنين والأعوام وفيهم نحو من مئة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا بمذاهبهم، ولو اشتغلت بنقل قول أهل الحديث لبلغت أسماؤهم ألوفا لكنّي اختصرت فنقلت عن هؤلاء عصراً بعد عصر لا ينكر عليهم منكر، ومن أنكر قولهم إستتابوه أو أمروا بقتله أو نفيه أو صلبه) إ. ه. ثم رواه اللالكائي في كتابه ذلك (370، 371) من طريقين عن علي رضي الله عنه نفسه بأن القرآن غير مخلوق ورواه أيضاً البيهقي في (الأسماء والصفات) (ص243)، وهو حجة قاطعة على الشيعة ولله الحمد. وكذا رواه عن ابن عباس رضي الله عنهما اللالكائي أيضاً (378، 379)، وعبد الرزاق في (المصنف) (15946، 15947، 15950)، والبيهقي في السنن (10/43) عن ابن مسعود رضي الله عنه. وعبد الرزاق هذا قد ذكره هذا(64/347)
الموسوي أيضاً، ضمن هؤلاء الرواة المئة.
وقال شيخ الإسلام- (مجموع الفتأوى) (12/506)-: بل اشتهر عن أئمة السلف تكفير من قال القرآن مخلوق وأنه يستتاب فإن تاب وإلاّ قتل) ثم نقله عن مالك بن أنس والشافعي، وأحمد بن حنبل، وهو- أعني تكفير من قال القرآن مخلوق- قول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وإسماعيل ابن ادريس وأبو عبيد القاسم بن سلام وسليمان بن دأود الهاشمي وإسحاق ابن راهويه ووكيع بن الجراح وغيرهم كثير، انظر لأقوالهم ما رواه البخاري في رسالة (خلق أفعال العباد) ضمن كتاب (عقائد السلف) (ص119-123)، وما ساقه منها شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتأوى) (12/505-517)، وانظر كذلك ما سيأتي في ترجمة وكيع بن الجراح الذي ذكره هذا الموسوي نفسه.
ونقل شيخ الإسلام في (كتاب الرد على الطوائف الملحدة) ضمن (الفتأوى الكبرى) (6/523) عن علي بن عاصم أنه قال لرجل: (أتدري ما يريدون بقولهم القرآن مخلوق؟ يريدون أن الله تعالى لا يتكلم، وما الذين قالوا إنّ لله ولداً بأكفر من الذين قالوا إنّ الله لا يتكلم لأن الذين قالوا لله ولد شبهوه بالأحياء، والذين قالوا لا يتكلم شبّهوه بالجمادات) إ. ه.(64/348)
فإذن مذهب الشيعة الرافضة أن القرآن مخلوق، وحكم أهل العلم عليهم كحكمهم على غيرهم ممن وافقهم في مقالتهم الباطلة هذه، أما هشام بن عمار فلم يقل ذلك بل قال: (لفظ المخلوق بالقرآن مخلوق) وهو دون قول المعتزلة والرافضة لكنّه باطل أيضاً، لذا لم يكفّره الإمام أحمد بن حنبل بل اكتفى بتجهيمه أي أن عنده نوع من بدعة الجهمية، ولو كان قوله كقول المعتزلة والرافضة بأن القرآن مخلوق لكفره أحمد بن حنبل وباقي علماء الأمة ممن نقلنا قولهم، ولأسقطوا عدالته وما احتجوا به. وليس هذا موضع بسط الكلام على مسألة خلق القرآن وبيان بطلان من قال به، بل نكتفي بما ذكرناه من أقول أئمة الدين في ذلك وحكمهم فيمن خالفهم فيها، ومن أراد التفصيل فدونه ما كتبه علماء أهل السّنّة والجماعة في ذلك ففيها القول الفصل الشافي إن شاء الله تعالى.
الأمر الثالث: إن قول هشام بن عمار هذا يشبه تماماً ظاهر كلام الإمام أبي حنيفة رحمه الله في (الفقه الأكبر) (ص47-50) فإنّه قال: (و القرآن كلام الله في المصاحف مكتوب وفي القلوب محفوظ وعلى الألسن مقروء وعلى النبي صَلّى الله عليه وسلّم منزل، ولفظنا بالقرآن مخلوق وكتابتنا له مخلوقة وقراءتنا له مخلوفة والقرآن غير مخلوق . . . كلام الله غير مخلوق وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق والقرآن كلام الله لا كلامهم) إ. ه. وقد نقله أيضاً ابن أبي العز في (شرح العقيدة الطحأوية) (176-177). وهذا كله طبعاً يخالف قول المعتزلة وأفراخهم الشيعة الرافضة القائلين بخلق القرآن صراحةً ولم يكن هشام بن عمار منهم إطلاقاً
بل قوله داخل ضمن أقوال أهل السّنّة لا يكفر به بلا شك بخلاف قول المعتزلة والشيعة الرافضة كما قلناه. , والله الموفق للصواب.(64/349)
هشيم بن بشير: لم يعده أحد من رجال الشيعة غير ابن قتيبة ولا أظنه يثبت لما قدمناه من حال ابن قتيبة، ثم أن الجوزجاني المعروف بتحامله الشديد على من عنده تشيع ولو قليل مع ذلك أثنى على هشيم هذا وقال: هشيم ما شئت من رجل. وإن صح أن عنده تشيع فمن المؤكد أنه من غير غلو ولا تحامل، فليس عنده من المنكرات في ذلك شيء.
وكيع بن الجراح: ثقة حافظ عابد، لا تصح نسبة الرفض إليه مطلقاً بل كان عنده تشيع قليل فقط كما نص عليه ابن المديني فيما نقله الذهبي في (الميزان) إذ صرح بقلة تشيعه، وهو الذي أخفاه هذا الموسوي، أما الرفض فلا، ولو ثبت لكان من قوادح وكيع هذا. ألا ترى ان ابن معين قد رد على مروان بن معاوية لمّا اتهم وكيعاً بالرفض، وهذا نقله هذا الموسوي نفسه وهو أكبر دليل يقر به- من غير أن يعلم- ببعد وكيع عن الرفض. وهو في خفة تشيعه وقلته كالحسن بن صالح المشار إليه هذا والذي تقدمت ترجمته في موضعها.
وبمناسبة ذكر مذهب الشيعة من قولهم بأن القرآن مخلوق قبل قليل ذكر الحافظ الذهبي في ترجمة وكيع من (تذكرة الحفاظ) (1/306) عن وكيع أنه قال: (من زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر) . فحال هذا الموسوي وأصحابه إما أن يتبرؤا من تشيع وكيع ويطعنون به فلا يبقى لهم حجة به بعد ذلك على أهل السّنّة، وإما أن يتبرؤا من قولهم الضال الكفر هذا.
وقد نقل الحافظ في (التهذيب) عن ابن معين أنه قال أن وكيعاً كان يفتي بقول أبي حنيفة الإمام رحمه الله ورضي عنه، ولو كان وكيع شيعياً بحتاً أو مغالياً لأفتى بقول أئمة العترة كما هو معروف.(64/350)
يحيى بن الجزار العرني: قال الحافظ في (التقريب): صدوق رمي بالغلو في التشيع إ. ه. قلت: وليس عنده من ذلك من المنكرات ما يوصله إلى الرفض المذموم المردود، فهو داخل في أهل البدعة الصغرى كما بيناه . وقول هذا الموسوي عنه: (صاحب أمير المؤمنين عليه السّلام)، قول بلا دليل بل هناك ما يرده إذ نفى الإمام أحمد بن حنبل أن يكون يحيى هذا قد سمع من عليّ رضي الله عنه شيئاً فيما نقله الحافظ في (التهذيب)، وابن أبي الحجاج- وهو ممن تخيله هذا الموسوي من الشيعة- نفى أن يكون يحيى هذا قد سمع من عليّ رضي الله عنه غير ثلاثة أحاديث فقط، فراجع ترجمته من (التهذيب) (11/191-192).
يحيى سعيد القطان: إمام متقن حافظ ؛ ولم يثبت تشيعه ولم يصفه بذلك سوى ابن قتيبة وهو غير صائب، نظير اتهام شعبة وسفيان الثوري بالتشيع.
وقد نقل الحافظ الذهبي في ترجمته من (تذكرة الحفاظ) (1/298) ما يدل على بعده عن مذهب الشيعة، مثل قوله: (من قال أن "قل هو الله أحد" مخلوق فهو زنديق) يعني الذين يقولون بخلق القرآن، وقد حشر الموسوي نفسه معهم فشأنه وما أراد، ولسنا نصفه بذلك بل هذا وصف أئمةٍ ورجالٍ قد ارتضاهم هو نفسه. وأكبر من ذلك ما نقله الذهبي في ترجمته هناك عن أبي قدامة السرخسي قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: (كل من أدركت يقولون الإيمان قول وعمل ويُكفّرون الجهمية ويقدّمون أبا بكر وعمر) إ. ه. فهذا يبين مذهب يحيى بن سعيد القطان أولاً، ومذهب كل علماء الأمة وسلفها وأنهم كانوا أبعد ما يكونون عن التشيع والرفض، وأن التشيع لم يكن إلا منبوذاً لوضوح بطلانه وضلاله، فها هو يحيى بن سعيد القطان- الذي يثق به هذا الموسوي- صرح بكل وضوح بمذهب كل من أدركه، وقد أدرك هو- والحمد لله- خلقاً كثيرين بالمئات من شيوخه يقولون بهذا ألا يدل هذا على نبذهم للتشيع وبعدهم عنه؟(64/351)
يزيد بن أبي زياد الكوفي: قال الحافظ في (التقريب): ضعيف، كبر فتغير، صار يلقن، وكان شيعياً إ. ه. وكذا ضعفه لسوء حفظه الذهبي في (الميزان)، ونقلا- هو والحافظ ابن حجر- تضعيفه عن كل من ابن معين وابن المبارك وأحمد بن حنبل والنسائي والدارقطني وابن عدي وأبي حاتم، وقال أبو زرعة: يكتب حديثه ولا يحتج به، وضعفه غيرهم أيضاً، وهو جرح مفسر مبين السبب وهو سوء حفظه أولاً ثم اختلاطه عند كبره ثانياً، وهو ما نرد به سفاهة قول هذا الموسوي: (فقد تحاملوا عليه) إذ أنهم اتفقوا على ضعف حفظه واختلاطه لا تحاملاً كما يقول الحمقى. ثم إنّ يزيداً هذا ليس من رجال مسلّم المحتج بهم، بل أخرج له مسلّم مقروناً بغيره كما صرح به الذهبي في (الميزان) .
ثم رأيت الذهبي قد ذكره في (تاريخ الإسلام) (الجزء السادس من المطبوع) (ص564-565) وقال عنه: (و كان محدثاً مكثراً شيعياً ليس بحجة) ثم نقل تضعيفه عن ابن معين وأحمد وغيرهما.
وأما الحديث الذي ذكره في دعاء النبي صَلّى الله عليه وسلّم على معاوية وعمرو بن العاص- رضي الله عنهما- فلا شك أنه من منكرات يزيد هذا كما عدّه الذهبي في (الميزان) وقال: غريب منكر. فلا يمكن لهذا الموسوي أن يحتج به وهو ينقله من (الميزان) ويقرأ قول الذهبي عنه ثم يعرض عن هذا، أليس هذا تحكماً محضاً عارياً عن الأمانة ؟ وهذا الحديث روى عن ابن عباس وعن أبي برزة، وكلاهما لا يثبت.
أما حديث ابن عباس فقد أخرجه الطبراني في (الكبير) (10970) وفي إسناده عيسى بن سوادة النخعي، قال ابن معين- فيما نقله الذهبي في (الميزان): (كذاب) وكذّبه أيضاً الهيثمي في (مجمع الزوائد) (8/121) فسقط بذلك حديث ابن عباس بالكلية والحمد لله .(64/352)
وأما حديث أبي برزة فقد اخرجه الإمام أحمد (4/421)، والبزار وأبو يعلى- (مجمع الزوائد) (8/121)- بالإسناد الذي ساقه الذهبي في (الميزان) بزيادة رأو هو أبو هلال بين أبي برزة وبين سليمان بن عمرو بن الأحوص، وهو من رواية يزيد بن أبي زياد هذا عن سليمان به، ولكن ليس فيه التصريح بذكر معاوية وعمرو بن العاص بل قد أبهم فيه اسميهما وقال: (فلان وفلان) فلا حجة فيه عليهما أولاً، ولا يمكن القول بتقوية ذكرهما بحديث ابن عباس السابق لما قدمنا أن في إسناده كذّاباً ثانياً، وثالثاً ضعف إسناده وعدم ثبوته بسبب ضعف يزيد بن أبي زياد هذا واختلاطه مع ما عنده من قبول التلقين فيما بيناه سابقاً، وهو مما لقن بلا شك لوجود رواية أخرى لهذا الحديث من طريق آخر عن شقران مولى رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم، رواها ابن قانع في (معجمه)- (تنزيه الشريعة) (2/16)- وفيها تسمية الرجلين بأنهما معاوية بن رافع وعمرو بن رفاعة بن التابوت، قال ابن عراق الكناني معقباً عليها: (و هذه الرواية أزالت الإشكال وبينت أن الوهم وقع في الحديث الأول في قوله: ابن العاص، وإنما هو ابن رفاعة وكان أحد المنافقين، وكذلك معاوية بن رافع كان أحد المنافقين) إ. ه. وقد عدّ هذا الحديث في (الموضوعات) غير واحد كابن الجوزي والسيوطي وغيرهما.(64/353)
أبو عبد الله الجدلي: قال الحافظ في (التقريب): ثقة رُمي بالتشيّع إ. ه. قلت: فهو لم يكن من المغالين في ذلك الواصلين إلى الرفض المردود، إذ لم ينقل عنه من ذلك ما ينكر، إضافة إلى أنه قد روى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وعن خير ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، مما يدل على عدم غلوّه في تشيّعه، وإلاّ لما روى عنهما بل لأبغضهما كما تفعل الشيعة اليوم، راجع ترجمته من (التهذيب) ونقل الحافظ هناك قصة دفاعه عن محمّد بن علي بن أبي طالب- وهو محمّد ابن الحنفية- وبين أنها السبب في رمي عبد الله الجدلي هذا بالتشيع، إذ قال: (فمن هنا أخذوا على أبي عبد الله الجدلي هذا بالتّشيّع، إذ قلت: يعني التشيّع- لأنه كان في ذلك الجيش ولا يقدح ذلك فيهما إن شاء الله تعالى) إ. ه. ومما يؤكد عدم غلوّه في مذهب الشيعة ما رأيت له مما رواه من الأحاديث ما أخرجه الترمذي (1/97) . وأيضاً أبو دأود (157) بالإسناد إلى عبد الله الجدلي هذا عن خزيمة بن ثابت عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم أنه سئل عن المسح على الخفين فقال: (للمسافر ثلاثاً، وللمقيم يوماً) إ. ه. وقد مرّ ذكره في ترجمة الحكم بن عتيبة. وهو يخالف تماماً ما عليه مذهب الشيعة اليوم من نفيهم المسح على الخفين مع أنه من رواية من يرضون من الرواة، في الوقت الذي يمسحون على أرجلهم مخالفين بذلك نصّ القرآن الكريم وصريح السنة وصحيحها، وليس هذا موضع بسطه.(64/354)
هذا ما أردت بيانه من حال هؤلاء الرواة المئة الذين ترجم لهم هذا الموسوي وزعم أنهم من الرافضة وأنهم محتج بهم عند أهل السّنّة، وفيما قدمنا من حال كل واحد منم ما يبين زيف كلامه وكذبه، إذ تبين أن حوالي نصفهم ليسوا من غلاة الشيعة الذي وصل بهم الغلوّ إلى الرفض المذموم المردود، بل لا يتعدّى حالهم حال أصحاب البدعة الصغرى الذي يقبل خبرهم فيما لا يدخل في بدعتهم وهي التشيّع، والتفصيل فيما قدمنا من الكلام عليهم وبينا أنهم من الذين يقدمون الصحابة وبالأخص أبا بكر وعمر . والنصف الباقي من هؤلاء الرواة منهم من لم يثبت تشيّعه إطلاقاً أو عندهم فيما نقلناه في تراجمهم ما يخالف مذهب الشيعة تماماً، وأغلبهم من الكذابين أو المتّهمين أو المتروكين أو الضعفاء الذين لا يحتجّ بحديثهم وإن قيل أنهم من الشيعة أو الرافضة فهؤلاء لم يوثقهم أحد من أهل السّنّة فلا حجة لهذا الموسوي بإيرادهم وقد رددنا عليه في ذلك وفصّلناه والحمد لله، ثم قوله: (و أظن المعترضين سيعترفون بخطئهم فيما زعموه من أن أهل السّنّة لا يحتجّون برجال الشيعة وسيعلمون أن المدار عندهم على الصدق والأمانة بدون فرق بين السّنّي والشّيعي)، يدل دلالةً واضحة على ما نقلناه، فقد أنطقه الحقّ- والحقّ ينطق منصفاً وعنيداً- في بيان إثبات إنصاف أهل السّنّة وتحرّيهم الحقّ والصدق أينما كان، في الوقت الذي يخلو فيه-كما قلنا- مذهب هؤلاء الشيعة من أي إنصاف لأهل السّنّة حتى على وجه المجاملة، بل عندهم من الطعن والسّبّ والبغض لأئمة أهل السّنّة ما يعلمه كل من طالع كتبهم الأصول. ثم إنّ ما اعترف به هذا الموسوي دليل عليه وحجة عليه بما عند أهل السّنّة مما رووه في كتبهم حين قرر هو أن المدار عندهم على الصدق والأمانة بدون فرق بين السّنّي والشّيعي، ثم يناقض نفسه بعدم الأخذ بما في كتب أهل السّنّة من الأحاديث والروايات، أليس هذا عجيباً ؟ نقول: لا عجب إذا استحضرنا ما عند هذا(64/355)
الموسوي من العصبية المذمومة وتحكيم الهوى، بل والتزييف والكذب.
المراجعة (17) س:
لفّق على شيخ الأزهر كلاماً مفاده أنه مصدق بكل الأدلّة التي وردت في المراجعة الماضية وأن لا مانع لأهل السّنّة من الاحتجاج بثقات الشيعة، ثم نسب إليه أيضاً إيمانه بآيات أهل البيت لكنّه (أي شيخ الأزهر) حار في الجمع بينها وبين ما عليه أهل القبلة (من أهل السّنّة).
المراجعة (18) ش:
زعم أن العدول عن أهل البيت في فروع الدين ليس إلاّ جزء من العدول عن إمامتهم العامة، بعد ثبوت النص بها على خلافة عليّ رضي الله عنه بعد النبي صَلّى الله عليه وسلّم، ثم من بعده دريّته.
الرد على المراجعة (18):
نقض دعواه هذه إجمالياً.
بيان أصل القول بوصاية عليّ وخلافته للنبي صَلّى الله عليه وسلّم وأنه من صنيع اليهودي ابن سبأ باعتراف أئمة الشيعة أيضاً.(64/356)
قوله في الفقرة الثالثة من هذه المراجعة: (و إنما عدل عن أهل البيت في فروع الدين وأصوله ساسة الأمة وأولياء أمورها منذ عدلوا عنهم بالخلافة فجعلوها بالاختيار مع ثبوت النص بها على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) خرافة لا أساس لها من الصحة، نسجها لهم اليهودي الماكر عبد الله بن سبأ على منوال وصية موسى ليوشع بن نون، وهذا ثابت مستقر- بحمد الله- عند أهل السّنّة، وقد اعترف به أيضاً رجال من أئمة الشيعة مثل الكشي- وقد قدمنا حاله وحال كتابه في مقدمتنا- قال في كتابه (رجال الكشي) (ص101)- مؤسسة الأعلمي بكربلاء-: (و ذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلّم ووالي علياً عليه السّلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلوّ، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم في عليّ مثل ذلك، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة عليّ وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفّرهم، ومن هنا قال من خالف الشيعة أنّ أصل التشيّع والرفض مأخوذ من اليهودية) إ. ه. ونقل المامقاني إمام الجرح والتعديل مثل هذا عن الكشي في كتابه (تنقيح المقال) (2/184) (إيران). وإمام آخر من ائمتهم وهو النوبختي يقول في كتابه (فرق الشيعة) (ص44) (المطبعة الحيدرية بالنجف 1379ه) عن عبد الله بن سبأ هذا: (و هو أول من أشهر القول بفرض إمامة عليّ عليه السّلام)إ. ه. وذكر مثل هذا أيضاً مؤرخ شيعيّ في مجموعة تاريخ شيعي (روضة الصفا) (2/292) (إيران) أن ابن سبأ بعد أن رسخ قدمه في مصر بدأ يروّج مذهبه ومسلكه، قال: (و منه أنّ لكل نبيّ وصيّاً وخليفةً فوصيّ رسول الله وخليفته ليس إلاّ علياّ المتحلّي بالعلم والفتوى والمتزيّن بالكرم والشجاعة والمتصف بالأمانة والتقى، وقال: إن الأمة ظلمت عليّاً وغصبت حقّه، حق الخلافة والولاية، ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته، وخلع طاعة عثمان وبيعته) إ. ه. وهو نظير قول هذا الموسوي(64/357)
هنا تماماً، ومنه يعلم تأثير اليهود في الرافضة هؤلاء. وأما دعوى وجود أحاديث تدل على ذلك فهي دعوى باطلة سنبينها إن شاء الله تعالى خلال ردنا على ما زعمه هذا الموسوي فيها في المبحث الثاني من كتابه هذا. .
المراجعة (19): س:
شيخ الأزهر يصرّح بأن اتباع مذهب الشيعة أولى من غيرهم (رغم بطلان هذا فيما سبق).
إلتماس شيخ الأزهر النّصّ بخلافة عليّ للنبي صَلّى الله عليه وسلّم.
المراجعة (20): ش:
إشارة إجمالية إلى كون عليّ وزير رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم في حياته.
ذكر ما أسماه بنص الدار يوم الإنذار، ومخرجوه من أهل السّنّة.
الرد على المراجعة (20):
نقض ادعائه بوزارة عليّ للنبي صَلّى الله عليه وسلّم وبيان أن أحق الناس بذلك الوصف هو أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
بيان كذب الحديث المزعوم والمسمى بنص الدار يوم الإنذار رغم كثرة من رواه.(64/358)
قوله في الفقرة الأولى من هذه المراجعة: (إن من أحاط علماً بسيرة النبي صَلّى الله عليه وآله وسلّم في تأسيس دولة الإسلام. . . يجد علياً وزير رسول الله في أمره . . . إلى آخر كلامه) باطل مردود منبعه من العصبية والتحكم المحض العاري عن الدليل، فأين علي من أبي بكر الصديق رضي الله عنه صاحب رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم وخليفته إذا غاب في حياته وبعد موته رغم أنف المبطلين. وكان أبو بكر الصديق بحضرة النبي صَلّى الله عليه وسلّم يفتي ويأمر وينهى ويقضي ويخطب كما كان يفعل ذلك إذا خرج هو ورسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يدعو الناس إلى الإسلام ولما هاجرا جميعاً ويوم حنين وغير ذلك من المشاهد والنبي صَلّى الله عليه وسلّم ساكت على ذلك ويرضى بقوله، ولم تكن هذه المرتبة لغيره وكان النبي صَلّى الله عليه وسلّم في مشأورته لأهل العلم والفقه والرأي من أصحابه يقدم في المشورة أبا بكر وعمر فهما اللذان يتقدمان في الكلام والعلم بحضرة الرسول صَلّى الله عليه وسلّم على سائر أصحابه مثل قصة أسارى بدر وغير ذلك. وأيضاً فأبو بكر وعمر كان اختصاصهما بالنبي صَلّى الله عليه وسلّم فوق اختصاص غيرهما,و كان أبو بكر أكثر اختصاصاً فإنّه كان يسهر عنده عامة الليل يحدّثه في العلم والدين ومصالح المسلّمين كما ثبت ذلك عن عمر رضي الله عنه: (كان رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يسهر عند أبي بكر في أمور المسلّمين وأنا معه)- أخرجه الإمام أحمد (1/26، 34) والترمذي (1/153- 154)- . .(64/359)
وفي سفر الهجرة لم يصحب غير أبي بكر، ويوم بدر لم يبقَ معه في العريش غيره، وقال صَلّى الله عليه وسلّم: (إن أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر. ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً) وهذا من أصحّ الأحاديث المستفيضة في الصحاح من وجوه كثيرة رواه من الصحابة أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وأبو المعلّى وعبد الله بن الزبير وغيرهم- أنظر (مستند الإمام أحمد) (1/270، 359، 377، 389، 409، 412، 433، 434، 437، 439، 455، 463) (2/ 253، 366) (3/18، 478) (4/5، 4، 211-212),(صحيح مسلّم) (4/1854-1855، 1856)، (سنن الترمذي) (4/308، 309، 310)، (سنن ابن ماجة) (93، 94)- وبعض هذه الطرق جاءت ممّن عنده تشيّع وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك خلال استعراضنا لتراجمهم مثل سليمان بن مهران الأعمش وعبد الرزاق الصنعاني وأبي إسحاق السبيعي وغيرهم وقد روى هذا الحديث صحابة آخرون ليس هذا موضع استقصائه.(64/360)
وبمناسبة ذكر الرواة المتشيّعين- أو الذين عندهم تشيّع- فإن حديث عمر السابق في سهر النبي صَلّى الله عليه وسلّم عند أبي بكر في مصالح المسلّمين، قد جاء من طريق رواة متشيّعين أقرّ بذلك الموسوي نفسُه حين ذكرهم ضمن الرواة المئة السابقين، إذ رواه عن عمر رضي الله عنه علقمة بن قيس النخعي، وقد أقرّ بثقته وتشيّعه هذا الموسوي حين ذكره برقم (60) ورواه عن علقمة إبراهيم بن يزيد النخعي، وهو متشيع أيضاً ذكره هذا الموسوي برقم (2)، ورواه عن إبراهيم سليمان بن مهران الأعمش، وله ذكر عند هذا الموسوي برقم (39). ورواه عن الأعمش أبو معاوية الضرير وهو محمّد بن خازم، ذكره أيضاً هذا الموسوي برقم (77). وانظر إسناده هذا الذي ذكرناه عند الترمذي (1/153-154) وكذا مسند الإمام أحمد (1/26، 34). فلا حجة لهذا الموسوي ولا لأصحابه- والحمد لله- برد هذا الحديث، بعد أن أظهر الله الحق وأزهق الباطل وقطع ألسنة هؤلاء الرافضة.(64/361)
وقد أقر عليّ رضي الله عنه نفسه باختصاص أبي بكر وعمر بالنبي صَلّى الله عليه وسلّم أكثر من غيرهما وذلك فيما رواه الإمام أحمد (1/109، 112)، والبخاري (197)، ومسلّم (4/1859)، وابن ماجة (98) عن ابن عباس قال: (وضع عمر على علي سريره فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبَيَّ من ورائي فالتفتّ فإذا هو عليّ، وترحّم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحبّ إليّ أن ألقى الله عزّ وجلّ بعمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وذلك إني كنت كثيراً ما أسمع النبي صَلّى الله عليه وسلّم يقول جئت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت أرجو أن يجعلك الله معهما) إ. ه. وكذلك سؤال أبي سفيان يوم أحد- لما أصيب المسلّمون- عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه أبي بكر وعمر فقط، فحتى الكفار كانوا يعلمون أن هؤلاء هم رؤوس المسلّمين؛ النبي صَلّى الله عليه وسلّم ووزيراه وإن قيام الدين بهؤلاء.
وكل هذا وأمثاله لا ينازع فيه أحد من أهل العلم بسيرة المصطفى صَلّى الله عليه وسلّم وأقواله وأفعاله وأخلاقه، وإنما ينفي هذا أو يقف فيه من لا يكون عالماً بحقيقة أمور النبي صَلّى الله عليه وسلّم وان كان له نصيب من كلام أو فقه أو حساب أو غير ذلك ومن يكون قد سمع أحاديث مكذوبة تناقض هذه الأمور المعلومات بالإضطرارا عند أهل العلم وسياتي لذلك تفصيل وبيان إن شاء الله تعالى.(64/362)
ثم ساق هذا الموسوي فيما تبقى من هذه المراجعة حديثاً في نزول قوله تعالى: {و أنذر عشيرتك الأقربين} وزعم أنه من صحاح السنن المأثورة، وهو قول كذب عند كل من كان عنده حظ من علم الحديث والأسانيد، وقد تقدم ذكره عند ذكر هذا الموسوي لهذه الآية (ص220-221) من ردّنا هذا. وبينا هناك ما صحّ من الآثار في نزول هذه الآية أولاً، وثانياً كذب هذه القصة ووضعها التي فصّلها هنا هذا الموسوي، وذلك من جهة إسنادها ومتنها فلتراجع، إذ هي من طريق كذاب أو متّهم بالكذب، أو ضعيف جداً متروك فلا يصح من ذلك شيء ولله الحمد، ولا نريد الإطالة بإعادة الكلام عليها هنا كما يفعل هذا الموسوي، ولا يغترن أحد بكثرة العزو في التخريج الذي ذكره هذا الموسوي فكلها ترجع إلى طريقين أو ثلاثة كما فصّلبناه في موضعه، مع ملاحظة أنه قد ذكر هنا مصادر التخريج بشكل قبيح، إذ يذكر المصدر لأكثر من مرة وبألقاب مختلفة ليوهم كثرة المصادر التي روته، من ذلك أنه ذكر ابن جرير أولاً ثم عاد فذكره مرةً ثانيةً وسمّاه الطبري في تفسيره وتاريخه وهو تكرار واضح وعمل قبيح يراد به التمويه للكثرة، وقد أشرنا إلى إخراج ابن جرير الطبري لهذه القصة في تفسيره عند الكلام عليها أولاً ونضيف هنا أنه رواها أيضاً في (تاريخه) (2/319، 321) من طريقين فقط لا أكثر بخلاف زعم هذا الموسوي، الأول منهما هو نفس الإسناد في تفسيره الذي تكلمنا عنه أولاً، والثاني هو نفس إسناد الإمام أحمد في مسنده الذي تكلمنا عليه أيضاً هناك فاستغنينا عن الإشارة إليه لوحدة الإسناد.
وهاك استعراض لكل من ذكرهم مع بيان موضع ذكرنا له:(64/363)
أما ابن إسحاق فقد ذكرنا إسناده في صفحة (224) ومثله ابن جرير- وهو الطبري- وابن أبي حاتم، وأما ابن مردويه وأبو نعيم فهو منقول من (كنز العمال)، ومثله الثعلبي بعد ذلك، والبيهقي في (سننه) و(دلائله) تقدم في (ص224- 225)، وأما بالنسبة لابن الأثير فقد ساق في كتابه (الكامل) (2/60) القصة الصحيحة الثابتة في نزول قوله تعالى {و أنذر عشيرتك الأقربين} التي ذكرناها في (ص222-223) وقد قدمها ابن الأثير على سائر الروايات مما يُشعر بأنه الصحيح عنده لا غيره كما هي عادته، ثم ساق في (2/62) هذه القصة المكذوبة من دون إسناد ولا تصحيح بل كعادتهم في استقصاء الروايات مع مراعاة تقديم الصحيح، فيكف تصحّ دعوى أنه أرسلها إرسال المسلّمات ؟ لا والله ما هكذا تكون الأمانة العلمية.
وأبو الفداء المذكور هو ابن كثير وقد تقدم ذكر ما ساقه من إسناد هذه القصة في تاريخه (البداية والنهاية) و(تفسيره) (ص224) أيضاً، أما أبو جعفر الإسكافي في (كتابه) (نقض العثمانية) فهو مجرد ناقل لا يروي بإسناد ولا يراعي صحةً ولا ثبوتاً فلا يصح العزو إليه، وكتاب الحلبي (السيرة) شأنه شأن كتاب ابن الأثير (الكامل) السابق ذكره. ثم سائر الباقين ؛ الطحأوي والضياء المقدسي وسعيد بن منصور مع أحمد بن حنبل كلهم قد رووا الرواية المختصرة لهذه القصة التي فيها فقط الخلافة في أهله صَلّى الله عليه وسلّم وهي خارج موضوع البحث كما قدمنا تفصيل الفرق بينهما في صفحة (226- 227) فليراجع.
وبهذا الإستعراض التفصيلي تبين دجل هذا المدعو عبد الحسين في محأولته تقوية القصة المكذوبة بكثرة المخرجين لها وإخفاء كونهم رووها- على كثرتهم- من طريق أو طريقين مكذوبين، والحمد لله على توفيقه.
المراجعة (21) س:
التشكيك في صحة سند نصّ يوم الدار.
المراجعة (22) ش:
سوقه لسند زعم أنه يخص تلك الحادثة.(64/364)
طعنه بالشيخين صاحبيّ الصحيح وبالأخصّ البخاري لعدم إخراجهم لهذا النصّ وأن لهم مذهباً معروفاً في كتمان العلم- كما زعم- واتهامه البخاري حتى في سريرته.
الرد على المراجعة (22):
كشف كذبه بأن السند الذي ذكره ليس للفظ الذي ساقه في المراجعة (20)، بل هذا اللفظ لم يصححه أحدٌ أبداً.
تبرئة صاحبي الصحيح مما اتهمهما به.
بيان أن أكثر الطوائف كتماناً للعلم والحق هم الرافضة أمثال هذا الموسوي.
زعم في أول كلامه في هذه المراجعة تصحيح أهل السّنّة لتلك القصة المكذوبة والتي فيها التصريح بنيل عليّ الولاية العامة، وهو باطل وكذب وما أشار إليه من تصحيح ابن جرير نقلاً من (كنز العمال) فعلى فرض ثبوته فان صاحب الكنز، وكذا في (منتخب الكنز) ذكرا تصحيح ابن جرير للرواية الثانية التي فيها قول النّبي صَلّى الله عليه وسلّم (من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون خليفتي في أهلي) دون الرواية الأولى والتي كذبها وأشار إلى ضعفها كثيرون منهم حتى صاحب الكنز الذي لم يشر إليه هذا الموسوي لانعدام الأمانة عنده تماماً. والرواية التي صححها ابن جرير فيها التصريح كلّ التصريح بقصر ولاية عليّ على أهل بيت النبي صَلّى الله عليه وسلّم الأمر الذي استبعده هذا الموسوي لحماقته وما علم أنه قد جاء التصريح بذلك في هذه الرواية، فراح يستبعد وروده وإمكانه كما في المراجعة القادمة (24). ومع ذلك فقد بينا فيما سبق لكل من كان عنده عقل يعي ويفهم عدم ثبوت حتى هذه الرواية الأخرى التي فيها قصر ولاية عليّ على أهل البيت لضعف إسنادها وعدم أنتهاضها للاحتجاج رغم تصحيح ابن جرير لها مع أنّ في ثبوتها ما لا يضير كما قلنا.(64/365)
لكنني أؤكد مرة أخرى إن أحداً من أهل السّنّة لم يصحح إطلاقاً تلك الرواية المكذوبة الأولى والتي ذكرناها سابقاً والتي فيها التصريح بولاية عليّ العامة على كل الناس، ونتحدى أصحاب هذا الموسوي في إثبات ذلك، أما الرواية التي صححها ابن جرير فهي وإن كأنت لا تثبت كما بيناها فليس فيها أيّ من دعأوى الشيعة الباطلة في الولاية والوصاية العامة ولله الحمد.
ولعدم تمكّن هذا الموسوي المفتري من إثبات الرواية الأولى التي ساق لفظها أولاً عدل عنها إلى ذكر إسناد الرواية الأخرى الأصغر منها ظنّاً منه أنه بذلك يتمكن من خداع أهل السّنّة في ثبوتها. يوضح ذلك أنه حين ساق لفظ هذه القصة في (المراجعة-20-) ذكر اللفظ الذي فيه ذكر الولاية والوصاية العامة، ثم لما طولب بذكر إسنادها ذكر إسناد الرواية الأخرى التي فيها قصر الولاية والوصاية على أهل البيت لعلمه بوجود كذاب في سند الرواية الأولى، ألا لعنة الله على المحرّفين المبدّلين، ونحن لا نستبعد هذا من هذا الموسوي وأمثاله إذ أنهم تجرّأوا حتى على تحريف القرآن الكريم.
فالإسناد الذي ساقه إذن في هذه المراجعة هو لتلك الرواية التي تنصّ على خلافة عليّ للنبيّ صَلّى الله عليه وسلّم في أهله فقط، وقد سقناه هناك، هذا أولاً.(64/366)
وثانياً. . حتى هذا الإسناد لهذه الرواية مع أنه لا يضيرنا صحته فليس بصحيح إطلاقاً ولا ثابت فقد قدمنا عند كلامنا على هذا الإسناد (ص226) ما عند شريك القاضي من سوء الحفظ، وكذلك حال الأعمش إذا دلّس فروى بالعنعنة دون التصريح بالتحديث كما واقع هنا، لكن الأكبر من ذلك هو ضعف عبّاد بن عبد الله الأسدي الذي حأول هذا المفتري أن يوهمنا بأنه عبّاد بن عبد الله بن الزبير بن العوام وأنه ثقة من رجال الصحيح، بينما هو الآخر الأسدي الكوفي الذي له رواية عن عليّ وروى عنه المنهال بن عمرو كما في إسنادنا هذا وهو الضعيف، والأول ليس له رواية عن عليّ ولم يرو عنه المنهال، ويتأكد ذلك من مراجعة ترجمتيهما في (تهذيب التهذيب) (5/98) وميّز بينهما ابن حجر هناك، وقد أشرنا إلى فعل هذا الموسوي من الغش والتدليس هنا في (ص228- 229).(64/367)
فقد كذب هذا الموسوي هنا أولاً في ادعائه أن هذا الإسناد الذي ساقه لتلك الرواية التي ذكر لفظها، وكذب ثانياً في زعمه صحة هذا الإسناد وإنّ عباد بن عبد الله الذي فيه هو الثقة ابن الزبير بن العوام، ثم كذب ثالثاً في اتهامه صاحبيّ الصحيح البخاري ومسلّم وغيرهما من أهل السّنّة بأنهما لم يخرجا هذه الرواية لمخالفتها لرأيهم- زعم- وقد قدّمنا أن ذلك كان لعدم مجيئها من طريق صحيح إطلاقاً، ولله الحمد. ثم لم يكتف هذا الموسوي في اتّهامه بهذا الحد بل قال عن أهل السّنّة: (و إن كثيراً من شيوخ أهل السّنّة كانوا على هذه الوتيرة يكتمون كل ما كان من هذا القبيل ولهم في كتمانه مذهب معروف. . . وعقد البخاري لهذا المعنى باباً في أواخر كتاب العلم من الجزء الأول من صحيحه فقال (باب من خصّ بالعلم قوماً دون قوم) إ. ه. قلت: وهذا اتّهام آخر لأهل السّنّة وعلمائهم بأنهم كانوا يكتمون العلم، نظير اتّهام هؤلاء الرافضة الضّلاّل للصحابة بأنهم كتموا وصية النبي صَلّى الله عليه وسلّم لعليّ، وهذا دأب كل المبطلين مع أهل العلم، فما فعله أهل السّنّة لا يعد كتماناً للعلم بل نشر للعلم بين أهله المستحقّين له حتى يحقق الغرض منه، ويدل على ذلك نفس لفظ ترجمة البخاري في بابه ذاك الذي اقتطع منه هذا الموسوي ما يبين سبب فعل ذلك إذ قال البخاري (1/44) (باب من خصّ بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا) فالسبب في ذلك أولاً خشية عدم فهم هؤلاء، ثم هو ليس كتماناً مطلقاً بل إعطاؤه لبعضٍ دون بعض، وأيضاً لأهل السّنّة في ذلك أدلة منها ما أخرجه البخاري نفسه في ذلك الباب، ومنها قول عليّ رضي الله عنه نفسه الذي يشكّل لطمةً على وجه هذا الموسوي وأصحابه من جهة إسناده ومتنه، أما إسناده عند البخاري فقد رواه شيخ البخاري عبيد الله بن موسى عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن عليّ قال: (حدّثوا الناس بما يعرفون، أتحبّون أن يكذّب الله ورسوله) فإسناده رجالٌ(64/368)
كلهم عندهم تشيّع، أقرّ بذلك هذا الموسوي نفسه وبثقتهم حين ذكرهم ضمن الرواة المئة السابقين فراجع تراجمهم في مواضعها هناك، ومتنه في دليل لما ذهب إليه أهل السّنّة من تخصيص بعض العلم لقوم دون قوم، وهو حجة على هذا الموسوي لا يمكنه- ولله الحمد- دفعها لأنها من قول عليّ أولاً. ومن إسناد كلهم شيعة قد ارتضاهم هذا الموسوي نفسه فما عساه يقول؟؟
ثم إنّ أهل السّنّة لا يقولون بذلك مطلقاً في كل أبواب العلم بل في ما يؤدي ظاهرها إلى ذلك مثل الأحاديث التي في ظاهرها الخروج على السلطان أو أحاديث الفتن ونحوها، قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (1/300): (و ضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب، والله أعلم) إ. ه. أما عند الرافضة المخذولين أصحاب هذا الموسوي فتجد كتمان العلم كله وإظهار الباطل وطمس الحق، ولا أدلّة على ذلك من مذهب التقية القائلين به، ونحن نسأل: من الذي يجعل أصول دينه قائمةً على إخفائها وطمسها والتظاهر بخلافها؟ أليسوا هم الشيعة الرافضة الضّلال؟ فإن كان هذا الموسوي قد نقل من (صحيح البخاري) ما يظن- بحماقته- أنه دليل على كتمان أهل السّنّة للعلم- مع أنه ثابت عن عليّ نفسه- فنحن ننقل له ولأصحابه نصّاً قاطعاً من أهم كتبهم فيه التصريح بالأمر بكتمان لا العلم وحده بل الدين كله، ألا وهو ما رواه ثقة إسلامهم الكليني في (الكافي في الأصول) (باب التقية) (2/222) (طبعة إيران) عن جعفر الصادق أنه قال لأحد شيعته: (يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزّه الله ومن أذاعه أذله الله). وأما نحن أهل السّنّة فنقول بقول الله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} وصدق الله العظيم.(64/369)
ثم عاد هذا الموسوي فاتّهم في الفقرة الثالثة هنا البخاري وفي سريرته أيضاً تجاه عليّ وأهل البيت وهو ما أشرنا إليه في (ص253- 254) وقلنا إن هذا أمر ما ادعاه أحد حتى رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم بأنه يعلم سريرة أحدٍ من الناس، فكيف تسنّى لهذا الموسوي أن يعلم سريرة البخاري؟
ثم هو مناقض لما سبق من قوله (ص76) بأن البخاري قد أخرج لأناس رافضة مبغضين لأبي بكر وعمر، وهذا شأن كل أهل الأهواء غايتهم رد الحق ودفعه وإن كان في ذلك من التناقض ما لا يخفى، والله المستعان على ما يصفون,
المراجعة (23): س:
موافقة شيخ الأزهر في ثبوت ذلك الحديث لكنّه اعترض ببعض الإعتراضات الواهية وأقواها أن الحديث يدل على الخلافة الخاصة في أهل بيته صَلّى الله عليه وسلّم. (يريد بهذه الإعتراضات الواهية التي لفقت على شيخ الأزهر الصادرة على الإعتراضات الصحيحة لأهل السّنّة ومنها سقوط الحديث عن الإحتجاج).
المراجعة (24): ش:
زعمه صحة هذا الحديث عند أهل السّنّة ومن ثم احتجاجه به عليهم.
زعمه كذلك ان الخلافة الخاصة منفية بالإجماع وأن كل من قال أن علياً خليفة رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم في أهله قائل بخلافته العامة
ثم ادعى توالي النّصوص بعد ذلك في هذه الخلافة المزعومة.
الرد على المراجعة (24):
تكذيبه في صحة هذا الحديث عند أهل السّنّة
الإشارة إلى ما تقدم من النصّ الصريح في إثبات الخلافة الخاصة وهو ما ينقض قوله.
إدعاء توالي النّصوص إدعاء بلا ضابط ولا تحقق.
قوله في الفقرة الأولى من هذه المراجعة عن أهل السّنّة: (فنحن نحتج عليهم بهذا لصحته من طريقهم) قد قدمنا كذبه في ادعاء صحته عند أهل السّنّة سواء باللفظ الذي ساقه لتلك الرواية والتي فيها التصريح بالولاية والوصاية العامة أو باللفظ الآخر فلا وجه لإعادته هنا.(64/370)
ومن نظر في هذه المراجعة وأمثالها تبين له كذب موضوع هذه المراجعات والمناظرات من أساسها، إذ واضح من سياقها أنه هو نفسه- هذا المفتري المبطل- الذي يفترض الإعتراضات ويجيب عنها وقد فصّلنا ذلك في مقدمة كتابنا هذا.
ثم قوله في الفقرة الثانية بأن (كل من قال بأن علياً خليفة رسول الله في أهل بيته قائل بخلافته العامة، وكل من نفى خلافته العامة نفى خلافته الخاصة) لا يثبت ولا يقدر هو على إثباته، فكل ما عنده عدم علمه بذلك واستبعاده له، وهو لا يشكل في ميزان الحق شيئاً، كيف وقد قدمنا لك نص الرواية الأخرى لتلك القصة وفيها التصريح بخلافة عليّ رضي الله عنه للنبي صَلّى الله عليه وسلّم في أهله فقط، وهي التي لم يذكرها ولم يصرح بها هذا الموسوي فكتمها تحقيقا لمذهبه الفاسد ودليلاً على ممارسته لكتمان الحق، ذلك الوصف الذي غمز به علماء أهل السّنّة زوراً وبهتاناً وهانحن نعطيك دليلاً على ممارسة هذا الموسوي نفسه لهذا الكتمان.
فلا يُنظر بعد ذلك إلى استبعاد هذا الموسوي قصر ولاية عليّ في أهل البيت فقط بعد أن بينا مجيئها بالنص على ذلك في الحديث السابق، مع أنه أيضاً لا يثبت ولا يصح كما فصلناه، ولا يبقى بعد ذلك أيضاً أي وجه لدعوى: ان لا قائل بالفصل، والحمد لله رب العالمين.
ثم زعمه في الفقرة الثالثة أن هناك نصوصاً كثيرة متوالية يؤيد بعضها بعضاً- زعم- على هذه الولاية العامة باطل وهو يدّعيه بلا ضابط ولا تحقق وسنفصّل الردّ عليه في ذلك إن شاء الله في حينها.
المراجعة (25): س:
... طلب شيخ الأزهر المزيد من النّصوص في خلافة عليّ.
المراجعة (26): ش:
سياق حديث ابن عباس في بضع عشرة فضائل لعليّ رضي الله عنه.
زعمه دلالته على المدّعي (أي دلالته على خلافة عليّ ((رض)).
اعتماده بشكل كبير على تشبيه منزلة عليّ من النبي صَلّى الله عليه وسلّم بمنزلة هارون من موسى وما استنتجه من ذلك.
الرد على المراجعة (26):(64/371)
بيان ضعف هذا الحديث بياناً واضحاً شافياً مع احتوائه فضائل لباقي الصحابة أقدم على حذفها هذا الموسوي من نص الحديث.
نقض ما استنتجه من الحديث ببيان تفصيلي خصوصاً في مسألة المنزلة.
ساق في هذه المراجعة حديثاً عن ابن عباس رضي الله عنهما فيه لعليّ رضي الله عنه بضع عشرة من الفضائل كان قد أشار إليه قبل قليل، وعزاه للإمام أحمد في (مسنده) وللحاكم في (مستدركه) وللنسائي في (خصائص علي) وقال: (و غيرهم من أصحاب السنن بالطرق المجمع علي صحّتها) وهو كذب واضح لا يخفى على أهل العلم فهوه أولاً ليس عند أحد من أصحاب السنن في سننهم، وهذا الموسوي لا يستحي من مثل هذا الكذب، وثانياً ليس مجمعاً على صحته بل هو ليس بصحيح إطلاقاً، فإسناده ضعيف لا يثبت وهذا الحديث منكر مردود كما سنبينه إن شاء الله، وقد أخرجه الإمام أحمد (1/330-331)، والحاكم (3/132-134) والنسائي في (خصائص علي) (ص61-64)، والطبراني في (الكبير) (12593) وابن أبي عاصم في (السنة) (1351)، وهو من طريق أبي عوانة عن أبي بلج- وهو يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم- عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس. وعلّته يحيى بن سليم أبو بلج هذا فإنّه وإن كان في نفسه صدوقاً لكنّه ضعيف من قبل حفظة يأتي بمنكرات وبلايا بسبب ضعف حفظه، قال الجوزجاني وأبو الفتح الإزدي: غير ثقة، وقال احمد: روى حديثاً منكراً. وقال ابن حبان: كان يخطئ. وقال البخاري: فيه نظر. قلت: وأهل العلم بالجرح والتعديل يعلمون أن قول البخاري في حق أحد من الرواة: فيه نظر، يدل على أنه متهم عنده- وهذا خاص بالبخاري وحده- وكذا إذا قال: فلان سكتوا عنه.(64/372)
قال الذهبي في (الميزان) في ترجمة عبد الله بن دأود الواسطي التمّار (2/415-416): (و قد قال البخاري: فيه نظر، ولا يقول هذا إلاّ فيمن يتّهمه غالباً) إ. ه. ونقل أيضاً في ترجمة البخاري من (سير أعلام النبلاء) (12/441) عن البخاري نفسه: (حتى أنه قال إذا قلت: فلان في حديثه نظر، فهو متّهم واهٍ. وهذا معنى قوله: لا يحاسبني الله إني اغتبت أحداً، وهذا هو والله غاية الورع) إ. ه. وقد قرر مثل هذا أيضاً العراقي في (شرح الألفية) (2/11)، والحافظ السخأوي في (شرح الألفية) أيضاً (ص161)، وقبلهما الحافظ ابن كثير في (اختصار علوم الحديث) (ص106) قال: (. . . من ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: (سكتوا عنه) أو (فيه نظر) فإنّه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده، ولكنّه لطيف العبارة في التجريح فليُعلم ذلك) إ. ه.
ومما سبق يُعلم أن توثيق من وثّق أبا بلج هذا كابن معين وغيره ليس توثيقاً مطلقاً بل فيما وافق فيه الثقات، وإن ضعفه هذا لا لعلة في نفسه بل لضعف حفظه ألا ترى ان ابن معين نفسه قد ضعّفه أيضاً؟- نقله الحافظ ابن حجر في (التهذيب) فقال: ونقل ابن عبد البر وابن الجوزي أن ابن معين ضعّفه- وهذا الحديث مما انفرد به أبو بلج هذا فلم يتابعه عليه أحد في روايته عن عمرو بن ميمون، قال أبو نعيم في (الحلية) (4/153) لما ذكر طرفا يسيراً من هذا الحديث: (لم يروه عن عمرو إلا أبو بلج) إ. ه.
فيبقى هذا الحديث إذن من منكرات أبي بلج هذا، وقد حكم عليه بذلك الذهبي نفسه في (الميزان) في ترجمة أبي بلج هذا وقال: (و من مناكيره: عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس أن النبي صَلّى الله عليه وسلّم أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب عليّ رضي الله عنه، رواه أبو عوانه عنه) إ. ه. قلت: وهو طرف يسير جداً من هذا الحديث، فيُستبعد بعد ذلك تصحيح الذهبي له.(64/373)
وحتى يطمئن أهل السّنّة لما قررناه من ضعف إسناد هذا الحديث وصحة ما قلناه في أبي بلج نذكّرهم بأن الإمام أحمد قال عنه: روى حديثاً منكراً، ولا أظنه يعني إلا هذا بدليل أن الذهبي ألحقه بما قال عنه: من مناكيره، ثم إن أبا بلج هذا كان علّة ضعف إسناد أثر ابن عمرو المعروف في فناء النار، وبه ردّ أهل العلم ثبوت ذلك الأثر واستبعدوه مثل الحافظ الذهبي في (الميزان) وعدّه من بلايا أبي بلج، ومثل المحدث الشيخ الألباني في (الضعيفة) (2/72) وفي تحقيقه لرسالة الصنعاني (رفع الأستار) (ص82) (هامش رقم 42) وغيرهم، وإنما ذكرنا هذا لدفع شبهة من يقول بثقة أبي بلج هذا مطلقاً وبالتالي يصححون حديثَه، وقد سلكنا فيما سبق المنهج العلمي الثابت في نقد هذا الإسناد ودللنا على صحته بصنيع أهل العلم في ذلك ولله الحمد.
ومما يزيد هذا الحديث وهناً- إضافةً إلى ضعفه السابق- أنه عند أهل السّنّة الذين يحتج به عليهم هذا الموسوي مخالف تماماً لما صحّ وثبت عندهم بل واستفاض من أحاديث النبي صَلّى الله عليه وسلّم التي فيها ما يعارض بعض ما جاء في هذه الفضائل مثل قوله لما بعثه بسورة التوبة (لا يذهب بها إلاّ رجل هو مني وأنا منه) وأن رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم كان قد بعث بها أولاً أبا بكر، وهو باطل لا يثبت فإن أبا بكر خرج أميراً على الحج في تلك السنة قبل نزول سورة التوبة، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله، وكذلك من المنكرات التي فيه قوله لما خلفه في غزوة تبوك (أنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)، وكذلك سدّ أبواب المسجد غير باب عليّ، فإن هذا من المنكرات الأباطيل التي ردّها أهل العلم وبينوا نكارتها أو وضعها.(64/374)
ونحن لا نقول برده لمجرد مخالفته لتلك الأحاديث، كما قد يظنّ بعض الجهلة، وان كان هذا لوحده كافٍ لذلك كما هو مقرر عند أهل العلم، في الحديث المنكر المردود الذي يسمّون ما عارضه من الصحيح المعروف والمحفوظ، لكننا نقول بردّه لضعف إسناده أولاً الذي بيناه معززاً بأقوال أهل العلم وثانياً لمعارضته الأحاديث الصحيحة المستفيضة في ذلك فأصبح منكراً مردوداً لذلك. وقد أطلت الكلام في بيان ضعف هذا الحديث لدقّة عِلَّتِه وخفائها، وأرجو أن تكون قد أصبحت واضحةً جليةً إن شاء الله.
ولا يفوتني أن أنبّه إلى ما أخفاه هذا الموسوي من لفظ الحديث هذا الذي ساقه مما لا يعجبه ولا يرضى به فأقدم على حذفه كعادته في التصرّف حتى في النّصوص التي يسوقها، الأمر الذي يؤكد عدم أمأنته بهذا العمل.(64/375)
فحينما ذكر نوم عليّ رضي الله عنه مكان النبي صَلّى الله عليه وسلّم عندما هاجر لم ينقلها بالتفصيل بل هضم منها ما فيه أكبر فضيلة لأبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وهو مصاحبته للنبي صَلّى الله عليه وسلّم دون أي شخص آخر في تلك الهجرة، وهي فضيلة لم ينل منها أحدٌ ولا قريباً منها، عليّ والآخرون، إذ نقل هذا الموسوي قوله (و شرى عليّ نفسه فلبس ثوب النبي ثم نام مكانه وكان المشركون يرمونه، إلى أن قال: وخرج رسول الله في غزوة تبوك. . .) فقوله (إلى أن قال) يشير إلى ما اقتطعه من نص الحديث، قطع الله ذكره وأصحابه، وهو من فضائل أبي بكر الصّدّيق كما قلنا، وكما يتضح لكل من راجع نص الحديث في مواضعه تلك. وأمر آخر أقدم عليه هذا الموسوي في تصرّفه بهذا النصّ، ألا وهو ما اقتطعه من آخره، وقد يعجب من ينظر إلى فعله هذا كيف يقتطع من النص الذي فيه فضائل لعليّ، وإن الأولى به سرده بالكامل لكن هذا العجب يزول لمن راجع نفس النص في موضعه إذ يتبين له أن ما اقتطعه من آخره فضائل ليست مخصوصةً بعليّ بل يشاركه فيها صحابةٌ آخرون وأولهم في ذلك الشيخان أبو بكر وعمر، فها هو الموسوي يرتاع عند مروره بأيّ من فضائلهما أيضاً حتى أنه ليرضى بأن يحذف هذه الفضائل من عليّ إذا كان في حذفها أيضاً حذف لفضائلهما، وقد علم الصبيان فضلاً عن الكبار مكأنتهما وفضلهما في الإسلام وعند رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم التي لا يزاحمهما فيها أحد، وصدق الله العظيم إذ يقول عن أصحاب النبي صَلّى الله عليه وسلّم {ليغيظ بهم الكفار} وأحقهم في هذه الآية أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.(64/376)
وأما ما اقتطعه هذا الموسوي فإنّه بعد قوله في الحديث: (فإن مولاه عليّ) قال: (و أخبرنا الله عزّ وجلّ في القرآن أنه قد رضي عنهم عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم وهل حدّثنا أنه سخط عليهم بعد، قال وقال نبي الله صَلّى الله عليه وسلّم لعمر حين قال ائذن لي فلأضرب عنقه قال أو كنت فاعلاً وما يدريك لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم) إ. ه. هذا ما أقدم على حذفه هذا المفتري المجرم مما فيه فضائل لأصحاب بدر أجمعين ومنهم أبو بكر وعمر وسائر الصحابة الذين تبغضهم الرافضة الملعونون. وأيضاً فضائل لكل أصحاب الشجرة الذين بايعوا محمّداً صَلّى الله عليه وسلّم تحتها ويشمل الشيخين، وعثمان رضي الله عنه بالأخص فإنّه هو الذي من أجله كأنت تلك البيعة نصرةً وأنتقاماً له حين أشيع أنه قُتِل، كما هو مفصّل في كتب السيرة.(64/377)
وقوله في الفقرة الثانية: (و لا يخفى ما فيه من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على أنّ علياً وليّ عهده وخليفته من بعده) باطلٌ مردود، إذ قد بينا عدم ثبوت الحديث . مع أن معظم ما جاء فيه لا يختصّ به عليّ بل يشاركه فيه غيره من الصحابة أو جميع المؤمنين بالله ورسوله، كقوله: (يحبّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)، فإنّ من المعلوم أنّ كل مؤمن ومؤمنة حتى تقوم الساعة يحب الله ورسوله، وكذا فإنّ الله يحب المؤمنين كلهم وهو وليّهم كلهم كما قال: {الله وليّ الذين آمنوا} فبان بهذا أن لا اختصاص لعليّ رضي الله عنه بأي شيء مما ذكر وإنما عُدّت من فضائله لإقرار النبي صَلّى الله عليه وسلّم بها وبيان صدق عليّ رضي الله عنه فيها، وأيضاً فإن الولاية في الدنيا والآخرة ثابتة لجميع المؤمنين كما قال تعالى: {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة}. ثم استدلّ هذا الموسوي على مطلوبه بحديث (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) وما اتبع ذلك من الآيات، ومن حماقاته أنه قال: (و لم يستثن من جميع المنازل إلا النبوة واستثناؤها دليل على العموم) وسنبين ما في هذا من الباطل إن شاء الله فنقول وبالله التوفيق:(64/378)
قد كأنت لهارون من موسى عليهما السّلام منازل: الأول أنه أخوه، والثاني كان شريكه في النبوة: والثالث انه خلفه في قومه لما توجّه لميقات ربه، وكما هو واضح فليس منها أبداً- ولله الحمد- أنه خلفه بعد موته لأن هارون مات قبل موسى بسنين وإنّما خلف موسى بعد موته يوشع بن نون، قال الإمام ابن حزم في (الفصل) (4/94) عن ما لعليّ في هذا الحديث: (و هذا لا يوجب له فضلاً عن من سواه ولا استحقاق الإمامة بعده عليه السّلام لأن هارون لم يلِ أمر بني إسرائيل بعد موسى عليهما السّلام وإنما ولي الأمر بعد موسى عليه السّلام يوشع بن نون فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر عليهما السّلام، كما ولي الأمر بعد رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة) إ. ه.
وهذا الأحمق الموسوي لم يستثن من تلك المنازل سوى النبوة وقال إنها تعني العموم، وتكون نتيجة قوله أن علياً أخو رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم، لأنه لم يستثن الأخوة وعملاً بالعموم الذي قاله هذا الأحمق. ونحن نقول أنه لا يجوز أن يكون النبي صَلّى الله عليه وسلّم عنى بقوله هذا انك أخي لأبي وأمي، ولا انك تخلفني بعد موتي لأن هذه المنزلة لم تكن لهارون من موسى أبداً، فثبت إذن أنه أراد: إنك خليفتي على المدينة فقط عند توجّهي إلى هذه الغزوة، غزوة تبوك.(64/379)
فثبت أن الفضيلة لعليّ رضي الله عنه في هذا الحديث إنما هي في هذا الإستخلاف المؤقت فقط ولله الحمد، وكل ما يمكن أن تدّعيه الشيعة من فضائل عليّ من هذا الحديث هو استخلافه المذكور هذا، وتشبيهه بهارون عليه السّلام، ونحن نجيب عن ذلك بأن هذا الإستخلاف لم يكن خاصاً بعليّ رضي الله عنه، فقد استخلف رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم أبا لبابة بن عبد المنذر لما سار النبي صَلّى الله عليه وسلّم لغزوة بدر، واستخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه لما خرج لغزوة ذات الرقاع، واستخلف ابن أم مكتوم لما خرج لحرب بني النضير، واستخلف أيضاً أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري لما خرج رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم لفتح مكة، وهذا كله ثابت في (السيرة)، وهو كله ليس استخلافاً مطلقاً ولهذا لم يقل في أحد من هؤلاء أنه خليفة رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم إلا مع التقييد، مع العلم إن استخلاف هؤلاء كان أكبر من استخلاف عليّ لما خرج لغزوة تبوك فإن أولئك كانوا يستخلفون على المدينة وفيها جماهير المؤمنين، ولما استخلف عليها عليّ في غزوة تبوك لم يكن فيها إلاّ النساء والصبيان والعجزة حتى حزن عليّ لذلك وعدّه منقصةً له خصوصاً وقد طعن به المنافقون لذلك فطيّب رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم نفسه بذلك. فكما أن استخلاف الآخرين لم يوجب لهم فضلاّ على غيرهم ولا ولاية الأمر بعد النبي صَلّى الله عليه وسلّم فكذلك استخلاف عليّ لا يوجب له أيّاً من ذلك.(64/380)
وأما عن فضيلة تشبيهه بهارون عليه السّلام فليس هو بأعظم من تشبيه أبي بكر بإبراهيم وعيسى عليهما السّلام. وتشبيه عمر بنوح وموسى عليهما السّلام وذلك فيما رواه الإمام أحمد (1/383)، والترمذي (3/37) (4/113)، والحاكم في (المستدرك) (3/21- 22) وصححه من حديث ابن مسعود في قصة أسرى بدر وهؤلاء الأربعة إبراهيم وعيسى نوح وموسى أفضل من هارون عليهم السّلام أجمعين، وكل من أبي بكر وعمر شبّه باثنين لا بواحد فكان هذا التشبيه أعظم من تشبيه عليّ.
وأحب أن أشير إلى أن حديث تشبيه أبي بكر بإبراهيم وعيسى وتشبيه عمر بنوح وموسى قد رواه الأعمش وهو ممن عنده تشيّع وقد ذكره هذا الموسوي من الرواة المئة السابقين برقم (39) وأقرّ بثقته، وقد رواه عن الأعمش أبو معاوية الضرير محمّد بن خازم وجرير بن عبد الحميد وكلاهما عنده تشيّع وقد ذُكرا أيضاً ضمن أولئك الرواة المئة، فلا حجة لهذا الموسوي ولا لأصحابه بردّ هذا الحديث فهو من طريق رواة أقروا بثقتهم وبما عندهم من تشيع، والحمد لله رب العالمين.
ثم ما قرره هذا الموسوي من كون عليّ شريك رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم في أمره ما خلا النبوة، وما استنتجه من ذلك كله هراء وسخف، وكما قال الإمام أبو محمّد بن حزم لو لم يكن من الحجة على أن الله يُضل من يشاء ويهدي من يشاء ويزين لكل أمة عملها إلا وجود من يعتقد هذه الأقوال السخيفة لكان أقوى حجة وأوضح برهان وإلا فما خلق الله عقلاً يسع فيه مثل هذه الحماقات، والحمد لله على عظيم منّته علينا وهو المسؤول منه دوامها وهو حسبنا ونعم الوكيل.(64/381)
وسياق الآيات لا يساعده أبداً كما لا يخفى على العقلاء دون المجانين، لكني أظن أنه يشير إلى حديث كذب لا يعجز عن وضع أمثاله المبطلون ممن هم أكذب الطوائف على الإطلاق الذين يبنون دينهم على الكذب والنفاق، ذلك الحديث الذي ذكر طرفاً منه في (ص170) (المراجعة-34-) وما استحى من أن ينسبه في الهامش (25) هناك إلى تفسير الثعلبي الذي لم يره هذا الموسوي ولا أحد من أقرانه إذ هو غير مطبوع، لكنّه نقله من سلفه ابن المطهر الحلي وفيه ان النبي صَلّى الله عليه وسلّم دعا لعليّ بن أبي طالب مثل دعاء موسى لهارون عليها السّلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية- (المنتقى) (ص482)-: علماء الحديث يعلمون وضع هذا بالضرورة إ. ه. قلت: وهؤلاء الرافضة لا يقدرون على الإتيان بإسناد واحدٍ صحيح لهذا الذي يزعمونه ونحن نتحداهم به، وإلا لما تعمّد هذا المفتري الموسوي عزوه إلى تفسير لم يُطبع رغبةً في إخفاء حقيقته. وقد أشار إلى هذا الحديث أيضاً السيوطي في (الدر المنثور) (5/566) وقال- رغم تساهله الشديد وقلة عنايته- (بسندٍ واهٍ) وهذا شأن من بنى مذهبه على الظنون التخرصات.
وخرافة أن علياً كان شريك رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم في الأمر ما خلا النبوة تعني أنه صَلّى الله عليه وسلّم ما كان مستقلاً بأمر الأمة في حياته منذ بداية بعثته صَلّى الله عليه وسلّم، فإذا كان كذلك كيف لم يعلمه عليّ رضي الله عنه حتى أخبر بذلك في آخر غزوة غزاها رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم؟ وإذا كأنت مشاركته في الأمر حصلت عند غزوة تبوك لا قبلها فما الفائدة منها وقد انقضت سيرة محمّد صَلّى الله عليه وسلّم إلا قليلاً؟ ثم ما الذي يمنع أن يكون عليّ وزيراً لمن يخلف النبي صَلّى الله عليه وسلّم أيضاً كأبي بكر رضي؟ أليس هذا ما تقتضيه الوزارة؟ وما علمنا بوزير انقلب فصار ملكا أو نحوه إلا الغادرين.(64/382)
ثم قوله: (و هذا نص صريح في كونه خليفته، بل نص جليّ في أنه لو ذهب ولم يستخلفه كان قد فعل ما لا ينبغي أن يفعل) ما تقول يا أحمق في خروج عليّ رضي الله عنه مع رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم في باقي غزواته مثل بدر وأحد والخندق وغيرها من المشاهد وما تقول في خروجهما في حجة الوداع؟ فقد خرج معه، فهل تقول عن فعل النبي صَلّى الله عليه وسلّم هذا انه مما لا ينبغي له أن يفعل؟ ؟ والله هو الكفر بعينه، فلعنة الله على الظالمين.
وإنما وقع هذا الموسوي في مثل هذا لحماقته وضلال مذهبه، فنحمد الله على الهداية ونسأله تمامها. وقد بينا كذب هذا الحديث الذي استدل به (إنّه لا ينبغي أن اذهب إلا وأنت . . .) مع ما فيه من الخطأ اللغوي، والله أعلم. ومثله الحديث الآخر في نفس القصة: (إن المدينة لا تصلح إلا بي وبك) وهو كذب أيضاً ذكره في الموضوعات غير واحد كابن الجوزي (1/357) والكناني في (تنزيه الشريعة) (1/382)، ورواه ابن حبان في (المجروحين) (1/285) من طريق حفص بن عمر الأبلي، وقد كذّبه أبو حاتم وغيره، وقال ابن حبان عن الحديث باطل، في سنده حفص وهو كذاب. ورواه الحاكم في مستدركه من طريق عبد الله بن بكير الغنوي عن حكيم بن جبير وصححه فأفحش، إذ تعقّبه الذهبي- جزاه الله خيراً- بأن عبد الله هذا وحكيم ضعيفان عندهما مناكير.
مع مخالفة كلا الحديثين لما ثبت من خلو المدينة مرات عديدة من النبي صَلّى الله عليه وسلّم وعليّ رضي الله عنه، الأمر الذي يبين كذب هذا الحديث.
وسائر ما ذكره هذا الموسوي في هذه المراجعة مثل قوله تعالى {يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} وكل ما شاغب به أيضاً تقدم منا الرد عليه بحمد الله عند ذكره لهذه الآية في (المراجعة-12-) فراجع ما قلناه في (ص155-157) ففيه الرد- إن شاء الله- الذي يُخرس أمثال هذا الموسوي.
المراجعة (27): س:
تشكيك شيخ الأزهر بسند الحديث اعتماداً على ما نُسب إلى الآمدي.(64/383)
المراجعة (28): ش:
ذكر حديث (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ومخرجيه.
زعمه الرد على الآمدي في تضعيفه هذا الحديث.
الرد على المراجعة (28):
بيان التدليس الشنيع في سوقه هذا الحديث بعد حديث ابن عباس السابق، مع التشكيك في ثبوت رد الآمدي للحديث.
الإشارة إلى الزيادات الموضوعة من قبل الرافضة في حديث المنزلة هذا.
تكلّم في هذه المراجعة على صحة قول النبي صَلّى الله عليه وسلّم لعليّ (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى) وبيان ثبوته، وقد سمّاه حديث المنزلة، ولم يتأكد لي تشكيك الآمدي به ولا تطمئن النفس لنقل هذا الموسوي لما قدمنا من انعدام الأمانة عنده، وعلى أي حال فإن كان هذا الموسوي يعني بحديث المنزلة ذاك الذي ساق لفظه في (المراجعة-26-) الذي فيه بضع عشرة من الفضائل لعليّ ومنها هذه الفضيلة فهو باطل مردود ومنكر كما قلنا ولا يمكن هذا الموسوي إثباته حتى يلج الجمل في سم الخياط. لكن الظاهر أنه يعني هذا اللفظ الذي ذكرناه فقط ليس غيره. وإن كان قد دلّس تدليساً شنيعاً إذ ساقه بعد ذكره تلك الألفاظ فهو صحيح ثابت عند أهل السّنّة، وذكر هذا الموسوي له هنا بين هذه الأحاديث الموضوعة كمثل من يلقي درة بين بعر.(64/384)
واعلم أن هذا الحديث قد وردت له زيادات عديدة من صنع هؤلاء الرافضة وأذنابهم كشأنهم في ما صحّ من فضائل عليّ رضي الله عنه كلها لا يكتفون بالحق وإن جاءهم حتى يخلطوه بالباطل ويشوّهوه، وأما هذا الحديث فلم يصح منه سوى هذا اللفظ الذي ذكرناه أولاً وزيادة (إلاّ أنه لا نبيّ بعدي) وما سوى ذلك فباطل موضوع أو منكر مردود لم يثبته أحد من أهل العلم، ولا يغفلنّ أحد عن إن هذا الموسوي حأول التسوية بين كل ألفاظ الحديث مستعملاً صحة ما ثبت منه لإثبات ما يريده من الزيادات الباطلة، ونحن إذ نوافقه على ثبوت هذا الحديث والذي قال به أهل العلم نقصد به اللفظ الذي ذكرناه فقط دون أية زيادات أخرى وعليه سنتكلّم فيما بعد إن شاء الله .
لكن أحب أن أنبّه إلى أن هذا الحديث جاء من طريق معاوية رضي الله عنه نعم لكن ليس هو في مسند الإمام أحمد كما ادعى هذا الموسوي لذا تراه لم يذكر موضعه من (المسند) في الهامش لعدم وجود فيه وإنما نقله من (الصواعق المحرقة) لابن حجر، وأظن أن حديث معاوية قد رواه ابن عساكر فيما ذكره ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/340-341).(64/385)
ثم إن هذا الرافضي البغيض قد نبز معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما بالسوء ووصفه بالوقاحة في عدوانه واتّهم بأنه لعن عليّاً وأمر بلعنه، وهو باطل لا شك فيه، وما هذه بأول أكاذيب الشيعة على معاوية رضي الله عنه، فإنّ لعن علي رضي الله عنه إنما كان بعد معاوية في خلافة مروان ابن الحكم حتى أزاله أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله. وحديث صحيح مسلّم الذي ساقه وفيه قول معاوية لسعد: (ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟) ليس فيه تصريح بأنه أمره بسبّه كما بينه النووي في (شرح مسلّم) (15/175) وقال: (و إنما سأله عن السّبب المانع له من السّب كأنه يقول هل امتنعت تورّعا أو خوفاً أو غير ذلك فإن كان تورّعاً وأجلالاً له عن السّبّ فأنت مصيب محسن وإن كان غير ذلك فله جواب آخر ولعلّ سعداً قد كان في طائفة يسبّون فلم يسبّ معهم وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم فسأله السؤال) إ. ه. ثم كون معاوية رضي الله عنه وأصحابه هم الفئة الباغية لا يوجب ذلك فسقهم أو كفرهم، فإن الله تعالى قال: {و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلو التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين. إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم} فقد جعلهم مع وجود الإقتتال والبغي مؤمنين اخوة، بل مع أمره بقتال الفئة الباغية جعلهم مؤمنين. ثم إن كل باغٍ إما أن يكون متأولا أو غير متأول، فإن كان متأولاً فغايته أن يكون مجتهداً مخطئاً وخطؤه مغفور له بنص القرآن والحديث، وإذا لم يتبين له أنه باغٍ بل اعتقد أنه على الحق- وإن كان مخطئاً في إعتقاده- لم تكن تسميته باغياً موجبة لإثمه فضلاً عن أن توجب فسقه أو كفره، وكان الأمر بقتاله لدفع ضرر بغيه لا عقوبة له مع بقاء عدالته، وإنما الواجب منع عدوانه بقتاله كما يمنع الصبي والمجنون من العدوان أن لا يصدر عنهم مع عدم تحمله للإثم في ذلك.(64/386)
وإن كان باغياً غير متأول فغايته أن يكون بغيُه ذنباً، والذنوب تزول عقوبتها بأسباب متعددة كالحسنات الماحية والمصائب المكفّرة وغير ذلك خصوصاً إذا كان من خير القرون كمعاوية رضي الله عنه.
هذا فصل الأمر في المسألة وعليه تدل آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صَلّى الله عليه وسلّم، والحمد لله رب العالمين.
المراجعة (29): س:
إعتراض شيخ الأزهر بأن الحديث مخصوص بمورده (و هذا التلفيق على شيخ الأزهر مرأوغة من عبد الحسين لصرف النظر عن جواب أهل السّنّة الصحيح).
المراجعة (30): ش:
جوابه بما لا طائل تحته في تحقيق عموم الحديث وعدم اختصاصه بمورده.
زعمه مجيء هذا الحديث في موارد أخرى.
الرّد على المراجعة (30):
مع تطبيق ما قاله من عموم الحديث فإنّه لا دليل فيه على المدعى.
الإشارة الإجمالية إلى عدم ورود هذا الحديث في غير غزوة تبوك مع أنه ورد فيها مخصوصاً أيضاً.
أجاب في هذه المراجعة بما لا طائل تحته ولا حاجة له به، فإن أحداً من أهل السّنّة لم يردّ على الشيعة استدلالهم بهذا الحديث بدعوى أنه لا يفيد العموم أو أنه عام مخصوص، وإنما هذا أمر تخيّله هذا الموسوي واصطنعه من قبل نفسه فأورده في مراجعاته، وهو بصنيعه هذا يريد صرف النظر عن جواب أهل العلم الصحيح عن استدلال الشيعة به.(64/387)
وحتى لا نبقي للشيعة أي حجة فيه- إن شاء الله- نقول لهم تعالوا فلنطبّق ما قاله صاحبكم الموسوي هذا وما أجلب بخيله ورجليه عليه: فلنقل بعموم المنزلة المذكورة في الحديث ولنرى هل إن ذلك في الإمكان؟ وقد سبق قولنا بأن لهارون من موسى عليهما السّلام منازل منها أنه أخوه، وهذا طبعاً لا يمكن انطباقه على عليّ رضي الله عنه فإن الأخوة هنا هي إخوة النسب من أب وأم وهو ما لا يحلم به الشيعة بقوله وادعائه والحمد لله، والمنزلة الأخرى أنه نبي معه وهذا أيضاً منتفٍ في حق عليّ ولم تبقَ من تلك المنازل سوى خلافته له لما ذهب لميقات ربّه، وأنتهت هذه الخلافة بعودة موسى عليه السّلام، وهذا هو الذي يقوله أهل السّنّة وهو مقتضى الحديث وغايته، ولا يسمى هذا تخصيصاً له بلا حجة فقد قدمنا لك عدم إمكان حمله على النبوّة ولا على الأخوة من النسب فلم يبقَ إلاّ هذا، وأيضاً ليس في تلك المنازل كما قلنا إن هارون خلف موسى بعد موته، فنحن نقول بعموم الحديث لكن ليس في عمومه إطلاقاً أنه خليفته بعد موته ولله الحمد حتى إذا ادعى الجهال إن من تلك المنازل وزارة هارون لموسى وشراكته له في أمره فليس في كل ذلك- على فرض صحته- ما يشير أدنى إشارة إلى خلافته بعد موته، وطبعاً لا يمكن أحداً أن يدّعي أن موسى أوصى لهارون في خلافته بعده. فها أنت ترى- بحمد الله- أنّا لا نردّ بتخصيصه بل مع قولنا بعمومه لا نرى فيه أية إشارة إلى إستخلاف عليّ بعد النبي صَلّى الله عليه وسلّم كما لم يكن ذلك من منازل هارون من موسى عليهما السّلام فلا يرد علينا قول هذا الموسوي إذن، ونظيره ما ذكره في الفقرة الثانية فهو مردود من وجهين:(64/388)
الوجه الأول: إن أحداً من أهل السّنّة لم يردّ على الشيعة في هذا الحديث بقصر لفظه على سبب وروده فهم أصحاب القاعدة المعروفة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، وقال الإمام الشافعي: (السبب لا يصنع شيئاً إنما تصنع الألفاظ)، وانظر (المسودة في أصول الفقه) (ص130). لكننا مع قولنا بعموم لفظه نؤكد على عدم دلالته على استخلاف عليّ بعد النبي صَلّى الله عليه وسلّم كما قدمنا ذلك وليس عند من يقوله إلاّ المكابرة والمعاندة.
الوجه الثاني: ما زعمه من مجيء هذا الحديث في غير غزوة تبوك باطل، وما هذه بأول أكاذيبه وادعاءاته الباطلة فلا يثبت ذلك عند أهل السّنّة كما سنبينه إن شاء الله في المراجعة القادمة عند سرد هذا الموسوي لتلك الأحاديث، وأما قوله بثبوتها في صحاحهم المتواترة- زعم- فلا دليل فيه بحمد الله على أهل السّنّة فضلاً على عدم امتلاكهم لما يسمّى بالصحاح المتواترة كما فصلنا ذلك في صفحة (106-108) بنقل قول حجّتهم الحالي الخوئي، فراجعه.(64/389)
وأكثر من ذلك أنه ثبت في الحديث الصحيح أن إستخلاف النبي صَلّى الله عليه وسلّم لعليّ رضي الله عنه في غزوة تبوك ليس استخلافاً على المدينة كلها بل على أهل بيته فقط، أخرج ذلك ابن إسحاق في (السيرة)- أنظر (سيرة ابن هشام) (4/163)- ومن طريق ابن إسحاق أخرجها ابن أبي عاصم في (السنة) (1332) ونقلها ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/7) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لما نزل رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم بالجرف لحقه عليّ ا بن أبي طالب يحمل سلاحه فقال: يا رسول الله خلفتني ولم أتخلّف عنك في غزوة قبلها وقد أرجف بي المنافقون وزعموا أنك إنما خلفتني إنك استثقلتني، قال: سعد: فسمعت رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يقول: (ألا ترضى يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك) إ. ه. فهذا صريح في تقييد خلافته بأهل البيت رضي الله عنهم، وجاء ذلك أيضاً من حديث عليّ رضي الله عنه نفسه عند أبي نعيم في (الحلية) (7/196) قال: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك: (خلفتك أن تكون خليفتي في أهلي) فأي وجه يبقى للشيعة فيه بعد هذا؟ ونحن لا نردّ على هذا الموسوي بنقض ادعائه في مجيء هذا الحديث في غير غزوة تبوك فسحب بل نورد ما فيه تخصيص حتى ما جاء في تلك الغزوة من خلافة علي في أهل البيت فقط، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.(64/390)
بقي أن ننبّه إلى أنً ما قرّره هذا الموسوي في الفقرة الثالثة من هذه المراجعات من (حجّية العام المخصوص) لم ينفرد هو به ولا فضل له به فهذا مذهب جمهور الأصوليين من أهل السّنّة، بل ومن غير أهل السّنّة وهو الذي اختاره الآمدي وابن الحاجب وغيرهما من محققي المتأخرين، وانظر على سبيل المثال (إرشاد الفحول) (ص137)، وكلام هذا الموسوي هنا منقول من كتب الأصول حتى بما يضربه من الأمثال، وقد أورد هو هذه المسألة بما تخيّله من ردّ لا حقيقة له إذ لم يقل أحد من علماء أهل السّنّة ذلك في هذا الحديث فيما علمت، ولا أظن أحداً مثل شيخ الأزهر يعترض مثل هذه الإعتراضات الواهية ودونه كتب فحول أهل السّنّة في ردّهم على الشيعة في احتجاجهم بهذا الحديث، مع ما قدمنا من صحة تخصيص استخلاف عليّ رضي الله عنه في غزوة تبوك بأهل البيت في الحديث الآنف الذكر، والله الموفّق للصواب.
المراجعة (31): س:
إلتماس موارد هذا الحديث.
المراجعة (32): ش:
سرد لستة موارد مزعومة لهذا الحديث وادعاؤه تشبيه عليّ وهارون كالفرقدين.
الرد على المراجعة (32):
نقض ما زعمه من هذه الموارد وبيان ضعفها وسقوطها عن الإحتجاج.
ذكر في هذه المراجعة عدداً من الأحاديث وادعي صحتها وثبوتها وإليك التفصيل.(64/391)
ما روى من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سليم: (يا أم سليم إنّ عليًاً لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى) إ. ه. ضعيف لا يثبت وقد عزاه هذا الموسوي في (الهامش) (2/161) لكنز العمال ولمنتخب الكنز لكنه لم ينقل تخريج صاحب الكنز لهذا الحديث وهو قصور فاحش منه يريد به عدم الكشف عن ضعف هذا الحديث، إذ عزاه صاحب الكنز (32936) للعقيلي في (الضعفاء)، وهو بهذا العزو يستغني عن بيان ضعفه كما بيّنه في مقدمة كتابه (1/ 10): إذ قال بعد ذكره للعقيلي هذا وابن عدي والخطيب وابن عساكر ما لفظه: (وكل ما عزي لهؤلاء الأربعة وللحكيم الترمذي في نوادر الأصول أو للحاكم في تاريخه أو لابن الجارود في تاريخه أو للديلمي في مسند الفردوس فهو ضعيف فسيتغنى بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه) إ. ه. من أجل هذا لم ينقل هذا الموسوي تخريج صاحب الكنز لهذا الحديث، وكتم بذلك علماً فله من الله ما يستحق . وأخرج هذا الحديث أيضاً الطبراني في (الكبير) (12341) عن ابن عباس رضي الله عنهما، لكن ذكر فيه أم سلمة وليس أم سليم بنفس اللفظ هذا، وهو لا يفرح به إذ هو من طريق محمد بن تسنيم عن الحسن بن الحسين العرني، ومحمد هذا هو الورّاق ذكره الذهبي في (الميزان) وقال: (ما أعرف حاله، لكنه روى حديثاً باطلاً).
والحسن العرني أيضاً ضعيف، قال أبو حاتم: لم يكن بصدوق عندهم كان من رؤساء الشيعة. وقال ابن حبان: يأتي عن الإثبات بالملزقات ويروي المقلوبات . قلت: ومنها هذا الحديث، وبه أعلّ الحديث، وضعفه الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/111) فهو إذن ضعيف لا يثبت ولله الحمد.(64/392)
الحديث الوارد في قصة اختصام عليّ وجعفر وزيد في ابنة حمزة أخرجه البخاري (3/241-242) (5/179-180)، والإمام أحمد (1/ 98، 108، 115) من حديث البراء بن عازب عند البخاري، ومن حديث علي بن أبي طالب عند الإمام أحمد وليس فيه هذا اللفظ أبداً بل فيه قوله لعلي (أنت مني وأنا منك) وقوله لجعفر (أشبهت خَلقي وخُلُقي)، وقوله لزيد (أنت أخونا ومولانا) . فهذا الحديث فيه فضل لهؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم ومنقبة كبيرة لجعفر بتشبيه خلقه بخلق النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى لنبيّه: {و إنّك لعلى خُلُقٍ عظيم} . أما قوله لعليّ رضي الله عنه (أنت مني وأنا منك) فهو فضل له نعم، لكنّ ذلك لا يدلّ على تقديمه على من سواه، مع أن هذا اللفظ لم يختص به عليّ رضي الله عنه بل قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم لغيره مثل جُلَيبيب رضي الله عنه لما قتل في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قتل سبعةً من المشركين، فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال (قتل سبعةً ثم قتلوه، هذا منّي وأنا منه، هذا منّي وأنا منه)، أخرجه مسلم في (صحيحه) (4/1919) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضاً للأشعريين قوم أبي موسى، فيما أخرجه البخاري (3/181) ومسلم (4/1945) عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم). وأخرج الإمام أحمد نحوه من حديث أبي عامر الأشعري (4/129) . ورواه الإمام أحمد أيضاً (1/169) من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك أيضاً لبني ناجية . وكلّ هذا يبيّن عدم اختصاص عليّ رضي الله عنه بهذا الفضل.(64/393)
أما الحديث المزعوم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعليّ في هذه الحادثة بالخصوص: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) فقد رواه النسائي في (خصائص علي) (ص19) من طريق المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي، وهذا الإسناد ضعيف من أجل عباد بن عبد الله هذا، قال عنه إبن المديني: ضعيف الحديث . وقال البخاري: فيه نظر. فمثل هذا لا يصح الإحتجاج به . وانظر ما قلناه في بداية الكلام على المراجعة (26) عن إصطلاح البخاري هذا وأنه لا يقوله إلاّ فيمن يتّهمه غالباً.
ما روى من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ (أنت أول المؤمنين إيماناً . . .) الحديث، باطل مكذوب، وقد نقله هذا الموسوي مع تخريجه في (الهامش) (4/164) من (كنز العمال) (36392، 36395) وعزاه للحسن بن بدر فيما رواه الخلفاء، والآخرين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وقد توقفت فيه أولاً لعدم معرفة إسناده ثم تبيّن لي أن صاحب الكنز كان قد ذكره قبل ذاك (36378) وساق إسناده، فهو من طريق الحسين بن عبيد الله الابزاري البغدادي نا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدّثني أمير المؤمنين مأمون حدّثني الرشيد حدّثني المهدي حدّثني المنصور حدّثني أبي حدّثني عبد الله بن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول، وذكره بطوله مع اختلاف يسير، وهو نفس إسناد الأول بقرينة الخلفاء الذين جاء من طريقهم، وعزاه صاحب (الكنز) للحسن بن بدر فيما رواه الخلفاء . وقد عقب صاحب الكنز على هذا بقوله (الابزازي كذّاب) قلت: وقد كذّبه أحمد بن كامل القاضي فيما نقله الخطيب في ترجمة الحسين من (تاريخ بغداد) (8/56-57) والذهبي في (الميزان) وذكر بعض أكاذيبه أيضاً، فالحديث إذن من طريق كذاب ويريدنا هذا الموسوي أن نحتج به!(64/394)
(4، 5)- أشار في هاتين الفقرتين إلى المؤاخاة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار وذكر حديثين في اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم عليّاً أخاً له، وهما من الأحاديث الموضوعة المكذوبة كما سنبيّنه إن شاء الله، والقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ علياّ أخاً له خرافة لا أساس لها، وما بأول أكاذيب الشيعة، ومثلها القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بن المهاجرين بعضهم مع بعض، ولا عبرة بمجرد ذكر ذلك في كتب السّيَر، إنما العبرة بثبوته وصحته حتى يستقيم الإحتجاج به، ولا يمكن أحداً أبدا ً أن يثبت صحة هذه المؤاخاة ولله الحمد . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأحاديث المؤاخاة كلّها كذب، ولا آخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بين مهاجري ومهاجري، ولكن بين المهاجرين والأنصار) وأقرّه الذهبي في (مختصر منهاج السنة) المسمى (المنتقى من منهاج الإعتدال) (ص 460) . وسنبيّن كذب تلك الأحاديث إن شاء الله في (المراجعة –34-) فقد ذكرها هذا الموسوي هناك ونكتفي هنا بالكلام على الحديثين اللذين ساقهما، وقبل ذلك أقول إنّ هذا الموسوي كعادته في الأنتقاء من كلام الرجال ما يوافق هواه، نقل من كلام ابن عبد البر في (الإستيعاب) ما يفيده في (الهامش) (5/161) وترك الآخر وهو تضعيف ابن عبد البر لحديث زيد بن أبي أوفى هذا المذكور هنا حينما أشار إليه وإلى ما ذكره من المؤاخاة فقال: (1/559)، (إلاّ أن في إسناده ضعفاً) فأقدم على إخفائه هذا الموسوي، كما حذف شطر حديث زيد بن أبي أوفى هذا الأول. في كيفية المؤاخاة لا لطوله بل لأن فيه التصريح الواضح بفضائل عظيمة لعدد من الصحابة الذين تبغضهم الرافضة- قبّحهم الله- وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين، أنظر نص الحديث في (المعجم الكبير) للطبراني (5146) وغيره.(64/395)
فقبل الكلام على سند الحديث وبيان ضعفه ووضعه، نقول لأصحاب هذا الموسوي إن كنتم تقولون بثبوت هذا الحديث وتحتجّون به فهيّا لنطلعكم على ما جاء فيه مما أخفاه عنكم صاحبكم الموسوي هذا لأن فيه قارعة على رؤوسكم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر كما في هذا الحديث: (إنّ لك عندي يداً إنّ الله يجزيك بها، فلو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذتك خليلاً، فأنت منّي بمنزلة قميصي من جسدي).
وقال لعمر: (فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة) والثلاثة هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر بدليل ذكر أبي بكر قبله.
وقال لعثمان: (أنت ممن يرد عليّ الحوض وأوداجه تشجب دماً فأقول: من فعل بك هذا ؟ فتقول فلان وفلان وذلك كلام جبريل عليه السلام وذلك إذ هتف من السماء ألا إنّ عثمان أمين على كل خاذل) فليسمع كل الشيعة هذا.
وقال لعبد الرحمن بن عوف: (ادن يا أمين الله والأمين في السماء. . .) ومن أمأنته أنه قدم في الشورى عثمان على عليّ.
وقال لطلحة والزبير: (أنتما حواريّ كحواري عيسى ابن مريم عليه السلام) .
وهذا كله مما لا ترضى به الشيعة وتأنف منه ولا تطيق سماعه كما هو معلوم عند كل من عرف مذهبهم وقرأ كتبهم في ذلك . فالحديث إذن متنه مردود على مذهب الشيعة، وإسناده مردود على مذهب أهل السنة كما سنبيّنه إن شاء الله .(64/396)
فقد أخرجه الطبراني في (الكبير) (5146)، وذكره المتقي الهندي في (الكنز) (36345) وعزاه لأحمد في كتاب (مناقب علي) وبين شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة)، إن هذا ليس من رواية الإمام أحمد وإنما من زيادات القطيعي ثم ساق إسناد القطيعي- أنظر (مختصر المنهاج) (460)- الذي رواه من طريق البغوي في (معجمه)، وذكره المتقي الهندي أيضاً في (الكنز) (25555) وساق له إسنادين عن زيد بن أبي أوفى وعزاه لهؤلاء الذي ذكرهم هذا الموسوي ونقل تخريجه منه (البغوي والطبراني في معجميهما والباوردي في المعرفة وابن عدي)، وذكره السيوطي أيضاً في (الدر المنثور) (6/76-77) وعزاه لهؤلاء ولم يتكلّم عليه بشيء لكن نقل المتقي الهندي في (الكنز) عقب تخريجه تضعيف السيوطي وغيره من الأئمة لهذا الحديث، فقال نقلاً عن السيوطي (9/170-171): (و كان في نفسي شيء ثم رأيت أبا أحمد الحاكم في الكنى نقل عن البخاري أنه قال: حدثنا حسان بن حسان حدثنا إبراهيم بن بشير أبو عمرو عن يحيى بن معين حدثني إبراهيم القرشي عن سعيد بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى به، وقال: هذا إسناد مجهول لا يتابع عليه ولا يعرف سماع بعضهم من بعض أنتهى) . وهذا كله موجود في (الكنز) فاقتطعه هذا الموسوي قطع الله ذكره مما يدلّ على عدم أمأنته في النقل.
وهذا الحديث ضعيف جداً لا يثبت وليس ببعيد من الوضع فقد روي من طريق عبد المؤمن بن عباد بن عمر العبدي عن يزيد بن معن عن عبد الله ابن شرحبيل عن رجل من قريش عن زيد بن أبي أوفى- وفي بعض طرقه: عبد الله بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى- ورواته من دون الصحابي مجهولون لا يعرفون ولم أجد لهم أية ترجمة سوى عبد المؤمن بن عباد العبدي فقد ذكره الذهبي في (الميزان) ونقل تضعيف أبي حاتم له وقول البخاري عنه لا يتابع على حديثه.(64/397)
وله طريق أخرى، تلك التي رواها البخاري فيما نقله السيوطي عنه فيما تقدم نقله من (الكنز) ورواته أيضاً مجهولون ولا يعرف سماع بعضهم من بعض كما قال البخاري وإبراهيم القرشي وسعيد بن شرحبيل اللذين في الطريق ذكرهما الذهبي في (الميزان) و(المغني) وحكم بجهالتهما . وانظر كلام البخاري السابق على هذه الطريق في (التاريخ الصغير) (1/217)، وقد أشار البخاري هناك أيضاً إلى طريق ثالثة فقال: (و وراه بعضهم عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصل له) إ. ه. فهذه طرق هذا الحديث الذي لا يثبت أبداً، إذ هو من طريق مجاهيل لا تعرف عدالتهم وحالهم فضلاً عن لقائهم بمن رووا عنه، وهو ليس ببعيد من الوضع، وقد حكم عليه بذلك ابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1/214)، إضافةً لشيخ الإسلام إبن تيمية في (منهاج السّنة)- أنظر (مختصر المنهاج) (ص460)- وقد أقره على ذلك الذهبي أيضاً، فضلاً عمّن ضعفه كالبخاري فيما سبق وابن عبد البر في (الاستيعاب) (1/559) . وقال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) (1/560-561): (و قال ابن السكن روي حديثه من ثلاث طرق ليس فيها ما يصح) إ. ه. هذا حديث زيد بن أوفى الأول الذي ذكره الموسوي، أما الحديث الثاني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعليّ: (أغضبت علي حين آخيت. . .) الحديث. فقد عزاه للطبراني في (الكبير)، وطبعاً نقل ذلك من (الكنز) أو منتخبه. وهو حديث مكذوب موضوع، أخرجه الطبراني (11092) وفي إسناده حامد بن آدم المروزي وهو كذاب، كذبه الجوزجاني وابن عدي وعده السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث، وقال ابن معين: كذاب لعنه الله . وقد ذكر هذا الحديث أيضاً الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/111) وقال: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه حامد بن آدم المروزي وهو كذاب) إ. ه.(64/398)
وبعد أن بيّنا كذب هذين الحديثين فلا حاجة لنا إلى رد ما ادّعاه هذا الموسوي في الهامش (8/163) إذ بطلانه أوضح من أن يحتاج إلى رده خصوصاً بعد ثبوت كذب هذين الحديثين كما قلنا، ومن باب أولى كذب ما ادعاه من أنّ قوله صلى الله عليه وسلم لعليّ: (أنت مني بمنزلة هارون . . .) قد جاء في غير غزوة تبوك . وعلى مثل هذين الحديثين تقيم الشيعة مذهبها فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أشار في هذه الفقرة إلى الأحاديث الواردة في سدّ الأبواب غير باب عليّ، وهي كلها ضعيفة لا تثبت ولا تقوم بها حجة والحمد لله، كما سنبيّنه فيما بعد إن شاء الله، لكنه ذكر حديثين في ذلك فيهما قول النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ (أنت مني بمنزلة هارون . . .) مدللاً على مجيئه في غير غزوة تبوك كما زعم، ولو أنه احتجّ بأحاديث من كتب أهل السنة لكان له وجه في ذلك لكنه لعدم وجود مثل هذه الإفتراءات عندهم ولا حتى في كتب الموضوعات عدل عنها إلى كتب أئمته الشيعة محتجاً بذلك على أهل السنة بعد أن سبق زعمه باحتجاجه على أهل السنة بما في كتبهم- زعم- هذا والله هو الخزي والخذلان.(64/399)
فهذان الحديثان؛ حديث جابر بن عبد الله وحديث حذيفة بن أسيد الغفاري نقلهما هذا الموسوي من كتاب (ينابيع المودة) للبلخي الذي نقلهما بدوره من كتاب (فضائل أهل البيت) لأخطب خوارزم، وقد اعترف بذلك هذا الموسوي نفسه في الهامشين (9، 10/ 163)، وهذا كله لا يشكل دليلاً على أهل السنة والحمد لله، فأخطب خوارزم هذا من رجال الشيعة، فضلاً عن أنه من الأدباء وليس من أهل الحديث والأثر الذين يعتمد على نقلهم، وأسمه الموفق بن أحمد بن إسحاق المعروف بأخطب خوارزم أو خطيب خوارزم (484-568ه)، وهو من تلاميذ الزمخشري، ترجم له السيوطي في (بغية الوعاة) (ص401)، والقمّي في (الكنى والألقاب) (2/ 11-12) وذكر كتابه هذا (فضائل أهل البيت) وأنه قال في آخره شعراً في مدح عليّ رضي الله عنه، وكتابه هذا مليء بالأكاذيب والموضوعات فضلاً عن أنه لا يشكل دليلاً على أهل السنة كما قلناه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن كتابه هذا في (منهاج السنة)- أنظر (مختصر المنهاج) (ص312)-: (فيه من المكذوبات ما لا يوصف) إ. ه.
وهذا بحمد الله كافٍ لردّ هذين الحديثين، لكن أضيف مؤيداً ما قلناه أن حديث جابر بن عبد الله المذكور هذا: (يا عليّ إنه يحلّ لك في المسجد ما يحلّ لي . . .) قد ذكره الذهبي في (الميزان) (1/ 469) في ترجمة حرام بن عثمان الأنصاري من طريقه، وهو ليس بثقة كما قال مالك ويحيى، وقال أحمد: ترك الناس حديثه، وقال الشافعي وغيره: الرواية عن حرامٍ حرام، وقال ابن حبان: كان غالياً في التشيّع يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل. وبنحو قول الشافعي السابق قال ابن معين والجوزجاني.
فتأكدنا من حال هذا الحديث أولاً، ومن قولنا السابق عن أخطب خوارزم وكتابه ثانياً ولله الحمد.
وقال بعد ذلك في هذه الفقرة: (وكم لهذه الموارد من نظائر لا تُحصى في هذه العجالة . .).(64/400)
قلنا: نعم نظائر لا تُحصى في كتب الموضوعات المكذوبات كما بيّناه ونبيّنه بعد إن شاء الله . وما قاله في الفقرة السابعة من هذه المراجعة كله سخف وحماقة فضلاً عن ما فيه من التحكّم المحض وسنفصّل ذلك إن شاء الله حين تفصيله لها في المراجعة الآتية .
المراجعة (33): س:
التماس شيخ الأزهر موارد تشبيه علي وهارون كالفرقدين.
المراجعة (34): ش:
ساق مجموعة أخرى من النصوص الواهية والباطلة زاعماً الإحتجاج بها على تشبيه عليّ وهارون كالفرقدين.
الرد على المراجعة (34):
نقض كل نصوصه تلك بالتفصيل بعد سوق شيء ما عن التشبيه عموماً.(64/401)
ذكر في هذه المراجعة عدداً من الأحاديث التي زعم أنها تدل على تساوي منزلتي هارون وعليّ في أمتيهما، ومن تتبع كلام هذا الموسوي هنا وأئمة الشيعة عموماً في هذه المسألة اتضحت له الأصول اليهودية في مذهب الشيعة هؤلاء نظير قولهم بالوصاية لعلي على غرار الوصاية ليوشع بن نون بعد موسى عليه السلام التي اعترف بها أئمة الشيعة كالكشي والنوبخيّ وغيرهما- أنظر ما نقلناه عنهم سابقاً في صفحة (349)- . واعتماداً على ما ذكر من هذه الأحاديث يريد هذا الموسوي القول بخلافة عليّ للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته مع أن هذه المنزلة لم تكن لهارون من موسى عليهما السلام، ولا قبل لهم بإثباته، والأحاديث التي ساقها ما بين موضوع إلى ضعيف لا يثبت فلا تقوم بها حجة، وما يمكن أن يصحّ منه- كحديث شبّر وشبير- لا يستلزم ذلك أبداً، إذ ليس في تشبيه أسماء ولد عليّ بأسماء ولد هارون ما يستلزم التشابه في كل شيء، ذلك أن التشبيه في اللغة يراد به الإشارة إلى صفة مشتركة بين المشبه والمشبه به لا مطلق التشابه في جميع الصفات فإن هذا محال لا يمكن تصوره من وجود شيئين متماثلين من كل الوجوه فأنت إذا قلت عن امرأة أجنبية عنك آوتك وربّتك وأدّبتك هي منّي بمنزلة أمّي، لا يٌفهم منه أنها بمنزلة أمّك في كلّ شيء حتى في تحريم زواجك من ابنتها على أساس أنها أخت لك، أو في وراثتها إذا ماتت أو بالعكس وغير ذلك فإن هذا معلوم البطلان وإنما يُفهم من إنزالك إياها منزلة أمّك في العطف والحنان والمكانة ليس إلا، ومن ادّعى شموله فإنما ينادي على نفسه بالحماقة والجهل، كما فعل هذا الموسوي في حديث المنزلة. ولو صحّ القول بأن عليّاً في هذه الأمة بمنزلة هارون من بني إسرائيل لما أفاد العموم والشمول كما قدمنا، كيف وهو لم يصح ونعوذ بالله من القول بما لم يصح وهو ما يريد قوله هذا الموسوي لكنه لم يتجرأ على التصريح به، وقد كفانا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال(64/402)
لعليّ: (أنت مني . . .) فقصرها به لا بجميع الأمة، فعليّ بمنزلة هارون من محمد صلّى الله عليه وسلم فقط لا بالنسبة لجميع الأمة كما هو صريح الحديث، ويصبح القول بفرض طاعته على جميع الأمة كحال هارون من العبث، إذ هو وارد على غير محله كما قدمنا. ثم منزلته رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم وتشبيهها بمنزلة هارون من موسى لا تفيد مطلق التشبيه وإنما هو تشبيه جزئي كما دللنا عليه من غاية التشبيه في اللغة وعلى فرض أنه تشبيه مطلق فقد قدمنا أنه كأنت لهارون منازل: منها أنه أخوه لأمّه وأبيه- لا أخوّة الدين- ومنها أنه نبي معه ومنها أنه خليفته المؤقت في حياته حين ذهب لميقات ربه وليس في أي من تلك المنازل ولا غيرها أن هارون خلف موسى بعد موته عليهما السلام، فبطل بذلك احتجاج الشيعة بهذا الحديث على خلافة عليّ رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، والحمد لله. فأنت ترى أن هناك موانع كثيرة تمنع من الإحتجاج بالحديث على ما ادعاه هذا الموسوي- المفتري- وأصحابه الرافضة الضّلال.
وهناك أمر آخر وهو أننا- على سبيل التنازل- لو وافقنا هذا الموسوي على ادعائه تشابه عليّ وهارون تشابهاً مطلقاً فيلزم منه- على مذهبهم- نقض القول بالوصاية لعليّ على غرار الوصاية ليوشع بن نون التي ينادي بها أئمة الشيعة كما قدمنا ذكره عنهم في (ص349) إذ يكون أحق الناس بالتشبيه بيوشع بن نون وأن ينزل منزلته هو أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان معه في الغار وسافر معها إلى المدينة كما كان يوشع بن نون صاحب موسى الذي سافر معه في طلب الخضر عليهما السلام. وهو الذي ولي أمر بني إسرائيل بعد موسى كما ولي أبو بكر الصدّيق أمر هذه الأمة- بحق- بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.(64/403)
وهؤلاء الرافضة الضّلاّل كلما وجدوا مثلاً صالحاً في بني إسرائيل جعلوه لعليّ رضي الله عنه، وإن أدى ذلك إلى التناقض الفاضح، فهم مرةً يقولون إن مثل عليّ مثل مؤمن آل فرعون، كما صرح به هذا الموسوي ورددنا عليه في (ص193- 197) وبينا هناك أن أحق الأمة بالتشبيه بمؤمن آل فرعون أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه بأدلة عدة منها قول عليّ رضي الله عنه نفسه فراجعه. ومرّة يقولون إن مثل عليّ مثل يوشع بن نون، وأخرى مثله مثل هارون وقد علم القاصي والداني عدم إمكان اجتماع هذين المثلين لاختلاف ما بينهما وكل هذا وقعت فيه الرافضة لحماقتها وضلالها فحسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم ذكر في الفقرة الأولى من هذه المراجعة حديث علي رضي الله عنه تسمية النبي صلى الله عليه وسلّم للحسن والحسين بأسماء ولد هارون، وعزاه للإمام أحمد (1/98)، وللحاكم (3/165، 168)، وعلى فرض صحة هذا الحديث فقد قدمنا بالتفصيل عدم لزومه للتشابه المطلق التام بين هارون عليه السلام وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كما هي غاية التشبيه في اللغة والعرف.
وقد نقل هذا الموسوي عن الحاكم تصحيحه لهذا الحديث على شرط الشيخين، وهو كذب واضح إذ أن الحاكم اكتفى بتصحيحه وقال: صحيح الإسناد، ولم يقل على شرط الشيخين ولا أحدهما لكن وافقه الذهبي على ذلك، وهو لا يستقيم فإنه من طريق أبي إسحاق السبيعي عن هانئ بن هانئ عن عليّ . وأبو إسحاق السبيعي ثقة لكنه مدلّس وقد عنعنه ولم يصرّح بالتحديث، وهو إلى ذلك كان قد اختلط حفظه بآخره . وشيخه هانئ بن هانئ مجهول الحال أو مستور كما قال الحافظ في (التقريب) فلم يرو عنه سوى أبي إسحاق السبيعي، وقد حكم عليه بالجهالة ابن المديني، وقال الجوزجاني- فيما نقله الحافظ في (التهذيب) في ترجمة أبي إسحاق-:(64/404)
فأما أبو إسحاق فروى عن قومٍ لا يُعرفون ولم يُنشر عند أهل العلم إلا ما حكى أبو إسحاق عنهم فإذا روى تلك الأشياء عنهم كان التوقيف في ذلك عندي الصواب إ. ه. قلت: وهانئ بن هانئ هذا من هؤلاء فلا يصحّ هذا الإسناد.
وله طريق أخرى رواها ابن سعد فيما نقله ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/331) عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: قال عليّ، وذكره . وفي إسناده انقطاع فسالمٌ لم يُدرك عليّاً كما في (التهذيب) و(المراسيل) لابن أبي حاتم (ص55)، فضلاً عن أن الأعمش مدلّس وقد عنعنه ولم يصرّح بالتحديث.
ثم ذكر هذا الموسوي في الفقرة الثانية من هذه المراجعة قصة المؤاخاة المزعومة بين النبي صلى الله عليه وسلّم وعليّ . وكنا قد أشرنا إليها قبلاً ووعدنا بتفصيل الرد على هذه الأحاديث وها نحن نقوم به هنا بمعونة الله، لكن نحب ان نذكّر بما قلناه سابقاً أن كل الأحاديث التي تذكر مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلّم لعليّ موضوعة مكذوبة من اختلاق هؤلاء الرافضة وأذنابهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأحاديث المؤاخاة كلها كذب ولا آخى النبي صلى الله عليه وسلّم بين مهاجري ومهاجري، ولكن بين المهاجرين والأنصار)، وأقرّه الذهبي في (مختصر المنهاج) (ص460)، وأقرهما أيضاً الألباني في (الضعيفة) (1/356)، وقال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/335) عن أحاديث المؤاخاة هذه: وأسانيدها كلها ضعيفة لا يقوم بشيء منها حجّة، والله أعلم إ. ه. وقد ذكر معظم أحاديث المؤاخاة هذه أكثر من صنف في الأحاديث الموضوعة، كابن الجوزي في (الموضوعات) . والسيوطي في (اللآلئ المصنوعة)، وابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) وغيرهم.(64/405)
ثم ذكر هذا الموسوي عدداً من الصحابة ممن زعم صحة السند اليهم في روايتهم لحديث المؤاخاة المزعومة هذه ولم يذكر مستنده في ذلك، وما دام الكلام عارياً عن البيّنة فلا ضابط لافتراءات الجهلاء وادعاءاتهم، ثم راح يفصل ذلك وبدأ بحديث ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ: (يا عليّ أنت أخي في الدنيا والآخرة) أخرجه الترمذي (4/328)، والحاكم (3/14) من طريق حكيم بن جبير عن جميع بن عمير التيمي عن ابن عمر، وجميع هذا متهم، قال ابن حبان: رافضي يضع الحديث، وقال ابن نمير: كان من أكذب الناس. وقد تقدم حاله ضمن الرواة المئة برقم (17) وأشرنا إلى حديثه الموضوع هذا هناك أيضاً.
هذا أحد إسنادي الحاكم، والإسناد الثاني من رواية جميع هذا أيضاً لكن بزيادة طامّة أخرى وهي إسحاق بن بشر الكاهلي الذي فيه وقد كذبه ابن أبي شيبة وموسى بن هارون واتهمه الدارقطني بوضع الحديث. هذه حال طريقي هذا الحديث عند الحاكم وغيره، فلم يستحِ هذا الموسوي المفتري من الكذب بقوله: (طريقين صحيحين على شرط الشيخين) كما في الهامش (2/165) وزاد عليها أيضاً: (و أخرجه الذهبي في تلخيصه مسلّماً بصحته) مع أن الذهبي قد عقب على هذا الحديث بطريقيه فقال: (جميع اتهم، والكاهلي هالك)، ألا لعنة الله على الكاذبين. ولينظر الشيعة إلى إمامهم هذا عبد الحسين شرف الدين- وما هو بشرفٍ للدين- وما يمارسه من الكذب ثم ليحكموا بأنفسهم.
وقد حكم على هذا الحديث بالوضع الألباني في (الضعيفة) (351) وعزاه أيضاً لابن عدي (59/1، 69/1) من نفس الإسناد، وذكره في الموضوعات أيضاً الفتني الهندي في (تذكرة الموضوعات) (97).(64/406)
وقوله بعد ذلك: (وسمعت في المراجعة 20 قوله وقد أخذ برقبة علي: إن هذا أخي ووصيي. . .) إشارة إلى الحديث الموضوع من رواية الكذابين أو المتهمين أو المتروكين في نزول قوله تعالى: {و أنذر عشيرتك الأقربين} وقد قدمنا الكلام عليه بالتفصيل بما يغني عن إعادته في (ص 220-229، 354) وبينا كذب هذا الحديث هناك، فأنتظم هذا الحديث إلى كوم الأحاديث المكذوبة التي سوّد بها هذا الموسوي مراجعاته هذه .
ثم قال: (وخرج صلى الله عليه وآله وسلّم على أصحابه يوماً ووجهه مشرق فسأله عبد الرحمن بن عوف، فقال: بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي . . .) الحديث.
هذا حديث كذب وقد عزاه هذا الموسوي في الهامش (3/166) لأبي بكر الخوارزمي نقلاً من الصواعق وهو قصور فاحش فاضح فليس هو من أصحاب الحديث ولا كتابه من كتب الحديث فلا يصح العزو إليه لكن هذا ما يستسيغ فعله الجهلاء.(64/407)
وهذا الحديث قد أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) (4/210) عن بلال ابن حمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوماً ضاحكاً مستبشراً، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال: (بشارة أتتني من عند ربي، إن الله لما أراد أن يزوّج علياً فاطمة أمر ملكاً أن يهز شجرةَ طوبى فهزّها فنثرت رقاماً- يعني صكاكاً- وأنشأ الله ملائكةً التقطوها، فإذا كأنت القيامة ثارت الملائكة في الخلق فلا يرون محباً لنا أهل البيت محضاً إلاّ دفعوا إليه منها كتاباً براءة من النار من أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار) إ. ه. وهو حديث كذب لا يخفى ذلك على متنه . قال الخطيب بعد إخراجه: رجال هذا الحديث ما بين بلال وعمر بن محمد كلهم مجهولون إ. ه. قلت: وهم سبعة، أبو علي أحمد بن صدقة البيع حدثنا عبد الله بن داود بن قبيصة الأنصاري حدثنا موسى بن علي حدثنا قنبر بن أحمد بن قنبر مولى علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده كعب بن نوفل. وقد ذكر بعضهم الذهبي في (الميزان) وحكم بجهالتهم، وأشار إلى هذا الحديث في ترجمة موسى بن علي من (الميزان) وقال: (إسناده ظلمات) وقال قبل ذلك (و الخبر كذب)، وحكم عليه أيضاً بالكذب والوضع ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/400) وابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/367).
قال: (و لما زفت سيدة النساء إلى كفئها سيّد العترة قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أم أيمن ادعي لي أخي، فقالت: هو أخوك وتنكحه، قال: نعم يا أم أيمن، فدعت علياً فجاء. .) الحديث.(64/408)
قلت: هذا الحديث منكر مردود وإنما يصدّقه من لا علم له بالأخبار ولا بالسيرة، أخرجه الحاكم (3/159) من طريق أبي يزيد المدني عن أسماء بنت عميس قال: كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . الحديث. ولم يصححه الحاكم ولم يعقب عليه بشيء، لكن الذهبي رده- جزاه الله خيراً- فقال: (و لكن الحديث غلط لأنّ أسماء كأنت ليلة زفاف فاطمة بالحبشة) إ. ه. ومنه يعلم كذب هذا الموسوي حين قال في الهامش (4/166): (و أخرجه الذهبي في تلخيصه مسلّماً بصحته) .
وما قاله الذهبي في رد هذا الحديث هو الحق، فإن أسماء بنت عميس كأنت زوجة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، هاجرت معه إلى الحبشة وبقيت هناك حتى قدم جعفر ومن معه وزوجته أسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد فتح خيبر سنة سبعٍ للهجرة، وهذا مستفيض في السيرة، وكل من صنّف في السيرة ذكره وأقرّه لا يماري في ذلك إلا الجهلاء. ومثلها في الاستفاضة والشهرة والثبوت زواج عليّ من فاطمة رضي الله عنهما في السنة الثانية من الهجرة بعد بدر، ومعنى ذلك أن أسماء بنت عميس كأنت في الحبشة مع زوجها جعفر حين تزوّج عليّ فاطمة. ولا يمكن أن يقال ان هذا من قبيل مرسل الصحابي فيقبل فان في الخبر ما هو مردود حتماً وهو شهود أسماء لزواج فاطمة من عليّ وقولها: كنت في زفاف فاطمة، فهذه علّة قادحة في المتن توجب وهنه وضعفه ومن ثم ردّه.
ثم إن أبا يزيد المدني الراوي عن أسماء ليس ممن يحتجّ بتفرّده، قال الحافظ في (التقريب) مقبول. وهذا وإن كان من ألفاظ التعديل لكنه أقلّها وأدناه كما يعلمه أهل هذا العلم الشريف، وليس بعده إلا الجرح. وكما هو ثابت عند أهل الحديث فلا يحتج بأصحاب هذه المرتبة إذا انفردوا، كما هو الحال في حديثنا الحالي، يعني أنه مقبول حيث يتابع كما بيّنه الحافظ في مقدمة (التقريب).(64/409)
وأظن- والله أعلم- ان هذا هو السبب فيما وقع من غلط في متن هذا الحديث، مما يرد على من احتجّ بهذا الحديث كهذا الموسوي الخبيث، والحمد لله على توفيقه.
وقوله في (الهامش) (4/166): (و كل من ذكر زفاف الزهراء ذكره لا استثني منهم أحداً) أبطل من سابقه ونحن نتحدّاهم بذكر واحد ساقه بإسناد صحيح ثابت، ونعفيهم من ذكر الاتفاق عليه.
ثم قال: (و كم أشار إليه فقال: هذا أخي وابن عمي وصهري وأبو ولدي) وعزاه في الهامش (5/166) للشيرازي في الألقاب وابن النجار عن ابن عمر رضي الله عنهما، وطبعاً نقل ذلك من (الكنز) أو (منتخبه).
وقد ذكره في (الكنز) (32947) ولم يعقب عليه بشيء لكنه كان قد ذكره أيضاً، (12914) وأشار إلى ما فيه من ضعف بقوله: (و فيه إسماعيل بن يحيى) قلت: وفي الرواة إسماعيل بن يحيى أربعة: إسماعيل بن يحيى التيمي، والشيباني، وابن سلمة بن كهيل، والمعاقري. والأولان كذّابان، والثالث متروك، والرابع مجهول لا يُعرف- كما في (الميزان) و(التهذيب) وغيرهما- فبان بهذا كذب الحديث أو ردّه على أي وجه. لكن الراجح عندي أنه الأول: إسماعيل بن يحيى التيمي لأمرين؛ الأول: إن الثلاثة الآخرين هم من رجال السنن (ابن ماجة والترمذي وأبو داود) فلو كان أحدهم هو المذكور لبيّنه صاحب الكنز بوضوح إذ حاله لا يخفى . الأمر الثاني: أن إسماعيل بن يحيى التيمي قد جاء في ترجمته من (تاريخ بغداد) (6/247-249) ما يدل على تشيّعه فهو أقرب الأربعة لرواية مثل هذا الكذب، والله أعلم.(64/410)
وكل هذا لعدم تمكّني من الوصول إلى (ذيل تاريخ بغداد) لابن النجار مع انه مطبوع موجود، ولا أرى الآن حاجة إلى ذلك إذ على فرض عدم صحة ما قلناه يبقى الحديث مكذوباً أو مردوداً ساقطاً كما هو واضح. والتيمي هذا كذّبه الدارقطني والحاكم وأبو علي النيسابوري . وقال صالح بن محمد جزرة: كان يضع الحديث. وقال الأزدي: ركن من أركان الكذب لا تحلّ الرواية عنه . وقال الذهبي: مجمع على تركه.
ثم قال: (و كلّمه مرةً، فقال له: أنت أخي وصاحبي) وعزاه في الهامش (6/166) لابن عبد البر في (الإستيعاب) عن ابن عباس . قلت: أخرجه ابن عبد البر (3/34-35)، وهو عند الإمام أحمد في (مسنده) (1/230)، كلاهما من طريق حجّاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس . وعند الإمام أحمد بيان سبب ذلك وهو في قصة اختصام عليّ وجعفر وزيد في ابنة حمزة، وقد تقدم ذكرها في (صفحة 383) وبينا الرواية الصحيحة الثابتة لها وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ (أنت مني وأنا منك)، وما سوى ذلك فضعيف مردود لا يصح الإحتجاج به، ومن تلك الروايات غير الصحيحة والساقطة رواية ابن عباس هذه ففي سندها علّتان:
الأولى: حجاج المذكور هو ابن أرطاة وهو وإن كان صدوقاً في نفسه إلا أنه كثير الخطأ والتدليس كما قال الحافظ في (التقريب)، فلا يحتج بما رواه بالعنعنة- كما هو الحال هنا- وإنما فيما صرح فيه بالتحديث أو السماع فقط، قال ابن خزيمة: لا أحتجّ به إلا فيما قال أنبأنا وسمعتُ، أنظر ترجمته من (التهذيب) وكذا (الميزان) . فالعلّة الأولى إذن تدليس الحجاج مع ما عنده من الخطأ.(64/411)
الثانية: الإنقطاع بين الحكم- وهو ابن عتيبة- وبين مقسم مولى ابن عباس، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمتي الحكم ومقسم من (تهذيب التهذيب) عن الإمام أحمد ويحيى القطان وغيرهما أن الحكم لم يسمع من مقسم سوى أربعة أحاديث أو خمسة على الأكثر ليس حديثنا هذا منها- أنظر تلك الأحاديث في (تهذيب التهذيب) (2/434)- وهذا ما نسميه انقطاعاً باعتبار الإسناد وتحمل كل راوٍ عن الآخر لا مطلقاً فإنه من قبيل الرواية عمّن عاصره ولقيه ما لم يسمع منه وهو أحقّ بان يسمى تدليساً، لهذا قال الحافظ في (التقريب) عن الحكم بن عتيبة: (ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلّس) ويعني به مثل روايته هذه عن مقسم.
ولا يتوهّمنً أحدٌ أن هذه علّة بسيطة أو غير قادحة، فإن الحكم كما مر ثقة ثبت، وعدم ذكره للواسطة بينه وبين مقسم لا لنسيانه بل لخلل قادح في تلك الواسطة كأن يكون راوياً متّهماً بالكذب أو متروكاً أو ضعيفاً جداً . فدلّس الحكم اسمه وووصله بمقسم، شأنه في ذلك شأن كل المدلّسين من الحفاظ الأثبات كالأعمش والحسن البصري وأبي إسحاق السبيعي وغيرهم . وهذا إنما فعلوه متأولين جوازه أو لثقة تلك الواسطة عندهم بخلاف غيرهم فأرادوا رواية حديثه، وبخلاف ذلك يكون حراماً ويقدح في عدالتهم.
هذه نبذة مختصرة عن التدليس وخطره وأحقيّة علّته، والله أعلم . وهذه علّتان في إسناد هذا الحديث تمنعان من تصحيحه- كما هو واضح- ومن الإحتجاج به فلا تبقى فيه بعد ذلك أية حجة لهذا الموسوي وأصحابه مع ما سبق بيانه من مخالفته للفظ الصحيح في هذه القصة، قصة اختصام عليّ وجعفر وزيد في ابنه حمزة، والله الموفق للصواب.
ثم قال الموسوي: (و حدّثه مرة أخرى، فقال له: أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة) وعزاه في الهامش (7/166) للخطيب نقلاً من (كنز العمال).(64/412)
قلت: وقد أخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) (12/268) من طريق عثمان بن عبد الرحمن حدثنا محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن عليّ. وهو حديث موضوع، عثمان بن عبد الرحمن المذكور هو القرشي الزهري الوقاصي، وهو كذاب كذّبه ابن معين، وأقل ما قيل فيه أنه متروك. وقد عدّ هذا الحديث في (الموضوعات) الألباني في (الضعيفة (352).
وقال هذا الموسوي: (و خاطبه يوماً في قضية كانت بينه وبين أخيه جعفر وزيد بن حارثة، فقال له: وأما أنت يا علي فأخي وأبو ولدي ومني واليّ. .) الحديث. وعزاه في الهامش (8/166) للحاكم في (مستدركه) (3/217) وقد صححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو وهمٌ منهما رحمهما الله تعالى فالحديث ليس على شرط مسلم أصلاً وليس بصحيح أبداً بل هو ضعيف منكر.
فهو من طريق علي بن سعيد بن بشير الرازي حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني، حدثنا محمد بن سلمة، حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه أسامة بن زيد. وهذا إسناد ضعيف لايصحّ، فيه ثلاث علل:
الأولى: علي بن سعيد بن بشير الرازي فيه ضعف مع ما عنده من حفظ وعلم . قال الدارقطني: ليس بذاك تفرّد بأشياء، وفي رواية قال: حدث بأحاديث لم يتابع عليها أنظر ترجمته في (تذكرة الحفاظ) و(الميزان) . مع ملاحظة أن أحداً لم يتابع علياً في روايته هذه.
الثانية: إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، وإن كان ثقةً إلاّ أنه يأتي بما يُستغرب، قال الحافظ في (التقريب): ثقة يغرب. وقد فسر ذلك القاضي ابو بكر الجعابي- فيما رواه عنه الخطيب في (التاريخ) (6/273)- فقال: يحدث عن محمد بن سلمة بعجائب . وذكره الذهبي في (الميزان) والحافظ ابن حجر في (التهذيب) . ومحمد بن سلمة شيخه في هذا الحديث، فهو من غرائبه خصوصاً وليس له متابع فيه.(64/413)
الثالثة: محمد بن إسحاق- صاحب السيرة- مدلّس وقد عنعنه، ولا يحتج بشيء من حديثه إلا فيما صرح فيه بالتحديث أو السماع، وهو أمر مفقود هنا كما ترى مما يؤكد ضعفه.
وإضافةً إلى ضعف هذا الإسناد فهو منكر لمعارضته ما صح وثبت في قصة اختصام عليّ وجعفر وزيد في ابنة حمزة، وقد بيناه في (ص383)، خصوصاً وأنت ترى أن رواية حديث أسامة هذا لم تأتِ إلاّ من طريق من لا يعتدّ بتفردهم ومن عندهم غرائب وعجائب، ولو كأنت صحيحة ثابتة لتابعهم عليها الحفاظ العارفون.
ومن العجيب أن يوافق الذهبي الحاكم في ادّعائه شرط مسلم في هذا الإسناد وهو بنفسه- الذهبي- قد بيّن في ترجمة محمد بن إسحاق من (الميزان) أنه ليس من رجال مسلم المحتج بهم بل أخرج له مسلم في المتابعات فقط.
وإسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة ليس من رجال مسلم أيضاً، وكذا محمد بن أسامة بن زيد ليس له رواية عند مسلم مع أنه ثقة . فبان بهذا عدم صحة هذا الإسناد على شرط مسلم، بل عدم صحته أبداً لما بيّنّا فهو ضعيف منكر لا يصحّ الإحتجاج به، ولله الحمد.
ثم قال: (وعهد إليه يوماً، فقال: أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي. .) الحديث وعزاه في الهامش (9/166) للطبراني في (الكبير) عن ابن عمر نقلاً من (كنز العمال).
قلت: قد أخرجه الطبراني في (الكبير) (13549) من طريق محمد بن يزيد- هو أبو هاشم الرفاعي- حدثنا عبد الله بن محمد الطهوي عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر. وهو حديث باطل، إسناده ضعيف جداً، فيه ثلاث علل:
الأولى: محمد بن يزيد، أبو هاشم الرافعي فيه ضعف، قال الحافظ في (التقريب): ليس بالقوي، وقال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه.
الثانية: عبد الله بن محمد الطهوي، لم أجد له ترجمة وبه أعلّ هذا الحديث الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/121).(64/414)
الثالثة: ليث هو ابن أبي سليم، وهو ضعيف بسبب سوء حفظه واختلاطه، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق اختلط اخيراً ولم يتميّر حديثه فتُرِكَ) إ. ه. وقد روى ليث بإسناده هذا (عن مجاهد عن ابن عمر) عدداً من الأحاديث الضعيفة والباطلة، أنظر مثلاً (سلسلة الأحاديث الضعيفة) للألباني (47، 140) فبان بهذا سقوط الحديث وضعفه.
ثم قال هذا الموسوي: (و لما حضرته الوفاة- بأبي هو وأمي- قال: ادعوا لي أخي، فدعوا علياً، فقال: ادن مني، فدنا منه وأسنده إليه فلم يزل كذلك هو يكلمه حتى فاضت نفسه الزكية، فأصابه بعض ريقه صلى الله عليه وآله وسلم) وعزاه في الهامش (10/167) لابن سعد في (الطبقات) وأشار إلى ذكر صاحب (الكنز) له أيضاً.
وأقول: ذكره في (كنز العمال) (18790) وعزاه لابن سعد وقال: (وسنده ضعيف) وهو ما أخفاه عمداً هذا الرافضي البغيض عبد الحسين فله من الله ما يستحق على غشّه وخداعه هذا. والحديث عند ابن سعد (2/ق2/51) من طريق محمد بن عمر- وهو الواقدي- ثني عبد الله بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طال عن أبيه عن جده قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره . وهو حديث موضوع إسناده واهٍ جداً، فالواقدي هذا شيخ ابن سعد هو صاحب المغازي المشهور وهو متروك وقد كذّبه غير واحد. إضافةً إلى الإنقطاع في سنده فمحمد بن عمر بن علي لم يدرك جدّه عليّاً، وإن كان المقصود بجدّه جد عبد الله وهو عمر بن علي بن أبي طالب فهو مرسل، إذ هو تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أية حال فهذه العلة دون الأولى التي يتبيّن بها كذب الحديث . وسيأتي- إن شاء الله- خلال الكلام على (المراجعة –76-) ما يبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو في حجر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وان ما سوى ذلك كذبٌ وبهتانٌ وزورٌ من صنيع هؤلاء الرافضة الضّلاّل، والله المستعان.(64/415)
ثم قال: (وقال صلى الله عليه وآله وسلّم: مكتوب على باب الجنة: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله عليّ أخو رسول الله . .) الحديث.
قلت: لا والله ما قاله رسول الله صلى الله عليه سلم. وهو كذب من اختلاق هؤلاء الرافضة الضّلاّل أمثال هذا الموسوي الكذاب.
وقد عزاه في الهامش (11/167) للطبراني في (الأوسط)، وللخطيب في (المتفق والمفترق) نقلاً من (كنز العمال) و(منتخب الكنز)، وقد حذف منه هذا الموسوي البغيض ما يدلل على ضعفه، فقد عزاه أيضاً المتقي الهندي في (الكنز) (33043) لابن الجوزي في (الواهيات)، وكذلك هو في (المنتخب) (5/35) وهو يبين بوضوح ضعف هذا الحديث إذ لم يخرجوه في (الصحاح) بل في (الواهيات)، من أجل هذا أقدم على حذفه هذا الموسوي، وهو بذلك يؤكد- بصفته إماماً للرافضة- على عدم ثقتهم وخيأنتهم مع خذلان الله سبحانه لهم.
وهذا الحديث قد أخرجه الطبراني في (الأوسط)- (مجمع الزوائد) (9/111)- من طريق زكريا بن يحيى الكسائي، حدثنا يحيى بن سالم، حدثنا أشعث ابن عم الحسن بن صالح، حدثنا مسعر عن عطية العوفي عن جابر . ثم رواه عن الطبراني من طريقه هذا أبو نعيم في (الحلية) (7/256) ورواه أيضاً عن أبي نعيم من هذا الطريق الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) (6/387)، وقد ساق هذا الحديث أيضاً بإسناده هذا الحافظ الذهبي في (الميزان) (1/269) (2/76)، وهو إسناد واهٍ جداً فيه أربع علل:
الأولى: زكريا بن يحيى الكسائي هذا قال عنه ابن معين: رجل سوء يحدث باحاديث سوء. وقال مرة: يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيه. وقال النسائي والدارقطني: متروك . وقال الذهبي في (المغني): رافضي هالك.
الثانية: يحيى بن سالم- شيخ زكريا- هو الأسدي الكوفي وقد ضعفه الدارقطني كما في (الضعفاء والمتروكين) له (رقم 585) . ونقله الذهبي في (الميزان) .(64/416)
الثالثة: أشعث ابن عم الحسن بن صالح هذا ضعيف، قال الذهبي: شيعي جلد وليس بعمدة. وقال العقيلي: ليس ممن يضبط حديثه. وقد ضعفه أيضاً الهيثمي في (المجمع) (9/111) وبه أعلّ الحديث.
الرابعة: عطية العوفي ضعيف كما قال أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والذهبي وغيرهم- انظر ترجمته ضمن الرواة المئة (برقم 58)- وقال عنه الذهبي أيضاً فيما تعقب به الحاكم في (المستدرك) (4/222): (قلت: عطية واهٍ) . وقال الحافظ في (التقريب): (صدوق يخطئ كثيراً كان شيعياً مدلّساً) فهو إلى خطئه الكثير الذي أدى إلى ضعفه كان مدلّساً وقد عنعنه في حديثنا هذا ولم يصرّح بالسماع في كل طرقه، فهذه علة أخرى أيضاً. وقد أغفلت ما يمكن أن يكون علةً تضاف إلى ما سبق، وهو الكلام الجارح الذي ورد في حق شيخ الطبراني في هذا الإسناد محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعدم اطمئنان النفس إلى ثبوته والله أعلم.
وفيما سبق كفاية لردّ هذا الحديث والحكم عليه بالكذب.
وقد أشار هذا الموسوي في هامشه إلى إخراج ابن عساكر لهذا الحديث أيضاً نقلاً من (الكنز)، وقد قدمنا في (صفحة 382) ما بينه صاحب (الكنز) من اكتفائه في بيان ضعف الحديث بعزوه إلى ابن عساكر وآخرين غيره، وهو الأمر الواقع هنا بحمد الله، ولكن مع ذلك فقد ساق صاحب (الكنز) (36435) إسناده من طريق سليمان بن الربيع، ثنا كادح بن رحمة الزاهد ثنا مسعر بن كدام عن عطية عن جابر.
وقد ساق هذا الإسناد أيضاً الذهبي في (الميزان) (3/399) وعلّق عليه بقوله: (فهذا موضوع) وهو أوهى من سابقه، ويؤكد وضع ذلك الحديث وكذبه، وإليك التفضيل:
سليمان بن الربيع: ضعيف جداً وقد تركه الدارقطني وأثبت له مناكير، أنظر ترجمته في (تاريخ بغداد) (9/54-55) و(الميزان) كذلك. وقال عنه الذهبي أيضاً: أحد المتروكين، في ترجمة شيخه كادح بن رحمة من (الميزان).(64/417)
كادح بن رحمة: كذاب، كما قال الأزدي وغيره، وقال ابن عدي: (عامة ما يرويه غير محفوظ ولا يتابع عليه في أسانيده ولا في متونه) وقد كذبه أيضاً ابن الجوزي في (الموضوعات) (2/287).
وهذا بالإضافة إلى ضعف عطية العوفي وتدليسه اللذين مرّ بيانهما.
وبهذا يكون من الحماقة والسفاهة والجهل القول بتصحيح هذا الحديث بطريقيه، فان في كل منهما أناسا متهمين كما فصلناه، ولم يرو عن مسعر ابن كدام إلا من هذين الطريقين، قال أبو نعيم في (الحلية) (7/256) عن هذا الحديث: (تفرد به أشعث وكادح بن رحمة عن مسعر) إ. ه.
وقد حكم على هذا الحديث بالوضع والكذب غير واحد من الأئمة الأعلام، كالذهبي فيما تقدم من (الميزان) (3/399)، وابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1/235)، وابن القيسراني في (تذكرة الموضوعات) (458) وغيرهم، والحمد لله على توفيقه في كشف الباطل وزيفه.(64/418)
ثم قال الموسوي: (وأوحى الله عز وجل- ليلة المبيت على الفراش- إلى جبرائيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر. فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كلاهما الحياة فأوحى الله إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فبات على فراشه ليفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه، فنزلا فكان جبرائيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرائيل ينادي: بخٍ بخٍ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة؟ وأنزل الله تعالى في ذلك: { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله }. الحديث. وعزاه في الهامش (12/167) لأصحاب السنن في مسانيدهم، ومع ما في هذا اللفظ من الخطأ الدال على الجهل فهو كذب بيّن لا يستحي منه هذا الموسوي، وهو يؤكد قول من وصف الرافضة بأنهم أكذب الناس- أنظر صفحة (250-251) من كتابنا هذا- وهذا الموسوي أمامهم يستحلّ الكذب ويتّخذه ديناً له، بل مذهباً يسلكه، والأمثلة بحمد الله في كتابنا هذا من كلامه كثيرة متوافرة. ونحن نتحدى كل الشيعة في ذكر كتاب واحد لأهل السنن- الأربعة وغيرها- قد روى هذا الحديث المكذوب، وهاهو الموسوي يحيص في هامشه هذا حيصة الحمر فلم يجد واحداً من السنن يعزوه إليه ويذكر موضعه عنده فأحال إلى (تفسير الرازي) واكتفى به، مع أن الرازي قد ذكره مختصراً كما أقر هو به، فضلاً عن أنه لم يسنده لأحد ولم يذكر له طريقاً أو مخرجاً سوى قوله (5/204) (و يروى أنه لما نام . .) وقد جعل الرازي هذا القول هو الرواية الثالثة في سبب نزول قوله تعالى { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } وذكر قبلها روايتين أصحّ من هذه فأعرض عنهما الموسوي لما يوافق هواه. وأهل العلم قاطبةً يعلمون أن الرازي ليس من أهل الحديث وليس عنده من علم الحديث حظ يُعتمد عليه فيه ويرجع إليه، بل طريقته- طريقة المتكلّمين- أبعد ما تكون عن أهل(64/419)
الحديث، رحمه الله. وإنما قلنا هذا لنبيّن عدم ثبوت هذا الحديث وأنه ليس له أصل في كتب السنة، ولا أستبعد أنه مروي في كتب الشيعة أئمة هذا الموسوي ومنه نقله بهذا اللفظ الذي لم يجد له أصلاً عند أهل السنة سوى باللفظ المختصر عند الرازي مع عدم ثبوته. وقد بيّنّا في صفحة (212-214) عدم صحة القول بأن سبب نزول هذه الآية هو مبيت عليّ رضي الله عنه في فراش النبي صلى الله عليه وسلّم ليلة الهجرة لما في ذلك من النكارة في السند والمتن فراجعه مع سبب النزول الصحيح هناك.
وقال هذا الموسوي: (و كان علي يقول أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصّدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب) ونقل تخريجه في الهامش (13/168) من (منتخب كنز العمال) . وقد أخرجه النسائي في (خصائص عليّ) – (تنزيه الشريعة) (1/376)- والحاكم في (المستدرك) (3/112)، وابن أبي عاصم في (السّنّة) (1324)، وابن أبي شيبة وأبو نعيم في (المعرفة) والعقيلي في (الضعفاء)- كما في (الكنز) (36389)- عن عباد بن عبد الله الأسدي عن عليّ . وهو كذب وافتراء ينزّه عنه عليّ رضي الله عنه. وقد أفحش الحاكم فصححه على شرط الشيخين فردّه الذهبي- جزاه الله خيراً- فقال: (بل ولا على شرط واحد منهما، بل ولا هو بصحيح، بل حديث باطل فتدبره، وعباد قال ابن المديني: ضعيف) إ. ه. وهو ما أخفاه هذا الموسوي البغيض. وقد مرت الإشارة منا إلى ضعف هذا الأثر وبطلانه في (ص198-199) باختصار . وعلّته عباد بن عبد الله الأسدي هذا. فقد ضعفه ابن المديني- كما قال الذهبي- وقال البخاري: فيه نظر. وقد قدمنا في (ص364-365) عن كثير من أهل العلم بأن البخاري يقول هذا اللفظ فيمن يتهمه، وأنها أحطّ عبارات الجرح عنده. وقد ذكر الذهبي في ترجمة عباد هذا من (الميزان) هذا الأثر وقال: (هذا كذب على عليّ).(64/420)
ثم قال الموسوي: (و قال: والله إني لأخوه ووليّه، وابن عمّه ووارث علمه فمن أحق به مني؟) وعزاه في الهامش (14/167) للحاكم في (مستدركه) (3/126) وزعم تسليم الذهبي بصحته، وهو كذب فإن الحاكم لم يصححه حتى يسلم به الذهبي بل سكتا عنه ولم يعلقا عليه بشيء بل قد أنكره الذهبي في (الميزان) (3/255) وقال: هذا حديث منكر . فمن زعم أن الذهبي قد صححه أو أقرّ صحته فقد كذب عليه وافترى.
وقد رواه الحاكم من طريق عمرو بن طلحة القنّاد، ثنا أسباط بن نصر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس، وهذا إسناد ضعيف فيه ثلاث علل:
الأولى: عمرو بن طلحة هذا هو عمرو بن حماد بن طلحة القنّاد، وهو وإن كان صدوقاً في نفسه إلا أنه رميَ بالرفض، كما قال الحافظ في (التقريب)، وانظر (الميزان) كذلك، فلا يحتج به في شيء من فضائل علي رضي الله عنه لما عنده من الرفض كما هو مقرر عند أهل هذا العلم، وأنظر صفحة (248- 250) من كتابنا هذا.
الثانية: أسباط بن نصر فيه ضعف من قبل حفظه، قال الحافظ: (صدوق كثير الخطأ يغرب) وقد ضعفه بسبب ذلك أبو حاتم والنسائي وغيرهما . وقال الساجي في (الضعفاء): (روى أحاديث لا يُتابع عليها عن سماك بن حرب)- أنظر ترجمته من (التهذيب)- قلت: ومنها حديثنا هذا. وقد أنكر أبو زرعة على مسلم إخراجه لحديث أسباط هذا في الصحيح.
الثالثة: سماك بن حرب وإن كان صدوقاً إلا أن روايته عن عكرمة خاصةً ضعيفة، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق وروايته عن عكرمة خاصةً مضطربة، وقد تغيّر بآخره فكان ربما يلقّن) فهذا جرح مفسر واجب الأخذ به. فمن أين أتت الصحة لهذا الإسناد يا ترى؟
وقال هذا الموسوي: (و قال يوم الشورى لعثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير: أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه ؟ إذ آخى بين المسلمين غيري؟ قالوا: اللهم لا) وعزاه في الهامش (15/168) لابن عبد البر في (الإستيعاب) .(64/421)
قلت: قد أخرجه ابن عبد البر (3/35) من طريق زياد بن المنذر عن سعيد بن محمد الأزدي عن أبي الطفيل. وزياد بن المنذر هذا هو أبو الجارود الهمداني الكوفي، قال ابن معين: كذّاب . وقال مرة: كذاب عدو الله ليس يساوي فلساً . وكذبه أيضاً أبو داود. وقال الإمام أحمد والنسائي وغيرهما: متروك.
وقال ابن حبان: (كان رافضياً يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، ويروي في فضائل أهل البيت رضي الله عنهم أشياء ما لها أصول لا يحلّ كتب حديثه) . وقد تركه أيضاً الدارقطني واتّهمه يحيى بن يحيى النيسابوري بوضع الحديث.
قلت: وإليه تنسب الجارودية، فرقة من فرق الشيعة، ذكرها النوبخيّ أيضاً في (فرق الشيعة) وعندهم ضلالات منها القول بالرجعة.
وأبو الجارود زياد بن المنذر هذا قد ضعفه أيضاً ابن عبد البر نفسه مع روايته لحديثه في (الإستيعاب)، مما يؤكد أن مجرد رواية الحديث لا تدل على ثبوته أو صحته عند من رواه، نقل الحافظ في ترجمة زياد من (التهذيب) عن ابن عبد البر أنه قال: (اتفقوا على أنه ضعيف الحديث منكره، ونسبه بعضهم إلى الكذب) إ. ه. هذا بالإضافة إلى رجال آخرين في الإسناد لم أجد لهم ترجمة، وفيه أيضاً عمرو بن حماد القنّاد، وقد رمي بالرفض أيضاً وبيّنّا حاله في الحديث السابق.
ولقصة كلام عليّ رضي الله عنه مع أصحاب الشورى الخمسة الآخرين إسناد آخر عن أبي الطفيل ليس أسعد حظاً من هذا الإسناد، ففيه أناسٌ متّهمون بوضع الحديث أيضاً، وقد قدمنا ذكره والكلام عليه في (ص176-177) من كتابنا هذا، وبذلك يتحقق وضع هذه القصة من أساسها فلم يزدها هذا الإسناد إلاّ وهناً على وهن كما هو واضح، والحمد لله رب العالمين .(64/422)
ثم قال: (ولما برز عليّ للوليد يوم بدر، قال له الوليد: من أنت ؟ قال عليّ: أنا عبد الله وأخو رسوله . .) الحديث، وعزاه في الهامش (16/168) لابن سعد في طبقاته، وهو عند ابن سعد (2/ق1 / 15) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن البهي قال: . . . وذكره، وهو ضعيف ساقط فليس هو مرفوعاً إلى أحد من الصحابة بل من قول البهي هذا واسمه عبد الله بن يسار مولى مصعب بن الزبير، وهو تابعي فالحديث على هذا مرسل لا يحتج به مع ما عند البهي هذا من سوء الحفظ، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق يخطئ)، وقال أبو حاتم: (لا يحتج بالبهي وهو مضطرب الحديث) . فالإسناد فيه إذن إنقطاع وضعف، وعلى هذا فهو مردود.
ثم قال: (وسأل عليّ عمر أيام خلافته، فقال له: أرأيت لو جاءك قوم من بني إسرائيل فقال لك أحدهم: أنا ابن عم موسى أكأنت له عند أثرة على أصحابه ؟ قال: نعم، قال: فأنا والله أخو رسول الله وابن عمه، فنزع عمر رداءه فبسطه، وقال: والله لا يكون لك مجلس غيره حتى نفترق، فلم يزل جالساً عليه، وعمر بين يديه حتى تفرّقوا) وعزاه في الهامش (17/ 168) للدارقطني نقلاً من (الصواعق) (ص 107)، ولم يعقّب عليه في (الصواعق) بأي شيء ولم يبين إسناده وهو ما يمنع إمكانية الإحتجاج به، إذ كيف يستطيع أحدٌ أن يدّعي ثبوته وصحة إسناده ولما يعلم ذلك؟ وهذا ما يؤكد أن هؤلاء الرافضة لا يتحرّون الصحيح في استشهاداتهم بل ما يوافق أهواءهم فهو الصحيح المقبول عندهم، نسأل الله السلامة والعافية.
في الفقرة الثالثة من هذه المراجعة ذكر أحاديث سد الأبواب غير باب عليّ، وسنبين ما فيها إن شاء الله، وابتدأ ذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي مرّ ذكره في (المراجعة –26-)، وقد بينا في (ص364-367) ضعفه وسقوطه عن الإحتجاج فليراجع، فهذا الموسوي كثيراً ما يعيد أدلته رغبةً في التطويل.(64/423)
ثم قال: (و قال عمر بن الخطاب من حديث صحيح على شرط الشيخين أيضاً: لقد أعطي عليّ بن أبي طالب ثلاثاً، لأن تكون لي واحدة منها أحب إليّ من حمر النعم، زوجته فاطمة بنت رسول الله، وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له ما يحل له فيه، والراية يوم خيبر) .
قلت: أخرجه الحاكم (3/125)- وقد ذكره هذا الموسوي في الهامش- وقد كذب هذا الموسوي بزعمه صحته على شرط الشيخين، فإن هذا حتى لم يقله الحاكم على قلة عنايته بالتصحيح، بل اكتفى بقوله: صحيح الإسناد، فردّه الذهبي وقال: (المديني عبد الله بن جعفر ضعيف) قلت: وعبد الله هذا والد عليّ بن المديني الإمام الثبت لكنّ أباه ضعيف ضعّفه حتى ابنه عليّ. وقال أبو حاتم: منكر الحديث جداً يحدّث عن الثقات بالمناكير. وقال النسائي: متروك الحديث . وقال الذهبي في (الميزان): متفق على ضعفه.(64/424)
وقد روى هذا الحديث أيضاً أبو يعلى- (البداية والنهاية) (7/341)، وذكره هذا الموسوي أيضاً في هامشه- من طريق عبد الله بن جعفر هذا، أنظر إسناده في (البداية والنهاية) (7/341) وعزاه الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/121) لأبي يعلى وأعلّه بعبد الله بن جعفر هذا وقال: متروك . فسقط بذلك هذا الإسناد. وقد أشار هذا الموسوي في الهامش (19/168) إلى ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/26) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، لكنه لم يسق لفظه بالكامل فقد وقف قلمه حين أتى على ما فيه من الحق الذي لا يرضاه هذا الموسوي وأصحابه فاكتفى بالإشارة إليه، ذلك أن ابن عمر قال: (كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: رسول الله خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر، وقد أوتي ابن طالب ثلاث خصال . . .) الحديث، فهذا هو لفظ الحديث الذي لا يرضاه هذا الموسوي وأصحابه، وهو شوكة في أعينهم، فإن كانوا يزعمون احتجاجهم بهذا الحديث ورضاهم به فليقبلوا إذن ما فيه بالكامل ولا يعرضوا عنه كما فعل هذا الموسوي، ونحن يمكننا أن نتصوّر ما ينتاب هذا الرجل حين مروره بشيء من فضائل الشيخين رضي الله عنهما، وفعله هذا يدل عليه، وصدق الله العظيم إذ يقول عن أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم، وأخصّهم الشيخان أبو بكر وعمر: {ليغيظ بهم الكفّار}.
ثم قال الموسوي: (وذكر سعد بن مالك يوماً بعض خصائص عليّ في حديث صحيح أيضاً فقال: وأخرج رسول الله عمّه العباس وغيره من المسجد، فقال له العباس: تخرجنا وتسكن عليّاً ؟ فقال: ما أنا أخرجتكم وأسكنته ولكن الله أخرجكم وأسكنه) وعزاه في الهامش (20/169) للحاكم وزعم أنه من صحاح السنن . وهو كذب بيّن وهو حتى لم يدّعه الحاكم على تساهله رحمه الله، ولو طلب من هذا الموسوي إقامة الحجة على صحته لما استطاع، ولن يستطيع حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، ولا أحدٌ من أصحابه، وهو يطلق هذه التصحيحات جزافاً ليضفي قوةً على حججه الواهية.(64/425)
وهذا الحديث قد أخرجه الحاكم (3/117) من طريق مسلم الأعور الملائي عن خيثمة بن عبد الرحمن قال سمعت سعد بن مالك رضي الله عنه، وذكره . وقد سكت الحاكم عن تصحيحه فعلق عليه الذهبي وقال: (سكت الحاكم عن تصحيحه، ومسلم متروك) إ. ه. قلت: , كذا قال عنه النسائي والدارقطني والفلاس، وضعفه الآخرون وأثبتوا له مناكير . . .
فانظر كيف يتجرّأ هذا الموسوي على الكذب ويدعي صحة هذا الحديث الباطل .
وقال الموسوي: (وقال زيد بن أرقم: كان لنفر من أصحاب رسول الله أبواب شارعة في المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب عليّ فتكلم الناس في ذلك، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني أمرت بسدّ هذه الأبواب إلا باب علي ّ، فقال فيه قائلكم وإني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكني أمرت بشيءّ فاتّبعته) وعزاه في الهامش (21/169) للإمام أحمد في مسنده (4/369)، وللضياء أيضاً نقلاً من (كنز العمال) .
قلت: قد رواه الإمام أحمد من طريق ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم . وهذا إسناد ضعيف، ميمون هذا هو البصري مولى عبد الرحمن بن سمرة، قال الحافظ في (التقريب): ضعيف، وضعّفه غير واحد من الأئمة، وقال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير. قلت: وبه يتبيّن أن رواية الإمام أحمد لحديثه في (مسنده) لا تعني أبداً قبوله به ولا احتجاجه بروايته، كما يزعمه الجهلة.
هذا الحديث ذكره الذهبي في ترجمة ميمون هذا من (الميزان) (4/235-236) وعقبه بقول العقيلي فيه بما يبين ضعفه، فقال الذهبي: (قال العقيلي عقيبه: وقد روي من طريق أصلح من هذا، وفيها لين أيضاً) إ. ه.(64/426)
ثم قال الموسوي: (و أخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قام يومئذٍ فقال: ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي ولا أنا تركته، ولكنّ الله أخرجكم وتركه، إنما أنا عبد مأمور ما أمرت به فعلت، إن أتبع إلاّ ما يوحى إليّ)، وأشار في الهامش (22/169) إلى منتخب الكنز.
قلت: أخرجه الطبراني في (الكبير) (12722) من طريق حسين الأشقر ثنا أبو عبد الرحمن المسعودي عن كثير النوّاء عن ميمون أبي عبد الله عن ابن عباس . وهذا الإسناد ضعيف جداً، فيه علل:
الأولى: حسين الأشقر- وهو ابن الحسن الكوفي- ضعّفه غير واحد، وهو شيعي غالٍ وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقد اتهمه ابن عدي كما قال الذهبي في (المغني)، وكذبه أبو معمر الهذلي.
الثانية: كثير النواء، ضعيف كما قال الحافظ في (التقريب)، وضعفه أبو حاتم والنسائي، وقال ابن عدي: كان غالياً في التشيّع مفرطاً فيه.
الثالثة: ميمون أبو عبد الله هذا هو البصري مولى عبد الرحمن بن سمرة، وقد مرّ ذكر ضعفه في الحديث السابق.
وقال هذا الموسوي: (وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي لا يحلّ لأحد أن يجنب في المسجد غيري وغيرك) وعزاه في الهامش (23/169) للترمذي في صحيحه (!!) نقلاً من منتخب الكنز.(64/427)
قلت: قد رواه الترمذي (4/330)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (7/66) من طريق سالم بن أبي حفصة عن عطية عن أبي سعيد . وهذا إسناد ضعيف لا يثبت، عطية هذا هو ابن سعيد العوفي وهو ضعيف. وكان يدلّس تدليساً خبيثاً، فكان يقول: عن أبي سعد- كما في هذا الإسناد- يوهم أنه الخدري وهو يعني الكلبي الكذّاب، وقد مرّ تفصيل ذلك في ترجمته ضمن الرواة المئة، برقم (58) . والراوي عنه سالم بن أبي حفصة شيعي غال قد ضعفه بسبب ذلك غير واحد، لا يقبل خبره في مثل هذا الحديث كما هو مقرر في (المصطلح) لكن قد تابع سالماً هذا عن عطية العوفي كثير النوّاء. رواه ابن عساكر- (البداية والنهاية) (7/343)- وهو لا يفرح به أيضاً فكثير هذا ضعيف مع ما عنده من غلوّ التشيّع، كما سبق في الحديث الماضي، وقد بقيت علّة ضعف عطية العوفي وتدليسه فيه.
وقد ضعف هذا الحديث أيضاً الحافظ ابن كثير في (التفسير) (1/501)، وأشار إلى ضعفه حتى المتقي الهندي في (كنز العمال) (33052).
وأما حديث سعد عند البزار الذي أشار إليه في الهامش فليس أحسن حالاً من حديث أبي سعيد السابق، فإنه من رواية خارجة بن سعد عن أبيه سعد كما في (مجمع الزوائد) (9/115) . وخارجة هذا لم أجد له ترجمة ولم يذكره أحد ولا أظنه إلا أحد المجهولين، وبه أعلّ الحديث الهيثمي في (المجمع) وقال: وخارجة لم أعرفه إ. ه.
ثم قال هذا الموسوي: (و عن سعد بن أبي وقاص، والبراء بن عازب، وابن عباس، وابن عمر، وحذيفة بن أسيد الغفاري، قالوا كلهم: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إلى المسجد فقال: إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن ابن لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا أنت وهارون وإن الله أوحى إليّ: أن ابن مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاّ أنا وأخي عليّ) وعزاه في الهامش (24/170) لابن المغازلي الشافعي في كتابه (المناقب) نقلاً من (ينابيع المودة) للبلخي.(64/428)
قلت: والله ما قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاشاه من هذا الهراء والهزل، ولو كان هذا الموسوي صادقاً لساق إسناده بالكامل، لكن هذا دأب الجهلاء لا يعنيهم الإسناد والصحة بل موافقته لهواهم ولعقولهم العفنة.
وقد نقله من كتاب (ينابيع المودة) للبلخي وهو ليس أحسن حالاً من صاحبنا هذا فقد ساقه في كتابه (ص99-100) من دون إسناد سوى عزوه لابن المغازلي فقط الذي كفانا مؤونة تقييم ما فيه من أحاديث شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في رده على ابن المطهر الحلي- أنظر (مختصر المنهاج) (ص420)-: (و أما ابن المغازلي الواسطي فقد جمع في كتابه من الكذب ما لا يخفى على من له أدنى معرفة بالحديث) إ. ه. قلت: وهذا والله منها، ولا يسعهم رده إلا بكشف إسناد صحيح رجاله ثقات لمثل هذه النصوص المزعومة، وهذه حجة أهل العلم إلى قيام الساعة، والله الموفق للصواب.
وقال الموسوي: (و إملاؤنا لا يسع استيفاء ما جاء في ذلك من النصوص الثابتة عن كل من ابن عباس وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، ورجل صحابي من خثعم، وأسماء بنت عميس، وأم سلمة، وحذيفة بن أسيد، وسعد بن أبي وقاص، والبراء بن عازب، وعلي بن أبي طالب، وعمر وعبد الله بن عمر، وأبي ذر، وأبي الطفيل، وبريدة الأسلمي، وأبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجابر بن عبد الله) إ. ه.(64/429)
قلت: هذه دعوى عارية عن البيّنة والبرهان، لذا تراه لم يشر في هامشه إلى أي مصدر مع أننا فيما قدمنا الكلام عليه قد تكلمنا على معظم ما ادعاه من أحاديث هؤلاء الصحابة هنا، فأحاديث كلّ من: ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص، وعمر، وعبد الله ابن عمر تقدمت قريباً في الكلام على الأحاديث التي ساقها في الفقرة الثالثة من هذه المراجعة، وحديثا حذيفة بن أسيد وجابر بن عبد الله تقدم الكلام عليهما في صفحة (390-391) . وأما حديث البراء بن عازب فهو نفسه حديث زيد بن أرقم المذكور في الهامش (21/169) من هذه المراجعات وقد تقدم كلامنا عليه، بنفس اللفظ وبنفس الإسناد، فقد رواه أبو الأشهب عن عوف عن ميمون أبي عبد الله عن البراء بن عازب- أنظر (البداية والنهاية) (7/342)- . , أما حديثا علي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري فهما الآتيان في الهامشين القادمين (25، 26) . وحديث أبي الطفيل تقدم سابقاً طرف منه صفحة (414) وقبل ذلك الكلام عليه أيضاً في صفحة (176-177) .
وأما حديث أم سلمة فقد رواه ابن عساكر- (البداية والنهاية) (7/343)- من طريق أبي الخطاب الهجري عن محدوج- الذهلي- عن جسرة بن دجاجة، أخبرتني أم سلمة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه حتى أنتهي إلى صرحة المسجد فنادى بأعلى صوته: (إنه لا يحل المسجد لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وأزواجه وعليّ وفاطمة بنت محمد، ألا هل بيّنت لكم الأسماء أن تضلّوا) . وحتى على فرض صحته وثبوته ففيه ما يهرب ويفر منه هذا الموسوي وأصحابه كأنهم حمر مستنفرة فرّت من قسورة، إذ فيه التصريح بشمول ذلك الحكم لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً. لكنه ضعيف لا يثبت فأبو الخطاب ومحدوج الذهلي كلامهما مجهول لا يعرف، وقد عقب عليه الحافظ ابن كثير فقال: وهذا إسناد غريب وفيه ضعف.(64/430)
وأما حديث أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رواه ابن عساكر أيضاً بنحو حديث أم سلمة السابق فقال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/343) عقب حديث أم سلمة السابق: (ثم ساقه- قلت: يعني ابن عساكر- من حديث أبي رافع بنحوه، وفي إسناده غرابة أيضاً) إ. ه.
ثم قال الموسوي: (وفي المأثور من دعاء النبي صلى الله عليه آله وسلم: اللهم إن أخي موسى سألك فقال: رب اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي . .) الحديث وعزاه في الهامش (25/170) للثعلبي في تفسيره عن أبي ذر، وقال أيضاً: (ونقل نحوه المتتبع البلخي عن مسند الإمام أحمد).
قلت: أما عزوه لمسند الإمام أحمد فهو كذب بيّن وهؤلاء الرافضة لا يخجلون من أفعالهم هذه. وأما ما في تفسير الثعلبي فقد تقدم تفصيل الكلام عليه في صفحة (129-130) من كتابنا هذا حين أتينا على ما أسماه هذا المفتري بآية الولاية، وكذلك مرّ بنا في صفحة (372) مختصراً، وبينا كذب هذا الحديث وأنه من اختلاق هؤلاء الرافضة الضالين، مع التأكيد على أن هذا الموسوي لم ينقله من تفسير الثعلبي لأنه لم يطبع بل من سلفه إبن المطهر الذي فضحه وردّ عليه شيخ الإسلام ابن تيمية فجزاه الله خيراً.
ثم قال الموسوي: (ومثله ما أخرجه البزار من أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد عليّ فقال: إن موسى سأل ربه أن يطهّر مسجده بهارون، وإني سألت ربي أن يطهّر مسجدي بك، ثم أرسل إلى أبي بكر أن سدّ بابك، فاسترجع ثم قال: سمعاً وطاعة، ثم أرسل إلى عمر، ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب عليّ، ولكن الله فتح بابه وسدّ أبوابكم). وأشار في الهامش (26/171) إلى وجوده في (كنز العمّال).(64/431)
قلت: ولم ينقل هذا الموسوي نص تخريج صاحب الكنز له لأن فيه بيان ضعفه، فلينظر الشيعة إلى إمامهم هذا !!. وقد ذكره في (كنز العمال) (36521)، وعزاه للبزار وقال: (وفيه أبو ميمونة مجهول) . وقد نقل الذهبي في ترجمة أبي ميمونة هذا من (الميزان) عن الدارقطني أنه قال عنه: (مجهول يترك) . وهو غير الفارسي الثقة. وأشار إلى ضعف هذا الحديث أيضاً الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/115) بقوله: (و في إسناده من لم أعرفه) إ. ه. فالحمد لله على ظهور الحق وزهوق الباطل.
وبهذا يتضح كل الوضوح- والحمد لله- أن الإدعاء بتشبيه عليّ بهارون في جميع المنازل والشؤون خرافة لا أساس لها من الواقع، نسجتها عقول هؤلاء الرافضة المجانين، وما مثل ما زعموه من الأدلة على ذلك إلاّ كما قال الله تعالى: { كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب . أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}.
المراجعة (35): س:
شيخ الأزهر يطلب المزيد من النصوص في ولاية عليّ.
المراجعة (36): ش:
سرده لسبعة من النصوص زاعماً أنها تدل على ولاية عليّ وخلافته للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
الردّ على المراجعة (36):
نقض احتجاجه بهذه النصوص تفصيلياً.
ساق في هذه المراجعة البقية من النصوص- زعم-، وإليك الكلام عليها تفصيلياً.(64/432)
حديث ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: (أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي) وعزاه لأبي داود الطيالسي- نقلاً من (الإستيعاب) (3/28)- وهو غير أبي داود صاحب السنن، فإن الأول هو صاحب المسند، (مسند الطيالسي) لكن هذا الموسوي لفرط جهله وغبائه جعلهما واحداً فقال في الهامش (1/171): (أخرجه أبو داود وغيره من أصحاب السنن عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن أبي بلج يحيى سليم الفزاري عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن عباس مرفوعاً) إ. ه. ثم ادعى صحة هذا الإسناد، مع أنه ضعيف لا يثبت وهذا الحديث منكر مردود، فهو قطعة من حديث ابن عباس في بضع عشرة من فضائل عليّ رضي الله عنه وقد تقدم في (المراجعة-26-) وتكلمانا عليه وعلى إسناده هذا في صفحة (365-364) وبينا أن علته في أبي بلج هذا، يحيى بن سليم الفزازي، وأنه بسبب سوء حفظه يأتي بمنكرات وبلايا، كما قال الإمام أحمد وابن حبان والذهبي وغيرهم، وضعفه البخاري بقوله: فيه نظر، وقدمنا هناك أن هذا اللفظ من أشد أنواع التضعيف عند البخاري فراجعه بالتفصيل في موضعه. ومن وثق أبا بلج هذا فلا يكون توثيقه مطلقاً لما عنده من المنكرات والبلايا هذه، بل يعتبر فيما وافق فيه الثقات، وأما التوثيق المطلق فهو مردود بجرح من جرحه، لأنه جرح مفسر يقدم على التعديل كما هو مقرر في (المصطلح)، وانظر صفحة (261- 262) من كتابنا هذا. وفعل هذا الموسوي بنقل أقوال الموثّقين لأبي بلج فقط دون الجارحين له يُعد خيانة، وما هي من أمثاله بعجيبة، والحق إن توثيق من وثقه ينزل بالمنزلة التي فصلناها في صفحة (365) لا مطلقاً جمعاً بين أقوال جميع أئمة الجرح والتعديل، وهاهو ابن معين نفسه يضعف أبا بلج في رواية أخرى، نقلها عنه ابن عبد البر صاحب (الإستيعاب) نفسه وذكرها الحافظ في (التهذيب).(64/433)
قد ذكرنا في صفحة (365-366) أيضاً أدلة على تضعيف بعض أهل العلم بالحديث لعدد من الأحاديث بسبب أبي بلج هذا، ونضيف إليها الآن مثالين من المتساهلين في التصحيح، الأول: الترمذي في (جامعه) (4/ 331، 332) روى حديثين لأبي بلج هذا- هما في الأصل قطعة من حديث ابن عباس الطويل هذا- واستغربهما ورجال اسناديهما ثقات غير أبي بلج هذا.
الثاني: الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/120)، ذكر أبا بلج هذا وقال: (ثقة وفيه لين) أي ضعف.
ولئن كان هذا الموسوي قد نقل توثيق أبي بلج عن خمسة من أهل الجرح والتعديل فنحن قد نقلنا وأثبتنا ما عنده من ضعف- مع ثقته في نفسه- عن الإمام أحمد والبخاري وابن حبان والجوزجاني والأزدي، أنظر صفحة (364) وكذا الذهبي والهيثمي، وغيرهم. . فيحكم فيه حسب القاعدة المقررة عند أهل هذا الشأن إذا تعارض الجرح والتعديل، أنظر ذلك في صفحة (261- 262) من كتابنا هذا، والحمد لله.
حديث عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّةً واستعمل عليهم عليّ بن أبي طالب، فاصطفى لنفسه من الخمس جاريةً، فأنكروا ذلك عليه، وتعاقد أربعةٌ منهم على شكايته إلي النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا قام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم ترَ أن عليّاً صنع كذا وكذا، فأعرض عنه فقام الثاني فقال مثل ذلك فأعرض عنه، وقام الثالث فقال مثل ما قال صاحباه فأعرض عنه، وقام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يبصر في وجهه، فقال: (ما تريدون من عليّ؟ إن علياً مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي) إ. ه.
قبل الكلام عن إسناد الحديث نقول إن حديث عمران بن حصين هذا وحديث بريدة الآتي يتعلّقان بقصة خطبة غدير خم، ويبيّنان السبب الحقيقي لتلك الخطبة وثناء النبي صلى الله عليه وسلم فيها على عليّ رضي الله عنه وأهل البيت.(64/434)
فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه إلى اليمن قبل حجة الوداع، ثم قدم عليّ فوافي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج بمكة وحينها اشتكى منه من كان معه بأرض اليمن بسبب بعض ما صدر منه رضي الله عنه وعابوا عليه واتّهموا بالجور والبخل، والصواب كان معه في ذلك. فلما تفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيّنَ فضل عليّ رضي الله عنه وبراءة عرضه مما اتهم به، في خطبة بمكان بين مكة والمدينة قريب من الجحفة يُقال له غدير خم، وليس في حجة الوداع كما يزعمه الجهلاء، أنظر (سيرة ابن هشام) (4/249- 250)، (تاريخ الطبري) (3/148-149)، (البداية والنهاية) (5/208-209)، وغيرها من كتب السيرة والتاريخ. وقد ذكرنا ذلك وبيناه أيضاً في (ص43-44) من كتابنا هذا وسيأتي أيضاً إن شاء الله تعالى في الكلام على ما جاء في (المراجعة-54-).
وهذا الموسوي- لجهله- قد أقرّ- بإيراده هذين الحديثين- بما قلناه من أن سبب خطبة الغدير هو ما قيل في عليّ رضي الله عنه من السوء ممن كان معه بأرض اليمن. لكن هذه الأحاديث، كغيرها من أحاديث فضائل عليّ رضي الله عنه تعرضت للزيادة والتحريف والتغيير من قبل هؤلاء الشيعة غير الأمناء، إذ هذا دأبهم لا يكفيهم الحق الواقع حتى يلحقوا به من الباطل ما شوهه ويضعه في جانب الغلوّ المذموم، من أجل هذا حكم علماء الحديث والآثار بعدم قبول روايتهم في فضائل عليّ رضي الله عنه، حتى من ثقاتهم، خصوصاً إذا كان عندهم غلو في ذلك، لما قدمنا من دأبهم في الزيادة والتحريف أو على الأقل التغاضي عن التثّبت في مثلها . وهم في هذا الأمر مع سائر أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والقدرية وغيرهم سواء، أنظر صفحة (248-250) من كتابنا هذا، وسنرى في حديثي عمران بن حصين وبريدة أمثلة من زيادات الشيعة في تلك الأحاديث، مبتدئين بحديث عمران بن حصين هذا:(64/435)
فقد أخرجه الإمام أحمد (4/437- 438)، والترمذي (4/325-326)، والحاكم (3/110-111)، والنسائي في (خصائص عليّ) (ص45)، وابن أبي شيبة (12/79) من طريق جعفر بن سليمان الضبعي عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يوافقه الذهبي ولم يعقب عليه بشيء بخلاف ما زعم هذا الموسوي المفتري في الهامش (2/ 172)، وأصل هذه القصة صحيح ثابت، ولكن هذا اللفظ من حديث عمران بن حصين فيه ما ينكره وما يُستغرب ويمنع الإحتجاج به، مع أن رجاله رجال مسلم.
فقوله: (و هو ولي كل مؤمن) صحيح ثابت وسنبيّن إن شاء الله معناه الصحيح في المراجعة القادمة، لكن النكارة والغرابة التي فيه هي الزيادة بعده ألا وهي: (و هو وليّ كل مؤمن بعدي) فلفظ (بعدي) غير محفوظ ولا هو صحيحاً قابلاً للإحتجاج به، فقد تفرّد بها جعفر بن سليمان الضبعي، وهو وإن كان صدوقاً إلا أنه شيعي فلا يحتج به في مثل هذا الحديث لما فيه مما يقوي بدعته، وقد تقرر في (المصطلح) أن المبتدع إذا روى شيئاً يقوي به بدعته فهو مردود قطعاً، أنظر صفحة (248-250) من كتابنا هذا.
وقد نقل الحافظ في ترجمة جعفر هذا من (التهذيب) عن الإمام أحمد أنه قال عنه: (إنما كان يتشيّع وكان يحدّث بأحاديث في فضل عليّ، وأهل البصرة يغلون في عليّ) إ. ه. من أجل كل هذا قد استغرب الترمذي- على تساهله- هذاالحديث وأشار إلى علته بقوله: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان) إ. ه. وقد عدّ الذهبي في ترجمة جعفر من (الميزان) هذا الحديث من جملة ما ينكر عليه وهوما يبين كذب هذا الموسوي بإدعائه تسليم الذهبي بصحته على شرط مسلم.(64/436)
وسنبين في حديث بريدة الآتي أن أحداً لم يتابع جعفراً هذا في هذه الزيادة مطلقاً سوى أجلح الكندي راوي حديث بريدة وهوشيعي أيضاً مثل جعفر مع ما فيه من ضعف يمنع من الإحتجاج به، فصح يقيناً أن هذه الزيادة، وهي قوله (بعدي) لم تروَ ِإلاّ من طريق شيعيين لا يوثق بخبرهما في مثل هذا، مع مخالفتهما لجميع من روى هذه القصة بدون هذه الزيادة.
حديث بريدة رضي الله عنه، قال: (بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثين إلى اليمن، على أحدهما عليّ إبن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعليّ على الناس وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده، قال فلقينا بني زيد م أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى عليّ امرأةً من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخبره بذلك فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقع في عليّ فإنه مني وأنا منه وهو وليّكم بعدي، وأنه مني وأنا منه وهو وليّكم بعدي) إ. ه. أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد (5/356)، والبزار باختصار- (مجمع الزوائد)(9/127- 128)- من طريق الأجلح الكندي عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه بريدة. وعلّته الأجلح هذا فهو شيعي أيضاً مثل جعفر فلا يؤمن تفردهما في مثل هذا، - ونعني بتفردهما من بين من يقبل خبرهم، أما المتروكون أو المجاهيل أو الضعفاء فلا عبرة بمتابعتهم لهما في هذه الزيادة، مثل أبي بلج في حديث ابن عباس السابق، فإنه ساقط بنفسه كما تقدم- مع ما عند الأجلح من ضعف بسيط، ونقل الحافظ في ترجمته من (التهذيب) عن الإمام أحمد أنه قال عنه: (قد روى الأجلح غير حديث منكر) إ. ه. قلت: والنكارة(64/437)
هنا هي زيادة قوله (بعدي) كما قدمنا، وهذا الكلام ينطبق أيضاً علىرواية النسائي في (خصائصه) التي أشار إليها هذا الموسوي، وقد استنكر هذه اللفظة أيضاً وردها الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/343) فقال: (هذه اللفظة منكرة والأجلح شيعي ومثله لا يُقبل إذا تفرّد بمثلها، وقد تابعه فيها من هو أضعف منه والله أعلم) إ. ه. قلت: , كأنه يشير إلى رواية أبي بلج لحديث ابن عباس المتقدم. وكذا ردّ هذه اللفظة واستنكرها لنفس السبب المباركفوري في (شرح الترمذي) (4/325-326) . ويؤيده مجيء هذه القصة من غير طريق هذين الشيعيّين- جعفر والأجلح- لكن بدون هذه اللفظ المنكرة (و هو ولي كل مؤمن بعدي) أو نحوها، من ذلك نفس الطريق الذي أشار إليه هذا الموسوي في الهامش (4/173) عند الإمام أحمد (5/347)، والحاكم (3/110) . ومنها أيضاً عن وكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه عند الإمام أحمد (5/358) . ومنها أيضاً عن روح عن علي بن سويد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، عند الإمام أحمد (5/359)، والبخاري (5/207) . ومنها عن يحيى بن سعيد عن عبد الجليل عن عبدالله بن بريدة عن أبيه، عند الإمام أحمد أيضاً (5/350-351)، وغيرها وليس في أي منها لفظة (بعدي) فهي منكرة مردودة، بل حكم عليها بالوضع شيخ الإسلام ابن تيمية في (المنهاج)- أنظر (مختصر المنهاج) (ص311)- .(64/438)
وعندي أن في الحديث موضع آخر فيه نكارة، ألا وهو قوله: (إذا التقيتم فعليّ على الناس وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده . .) فإن هذا مخالف لما ثبت في (صحيح البخاري) (5/206- 207) من حديث البراء رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم بعث عليّاً بعد ذلك مكانه، فقال: (مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقبل) . . . الحديث، فإن هذا صريح في أن عليّ رضي الله عنه إنما كان بديلاً لخالد بن الوليد رضي الله عنه لا أميراً عليه كما تدعيه رواية الأجلح الكندي التي نحن بصددها، وقطعاً أن رواية البخاري هي الأصح والأثبت وما عارضها منكر مردود عند أهل العلم.
وهذا الذي قلناه من رواية البخاري هو الذي اختاره ابن جرير الطبري في (تاريخه) (3/131- 132)، والذهبي في (تاريخ الإسلام) (جزء المغازي) (ص690- 691)، وغيرهما . ورواية الأجلح الكندي هذه مخالفة أيضاً لباقي الروايات التي أشرنا إليها قبلاً في هذه المسألة أيضاً، وهذا كله مما يمنع الإحتجاج بها.(64/439)
وبعد أن بيّنا عدم صحة كون عليّ أميراً على خالد بن الوليد- رضي الله عنهما- في تلك الغزوة، نعود إلى الكلام على ما شاغب به هذا الموسوي في الهامش (3/172) بقوله: (ما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آحداً على عليّ مدة حياته، بل كانت له الإمرة علىغيره، وكان حامل لوائه في كل زحف بخلاف غيره) ثم ذكر قصة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وشأنهما في غزوة ذات السلاسل ثم قال: (أما عليّ فلم يكن مأموراً ولا تابعاً لغير النبي منذ بعث إلىأن قبض صلى الله عليه وآله وسلم) إ. ه. فنقول: هذا ما يتمناه هذا الموسوي وأصحابه وما يطلبونه ويتوسلون إليه بوسائل غير مشروعة من الكذب والإفتراء والتزييف، مثل ادّعاء هذا الموسوي هنا وأبى الله إلاّ أن يظهر الحق ويزهق الباطل، ويختار ما يحبه ويرضاه مما يخالف أهواء هؤلاء الشيعة الرافضة كما سنبينه إن شاء الله مع بيان كذب هذا الموسوي بقوله هذا.(64/440)
لكن قبل ذلك نقف وقفة قصيرة عند قضية اختيار أمراء السرايا والبعوث التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبعثها، فمن طالع كتب المغازي وكتب السيرة وجد أن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يكن يراعي في أمير الجيش أو السرية أفضليته على من معه في دين الله أو أسبقيته للإسلام أو أحبه إليه صلى الله عليه وسلم، بل كان يراعي علمه بفنون القتال وقيادة الجيوش- فحسب- وقدرته على المناورة بمن معه من الجيش أوالسرية، هذا في الأصل وقد تضاف إليه اعتبارات أخرى مثل توفر دواعٍ على القتال والخروج بذل الجيش عند ذلك الشخص أكثر من غيره كطلب ثأر أو قرابة نسب أو غير ذلك مما يتضح لمن تفهم سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم . من ذلك تأميره صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنه في الجيش الذي أعدّه لغزو الروم، وذلك أن الروم كانوا قد قتلوا أباه في غزوة مؤتة، فكان في هذا دافعاً إضافياً عند أسامة رضي الله عنه امتاز به عن غيره، وقال له: (سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد ولّيتك هذا الجيش) انظر (مغازي الواقدي) (3/117-119)، (المغازي) للذهبي (ص713). ومن ذلك أيضاً تأمير عمرو بن العاص رضي الله عنه في غزوة ذات السلاسل إلى مشارف الشام في بلي- وهي بطن في قضاعة- ومن يليهم من قضاعة، وهم أخوال العاص بن وائل- والد عمرو- فأمّره النبي صلى الله عليه وسلم يتألفهم بذلك، فإن أم العاص بن وائل كانت من بلي، فهم إذن أخوال أبي عمرو بن العاص، هذا ما قررته كتب السيرة والمغازي، مثل (المغازي) لعروة (ص207)، (سيرة ابن هشام) (4/239) (المغازي) للذهبي (ص513-514) وغيرها، مع ما عند عمرو بن العاص رضي الله عنه من العلم بفنون الحرب. وهو ما صرحت به رواية الحاكم (3/42-43) التي أشار إليها في الهامش (3/172) ولهذا السبب استعمل أبو بكر رضي الله عنه بعد ذلك عمرو بن العاص على غزو الشام كما قرره الذهبي في (المغازي) (ص515) .(64/441)
وقد ظن عمروبن العاص رضي الله عنه أن صلّى الله عليه وسلّم ما استعمله على ذلك الجيش وفيه أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين رضي الله عنهم إلاّ لأفضليته عليهم أو لمنزلة له عند النبي صلى الله عليه وسلم فردّه النبي صلى الله عليه وسلم وبيّن له الحق، وذلك فيما ساقه الذهبي في (المغازي) (ص514-515) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذي السلاسل، وفي القوم أبو بكر وعمر، فحدثت نفسي أنه لم يبعثني عليها إلاّ لمنزلة لي عنده، فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله: من أحبّ الناس إليك ؟ قال: (عائشة) قلت: إني لم أسألك عن أهلك، قال: (فأبوها) قلت: ثم من ؟ قال: (عمر) قلت: ثم من ؟ حتى عدّ رهطاً، قال: قلت في نفسي لا أعود أسأل عن هذا) قلت: وهو عند البخاري (5/6، 209-210)، ومسلم (4/1856) مختصراً.
هذا هو السبب في تأمير عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم- مع ما في الحديث من فضيلة عظيمة للصدّيق وابنته-و مثله ما ذكرنا من تأمير أسامة بن زيد عليهما أيضاً، وإن كان هو باطلاً بالنسبة لأبي بكر كما سيأتي في الرد على المراجعة (90) ولا ثالث لهاتين الغزوتين.(64/442)
وأما ما زعمه هذا الموسوي من أن علياً لم يكن مأموراً لغير النبي صلى الله عليه وسلم فعلى فرض صحته لا يمكن أن يستدل به على الأفضلية، بل لم يختص هو بها فخالد بن الوليد رضي الله عنه لم يخرجه النبي صلى الله عليه وسلم تابعاً لغيره في أية غزوة سوى كونه تابعاً له صلى الله عليه وسلم مع أن كثيراً من الصحابة أفضل منه وأحبّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل مع ما صدر منه رضي الله عنه من أخطاء أنكرها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها لكنه لم يعزله أبداً وأبقاه أميراً على السرايا التي بعثه فيها، انظر قصته مع بني جذيمة في (مسند الإمام أحمد) (2/151)، والبخاري (5/203)، (تاريخ الطبري) (3/67)، (طبقات ابن سعد) (2/248) . فبان بهذا أن لا دليل فيه على الأفضلية أبداً، على فرض صحته، كيف وهو كذب لا يخفى على من اطّلع على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه على الموسم ليحجّ بالناس في أواخر ذي القعدة من سنة تسع للهجرة، وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث والتفسير والسيرة، لكن المقصود والمهم هنا أن سورة براءة نزلت بعد خروج أبي بكر رضي الله عنه- لا قبل خروجه كما يزعمه الجهلة الضّلال وسنفصله بعد إن شاء الله- فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم بها عليّاً ليلحق بأبي بكر حتى يؤذن بها في الموسم، حتى أدرك أبا بكر بالطريق، فلما رآه أبو بكر قال له: (أمير أو مأمور) قال: (لا، بل مأمور)، أخرجه ابن إسحاق في (السيرة)- انظر (سيرة ابن هشام) (4/190)- عن محمد الباقر نفسه، ومن طريقه رواها ابن جرير في (التفسير) (10/41) . فليسمع أصحاب هذا الموسوي ولا يصمّوا آذانهم عن هذا الحق الواقع، وها هو محمد الباقر نفسه يروي قول عليّ لأبي بكر رضي الله عنهما (بل مأمور) مما يبين كذب هذا الموسوي بقوله: (أما عليّ فلم يكن مأموراً ولا تابعاً لغير النبي) فإما نكذبه أو نكذب(64/443)
إمامه الباقر هذا!
وقد نقل هذه الرواية أيضاً الذهبي في (المغازي) (ص664-665)، وروى نحوها النسائي (5/247) عن جابر رضي الله عنه في هذه القصة، وفيها قال أبو بكر لعليّ (أمير أم رسول ؟ قال: لا بل رسول)، ورجال إسناده ثقات . وروى نحوها ابن سعد في (الطبقات) (2/168)، والطبري في (تاريخه) (3/122-123) . فهاهو أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه يأمره النبي صلى الله عليه وسلّم على إقامة المناسك التي ليس في مسائل العبادات أشمل منها، ويجعل علياً مأموراً له وتابعاً له واجب عليه طاعته، رغم أنف هذا الموسوي وأصحابه . فهذا التأمير نعم فيه الفضيلة كل الفضيلة لأنه تأمير على شعائر الإسلام، ومثله تقديمه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصّدّيق للصلاة بأمته مع حضور أصحابه ما غاب منهم أحد وبضمنهم عليّ رضي الله عنه، بل قد أصرّ النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر دون غيره كما هو مشهور ومتواتر يقر به حتى هؤلاء الشيعة والرافضة الضّلاّل فلم يستطيعوا تحريفه وتغييره لتواتره وثبوته فهو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، فقدمه صلى الله عليه وسلم في الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام العملية، ولا يخفى فضل الصلاة على الجهاد وما بينهما من بون شاسع إلاّ على من أعمى الله قلبه.
ثم إن تقديمه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في الصلاة دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- واللفظ لمسلم (673)-: (يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم إسلاماً) وقد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصّديق رضي الله عنه وأرضاه.(64/444)
بقي من هامش هذا الموسوي (3/172) قوله عن عليّ: (وكان حامل لوائه في كل زحف) وهذا أيضاً كذب بيّن لا يستحي منه هذا الموسوي، فإن عليّاً لم ينفرد بحمل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بل حملها غيره في كثير من الغزوات مع وجود عليّ معهم، من هؤلاء حمزة رضي الله عنه كان حامل لوائه في غزوة الأبواء- ويقال ودّان- في ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة، وفي غزوة بواط من تلك السنة كان صاحب لوائه صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وفي غزوة ذات العشيرة بعدها حمل لواءه حمزة- انظر لكل ذلك (تاريخ الطبري) (2/407، 408)-، وفي بدر كان حامل لوائه مصعب بن عمير- (ابن هشام) (2/264)- وكذا في أحد حمل لواءه مصعب حتى قتل فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلى عليّ- (ابن هشام) (3/77)، (الطبري) (2/508، 516)-، وفي فتح مكة كان للنبي صلى الله عليه وسلم عدّة ألوية بحسب مداخل مكة كان ممن حملها الزبير بن العوام وسعد بن عبادة وخالد بن الوليد- أنظر (ابن هشام) (4/49)- وغير ذلك كثير ولا يعارض في هذا إلا من سلب الله من نور الهداية (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) .
ثم نعود الآن إلى حديث بريدة السابق، وقد ذكر له هذا الموسوي رواية أخرى عند ابن جرير ونقلها من كنز العمال . . . كما في الهامش (5/173)- ولفظه: (من كنت وليّه فإنّ عليّاً وليّه) وهذا يؤيد ما قلناه قبل قليل من نكارة زيادة لفظ (بعدي) في الحديث فهذه رواية أخرى تضاف إلى ما ذكرناه ليس فيها هذه اللفظة، وكما قلنا فسنبيّن إن شاء الله معنى الوليّ هنا في المراجعة القادمة، أما رواية ابن جرير هذه ففي (كنز العمال) (36425) .(64/445)
بقي مما ساقه هذا الموسوي في الهامش (4/173) حديث عمرو بن شاس الأسلمي قال: خرجت مع علّي إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتى وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت ذات غدوة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس نم أصحابه، فلما رآني أبدني عينيه، يقول حدد إلى النظر حتى إذا جلست قال: (يا عمرو والله لقد آذيتني) قلت: أعوذ بالله أن أؤذيك يا رسول الله، قال: (بلى، من آذى عليّا فقد آذاني) إ. ه. أخرجه الإمام أحمد (3/483)، والبيهقي في (دلائل النبوة) (5/395)، وهو عند الطبراني والبزار بإختصار- (مجمع الزوائد) (9/129)- وأخرجه أيضا الحاكم (3/122) وابن أبي شيبة (12/75) . وكما هو واضح ليس فيه أي دليل على ما ادّعى هذا الموسوي، وقصارى ما فيه فضل لعليّ رضي الله عنه، مع أنه لم ينفرد بذلك بل شاركه فيها كثيرون غيره، منها ما رواه الإمام أحمد (4/165) عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من آذى العباس فقد آذاني)، وله شاهد من حديث ابن عباس عند ابن عساكر (7/237) . وروي هذا اللفظ من حديث نس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من آذى جاره فقد آذاني . . .) أخرجه أبو الشيخ وأبو نعيم- كما في (كنز العمال) (24927)- بل قد جاء في كل المسلمين ولم يختص به عليّ رضي الله عنه ولا أحد غيره، وذلك فيما رواه الطبراني في (الصغير) (459)- وعزاه في (المجمع) (2/179) للأوسط أيضاً- عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من آذى مسلماً فقد آذاني) . فهل يبقى بعد ذلك في هذا الحديث لعليّ رضي الله عنه أي فضل يختص به دون غيره؟ ومن ذلك أيضاً ما رواه الإمام أحمد (5/54-55، 57) والترمذي (4/360)، وأبو نعيم في الحلية (8/287)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (9/123) عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله الله في أصحابي، لا(64/446)
تتخذوهم غرضاً من بعدي، من أحبهم فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه). وهو شوكة في أعين الرافضة أمثال عبد الحسين هذا.
وأكبر من كل ما تقدم في إيذاء النبي صلّى الله عليه وسلّم ما نص عليه الله تبارك وتعالى في كتابه وأنزل به قرآناً يُتلى إلى قيام الساعة وجعله من أعظم الذنوب عنده، ألا وهو قوله تعالى: {و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إنّ ذلكم كان عند الله عظيماً} وهو إيذاؤه صلّى الله عليه وسلّم في أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن ولعن الطاعنين بهن من الرافضة وأذنابهم، ونظير هذه الآية ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شأن عائشة أم المؤمنين الصدّيقة بنت الصدّيق رضي الله عنها وعن أبيها حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوا من الكذب البحت والفرية، فخطب الناس فقال: (يا معشر المسلمين من يعذرني من رجلٍ قد بلغني أذاه في أهلي، فوَ الله ما علمتُ على أهلي إلاّ خيراً. . . الحديث) أخرجاه في الصحيحين، وغيرهما. . وسيأتي من كلام هذا المفتري الموسوي مما فيه إيذاء لأم المؤمنين- ولم يرتضها هذا الموسوي أماً له فخرج بذلك من هذا الوصف، وثبت لها رضي الله عنها رغماً عن أنفه بنص القرآن- في المراجعات (72، 74، 76، 78) وهو إيذاء للنبي صلّى الله عليه وسلّم فله من الله ما يستحق. .(64/447)
وآخر ما ذكره هذا الموسوي في الفقرة الثالثة من هذه المراجعة حديث الطبراني عن بريدة نقلاً من (الصواعق المحرقة) (ص103) ولفظه: (ما بال أقوام ينتقصون عليّاً، من تنقص علياً فقد تنقّصني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إن عليً مني وأنا منه، خُلِقَ من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذريّةً بعضها من بعض والله سميع عليم، يا بريدة أما علمت أن لعليّ أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليّكم بعدي، فقلت: يا رسول الله بالصحبة إلاّ بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً، قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام) إ. ه. أخرجه الطبراني في الأوسط- (مجمع الزوائد) (9/128)- وإسناد ضعيف جداً إن لم يكن موضوعاً، ففيه حسين الأشقر وهو شيعيّ غالٍ، ضعّفه البخاري جداً فقال في (التاريخ الصغير) (230)، عنده مناكير. ونقل غير واحد عن البخاري أنه قال: فيه نظر- كما في (الميزان)- وقال عنه الحافظ ابن كثير في (التفسير) (3/570): شيعي متروك.
وفي إسناده أيضا رجال آخرون غير معروفين، فهو إذن من رواية مجاهيل عن ضعيف أو متروك، وقد أشار إلى ضعفه الهيثمي بقوله: (و فيه جماعة لم أعرفهم وحسين الأشقر) إ. ه.
وقد نقلنا لك نص الحديث كاملاً لنبيّن أنّ ما اقتطعه ابن حجر في (الصواعق) من آخره قليل جداً، ولا زيادة فيه فيما يخص علياً رضي الله عنه فاختصره ابن حجر، لكن هذا الموسوي لكثرة ممارسته واعتياده على أعمال الحذف والقطع من النصوص مما لا يوافق هواه ظن أنّ ابن حجر فعل مثل فعله الخائن هذا فاتهمه وغمزه- كما في الهامش (7/174)- مع أنه قطعاً لم يعلم بما تبقى من الحديث لأنه لم ينقله من مصدره الأصلي، وهذا كله لأن الخائن والمخادع يظن أن الناس جميعاً خونة ومخادعون فيتعامل معهم على هذا الأساس، والحمد لله الذي عافانا، وهو المسؤول تمام العافية ودوامها.(64/448)
نعود الآن إلى تعليق هذا الموسوي في الهامش (6/174) على ما جاء في الحديث من قوله: (وأنا خُلِقتُ من طينة إبراهيم وأنا أفضل من إبراهيم) فقال: (لما أخبر أنّ علياً خُلِقَ من طينته صلى الله عليه وآله وسلم، وهو بحكم الضرورة أفضل من عليّ، كان قوله: وأنا خُلِقتُ من طينة إبراهيم مظنة التوهم أن إبراهيم أفضل منه صلى الله عليه وآله وسلم وحيث أنّ هذا مخالف للواقع صرّح بأنه أفضل من إبراهيم دفعاً للتوهم المخالف للحقيقة) إ. ه.
ونقول: مع أن هذا لا يخصنا وليس له فيه علينا حجة لكننا نريد أن يبيّن ما في جوابه هذا من الضعف والوهن إذ بإمكاننا أن نبدل كلامه هذا ونعكس بعضه على بعض بالقول أنه صلّى الله عليه وسلّم لمّا أخبر أنه خُلِقَ من طينة إبراهيم عليه السلام، وهو- بحكم الضرورة أيضا والنصوص المصرحة- أفضل من إبراهيم، كان قوله أن علياً خُلِقَ من طينته مظنة التوهم بأن علياً أفضل منه، فكان الأولى أن يقول: - ونحن نتجرأ على هذا الكلام لعلمنا وتحققنا من عدم ثبوت هذا الحديث وأنه من صنع هؤلاء الرافضة- (و أنا أفضل من عليّ).
وهذا الذي نقوله ليس مبالغة منا ولا تحاملاً محضاً عليهم بل هو ثابت مقرر في أصولهم- كما سنذكره- من مساواة عليّ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل أفضليّته عليه.(64/449)
وقول هذا الموسوي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: (و هو بحكم الضرورة أفضل من عليّ) لا يستقيم إلاّ على مذهب أهل السنة، أهل الحق، أما على مذهب الرافضة أئمة هذا الموسوي فنصوصهم المروية في كتبهم الأصول- التي سماها هذا الموسوي كتباً مقدسة في (المراجعة-14-)- تدل على خلافه وأنهم يفضلون علياّ على محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، وقول هذا الموسوي صرح به على سبيل التّقية ليس إلاّ، يريد التعمية على هذا الضّلال المبين الذي يقولونه. ومن تلك النصوص التي تقول بذلك ما رواه الكليني في (الحجة من الكافي) (1/196-197) (ط. إيران) عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله قال: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراً ما يقول: (أنا قسيم الله بين الجنة والنار. . . ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقرّوا به لمحمّد صلى الله عليه. . . ولقد حُملت على مثل حمولته وهو حمولة الرب، وأن رسول الله يُدعى فيُكسى وأدعى فأكسى. . . ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي، علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتي ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني أبشر بإذن الله واؤدي عنه) إ. ه.
فانظر كيف ساوى محمداً صلّى الله عليه وسلّم أول الأمر ثم فضل عليه بقوله: (و لقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي) ومن تلك النصوص أيضا المصرحة بفضل عليّ على محمد صلّى الله عليه وسلّم ما رواه محمد باقر المجلسي في (بحار الأنوار) (كتاب الشهادة) (5/511) أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعليّ: (يا عليّ انك تملك ما لا أملك، ففاطمة زوجك وليس لي زوج مثلها، ولك ابنان ليس لي مثلاهما، وخديجة أم زوجك وليس لي رحيمة مثلها، وأنا رحيمك فليس لي رحيم مثل رحيمك، وجعفر أخوك من النسب وليس لي مثل جعفر أخي، وفاطمة الهاشمية المهاجرة أمك وأنّى لي أم مثلها) إ. ه. فلعنة الله على واضع هذا، ما أسخفه وأجهله.(64/450)
ومن تلك النصوص أيضا ما جاء في كتاب (بصائر الدرجات) (5/باب 7) (ط. إيران 1285ه) عن أبي حمزة أنه قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (إن منا لمن ينكت في أذنه، وأن منا لمن يؤتى في منامه، وإن منا لمن يسمع الصوت مثل صوت السلسلة يقع في الطست، وأن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل) إ. ه. وواضح من قوله (يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل) التفضيل على جميع الأنبياء والمرسلين وبضمنهم محمد صلّى الله عليه وسلّم وعلى باقي الأنبياء.
هذه نبذة من الكفريات والضلالات في مذهب الشّيعة الرافضة هؤلاء من كتبهم الأصول المعتمدة عندهم تضاف إلى ما سبق بيانه في مقدمة كتابنا هذا، ولله الحمد.
حديث ابن عباس عند الحاكم وغيره، في عشر خصائص لعليّ رضي الله عنه تقدم لفظه والكلام عليه بالتفصيل في صفحة (364-367) خلال الكلام على ما جاء في (المراجعة- 26-)، فلا حاجة بنا إلى إعادة الكلام هنا فراجعه.
حديث عليّ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (سألت الله فيك خمساً فأعطاني أربعاً ومنعني واحدة، سألته أنك أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأنت معي، معك لواء الحمد وأنت تحمله، وأعطاني أنك وليّ المؤمنين من بعدي) إ. ه. وهو حديث موضوع وذلك واضح من تخريج صاحب (الكنز) له، فقد ذكره برقم (36411) وقال في تخريجه: (ابن الجوزي في الواهيات). وقد حذف ذلك هذا الموسوي غير الأمين محاولاً الإيهام بصحة هذا الحديث العياذ بالله.(64/451)
وحديث عليّ هذا قد أخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) (4/339) بإسناد موضوع كما قلنا، فيه عيسى بن عبد الله- بن محمد- بن عمر بن عليّ بن أبي طالب. قال الدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن حبّان: يروي عن آبائه أشياء موضوعة إ. ه. قلت: وهو كذلك هنا فقد رواه عن أبيه عبد الله عن أبيه عن جده عن عليّ. وسرد له الذهبي في (الميزان) عدداً من الأحاديث الموضوعة . وفي إسناد الحديث أيضا رجال غير معروفين لم أجد لأيّ منهم ترجمة .
حديث وهب بن حمزة، قال: سافرت مع عليّ فرأيت منه جفاءاً فقلت لئن رجعت لأشكونه، فرجعت فذكرت عليّاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنلت منه، فقال: (لا تقولن هذا لعليّ فإنه وليكم بعدي) إ. ه. ذكره ابن حجر في (الإصابة) (3/641) نقلاً عن ابن السكن، وأخرجه الطبراني في (الكبير) أيضا- (مجمع الزوائد) (9/109)، (كنز العمال) (32961)- وقال ابن السكن عن وهب بن حمزة هذا: (يقال أن له صحبة وفي إسناد حديثه نظر) ثم ذكر حديثه هذا، وهو ما لم ينقله هذا الموسوي ففيه بيان ضعف هذا الحديث . وقد ساق إسناده بالكامل الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/344-345) ولم يعزه لأحد، من طريق عبيد الله ابن موسى عن يوسف بن صهيب عن دكين عن وهب بن حمزة. وهو إسناد ضعيف لا يثبت، فيه علتان أو ثلاث:
الأولى: عبيد الله بن موسى هذا ثقة من رجال البخاري، لكنه شيعي متحرق، كما قال الذهبي وغيره فلا يحتج بمثله في فضائل عليّ رضي الله عنه، خصوصاً وأنه بسبب تشيعه روى كثيراً من الأحاديث المنكرة في فضائل عليّ وأهل البيت، قال الإمام أحمد: (كان صاحب تخليط وحدّث بأحاديث سوء)، وقال ابن سعد: (وكان يتشيّع ويروي أحاديث في التشيع منكرة وضعف بذلك عند كثير من الناس) . قلت: أنظر ترجمته من (الميزان) و(التهذيب)، وكأنهم يشيرون إلى حديثه هذا.(64/452)
الثانية: دكين المذكور في الإسناد لم أجد له ترجمة في كتب الجرح والتعديل، وقد ترددت في اسمه هل هو كما أثبتاه بالدال، أم هو بالراء- ركين- فقد ذكره ابن حجر في (الإصابة) بالراء، لكن ترجع عندي أنه بالدال لأمرين.
الأول: أن نسخة (الإصابة) هذه مليئة بالأخطاء والتصحيفات، فقد جاء في نفس هذا الإسناد بدلاً من (يوسف بن صهيب) المذكور في إسنادنا، (يوسف بن سخيب) وهو تصحيف أو تحريف واضح، فلا تطمئن النفس في الإعتماد عليها إذا خولفت . الأمر الثاني: أن اسمه جاء بالدال- دكين- في موضعين من كتابين منفصلين مما يبعد وقوع الخطأ فيهما، بل وقوعه في كتاب واحد هو (الإصابة) أرجح كما هو واضح، وهذا الكتابان هما (البداية والنهاية) لإبن كثير (7/344) وكذلك (مجمع الزوائد) (9/109) للهيثمي . وإذا تقرر أنه (دكين) فلم أجد من ذكره سوى تعقيب الهيثمي في (المجمع) على الحديث بقوله: (رواه الطبراني وفيه دكين ذكره ابن أبي حاتم ولم يضعفه أحد) إ. ه. قلت: وهو عند ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) برقم (1995) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً فاستدركت ما كنت قلته من أنني لم أجد أحداً ترجمه، لكنه بهذا يعد ضمن المجهولين غير الموثقين كما لا يخفى، وأشار أن أبي حاتم إلى روايته هذه فقال: (روى عن وهب ابن حمزة، روى عنه يوسف بن صهيب) إ. ه. فهو مجهول.
الثالثة: وهب بن حمزة هذا لم تثبت صحبته، وإليك البيان: فقد أورد الحافظ ابن حجر هذا الحديث في ترجمة وهب هذا في (القسم الأول) من (الصحابة) . وهذا القسم خاص كما قال في مقدمته: (فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره، سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان، وقد كنت أولاً رتبت هذا القسم الواحد على ثلاثة أقسام، ثم بدا لي أن أجعله قسماً واحداً، وأميز ذلك في كل ترجمة) إ. ه. انظر مقدمة الإصابة (1/6).(64/453)
فلا يستفاد إذن من إيراد الحافظ للصحابي في هذا القسم أن صحبته ثابتة ما دام أنه قد نقل عن ابن السكن نصه على ضعف إسناد الحديث الذي صرح فيه بسماعه من النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو هذا الحديث، ثم لم يتبعه بما يدل على ثبوت صحبته من طريق أخرى، بل أقرّه ولم يتعقبه بالرد. وإذا تقرر هذا فهو بأن يذكر في المجهولين من التابعين أولى من أن يذكر في الصحابة المكرّمين، وعليه فقد صحت هذه العلة، وسقط هذا الحديث عن الإحتجاج.
حديث عليّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت وليه فهذا وليه) إ. ه. ذكره في (كنز العمال) (36418) وهو حديث صحيح له متابعات وشواهد، لكنه لا يدل على مطلوب هؤلاء الضّلاّل فليس فيه لفظ (بعدي) كما قدمنا في (ص429-430) إنها منكرة مردودة.
وباقي معنى الحديث سيأتي تفصيله إن شاء الله في المراجعة القادمة.
وأخيراً قال هذا الموسوي: (و صحاحنا في ذلك متواترة عن أئمة العترة الطاهرة)، وقد قدمنا في صفحة (106-108) أن هذا قول باطل، فليس عندهم صحاح ولا تواتر ودللنا بقول إمامهم الخوئي في كتابه (معجم رجال الحديث) فقد اعترف هو بذلك والحمد لله، فليراجع.
المراجعة (37): س:
إستفهام شيخ الأزهر عن معنى الوليّ، وأنه مشترك بين معانٍ كثيرة.
المراجعة (38): ش:
ترجيح معنى الوليّ.
زعمه قرائن على ذلك.
الرد على المراجعة (38):
فصيل معاني الوليّ وترجيح الراجح منها بالقرائن الجلية
نقض كل ما زعمه من القرائن على ترجيحه.
تكلم في هذه المراجعة على معنى (الوليّ) فيما تقدم من الأحاديث، وزعم- بدافع الهوى ومن غير حجة- أن المقصود به في تلك الأحاديث هو كل من ولي أمر أحد، وخاض في ذلك خوضاً غير محمود، بكلام يدل على فهم محدود، وجهل غير معدود، فحسبنا الله وهو حسب كل من في الوجود.
ونحن نبيّن ذلك بما لا يدع شكاً ولا ريبة إن شاء الله، فنقول:(64/454)
جاء الحديث بلفظ (الولي) وبلفظ (المولى) أيضا، والمولى بمعنى الولي أيضا وهما واحد في كلام العرب، والمولى في الدين هو الولي، كما الله تعالى: { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} . وإذا تقرر أن (المولى) هو (الولي)، فالولي له عدة معان- أنظر (لسان العرب) (20/288-293)، (المعجم الوسيط) (2/1070)- يمكن جمعها في: النصير، والمحب، والصديق، والحليف، والصهر، والجار، والتابع، والمطيع، والمعتق، وكل من ولي أمراً أو قام به. وينفرد (المولى) بمعانٍ لا تستقيم هنا مثل: الرب، والمالك، والنزيل، والقريب من العصبة، والعبد، والذي سلم على يديك ويواليك. ولعدم ورود هذه المعاني هنا فلا حاجة بنا إلى مناقشتها، كما لا حاجة بنا إلى مناقشة بعض معاني (الولي) المتقدمة لعدم استقامتها هنا مثل: الصديق، والحليف , والصهر، والجار، والتابع، والمطيع، والمعتق. وتبقى من معاني (الولي) القائمة للمناقشة هنا: (النصير والمحب)، وهذا الذي نقول به وسنثبته إن شاء الله، وكذلك (ولاية الأمر أو القيام به) . ولكن قبل تفصيل ذلك لا بد لنا من وقفة قصيرة عند هذا الحديث واستدلال الشّيعة به، فاستدلالهم به نظير استدلالاتهم الأخرى هم وجميع المبتدعة الآخرين كالخوارج والمعتزلة والقدرية وغيرهم إذ هو استدلالٌ بنصوص عامة تحمل عدّة معان، وهم بأهوائهم الفاسدة يقدمون المعنى الذي يريدون، معرضين عن النصوص الصحيحة الصريحة في تقرير المطلوب، والتي لا يسع أحداً تحريفها أو تغيير معناها، وهذا شأن كل أهل الضلال من المبتدعة وغيرهم، وهم في ذلك كما وصفهم الله تبارك وتعالى في قوله: { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذي قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} . وجميع النصوص التي سبق إيرادها من قبل هذا الموسوي إما صريحة غير صحيحة بل باطلة موضوعة، أو صحيحة غير صريحة في مطلوبه،(64/455)
كما هو حال حديثنا هذا.
وإذا كان اللفظ يحمل عدّة معانٍ متباينة، فلا يمكن ترجيح أحدها على ما سواه إلاّ بقرينة صحيحة صالحة لذلك، ومن طالع كلام هذا الموسوي في هذه المراجعة وجده قد ذكر ما يزعم أنه قرينة للمعنى الذي ادّعاه، ويمكن تقسيمه إلى أربع نقاط:
النقطة الأولى: زعمه إفادته للحصر بقوله (وهو وليكم بعدي) ثم تقريره عدم أعمال الحصر إلاّ على المعنى الذي ذهب إليه، وهذه حجة أوهى من خيط العنكبوت فليست هذه الصيغة للحصر أصلاً ولا موضوعة له ولم يقل به أحد من أهل هذا الشأن، اللهم إلاّ إذا كانت هناك قرائن في نفس السياق تفيد ذلك، وهو أمر معدوم هنا كما هو واضح . ثم إن الحديث بهذا اللفظ غير صحيح بل ضعيف مردود كما فصلناه في صفحة (429-432) وخلال الكلام على الأحاديث التي جاءت بهذا اللفظ في المراجعة السابقة. فلم يروه بهذا اللفظ إلاّ رواة من الشّيعة فلا يؤمن تفردهم بذلك- وإن كانوا ثقاتٍ- فقد روى هذا الحديث رواة ثقات كثيرون غيرهم لكن أحداً منهم لم يذكره بهذا اللفظ مما يبيّن عدم صحته. ونحن بهذا لا نتهم هؤلاء الرواة الشّيعة في اختلاقه بل في عدم تثبتهم في روايته أو على الأقل روايته بالمعنى الذي فهموه به، وقد قدمنا عن علماء الحديث تقريرهم لعدم الإحتجاج بحديث المبتدع- وإن كان ثقة- فيما يدخل في بدعته ويقويها، أنظر صفحة (249-250) من كتابنا هذا.
النقطة الثانية: زعمه أن لا ميزة ولا مزية أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم إثباتها في هذه الأحاديث لعليّ إذا كان (الولي) هو (النصير أو المحب) وأن هذا من قبيل الواضحات البديهات.(64/456)
وهذه حجة من قبيل حجج الأميين السذج، فإن محبة عليّ رضي الله عنه ونصرته للمؤمنين وولايته لهم- بهذا المعنى- لم تكن واضحة ولا بديهية قبل هذا الحديث خصوصاً عند من كان معه بأرض اليمن، وقد مرّ ذلك واضحاً وصريحاً في أحايث بريدة بن الحصيب وعمران بن حصين وعمرو بن شاس ووهب بن حمزة التي ذكرها هذا الموسوي نفسه في المراجعة السابقة، وفي غيرها من الأحاديث كذلك.
ففي حديث عمران بن حصين أن أربعة تعاقدوا على شكاية عليّ عند النبي صلى الله عليه وسلّم ووقعوا فيه بسبب الجارية التي اصطفاها لنفسه، حتى غضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لذلك وقال قوله هذا- راجع حديث عمران بن حصين- وفي حديث بريدة التصريح بأن بريدة رضي الله عنه نفسه كان ممن يبغض عليّاً قبل هذا الحديث، كما في الرواية التي ذكرها. ونحوها عند الإمام أحمد (5/359)، والبخاري (5/207)، وفي رواية أخرى- عند الإمام أحمد (5/347)، والحاكم (3/110)- أن ذلك كان بسبب ما رأوه من الجفاء من عليّ رضي الله عنه. وعند الإمام أحمد (5/350-351) أن بريدة قال: (أبغضت عليّاً بغضاً لم يبغضه أحد قط وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلاّ على بغضه عليّاً . . .) الحديث. فليسمع أصحاب هذا الموسوي، فليس الأمر كما زعم صاحبهم هذا بأنه من الواضحات البديهات، ونحن إذ نقول هذا لا نعني به فقط محبة عليّ للمسلمين ونصرته لهم، بل وجوب محبتهم له ونصرتهم له، الأمر الذي لم يكن عند بعض الصحابة بسبب ما رأوا منه رضي الله عنه فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم حثهم على ذلك بأمرهم به أولاً، وببيان ما عند عليّ رضي الله عنه من النصرة والمحبة للمؤمنين وصدقه في ذلك، وأن ما صدر منه من الجفاء تجاه بعضهم لا يخالف ذلك، فقال صلّى الله عليه وسلّم (من كنت مولاه فعليّ مولاه)- وكذلك لفظ (الولي) في بعض الروايات- أي: من كنت ناصره على دينه وحامياً عنه بظاهري وباطني وسري وعلانيتي فعليّ ناصره على هذا السبيل فتكون(64/457)
فائدة ذلك الإخبار عن أن باطن عليّ وظاهره في نصرة الدين والمؤمنين ومحبتهم سواء، والقطع على سريرته وعلو رتبته، وليس يعتقد ذلك في كل ناصر للمؤمنين لأنه قد ينصر الناصر بظاهره فقط، وهو ما ظنه بعليّ بعض الصحابة ممن كان معه بأرض اليمن وغيرهم فاحتاج ذلك إلى البيان من النبي صلّى الله عليه وسلّم بما لا محيد عنه وإلاّ لو ترك ذلك وظن أنه من الواضحات البديهيات- كما يدعيه هذا الجاهل وأصحابه- لما أزيح ما كان في نفوس كثير من الناس عن عليّ رضي الله عنه . فبعد أن بين صلّى الله عليه وسلّم صدق عليّ ومحبته ونصرته للمؤمنين أمر بمحبته رضي الله عنه- فضلاً عن النهي عن بغضه- ونصرته، وهو ما يحتمله أيضا هذا الحديث، فأيضا قوله (من كنت مولاه فعليّ مولاه) أي: من كنت محبوباً عنده ومنصوراً له فعليّ كذلك. ولا يفوتنا أن ننبه أنه ليس من نصرة عليّ رضي الله عنه نصرته على توليته الخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن هذا أمر لم يستحقه- رضي الله عنه- بل ولم يدّعه هو أصلا ً، ومن قال بادعائه لها فقد كذب عليه، حتى إذا آلت إليه الخلافة واستحقها بعد مقتل عثمان رضي الله عنه كانت نصرته في ذلك مشروعة وواجبة، وهذا مذهب أهل السنة والحمد لله.(64/458)
نعود الآن إلى الأحاديث المصرحة بما قلناه من سبب هذا الحديث، وقد ذكرنا منها حديث عمران بن حصين، وحديث بريدة بن الحصيب، ونضيف إليها حديث عمرو بن شاس، وقد تقدم لفظه في صفحة (438-439) وذكره هذا الموسوي في الهامش (4/173)، وفيه التصريح بما وجده عمرو من الجفاء من عليّ فشكاه بسبب ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم ومثله في ذلك أيضا حديث وهب بن حمزة في صفحة (445) . وحتى حديث الطبراني الواهي جداً تجد فيه ذكر ذلك واضحاً . وكذلك في غير ما تقدم من الأحاديث مثل حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وشكايته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ما لقي من عليّ من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، أخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) (5/398)، ونقله الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/105-106) وقال: وهذا إسناد جيد على شرط النسائي إ. ه. وكذلك ما رواه ابن إسحاق- (سيرة ابن هشام) (4/250)- ومن طريقه رواه ابن جرير في (تاريخه) (3/149) عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، ونقله أيضا ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/208- 209) . وجاءت شكاية الناس علياً رضي الله عنه في حديث أبي سعيد أيضا رواه ابن إسحاق- (سيرة ابن هشام) (4/250)- ومن طريقه ابن جرير (3/149) وأكثر من ذلك ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (كنت جالساً في المسجد أنا ورجلان معي فنلنا من عليّ فأقبل رسول الله . . .) الحديث، أخرجه أبو يعلى- (البداية والنهاية) (7/346)-بإسناد لا بأس به في الشواهد وعزاه في (المجمع) (9/129) للبزار بإختصار. وغير ذلك من الأحاديث التي تثبت ما وقع في نفوس كثير من الصحابة على عليّ رضي الله عنه من الريبة والبغض بسبب ما صدر منه تجاههم، الأمر الذي اقتضى علاجه من النبي صلى الله عليه وسلم وتبرئة عليّ من ذلك وبيان صدقه في محبته للمؤمنين ونصرته لهم، مع الأمر بمحبته ونصرته وولايته بهذا المعنى لا غير، والذي جاء التصريح به وبيان أنه المقصود في(64/459)
حديث بريدة عند الإمام أحمد (5/350-351) إذ قال بريدة: (فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتبغض علياً ؟ قال: قلت نعم، قال: فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حباً).
وبهذه القرائن- ومثلها- اتضح معنى الولي في تلك الأحاديث بأنه: النصير والمحب، واتضح أن هناك دافعاً قوياً لان يصرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا في عليّ رضي الله عنه، ولا يعرض عن هذه القرائن ويتكابر عليها إلاّ من أعمى الله بصيرته ومن كان في قلبه مرض ومن يحتكم إلى هواه دون هذه النصوص، { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إنْ هم إلاّ كالأنعام بل هم أضلّ سبيلاً} .
النقطة الثالثة: من النقاط التي زعم أنها قرائن تفيده، ما اعتمد عليه من لفظ (بعدي) في الحديث (و هو وليكم بعدي)، وهذه لا تلزمنا بشيء والحمد لله لما قدمنا من ضعف الحديث بهذا اللفظ وأنه مخالف لكل روايات الحديث الأخرى على كثرتها، أنظر صفحة (431-432)، وقد قدمنا هناك عدداً من العلماء الذي كذّبوا هذا اللفظ أو استنكروه على الأقل، مثل ابن تيمية، والذهبي، وابن كثير، والمباركفوري، وحتى الترمذي على تساهله، فلا حجة للشيعة علينا فيه بعد هذا، والحمد لله.
النقطة الرابعة: وهي آخر ما زعمه من القرائن حديث بريدة عن الإمام أحمد (5/347)، والحاكم (3/110)، وقد تقدم وفيه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟) وزعم أن تقديمه صلّى الله عليه وسلّم لذلك هو القرينة المطلوبة، وهذا باطل من وجوه:
الوجه الأول: أنه لا يصلح أن يكون قرينة إلاّ إذا كان معنى (الأولى) في قوله هذا هو نفس معنى (المولى) الذي بعده، وهذا لا يقوله إلاّ الحمقى، فإن (الأولى) هو الأجدر والأحق والأقرب- (المعجم الوسيط) (2/1070)- وليس ذلك أبداً من معاني (المولى) أو (الولي)، وقد قدمناها (ص449-450) فبطل بذلك كونه قرينة، من هذا الوجه.(64/460)
الوجه الثاني: أن معنى كون النبي صلى الله عليه وسلّم أولى بالمؤمنين من أنفسهم- وهو نص الآية (6) من سورة الأحزاب- أن حكمه فيهم واختياره لهم مقدم على حكمهم واختيارهم لأنفسهم وأحق بذلك كما قال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلّموا تسليماً } . - أنظر (تفسير ابن كثير) (3/467)، و(روح المعاني) للآلوسي (21/151) وغيرها-.
ولهذا قدم ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لبريدة مذكره به، فإذا كان صلّى الله عليه وسلّم حكمه واختياره مقدم على اختيار المؤمنين أمرهم بنصرة عليّ ومحبته رضي الله عنه وأنه حكم عليه بصدقه في محبة المؤمنين ونصرتهم وأيضاً حتى لا يكون ما رأوه من عليّمن الجفاء والغلظة سبباً لتقديمهم حكمهم بأنفسهم على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عليّ، فهو يريد منهم أن ينصاعوا إلى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عليّ لا إلى ما لمسوه منه من الغلظة والتضييق والجفاء، لذا نرى أن بريدة رضي الله عنه نفسه راوي هذا الحديث قد صرح بهذا في رواية الإمام أحمد (5/350-351) عقب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك له، فقال: (فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ من عليّ) إ. ه. فهذا صريح في أن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما عنى بولايته أن يحبوه وهذا بيّن لا لبس فيه إن شاء الله ولا يحتاج لطول شرح.
الوجه الثالث: إن معنى قول هذا الموسوي بكل وضوح قياس منزلة عليّ على منزلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه الأمة، وهذا والله من السفاهة والوقاحة والجسارة على الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم بمكان وبطلانه أظهر من أن يخفى، وهذا القدر كافٍ لمن أمعن النظر وتحلى بالإنصاف، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
المراجعة (39): س:
التماس شيخ الأزهر آية الولاية.
المراجعة (40): ش:(64/461)
سوقه لما أسماه بآية الولاية وتخريجها وتوجيه الاستدلال بها.
الرد على المراجعة (40):
الإشارة إلى ما تقدم من الرد المسهب المفصل على احتجاجه بهذه الآية.
ساق في هذه المراجعة ما أسماه بآية الولاية، وأشار إلى ما يزعم من سبب نزولها، وقد تكلمنا على ذلك كله بالتفصيل والحجج والبراهين- والحمد لله- فيما تقدم (ص123-145) لكننا فقط نحب أن نشير إلى الجهل الفاضح عند هذا الموسوي بقوله في الفقرة الثالثة: (تعلم أن الولي هنا إنما هو الأولى بالتصرف) ثم ذكر معنىً واحداً من معاني الولي وكتم المعاني الباقية، وفيما تقدم من التفصيل بيان ذلك إن شاء الله .
وبطلانه أظهر من أن يخفى، وهذا القدر كافٍ لمن أمعن النظر وتحلى بالإنصاف، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
المراجعة (41): س:
شيخ الأزهر يعترض بأن اللفظ للجمع فكيف يطلق على الفرد.
المراجعة (42): ش:
جوابه بما لا فائدة منه في جواز إطلاق لفظ الجمع على الواحد في العموم لا في خصوص هذه القصة.
ذكر ما زعمه من النكت في ذلك.
الرد على المراجعة (42):
بيان جواز إطلاق لفظ الجمع على الواحد لكنه لا يصار إليه إلاّ بقرينة واضحة صحيحة، وهو الأمر المعدوم هنا.
نقض ما زعمه من النكت في ذلك.
تكلم في هذه المراجعة على مسألة جواز إطلاق لفظ الجمع على الواحد، بكلام لا فائدة منه هنا، فنحن لا ننكر جواز ذلك، وإمكانه في اللغة بل نقول إنه على خلاف الظاهر، بمعنى أنه لا يصار إليه إلاّ بقرينة تدل عليه وليس إعتباطاً وإلاّ لو جاز ذلك بغير قرينة لتعطلت بذلك نصوص كثيرة، وعلى هذا تنزل تلك النصوص التي ذكرناها، وأما في هذه الآية فليست هناك قرينة تؤيده خصوصاً بعد أن بيّنا كذب تلك الروايات التي ساقها في سبب نزولها المزعوم هذا، وبقيت هذه الدعوى عارية عن الدليل، وراجع تفصيل ذلك في صفحة (144-145) وما نقلناه عن عدد من العلماء مما يؤيد هذا.(64/462)
على أن هذا الاعتراض هو أقل اعتراضات أهل السنة على دليل الشّيعة هذا وأخفّها فما بالك بما سواه مما لا قبل لهذا الموسوي وأصحابه بردّه، أنظر في كتابنا هذا (ص133-145) ثم ما نقله عن كل من الطبرسي والزمخشري في تفسيريهما لا يلزمنا الحجة بشيء فليسا هما من أهل السنة والحمد لله، بل هما متآخيان في الضلالة والإبتداع، أحدهما شيعي والآخر معتزلي، فما لنا ولأهواء هؤلاء وتخرصّاتهم وظنونهم؟ ألم يجد هذا الموسوي غيرهما فيحتج به؟ نقول: نعم وأنّى لصاحب علم صحيح أن يوفقهما؟
ثم النكتة التي تمخّض عنها الفكر الضال عند هذا الموسوي في الفقرة الخامسة بقوله: (فان شانئي عليّ وأعداء بني هاشم وسائر المنافقين وأهل الحسد والتنافس لا يطيقون أن يسمعوها بصيغة المفرد، إذ لا يبقى لهم حينئذ مطمع في تمويه ولا ملتمس في التضليل. . .) مع أنه قول بلا دليل وادّعاء بلا ضابط وتخيلات بلا مستند، مع كل هذا فبطلانه واضح، إذ معناه أن الله سبحانه وتعالى ينزل آياته غير واضحة ولا صريحة يريد بها تضليل الناس وتمويههم خصوصاً في الأمور الاعتقادية الأساسية- مثل ما تزعمه الشّيعة في الأمر بولاية عليّ رضي الله عنه- وكأن الله سبحانه لم ينزل كتابه تبياناً لكل شيء ولم يجعله هدى وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب، ولم ينزل كتابه بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، ولم يأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى كتابه وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وكأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يقل: (تركتكم على المحجّة البيضاء ليلها كنارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك- أخرجه الإمام أحمد (4/126)، وابن ماجة (43)-.(64/463)
ودعوى هذا الموسوي أن النصوص بعد ذلك أخذت تتوالى في الأمر بولاية عليّ حتى أكمل الله الدين، دعوى باطلة سخيفة، وهذه النصوص التي يشير إليها هي نفسها التي ساقها في كتابه هذا من الآيات والأحاديث التي يتخيّلون أنها حجة لهم وقد فصلنا الرد عليها جميعاً، ولله الحمد والمنة.
المراجعة (43): س:
الإعتراض بوحدة سياق الآيات وأنها تدل على أن المراد من الولي هو المحب.
المراجعة (44): ش:
زعمه فصل هذه الآية عن سياق الآيات قبلها.
الرد على المراجعة (44):
نقض دعواه هذه والإشارة إلى ما تقدم من ذلك من جهة النقل والسند ومن جهة المعنى والنظر فيه كذلك.
في الفقرة الأولى من هذه المراجعة أكّد هذا الموسوي البغيض على أن لا تعلق بين هذه الآية- وهي التي أسماها آية الولاية- وبين الآيات قبلها وبعدها، وهي دعوى لا تستغرب ممن هم أقل منه جهلاً وكذباً وتزييفاً وإدّعاءاً لما لا قبل له بإثباته حتى يلج الجمل في سم الخياط، وقد فصلنا ثبوت وحدة سياق هذه الآيات- بضمنها هذه الآية- ليس فقط من جهة النقل والإسناد بل أيضا من جهة المعنى والنظر فيه عند أولى الألباب والإنصاف، انظر ما نقلناه في سبب نزول هذه الآيات جميعاً من كتب السيرة وكتب التفسير- مثل (سيرة ابن هشام) (3/51-53)، (تفسير الطبري) (6/177-178)- في صفحة (137)، وكذلك ما يتعلق بسياق الآيات ومعناها مما نقلناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية في (ص136) وعن الإمام الرازي (ص139-140)، فراجع كل ذلك تجد فيه القول الفصل إن شاء الله.
ثم إدّعاء هذا الموسوي بأن قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأت الله بقومٍ يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزةٍ(64/464)
على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومةَ لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} خاص بعليّ، أبطل من دعواه السابقة، ولم يسنده هو إلاّ إلى أئمته الذي لا يساوون في ميزان الحق شيئاً، الذي ينبغي لنا أن نزنهم ونقيّمهم بالحق لا أن نقيّم الحق بهم، هذا فضلاً عن المطعونين منهم أصحاب الأهواء الفاسدة أمثال الطبرسي صاحب البيان الذي أشار إليه وغيرهم من الذين ادّعى إجماعهم عليه، وهذا والله هو الخذلان المبين، فكل هؤلاء وغيرهم من أصحاب القضية التي يناقشها هذا الموسوي في كتابه هذا، فكيف يحتج بهم ولما يثبت صدقهم وأمانتهم فضلاً عن إصابتهم الحق في ذلك؟ أليس في هذا إخلال بما اشترطه في كتابه هذا؟ وقد بيّنا ذلك أيضا في صفحة (141) . ثم إدّعاؤه رواية الثعلبي لذلك في تفسيره، كذب وافتراء عليه بيّنه شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقلناه (ص143) بأن الثعلبي قال في تفسير هذه الآية: (قال عليّ بن أبي طالب وقتادة والحسن: انهم أبو بكر وأصحابه) إ. ه. ونحوه نقله الرازي في (تفسيره) (12/22)، وقد اتبع هذا الموسوي في هذه الكذبة سلفه ابن المطهر الحليّ كما بيّناه هناك.
وبيّنا هناك أيضاً- (ص143-144)- أن أحق الناس بهذه الآية هو خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر رضي الله عنه، بنص عليّ نفسه كما تقدم وآخرين غيره مثل الحسن وقتادة والضحّاك وغيرهم، مع ما في سياق الآيات من الدلالة على ذلك وأولوية أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه فيها فراجعه هناك وراجع ما ذكرنا من الأوجه التي بإمكان الخوارج والنواصب وغيرهم من مبغضي عليّ أن يحتجوا بها في هذه الآية نفسها مما يؤيد طعنهم بعليّ رضي الله عنه، وهذا كله من خذلان الله سبحانه للرافضة هؤلاء حتى لم يبق لهم حجة.(64/465)
ثم ساق هذا الموسوي في الهامش (1/183-184) حديثين، الأول نقله من (كنز العمال) ولفظه: (لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه بالإيمان، يضرب رقابكم وأنتم مجفلون عنه إجفال الغنم . فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال: لا، قال له عمر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل، قال وفي كف عليّ نعل يخصفها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم) إ. ه. ومع أن هذا الحديث لا تعلق بينه وبين هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه . . . } الآية ومع أنّه لا دليل فيه على أفضلية عليّ رضي الله عنه وتميّزه بل فيه فضل له، كان لغيره الكثير مثله أو فوقه، مع كل هذا فالحديث ضعيف لا يثبت، وقد عزاه هذا الموسوي في هامشه إلى كثير من أصحاب السنن، وهو كذب لا يخفى، وهو لا يستحي منه فلم يروه سوى الخطيب في (تاريخ بغداد) (8/433)- وإليه فقط عزاه صاحب الكنز (36373)- من طريق أحمد بن كامل القاضي حدثني أبو يحيى بن مروان الناقد حدثنا محمد بن جعفر الفيدي حدثنا محمد بن فضيل عن الأجلج قال: حدثني قيس بن مسلم وأبو كلثوم عن ربعي بن حراش عن عليّ . وهذا إسنادٌ واهٍ، وعلامات التشيع والمغالاة فيه واضحة عليه وعلى متن الحديث أيضا، ففيه علل:
الأولى: أحمد بن كامل القاضي، روى الخطيب في تاريخه (4/358) عن الدارقطني أنه قال عنه: (كان متساهلاً وربما حدث من حفظه بما ليس عنده في كتابه) وأشار إلى تضعيف الدارقطني له أيضا الذهبي في (الميزان).
وقال عنه أيضا: (كان يعتمد على حفظه فيهم) . فهو إذن عنده أوهام مع تساهله.
الثانية: محمد بن جعفر الفيدي، فيه كلام يسير، قال الحافظ في ترجمته في (التهذيب): (له أحاديث خولف فيها) وقد بين الحافظ هناك عدم ثبوت رواية البخاري عنه، وانظر كذلك (فتح الباري) (5/286) .(64/466)
وشيخه محمد بن فضيل بن غزوان، وإن كان ثقة في نفسه إلاّ أ، ه عند تشيع، فيتوقف فيه عند حديثنا هذا، انظر ترجمته من (الميزان) و(التهذيب) وكذلك (هدي الساري) (ص616) .
الثالثة: الأجلح هذا هو ابن عبد الله الكندي وهو شيعي، وقد تقدم ذكره مع ما عنده من ضعف في (ص431) وبسبب تشيعه وضعفه هذا كانت عنده مناكير، قال الإمام أحمد: (قد روى الأجلح غير حديث منكر) فلأجل هذا لا يحتج به في شيء من فضائل عليّ رضي الله عنه وأهل البيت، كما قرره ابن كثير وغيره من الحفاظ فيما تقدم.
الرابعة: قيس بن مسلم هذا الصواب فيه قيس بن أبي مسلم، ذكره الحافظ في (تعجيل المنفعة) ولم ينقل توثيقه عن أحد سوى ابن حبان، وعنه ابن خلفون، وابن حبان متساهل جداً في التوثيق حتى أن من قاعدته أن يوثق المجهولين ومنهم الذين يصرح هو نفسه أنه لا يدري من هو ولا من أبوه، كما نقل ذلك عنه ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي) (ص93) فالجهالة عند ابن حبّان ليست جرحاً- كما بينه الشيخ الألباني في (الضعيفة) (2/ 328-239) -، ومن هنا فإن توثيق ابن حبّان لوحده لا يخرج ذلك الراوي عن حد الجهالة عند المحققين. وقيس هذا روى عنه الأجلح الكندي- كما في إسنادنا هذا- ومسلم بن مسلم الصغير، كما قال ابن حبّان، ولم يرد فيه توثيق معتبر كما قلنا، فهو إذن مجهول الحال وفقاً للقاعدة التي بينها الحافظ في مقدمة (التقريب) فقال: (السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ، مستور أو مجهول الحال) إ. ه. ولا يصح الاعتراض هنا بتوثيق ابن حبّان لما قدمنا من مذهبه في عدم اعتبار الجهالة جرحاً فلا يصبح توثيقه شرطاً منفصلاً هنا كما هو واضح. وأما قرين قيس بن مسلم- أو ابن أبي مسلم- في إسنادنا هذا، وهو أبو كثلوم فلم أجد له ترجمة ويبقى هو مجهول العين، وهي أشد من جهالة الحال أو الوصف.(64/467)
فهذه حال إسناد هذا الحديث ينتقل من مجهول إلى ضعيف متشيع إلى صاحب أوهام وتساهل فأنّى له الصحة؟ بل هو ضعيف مردود.
والحديث الثاني الذي ساقه في الهامش، حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله) فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: (لا، ولكنه خاصف النعل) أخرجه الإمام أحمد (3/ 33، 82)، والحاكم (3/ 122-123)، ومن طريقه البيهقي في (دلائل النبوة) (6/435، 436)، وأخرجه أيضا أبو يعلى- (البداية والنهاية) (7/360)، (مجمع الزوائد) (5/186)- وذكره أيضا في (كنز العمال) (32967) ونحوه عند ابن أبي شيبة (12/64) وفي (الكنز) (36351). وهو حديث صحيح ثابت وقد أشار إلى طرقه الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/361)، وفيه فضل عظيم لعليّ رضي الله عنه، لكن لا علاقة له بالآية أبداً ولا بقتال المرتدين، فإن الآية هذه: { يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأت الله بقومٍ يحبهم ويحبونه. . . } . الآية تتحدث عن قتال المرتدين لا غيرهم كما هو واضح وعليّ رضي الله عنه لم يتفق له قتال المرتدين، وقد قدمنا في (ص142-143) بطلان القول بأن كل من نازعه الإمامة كان مرتداً، من وجهين فإنه رضي الله عنه قد نص على إيمان من خالفه في الإمامة وتصديقهم للرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما نقلناه هناك من (نهج البلاغة) نفسه.
واسم المرتد يتناول من كان خارجاً عن دين الإسلام بعد أن كان مسلماً، وليس في ذلك أبداً منازعة الإمام- علياً أو غيره- في إمامته، بل هذا ما تقوله الشّيعة، ثم أنهم خصوا ذلك بعليّ، فمن نازع أبا بكر وعمر وعثمان في إمامتهم لم يجعلوه مرتداً، كما جعلوا من نازع عليّاً، بل جعلوه مسلماً مؤمناً محقاً وهذا من تناقضهم القبيح الذي يبين اتباعهم الهوى حتى إذا خالفوا قواعد وأصولاً ابتدعوها، فحسبنا الله ونعم الوكيل.(64/468)
وإذا كانت الآية لا تخص علياً بشيء ولا تشير له أدنى إشارة، فكذلك الحديث لا تعلق له بالآية كما زعمه هذا الموسوي، بل فيه الإشارة والبشارة لعليّ رضي الله عنه في قتاله الخوارج- قبحه الله- فإنهم هم الذين تأولوا القرآن، فقد أوتوا من سوء فهمهم، ولم يقصدوا معارضة القرآن بل قصدوا اتباعه وكانوا يحتجون به على مطلوبهم مما فهموه وتأولوه. ولهذا لما حاججهم ابن عباس رضي الله عنهما رجع منهم خلق كثير . والخوارج لم يكفرهم عليّ رضي الله عنه ولا يصحّ تكفيرهم فتمتنع تسميتهم مرتدين لذلك.
فصح بهذا أن قتال عليّ رضي الله عنه على تأويل القرآن هو قتاله الخوارج لا غيرهم، وهو أقل فضلاً ومنزلةً من قتال أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه للمرتدين بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنه هو الذي تنطبق عليه الآية { يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم الله ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} . وقد بينا ذلك في صفحة (142-144)، وسيأتي في صفحة (540-549) الكلام بالتفصيل على هذا الحديث.
ثم زعم هذا الموسوي في الفقرة الثانية من هذه المراجعة بأن منزلة العترة كمنزلة القرآن الكريم من ابطل الباطلات، وقد سبقت دعوى هذا الموسوي في بداية كتابه، وفصلنا الرد عليه وعلى ما احتج به عليها في صفحة (42-53) فراجعه ففيه القول الفصل إن شاء الله، مع التنبيه هنا على ضعف دلالة الاقتران وسقوطها عن الاعتبار عند أئمة الأصول، وهي التي عوّل عليها هذا الموسوي في الاحتجاج بهذا الحديث.(64/469)
ثم قوله عن أئمة أهل البيت والعترة: (و قد تواتر احتجاجهم بالآية، وثبت عنهم تفسير المولى فيها بما قلناه) كذب صريح، فقد قدمنا في (ص131-132)تفسير ابن عباس ومحمد الباقر لهذه الآية بما يخالف ما ادّعاه، وهما من رؤوس أئمة العترة، فكيف يزعم الموسوي هذا، اللهم إلاّ أن يعني ما روته كتب الشّيعة نفسها مثل (الكافي)للكليني ومن لفّ لفه فهذا لا حجة به علينا ولا يحتكم إليها منصف .
وأخيراً ما تحامق فيه هذا الموسوي فقال: (وفي التنزيل كثير من الآيات الواردة على خلاف ما يعطيه سياقها كآية التطهير المنتظمة في سياق النساء مع ثبوت النص على اختصاصها بالخمسة أهل الكساء) إ. ه. وهذا تقول على الله ورسوله، وافتراء على الله { ومن أظلم ممن إفترى على الله كذباً}، ولو نظر فيه منصف لرآه ينتهي إلى القول بإختلاف القرآن الكريم بعضه مع بعض وعدم تناسقه وترابط آياته، ولرآه يثبت ما نفاه الله عزّ وجلّ عن كتابه ونزهه عنه إذ قال { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافاً كثيراً} . وهذه عمدة الشّيعة دائماً فإنّهم يزعمون عدم ترابط سياق الآيات في السورة الواحدة، بل أكثر من ذلك عدم ترابط الآية نفسها بعضها مع بعض كما ادّعاه هذا الموسوي فيما أسماه بآية التطهير، وهي قوله { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} فإنها ليست آية كاملة بل جزء من الآية (33) من سورة الأحزاب ونص الآية كاملاً في خطاب نساء النبي صلى الله عليه وسلّم: { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة واطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } . ولا يشك عاقل أن صدر الآية في خطاب نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم وحدهن دون غيرهن، وقد فصّلنا ذلك والحمد لله في صفحة (91-95) . ولا يكون القرآن الكريم هدىً وبياناً للناس وشفاءً لما في صدورهم إذا كان كما يدّعيه هذا الموسوي بل على(64/470)
قوله يصبح مملوءاً بالألغاز والأحاجي ويصبح فهمه من أعسر الأمور وأصعبها، وحاشى كتاب الله من هذا الهراء والدجل.
ثم إنا قد قدمنا خلال كلامنا على كل ما استشهد به هذا الموسوي من آيات القرآن الكريم وبضمنها هذه الآية- التي أسماها آية الولاية- ليس فقط دلالة سياقها وموضوعها العام بل نصوصاً صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه أو سلف الأمة عموماً في صحة ما قلناه، فكان بذلك تضاعف الحجة ولله الحمد، وكان هؤلاء الرافضة دائماً هم المخذولون، والله المستعان على ما يصفون.
المراجعة (45): س:
شيخ الأزهر يرى ضرورة التأويل حملاً للسلف على الصحة.
المراجعة (46): ش:
زعمه بأن خلافة الخلفاء الثلاثة هي موضع البحث ومحل الكلام.
نفيه لإمكانية التأويل في ما زعمه من النصوص.
الرد على المراجعة (46):
تزييف كلامه بأن خلافة الثلاثة هي محل البحث، بل محل البحث هو خلافة عليّ للنبي صلّى الله عليه وسلّم فيما ادّعوه.
قوله في بداية هذه المراجعة: (إن خلافة الخلفاء الثلاثة- رضي الله عنهم- هي موضع البحث ومحل الكلام). قلب الأمور والحقائق، فإن أصل كلامه هنا ومراجعاته ليس في خلافتهم رضي الله عنهم بل في ما ادّعاه من خلافة عليّ للنبي صلى الله عليه وسلّم ووراثته له مع ما يلائم ذلك من القول بعصمة أهل البيت وغيرها، لكن هذا الموسوي قد قلب الأمور تملصاً من تفصيل الكلام، وسيأتي بيانه إن شاء الله في موضعه (المراجعة-80-) وما بعدها . ثم قد أشار في باقي هذه المراجعة إلى ما يتمسكون به من الحجج- وهي في الحقيقة شبهات وسيأتي بيانها إن شاء الله- إشارة سريعة مع إضمار تفصيل ذكرها فيما يأتي، وسنقطع دابرها بعون الله وتوفيقه.
المراجعة (47): س:
شيخ الأزهر يطلب السنن المؤيدة للنصوص.
المراجعة (48): ش:
سوقه لأربعين حديثاً زاعماً صحتها ومحتجاً بها.
الرد على المراجعة (48):(64/471)
تفصيل الرد على النصوص المزعومة هذه وذكر طرق كثير لها، ثم الإنتهاء إلى أن حوالي أربعاً وعشرين منها مكذوب، وأحد عشر ضعيف وساقط، والباقي في حدود خمسة أحاديث صحيحة لكن ليس فيها فضل مختص بعلي رضي الله عنه بل شاركه فيها آخرون.
ساق في هذه المراجعة أربعين حديثاً- وهي في غالبها من (الموضوعات)- وقد مر الكلام على الكثير منها، وهانحن نجاريه في تفصيلها:
حديث جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو آخذ بضبع عليّ: (عليّ إمام البررة , وقاتل الفجرة، منصورٌ من نصره، مخذول من خذله) أخرجه الحاكم (3/129)؛ وإليه عزاه في (الكنز) (32909).
وهو حديث موضوع مكذوب، في إسناده أحمد بن عبد الله بن يزيد، أبو جعفر وهو كذاب يضع الحديث، قال ابن عدي: كان بسامرا يضع الحديث إ. ه. وقد خان هذا الموسوي بنقل تصحيح الحاكم وحده بل ولم ينقل رد الذهبي بقوله: (قلت: بل والله موضوع، وأحمد كذاب، فما أجهلك على سعة معرفتك)إ. ه.
ثم رأيت الشيخ الألباني قد ذكره في (الضعيفة) (357) وحكم بوضعه، وقد عزاه أيضا للخطيب في (تاريخ بغداد) (4/219) من نفس الطريق.
وأما حديث أبي ذر الذي أشار إليه في الهامش (1/186) عند الثعلبي فقد تقدم الكلام عليه، وبيان كذبه خلال الكلام على قوله تعالى {إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة . . . الآية} فراجعه في صفحة (129-130).(64/472)
حديث أسعد بن زرارة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لما عرج بي إلى السماء انتهى بي إلى قصر من لؤلؤ فراشه ذهب يتلألأ، فأوحى إليّ ربي في عليّ ثلاث خصال: أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين). أخرجه الحاكم (3/137-138)، وعزاه في (الكنز) (33010) للبارودي وابن قانع والبزار وأبي نعيم من طريق عمرو ابن الحصين العقيلي، أنبأ يحيى بن العلاء الرازي، ثنا هلال بن أبي حميد عن عبد الله بن أسعد بن زرارة عن أبيه. وقد شان الحاكم نفسه وكتابه بإيراد هذا الحديث وتصحيحه، ومرة أخرى كتم هذا الموسوي تعقيب الذهبي على الحديث وبيان كذبه، بل تعليق صاحب (الكنز) نفسه وما نقله عن ثلاثة من الأئمة الفحول في رد هذا الحديث إذ قال: (قال ابن حجر: ضعيف جداً منقطع. . . وقال الذهبي أحسبه موضوعاً، وقال ابن العماد: هذا حديث منكر جداً ويشبه أن يكون من بعض الشّيعة الغلاة وإنما هذه صفات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا صفات عليّ) إ. ه. وقد بيّن الذهبي علته في رده تصحيح الحاكم فقال: (قلت: أحسبه موضوعاً، وعمرو وشيخه متروكان) إ. ه. قلت: عمرو بن الحصين العقيلي الذي في الإسناد قال عنه أبو حاتم: ذاهب الحديث، وقال أبو زرعة: واهٍ، وقال الدارقطني: متروك. وشيخه يحيى بن العلاء الرازي قال عنه الإمام أحمد: كذاب يضع الحديث، وتركه غيره، وقد أشار الذهبي في ترجمته من (الميزان) إلى هذا الحديث واتهمه به.
وهذا الحديث قد رواه أيضا ابن النجار- (كنز العمال) (33011)- عن عبد الله بن أسعد بن زرارة، وهو الحديث القادم عند هذا الموسوي (رقم 3)، وحاول الإيهام أنه حديث آخر من مخرج آخر، وفيه علة أخرى وهي جهالة عبد الله بن أسعد بن زرارة.(64/473)
ثم قد أخرج هذا الحديث أيضا الطبراني في (الصغير) (990) من طريق مجاشع بن عمرو الهمداني، ثنا عيسى بن سوادة الرازي، ثنا هلال بن أبي حميد الوزان عند عبد الله بن عكيم الجهني قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إن الله عز وجل أوحى إليّ في عليّ ثلاثة أشياء ليلة أسرى بي: أنه سيّد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجّلين) قال الطبراني: لم يروه عن هلال إلاّ عيسى تفرّد به مجاشع . قلت: وعيسى بن سوادة كذّاب كما قال ابن معين وغيره، وكذا مجاشع كذّبه ابن معين وآخرون، فالحديث موضوع بلا شك، وقد حكم عليه بالوضع الألباني في (الضعيفة) (353).
ووري نحوه من حديث أنس رضي الله عنه عند أبي نعيم في (الحلية) (1/63) من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، ثنا علي بن عابس عن الحارث بن حصيرة عن القاسم بن جندب عن أنس . وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالضعفاء، سوى القاسم بن جندب فلم نجد له ترجمة. والحارث بن حصيرة تقدم بيان ضعفه مع ما عنده من الرفض المانع من قبول حديثه هنا، أنظر (ص276)، ومثله إبراهيم بن محمد بن ميمون , وعلي بن عابس ضعيف لا يُحتج به. وقد أشار أبو نعيم إلى طريق آخر لهذا الحديث (1/64) فقال: (رواه جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن أنس نحوه) وهو لا يفرح به بل يزيد هذا الحديث وهناً على وهنٍ، فجابر الجعفي هذا مع أنه رافضي فهو ضعيف جداً أو متروك. وقد كذّبه غير واحد، أنظر تفصيل حاله (ص270-273)، وقد أقرّ بوضع هذا الحديث بإيراده ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/357) .(64/474)
هذا وقد رد هذا الحديث بكل طرقه وحكم عليه بالكذب- وهو حريّ به- شيخ الإسلام ابن تيمية في (المنهاج) فقال- أنظر (مختصر المنهاج) (ص473-474)-: (وهو موضوع عند من له أدنى معرفة بالحديث، ولا تحل نسبته إلى الرسول المعصوم، ولا نعلم أحداً هو سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجلين غير نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، واللفظ مطلق ما قال فيه من بعدي، ولا في اللفظ ما يدل على ذلك، ولأن خير المسلمين والمتقين والمحجلين هم القرن الأول والرسول قائدهم، بل وقائد من بعدهم في القيامة، فلمن يقود عليّ وعندكم جمهور الأمة المحجلين كفّار وفسّاق، فكيف يقودهم؟ وقال عليه الصلاة والسلام: يأتون غُرّاً محجلين يوم القيامة من آثار الوضوء، وأنا فرطكم على الحوض، فهذا يبيّن أن كلّ من توضأ وغسل وجهه ويديه ورجليه فإنه من المحجلين، وهؤلاء أمة محمد سواكم فإنكم لا تغسلون الأرجل فلا تكونون من المحجّلين في الأرجل، فلا يقودكم الرسول ولا عليّ) إ. ه. فجزاه الله خيراً.
حديث ابن النجار هذا هو نفسه الحديث السابق بزيادة علّة أخرى كما قلناه في الحديث السابق، وليس هو حديثاً منفصلاً كما يوهمه صنيع هذا الموسوي، فليراجع.
حديث عليّ قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مرحباً بسيّد المسلمين، وإمام المتقين) . أخرجه أبو نعيم في (الحلية) (1/66) من طريق أحمد بن يحيى، ثنا الحسن بن الحسين ثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن الشعبي قال: قال عليٌّ، وهو حديث ضعيف ومنكر وفي إسناد ثلاث علل:
الحسن بن الحسين هذا هو العرني الكوفي، قال أبو حاتم: (لم يكن بصدوق عندهم، كان من رؤساء الشّيعة)، فلا يُحتجّ به إذن في مثل هذا الحديث مع ما عنده من ضعف. وقال ابن حبان: (يأتي عن الإثبات بالملزقات، ويروي المقلوبات) . قلت: كأنه يعني الحديث.(64/475)
إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق ضعّفه غير واحد بسبب سوء حفظه كأبي داود والنسائي ويحيى بن معين والجوزجاني وغيرهم، لذا قال الحافظ في (التقريب): صدوق يهم.
هذا بالإضافة إلى الإنقطاع بينه وبين أبيه، إذ نقل الذهبي في (الميزان) عن أبي نعيم أنه قال عن إبراهيم هذا: (لم يسمع من أبيه شيئاً)، فإن صحّ فهذه علّة أخرى.
الإنقطاع بين الشعبي وبين عليّ رضي الله عنه، وهذا ما نقله الحافظ في (التهذيب) عن الحاكم وعن الدارقطني أيضا بأن الشعبي قد رأى علياً فقط ولم يسمع منه إلاّ حديثاً واحداً ما سمع غيره، وهو حديث رجم المرأة وقد أقره الحافظ ابن حجر.
هذا بالنسبة لضعف إسناده، أما النكارة التي فيه فهي ما قدمنا في الحديث السابق مما في هذا اللفظ، والله أعلم.
حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أول من يدخل من هذا الباب إمام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم الوصيين، وقائد الغرّ المحجلين . . .) الحديث. أخرجه أبو نعيم في (الحلية) (1/63)، وقد تقدمت منا الإشارة إليه في الحديث (2) لمقاربة لفظه، وفصّلنا هناك الكلام عليه وبينا أن إسناده مسلسل بالضعفاء، محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن إبراهيم بن محمد بن ميمون عن عليّ بن عابس عن الحارث بن حصيرة، وله طريق أخرى أشار إليها أبو نعيم أضعف منها فراجع الكلام عليه.
ولا يتوهمن أحد أن هذا الحديث يمكن تصحيحه بكثرة طرقه ومخارجه، فإن أحاديث الكذابين والمتروكين والضعفاء هؤلاء لا يمكن تصحيحها كذلك، بل هو مما يبين وضع الحديث وكذبه تنقله بين هؤلاء كما لا يخفى، هذا بالإضافة إلى النكارة الشديدة التي في لفظه ومعناه، وقد قدمناها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .(64/476)
حديث أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أن الله تعالى عهد إليّ عهداً في عليّ، فقلت: يا ربّ بيّنه لي، فقال: اسمع، فقلت: سمعت، فقال: إن عليّاً راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبّه أحبّني، ومن أبغضه أبغضني . . .) الحديث . أخرجه أبو نعيم في (الحلية) (1/ 66-67) من طريق عباد بن سعيد بن عباد الجعفي، ثنا محمد بن عثمان بن أبي البهلول، حدثني صالح بن أبي الأسود عن أبي المطهر الرازي عن الأعشى الثقفي عن سلام الجعفي عن أبي برزة. وهو حديث موضوع باطل، إسناده هذا ضعيف جداً، عباد بن سعيد هذا لا يعرف، وقد ذكر هذا الحديث بإسناده الذهبي في ترجمته من (الميزان)، وقال: (فهو باطل والسند إليه ظلمات) إ. ه. قلت: وهو كذلك ففيه أناس لا يعرفون مثل محمد بن عثمان بن أبي البهلول، وأبي المطهر الرازي، وسلام الجعفي . وقد عرفت فيه صالح بن أبي الأسود وهو واهٍ كما في (الميزان)، وذكره الذهبي في (المغني) أيضا وقال: منكر الحديث، وقال ابن عدي: (أحاديثه ليست بالمستقيمة وليس بالمعروف) . وقد عدّ هذا الحديث من الموضوعات ابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1/236) . ونحوه أيضا حديث أنس رضي الله عنه الذي أشار إليه هذا الموسوي في الهامش (6/187) فقد أخرجه أبو نعيم في (الحلية) (1/66) والخطيب (تاريخ بغداد) (14/98-99) من طريق أبي عمرو لاهز بن عبد الله، ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن هشام بن عروة عن أبيه قال ثنا أنس بن مالك. وهذا إسناد موضوع آفته لاهز بن عبد الله أبو عمرو التميمي هذا كما قال ابن عدي، وقال عنه أيضا: (بغدادي مجهول يحدث عن الثقات بالمناكير) ثم ساق حديثه هذا فقال: (و هذا باطل). نقل ذلك الذهبي في (الميزان) وقال عقبه: (قلت: أي والله من أبرد الموضوعات، وعليّ فلعن الله من لا يحبه) . وروى الخطيب بإسناده عن الأزدي أنه قال: (لاهز بن عبد الله التيمي(64/477)
البغدادي غير ثقة ولا مأمون، وهو أيضا مجهول) . وقد ذكر هذا الحديث أيضا ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/388) وابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/359) والحمد لله على توفيقه .
ثم قال هذا الموسوي عقب هذا الحديث: (فأنت ترى هذه الأحاديث الستة نصوصاً صريحة في إمامته ولزوم طاعته عليه السلام) إ. ه. قلت: هيهات هيهات أن يصح هذا ولله الحمد، بل طاعة أبي بكر وعمر أفرض من طاعته وأولى، ونحن نقول: وأنت ترى هذه الأحاديث الستة كلها موضوع ومكذوب مختلق من صنيع هؤلاء الرافضة الضّلال وأعوانهم، وقد أقمنا الدليل- بحمد الله- واضحاً وجليّاً على ذلك فيما تقدم من دراسة جميع أسانيدها وطرقها، بل وبينا الخيانة التي كان يزاولها هذا الموسوي في إخفاء بيان أهل العلم وضع هذه الأحاديث وكذبها، كما في الحديثين الأوليين، وبذلك يتحمل الإثم مع من وضع وكذب هذه الأحاديث ويتصف بأ، ه أحد الكذابين كما سماه وأمثاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: (من حدّث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)- حديث صحيح أخرجه مسلم في (مقدمة صحيحه) (1/9) عن سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما- وهذا الحكم يشمل أيضا كل من جاء بعد هذا الموسوي وروّج لكتابه هذا بما فيه من الأحاديث الموضوعة المكذوبة كما هو واضح، فليتق الله من ينشر هذا الكتاب (المراجعات)، ونحن ننصحهم- على الأقل- بالتثبّت في صحة ما ساقه في كتابه هذا الموسوي المفتري الضال، ولكن الأمر كما قال نوح عليه السلام: { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون}
حديث أبي ذر وسلمان رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد عليّ رضي الله عنه فقال: (إن هذا أول من آمن بي . . .) الحديث. أخرجه الطبراني في (الكبير) (6184) بإسناد مسلسل بالضعفاء، وقد فصّلنا الكلام عليه في صفحة (198) وعلى طرقه وشواهده الأخرى فلتراجع.(64/478)
أما بالنسبة لحديث حذيفة الذي أشار إليه في الهامش (7/187) فقد ذكره في (كنز العمال) برقم (32990) وقال بعد عزوه للطبراني: (هق، عد- عن حذيفة) ويعني به حسب ما اصطلحه من رموزه البيهقي في (السنن) وابن عدي في (الكامل)، وأظنه تصحيف فإن الصواب (عق، عد) يعني العقيلي في (الضعفاء) بدلاً من البيهقي لأنه ليس عند البيهقي إطلاقاً بل أخرجه العقيلي مع ابن عدي لكن عن ابن عباس بدلاً من حذيفة، فقد أخرجه ابن عدي في (الكامل)، (1544) ومن طريقه العقيلي (2/47)، وابن الجوزي في (الموضوعات) (1/345)، والخطيب- مختصراً- (9/435) من طريق عليّ بن سعيد الرازي ثنا عبد الله بن داهر بن عليّ الرازي، ثني أبي عن الأعمش عن عباية- أو عناية- الأسدي عن ابن عباس . قال ابن الجوزي: (المتهم به عبد الله بن داهر فإنه كان غالياً في الرفض، قال يحيى بن معين: ليس بشيء ما يكتب عنه إنسان فيه خير) وقال العقيلي عنه: (كان ممن يغلو في الرفض لا يتابع على حديثه) قلت: فالحديث ساقط والحمد لله.
حديث الحسن بن عليّ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أدعو لي سيد العرب) يعني عليّ بن أبي طالب، فقالت عائشة رضي الله عنها: ألست سيد العرب ؟ قال: (أنا سيد ولد آدم، وعليّ سيد العرب) فلماء جاء عليّ أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الأنصار فأتوه فقال لهم: (يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده؟) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (هذا عليّ فأحبّوه بحبي وأكرموه بكرامتي، فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عزّ وجلّ).(64/479)
أخرجه الطبراني في (الكبير) (2749)، وأبو نعيم في (الحلية) (1/63) من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا إبراهيم بن إٍسحاق الصيني، ثنا قيس بن الربيع عن ليث بن أبي سليم عن ابن أبي ليلى- أو أبي ليلى- عن الحسن بن عليّ. وهو حديث باطل ومنكر، إسناده واهٍ جداً فيه علل، وقبل بيانها انبّه إلى أن هذا الموسوي قد نقل هذا الحديث من (كنز العمال) (330077) وأخفى التعليق عليه في بيان ضعفه ونكارته إذ قال المتقي الهندي هناك: (قال ابن كثير: هذا حديث منكر). أما علل هذا الإسناد فهي:
محمد بن عثمان بن أبي شيبة، مع ما عنده من علم وحفظ فهو مطعون فيه، وقد كذبه بعضهم، انظر ترجمته من (الميزان) و(تذكره الحفاظ)، وإن كنّا قد توقفنا قبل في قبول جرحه هذا.
إبراهيم بن إسحاق الصيني، قال الدارقطني: متروك الحديث، وبه أعلّ الحديث الهيثمي في (المجمع) (9/132).
قيس بن الربيع، صدوق في نفسه إلاّ أنه سيء الحفظ وعنده تشيع، قال الإمام أحمد: (كان يتشيّع وكان كثير الخطأ وله أحاديث منكرة وكان وكيع وعليّ بن المديني يضعفانه)، , هو إلى ذلك كان له ابن سوء يُدخل عليه في كتبه ما ليس من حديثه، فلا يؤمن إذن حفظه ولا كتابه.
ليث بن أبي سليم، حاله يشبه حال قيس الماضي، صدوق في نفسه لكنه قد اختلط فساء حفظه جداٍ، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه فترك) إ. ه. وانظر (كتاب المجروحين) لإبن حبّان (1/57) (2/231).
فهؤلاء أربعة متسلسلون مطعون فيهم، يريدنا هذا الموسوي أن نحتج بهم، ونقرر الهراء والسخف الذي صرح به في الهامش (8/187-188) بقوله: (فانظر كيف جعل عدم ضلالهم مشروطاً بالتمسك بعليّ فدل المفهوم على ضلال من لم يستمسك به . . .) إلى آخر كلامه الذي لا يوافقه عليه إلاّ إخوان الشياطين من هؤلاء الرافضة الملاعين.(64/480)
حديث: (أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب). هذا حديث موضوع على ما له من طرق وشواهد، وقد حكم عليه بذلك عدد من أهل العلم . وسنفصل كل ذلك إن شاء الله، ولا عبرة بمشاغبة هذا الموسوي في الهامش (9/188) فلم يأتٍِ في ذلك بدليل سوى احتجاجه بشهرة هذا الحديث وودورانه على الألسنة، وهذا والله هو الخذلان، فليس هو من صنيع أهل العلم والتحقيق والتثبت، بل هو مما يؤكد وضعه وكذبه نظير كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسن مع أنها لا أصل لها أو كذب مختلق التي ألف أهل العلم من أجل بيانها مصنفات كثيرة في ذلك مثل (المقاصد الحسنة) لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي، وكتاب (تمييز الطيب من الخبيث) لعبد الرحمن بن علي الشيباني، وكتاب (كشف الخفاء ومزيل الإلباس) لإسماعيل بن محمد العجلوني، وغيرها.
ونحن لا ننكر تصحيح بعض العلماء هذا الحديث على قلتهم، فلا يجب في معرفة حكم الحديث إجتماع كل العلماء على قول واحد فيه فإن هذا إذا أنكره أحدٌ في أي حديث فلا يبعد من الصواب. بل الشأن أن ينظر في الحديث سنداً ومتناً- كما سنفعل إن شاء الله- ومنه يعرف الصواب من قول أهل العلم وحكمهم، ولا يصح التقليد أبداً خصوصاً في مثل هذه الحال، كمالا يخفى على أهل صحة البال.
وهاهو الحاكم، وهو من أهل هذا الشأن لا ينكر ذلك منصف يصحح كثيراً من الأحاديث الباطلة الموضوعة- مثل حديثنا- ويرده الذهبي وغيره من العلماء بالحجة والبرهان لا بالتحكم المجرد عن التبيان. وهذا أوان الكلام على ما لهذا الحديث من طرق وشواهد، ما ذكره هذا الموسوي وأشار إليه وما سوى ذلك، فنقول مستعينين بالله العظيم:(64/481)
*حديث ابن عباس . . أخرجه الحاكم (3/126)، والطبراني في (الكبير) (11061)، والطبري في (تهذيب الآثار) (مسند علي) (174)، وابن عدي في (الكامل) (3/1247)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (11/48، 49) من طريق أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس. وآفته أبو الصلت عبد السلام ابن صالح هذا، قال أبو حاتم: لم يكن عندي بصدوق، وقال العقيلي: رافضي خبيث، ومثله قول الدارقطني، وقال ابن عدي: متهم، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الذهبي في رده على الحاكم توثيقه: (لا والله لا ثقة ولا مأمون)، وضعفه أيضا الإمام أحمد والجوزجاني وزكريا الساجي. وقد أعل الحديث به وضعفه الهيثمي في (المجمع) (9/114) على تساهله. هذه الطريقة الأولى لحديث ابن عباس.
الطريق الثانية: ما رواه الخطيب (7/172-173) من طريق محمد بن عبد الله أبو جعفر الحضرمي- وهو مطين- ثنا جعفر بن محمد البغدادي أبو محمد الفقيه- وكان في لسانه شيء- ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس. وهو ضعيف أيضا فشيخ مطين، جعفر بن محمد البغدادي مجهول لا يعرف، ذكره الخطيب ولم يورد فيه جرحاً ولا تعديلاً، وأقرّ بجهالته الذهبي في (الميزان) (1/415) وساق حديثه هذا وقال: (هذا موضوع) . ونقل الخطيب عقبه عن أبي جعفر الحضرمي، وهو الحافظ الثقة مطين أنه قال: (لم يرو هذا الحديث عن أبي معاوية من الثقات أحد، رواه أبو الصلت فكذبوه) إ. ه. فاحفظ هذا فسنحتاج إليه بعد.(64/482)
وله طريق ثالثة: أخرجها الخطيب أيضا: (4/348) من طريق عبد الله ابن محمد بن عبد الله الشاهد- وهو أبو القاسم ابن الثلاج- ثنا أبو بكر أحمد بن فاذويه بن عزرة الطحان، ثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن يزيد ابن سليم، ثني رجاء بن سلمة ثنا أبو معاوية به. وهذا إسناد موضوع، عبد الله بن محمد الشاهد أبو القاسم المعرفة بابن الثلاج متهم بوضع الحديث وتركيب الأسانيد، كذّبه الدارقطني وأبو الفتح بن أبي الفوارس والأزهري وغيرهم، انظر ترجمته في (تاريخ بغداد) (10/135- 138)، وذكره أيضا ابن كثير في (البداية والنهاية) (11/321) وبين حاله هذا.
وفي الإسناد أيضا علتان أخريان دون هذه وهما جهالة أحمد بن فاذويه ورجاء بن سلمة، الأول ذكره الخطيب ولم يبين فيه جرحاً ولا تعديلاً، والثاني ما وجدت أحداً ذكره بالإضافة إلى إعلال الحديث به لجهالته كما في (تنزيه الشريعة) (1/378).
وطريق رابعة: عند ابن عدي، ونقلها الذهبي في (الميزان) (3/182) عن عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني عن أبي معاوية به. وعمر هذا متهم كذبه ابن معين، وقال النسائي والدارقطني: متروك، واتهمه ابن عدي بسرقة الحديث وقال عن هذا: (سرقه من أبي الصلت) قلت: وهو عبد السلام بن صالح الهروي المذكور في الطريق الأولى . ثم وجدت هذه الطريق عند العقيلي في (الضعفاء) (3/150) وساقها السيوطي في (اللآلئ المصنوعة) (1/329) .
هذه أربع طرق إلى أبي معاوية في رواية هذا الحديث، من أربعة رجال اثنان منهم متهمان، والآخران مجهولان لا يعرفان مع ما في الإسناد من علل أخرى، وهو مصداق قول الحافظ أبي جعفر الحضرمي- مطين- (لم يرو هذا الحديث عن أبي معاوية من الثقات أحد) وقد تقدم، وكذلك قول ابن معين- فيما رواه عنه عبد الله بن أحمد- (هذا كذب على أبي معاوية) كما في (الميزان) (3/182).(64/483)
الطريق الخامسة: ما رواه ابن عدي في (الكامل)- ونقله الذهبي في (الميزان) (2/153) والسيوطي في (اللالئ) (1/330) – عن أحمد بن حفص السعدي، ثنا أبو الفتح- وهو سعيد بن عقبة – عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس به. وهذا إسناد موضوع أيضا، أحمد بن حفص السعدي هذا- شيخ ابن عدي- صاحب مناكير وقد اتهمه الذهبي بإختلاق هذا الحديث- (الميزان) (2/153) – وشيخه سعيد بن عقبة أبو الفتح مجهول غير ثقة كما قال ابن عدي.
الطريق السادسة: عند ابن عدي (5/1823)- وانظر (الميزان) (3/41)- من طريق عثمان بن عبد الله الأموي الشامي، ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش به، ولفظه (أنا مدينة الحكمة وعلي بابها) وهو موضوع أيضا، عثمان بن عبد الله هذا متهم، قال ابن عدي: (يروي الموضوعات عن الثقات)، واتهمه ابن حبّان وكذا الذهبي بوضع عدد من الأحاديث.
الطريق السابعة: ما رواه ابن حبّان في (المجروحين) (2/94)، ونقله الذهبي في (الميزان) (1/247) والسيوطي في (اللآلئ) (1/330) من طريق إسماعيل بن محمد بن يوسف أبي هارون عن أبي عبيد عن أبي معاوية عن الأعمش به. وهو موضوع أيضا، إسماعيل بن محمد هذا هو الجبريني وهو متّهم، قال ابن حبّان: (يسرق الحديث لا يجوز الإحتجاج به) وكذبه ابن الجوزي . وهذه الطريق هي الخامسة إلى أبي معاوية الضرير وفيها متهم فتضاف إلى الأربعة الماضية، وهناك طريق سادسة إلى أبي معاوية، وهي بالنسبة إلى حديث إبن عباس:(64/484)
الطريق الثامنة: ما رواه ابن عدي (1/193) عن أحمد بن سلمة أبي عمرو الجرجاني، ثنا أبو معاوية به- وساقه الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/358) والسيوطي في (اللآلئ) (1/330)- وأحمد بن سلمة هذا متّهم بالكذب، كما قال الذهبي في (المغني)، وقال ابن حبان: (كان يسرق الحديث) . وقال ابن عدي: (وهذا الحديث يُعرف بأبي الصلت الهروي عن أبي معاوية سرقه منه أحمد بن سلمة هذا ومعه جماعة من الضعفاء) إ. ه. وقد تقدم أبو الصلت في الريق الأولى فهو عبد السلام بن صالح الهروي. وقد أشار إلى طريق ابن عدي هذا عن أحمد بن سلمة أيضا ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/378) .
ولحديث ابن عباس هذا أيضا طريق أخرى وهي:
الطريق التاسعة: وهي السابعة بالنسبة إلى أبي معاوية ما رواه ابن عدي عن الحسن بن عثمان حدّثنا محمود بن خداش حدثنا أبو معاوية بإسناده إلى ابن عباس، ذكره السيوطي في (اللآلئ) (1/330) وسبط ابن العجمي في (الكشف الحثيث) في ترجمة الحسن هذا (ص135)، وهو الحسن بن عثمان ابن زياد التستري كذاب، قال ابن عدي: كان يضع الحديث. وأشار إلى هذه الطريق أيضا ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/378) .(64/485)
وقد ذكر ابن جرير في (تهذيب الآثار) (مسند علي) (174) ما يمكن أن يكون طريقاً أخرى وهي: الطريق العاشرة: ذكرها الطبري عقب الطريق الأولى لحديث ابن عباس فقال: (ثنا إبراهيم بن موسى الرازي- وليس بالفرّاء- ثنا أبو معاوية بإسناد مثله) ونقلها عنه كذلك أيضا في (كنز العمال) (36464)، وهي لا تقوم بها حجةٌ أيضا فإبراهيم بن موسى هذا مجهول لا يُعرف وهو ليس الحافظ الثقة المعروف بالفرّاء كما نصّ على ذلك ابن جرير الطبري نفسه فيما تقدم بل نصّ على جهالة إبراهيم هذا فقال: (هذا الشيخ لا أعرفه ولا سمعت منه غير هذا الحديث) فهو مجهول العين فضلاً عن جهالة حاله، وهو أوهى من (الضعيف) كما بيّنه الحافظ في مقدمة (التقريب) . وهذه هي الطريق الثامنة بالنسبة إلى أبي معاوية. ولم أجد في الرواة عن أبي معاوية ممن اسمه إبراهيم ابن موسى سوى (إبراهيم بن موسى الجرجاني الوزدولي) والد الحافظ إسحاق بن إبراهيم نزيل أصبهان، قال ابن عدي: (له حديث منكر عن أبي معاوية) أنظر (ميزان الإعتدال) (1/68) فإن يكن هو فعلته النكارة، وإلاّ- وهو الراجح- فيبقى من المجهولين غير المعروفين، أي في كلا الحالتين إسناده ساقط لا تقوم به حجّة.
الطريق الحادية عشرة: وهي التاسعة بالنسبة إلى أبي معاوية، ما رواه ابن عديّ- كما في (اللآلئ) (1/330)- عن أبي سعيد العدي حدثنا الحسن بن علي بن راشد حدثنا أبو معاوية به، وأبو سعيد العدي هذا وضّاع كما قال الدارقطني- (اللآلئ)- .
هذه طرق الحديث إلى ابن عباس، وروى أيضا من حديث جابر رضي الله عنه.
* حديث جابر بن عبد الله . . . أخرجه الحاكم (3/127)، وابن عدي (1/195)- ونقله عن ابن عدي الحافظ الذهبي في (الميزان) (1/109-(64/486)
110)- من طريق أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني- الهشيمي-، ثنا عبد الرزاق ثنا سفيان الثوري عن عبد الله عن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن ابن بهمان عن جابر مرفوعاً به. وفيه الزيادة (. . . فمن أراد العلم فليأت الباب) . وهو موضوع أيضا، أحمد هذا دجّال كذّاب كما قال الذهبي في تعقيبه على الحاكم، وقال في (المغني): كذاب. وقال ابن عدي: (كان بسامرا يضع الحديث) . وقال الذهبي معقّباً على تصحيح الحاكم لهذا الحديث والذي قبله، (العجب من الحاكم وجرأته في تصحيحه هذا وأمثاله من البواطيل). وقد تابعه في روايته عن عبد الرزاق أحمد بن طاهر بن حرملة ابن حيى المصري- كما في (اللآلئ) (1/330)- وهو كذّاب كما قال الدارقطني فيما نقله الذهبي في (الميزان) و(الضعفاء) والسيوطي في (اللآلئ) وهو في (الضعفاء والمتروكين) للدارقطني (54).(64/487)
وله طريق أخرى عن جابر رضي الله عنه، أخرجه منها ابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) (7/358) فقال: (وساقه ابن عساكر بإسناد مظلم عن جعفر الصادق عن أبيه عن جدّه عن جابر بن عبد الله، فذكره مرفوعاً) إ. ه. قلت: وهو في (اللآلئ) (1/335) معزوّاً لأبي الحسن الفضلي في (خصائص عليّ)، والدارقطني والخطيب في (تلخيص المتشابه)، وهو كما قال الحافظ ابن كثير إسناده مظلم، وورجاله مجاهيل لا يُعرفون (أبو بكر محمد بن إبراهيم بن فيروز الأنماطي حدّثنا الحسين بن عبد الله التميمي حدثنا خبيب ابن النعمان) وهم لجهالتهم لا يمكن أن يؤتمنوا، خصوصاً في الرواية عن جعفر الصادق- رحمه الله- لكثرة ما كذبت عليه الرافضة، ونسبت إليه أشياء لم يسمع بها. وقد أقرّت بذلك أئمة الشّيعة نفسها بما رووه في كتبهم وخذ مثالاً على ذلك ما رواه الكشي في (رجاله) (ص195) عن الرضا (ع) قال: (إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله، لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحابه يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا) إ. ه. وأبو عبد الله هو جعفر الصادق . وكذلك روى الكشي (ص196) عن جعفر الصادق نفسه قال: (لعن الله المغيرة كذب على أبي، وإن قوماً كذبوا عليّ) إ. ه. وأيضا روي هذا الحديث عن علي رضي الله عنه نفسه، وهو ليس أسعد حظاً من سابقيه:(64/488)
* حديث عليّ بن أبي طالب . . . أخرجه الترمذي (4/329)، وابن جرير في (تهذيب الآثار) (مسند عليّ) (173) من طريق محمد بن عمر بن الرومي عن شريك عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن الصنابحي عن عليّ، ولفظه (أنا دار الحكمة وعليّ بابها) . وهو الحديث القادم عند هذا الموسوي (رقم 10)، وقد ضعّفه الترمذي نفسه- على تساهله- فقال: (هذا حديث غريب منكر) . قلت: وإسناده واهٍ جداً، محمد بن عمر بن الرومي ليّن الحديث كما قال الحافظ، وقد ضعّفه أبو زرعة وأبو داوُد وغيرهما . وكذلك شريك القاضي ضعيف من قبل الحفظ مع ما عنده من التشيّع المانع من قبول مثل حديثه هذا في فضائل عليّ رضي الله عنه، كما قررنا في صفحة (249-250) . وقد ساق الحافظ الذهبي هذا الحديث في ترجمة محمد بن عمر بن الرومي من (الميزان) وقال: فما أدري من وضعه؟
وأما ما ساقه هذا الموسوي في الهامش (10/188) من تصحيح ابن جرير لهذا الحديث، نقلاً من (الكنز) فقد اقتطع منه كلاماً مهماً يبيّن عدم قطع ابن جرير بصحته أولاً، واحتماله التضعيف عند غيره وبيان علّته ثانياً، إذ قال ابن جرير: (هذا خبر صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب آخرين سقيماً غير صحيح لعلّتين . . .) ومع أن كلا العلّتين دون ما ذكرناه بكثير إلا أنه لم يُجب عنهما ولم يردّهما حتى نقول قد قطع بصحّته. بل هذا ما رجحه- رحمه الله- مع احتمال غيره، وفيما بيّنّاه مع ما سيأتي، تفصيل رده وإسقاطه عن الإحتجاج، بل بيان وضعه وكذبه والحمد لله.
ثم إنه في نفس الكلام الذي ساقه صاحب (الكنز) قدم عليه تضعيف الترمذي له- السابق- فما باله أعرض عن هذا إلى تصحيح ابن جرير؟ أليس هذا اتّباعاً للهوى وهبوطاً للهاوية؟(64/489)
ومن كلام الترمذي على هذا الحديث أنه قال: (و لم يعرف هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شريك)، قلت: يعني أن حديث عليّ رضي الله عنه، قد تفرّد بروايته- من غير الكذابين والمجهولين- شريك القاضي، الذي لا يحتج بما انفرد به لما عنده من سوء الحفظ، وقد تقدم بيانه ضمن الرواة المئة (رقم 40) وهذا يفيدنا في بقاء علّة سوء حفظ شريك، ومن ثم ضعف إسناده.
أما ما دون شريك فيمكن أن يكون لهم إسناد متابع، لكن بعد النظر فيه يتبيّن أنه مما يزيد الإسناد وهناً على وهن، وإليك البيان:
فقد روي هذا الحديث عن شريك بالإضافة إلى طريق محمد بن عمر بن الرومي في الإسناد السابق، من طريقين آخرين ؛ أولهما: عند أبي نعيم في (الحلية) (1/64) وقال: ثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد الحميد بن بحر، ثنا شريك به. لكنه أسقط من الإسناد سُويد بن غفلة وجعله، سلمة بن كهيل عن الصنابحي مباشرة، وهذا سقط في الإسناد وهو علّة قادحة على أقل تقدير إن لم يكن إنقطاعاً، كما رجّحه الدارقطني فيما نقله السيوطي في (اللآلئ) (1/330) بالإضافة إلى بقاء علّة سوء حفظ شريك، وفيه علّة ثالثة أقوى من هذه؛ فعبد الحميد بن بحر الراوي عن شريك كان يسرق الحديث فيُحدث به، كما قال ابن حبّان وابن عدي، وأقرّهما الذهبي، وقال الدارقطني: لا يجوز الإحتجاج به- (اللآلئ) (1/330)-.(64/490)
الطريق الأخرى: عند الذهبي في (الميزان) (2/251) من طريق محمد بن عبد السلام، أخبرنا عبد المنعم بن القشيري، أخبرنا أبو سعيد الأديب، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا الوليد السرخسي، حدثنا سويد بن سعيد الهروي، حدثنا شريك به. وأسقط منه أيضا سويد بن غفلة. وإسناده واهٍ بمرة إضافةً إلى السقط في الإسناد، فسويد بن سعيد الراوي عن شريك ضعيف من قبل حفظه، وهو صدوق في نفسه، وضعّفه من أجل حفظه غير واحد كالبخاري والنسائي وابن عديّ وغيرهم. هذا فضلاً عن أن رجال الإسناد إليه مجاهيل لا يُعرفون، اللهم إلا عبد المنعم بن القشيري ومن سواه لم أجد أحداً ذكرهم فهم في عداد المجهولين.
هذه ثلاث طرق لحديث عليّ، وهي أقوى ما يمكن أن يوجد له كما سيأتي.
الطريق الرابعة: ما رواه الخطيب في (تلخيص المتشابه)- ونقله بإسناده السيوطي في (اللآلئ) (1/334)- وساق سنده أيضا الحافظ الذهبي في (الميزان) (4/366) من طريق عباد بن يعقوب حدّثنا يحيى بن بشار الكندي عن إسماعيل بن إبراهيم الهمداني عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليّ وعن عاصم بن ضمرة عن عليّ . وهو باطل كما قال الذهبي، وقال الخطيب: يحيى بن بشار وشيخه إسماعيل مجهولان. وأعلّه الذهبي بيحى فقال: (لا يُعرف) . وهذه جهالة عين وهي من أحطّ أنواع الجرح.(64/491)
الطريق الخامسة: ما رواه ابن عمر الحربي في (أماليه)- كما في (اللآلئ) (1/335)- وقال: حدثنا إسحاق بن مروان حدثنا أبي حدثنا عامر بن كثير السراج عن أبي خالد عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن عليّ . وهذا إسناد واهٍ بمرة ليس فيه ثقة صادق فيما أعلم، إسحاق بن مروان وأبوه وعامر بن كثير وأبو خالد كلّهم مجاهيل لم أجد لهم ترجمة، وسعد بن طريف متروك وقد كذّبه بعضهم، وقد قدمنا تفصيل حاله في الرواة المئة (رقم 31) . والأصبغ شيخه الراوي عن عليّ كذّبه أبو بكر بن عياش، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال النسائي وابن حبان: متروك- أنظر ترجمته في (الميزان) و(التهذيب)-.
وهاتان الطريقان الرابعة والخامسة أشار إليهما الحافظ أبو نعيم في (الحلية) (1/64).
الطريق السادسة: ما رواه ابن النجار في (تاريخه)- (اللآلئ) (1/334-335)- من طريق عليّ بن الحسن بن بندار بن المثنى أنبأنا عليّ بن محمد ابن مهرويه حدثنا داود بن سليمان الغازي حدثنا عليّ بن موسى الرضا عن آبائه عن عليّ . وهو موضوع أيضا من أجل داود بن سليمان الغازي هذا فقد كذّبه ابن معين، وقال الذهبي في (الميزان) (2/8): (وبكل حال فهو شيخ كذاب له نسخة موضوعة عن عليّ الرضا رواها عليّ بن محمد بن مهرويه القزويني الصدوق عنه) ونقله أيضا السيوطي في (اللآلئ) . وأظنّ- والله أعلم- أنّ عليّ بن الحسن بن بندار الذي في الإسناد أيضا هو الاستراباذي وقد اتهمه بالكذب محمد بن طاهر كما في (الميزان).
الطريق السابعة: ما أخرجه ابن مردويه- كما في (اللآلئ) (1/329)- من طريق الحسن بن محمد عن جرير عن محمد بن قيس عن الشعبي عن عليّ. وأعلّه الدارقطني- كما في (اللآلئ) (1/330)- بمحمد بن قيس فقال: مجهول، قلت: وكذا الحسن بن محمد وجرير فلم أعرفهم، فضلاً عن أن الشعبي لم يسمع من عليّ سوى حديث واحد في رجم المرأة- كما في ترجمته في (التهذيب)-.(64/492)
الطريق الثامنة: ما رواه ابن مردويه- (اللآلئ) (1/329) أيضا- عن الحسن بن علي عن أبيه . وفي إسناده مجاهيل كما نقله السيوطي (1/330) عن الدارقطني.
فهذه الطرق الخمسة الأخيرة عن عليّ كلها من رواية كذّابين أو مجاهيل لا يُعرف عنهم شيئاً فلا يمكن أبداً الإعتماد على روايتهم كما لا يخفى.
* هذا ما وجدته من طرق هذا الحديث- على اختلاف في لفظه- وهي بمجموعها تبلغ واحداً وعشرين طريقاً، لا تقوم بها حجة ولا كرامة، فحديث ابن عباس لم يروه إلا كذّاب دجّال أو متّهم بالكذب والوضع أو مجهول لا يُعرف عنه شيئاً، ومثله حديث جابر من طريقيه، أما حديث عليّ فمع وجود شبهة التصحيح فيه فهو ساقط بمرة لما قدمنا من وجود ثلاث علل- على الأقل- في كل طريق من طرقه الثلاث، هذا فضلاً عن الإضطراب في سنده- كما قاله الدارقطني فيما نقله السيوطي في (اللآلئ) (1/330)- بذكر سويد بن غفلة مرةً، وحذفه أخرى، وإذا سلمنا برواية الحذف لمجيئها كذلك من طريقين وقعنا فيما هو أوهى من ذلك بسبب ما في ذينك الطريقين من سُرّاق الحديث وسلسلة المجهولين، أما إذا رجّحنا رواية ذكر سويد بن غفلة في الإسناد عورض ذلك بالإضطراب في سنده مع ما فيه من الضعفاء والمتّهمين بالتشيّع . وهذا كله يتبيّن عند النظر بدقّة وإنصاف إلى تلك الطرق الثلاث لحديث عليّ رضي الله عنه، مع التأكيد على اجتماع طرقه الثلاثة هذه على شريك القاضي، أي لا وجود لمن يتابع شريكاً ويزيل سوء حفظه هذا، فضلاً عن أن المتابعات لمن دونه من الضعفاء تزيدها وهناً لشدة ضعفها هي الأخرى.
أما إذا جمعنا طرق حديث عليّ إلى طرق حديثيّ ابن عباس وجابر بين عبد الله رجاء تقويتها- كما يزعم البعض- فإننا حينها نتأكد بما لا مجال فيه للشك من كذب هذا الحديث ووضعه لإقتصار دوران حديثي ابن عباس وجابر بن الكذّابين أو المتّهمين أو المجهولين، فضم حديث عليّ إليهما مما يزيده وهناً على وهنه ويؤكد وضعه وكذبه وبطلانه.(64/493)
فهو من نوع الضعف الذي لا ينجبر بكثرة طرقه، الذي نبّه عليه الحافظ أبو عمرو بن الصلاح، إذ قال رحمه الله في (مقدمة علوم الحديث) (ص37): (. . . ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك- قلت: يعني تعدد الطرق- لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهّماً بالكذب، أو كون الحديث شاذاً، وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة) إ. ه. وعقب عليه أيضا المحدّث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في (نصب المجانيق) (ص21) فقال: (قلت: ولقد صدق رحمه الله تعالى، فإن الغفلة عن هذه النفيسة قد أوقعت كثيراً من العلماء، لا سيّما المشتغلين منهم بالفقه في خطأ فاضح، ألا وهو تصحيح كثيرٍ من الأحاديث الضعيفة اغتراراً بكثرة طرقها، وذهولاً منهم عن كون ضعفها من النوع الذي لا ينجبر الحديث- بتعددها- بل لا تزيده إلاّ وهناً على وهن) إ. ه.
وله في ذلك- جزاه الله خيراً- كلام نفيس في رسألته تلك (ص20-21) تحت عنوان (قاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على إطلاقها) فليُراجع.
هذا آخر ما يمكن أن يتعلّق به الرافضة من طرق هذا الحديث، وقد فصّلناها بعون الله تفصيلاً حسناً.
فإن تشبّثَ جاهلٌ وذو هوى بتصحيح بعض الحفاظ لهذا الحديث- كابن جرير وابن حجر- واعترض علينا لمخالفتنا لهم في حكمنا ببطلان هذا الحديث وكذبه رددناه- بمثل حجته- بذكر عدد من العلماء والأئمة الحفاظ المتقنين الذي حكموا ببطلان هذا الحديث وكذبه.(64/494)
ونحن لا ضير علينا من مخالفتنا لمن أشار إليهم هذا الموسوي في الهامشين (9، 10/188) ممن صحح هذا الحديث، فلئن كنا خالفناهم فقد وافقنا جماعة من أئمة الحديث والعلم سيأتي ذكرهم، فاتّباعهم أولى لا لكثرتهم بل لأن المنهج العلمي لدراسة أسانيد الحديث معهم، ورحم الله من قال: (لا يُعرف الحق بالرجال، إعرف الحقّ تعرف الرجال). وهاك أسماء من كذّب هذا الحديث وحكم بوضعه وبطلانه من الأئمة الأعلام ومن بعدهم ممن حكم على هذا الحديث بما يشبه الوضع والكذب أو من اكتفى بتضعيفه وردّه:
الحافظ ابن عدي، صاحب كتاب (الكامل)، وذلك في المواضع المشار إليها سابقاً من كتابه، ونقله عنه أيضا الذهبي في غير موضع من (الميزان)، وكذا ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/358).
ابن الجوزي في كتابه (الموضوعات) (1/349، 350، 351، 352، 353) وذكر معظم طرقه السابقة.
الحافظ الدارقطني فيما نقله عنه السيوطي في (اللآلئ)(1/330-331) من طعنه بجميع طرق الحديث لا استثناء.
أبو عبد الله القرطبي في (تفسيره) (9/336) وقال: (و هو حديث باطل).
شيخ الإسلام إبن تيمية في أكثر من موضع، مثل (منهاج السنة)- أنظر (مختصر المنهاج) (ص496)-، وكذلك في (مجموع الفتاوي) (4/410).
الحافظ الذهبي في مواضع كثيرة أيضا، مثل (تلخيص مستدرك الحاكم) (3/126، 127)، (ميزان الإعتدال) (1/415) (2/153) وغيرها كثير.
الإمام أحمد بن حنبل فيما نقله السيوطي في (اللآلئ) (1/331) إنه سئل عن هذا الحديث فقال (قبّح الله أبا الصلت)، وروى عنه الخطيب في (تاريخ بغداد) (11/48) أنه سئل عن هذا الحديث فقال: (ما سمعنا بهذا) ولا يخفى أن نفي سماعه ومعرفته من مثل الإمام أحمد في حفظه وضبطه وإتقانه لهو من أشدّ أنواع التضعيف، ومثله ما جاء عن:(64/495)
يحيى بن معين، فيما رواه الخطيب أيضا (11/49) أنه قال عن الحديث: (ما سمعت به قط)، وروى الخطيب أيضا (11/49) أن ابن معين سئل عن هذا الحديث فأنكره جداً، وفي رواية أخرى قال: (ما هذا الحديث بشيء) ومثل ما سبق أيضا ما جاء عن:
الحافظ ان عقدة، رغم تشيّعه المعروف قال عن هذا الحديث: (لا أعرف هذا) . نقله الذهبي في (الميزان) (2/153).
الحافظ أبو الفتح الأزدي، نقل عنه ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/358) أنه قال: (لا يصحّ في هذا الباب شيء).
الترمذي، رغم تساهله المعروف ضعّف هذا الحديث- فيما سبق- وقال: (هذا حديث غريب منكر).
الحافظ محمد بن عبد الله أبو جعفر الحضرمي- وهو مطين- فيما نقله عنه الخطيب (7/173)، قال: (لم يروِ هذا الحديث عن أبي معاوية من الثقات أحدٌ، رواه أبو الصلت فكذّبوه) .
الحافظ ابن كثير، حين سرد شيئاً من طرق هذا الحديث في (البداية والنهاية) (7/358) ونقل وضعه وكذبه عن ابن عدي وغيره . وأقره فلم يردّه.
الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/114) رغم تساهله الشديد اكتفى بتضعيف هذا الحديث.
وأخيراً ترى الكلام على هذا الحديث بجميع طرقه مفصّلاً عند:
المحدّث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، في (السلسلة الضعيفة) (29555)، وقد حكم بوضعه وكذبه بحجج ظاهرة، وفق المنهج العلمي، كما هي عادة الشيخ الألباني في مصنّفاته، فحريّ بالباحث أن يرجع إليه فإن فيه علماً جماً، لكني لا أطوله الآن لأستفيد منه وأنقل ما لم نذكره من طرقه وغيرها، وأظن فيما قدمنا كفاية للمنصفين إن شاء الله.(64/496)
وبكل ما تقدم اتّضح جليّاً- بحمد الله- كذب هذا الحديث وبطلانه من جهة إسناده، أما من جهة متنه فقد فصّله شيخ الإسلام ابن تيمية في (المنهاج) فكان مما قال (4/138-139): (و الكذب يعرف من نفس متنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مدينة العلم ولم يكن لها إلا باب واحد ولم يبلّغ العلم عنه إلا واحد فسد أمر الإسلام، ولهذا اتفق المسلمون على أن هلا يجوز أن يكون المبلّغ عنه العلم واحداً بل يجب أن يكون المبلّغون أهل التواتر الذي يحصل العلم بخبرهم للغائب، وخبر الواحد لا يفيد العلم بالقرآن والسنن المتواترة وإذا قالوا ذلك الواحد المعصوم يحصل العلم بخبره، قيل لهم: فلا بدّ من العلم بعصمته أولاً، وعصمته لا تثبت بمجرّد خبره قبل أن تعرف عصمته لأنه دور، ولا تثبت بالإجماع فإنه لا إجماع فيها) إ. ه.
ونحو هذا الكلام في (مجموع الفتاوى) 4/410-411)، وجاء فيه أيضا: (وهذا الحديث إنما افتراه زنديق أو جاهل ظنّه مدحاً، وهو مطرق الزنادقة إلى القدح في علم الدين إذا لم يبلّغه إلا واحد من الصحابة) إ. ه. في كلام طويل ونفيس فليراجع.(64/497)
وهذا الذي قاله شيخ الإسلام واستنكره في معنى الحديث هو المتعيّن إذ لا معنى له سواه، وهو ما يردّ به على من صححه إضافةً إلى ما سبق من سقوط أسانيده كلها. وهذا الموسوي- عبد الحسين- ومعه كل الشّيعة يقرّون عند احتجاجهم بهذا الحديث بعدم وجود تواتر عندهم البتّة، ذلك أن مقتضى هذا الحديث أن لا مبلّغ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إلاّ عليّ ومن ثم لا يقين عندهم بالقرآن ولا بالسنن المتواترة، - وهذا في الحقيقة يتماشى مع طعنهم بصحة القرآن الكريم وبما ثبت بالتواتر عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم- أما إذا قيل أن الحديث لا يقتضي انفراد عليّ بكونه باب علمه صلّى الله عليه وسلّم، بل هناك أبواب أخرى ممثّلة بغير عليّ من الصحابة رضوان الله عليهم، بطل بذلك استدلالهم على اختصاصه رضي الله عنه بفضيلةٍ شاركه فيها غيره كثيرون.
لكن الله سبحانه وتعالى- بفضله- أعاذنا من مثل هذه الأباطيل والإفتراءات والتقوّل على الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم بسقوط هذا الحديث من الإعتبار، وتحققنا من وضعه وكذبه، ولله الحمد على ما أنعم به وهو المسؤول دوامها.
(أنا دار الحكمة وعليّ بابها) تقدّم الكلام عليه بالتفصيل خلال الحديث السابق (9) فهو أحد ألفاظه وهو موضوع كسابقه، راجع تفصيل ذلك.
حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (عليّ باب علمي ومبيّن لأمتي ما أرسلت به من بعدي، حبّه إيمان وبغضه نفاق) . ذكره في (كنز العمال) (32981) وعزاه للديلمي، ولم يصرّح بضعفه لوضوحه وبيانه من عزوه للديلمي كما اصطلح عليه، وقد نقلنا في صفحة (382) من قوله في مقدمة كتابه (1/10) بأن كل ما عُزي للديلمي في مسند الفردوس مع آخرين ذكرهم فهو ضعيف فيُستغنى بالعزو إليها عن بيان ضعف الحديث، وهو الأمر الواقع هنا تماماً ولله الحمد.(64/498)
وهذا الحديث في (مسند الفردوس) للديلمي (4000) لكن لم يسق له إسناداً، وقد ساق إسناده بالكامل السيوطي في (اللآلئ المصنوعة) (1/3359 من طريق مجاهيل لا يعرفون عن محمد بن علي بن خلف العطار، ثنا موسى بن جعفر بن إبراهيم، ثنا عبد المهيمن بن العباس عن أبيه عن جدّه سهل بن سعد عن أبي ذر. وهو واهٍ جداً، ففوق ما فيه من المجاهيل فإن محمد بن علي العطار هذا اتهمه ابن عديّ، وعبد المهيمن بن العباس ضعيف، قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال الساجي: عنده نسخة عن أبيه عن جده فيها مناكير، ومثله قول أبي نعيم الأصبهاني. وهذا الحديث ممّا انفرد به الديلمي وسيأتي في الحديث (26) بيان حال ما انفرد به.
حديث أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ: (أنت تبيّن لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي) أخرجه الحاكم (3/122) وابن حبان في (المجروحين) (1/380) من طريق أبي نعيم ضرار بن صرد، ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن عن أنس بن مالك . وهو حديث موضوع، وقد أفحش الحاكم فصححه على شرط الشيخين، فردّه الذهبي بقوله: (قلت: بل هو فيما أعتقده من وضع ضرار، قال ابن معين: كذّاب) إ. ه. قلت: وضرار هذا هو أبو نعيم الطحان، وقد كذّبه ابن معين كما قال الذهبي، وقال البخاري والنسائي وغيرهما: متروك. ولا أدري كيف وقع الحاكم- رحمه الله – في مثل هذا الوهم العجيب، فإن ضراراً هذا ليس من رجال الكتب الستة فضلاً عن الصحيحين، وفضلاً عن عدم ثقته، بل روى له البخاري في (خلق أفعال العباد) .
وهذا الحديث قد عزاه في (الكنز) (32983) أيضا للديلمي في (مسند الفردوس)، وقد بحثت عنه هناك ملياً فلم أجده، والله أعلم . لكن ساقه الحافظ الذهبي في (الميزان) (2/328) من طريق ابن جبان أيضا.
وبعد ما تبيّن من وضع هذا الحديث وكذبه يكون ما علق به عبد الحسين هذا على الحديث من كلام الدجّالين والكذّابين أمثال من اختلق هذا الحديث وركّبه.(64/499)
ثم أين كان عليّ حين تنازع الصحابة في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يعرفوا ما يقولون؟ واستمروا في القيل والقال بينهم- ومعهم عليّ- حتى فصل بينهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بخطبته الشافية الكافية. فالصحابة في زمن أبي بكر لم يكونوا يتنازعون في مسألة إلا فصلها بينهم أبو بكر وارتفع النزاع بينهم بسببه، كتنازعهم في وفاته صلّى الله عليه وسلّم ومدفنه، وفي ميراثه، وفي تجهيز جيش أسامة، وقتال مانعي الزكاة، وغير ذلك من المسائل الكبار بل كان خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهم يعلّمهم ويبيّن لهم ما تزول به الشبهة فلم يكونوا معه يختلفون، وهذا كله رغم أنف عبد الحسين هذا واشباهه من الرافضة.
حديث أبي بكر رضي الله عنه، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (عليّ مني بمنزلتي من ربّي). نقله من (الصواعق المحرقة) (ص 106)، إذ عزاه لابن السمّان ولم يعقّب عليه بشيء أو يبيّن إسناده ولا مخرجه . وهو شبه الريح ولا يعدّ دليلاً شرعياً مقبولاً إذ لا يعُرف له إسناد فضلاً عن صحته وثبوته، وأهل العلم لا يحتجّون بأي حديث حتى يتحققوا أولاً من صحة سنده وثبوته، وهذا ما لا يمكن هنا إذ لا يعرف رجال إسناده كما لا يخفى، وهذا دأب الجهلاء يلجأون إلى ما لا يعرف مخرجه حتى لا يفتضح باطلهم، والله المستعان على ما يصفون.
حديث ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (عليّ بن أبي طالب باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً) . أخرجه الدارقطني في (الأفراد)-كمافي (كنز العمال) (32910)(64/500)
ومنه نقله عبد الحسين هذا- وعزاه للدارقطني السيوطي أيضا في (الجامع الصغير) (5592) وضعّفه- على تساهله- وقد نقل تخريج الدارقطني له المناوي في شرح الجامع الصغير المسمى (فيض القدير) (4/356) وقال: (قال الدارقطني: تفرّد به حسين الأشقر عن شريك وليس بالقوي وقال البخاري: حسين عنده مناكير، وقال الهذلي: هو كذّاب) إ. ه. قلت: وقد أخرجه أيضا الديلمي في (مسند الفردوس) (3998) وساقه الذهبي في ترجمة حسين الأشقر هذا من (الميزان) وقال: (وهذا باطل) . قلت: وعلّته حسين الأشقر هذا وقد تقدم حاله، مع سوء حفظ شريك القاضي، فالحديث باطل موضوع.
حديث حبشي بن جنادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليّ مني وأنا من عليّ، ولا يؤدي عني إلا أنا أو عليّ) . أخرجه الإمام أحمد (4/164، 165)، والترمذي (4/328)، وابن ماجة (119)، والنسائي في (خصائص عليّ) (34، 35، 37)، والطبراني في (الكبير) (3511، 3513) وابن أبي عاصم في (السنة) (1320) كلهم من طريق أبي إسحاق السبيعي عن حبشي بن جنادة . وقبل الكلام على إسناده وما فيه أنبه إلى ما في كلام عبد الحسين هذا من الغش والمغالطة بقوله في الهامش (15/189): (. . . من حديث حبشي بن جنادة بطرق متعددة كلّها صحيحة) فان كان يعني بالطرق المتعددة إلى حبشي بن جنادة الصحابي- كما هو ظاهر عبارته- فهو كذب بيّن إذ لم يروه عن حبشي سوى أبي إسحاق السبيعي، ثم ليس له عن أبي إسحاق إلا ثلاثة طرق كما سنبيّنه، هذا فضلاً عن أنها ليست صحيحة كما زعم.(65/1)
ثم قوله في ذلك الهامش أيضا: (و من راجع هذا الحديث في مسند أحمد علم أن صدوره إنما كان في حجّة الوداع التي لم يلبث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدها في هذه الدار الفانية إلاّ قليلاً) إ. ه. يدلّ على حماقته وقصور فهمه أو على خبثه في سعيه لتحريف النصوص وليّها، فإن هذا- على فرض ثبوته وصحته- لم يقله النبي صلّى الله عليه وسلّم في عرفات ولا في أي موضع آخر في حجة الوداع، ولم يذكره أبداً من جمع الصحيح من أحاديث حجة الوداع(1)
__________
(1) لا ينقض ما قلناه ما جاء في بعض الروايات المنكرة المردودة فإنا قد اشترطنا الصحة كما لا يخفى، ومن تلك الروايات رواية ابن عساكر لحديث حبشي هذا (12/150/ 2) وقد ذكرها الألباني في (الصحيحة) (4/633) وفيها التصريح بذكر حجة الوداع إلا أنها لا يمكن أن تصحّ بل هي منكرة مردودة كما بيّنه الشيخ الألباني جزاه الله خيراً فإن في إسنادها محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف سيئ الحفظ، وجبير بن هارون وهو لا يعرف.
ومثلها رواية سعد عند النسائي في (الخصائص) (ص3) والبزار (ص266)، وفيها أنه كان يوم الجحفة، وهي لا تصحّ أيضاً ففي الإسناد موسى بن يعقوب الزمعي وهو سيئ الحفظ أيضاً . وراجع كلام الشيخ الألباني في (الصحيحة) (4/633-636) لتأكيد ما قررناه، وللرد على هذا الرافضي الماكر عبد الحسين الموسوي فيماعقب به على هذا الحديث فقد قيّض اله له من يفضحه.(65/2)
اللهم إلا هؤلاء الرافضة الدجّالون الوضّاعون الذين لا ينظر إلى ادعاءاتهم من نور الله بصيرته بالحق الذي أنزله . كل ما في الأمر إن شيخ الإمام أحمد في هذا الإسناد وهو يحيى ابن آدم روى هذا الحديث بإسناده فقال: (عن حبشي بن جنادة- وكان قد شهد يوم حجة الوداع- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: عليّ مني. . .) الحديث . فقوله: وكان قد شهد يوم حجة الوداع إنما هو تعريف للصحابي هذا حبشي لإثبات صحبته للنبي صلّى الله عليه وسلّم إذ ليس هو من الصحابة المعروفين المشهورين بل لم يروي عنه سوى أبي إسحاق السبيعي- كما في هذا الحديث- والشعبي- أنظر (الترمذي) (2/20) (المعجم الكبير) (3504، 3505)، (تهذيب التهذيب) (2/176)- وهذا بخلاف حديثه الآخر عند الترمذي (2/20)، والطبراني في (الكبير) (3504) الذي قال فيه: (سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع وهو واقف بعرفة. . .) الحديث فهذا قوله هو أولاً، ثم فيه التصريح بأنه كان في عرفات ثانياً، بخلاف حديثنا هذا فإنه من قول يحيى بن آدم، شيخ أحمد لا من قول الصحابي حبشي، ولا تعلّق له بالحديث بل للتعريف بالصحابي كما قدمنا، ولا تغفلن الفرق بين لفظي الحديثين!(65/3)
ثم ما يقوله هذا الأحمق عبد الحسين لنفسه في التناقض القبيح الذي وقع فيه بزعمه في الهامش، وكذلك في المتن أعلاه بأن هذا الحديث قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم في عرفات في حجة الوداع، ثم قوله بعد ذلك في الهامش بان النبي صلّى الله عليه وسلّم قاله حين بعث عليّاً حتى لحق بأبي بكر فردّه وأخذ سورة براءة ليبلغها مكانه، فإن هذا كان في سنة تسعٍ للهجرة باتفاق أهل الأخبار قبل حجة الوداع حين حجّ أبو بكر رضي الله عنه بالناس. وأما كون أبي بكر خرج أولاً بسورة براءة ثم أردفه النبيّ صلى الله عليه وسلّم بعليّ فأخذها منه، فهذا باطل لا يثبت، بل الصواب أن أبا بكر رضي الله عنه أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم على الحج سنة تسع،
وبعدما خرج نزلت سورة براءة وفي أوائلها نبذ العهد بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمشركين، أي إنها نزلت بعد خروج أبي بكر رضي الله عنه، فقالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو بعثت بها إلى أبي بكر. فقال: لا يؤدي عني إلا رجلٌ من أهل بيتي- كما في رواية محمد الباقر التي أشرنا إليها في صفحة (436)- وفي رواية (لا ينبغي لأحدٍ أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي) قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (8/406): (وهذا يوضح قوله في الحديث الآخر (لا يبلغ عنّي) ويعرف منه أن المراد خصوص القصة المذكورة لا مطلق التبليغ) إ. ه.
قلت: ومثله قوله في الحديث الآخر- إن صحّ- (لا يؤدي عنّي . . .) وههنا أربعة أوجه:(65/4)
الوجه الأول: أن يقال أنه تبليغ مخصوص كما قال الحافظ، في شأن نبذ العهد بالآيات الأولى من سورة براءة، ولا يصحّ أن يكون تبليغاً مطلقاً- هذا على فرض صحته- فإن النبي صلى الله عليه وسلّم بعث في مرات كثيرة جداً غير عليِّ رضي الله عنه مبلّغين، ولا يُقال أن هذا كان قبل قوله هذا الحديث- أي في السنة التاسعة للهجرة- فإن هذا باطل قطعاً، فقد بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم- مثلاً- مع بعض الوفود القادمة عليه من الصحابة سوى عليّ، وأيضا مثل بعثه معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن، أما قبل هذا الحديث فكثير أيضا، ولا أدل عليه من بعثه مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى أهل المدينة قبل مقدمه صلّى الله عليه وسلّم، وكل هذه البعوث لتبليغ الناس دين الإسلام ودعوتهم له، فبان بحمد الله بطلان كون هذا التبليغ مطلقاً، بل هو تبليغ مخصوص لنبذ العهد فقط، وبه يتبيّن: الوجه الثاني: إنّ هذا القول ما قاله قطّ في حجة الوداع لا في أثنائها ولا بعدها، بل للإلتحاق بأبي بكر رضي الله عنه وللإنضمام تحت إمرته في الحجّ سنة تسعٍ لتبليغ نبذ العهد، مع أنه كان لعليّ رضي الله عنه معاونون ومبلّغون معه في نبذ العهد فلم ينفرد هو بذلك مثل أبي هريرة رضي الله عنه كما ثبت بذلك الحديث عند البخاري (1/103) (2/188) (5/212) (6/81، 82) وغيره.(65/5)
الوجه الثالث: إن سورة براءة لم تنزل إلاّ بعد سفر أبي بكر رضي الله عنه إلى الحج أميراً ونائباً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو أهلٌ لهذه النيابة عنه صلّى الله عليه وسلّم حيّاً وميّتاً، وهذا ما يفهم من جميع الروايات الصحيحة لهذه القصة، وهو الذي صرّحت به رواية ابن إسحاق عن محمد الباقر نفسه التي أشرنا إليها في صفحة (436)، وأفادته رواية البخاري السابقة لهذه القصة، وهو الذي قرره إبن كثير في (البداية والنهاية) ومن قبله الحافظ الذهبي في (المغازي) (ص664) بقوله: (حج بالناس أبو بكر الصدّيق، بعثه النبي صلّى الله عليه وسلّم على الموسم في أواخر ذي القعدة ليقيم للمسلمين حجهم، فنزلت ((براءة)) إثر خروجه) إ. ه. وسيأتي الكلام على ما استدل به هذا الموسوي عبد الحسين من حديثي مسند الإمام أحمد.
الوجه الرابع: إن أوائل سورة براءة إنما هو فسخ للعهود السابقة مع المشركين، ومن عادة العرب أن يتولى إعلان ذلك رئيس الجماعة أو رجل من قرابته، كما قال شيخ الإسلام إبن تيمية في (المنهاج)- انظر (مختصر المنهاج) (ص311)- وقال الحافظ إبن حجر في (الفتح) (8/409): ولهذا قال العلماء: إن الحكمة في إرسال عليّ بعد أبي بكر أنّ عادة العرب جرت بأن لا ينقض العهد إلاّ من عقده أو من هو منه بسبيل من أهل بيته، فأجراهم في ذلك على عادتهم، ولهذا قال: لا يبلغ عني إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي) إ. ه. قلت: ولا يصح ما اعترض به بعض الفضلاء بأن هذا الأمر كان يعلمه النبي صلّى الله عليه وسلّم مسبقاً فَلِمَ أرسل أبا بكر أولاً ثم أردفه بعليّ؟ فإنا نجيب بالتذكير بما سبق من أن أبا بكر خرج قبل نزول سورة براءة أي لم يخرج لنقض العهد، بل أميراً على الحج فلما نزلت براءة وفيها نقض العهود بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً بذلك من دون غيره من الصحابة الباقين معه في المدينة لهذا السبب .(65/6)
وأما الحديثان اللذان ذكرهما عبد الحسين هذا في الهامش (15/189) من مسند الإمام أحمد (1/150، 151) فهما ضعيفان لا يثبتان ومنكران، وقبل كل شيء ليسا هما من رواية الإمام أحمد، بل من زوائد ابنه عبد الله في مسند أبيه، وهذا ما لم يفهمه هذا الموسوي عبد الحسين.
وهذا الحديثان من طريق سماك بن حرب عن حنش عن عليّ . وحنش هذا هو ابن المعتمر وهو صدوق صالح في نفسه إلاّ أنه صاحب أوهام، قال البخاري: يتكلمون في حديثه. لذا قال الحافظ في (التقريب): صدوق له أوهام. وقد فصّل حاله إبن حبّان فقال: (و كان كثير الوهم في الأخبار ينفرد عن عليّ بأشياء لا تشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يُحتج بحديثه) . قلت: كأنه يشير إلى حديثه هذا، الذي عناه البزار بقوله: (حدّث عنه سماك بحديث منكر) .
وليس لحنش هذا متابع في هذا الحديث حتى يصار إلى تصحيحه، هذه العلة الأولى المشتركة بين الحديثين، وهناك علة ثانية في إسنادي كلا الحديثين إلى سماك بنحرب وهما: بالنسبة للحديث الأول الذي ذكره عبد الحسين هذا عند الإمام أحمد (1/151) الذي فيه التصريح بأخذ الكتاب من أبي بكر ودفعه إلى عليّ- وهو باطل- فقد رواه عن سماك محمد بن جابر بن سيار السحيمي، وهو سيء الحفظ ويخلط كثيراً، وضعّفه إبن معين وإبن مهدي والنسائي وغيرهم، وقال أبو زرعة: ساقط الحديث عند أهل العلم، وقال إبن حبّان: (كان أعمى يلحق في كتبه ما ليس من حديثه ويسرق ما ذوكر به فيحدث به) . وبه أعل الحديث الهيثمي – على تساهله- في (المجمع) (7/29). وذكر هذا الحديث الحافظ إبن كثير في (البداية والنهاية) (5/38) وقال: (و هذا ضعيف الإسناد، ومتنه فيه نكارة والله أعلم).(65/7)
أما بالنسبة للحديث الثاني الذي ذكره عبد الحسين هذا وعزاه للإمام أحمد في مسنده (1/150) فبالإضافة إلى علة ضعف حنش بن المعتز السابق الذكر ففيه علة أخرى أيضا في إسناده إلى سماك، وهي وجود عمرو بن حماد القنّاد، ومع أنه صدوق إلاّ أنه رمي بالرفض، كما قال الحافظ في (التقريب) فلا تؤتمن روايته في مثل هذا الحديث لما عنده من بدعة الرفض، وقد قدمنا ذلك غير مرة، وانظر من كتابنا هذا صفحة (249-250) . وشيخ عمرو هذا هو إسباط بن نصر، الذي روى الحديث عن سماك، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق كثير الخطأ يغرب)ومع أنه من رجال مسلم إلاّ أنه لا يحتج به منفرداً لما عنده من الخطأ الكثير، بل يستشهد به، وقال الساجي في (الضعفاء): (روى أحاديث لا يتابع عليها عن سماك بن حرب) قلت: كأنه يعني هذا والله أعلم.
هذا مع أن هذا الحديث الثاني الذي ذكره في الهامش ليس فيه ما ادّعاه من رد أبي بكر تبليغ سورة براءة إلى عليّ، ولا فيه أن هذا القول كان في عرفات ولا في حجة الوداع عموماً، مع ذلك فهو ضعيف لا يثبت، وأوهى منه الحديث الأول السابق ذكره، مع ما فيه من النكارة.
وبعد هذا البحث الطويل نعود الآن إلى حديث حبشي، وهو الأصل هنا، وقد قدمنا أن كلّ من رواه لم يخرّجه إلاّ من طريق أبي إسحاق السبيعي عن حبشي بن جنادة.
وحديث حبشي هذا ضعيف لا يثبت، وقد ضعّفه حتى السيوطي- على تساهله- في (الجامع الصغير) (5595) . فأبو إسحاق السبيعي مدلس وقد عنعنه، ثم أنه كان قد إختلط، وقد رواه عنه ثلاثة رواة هم: حفيده إسرائيل بن يونس، وقيس بن الربيع، وهذا رويا عنه بعد إختلاطه، ورواه عنه أيضا شريك القاضي، وهو وإن كان قديم السماع من أبي إسحاق إلاّ أن شريكاً نفسه سيء الحفظ وكان قد إختلط هو الآخر، فإن سلم الإسناد من إختلاط أبي إسحاق وقع فيما لا يقل عنه من سوء حفظ شريك وإختلاطه.(65/8)
هذه العلة الأولى في الحديث وهي إختلاط أبي إسحاق السبيعي وتدليسه أو سوء حفظ شريك وإختلاطه . وفيه علة ثانية وهي أن الحديث جاء بلفظ آخر وهو: (عليّ مني وأنا من عليّ ولا يقضي ديني إلاّ أنا أو عليّ) عند الإمام أحمد (4/164)، والطبراني في (الكبير) (3512) وقد رواه بهذا اللفظ عن أبي إسحاق حفيده إسرائيل وهو حافظ ثقة، وقيس بن الربيع، ورواه عن إسرائيل يحيى بن أبي بكير وهو ثقة من رجال الصحيحين، وفتبقى فيه علة أبي إسحاق السبيعي فقط، وليس اللفظ الأول بأولى بالقبول من اللفظ الآخر هذا بالنسبة لحديث حبشي. إلاّ أن ما يرجح اللفظ الثاني وهو (عليّ مني وأنا من عليّ ولا يقضي ديني إلاّ أناأوعليّ) أن له شواهد من حديث آخرين غير حبشي، وهو حديث أنس عند البزار (ص268) ولفظه: (عليّ يقضي ديني)، وحديث سعد بن أبي وقاص عند البزار أيضا (ص266) والنسائي في (الخصائص) (ص3) بلفظ: (هذا وليّ ويؤدي عني ديني وأنا موالي من والاه ومعادي من عاداه) . وهذا الحديثان وإن كان في إسناديهما مقال وضعف إلاّ أنهما يصلحان شاهدين للفظ الثاني من حديث حبشي وترجيحه على اللفظ الأول، فإن كان يمكن أن يصح حديث حبشي فبهذا اللفظ فقط: (عليّ منيّ وأنا من عليّ ولا يقضي ديني إلاّ أنا أو عليّ) . وهو ما فعله المحدث الشيخ الألباني فصحح هذا اللفظ في (الصحيحة) (1980) ومنه استفدنا هذا التصحيح.(65/9)
ومن باب قول الحق والإنصاف دون التحامل والعصبية نقول أن قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث: (عليّ مني وأنا منه) صحيح ثابت لا شك فيه، عند البخاري وغيره لكنه لم يختص به عليّ رضي الله عنه بل ثبت مثله لغيره كثير، انظر تفصيل ذلك في صفحة(383-384) من كتابنا هذا. ثم سائر ما عقّب به عبد الحسين هذا على الحديث، من قوله (فأين تذهبون وماذا تقولون في هذه السنن الصحيحة والنصوص الصريحة. . .) إلى آخر كلامه الذي خار فيه خوار البقرة، يدل على ما في قلبه من المرض، وقد بناه على ما أثبتنا – ولله الحمد- بطلانه من زعمه صحة هذه النصوص وصراحتها وزعمه أنه كان يوم الحج الأكبر وزعمه الوصاية لعليّ وغير ذلك من الأباطيل، ثم زعم أن هذا كله هو الهداية وما سواه ضلال، وهو يعني أن أشباهه من الرافضة هم المهتدون وأن من سواهم من أهل السنة هم الضالون، وحسبنا جواباً عليه ما أخبرنا الله سبحانه عن أمثاله إذ قال: { وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون } فأجاب سبحانه: { وما أرسلوا عليهم حافظين} . وهذا كله مصداق قوله تعالى: {كذلك زيّنا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون} وحسبنا الله ونعم الوكيل.(65/10)
حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني ومن عصى عليّاً فقد عصاني) . أخرجه الحاكم (3/121) من طريق عليّ بن سعيد بن بشير الرازي، ثنا الحسن بن حماد الحضرمي، ثنا يحيى بن يعلى، ثنا بسام الصيرفي عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر. وقد كذب عبد الحسين هذا بادعائه تصحيح الحاكم والذهبي للحديث على شرط الشيخين بل قال الحاكم: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي، وأهل العلم يفرّقون بين هذا وبين الصحة على شرط الشيخين بخلاف أهل الجهل، ومع ذلك فليس هو صحيحاً كما قال الحاكم والذهبي فقد وهما رحمهما الله، فإن إسناده ضعيف جداً، يحيى بن يعلى المذكور هو الأسلمي، قال الحافظ في (التقريب): شيعي ضعيف، وقال ابن حبان في (الضعفاء): يروي عن الثقات المقلوبات. وعلى بن سعيد الرازي لا يُحتجّ بما انفرد به، قال الدارقطني: (ليس بذاك تفرد بأشياء) قلت: وهذا مما تفرّد به، فهتان علّتان في الإسناد، تضاف إليهما علّة ثالثة وهي جهالة معاوية بن ثعلبة الراوي عن أبي ذر، فلم أعرفه ولم أجد أحداً ذكره.(65/11)
حديث أبي ذر أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا عليّ من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني) . أخرجه الحاكم (3/123-124)، والبزار- (مجمع الزوائد) (9/135)- من طريق أبي الجحّاف داود بن أبي عوف عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر . وقد صححه الحاكم فردّه الذهبي- جزاه الله خيراً- فقال: (قلت: بل منكر) وقد استنكره أيضاً ابن عدي في (الكامل) (3/950) وعنه نقله الذهبي في (الميزان) في ترجمة أبي الجحّاف داود بن أبي عوف، وهو علته لما عنده من المنكرات والأخطاء، وهو إلى ذلك شيعي فلا يحتج به في مثل هذا، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق شيعي ربما أخطأ) وقال ابن عدي: (ليس هو عندي ممن يحتج به، شيعي، عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت)، وقد تقدم الكلام عليه ضمن الرواة المئة (برقم 26).
وروي هذا اللفظ من حديث بريدة رضي الله عنه عند الطبراني في (الأوسط) بسياق طويل، وهو موضوع وقد تقدم الكلام عليه مفصلاً في صفحة (440-441) إذ ذكره عبد الحسين هذا في (المراجعة-36-) .
وروي أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه الطبراني في (الكبير) (13559) وإسناده واهٍ جداً فهو من رواية أحمد بن صبيح الأسدي، ثنا يحيى بن يعلى عن عمران بن عمّار، وأحمد بن صبيح لم أعرفه لكن قال الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي محقق المعجم الكبير، عنه: (لا يساوي شيئاً)، ويحيى بن يعلى تقدم بيان ضعفه في الحديث السابق، وعمران بن عمار مجهول لم أجد أحداً ترجمه .
حديث أم سلمة رضي الله عنها، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (من سبّ علياً فقد سبّني) . أخرجه الإمام أحمد (6/323)، والحاكم (3/121)، والنّسائي في (الخصائص) (ص47)، والطبراني في معاجمه الثلاثة وأبو يعلى كذلك- (مجمع الزوائد) (9/130)- من غير طريق عن أم سلمة . قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وهو كذلك، لكن ليس على شرط الشيخين كما ادعى هذا الكاذب عبد الحسين.(65/12)
وحديث عمرو بن شاس الذي أشار إليه، ولفظ (من آذى عليّاً فقد آذاني) تقدم ذكره في صفحة (438-440) وبينّا هناك عدم اختصاص عليّ رضي الله عنه بذلك بل شاركه فيها آخرون كثيرون بنفس هذا اللفظ في أحاديث أخرى، مع أنه يدل على فضل عظيم له رضي الله عنه.
وكذلك هذا الحديث (من سبّ عليّاً فقد سبّني) ففيه فضل لعليّ رضي الله عنه نعم، لكن لم ينفرد هو أيضاً بذلك بل جاء مثله في غيره كثيرين، من ذلك ما روي من حديث أنس رضي الله عنه، ولفظه: (من سبّ أصحابي فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله)، أخرجه ابن عدي في (الكامل) (4/1526) وعزاه شيخ الإسلام ابن تيمية في (الصارم المسلول) (ص577) لابن البناء. ومنه أيضاً الحديث الذي رواه ابن سعد (4/151)، وابن عساكر في (تهذيب تاريخ دمشق) (7/237، 239) ولفظه: (من سبّ العباس فقد سبّني).
بل قد جاء في بعض الأحاديث التصريح باللعن لمن سبّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مثل ما أخرجه الطبراني في (الكبير) (12709) عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، (من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)، وله شاهد من حديث عويم بن ساعدة عند الحاكم (3/632)، والطبراني في (الكبير) (17/132) (رقم 349)، وأبو نعيم في (الحلية) (2/11) . ومن حديث ابن عمر عند الطبراني أيضاً في (الكبير) (13588) ولفظه (لعن الله من سبّ أصحابي)، وغير ذلك كثير.
فبان بهذا عدم اختصاص عليّ رضي الله عنه بهذا الحديث، مع ما له فيه من الفضل العظيم، الذي لا يسع أحداً إنكاره.(65/13)
حديث سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني) . أخرجه الحاكم (3/130) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي . قلت: وقد وهما- رحمهما الله- ففي إسناده سعيد بن أوس أبو زيد الأنصاري، وليس هو من رجال الصحيحين أبداً، وقال عنه الحافظ في (التقريب): صدوق له أوهام. فالإسناد حسن وحسب، لكن الحديث يرتقي إلى درجة الصحة لما له من شواهد مثل ما أخرجه الطبراني في (الكبير) من حديث أم سلمة رضي الله عنها، وقد حسن إسناده الهيثمي في (المجمع) (9/132)، وغير ذلك، وأظن الشيخ الألباني قد صححه في (الصحيحة) (1299) فلا أطوله الآن.(65/14)
لكن هذا الحديث على ما فيه من فضل لعليّ رضي الله عنه، ليس هو مما انفرد به بل جاء مثله وأكبر منه لغيره، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحبّ الأنصار أحبّه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله) وهو حديث صحيح وثابت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد جاء عن عدد من الصحابة، مثل البراء بن عازب، عند ابن ماجه (163) وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما قال الألباني . . ومثل حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد (2/501، 527)، وعزاه الهيثمي في (المجمع) (10/39) لأبي يعلى والبزار، وأيضاً من حديث معاوية بن أبي سفيان عند الإمام أحمد (4/96، 100)، والطبراني في (الكبير) (19/274-275) وعزاه الهيثمي في (المجمع) (10/39) لأبي يعلى، وفي (الأوسط) أيضاً، ومن حديث الحارث بن زيادة عن الإمام أحمد (4/221)، وابن حبان (موارد الظمآن) (2291)، والطبراني في (الكبير) (3356، 3357، 3358) . وورد الحديث بلفظ: (من أحب الأنصار فبحبّي أحبّهم، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم) أخرجه الطبراني في (الكبير) (19/294) (رقم 789) من حديث معاوية بن أبي سفيان، وعزاه الهيثمي في (المجمع) (10/39) للطبراني ومن حديث أبي هريرة أيضاً، ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن حاتم وهو ثقة، وكذا الأول رجاله رجال الصحيح غير النعمان ابن مرة وهو ثقة . وروي هذا اللفظ أيضاً من حديث وائل بن حجر أخرجه الطبراني في (الصغير) (1143)، وعزاه الهيثمي في (المجمع) (9/376) للكبير أيضاً. وهذا كله أعظم ما يكون من الفضل للأنصار رضي الله عنهم أجمعين، فهو مستلزم محبة الله ومحبة رسوله أيضاً لمن أحبهم، وبالعكس بغض الله وبغض رسوله لمن أبغضهم، بينما الحديث الذي فيه ذكر عليّ رضي الله عنه فيه محبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقط لمن أحبه وإن كان يتضمن محبة الله له أيضاً لكنه يبقى دون التصريح به كما لا يخفى، وبالعكس لمن أبغضه . ومثل حديث عليّ رضي الله عنه هذا روي الحديث بشأن عمر(65/15)
رضي الله عنه، عند ابن عساكر في (تهذيب تاريخ دمشق) (4/487) ولفظه: (من أحبّ عمر فقد أحبّني. . .).
وقول عليّ رضي الله عنه الذي ذكره عبد الحسين هذا: (والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلّى الله عليه وسلّم إليّ: أن لا يحبّني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق) أخرجه مسلم في (صحيحه) (78)- واللفظ له- والإمام أحمد (1/84، 95، 128)، والترمذي (4/332)، والنّسائي (8/115-116، 117) والحميدي في (المسند) (58)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (12/57)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (14/426) عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه . وهو مثل ما سبقه في عدم انفراد عليّ رضي الله عنه به، بل جاء مثله نصاً في الأنصار رضي الله عنهم وهو ما ترجم به الباب مسلم في (الصحيح) (باب 33) فقال: (باب الدليل على أن حب الأنصار وعليّ رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق) ثم ساق أحاديث الأنصار وأتبعها بحديث عليّ هذا، وكل هذا ينبغي لعبد الحسين أن يكون قد رآه وقرأه لكنه أخفاه كما هي عادته . فقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال عن الأنصار أيضاً: (لا يحبّهم إلاّ مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق) أخرجه من حديث البراء رضي الله عنه الإمام أحمد (4/283، 292) . والبخاري (5/39-40) ومسلم (75)، والترمذي (4/369)، والخطيب في (التاريخ) (2/241) . بل قد جعل حبهم علامة الإيمان وآيته، وبغضهم علامة النفاق وآيته، وهو ما لم يكن لغيرهم فقال صلّى الله عليه وسلّم: (آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار) أخرجه من حديث أنس رضي الله عنه الإمام أحمد (3/130، 134، 249)، والبخاري (1/11) (5/40)، ومسلّم (74)، والنّسائي (8/116) .(65/16)
وكل هذا يبين بطلان اختصاص عليّ رضي الله عنه بمثل هذا الفضل، بل شاركه فيها جميع الأنصار، وكذا غيرهم، وإذا تقرر هذا لم يكن في جميع هذه الأحاديث مع صحتها أي دليل على أفضلية عليّ كما يريد عبد الحسين هذا . بل قصارى ما فيها دليل على فضله لا أفضليته رضي الله عنه.
حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: (يا عليّ أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله ن وعدوّك عدوّي وعدوّي عدوّ الله والويل لمن أبغضك من بعدي).
أخرجه الحاكم (3/127-128)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (4/41) من طرق عن أبي الأزهر، ثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس . وقد تقدم ذكره والكلام عليه مفصلاً في (ص309-311) وبينا ما فيه من العلة التي تبين وضعه وكذبه، وقد ردّ الذهبي- جزاه الله خيراً- على الحاكم تصحيحه بقوله: (قلت: هذا وإن كان رواته ثقات فهو منكر ليس ببعيد من الوضع . .).
لكن في قصة يحيى بن معين مع هذا الحديث وراويه أبو الأزهر التي ساقها عبد الحسين هذا في الهامش (18/191-192) تحريف وتلفيق مقصود من قبل هذا الرافضي عبد الحسين، شأنه شأن من اختلق هذا الحديث من الرافضة، وغالب الظن هو ابن أخي معمر فهو رافضي وكان يدخل في كتب عمّه معمر ما ليس من حديثه، وقد ذكرنا ذلك قبل (ص310) . ففي الثابت عن ابن معين كما رواه الخطيب في (التاريخ)، ونقله أيضاً الحافظ في (التهذيب) وذكرناه في صفحة (309-310) أنه قال: (من هذا الكذاب النيسابوري الذي حدّث عن عبد الرزاق بهذا الحديث؟) وهو كذلك عند الحاكم (3/128) لكنها في هامش (المراجعات) هنا، (من هذا الكتاب . . .) وهو تحريف مقصود ! وقد دققته مع ثلاث نسخٍ أخرى للمراجعات فوجدته كذلك أيضاً، وواضح أن القول الثابت عن ابن معين فيه تكذيب صريح لهذا الحديث وهو ما لاحظ عبد الحسين هذا فعمد إلى تغييره.(65/17)
وهناك موضع آخر في هامش (المراجعات) حصل فيه اقتطاع مخلّ وفاحش ففي آخر هذه القصة قول ابن معين لأبي الأزهر: (أما إنك لست بكذاب، وتعجب من سلامته وقال: الذنب لغيرك في هذا الحديث) فهذا تأكيد ابن معين على كذب الحديث، وأنه بعد معرفته لصدق الراوي عن عبد الرزاق لم يتغيّر حكمه بوضع هذا الحديث وكذبه، في حين اكتفى هذا الموسوي في لفظ القصة التي ساقها بقوله: (فصدقه يحيى بن معين واعتذر إليه) موهماً تصديق ابن معين لهذا الحديث وتصحيحه له، وهذا كله ما نبّهنا عليه في صفحة (311) مما فيه من المغالطة والغش في هامشه هذا.
ثم حاول عبد الحسين هذا في ما تبقى من هامشه الإشعار بأن الذهبي وحده قد انفرد بتكذيب هذا الحديث ورده دون شيءٍ قادح- زعم- وهذا باطل من وجهين:
الأول: بيان عدم انفراد الذهبي بتكذيب هذا الحديث، فقد سبقه إلى ذلك ابن معين، وأبو حامد الشرقي، وابن عدي، وابن الجوزي، وهؤلاء كلهم نقلنا قولهم سابقاً وموضعه في صفحة (310)، إضافة لمن حكى وضع هذا الحديث وكذبه عن هؤلاء الأئمة وأقرهم عليه مثل الخطيب البغدادي والحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (1/12)، وابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/398)، وكذا الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/133) فقد ذكر هذا الحديث بلفظ قريب من هذا وعزاه للطبراني في (الأوسط) ثم أشار إلى علته في ابن أخي معمر الرافضي، فاتضح بحمد الله عدم انفراد الذهبي بتكذيبه، بل انفرد الحاكم بتصحيحه وقبوله.(65/18)
الثاني: بيان علة الحديث التي أوجبت وضعه وكذبه والتي لم يفهمهما عبد الحسين هذا، ولن يفهمهما أصحابه. فكما هو معلوم وثابت عند أهل العلم لا يكفي لثبوت صحة الحديث اتصال سنده ووثاقة رواته، بل يجب أيضاً خلوص الحديث من أي شذوذ أو علة، وهذا ما لم يتيسر لهذا الحديث، ففيه علة قادحة تتلخص في ابن أخي معمر الرافضي، وكان معمر- وهو شيخ عبد الرزاق هنا- يمكنه من كتبه فيدخل فيها ما ليس منها، ومنها هذا الحديث، وهذا ما ذكره الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)، والحافظ في (تهذيب التهذيب)، والذهبي في (الميزان) كلهم في ترجمة أبي الأزهر أحمد بن الأزهر الراوي عن عبد الرزاق، وهو السبب الذي دعا عبد الرزاق لأن يحدث بهذا الحديث سراً لا كما زعمه عبد الحسين هذا في هامشه، وهانحن نؤيد قولنا بما نقلناه عن أهل هذا الشأن بخلافه هو، ويمكن أن نضيف لهذه العلة ما يقويها أو يكون علة أخرى، وهي ما عند عبد الرزاق هذا من المناكير التي حدث بها بعد ما كبر وعمي في آخر عمره – انظر تفصيل حاله ضمن الرواة المئة (رقم 53) – وأحمد بن الأزهر أبو الأزهر هذا ممن روى عن عبد الرزاق بآخره لما بينهما من فارق كبير في الوفيات.(65/19)
لكن أقول: مع كل سبق ليس في هذا الحديث- على فرض صحته- أي اختصاص لعليّ بالفضيلة بل شأنه ما تقدم من الأحاديث في اشتراك عليّ مع غيره من الصحابة في مثل هذه الفضائل، وهو ما صرح به ابن الجوزي في (العلل) (2/218) بقوله: (موضوع ومعناه صحيح، فالويل لمن تكلف بوضعه إذ لا فائدة في ذلك) إ. ه ونحوه قول الذهبي في (الميزان) (2/613) وقد تقدم في (ص310) . وأما قصة مالك بن دينار مع أنّ جبير في سؤاله عن حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلّم- عند الحاكم (3/137)- فهي لا تصح، ففي الإسناد أحمد بن جعفر القطيعي، وقد تغير حفظه واختلط، وفيه أيضاً سيار بن حاتم، قال الحافظ: صدوق له أوهام . ثم في الإسناد أيضاً جعفر بن سليمان الضبعي وهو صدوق لكنه شيعي فلا يقبل تفرده في مثل هذا الحديث كما مر في (ص429-430) مع ذلك ففي القصة أن سعيد بن جبير إنما خاف من الحجاج لا من غيره وأنه حين ذهب إلى مكة للحج فلقيه هناك مرة أخرى مالك بن دينار فسأله أجابه حينها، وهذا ما هو متحقق لعبد الرزاق تماماً إذ كان هو في صنعاء بعيداًً عن الحجاج وأمثاله، بل كان في ديار يكثر فيها التشيع فبطل بذلك جواب هذا الرافضي واعتراضه، وبقي اعتراض الحافظ الذهبي قائماً ولله الحمد . .
حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: (يا عليّ طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك). أخرجه الحاكم (3/135)، والطبراني في (الأوسط) _ (مجمع الزوائد) (9/132)- والخطيب في (تاريخ بغداد) (9/72) من طريق سعيد بن محمد الوراق عن عليّ بن الحزور، قال سمعت أبا مريم الثقفي يقول سمعت عمار بن ياسر. قال الحاكم: صحيح الإسناد، فرده الذهبي بقوله: (قلت: بل سعيد وعليّ متروكان) قلت: وهو حديث باطل، مطعون في رجاله الثلاثة هؤلاء ابي مريم الثقفي فمن دونه وإليك البيان:(65/20)
أبو مريم الثقفي هذا هو غير قيس المدائني أبي مريم الثقة، أما صاحبنا هذا فهو الذي يروي عن عمار وهو مجهول كما الدارقطني، والحافظ في (التقريب) أيضاً.
علي بن الحزور، قال النّسائي والحافظ في (التقريب) وغيرهما: متروك، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن معين: لا يحل لأحد أن يروي عنه . وبه أعل الحديث الهيثمي في (المجمع) (9/132) . وساق الذهبي في ترجمته من (الميزان) حديثه هذا فقال: وهذا باطل.
سعيد بن محمد الوراق، قال الدارقطني وغيره: متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن سعد وأبو داود والحافظ في (التقريب): ضعيف.
وقد كذب هذا الحديث ورده أيضاً ابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1/242).
، 23-، 24-، 25- تقدمت جميع هذه الأحاديث في (المراجعة العاشرة) وقد تكلمنا عليها بالتفصيل ولله الحمد، وبيّنا هناك كذبها ووضعها (ص59-64) من كتابنا هذا، وأرقام فقراتها هناك حسب تسلسلها هنا (3، 4، 1، 2) فراجعه ففيه التفصيل، وأحسن منه تفصيل المحدث الشيخ الألباني في (الضعيفة) (رقم 892، 893، 894) لثلاثة من هذه الأحاديث.(65/21)
حديث عمار بن ياسر وأبي أيوب رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: (يا عمار إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع عليّ ودع الناس، أنه لن يدلك على ردي ولن يخرجك من الهدى) . ذكره المتقي الهندي في (كنز العمال) (32972) وعزاه للديلمي، وهذا العزو كافٍ في رده وتضعيفه كما قال المتقي نفسه في (الكنز) (1/10) ونقلناه عنه في صفحة (382)، وهذا الحديث مما انفرد به الديلمي في (مسنده)، ومعلوم أن ما انفرد به فيه نظر إن لم يكن ضعيفاً أو موضوعاً- أنظر (مسند الفردوس) (1/28)- مع أني قد بحثت عنه في مسند الديلمي المسمى (بالفردوس) لم أجد له أثراً، والله أعلم. وحديث أبي أيوب عند الخطيب (13/186-187) وسيأتي الكلام عليه وبيان أنه موضوع في 0 (ص543-544) فلا يصح هذا الحديث ولا يثبت، وحتى على فرض صحته فقصارى ما فيه أن يكون قد حصل لعليّ رضي الله عنه فضل، ثبت مثله أو أعظم لغيره، وهو ما ذكره النبي صلّى الله عليه وسلم بنفسه للأنصار فقال: (لو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها) أخرجه من حديث أنس الإمام أحمد (3/169، 249، 275)، والبخاري (5/201، 202، 203)، ومسلم (2/ 735، 736) وغيرهم، وهو في الصحيحين أيضاً وغيرهما من أحاديث آخرين من الصحابة كأبي هريرة وعبد الله بن زيد وأٌبيّ بن كعب وأبي سعيد الخدري وأبي قتادة وغيرهم. وكما أن حديث الأنصار هذا لا يعني أنه صلى الله عليه وسلم يتبع الأنصار لأنه هو المتبوع المطاع لا غيره صلّى الله عليه وسلّم وإنما عنى حسن موافقته إيّاهم وترجيحهم على غيرهم في ذلك، فكذلك الحديث الذي فيه ذكر عليّ لا يختلف عنه لا باللفظ ولا بالمعنى وهذا على فرض صحته وثبوته، كيف وقد تقدم أنه غير صحيح ولا ثابت، بل هو ضعيف مردود؟ وكما سيأتي خلال الكلام على الحديث رقم (39) .(65/22)
حديث أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (كفى وكف عليّ في العدل سواء) . نقله عبد الحسين هذا من (كنز العمال) وأشار إليه فقط دون أن ينقل تخريج صاحب (الكنز) له لما فيه من فضيحة كذب هذا الحديث ووضعه، فقد عزاه في (الكنز) (32921) لإبن الجوزي في (الواهيات) وهو تخريج كافٍ لبيان وضعه وكذبه، وأظنه يعني بالواهيات (العلل المتناهية)، إذ أخرج ابن الجوزي في (العلل) (1/509) هذا الحديث وحكم بضعفه، وكتابه هذا هو (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية) . وصنيع عبد الحسين هذا يدل- بوصفه إماماً عند الرافضة- على ما يمتاز به أمثاله من الروافض من الغش والخيانة والخديعة حتى في مثل كتاباتهم هذه، فحسبنا الله ونعم الوكيل فنحن لسنا مع قوم لا يفقهون فحسب بل ويغشّون ويخونون ويكذبون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وهذا الحديث رواه الديلمي أيضاً في مسنده (الفردوس) (8283) بلفظ: (يا أبا بكر كفي وكف. . .) لكنه لم يسق له إسناداً، فهو شبه الريح. ثم وجدت الخطيب قد أخرجه باللفظ الأول في (تاريخ بغداد) (5/37) عن محمد بن طلحة بن محمد النّعالي عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن صالح التمّار، ثنا محمد بن مسلم ابن وارة، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي ابن جنادة عن أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، في قصة هذا الحديث، ومن طريق الخطيب هذا أخرجه أيضاً الذهبي في (الميزان) (1/146) في ترجمة أحمد بن محمد بن صالح التمار، وعدّه آفة هذا الحديث الموضوع فقال: (فذكر خبراً موضوعاً، فهو آفته) ثم ساق هذا الحديث، وفيه علة أخرى، فشيخ الخطيب البغدادي وهو محمد بن طلحة النعّالي رافضي، قال الخطيب: كتبت عنه وكان رافضياً- انظر (الميزان) (3/588)- فمثله لا يقبل خبره في هذا واشباهه.(65/23)
هذا فضلاً عن ما في إسناده من إختلاط أبي إسحاق- وهو السبيعي- وتغيره، لكنه ليس العلة القادحة هنا.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة: (يا فاطمة أما ترضين أنّ الله أطلع إلى أهل الأرض فاختار منهم رجلين، فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك). أخرجه الحاكم (3/129) . وروي أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عند الطبراني في (الكبير) (11154)- (و انظر مجمع الزوائد) (9/112)-، والخطيب في (تاريخ بغداد) (4/195، 196) . وقد تقدم ذكره والكلام عليه مفصلاً في ترجمة عبد الرزاق ضمن الرواة المئة (ص311-313)، وسقنا له هناك أربعة طرق مما يتعلق بعبد الرزاق- صاحب الترجمة- أو بحديث أبي هريرة هذا عند الحاكم، وبيّنا أنه موضوع في جميع طرقه فلم يرو إلاّ من طريق كذّاب أو متهم بالكذب أو ضعيف ساقط.
وقول عبد الحسين هذا في الهامش (24/193): (ورواه كثير من أصحاب السنن وصحّحوه) كذب بيّن فليس هو عند أحد من أصحاب السنن لا الأربعة ولا غيرها، ثم أنه لم يصححه أحد سوى الحاكم الذي هو نفسه قد اتهم راويه بالكذب وهو شيخه أبو بكر بن أبي دارم- انظر صفحة (311)- مما يبين وهمه رحمه الله، مع أنه قد رد هذا الحديث بالحكم بكذبه ووضعه أو بالضعف المردود ابن الجوزي والذهبي والهيثمي وابن عراق الكناني وغيرهم فيما نقلناه عنهم في صفحة (313).
وبالإضافة إلى الطرق الأربعة لهذا الحديث عن أبي هريرة وابن عباس المتقدمة، هناك طريقان آخران.(65/24)
الأول: من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في (الكبير) (4046، 4047) من طريقين عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن أبي أيوب، وهذا إسناد ساقط بمرة، فعباية هذا من غلاة الشيعة، وفي (تنزيه الشريعة) (1/396): (شيعي غالٍ ملحد) . وقيس بن الربيع ضعيف لسوء حفظه، وقد ابتلى بابن سوء كان يدخل عليه ما ليس من حديثه- كما قال ابن حبّان وغيره، انظر (الميزان) و(التهذيب)- وقد روى عن قيس من طريقين- كما أسلفنا- في أحدهما حسين الأشقر وهو رافضي، قال البخاري: فيه نظر، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقد اتهمه ابن عدي وكذبه أبو معمر الهذلي. وفي الطريق الآخر يحيى بن عبد الحميد الحمّاني وهو متهم بسرقة الحديث على أنه شيعي بغيض كما قال الذهبي. وقد رواه عنه في هذا الإسناد محمد بن عثمان بن أبي شيبة وهو متكلم فيه.
الثاني: من حديث عليّ المكي الهلالي، أخرجه الطبراني أيضاً في (الكبير) (2675)، وعزاه الهيثمي في (مجمع الزوائد) (8/253) (9/166) للأوسط أيضاً، ومن طريق الطبراني رواه أبو نعيم الأصفهاني في (صفة المهدي)- انظر (عقد الدرر) (رقم 248)، (الميزان) (4/320)- وهو باطل موضوع، والمتهم به الهيثم بن حبيب راويه عن ابن عيينة، كما في ترجمته من (الميزان)، ونحوه في (المغني) (2/716)، وبه أعلّ الحديث ورده الهيثمي أيضاً في (المجمع)، وقد تفرد الهيثم هذا برواية هذا الحديث عن ابن عيينة، كما في (مجمع البحرين) (427) وأقر بوضعه ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/403-404) .
فهذه ستة طرق عن أربعة من الصحابي في هذا الحديث لا يسلم أي طريق منها من راوٍ كذاب أو متهم به أو ضعيف جداً ساقط، فأنّى له الصحة والثبوت؟(65/25)
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (أنا المنذر وعليّ الهادي، وبك يا عليّ يهتدون) . ذكره في (كنز العمال) (33012) وعزاه للديلمي، وهو في (مسند الفردوس) (103) لكنه بلفظ، (أنا النذير وعليّ الهادي. . .) وأخرجه أيضاً الطبري في (تفسيره) (13/63) وقد تقدم الكلام عليه مفصلاً في صفحة (116-119) وبيّنا كذبه ووضعه- والحمد لله- من جهة إسناده ومتنه كذلك، فراجعه ففيه القول الفصل إن شاء الله.
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد غيري وغيرك) . أخرجه الترمذي (4/330)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (7/66)، وابن عساكر كذلك- (البداية والنهاية) (7/343)- وقد تقدم الكلام عليه مفصلاً وعلى حديثي أم سلمة وسعد المشار إليهما من قبل عبد الحسين هذا وعلى غيرها كذلك من الأحاديث في هذا الباب في صفحة (417-423) من كتابنا هذا، وبيّنا ضعفها جميعاً وسقوطها عن الإحتجاج، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (أنا وهذا- يعني عليّاً- حجة على أمتي يوم القيامة) . ذكره في (كنز العمال) (33013) وعزاه للخطيب في (تاريخه)، وقد أخرجه الخطيب البغدادي (2/88)، وعزاه للخطيب أيضاً ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/360). وساقه الذهبي أيضاً في (الميزان) (4/127، 128) من طريقين عن عبيد الله بن موسى عن مطر عن أنس . وهو حديث باطل موضوع، والمتهم به مطر وهو ابن ميمون المحاربي ويقال له مطر بن أبي مطر، قال البخاري وأبو حاتم والنّسائي: منكر الحديث، وكذا قال الساجي، واتهمه ابن عدي. وقد اتهمه بهذا الحديث خصوصاً الذهبي في (الميزان) وأقرّه ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) وغيره.(65/26)
وساق له الذهبي في (الميزان) عدداً من الأحاديث الباطلة منها حديثنا هذا، ثم قال: (قلت: المتهم بهذا وما قبله مطر، فإن عبيد الله ثقة شيعي، ولكنه أثم برواية هذا الإفك)إ. ه. قلت: , عبيد الله بن موسى هذا هو الراوي عن مطر أيضاً في هذا الحديث وهو من رجال البخاري وهو ثقة كما قال الذهبي لكنه كان يتشيع- وقد ذكرنا حاله ضمن الرواة المئة (رقم 55)- وهذا الحديث مما يقوي بدعته، وهو دليل على صحة ما تقرر في (المصطلح) من عدم الإحتجاج برواية المبتدع- وإن كان ثقة- فيما يدخل في بدعته ويقويها، وليس هذا تكذيباً له في روايته لكنّه بسبب بدعته هذه يتساهل بما لا مثيل له في رواية هذه الأحاديث ونقلها. تلك الأحاديث التي تدخل في بدعته وتقويها، ويتغاضى عن التثبت في حال من يرويها، وخير مثال على هذا رواية عبيد الله بن موسى الثقة الشيعي هذا عن مطر بن ميمون مثل هذه الأحاديث البواطيل. لذا عقب الذهبي بما سبق نقله: (. . . فإن عبيد الله ثقة شيعي، ولكنه أثم برواية هذا الإفك) . وراجع شأن رواية أحاديث أصحاب البدع والأهواء في (ص249-250) من كتابنا هذا.
وقد حكم بوضع هذا الحديث الذهبي وغيره، وأقر بوضعه وكذبه السيوطي في (اللآلئ المصنوعة) (1/366) على تساهله، وابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/360)، والشوكاني في (الفوائد المجموعة) (ص373) على ما عنده من ميل نحو التشيع.
وقد روى هذا الحديث أيضاً أبو بكر بن المقرئ في (معجمه)، ونقله عنه الذهبي في (الميزان) (3/76) من طريق عبيد الله بن موسى عن عطاء بن ميمون عن أنس، ولفظه: (أنا وعليّ حجة الله على عباده. وهو موضوع أيضاً، وعطاء بن ميمون هذا أظنه وهو الصواب مطر بن ميمون نفسه في الإسناد السابق، وإلاّ فهو آخر مجهول نكرة لا يُعرف، كما قال الذهبي: (عطاء بن ميمون عن أنس لا يعرف، وخبره منكر) ثم ساق هذا الحديث.(65/27)
وبعد أن بيّنا وضع هذا الحديث وكذبه، تبين لك سفاهة قول هذا الموسوي- عبد الحسين- وحماقته حين عقب على الحديث فقال: (و بماذا يكون أبو الحسن حجة كالنبي لولا أنه وليّ عهده، وصاحب الأمر من بعده).
ورغماً عن أنوف هؤلاء الرافضة البغيضين كان أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه وليّ عهد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بحق وصاحب الأمر من بعده بلا منازع.
حديث جابر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مكتوب على باب الجنة لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، عليّ أخو رسول الله). أخرجه الطبراني في (الأوسط)- (المجمع) (9/111)- وأبو نعيم في (الحلية) (7/256)، والخطيب في (التاريخ) (6/387)، وابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1/235)، وابن عساكر أيضاً- (كنز العمال) (36435)- وهو حديث موضوع كذب سبق تفصيل الكلام عليه بما لا يدع ريبة إن شاء الله في صفحة (407-410)، فراجعه ولا تغترن بجعجعة عبد الحسين هذا في الهامش (29/194).(65/28)
حديث أبي الحمراء، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (لمّا أسري بي إلى السماء، دخلت الجنة فرأيت في ساق العرش الأيمن مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، أيدته بعليّ ونصرته). أخرجه الطبراني في (الكبير)- (مجمع الزوائد) (9/121)- وقال الهيثمي: (و فيه عمرو بن ثابت وهو متروك) . قلت: وهو ابن أبي المقدام بن هرمز الكوفي، وقد تركه النّسائي وغيره، وقال أبو داود: رافضي خبيث، وقال ابن حبّان: يروي الموضوعات. قلت: وهذا والله منها. وله إسناد آخر أوهى من هذا فيه عمار بن مطر وهو ضعيف هالك وكذبه غير واحد، وفيه أيضاً أبو حمزة الثمالي وهو رافضي غير ثقة، وقد تقدم ضمن الرواة المئة (رقم 11) ومن هذا الإسناد أخرجه ابن عساكر في (تهذيب تاريخ دمشق) (5/170) بلفظ: (رأيت ليلة أُسري بي مثبتاً على ساق العرش: أني أنا الله لا إله غير، خلقت جنة عدن بيدي، محمد صفوتي من خلقي، أيدته بعليّ، نصرته بعليّ) . وقد عزاه في (الكنز) (33040) لإبن الجوزي في الواهيات أيضاً وهو ما أخفاه عمداً هذا الرافضي عبد الحسين لوضوح بطلانه وكذبه في هذا التخريج والعزو. وهو عند ابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1/234), وأخرجه أيضاً أبو نعيم في (الحلية) (3/27), وهو مكذوب أيضاً، في إسناده أحمد بن الحسن الكوفي, قال الدارقطني وغيره: متروك, وقال ابن حبّان: كذّاب وضّاع. وفي إسناده أيضاً رجال مجاهيل لم أعرفهم والله أعلم.(65/29)
ثم رأيت الحديث بلفظ: (لمّا عُرِجَ بي، رأيت على ساق العرش مكتوباً. .) أخرجه ابن عدي في ترجمة الحسين بن إبراهيم البابي من (الكامل)- ونقله عنه الذهبي في (الميزان) (1/530)- ومن طريق ابن عدي، أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) (11/173), من حديث أنس رضي الله عنه . وهو باطل موضوع أيضاً , الحسين هذا مجهول نكرة لا يُعرف , وكذا الراوي عنه عيسى بن محمد بن عبيد الله مجهول أيضاً. وقد كذب هذا الحديث ابن عدي والذهبي وابن حجر في (اللسان) , وتبعهم ابن عراق الكناني في (التنزيه) (1/401) . وقد روي أيضاً من قول أبي هريرة رضي الله عنه موقوفاً عليه من طريق العباس بن بكار الضبي عن خالد بن أبي عمرو الأزدي عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة. ساقه هكذا الذهبي في (الميزان) (2/382) في ترجمة العباس بن بكار, وهو كذاب كما قال الدارقطني, وشيخه خالد لم أعرفه ومن فوقه الكلبي هو محمد بن السائب وهو متهم بالكذب, كما تقدم غير مرة.
وقد ذكر هذا الحديث في الموضوعات المكذوبات السيوطي في (اللآلئ المصنوعة) (1/323) رغم تساهله المعهود, وتبعه ابن عراق في 0تنزيه الشريعة) (1/401، 402)، وقد تقدمت الإشارة إلى من كذّبه من الحفاظ كابن عدي والذهبي وابن حجر، وكذا كذبه شيخ الإسلام ابن تيمية في (المنهاج)- (المنتقى) (ص470-471)- , وغيرهم.(65/30)
هذا بالنسبة لإسناد الحديث , أما متنه ولفظه فواضح البطلان لمخالفته قوله تعالى: {هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم} فهو صريح بأن التأييد كان بجميع المؤمنين- مهاجرين وأنصار- لا بواحد منهم فقط، يدل عليه مجيء الآية بلفظ الجمع، وقوله أيضاً { وألّف بين قلوبهم } . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة): (فهذا نص في عدد مؤلف بين قلوبهم فصرفه إلى واحد تحريف وتبديل، ثم من المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان قيام دينه وتأييده بمجرد موافقة عليّ، بل ولا بأبي بكر، ولكن بالمهاجرين والأنصار) إ. ه. انظر (مختصر المنهاج) (ص471).(65/31)
حديث أبي الحمراء، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى يحيى بن زكريا في زهده وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى عليّ ابن أبي طالب). عزاه هذا الرافضي عبد الحسين إلى البيهقي في صحيحه (!!!) وإلى مسند الإمام أحمد بن حنبل, نقلاً من سلفه الرافضي المعتزلي ابن أبي الحديد, وهو كذب أما منه أو من سلفه هذا فليس هذا الحديث عند الإمام أحمد ولا في المسند ولا في غيره, ولا هو عند البيهقي أيضاً , والريبة عليه بادية من طريقة تخريجه وعزوه, إذ لم يشر إلى أي موضع له في (المسند) ولا عند البيهقي, بل اعتمد قول إخوان الشياطين هؤلاء من الرافضة والمعتزلة , وصدق الله العظيم إذ يقول {و إخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون} . وهذا الحديث ذكره السيوطي في (اللآلئ المصنوعة} (1/355) وعزاه للحاكم، وتبعه ابن عراق الكناني في (التنزيه) (1/385) ولم أتمكن من معرفة موضعه من (المستدرك) لكن قد استغنينا عنه بحمد الله إذ ساق إسناده السيوطي وهو من طريق محمد بن أحمد بن سعيد الرازي ثنا ابن وارة ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبو عمر الأزدي عن ابي راشد الحبراني عن أبي الحمراء. قال ابن كثير: (و هذا منكر جداً ولا يصح إسناده), كما في (البداية والنهاية) (7/356) قلت: وهو موضوع, محمد ابن أحمد بن سعيد الرازي اتهمه الذهبي فقال في (الميزان): (لا أعرفه لكن أتى بخبر باطل هو آفته) . ثم ذكر خبراً موقوفاً على عليّ . وأبو عمر الأزدي هذا متروك، كما في (تنزيه الشريعة) (1/385) وعبيد الله بن موسى الراوي عنه وإن كان ثقة في نفسه لكنه شيعي, فلا يؤمن في مثل هذا الحديث , وقد مر قريباً في الحديث (31) . وحديث ابن عباس الذي أشار إليه هذا الرافضي عبد الحسين في الهامش (31/194) عند ابن بطة قد ساق إسناده الحافظ الذهبي في (الميزان) (4/99)- وهو في (تنزيه الشّريعة) (1/358) كذلك- من(65/32)
طريق أبي ذر أحمد بن الباغندي, أخبرنا أبي, عن مسعر بن يحيى النهدي, ثنا شريك عن أبي إسحاق عن أبيه عن ابن عباس وهو أوهى من سابقه فيه أربع علل: -
الأولى: أبو إسحاق هذا هو السبيعي وهو معروف واسمه عمرو بن عبد الله، ولكن أباه عبد الله هذا الراوي عن ابن عباس في هذا الإسناد نكرة لا يُعرف ولم أجد أحداً ترجمه.
الثانية: شريك القاضي ثقة في نفسه لكنه سيء الحفظ جداً مع تغيره في كبره.
الثالثة: مسعر بن يحيى النهدي مجهول لا يُعرف أيضاً كما قال الذهبي, وقال عن حديثه هذا خبر منكر.
الرابعة: الراوي عن مسعر , وهو محمد بن محمد بن سليمان أبو بكر الباغندي صدوق لكنه خبيث التدليس , كما قال ابن عدي, وقال الدارقطني: (مخلط مدلس , يكتب عن بعض أصحابه، ثم يسقط بينه وبين شيخه ثلاث، وهو كثير الخطأ رحمه الله تعالى).
وبكل ما سبق يتبين أن هذا الحديث لا يصح , بل هو باطل ومنكر , وقد كذبه شيخ الإسلام ابن تيمية في (المنهاج) (3/128) وابن الجوزي في (الموضوعات) (1/370) , وتقدم رد الحافظَين الذهبي وابن كثير للحديث وحكمهما عليه بالنكارة.(65/33)
وأما ما زعمه في الهامش (31/194) من تصريح الإمام الرازي في تفسيره الكبير بقبول هذا الحديث عند الموافق والمخالف وإرساله ذلك إرسال المسلمات فكذب عليه وبهتان مبين، ذلك أن الرازي قد ذكر في تفسيره هذه الآية { . . . فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم . . . }- وهي آية المباهلة- عدة مسائل منها مسألة في استدلال الرافضة بهذه الآية على أفضلية عليّ على سائر الأنبياء ما خلا محمداً صلّى الله عليه وسلّم، فقال الرازي (8/81): (كان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي، وكان معلم الأثني عشرية، وكان يزعم أن علياً رضي الله عنه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد عليه السلام. . .) ثم نقل الرازي قول هذا الرافضي فقال: (. . . ثم قال- أي الرافضي-: ويؤيد الاستدلال بهذه الآية الحديث المقبول عند الموافق والمخالف، وهو قوله عليه السلام: من أراد أن يرى آدم في علمه. . .) إ. ه. قلت: فهو إذاً ليس من قول الرازي بل من قول هذا الرافضي الدجال محمود بن الحسن الحمصي. فانظر إلى صنائع هؤلاء الرافضة الدجالين في الكذب والغش والتدليس، الذي من كثرته عندهم أمكننا جمع ثلاثة من رؤوسهم وأئمتهم في هذه الفقرة البسيطة قد امتهنوا الكذب والدجل، وهم ابن أبي الحديد في زعمه وجود هذا الحديث في مسند الإمام أحمد، وعبد الحسين صاحب (المراجعات) هذا، ومحمود بن الحسن الحمصي الذي ذكره وضلاله المبين الرازي في تفسيره، والله المستعان على ما يصفون.(65/34)
وحتى لا تبقى أية حجة في هذا الحديث للرافضة هؤلاء نذكر طريقين آخرين له, ذكرهما السيوطي في (اللآلئ) (1/355-356) وعنه نقلهما ابن عراق الكناني في (التنزيه) (1/385) . أحدهما من حديث أبي الحمراء أيضاً عند الديلمي بإسناد رجاله لا يعرفون وليس لهم ذكر في التراجم, إلى عبيد الله بن موسى, ثنا العلاء عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي داود مقنع- كذا هو , والصواب: نفيع, والله أعلم- عن أبي الحمراء وهو باطل أيضاً فأبو داود مقنع هذا لا يُعرف وليس له ذكر أبداً, وأظن الصواب أنه نفيع بن الحارث أبو داود الأعمى، فإن هذا له رواية عن أبي الحمراء وروى عنه أبو إسحاق السبيعي، كما في ترجمته من (التهذيب), وهو الأمر الحاصل هنا تماماً، فإن كان هو فإنه متروك وقد كذبه ابن معين والساجي, انظر ترجمته ضمن الرواة المئة (رقم 88) . وإلاّ فهو آخر مجهول لا يُعرف , هذا بالإضافة إلى من أشرنا إليهم من المجاهيل.
والطريق الأخرى من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, عند ابن شاهين في (السنة)، وهو موضوع أيضا فإنه من رواية أبي هارون العبدي عن أبي سعيد . وأبو هارون هذا اسمه عمارة بن جوين, وهو كذّاب, كذبه حماد بن زيد والجوزجاني, وقال صالح بن محمد أبو عليّ: أكذب من فرعون, وقال شعبة: لئن أقدّم فتضرب عنقي أحب إليّ من أن أحدث عنه, وقال النسائي وغيره: متروك.
وآخر ما عندنا في هذا الحديث هو التنبيه على ما ختم به هذا الرافضي عبد الحسين هامشه بقوله: (وممن اعترف بأن عليّاً هو الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين شيخ العرفاء محي الدين بن العربي , فيما نقله عنه العارف الشعراني في المبحث (32) من كتاب (اليواقيت والجواهر) (ص172)) إ. ه.(65/35)
قلت: هذه إشارة منه إلى بعض ما عند محي الدين ابن عربي هذا من الضلالات التي ملأ بها كتبه مثل (فصوص الحكم) و(الفتوحات المكية), والتي وافقت هوى هذا الرافضي عبد الحسين وضلاله , فإن ابن عربي هذا كان يقول إن الأولياء أفضل من الأنبياء وأن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، ولأن عليّاً ليس نبيّاً بل هو وليّ, فكان أفضل من الأنبياء، واحتج بهذا الحديث على مطلوبه الفاسد الضال هذا، فوافق ذلك ما يقوله غلاة الروافض من أفضلية عليّ على سائر الأنبياء , كما نقله الرازي- قريباً- عن محمود بن الحسن الحمصي , بل ذهبوا إلى أفضلية عليّ حتى على محمد صلّى الله عليه وسلّم , كما نقلناه عنهم بما لا يدع ريبة في ذلك من كتبهم الأصول في صفحة (443-444) فراجع, وهؤلاء كلهم إخوان الضلالة, إخوان الشياطين, يحتج بعضهم بكلام بعض ويزيّن بعضهم لبعض ضلالهم وكفرهم , وصدق الله العظيم إذ يقول: {و كذلك جعلنا لكل نبيّ عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذره وما يفترون} ثم بين من هم الذي يستمعون لهم ويستجيبون فقال { ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون}.(65/36)
ومن قول ابن عربي هذا أيضا أن جميع الأنبياء يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يأتي خاتم الأنبياء، وهو يعني بخاتم الأولياء هذا نفسه- ابن عربي- انظر لأقواله هذه (الفتوحات المكية) (2/252) و(فصوص الحكم) (1/63) وقد فصل الرد عليه وأمثاله شيخ الإسلام بان تيمية بكلام متين كما هو معهود عليه، انظر (مجموع الفتاوى) (التصرف) (11/363-372), ومما بيّنه هناك أن أفضل أولياء الله من هذه الأمة هو أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه ومن بعده عمر الفاروق. وانظر ما سوى ذلك من رسائل شيخ الإسلام, مثل (الفرقان بين الحق والباطل) (ص142-144) , و(الحسنة والسيئة) (ص116-117) وغير ذلك.
حديث علي رضي الله عنه، قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: (يا عليّ إن فيك من عيسى مثلاً أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه, وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها), وقال عليّ: ألا إنه يهلك فيّ محبّ مطرئ يفرطني بما ليس فيّ، ومبغض مفترٍ يحمله شنآني على أن يبهتني , ألا وإني لست بنبي ولا يوحى إليّ ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبييّه صلّى الله عليه وسلّم ما استطعت , فما أمرتكم به من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم أو كرهتم، وما أمرتكم بمعصية أنا وغيري فلا طاعة لأحد في معصية الله , إنما الطاعة في المعروف إ. ه. أخرجه الحاكم (3/123) , وعبد الله بن أحمد في (زوائد المسند) (1/160) , وأبو يعلى (1/156) , وابن أبي عاصم في (السنة) (1004) , وابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1/162) كلهم من طريق الحكم بن عبد الملك عن الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ- يقال ناجد- عن عليّ . وهذا إسناده ضعيف، فيه علل:(65/37)
الحكم بن عبد الملك ضعيف كما في (التقريب), وقد ضعفه غير واحد, وبه أعل الحديث الذهبي فرده على تصحيح الحاكم فقال: (الحكم وهّاه ابن معين)، وكذا أعله به الهيثمي في (المجمع) (9/123), والألباني في (تخريج كتاب السنة) (987).
الحارث بن حصيرة فيه كلام يمنع من الإحتجاج بحديثه إذا انفرد خصوصاً في مثل فضائل عليّ، قال الحافظ في (التقريب) (صدوق يخطئ ورمي بالرفض)، وقد تقدم حاله ضمن الرواة المئة (رقم 18) .
ربيعة بن ناجد- أو ناجذ- هذا مجهول كما فصلنا حاله في صفحة (227-228)، قال الذهبي: لا يكاد يُعرف.
وقد تابع الحكم بن عبد الملك في رواية هذا الحديث عن الحارث بن حصيرة بإسناده, محمد بن كثير القرشي الكوفي عند البزار بلفظ مختصر- (مجمع الزوائد) (9/133)- لكن محمداً هذا ليس أحسن حالاً من الحكم، قال البخاري: منكر الحديث , وقال الحافظ في (التقريب): ضعيف. وكذا ضعفه الهيثمي في (المجمع).(65/38)
فيبقى هذا الحديث ضعيفا غير صحيح لكن له شواهد موقوفة على عليّ رضي الله عنه من قوله وهي صحيحة ثابتة, مثل قوله رضي الله عنه: (ليحبني قوم حتى يدخلوا النار فيّ, وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي) أخرجه ابن أبي عاصم في (السنة) (983) وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين . وغير ذلك, وهي وإن كانت موقوفة لكنها كما قال المحدث الشيخ الألباني: (ولكنها في حكم المرفوع لأنه من الغيب الذي لا يُعرف بالرأي). وإذا تقرر صحة هذا فنحن- والله- نفرح به فرحاً شديداً، ونضحك على هذا الرافضي عبد الحسين وأصحابه بإحتجاجهم بمثل هذه الأحاديث , فإنها تدينهم وهي دليل عليهم , وتشهد لأهل السنة ومذهبهم بالصحة والإستقامة , فهم وحدهم الذي يحبون عليّاً رضي الله عنه حباً يستحقه لا يرفعه عن منزلته إلى ما لا يليق به, كما يفعله الروافض هؤلاء أمثال صاحب (المراجعات) هذا , الذين ينطبق عليهم تماماً قوله في الحديث (. . . حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها), وكذلك أهل السنة لا يبغضون عليّاً رضي الله عنه ويحطّون من قدره كما يفعله الخوارج والنواصب الذي ينطبق عليهم تماماً قوله (. . . مبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني) .
فالحديث إذاً في الرد على الروافض- أمثال عبد الحسين هذا- وعلى الخوارج أيضا, ولا نجد هذا الحديث أبداً في كتب الشيعة الأصول , بل هو من رواية أهل السنة أرادوا به إنصاف عليّ رضي الله عنه من مبغضيه وشانئيه , ومن المغالين في محبته كذلك , فهم الوسط دوماً بين الغالى والجافي تحقيقاً لقوله تعالى: { وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً} والوسط كما أنه يعني الخيار والأجود فهو يتضمن الطريق بن المغالي والجافي , إذ لا خير ولا جودة في أين منهما بل بينهما , والله ولي التوفيق.
فعاد هذا الحديث من أدلتنا نحن أهل السنة على عبد الحسين الرافضي هذا وأشباهه, ولله الحمد والمنة.(65/39)
حديث ابن عباس, قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (السبق ثلاثة، فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين، والسابق إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب).
حديث أبي ليلى، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الصدّيقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل (يس) الذي قال: يا قوم اتبعوا المرسلين، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، وعلي بي أبي طالب وهو أفضلهم).
هذا الحديثان تقدم تخريجهما وبيان كذبهما ووضعهما في صفحة (191-196) بما يغني عن إعادته هنا، ولسنا نبتغي إطالة الكلام كما يفعل هذا الرافضي عبد الحسين، لكن بعد أن فصّلنا وضع هذين الحديثين وكذبهما من جهة الإسناد والمتن عززنا ذلك بأقوال أهل العلم في هذا الشأن مثل شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ إبن كثير والعقيلي وحتى السيوطي- رغم تساهله- ومن متأخريهم المحدث الشيخ الألباني . وقد بينا هناك أن أحق هذه الأمة بالسبق وبتسميته صدّيقاً- دون حصر به- هو خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر الصدّيق، وأنه كذلك أولى الأمة بالتشبيه بمؤمن آل فرعون , مع أفضلية أبي بكر عليه , وذلك باعتراف عليّ رضي الله عنه نفسه, فراجع.(65/40)
حديث عليّ رضي الله عنه , قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الأمة ستغدر بك بعدي , وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي , من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا- يعني لحيته من رأسه-) . ذكره الحاكم (3/142-143) معلقاً عن حيّان الأسدي: سمعت عليّاً يقول، وذكره ولم يسق له إسناداً لكن يشهد له ما ساقه بعد ذلك عن عليّ أنه قال: (ان مما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستغدر بك بعدي)، أخرجه الحاكم (3/140)، والبيهقي في (دلائل النبوة) (6/440)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (11/216) من طريق هشيم عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الأودي- أو الأزدي- عن عليّ، وقد ساق إسناد البيهقي الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/325)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وهو كذلك لولا أن أبا إدريس هذا لم أجد أحداً ذكره ولم أعرفه . لكن تابعه في هذا الحديث عن عليّ ثعلبة بن يزيد الحمّاني، عند البيهقي أيضا من طريق آخر لا مطعن فيه سوى أن ثعلبة هذا وإن كان صدوقاً لكنه شيعيّ غلا، وقال البخاري: في حديثه هذا نظر-كما في (الميزان) و(البداية والنهاية) -.(65/41)
وليس في صحة مثل هذه الأحاديث سوى إخبار النبي صلى الله عليه وسلم علياً بما سيحدث له- وهو من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم- تطميناً وبشارة له في عاقبته، وهو نظير إخبار النبي صلّى الله عليه وسلّم عثمان بن عفان رضي الله عنه بما سيحدث له من الفتنة والإبتلاء والقتل وهو مظلوم وغدر من غدر به، بل أكثر من ذلك أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بعدم التخلي عن الخلافة وإمارة المؤمنين إذا ما طلب منه ذلك المنافقون، وأمره بالصبر عليها حتى يلقاه، وذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم (يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك قميصاً فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني) وهو حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد (6/86، 114، 149)، والترمذي (4/322)، وابن ماجة (112)، وابن حبّان (2196)، وابن أبي عاصم (1172، 1173، 1174، 1178، 1179) من طرق عديدة. ومثله قوله رضي الله عنه: (أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ عهداً وأنا صابر عليه)، أخرجه الإمام أحمد (1/ 58، 69)، والترمذي (4/324)، وابن ماجة (113)، والحاكم (3/99)، وابن حبّان (2297)، وابن سعد(3/66)، وابن أبي عاصم (1175، 1176) من طرق عنه رضي الله عنه.(65/42)
وقول ابن عباس الذي ساقه بعد ذلك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: (أما أنك ستلقى بعدي جهداً، قال: في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك)- أخرجه الحاكم (3/140)- لا يدل على أكثر مما قلناه كما لا يخفى، وفيه دليل على بقاء عليّ رضي الله عنه على الإستقامة والسلامة في الدين، وهو مذهب أهل السنة وبه يردون على الخوارج طعنهم بعليّ وإدّعاءهم كفره وضلاله بعد قبّحهم الله. وهو يشبه تماماً قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في حق عثمان رضي الله عنه- لما ذكر الفتن وقربها-: (هذا يومئذ على الهدى) وهو حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد (4/235، 236) (5/33، 35)، والترمذي (4/322)، والحاكم (3/102) عن مرة بن كعب . ورواه أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما الإمام أحمد (2/115)، والترمذي (4/323) وقال فيه صلّى الله عليه وسلّم عن عثمان: (يقتل فيها هذا مظلوماً). وفي رواية قال عنه: (هذا يومئذ على الحق) أخرجه الإمام أحمد (4/242، 243)، وابن ماجة (119)، والطبراني في (الكبير) (19/144، 145) (359، 360، 362)، وأبو يعلى- (البداية والنهاية) (7/210)- عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، وانظر كتاب (السنة) لإبن أبي عاصم (1293، 1294، 1295، 1296، 1297).
وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر فتنة وإختلافاً فقيل: من لنا يا رسول الله؟ قال: (عليكم بالأمين وأصحابه) وهو يشير بذلك إلى عثمان بن عفان، وأخرجه الإمام أحمد (2/345)، قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/209): (و إسناده جيد حسن).
وكل هذا يبين أن ما حصل لعليّ رضي الله عنه في مثل تلك الأحاديث وإن كان فيه فضل له وبشارة لكنه لم يختص به، بل حصل مثله أو أكثر منه لعثمان بن عفان رضي الله عنه كما قدمنا وكذا لغيره من الصحابة مثل عمار وآخرين فبطل بذلك اختصاص عليّ بهذا، والحمد لله ربّ العالمين.(65/43)
حديث أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله) فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: (لا، ولكنه خاصف النعل)- يعني علياً- أخرجه الإمام أحمد (3/33، 82)، والحاكم (3/122-123)، ومن طريقه البيهقي في (دلائل النبوة) (6/435، 436)، وأخرجه أيضا أبو يعلى- (البداية والنهاية) (7/360)، (مجمع الزوائد) (5/186)- وذكره أيضا في (كنز العمال) (32967)، ونحوه عند ابن أبي شيبة في (المصنف) (12/64) , وفي (الكنز) (36351) . وهو حديث صحيح ثابت، وقد أشار إلى طرقه الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/361)، وفيه فضل لعليّ رضي الله عنه، وقد تقدم تخريجه والكلام على معناه ومدلوله في صفحة (464-466)، وبينا هناك أنه إشارة إلى قتاله رضي الله عنه الخوارج، فإنهم هم الذين يقال عنهم متأولين للقرآن، وهو مع هذا أقل فضلاً ومنزلةً من قتال أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه للمرتدين فإنهم من جنس من قاتلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على تنزيل القرآن، وراجع الكلام هناك أيضا على بطلان إطلاق اسم المرتد على من نازع عليّاً في الإمارة.
أما حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه المذكور بعد هذا، ولفظه: (أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين) فهو حديث ضعيف لا يثبت، كل طرقه واهية أو موضوعة كما يأتي:(65/44)
فقد أخرجه الحاكم في (المستدرك) من طريقين ضعيفين جداً، وقد عقب الذهبي عليهما بقوله: (لم يصح، وساقه الحاكم بإسنادين مختلفين إلى أبي أيوب ضعيفين) . قلت: أولهما (3/193) من طريق محمد بن حميد- الرازي- ثنا سلمة بن الفضل ثني أبو زيد الأحول عن عتاب بن ثعلبة- وفي الأصل: عقاب وهو تصحيف- عن أبي أيوب الأنصاري، وهذا واهٍ، محمد بن حميد الرازي على حفظه فهو ضعيف متهم وقد كذّبه بعضهم، وشيخه سلمة بن الفضل ضعيف لسوء حفظه، قال البخاري: في حديثه بعض المناكير، وقال الحافظ في (التقريب): صدوق كثير الخطأ. فهذه علتان، والعلة الثالثة: أبوزيد الأحول هذا لا يعرف، ولم أجد أحداً ذكره .
وهناك علة رابعة وهي شيخه عتاب بن ثعلبة وهو مجهول أيضا ذكره الذهبي في (الميزان) مع حديثه هذا وقال: (و الإسناد مظلم، والمتن منكر).(65/45)
أما الإسناد الثاني عند الحاكم (3/139-140) فهو من طريق محمد بن يونس القرشي، ثنا عبد العزيز بن الخطاب، ثنا عليّ بن غراب بن أبي فاطمة عن الأصبغ بن نباتة عن أبي أيوب . وهو مثل سابقه أو أوهى منه، فمحمد بن يونس القرشي هذا هو المعروف بالكديمي وحاله مثل حال محمد ابن حميد الرازي السابق تماماً، فمع حفظه الواسع فهو متهم بالكذب، وقد كذّبه صراحةً غير واحد كأبي داود- صاحب السنن- وموسىبن هارون والقاسم بن زكريا المطرز، هذه العلة الأولى . والعلة الثانية: عليّ بن غراب ابن أبي فاطمة، والصواب فيه: علي بن أبي فاطمة، وهو علي بن الخزور وإنما قلنا هذا لأنه هو الذي له رواية عن الأصبغ بن نباتة أولاً وهو الذي جزم به في (تنزيه الشريعة) (1/387) ثانياً، وإذا كان كذلك، فهو متروك شديد التشيع، كما الحافظ . ويبعد أن يكون عليّ هذا هو ابن غراب الفارازي الكوفي لتأخر طبقته عن الأول، وليس له رواية عن الأصبغ والله أعلم، وعلى فرض أنه هو فهو شيعي غالٍ مع صدقه في نفسه فلا يحتج به في مثل الحديث، وهو إلى ذلك مدلس وقد عنعنه ولم يصرح بالسماع.(65/46)
العلة الثالثة: الأصبغ بن نباتة هذا متروك أيضا ورمي بالرفض وقد اتهم، وقد مر حاله في صفحة (489) . ولحديث أبي أيوب هذا طريقين آخرين عند الحاكم في (الأربعين) وقد ساقهما الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/305-306)، ثانيهما هو نفسه الطريق الأول المار في (المستدرك) (3/193)، أما الأول منهما، وهو الثالث هنا فهو من طريق محمد بن كثير عن الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن مخنف بن سليمان- كذا هو، وأظن الصواب مخنف بن سليم، والله أعلم- عن أبي أيوب . وهو واهٍ أيضا، . محمد بن كثير الراوي عن الحارث بن حصيرة هذا هو القرشي الكوفي أبو إسحاق، قال الإمام أحمد: خرقنا حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، وفي (التقريب) أيضا: ضعيف . وشيخه الحارث بن حصيرة أيضا فيه ضعف مع ما عنده من الرفض المانع من قبول حديثه هذا بالخصوص، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق يخطئ ورمي بالرفض) . وهذا بالإضافة إلى شيخ الحاكم أبي الحسن عليّ بن حماد المعدل فلم أجد له ترجمة والله أعلم.
ثم وجدت الحديث وقد عزاه في (كنز العمال) (31721) لإبن جرير- يعني في (تهذيب الآثار- وقال فيه مخنف بن سليم، كما رجحناه، فالحمد لله ربّ العالمين .(65/47)
ولحديث أبي أيوب هذا طريق آخر بسياق طويل، أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) (13/186-187) من طريق أحمد بن محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن جعفرن المطيري، ثنا أحمد بن عبد الله المؤدب بسرّ من رأى، ثنا المعلى بن عبد الرحمن – ببغداد-، ثنا شريك عن سليمان بن مهران الأعمش، ثنا إبراهيم عن علقمة والأسود قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري . . . الحديث، وفيه قوله: (. . . وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بقتال ثلاثة مع عليّ، بقتال الناكثين، والقاسطين، المارقين . .) وفيه قوله أيضا: (. . . يا عمّار بن ياسر إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع عليّ فإنه لن يدليك في ردي، ولن يخرجك من هدى . .) وهو الذي تقدم برقم (26) ووعدنا بالكلام عليه هنا فنقول: إنه حديث موضوع وكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى الصحابيّ الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ففي إسناده هذا كذّابان أو متهمان بالكذب ووضع الحديث، أولهما أحمد بن عبد الله المؤدب هو ابن يزيد المعروف بالهشيمي، قال ابن عدي: (كان بسامرا يضع الحديث)، قال الذهبي: دجّال كذّاب، وقد تقدم حاله في صفحة (485)، والثاني هو شيخه المعلى بن عبد الرحمن وهو الواسطي، قال الدارقطني: (ضعيف كذّاب)، قال ابن عدي: كان يضع الحديث، وقال الحافظ في (التقريب): (متهم بالوضع، وقد رمي بالرفض) . وقد اكتفى ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/306) في إعلال الحديث بالمعلى هذا فقصّر إذ غفل عن الراوي عنه أحمد بن عبد الله المؤدب الكذّاب . ولا نريد أن نضيف إلى هذين الكذّابين علة ضعف أحمد بن محمد بن يوسف- ابن محمد بن دوست- لأنها دون كذبهما فاقتصرنا عليهما.(65/48)
هذه حال طرق الحديث- وهي أربعة- عن أبي أيوب الأنصاري لا تقوم بأي منها حجة، بل فيها ما يبيّن ضعفه وكذبه. ولهذا الحديث أيضا طرق أخرى عن غيره من الصحابة، وهي ساقطة كلها لا تقوم بها حجة، وغير صالحة للتعاضد لشدة وهنها كما سنذكره إجمالاً، وقد صرح بضعف هذا الحديث بكل طرقه الحفظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/304) فقال: (. . فإنه حديث غريب ومنكر، على أنه قد روي من طرق عن عليّ وعن غيره ولا تخلو واحدة منها عن ضعف) إ. ه. ومثله قول العقيلي، كما في (تنزيه الشريعة) (1/387) . ولا حاجة بنا إلى تفصيل بيان ضعف أسانيده هذه، بل سنقتصر في كل طريق بذكر علة واحدة أو أكثر من علله التي تكفي لإسقاطه بالكلية، ولتفصيل ذلك موضع آخر، أما الأن فنقول: قد روي هذا الحديث عن عليّ نفسه، وله عنه ستة طرق:(65/49)
الأول: عند الخطيب (8/340-341) وفيه أبان بن أبي عياش وهو متروك وقد اتهم بالكذب، إضافة إلى ما في السند من الإنقطاع من الرواة المجاهيل . والثاني: عند أبي يعلى وأبي بكر بن المقرئ- كما في (البداية والنهاية (7/304)، وانظر كذلك (مجمع الزوائد) (5/186)- وفي السند الربيع بن سهل الفزاري وهو ضعيف بالإتفاق، ضعفه الدارقطني وغيره وقال ابن معين: ليس بشيء . الثالث: عند ابن عدي- كما في (البداية والنهاية) (7/304) وساق بعض إسناده الذهبي في (الميزان) (1/584)- وفي الإسناد حكيم بن جبير وهو ضعيف ورمي بالتشيع، وكذلك شيخ ابن عدي أحمد بن حفص صاحب مناكير وقد اتهم، وفي الإسناد أيضا بعض المجهولين. الرابع: عند الحاكم في (الأربعين)- (البداية والنهاية) (7/305)- بإسناد مسلسل بالضعفاء، محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي وأبيه وعمه عمرو بن عطية. الخامس: عند ابن عساكر- (البداية) (7/305)- من طريق مجاهيل لا يعرفون، أنس بن عمرو عن أبيه عمرو، وغيرهم . السادس: عند ابن عساكر أيضا- (البداية) (7/305)- وفي إسناده أبو الجارود، وهو زياد بن المنذر صاحب الجارودية، وهو كذّاب، كذّبه يحيى ابن معين وأبو داود وغيرهما، وتركه الباقون، وقال ابن حبّان: كان يضع الحديث.
ورُوِيَ الحديث أيضا عن عبد الله بن مسعود، وله عنه طريقان:
الأول: عند الحاكم في (الأربعين) – (البداية والنهاية) (7/305)- وفي إسناده إسماعيل بن عبّاد، وهو متروك، إضافة إلى ما فيه من الضعفاء والمجاهيل الآخرين. والثاني: عند الطبراني في (الأوسط)- (مجمع الزوائد) (7/238)- وفي الإسناد مسلم بن كيسان الملائي، قال النسائي وغيره: متروك، وقد ضعفه غير واحد، وبه أعلّ الحديث الهيثمي.
ورُوِيَ أيضا من حديث أبي سعيد الخدري عند الحاكم في (الأربعين)- (البداية والنهاية) (7/305)- من طريق أبي هارون العبدي، وهو متروك ومنهم من كذّبه، وهو شيعي أيضا، إضافةً إلى ضعفاء آخرين فيه.(65/50)
ومن حديث عمار بن ياسر عند الطبراني أيضا- (مجمع الزوائد) (7/238-239)- من رواية أبي سعيد التيمي وهو عقيصاء، وهو شيعي متروك، تركه الدارقطني وغيره.
ومع كل هذه الطرق- الأربعة عشر- لهذا الحديث فإنه لا يصح ولا يثبت وحتى لو صح فما فيه أكثر مما تقدم في حديث أبي سعيد الماضي في قتال الخوارج المتأولين للقرآن، والحمد لله ربّ العالمين.
وأما حديث عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (يا عليّ ستقاتلك الفئة الباغية وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني)، فقد ذكره في (كنز العمال) (32970) وعزاه لإبن عساكر، ومنهنقله هذا الارفضي عبد الحسين دون معرفة إسناده ومخرجه وهو الأمر الذي لا يلتفت إليه طالما أن الحديث يوافق هواه. وما دمنا لم نتمكن من معرفة إسناده فلا يصح عندنا هذا الحديث ولا يثبت، على أن هناك ما يبيّن ضعفه، وهو ما نقلناه في صفحة (382) عن المتقي الهندي صاحب (الكنز) من مقدمة كتابه (1/10) بإكتفائه في الحكم على الحديث بالضعف بعزوه إلى ابن عساكر أو آخرين ذكرهم هناك، وهذا الأمر المتحقق هنا بحمد الله، لكن طرف الحديث الأول صحيح ثابت في أحاديث أخرى، وهو دليل لمذهب أهل السنة في جعل الحق مع عليّ في حربه مع معاوية رضي الله عنهم أجمعين، واعتبار معاوية وأصحابه هم الباغين، لكن هذا لا يوجب فسقهم ولا كفرهم كما يزعمه هؤلاء الرافضة الضالين، وقد فصّلنا ذلك وبيّناه في صفحة (377) .(65/51)
ويبقى من الحديث طرفه الأخير: (فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني) وهو الذي يتوقف فيه لعدم ثبوته ولا صحته كما قلنا: مع أنه ليس فيه دليل على كفر من نازع عليّاً وحاربه- وهو الذي يظن احتجاج الرافضة هؤلاء به- فقصارى ما فيه- إن ثبت- أن يكون مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم في الصحيح: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم (1/99) وغيره. وقوله: (من حلف بالأمانة فليس منا) وهو صحيح رواه أبو داود (3253)، وفي لفظ صحيح أيضا (ليس منا من حلف بالأمانة) رواه الإمام أحمد (5/352) وغيره وفي رواية عند الخطيب (14/35): (ليس مني من حلف بالأمانة) وفيها فائدة بقوله (مني) حتى لا يتبجح أحدٌ بها في هذا الحديث.
ومثله أيضا قوله صلّى الله عليه وسلّم: (ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن) رواه البخاري (9/188) وقوله: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حقّ كبيرنا) رواه الإمام أحمد (2/185)، والترمذي (3/122)، والحاكم (1/62) وغيرهم . وقوله: (ليس منا من ضرب الخدود وشقّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) رواه الإمام أحمد (1/386، 422، 465)، والبخاري (2/103، 104) (4/223)، ومسلم (1/99) وغيرهم، وأمثلة ذلك كثيرة جداً ولله الحمد، فهل يسوّغ عاقل الحكم بالكفر على من فعل مثل هذه المنهيات من شق الجيوب وضرب الخدود، وعدم التغني بالقرآن وغيرها.
ثم إن هذا الحديث نفسه قد رواه ابن عساكر أيضا عن عمار بن ياسر قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: (ستقتلك الفئة الباغية وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذٍ فليس مني) ذكره في (كنز العمال) (31716) وهو من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمار نفسه لا لعليّ، ومع ذلك فشأنه شأن، سابقه لا يختلف عنه بشيء.(65/52)
ونحن يمكننا عكس هذا الحديث على الرافضة هؤلاء ونحتج به عليهم في الإقتصار بنصرة عليّ في ذلك اليوم- يوم صفّين- فقط لا غيره كما تدّعيه الرافضة، فإن في الحديث تخصيص ذلك وتبيينه بقوله (يومئذ) يعنى لا مطلقاً، فليعتبر ذلك ولينظر إليه بإنصاف وبترك التعصب، والله الهادي إلى صراطٍ مستقيم.
وحديث أبي ذر رضي الله عنه: (و الذي نفسي بيده إن فيكم لرجلاً يقاتل الناس من بعدي على تأويل القرآن، كما قاتلت المشركين على تنزيله وهم يشهدون أن لا إله إلاّ الله) نقله هذا الرافضي عبد الحسين من (كنز العمال) (32969) وحذف منه عمداً قوله (و هم يشهدون أن لا إله إلاّ الله) ففيها الإقرار بإيمان من نازع عليّاً حتى وإن كان معتدياً عليه، وهو ما لا يرضى به- سفاهةً وحماقةً وضلالاً- هؤلاء الرافضة فأقدم أمامهم هذا على حذفه وطمسه واقتطعه من الحديث قطّع الله ذكره وأصحابه إلى يوم القيامة.
وهذا الحديث لا نعرف صحته ولا ثبوته ولا مخرجه، لكن قد تقدم الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في ذلك وتقدم بيان معناه وانطباقه، فراجع.
وحديث أبي رافع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (يا أبا رافع، سيكون بعدي قوم يقاتلون علياً، حقٌ على الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك شيء) أخرجه الطبراني في (الكبير) (955) بإسنادٍ واهٍ جداً فيه محمد بن عبيد الله بن أبي رافع وهو ضعيف، قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث جداً ذاهب، وقد تركه الدارقطني . وفيه أيضا يحيى بن الحسن بن فرات، وهو مجهول، وبهما أعلّ الحديث الهيثمي في (المجمع) (9/134) . وفي الإسناد أيضا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وهو متكلم فيه ومطعون.(65/53)
بقي من الأحاديث هنا حديث الأخضر الأنصاري- أو ابن أبي الأخضر- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أنا أقاتل على تنزيل القرآن، وعليّ يقاتل على تأويله) . رواه ابن السكن- كما في (الكنز) (32968)، و(الإصابة) (1/25)- وهو مثل حديث أي سعدي المتقدم أولاً (في الرقم 39) في معناه . وقد كفانا هذا الرافضي عبد الحسين مؤونة التخريج والبحث، إذ ساق إسناده وهو من طريق الحارث بن حصيرة عن جابر الجعفي عن محمد الباقر عن أبيه عليّ بن الحسين زيد العابدين عن الأخضر هذا. والحارث بن حصيرة لا يُحتجّ به منفرداً مع ما عنده من الرفض، قال الحافظ في (التقريب): (صدوق يخطئ، ورمي بالرفض) وقد تقدم حاله ضمن الرواة المئة (رقم18).
لكن علة هذا الإسناد الموجبة لوهنه وضعفه هو جابر الجعفي هذا، وهو رافضي ضعيف جداً ومتروك، وقد كذّبه غير واحد، وقد مرّ أيضا (برقم 13).
وقد روى هذا الحديث أيضا الدارقطني في (الأفراد) من نفس الطريق، طريق جابر هذا كما أقرّ به عبد الحسين هذا في الهامش (42/196-197).
وقد اعترف بما ساقه في ذلك الهامش بضعف هذا الحديث وسقوطه عن الإحتجاج فما وجه الحجة بإيراده إذن؟
حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (يا عليّ أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها أحد من قريش، أنت أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية).(65/54)
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ- وضرب بين كتفيه-: (يا عليّ لك سبع خصال لا يحاجّك فيهم أحدُ يوم القيامة، أنت أول المؤمنين بالله إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأقوم بأمر الله، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم مزية يوم القيامة) كلاهما رواه أبو نعيم في (الحلية) (1/65، 66) وهما حديثان موضوعان مكذوبان، ذكرهما أو أحدهما ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/343) وأقره السيوطي في (اللآلئ المصنوعة) (1/323)، وكذلك ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/352) . وعلة الأول أنه من رواية خلف بن خالد العبدي البصري عن بشر بن إبراهيم الأنصاري، وخلف هذا لا يكاد يُعرف وقد اتهمه بوضع هذا الحديث الدارقطني- كما في (الميزان) (1/659)- وساق حديثه هذا الذهبي وقال: خبر كذب . وشيخه بشر هذا كذّاب يضع الحديث، كما قال ابن عدي وابن حبّان وغيرهما، وساق حديثه هذا الذهبي في ترجمته من (الميزان) وعدّه من مصائبه.
وأما الحديث الثاني عن أبي سعيد، ففي إسناده عصمة بن محمد، وهو مثل بشر بن إبراهيم السابق، فقد قال عنه يحيى بن معين: كذّاب يضع الحديث.
هذه حال بضاعة هذا الدجّال الماكر عبد الحسين، أربعون نصاً زعم أنها تدل على أن عليّاً ثاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه الأمة، وأن له عليها من الزعامة بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم ما كان له عليها، وقوله وقول أمثاله هذا من أكبر الأدلة والبراهين على تحقيق قوله تعالى: {كذلك زيّنا لكلّ أمّةٍ عملهم ثم إلى ربّهم فينبؤهم بما كانوا يعملون }، إذ لا يتصور وجود من يعتقد مثل هذه السخافات والحماقات لولا أن الله سبحانه أخبر بهذا، وله الحكمة البالغة، وله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.(65/55)
ومن مجموع الأربعين نصاً التي ساقها في حدود أربعة وعشرين أو ثلاثة وعشرين من النصوص الموضوعة المكذوبة التي لا يحل ذكرها إلاّ مع تبيين كذبها، وأن الباقي منه حوالي أحد عشر أو اثني عشر ضعيف ساقط لا يحتج به، والباقي لا يزيد على خمسة نصوص أو ستة هو الصحيح الذي ليس فيه فضل مختص بعليّ رضي الله عنه بل ثبت مثله أو أكثر منه في حق غيره كثيرين، والتفصيل فيما قدمنا، والحمد لله ربّ العالمين .
- انتهى الجزء الأول -
فهرست الموضوعات
للجزء الأول
مقدمة الكتاب ... 1
التشكيك في صحّة هذه المراجعات ... 5
المنهج المتّبع في الرّد ... 7
ذكر بعض الأباطيل في كتب الشيعة المعتمدة ... 9
طريقة إخراج الرّد ... 27
الرّد على ما جاء في (حياة المؤلف) بملاحظتين ... 28
الرّد على ما جاء في (مقدمة الكتاب) ... 29
عناوين المراجعتين (1)، (2) ... 30
عناوين المراجعتين (3)، (4) ... 30
الرّد على المراجعة (4) ... 31
الأدّلة المزعومة هذه هي جميعاً ما بين صحيح غير صريح أو
صريح غير صحيح ... 31
ليس عند أهل السنة وجوب إتّباع أحدٍ بعينه إلاّ رسول الله صلى
الله عليه وسلم ... 31
الشك في صدق قوله بالإحتكام إلى أهل القرون الثلاثة ... 33
عناوين المراجعة (5) ... 33
عناوين المراجعة (6) ... 33
الرّد على المراجعة (6) ... 33
كلمة عن كتاب (نهج البلاغة) ... 34
الأقوال المنقولة بحاجة إلى تصحيح نسبتها أولاً ثم إثبات كونها
حجة ثانياً ... 37
التعريف بكتاب (الصواعق المحرقة) وقيمته العلمية ... 37
عناوين المراجعتين (7)، (8) ... 40
الرّد على المراجعة (8) ... 40
طريقته القاصرة والخاطئة في تخريج الأحاديث ... 40
طعنه بالصحابة رضوان الله عليهم ... 41
الكلام بالتفصيل عن الأدلة التي ساقها ... 41
كلمة عن حديث الغدير ... 43
عناوين المراجعتين (9)، (10) ... 58
الرّد على المراجعة (10) ... 58
الكلام تفصيلياً عن أدلته مع كشف ما في كلامه من الغش(65/56)
والتلاعب ... 59
خمس ملاحظات عن استشهاده بالصلاة على النبي وآله
في الصلاة المفروضة ... 83
عناوين المراجعتين (11)، (12) ... 90
الرّد على المراجعة (12) وفيها نقض استدلاله بكل الآيات
المذكورة بالتفصيل، ثم بيان المعاني الصحيحة لتلك الآيات ... 90
عناوين المراجعتين (13)، (14) ... 247
الرّد على المراجعة (14) ... 247
نقض إدّعائه احتجاج أهل السنة ومنهم البخاري بأهل الرفض من
الشيعة، وتفصيل مسألة الإحتجاج بأهل البدع ... 248
أئمة العترة أنفسهم يكذّبون الشيعة في اتّباعهم ... 251
عدم إمتيازهم بما ادّعى من تغليظهم حرمة الكذب ... 257
عناوين المراجعتين (15)، (16) ... 257-258
الرّد على المراجعة (16) ... 258
قبل استعراض الرواة المئة . . التقديم بأمرين مهمّين ؛
أولهما فيه حجة عليه، والثاني بعض قواعد أهل الجرح
والتعديل مما يفيد عند إستعراض هؤلاء الرواة ... 259-260
أبان بن تغلب، إبراهيم النخعي ... 263-246
الخلوص إلى أنّ نصف المذكورين هم ممن يقدّم أبا بكر وعمر
على عليّ والنصف الآخر منهم من لم يثبت تشيّعه مطلقاً وأغلبهم
من الكذّابين أو المتهمين أو المتروكين أو الضعفاء ... 347
عناوين المراجعتين (17)، (18) ... 348
بيان أصل القول بوصاية النبي صلّى الله عليه وسلّم لعليّ ... 349
عناوين المراجعتين (19)، (20) ... 350
الرّد على المراجعة (20) ... 350
بيان أنّ أحق الناس بوزارة النبي صلّى الله عليه وسلّم هو أبو بكر
الصّدّيق رضي الله عنه ثم من بعده عمر بن الخطاب ... 351
الإشارة إلى ما تقدم من بيان كذب الحديث المزعوم، والمسمى
بنص الدار يوم الإنذار على كثرة من رواه ... 353
عناوين المراجعتين (21)، (22) ... 355-356
الرّد على المراجعة (22) ... 356
كشف المغالطة في خلطه بين ما صححه بعض العلماء وبين ما
ساقه هو في المراجعة الماضية ... 356
تبرئة صاحبي الصحيحين مما اتّهمهما به ... 359(65/57)
بيان أن أكثر الطوائف كتماناً للعلم والحق هم الرافضة أمثال
عبد الحسين هذا ... 360
عناوين المراجعة (23) ... 361
عناوين المراجعة (24) ... 361
الرّد على المراجعة (24) ... 362
تكذيبه في ادّعائه صحة هذا النص عند أهل السنة ... 362
تكذيبه في ادّعائه عدم القول بالوصاية الخاصّة ... 362
عنوان المراجعة (25) ... 363
عناوين المراجعة (26) ... 363
الرّد على المراجعة (26) ... 363
التفصيل في بيان ضعف الحديث الحاوي لبضع عشرة من
الفضائل لعليّ رضي الله عنه مع الإشارة إلى ما حذفه من
نصّه هذا الموسوي ... 364-367
نقض ما استنتجه من الحديث ببيان تفصيلي وخصوصاً في
مسألة المنزلة ... 369
عناوين المراجعتين (27)، (28) ... 374
الرّد على المراجعة (28) ... 375
كشف تدليسه بسوقه النص الصحيح بعد ما ادّعاه من الحديث
الضعيف السابق ... 375
عناوين المراجعتين (29)، (30) ... 377-378
الرّد على المراجعة (30) ... 378
مع تطبيق ما ادّعاه من عموم لفظ الحديث، فلا دليل فيه
للشيعة ... 378
الإشارة الإجمالية إلى عدم ورود حديث المنزلة هذا في غير
غزوة تبوك ... 380
عناوين المراجعتين (31)، (32) ... 381
الرّد على المراجعة (32) بنقض كل ما زعمه من
الموارد الأخرى لحديث المنزلة هذا ... 382
عناوين المراجعتين (33)، (34) ... 391-392
الرّد على المراجعة (34) ببيان ضعف النصوص التي احتجّ
بها على تشابه عليّ وهارون مطلقاً ... 392
عنوان المراجعة (35) ... 425
عنوان المراجعة (36) ... 425
الرّد على المراجعة (36) ونقض النصوص التي استدلّ بها
على ولاية عليّ وخلافته للنبي صلّى الله عليه وسلّم،
وهي سبعة نصوص ... 425
عناوين المراجعتين (37)، (38) ... 449
الرّد على المراجعة (38) ... 449
تفصيل معاني (الوليّ) وترجيح الراجح فيها بالقرائن الجلية ... 449
نقض ما زعمه من القرائن على ترجيحه ... 450(65/58)
عناوين المراجعتين (39)، (40) ... 457
الرّد على المراجعة (40) والإشارة إلى الرّد التفصيلي
السابق على احتجاجه بآية الولاية ... 457
عنوان المراجعة (41) ... 457
عنوان المراجعة (42) ... 457
الرّد على المراجعة (42) وفيها أنّ جواز إطلاق لفظ الجمع
على الواحد يحتاج إلى قرينة وهو الأمر المعدوم هنا ثم نقض
ما زعمه من النكت في ذلك ... 458
عناوين المراجعتين (43)، (44) ... 460
الرّد على المراجعة (44) وردّ دعواه فصل الآية عن سياقها ... 460
عنوان المراجعتين (45)، (46) ... 468
الرّد على المراجعة (46) وبيان قلبه للأمور ... 468
عنوان المراجعة (47) ... 469
عنوان المراجعة (48) ... 469
الرّد على المراجعة (48) بنقد النصوص الأربعين المزعومة
ثم الإنتهاء إلى أنّ حوالي أربعة وعشرين نصاً منها مكذوب
وأحد عشر ضعيف وساقط، والباقي صحيح لكن ليس فيه
فضل خاصّ لعليّ رضي الله عنه ... 469 – 551(65/59)
الحجج الدامغات لنقض كتاب المراجعات
الجزء الثاني
أبو مريم بن محمد الاعظمي
المراجعة(49):س:
إقرار شيخ الأزهر بتلك الأحاديث الأربعين المتقدمة، وأنه زاد عليها بثلاثة أقوال لابن عباس في فضائل عليّ رضي الله عنه
اعتراضه بأن فضائله هذه لا تستلزم العهد له بالخلافة.
الردّ على المراجعة(49):
- مع أن ذلك خلاف منهجنا في الرد (إذ كنا نرد على عبد الحسين فقط) لكننا اضطررنا إليه لما حوته هذه المراجعة من الأقوال المكذوبة على ابن عباس فاقتضى ذلك التنبيه.
ليس من منهجنا كما ذكرناه في المقدمة التعليق على المراجعات المنسوبة - زورا وبهتانا-إلى شيخ الأزهر سليم البشري رحمه الله ولا على ما زعم من أجوبته لكننا هنا قد اضطررنا إلى ذلك لما حشاها هذا الرافضي الماكرعبد الحسين من النصوص في ذلك، ولسنا نعني من هذه النصوص سوى الثلاثية المنسوبة إلى ابن عباس، وما عداها من أقوال التابعين والأئمة ليس فيها أبدا ما يعين الرافضة على مطلوبهم الباطل، فهي لا تعدو أقوال ثناء ومدح لعلي رضي الله عنه بما يستحقه , وبما لا يزيد على ما لغير عليّ من الصحابة من ذلك الثناء كما لا يخفى.
وأما ما جاء به منسوبا إلى ابن عباس هنا فهي ثلاثة...
أولها قوله:(ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في عليّ)، وقد عزاه في (الصواعق) (ص76) لابن عساكر دون أي تعقيب عليه، ومثل هذا لا يثبت ولا يمكن الاحتجاج به حتى يعرف سنده، وأنى لهم ذلك.
والثاني قوله:(نزلت في عليّ ثلاثمائة آية)، وهو باطل لا يثبت عن ابن عباس، وقد رواه الخطيب(6/221)وتقدم الكلام عليه في (ج1/246-247) وبينا أن ابن الجوزي عدّه في (الموضوعات )، وأن في إسناده أربع علل:جويبر بن سعيد وهو متروك، وسلام بن سليمان الثقفي وهو ضعيف، واسماعيل بن محمد بن عبد الرحمن المدائني وهو مجهول لا يعرف, والانقطاع الذي فيه بين الضحاك وابن عباس.(66/1)
والقول الثالث:(ما أنزل الله (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم في غير مكان وما ذكر عليّا الا بخير)، أخرجه الطبراني في (الكبير) (11687)وهو واه جدا وباطل في اسناده عيسى بن راشد، قال الهيثمي في (المجمع)(9/112):وهو ضعيف، قلت:وهذا قصور منه اذ هو مجهول لا يعرف وخبره منكر، كما ذكره الذهبي في (الميزان)نقلا عن البخاري.
وأفحش منه وأقبح من رفعه وجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو عند ابي نعيم في (الحلية)(1/64)، قال:حدثنا محمد بن عمرو بن غالب ثنا محمد بن أحمد بن ابي خيثمة ثنا عباد بن يعقوب ثنا موسى بن عثمان الحضرمي عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره وهو موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ابن عباس أيضا، فشيخ أبي نعيم هذا محمد بن عمر بن غالب كذبه ابن ابي الفوارس، كما في(الميزان).وعباد بن يعقوب مع صدقه في نفسه فهو رافضي غال وقد تقدم حاله ضمن الرواة المئة (برقم 46).
وقد رواه هنا عن موسى بن عثمان الحضرمي وهو مثله في الغلو مع ضعفه الشديد، قال أبو حاتم:متروك.
فلا يصح هذا القول بحمد الله موقوفا ولا ومرفوعا، بل هو باطل مكذوب.
المراجعة(50):ش:
-محاولته بيان الاستدلال بخصائصه على إمامته.
الرد على المراجعة(50):
1- بيان أن ما صح من فضائل علي رضي الله عنه لا يختص به بل وقع مثله لغيره كثيرين، ومن ثم لا وجه للاحتجاج به على امامته.
2-فضح سوء أدبه مع ربه سبحانه وتعالى وأصل قولهم هذا.
3-نقض ما أحتج به من الأحاديث في هذه المراجعة.(66/2)
حاول في هذه المراجعة ورواغ في بيان دلالة تلك النصوص في فضائل علي رضي الله عنه على امامته وخلافته للنبي صلى الله عليه وسلم، وزعم أن من لوازمها وصايته على الأمه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قدمنا في(ج1/349-350) أصل القول بالوصاية لعلي وأنه من اختراع اليهود ليضلوا به من أمكنهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد وقع ذلك بإذن الله كما هو باد عند هؤلاء الرافضة، وأما تلك النصوص التي أسلفت فبعد طرح المكذوب الموضوع منها والساقط لا يخلص منها الا ما فيه فضل لعلي رضي الله عنه يقصر كثيرا حتى عن التنويه بخلافته بعد الثلاثة قبله أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.ومن تمسك بالإنصاف والعدل وطرح التعصب والهوى لم يخرج الا بهذا الذي قلناه ان لم يكن الله يريد أن يغويه.
ثم قال:(وما كان ليخفى عليك...أن تلك السنن قد أعطت عليا من المنازل المتعاقبة مالا يجوز على الله تعالى وأنبيائه إعطاؤها إلا لخلفائهم..)، وَيْ وَيْ، انظروا الى هؤلاء الحمقى المهازيل الذين لم يساووا حتى البهائم في عبوديتها لله وانقيادها لامره ومن انت يا عبد الحسين حتى تجوز على الله أشياء وتمنع عليه غيرها؟ الست كائنا ضئيلاً حقيراً مخلوقاً من نطفة من ماءٍ مهين؟
لكن الأمر كما قال الله تعالى:(خلق الانسان من نطفة فاذا هو خصيم مبين) وها هو صاحبنا الرافضي هذا يخاصم الله سبحانه فيجوز عليه أشياء ويمنع أُخَرْ بقوله:(لا يجوز على الله تعالى...).(66/3)
وهذا إنما أخذته الرافضة من اخوانهم المعتزلة فهم أجرأ منهم على ذلك، والرافضة مخانيث المعتزلة كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية، كما أخذوا عنهم القدر وسلب الصفات والقول بخلق القرآن وقد تقدم في(ج1/339)ونحن لا ننكر وجود بعض ما لا يجوز أن يفعله الله سبحانه وذلك مما حرمه على نفسه واخبر انه لا يفعله ابدا، ووعده الحق، مثل الظلم الذي حرمه على نفسه سبحانه وتعالى، مع ما في لفظ نفي الجواز من سوء الأدب مع الله سبحانه وتعالى، بل ينبغي لنا الاقتصار على الالفاظ الشرعية الصحيحة التي وردت بها آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، مثل أن نقول:حرّم على نفسه الظلم، وكتب على نفسه الرحمة وحق العباد عليه أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا، فهذا كله مما جاءت النصوص بإثباته
وهو مما حرمه الله بنفسه عن نفسه، وكتبه بنفسه على نفسه ومنع جوازه بنفسه عن نفسه لم يمنعه أحد غيره عنه، فاذا كان كذلك فهذا الذي قرره الرافضي عبد الحسين بقوله:(ما لا يجوز على الله تعالى وأنبيائه اعطاؤها الا لخلفائهم وامنائهم على الدين وأهله...)لم يأت به نص ولا اجماع، بل هو لا يتأتى الا على عقول هؤلاء المجانين الملاعين، فانهم-كإخوانهم المعتزلة-يجعلون العقل هو الحاكم على الله تعالى، الموجب له أشياء والمحرم عليه غيرها، فما رأوه بعقولهم واجبا أو جائزا على الله أوجبوه وجوزوه عليه سبحانه وتعالى، وما لا منعوا جوازه عنه كما فعل عبد الحسين هذا هنا تماما، فأفٍّ وتفٍّ لكل عقل يقوم فيه أنه حاكم على خالقه ومحدثه بعد ان لم يكن ومصرفه على ما يشاء، فتعالى الله عن ما يقولون علوا كبيرا وهو المستعان على ما يصفون.(66/4)
ثم قال عبد الحسين هذا:(على ان من سبر غور سائر السنن المختصة بعلي، وعجم عودها بروية وانصاف، وجدها بأسرها-الا قليلا منها-ترمي الى إمامته وتدل عليها إما بدلالة المطابقة، كالنصوص السابقة وكعهد الغدير وإما بدلالة الإلتزام كالسنن التي اسلفناها-في المراجعة 48-).
قد تقدم الكلام على نصوصه السابقة في المراجعات(40,36,26,20)-سوى حديث الغدير وسيأتي ان شاء الله-وعلى نصوصه في المراجعة(48)وبينا كذب أكثرها وضعفها، وما صح منها فليس فيه اية دلالة-لا بالمطابقة ولا بالإلتزام-على إمامة علي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم , بل ولا مطلقا.
وقول عبد الحسين هذا هو قول من لا يعرف بضاعته أو لا يعقل ما يخرج من رأسه.
ثم قال:(وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم:علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).هذا الحديث أخرجه الحاكم(3/124)من طريق عمرو بن بي طلحة القناد ثنا علي بن هاشم بن البريد عن ابيه قال حدثني ابو سعيد التيمي عن ابي ثابت مولي ابي ذر عن ام سلمة.قال الحاكم:(صحيح الإسناد، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء ثقة مأمون). قلت:وهذا من أوهامه الفاحشة رحمه الله، فإن هذا الإسناد واه بمرة، ابو سعيد التيمي عقيصاء هذا شيعي متروك غير ثقة، كما في( الميزان)وقد تقدم قريبا (ج1/546) وشيخه ابو ثابت مولي أبي ذر، لم أعرفه ولم أجد له ترجمة ولا أظنه إلا مجهولا ثم إن عمرو بن طلحة وشيخة علي بن هاشم واباه هاشم كلهم مرميون بالتشيع وأكثرهم غلوا عمراً هذا فإنه متهم بالرفض أيضا، فلا يقبل خبرهم في مثل هذا كما قدمنا غير مرة.(66/5)
والحديث قد أخرجه أيضا الطبراني في(الصغير)(707)، و(الأوسط) -مجمع الزوائد(9/134)-وقال:حدثنا عباد بن سعيد الجعفي الكوفي ثنا محمد بن عثمان بن البهلول -أو أبي البهلول الكوفي- ثنا صالح بن أبي الاسود عن هاشم بن البريد به.وهو لا يفرح به إذ هو أوهى من سابقه مع بقاء علة الأول في أبي سعيد الجعفي وكذا شيخه محمد بن عثمان مجهولان لا يعرفان وإسنادهما هذا ظلمات كما قال الذهبي في(الميزان)(2/366).
وصالح ابن أبي الأسود واه كما في الميزان، وفي (المغني):منكر الحديث، وبه أعل الحديث الهيثمي.
ثم قال أيضا:(وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:علي مني بمنزلة رأسي من بدني).
أخرجه الخطيب(في تاريخ بغداد)(7/12)، ومن طريقه أورده ابن الجوزي في(العلل المتناهية)(1/208)وقال:(في إسناده مجاهيل)، قلت:وهو من طريق أيوب بن يوسف بن أيوب أبي القاسم البزاز، ثنا عنبس بن اسماعيل القزاز ثنا ايوب بن مصعب الكوفي عن اسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء.وقال الخطيب:(لم اكتُبه إلا من هذا الوجه).قلت:وهو واهٍ جدا.فايوب بن مصعب ومن دونه ثلاثتهم مجاهيل، بعضهم جهالة حال بعضهم جهالة عين لا يعرف.والحديث قد أخرجه الديلمي أيضا(3993)، وابن مردويه-كما في(العلل المتناهيه)-من طريق حسين الأشقر بن قيس بن الربيع عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس.وهو مثل سابقه أو أوهى منه فيه ثلاث علل:حسين الأشقر هذا شيعي غال، قال البخاري:عنده مناكير، وفي رواية فيه نظر.وقال أبو زرعة:منكر الحديث. وقد كذبه أبو معمر الهذلي. وقيس بن الربيع سيء الحفظ وقد ابتلى بإبن سوء كان يدخل عليه ما ليس من حديثه.وشيخه ليث هو بن أبي سليم، وهو سيء الحفظ جدا بسبب إختلاطه، قال الحافظ:(صدوق اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه فتُرِك).
فالحديث على هذا بطريقيه لا يبعد أن يكون موضوعاً، وقد اكتفى السيوطي في(الجامع الصغير)(5596)بتضعيفه لشدة تساهله المعروف.(66/6)
وقال: (وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عبد الرحمن بن عوف: والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتين الزكاة أو لأبعثن اليكم رجلاً مني أوكنفسي, الحديث وآخره فأخذ بيد علي فقال:هو هذا.)
هذا الحديث نقله من(كنز العمال)وقد عزاه صاحب (الكنز)(36497) لإبن أبي شيبة، وهو في(مصنف إبن أبي شيبة)(12/66)ومن طريقه أخرجه أبو يعلى في(مسنده)(رقم859)(2/165-166)-وانظر أيضا (مجمع الزوائد)(9/134)-كلهم من طريق طلحة بن جبر-أو جبير-ثنا المطلب بن عبد الله عن مصعب بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف.وإسناده ضعيف، طلحة بن جبر هذا وهّاه الجوزجاني، وقال ابن معين-في رواية-لا شيء، وقال الطبري:(طلحة لا تثبت بنقله حجة)وقد تساهل الحاكم فصححه، فرده الذهبي بقوله:(قلت:طلحة ليس بعمدة) وقد أعله الهيثمي في( المجمع )بطلحة هذاء أيضا.وفي الاسناد علة أخرى، فالمطلب بن عبد الله هذا هو إبن المطلب بن حنطب قال الحافظ في(التقريب):(صدوق كثير التدليس والإرسال).وقد عنعنه ولم يصرح بالسماع.ثم إن في متنه إضطرابا -والله أعلم- وهو قوله:(...رجلا مني أو كنفسي)وهذا إضطراب في الرواية لا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو واضح في(الكنز)وغيره.وإذا كان كذلك فقوله (رجلاً مني...)تقدم مثله لعلي رضي الله عنه في(ج1/383-384) وبينا عدم اختصاصه بهذا اللفظ بل جاء مثله لغيره كثيرين مثل جليبيب وغيره والمهم أن هذا الحديث ضعيف ولا يثبت ولا يصح الاحتجاج به.(66/7)
وقوله في الهامش(5/200):(وحسبك حجة على أن علياً كنفس رسول الله آية المباهلة على ما فصله الرازي في معناها من تفسيره الكبير...)هذا فيه غش.بل كذب وإفتراء على الرازي رحمه الله، فقد قدمنا في(ج1/531)ما نقله الرازي في تفسير آية المباهلة هذه (8/81)عن رجل رافضي إسمه محمود بن الحسن الحمصي كان يسكن الري وزعم هذا الرافضي أفضلية علي على سائر الانبياء ما عدا محمد صلى الله عليه وسلم، واستدل في ضمن ما استدل به بهذه الآيه(وأنفسنا وأنفسكم)ثم رد عليه الرازي قوله هذا وفنده. فهو إذن من قول هذا الرافضي الكافر محمد بن الحسن لا من قول الرازي لكن هذا الدجال الماكر عبد الحسين ليس أحسن حالا من صاحبه محمود هذا. إذ كذب على الرازي ونسب الإستدلال والقول اليه، ونحن نقول للشيعة: أهذا إمامكم أيمثل هذا الغش والمكر والكذب يصبح الرجل عندكم إماماً وآيه من آيات الله؟ لئن كان الأمر كذلك فأف لكم من طائفة وتفِّ.وإلا فلتتبرؤوا من عبد الحسين هذا وأفعاله.
المراجعة(51):س:
-اعتراض شيخ الأزهر بفضائل الخلفاء الراشدين الثلاثة.
المراجعة(52):ش:
1-إدعاؤه إيمانه بفضائل أهل السوابق من المهاجرين والأنصار
2-عدم رضائه بالمعارضة بمثلها.
3-زعمه عدم دلالة تلك النصوص على الخلافة، وعدم إستناد أحد إليها.
الرد على المراجعة(52):
1-تكذيبه-بالأدلة والبراهين-في إدعائه إيمانه بفضائل السابقين من المهاجرين والأنصار.
2-عدم رضائه بالمعارضة بفضائلهم خروج عن موضوع كتابة وتملص منه في المناظرة.وبيان العدل والانصاف في ذلك.
3-تكذيبه في عدم دلالة تلك النصوص على خلافتهم أولاً، وتكذيبه ثانياً في عدم إستناد أحد إليها.(66/8)
صدر مراجعته هذه بتصريحه بإيمانه بفضائل أهل السوابق من المهاجرين والأنصار كافة رضي الله عنهم ورضوا عنه، وقال:( وفضائلهم لا تحصى ولا تستقصى وحسبهم ما جاء في ذلك من آيات الكتاب وصحاح السنة.)ا.ه.ونحن نكذبه في إدعائه هذا-مع إقرارنا بفضائل هؤلاء الصحابةجميعا بأكبر مما قاله-وإن هي إلا تُقية يتقى بها نفور الصادقين المخلصين عنه.
وتكذيبنا له في هذا وإن كان غير محتاج إلى دليل وبرهان لتواتر مذهب هؤلاء الرافضة الملاعين-ومنهم عبد الحسين هذا-في بغض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه أمهات المؤمنين ولعنهم وسبهم والتبرؤ منهم إلى غير ذلك من نفثات اليهودية فيهم التي يعلمها كل من عاشرهم فضلا عمن خبرهم وغاص في مذهبهم، لكننا نجد شواهد من كلام هذا الدجال الماكر عبد الحسين في نفس كتابة هذا(المراجعات)تدل على شدة بغضه لهؤلاء الصحابة الكرام وأولهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ولولا الفتنة والخبث اللذين يريد إلقائهما بكتابة هذا بين أهل السنة لصرح بسبهم وشتمهم بل وكفرهم.ومن هذه الشواهد ما جاء في (المراجعة-74-)وما بعدها حتى(المراجعة-96-)، بل وما بعدها أيضاً من الطعن الخفي-واحياناً يصبح طعناً ظاهراً- بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أولاً ثم بباقي الصحابة وجمهورهم ثانياً، وأخصهم ابو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كما صرح به في غير موضع.ومما أذكره في هذا الباب مما مر في كتابه هذا ما قاله في الهامش(10)صفحة(52)من (المراجعات)عن ابن حجر:(وكيف أُخر في الخلافة العامة والنيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أخاه ووليه الذي لا يؤدي عنه سواه ثم قدم فيها أبناء الوزغ...)الى آخر كلامه الذي ينم عن حقده وبغضه لهؤلاء السادة الأخيار.وبقوله الأخير هذا إن لم يكن يعني به أبا بكر وعمر وعثمان فلا يخرج مقصده عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ولعن مبغضهم الى يوم الدين.(66/9)
ثم إن نسينا فلا ننسى كتابة(أبو هريرة)، وقد ملأه طعناً وقدحاً بهذا الصحابي الجليل حافظ سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي ضيعها كل الرافضة بلا إستثناء بطعنهم بمن حببه الله سبحانه إلى المؤمنين وحدهم دون غيرهم، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-كما في(صحيح مسلم)(4/1939)-أنه دعا لأبي هريرة فقال:(اللهم حبب عبيدك هذا -يعني ابو هريرة-وأمه الى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين)، قال أبو هريرة رضي الله عنه:(فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني).(66/10)
وقد روى ذلك أيضاً الإمام أحمد(2/320)، وحتى الحاكم مع ما عنده من تشيع، الذي عول عليه(عبد الحسين)هذا كثيرا قد روى ذلك في (المستدرك)(2/621).لكن ليس هذا موضع الرد على كتاب عبد الحسين ذاك وعسى الله ان يمكننا من التفرغ للرد عليه وتفنيده فما حواه من الباطل والكذب لا يقل عن ما في كتابه هذا (المراجعات). والمقصود هنا الإشارة إلى كذبه في إدعائه الإيمان بفضائل هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم.وما إيمانه هذا إلا كإيمان من وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله:(وإذا لقوا الذين آمنوا قالو آمنا وإذا خلو إلى شياطينهم قالو إنا معكم إنما نحن مستهزؤون). ويمكننا أن نتصور عبد الحسين هذا حين أنهى كتابه هذا ورجع إلى(شياطينه) من الروافض سواء في العراق أو في لبنان أو في إيران سئل عما قاله فيه من مثل هذا المدح للصحابة فقال:(إنما نحن مستهزؤون). فيرد الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله:(الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون).وهذا كله قاله الله سبحانه فيمن وصفهم في بداية الآيات بأنهم (في قلوبهم مرض)وأنهم من الذين قالوا (آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) وإذا جمعنا هذه الآية في نفي إيمانهم مع الآية الأخرى في وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (محمد رسول الله والذين معه...)الآية فقال فيها (ليغيظ بهم الكفار)وجمعنا هاتين الآيتين مع قوله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة-مثلا-في الحديث الماضي (اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين)ثم نظرنا في حال هؤلاء الرافضة مع الصحابة عموما ومع أبي هريرة خصوصا خرجنا بما يغني التلويح به عن التصريح , والله الموفق..(66/11)
وقد قدمنا في مقدمة كتابنا نصوصا من كتبهم الاصول التي يقيمون عليها دينهم ومذهبهم، تبين شدة بغضهم للصحابة كلهم وعداوتهم لهم وسبهم ولعنهم بل وتكفيرهم بما يناقض أيضاً إدعاء عبد الحسين هنا.وقد علم كل العقلاء أن من أراد دراسة إعتقاد طائفة ومذهبهم لا يتوجه إلا إلى أصولهم التي عليها يعتمدون وإليها يتحاكمون، ونحن قد فعلنا ذلك مع الشيعة فوجدنا أصولهم هذه مثل - (الكافي)و(الخصال)و(الإحتجاج)وغيرها مما ذكرنا في المقدمة أم لم نذكر-كلها تأمر بسب الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولعنهم وتكفيرهم في الوقت الذي تأمر فيه بالتقية-كما نقلناه ايضا-وهو إظهار خلاف المعتقد وإن كان كفراً-عندهم-إذا كانت هناك مصلحة راجحة-ولا مصلحة أرجح عندهم من إلقاء الفتنة بين أهل السنة-فمن ذلك علمنا وتيقنا أن قول الرافضي عبد الحسين هنا لا يخرج عن ذلك شعرة، بل هو تطبيق لأصولهم تلك بحذافيرها.ولهم في ذلك مذهب معروف صاغوه على قاعدة(لكل مقام مقال)فلكل مجتهد منهم لون، ولكل عصر لون ولكل إقليم لون، ولكل مناسبة كذلك.
وقد وصف أحد الأساتذة الأفاضل علماً من أعلامهم ومجتهداً من مجتهديهم وهو الخالصي بأنه كان إذا عبر الشارع تغير إجتهاده من الرصيف إلى الرصيف.(66/12)
ويحضرني الآن مثال آخر عند هذا الدجال عبد الحسين على ما قلناه، وهو رده على موسى جار الله في كتابه(أجوبة مسائل موسى جار الله) قوله بإدعاء الشيعة تحريف القرآن، فقال(ص34):(نعوذ بالله من هذا القول ونبرأ إلى الله من هذا الجهل فإن القرآن العظيم متواتر من طرقنا لا يرتاب في ذلك إلا معتوه)ونحن نستطيع أن نتصور أن عبد الله بن أبيّ بن سلول هو المتكلم هنا المتصنع بالتقوى والإنكار لتحريف القرآن، وقال أيضاً:(وكان القرآن مجموعاً أيام النبي صلى الله عليه وسلم-على ما هو عليه الآن من الترتيب...)وهذا كله قاله في جانب رده على موسى جار الله ولكنه في كتابه الآخر(فلسفة الميثاق والولاية)قال خلاف هذا تماما في معرض كلامه على الآية(اليوم اكملت لكم دينكم )(ص15)وإليك نصه:(ثم أقحمها الناس على عهد عثمان وزجوها في وسط تلك الآية الكريمه لغرضٍ لهم...)فهل بعد هذا من صراحة في أن القرآن معبوث به؟
وغير ذلك من الشواهد والبراهين على تقلبهم وتلونهم بحسب الظروف والأزمان كما قدما على قاعدة(لكل مقام مقال)فبئست هذه القاعدة بمثل تطبيق الشيعة هذا.
وهذا هو صريح النفاق وهم يسمونه (تقية)ولهم سلف ومثل في قوله تعالى:(إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) ألا يسمى هذا تقية أيضاً؟
وأحسب أن هناك من مخلصي (السنة)وهم-مع إخلاصهم-غافلون عن شر مثل عبد الحسين هذا واصحابه، يقنعون بأقل ما يخرج من أفواههم من المدح لهؤلاء الصحابة والترضي عنهم والتظاهر بمحبتهم، ويتغافلون عن الشر المتطاير في ثنايا كلامهم من القدح بهؤلاء السادة العظام.(66/13)
ولا نملك لهؤلاء-المخلصين-سوى أن نذكرهم ونحذرهم مما حذرنا الله سبحانه منه بإخباره عمن يصطبغ بصبغة الدين ويشتمل مع المسلمين وهو لا يألو جهدا في زرع الفتنة بينهم تماما كما فعل عبد الحسين هذا بكتابه (المراجعات)، إذ قال الله سبحانه:(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)وهذه الآية والله ينبغي لنا أن نتدبرها بكل كلمة منها لما نجد فيها من الإنطباق على حال صاحب(المراجعات)هذا , وكذا وما بعدها:(ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور.إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصيبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط).نسأل الله أن يرزقنا الصبر والتقوى ليمنع عنا كيد هؤلاء, اللهم آمين.
وقوله بعد ذلك:(نعم ينفرد خصومنا برواية أحاديث في الفضائل لم تثبت عندنا فمعارضتهم إيانا بها مصادرة لا تنتظر من غير مكابر متحكم إذ لا يسعنا إعتبارها بوجه من الوجوه مهما كانت معتبرة عند الخصم).هذا باطل أيضاً كما سنبينه:
فان الأمر لا يخلو من أحد الوجهين:
إما أن يحتج كل خصم بما عنده على الآخر وهذا لا يستسيغه عاقل يريد الإنصاف وإقامة الحجة معاً ,
أو أن يحتج كل خصم على الآخر بما عند خصمه نفسه مما يؤيد مذهبه ومشربه وهذا ما حاول فعله في (المراجعات).لكن ها هنا ثلاثة شروط لإستقامة هذه الطريقة وجدواها وإتصافها بالعدل والإنصاف:(66/14)
الشرط الاول:أن تخضع تلك النصوص المستقاة من كتب الخصم لمقاييس الخصم نفسه، من حيث صحتها وثبوتها أوعدم ذلك عنده. وأن تُقيم بما يقيم به الخصم نصوصه حتى تصبح مقبولة عنده ومن ثم يمكن للمخالف أن يحتج بها عليه ويلزمه بها.وبخلاف ذلك لا تشكل أي دليل عليه أبداً.وهذا الشرط لم يحققه صاحب (المراجعات)إلا قليلاً.إذ قد ساق كثيراً من الأحاديث محتجاً بها على أهل السنة وهي عندهم في كتب الموضوعات والروايات المكذوبة.أو أنهم رووها وعلقوا عليها بالرد فيهمل ذلك كله ويأخذ الرواية لوحدها وهذا مع ما فيه من التدليس والغش والكذب يسقط حجية تلك النصوص المزعومة على أهل السنة.وقد مر بنا من ذلك الكثير الكثير ولله الحمد.
الشرط الثاني: بعد ثبوت تلك النصوص وصحتها يجب أن يعلم توجيه الخصم لمعناها وما الذي فهمه منها ما دامت هي نصوصه لا نصوص غيره. وهو الذي رواها لم يروها غيره-هذا فيما إنفرد به الخصم-فهو إذن أعرف بمرادها ومدلولها من الآخرين. وإلا فهي مكابرة ومعاندة صرفة وجمود مجرد نظير من يعرف أهل العربية-وهو ليس منهم-بلغتهم بل ويحتج بها عليهم.أو من من يعرف أهل الطب بمصطلحاتهم.وأهل الهندسة بقواعدهم وغير ذلك.وهذا ما عدمه عبد الحسين هذا في (المراجعات)تماما.اذ هو بعد سوقه للنصوص-مع ما فيها من الموضوع المكذوب- يفسرها بما يشاء ويهوي لا ضابط له إلا هواه وعصبيته.ونعوذ بالله من هذا الجهل والخذلان.وأوضح دلائل خذلان الله للعبد أنك تراه يحاول ليّ النصوص لياً وتحميلها فوق ما تحتمله، ونسأل الله العافية.(66/15)
الشرط الثالث:إذا ما ارتضى الخصم إقامة الحجة بنصوص خصمه نفسه كان عليه أن يقبل المعارضة بمثلها وإلا فهو تحكم للهوى والعصبية.فإن حاله لا يخرج عن أحد حالين:إما أن يكون إحتجاجه بتلك النصوص لثبوتها عنده-وهي لم ترو إلا من طريق الخصم-أو لإقامة الحجة على الخصم فقط.فإن كان الاول كان ثبوت الأخرى المعارضة لها مثلها إذ قد إتفقا في المخرج فينبغي لها أن تكون ثابتة عنده أيضاً.وإن كان الثاني لم تقو على احجاج الخصم لوجود ما يعارضها أو يبين المراد منها عنده. فليس الخصم في حرج من قبولها إذ هي متوافقة عنده مع الأخرى المبينة لها فلا يمكن إلزامه من غير ما التزمه.
ولا يقال أن الإحتجاج بها إنما كان لثبوتها عند المجادل نفسه من طريقه فإن في هذا خروجا عن المنهج.الذي إتفق عليه من إلزام الخصم بما في نصوصه نفسه. فإذا كان ثمة نصوص مشتركة بين الخصمين كان الواجب على المخاصم أن يحتج بما عند خصمه من طريقه، ومن ثم يتوجه الشرط الثالث هذا. وهذا الشرط من الطبيعي أن لايلتزم به عبد الحسين هذا لما في إلتزامه من خذلانه وإندحار حججه كلها.وبه يتبين بطلان وجه عدم أخذه بما عورض به من هذه النصوص وكيف أنه لتمرسه بالمكر والخديعة حاول إدارة الكلام لصالحه بما يخالف الحق.والله المستعان.(66/16)
وأعجب من ذلك قوله بعد هذا:(ألا ترى إنا لا نعارض خصومنا بما إنفردنا بروايته ولا نحتج عليهم إلا بما جاء من طريقهم كحديث الغدير ونحوه) وهذه دعوى كاذبة أيضاً فقد أخل بهذا الشرط كثيراً فيما سبق إذ قد اضطر إلى الإحتجاج بنصوصهم ومن كتبهم-التي لا تساوي عندنا جناح بعوضة-لعدم عثوره عند أهل السنة حتى في (الموضوعات)عندهم على ما يشفي غليله ويحقق هواه فعدل إلى من شاركوه في الهوى والضلالة واحتج بهم كالكيني في(الكافي)والصافي والقمي في(تفسيريهما)والطوسي والصدوق وغيرهم.انظر ذلك في كتابه هذا (ص63 هامش14)، (ص64 هامش 22)، (ص67 هامش 34)، (ص68 هامش 36)، (ص70 هامش 44,43,42)، (ص74 هامش 58)، (ص67 هامش30)، (ص62 هامش12) وغيرها مما يكذبه في إدعائه هذا هنا.
ثم قال عبد الحسين هذا:(على أنا تتبعنا ما انفرد به القوم من أحاديث الفضائل فما وجدنا فيه شيئا من المعارضة ولا فيه أي دلالة على الخلافة ولذلك لم يستند اليه-في خلافة الخلفاء الثلاثة-أحد، والسلام).
لا ادري هل كان في رأس هذا الرافضي عبد الحسين من عقل حين قال هذا القول أو أنه قد كذب في إدعائه تتبع تلك الأحاديث.فإن من كان عنده أدنى عقل وفهم إذا نظر في تلك الأحاديث وجدها تدل-إما بصراحة أو تلميحاً-على خلافة أبي يكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وكذا أحاديث فضائل عمر ومن بعده عثمان رضي الله عنهما.(66/17)
ودعوى عبد الحسين هذا هي دعوى من لا يستحي من الكذب.وهو يزعم أن أهل السنة ليس عندهم من النصوص ما يثبت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وتقديمهم على علي، بل ويتبجح أكثر فيدعي عدم إستناد أحد إليها.وهذه أكثر كتب أهل السنة ممن كتب في العقائد والفضائل والسير كلهم يذكرون خلافتهم رضي الله عنهم ويسوقون أدلة أحقيتهم في التقدم على علي، بل وأفضليته عليه.كما فعل صاحبا الصحيحين في أبواب الفضائل وكذا وغيرهما من أهل السنن والمسانيد وحتى الحاكم-على تشيعه-صنع مثل ذلك في أبواب الفضائل من (المستدرك)كما قدمنا ذلك (ج1/327-328)وتبعهم كثيرون كالإمام ابن حزم في (الفصل)وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في كثير من كتبهما والحافظ الذهبي في (تاريحه)و(سيره)والحافظ ابن كثير في(البداية والنهاية)وأبي جعفر الطحاوي في (عقيدته)وكذا شارحها ابن أبي العز الحنفي، وغيرهم كثيرون ليس هذا موضع سردهم ولا أقوالهم، لكن المقصود التنبيه على أن قول عبد الحسين هذا هو إما قول مخبول لا يعي ما يخرج من رأسه أو قول كاذب مفتر لا يستحي من مثل فعله هذا.
ولا يمكننا هنا ذكر أحاديث فضائلهم وتقدمهم بالخلافة على علي، وأخصهم ابو بكر وعمر لما يستدعيه من التطويل والتفصيل، لكن لا بأس بالإشارة إلى بعضها مما فيه القطع بخلافة أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم بالخصوص ومما فيه تقديمه مع عمر رضي الله عنهما على باقي الأمة وكذا خلافة عثمان بعدهما.(66/18)
فمن ذلك حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال:أتت إمرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه، فقالت:أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ كأنها تريد الموت، قال:إن لم تجديني فأت أبا بكر.أخرجه الامام أحمد(4/82، 83)، والبخاري (3659، 7220)، ومسلم(2386)وغيرهم.وهذا صريح كل الصراحة في خلافته رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ومثلها أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:(ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً)ثم قال:(يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر),أخرجه الامام احمد (6/74، 106، 144) والبخاري(5666، 7217)، ومسلم (2387)وغيرهم أيضا، وفي رواية قال(فلا يطمع في هذا الأمر طامع). وأيضاً أحاديث تقديمه في الصلاة مشهورة ومعروفة وقد روجع صلى الله عليه وسلم في ذلك مرة بعد مرة وهو يقول (مروا أبا بكر فليصل بالناس )وقد رواه غير واحد في الصحيحين وغيرهما وعن عدد من الصحابة كأبي موسى الأشعري وعائشة وابن عمر والعباس بن عبد المطلب، وغيرهم ليس هذا موضع إستقصائها.وكذلك من الأحاديث المتواترة التي لا ينكرها إلا الجاحدون الملحدون ما صدع به صلى الله عليه وسلم على منبره مخاطبا كل الناس به مبينا شدة محبته صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وأنه لا يعدل به أحداً مما يستلزم وجوب تقديمه على كل أمته من بعده وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدّت إلاّ خوخة أبي يكر)وهذا رواه عدد كثير من الصحابة كأبي سعيد وابن عباس وابن الزبير وابن مسعود وجندب البجلي وأبي المعلى وأبي هريرة وعائشة وابن عمر وأنس وغيرهم وهو في الصحاح والسنن والمسانيد، وقد ذكره من صنف في(الأحاديث المتواترة)كالسيوطي وغيره.(66/19)
ومما اشترك فيه أبو بكر مع عمر رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)أخرجه الامام أحمد(5/402,399,385,382)، والترمذي(3663,3662)، وابن ماجه(97) وابن أبي شيبة (12/11) والحميدي(449)وابن أبي عاصم (1148/1149)، وغيرهم.وقوله أيضاً صلى الله عليه وسلم (بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن)أخرجه الامام أحمد(2/368، 450)، والبخاري (7022,7021,3664)، ومسلم(2392)ونحوه عند الترمذي (2289) ولا بأس ببيان بعض ألفاظ هذا الحديث، فقوله(على قليب) اي:على بئر، وقوله (ذنوبا او ذنوبين)الذنوب:الدلو الممتلئة، وقوله(وفي نزعه ضعف)اشارة الى قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الإفتتاح والإزدياد الذي بلغه عمر.كما قال الشافي.وقوله(ثم استحالت غربا)الغرب الدلو العظيم، فهي أكبر من الذنوب، وقوله (يفري فريّة)اي:يعمل عمله، وقوله (فلم أر عبقري)العبقري:هو سيد القوم وقويهم وكبيرهم، وقوله(حتى ضرب الناس بعطن)هو ما يعد للشرب حول البئر من مبارك الإبل.(66/20)
وهذا فيه إشارة صريحة إلى خلافة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم ثم خلافة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما.ومما فيه ذكر عثمان حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر)قال جابر فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما المنوط بعضهم ببعض فهم ولاة الامر الذي بعث الله به نبيه)ا.ه. أخرجه الامام احمد(3/355)وأبو داود(4636)وابن أبي عاصم (1134)والحاكم(3/71-72)وقد صححه الحاكم على تشييعه وإعتداد الرافضة به، ووافقه الذهبي.وقوله في الحديث (نيط)أي علق، والنوط:التعليق.
وأيضاً أخرج الإمام احمد(2/76)(5/259)من حديث ابن عمرو ومن حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(رأيت كأني وضعت في كفّه والأمة في كفة فرجحت بالأمة، ثم وضع أبو بكر في كفة والأمة في كفة فرجح أبو بكر، ووضع عمر في كفة والأمة في كفة فرجح عمر، ثم جيء بعثمان فوزن بهم، ثم رفعت).ونحوه حديث أبي بكر رضي الله عنه عند الإمام أحمد(5/44، 50)وأبي داود (4634، 4635)والترمذي(2287)وابن أبي عاصم(1135)والحاكم(3/70-71)، والبيهقي في( الدلائل )(6/348)وإسناده جيد.(66/21)
وحديث آخر فيه ذكر علي رضي الله عنه والتصريح بأن خلافته عقب خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رجلاً قال:(يا رسول الله رأيت كأن دلوا دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشِطت منه فانتضح عليه منها شيئ)ا.ه.أخرجها الإمام أحمد (5/21)و أبو داود(4637)وابن أبي عاصم (1141)والطبراني في (الكبير)(6965).وقوله (بعراقيها ) العراقي:أعواد يخالف بينها ثم تشتد في عرى الدلو ويعلق بها الحبل وقوله (فانتشطت منه)اي:جذبت منه.
وغير ذلك من النصوص الكثيرة المتظافرة على خلافة أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ثم خلافة عمر لأبي بكر ثم خلافة عثمان لعمر ثم خلافة علي لعثمان رضي الله عنهم أجمعين.التي يحتاج في جمعها الى أوراق كثيرة.لكن فيما سقناه كفاية-إن شاء الله-لدحض دعوى هذا الدجال الماكر عبد الحسين من عدم دلالتها على الخلافة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
المراجعة (53):س:
-طلبه حديث الغدير.
المراجعة (54) ش:
-سوقه لمجموعة من ألفاظ حديث الغدير
الرد على المراجعة (54):
-نقد كل الألفاظ التي ساقها نقدا علميا من جهة السند والمتن كذلك، بعد التقديم بأربعة أمور لخطبة الغدير هذه وأن لا علاقة لها بخطبة حجة الوداع.(66/22)
ها نحن الآن مع مثال آخر من أمثلة تكرار هذا الرافضي عبد الجسين لأدلته أو ما زعمه منها تكرارا لا فائدة منه يريد به التطويل الذي يمكنه من تحريك المعاني لما يهواه ليس إلا، وكذا من أمثلة تدليسه وغشه وعدم أمانته في النقل والإخبار، وقد مر بنا الكلام على خطبة الغدير وسببها بختصار غير مخل في (ج1/43-44)، وكذا في (ج1/428) ولا بأس بإعادته ولو من وجه آخر مجاراة لعبد الحسين هذا في مراجعاته مع أنه قد ساق في هذه المراجعة ما استطاعه من أحاديث خطبة الغدير التي مر قسم منها فيما أشرنا إليه، وما لم يتقدم منها فسنفصل الكلام عليه إنشاء الله تعالى، لكن هاهنا بعض الأمور ينبغي لنا التأكيد عليها والتذكير بها قبل الخوض في هذه الأحاديث، فنقول وبالله التوفيق:(66/23)
الأمر الأول: التنبيه على ضرورة التفريق وعدم الخلط بين خطبة الغدير هذه وبين خطبة حجة الوداع، إذ حاول التسوية بينهما في ألفاظهما هذا الرافضي عبد الحسين في ( المراجعة -8-). ونحن نتحدا الشيعة، كل الشيعة على الإتيان بإسناد واحد صحيح وثابت فيه التصريح بألفاظ أحاديث الغدير هذه أنها كانت في خطبة حجة الوداع أو في المدينة أو اي موضوع غير غدير خم، اللهم إلا مجيء ذلك بأسانيد مكذوبة لا يعجز عن وضع أصعب منها أمثالهم وقد بينا خلال الرد على المراجعة (8 ) أن كل ما في الأمر أن بعض الطرق فيها التصريح بذكر غدير خم، وبعضها مطلق ليس في ذكر أي موضع، لذا يجب حمله على المقيد ولا يصح القول بتعدده لتعدد طرقه فأن هذا في غاية الجهل، والله يعصمنا من الزيغ والضلال (1)
الأمر الثاني: بعد أن بينا الفرق بين خطبة حجة الوداع وخطبة غدير خم، وأن لا تعلق للثانية بالأولى _ وانظر كذلك في ( ج1/43-44)، ( ج1/428 ) _ نعيد التذكير بسبب هذه الخطبة وأنه لما قيل في علي رضي عنه ممن خرج معه إلى اليمن أو ممن وجد في نفسه رضاء بذلك، وأن التوصية به رضي الله عنه بآل البيت عموما رضي الله عنهم، وأن ذلك كله نظير خطبته صلى الله علي وسلم في المدينة بالتوصية بالأنصار، وهو ما يتضح بالآتي..
__________
(1) لا يرد على ما قلناه وينقضه ما أخرجه الترمذي( 4/342 )من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى هذه الوصية في خطبة حجة الوداع يوم عرفة، فإنا قد تحديناهم بإسناد صحيح وثابت. وهذا ليس كذلك فإن في سنده زيد بن الحسن الأنماطي، وهو ضعيف، قال أبوحاتم: منكر الحديث، ولم يرو له أحد إلا الترمذي، ولم يروي له إلا هذا الحديث، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وبيان ضعفه عندما رددنا على المراجعة (8) فراجعه، وبهذا يبقى تحدينا قائما ولله الحمد.(66/24)
الأمر الثالث: وهو ما قدمنا من أن توصية النبي صلى الله عليه وسلم بعلي خاصة وأهل البيت عامة لها نظائر أخرى لما خشي صلى الله عليه وسلم من هضم حقوق الموصى به والإساءة إليه من بعده.فقد أخرج البخاري (5/43) وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: مر أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ( أوصيكم بالأنصار فإنهم كَرِشي وعيبتي، و قد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم)، ومعنى قوله (كَرِشي وعيبتي ) أي: بطانتي وخاصتي، وأخرج نحوه عن إبن عباس رضي الله عنهما. فكما أن الأنصار تخوفوا على مقامهم من بعد النبي صلى الله عليه وسلم فاقتضى ذلك التوصية بهم، فكذلك أهل بيته صلى الله عليه وسلم من بعده وكذلك علي رضي الله عنه نفسه فإنه قد طعن فيه وتكلم فيه والنبي صلى الله عليه وسلم ما زال حيا فكيف الأمر من بعده إذن؟ ألا يستحق ذلك خطبة تبين فضله رضي الله عنه وصدق محبته وموالاته للمؤمنين والأمر بمحبته ونصرته كذلك؟ أنظر ( ج/451-455 ) في الرد على المراجعة (38).(66/25)
وأعظم من كل ذلك خطبتهم صلى الله عليه وسلم في مرض موته لبيان فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لأتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر ) أخرجاه في الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد وابن عباس وآخرين، وقد تقدمت الإشارة إليه وتخريجه في ( ص20 ) من هذا الجزء وهو من الأحاديث الصحيحة الثابته عندنا وإن شاغب الرافضة في رده فما هي بأول مهاتراتهم، ونحن بحمد الله لا نأخذ ببعض الحق ونرد البعض الآخر، بل نأخذه كله كما هو صنيعنا في أحاديث الغدير هذه – ما صح منها – وأحاديث فضائل الصديق رضي الله عنه، وننزل كلاً من ذلك منزلته ولا نضرب بعضه ببعض، وهذا من توفيق الله لأهل السنة بخلاف من عداهم.(66/26)
الأمر الرابع: وهو أن ما قلناه من وجوب التفريق بين خطبة الغدير وخطبة حجة الوداع فوق أنه مقتضى نصوص الخطبتين وأحاديثهما فإنه ينبنى على أصل آخر وهو أن خطبة حجة الوداع أو حجة الإسلام خطبة جامعة شاملة للأصول التي أراد صلى الله عليه وسلم تمسك الأمة بها إلى قيام الساعة، مثل تغليظ حرمة دماء المسلمين وأموالهم بقوله: ( إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) وكذا قوله: ( ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي هاتين موضوع ) وغير ذلك، فإذا كان كذلك فإننا ننظر في ما أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثنا على التمسك به الذي فيه العصمة من الضلال، فنجد أنه صلى الله عله وسلم قال: ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله ) كما ورد ذلك في أحاديث إبن عباس وأبي هريرة وعمرو بن عوف رضي الله عنهم – إنظر ( موطأ الإمام مالك ) ( 1619)، ( مستدرك الحاكم ) ( 1/93 )، ( السنن الكبرى ) للبيهقي ( 10/114 )، ( جامع بيان العلم وفضله ) ( 2/24، 110 )، ( كنز العمال ) ( 875 ) وغيرها – فهذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعظم مجمع حضره، كما قال ابن كثير في ( التفسير ) ( 2/77 ): ( وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفاً )، بخلاف خطبة الأخرى في الغدير وغيره فإنه لم يحضرها ولا قريب من هذا العدد، فلو كانت خطبته في الغدير لأجل ما تدعيه
الرافضة لكان خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة أو يوم النحر خصوصا وقد قدمنا – ( ج1/43-44، 428، 452 ) – إن سببها متقدم حتى على حجة الوداع ومع ذلك فقد أخر هذا الأمر صلى الله عليه وسلم من التوصية بعلي وأهل البيت حتى رجع من حجته في الطريق بين مكة والمدينة وبعدما رحل عنه معظم من كان معه في حجته تلك، حتى يقطع السبيل على مثل هؤلاء الضلال من الروافض في إدعائهم الوصاية لعلي من بعده.(66/27)
ومثل إدعائهم هذا في الضلال والجهل والكذب ما زعموه من نزول قوله تعالى: { يا أيها الرسول بلغ ما أُنزِلَ إليك من ربك... } وقوله { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي... } في حادثة الغدير هذه، وقد فصلنا الرد عليها بحمد الله في ( ج1/156-159 ).
وحتى في خطبة الغدير أعاد صلى الله عليه وسلم ذكر ما يعصم الأمة من الضلال عند التمسك به وهو كتاب الله فقال: (... وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به – فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: - وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ). انظر ( ج1/45 ) إذ بينا عدم صحة القول بأن التمسك المأمور به هو بكتاب الله وأهل البيت، الذي تحاوله الرافضة وتضع من أجله الأحاديث، كحال إمامهم عبد الحسين هذا، فالله المستعان على ما يصفون. وهذا أوان الكلام على الأحاديث التي ساقها، فنقول مستعينين بالله العظيم:
أول ذلك حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، وقد ذكرله هذا الرافضي أربعة طرق...
1- ما أخرجه الطبراني في ( الكبير ) ( 2681، 4971 )، وقد تقدم في ( ج1/46)، وهو من طريق حكيم بن جبير عن أبي الطفيل عن زيد، وهذا الإسناد ضعيف لا يثبت لضعف حكيم بن جبيرهذا، قال الحافظ في ( التقريب ): ( ضعيف، رُمي بالتشييع ) فهو إلى ضعفه متشيع فلا يقبل خبره في مثل هذا كما قدمنا ذلك غير مرة في أحاديث المبتدعة هؤلاء، وقال الدارقطني عنه: متروك، وقد ضعفه حتى الهيثمي في ( المجمع ) (9/164 ) على تساهله.
وأما متنه فقد قدمنا في (ج1/46 ) أنه ليس فيه – على ضعفه – الأمر بالتمسك بالعترة كما لا يخفى، وما يصح من بعض ألفاظه لشواهده في الأحاديث الأخرى فليس فيه أبداً ما يصبو إليه هذا الرافضي عبد الحسين، ولله الحمد.(66/28)
وببيان هذا بيانا واضحا جليا اتضح لنا كذب عبد الحسين هذا بقوله: (بسند مجمع على صحته ) وبإدعائه تصحيح ابن حجر له في الهامشين (1/202) (7/203)، وكل ما في الأمر أن ابن حجر ساق في (الصواعق ) (ص25) حديث الغدير عموما –وليس هذا اللفظ – وصرح بصحته، ولكنه لم يذكر هذا اللفظ ولا قريبا منه ولم يشر إليه حتى، فاستغل ذلك هذا المخادع عبد لحسين لخداعه وغشه عامله الله بما يستحق، وراجع حال كتاب ( الصواعق ) هذا فيما نقلناه منه في (ج1/38)...
وبعد ثبوت ضعف هذا الحديث وسقوطه عن الإحتجاج فلا عبرة ولا وجه لكل ما قاله عبد الحسين هذا في الهوامش التي علق على الحديث بها(6، 5، 4، 3، 2)
إذا مع عدم ثبوت الحديث بهذا اللفظ الذي عول عليه ومنه استخرج هوامشه فليس –مع ذلك – مقتضيا لما سود به هوامشه تلك، مع أن معظمها قد سبق تفصيل الرد عليه، مثل ما أدعاه في الهامش (3) من سبب نزول قوله تعالى: ( يا أيها الرسول بلغ ما أُنزِل إليك من ربك ) معزواً للواحدي، و قد تقدم تفصيل رده في (ج1/157) وكذا في الهامش (4) من سبب نزول الآية ( وقفوهم إنهم مسؤولون ) وقد تقدم أيضا في (ج1/165-166) وايضاً ما ادعاه من القرينة اللفظية في الهامش (6) بشأن قوله صلى الله عليه وسلم: ( أنا أولى بهم من أنفسهم... ) وقد تقدم الرد على ذلك –بحمد الله-بقرائن واضحة جلية ومدعماً بنصوص أخرى بما لا يماري فيه ذوي العقول في (ج1/455-457) وكذا ما قبله (ج1/451-455). وهذا كله من دلائل رغبة هذا الرافضي في التطويل بالأعادة التي لا طائل تحتها، مجتراً كلامه وأدلته اجترار البعير لطعامه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.(66/29)
وأما ما انتهى إليه – بوحي من إبليس لعنه الله –من أن الولاية المزعومة هذه من أصول الدين وذلك فيما خرطه في الهامش (5) بقوله: ( حيث سألهم أولاً فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؟ إلى أن قال: وإن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث مَن في القبور، ثم عقب ذلك بذكر الولاية ليعلم أنها على حد تلك الأمور التي سألهم عنها فأقرولهم بها، وهذا ظاهر لكل مَن عرف أساليب الكلام ومغازيه من أُولي الأفهام ) إ.ه. ونحن نقول: بل هو عند مَن عرف أساليب الكذب والدجل والمراوغة من أُولي النفوس المريضة التي عشعش فيها الشيطان إذ – على فرض صحة الحديث بهذا السياق، وقد قدمنا ضعفه وسقوطه – هو نظير قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما: ( مَن كان يؤمن بالله فليقل خيرا أو ليسكت ) فهل يحق لذي فهم قد أنعم الله عليه بسلامة العقل أن يقول أن الإحسان الى الجار وإكرام الضيف بمنزلة الإيمان بالله واليوم الآخر ة عديل له؟ أو هي من أركان الإيمان وأصول الدين؟ وكذا قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح ( واللهِ لا يؤمن، و اللهِ لا يؤمن، واللهِ لا يؤمن ) قيل: ومَن يا رسول الله؟ قال: ( مَن لا يأمن جاره بوائقه). وهذا أقوى من كل ما سبق فإن فيه نفي الإيمان، ومع ذلك لم يدعِ أحد فيه ما ادعى عبد الحسين في هذا الحديث، وغير ذلك من الأمثلة.(66/30)
ولكننا نقول – وبالله نتأيد –أن ذكر هذه الأمور بعد ذكر أركان الإيمان وأصول الإعتقاد لبيان أنها من مقتضيات كمال الإيمان وصحته وإستقامته لا من أركانه وأسسه التي يزول بزوالها، ومثله قوله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين إذا ذُكِر الله وجِلت قلوبهم وإذا تُلِيَت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم يُنفِقون )، وقوله: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) وهذا كله أقوى في الحجة مما ساقه عبد الحسين هذا، فإن فيه – حتى على مذهبه نفسه – حصراً (بإنما) لكن أحدا لم يقل أن هذه هي أركان الإيمان، بل الأمة متفقة على أنها من لوازم كماله وصحته وليست من أسسه التي ينقض بذهابها، وهكذا الشأن فيما ذكر من لفظ حديث الغدير هذا مع أنه لم يصح ولم يثبت ولله الحمد كما بيناه وحتى لفظ الحديث الذي ساقه – مع أنه قد تلاعب به شيئا – لا يساعده أبداً في دعواه كما هو واضح لكل مَن تأمل فيه وأمعن النظر، والله ولي التوفيق.
2- الطريق الثاني لحديث زيد بن أرقم عند الحاكم (3/109) قد تقدم الكلام عليه تفصيلا في (ج1/42) إذ كان قد ذكره عبد الحسين هذا في ( المراجعة -8-) وقد بينا هناك عدم انتهاض لفظه للإحتجاج به على مثل ما ادعاه هذا الرافضي، فليراجع.(66/31)
3- الطريق الثالث عن زيد أيضاً عند الإمام أحمد (4/372)، وهذا فيه _ وكذا ما قبله – التصريح بأن هذه الوصية كانت عند غدير خم لا في حجة الوداع في عرفة، وقد مر في ( ج1/455-457) معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( ألستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه )، ومعنى ( الولي ) والأولى ) بيناه بأوضح حجة ولله الحمد، مع أن إسناد حديث زيد هذا عند الإمام أحمد ( 4/372) ضعيف لا يثبت إذ هو من رواية أبي عبيد عن ميمون أبي عبد الله قال: قال زيد بن أرقم، وميمون هذا ضعيف كما في ( التقريب )، وأبو عبيد مجهول لا يعرف كما في ( تعجيل المنفعة )، والله أعلم.
4- الطريق الرابع عن زيد عند النسائي في (الخصائص ) (ص21) هو نفسه الطريق الثاني المار بنفس اللفظ والإسناد، عند الحاكم (3/109) وقد أخرجه الطبراني أيضا ( 4969) وإبن أبي عاصم في (السنة ) (1555) ومن حماقة هذا الرافضي أنه يعيد الحديث من نفس الطريق واللفظ، و إلا فما معنى هذا الفعل؟ وراجع الكلام عليه مفصلا – كما قلنا – في (ج1 /42).
ولا نريد أن نغفل تعريض هذا الدجال عبد الحسين بالإمام مسلم حين قال: ( وهذا الحديث أخرجه مسلم في باب فضائل علي من صحيحه من عدة طرق عن زيد بن أرقم، لكنه اختصره فبتره –و كذلك يفعلون - ) إ.ه بل نرد علىيه بيان إسناده مع ما مر في (ج1/42) من أن لفظ الحديث لا يدل على مطلوب هؤلاء الرافضة، إذ ليس فيه حتى التمسك بالعترة. أما إسناده فهو من طريق الأعمش ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم.(66/32)
وقبل بيان علة هذا الإسناد نتقدم بالتصريح بصحة هذا الحديث لما له من شواهد ومتابعات لكن هذه الصحة لا تبلغ درجة ما اشترطه مسلم في (صحيحه) لما سنبينه إن شاء الله، لذا لم يخرجه مسلم في صحيحه شأنه شأن، كثير من الأحاديث الأخرى الصحيحه لكنها ليست على شرط مسلم أو البخاري فلم يخرجاها في صحيحيهما، مع أنهما قد صرحا بصحة كثير من الأحاديث خارج كتابيهما، انظر (الباعث الحثيث ) ( ص25) وغيره، ومن ادعى خلاف هذا فهو جاهل، أولى به أن، يطبق فمه ويمسك قلمه.
فلا يعاب إذن البخاري أو مسلم عدم إخراج حديث هو صحيح إلا إذا كان في الصحة مثل ما اشترطاه وهذا ما لا ينطبق هنا لعلته المتمثلة بحبيب بن أبي ثابت، وهو ثقة متفق على الاحتجاج به لكنه على جلالة قدره كان كثير الإرسال والتدليس كما قال الحافظ في( التقريب )، وذكره أيضاً في ( طبقات المدليسين) (رقم 69) في المرتبة الثالثة التي قال عنها (ص13): ( من أكثر التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع...) ووصف حبيب بقوله: ( تابعي مشهور، يكثر التدليس، وصفه بذلك إبن خزيمة والدارقطني وغيرهما، ونقل أبو بكر بن عياش عن الأعمش عنه أنه كان يقول: لو أن رجلا حدثني عنك ما باليت أن رويته عنك، يعني وأسقطته من الوسط) إ.ه.
فمثله لا يُحتج بروايته إلا إذا صرح بالحديث، وهو في هذه الر واية قد عنعم، فهي مردودة، ومن أجل هذه العلة لم يخرج الحديث الإمام مسلم، فخاض الجهلاء في بولهم وروثهم، والله يعصمنا من هؤلاء.
الحديث الثاني في هذه المراجعة حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، عند الإمام أحمد(4/281) وابن ماجه (116) بإسنادين كلاهما من طريق علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت بن البراء.
وهذا إسناد ضعيف وساقط من أجل علي بن زيد بن جدعان، وقد قدمنا حاله ضمن الرواة المئة برقم (63) فليراجع.(66/33)
لكن هذا الحديث يصح لما له من شواهد أخرى قد تقدمت، سوى آخره وهو قوله: (فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ) إ.ه فهذا ليس له أي شاهد أو متابع فيبقى ضعيفاً وساقطاً لا يحتج له، ولله الحمد، أما ما صح من هذا الحديث فليس فيه ما يساعد هذا الرافضي على دعواه كما لا يخفي.
ومثله الحديث الثالث بعده حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من طريق ابنته عائشة بإسنادين، وقد فَصَلهما عبد الحسين هذا بفقرتين–هامش ( 16، 15 ) (ص05)- موهماً أنهما حديثين منفصلان عند النسائي في ( خصائص علي ) ( ص4، ص25) وهما في الواقع حديث واحد.
وقد أخرجه أيضاً ابن جرير الطبري في كتابه ( أحاديث غدير خم ) كما نقله عنه الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية) (5/212-213).
وهذا الحديث وإن كان في إسناده مقال إلا أنه يصح بطريقيه وبشواهده الأخرى كما نقل ابن كثير عن الحافظ الذهبي أنه قال: ( وهذا حديث حسن غريب )، لكنه ليس فيه أي دليل على دعوى الرافضة الوصاية لعلي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان ذلك قد استخرجوه من قولهصلى الله عليه وسلم ( اللهم والِ مَن ولاه وعادِ مَن عاداه ) فقد قدمنا في الكلام على المرجعتين (38، 36) ما يرد ذلك بأوضح حجة وبرهان ولله الحمد، انظر ما بيناه وأثبناه في سبب هذه الخطبة وهذا الحديث في (ج1/451-455).
وفوق ذلك نجد اننا في حديث سعد الأول هنا ما يقيد هذه الوصاية – إن صحت- ويخصصها، ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيها (... ويؤدي عني دَيْني ) فهو تخصيص لما يؤديه علي رضي الله عنه، وهذا قطعاً لا يعجب الرافضة فماذا عساهم يجيبون؟ والحديث بهذا اللفظ نظير حديث حبشي بن جنادة وقد مر الكلام عليه في ( ج1/506-507) فليراجَع.
ثم ختم عبد الحسين مراجعته هذه بكذبة فقال: ( والسنن في هذه كثيرة لا تحاط ولا تضبط، وهي نصوص صريحةبأنه ولي العهد وصاحب الأمر من بعده...).(66/34)
وفيما تقدم كفاية –إن شاء الله – في رده وبيان أن ما صح من تلك النصوص فليس فيه التصريح بذلك ولا التلميح به بل ولا قريب منه، وهذا ما لا يمكنهم إثبات خلافه بعون الله تعالى.
المراجعة (55): س:
-إعتراض شيخ الأزهر بعدم تواتر حديث الغدير هذا.
المراجعة (56): ش:
- تكلم عن إثبات تواتر حديث الغدير من ثمانية أوجه
الرد على المراجعة (56):
-تفصيل المراد بالتواتر من حديث الغدير وأنه ليس بعمومه بل يشمل قوله صلى الله عليه وسلم ( مَن كنت مولاه فعليٌ مولاه) فقط هذا لا غيره، وأن كل ما أثبته التواتر لم يثبت أكثر من هذا حتى مع الأوجه الثمانية التي زعمها، ثم كشف ما في كلامه من المراوغة والتدليس الشنيع بل الكذب خلال ذلك.
تكلم في هذه المراجعة في إثبات تواتر حديث الغدير بعد أن افترض اعتراضاً من مناظره، وقبل أن نستعرض ما اقتمشه في هذا المراجعة نبين أمراًلا يصح أن يغفل، وهو أن كل مَن صرح بتواتر هذا الحديث من علماء هذا الشأن ممن ذكرهم هذا الرافضي في الفقرة الثامنة هنا أو غيرهم إنما يعنون به قوله صلى الله عليه وسلم: ( مَن كنت مولاه فعلي مولاه )، فقط هذا لا غيره أبداً ومن شك في هذا فليراجع كلامهم من كتبهم التي أشار إليها هذا الرافضي نفسه أو غيرها مثل
( الأزهار المتناثرة ) للسيوطى، ( نظم المتناثر)للكتانى، ( لقط اللآليءالمتناثرة ) للزبيدي وغير ذلك.
فالكلام إذن في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن كنت مولاه فعلي مولاه ) لا بمطلق حادثة الغدير وتفاصيلها كما حاول الإيهام به هذا الماكر عبد الحسين، ولا بسواه من الألفاظ التي زيدت على حادثة الغدير هذه والتي هي من صنيع الرافضة وأعوانهم.(66/35)
ونحن نبقى نتحدى كل الرافضة في إثبات صحة حادثة الغدير التي يذكرونها بتلك الزيادات الباطلة، اللهم إلا قوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه ) فهذا فقط يمكن أن يصبح ويثبت لما له من طرق إلا أنه أيضا غير متواتر عند كل من عرف إصطلاح القوم وهداه الله ومنَّ عليه بالتوفيق. وقد سبق في (ج1/451-457) بيان سبب هذا الحديث والمراد منه فلا حاجة للإعادة.
وبعد هذا البيان المهم يتبين لك صنيع عبد الحسين هذا في الغش والتمويه بذكره ألفاظ أحاديث الغدير الباطلة والمكذوبة أولا ثم تعقيبه في هذه المراجعة بنقل النص على تواتره عن عدد من أهل هذا الشأن وهم لا يعنون إلا قوله صلى الله عليه وسلم: ( مَن كنت مولاه فعليِّ مولاه )، إلا أنه ساقه بعد تلك الزيادات الباطلة التي اختارها موهماً أنهم يعنون إيّاها، وقد سبق مثل هذا الغش والتدليس منه في المراجعتين (22، 20) مما يؤكد أن أصول دينه ومذهبه قائمة على ذلك فإلى الله المشتكى.
ونبدأ الآن بإستعراض ما قاله في هذه المراجعة مبتدئين من الفقرة الأولى فنقول:
إذا أغفلنا المبالغة المتعددة في كلامه هنا، فإن ما قاله ينطبق تماما على خطبته صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبيل موته وهو يبين بيانا أقوى من التصريح خلافة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه له صلى الله عليه وسلم وأحقيته لذلك، فقال:( لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لأتخذت أبا بكر خليلاً، لا يبقين في المسجد خوخة إلاّ سُدَّت إلاّ خوخة أبي بكر )، وهذا من الأحاديث المتواترة كما قلنا في صفحة (20)،
وذكر في المتواتر أيضا كل مَن ذكر الحديث الأول( مَن كنت مولاه فعليِّ مولاه )، وأهل السنة يؤمنون بهما جميعا ويقطعون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قالهما حقا، بخلاف غيرهم من أهل الرفض أو النصب الذين يردون أحدهما، فباؤوا بغضب من الله.(66/36)
فكل ما يقال عن حديث الغدير هذا يقال عن حديث الصدّيق الذي ذكرناه ولا فرق بحمد الله.
وأما الفقرة الثانية هنا فقد تضمنت كذبا على الله سبحانه وتقوّلاً عليه بلا علم، وهو أشد من الشرك لقوله تعالى ( قل إنما حرَّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزِّل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ). وإلا فما معنى قوله ( إن حديث الغدير كان محل العناية من الله عز وجل)؟ أليس هذا كذبا على الله سبحانه؟
ثم أراد أن يثبت ذلك فزعم أنه قد نزل في هذا قوله تعالى ( يا أيها الرسول بلّغ ما اُنزِل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) ثم بعد ذلك قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم.. ) الآية.
وقد بينا بحمد الله في (ج1/156-159) كذب إدعائه هذا وكذلك بطلان كل هذه الروايات التي ذكرها في الهامش هنا (1/207) فهي عينها التي سردها في
( المراجعة -12-) فلا حاجة بنا الى إعادة ذلك ففيما تقدم البيان الشافي إن شاء الله مع التذكير هنا أن معظم تخريجه هذا نقله من سلفه ابن المطهر الحليّ دون عثوره على ادعاه بخصوص كتابي الثعلبي وابي نعيم.
لكن أحب أن أُعَقِّب على نقطتين وردتا في كلامه هنا، الأولى: قوله في الهامش (1/207): ( وأخبارنا في ذلك متواترة عن أئمة العترة الطاهرة ) وقد بينا في ( ج1/106-108) بإعتراف حجتهم الحالي الخوئي عدم امتلاكهم لما يسمى بالصحاح المتواترة بما يرد كلام عبد الحسين هنا.
الثانية: قوله في الهامش (2/207): ( صحاحنا في نزول هذه الآية بما قلنا متواترة من طريق العترة الطاهرة فلا ريب فيه وإن روى البخاري أنها نزلت يوم عرفة – وأهل البيت أدرى - ) إ.ه.
ونحن نسأل: أهذا منطق من يريد إقامة الحجة على خصمه؟ بل هو والله منطق الصبيان والمجانين، مَن يصادر على حجة خصمه لا لشيء إلاّ لعدم موافقتها لما يهواه، وليس رداً علمياً ثابتاً.(66/37)
فلِم رد رواية البخاري بوجه من يجعله أصح الكتب بعد كتاب الله؟ فقط هكذا:
( ليس الأمر كذلك وإن رواه البخاري )؟ أيمكن أن يُتَصَوّر بأن مؤلفا يحترم نفسه يفعل مثل هذا؟
ثم أن البخاري لم ينفرد به بل رواه أيضا الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن مردوية – انظر (ج1/157-159) – وعن عدد من الصحابة أيضاً.
ثم قوله: ( وأهل البيت أدرى ) إن كان يعني بهم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم – أي أن هذا ليس مثلا من الأمثال _ فهو في كل هذه المراجعات يريد أن يثبت ذلك ويتوصل اليه فكيف يصح أن يحتج به؟ أيخالفني عاقل الآن بحماقة عبد الحسين هذا مع خبثه ومكره؟
ومع ذلك فقد روى ذلك ايضاً – بما يرد قول هذا الرافضي – إثنان من خيار أهل البيت، وهما علي أبي طالب نفسه كما رواه ابن مردويه – انظر( تفسير ابن كثير ) (2/13) -، وعبد الله بن عباس أيضا كما عند ابن جرير (6/53)، فما عساه يقول بعد هذا؟؟
ثم الفقرة الثالثة هنا تضمنت من الكذب والزور مثل ما في الثانية تلك، فإن معناها لمن تدبرها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج حجة الوداع إلاّ لينادي بولاية عليّ – زعموا – لا لأداء ركن من أركان الإسلام ولتعليم الأمة حجها الذي فرضه الله تعالى عليها. وليس هذا مستبعداً ممن يقول: أن بعثة محمد صلى الله عله وسلم ما كانت إلا للدلالة على علي ّ وفضله وولايته، أو أن الأنبياء ما بُعِثوا إلا بولاية علىّو أهل البيت، كما نص على ذلك هذا المخادع عبد الحسين في ( المراجعة -12-).
ثم أشار خلال ذلك الى ما أسماه بنص الدار يوم الإنذار بمكة، وقد ذكره منفصلا في ( المراجعة -20-) وتقدم منا بحمد الله الرد عليه وبيان وضعه وكذبه في (ج1/353-355) فليراجع.(66/38)
وأما الحديث الآخر الذي ساقه ولفظه ( عليّ مني وأنا من عليّ ولا يؤدي عني إلا أنا أو عليّ ) فقد تقدم في ( المراجعة -48-) برقم(15) وتكلمنا عليه وعلى هامشه هناك بما يقطع بعده كل مَن تدبره بكذب زعم هذا الرافضي بأن هذا القول ورد في حجة الوداع، وبينّا هناك ما يمكن أن يصح من لفظ هذا الحديث وعلله الأخرى، وأنه لا تعلق له أبداً بحجة الوداع وأن الذي أوقع عبد الحسين في هذا قصور فهمه وحماقته أو خبثه وسوء نيته، كل ذلك بكلام هو الذي يجدر بالباحثين – إن شاء الله – أن يقفوا عليه لا كلام عبد الحسين هذا كما زعم، ومَن أراد التثبت فليقارن بينهما والله الهادي الى سواء السبيل.
ثم قال عبد الحسين: ( ولما قفل بمَن معه من تلك الألوف وبلغوا وادي خُم وهبط عليه الروح الأمين بآية التبليغ عن رب ّالعالمين... ) وهذا إشارة منه الى ما كان زعمه في ( المراجعة -12-) من نزول قوله تعالى ( يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزِل إليك من ربك...) الآية، في حادثة الغدير، وقد بينا في ( ج1/156-159) عدم صحة وكذب الروايات التي تذكره والتي عليها عوّلَ عبد الحسين في استشهاده، فليراجع.
ثم قوله: ( وقد حمله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من كان معه يومئذ من تلك الجماهير وكانت تربو على مئة ألف نسمة من بلادٍ شتى ) كذب ظاهر إذ كيف يخطر ببال عاقل أن حديثاً مثل حديث الغدير هذا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مئة ألف صحابي كما هو مقصود عبارة هذا الرافضي؟ هذا على فرض صحة القول بأن مَن شهد حجة الوداع بلغوا هذا العدد.(66/39)
والفقرة الرابعة ابتدأها الرافضي بذكر خطبة عليّ رضي الله عنه يوم الرحبة بحديث الغدير هذا، وقد أخرج هذه الخطبة عن عليّ الأمام أحمد في (مسنده)، وابن جرير والنسائي في ( خصائص عليّ)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على مسند أبيه وغيرهم من طرق متعددة عن عليّ، و كذا عن زيد بن ارقم، وقد ساق بعضها الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية ) (5/210-212)(7/346-348) وحاصلها يدل أن عليا رضي الله عنه استشهد مَن حضره من الصحابة يوم الرحبة أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه يوم غدير خُم بما تقدم ذكر لفظه وما صح منه، وهذا أيضا هو ما صرَّحت به الروايات التي ساقها عبد الحسين هذا في هذه الفقرة، إلا أنه من جهله عزا الروايتين االأخيرتين في مسند الإمام أحمد (1/119)، الى أحمد بن حنبل نفسه وهو بخلاف الواقع بل هما من زيادات ابنه عبد الله على المسند كما هو صريح عند كل مَن رجع الى المسند وتحقق منه في ذلك الموضع.
ومَن تدبر هذا الحديث علم أنه لا يدل، على أكثر مما كنا بينّاه في معنى وصية النبي صلى الله عليه وسلم يوم الغدير بعليّ وأهل البيت مع استحضار السبب المؤدي لتلك الوصية، انظر ما تقدم في ( ج1/451-455)، إلاّ أن لنا عدة تعقيبات على كلام عبد الحسين في هذه الفقرة:
الأول: ما زاده من فهمه على نص حديث زيد بن أرقم الذي ساقه فقال: ( قال أبو طفيل: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً –أي من عدم عمل جمهور الأمة بهذا الحديث – فلقيت زيد بن أرقم...) فقوله ( أي من عدم..) زيادة على النص وتحريف لمفهومه وتحميل له ما لا يتحمله، وهذا شأن المبطلين دائماً، لعدم وجود دليل شرعي صحيح يدل على أباطيلهم يعمدون الى تحريف النصوص بتحريف معناها ومحتواها أو الزيادة عليها مما يقوم في أفهامهم السقيمة، فنعوذ بالله من الخذلان.(66/40)
ومَن أخبر الحمير أن أبا الطفيل عنى بقوله: ( وكأن في نفسي شيئاً ) عدم عمل جمهور الأمة بهذا الحديث؟ ثم مَن قال أنهم لم يعملوا به؟.
بل كان سادة هذه الأمة من أئمة السلف هم أول الناس عملاً بحديث غدير خُم ووصية النبي صلى الله عليه وسلم بعلي ّو أهل بيته، فهم موالون لعليّ رضي الله عنه كل الولاية التي يستحقها مع توليهم لغيره من إخوانه من الصحابة كل بما أنزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يفرقون بينهم بخلاف غيرهم من أهل الرفض أو النصب.
الثاني: تعريضه بالطعن بالصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله حين قال: ( ورب قوم أقعدهم البغض عن القيام بواجب الشهادة كأنس بن مالك وغيره فأصابتهم دعوة أمير المؤمنين عليه السلام ). وهذا من، أدق أنواع التلفيق والتزوير، فالرواية التي ذكرها في الهامش (5/209) والتي فيها إمتناع أنس من الشهادة لعليّ ثم دعاء عليّ عليه، باطلة لا تصح، ومَن رجع الى كتاب ( المعارف ) لأبن قتيبة الدينوري (ص194-195) وجد مصداق ذلك إذ قال ابن قتيبة: ( وذكر قوم أن علياً رضي الله عنه سأله –يعني أنساً- عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه، فقال: كبرت سني ونسيت، فقال: إن كنت كاذبا فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة، قال أبو محمد –يعني ابن قتيبة-: ليس لهذا أصل ) إ.ه. فها هو ابن قتيبة يكذّب هذه الرواية وينفي أن لها أصلاً وهو لم يسقها إلاّ ليبين كذبها، فلعنة الله على الكاذبين والمزورين.(66/41)
وقد أخرج الطبراني في ( الصغير ) (168) عن عميرة بن سعد قال: شهدت علياً رضي الله عنه على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:مَن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خُم يقول ما قال فليشهد, فقام إثنا عشر رجلاً منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من كنت مولاه فعليُّ مولاه... ) الحديث، وله طريق آخر ذكره الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية )(5/211) وهذا فيه التصريح بأن أنساً رضي الله عنه كان فيمن قام فشهد لعليّ رضي الله عنه بحديث الغدير، ومعه أبو هريرة وأبو سعيد، وهؤلاء ثلاثتهم تبغضهم الشيعة وتلعنهم.
فهذه الرواية تبين كذب تلك الرواية التي ساقها عبد الحسين هذا في الهامش ( 5/209) والتي تذكر عدم قيام أنس للشهادة ثم دعاء عليّ عليه، ولإنعدام الأمانة عند عبد الحسين هذا لم ينقل تكذيب ابن قتيبة لها مع أنه لم يجدها إلا عنه.
الثالث: يتعلق بقوله: ( وأنت تعلم أن تواطؤ الثلاثين صحابياً على الكذب مما يمنعه العقل، فحصول التواتر بمجرد شهادتهم إذن قطعي لا ريب فيه..).
فمنذ متى كان الرافضة يقيمون وزناُ للصحابة وإجماعهم؟ أليسوا هم القائلين بأن الصحابة كلهم قد ارتدوا وكفروا بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ نفراً يسيراً؟ انظر مقدمة كتابنا هذا في ( الجزء 1/12)، ثم هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم قد اجتمع منهم أضعاف هذه الثلاثين في حديث الغدير على خلافة أبي بكر الصدّيق ثم خلافة عمر من بعده ثم خلافة عثمان كذلك رضي الله عنهم، فلِمَ لم يعبأ بهم الرافضة؟ ولا يمكن أن يكون كلام عبد الحسين هذا لإقامة الحجة على أهل السنة من أصولهم فإنه لم يأتِ الى هذا بعد بل قد حاول فِعل ذلك في الفقرة الثامنة من هذه المراجعة، أما هنا فهو من قبيل ما أسماه بعناية أمير المؤمنين كما هو واضح من عنوان مراجعته هذه.(66/42)
الرابع: وهو الأهم، في طريقة إثباته للتوتر وإكتفائه لذلك بحديثٍ واحد فيه ذكر لثلاثين صحابياً أنهم شهدوا بهذا الحديث، لكن نقل شهادة هؤلاء الثلاثين لم يأت إلاّ من طريق واحد، فهو خبر واحد عن تواتر فكيف يصح ذلك؟ نعم إن الحديث متواتر كما قدمنا لكن ما هكذا يثبت أهل العلم التواتر، بل هو شأن الجهلاء.
وما زعمه من خطبة الحسين بن عليّ رضي الله عنهما في الفقرة الخامسة لا حجة به علينا إذ لم يبّين لنا إسناده ولا موضعه مع أنه ليس في ثبوت ذلك ما يضير، فهو لا يعدو كونه طريقاً من طريق حديث غدير خُم بعد تمييز اللفظ الصحيح له من الضعيف، هذا على فرض صحة إدعاء هذا الرافضي عبد الحسين فما هو بصدوق.
أما الفقرتان السادسة والسابعة فقد ظهر فيها بعض ما عند الرافضة من الضلال المبين والإبتداع المنهي عنه في الدين بإتخاذهم يوم الغدير هذا عيداً وهوما لم يشرعه الله سبحانه ولم يأذن به بل هو من إبتكار إبليس اللعين لهم، كما قال تعالى: ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) وهما هو هذا الرافضي الخبيث عبد الحسين يقر بأنه مبتدع لم يفعلها إلاّ أئمتهم –زعموا – ولم يستطع حتى نسبته – بالكذب – الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد مر في (ج1/161-162) نقل نصوص من أحد كتبهم المعتمدة، وهو (وسائل الشيعة )
(5/224)(7/323) ولا شك في كذبها عن الصادق تُبّين أن يوم الغدير عندهم أعظم الأيام وأنه عيد الله الأكبر وأعظم حرمة وأشرف من الأضحى والفطر، بل إن الأنبياء كلهم قد تعيدوا فيه، و نحن نقول: هكذا فليكن الكذب.(66/43)
وهذه البِدعة الشنيعة المنكرة كان أول مَن أظهرها أبو الحسن أحمد بن بويه الملقب بِمُعِّز الدولة وهو –والله- كان سببا في إذلال الإسلام وأهله وإنتصار الروم عليهم، فإن مَن نظر في تاريخ الأمة وما مرّت به منذ أول دولة بني بويه سنة أربع وثلاثين ثلاثمائة حتى نهايتها بعد مائة وعشرين سنة وبضعة أشهر تيقن من ذلك، إذ قد استحوذ الفرنج على سواحل الشام وبلاد الشام كلها حتى بيت المقدس ولم يبقَ مع المسلمين سوى حلب وحِمص وحَماة ودِمشق وبعض أعمالها، وجميع السواحل وغيرها مع الفرنج، والنواقيس النصرانية والطقوس الإنجيلية تضرب في شواهق الحصون والقِلاع، وتكفر في أماكن الإيمان من المساجد وغيرها من شريف البِقاع، و الناس معهم في حصر عظيم وضيق من الدين، وأهل هذه المدن التي في يد المسلمين في خوف شديد في ليلهم ونهارهم من الفرنج فإنا لله وإنا إليه راجعون –انظر ( البداية والنهاية ) (11/241)-. وكل ذلك من بعض عقوبات المعاصي والذنوب، وإظهار سب خير الخلق بعد الأنبياء، كما قال الحافظ ابن كثير لما ذكر ابن بويه هذا وأفعاله فعقب عليه: ( لا جرم أن الله لا ينصر أمثال هؤلاء بل يديل عليهم أعداءهم لمتابعتهم أهواءهم، وتقليدهم سادتهم وكبراءهم وآباءهم وتركهم أنبياءهم وعلماءهم... ).
وهذا الرافضي الخبيث المدعو عبد الحسين لا يتحرج من التصريح بمثل شنائعهم هذه بل ويتباهى بها، نظير تباهيه بحماقتهم وسفاهاتهم الأخرى مثل اللطم والضرب والعويل على الحسين رضي لله عنه في عاشوراء، والذي لا يشك عاقل أنه من فعل المجانين، و أثبته لهم وافتخر به عبد الحسين هذا في كتابه ( المجالس الفاخرة في مآتم العطرة الطاهرة )، وقد يسَّر الله سبحانه من علماء أهل السنة مَن رَّه وأبطله بنصوص الشيعة أنفسهم، فقد رأيت رداً عليه للشيخ عبد الله بن عبد العزيز في كتابه القيم ( الشيعة والحسينيات ) حريّ بالمحققين الوقوف عليه.(66/44)
ومن نظر في دين الرافضة هؤلاء بمثل أفعالهم هذه تيقن أن دينهم هذا مبني على تقديس أشخاص معينين بل وعبادتهم وإن شعائر دينهم تدور مع هؤلاء الأشخاص، ولا أدل على ذلك من الإسم الذي ارتضى صاحبنا هذا أن يتسمى به ( عبد الحسين ) ثم ها هو يقول في الفقرة السابعة من مراجعته هذه (... شكراً لله تعالى على إكمال الدين وإتمام النعمة بإمامة أميرالمؤمنين... ولهم في ذلك اليوم من كل سنة زيارة لمشهد أمير المؤمنين لا يقل المجتمعون فيها عند ضراحه عن مئة ألف... ولا ينفضون حتى يحدقوا بالضراح الأقدس فيلقوا – في زيارته – خطاباً مأثوراً عن بعض أئمتهم...).
أليست هذه هي الوثنية بعينها؟ أليس هذا ما كان محمد صلى الله عليه وسلم يجاهد من أجل رفعه وإزالته؟ بلى والله، تقديس للقبور واستبدال اللات والعزى وهبل بالأضرحة التي لا تملك ضراً ولا نفعاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون ونعوذ بالله من هذا الشرك الأكبر الذي يوجب خلود صاحبه في نار جهنم وبئس المصير.
ثم قال عبد الحسين: (وحسبك ما تراه في مظانه من الكتب الأربعة وغيرها من مسانيد الشيعة المشتملة على أسانيده الجمّة المرفوعة وطرقه المعنعنة المتصلة...)
قلت: هذا ما لا نعبأ به لما قدمنا من حال كتبهم الأربعة هذه في مقدمة كتابنا هذا أو في ( ج1/106-108) مما نقلناه عن حجتهم الحالي المعتمد أبو القاسم الخوئي. اما نحن فلا نشك في كفر كل مَن آمن بكتاب الكليني ( الكافي ) واعتقد بجميع ما احتواه لما بيناه في المقدمة من إحتوائه على كفر لم تجرؤ على قوله حتى اليهود ولا النصارى، ونسأل الله السلامة والهداية، ونبرؤ إليه مما يقول الكليني وأشباهه.(66/45)
أما الفقرة الأخيرة في هذه المراجعة فقد قدمنا في بداية الكلام على هذه المراجعة أن قوله هنا قد بناه على إعتراض افترضه لا وجود له في واقع الأمر، وأن أحداً من محققي أهل السنة ومَن له إلمام بعلم الحديث الشريف لا يعارض في تواتر حديث الغدير، لكنا بينّا أنهم يعنون به قوله صلى الله عليه وسلم: ( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ) فقط لا غيره، ولا تلك الزيادات الباطلة التي ساق بعضاً منها هذا الرافضي في المراجعة السابقة.
ثم ساق في آخر مراجعته هذه حديثين مدلِلاً بهما على تواتر حديث الغدير، وقبل التعقيب عليهما لا بد من إلفات النظر الى ما وقع به عبد الحسين هذا من التناقض حين نقل تخريج السيوطي للحديث من ( تارخ الخلفاء )، إذ وقع ضمن الصحابة الذين ذكرهم السيوطي رواة لهذا الحديث ونقلهم هذا الرافضي ذكر الصحابى الجليل أنس بن مالك وأنه أحد الذين رووه. مع أن هذا الرافضي كان قد زعم في الفقرة الرابعة من هذه المراجعة بان أنساً أحد الثلاثة الذين كتموه فلم يروه، وكنا قد كذبّناه بما ذكرناه من رواية الطبراني التي تثبت عكس زعمه ولله الحمد، وها هو الآن يقر بنقله أنه كاذب بذلك الإدّعاء والحمد لله.
أما الحديثان اللذان ساقهما فأولهما في مسند الإمام أحمد، ومع أنه لا يثبت أكثر مما سبق من الأحاديث في ذلك إلاّ أن في لفظه نكارة، وهي قول عليّ رضي الله عنه لهؤلاء الرهط: ( كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خُم يقول...) فمثل هذا الحديث الذي قاله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك الموقف – خصوصا بتصوير هذا الرافضي له – لا يصح أن علياً رضي الله عنه جهِلَه وخَفِيَ عليه، وفي بعض الألفاظ التي ساقها أنه أخذ بيده فكيف يخفى عليه حتى يستفسر من هؤلاء الرهط؟(66/46)
وأما الحديث الثاني الذي عزاه الى تفسير الثعلبي في قصة الحارث بن النعمان الفهري ونزول قوله تعالى ( سألَ سائلٌ بعذابٍ واقع ) في ذلك، فقد تقدم ذكره في ( المراجعة -12-) وتكلمنا عليه في ( ج1/162-165) مع ما نقلناه من كلام شيخ الاسلام إبن تيمية عنه، وبينّا كذبه من جهة إسناده كما قال شيخ الإسلام، وكذا من جهة متنه من أربعة أوجه كل منها يوجب كذب هذه القصة وبطلانها من أساسها، مع أن هذا الرافضي لا يستحي من الكذب فيعزوها مباشرة الى الثعلبي مع أنه غير مطبوع كما قلنا في (ج1/101-102)، ثم يقول: ( وقد أرسله جماعة من أعلام أهل السنة إرسال المسلمات )، ثم مثل على ذلك في الهامش (13/215) بالحلبي في سيرته تلك ( 3/309) فليراجع، مع ما سبق من كلامنا على هذه القصة في (ج1/162-165). والله الهادي الى سواء السبيل...
المراجعة (57): س:
1- تأويل معنى الوليّ في حديث الغدير الى ( غير المتصرف ).
2- القرينة على ذلك.
المراجعة (58): س:
1- زعمه عدم إمكان تأويل حديث الغدير بكلام خال من الحجج والراهن.
2- محاولته رد تلك القرينة ببعض المغالطات والأكاذيب
الرد على المراجعة (58):
1- فضح أسلوبه في المراوغة والتملص من الأدلة.
2- نقص كل ما اعتمد عليه في رد تأويل حديث الغدير.
3- كشف بعض أكاذيبه وإدعائاته الباطلة في هذه المراجعة.
هذه المراجعة من أكثر المراجعات إفلاساً من الأدلة، وحماقة وتحكماً محضاً بلا حجة ولا برهان فوق ما فيها من التكرار الممل الذي يدل على خلو جعبة صاحبها من البراهين.(66/47)
فبعد أن اختلق إعتراضاً من مناظره هو في الحقيقة بعض اعتراضات أهل العلم على الرافضة الضُلاّل التي لا قِبَل لهم بردها والحمد لله حاول الجواب عليه بلا حجة بل بمجرد التحكم والمعاندة فقال: ( أنا أعلم بأن قلوبكم لا تطمئن بما ذكرتموه ونفوسكم لا تركن وأنكم تقدرون رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حكمته البالغة...) أهكذا تقام الأصول وتقرر الحجج؟ يقول لك الخصم: أنا أجعل معنى هذا الحديث كذا وكذا للأدلة التالية، فتجيبه أنت: أنا أعلم أنك لا تطمئن لهذا؟؟ ولا أدري هل نحن في مناظرة علمية بحجج وبراهين أم في سوق البقالين ز القصابين يحاول كل منا إحراج صاحبه بمثل هذا الكلام حتى ينال منه ما يصبوا إليه؟
ولو صح مثل هذا وكان منهجاً علمياً لأمكن رد دعوى كل صاحب لها مهما ذكر من البراهين بمجرد القول له: ( أنا أعلم بما لك من رجاحة عقل وسداد تفكير أنك لا ترضى بمثل هذا...) أهذا هو البرهان الذي لا يدع وليجة كما وعد به في مقدمة كتابه؟ ورحم الله علماء السلف إذ قالوا عن الرافضة أنهم أكذب الناس في النقليات وأضعفهم وأجهلهم في العقليات.(66/48)
ثم ساق هذا الجاهل الأحمق عدة أسئلة ظاناً أنها تقيم له حجة فقال: (لماذا منع تلك الألوف المؤلفة يومئذ من المسير؟ وعلامَ حبسهم في تلك الرمضاء: بهجير؟ وفيم اهتم بإرجاع مَن تقدم منهم وإلحاق مَن تأخر؟ ولِمَ أنزلهم جميعاًفي ذلك العراء على غير كلأ ولا ماء؟ ) قلنا: هذا كله لأهمية تبرئة عليّ رضي الله عنه مما نُسِب إليه من البغض والكراهة للمؤمنين بسبب ما رأوه منه من الجفاء، ثم لأجل إجتماع عدد منهم على بغضه وخذلانه وعدم نصرته بل وقد صرّح بعضهم بهذا مثل بريدة بن الحصيب وأبي سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص وغيرهم ممن لم يصرِّح بإسمه وقد ذكرنا الأحاديث التي جاء فيها ذلك واضحاً بيّناً ولله الحمد في (ج1/451-455) من أحاديث بريدة بن الحصيب وعمران بن حصين وعمرو بن شاش ووهب بن حمزة وأبي سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص ويزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، كلهم صرحوا بهذا وأثبتوه على رغم أنوف هؤلاء الرافضة.
فلو ترك هذا الأمر صلى الله عليه وسلم ولم يهتم به لبقيت في نفوس هؤلاء هذه العداوة وهذا البغض لعليّ رضي الله عنه خصوصا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إذ أن كثيرا منهم كان قد سكت عن ذلك لقرابة عليّ من النبي صلى الله عليه وسلم واستحياء منه وهو لا يزال حيا أما بعد موته فيمكن أن يضيع حقه خصوصا بعد ما رأوه منه رضي الله عنه، وهكذا الحال تماما بالنسبة لأهل بيته صلى الله عليه وسلم خاصة وهو يؤميء إيماءا قويا أشد من التصريح بخلافة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه له، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يبين للأمة أن الخلافة بعده وإن لم يجعلها في أهل بيته لوجود من يستحقها من غيرهم إلا أن هذا لا يعني نقص فضل أهل بيته واستخفاف الناس بحقهم. فوجوب محبتهم باق مع أنه قد استخلف غيرهم، وهذا هو تماما الأليق بحكمته صلى الله عليه وسلم وأنه سيد الحكماء وخاتم الأنبياء لا ما زعمه هذا المفتري الدجال عبد الحسين.(66/49)
ولو كان صلى الله عليه وسلم قد نص على خلافة عليّ رضي الله عنه من بعده، وكذا خلافة أهل بيته له – كما يزعم الجاهلون – لما احتاج أبدا الى التذكير بفضلهم وصدق محبتهم وموالاتهم للمؤمنين ووجوب محبتهم وحفظ مقامهم فإن في النص على الخلافة غنى عن هذا عند جميع الحكماء والعقلاء. فهل يمكن أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا خليفتي ثم يصرح بفضله وصدق محبته للمؤمنين ووجوب محبتهم له والنهي عن بغضه هذا لا يكون، فإن مجرد تنصيبه خليفة له يوقع علما يقينيا عند الصحابة بل وكل الأمة أنه أفضلهم وأن محبته ونصرته وطاعته واجبة كما لا يخفى.
ثم ما بال الصحابة قد نقلوا مثل هذه الفضائل لعلي رضي الله عنه من وجوب محبته ونصرته وسلامة سريرته تجاه المؤمنين، وبعضها تواتر النقل به، ثم يتمالؤون على كتم تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بخلافة علي له كما تزعمه الرافضة؟ ألم يكن لهم مندوحة في كتم نص الإستخلاف – بزعم الضالين – على كتم هذه الأحاديث الأخرى؟ فإن قيل أن الرافضة تجعل هذه النصوص هي الصريحة في الإستخلاف كما قال عبد الحسين في هذه المراجعة، قلنا: إن هذه لا يساعدهم على ذلك إبدا لما بينا من معاني هذه الأحاديث بأوضح الحجج والبراهين والحمد لله.
ثم ما بال النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن ينصّب ابن عمه خليفة له ممن بعده وهو لا يصرح به بل يذكر ألفاظا تحتمل غير ذلك بل هي في إحتمال غيره أقوى كما بينا؟ أليس معنى كلام من يقول هذا مثل هذا المخادع عبد الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد البيان الواضح للأمة بل أراد لها أن تتخبط في الألفاظ؟ او أنه صلى الله عليه وسلم لم يقدر على هذا البيان مثل ما قدرت عليه أئمة الرافضة؟ وحاشاه صلى الله عليه وسلم من مثل هذا الهراء والهزل، بل والكفر المبين الذي هو منتهى كلام عبد الحسين وأصحابه، فلعنة الله على الظالمين(66/50)
ثم إنا نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب الناس في غدير خُم لم يكن معه كل من شهد حجة الوداع كما بينا سابقا، فإن أهل مكة ومن حولها لم يخرجوا معه قطعا وهو يريد العودة الى المدينة ولا يقول هذا إلا المجانين، فإنه صلى الله عليه وسلم جاء لأداء فريضة الحج واجتمعوا معه في مكة ثم حين رجع الى أهله في المدينة لا يصح أن يرجعوا معه كما لا يخفى.
وكذلك لم يكن معه صلى الله عليه وسلم في غدير خُم غير أهل المدينة الذين خرجوا معه، أما سواهم فقد رجع كل منهم الى أهله ولا يمكن أحدا أن يثبت أن غير أهل المدينة كانوا معه صلى الله عليه وسلم حين خطب في غدير خُم. وإذا تقرر هذا فإنه مما يقوض كلام عبد الحسين هذا هنا من أساسه، إذ لوكان الأمر بهذه الأهمية التي أراد عرضها به لخطب صلى الله عليه وسلم بذلك في حجة الوداع في عرفة أو غيرها، وقد أثبتنا بطلان ذلك والحمد لله في صفحة (23-24).
ويبقى من ذلك طريقته صلى الله عليه وسلم – إن صحت الرواية وليست هي كذلك – في جمع مَن معه عند غدير خُم بأن انتظر من تخلف عنه وردّ من تقدمه ثم خطبهم، وهذه ليست مختصة بغدير خُم بل ثبت الحديث في (صحيح البخاري )(2/14) أنه صلى الله عليه وسلم يوما صعد المنبر وكان آخر مجلس جلسه وفيه أنه دعا الناس وأمرهم بالإجتماع إليه فقال: ( أيها الناس إليّ ) فثابوا إليه قال: ( أما بعد فإن هذا الحي من الأنصار يقلّون ويكثر الناس فمن ولي شيئا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فاستطاع أن يضر فيه أحدا أو ينفع به أحدا فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم ). فبان بهذا عدم اختصاص هذا الجمع بغدير خُم والحمد لله على توفيقه.(66/51)
ثم قال عبد الحسين: ( ثم خطبهم عن الله عز وجلّ في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ) وهذا كذب منه بناه على تلك الرواية التي بينا كذبها وأنها موضوعة في نزول قوله تعالى: ( يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك ) فراجع (ج1/156-159) فهذا من أمثلة التكرار الذي لا طائل تحته عند هذا الرافضي، وهو سيعود يذكرها في هذه المراجعة أيضا، فتنبه.
ثم قال: ( وما المقتضى لنعي نفسه إليهم في مستهل خطابه؟)قلنا: المقتضى هو ما بيناه من مخافة الإستخفاف بحقه وحق أهل البيت معه من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم خصوصا وهو لم يجعل الإستخلاف من بعده لهم.
ثم قوله: ( وأي أمر يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تبليغه؟ وتسأل الأمة عن طاعتها فيه؟ ) فيه تناقض لا يخفى، إذ هو مرة يزعم ان النبي صلى الله عليه وسلم قدم هذه المقدمة، ثم بعد إقرارهم بها ذكر فضل عليّ رضي الله عنه وأخذ بيده، ونصبه خليفة له –بزعمه-، أي أن التصريح بها وتبليغه عن الله كان بعد إقرارهم بما قدم لهم، أما هنا فهو يجعل سؤاله صلى الله عليه وسلم لهم عن تبليغه وجوابهم له، ( نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت فجزاك الله خيرا ) خاصا بتبليغه خلافة علي له وأهم أقروا بذلك، أليس هذا من التناقض القبيح الذي يدل على الحماقة والجهل والهوى. فإن كان إقرارهم بأنه قد بلّغهم خلافة عليّ فما باله بعد إقرارهم بها أعادها عليهم وذكرها لهم كأن لم تكن هي نفسها مقصود كلامه الأول كما زعم؟
أما قوله: ( ولماذا سألهم: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله... ) فقد قدمنا الجواب عليه وبيانه بحمد الله شافيا –على فرض صحة الحديث بهذا اللفظ، وهو لم يصح – في صفحة (30-31).(66/52)
وقوله: ( ولماذا فسر كلمته – وأنا مولى المؤمنين – بقوله: وأنا أولى بهم من أنفسهم؟.. الى قوله: ولماذا أشهدهم من قبل فقال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: بلى ) قد تقدم منا بيان ذلك بالحجج والبراهين – والحمد لله-، و الجواب على هذا بوضوح في ( ج1/451-455) فليراجع، فهذا من الأمثلة الكثيره على تكرار عبد الحسين هذا لأدلته وكلامه رغبةً منه في التطويل وتظاهرا بالعلم والفهم، فما أبعده منهما.
ثم قال: ( ولماذا قرن العترة بالكتاب؟ وجعلها قدوة لأولي الألباب الى يوم الحساب ). وقد قدمنا في ( ج1/52-54) عدم صحة إقتران العترة بالكتاب في التمسك، بل التمسك مقصور على الكتاب وإنما إقترنت العترة بالكتاب في التوصية بهما، ومع ذلك فقد بينا وجه إقتران العترة بالكتاب في التمسك، هذا إن صح. ثم إنا نذكر بضعف دلالة الإقتران عند أهل الأصول.
وقوله: ( وفيم هذا الاهتمام العظيم من هذا النبي الكريم؟ وما المهمة التي إحتاجت الىهذه المقدمات كلها؟ وما الغاية التي توخاها في هذا الموقف المشهود؟ ) قد بينا في ما سبق من كلامنا هنا أو في ( ج1/451-455) سبب هذا البيان والإهتمام فليراجع.(66/53)
ثم قوله:( وما الشيء الذي أمره تعالى بتبليغه إذ قال عز من قائل: ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت الرسالة. والله يعصمك من الناس ) وأي مهمة إستوجبت من الله هذا التأكيد؟ واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه التهديد؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه ويحتاج الى عصمة الله من أذى المنافقين ببيانه؟... ) الى آخر كلامه، هذا تكرار لا يليق إلا بمن كان له مثل عقل الحمار، وقد إعتمد فيه على تلك الرواية التي تذكر سبب نزول قوله تعالى ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك... )الآية، وقد بينا كذبها في (ج1/156-159). وماذكره من العصمة من الفتنة هو دليل عليه لا له، فإنها تدل على أن نزول الآية كان متقدما على حجة الوداع في أوائل الهجرة حين كانت هناك فتنة تحتاج الى عصمة الله سبحانه نبيه من الناس.
ثم قال: ( والقرائن اللفظية والأدلة العقلية توجب القطع الثابت الجازم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم ما أراد يومئذ إلا تعيين عليّ وليا لعهده... ) وقد رددنا قرائنه هذه وأدلته ونقضانها بحمد الله في ( ج1/451-455). وهم يحيصون حيصة الحمر للوصول الى ما صرح به عبد الحسين هنا من أن عليا ولي عهد محمد صلى الله عليه وسلم، وأنى لهم ذلك وقد قطع الله سبحانه عليهم كل سبيل فراحوا يحرفون معاني ما وجدوه من النصوص ليصلوا الى غايتهم، ففضحهم الله وأخزاهم على أيدي أهل العلم.
أما كلامه في الفقرة الثانية من هذه المراجعة فكله معاد ومكرر ولا طائل تحته ولا حاجة الى إعادة ذكره والرد عليه، لكن لا بد من التنبيه على ما فيه من الكذب الفاضح الذي هو سبيل هذا الموسوي عبد الحسين. ذلك هو قوله: ( بعث عليا الى اليمن مرتين) ثم قال: ( والثانية كانت سنة عشر وفيه عقد النبي له اللواء وعممه صلى الله عليه وآله وسلم بيده... ) الى قوله: ( وفي تلك المرة لم يرجف به مرجف، ولا تحامل عليه مجحف ) وهذا إفتراء محض لا أساس له من الصحة.(66/54)
فإن الأحاديث التي مرت في شكاية الناس لعليّ رضي الله عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم كلها في بعثه لعليّ الى اليمن سنة عشر في رمضان منها ثم عودته رضي الله عنه وموافاته النبي صلى الله عليه وسلم قبيل حجة الوداع، هذا ما اتفق عليه أهل السير والأخبار وهو الذي جاء به مصرحا به في بعض الأحاديث، انظر ( تاريخ الطبري ) (3/149)، (سيرة ابن هشام ) (4/250). وهو الذي قرره أهل العلم كالبخاري، إذ عقد بابا في صحيحه (5/206) فقال: بعث علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد رضي الله عنه الى اليمن في حجة الوداع) وتبعه في ذلك الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية ) ( 5/104)، وانظر أيضا ( تاريخ الطبري ) ( 3/131-132)، (السيرة النبوية ) لإبن هشام ( 4/249-250)، ( المغازي ) للذهبي (ص 690-691) وغيرها، وهؤلاء يذكرون تحت تلك التراجم قصة شكاية الناس عليا رضي الله عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم.. ومن هنا يتبين إفتراء عبد الحسين هذا بزعمه أن أحدا لم يشكُ عليا حين عاد النبي صلى الله عليه وسلم قبيل حجة الوداع وأن ما صدر تجاهه من البغض والكلام لم يكن قبيل حجة الوداع. ثم قوله قبل ذلك: (بَعَثَ عليا الى اليمن مرتين) وزعم أن الأولى كانت سنة ثمان قول بلا دليل وهو حتى لم يستطع أن ينسبه لأحد ولا نشك في كذبه في هذا الإدعاء، فإن أحدا من محققي السِيَر والمغازي والأخبار لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا الى اليمن سنة ثمان.و ما أشار إليه من الأحاديث التي كان قد ذكرها في (المراجعة -36- ) لا يدل على ذلك أبدا فإنها كلها في بعثه وعودته الى النبي صلى الله عليه وسلم قبيل حجة الوداع سنة عشر كما قدمنا، وكما قرره كل أهل العلم الذين ذكرناهم وغيرهم أيضا.(66/55)
ولم أجد ما يمكن أن يستند إليه عبد الحسين هذا في إدعاءه ( مرتين ) إلا ما ذكره ابن هشام في ( سيرته ) ( 4/290) فقال: ( وغزوة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه اليمن، غزاها مرتين ) ثم لم يذكر بعد هذا إلا بعثه سنة عشر عقب خالد بن الوليد والذي كان قد قرر فيه ابن هشام في ( ص249-250) أنه كان سنة عشر موافقا لذلك باقي أهل العلم في ذلك، ولا أرى قوله ( مرتين ) إلا وهما منه إذ لم أجد من وافقه على ذلك سوى ابن سعد ( 2/169) لكنه كابن هشام لم يذكر في مستنده ولم يذكر إلا مرة واحدة سنة عشر والله أعلم. ثم لم يذكر متى كانت المرة الأخرى. لكن حتى على فرض صحة ذلك وأنه ذهب الى اليمن مرتين، فيبقى كلام عبد الحسين الذي ذكرناه كذبا وإفتراءا حين إدعى أن المرة الثانية التي كانت سنة عشر قبيل حجة الوداع لم يحصل بسببها أي شكاية لعليّ وإنتقاص له ممن كان معه في اليمن، فهذا قد إتفق كل أهل العلم المحققين عليه كما قدمنا، والحمد لله الذي وفق في إظهار الحق وفضح الباطل وأهله وهو المسؤول دوام ذلك والإعانة عليه.
وما تبقى من كلامه في هذه المراجعة لا يستحق ذكره، إذ هو ما بين تكرار – كما قلنا – الى مجرد إستبعاد لأن يقول النبي صلى الله عليه وسلم ما قال للسبب الذي بيناه، وهو تحكم محض عار عن الحجة والبرهان من قبل حضرة هذا الموسوي حين قال: ( على أن مجرد التحامل على عليّ لا يمكن أن يكون سببا لثناء النبي عليه... ) هكذا بكل وقاحة وعناد، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وآخر ما ذكر هنا قد بينا بطلانه وعدم دلالة النصوص الصحيحة عليه، وحتى حديث زيد بن ثابت الذي ذكره هنا تقدم خلال الكلام على ما جاء في ( المراجعة -8-)، (ج1/47) فليراجع.(66/56)
وبعد أن استعرضنا كل كلامه في هذه المراجعة، لاأ شك أن أحدا يعارضني في ما كنّا وصفناها به من أنها من أكثر مراجعاته إفلاسا من الأدلة وإحتواءا لأقوال نابعة من محض الهوى والعصبية، فهل يصدق أحد أن عاقلا فضلا عن عالم فضلا عن من تبوء منصب شيخ الأزهر يوافق عبد الحسين على مثل هذا الهراء والعناد والهوى؟ كما إدعاه بعد هذا الكلام.
المراجعة (59): س:
1- موافقة شيخ الأزهر على ما تقدم من الأباطيل.
2-إعتراض شيخ الأزهر بأن الإمامة المقصودة إنما هي
مآلية لا حالية.
المراجعة ( 60): س:
محاولته رد الإمامة المآلية بكلام كله تمويه وغش، وإستنادا الى أخبار ساقطة لا تقوم بها حجة.
الرد على المراجعة (60):
1- كشف مغالطته في زعمه موافقة أهل السنة على ما
ذكره من معنى الولي.
2- بيان إستقامة جوابهم هنا وعدم إنتهاض إعتراضه
على إسقاطه.
3- كشف إعترافه بامكانية كون الإمامة مآلية لا
حالية في نهاية مراجعته هذه.
4- أهل السنة لهم مندوحة عن مثل هذا الجواب وإن
كان هو قائما أيضا.(66/57)
تكلم في هذه المراجعة على رد تأويل إمامة عليّ رضي الله عنه بأنها إمامة مآلية لا حالية بعد أن إفترض إعتراضا به من مناظره. وهو معنى ما كنا نقلنا الجواب به عن الرازي في ( ج1/140)، ولكن لا بد من التشديد على أن عبد الحسين هذا حاول إظهار هذا الجواب بأنه أقوى أجوبة أهل السنة وأنهم فعلا قد سلموا بأن معنى الولي هو الإمام صاحب التصرف، وهذا والله هو التمويه العجيب والتضليل الغريب، فإن أحدا منهم لم يرض بذلك ولم يركن إليه ولكنهم على سبيل التنازل ومن باب سد كل الأبواب على هؤلاء الرافضة الضالين بينوا أنهم حتى على فرض صحة ما زعمته الرافضة في معنى الولي فهناك مانع من قبوله والأخذ به، وهو ما أرغم على القإرار به حتى عبد الحسين هذا فقال في نهاية هذه المراجعة: ( على إنا لو سلمنا بأولوية عليّ بالإمامة لا يمكن أن تكون حالية لوجود النبي صلى الله عله وآله وسلم فلا بد أن تكون بعد وفاته بلا فصل... ) وهذا تماما هو كما إفترضه الرازي من أقصى جواباته فقال مجيبا عنه: (ومتى قالوا ذلك فنحن نقول بموجبه ونحمله على إمامته بعد أبي بكر وعمر وعثمان... ) انظر ( التفسير الكبير ) ( 12/32). فكما أن عبد الحسين هذا قد إضطر الى تأخير هذه الإمامة لوجود النبي صلى الله عليه وسلم فنحن عندنا أيضا وجود أبي بكر بعده ثم عمر ثم عثمان داع لتأخير إمامة عليّ بعدهم رضي الله عنه
أجمعين.(66/58)
لكن أحب إعادة التذكير بأن أهل السنة لهم مندوحة عن مثل هذا الجواب – وإن كان هو قائما لا يسقطه كلام عبد الحسين هذا هنا – فإنهم أساسا لا يرون موجبا للقول بأن معنى الولي هو غير الناصر والمحب، لكن عبد الحسين هذا حاول عرض الأمر بشكل خبيث، بأن أهل السنة وعلمائهم أقروا وأذعنوا بأن معنى الولي هو الإمام المتصرف وأن الحجة قد أقيمت عليهم بذلك، فكان آخر مخلص لهم منه أن حملوا هذه الإمامة على الإمامة المآلية لا الحالية فرد عليهم في هذه المراجعة بما يثبت أنها حالية، وأنهى الأمر والسلام، وهذا والله هو الغاية في التمويه والغش والتدليس، بل والكذب الذي يستحي منه الشرفاء، فإن أحدا من أهل السنة لم يقر بأن معنى الولي هو الإمام المنصب، بل كلهم – الذين ذكرهم كإبن حجر والحلبي، أو غيرهم – ردوا ذلك وأبطلوه وأقاموا الحجج على أن معنى الولي هو الناصر المحب لا غيره – كما فعلنا ولله الحمد – ثم حاولوا إثبات بطلان قول الرافضة حتى على فرض معنى الولي هو الإمام فقالوا بمثل هذا القول، وهو قائم أيضا ولله الحمد لا ينقضه ويرده سفاهة هؤلاء السفهاء.
فانظروا يا مسلمين، هل في البال أن أحدا يصل الى مثل هذه الغاية في التمويه والتضليل والغش؟ وخلال كلامه هنا أشار الى الحادثة الموضوعة المكذوبة التي فيها ذكر الحارث بن النعمان الفهري ونزول قوله تعالى: ( سأل سائل بعذاب واقع ) في ذلك، وقد بينا كذبها ووضعها في ( ج1/160-161).(66/59)
وفي ما تبقى من مراجعته هذه ذكر بعض النصوص المزعومة، وحاول الإستشهاد بها على أن الولاية المذكورة إنما هي حالية لا مآلية , وهو أمر في الحقيقة يرد أصله الذي بناه – كما كنا ذكرنا ذلك في ( ج1/140) نقلا عن الرازي – فإنا لو حملنا الولاية على التصرف والإمامة لما كان عليّ رضي الله عنه موصوفا بالولاية في الحال فإنه ما كان نافذ التصرف حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث – وكذا الآية أيضا – يقتضي أن عليا رضي الله عنه موصوف بالولاية في الحال، أما لو حملنا الولاية على المحبة والنصرة كانت الولاية حاصلة في الحال، فثبت أن حملها على ذلك أولى من حملها على التصرف والإمامة، هذا معنى ما كنا قدمنا في ذلك، وهو يوضح أن ما حاول إثباته هذا الرافضي من الولاية الحالية يعود عليه لا له، لكنه بنى ذلك على ما بيناه من التمويه والتضليل والغش المتعمد الذي يتنزه عن فعله الشرفاء.
والنصوص الثلاث التي ذكرها هنا لا تصح ولا تثبت وقد تقدم في صفحة
(34) ذكر الأول منها وهو قول عمر لعليّ: ( أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ) وبينا علتّه وضعفه. وقد نقلها عبد الحسين هذا من إبن حجر في ( الصواعق المحرقة ) كما أشار إليه في الهوامش ( 3، 2، 1) في صفحة (221)، وعزاها ابن حجر للدار قطني من غير بيان لإسناده أو بيان ثبوته وصحته، وهو أمر لا يمكن إثباته إلا به فلا حجة بعد ذلك ولله الحمد مع إنا قد بينا ضعف الأول منها، ومع أنها لا تثبت أكثر مما كنّا فصلنا معناه من الولاية الحالية. ثم إن كان عبد الحسين هذا يحتج – كما يتظاهر به- بكل ما رواه الدار قطني ونقله عنه ابن حجر في ( الصواعق المحرقة )، فليأخذ هذه القارعة: إذ نقل ابن حجر في ( الصواعق ) ( ص36) أن الدار قطني أخرج عن عليّ قوله: ( لا أجد أجدا فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري ).(66/60)
فإن كان عبد الحسين هذا يريد إقامة الحجة علينا بالدار قطني أو ابن حجر فليبين لنا وجه رد هذه الرواية منهما، والله ولي التوفيق.
المراجعة (61): س:
طلب شيخ الأزهر بعض النصوص من كتب الشيعة لا يعرفها أهل السنة.
المراجعة (62): ش:
-سوقه لأربعين نصا من كتبهم وزعم أنها صحاح
متواترة.
الدر على المراحعة (62):
1- التشكيك في صحة طلب شيخ الأزهر هذا.
2- مثال جديد على عدم أمانة عبد الحسين هذا حتى في
أدق المسائل وأسهلها.
3- الكلام بالأدلة والأمثلة على صاحبي الكتب الأربعة التي إنتقى منها نصوصه الأربعين هذه، وبعض النقول من مؤلفاتهم مما يسقط حجيتها عند المنصفين من الشيعة قبل أهل السنة.
نحن الآن مع مثال آخر من أمثلة دجل هذا المدعو عبد الحسين، و لا يبعد أن يكون هو الغاية من كل كتابه هذا، إلا وهو عرض أصوله من كتبه ونصوصه وإيصالها الى أهل السنة بطريقة خفية لا تظهر ما فيها من الخبث والإفتراء والدجل، ثم يزعم بعد ذلك أنها صحاح متواترة وأن أهل السنة لا يعرفونها.
ولا عيب علىأحد في معرفة الكذب والإحاطة بكل الإفتراءات والمكذوبات بل العيب كل العيب على من لم يعرف التمييز بين الصدق والكذب في الأخبار والآثار، هذه السمة التي لم ينلها ويحوز قصب السبق بها إلا أهل السنة والجماعة بما أثبتوه من أصول وقواعد لمعرفة الصحيح من غيره من الأخبار والمرويات، ولا شك أنهم الفرقة الناجية المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم: ( من كان على ما أنا عليه وأصحابي ) الذين حفظ الله بهم دين محمد صلى الله عليه وسلم وسنته الى يوم القيامة.
وقد أثبتنا – بحمد الله – بما قلنا في مقدمة كتابنا هذا وبما نقلناه عن إمامهم الخوئي في ( ج1/106-108) عدم إمتلاكهم لما يصح أن يطلق عليه لفظ صحيح متواتر بما يرد دعوى عبد الحسين هذا.(66/61)
ثم إختار بعد ذلك أربعين نصا – سمّاها أربعين حديثا – وعلق على هذا العدد في الهامش بما روي في فضائله من الأحاديث كحديث: ( من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء ) وغير ذلك، وهو حديث ضعيف لا يثبت على كثرة طرقه إذ هو من النوع الذي لا يتقوى بكثرة الطرق ولا نريد التطويل هنا في بيان ذلك مفصلا ولكن نكتفي بنقل تخريج الإمام النووي له وتعقيبه عليه في مقدمة كتابه ( الأربعين )، قال ( ص7-8): ( فقد روينا عن عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم من طرق كثيرات بروايات متنوعات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال...) وذكر بعض ألفاظه ثم قال: ( واتفق الحفاظ على أنه
حديث ضعيف وإن كثرت طرقه )
فها هو الإمام النووي يصرح بإتفاق الحفاظ على ضعف هذا الحديث، ولا أشك أن هذا المدعو عبد الحسين قد نقل تخريجه كاملا عن الإمام النووي وأسقط حكمه بضعف هذا الحديث، وذلك لأمرين.. أولهما: لم يذكر من رواه إلا من ذكره النووي ولم يزد عليه بشيئ، وثانيهما: أنه ذكر نفس الألفاظ التي ساقها النووي وبنفس الترتيب وبنفس أسلوب العرض حتى أنه لم يصرح برواية عليّ رضي الله عنه ولفظها وكان الأحرى به ذلك لكنه لم يستطع لعدم تصريح النووي بذلك، ثم إنه متى كان الشيعة يحتجون بأبي هريرة وأبي سعيد وأنس بن مالك وابن عمر؟ وقد تقدم قريبا في صفحة ( 43) طعنه بالصحابي الجليل أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هو الآن يحتج بحديثه!!(66/62)
وهذا كله لنثبت حتى في أدق المسائل عدم أمانة هذا المدعو عبد الحسين في النقل، وعدم صدقه في القول. ولسنا في حرج من عدم إستعراض نصوص الأربعين هذه ونقضها نصا نصا، فإنها لا تشكل في ميزاننا نحن أهل السنة أية حجة وليس لها عندنا أية قيمة لما تحققنا به من منهجهم في تصحيح الأخبار وتوثيق الرواة ذلك المنهج الذي ذكرناه في مقدمة كتابنا هذا ( ج1/25) واتضح أكثر خلال استعراضنا لكلام عبد الحسين في كتابه هذا، وذلك أيضا لا يفيد لدى الشيعة شيئا إذ هم لا يحتكمون الى ميزاننا فلا عبرة بإستعراض هذه النصوص إذاً لكننا نكتفي ببيان شيء من حال أصحاب هذه الكتب التي نقل منها نصوصه وحال بعض مؤلفاتهم مما يوافقنا المنصفون من الشيعة على بطلانه وكذبه ولا يستطيع سواهم إنكاره أو دفعه.
وقد إعتمد عبد الحسين هذا على إثنين من أئمتهم أصحاب الأصول، وهما محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي المعروف عندهم بالصدّوق، وما هو بصدّوق، و أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي الذي يسمونه شيخ الطائفة, وقد انتقى للأول ثلاثة كتب هي: ( إكمال الدين وإتمام النعمة )، ( الإمالي )، ( النصوص على الأئمة)، أما الثاني فقد إكتفى بكتابه ( الأمالي ).
وابن بابويه القمي الذي يلقبونه بالصدّوق هو صاحب كتاب ( الخصال ) الذي قدمنا نبذة عنه وعن محتواه من الضلالات في مقدمة كتابنا هذا وأثبتنا أنه ممن يعتقد بتحريف القرآن ويقول به كفى به كفرا وضلالا، وقد روى أيضا في كتابه ( الأمالي ) الذي ذكره عبد الحسين هذا من الغلو في الأئمة ما يستنكره ويرده كل مؤمن يخاف الله واليوم الآخر، إذ قد جاء في صفحة ( 586) منه ما نصه: (.. عن إبن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أنكر إمامة عليّ ( ع ) بعدي كان كمن أنكر نبوتي في حياتي، ومن أنكر نبوتي كان كمن أنكر ربوبية الله عز وجل ) إ.ه.(66/63)
وروى أيضا في كتابه ( من لا يحضره الفقيه ) وهو أحد الأصول الأربعة عندهم كما قدمنا في ( ج1/106)، من الغلو أشنع من ذلك، إذ جاء في ( باب النوادر في أحوال الأنبياء والأوصياء في الولادة ) ( 4/414-415) ( أن جابر بن عبد الله الأنصاري سأل النبي صلى الله عليه وآله يوما فقال: يا رسول الله هذه حالنا فكيف حالك وحال الأوصياء بعدك في الولادة؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ملياً، ثم قال: يا جابر لقد سألت عن أمر جسيم لا يحتمله إلا ذو حظ عظيم، إن الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمة الله جل ثناؤه يودع الله أنوارهم أصلابا طيبة وأرحاما طاهرة يحفظها بملائكته ويربيها بحكمته ويغذوها بعلمه فأمرهم يجلّ عن أن يوصف وأحوالهم تدق أن تعلم لأنهم نجوم الله في أرضه وأعلامه في بريته وخلفاؤه على عباده وأنواره في بلاده وحججه على خلقه، يا جابر هذا من مكنون العلم ومخزونه، فاكتمه إلا من أهله) إ.ه. ونستعيذ بالله من هذا الكفر المبين.(66/64)
أما كتابه الآخر ( الإكمال ) فلم يذكر عبد الحسين موضوعه لما فيه من الشناعة والنكارة، وموضوع الكتاب: ( إكمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الرجعة ) فهو إذن لإثبات تلك العقيدة الباطلة التي يعتقدها الروافض في رجوع أئمتهم الى الدنيا، وأن الله يحيى للمهدي أبا بكر وعمر وعثمان ليقتص منهم مع بني أمية أيضا الى غير ذلك من الشناعات التي حاول الإيهام بأنه ينكرها هذا المدعوا عبد الحسين وذلك في ترجمة عثمان بن عمير رقم (56) من المراجعة ( 16) صفحة ( 115-116) وقال: ( كانوا إذا أرادوا تنقيص المحدث الشيعي والحط من قدره نسبوا إليه القول بالرجعة ) إ. ه. وانظر الى تعبيره ( نسبوا إليه ) وكأنما هو أمر مفترى عليهم لكن إمامهم إبن بابويه القمّي هذا يؤلف كتابا في إثبات ذلك، والأدهى منه قول الخوئي عن هذا الكتاب في (معجم رجال الحديث ) ( الطبعة الأولى – الآداب ) ( 1/35): ( يقال أنه صنف كتابه (( إكمال الدين وإتمام النعمة )) بأمر الإمام وقد رآه في مكة في الرؤيا ) إ.ه.
وهكذا كل أمر يريدون حمل الناس على تصديقه والإذعان إليه نسبوه الى إمامهم المفترى الموهوم والى الرؤى والأحلام فإلى الله المشتكى من هؤلاء الأنام.
أما شيخ طائفتهم أبو جعفر الطوسي فقد كنت أظنه أقلهم شراً وأبعدهم عن الدجل حتى علمت بأنه أيضا ممن يقول بتحريف القرآن ونقصه كما قرر ذلك أحد علمائهم وهوالحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه( فصل الخطاب )(ص36).
وفي كتابه ( الإستبصار ) وهو أحد الأصول الأربعة عندهم – انظر ( ج1/106) – روايات مكذوبة لا شك فيها عن جعفر الصادق وأبيه محمد الباقر في إباحة إعارة الفروج ومنحها للأصدقاء – قاتل الله من إفترى ذلك – وهو فتح لأبواب الدعارة والفحشاء على مصراعيه – انظر كتاب ( الإستبصار ) ( 3/141، 139) -.(66/65)
وكذلك في إباحة إتيان المرأة من دبرها – لعن الله مفتريه – منسوبا الى جعفر الصادق- كما في ( كتاب النكاح ) ( 3/243-244) – والى حفيده أبي حسن الرضى – ( 3/243) -.
ومثله أيضا في كتاب الطوسي الآخر وهو ( تهذيب الأحكام )- انظر ( (ج1/106) إذ هو أيضا أحد أصولهم الأربعة المعتمدة التي يدعي هذا الموسوي أنها كتب مقدسة جاء فيه إثبات إباحة إتيان المرأة من دبرها عن أبي الحسن الرضا في ( 7/415) وعن جعفر الصادق في ( 7/414) ( باب آداب الخلوة ).
مع أن هذا الفعل حرام حتى عندهم برواياتهم نفسها كما في ( من لا يحضره الفقيه ) لإبن بابويه القمّي ( 3/468) ( كتاب النكاح ) ( باب النوادر ) أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ( محاش نساء أمتي على رجال أمتي حرام ) والمحاش جمع محشة وهي الدبر.
وبعد.. فهذه حال إماميه إبن بابويه القمّي وأبي جعفر الطوسي، يقولان بتحريف القرآن ونقصانه، مع ما في كتبهم من الكذب والإفتراء والغلو والفحشاء، فكيف تصبح رواياتهم صحيحة متواترة؟ وكيف يعاب على أهل السنة عدم معرفتهم لها؟ هذه السفاهة والوقاحة بعينها من قوم لا يعرفون للحياء معنى، فإنّا لله وإنا إليه راجعون..
المراجعة (63): س:
-إعتراض شيخ الأزهر بعدم حجية تلك النصوص عند أهل السنة إذ لو كانت ثابتة لأخرجوها، ثم طلبه المزيد من النصوص عند أهل السنة – فيما نسب إليه -.
المراجعة (64):ش:
1- زعمه بأنه سبب ذكره لتلك النصوص الشيعية يعود الى طلب شيخ الأزهر ثم تخيله حصول الحجة على أهل السنة بما أسلفه من النصوص.
2- طعنه بسلف هذه الأمة وإتهامه لهم بإخفاء فضل أهل البيت إما لأغراض دنيوية وإما خوفا من السلطان، ثم تملصه من صفة الرفض وإدعائه بأنه من إصطناع أهل السنة. وهذا برأيه هو السبب في عدم إخراج تلك النصوص الشيعية في كتب أهل السنة.
3- إشارته الى ما أسماه بنص الوراثة.
الرد على المراحعة (64):(66/66)
1- التشكيك في صحة طلب شيخ الأزهر لتلك النصوص الشيعية.
2-بيان سقوط جميع النصوص الماضية التي زعم أنها حجة على أهل السنة من كتبهم، وأن هذا لا يعدوا أن يكون حلما يحلم بتحقيقه.
3- إفتضاح موقفه وموقف كل الرافضة من سلف هذه الأمة الذي أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوّق الآيات العظيمة والأحاديث الدالة على ذلك التي كذبها بأفعالهم هؤلاء الرافضة الدجالون.
4- موقف الشيعة المخزي من الحكومات الإسلامية، وذكر بعض الأمثلة على نفاق هؤلاء الرافضة وممالأة أهل الكفر على أهل الإسلام، ثم كشف زيف حالهم إذا ما تمكنوا من الولاية.
5- بيان أصل كلمة الرفض والرافضة ومن أطلقها عليهم.
لا نشك في كذبه بإدعائه أن أحدا من أهل السنة – شيخ الأزهر أو غيره – قد طلب منه بعضا من نصوصهم تلك من كتبهم المسماة، هذا أولا. وثانيا فلا حجة لهم علينا بما زعمه من نصوص أهل السنة التي قد مرت في الكتاب، ومن تحلى بالإنصاف والعلم ونظر في ما قلناه عن جميع ما مرّ من كتابه تيقن كذبه بقوله
( وحسبنا حجة عليكم ما قد أسلفناه من صحاحكم )و هذا لا يعدوا أن يكون حلما يحلم بتحقيقه هذا الدجال وزمرته، ولكن هيهات هيهات.(66/67)
وكل ما سطّره بعد ذلك في الفقرة الثالثة من مراجعته هذه فإنما يكشف عن حقيقة موقفه –ومن ورائه موقف كل الرافضة- من عهود هذه الأمة وقرونها وسلفها منذ وفاة رسول الله صلى الله عليهوسلم حتى قرننا هذا فكله قدح وطعن بل وسب وشتم لسلف هذه الأمة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم – رغم أنف عبد الحسين هذا وأشباهه- بقوله: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، لكن من طالع كلام عبد الحسين هنا رأى أن شر قرون هذه الأمة كان في الصدر الأول وما زال الأمر كذلك الى يومنا هذا، ولا أدل عليه من قوله – عامله الله بما يستحق – (... وأبطن لهم الغل من حزب الفراعنة في الصدر الأول ) وقد صرح هنا بالصدر الأول الذي إن لم يكن يعني به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يخرج عن القرن الأول الذّي مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي ثم يأتي مثل هذا الأجرب فيسبهم ويشتمهم ألا لعنة الله على الظالمين.(66/68)
وهو بكلامه هذا إنما يترجم عن اعتقاده واعتقاد الرافضة معه بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كنّا قد بيناه وأثبتناه – ولله الحمد – فيما نقلناه في مقدمة كتابنا هذا من كتبهم الأصول كالكافي والخصال والإحتجاج وتفسير القمي ورجال الكشي وتنقيح المقال من الطعن بالصحابة بل وتكفيرهم صراحة، مع أن الله سبحانه وتعالى قد قرر في كتابه وسيبقى ذلك إلى قيام الساعة رغم أنوف هؤلاء الرافضة الضالين أن كل من إغتاص من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر، فقال: ( ليغيظ بهم الكفار ) وذلك بعد وصفه سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته بقوله: ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما ).
ووصف السابقين منهم وكل مَن اتبعهم بعد ذلك فقال: ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ). وعلمنا سبحانه أن نحبهم ونترضى عنهم وندعوا لهم وذلك بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار في سورة الحشر وأثنى عليهم فقال:( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) هكذا يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، لكن عبد الحسين هذا وأمثاله من الرافضة لا يرضون بذلك بل ولا يطيقون سماعه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.(66/69)
ورحم الله علماء السلف حين بيّنوا أوجه الشبه والتوافق بين الرافضة وبين اليهود والنصارى من أمور عديدة ثم قالوا: وفاقتهم الرافضة بمزية، وهي أنك إن سألت اليهودى: مَن خير أهل ملتكم؟ لقال: أصحاب موسى، وإن سألت النصراني: مَن خير أهل ملتكم؟ لقال: حواريو عيسى، وإن سألت الرافضي: مَن شر أهل ملتكم؟ لقال: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أبو بكر وعمر وأمثالهم، وصدق علماء السلف وكذب هؤلاء الرافضة بقولهم هذا، ووالله لا أرى كلام عبد الحسبين هنا إلا ترجمة لإعتقادهم هذا، كيف لا وهو يقول في مرجعته هذه: ( وأنت تعلم أن نصوص الإمامة وعهود الخلافة لمما يخشى الظالمون منها أن تدمر عروشهم وتنقض أساس ملكهم ) وكلامه هذا لا شك في شموله كل من تولى الخلافة الإسلامية إبتداءا بأبي بكر رضي الله عنه حتي آخر صورة من صور تلك الخلافة لما تعنيه نصوص الإمامة وعهود الخلافة التي يزعمها.
والشيعة تعتبر كل الحكومات التي قامت منذ عهد الصديق رضى الله عنه حتى عصرنا الحاضر – عدا مدة حكم عليّ رضى الله عنه – باطلة لأنها اغتصبت الأمر وحالت دون تولي الأئمة المعصومين ونوابهم زمام الحكم. وهذا ما صرح به
إمامهم الخميني في كتابه ( الحكومة الإسلامية ) (ص33) وترتب على ذلك عند الشيعة أن أوجبت مقاطعةكل تلك الحكومات على جميع المستويات حتى على صعيد التحاكم إليهم في فض المنازعات ومن تحاكم إليهم في شيء فقد تحاكم الى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً، كما روى الكليني في ( الأصول من الكافي ) ( باب اختلاف الحديث ) ( 1/67):
( عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من أصحابنا بينهم منازعة في دينٍ أو ميراث فتحاكما الى السلطان والى القضاة أيحل ذلك؟ فقال: مَن تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم الى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وإن كان حقا ثابتا له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )
إ.ه.(66/70)
هذا هو موقفهم المخزي من جميع الحكومات الإسلامية، ويستثنى من ذلك إذا كان دخولهم في تلك الحكومات وتولي بعض أعمالهم غايته تقويض دولتهم وتخريبها، كما روى ذلك الخميني في ( المكاسب المحرمة ) ( 2/123): ( عن
أبي الحسن علي بن محمد (ع) أن محمداً بن عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس وأخذ ما يتمكن من أموالهم هل فيه رخصة؟ فقال: ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر فالله قابل للعذر وما خلا ذلك فمكروه.. ) إلى أن قال: ( وكتب إليه في جواب: أن مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل في إدخال المكروه على عدوه وإنبساط اليد في التشفي منهم بشيء أتقرب به إليهم، فأجاب: من فعل ذلك
فليس في مدخله في العمل حراماً بل أجراً وثوباً ) أ.ه.
وقد عقب على ذلك بعض الفضلاء بقوله: فإذا كانت الغاية من الدخول إعمال معاول الهدم والتخريب في الدولة الإسلامية ومساعدة أعداء الإسلام في النيل منها فهذا جائز عند من اتخذوا التشيع ستار يتسترون وراءه من أجل معاداة الإسلام ورجاله، وقد صرح بهذا حاخام إيران الأكبر الخميني في كتابه ( الحكومة الإسلامية )( ص142) فقال: (... إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين مثل دخول علي بن يقطين ونصير الدين الطوسي رحمهما الله) إ.ه.
قلت: ويعني به إسلامه وإسلام أشباهه لا إسلام محمد صلى الله عليه وسلم،
وقد ذكر مثلين من رجالهما في ذلك ونحن نزيد عليهما ثالثا وهو عدو الله
المدعو مؤيد الدين محمد بن العلقمي وزير المستعصم بالله، وكان وزير سوء
على نفسه وعلى الخلفة وعلى المسلمين – كما قال الحافظ ابن كثير - فقد مالأ على الإسلام وأهله الكفار من أمثال هولاكو وجنده حتى وقع ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ بنيت بغداد وإلى هذه الأوقات.(66/71)
وقد سجل ذلك وفصله الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية )( 13/200-203) وبيّن فيها حقيقة الدور الذي لعبه ابن العلقم هذا وكذلك نصير الدين الطوسي الذي ذكره الخميني سلفا في قتل الألوف المؤلفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أيدي هؤلاء الكفار الأشرار وبمعونة أهل النفاق والمكر والخديعة من هؤلاء الرافضة، حتى قال إبن كثير عن نصير الدين الطوسي هذا (13/201): ( وانتخب هولاكو النصير ليكون في خدمته كالوزير المشير، فلما قدم هولاكو وتهيب من قتل الخليفة هوّن عليه الوزير ذلك فقتلوه رفسا وهو في جوالق لئلا يقع على الأرض شيء من دمه، خافوا أن يؤخذ بثأره فيما قيل لهم... فباؤا بإثمه وإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء... ) أما كيد ابن العلقمي هذا فقد سجله ابن كثير أيضا فقال: (وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان... فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف، ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد وسهل عليهم ذلك وحكى لهم حقيقة الحال وكشف لهم ضعف الرجال، وذلك كله طمعا منه أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر البدعة الرافضة وأن يقيم خليفة من الفاطمين... ). وقال أيضا: ( وأراد الوزير ابن العلقمي قبّحه الله ولعنه أن يعطل المساجد والمدارس والربط ببغداد ويستمر بالمشاهد ومحال الرفض وأن يبني للرافضة مدرسة هائلة ينشرون علمهم وعَلَمهم بها وعليها فلم يقدره الله على ذلك بل أزال نعمته عنه وقصف عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة وأتبعه بولده فاجتمعا والله أعلم بالدرك الأسفل من النار ) إ.ه. قلت: وذلك لأن فعله هذا يدل – بما لا شك فيه – على نفاقه , والله سبحانه يقول ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ) وقد أخزى الله سبحانه ابن العلقمي هذا في الدنيا قبل الآخرة، إذ قال ابن كثير في ترجمته من ( البداية والنهاية )(66/72)
( 13/212-213): (ثم حصل له بعد ذلك من الإهانة والذل على أيدي التتار الذين ملأهم وزال عنه ستر الله وذاق الخزي في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وابقى ) إ.ه.
ولسنا نقصد تفصيل ترجمة ابن العلقمي ولا النصير الطوسي ولا غيرهما، بل نذكر أمثلة على نفاق هؤلاء الرافضة بل أئمة الرافضة وموقفهم المخزي في ممالأة أهل الكفر على أهل الإسلام والمشاركة في ذبح أمة محمد صلى الله عليه وسلم إذا ما قدّر الله سبحانه وكانت بيدهم زمام الأمور.و لا نشك أن فعل الخميني أو عبد الحسين هذا أو غيرهما من أئمة الروافض في عصرنا لا يختلف عن فعل ابن العلقمي أو النصير الطوسي إذا ما سنحت لهم الفرصة، فنسأل الله تعالى لهم الخزي في الدنيا والآخرة.
والشيعة يقتلون أنفسهم من أجل الوصول الى الحكم ويوعدون الناس بأمانيّ كثيرة وبكلام معسول ككلام عبد الحسين هذا، فإذا ما تم لهم الأمر كانوا أخبث الناس وأظلمهم، ويدلنا على هذا مدة حكم الفاطميين الرافضة الذين يفتخر بهم عبد الحسين هذ في غير موضع من كتبه، وأنهم بناة الأزهر في القاهرة، كانت مدة حكمهم مئتين وثمانين سنة وكسراً.
وصفهم الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) (12/267) بقوله: ( وكانوا من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد وقل عندهم الصالحون من العلماء والعُبّاد وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية وتغلب الفرنج على سواحل الشام بكماله حتى أخذوا القدس ونابلس... وكل هذه البلاد كانت الصحابة قد فتحوها وصارت دار إسلام... وحين زالت أيامهم وانتقض إبرامهم أعاد الله عز وجل هذه البلاد كلها إلى المسلمين بحوله وقوته وجوده ورحمته ) إ.ه.(66/73)
ونظير هذا ما حدث أيام دولة بني بويه التي افتخر بصنيعها هذا الدجال عبد الحسين في ( المراجعة -56-) بأنهم أول من أظهر الإحتفال بعيد الغدير، وقد بينّا ذلك في صفحة (44) وذكرنا ما مرت به أمة الاسلام بسبب ذلك من الذلة والمهانة وتسلط الأعداء عليها عقوبة لها على هذه المعاصي والبدع الشنيعة والضلالات، فالى الله المشتكى، وهذا دأب الرافضة أبدا أقدر الناس على إختلاق الكلام الكذب والأماني الفارغة فإذا ما تمكنوا من الولاية كانوا أظلم الناس وأخبثهم كما وصف ابن كثير الفاطميين آنفاً، وصدق الله العظيم إذ قال ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له إتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ).
ثم قال عبد الحسين هذا أيضا: ( وينسبون رواتها الى الرفض، والرفض أخبث شيء عندهم ).
قلت: سواء كان يرضى بهذا الإسم ويفتخر به أو يحاول التملص منه وهو به لازم، على أية حال فنريد أن نبين معنى الرفض وسبب تسميتهم به ومن الذي سمّاهم به.
وللإجابة على كل هذا ننقل نص ما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته القيمة ( الفرقان بين الحق والباطل ) ( ص26-27): ( وأما لفظ الرافضة، فهذا اللفظ أول ما ظهر في الاسلام لمّا خرج زيد بن عليّ بن الحسين في أوائل المئة الثانية في خلافة هشام بن عبد الملك واتبعه الشيعة، فسُئِل عن أبي بكر وعمر فتولاهما وترحم عليهما فرفضه القوم، فقال: رفضتموني، رفضتموني، فسُموا الرافضة، فالرافضة تتولى أخاه أبا جعفر محمد بن عليّ، والزيدية يتولونه وينسبون إليه، ومن حينئذ انتمت الشيعة الى زيدية، والرافضة إمامية ) إ.ه.(66/74)
قلت: وحادثة زيد هذه وتسميته من رفضه برافضة قد رواها الحافظ ابن جرير الطبري في ( تاريخه ) (7/180-181)، وذكرها الحافظ ابن كثير أيضا في ( البداية والنهاية ) ( 9/329-330)، وغيرهما.
ونحن نسأل عبد الحسين هذا وأشباهه ما كل هذه المكابرة والعناد يا قوم؟؟
المراجعة (65): س:
زعمه طلب شيخ الأزهر ما أسماه بحديث الوراثة.
المراجعة (66): ش:
سوقه لبعض الأحاديث التي زعم أنها تدل على وراثة عليّ النبي صلى الله عليه وسلم.
الرد على المراجعة (66):
بيان أن جميع النصوص المذكورة قد تقدم ذكرها والرد عليها وكشف وضعها وكذبها، وأن هذا تكرار لا فائدة منه أقدم عليه عبد الحسين هذا لجهله وعناده، والإشارة الى مواضعها المتقدمة.
ابتدأ مراجعته هذه بإحدى الخرافات التي عليها تقيم الرافضة دينها، ألا وهي: ( لا ريب في أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أورث عليا من العلم والحكمة ما أورث الأنبياء أوصياءهم ) وقد قدمنا في ( ج1/349-350) إعتراف أئمة الشيعة أنفسهم مثل النوبختي والكشي والمامقاني وغيرهم أن القول بالوصاية لعليّ أظهره عبد الله بن سبأ اليهودي وهو أول من قال به ودعا إليه، نظير الوصاية ليوشع بن نون بعد موسى عليه السلام، وهم بهذا القول والتقرير يدينون أنفسهم ولله الحمد.
ثم راح يحاول إثبات هذه الوراثة بنصوص كنا قد بينا كذبها وبطلانها بمعونة الله تعالى، مثل ( ( أنا مدينة العلم وعليّ بابها ) و( أنا دار الحكمة وعليّ بابها) كلاهما في (ج1/479-496) ومثل: ( عليّ باب علمي... ) انظر (ج1/496). وحديث زيد بن أبي أوفى، ولفظه (... وأنت أخي ووارثي قال وما أرث منك؟... ) في (ج1/387-389)، وحديث بريدة الذي أشار إليه سيأتي الكلام عليه إن شاء الله في المراجعة القادمة. وما أسماه بحديث الدار يوم الإنذار يعني به ما كان ذكره في ( المراجعة -20-) وقد بينا – بحمد الله – كذبه وبطلانه في ( ج1/353-355) فليراجع.(66/75)
وقول عليّ رضي الله عنه: ( والله إني لأخوه، ووليّه وابن عمه، ووارث علمه فمن أحق به منّي ) قد تقدم في ( المراجعة -34-) ورددنا عليه في (ج1/412-413) وبينا أنه كذب موضوع وأن عبد الحسين هذا قد كذب وافترى في تصحيحه أولا، وفي نسبة تصحيحه الى الحاكم أو الذهبي ثانيا.
وقوله: ( وقيل له مرة: كيف ورثت ابن عمك دون عمك؟ فقال: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب وهم رهط... الى آخر هذا الأثر ) هو تكرار لما يسميه بحديث الدار يوم الإنذار فهو نفسه، وهذا تكرار لا يليق إلا بمثل هذا الحمار عبد الحسين، إذ قد أعاد هذا الأثر أربع مرات أو أكثر, فإن كان لا يدري فهو من غبائه وإن كان يدري فهو من خبثه وتدليسه.
وهذا الحديث كنا قد فصلنا الرد عليه وبينا طرقه في ( ج1/223-228) وبينا الإختلاف بين ألفاظه في مختلف الطرق التي حاول عبد الحسين هذا التسوية بينها رغبة في الغش، ومع أن جميع طرقه لا تصح ولا تثبت إلا أن الطريق التي فيها ذكر هذه الوراثة المزعومة هي طريق واحدة انفرد بها عبد الغفار بن القاسم بن أبي مريم، وهو كذاب كما فصلناه هناك ولله الحمد، فلا حاجة لإعادته
وقول قثم بن العباس – حين سُئل: كيف ورث عليّ رسول الله دونكم -: ( لأنه كان أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا ) مع تصحيح الحاكم والذهبي له فهو ضعيف لا يصح، وقد وهما – رحمها الله – في تصحيحه، إذ هو من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق السبيعي، والسبيعي صدوق لكنه كان قد اختلط وساء حفظه بأخره،
وزهير ممن سمع منه بعد اختلاطه كما موضح في ترجمته من ( التهذيب ) و(66/76)
( التقريب ) وغيرهما. وله طريق أخرى عن شريك القاضي عن أبي اسحاق، وشريك وإن كان قديم السماع من أبي اسحاق لكنه نفسه سيء الحفظ لا يحتج بما انفرد به. فعلى هذا فقول قثم هذا لا يصح ولا يثبت مع أن ليس في ثبوته ما يضير، إذ قول قثم نفسه ليس بحجة فلا يعدو – على فرض صحته – أن يكون هو رأيه ولا يلزم به أحدا.
ثم قول عبد الحسين هذا: ( قلت: كان الناس يعلمون أن وارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو عليّ ) الى آخر ذلك، باطل ولا دليل عليه إلا ما تقدم من الأدلة المزعومة وقد رددناها كلها ولله الحمد وأبطل منه وأكذب قوله بعد ذلك: ( أن الله عز وجل اطلع الى أهل الأرض فأختار منهم محمدا نبيا، ثم اطلع ثانية فأختار عليا فأوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يتخذه وارثا ووصيا ) وهذا إنما اعتمد فيه على حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو شأن الرافضة دائما – وقد تقدم بيان كذبه وبطلانه في ( المراجعة -48-) وستأتي الإشارة اليه مفصلة في المراجعة القادمة إن شاء الله.
وما نقله بعد ذلك من ( المستدرك ) عن اسماعيل بن اسحاق القاضي لا حجة فيه عند أهل العلم كما لا يخفى – هذا إن صحّ هذا القول عنه _ خصوصا وهو قد اعتمد على أثر لا يثبت عن قثم كما سبق بيانه فكيف يصح بعد ذلك إدعائه الإجماع عليه؟ ويبدو أن هؤلاء الحمقى لا يعرفون أن الله سبحانه أمرنا حين التنازع أن نرجع الى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب لا غيرهما فقال: ( فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) وحسبنا الله ونعم الوكيل...
المراجعة (67): س:
شيخ الأزهر يطلب مرة أخرى نصوص الوصية لعليّ التي تدّعيها الشيعة.
المراجعة (68): ش:
-سوقه لمجموعة من الأحاديث والآثار المزعومة في الوصية هذه غالبها معاد لا جديد فيه.
الرد على المراجعة (68):(66/77)
نقض كل أحاديثه وآثاره المزعومة هنا بعد النقد العلمي التفصيلي، وهو ما وفق الله سبحانه وتعالى له.
هذه المراجعة خاصة بما تزعمه الرافضة من الوصايا لعليّ رضي الله عنه، وابتدأها عبد الحسين هذا بإفتراء جديد من إفتراءاته الكثيره في هذا الكتاب، فقال: (نصوص الوصية متواترة عن أئمة العترة الطاهرة ) فإن كان يعني بهذه النصوص ما رُوي من طريق أهل السنة أو في كتبهم فهو كله باطل وكذب كذّبه فحول علم الحديث والأسانيد، وسنفصل ذلك إن شاء الله وإن كان يعني بتلك النصوص ما روته الشيعة في كتبها فمن الحماقة ذكره هنا وهو يريد إقامة الحجة على أهل السنة بزعمه. وما أشار إليه مما تقدم في ( المراجعة -20) تقدم أيضا تفصيل الرد عليه بحمد الله تعالى.
ثم أخذ يسرد ما زعمه من نصوص الوصية المزعومة هذه، وقد تقدم ذكر معظمها وسنستعرضها بعون الله تعالى مبينين ما فيها أو مشيرين الى موضعها المتقدم من كتابنا هذا: وأولها حديث بريدة أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لكل نبي وصي ووارث، وإن وصيي ووارثي عليّ بن أبي طالب ) وهو حديث موضوع، مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سنبينه وقد عزاه هذا الرافضي عبد الحسين للذهبي في ( ميزانه ) فقط لجهله وقلة علمه مع أنه أسقط من اسناده شريكا القاضي بين إبن اسحاق وأبي ربيعة الأيادي، وقد ساقه الذهبي في
( الميزان ) ( 2/273) من طريق محمد بن حميد الرازي حدثنا سلمة الأبرش حدثنا ابن اسحاق عن شريك عن أبي ربيعة الأيادي عن ابن بريدة عن أبيه، وقد رواه عن محمد بن حميد هذا البغوي ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي في(66/78)
( الموضوعات ) ( 1/376) وعنه نقله السيوطي في ( اللآليء المصنوعة) ( 1/359) من طريقين، وقد عقب الذهبي على الحديث بقوله: ( هذا كذب ولا يحتمله شريك ). قلت: وقد صدق رحمه الله رغم أنف عبد الحسين هذا، إذ بإستثناء بريدة الصحابي وابنه يكون جميع رجال إسناده ضعفاء ومتكلَم فيهم فأبو ربيعة الأيادي واسمه عمر بن ربيعة قال عنه أبو حاتم: منكر الحديث، وشريك معروف بسوء الحفظ على جلاله قدره وقد تقدم تفصيله ضمن الرواة المئة برقم(66/79)
( 40)، وإبن اسحاق مدلس لا يحتج إلا بما صرح فيه بالتحديث، وهو أمر معدوم هنا، وسلمة بن الفضل الأبرش ضعيف لكثرة خطئه وسوء حفظه، وقد تقدم أيضا ضمن الرواة المئة برقم (34). لكن العلة الحقيقية لسقوط هذا الحديث والحكم عليه بالوضع هي من أجل محمد بن حميد الرازي فقد كذبه أبو زرعة وصالح جزرة وابن خراش وعلي بن مهران وقال عنه يعقوب بن شيبة: كثير المناكير، وقال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ليس بثقة، واتهمه أيضا فضلك الرازي وأبو حاتم وابن خزيمة كذلك، فهو كذاب مع سعة حفظه وهذا جرح مفسر يجب تقديمه على أي تعديل كما هو مقرر في قواعد علم الحديث وقد ذكرناها في ( ج1/261) فلا يلتفت بعد ذلك الى توثيق الإمام أحمد وابن معين له لعدم علمها بحاله هذا الذي علمه غيرهما، ويدل على ذلك ما نقله الذهبي في ( الميزان ) وكذا الحافظ في ( التهذيب ) في ترجمة ابن حميد هذا عن أبي علي النيسابوري أنه قال: قلت لإبن خزيمة: لو أخذت الإسناد عن أبي حميد فإن أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه، فقال: أنه لم يعرفه ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلا إ.ه. فبان بهذا الحق إن شاء الله. أما ما إدعاه عبد الحسين هذا من أن البغوي والطبري قد أثنوا على ابن حميد هذا فهو كذب محض ولا يمكنه إثباته، ولا حجة له إلا رواية البغوي والطبري عن ابن حميد، وهذا لا يعد توثيقا أبدا فهما لم يلتزما الرواية عن الثقات ولم يدعيا ذلك وقد قدمنا في قواعد المصطلح (ج1/262) أن رواية الثقة عن راوٍ لا تعد تعديلا أو توثيقا له بالمرة إلا ما كان من صاحبي الصحيحين البخاري ومسلم.(66/80)
هذا كله لنبين سقوط جواب عبد الحسين هذا واعتراضه على الذهبي في الهامش (1/237)، ثم قوله عن أبي حميد هذا: ( وإنما هو من سلف الذهبي ) باطل أيضا فإبن حميد هذا من سلف عبد الحسين نفسه وابن المطهر وسائر أئمة الرافضة، لا لتشيعه بل لأنهم جميعا يشتركون في مهنة الكذب والغش والتدليس التي رأينا منها في كتاب عبد الحسين هذا الكثير الكثير.
ومحمد بن حميد الرازي هذا لم ينفرد بهذا الحديث من بين المتهمين بالكذب بل قد تابعه في روايته هذه عن سلمة الأبرش كذاب آخر وهو أحمد بن عبدالله الفرياني أو الفرياناني أبو عبد الرخمن المروزي كما عند السيوطي في ( اللآليء المصنوعة ) (1/359)، والفرياناني هذا قال عنه أبو نعيم الحافظ: مشهور بالوضع، وقال ابن حبّان: كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم وعن غير الأثبات ما لم يحدثوا، وقال النسائي: ليس بثقة. وبه كذب الحديث السيوطي.
وبكل ما تقدم تحقق بطلان هذا الحديث وكذبه، وقد حكم عليه بذلك ابن الجوزي في ( الموضوعات ) (1/376) والسيوطي في ( اللآليء ) (1/359) ونقله أيضا عن الجوزقاني، وغيرهم إضافة للإمام الذهبي رحمهم الله جميعا وأخزى مناوئيهم.
والحديث الثاني عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني عليّ بن أبي طالب) أخرجه الطبراني في ( الكبير ) (6063) وإليه عزاه في ( الكنز)(32952) وساقه أيضا الذهبي في ( الميزان ) (4/240)، وهو من طريق يحيى بن يعلى عن ناصح بن عبد الله عن سماك بن حرب عن أبي سعيد الخدري عن سلمان. وهذا إسناد واهٍ فناصح بن عبد الله هذا متروك، قال عنه البخاري: منكر الحديث، وقال الفلاس: متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء. وبه أعل الحديث الهيثمي في (المجمع ) (9/113-114)، وقال عنه الذهبي: هذا خبر منكر.(66/81)
وهذا كاف في اسقاط الحديث والحكم عليه بالوهن الشديد، ولكن أظن –والله أعلم – أن في الإسناد علة أخرى وهي أن يحيى بن يعلى هذا هو الأسلمي الضعيف إذ هو الذي له رواية عن ناصح بن عبد الله شيخه في هذا الإسناد كما يتضح من تراجم من اسمه يحيى بن يعلى من ( التهذيب ) وغيره، ولم أكن أشك في يحيى المذكور هو الأسلمي لو لا أني رأيت الذهبي حين ساق إسناد هذا الحديث في ( الميزان ) (4/240) وصف يحيى بن يعلى المذكور بأنه المحاربي الثقة المعروف، ولا أظنه إلا وهما منه رحمه الله فليس للمحاربي رواية عن ناصح هذا، فضلا عن أن الذهبي كان قد ذكر قبل ذلك إسنادا فيه رواية يحيى بن يعلى مصرحا بأنه الأسلمي عن ناصح بن عبد الله عن سماك بن حرب، وهو نفس إسنادنا هنا، والله أعلم بالصواب وهذا الأمر ثبوته أو عدمه لا يغير من حال حديثنا هذا كما لا يخفى، فقد تقدم بيان ضعفه ونكارته.
وحديث سلمان هذا له طرق أخرى لا يفرح بمثلها، ساقها السيوطي في( اللآليء) (1/358-359) ولا حاجة لإستعراضها مفصلة لكن لا بد من ذكر ما فيها من علّة ولو بإيجاز:
أولى تلك الطرق فيها اسماعيل بن زياد السكوني قاضي الموصل، وقد كذبه غير واحد وقال عنه ابن حبان: ( دجال لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه ) مع ما في تلك الطريق من مجاهيل لا يعرفون.
الطريق الثانية: فيها مطر بن ميمون، وهو متروك وقد أُتهم، وفي الإسناد ضعفاء آخرون.
الطريق الثالثة: أخرجها ابن حبّان، وساقها أيضا الذهبي في ( الميزان ) (1/635) من طريق خالد بن عبيد العتكي أبي عاصم عن أنس عن سلمان وخالد هذا متروك وقال عنه الحاكم: حدث عن أنس بموضوعات.(66/82)
الطريق الرابعة: وهي الأخيرة فيها إسماعيل بن زياد السكوني المتقدم حاله في الطريق الأولى، وفي الإسناد أيضا قيس بن ميناء وهو متهم أيضا، وقد ساق هذه الطريق الذهبي في ( الميزان ) (3/398) وقال: وهذا كذب، وصدق رحمه الله.و قد كذب هذا الحديث أيضا ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ( 1/374)، والسيوطي في ( اللآليء) (1/358-359) وغيرهما، وبثبوت كذب هذا الحديث تتبين تفاهة قول عبد الحسين معقبا عليه: ( وهذا نص في كونه الوصي وصريح في أنه أفضل الناس بعد النبي، وفيه من الدلالة الإلتزامية على خلافته ووجوب طاعته ما لا يخفى على أولى الألباب ) والحمد لله الذي وفق لدحض كل حججه هذه، وهو المسؤول دوامها.
أما الحديث الثالث عن أنس رضي الله عنه عند أبي نعيم في ( الحلية ) فقد تقدم ذكره في ( المراجعة -48-) وهو الحديث الخامس فيها، وفصلنا الكلام عليه وبينّا كذبه ووضعه في ( ج1/474) فليراجع.
ومثله الحديث الرابع عن أبي أيوب الأنصاري هنا فقد بينا وضعه أيضا في ( ج1/522-523) بحجج قاطعة دامغة بفضل الله تعالى وهي تنسف كل خيالات هذا الرافضي عبد الحسين التي ألقاها إليه الشيطان معقبا بها على هذا الحديث بقوله: (أنظر كيف إختار الله عليا من أهل الأرض كافة بعد أن إختار منهم خاتم
أنبياءه... ) وقد علمنا الله سبحانه أن من سنته أن يبتلي عباده المؤمنين بمثل هؤلاء فقال: ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون. أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا )(66/83)
فما أعظم هذه الآيات وما أشد إنطباقها على صاحبنا هذا وأشباهه، إذ وصف الله سبحانه كل كلام هؤلاء وتصريحاتهم بأنها زخرف القول وأنها غرور أيضا، وهذا والله هو أليق وصف لكلام عبد الحسين هنا، إذ هو كلام منمق ومزوق لكنه كله غرور لا دليل عليه البتة بل هو نابع من هواه، وما زعمه دليلا على ذلك قد بينا – بحمد الله – كذبه وبطلانه، أعني به حديث أبي أيوب الأنصاري وما في معناه مما تقدم في (ج1/522-524)، وقد سمى الله تعالى كل صاحب دعوى بلا حجة ولا برهان كاذبا فقال: ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) وأمرنا أن نطالبهم بحجة من علم فقال: ( قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ) ونحن قد طالبناهم بحجة وبرهان فلم يظهروا لنا إلا هذا الذي تحققنا من كذبه وبطلانه، فصح إذن أنهم متبعين ظنا لا يغني من الحق شيئا. ثم أخبرنا الله سبحانه في تلك الآيات أن أحدا لا يميل إليهم ولا يرضى بقولهم إلا من لا يحسب حسابا بأن الله سبحانه سوف يسأله عن إتباعه لهم بلا حجة ولا برهان ويؤاخذه على ذلك، وأنهم هم الذين لا يؤمنون بالآخرة، فقال: ( ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ). ثم علمنا سبحانه بأن لا نرضى بغير شرعه حكما يفصل بيننا في ما تنازعنا فيه:
( أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ) لا الأهواء ولا العصبيات ولا الظنون التي هي بضاعة عبد الحسين هنا، وخير دليل عليها الأحاديث الثلاثة التي سطرها في الهامش ( 5/238 ) فكلها منقولة من دون معرفة إسنادها ولا يغني ذكر مخرجها عن النظر في إسنادها كما لا يخفى، مع أن في ثبوتها فضل لعليّ رضي الله عنه لكن لا دلالة فيه على الوصية المزعومة البتة.(66/84)
والأثر الأول عن أنس قد كذبه الذهبي في ترجمة محمد بن دينار – أحد رواته – من (الميزان )وضعفه ابن عساكر فيما نقله ابن حجر العسقلاني في ( اللسان ) (5/163) وأقره، وتعقب إبن حجر الهيثمي في ( الصواعق ) (ص85) تكذيب الذهبي واكتفى بأنه غريب وفي سنده مجهول، فهو مردود على كل حال حتى عند صاحب ( الصواعق ) الذي منه نقله هذا الرافضي ولم يرق له بيان حاله فكتمه كعادته.
وقوله: ( أن هذه مزية يظهر بها فضل عليّ، فلا يلحقه بعدها لاحق ولا يطمع في إدراكه طامع ) نعم زواجه رضي الله عنه من فاطمة فيها فضل له، لكنه لم ينفرد بل شاركه فيها آخرون وهما عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو خير من عليّ رغم أنف عبد الحسين، وزوّجه النبي صلى الله عليه وسلم إبنته رقية، ثم توفيت عقب بدر فزوّجه إبنته الأخرى ام كلثوم، ولو كنا مثل عبد الحسين هذا لا نتحرى الصحة في الأدلة لاستشهدنا بما لو ظفر به هؤلاء الرافضة لطاروا فرحا وهو ما أخرجه ابن ماجة(110) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى باب المسجد فقال: ( يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله زوّجك ام كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها )، أو ما أخرجه ابن عساكر في ( تهذيب تاريخ دمشق) (39) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: ( ألا أبو أيم، ألا أخو أيم يزوج عثمان، فإني قد زوجته ابنتين، ولو كان عندي ثالثة لزوجته، وما زوجته إلا بوحي من السماء)، ولكنا لا نحتج بالضعيف، وفي الصحيح الثابت غنى عنه بحمد الله تعالى، ومن أجل هذا لقّب عثمان بذي النورين، وهو الوحيد الذي نعلمه تزوج ابنتي نبيّ كما قال الحسنُ البصري فيما رواه ابن عساكر (45). والرجل الآخر الذي شارك علياّ رضي الله عنه في فضيلة الزواج من ابنة النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو العاص بن الربيع، زوجّه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب. وأثنى عليه صلى الله عليه وسلم في مصاهرته وقال: ( حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي ) كما في(66/85)
الصحيحين وغيرهما.
فلا يصح بعد ذلك قول عبد الحسين: ( فلا يلحقه بعدها لاحق ولا يطمع في إدراكها طامع ) كما لا يخفى.
ثم ما ذكره من أحاديث ابن عباس وأبي هريرة عند الخطيب والحاكم والطبرانى بكل تخريجاته فى الهامشين (7، 6/239) قد تقدم منا ذكرها وزيادة عليها مفصلة في (ج1/311-314) بما لا يبقى معه شك بكذب هذه الأحاديث جميعا، والحمد لله على توفيقه.
وآخر أحاديثه هنا حديث معقل بن يسار، عند الإمام أحمد (5/26) أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة رضي الله عنها فقال لها: ( كيف تجدينك؟ ) قالت: والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي، فقال: ( أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما ). وهو ضعيف، في إسناده خالد بن طهمان وقد ضعفّه ابن معين وابن الجارود.
وقال عنه ابن حبّان: يخطئ ويهم. وهو متشيع أيضا فلا يقبل خبره في مثل هذا , وأما توثيق أبي حاتم له فمردود لما قدمنا من قواعد هذا العلم الشريف من وجوب تقديم الجرح المفسر على التعديل، أو لأن أبا حاتم لم يكن يعلم بتخليط خالد هذا في آخره الذي بينّه ابن معين فقال: ( ضعيف خلط قبل موته بعشر سنين وكان قبل ذلك ثقة ) كما في ( الميزان ) و( التهذيب ) والراوي عنه هنا هو أبو أحمد الزبيري، وبمقارنته مع باقي الرواة يترجح أنه من المتأخرين إذ في الرواة عن خالد من هم من شيوخ أبي أحمد كالثوري مما يدل على صغر سن أبي أحمد الزبيري مقارنة بالرواة الآخرين عن خالد ومن ثم تأخر رواية أبي أحمد عن خالد حتى وقوع الأخير في التخليط الذي سبق ذكره، وعلى كل حال يكفي لبيان ضعف الحديث ثبوت وهم خالد هذا أو تخليطه مع عدم إمكان إثبات أن حديثه هذا حمل عنه قبل تخليطه. فسقط بذلك الحديث كلية، ولا يجوز الإحتجاج به.
المراجعة (69): س:(66/86)
-إنكار شيخ الأزهر لتلك الوصية محتجا بالأقوال الثابتة عن عائشة وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما في نفي تلك الوصية، لكن عبد الحسين هذا علق في الهامش على قول عائشة فزعم أنه أوهى الردود وأنها ارتبكت في جوابها مما يعني عنده ثبوت تلك الوصية المزعومة.
المراجعة (70): ش:
1- محاولته إثبات الوصية من مفاهيم نصوص أخرى ساق معانيها.
2- طعنه بأهل المذاهب الأربعة وأنهم أنكروا الوصية لعدم تمشيها مع أهوائهم في إثبات خلافة الثلاثة قبل عليّ
3- تصريحه بإسقاط الحجة بصحيح البخاري وما احتواه من تلك الأقوال النافية للوصية، بلا حجة ولا برهان.
4- إدّعاءه بلا ضابط ولا حجة بأن العقل والوجدان يحكمان بتلك الوصية المزعومة.
الرد على المراجعة (70):
1- الإبتداء ببيان سخف تعليقه على قول عائشةرضي الله عنها في نفي الوصية. ثم تفصيل حجتها في نفي الوصية وأنها على ضربين وتوجيه قول عائشة وأمثاله من أقوال الصحابة والتابعين مع كشف بعض التلاعب خلال كلام عبد الحسين هذا ونقله.
2- سياق معاني النصوص التي ذكرها بالتفصيل والرد المسهب والنقد العلمي لها مما يين سقوطها عن إثبات الوصية المزعومة بالمرة.
3- الذب عن أئمة المذاهب الأربعة فيما اتهمهم به هذا الموسوي.
4- كشف تناقضه في عدم رضائه المعارضة بما رواه البخاري مع أنه يريد إقامة الحجة على أهل السنة بزعمه.
5- نقض إدّعائه بأن العقل والوجدان يحكمان بالوصية.(66/87)
بعد أن ساق ما زعمه من نصوص الوصية في المراجعة الماضية ورددنا عليه بحمد الله وبينا كذبها كلها حاول هنا إثبات تلك الوصية من مفهوم نصوص أخرى ليست هي بأحسن حالا من النصوص المزعومة الماضية في الوصية , وغالبها قد تقدم ذكره والرد عليه مفصلا كما ستأتي الإشارة الى ذلك إن شاء الله. لكن قبل ذلك نريد أن نعقب على ما علق به في الهامش (2/240-241) الخاص بالمراجعة (69) على قول عائشة رضي الله عنها: ( لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأني لمسندته الى صدري فدعا بالطست فانخنث فمات، فما شعرت، فكيف أوصي الى عليّ؟ ) وهو قوله: ( قد تعلم أن الشيخين رويا في هذا الحديث وصية النبي إلى عليّ من حيث لا يقصدان, فإن الذين ذكروا يومئذ أن النبي أوصى الى علي لم يكونوا خارجين من الأمة، بل كانوا من الصحابة أو التابعين الذين لهم الجرأة على المكاشفة بما يسوء أم المؤمنين ويخالف السياسة في ذلك العهد، ولذلك ارتكبت رضي الله عنها، عندما سمعت حديثهم إرتباكا عظيما يمثله ردها عليهم بأوهى الردود وأوهنها ).. ونحن نسأل الله السلامة والعافية من مثل هذا البلاء الذي يمثله تخبط هذا المدعو عبد الحسين وتشبثه بما يظنه حجة ودليلا وليس هو إلا من خياله وهواه ولا أرى مثله إلا ( كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) أو كما وصفه الله تعالى: (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجّيٍ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ) وهي كذلك والله حججه وأدلته ظلمات بعضها فوق بعض، لكن كما قدر الله تعالى ( ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور ). وإلا فأي عقل يقبل مثل قوله هذا: (لذلك ارتبكت رضي الله عنها عندما سمعت حديثهم إرتباكا عظيما ) فما أدراك يا هذا؟ ثم قوله عن جوابها بأنه أوهى الردود وأوهنها, مكابرة واضحة(66/88)
فاضحة , فإنها أرادت رضي الله عنها قطع حجة من يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو مسند رأسه الى عليّ وأوصاه بما أوصاه حينها ومنها أنه علمّه ألف باب يفتح من كل باب منها ألف باب، وغير ذلك مما سنرد عليه إن شاء الله حين نأتي على ذكره في الفقرة الثالثة من المراجعة (76)، ويدل على ذلك ذكرها نفي الوصية عند سكرات موته صلى الله عليه وسلم – وبأبي هو وأمي – كما نقل الحافظ في ( الفتح ) (5/455) عن القرطبي قوله: ( كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعليّ، فرد عليهم جماعة من الصحابة ذلك وكذا من بعدهم، فمن ذلك ما استدلت به عائشة كما سيأتي... – ثم قال الحافظ -: وقال غيره: الذي يظهر أنهم ذكروا عندها أنه أوصى له بالخلافة في مرض موته فلذلك ساغ لها انكار ذلك، واستندت الى ملازمتها له في مرض موته الى أن مات في حجرها ولم يقع منه شيء من ذلك فساغ لها نفي ذلك ) إ.ه.
قلت: فحجتنا في إنكار ما يزعمون من الوصية على ضربين.. الأول: الوصية المطلقة خلال حياته – كما يزعمون – صلى الله ليه وسلم، وهذه دحضناها بحمد الله ببيان كذب كل تلك الأحاديث التي ذكرها وقد تقدمت، أما الضرب الثاني: فالوصية عند سكرات موته صلى الله عليه وسلم، وهي مردودة أيضا بعدم ثبوت النصوص بها بل كلها مكذوبة موضوعة - كما سيأتي -، وأيضا بقول عائشة رضي الله عنها هذا مع آخرين من الصحابة والتابعين في نفي ذلك أيضا وقد ساق طرفا منها الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (5/455-456) فليراجع، ومنها قوله: ( وأخرج أحمد والبيهقي في الدلائل من طريق الأسود بن قيس عن عمرو بن أبي سفيان عن عليّ أنه لمّا ظهر يوم الجمل قال: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا ) إ.ه.(66/89)
وكفى بذلك حجة عن علي رضي الله عنه نفسه في نفي الوصية عند سكرات الموت أو قبل ذلك. ومثل هذا أيضا ينطبق على كلام الإمام السندي الذي ساقه في نفس الهامش، وهو قوله: ( ولا يخفي أن هذا لا يمنع الوصية قبل ذلك ولا يقتضي أنه مات فجأة بحيث لا تمكن منه الوصية ولا تتصور، فكيف وقد علم أنه علم بقرب أجله قبل المرض ثم مرض أياما ) ثم وصف عبد الحسين هذا الكلام بأنه في غاية المتانة، وهو لا يخلوا أما أن يكون مقتنعا بهذا الكلام ومحتواه أو غير مقتنع، فإن كان غير مقتنع فهذا تمويه منه وتضليل وهو ما ألفناه منه في كتابه هذا فهو الذي نرجحه هنا وسنبينه إن شاء الله، وإن كان مقتنعا به فيلزمه إذاً أن يقر بدلالة خبر عائشة هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قبض ورأسه في حجر عائشة رضي الله عنها إذ هذا هو الذي فعله السندي وبين أنه مع عدم دلالته على نفي الوصية – برأيه وزعمه – فهو صحيح وثابت، وهذا الأمر يخالف تماما معتقد الشيعة ومعتقد عبد الحسين هذا نفسه فيما سيأتي التصريح به في الفقرة الثالثة من المراجعة (76)، وهذا غاية في التخبط والإضطراب. أما نحن فنثبت قول عائشة رضي الله عنها ولا نرده، وهو دليل يبطل قول كل من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض ورأسه في حجر عليّ وأنه أوصى له في حينها , وأما قول الإمام السندي – رحمه الله – فلا حجة به علينا إذ قد بينّا قول من هو أعلم منه بذلك وهو الموافق لمقتضى هذه النصوص، كقول القرطبي والحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى.(66/90)
وقبل أن أنهي كلامي هنا لا بد من ذكر أمر كان أولا قد لفت إنتباهي ودفعني الفضول للتحري عنه حتى تبين لي وجه الحقيقة، وهو قول عبد الحسين حين ساق قول الامام السندي عقبه (... الى آخر كلامه ) مما يدل على أن لكلام الامام السندي تكملة قد حذفها هذا الرافضي، فرجعت الى نفس الموضع الذي ذكره صفحة(241) من الجزء السادس من ( سنن النسائي) فرأيت تتمة كلامه أن قال: ( نعم هو يوصي إلى علي بما إذا كان الكتاب والسنة فالوصية بهما لا تختص بعلي بل يعم المسلمين كلهم، وإن كان المال فما ترك مالا حتى يحتاج إلى وصية إليه والله تعالى أعلم ) إ.ه. فأقدم عبد الحسين هذا على حذف كلام الإمام السندي هذا لتضمنه نفي وجود وصية خاصة بعلي من النبي صلى الله عليه وسلم, وأنه إن وجدت هناك وصية منه إليه فبكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا غيرها، وهو ما يعم كل المسلمين ولا يختص به وحده رضي الله عنه. فإن كان عبد الحسين هذا يقول عن كلام الامام السندي هنا بأنه في غاية المتانة فيلزمه الإقرار بما ينقض أصله وإلا فما حمله على حذفه وإقتطاعه –قطع الله ذكره – غير إنعدام الامانة عنده؟؟
ثم إبتدأ عبد الحسين مراجعته هذه بقول كذب فقال: ( وصية النبي صلى الله عليه وسلم الى عليّ لا يمكن جحودها ) ونحن نقول: بل لا يمكن إثباتها لما قدمنا ولما سيأتي إن شاء الله.
ثم أشار إلى نصوص الوراثة المزعومة بقوله: ( بعد أن أورثه العلم والحكمة) وقد حققنا سقوطها وبطلانها كلها في صفحة (80-82) ثم قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد الى عليّ بأن يغسله ويجهزه ويدفنه، وهذا صحيح ثابت من أن عليا رضي الله عنه كان من جملة من غسّل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهزه ودفنه وهو فضل له رضي الله عنه..(66/91)
نعم لكنّه لم ينفرد به بل شاركه فيه كل من العباس بن عبد المطلب والفضل بن عباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما هو ثابت ومقرر في كل من ( السيرة النبوية لإبن هشام ) (4/312-315)، ( تاريخ الطبري ) (3/211-214)، ( الطبقات الكبرى لإبن سعد) (2/277) (1/298، 297)، ( تاريخ الإسلام للذهبي ) ( 2/575-576)، (البداية والنهاية لإبن كثير ) (5/260-263)، وغيرها أيضا.
فإن كان غسل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه ودفنه يستلزم الوصية منه لفاعله، لكان ذلك مستحقا أيضا لكل هؤلاء، العبّاس وابنيه الفضل وكذا أسامة وصالح، وهذا ما يؤدي إليه قول عبد الحسين هذا ومقدمته التي إستند إليها، فاتضح بطلانها ولله الحمد، مع أننا لا نشك بأن أحدا لا يخالفنا بأن لا علاقة بغسل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه ودفنه وبين الوصاية منه لمن غسّله في أمور الإمامة وغيرها.
أما قوله بأن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إلى عليّ بذلك، فهذا لا يصح أبدا والنصوص التي تذكر ذلك مما ساقه في الهامش ( 2/242) ضعيفة ساقطة كلها وأولها قول علي: ( أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري ) أخرجه ابن سعد (2/278)، والبزار – كما في ( البداية والنهاية ) ( 5/261)، ( مجمع الزوائد )(9/36) – وساقه الحافظ الذهبي في ( تاريخه ) (2/576) من طريق أبي عمرو كيسان عن مولاه يزيد بن بلال عن علي، وكيسان القصّار وشيخه يزيد كلاهما ضعيف، كما في ( التقريب ) وغيره.
ثم قول عليّ: ( أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( إذا أنا مت فغسلني بسبع قرب...) فقد ذكره في ( الكنز ) ( 18781 ) وعزاه لأبي الشيخ وابن النجار، وهو قصور منه إذ قد أخرجه ابن ماجه أيضا ( 1468 ) واسناده ضعيف من أجل عباد بن يعقوب الرواجني، وقد تقدم تفصيل حاله ضمن الرواة المائة برقم ( 46 ).(66/92)
وقول عبد الواحد بن أبي عون _ وقع في الأصل بلفظ.. عوانة وهو خطأ _ ليس به حجة، إذ هو حتى ليس من التابعين، بل هو من أهل الطبقة السابعة مات سنة أربعة وأربعين ومائة، فكيف يمكن أن تصح روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مع ما في الإسناد من ضعف، إذ قد رواه ابن سعد من طريق شيخه محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك وقد أتهم كما في ( التهذيب ) وغيره..
أما قول ابن عباس رضي الله عنهما... ( إن لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره.. هو أول عربي وأعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، والذي صبر معه يوم المهراس، وهو الذي غسله وأدخله قبره ) فقد أخرجه الحاكم ( 3/111 ) من طريق زكريا بن يحيى المصري، حدثني المفضل بن فضالة، حدثني سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس. ولم يعقب عليه الحاكم بشيء غير أن الذهبي قال: ( فيه زكريا بن يحيى الوقار، وهو متهم ) قلت: وهو زكريا بن يحيى المصري أبو يحيى الوقار، قال عنه ابن عدي: يضع الحديث، وكذّبه صالح جزرة وفي الإسناد علة أخرى دون هذه وهي رواية سماك بن حرب عن عكرمة، وهي مضطربةكما قرره الحافظ في ( التقريب ) وغيره أيضاً.
وأخرج قول ابن عباس هذا أيضاً ابن عبد البر في (الاستيعاب) (8/132_133) من طريق احمد بن عبد الله الدقاق ثنا مفضل بن صالح عن سماك به. وهو لا يثبت أيضاً لضعف المفضل بن صالح , قال عنه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث , وقال ابن حبان: يروي المقلوبات عن الثقات فوجب ترك الاحتجاج به _ انظر (التهذيب ) وغيره _ مع بقاء علة رواية سماك عن عكرمة كما لا يخفي.(66/93)
وحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي أنت تغسلني...) فقد ذكره في (الكنز) (32965) وعزاه للديلمي , ومع أنى لم أجده في مسند (فردوس الأخبار ) للديلمي فلا شك في ضعفه لعدم معرفة إسناده أولا ,ولما بيناه في (ج1/ 382 )من إصلاح صاحب (الكنز)بإكتفائه في الحكم على الحديث بالضعف بعزوه للديلمي وآخرين ذكرهم ثانيا , وهو الأمر المنطبق هنا تماماً.
وحديث عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي:(وأنت غاسلي ودافني...) وهو نفسه الذي كان قد تم في (المراجعة |32)الفقرة الثالثة, ورددنا عليه في (ج1|384_385)وبينا أنه باطل وموضوع , وعلته في الحسين بن عبد الله الابزاري البغدادي وهو كذاب , وقد نص على ذلك حتى صاحب الكنز وحتى في صفحة (45) من الجزء (5) من هامش مسند الإمام أ أحمد الذي أشار إليه عبد الحسين نفسه ولكنه كتم علته الفاضحة هذه لعدم أمانته، فراجع الكلام عليه هناك.(66/94)
أما حديث علي نفسه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أعطيت في علي خمس خصال _ أو خمساً لم يعطها نبي في أحدٍ من قبلي , أما الأولى فإنه يقضي ديني ويواري عورتي , وأما الثانية فإنه الذائد عن حوضي, وأما الثالثة فإنه متكأة لي في طريق المحشر يوم القيامة , وأما الرابعة فإن لوائي معه يوم القيامة وتحته آدم وما ولد , وأما الخامسة فإني لا أخشي أن يكون زانياً بعد إحصان ولا كافراً بعد إيمان.فقد أخرجه العقيلي في (الضعفاء ) (2|22) وعنه نقله ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1|401) من طريق خلف بن المبارك عن شريك عن أبى إسحاق عن الحارث عن علي. ونقله بإسناد العقيلي هذا أيضا الذهبي في الميزان (1/661-662)، وعلته في خلف بن المبارك هذا فهو مجهول لا يعرف , قال العقيلي عنه: ( مجهول بالنقل ولا يتابع على حديثه من وجه يثبت وليس للحديث أصل عن أبي إسحاق ولا عن شريك , وقد جاء بإسناد لين ).وفيه علة أخرى تتمثل في الحارث , وهو الأعور وهو ضعيف جدا وقد اتهم,وقد فصلنا حاله ضمن الرواة المئة برقم (19).وقد حكم بوضع هذا الحديث وسقوط ابن الجوزي في ( العلل المتناهية ) (1|243) , والذهبي في (المغني في الضعفاء ) (1|212) وغيرهما.(66/95)
وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري لكنه لا يفرح به , إذ هو من طريق محمد بن عبد الرحمن القشيري ثنا عبد الملك بن ابي سليمان عن عطية عن أبي سعيد. أخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) (10|211_212)وهو مكذوب أيضاً, فمحمد بن عبد الرحمن القشيري كذبوه , قال أبو حاتم: متروك الحديث كان يكذب في الحديث , وقال أبو الفتح الأزدي: كذاب متروك الحديث _ كما ترجمته من ( الميزان ) و(التهذيب) وغيرهما _. وفيه علة أخرى دون هذه وهي تدليس عطية _وهو العوفي _ إذ كان يدلس تدليساً خبيثاً , كان يأتي محمد بن السائب الكلبي وهو متهم بالكذب فيحدث عنه ويكنيه أبا سعيد يوهم أنه الخدري الصحابي , وقد مر ذلك كثيراً. فبطل بذلك الحديث وبات كذبه ولله الحمد.
وآخرذلك ما نقله من ابن سعد (2|291) أن علياً قال حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم:لا يؤم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وهو إمامكم حياً وميتاً... ثم ذكر تتمته بأن علياً كان يدعو والناس يؤمنون على دعائه. وهو ضعيف ساقط أيضا كما يتضح من مراجعة إسناده , فقد رواه ابن سعد عن شيخه الواقدي المار ذكره وأنه متروك لا يحتج به , هذا فضلاً عن أن ابن سعد كان قد روى قبل ذلك (2|290) من طريق الواقدي أيضاً تلك الحادثة غير أن فيها أن أبا بكر وعمر كانا يدعوان والناس يؤمنون على دعائهما , ومع أنها لا تثبت لكنها بالقبول مثل التي احتج بها صاحب المراجعات هذا , مما يثبت أنه يطلب ما يوافق هواه لا التحقيق العلمي النزيه ,إنا لله وإنا أليه راجعون.
وما سوى ذلك مما مر في هامشه هذا لم نتعرض له لأنه لا يثبت أكثر مما قلناه من أن علياً رضي الله عنه ممن غسل رسول الله صلى عليه وسلم وكفنه ودفنه من دون عهد من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك , وكل ما فيه ذكر التوصية والعهد بذلك من النصوص ذكرناه وبينا ضعفه فيما سبق.(66/96)
ثم قوله: (ويفي دَيْنه وينجز وعده ويبرئ ذمته) لا تعلق له أبداً بالوصاية والعهد لعلي بالخلافة كما لا يخفي علي أولى الألباب, وإلا فما علاقة وفاء الدين _الذي هو قضية تخص الأقارب وأهل الميت الأقربين _بالخلافة والإمامة العامة على الناس؟ هذا فضلاً عن أن دعواه هذه لا يصح منها
إلا أن أن عليا رضي الله عنه يقضي ديْن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قوله ( وينجز وعده ويبريء ذمته ) إلا أن يريد ذمة مخصوصة بقضاء الدين وحده، وهو مقتضى حديثي حبشي بن جنادة وأنس اللذين ذكرهما في الهامش (1/243) هنا وقد قدمنا الكلام عليهما وما في معناهما في (ج1/499-508). وبقي مما ساقه في هامشه هذا (1/243) مما نتكلم عليه قبل: حديث ابن عمر عند الطبراني في ( الكبير ) (13549) من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن زيد –هو أبو هشام الرفاعي _ ثنا عبد الله بن محمد الطهوي عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر، وفيه قول رسول النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ: ( أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي …) الحديث، وهو ساقط بمرة، ليث فمن دونه مطعون فيهم: أما ليث فقد اختلط كثيرا ولم يتميز حديثه فترك، كما في ( التقريب )، وأما الطهوي عبد الله بن محمد فمجهول غير معروف، والراوي عنه أبو هشام الرفاعي فيه ضعف، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة متكلم فيه على سعة حفظه، وقد تقدم هذا الحديث في (ج1/405-406) أيضا.
وحديث عليّ رضي الله عنه عند أبي يعلى في مسنده، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:(والله لأرضينّك، أنت أخي وأبو ولدي تقاتل عن سنتي وتبرئ ذمتى..) الحديث، ذكره الهيثمي في ( المجمع) (9/121-122) وقال: ( رواه أبو يعلى، وفيه زكريا بن عبد الله بن يزيد الأصبهاني وهو ضعيف ) إ.ه. قلت: وأظنه يعني زكريا بن عبد الله بن يزيد الأصبهاني، قال الأزدي: منكر الحديث، كما في ( الميزان ) و(تعجيل المنفعة ).(66/97)
وحديث سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( علي بن أبي طالب ينجز عداتي ويقضي ديني ) ذكره في ( الكنز ) (32956) وعزاه للديلمي وابن مردويه دون ذكر سنده أو حتى الكلام عليه مما يسقط أية حجة فيه، وقد وجدته في مسند ( فردوس الأخبار ) للديلمي ) برقم (3938) من دون إسناد أيضا، ويغني لبيان ضعفه وردّه ما كنا نقلناه في (ج1/382) عن صاحب الكنز إصطلاحه لبيان ضعف الحديث بالعزو للديلمي وآخرين غيره.
وحديثا أنس وحبشي قد تقدما كما قلنا في ( ج1/499-508).
وحديث عليّ عند ابن مردويه قال:لما نزلت ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( علي يقضي ديني وينجز وعدي ) لا يثبت أيضا لعدم معرفة إسناده ومخرجه فهو شبه الريح، مع أن شطره الأول صحيح لما تقدم في (ج1/507)، ولا علاقة له بالوصية المزعومة كما قلنا. وحديث سعد قد تقدم في المراجعة (54)، فراجع الكلام عليه مفصلا في صفحة (34-35).
وآخر ذلك قول قتادة – وهو ابن دعامة السدوسي – أن عليا رضي الله عنه قضى عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو خمسمائة ألف درهم، وهذا وإن كان مرسلاً لا يثبت فهو لا يدل على أكثر مما قلنا من اختصاص عليّ رضي الله عنه بقضاء دين رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه ألصق أقاربه به، ومثله قول عبد الرزاق أيضا، فهو وإن كان لا يمثل حجة شرعية، لكنه أيضا لا يثبت أكثر من الوصية بقضاء الدين لا مطلق الوصية كما لا يخفى على كل عاقل ومنصف والله الهادي إلى سواء السبيل.
ثم قوله: (ويبين للناس بعده ما اختلفوا فيه من أحكام الله وشرائعه عزّ وجلّ ) وأحال في الهامش إلى الحديثين (11، 12) في ( المراجعة-48-)، وقد قدمنا هناك (ج1/496-498) بيان كذب هذين الحديثين، ومن ثم بطلان ما استنتجه منهما هذا الرافضي هنا.(66/98)
ثم قال: ( وعهد إلى الأمة بأنه وليها من بعده وأنه أخوه وأبو ولده )، أما الولاية فقد فصلنا ما ثبت منها ومعناها الذي دلت عليه النصوص بأوضح الحجج والبراهين والحمد لله ولك في (ج1/449-456) وغيرها، والمؤاخاة قد بينا سابقا بطلانها أيضا في ( ج1/358، 396-415) خلال الكلام على ما جاء في المراجعتين (32، 34)، ومع أن لا علاقة بين كل ذلك وبين الوصية العامة المزعومة كما هو واضح، نظير قوله بأنه أبو ولده، وهو وإن كان فيه فضل لعليّ رضي الله عنه لكنه لا يعطيه الأفضلية على غيره ولا حق الوصاية العامة. كما يتخيله المدعو عبد الحسين هذا ثم راح يحتج على ذلك بأحاديث واهية ساقطة، أولها حديث عليّ عند أبي يعلى في (مسنده) وأحمد في ( الفضائل) – كما في ( الصواعق) – وهو ضعيف وقد تقدم ذكره قبل قليل، وقول البوصيري بأن رواته ثقات مردود ببيان الهيثمي في ( المجمع ) (9/122) بأن في إسناده زكريا الأصبهاني وهو ضعيف. ثم الحديث الثاني الذي احتج به حديث جابر عند الطبراني، ولفظه: ( أن الله عزّ وجلّ جعل ذرية كل نبي في صلبه، وأن الله تعالى جعل ذريتي في صلب عليّ ابن أبي طالب ) أخرجه الطبراني في ( الكبير ) (2630) وهو موضوع، في إسناده يحيى بن العلاء الرازي، قال عنه الإمام أحمد: يحيى بن العلاء كذّاب يضع الحديث، وكذا كذبه غيره. ونحوه حديث ابن عباس عند الخطيب في (تاريخ بغداد) (1/316317) وفي إسناده محمد بن عمران المرزباني وهو كذّاب وضعفاء آخرون ومجاهيل لا يعرفون، وقد حكم بوضع هذا الحديث وكذّبه ابن الجوزي في ( العلل المتناهية ) (1/201)، والذهبي في ( الميزان )(2/586)، والألباني في (الضعيفة) (801) وغيرهم.(66/99)
وثالث الأحاديث هنا حديث فاطمة رضي الله عنها ولفظه: ( كل بني ام – وفي رواية: كل بني آدم – ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليّهم وأنا عصبتهم ) أخرجه الطبراني في ( الكبير ) (2632)، والخطيب في ( التاريخ ) (11/285) وعزاه الهيثمي في ( المجمع ) (9/173) لأبي يعلى أيضاً، وهو ضعيف جداً فيه شيبة بن نعامة، قال الهيثمي: لا يجوز الاحتجاج به، ونحوه قول ابن حبّان قبله. وأخرجه الطبراني في (الكبير) (2631) أيضا من حديث عمر رضي الله عنه – وليس ابن عمر كما وقع في هامش المراجعات – وهو أشد ضعفا من سابقه، ففي سنده محمد بن زكريا الغلابي، وهو كذاب كما قال الدارقطني وغيره، وفيه أيضا ضعفاء آخرون ومجاهيل، فسقط بذلك الحديث بالكلية.
وحديث جابر نحوه عند الحاكم في ( المستدرك )(3/164) موضوع أيضا ففي إسناده يحيى بن العلاء الرازي وهو الكذّاب المار ذكره في الحديث السابق، والراوي عنه القاسم بن أبي شيبة متروك، لذا تعقب الذهبي على الحاكم تصحيحه بقوله: ( ليس بصحيح فإن يحيى قال أحمد: كان يضع الحديث، والقاسم متروك ) إ.ه.
وآخر أحاديثه في هامشه هذا (3/244) ما لفظه: ( وأما أنت يا عليّ فأخي وأبو ولدي ومني وإليّ … ) وقد أخرجه الحاكم (3/217) من حديث أسامة ين زيد رضي الله عنهما، وقد كذب هذا الرافضي بقوله: ( وصححاه على شرط الشيخين ) ولذا تراه لم يذكر موضعه، بل قد صححاه على شرط مسلم، وقد تقدم ذكر الحديث في ( المراجعة –34-) وبينّا في (ج1/404-405) بطلان كون الحديث على شرط مسلم، بل بطلان كونه صحيحا أصلا، وأن الحاكم والذهبي قد وهما رحمهما الله، خصوصا الذهبي وأنه قد خالف كلامه في مواضع أخرى، وأن الصحيح أن هذا الحديث ضعيف ومنكر، والله الموفق للصواب.(66/100)
ثم قوله عن منزلة عليّ من النبي صلى الله عليه وسلم: ( وأنه وزيره ) وأحال الاستدلال على ذلك إلى ما تقدم في المراجعتين (20، 26)، ونحن بدورنا نحيل في الرد عليه إلى ما تقدم منا هناك أيضا، في (ج1/350-355، 364-374) ولله الحمد والمنة.
ثم قوله: ( ونجُّيه ) وأشار في الهامش (5/244) إلى قوله تعالى من سورة المجادلة: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) ولم يدم هذا الحكم طويلا حتى نسخه الله تعالى بالآية بعدها: ( ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله علكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ).
وقد قيل أنه لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها سوى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا أظنه يصح – والله أعلم – فالأخبار في ذلك ما بين ضعيف أو منقطع أو من مراسيل التابعين – هذا فيما وقفت عليه – سوى ما أخرجه الحاكم في ( المستدرك ) (2/481-482) الذي أشار إليه في هامش المراجعات من طريق عبد الله بن محمد الصيدلاني ثنا محمد بن أيوب أنبأ يحيى بن المغيرة السعدي ثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال عليّ بن أبي طالب. وقد صححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وهو كذلك من جرير فما فوقه، أما ما دون جرير يحيى بن المغيرة السعدي ومحمد بن أيوب وعبد الله بن محمد الصيدلاني فلم أجد لهم أية ترجمة تبين حالهم مما يدعو للتوقف في القول بصحة هذا الأثر، والله أعلم.(66/101)
وعلى فرض صحته فإننا نعيد التذكير بعدم تعلق هذا الأمر بالوصاية المزعومة التي هي محل الكلام، وعمل عليّ رضي الله عنه بهذه الآية لا يعطيه فضلاً على غيره بخصوص هذا العمل وإلاّ وجب القول بمثل هذا لكل من عمل بحكم قبل نسخه على من لم يعمل به، مثل من صلى إلى بيت المقدس أول الأمر على من صلى الى الكعبة بعد ذلك لخصوص هذا العمل فقط. فإنا نعلم قطعا أن الكعبة خير من بيت المقدس، وأن الصلاة الى الكعبة خير منها إلى بيت المقدس ولهذا نسخها الله تعالى بها، وعموما الحكم الناسخ خير من الحكم المنسوخ لأن الله تعالى يشرع لنا الأحسن والأفضل ويرفع ما دون ذلك، وله الحكم أولا وآخرا سبحانه وتعالى كما قال: ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير، ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من وليّ ولا نصير ).
وكذلك الحال بالنسبة لباقي الأحكام المنسوخة مثل تحريم الرفث إلى النسا ليلة الصيام ومثل تحريم زيارة القبور وغير ذلك. وبالجملة فلا يكون العمل بالحكم المنسوخ دليل نسخه موجبا بفضل لمن يعمل به لا من دليل شرعي ولا من نظر عقلي إلا إن كان العمل به يدل على تقدم إسلام العامل فمن هذا يلحقه الفضل لا لذات العمل مثل الصلاة إلى بيت المقدس، أما بالنسبة لآية النجوى هذه فهي بنفسها آية مدنية متأخرة النزول.
هذا إذا كان قصد الرافضة بإيراد هذه الآية إثبات فضل عليّ رضي الله عنه بمجرد العمل بهذه الآية، أما إذا كان مقصودهم أنها مختصة به وتعنيه – وهو الذي نلمحه من كلام هذا الموسوي – فالرد عليهم من أربعة أوجه:- الوجه الأول: أن الآية في خطاب المؤمنين جميعا لقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا … ) واستعمل فيها ضمائر الجمع ولا دليل على تخصيصها بواحد.(66/102)
الوجه الثاني: إنها متعلقة بمناجاة المؤمنين للرسول صلى الله عليه وسلم لا بمناجاة الرسول لهم، بمعنى أنهم هم الذين يبتدؤون بالمناجاة وليس الرسول صلى الله عليه وسلم وإن من فعل ذلك لا يصح أن يطلق عليه بأنه نجيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أطلقه عبد الحسين هذا على عليّ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يناجي علياً بل عليّ هو الذي ناجى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يعقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يناجيه حين يريد إخباره بأمر فإن هذه حماقة ينزّه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثالث: هو أن يقال أن الآية ليست مختصة بأهل الغنى الذين يمكنهم التصدق، بل عامة في جميع المؤمنين فمن كان موسرا وجبت عليه الصدقة ومن كان معسرا فإن الله قال له في نفس الآية: ( فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) أي من عجز عن ذلك لفقره فإن الله لا يكلفه ذلك، فما أمر بها إلا من قدر عليها كما هو صريح الآية.
وهذا كله قبل أن تنسخ، و قصارى ما يمكن إثباته هنا هو أن عليّ رضي الله عنه كان ممن يمكنه التصدق، وغيره لم يستطع فلم يكلفه الله عدم مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل عفى عنها وأجاز له مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعاد بذلك الأمر إلى عدم اختصاص عليّ رضي الله عنه بها.
الوجه الرابع: إن الآية بعد نسخها رفعت وأصبحت مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة لجميع المؤمنين ولم تعد تختص بعليّ رضي الله عنه حتى على قول الرافضة أنفسهم، ولزم من ذلك – على أصولهم – أن يكون جميع المؤمنين كل فرد منهم نجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبطل بذلك قولهم ولله الحمد.
وحديثي أم سلمة وعبد الله بن عمرو في المناجاة المزعومة سيأتي الكلام عليه وبيان بطلانه خلال التعقيب على ما في ( المراجعة –76-) مع ما زعمه من التناجي في بعض أيام عائشة.(66/103)
وما ذكره من مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ يوم الطائف وقوله يومئذ: (ما أنا انتجيته ولكن الله انتجاه )، جاء ذلك في حديث جابر رضي الله عنه، عند الترمذي ( 4/330)، والخطيب في ( التاريخ ) ( 7/402) من طريق الأجلح عن أبي الزبير عن جابر. وقال الترمذي: ( هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الأجلح ) قلت: وهذا تساهل منه فإن في الإسناد علتين، أولهما: الأجلح هذا هو ابن عبد الله الكندي وإن كان لا بئس به -مع ما فيه من كلام – إلا أنه شيعي فلا يحتج به في مثل فضائل عليّ رضي الله عنه لما تقدم من قواعد هذا العلم الشريف في (ج1/248-250)، والعلة الثانية: هي عنعنة أبي الزبير فهو مدلس ولا يحتج بشيء من أحاديثه إلا بما صرّح فيه بالتحديث والإخبار إلا إن روى عنه الليث، كما هو مقرر في ترجمته من ( الميزان ) و( التهذيب ) وغيرهما. وقد أخرج هذا الحديث أيضا الطبراني في (الكبير) (1756) من طريق سالم بن أبي حفصة عن أبي الزبير عن جابر. ولا يغني هذا الإسناد شيئاً فعلته عنعنة أبي الزبير باقية، وراجع حال سالم هذا ضمن الرواة المئة برقم (30).
وقوله: ( ووليُّه ووصيُّه ) قد تقدم الكلام على معنى الولاية الثابت بالحجج والبراهين في (ج1/449-456) مع ما سبق في ( المراجعة –26-) من حديث ابن عباس الذي أشار إليه في الهامش هنا، وتقدمت قريبا أحاديث الوصاية المزعومة، على أنه من الحماقة كل الحماقة الإستشهاد لإثبات الوصاية بالوصاية، فهي محل الكلام في هذه المراجعة فكيف يستجيز عاقل الإستشهاد بها عليها؟؟ فكلامه هنا حين نربطه ببداية كلامه في هذه المراجعة يكون: ( وصية النبي صلى الله عليه وسلم إلى عليّ لا يمكن جحودها، إذ لا ريب في أنه عهد إلى الأمة بأنه وصيه ) فما هذا الهراء يا من رضي لنفسه بأن يسمى عبد الحسين؟؟(66/104)
ثم قال: ( وباب مدينة علمه، وباب دار حكمته، وباب حطة هذه الأمة، وأمانها وسفينة نجاتها، و أن طاعته فرض عليها كطاعته ومعصيته موبقة لها كمعصيته، وإن متابعته كمتابعته ومفارقته كمفارقته ) وقد تقدم الكلام على كل الأحاديث التي أشار إليها في الهوامش هنا في ( المراجعة –48-)، والأحاديث (17، 16، 14، 10، 9) مع ما تقدم في ( المراجعة-8-)، الفقرة السادسة.
وقوله: (وأنه سلم لمن سالمه وحرب لمن حاربه ) وأشار في الهامش (8/245) إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين فقال: ( أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم ) أخرجه الامام أحمد ( 2/442)، والحاكم ( 3/149)، والخطيب ( 7/137)، والطبراني في ( الكبير ) (2621) كله من طريق تليد ابن سليمان ثنا أبو الجحاف عن أبي حازم عن أبي هريرة. وهذا إسناد ضعيف ساقط، فيه علتّان ؛ الأولى: تليد بن سليمان ضعيف لا يحتج به مع ما عنده من الرفض وقد فصّلنا حاله ضمن الرواة المئة برقم (10)، والعلّة الثانية: وهي دون الأولى، أبو الجحّاف هذا هو داود بن أبي عوف وفيه ضعف من قبل حفظه كانت عنده بسبب ذلك مناكير وهو إلى ذلك شيعي فلا يقبل خبره في مثل هذا، وقد تقدم أيضا برقم (26) ضمن الرواة المئة. ولحديث أبي هريرة هذا شاهد من حديث زيد بن أرقم أخرجه الترمذي (4/361)، وابن ماجة ( 145)، والحاكم ( 3/149)، وابن حبّان (2244)، وابن أبي شيبة ( 12/96-97)، والطبراني في ( الكبير ) (2619، 2620، 5030، 5031) وفي ( الصغير ) أيضا ( 754) من طريقين فيهما وهَن عن صبيح مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم. وإذا تجاوزنا ما فيها من وهن فيبقى الإسناد ضعيفا من ناحيتين على قصره ؛ الأولى صبيح هذا لم يوثقه غير ابن حبّان وهو متساهل جدا وكثيرا ما يوثق المجاهيل كما هو غالب حال صبيح هذا إذ قال عنه الترمذي عند تعقيبه على الحديث: ( هذا حدبيث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه،(66/105)
وصبيح مولى أم سلمة ليس بمعروف ) إ.ه.
والثانية: الإنقطاع بين صبيح هذا وبين زيد بن أرقم فلم يثبت سماعه منه، وقد نقل الحافظ في ترجمة صبيح من ( التهذيب ) عن البخاري أنه قال: ( لم يذكر سماعا من زيد)إ.ه. مما يوحي إلى انقطاع هذه الرواية، والله أعلم. وهناك شاهد آخر لكنه لا يفرح به فهو ساقط جدا، أخرجه الطبراني في ( الأوسط) – ( مجمع الزائد ) ( 9/169) –عن صبيح قال: كنت بباب النبي صلى الله عليه وسلم فجاء عليّ وفاطمة … الحديث قال الهيثمي: ( وفيه من لم أعرفهم ) قلت: ومع هؤلاء المجاهيل فصبيح هذا غير معروف في الصحابة، والله أعلم. ونقل السيوطي في ( الدرّ المنثور ) ( 6/606) عن ابن مردويه أنه أخرج عن أبي سعيد الخدري نحو هذا الحديث لكنه لم يسق إسناده فهو شبه الريح ولا يمكن الاحتجاج به. كما لا يخفى عند أهل العلم. فالحديث إذا بكل هذه الطرق ضعيف لا يحتج به، والله الموفق للصواب.
وقوله: ( وولي لمن والاه وعدو لمن عاداه، وإن من أحبه فقد أحب الله ورسوله ومن أبغضه فقد أبغض الله ورسوله، ومن والاه فقد والاهما ومن عاداه فقد عاداهما، ومن آذاه فقد آذاهما ) قد تقدم الكلام على كل هذه الأحاديث في المواضع التي أشار إليها في الهوامش هنا في (المراجعة -48-) وغيرها، وحديث عمرو بن شاس الذي أشار إليه في الهامش (12/246) قد تقدم أيضا في ( ج1/438-440) فليراجع.
ثم قوله: (ومن سبّه فقد سبّهما، وإنه إمام البررة … ) إلى آخر هذه الفقرة كله تكرار لا طائل تحته، وجميع الأحاديث التي أشار إليها في الهوامش هنا كسابقاتها قد تقدم منّا الكلام عليها في نفس المواضع التي أحال إليها ولا حاجة إلى إعادة ذلك.(66/106)
ومن مجموع ما ذكره وأشار إليه من الأدلة لا يصح إلا القليل الذي لا تعلق له أبدا بقضية الوصاية المزعومة، مثل كون عليّ رضي الله عنه أحد الذين اشتركوا في غسل الرسول صلى الله عليه وسلم وتجهيزه ودفنه، وأنه يقضي عن دينه وأنه ولي من أولياء الله تعالى، وما سوى ذلك فكله ساقط لا يثبت فكيف يقبل منصف بعد هذا ادعاء عبد الحسين بقوله:( إلى كثير من هذه الخصائص التي لا يليق لها إلا الوصي… وهل الوصية إلا العهد ببعض هذه الشؤون )إ.ه. فإن كان يعني به ما صحّ منها فقط – وهو بعيد- فلا يصح أن يطلق القول بأنها وصيه إلا على التقييد وأنها وصية خاصة في أمر خاص لا يصح تعميمه، نظير وصية النبي صلى الله عليه وسلم لباقي الصحابة في أمور خاصة أخرى مثل توصيته لعثمان بعدم التخلي عن الخلافة إن طلب ذلك منه، والوصية لمعاذ والوصية لأبي ذر بل وحتى الوصية لمعاوية، رضي الله عنهم أجمعين وليس هذا موضع بسط ذلك.
ثم قوله في الفقرة الثاني هنا: ( أما أهل المذاهب الأربعة فإنما أنكرها منهم المنكرون لظنهم أنها لا تجتمع مع خلافة الأئمة الثلاثة )فكذب وافتراء عليهم، فهم إنما أنكروها، لعدم صحتها كما قدمنا، ولسنا بأعلم منهم حتى نقيم الحجة على بطلانها ويجهلونها هم،، بل هم أيضا قد ردّوها وأنكروها لعدم ثبوتها وصحتها، ومن نقل عنه منهم أنه صححها أو سكت عنها فهذا لعدم تحققه من أمرها، ذلك الأمر الذي علمه غيره وبينه، وليس قول أحد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة إلا بعلم صحيح ودليل صريح.(66/107)
لكن أهل السنة سلكوا في الجواب عن هذا الذي احتُجت به الشيعة في الوصية مسلكا آخر، وهو على فرض أن النصوص في ذلك ثابتة صحيحة – وما أبعدها من ذلك – فإن قعود عليّ رضي الله عنه عن المطالبة بها وإقراره بخلافة الثلاثة قبله عن طريق مبايعتهم، وإجماع الأمة على صحة خلافتهم، كل ذلك وغيره يدل دلالة واضحة على بطلان ما تزعمه الشيعة من تلك الوصية المقصودة، وهذا الجواب ليس الجواب اليتيم لأهل السنة أولا وليس هو بأقوى أجوبتهم ثانيا كما حاول صاحبنا إظهاره ثم الرد عليه فيما سيأتي من المراجعات، بل إن أهل السنة في حل من كل ذلك بعد إثبات بطلان كل تلك النصوص التي تذكر الوصية كما قدمنا في ( المراجعة –68-) وغيرها، ولله الحمد.
ثم ذكر في الفقرة الثالثة ما رواه البخاري في ( صحيحه ) ( 4/3) عن طلحة ابن مصرف قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى؟ فقال: لا، قلت: كيف كتب على الناس الوصية ثم تركها، قال: أوصى بكتاب الله إ.ه.
والحمد لله الذي أخذ بناصية هذا الرافضي فجعله يسوق لأهل السنة دليلهم هذا، فهو حجة عندهم بلا شك إذ هو في أصح الكتب عندهم بعد كتاب الله، ولا ينقص من قدره كونه ليس بحجة عند مثل هذا الرافضي أو كونه لم يصح عنده: فهو كالشمس في رابعة النهار لا يحجبها عمى هؤلاء العميان.
ثم إن موضوع كتابه ومراجعاته هو الاحتجاج بما عند أهل السنة على ما تزعمه الشيعة، فكيف يصح أن يقال أن الحديث غير ثابت عندهم أو أن: (صحاح العترة الطاهرة قد تواترت في الوصية فليضرب بما عارضها عرض الجدار ) أليست هذه مكابرة وعنادا محضا؟(66/108)
ونظيره ما زعمه في الفقرة الرابعة هنا من أن حديث ابن أبي أوفى هذا أبتر وأنه صلى الله عليه وسلم أوصى بالتمسك لا بكتاب الله وحده بل ومعه أهل البيت، وهذا وإن كان خارج موضوع هذه المراجعة من إثبات الوصية لعليّ خاصة بالخلافة إلا أنه باطل أيضا وقد قدمنا أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها ذكر الثقلين ليس في التمسك بل التمسك جاء بكتاب الله وحده، أما أهل البيت فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليهم وحفظ قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، أما التمسك والعصمة من الضلال فإنما هي بكتاب الله وحده – كما في بعض الأحاديث -، أو بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم – كما في الأحاديث الأخرى – انظر ما تقدم في ( ج1/44-45، 52-55)، (ص56-57) من هذا الجزء.(66/109)
وقد ذكر في الهامش ( 2/247) كلاما ليس إلا تكرارا لما تقدم في بداية هذه المراجعة، ولم يزد عليه إلا ما يبين نقص عقله – وكذا أمثاله – وبرود وجدانه، وإلا فأي عقل يقوم به أن النبي صلى الله عليه وسلم يترك أمته يتخبطون في عشوائهم؟ ومن قال أنه إن لم يوصي لعليّ لكان قد تركهم كذلك يسرحون ويمرحون على مقتضى أهوائهم؟ بل قد بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم البيان الواضح الجلي فيما يعصمهم بعده فقال في حجة الوداع: ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ) فيما أخرجه الحاكم وغيره – انظر(ص27)- وأوصاهم قبل ذلك بوصية مودع – كما قال العرباض بن سارية رضي الله عنه - فقال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ … ) الحديث، أخرجه أبو داود الترمذي. وأوصاهم أيضا فقال:(إقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر ) أخرجه الترمذى وغيره. وسألته امرأة فقالت: ( أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ فقال: ائت أبا بكر ) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما. وقد تقدم تفصيل ذلك. وكل هذا يقيم عند أهل السنة دليلا قاطعا وحجة وبرهانا ساطعا على بطلان كل ما تزعمه الشيعة من الوصية لعليّ رضي الله عنه، وأكبر منه وأعظم ما ثبت في الصحيح عن أبي جحيفة قال: قلت لعليّ بن أبي طالب ( هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء بعد القرآن؟ فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ السمة إلا فهم يؤتيه عز وجل رجلا في القرآن، وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر ) أخرجه الإمام أحمد (1-79)، والبخاري (1/36) ( 4/30) (8/45، 47)، والترمذي (2/311-312)، والنسائي (8/23). وهذا ثابت عن عليّ رضي الله عنه من عدة طرق، انظر مثلا لطرقه الأخرى في ( مسند الإمام أحمد ) (1/152، 151، 119، 118)، (مسلم) (3/1567)، (النسائي) (8/24) وغيرها والحمد لله رب العالمين.(66/110)
المراجعة (71): س:
-شيخ الأزهر يستفسر عن السبب في الإعراض عن حديث عائشة في نفي الوصية المزعومة، بعد أن قرر أفضلية عائشة على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
المراجعة (72): ش:
تعرضه في هذه المرجعة الى مسألة المفاضلة بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتصريحه بأن خديجة أفضلهن.
زعمه عدم أفضلية عائشة على الباقيات من عدا خديجة.
إشارة إجمالية إلى السبب في الإعراض عن حديث عائشة رضي الله عنها.
الرد على المراجعة (72):
تقرير أفضلية عائشة على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم سوى خديجة بالأدلة والبراهين، وذكر الاتفاق على ذلك.
عدم إمكانية القطع بالأفضلية بين خديجة وعائشة رضي الله عنهما فإن لكل منهما من الفضائل ما يأبى تأخرها عن الأخرى، والأحسن التوقف في ذلك ورده الى الله عز وجل.
ضعف الحديث الذي استدل به على أفضلية خديجة على عائشة.
هذه المراجعة مع ما بعدها من المراجعات الستة أو السبعة ينفث فيها هذا الرافضي سمّه وخبثه، ونسأل الله أن يقدرنا على كشفه وردّه وإبطاله، فمع كل ما غلف به كلامه من البيان المعسول والتظاهر بالأدب والاحترام لا يكون مقتضاه إلا الطعن بأحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبو بكر الصديق وابنته الصديقة عائشة أم المؤمنين كما صرّح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئل: ( أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة، قيل من الرجال؟ قال: أبوها، قيل ثم من؟ قال: عمر ) أخرجه الإمام أحمد ( 4/203). والبخاري (5/6، 209-210)، ومسلم (4/1856) وغيرهم.
وتعرض في هذه المراجعة الى المفاضلة بين عائشة وبين خديجة خاصة وبينها وبين باقي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهن عامة، ونحن نبين ذلك بإذن الله فنقول:(66/111)
لا شك-عند المتبعين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم – في أفضلية عائشة على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم سوى خديجة رضي الله عنهن كلّهن، وقد اتفقوا على ذلك حتى قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في ردّه على ابن المطهر – (مختصر المنهاج) (ص217)- ما نصّه: ( أهل السنة مجمعون على تعظيم عائشة ومحبتها، وأن نسائه أمهات المؤمنين اللواتي مات عنهن كانت عائشة أحبهن إليه وأعظمهن حرمة عند المسلمين ) إ.ه.
ومما يستدل به على فضل عائشة رضي الله عنها مما لم يقع لسواها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم الحديث المتقدم حين سُئل النبي صلى الله عليه وسلم ( أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة … ) وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) أخرجه الإمام أحمد (4/409، 394)، والبخاري (4/200، 193) (5/36) ( 7/97)، ومسلم (4/1886-1887)، والترمذي (3/93-94)، والنسائي (7/68) وابن ماجة (3280) وغيرهم من حديث أبي موسى الأشعري وثبت أيضا من حديث أنس بن مالك في الصحيح وغيره.(66/112)
وكان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة كما ثبت ذلك في الصحيح عن أم سلمة، فاجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة فقالوا: يا أم سلمة إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريد عائشة فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان، قالت: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنّي، فلما كان في الثالثة ذكرت له ذلك فقال: ( يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها ) أخرجه الإمام أحمد (6/293)، والبخاري (5/37) والترمذي (4/362-363)، والنسائي (7/68-69). وهذا صريح كل الصراحة في أفضليتها على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم لا يقبل الكلام في عائشة حتى من مثل أم سلمة، فكيف بمن سواها؟ وأخبر أن ذلك يؤذيه نظير قوله تعالى: ( وما كان لكم أن تأذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ).(66/113)
ومرة أخرى حاول نساء النبي صلى الله عليه وسلم التأثير عليه بشأن عائشة ومساواتهن لها فأرسلن له فاطمة ابنته – كما ثبت في الصحيح- فقالت له: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقال صلى الله عليه وسلم: ( أي بنية ألست تحبين ما أحب؟ ) فقالت: بلى، قال: ( فأحبي هذه )، فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن لها: ما نراك أغنيت عنّا من شيء فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدا، فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بمثل ذلك أيضا. وهذا الحديث قد أخرجه الإمام أحمد (6/88)، ومسلم (4/1891-1892)، والنسائي (7/65-66) وغيرهم، وليس بعد هذا الفضل من فضل.(66/114)
وكانت رضي الله عنها مباركة على أمته حتى قال أُسيد بن حضير لمّا أنزل الله آية التميم بسببها: ( ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، ما أنزل بكِ أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا ) أخرجه البخاري (1/91، 92) وغيره. ومن خصائصها رضي الله عنها أنها كان لها في القسم يومان يومها ويوم سودة حين وهبتها ذلك تقربا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في (صحيح البخاري) (7/43)، وأن النبي صلى الله عليه وسلم مات في يومها وفي بيتها وبين سحرها ونحرها وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا وأول ساعة من الآخرة، كما سنفصل ذلك في المراجعات القادمة إن شاء الله، وقد أخرج الإمام أحمد (6/138) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: ( إنه ليهون عليّ أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة ) قال الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) (8/92): ( وهذا في غاية ما يكون من المحبة العظيمة أنه يرتاح لأنه رأى بياض كفها أمامه في الجنة ) إ.ه.
ومن خصائصها أنها أعلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي أعلم النساء على الإطلاق، قال الزهري: لو جُمِعَ علم عائشة إلى علم جميع أزواجه، وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل. وأخرج الترمذي (4/363-364) بإسناد عن أبي موسى الأشعري أنه قال: ( ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما ). ومن أعظم خصائصها وفضائلها رضي الله عنها أن برأها الله من فوق سبع سماوات، لمّا تكلم فيها أهل الإفك بالزور والبهتان غار الله لها فأنزل براءتها في عشر آيات من القرآن تتلى على تعاقب الزمان. وقد أجمع العلماء على تكفير من قذفها بعد براءتها، كما قال الحافظ ابن كثير.(66/115)
ولها غير ذلك من الفضائل الكثير رضي الله عنها، لكنا انتقينا ما فيه من الدلالة الواضحة على أفضليتها على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى خديجة، ومنه يعلم كذب هذا المفتري الدجال المدعو عبد الحسين حين قال: ( والسنن المأثورة والأخبار المسطورة تأبى تفضيلها عليهن كما لا يخفى على أولي الألباب ) ثم لم يكتف بذلك حتى قال: ( وربما كانت ترى أنها أفضل من غيرها فلا يقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ) إ.ه. وهي رضي الله عنها لم تكن ترى لنفسها من الفضل أكثر مما تستحق، بل كانت ترى أنها أقل مما تستحق كما اتضح ذلك جليا بعد حادثة الإفك الذي برأها الله منه وأنزل الآيات في ذلك فقالت رضي الله عنها: ( والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمرٍ يتلى ) أخرجه البخاري (6/131)، ومسلم (4/2135) وغيرهما.(66/116)
والحديث الذي ذكره بعد ذلك في الحادثة بين صفية بنت حيي وبين عائشة وحفصة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لصفية: ( ألا قلت لهن كيف تكنّ خيرا مني وأبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد ) ضعيف لا يثبت، أخرجه الترمذي (4/3669 من طريق هاشم بن سعيد الكوفي ثنا كنانة مولى صفية عن صفية. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هاشم الكوفي وليس إسناده بذاك إ.ه. قلت: وهاشم بن سعيد هذا ضعيف لا يحتج به، وشيخه كنانة مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبّان الذي من عادته توثيق المجاهيل، لذا جعله الحافظ في (التقريب) ضمن المرتبة التي قول عنها: ( مقبول حيث يتابع وإلا فلّين الحديث ) وهو هنا لم يُتابع فهو إذا ليّن الحديث أي ضعيفه. وقد أخرج الحديث أيضا ابن عدي في (الكامل) وساق سنده الحافظ في ترجمة كنانة من (التهذيب) فقال: ( وقال ابن عدي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سليمان ثنا عمرو بن علي ثنا يزيد بن مغلس الباهلي – وكان من الثقات – ثنا كنانة بن نبيه مولى صفية، فذكر الحديث الذي أخرجه الترمذي ) انتهى كلام الحافظ، وهذا الإسناد ضعيف أيضا لبقاء علة جهالة حال كنانة مولى صفية أولا، وثانيا يزيد بن مغلس الباهلي هذا لم أرى أحدا وثقه بل قد نقل الذهبي في (الميزان ) عن ابن حبّان أنه قال عنه ( لا تجوز الرواية عنه إلا اعتبارا ) فكيف يمكن أن يكون ثقة ونحن لم نعرف من قال عنه ذلك؟ وشيخ ابن عدي إبراهيم بن محمد بن سليمان لم أعرفه ولم أجد له ترجمة إلا أن يكون هو ابراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، وهذا ذكره الذهبي في ( الميزان) وقال: فيه جهالة، وقال عنه في ( الضعفاء ) أيضا: لا يعرف.
وهذا الحديث ذكره الحافظ في ترجمة صفية من ( الإصابة ) ( 4/347) وعزاه للترمذي، وكذا ذكره ابن عبد البر في ( الاستيعاب ) ( 4/348) بصيغة التضعيف فقال: ( ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على صفية … )(66/117)
ومن ههنا يعلم أن ذكرهما له لا يعد تصحيحا له بل هو بصيغة التضعيف التي تعارف عليها أهل العلم بالحديث دون أهل الجهل من أمثال المدعو عبد الحسين هذا، فلا حجة فيه أبدا ولله الحمد.
أما مسألة المفاضلة بين عائشة وخديجة رضي الله عنهما ( فقد وقع النزاع فيها بين العلماء قديما وحديثا، فبعضهم لا يعدل بخديجة أحدا من النساء لسلام الرب عليها وكون ولد النبي صلى الله عليه وسلم جميعهم – إلا إبراهيم – منها وكونه لم يتزوج عليه حتى ماتت إكراما لها وكونها من الصدّيقات ولها مقام الصدق في أول البعثة وبذلت نفسها ومالها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يميل إلى تفضيل عائشة لكونها ابنة الصديق ولكونها أعلم من خديجة فإنه لم يكن في الأمم مثل عائشة في حفظها وعلمها وفصاحتها وعقلها ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أحدا من نسائه كمحبته إياها ونزلت براءتها من فوق سبع سماوات وروت بعده عنه صلى الله عليه وسلم علما جما كثيرا طيبا مباركا فيه، والحق أن كلا منهما لها من الفضائل ما لو نظر الناظر فيه لبهره وحيره، والأحسن التوقف في ذلك إلى الله عزّ وجلّ ومن ظهر له دليل يقطع به أو يغلب على ظنه في هذا الباب فذاك الذي يجب عليه أن يقول بما عنده من العلم ومن حصل له توقف في هذه المسألة أو في غيرها فالطريق والمسلك الأسلم أن يقول الله أعلم ) هذا كله من كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله في ( البداية والنهاية ) (3/129) وهذا يدل على علمه وورعه وتثبته فيما يقول، لكنه يمكن أن يستدل على أفضلية خديجة رضي الله عنها بتلك الأحاديث التي ساقها المدعو عبد الحسين في الفقرة الثانية من مراجعته هذه، وأعنى به قوله صلى الله عليه وسلم: ( حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة ابنة محمد وآسية امرأة فرعون ) وهو حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما. وكذا الحديث: ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت(66/118)
محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ) أخرجه الإمام أحمد والحاكم وغيرهما وهو صحيح، والحديث الآخر: ( خير نساء العالمين أربع … ) وذكرهنّ، وهو صحيح أخرجه الإمام أحمد والطبراني في ( الكبير ) عن أنس.
ولكن من يذهب إلى تفضيل عائشة رضي الله عنها يعارض بذلك الحديث المتقدم عن أبي موسى الأشعري الذي فيه: ( وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) وهو في المسند والصحيحين وغيرهما، ولفظه يدخل فيه النساء الثلاث المذكورات وغيرهنّ، فيحتمل أن يكون عاما بالنسبة إلى المذكورات وغيرهنّ ويحتمل أن يكون عاما إلى ما عدا المذكورات، والله اعلم.
أما الحديثان اللذان صدر بهما مراجعته هذه، عن ابن عبد البر في ( الاستيعاب) وفيهما قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة عن خديجة ( ما أبدلني الله خيرا منها ) فليست هذه الزيادة صحيحة فإن في سندها ضعفا إذ قد أخرجه الإمام أحمد ( 6/117-118)، وابن عبد البر في ( الاستيعاب ( 4/286، 287) كلاهما من طريق مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة. وعلتهّ في مجالد هذا، وهو ابن سعيد الهمداني وقد ضعّفه الإمام أحمد وابن معين ويحيى بن سعيد وابن مهدي والدارقطني وابن سعد وابن حبّان، وقال عنه الحافظ في (التقريب ): ( ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره )(66/119)
وقد ضعّف هذه الزيادة أيضا الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية ) (8/93). وقد أخرج هذا الحديث – كما قال صاحب المراجعات في هامشه – أيضا البخاري ومسلم لكنه بدون هذه الزيادة التي بينّا ضعفها، فراجع نصّ الحديث في (البخاري) (5/48-49)، ومسلم (4/1889) بل فيه ما يبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر عائشة رضي الله عنها حين قالت له عن خديجة: ( قد أبدلك الله خيرا منها ) فعاد الحديث إذن من أدلة القائلين بأفضلية عائشة رضى الله عنها وعن خديجة وعن سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن عبد الحسين هذا حاول الإيهام بأن الحديث بهذه الزيادة الضعيفة هو في الصحيحين، وهذا ليس غريبا منه بل هو شأنه دائما، فإنا لله وإنا إليه راجعون.(66/120)
ونختم كلامنا عن هذه المراجعة بنقل ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على ابن المطهر فيما يخص موضوعنا هذا، فبعد أن ذكر حجة من يفضل خديجة أو عائشة تكلم على معنى هذه الزيادة على فرض صحتها فقال: - انظر ( مختصر المنهاج ) للذهبي (ص216-217) – ( وهؤلاء يقولون: قوله لخديجة (( ما أبدلني الله خيرا منها )) – إن صح – فمعناه: ما أبدلني خيرا لي منها، فإن خديجة نفعته في أول الإسلام نفعا لم يقم غيرها فيه مقامها فكانت خيرا له من هذا الوجه لكونها نفعته وقت الحاجة، وعائشة صحبته في آخر النبوة وكمال الدين فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلا أول النبوة، فكانت أفضل لهذه الزيادة، فإن الأمة انتفعت بها أكثر مما انتفعت بغيرها وبلغت من العلم والسننّ ما لم يبلغه غيرها، فخديجة كان خيرها مقصورا على نفس النبي صلى الله عليه وسلم ولم تبلغ عنه شيئا ولم تنتفع بها الأمة كما انتفعت بعائشة، ولأن الدين لم يكن قد كمل حتى تعلمه ويحصل لها منه كمالاته كما حصل لمن علم وآمن به بعد كماله. ومعلوم أن من اجتمع همّه على شيء واحد كان أبلغ ممن تفرق همّه في أمال متنوعة، فخديجة رضي الله عنها خير لها من هذا الوجه، لكن أنواع البر لم تنحصر في ذلك، ألا ترى أن من كان من الصحابة أعظم إيمانا وأكثر جهادا بنفسه وماله – كحمزة وعليّ وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وغيرهم هم أفضل ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وينفعه في نفسه أكثر منهم – كأبي رافع وأنس بن مالك وغيرهما - ) إ.ه.
والحمد لله أولا وآخرا …
المراجعة (73): س:
-طلب شيخ الأزهر ذكر السبب في الإعراض بشكل تفصيلي.
المراجعة (74): ش:
ا-ابتدأ كلامه بالطعن بعائشة رضي الله عنها وسماها مصدر الفتنة اعتمادا على لفظ حديث عند البخاري ساقه هذا الموسوي مبتورا وبشكل خبيث.
2- ذكره فتنة الجمل واعتباره عائشة من ألد خصوم
عليّ.
3- حاول إيجاد أصل للعداء بين عليّ وعائشة اعتمادا(66/121)
على أخبار واهية ساقطة أو زيادات ضعيفة لأحاديث صحيحة، كما هي عادة الرافضة دوما.
4- محاولته الاستدلال على وجوب الوصية بقوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية) وبالحديث ( ما حقّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) وبزعمه صحة مطالبة فاطمة رضي الله عنها بإرثها.
5- ادعاؤه ثبوت الوصية بالعقل وأن عدم تعيين عليّ وصيا للنبي صلى الله عليه وسلم معناه ضياع الدين واتكال الأمة على الأهواء والآراء في دينها، وأنه صلى الله عليه وسلم يكون قد ترك أهل الأرض قاطبة كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ليس لها من يرعاها حق رعايتها، ثم استدل على ذلك بحديثين يأتي تفصيل الكلام عليهما في ( المراجعة –86-).
6- ادعاؤه أخيرا بأن دعوى عائشة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرها معارضة بما زعم ثبوته من أنه قبض ورأسه في حجر عليّ، ثم أرجأ تفصيل ذلك إلى (المراجعة –76-).
الرد على المراجعة (74):
1- ردّ دعواه تسمية عائشة رضي الله عنها مصدر الفتنة والكلام بالتفصيل على معنى الحديث الذي ساقه وألفاظه الأخرى من باب الرواية والدراية كذلك.
2- تفصيل الكلام على فتنة الجمل بالاعتماد على الأخبار الصحيحة من الكتب التي أحال إليها هذا الموسوي نفسه مما يبين أن عائشة لم تخرج للقتال وإنما خرجت بقصد الإصلاح وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين.
3-إسقاط الأخبار أو الزيادات التي اعتمد عليها في إثبات أصل للعداء بين عليّ وعائشة رضي الله عنهما.
4- كشف وهاء استدلاله على وجوب الوصية المزعومة بالآية والحديث ببيان تفصيلي من عدة أوجه، ثم الكلام بشيء ما عن قضية مطالبة فاطمة رضي الله عنها بالإرث.
5- ردّ ادعاؤه ثبوت الوصية المزعومة بالعقل وبيان أن الأمة بحمد الله بغنى عنها.
6- ارجاء الكلام عن ردّه دعوى عائشة الى المراجعة القادمة والرد عليها.(66/122)
قاتل الله الرافضة، وقاتل الله مبغضي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، التي دافع الله عنها في قرآنه وحذر عباده من الوقيعة فيها فقال: ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ) لكن هذا المجرم المدعو عبد الحسين لا يتعظ وها هو يعود الى الكلام في أم المؤمنين والطعن المغلف المقنع، ونحن لذلك نتأكد من عدم استقامة ايمانه، وكذا كل من تابعه في ذلك لأن الله تعالى علق الانتهاء عن ذلك بالإيمان فقال: ( إن كنتم مؤمنين )، ونحن نتحدى كل الرافضة، بل كل الشيعة أن يأتونا بنص واحد دافع الله سبحانه فيه عن أحد من عباده غير أنبيائه ورسله كما دافع عن عائشة رضي الله عنها في هذه الآية والآيات التسعة الأخرى معها.
فكان الأجدر بهم – لو كانوا صحيحي الايمان – كف ألسنتهم عن الكلام في عائشة رضي الله عنها حتى فيما أخطأت فيه – وهي بشر تخطئ كغيرها سواء –خصوصا وهي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته في الدنيا والآخرة – كما قال عمار بن ياسر وغيره – وهي المرأة الوحيدة التي نزل الوحي في لحافها، وهي التي لم يرضى النبي صلى الله عليه وسلم الكلام عليها حتى من ابنته فاطمة وزوجاته أم سلمة وزينب وغيرهما، لكن الشيطان وأوليائه لا يفوتون الفرصة في التعريض أو الطعن بها رضي الله عنها، ثم يزعمون – كما زعم عبد الحسين هنا – أنهم مجبورون على التكلم في هذا الأمر وأنهم لا يصرحون به إلا إذا طلب منهم ذلك، كما اصطنع ذلك عبد الحسين هذا في ( المراجعة –73-).
ثم هو لا يستحي ويسميها مصدر الفتنة وهي المفروض أن تكون أمه إن كان هو من المؤمنين، وهي أم عليّ بن أبي طالب نفسه بنفس كلام رب العالمين وأم كل من يزعم أنه يحبه ويتولاهم. فهي أم لكل المؤمنين وهو بكلامه عليها إنما يعادي كل المؤمنين فله من الله ما يستحق.(66/123)
وبأسلوب خبيث جعل عائشة - رضي الله عنها وحاشاها مما تقول الرافضة – مصدر الفتنة، إذ صرح بذلك أولا في متن كلامه ثم في الهامش ( 1/251) أحال الى لفظ حديث صحيح عند البخاري، جعل معناه الطعن في عائشة رضي الله عنها، وكيف يمكن للبخاري أو غيره من أهل العلم فعل ذلك أو حتى التنويه به؟ وكيف يمكن ان يخطر ببال أحد مهما كان أن أحد أئمة أهل السنة وأهل العلم يفعل ذلك؟ وهذا لا يقبله إلا الحمقى أو الخبثاء أمثال المدعو عبد الحسين هذا.
وهذا الأمر كل ما فيه أن الإمام البخاري- رحمه الله – أخرج في ( كتاب الجهاد والسير ) في(باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ) حديثا برقم (3104) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ( قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال: هاهنا الفتنة –ثلاثا- من حيث يطلع قرن الشيطان). فجعل هذا الرافضي الخبيث هذا الحديث طعنا في أم المؤمنين رضي الله عنها، ونحن نرد ذلك بإذن الله رواية ودراية..
أما من باب الرواية فنقول أن هذا الحديث له روايات أخرى كثيرة تبين المقصود الحقيقي منه قد أخرجها البخاري نفسه وغيره، والواجب علينا جمعها وضمها كلها فإنها كلها صحيحة ثم نفهم بعد ذلك مراد النبي صلى الله عليه وسلم من قوله، هذا إذا كان هناك إشكال في معناه، ولا يستقيم اعتراض الرافضة علينا بأن هذه الروايات لم تثبت أو تصح عندهم فإن الرواية الأولى كذلك وإنما ذكروها لتأييد باطلهم. وإن كانوا لا يقرّون بصحتها فأخواتها كذلك إذ هما من مخرج واحد، وإن كانوا لا يقرون بصحتها فلا حق لهم في تفسير معناها، بل الحق كله لصاحبها الذي رواها وصححها وهم أهل العلم من أهل السنة. ثم هم يحتجون بها علينا ومن حقنا إذا أن نبين لهم معناها عندنا وفق ما صحّ عندنا من روايات لهذا الحديث، وهذا هو غاية الإنصاف في المناظرة والمجادلة، والله الموفق للصواب.(66/124)
ومن تلك الروايات ما أخرجه البخاري ( 3279) عن ابن عمر قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق فقال: ها إن الفتنة هاهنا، إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان ). وهذه الرواية أخرجها أيضا الإمام أحمد (2/143، 121، 73، 72، 50، 40)، ومسلم (4/2229) … وأخرج البخاري أيضا
(7093، 3511) عن ابن عمر قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: ألا إن الفتنة هاهنا – يشير إلى المشرق- من حيث يطلع قرن الشيطان ). وهذه الرواية أخرجها أيضا الإمام مسلم (4/2228).
وأخرج البخاري (5296) عن ابن عمر قال: ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الفتنة من هاهنا، وأشار إلى المشرق ). وأخرج أيضا (7092) عن ابن عمر قال: (قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانب المنبر فقال: الفتنة هاهنا، الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان، وقال: قرن الشمس ). وقد أخرج البخاري الحديثين (7092، 7093) في ( كتاب الفتن) في الباب السادس عشر (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: الفتنة من قبل المشرق ). ونحوه عند مسلم في صحيحه (4/2228).
فيستفاد إذن من مجموع هذه الروايات الصحيحة بأن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم بمطلع الفتنة إنما هو جهة المشرق وهي قرن الشيطان ولأن بيت عائشة رضي الله عنها كان إلى شرقي مسجده صلى الله عليه وسلم أراد راوي الحديث وهو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يحدد الجهة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أنه أشار إلى هذه الناحية، حتى أنه لم يقل ( أشار إلى مسكن عائشة ) بل قال: ( فأشار نحو مسكن عائشة ) مما يبين أنه عنى الجهة فقط بخلاف كل الروايات الأخرى والتي فيها قوله ( وأشار إلى المشرق ) لأن فيها تحديد المقصود تماما، وهذا لا يخفى على من له علم باللغة.
وأما من باب الدراية فالجواب من ثلاثة أوجه:(66/125)
الوجه الأول: وهو ما قلناه من كون بيت عائشة رضي الله عنها كان إلى شرقي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/272): ( قد علم بالتواتر أنه عليه الصلاة والسلام دفن في حجر عائشة التي كانت تختص بها شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة..)
فذكر بيت عائشة في تلك الرواية إنما هو بمعنى جهة المشرق التي فصلها قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من حيث يطلع قرن الشمس ) وليس هو كلام أحد رواة الحديث، فتعين إذا المراد منها.
الوجه الثاني: إن هذا المدعو عبد الحسين لا يعني كلامه إلا أحد شيئين: إما أن يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم عنى بتلك الإشارة عائشة نفسها، أو يقول أنه صلى الله عليه وسلم قصد مسكنها نفسه، فإن قال الأول فبطلانه واضح من معرفة التراكيب اللغوية التي في الحديث وإنها لا تستعمل إلا للإشارة لمكان معين لا لشخص، كقوله ( من حيث … ) وقوله ( هاهنا الفتنة ) يشير إلى مكان تستوطن فيه الفتنة، فضلا عن أنه نص الحديث الذي احتج به الموسوي.(66/126)
وإن قال الثاني وهو أنه صلى الله عليه وسلم أراد مسكنها نفسه فلا يمكن أن يكون كذلك طيلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقّر السكن فيه ويتردد إليه كل يوم فيه نوبة عائشة رضي الله عنها، بل كان يتردد إليه أكثر من بيوت زوجاته الأخريات بمقدار الضعف فإن لعائشة رضي الله عنها في القسم يومان – كما تقدم في ذكر فضائلها – يومها ويوم سودة بنت زعمة التي وهبته لها لعلمها بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم لها. وأكثر من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان في سكرات موته – بأبي هو وأمي – يحب أن يمرّض في بيت عائشة دون بيوت سائر زوجاته عليهن السلام جميعا، حتى أنه طلب ذلك صريحا منهن كما ثبت ذلك في ( صحيح البخاري ) (1/61) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( لمّا ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فإذن له … ) الحديث، وبقي هناك حتى توفي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها ودفن فيه رغم أنوف الرافضة.
ولم يبقى من القول مجال إلا أن يقول إنما عنى به مسكن عائشة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إن قاله فإنما ينادي على نفسه بالويل والثبور، إذ أن مسكن عائشة رضي الله عنها تحول بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبره الشريف ولم يعد بيتا لها حتى ينسب إليها، وكيف يستجيز عاقل على أن يرضى الله تعالى لحبيبه وعبده محمد صلى الله عليه وسلم أن يدفن في مكان هو مطلع الفتنة على حدّ زعم الرافضة؟ فبطلت بذلك كل تعلقاته مهما حاول توجيه الحديث، ولله الحمد.
وإن المرء ليتعجب من آيات الله تعالى أن جعل مسكن عائشة رضي الله عنها مكانا يمرض فيه عبده وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يجعله مدفنا له وقبرا، ثم يتم ذلك بأن دفن إلى جواره صاحباه ووزيراه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.(66/127)
الوجه الثالث: أن هذا القول المفترى من قبل هذا الرافضي لو كان له أي وجه أو احتمال لعلمنا بأحد قاله أو ذكره أو احتج به ممن خالف أم المؤمنين رضي الله عنها ممن هو من طبقة التابعين أو بعدهم، أما الصحابة فلا يظن بأحد منهم اعتقاد مثل هذا قطعا. فلما لم نجد أحدا قاله علمنا بأنه محض افتراء وبهتان لأم المؤمنين رضي الله عنها من قبل عبد الحسين هذا، نظير ما فعله أسلافه من أصحاب الإفك الذين علمنا الله كيف نقول حين نسمع قولهم فقال: ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ).
ثم أشار هذا الرافضي إلى فتنة الجمل واتهم عائشة رضي الله عنها بأنها هي التي أججتها وقادت الجيوش لقتال عليّ رضي الله عنه، وهذا كذب محض، فإن عائشة رضي الله عنها لم تقاتل ولم تخرج للقتال وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين وظنت ان في خروجها مصلحة للمسلمين، و كل هذا ثابت ومحقق في كتب التاريخ التي تراعي – ولو قليلا – صحة السند والثبوت في عمومها، كتاريخ الطبري وابن الأثير والبداية والنهاية وغير ذلك. ولا يسعنا هنا تفصيل حوادث واقعة الجمل وأسبابها بل نكتفي بالإشارة الى ما جاء عنها في ( تاريخ الطبري ) مما يؤيد ما قلناه، ولا نقول أن كل من ورد عند الطبري صحيح وثابت بل يجب التحري بالنظر في سند كل رواية لكننا نختار رواية سيف بن عمر الضبي لاعتماد الطبري عليها كثيرا ولأنه عمدة في التاريخ كما قال عنه ابن حجر في (التقريب). ونحن بهذا نحتكم إلى تاريخ الطبري وهو عين ما أحال إليه هذا الرافضي في الهامش (2/251) حتى لا نبقي له حجة.(66/128)
وبالرجوع إلى ذلك يتبين أول الأمر أن عائشة رضي الله عنها خرجت ومن معها من الصحابة مطالبين بدم عثمان واتجهوا إلى البصرة ليثأروا لعثمان من قتلته الذين لجأوا إلى البصرة آنذاك، ولو أرادوا قتال عليّ كما تزعم الرافضة – ومنهم عبد الحسين هذا – لتوجهوا إلى عليّ رضي الله عنه الذي كان آنذاك في المدينة، بل من مراجعة الرواية عند الطبري (4/455) يتبين أن علياً رضي الله عنه هو الذي خرج من المدينة بمن معه من الجيش ليعترض طلحة والزبير ومن معهما وبضمنهم عائشة رضي الله عنهم أجمعين لكنهم فاتوه فلم يدركهم فلما وصلوا إلى مشارف البصرة أرسل أليهم عثمان بن حنيف بمن يأتيه بخبرهم فأعلمته عائشة رضي الله عنها بكل صراحة ووضوح أنهم ما جاءوا إلا للإصلاح ولأخذ الثأر من قتلة عثمان رضي الله عنه، كما هو صريح الرواية عند الطبري ( 4/462) إذ فيها قول عائشة: ( فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا ؛ إلى معروف نأمر كم به ونحضّكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره ).(66/129)
لكن الثوار الذين ثاروا على عثمان رضي الله عنه واشتركوا في قتله ممن هم بالبصرة لم يكن يرضيهم ذلك طبعا، وكان من ضمن من تزعّمهم من أهل البصرة حكيم بن جبلة العبدي وهو من أصحاب عثمان بن حنيف يومها، كما جاء ذلك صريحا عند الطبري ( 4/466): ( … وأقبل حكيم بن جبلة وقد خرج وهو على الخيل فأنشب القتال وأشرع أصحاب عائشة رضي الله عنها رماحهم وأمسكوا ليمسكوا فلم ينته ولم يثني فقاتلهم وأصحاب عائشة كافّون إلا ما دافعوا عن أنفسهم … ). فإذن أصحاب عائشة لم يبتدؤا القتال مما يؤكد أنهم ما خرجوا إلاّ للصلح، وأن الذي ابتدأ القتال هو أحد أصحاب عثمان بن حنيف، وهو حكيم بن جبلة وكان – كما قلنا –أحد قواد الثوار الذين اشتركوا في مقتل عثمان كما جاء اسمه صريحا عند الطبري أيضا ( 4/349)، ويضاف إلى ذلك أن عثمان بن حنيف رضي الله عنه لم يخل بينهم وبين قتلة عثمان مما اضطرهم إلى قتاله بعد تأكد ابتداء أصحابه بالقتال لا أصحاب عائشة كما سبق. وهذا كله يبين كذب كلام عبد الحسين هذا وافتراءاته التي لا حصر لها، في الهامش (2/251) حين أظهر الأمر بأن عائشة ومن معها هم الذين ابتدؤا القتال وسمى ذلك فتنة الجمل الأصغر، وحاول الدفاع عن حكيم بن جبلة والثناء عليه، وهذا لأنه ممن اشتركوا بقتل عثمان والثورة عليه مما صادف هوى هذا الرافضي فارتضاه له سلفا، وفيما قررنا كفاية للرد عليه إن شاء الله، نقلا من المصدر الذي أحال هو نفسه عليه، وهو ( تاريخ الطبري ) ومثله لإبن الأثير.
ومرة أخرى يسجل لنا الطبري في ( تاريخه ) عدم ابتداء عائشة وأصحابها القتال، وأنهم لم يطلبوا إلا قتلة عثمان فقال ( 4/470): ( … وقالت عائشة: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم، ونادوا من لم يكن من قتلة عثمان رضي الله عنه فليكفف عنّا فإنا لا نريد إلا قتلة عثمان ولا نبدأ أحدا، فانشب حكيم القتال ولم يرع للمنادى … ) وغير ذلك من المواضع الكثير.(66/130)
ثم قدم عليّ رضي الله عنه ونزل بذي قار وابتدأت مساعي الإصلاح بين الفئتين وكان الواسطة بينهما الصحابي الجليل القعقاع بن عمرو التميمي، وبالفعل اتفق الطرفان على ذلك – انظر ( الطبري ) ( 4/488-489) – لكن رؤوس الفتنة لم يرق لهم ذلك فاجتمع نفر منهم ممن سار الى عثمان، علباء ابن الهيثم والأشتر وسالم بن ثعلبة ومعهم ابن السوداء – وهو عبد الله بن سبأ – وخالد بن ملجم – انظر ( الطبري ) ( 4/493) – واتفقوا على أنهم أن يصطلحوا مع علي فعلى دمائهم، كما هو صريح الرواية عند الطبري التي يتبين منها أن ابن سبأ هذا وهو ابن السوداء كان هو الذي يدير الاجتماع ويقوم مقام إبليس في دار الندوة حتى قال لهم – ( تاريخ الطبري ) ( 4/494) -: ( يا قوم إن عزّكم في خلطة الناس فصانعوهم، وإذا التقى الناس غدا فانشبوا القتال ولا تفرغوهم للنظر، فإذا من أنتم معه لا يجد بدا من أن يمتنع، ويشغل الله عليا وطلحة والزبير ومن رأى رأيهم عما يكرهون.فابصروا الرأي وتفرقوا عليه والناس لا يشعرون). ثم سجلت لنا رواية الطبري كيف وقع ذلك وتم، فقال ( 4/506): ( فلما نزل الناس واطمئنوا خرج عليّ وخرج طلحة والزبير فتوافقوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمرا هو أمثل من الصلح ووضع الحرب حين رأوا الأمر قد أخذ في الانقشاع وأنه لا يدرك، فافترقوا عن موقفهم على ذلك، ورجع عليّ إلى عسكره وطلحة والزبير إلى عسكرهما، - ثم قال:- وبعث عليّ من العشي عبد الله بن عباس إلى طلحة والزبير، وبعثاهما من العشي محمد بن طلحة إلى عليّ، وأن يكلم كل واحد منهما أصحابه، فقالوا: نعم، فما أمسوا – وذلك في جمادى الأولى – أرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما، وأرسل عليّ الى رؤساء أصحابه ما خلا أؤلئك الذين هضّوا عثمان، فباتوا على الصلح، وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه، والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا وركبوا ما ركبوا، وبات الذين أثاروا أمر عثمان(66/131)
بشر ليلة باتوها قط، قد أشرفوا على الهلكة وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها، حتى اجتمعوا على انشاب الحرب في السر، واستسروا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشر، فغدو مع الغلس، وما يشعر بهم جيرانهم انسلوا الى ذلك الأمر انسلالا، وعليهم ظلمة فخرج مضريهم إلى مضريهم وربيعهم الى ربيعهم ويمانيهم الى يمانيهم، فوضعوا فيهم السلاح فثار أهل البصرة، وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين بهتوهم … ) وهكذا أنشب قتلة عثمان مؤيدوهم الحرب بين عليّ وأخويه طلحة والزبير ومعهما عائشة، والذين قاموا بهذه الخيانة والفتنة هم من أسلاف الرافضة أمثال عبد الله بن سبأ هذا الذي قدمنا موقف أئمة الرافضة منه في ( ج1/349-350).
وفي تتمة الرواية تلك أيضا ( 4/507): ( … وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة رضي الله عنها، فقال: أدركي، فقد أبى القوم إلا القتال، لعل الله يصح بك، فركبت … )، وهذا فيه الدلالة القوية على بغية عائشة رضي الله عنها في الخروج وأنه أمر علمه الخاص والعام، وهو للإصلاح لا للقتال.
ثم انتهت تلك الفتنة بمقتل نحو عشرة آلاف، ومنهم طلحة والزبير رضي الله عنهما، وندم كلا الطرفين على ذلك أشد الندم، كما في رواية الطبري (4/537) أن القعقاع دخل على عائشة، فقالت: والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة، فكان قولهما واحدا. وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة طلحة بن عبد الله رضي الله عنه قول الشعبي: رأى عليّ ابن أبي طالب طلحة مُلقى في بعض الأودية فمسح التراب عن وجهه وقال: ( عزيز عليّ أبا محمد أن أراك مجدلاً في الأودية وتحت نجوم السماء، الى الله أشكو عجري وبجري – قال الأصمعي: أي سرائري وأحزاني التي تجول في جوفي – وقال: ليتني متّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة ).(66/132)
ونختم هذا بذكر الموقف النبيل من عليّ وعائشة كليهما تجاه بعضهما البعض رضي الله عنهما، هذا الأمر الذي يأباه هذا الرافضي وأشباهه بل يصرون على افتعال العداء بينهما مثل ما وصف عبد الحسين هذا عائشة رضي الله عنها بأنها من ألد خصوم عليّ، وهو بكلامه هذا لا يبتعد كثيرا عن ما فعله أصحاب الفتنة بينهما في الجمل فله من الله ما يستحق. ولم يكتف بذلك بل زعم – زورا وبهتانا – بأن عائشة حين بلغها موت عليّ سجدت شكرا لله، وهذا من أبطل الباطل اعتمد فيه على رواية مكذوبة باطلة لا يعرف سندها ولا مخرجها ذكرها الأصفهاني في كتابه( مقاتل الطالبيين )، وليس هذا من طريق ثقات الأخبار، بل ثقات الأخبار رووا ذلك الموقف النبيل الذي نعنيه، وهو ما أخرجه الطبري ( 4/544): (.. وجهز علي عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع … فخرجت على الناس وودعوها وودعتهم وقالت: يا بني تعتب بعضنا على بعض استبطاءا واستزادة، فلا يعتدن أحدا منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه عندي على معتبتي من الأخيار. وقال علي: يا أيها الناس، صدقت والله وبرت، ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ) إ.ه.
فلعمري هل بعد هذا البيان والتصريح من قول؟ وهل يمكن لأحد أن يحيص بشيء بعد كل هذا الوضوح في موقف كل من السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأمير المؤمنين أبي الحسن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؟ لكن هؤلاء الرافضة لا ينتهون، بل حاولوا بعد إشعال الفتنة بينهما أن يجدوا لذلك أصلا من العداء والكراهية السابقة بينهما، كما حاول هذا الرافضي هنا بالاعتماد على أخبار واهية ساقطة لا يحتج بمثلها أهل العلم، أو زيادات واهية لأحاديث صحيحة، كما هي عادة الرافضة دوما.(66/133)
ومثال الثاني حديث وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكره وفيه قول عائشة رضي الله عنها: ( فخرج وهو بين الرجلين تخطّ رجلاه في الأرض بين عبّاس بن عبد المطلب وبين رجل آخر، قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت لا، قال ابن عباس: هو عليّ ) إ.ه. فهذه الرواية صحيحة لا غبار عليها فهي في (صحيح البخاري) ( 6/13-14)، وليس فيها ما يريح هذا الرافضي من الطعن بعائشة لكن وقعت لها زيادة فيها بعض ما يصبو إليه صاحبنا هذا، وقد أخرجها ابن سعد في ( طبقاته ) (2/29) وفيها قول ابن عباس: ( أن عائشة لا تطيب له نفسا بخير ) وعقّب عليها هذا الموسوي في ( الهامش ) ( 3/252) بثلاث مغالطات..
الأولى: زعمه أن أصحاب السنن أخرجوها، وليس الأمر كذلك فليست هي عند أحد من أصحاب السنن، بل أخرجها ابن سعد في طبقاته، وكذلك الإمام أحمد في (مسنده ) ( 6/34، 228) وأظنها أيضا في ( مصنف عبد الرزاق ) لكني لا أطوله الآن، والمهم أنها ليست عند أحد من أصحاب السنن، ووجودها عند من ذكرنا لا يعني أبدا قبولها فضلا عن تصحيحها كما سنبينه إن شاء الله.(66/134)
الثانية: زعمه أن إسنادها صحيح على أساس أن رجالها كلهم حجج، وهذا أمر يحتاج الى تفصيل وبيان، إذ وثاقة رجال الإسناد وعدالتهم لا تكفي لوحدها في تصحيح الإسناد، فهي لا تعدوا كونها شرطا واحدا من شروط التصحيح، وهناك ثلاثة أخرى وهي اتصال الإسناد وانعدام الشذوذ وانعدام العلة، وبمجموع هذه الشروط فقط يمكن أن يصح الإسناد ويحتج به، وهذا أمر يغفل عنه من ليس من أهل هذه الصنعة ويظنون لجهلهم وقصور فهمهم أن مجرد عدالة الرواة تكفي لصحة الإسناد كما فعل المدعو عبد الحسين هذا، بخلاف ما قرره أهل العم بالحديث، انظر لذلك علم مصطلح الحديث، وهو الذي حققه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في مقدمته لصحيح الترغيب والترهيب ( 1/ 39-41)، ونقله الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي في مقدمة الجزء الأول من ( المعجم الكبير ) ( ص5-11) وغير ذلك، وهو أمر لا ينازع فيه من له أدنى معرفة بعلم الحديث. وإذا كان كذلك فإن هذه الزيادة، أعني قول ابن عباس: ( أن عائشة لا تطيب له نفسا بخير ) شاذة غير صحيحة لتفرد معمر بن راشد ويونس بن يزيد الأيلي بها عن الزهري ولمخالفتهم لباقي من روى هذا الحديث عن الزهري وهم عقيل بن خالد عند البخاري (6/14)، ومسلم (1/312-313)، وشعيب بن أبي حمزة عند البخاري ( 1/61)، وسفيان بن عيينة عند الحميدي في (المسند ) (233)، والامام أحمد ( 6/38)، وابن ماجة (1618)، ويعقوب بن عتبة عند ابن اسحق في (السيرة ) – (سيرة ابن هشام) ( 4/298) – والبيهقي في ( الدلائل ) ( 7/174) – وانظر ( البداية والنهاية ) ( 5/225) – وهؤلاء جميعا لم يذكروا هذه الزيادة.و للحديث طريق آخر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة من غير طريق الزهري، رواه عنه موسى بن أبي عائشة وليس فيه هذه الزيادة أيضا، انظر ( صحيح مسلم ) ( 1/311-312)، ( سنن النسائي ) ( 2/101-102)، (سنن الدارمي ) ( 1/287-288) وأظنه كذلك عند الإمام أحمد لكنّي لم أتمكن من العثور عليه. ومما يؤكد(66/135)
عدم صحة هذه الزيادة وإنها وهم أن كلا من معمر ويونس قد رويا هذا الحديث أيضا بدون هذه الزيادة أي بما يوافق باقي الرواة عن الزهري، انظر ( صحيح البخاري ) (7/165) من رواية بشر بن محمد أخبرنا عبد الله – يعني ابن مبارك- أخبرنا معمر ويونس، وليس فيه هذه الزيادة، وأخرج مسلم ذلك أيضا بدون الزيادة عن معمر وحده ( 1/312).
فهذه الزيادة إذا غير صحيحة، لا يمكن قبولها واعتبارها زيادة ثقة لأمرين … أولا لمخالفة معمر ويونس بروايتها باقي الرواة عن الزهري وفيهم من هو أوثق منهم في الزهري كابن عيينة، مع أن لهما رواية عن الزهري بغير هذه الزيادة أي بموافقة باقي الرواة ولا شك أنها أولى بالقبول من تلك. ثانيا: لحال كل من معمر ويونس مقارنة بباقي الرواة عن الزهري، فيونس بن يزيد الأيلي قال عنه الحافظ في ( التقريب ): (ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا وفي غير الزهري خطأ ) إ.ه. ولقد استنكر له الإمام أحمد بعض الأحاديث كما في ( الميزان ). أما معمر بن راشد فقد قال فيه الحافظ في ( التقريب ): ( ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، وكذا فيما حدث به في البصرة ) وقال الذهبي في ( الميزان ): ( له أوهام معروفة ) ونقل قول أبي حاتم عنه: ( صالح الحديث، وما حدث به في البصرة ففيه أغاليط ) إ.ه. قلت: وهذا – والله أعلم – مما حدث به بالبصرة بقرينة أن من الرواة عنه هنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى كما في ( المسند ) ( 6/34) وهو من أهل البصرة.
وعلى أية حال فإن مجرد مخالفة معمر لباقي الرواة عن الزهري كاف في ردّ هذه الزيادة خصوصا إذا انضم الى ذلك أن له رواية يوافقهم فيها ولا شك أنها كما قلنا أولى بالقبول وتبين ما وقع من الوهم في الأخرى.(66/136)
وهذا هو الذي يمليه علينا المنهج الحديثي الدقيق لدراسة الأحاديث والأسانيد واتباع الحجج والبراهين في كل ذلك، وهو العلم الدقيق الذي خفي على مثل المدعو عبد الحسين هذا، فراح يتهم البخاري – رحمه الله – بتعمد تركها واقتطاعها وهو الأمر الذي نعنيه بالمغالطة الآتية:
الثالثة: وهو هذا الاتهام الباطل للإمام البخاري بتعمد القطع من النص، مع أن هذا المدعو عبد الحسين من أكثر الناس فعلا لذلك كما مرت بنا أمثلة كثيرة جدا من فعله هذا، ولهذا السبب هو يظن بالناس أنهم يفعلون فعله كشأن كل صاحب عيب ونقص.
ولا أظن بعد كل ما بيناه من العلة في تلك الزيادة أن يبقى الغموض في موقف الإمام البخاري وعدم إخراجه لهذه الزيادة، فليس ذلك إلا لشدة تحريه للصحة ولدقة علمه ومعرفته بالعلل الموجبة لضعف الحديث مع وثاقة رواته.
ثم ليعلم أن البخاري إمام من أئمة الحديث، وكتابه عند أهل السنة أصح الكتب بعد القرآن الكريم، فطعن هذا المطعون به عبد الحسين بالإمام البخاري لا يفيد أهل السنة إلا افتضاح بغض هذا الموسوي وشيعته لأئمة السنة، فإن كان يريد إقامة الحجة عليهم فبأئمتهم وكتبهم لا أن يطعن بها لعدم عثوره فيها على ما يؤيد باطله وزعمه، أليس هذا من مقتضى الإنصاف؟
أما مثال الأول، وهي الأخبار الواهية الضعيفة التي لا يحتج بها فهو ما روي عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل فوقع في علي وفي عمار عند عائشة فقالت: أما علي فلست قائلة لك فيه شيئا، وأما عمار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه:
( لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما ) أ.ه. أخرجه الإمام أحمد (6/113) من طريق حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن يسار..(66/137)
وحبيب هذا قال عنه الحافظ في ( التقريب): ( كان كثير الإرسال والتدليس ) وقد عنعنه هنا ولم يصرح بالسماع كما ترى مما يمنع من صحته قطعا، وذكر حبيب هذا الحافظ في ( طبقات المدلسين ) ( برقم 69) ضمن المرتبة الثالثة التي قال عنها قي المقدمة ( ص13 ): ( من أكثر من التدليس فلم يحتجّ الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ) قلت: وهو أمر منتف هنا كما ترى، وبين الحافظ هناك تدليسه أيضا فقال ( ص38): ( ونقل أبو بكر بن عياش عن الأعمش عنه – يعني عن حبيب – أنه كان يقول: لو أن رجلا حدثني عنكم ما باليت إن رويته عنك، يعني وأسقطه من الوسط ) أ.ه.و هذا هو المحذور في التدليس الذي يوجب رد الحديث. وفي ترجمته من ( التهذيب ) نقل الحافظ عن القطان قوله: ( له غير حديث عن عطاء لا يتابع عليه وليست بمحفوظة ) وأيضا: ( قال العقيلي: وله عن عطاء أحاديث لا يتابع عليها )أ.ه. وهو الحال هنا تماما.
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم عن عمار ( ما خيّر بين أمرين إلا اختار أرشدهم ) فهو صحيح من طرق أخرى، منها مثلا عند الإمام أحمد ( 1/445، 389)، والحاكم ( 3/388) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
والمهم أن قول عائشة: ( أما عليّ فلست قائلة فيه شيء ) غير صحيح بل هو ضعيف مردود، وقد أخرج هذا الحديث أيضا عن عائشة الترمذي ( 4/345)، و
ابن ماجه ( 148)، والحاكم (3/388) وليس فيه هذا القول مما يعزز عدم ثبوته ولله الحمد.
وبعد تبيين موقف السيدة عائشة رضي الله عنها يتضح إن شاء الله ما في قول هذا المفتري عبد الحسين بعد ذلك من السفاهة والسخافة.(66/138)
وأما وصفه عليا رضي الله عنه بأنه ( أخو النبي ووليه... إلى آخره ) فقد بينّا فيما تقدم الحق من ذلك، وأنه لا يصح منه سوى وصفه بمحبة الله ورسوله، وبمحبة الله ورسوله له، أما عن مكانة عليّ رضي الله عنه من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ننكرها، وكذا لم تنكرها عائشة رضي الله عنها لعدم صحة ما ادعاه هذا المفتري عنها، كما أن لعائشة رضي الله عنها من المكانة عند الله ورسوله ما يفوق مكانة عليّ رضي الله عنه وأمثاله – دون أن يستلزم ذلك طعنا فيهم ولا نقصا من مكانتهم – فهي التي دافع الله عنها كما مر ولم يدافع عن أحد غير أنبيائه ورسله مثل ما دافع عنها، وهي التي صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأنها أحب الناس إليه حين سئل، وهي التي لم يرضى النبي صلى الله عليه وسلم الكلام عليها حتى من ابنته فاطمة وزوجاته أم سلمة وزينب وغيرهما، وهي التي جعلها الله مباركة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما صرح بذلك الصحابة أنفسهم – أنظر لكل ذلك صفحة ( 119-122) -.
أما عن حيرة فكر عبد الحسين هذا في قول عائشة رضي الله عنها: ( لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأني لمسندته إلى صدري …) فهي كحيرة الحمقى في كلام العقلاء، وليس معنى كلامها رضي الله عنها أن الوصية لا تصح إلا عند الموت كما زعم هذا الرافضي، بل كما قدمنا في ( ص95-96) بأن حجتنا في إنكار الوصية المزعومة عند الشيعة على ضربين..(66/139)
الأول: الوصية التي يزعمونها خلال حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهذه قد بينّا بطلان كل الأحاديث التي يحتجون بها على ذلك ورددناها بحمد الله، وهو الأمر الذي لم يكن أحد يدّعيه ويزعمه في عهد الصحابة والتابعين، بل قد ظهر أول زعم للوصية بأن قالوا بأنه صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي عند موته، وهو الضرب الثاني من نصوص الوصية المزعومة، وهذا هو الذي سمعته عائشة رضي الله عنها فراحت تبطله وتدحضه بحجة واضحة جلية وليس هي فحسب بل قد جاء ذلك عن ابن عباس أيضا فيما أخرجه الإمام أحمد (1/357) عن الأرقم بن شراحيل قال: سافرت مع ابن عباس من المدينة إلى الشام فسألته: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فذكر معناه – يعني صلاة أبي بكر بالناس – وقال: ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة حتى ثقل جدا فخرج يهادي بين رجلين وإن رجليه لتخطان في الأرض فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوصِ ) إ.ه. وسواء ثبت هذا عن ابن عباس أو لم يثبت فليس لقول عائشة رضي الله عنها أي مخالف من الصحابة في نفي هذه الوصية المزعومة.(66/140)
أما الاستدلال على هذه الوصية بقوله تعالى ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( ما حق إمرئ مسلم له شيء يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) فهو من أوهى الاستدلالات وما مثله إلا كبيت العنكبوت ذلك أن الآية – وكذا الحديث – لا يمكن أن تكون عامة في كل ما تركه المرء من مال ومتاع وعلم ودين، فإنها لو كانت كذلك لأصبح قوله ( إن ترك خيرا ) لا معنى له، فإن كل إمرىء في الدنيا سوف يترك بعده ما يوصي به على وفق هذا القول، وأصبح ذلك الشرط زائدا ولغوا وهذا ما ينزه عنه كتاب الله، فإذن قوله ( إن ترك خيرا ) وكذا قوله في الحديث ( وله شيء يوصي فيه ) في وصية مخصوصة، وهي لا يمكن أن تكون إلا في شيء يمكن أن يوجد عند كل الناس – بقرينة الخطاب العام – وهو في حقيقته عند بعضهم دون جميعهم – بقرينة الشرط المذكور ونحوه – وليس هذا إلا المال، فتبين أن الآية والحديث وما شابههما لا يخصان إلا الوصية بالمال، فهذا وجه.
والوجه الثاني: أن فعله هذا اقتطاع قبيح ومنكر للآية، فإن تمام الآية ( … الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) وهذا لا يقول أحد بأنه غير المال إلا الحمقى والجهلاء، وفعل عبد الحسين هذا له ما يشبهه من احتجاجاته السابقة، مثل احتجاجه على أفضلية آل البيت بآية الغنائم ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) واقتطع باقي الآية، انظر المراجعة (12)، وانظر ردنا عليه في (ج1/232-233).(66/141)
والوجه الثالث: أنه قد ثبت عن السلف تفسيرهم الخير في الآية بأنه المال، وهذا نقله ابن كثير في تفسيره ( 1/212) عن كل من ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وابي العالية وعطية العوفي والضحاك والسدي والربيع ابن أنس ومقاتل ابن حيان وقتادة وغيرهم، لكنهم ما اختلفوا إلا في قيمة المال فبعضهم قال مالا كثيرا وبعضه قال مالا قليلا، والمهم أنهم اتفقوا على أن المقصود بها هو المال فقط، فيا لحماقة الرافضة هؤلاء، فإن هذه الآية وهذا الحديث هما في الحقيقة من الأدلة عليهم في إحدى أكبر مسائلهم التي خالفوا فيها أهل السنة وهي قضية إرث فاطمة عليها السلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا تخرج حاله عن أحد أمرين: إما أن يكون قد ترك مالا أو لم يترك، فإن لم يترك مالا بطل بذلك مطالبة فاطمة عليها السلام بإرثها وصحّ بذلك قضاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان قول عائشة رضي الله عنها: ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درها ولا شاة ولا بعيرا، ولا أوصى بشيء ) على إطلاقه ولا لبس فيه، وإن كان صلى الله عليه وسلم قد ترك مالا فعدم وصايته به – إذ لا دليل عليه أبدا – يدل على أن ما تركه صلى الله عليه وسلم من المال لا يحق أن يكون إرثا وإنما يخرج منه الدين فقط والباقي يكون صدقة، وبهذا أيضا صح قضاء الصديق رضي الله عنه، وكان معنى قول عائشة السابق أنه ما ترك شيئا يصح أن يكون إرثا يوصي به ويورث وإنما لأداء الدين والأمانات فقط.(66/142)
وهذا المسلك الذي سلكناه في الجواب إنما هو على أصولهم فقط وبالأدلة التي حاول الاحتجاج بها هذا المدعو عبد الحسين، أما نحن فنقول أن الآية تلك ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية.. ) منسوخة بآية الفرائض من سورة النساء وهو قول ابن عباس وابن عمر وأبي موسى وسعيد ابن المسيب والحسن البصري ومجاهد وعطاء وسعيد ابن جبير ومحمد ابن سيرين وعكرمة وزيد ابن أسلم والربيع ابن أنس وقتادة والسدي ومقاتل ابن حيان وطاووس وإبراهيم النخعي وشريح والضحّاك والزهري، انظر ( تفسير ابن كثير ) ( 1/211).
ونقول أيضا إن نفينا لما ادعاه عبد الحسين هذا لا يستلزم نفي أي وصية للنبي صلى الله عليه وسلم كما حاول الإيهام به هذا المفتري، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بكل ماله ضرورة للوصية من أمور الدين بعده مثل وصيته بالصلاة، وبملك اليمين، وبالأنصار، وبأهل بيته وبأصحابه وغير ذلك من الأمور الموصى بها الثابته في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم، أما الخلافة فإنه صلى الله عليه وسلم لم يوصي لأحد بعينه – على الصحيح – ولم يصرح بذلك لكنه أومأ إيماءً أشد تأثيرا وفي مناسبات كثيرة على خلافة أبي بكر له، ذلك الإيماء والتلويح الذي كان نقله ووقعه وتأثيره أشد مما لو صرّح به صلى الله عليه وسلم في حديث أو أحاديث قد لا تبلغ كل أصحابه ويغيبون عنها فلا يثبتونها، لذلك استعمل النبي صلى الله عليه وسلم الإيماء الواضح الصريح بخلافة أبي بكر رضي الله عنه له، مثل تأميره على الحج سنة تسع، واستخلافه على الصلاة وعدم رضائه بغيره مع تواجد كل أصحابه وأهل بيته، ومثل اختصاصه بنفسه في غير موضع وتصريحه بأنه يحبه أشد الحب إذ لو اتخذ خليلا من الناس لأتخذه، ومثل تصريحه بأنه أمنّ الناس عليه في صحبته وماله ونفسه وغير ذلك كثير ليس هذا موضع استقصائه.(66/143)
أما قضية مطالبة فاطمة عليها السلام بإرثها التي أشار إليها عبد الحسين هذا في آخر هذه الفقرة فليس هذا موضع رده وبيان صحة قضاء الصديق رضي الله عنه، لكن نكتفي بالقول بأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة ) لم يروه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقط، بل وافقه في روايته كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب نفسه، و العباس بن عبد المطلب، و عبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين، انظر ( البداية والنهاية ) (5/287) وقد أطال وأجاد الحافظ ابن كثير هناك في بيان طرق هذا الحديث ورد بذلك على الرافضة ( 5/285-291)، لكن عبد الحسين هذا وأشباهه قد فتحوا على أنفسهم شرا عريضا وجهلا طويلا كما وصفهم الحافظ ابن كثير وقال: ( وادخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم، ولو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله ولكنهم طائفة مخذولة وفرقة مرذولة، يتمسكون بالمتشابه ويتركون الأمور المحكمة المقدرة عند أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الأعصار والأمصار رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ) أ.ه.(66/144)
ثم الكلام الذي سطره في الفقرة الثانية هنا لا طائل تحته، فإنا كما قدمنا لا ننكر الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم في أمور دين الله المحتاجة للوصية، لكن هذا بعيد كل البعد عن الوصية لعلي بذاته كما يحاول الوصول إليه هذا الدجال وشيعته، وراح يصور عدم تعيين علي خليفة ووصيا للنبي صلى الله عليه وسلم معناه ضياع دين محمد صلى الله عليه وسلم واتكال الأمة على الأهواء والآراء في دينها، وأنه صلى الله عليه وسلم طيلة مدة رسالته لم يربي أمة ولا جيلا ولم يثبت دينا في الناس، بل ثبته في شخص عليّ وحده وربّى عليا وحده، بحيث لو ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة دون خلافة علي له لعادت هذه الأمة التي جاهدت معه ونصرته وأظهر الله بها دينه على سائر الأديان وفدته بنفسها وكل ما تملك وتحدت به كل أمم الأرض وسجل الله في كتابه صدقها في جهادها ووعدها بأعظم خير في الآخرة وجعلها شهيدة على كل أمم الدنيا وجعلها كذلك شهيدة لكل نبي من أنبياء الله تعالى على أمته، وصرّح في كتابه أنها خير أمة أخرجت للناس وجعلها المثال الأعلى للاستخلاف في الأرض والفوز في الدنيا والآخرة، أقول: لعادت هذه الأمة بهذه السمات إلى أقبح حال وأسوأ مآل، بل وشر مما كانوا عليه قبل الإسلام فيما إذا لم يخلف علي النبي صلى الله عليه وسلم.. هذه تماما فكرة الرافضة ونظرتها عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأنهم رعاع همج ظلال جهال بدون خلافة علي رضي الله عنه، وكأنهم ما فتحوا البلاد وهدوا العباد في خلافة الثلاثة قبله أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وكأنهم ما أخمدوا الفتنة والردّة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بدون خلافة علي رضي الله عنه أو حتى مشاركته، وكأنهم ما قهروا الفرس والروم وهما أعظم الأمم يومها بدون خلافة علي رضي الله عنه ولا مشاركته، وكأنهم ما حاصروا القسطنطينية وهي معقل النصرانية يومها ثم فتحوها بعد ذلك، وكل هذا بدون خلافة علي رضي الله(66/145)
عنه أو حتى مشاركته، وكأنهم ما أوصلوا الإسلام إلى الصين شرقا وإلى الأندلس وأوروبا غربا بدون خلافة عليّ رضي الله عنه ومشاركته، وكأنهم ما حفظوا القرآن وجمعوه لنا وأوصلوه إلينا مع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون خلافة علي رضي الله عنه، لكن كل هذه الأمور وغيرها من حسنات الصحابة العظمى تطعن فيها الرافضة أو في شرعيتها حتى يتوافق مع مذهبهم الفاسد، لكن أبى الله إلا أن يفضحهم فجعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء بوجود علي رضي الله عنه أو بغيابه هم أداته سبحانه وتعالى في حفظ شرعه وكتابه وإظهار دينه في الأرض على سائر الأديان، وهذه كل بلاد المسلمين تدين لهؤلاء الصحابة الأخيار لأنهم كانوا السبب في إيصال دين محمد صلى الله عليه وسلم لهم وفتح بلدانهم العراق والشام ومصر وتونس والمغرب وباقي بلدان إفريقيا والأندلس وبعض بلدان أوروبا، وبلاد المشرق الهند والصين وغيرهما، وحتى إيران كلها وصلها دين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في خلافة عمر وعثمان ثم في عهد معاوية وسائر خلفاء بني أمية ثم بني العباس كالمنصور والرشيد وغيرهما، لكن الرافضة تتنكر لكل هؤلاء من الصحابة ومن بعدهم، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه لم يستحكم في جزيرة العرب، فما ثبته فيها غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم ما نشره في كل تلك البلدان إلا في عمر وعثمان وباقي رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان ممن تبغضهم الرافضة، ولا نجد فيمن تحبهم الرافضة أحدا له مثل هذا الفضل في دين الله تعالى، وحتى علي رضي الله عنه. ونحن أهل السنة مع عذرنا له لعلمنا أنه انشغل بفتن ابتلاه الله بها وثبته وأعطاه أجر المجاهدين إن شاء الله، لكننا نعرض هذا الأمر للرافضة هؤلاء لنبين أنهم دائما محجوجون مقهورون مخذولون بإذن الله تعالى، وأن الخوارج في قولهم: ( إن أول انقسام وفرقة وقعت في أمة محمد صلى الله عليه وسلم كانت(66/146)
في خلافة علي وإن أول ترك للجهاد لفتح البلدان كان في خلافة علي وأول اقتتال وقع بين المسلمين أنفسهم كان في خلافة علي وأول أمر طمعت فيه الروم وغيرهم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم كان في خلافة علي ) هم في الحجة المنطقية العقلية – لا الشريعة الدينية – أقوى وأرجح من أقوال الرافضة هؤلاء في طعنهم بالأمة جمعاء عند غياب خلافة علي رضي الله عنه، لكننا نستعيذ بالله من أن نقول كقول الخوارج هؤلاء كما نستعيذ به من قول الرافضة أولئك، ولا نستفيد من قول بعضهم إلا إسقاط قول البعض الآخر حتى يبقى قول أهل السنة واعتقادهم قائما حجة ودليلا وواقعا بإذن الله العظيم، والحمد لله رب العالمين.
ثم قوله: (وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي في مبدأ الدعوة الإسلامية … ) قد قدمنا بطلان تلك القصة وكذب ذلك الحديث خلال ردنا على مراجعته العشرين وقبلها كذلك فليراجع.
أما الحديث الذي ذكره بعد ذلك، في قول النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاته: (إيتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا … الحديث ) وكذا الحديث بعده في وصية النبي صلى الله عليه وسلم عند موته بثلاث فسيأتي – إن شاء الله – الكلام عليهما مفصلا ومدعما بالأدلة بما يرد شبهة هذا المفتري عبد الحسين وشيعته وذلك خلال الرد على ( المراجعة –86-) إذ قد جعلها عبد الحسين هذا أصلا من هذين الحديثين. أما دعواه في الفقرة الثالثة هنا فسنردها حين يفصلها في المراجعة الآتية.
المراجعة (75): س
1- إ نكار شيخ الأزهر استسلام أم المؤمنين
في ديثها الى العاطفة
2- تقريره – المنسوب إليه- بنفي الحُسن
والقبح العقليين.
3- طلبه النصوص المعارضة لحديث عائشة
رضي الله عنها.
المراجعة (76): ش:
1- اتهامه عائشة رضي الله عنها استسلامها في حديثها إلى العاطفة وذكره ما زعمه أدلة
على ذلك.(66/147)
2- تكلم على مسألة الحسن والقبح العقليين وحاول إثبات ذلك كما هو مذهب الرافضةالذي أخذوه من إخوانهم المعتزلة.
3- سرد عدد من الأحاديث زاعما صحتها ومعارضتها لحديث عائشة في وفاته صلى الله
عليه وسلم في حجرها.
4- تقريره دون تفصيل تقديم حديث أم سلمة
على حديث عائشة رضي الله عنها.
الرد على المراجعة (76):
1- الذب عن عائشة رضي الله عنها فيما اتهمها به، ونقض النصوص التي اعتمد عليها في ذلك أو بيان حقيقة معنى الصحيح منها، مع الإشارة إلى أن ما اتهم به عائشة رضي الله عنها فإن الرافضة هؤلاء هم أولى الناس بالاتصاف به
كما يعلم من حقيقة أحوالهم.
2- الكلام بالتفصيل على مسألة التحسين والتقبيح العقليين أو الشرعيين وذكر مذاهب
الناس فيها وبيان الراجح بالأدلة.
3- الكلام بالتفصيل عن الأدلة المزعومة المعارضة وبيان أنها لا تقوى على معارضة
حديث عائشة رضي الله عنها.
4- إرجاء الكلام عن تقريره تقديم حديث أم سلمة على حديث عائشة إلى المراجعة القادمة.(66/148)
إبتدأ في الفقرة الأولى من مراجعته هذه باتهامه عائشة رضي الله عنها بأنها صاحبة هوى تتبع هواها مهما كان ولا تراعي لله أمرا ولا نهيا، إذ هذا معنى قوله (فأرجوا أن تتحللوا من قيود التقليد والعاطفة وتعيدوا النظر إلى سيرتها فتبحثوا عن حالها مع من تحب ومع من تبغض بحث إمعان وروية فهناك العاطفة بأجلى مظاهرها، ولا تنس سيرتها مع عثمان …-إلى قوله- فإن هناك العاطفة والغرض ). وهو يتبجح ويدعو إلى التحلل من قيود التقليد والعاطفة، وقد علم بالاضطرار بأن الرافضة هم أكثر خلق الله تقليدا لأئمتهم وجمودا على مذاهبهم حتى إن تعارض ذلك مع معقولاتهم ومدركاتهم الحسية، وكم رأينا من صاحب علم وخبرة وقد يحمل من الشهادات العلمية الكثير لكنه في مسألة الإمامة ومذاهب الرافضة عموما يلقي كل ذلك وراء ظهره ويتبع ما يلقى إليه من رؤوس الضلالة أئمتهم هؤلاء. أما عن العاطفة فمعلوم أن اليهود استعملوا عاطفة حب آل النبي صلى الله عليه وسلم فأسسوا مذهب التشييع الذي خرج منه فيما بعد رفضا كاملا. والمقصود هنا البيان بأن آخر الناس كلاما عن التحلل من قيود التقليد والعاطفة هم الرافضة هؤلاء.(66/149)
ثم أشار في الهامش (1/257) إلى ما ذكر في نهج البلاغة وشرحه لابن أبي الحديد مما افترته الرافضة هؤلاء على عائشة رضي الله عنها من معاداتها لعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين، ونحن نتحداهم بكشف إسناد صحيح لأي من تلك السخافات والافتراءات هناك المنسوبة إلى علي رضي الله عنه وغيره، فأين الحجة في ذلك على أهل السنة يا جاهل! هذا مع أن من رجع إلى شرح نهج البلاغة إلى بعض المواضع التي أشار إليها (2/457) وجد أن ابن أبي الحديد الرافضي المعتزلي هذا قد قرر براءة عائشة رضي الله عنها مما قذفت به أولا ثم جعل سبب الجفاء بينها وبين فاطمة رضي الله عنها سبب طبيعي، فقال: ( ومن المعلوم أن ابنة الرجل إذا ماتت أمها وتزوج أبوها الأخرى كان بين الابنة وبين المرأة كدر وشنئان، هذا لا بد منه لأن الزوجة تنفس عليها ميل الأب والبنت تكره ميل أبيها إلى امرأة غريبة كالضرة لأمها بل هي ضرّة على الحقيقية.... – إلى أن قال – ثم اتفق أن رسول الله صلى الله عليه وآله مال إليها وأحبها فازداد ما عند فاطمة بحسب زيادة ميله وأكرم رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة إكراما عظيما أكثر مما كان الناس يظنونه ). فهذا كلام أحد فرسانهم وأئمتهم فيه إقرار بمكانة عائشة العظيمة من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرئة لها من عداوة فاطمة، بل تصريح بأن سبب الجفاء بينهما هو التسابق لنيل محبة رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، فلتقطع بعد ذلك ألسنة مثل هذا الدجال عبد الحسين.
وكذا في الموضع الآخر الذي أشار إليه ( 2/497) ردّ فيه ابن أبي الحديد بعض مطاعن الرافضة في عائشة رضي الله عنها فليراجع حنى يعلم مدى تزوير عبد الحسين هذا لكلام من يحتج بهم فالله المستعان.(66/150)
ثم تردى عبد الحسين هذا في الهاوية أكثر فاتهم عائشة أنها ممن بهت مارية واتهمتها بالفحشاء، مستندا على ما أخرجه الحاكم في ( مستدركه ) (4/39) من أن مارية رضي الله عنها قد اتهمت بابن عمّ لها وأن عائشة كانت ممن أيد ذلك وروجته، ومن كان عنده أدنى حظ من علم الأسانيد – لا مثل هذا الخرف عبد الحسين – ورجع إلى المستدرك لعلم بسقوط هذا الخبر وعدم صحته بالمرة إذ أن في إسناده سليمان بن الأرقم أبو معاذ البصري مولى الأنصار، وهو ضعيف بالاتفاق، وقال عنه أبو حاتم والدارقطني والترمذي وغيرهم: متروك الحديث. فلا يلتفت إلى أحاديث هؤلاء المتروكين إلا من ترك هدى الله وأقبل على خطوات الشيطان مثل صاحبنا هذا.ثم أن الخبر ليس فيه أن براءتها كانت على يد علي كما زعم، بل فيه أن عليا أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب عنق ابن عمّها فذهب علي فعلا وهمّ بذلك لولا أن الله حال بينه وبين ما أراد – على حدّ زعم الرواية – فحتى هذا الخبر الساقط لم يسلم من تزوير عبد الحسين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد زعمت الرافضة أن الآيات التي في سورة النور- وفيها براءة عائشة رغم أنوفهم- نزلت في مارية القبطية وما قذفت به مع ابن عمها استنادا الى ذلك الخبر المكذوب، وحسبنا نقضا لكلامهم كلام صاحبهم ابن أبي الحديد في شرحه نهج البلاغة إذ قال وهو يتحدث عما بهتت به عائشة وعن براءتها في سورة النور: ( وقوم من الشيعة زعموا أن الآيات التي في سورة النور لم تنزل فيها وإنما نزلت في مارية القبطية وما قذفت به مع الأسود القبطي – ثم قال: - وجحدهم لإنزال ذلك في عائشة جحد لما يعلم ضرورة من الأخبار المتواترة ) إ.ه (3/442). فما الذي حمل عبد الحسين على الإعراض عن كل هذا إلا العصبية والهوى المجرد.(66/151)
ثم عمد عبد الحسين هذا إلى نصوص القرآن التي فيها ذنب لمن ناصبها العداء وهي عائشة رضي الله عنها وتأول هذه القصة بأنواع التأويلات الباطلة فأشار الى ما أخرجه البخاري في (صحيحه ) (6/194) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها، فواطيت انا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له أكلتَ مغافير إني أجد منك ريح مغافير، قال: لا ولكنّي كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا ). ونحن أهل السنة نقول: - كما قال شيخ الإسلام في رده على ابن المطهر (2/183-185)- أصحاب الذنوب الذين تابوا منها رفع الله درجاتهم بالتوبة وليس من شرط الفاضل أن لا يذنب فإن هذا من حماقات الرافضة هؤلاء. أما أهل السنة فهم القائمون بالقسط شهداء لله وقولهم حق وعدل ولا يردون خبرا صحيحا لمنافاته ما يريدون كما لا يغالون في إثبات ما يصلهم بخلاف من عداهم من أهل البدع وأخصهم الرافضة هؤلاء، ثم أن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم من الخطأ، بل ولا من الذنب، وإذا كان هذا أصل عند أهل السنة فيقولون ما ذكر عن الصحابة من السيئات كثير منه كذب – كما رأينا في صنيع عبد الحسين هذا- وكثير منه كانوا مجتهدين فيه ولكن لا يعرف كثير من الناس وجه اجتهادهم، وما قدر أنه كان فيه ذنب من الذنوب لهم فهو مغفور لهم إما بتوبة وإما بحسنات ماحية وإما بمصائب مكفرة وإما بغير ذلك فإنه قد قام الدليل الذي يجب القول بموجبه أنهم من أهل الجنة فامتنع أن يفعلوا ما يوجب النار لا محالة وإذا لم يمت أحدهم على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم للجنة، فقصارى ما يقال أن هذا من أخطاء عائشة وحفصة رضي الله عنهما فإنهما ليستا معصومتين، وحتى لا يفرح الشيعة بهذا نقول أن له ما يشبهه تماما عند علي رضي الله عنه الذي تزعم الشيعة عصمته، وهو ما أخرجه البخاري (7/47)، وابن ماجة (1998) من قصة(66/152)
خطبة علي ابنة أبي جهل على فاطمة وقيام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا، فقال: ( إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا عليا ابنتهم وأني لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم فإن فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ).
فإن كان هذا الموسوي يزعم إقامة الحجة على أهل السنة فليجب عن فعل علي هذا فهو تماما الجواب عن فعل عائشة وحفصة المتقدم، وإن كان يزعم أن هذا لم يثبت عندهم بل عند أهل السنة فقط فالأول مثله تماما، وكُسِرت بذلك شوكته والحمد لله، وقد تقدم تفصيل مذهب أهل السنة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بما يتوافق مع كل هذه النصوص ولا يضرب بعضها ببعض.
ثم إنا نقول على تقدير أن يكون هناك ذنب لعائشة وحفصة فيكونان قد تابتا منه، وهذا ظاهر من قوله تعالى: ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) فدعاهما الله تعالى إلى التوبة وأنها تنفعهم فلا يظن بهما أنهما لم يتوبا مع ما ثبت من علو درجتيهما وانهما زوجتا نبيا في الجنة وأن الله خيّرهن بين الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك حرّم عليه أن يستبدل بهن غيرهن وحرّم عليه أن يتزوج عليهن ومات عنهن وهن أمهات المؤمنين بنص القرآن، ثم أنهما لو لم تتوبا لنقل ذلك وعرفه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أيضا نظير موقف علي رضي الله عنه حين أراد خطبة بنت أبي جهل فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما تقدم فلا يظن به رضي الله عنه بعد ذلك أنه ترك الخطبة في الظاهر فقط بل تركها بقلبه وتاب عمّا كان طلبه وسعى فيه، فأي جواب يضعه الشيعة عن موقف علي هذا نضعه نحن بعينه عن موقف عائشة وحفصة ولا فرق، ولله الحمد على دفع الباطل وأهله.(66/153)
ثم قال عبد الحسين هذا: (ولا تنس نزولها على حكم العاطفة يوم زفت أسماء بنت النعمان عروسا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت لها: إن النبي ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له: أعوذ بالله منك، وغرضها تنفير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عرسه وإسقاطه هذه المؤمنة البائسة من نفسه، وكأن أم المؤمنين تستبيح مثل هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترويجا لغرضها حتى ولو كان تافها أو كان حراما ).. قلت: قاتل الله كل من يطعن بعائشة رضي الله عنها مثل هذا الطعن المستند إلى الأكاذيب، ثم تفسيرها بالهوى القبيح والأغراض التافهة والمحرمة. والقصة المزعومة هذه عزاها في الهامش (4/258) للحاكم (4/37)، وابن سعد (8/104)، وقد أخرجها كلاهما من حديث أبي أسيد الساعدي وإسناده واهٍ كما قال الذهبي في (تلخيصه) الذي أخفاه عمدا هذا الدجال عبد الحسين فهو من طريق هشام بن محمد بن السائب الكلبي، قال الدارقطني وغيره: متروك، وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة، وقال الذهبي في (الميزان): لا يوثق به. ومع سقوط سنده ففيه – كما يتضح من مراجعة لفظ في مظانه تلك – أن القائلة هي إما عائشة أو حفصة، فمن أين قطع عبد الحسين هذا أنه قول عائشة، هذا مع سقوط ثبوته كما تقدم. ومن باب قطع الطريق على هؤلاء الرافضة الضُّلال نقول: إن القصة لها إسناد آخر عند ابن سعد قبل هذا وفيها أن القائلة بذلك القول لأسماء هي إحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتعين من هي، لكن إسنادها أيضا واهٍ بل هو أوهى من السابق فلا نشك في وضعه، إذ هو من طريق هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه، وهشام قد تقدم أنه متروك، أما أبوه فهو متهم بالكذب كما في (التقريب) وهذا ما يجعلنا نقطع بكذب هذه القصة من أساسها، فلا حجة فيها علينا بعد ذلك ولله الحمد.(66/154)
ثم قال: ( وكلفها صلى الله عليه وآله وسلم مرة بالاطلاع على امرأة مخصوصة لتخبره عن حالها فأخبرته – إيثارا لغرضها – بغير ما رأت ) وعزاه في الهامش (5/258) لإبن سعد في طبقاته، وهو واهٍ بمرة إن لم يكن مكذوبا موضوعا، إذ هو من طريق محمد بن عمر – وهو الواقدي – ثنى الثوري عن جابر عن عبد الرحمن بن سابط قال، والواقدي متروك وقد كذبه بعضهم، وجابر هذا هو ابن يزيد الجعفي وهو رافضي ضعيف وقد كذبه بعضهم أيضا وتقدمت ترجمته ضمن الرواة المئة برقم (13)، هذا مع كون الخبر مرسلا غير موصول كما ترى، فما الحجة فيه بعد ذلك؟
ثم قال: ( وخاصمته صلى الله عليه وآله وسلم يوما الى أبيها – نزولا على حكم العاطفة – فقالت له: اقصد، فلطمها أبوها حتى سال الدم على ثيابها ) وعزاه في الهامش (6/258-259) للكنز، وللغزالي في كتابيه (الإحياء) و(مكاشفة القلوب ). قلت: وهو في (الكنز) برقم (37782) معزوا للديلمي، وقد تقدم في (ج1/382) بيان اصطلاح صاحب الكنز الذي بينّه في مقدمته (1/10) بأن ما عُزي للديلمي فإنه ضعيف لا يثبت، ومع هذا فلم يبين لنا هذا الموسوي إسناده حتى يحتج به علينا. وأما نقله من الغزالي فمن المعلوم أن الغزالي لا يراعي صحة السند ولا حتى ذكر مخرج الحديث لذا فلا يمكن الاحتجاج بأخباره حتى نعلم طريقها ونستيقن صحتها، ومع هذا فقد كفانا الحافظ العراقي – رحمه الله- مؤونة ردّ هذا الحديث إذ قال في تخريجه لأحاديث الإحياء – وهو في هامش الإحياء (2/43)-: ( أخرجه الطبراني في الأوسط، والخطيب في التاريخ من حديث عائشة بسند ضعيف ) فها نحن نذكر بينه – بتوفيق الله- على وهن أحاديثه هذه.(66/155)
ومثله الحديث المزعوم بعده الذي ذكره بقوله: ( وقالت له مرة في كلام غضبت عنده: أنت الذي تزعم أنك نبي الله ) وعزاه في الهامش (7/259) للغزالي أيضا في نفس الموضوعين السابقين، وقد بيّن حاله الحافظ العراقي فقال في تخريجه أيضا (2/43): ( أخرجه أبو يعلى في مسنده وأبو الشيخ في كتاب الأمثال من حديث عائشة، وفيه ابن إسحاق وقد عنعنه ) قلت: وهو عند أبي الشيخ في ( الأمثال ) ( برقم 56) وفيه علّة أخرى إضافة لعنعنة ابن إسحاق فقد رواه عن ابن إسحاق سلمة بن الفضل الأبرش وفيه ضعف، وقد تقدم تفصيل حاله ضمن الرواة المئة (برقم34)، كما أن فيه إبراهيم بن محمد الحارث شيخ أبي الشيخ ولم أجد له ترجمة ولا يمكن أن يكون هو أبو إسحاق الفزاري الحافظ إذ هذا قد توفي سنة (185) وأبو الشيخ ولد سنة (275) أي بعد وفاته بتسعين عاما، والله أعلم، والمهم أن هذا الحديث فيه أكثر من علة نضربها بوجه من يحتج به يريد أن ينتقص من عائشة رضي الله عنها مثل هذا الدجال عبد الحسين وأتباعه.
أما الفقرة الثانية من مراجعته هذه فقد تعرض فيها لمسألة التحسين والتقبيح هل هما عقليان أم شرعيان؟ وقرر فيها – كما هو مذهب أئمته من الرافضة الذي تابعوا فيه أسيادهم من المعتزلة0 أنهما عقليان، لكنه زعم – على لسان شيخ الأزهر – أن أهل السنة يقولون بالتحسين والتقبيح الشرعيين، وهذا من أدلة كذب هذه المراجعات فإن مثل شيخ الأزهر سليم البشري – رحمه الله – لا يتصور أن يخفى عليه أن التحسين والتقبيح الشرعي هو مذهب الأشعرية ووافقهم فيه بعض الفقهاء وليس هو مذهب جميع من انتسب إلى أهل السنة، بل أن فيمن انتسب إلى أهل السنة من وافق المعتزلة وهم أكثر ممن وافق الأشعرية، والإثنان لا يمثلان مذهب أهل السنة والجماعة اتباع السلف الصالح كما سيأتي تفصيله.(66/156)
وابتداء نقول: أن النزاع بين الطائفتين في الحسن والقبح إنما هو بمعنى استحقاق فاعل الأول للمدح والثواب عند الله، واستحقاق فاعل الثاني للذم والعقاب عند الله، لا بمعنى ملائمة الأول للطبع وموافقته له ومنافرة الثاني للطبع وعدم موافقته له فإنها بهذا الاعتبار لم يختلف في كونهما عقليين. وأحسن من فصّل ذلك وبينه بالأدلة العقلية والنقلية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كثير من كتبه وبين فيها مذهب أهل السنة والجماعة بما يقطع ألسنة مثل هؤلاء الضالين المبتدعين – انظر (مجموع الفتاوى ) (8/90-93، 309-311، 431-436) (17/198-203) (18/147) (20/37-38) – ونحن نفصل ذلك بما ننتقيه من كلامه طلبا للاختصار، ومن أراد الاستزادة فليراجع تلك المواضع المشار إليها، فنقول:
الناس في هذا المقام على ثلاثة أصناف: طرفان ووسط، وبيان ذلك..
1-الطرف الأول: المعتزلة ومن وافقهم من أصحاب الأئمة الأربعة، وهو قول جمهور الرافضة، يقولون أن الحسن والقبح عقليان لا شرعيان، وأنهما صفات ذاتية للفعل لازمة له وليس الشرع إلا كاشفا عن تلك الصفات من الحسن والقبح، وأن كل ما استحسنه العقل فهو عند الله حسن وكل ما استقبحه العقل فهو عند الله قبيح، وهذا باطل إذ لازمه قياس الخالق على خلقه فما حَسُن من المخلوق فحسن من الخالق وما قبح من المخلوق قبح من الخالق وهؤلاء هم مشبهة الأفعال – كما سمّاهم شيخ الإسلام – يشبهون الخالق بالمخلوق والمخلوق بالخالق في الأفعال وهو باطل كما أن تشبيه الخالق بالمخلوق والمخلوق بالخالق في الصفات باطل. وقد مرّ بنا في المراجعة (50) تصريح هذا الدجال عبدا لحسين بأصلهم الفاسد هذا وهو قياس أفعال الله على خلقه فحرّموا عليه ما يحرم على العباد، نعوذ بالله من هذا القول.
وأصحاب هذا الرأي هم القائلون بأن بعثة الرسل وبلوغ دعوتهم ليست شرطا في التكليف بل عندهم أن العقل لوحده مستقل بمعرفة الأوامر والنواهي ومن ثم يلزمهم القول(66/157)
بمؤاخذة حتى من لم تبلغه دعوة الرسول، ومعلوم مناقضة هذا لقوله تعالى: ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وقوله: ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وقوله: ( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا )، وغير ذلك.
2- الطرف الثاني: هم الجهمية الجبرية والأشاعرة ومن وافقهم من أصحاب الأئمة الأربعة، يقولون أن الحسن والقبح شرعيان لا عقليان، وأن الفعل لا يوصف بحُسن ولا قُبح إلا إذا ورد في الشرع ذلك، ولا معنى للفعل الحسن إلا مجرد تعلق الأمر به، ولا معنى للفعل القبيح إلا مجرد تعلق النهي به، وأن الأفعال لا تشتمل على صفات هي علل وأحكام بل أن الله تعالى يأمر بالشيء لمجرد الأمر وينهى عن الشيء لمجرد النهي لا لحكمة ولا لمصلحة. ولا يخفى بطلان هذا القول ومخالفته للكتاب والسنة والإجماع وصريح العقل، إذ لازمه أنه يجوز أن يأمر الله بالشرك وينهى عن عبادته وحده، وأن يأمر بالظلم والفواحش وينهى عن البر والتقوى.
والفقهاء وجمهور المسلمين يقولون: الله حرم المحرمات فحُرّمت، وأوجب الواجبات فوجبت، فمعناه شيئان: إيجاب وتحريم، وذلك كلام الله وخطابه، والثاني وجوب وحرمة وذلك صفة للعمل، والله تعالى عليم حكيم، علم بما تتضمنه الأحكام من المصالح فأمر ونهى لعلمه بما في الأمر والنهي والمأمور والمحضور من مصالح العباد ومفاسدهم.
3- القول الثالث وهو الوسط بين الطرفين: وهو ما عليه أهل السنة والجماعة وهو الحق البيّن وذلك أن نعلم أن الحكمة الناشئة من الأمر ثلاثة أنواع:(66/158)
النوع الأول.. أن يكون الفعل مشتملا على مصلحة أو مفسدة ولو لم يرد الشرع بذلك مثل العدل والإحسان اللذين مثل بهما عبد الحسين هنا وجعل كل الأفعال مثلها سواء وهو جهل منه وتلبيس كما سيتبين بالنوعين الثاني والثالث، لذا تراه لم يستطع أن يمثّل على ذلك بغيرهما. وهذا النوع الأول وإن كان فيه مصلحة أو مفسدة لكن لا يلزم منه أن يثاب فاعل المصلحة ويعاقب فاعل المفسدة عند الله إذا لم يرد بذلك شرع وهذا مما غلط فيه غلاة القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين، بل قد صرحوا كما فعل هذا الموسوي هنا بأن ما حكم به العقل حكم به الشرع وجعلها قاعدة مطردة، ويا ويلهم من الله حين صرفوا الحكم من الله إلى العقل، فالله يقول ( إن الحكم إلا لله ) وهؤلاء يقولون ما حكم به العقل حكم به الله، والله يقول ( والله يحكم لا معقب لحكمه ) وهؤلاء يقولون لا نقبل حكم الشرع حتى تجيزه عقولنا، فأُفّ وتٌفَّ لمثل هذه العقول التي فيها أنها الحاكمة على خالقها وموجدها بعد أن لم تكن.
ويكفي لردّ قول هؤلاء ما سبق أن قررناه خلال الكلام على الطرف الأول من أن الله جعل حجته على عباده التي يؤاخذهم بها هي دعوة رسله وبلوغها لا عقول الآدميين هؤلاء ولا غيرهم.(66/159)
النوع الثاني.. أن الشارع إذا أمر بشيء صار حسنا وإذا نهى عن شيء صار قبيحا، فقد اكتسب الفعل صفة الحسن والقبح بعد ورود الشرع لا قبله، ومعنى هذا النوع أن هناك من الأفعال ما لا يستقل العقل بادراك حسنه أو قبحه حتى يعلمه الشرع بذلك لا أن العقل يقطع بحسن فعل ما ثم يأتي الشرع فيبين قبحه على خلاف ما قام في العقل عنه، فإن مثل هذا لا وجود له البتة كما لا يخفى. ومثال النوع الثاني هذا معظم العبادات التي فرضها الله سبحانه، فإن العقل بمجرده لم يكن ليدرك حسنها على ما هي عليه حتى ورد الشرع بها، وهذا مما يبطل قول المعتزلة ومن تابعهم من الرافضة هؤلاء فإنهم محجوجون بذلك إذ يقرون أن عقولهم لم تكن لتدرك حسن هذه الشعائر حتى ورد بها الشرع، وهو حجة لخصومهم عليهم من الأشاعرة وغيرهم، لكن خصومهم هؤلاء أخطئوا حين جعلوا الحكمة في الأوامر والنواهي كلها من هذا النوع وغفلوا عن النوعين الآخرين، اللذين هدى الله لهما أهل السنة والجماعة بفضله ومنّه.
النوع الثالث.. أن يأمر الشارع بشيء لا لمصلحة فيه وينهى عن شيء لا لمفسدة فيه بل لمجرد الابتلاء والامتحان للعبد هل يطيعه أم يعصه، بمعنى أن الحكمة ليست في نفس المأمور بل في الأمر فقط وليست في نفس المنهي عنه بل في النهي فقط. ومثل هذا النوع يكفي فيه مجرد اعتقاد العبد للوجوب وعزمه على الفعل، فإذا حصل ذلك فقد حصل المقصود بالأمر فينسخه الله إن شاء كما حصل لإبراهيم عليه السلام حين أمره بذبح ولده مع أن لا مصلحة في نفس الذبح بل المصلحة في الامتحان والابتلاء فقط فلما اعتقد إبراهيم وجوب ذلك عليه وعزم على الفعل حصل المقصود فنسخه الله سبحانه وفداه بذبح عظيم.(66/160)
فهذا النوع والذي قبله لم يفهمه المعتزلة والرافضة وزعموا أن الحُسن والقُبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك بدون أمر الشارع، والأشعرية ادعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان وأن الأفعال ليست لها صفة قبل الشرع ولا بالشرع، وأما الحكماء والجمهور فأثبتوا الأقسام الثلاثة، وهو الصواب.
ثم قول عبد الحسين في آخر هذه الفقرة: ( ولولا سلطان العقل لكان الاحتجاج بالنقل مصادرة، بل لولا العقل ما عبد الله عابد ولا عرفه من خلقه كلهم واحد، وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى مظانه من مؤلفات علمائنا الأعلام ) يدل على مذهبه الفاسد في تعظيم شأن العقل، وهو ما أخذته الرافضة من المعتزلة فهم الأصل في هذه الضلالة، وليس هذا موضع تفصيل الرد عليه بل نكل الرد عليه إلى أعظم من تكلم في هذه المسألة وردّ على أصحاب هذا القول بحجج عقلية واضحة جلية ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وذلك في أعظم مؤلف من مؤلفاته حتى قال عنه تلميذه ابن القيّم ( كتاب لم يطرق العالم له نظير في بابه فإنه هدم فيه قواعد أهل الباطل من أسها فخرت عليهم سقوفه من فوقهم، وشيد فيه قواعد أهل السنة والحديث وأحكمها ورفع أعلامها... )- طريق الهجرتين (ص195) – ذلكم هو كتاب (درء تعارض العقل والنقل ) أو المسمى ( موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ) وقد طبع بتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم في أحد عشر مجلدا، فليراجع.
ثم ساق في الفقرة الثالثة هنا عددا من الأخبار الساقطة الواهية التي فيها الزعم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ورأسه في حجر علي رضي الله عنه، وسنبين أنها جميعا لا تقوى على معارضة الأخبار الصحيحة الثابتة التي فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ورأسه في حجر عائشة رضي الله عنها رغم أنوف الرافضة، ولا يزعم هذه المعارضة إلا الجهلة أو المغرضين، وإليك التفصيل:(66/161)
أول ذلك ما أخرجه ابن سعد في (الطبقات) (2/ق2/51) عن علي قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ادعوا لي أخي، فأتيته فقال: ادن مني، فدنوت منه فاستند إلي فلم يزل مستندا إلي وأنه ليكلمني حتى أن بعض ريقه ليصيبني، ثم نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ).
قلت: هذا من أدلة هذا الجاهل المكررة إذ قد احتج به في المراجعة (34) وبينا خلال الرد على تلك المراجعة (ج1/406-407) أنه مكذوب مختلق، وأن هذا الموسوي قد قام بإخفاء تعقيب صاحب الكنز على الحديث بالضعف مع أنه قد أشار إليه في هامشه، فليراجع.
ثم قال: ( وأخرج أبو نعيم في حليته وأبو أحمد الفرضي في نسخته وغير واحد من أصحاب السنن عن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم –يعني حينئذ –ألف باب كل باب يفتح ألف باب ) وعزاه في الهامش (9/260) لكنز العمال.(66/162)
قلت: ذكره في (الكنز) (36372) وعزاه لأبي أحمد الفرضي في (جزئه ) وأبي نعيم في (الحلية)، وقد بحثت عنه طويلا في (الحلية) فلم أجده، وقد بين صاحب الكنز شيئا من إسناده فقال: ( فيه الأجلح أبو حجية، قال في المغني: صدوق شيعي جلد ) وذكره أيضا برقم (36500) من رواية ابن عباس وعزاه للإسماعيلي في (معجمه) وأعلّه بالأجلح أيضا. ومع عدم معرفتنا لإسناده فإن وجود الأجلح الشيعي في مثل هذا الخبر مع ما فيه من كلام، يمنع قبوله كما مرّ في قواعد المصطلح (ج1/248-250) في ردّ رواية المبتدع ما يقوي بدعته. وقد جاء هذا اللفظ أيضا من حديث عبد الله بن عمرو، أخرجه ابن حبّان في (المجروحين) (2/21) ونقله الذهبي في (الميزان) (2/482-483)، والكناني في ( تنزيه الشريعة ) (1/386) وعزاه لابن عدي، ونقله عنه أيضا في (الميزان) (1/624)، وهو عند ابن الجوزي في (العلل) (1/217-218)، وهو نفس الإسناد الذي ذكره هذا الموسوي في الهامش (17/262)، وهو ضعيف ساقط فيه ابن لهيعة وقد تقدم حاله ضمن الرواة المئة برقم (50)، وقد عدّه علة الحديث وضعفه به ابن عدي وابن حبان والذهبي وغيرهم، فلا حجة بعد ذلك في هذا الخبر لعدم ثبوته..
ثم قال: ( وكان عمر بن الخطاب إذا سُئل عن شيء يتعلق ببعض الشؤون، لا يقول غير، سلوا عليا، لكونه هو القائم بها، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري أن كعب الأحبار سأل عمرا فقال: ما كان آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال عمر: سل عليا، فسأله كعب، فقال عليّ: أسندت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى صدري فوضع رأسه على منكبي فقال: الصلاة الصلاة، قال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أمروا وعليه يبعثون، قال كعب: فمَن غسله يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: سل عليا، فسأله فقال: كنت أنا أغسله، ... ) الحديث.(66/163)
قلت: أما ما ادعاه على عمر رضي الله عنه فكذبٌ ظاهرٌ لا يخفى على من عرف سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما عرف به من الفطنة والعلم الذي قرره له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ( رأيت كأني أتيت بقدح لبن شربت حتى أني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم ناولت فضلي عمر ) فقالوا: ما أولت ذلك رسول الله؟ قال: (العلم ) – أخرجه البخاري (1/29)، ومسلم (4/1859-1860) وغيرهما – فمثل هذا لا يحتاج إلى الرجوع إلى غيره في غالب المسائل إلا من باب المشاورة وهو أمر مشروع يمدح فاعله لا على أنه قليل العلم محتاج لغيره كما تزعمه الرافضة هؤلاء.
وأما الحديث المزعوم عن جابر فقد أخرجه ابن سعد في (الطبقات) (2/ق2/50-51) وهو واه جدا إن لم يكن موضوعا ففي إسناده محمد بن عمر الواقدي وهو متروك وقد كذبه بعضهم، وفي الإسناد أيضا حرام بن عثمان الأنصاري وهو متروك أيضا، بل قد قال الشافعي: الرواية عن حرام حرام، وكذا قال ابن معين والجوزجاني – انظر (الميزان) (1766) -.(66/164)
ومن راجع نص الرواية عند ابن سعد أو في (الكنز) (18789) – وهما اللذان أشار إليهما هذا الموسوي في هامشه (10/261) – علم أن نص الرواية فيه خطاب كعب لعمر بلقب (أمير المؤمنين ) فقال: ( يا أمير المؤمنين ما كان آخر ما تكلم... )، لكن هذا يدلل على مقدار بغضه لعمر وأنه لا يستطيع أن يذكره بهذا اللقب حتى في رواية هي حجة له، وهذا من تمام هروب الشيطان وأعوانه من عمر كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجّا إلا سلك فجّا غير فجّك ) – أخرجه البخاري (3294)، ومسلم (2396) وغيرهما كثير – فليس فعله هذا إلا دليلا على كونه من أعوان الشيطان أولا، وعلى انعدام الأمانة في نقله ثانيا، التي كررها كذلك حين كتم تضعيف صاحب الكنز لهذا الحديث مع أنه عزاه إليه، إذ قال صاحب الكنز في تخريجه (ابن سعد، وسنده ضعيف ) فكتم ذلك هذا الموسوي جزاه الله بما يستحقه ونحمد الله على التوفيق في إظهار كذبه ودجله.
ثم قال عبد الحسين: ( وقيل لإبن عباس: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: نعم توفي وأنه لمستند الى صدر علي، فقيل له: ان عروة يحدث عن عائشة أنها قالت: توفي بين سحري ونحري، فأنكر ابن عباس ذلك قائلا للسائل: أتعقل؟ والله توفي رسول الله وانه لمستند الى صدر علي، وهو الذي غسّله... ) الحديث.
قلت: وقد عزاه في الهامش (11/261) ابن سعد وكنز العمال، وقد ذكره صاحب الكنز (18791) وقال (وسنده ضعيف ) فأخفى عبد الحسين هذا التضعيف، مع أن في ذلك قصورا من صاحب الكنز إذ هو واه جدا إن لم يكن موضوعا فقد ّأخرجه ابن سعد (2/ق2/51) من طريق الواقدي أيضا وهو متروك، وقد كذبه بعضهم كما تقدم، ثم شيخه سليمان بن داود بن الحصين لم أعرف حاله إذ لم أجد له ترجمة، ومهما يكن فإن الواقدي لوحده يكفي لسقوط إسناده ورده ولله الحمد.(66/165)
ثم قال: ( وأخرج ابن سعد بسنده الى الامام أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين، قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأسه في حجر علي )
قلت: وهذا لا حجة فيه علينا أبدا إذ هو قول تابعي لم يدرك ما يرويه لتأخره هذا أولا، وثانيا إسناده ساقط فهو أيضا من طريق الواقدي المتروك – انظر (طبقات ابن سعد) (2/ق2/51) -.
فجميع الأخبار التي ساقها هنا هي من رواية ابن سعد عن الواقدي المتروك ذاك، هذا مع أن ابن سعد كان قد ساق قبل ذلك (2/ق2/49-50) أحاديث وفاته صلى الله عليه وسلم في حجر عائشة وهي فوق أنها أصح إسنادا بل هي التي أنها الأصح عنده. ثم إنا نسأل عن السبب الذي دعا عبد الحسين هذا ليعرض عنها إلى الأخبار الواهية بعدها، وهو لا يكون إلا هواه وعصبيته وإلا فليس الإعراض عنها لسقوط إسناده كما نفعل نحن مع إخباره إذ لم يفعل ولن يستطيع لعلمه أن لا حجة له بذلك هو وقبيله أجمعين والحمد لله ربّ العالمين.
ثم قال: ( والأخبار في ذلك متواترة عن سائر أئمة العترة الطاهرة، وأن كثيرا من المنحرفين عنهم ليعترفون بهذا حتى أن ابن سعد أخرج بسنده إلى الشعبي قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأسه في حجر علي، وغسله علي ). قلت: هاهو يعود الى مثل هذا النوع من الكذب بادعائه التواتر وليس له برهان وإلا فليظهره، فإن الله سبحانه علمنا في المحاججة أن نقول ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) فعلم أن من لم يأت ببرهان فهو كاذب. وإن ادعى أحد أن ما سبق من الأدلة هو البرهان فقد وفقنا الله سبحانه لكشف كذبها جميعا وسقوطها عن الاحتجاج.(66/166)
أما ما نسبه إلى الشعبي نقلا عن ( طبقات ابن سعد ) (2/ق2/51) فهو ساقط أيضا إذ هو كذلك من رواية الواقدي المتروك كما يعلم من يراجعه في موضعه ذاك. ثم ذكر هذا المخذول عبد الحسين حجتين أوهى من بيت العنكبوت، هما كلام لعلي رضي الله عنه – ونحن نقطع بعدم ثبوته عنه – نقلهما من كتابهم (نهج البلاغة ) وهو بذلك يريد أن يحتج بهما على أهل السنة، ونحن حتى إذا تغاضينا عن الكتاب وعن سقوطه بالكلية عندنا، فلم نجده يذكر لكل ما ينقله إسنادا واحدا يمكن أن يقرر بعد ذلك ثبوت المنقول، فنحن نبقى نتحداهم – كما قلنا – بكشف إسناد واحد صحيح لكل ما يدعونه هناك، ورحم الله ابن المبارك حين قال: ( لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ).
ثم قال: ( وصح عن أم سلمة أنها قالت: والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم، عدناه غداة وهو يقول: جاء علي، جاء علي، مرارا، فقالت فاطمة: كأنك بعثته في حاجة؟ قالت: فجاء بعد، فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت وقعدنا عند الباب، قالت أم سلمة: وكنت من أدناهم إلى الباب، فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يساره ويناجيه، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك، فكان علي أقرب الناس به عهدا ).
قلت: هذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف ) (12/57) برقم (12115)، ومن طريقة الإمام أحمد في (المسند) (6/300)، ومن طريقه أيضا الحاكم في (المستدرك) (3/138-139)، والنسائي في (خصائص علي) – (تهذيب الخصائص) (برقم 140) – من طريق مغيرة عن أم موسى عن أم سلمة.(66/167)
وقد وقع عند الحاكم: مغيرة عن أبي موسى عن أم سلمة وهو وهم واضح لإتفاق المصادر الثلاثة الأخرى –المصنف والمسند والخصائص – على ما قلناه فضلا عما يتيقن من مراجعه الرواة في تراجمهم من ( التهذيب ). ووهم آخر عند صاحب ( كنز العمال ) فقد ذكر هذا الحديث (36459) وعزاه لابن أبي شيبة لكنه جعله من رواية فاطمة الزهراء عن أم سلمة، وهو خطأ أيضا يعرف من مراجعة سنده في (المصنف ) لابن أبي شيبة، كما قلناه سابقا، وإذا كان كذلك فإسناده هذا ضعيف لا يثبت به حجة من أجل حال أم موسى هذه وهي سرية علي ابن أبي طالب، قال الحافظ في (التقريب): مقبولة. قلت: يعني حيث تتابع وإلا فهي لينة الحديث كما بينه الحافظ في (مقدمة التقريب )، وهي هنا ليس لها متابع فلا يمكن أن يصح حديثها، بل هي أقرب حال الى الجهالة فقد تفرد عنها مغيرة بن مقسم ولم يرو عنها غيره كما نص عليه الذهبي في ترجمتها من الميزان وذكرها ضمن النساء المجهولات ( 4/604-614) ولم يوجد فيها توثيق معتبر إلا ممن يوثق المجاهيل كما فعل العجلي شأنه شأن ابن حبان كما يعلمه أهل هذا العلم الشريف وإذا لم يعول أحد على توثيق العجلي هذا لها ونصوا على حالها كما قلنا، والله أعلم.
ثم قال: ( وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في مرضه: أدعو لي أخي فجاء أبو بكر، فأعرض عنه ثم قال: أدعو لي أخي، فجاء عثمان فأعرض عنه، ثم دعي له علي فستره بثوبه وأكب عليه، فلما خرج من عنده قيل له: ما قال لك؟ قال: علمني ألف باب كل باب يفتح له ألف باب ).
قلت: قد تقدم هذا الحديث والكلام عليه بنفس إسناده وتخريجه في الهامش هناك وذلك في ابتداء الكلام على الفقرة الثالثة من هذه المراجعة. وكذا ما ذكره في الهامش (17/262-263) من حديث الطبراني في مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي في غزوة الطائف قد تقدم أيضا في (ص110-111).(66/168)
ثم الخبر المزعوم في ذلك الهامش عن تناجي النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بحضور عائشة، ثم اعتراضها، لا حجة فيه أبدا علينا إذا نقله هذا الرافضي عبد الحسين من نهج البلاغة وهو عند أهل السنة لا يساوي فلسا، هذا مع أنه قد سيق هناك من غير إسناد يمكن أن يعتمد عليه، فتبقى حجتنا عليهم في ذكر البرهان على صدق ذلك، ولن يستطيعوا ذلك بإذن الله.
ثم قال: (وأنت تعلم أنه هو الذي يناسب حال الأنبياء، وذاك إنما يناسب أزيار النساء ). قلت: وهذا مما لا يعقل من كلام هذا الجاهل، فما الذي يتعارض بين حال الأنبياء وموتهم – عليهم السلام بين أهليهم وذويهم؟ وهل أن كل من مات في حجر زوجته – خصوصا وهي أحب الناس إليه – يقال عنه بأنه من أزيار النساء؟ وهل في الدنيا كلها عاقل يعترض على وفاة رجل نبياً كان أو غيره في حجر زوجته وبحضور أهله؟ لكن الهوى والعصبية مع سوء النية والمقصد-، كل أولئك دفعت هذا الدجال عبد الحسين ومن معه من الروافض لإنكار فضيلة من أعظم الفضائل لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها شأن غيرها من الفضائل الثابتة لها المقطوع بها لكنهم يكابرون العقل والحس مع مكابرتهم للنقل الصحيح كما قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( الرافضة أضعف الناس في العقليات وأكذبهم في النقليات ) وليتهم إذ حاولوا صرف هذه الفضيلة عن عائشة رضي الله عنها نسبوها لفاطمة الزهراء رضي الله عنها فإن ذلك أليق بحال وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته مع زوجاته رضي الله عنهن كلهن، فهؤلاء الرافضة مع تكذيبهم بالنقل الصحيح ذكروا أخبارا واهية، ثم هي مع سقوط سندها ليست مقبولة المعنى والفحوى.(66/169)
ثم إنا نجد في القرآن الكريم ما يؤيد ذلك، وهو حال وفاة نبي الله يعقوب عليه السلام، إذ قال تعالى ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ) فهذا نبي الله يعقوب عليه السلام تحضره الوفاة بين بنيه وذلك يدلل على حضور زوجاته من باب أولى كما لا يخفى، لكنه لا يدلل أبدا على أن أبناءه، عمومته أو خلفائه يحضرون حينها كما تدعيه الرافضة.
ثم إن ذلك لا يعني أنه صلى الله عليه وسلم – حين توفي في حجر عائشة – قد ضيع أمته وأهملهم، فإنا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم قد دخل بيته يوم وفاته مطمئنا على أمته من بعده بعد أن أمر عليهم في صلاتهم – وهي أعظم شعائر دينهم الذي بعثه الله به – خليفته الصديق رضي الله عنه، فلا يصح بعد ذلك تمثيل هذا الموسوي حين قال: (ولو أن راعي غنم مات ورأسه بين سحر زوجته ونحرها، أو بين حاقنتها وذاقنتها، أو على فخذها ولم يعهد برعاية غنمه لكان مضيعا مسوفا ) ثم تردّى عبد الحسين هذا في العصبية والدجل فقال: ( عفا الله عن أم المؤمنين، ليتها – إذ حاولت صرف هذه الفضيلة عن علي – نسبتها الى أبيها، فإن ذلك أولى بمقام النبي مما ادعت لكن أباها كان يومئذ ممن عبأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة في جيش أسامة، وكان حينئذ معسكرا في الجرف ).(66/170)
قلت: ها هو يحاول التصريح بكذب أم المؤمنين رضي الله عنها، وإني والله لأتعجب من حماقة هؤلاء الرافضة حين أتذكر أنه يوجه كلامه هذا لأهل السنة يريد –بزعمه- إقامة الحجة عليهم من كتبهم ثم يقول بأن صاحبتكم هذه – ويعني عائشة – كاذبة وصاحبنا – ويعني عليا – هو الصادق، لا لشيء إلا لأنهم رووا في كتبهم الشيعة أنهم كذلك دون أي برهان أو حجة عقلية مقبولة لتقديم نصوصهم على نصوص أهل السنة، بل أهل السنة عندهم ما يكشف كذب نصوصه تلك كما أسلفنا، فلا أظن أحدا من أهل السنة يرى فعله هذا إلا ويعرض عن كتابه بالكلية فإن أقل ما يوصف به – إن لم يكن ذلك الوصف ممن علم حال كتابه ومحتواه – أنه خال من النزاهة والتجرد في بحثه.
وأما زعمه بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان ممن عبأهم النبي صلى الله عليه وسلم في جيش أسامة فكذب فاضح ومخز، فإن أبا بكر قد أبقاه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يريد تقرير الخلافة له من بعده، وقد استفاض بل تواتر أنه صلى الله عليه وسلم استخلفه على الصلاة بالناس ولم يرضَ بغيره خلفا، وسيأتي تفصيل ذلك -إن شاء الله- وكشف كذب هؤلاء الرافضة في ذلك خلال الكلام على المراجعة (90) إذ جعلها هذا الموسوي أصلا في ذلك الموضوع.
ثم قال: ( وعلى كل حال فإن القول بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم وهو في حجرها لم يسند إلا إليها، والقول بوفاته – بأبي وأمي – وهو في حجر علي مسند الى كل من علي وابن عباس وأم سلمة وعبد الله بن عمرو والشعبي وعلي بن الحسين وسائر أئمة أهل البيت، فهو أرجح سندا وأليق برسول الله صلى الله عليه وسلم ).(66/171)
قلت: أما قوله ( وأليق برسول الله صلى الله عليه وسلم ) فقد تقدم نقض زعمه هذا، فهو قول لا برهان عليه ولا حجة، وأما ادعاؤه بأنه أرجح سندا فكذب لا يستحي منه وقد مضت الردود التفصيلية على كل أحاديثه المزعومة هذه (ص169-176) مما يبين سقوطها جميعا عن الإحتجاج. وقد سبق إلى ذلك أيضا الحافظ ابن حجر في (فتح الباري ) (8/176) فبعد أن ذكر الأحاديث الصحيحة والثابتة في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر عائشة رضي الله عنها قال: (وهذا الحديث يعارض ما أخرجه الحاكم وابن سعد في طرق: أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ورأسه في حجر علي، وكل طريق منها لا يخلو من شيعي فلا يُلتفت إليهم، وقد رأيت بيان حال الأحاديث التي أشرت إليها دفعا لتوهم التعصب... ) إ.ه.
ثم ساق الحافظ هذه الأحاديث ومنها التي ذكرها عبد الحسين هذا في هذه المراجعة وغيرها وبين عللها جميعا ؛ الأمر الذي يقطع معه المنصفون بكذب هذا الزعم من أساسه، حتى إن لم يكن في أسانيد بعضها كذاب لكن وجود الضعفاء في مثل هذا الخبر الذي لا يقويه إلا خير الكذابين ويعارض كذلك الأخبار الصحيحة بما لا يمكن الجمع بينها، فإن مثل هذه الأخبار عند أهل العلم بالحديث وإن كانت أسانيدها ضعيفة فقط لكن معناها ومتنها موضوع مختلق لما بينا، مع العلم بأن الحافظ ابن حجر من أبعد الناس عن التهمة بالتعصب ذلك الأمر الذي كان – رحمه الله – يحذر منه حتى إن أدّاه ذلك إلى التساهل في بعض الأخبار إلا أنه في مثل هذه الأخبار لم يفعل ذلك لوضوح بطلانها.(66/172)
أما وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر عائشة رضي الله عنا فله ألفاظه وطرق كثيرة عن عائشة عند البخاري (6/12-17)، والإمام أحمد (6/274، 220، 219)، وابن هشام في (السيرة ) (4/305)، والطبري في (التاريخ) (3/199)، وابن سعد (الطبقات) (2/ق2/49-50)، وقرره الذهبي في (التاريخ) (2/561-566)، وابن كثير في (البداية والنهاية ) (5/239-241) وحتى الحاكم رغم تشيعه روى ذلك في (المستدرك) (4/6، 7) وصححه علىشرط الشيخين ووافقه الذهبي. لكن هذا الشيعي عبد الحسين لا يعجبه ذلك فأعرض عنه، والسبب واضح في ذلك وهو موقفهم المخزي من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بل ها هو يشير إلى تكذيبه لها بقوله أن هذه الأحاديث لم تروَ إلا من طريقها، وهذا إن استطاعه على أصول الرافضة الضُلال القادحين في أم المؤمنين فلا وجه له ألبته عند أهل السنة فإنهم يقطعون بعدالة كل صحابي فكيف إذا كانت هي أم المؤمنين التي ثبت لها عند أهل السنة من الفضائل المتفردة الكثير؟
وما يمكن أن يُقام حجة على أهل السنة هو ضعف إسناد الخبر عن عائشة رضي الله عنها فقط لا غير ذلك – إذ هم لا يقدحون في عائشة كما يعلم – لكن ضعف الإسناد هذا لم يستطعه عبد الحسين هنا رغم شدة طلبه له، بل قد أخرجه بعض من عنده تشيع مثل الحاكم، فعرّج عبد الحسين الى هذه الطريقة الخبيثة. ثم أن ما ادعاه من كثرة الرواة لخبره المزعوم لا يقوله أهل العلم إلا بعد ثبوت صحة تلك الطرق، أما وقد ثبت ضعفها وسقوطها فلا يمكن الاعتداء بها ومن ثم التقرير بكثرة الرواة كما هو الحال هنا، ونحن نبقى نسألهم: ما وجه حجتكم على أهل السنة التي تلزموهم بها الإعراض عن خبر عائشة الصحيح عندهم إلى أخبار واهية ساقطة عندهم؟
ثم أشار عبد الحسين هذا في آخر مراجعته هذه إلى وجود أسباب أخرى عندهم اقتضت تقديم حديث أم سلمة على حديث عائشة وأرجأ الكلام عليها إلى المراجعة القادمة، ونحن بدورنا نرجئ الكلام إليها كذلك..(66/173)
المراجعة (77): س:
طلب شيخ الأزهر الأسباب القاضية بتقديم حديث أم سلمة على حديث عائشة عند التعارض.
المراجعة (78): ش:
سرده لمجموعة من الأسباب المزعومة في ذلك، حقيقتها والطعن بعائشة رضي الله عنها والغض من مكانتها.
الرد على المراجعة (78):
1- بيان أن لا مصلحة للشيعة مع أم سلمة سوى كون ذلك سُلَّما للطعن بعائشة رضي الله عنها.
2- بيان أن النصوص التي اعتمد عليها هنا إما مكذوبة عليها أو هي في حقيقتها من فضائلها، وقصارى ما فيها أن تكون من نوع ما أخطأت فيه رضي الله عنها كغيرها سواء، والابتداء بسرد ذلك بالتفصيل بما يدحض كل حججه هنا بمعونة الله وفضله.
لا يخفى على الناظر في هذه المراجعة بغض الرافضة وإمامهم عبد الحسين هذا لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، الذي جعلهم يلتمسون كل سبيل للطعن بها رضي الله عنها. ومن تلك السبل مدح غيرها على حسابها وتعريضا لها بالذم مثل صنيع عبد الحسين هنا في ترجيح أم سلمة على عائشة رضي الله عنها، ونحن نكاد نجزم بأن لا مصلحة لهؤلاء الرافضة مع أم سلمة سوى محاولة الطعن بعائشة من خلال مدح أم سلمة.(66/174)
والنصوص التي اعتمد عليها هنا إما مكذوبة عليها أو هي في حقيقتها من فضائل عائشة كما سنفصله، أو هي من نوع ما أخطأت فيه عائشة رضي الله عنها كغيرها سواء، بل لغيرها من الأخطاء أكثر منها وأفحش.و قد قدمنا في صفحة (158-159) مذهب أهل السنة القائمون بالقسط والعدل البعيدون عن الغلو والجفاء بأن أصحاب الجنة ليس من شرطهم سلامتهم من الخطأ والذنوب – كما زعمته الرافضة لقلّة عقولهم في أئمتهم – فما يذكر عن عائشة أو غيرها من الأخطاء، فكثير منه كانوا مجتهدين فيه ولكن لم يعرف وجه اجتهادهم إلا القليل أو هو ذنب لهم لكنه مغفور لهم لتقدم سابقتهم وفضلهم بما لا يقدح فيه مثل هذه الذنوب المقدرة، وسيتبين ذلك واضحا بإذن الله خلال استعراضنا لما سطره عبد الحسين في هذه المراجعة، وأول ذلك قوله: إن السيدة أم سلمة لم يصغ قلبها بنص الفرقان العظيم، ولم تؤمر بالتوبة في محكم الذكر الحكيم، ولا نزل القرآن بتظاهرها على النبي، ولا تظاهرت من بعده على الوصي، ولا تأهب الله لنصرة نبيه عليها وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير، ولا توعدها الله بالطلاق، ولا هددها بأن يبدله خيرا منها، ولا ضرب امرأة نوح وامرأة لوط لها مثلا، ولا حاولت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرم على نفسه ما أحل الله له ).(66/175)
قلت: هذا كله إشارة إلى حادثة سبب نزول سورة التحريم وهي ما تقدم في صفحة (158) مما أخرجه البخاري (6/194) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها، فواطيت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير إني أجد منك ريح المغافير، قال: لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحدا ) هذا سبب النزول الصحيح لهذه الآيات، وقد خلط هذا الموسوي خلطا عجيبا وسنفصله إن شاء الله، فإنه في مدحه لأم سلمة رضي الله عنها أشار إلى أن عائشة قد صغا قلبها وأُمِرَت بالتوبة، وهذا مما لا يفهم من كلام هذا الجاهل فإن معنى كونها قد صغا قلبها أي مال قلبها إلى التوبة فهو مدح لها، والأمر ليس كذلك فإن الله تعالى قال: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) والخطاب لعائشة وحفصة، والمعنى أن قلوبكما لم تصغ بعد، ولكن إن تابتا فقد صغت أي مالت إلى التوبة – انظر (تفسير ابن كثير )، و(فتح القدير ) وغيرهما – فقول هذا الجاهل ( إن السيدة أم سلمة لم يصغ قلبها )فعائشة كذلك إن قصد بقوله ( صغا قلبها ) ذما، وإن قصد مدحا فهو خلاف واقع الحال ثم هو لا يستقيم له في انتقاص عائشة رضي الله عنها، فما هذا الجهل المركب يا رافضة، والأفحش من ذلك الإدعاء بموافقة شيخ الأزهر على مثل هذه الترهات!!(66/176)
أما إن كان الكلام على دعوتها – مع حفصة – إلى التوبة مما يشعر بوجود ذنب لها، فقد قدمنا في صفحة (160) من كلام شيخ الإسلام ما يبين أن هذا من دلائل توبتها- مع حفصة – على تقدير أن يكون لهما ذنب، فتكون الآية من فضائلها في توبتها لا من معايبها، نظير قوله تعالى: ( إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما ) الذي نزل في بني حارثة وبني سلمة كما ثبت في الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال: ( وما يسرني أنها لم تنزل لقوله تعالى ( والله وليّهما ) فهي وإن كانت تشعر بوجود تقصير منهم لكنها تدل على ولاية الله لهما، وكذا قوله: ( إن تتوبا إلى الله ) وإن كانت تشعر بوجود ذنب لهما لكنها تدل على توبتها إذ لو تتوبا لكشف أمرهما هذا فوق ما هناك من الأسباب المتقدمة في صفحة (160). بل إنا نجد في القرآن الكريم ما هو أكبر من ذلك وهو قوله تعالى: ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه... ) الآية، فهل يستدل عاقل على أن ذلك دليل على ذنوب هؤلاء؟، أو قوله ( يا أيها النبي إتق الله ولا تطع الكافرين والنافقين ) فهل يقول عاقل أنه صلى الله عليه وسلم لم يتق الله وأطاع الكافرين والمنافقين؟، أو قوله ( عفا الله عنك لمَ أذنت لهم) فهل يجيز عاقل أنه يدل على ذنبه في ذلك؟
ثم ادعاؤه بأن القرآن نزل في تظاهرها على النبي صلى الله عليه وسلم، هذا فيه مغالطة عجيبة، فإن الله تعالى لم يقرر ذلك بل قال: ( وإن تظاهرا عليه … ) الآية، وهذا الشرط ذكره بعد قوله: ( وإن تتوبا إلى الله ) فهو إذن حالهما – عائشة وحفصة –إذا لم تتوبا، وقد قدمنا ما يبين امتناع عدم توبتها بعد دعوة الله سبحانه لهما فأفصح موقف التظاهر غير وارد لثبوت بدله، أو يقال هو تظاهر في هذا الأمر فقط.(66/177)
أما قوله بأنها تظاهرت على الوصي – ويعني عليا – فكذب ظاهر لم يتمكن من إثباته فعمد إلى الإشارة في الهامش (2/264) إلى الأكاذيب فقال: ( تظاهرها على الوصي كان بإنكارها الوصية إليه وبتحاملها عليه مدة حياته بعد النبي ) فأين إثبات ذلك يا كذّاب؟ وإني لأتعجب من كلامه هذا من جهتين، الأولى تسميته عليا الوصي في مخاطبته لأهل السنة مع أنهم لا يقّرون له بذلك هو الآن يريد إثبات هذا الأمر فكيف يقرره في وصفه هكذا؟ والثانية أنه المفروض أن يناقش في هذه المراجعة الأسباب التي جعلته لا يرضى بحديث عائشة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قُبض ورأسه في حجرها فلم يوصِ لعليّ، بل قدم حديث أم سلمة –المزعوم - عليها ثم من الأسباب تلك قال: تظاهرها على علي بإنكار الوصية، أليس هذا دورا قبيحا في كلامه، أي أنه لا يرضى بإنكار عائشة للوصية لأن من أسباب ذلك أنها أنكرت الوصية!! فما هذا الجهل والتخبط والتناقض؟
ثم قوله: ( ولا تأهب الله لنصرة نبيه عليها وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) مغالطة أيضا فإن الله جعل ذلك بديلا إذا لم تتوبا فقال ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) وقد قدمنا أنهما لا بد أن تكونا تائبتين بعد ذلك فلا وجه لقوله هذا كما هو واضح.
أما قوله: ( ولا توعدها الله بالطلاق ولا هددها بأن يبدله خيرا منها ) فجهل وعماء فإن أم سلمة داخلة في ذلك قطعا، أعني به قوله تعالى: ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات... ) الآية، فليس هذا خاصا بعائشة وحفصة بل هو عام في كل أزواجه صلى الله عليه وسلم كما هو واضح من سياق الآية فإن الله قال (طلقكن ) و(منكن ) وهذا عام في كل نسائه صلى الله عليه وسلم فبطل بذلك أصله بالكلية وهو ترجيح حديث أم سلمة على عائشة إذ هما مشتركتان في هذا الأصل.(66/178)
ثم لا يظنن أحد أن في ذلك انتقاصا لزوجاته صلى الله عليه وسلم فإن هذا الأمر – أي الطلاق – لم يحصل لعدم حصول مقتضاه، فعلم بذلك أن جميع زوجاته صلى الله عليه وسلم اللآتي مات عنهن لهن مثل هذه الصفات ( مسلمات مؤمنات).
ثم نوّه عبد الحسين الدجال هذا بتكفير عائشة فقال عن أم سلمة ( ولا ضرب امرأة نوح وامرأة لوط لها مثلا )و الله سبحانه قال: ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ) بينما قال عبد الحسين ضرب امرأة نوح وامرأة لوط لعائشة مثلا، أليس هذا تنويها بما تريده الرافضة من تكفير أم المؤمنين بنص كلام رب العالمين، ونحن لا نعلم أن عبد الحسين قد تاب عن قوله هذا ورجع عنه، ولذا فيحق لنا أن نتكلم عليه بمقتضى قوله هذا فنقول لعنه الله وأخزاه وهتك ستره هو وكل من يروّج لكتابه بمثل ما فيه من هذه الأقوال.
وكيف يعقل أن يضرب الله لعائشة مثلا بامرأة نوح وامرأة لوط، وهو مثل للذين كفروا ثم يقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يطلقها بل ولا يبين حالها؟
وأكثر من ذلك يمدحها ويثني عليها بما لا يثني به على غيرها، أليس هذا تناقضا مع قوله تعالى ( وأزواجه أمهاتهم )؟ فهذا نص من رب العالمين بتسمية أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمهات المؤمنين، فهذا يتضمن البراءة لهن من مشابهة أزواج أي نبي آخر إذ هذا مما اختصصن به عن سائر زوجات باقي الأنبياء عليهم السلام.
وكيف يعقل أن يضرب الله لعائشة مثلا بامرأة نوح وامرأة لوط، وهي التي أنزل الله من أجل تبرئتها آيات بينات تتلى إلى قيام الساعة؟ حذر الله سبحانه خلالها من الوقيعة بعائشة مرة أخرى فقال: (يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ).
ومن نظر في فضائل عائشة رضي الله عنها وما اختصت به علم أن قول عبد الحسين هذا لا يقوله إلا اثنان من الناس مجنون أو كاذب.(66/179)
ويكفي أن نقول للشيعة أن الله سبحانه قال في نفس تلك الآيات أيضا ( وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون.. ) الآيات فإن كنتم تقولون أن المثل المضروب للذين كفروا يخص عائشة وحفصة، فمن يا ترى يخصه المثل المضروب للذين آمنوا؟ ونظنكم ستقولون لفاطمة كما هو دأبكم، حينها نضحك عليكم ملء بطوننا لأنكم بذلك تجعلون عليا مثله هو فرعون إذا كانت امرأة فرعون مثلا لفاطمة. وما لم تقولوا ذلك يبقى هذا المثل عاما لا يراد به أحد بعينه – وهو الحق- فإنه من الممتنع أن نجد أحدا في الأمة لها مثل حال امرأة فرعون أو مريم ابنة عمران، فكذلك يكون المثل الأول لا يراد به أحدا بعينه إذ هما مثل واحد في سياق واحد فوجب اتحاد مدلوليهما.
والحق أن نقول أن هذين المثلين ضربهما الله سبحانه لنا حتى يتقرر عندنا أن أواصر الزوجية لا تجلب نفعا ولا ضرا بل كل امرئ موكول لعمله، لا يؤاخذ الله سبحانه أحدا بحساب غيره أو من أجله كما لا يثيب أحدا بعمل غيره أو من أجله، كما فعل مع امرأة نوح وامرأة لوط حين لم ينفعهما كونهما زوجتي نبيين، وكذلك الشأن مع امرأة فرعون أو مريم التي لم يكن لها زوج أصلا.
وهذه من سنن الله الثابتة التي قررها الله سبحانه أيضا بقوله: ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) وهو نظير مخاطبة النبي صلى الله عليه سلم لأعمامه وعماته وعشيرته الأقربين وحتى ابنته فاطمة حين نزل قوله تعالى: ( وانذر عشيرتك الأقربين ) فقال: ( أنقذوا أنفسكم من النار فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن لكم رحما سأبلّها ببلاها )
–أخرجه البخاري (6/140)، ومسلم (1/192) وغيرهما -.(66/180)
ثم قوله عن أم سلمة (ولا حاولت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرّم على نفسه ما أحل الله له ) يريد أن عائشة كذلك لحديث البخاري المتقدم في تحريمه صلى الله عليه وسلم العسل إرضاءا لها فنزل قوله تعالى: ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ). وما نقرّ لهذا الموسوي به من هذا أن نقول: إن غاية ذلك أن يكون ذنب لعائشة رضي الله عنها فهي غير معصومة، وقد قدمنا مذهب أهل السنة في ذلك، فمثل أخطائها هذه – رضي الله عنها – كنكتة سوداء في ثوب ناصع البياض.
لكن ما نقطع به ألسنة الرافضة وإمامهم عبد الحسين هذا أن نقول: إن هذا من أكبر الأدلة على شدة محبة النبي صلى الله عليه سلم لعائشة رضي الله عنها حتى أن حبّه لها قد تجاوز كل حد فأرشده الله سبحانه لإصلاح فعله هذا مع إقراره إياه شدة محبته لها، وهو صريح في قوله تعالى: ( تبتغي مرضاة أزواجك ) فعاد هذا من دلائل شدة محبة النبي صلى الله عليه سلم لعائشة لما اختصت به إذ أن الله سبحانه لم يقل عن تصرف النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته بأنه ابتغاء لمرضاتهم إلا في عائشة، فبماذا يحيص الرافضة بعد ذلك؟
ثم قال عبد الحسين: ( ولا قام النبي صلى الله عليه سلم خطيبا على منبره فأشار نحو مسكنها قائلا: ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة، حيث يطلع قرن الشيطان) وعزاه في الهامش للبخاري في صحيحه. وقد تقدم ذكر ذلك الجواب عليه في ابتداء الكلام عن المراجعة (74) من باب الرواية والدراية، الأمر الذي يبين سخف هؤلاء الرافضة وعدم استقامة إيمانهم في كلامهم عن عائشة، فراجع ذلك تجد الجواب من عدة أوجه واضحا بحمد الله وتوفيقه.(66/181)
ثم قال: ( ولا بلغت في آدابها أن تمد رجلها في قبلة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي – احتراما له ولصلاته – لا ترفعها عن محل سجوده حتى يغمزها، فإذا غمزها رفعتها حتى يقوم فتمدها ثانية وهكذا كانت ) وعزاه في الهامش للبخاري أيضا. قلت: ومعنى كلامه أن عائشة رضي الله عنها كانت تفعل ذلك لعدم احترامها لرسول الله صلى الله عليه وسلم – وحاشاها من ذلك- أو
لصلاته , وقد غفل هذا الجاهل عبد الحسين بأن فعل عائشة إنما كان بإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم لها على ذلك، بل أصبح ذلك من الأدلة على جواز مثل هذه الأفعال في الصلاة كما ترجم لذلك البخاري في صحيحه في الباب الذي ذكره هذا الموسوي نفسه في الهامش (7/265) فقال: ( باب ما يجوز من العمل في الصلاة). وهو نظير حديث أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها ( أنها كانت تكون حائضا لا تصلي وهي مفترشة بحذاء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي على خمرته إذا سجد أصابها بعض ثوبه ) – أخرجه البخاري أيضا (333) -.(66/182)
فكلام هذا الدجال عبد الحسين لا يخلو من أحد وجهين.. إما أن يقول بأنه وزمرته الرافضة أعرف بالحق وأغير على الحق من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكروا على عائشة أمرا أقره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يقر على باطل قطعا ولا يجوز أن يعمل تقية كذلك، أو أن يقول بالوجه الآخر وهو أن عائشة رضي الله عنها كاذبة في حديثها هذا وهو ما يريده عبد الحسين هذا ومعه كل الرافضة. ولا أدري ما وجه حجتهم في تكذيبها هنا أو في غير هذا الموضع إلا العصبية الحمقاء والبغض للصدّيقة بنت الصدّيق، وهم بذلك يقدحون في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أجازوا أن تكون زوجته كاذبة، والله سبحانه علمنا أصلا عظيما وهو أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها زوجه له وعدم تذمره منها بل كان يصرح بحبها يدل على أنها طيبة تناسبه لأنه صلى الله عليه وسلم أطيب الطيبين فلا يمكن أن يقر إلا على طيب، فقال تعالى: ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ) وهذا أكبر حجة على الشيعة في أمر عائشة رضي الله عنها إذ سبب نزول هذه الآية هو اتهام عائشة فبرأها الله سبحانه بأوجه عديدة، منها هذا الذي قدمناه بأن علمنا بأن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة يدل على أنها طيبة تناسبه ولو كانت خبيثة – كما يزعمون – لم يقرها إلا خبيث وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وحاشا أن تكون هي كذلك أيضا.(66/183)
ثم لا أدري ما وجه حجته على أهل السنة وهم يتولون عائشة فيقول لهم هذا الموسوي أن عائشة كاذبة فلا تصدقوها في نفي الوصية، لماذا؟ لأنها كذبت وقالت أنها كانت تمد رجليها في قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم!! أليس هذا جهلا مركبا، وأهل السنة على علم بحديث عائشة هذا وصحته وثبوته وصدقها فيه حتى أنهم قرروا من ذلك أصلا وهو جواز العمل اليسير في الصلاة، وجواز الصلاة الى النائم، وهذه كتب الفقه والحديث جميعا عند أهل السنة تقرر ذلك بلا استثناء فكيف يتصور أن يحجّ عبد الحسين أهل السنة بهذا الحديث؟؟ ويقره على ذلك شيخ الأزهر؟؟ هكذا فليكن الدجل والكذب إذن وإلا فلا..
ثم قوله: ( ولا أرجفت بعثمان ولا ألبت عليه ولا نبزته نعثلا ولا قالت: اقتلوا نعثلا فقد كفر ) يريد أن عائشة كذلك وهو كذاب، إذ هو من افتراء الرافضة على عائشة رضي الله عنها أرادوا تقبيح موقفها مع عثمان في نظر أهل السنة، ولو كانوا صادقين وعبد الحسين هذا منهم لكشفوا إسنادا صحيحا ثابتا لذلك.(66/184)
ولا يغني في ذلك قبول هذا الموسوي في الهامش (8/265) بأن هذا مما لا يخلو منه كتاب يشتمل على تلك الحوادث، فإن هذا كذب أيضا فهذا (تاريخ الإسلام ) للذهبي، و(البداية والنهاية ) إبن كثير، وطبقات ابن سعد كلها لم تذكر شيئا مما ادعاه عبد الحسين هذا بل لم تذكر إلا في الكتب التي تروي الغثّ والسمين والتي شأنها سياقة الروايات بالأسانيد أو بدونها أيضا، مثل ما أشار إليه هذا الموسوي في هامشه ذاك من العزو لتاريخ الطبري والكامل لابن الأثير، وهو حتى لم يذكر موضعه في الطبري فاكتفى بذكر موضعه من الكامل ومعلوم أن ابن الأثير في كامله يسوق تلك الحوادث دون إسناد ولا عزو ولا تقرير لصحته وثبوته، فلا يصح الاعتماد عليه لوحده عند من أراد التثبت والتصحيح. أما الطبري فقد ذكر ذلك في تاريخه (4/458-459) مع الأبيات المسطرة في هامش المراجعات، لكن من نظر في إسناد تلك الحادثة الوحيدة التي فيها الزعم بتأليب عائشة على عثمان علم بطلانها وعدم صحة الاعتماد عليها أبدا، إذ قال ابن جرير: ( كتب إلي علي ابن أحمد بن الحسن العجلي أن الحسين بن نصر العطار قال: حدثنا أبي نصر ابن مزاحم العطار..) وساق إسناده، وهؤلاء الثلاثة كلهم مجاهيل لا يعرفون وليس لهم ترجمة في كتب الجرح والتعديل ولا في كتب الطبقات ولا الحافظ، فكيف يمكن الوثوق بخبرهم هذا أو غيره؟ ثم في نهاية إسناده قال: ( عمّن أدرك من أهل العلم أن عائشة... ) وهذا مجهول العين أيضا فضلا عن الكلام اليسير في باقي رجال إسناده، والمهم أن القصة التي أشار إليها عبد الحسين في كتابه وذكرها بالتفصيل في الهامش لا تصح ولا تثبت فلا حجة فيها ولله الحمد، هذا المقام الأول.(66/185)
والمقام الثاني: إن المنقول عن عائشة رضي الله عنها يخالف ذلك ويبين أنها أنكرت قتله وذمّت من قتله ودعت على أخيها محمد وغيره لمشاركتهم في ذلك، كما قال شيخ الإسلام في ردّه على ابن المطهر الرافضي–انظر (مختصر المنهاج ) (ص246)، وانظر لما قلنا (الطبري ) (4/448، 449) – وأكثر من ذلك ذكر الطبري (4/386) قول مروان ابن الحكم لعائشة ( يا أم المؤمنين لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل، فقالت: أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة ثم لا أجد من يمنعني لا والله ولا أعيّر ولا أدري إلام يسلم أمر هؤلاء ) فهذا يبين استفاضة موقف عائشة المسالم من عثمان حتى كان أولياءه يعولون عليها في الدفاع عنه.
المقام الثالث:إن تسمية عثمان بنعثل لم يُعرف إلا من ألسنة قتلة عثمان رضي الله عنه، وأول من سماه بها جبلة بن عمرو الساعدي كما في (تاريخ الطبري ) (4/365). وروى الطبري هناك أن جبلة هذا كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيئ، ثم ردد هذه الكلمة على عثمان بعد جبلة جهجاه الغفاري كما في الطبري (4/366-367) وبقيت هذه الكلمة بين الثوار عليه حتى كان آخر من خاطب بها عثمان رضي الله عنه هو محمد بن أبي بكر حين دخل عليه مع من قتل عثمان فخاطبه بها – (الطبري ) (4/393) – وفي كل هذه الأحيان منذ ابتداء إطلاق هذه الكلمة وحتى مقتله رضي الله عنه كانت عائشة في مكة تؤدي مناسك الحج مما يبين كذب من أدعى أن عائشة أطلقتها على عثمان.(66/186)
المقام الرابع: أن نسأل هذا الرافضي عبد الحسين وأشياعه: منذ متى وانتم تغضبون لعثمان؟ وتعدون الطعن فيه مثلبة ومنقصة؟ ومن المعلوم أن عائشة وعثمان – رضي الله عنهما – عندكم سواء فنأنتم تبغضونهما كليهما، فما معنى كلام عبد الحسين هنا إلا الدجل ومحاولته إلقاء الفتنة بين أهل السنة، ولكن هيهات فهم يترضونهما كليهما ويعلمون الحق مما جرى بفضل توفيق الله، وعندهم قصارى ما يكون أن تعد مثل هذه المواقف من ذنوب الأفاضل الأكابر، وليس من شرط الفاضل أن لا يذنب أو لا يخطئ باجتهاد، ونحن لا ندعي العصمة في عثمان ولا في عائشة ولا في أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا نسلم بحمد الله من شرّ كيد عبد الحسين وأشياعه بمثل كلامهم هذا.(66/187)
ثم قال هذا الموسوي: ( ولا خرجت من بيتها الذي أمرها الله عز وجل أن تقر فيه) وأشار في الهامش (9/265) إلى قوله تعالى ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) وهو يعني أن عائشة خالفت أمر الله عز وجل، وهذا جهل فاضح تابع فيه سلفه ابن المطهر الرافضي الذي ردّ عليه شيخ الإسلام فقال: - (المنتقى ) (ص237-238)- ( فهي رضي الله عنها لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفر، فإن هذه الآية نزلت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم بهنّ بعد ذلك في حجة الوداع، وسافر بعائشة رضي الله عنها وغيرها وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم، وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من ثلاثة أشهر، بعد نزول هذه الآية فما عساه يكون جواب الرافضة عن هذا؟ ثم قال شيخ الإسلام ( وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزا فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في هذا ) وحتى لا يحيص الرافضة بشيء بعد هذا الجواب نذكر موقفا لعلي رضي الله عنه يشبه تماما موقف عائشة رضي الله عنها إن لم يكن أصعب منه، وذلك ما ذكره شيخ الإسلام بعد كلامه السابق فقال: ( وأيضا لو قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المدينة تنفي خبثها وتنصع طيبها، وقال: لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيرا منه، أخرجه في الموطأ، وقال إن عليا خرج منها ولم يقم بها كما أقام الخلفاء قبله ولهذا لم تجتمع عليه الكلمة، لكان الجواب: إن المجتهد إذا كان دون علي لم يتناوله الوعيد فعلي أولى أن لا يتناوله الوعيد لاجتهاده، وبهذا يجاب عن خروج عائشة رضي الله عنها، وإذا كان المجتهد مخطئا فالخطأ مغفور بالكتاب والسنة ) إ.ه.(66/188)
ولإثبات أن عائشة رضي الله عنها خرجت تريد الإصلاح وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين راجع ما نقلناه من تلك الحوادث في صفحة(138، 139) لينجلي الأمر بإذن الله.
ثم قال هذا الموسوي عن أم سلمة وهو يعرض بعائشة: (ولا ركبت العسكر قعودا من الإبل تهبط واديا وتعلوا جبلا، حتى نبحتها كلاب الحوأب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أنذرها بذلك فلم ترعو ولم تلتو عن قيادة جيشها اللهام الذي حشدته على الإمام ).
قلت: هذا كله مع هامشيه (10، 11/266) إشارة إلى فتنة الجمل، ولا أرى حاجة للكلام المفصل عليها هنا فقد تقدم ذلك بإذن الله واضحا جليا(ص135-140) مما يبين حقيقة موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ومن معها من أمير المؤمنين علي رضي الله عنه منقولا من عين الكتب التي أحال إليها هذا الموسوي، وهو تاريخه الطبري، فليراجع. وما زعمه في الهامش ( 10/266) من تسمية جمل عائشة بالعسكر، مع أنه لا جديد فيه فلا يصح ولا يثبت ولا يغني فيه نقله من شرح نهج البلاغة كما تقدم.(66/189)
وأما حديث الحوأب الذي ذكره في الهامش (11/266) فصحيح ثابت أخرجه الإمام أحمد (6/52، 97) والحاكم (3/120) وغيرهما: ( إن عائشة لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب، فقال لها الزبير: ترجعين عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس ). وقد علق عليه الشيخ الألباني في (صحيحة ) (1/775-776) بكلام متين ونافع بين فيه موقف أهل السنة منه فقال: ( وجملة القول إن الحديث صحيح الإسناد ولا إشكال في متنه خلافا لظن الأستاذ الأفغاني، فإن غاية ما فيه أن عائشة رضي الله عنها لما علمت بالحوأب كن عليها أن ترجع، والحديث يدل أنها لم ترجع، وهذا مما لا يليق أن ينسب لأم المؤمنين، وجوابنا على ذلك أنه ليس كل ما يقع من الكمل يكون لائقا بهم، إذا لا عصمة إلا لله وحده، والسني لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه حتى يرفعه إلى مصاف الأئمة الشيعة المعصومين ولا نشك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله ولذلك همت حين علمت بتحقق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم عند الحوأب، ولكن الزبير رضي الله عنه أقنعها بترك الرجوع بقوله (( عسى الله أن يصلح بك بين الناس )) ولا نشك أنه كان مخطئا في ذلك أيضا، والعقل يقطع بأنه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى، ولا نشك أن عائشة رضي الله عنها هي المخطئة لأسباب كثيرة وأدلة واضحة، ومنها ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها، وذلك مما يدل على أن خطئها من الخطأ المغفور بل المأجور ) انتهى كلامه الذي يوضح العدل والقيام بالقسط الذي يتصف به أهل السنة دون من سواهم.(66/190)
ثم اتبع هذا الموسوي أسلوبا خبيثا غايته رد أحاديث عائشة رضي الله عنها وعدم تصديقها فيما تروي فذكر لها خمسة أحاديث جعلها – لجهله- من المنكرات، وشبهها بروايتها وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرها، ومعلوم أن هذا القول لا يمت للمنهج العلمي بأية صلة فضلا عن أن يكون حجة على أهل السنة، وهو نظير ما سبقت الإشارة إليه قبل قليل في رده لحديث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة بين يديه، فليراجع.
والأحاديث الخمسة هذه أربعة منها صحيحة ثابتة وهي كالآتي:
الأول: إن السودان كانوا يلعبون في المسجد بالدرق والحراب فقال صلى الله عليه وسلم: ( تشتهين تنظرين ) فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده وهو يقول: ( دونكم يا بني أرفدة ) حتى إذا مللت قال: ( حسبك؟ ) قلت: نعم، قال ( فاذهبي ). وهو في البخاري (2/20) ومسلم (2/609) وغيرهما.
الثاني: قالت: ( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: دعهما فإنها أيام عيد ) أخرجه البخاري (2/20)و مسلم (2/608) وغيرهما.
الثالث: قالت: ( سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلبثناه حتى أرهقني اللحم فسابقني فسبقني، فقال: هذه بتيك ) أخرجه الامام أحمد (6/39) وأبو داود (2578).
الرابع: قالت: ( كنت ألعب بالبنات فربما دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي الجواري فإذا دخل خرجن، وإذا خرج دخلن ) أخرجه أبو داود (4931) والحميدي (260) وغيرهما.(66/191)
وهذه الأحاديث الأربعة صحيحة ثابتة عند أهل السنة وفق قواعد علم المصطلح، فلا يقدح فيها مشاغبة هذا الموسوي وشيعته، ولا حجة لهم على أهل السنة في ردها سوى تكذيب عائشة بما روت وهو ما لا يمكن أن يخطر ببال أحد من عوام أهل السنة فكيف بعلمائهم من مثل شيخ الأزهر؟؟
أما الحديث الخامس فهو ما نسب إلى عائشة أنها قالت: ( خلال فيّ سبع لم تكن في أحد من الناس إلا ما أتى الله مريم بنت عمران، نزل الملك بصورتي، وتزوجني رسول الله بكرا لم يشركه فيّ أحد من الناس، وأتاه الوحي وأنا وإياه في لحاف واحد، وكنت من أحب الناس إليه، ونزل فيّ آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيهن، ورأيت جبريل ولم يره من نسائه أحد غيري، وقبض في بيتي لم يله أحد غيري أنا والملك ) وعزاه في الهامش (16/267) لابن أبي شيبة نقلا من (الكنز). قلت: هو في _كنز العمال ) (37779) لكن بأطول مما ساقه هذا الموسوي إذ قد حذف منه ولا أدري ما دفعه لذلك، وإليك لفظه بتمامه: ( خلال فيّ سبع لم تكن في أحد من الناس إلا ما أتى الله مريم بنت عمران، [ والله ما أقوله اني أفتخر على صواحبي ]، نزل الملك بصورتي، [ وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين، وأهديت إليه لتسع سنين ]، وتزوجني بكرا لم يشركه فيّ أحد من الناس، وأتاه الوحي وأنا وإياه في لحاف واحد، وكنت من أحب الناس إليه، ونزل فيّ آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيهن، ورأيت جبريل ولم يره أحد من نساءه غيري، وقبض في بيتي لم يله أحد غيري أنا والملك ) هذا لفظ بتمامه وقد جعلنا ما حذفه بين معكوفين. وقد أخرجه ابن أبي شيبة – كما في (الكنز) – ومن طريقه الطبراني في (الكبير ) (ج23) (رقم77) – وانظر (مجمع الزوائد) (9/241) – وأخرجه الحاكم أيضا (4/10) لكن لفظه (خلال لي تسع.. ) وهو الصواب كما يتضح عند عدّها مفصلة. وإسناده ضعيف لا يثبت، فيه عبد الرحمن بن أبي الضحاك , وهو مجهول الحال لا يعرف، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر(66/192)
فيه شيئا. وقد وقع في إسناد الحاكم (عبد الرحمن بن الضحاك ) وأظنه وهم والصواب ابن أبي الضحاك كما هو عند الطبراني أولا، وكما يتضح أيضا من ترجمته في (الجرح والتعديل) ثانيا، أما ابن الضحاك هذا فليس في الرواة إلا ما ذكره ابن أبي حاتم وقال ( روى عنه الوليد بن مسلم وسويد بن عبد العزيز ومروان بن معاوية وبقية بن الوليد ومبشر ابن إسماعيل ). وروى عنه أبو حاتم، وهذا ما يبين عدم إمكان كونه نفس راوينا هنا، فإما أن يكون (ابن الضحاك ) وهماً والصواب (ابن أبي الضحاك ) كما قلنا، أو أن يكون راويا آخر مجهول غير معروف، وبكل حال فقد ثبت ضعف إسناده وعدم ثبوته، بخلاف دعوى الحاكم صحته وموافقته الذهبي له، رحمهما الله تعالى.
لكنا إنما نعني ضعف الإسناد فقط، أما معنى الحديث وما فيه من الفضائل التسع لعائشة رضي الله عنها فهي كلها على الإطلاق صحيحة وثابتة لها من أحاديث أخرى في الصحيحين وغيرهما كما سنفصله إن شاء الله، فنستفيد منها إذن ثبوت هذه الفضائل التسع فقط، أما لفظ الحديث هذا فغير ثابت ولا صحيح، ومن ثم فلا حجة لهذا الموسوي علينا في تعقيبه في الهامش (17/267) بقوله: ( ثم لا يخفى أن مريم عليها السلام لم يكن فيها شيء من الخلال السبع التي ذكرتها أم المؤمنين، فما الوجه في استثنائها إياها؟ ) فنحن نقول: إن هذا اللفظ للحديث غير ثابت، ولا صحيح فلا يلزمنا بشيء، لكن مافي الحديث من الفضائل كلها صحيحة ثابتة كما يأتي، ويمكن أن يكون تصحيح بعض الأئمة من الذين صححوا هذا الحديث مستندا إلى صحة ما فيه من الفضائل، نقول هذا ونحن نعلم بعده عن واقع الحال، لكن من باب التماس الأعذار لمن أخطأ من الأئمة في تصحيحه غفر الله لنا ولهم.(66/193)
ولا يفوتني أن أقول أن لهذا الحديث ألفاظا أخرى قريبة من هذا اللفظ بأسانيد أخرى مثل ما عند الطبراني في (الكبير ) (ج23) (رقم 74، 75)، وما عند أبي يعلى –( مجمع الزوائد ) (9/241) – لكن كلها ضعيفة الإسناد لا تثبت كما بينّه الهيثمي في (المجمع ) (9/241، 242) وأكثر ما ورد في ألفاظه من الفضائل هو اللفظ الذي قدمناه سابقا، وها نحن نبين صحة ما فيه من الفضائل – بشكل منفرد – مع تقرير ضعف الحديث بذلك السياق:
الأولى.. قولها: ( نزل الملك بصورتي ) فقد أخرج الترمذي (3967) أن جبريل جاء بصورة عائشة في خرقة حرير خضراء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( هذه زوجتك في الدنيا والآخرة )، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. قلت: وإنما لم يصححه مع أن رجاله ثقات للاختلاف في وصله وإرساله كما بينه. لكن الحديث صحيح إذ روى الإمام أحمد (6/41، 128، 161)، والبخاري(3895، 5078، 5125، 7011، 7012 )، ومسلم (2438) عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ُأريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه ).
الثانية والثالثة.. قولها: (تزوجني رسول الله صلى الله ليه وسلم لسبع سنين وأهديت إليه لتسع سنين ).
هذا ما ثبت فيما أخرجه البخاري (3894، 5133، 5134، 5156، 5160)، ومسلم (1422)، وأبو داود (2121)، وابن ماجه (1876) بروايات متعددة، وقع في بعضها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بعائشة وهي بنت ست سنين، وبعضها سبع، والجمع بينها انه كان لها ست وكسر، ففي رواية اقتصرت على السنين وفي رواية عدت الستة التي دخلت فيها، كما قاله النووي رحمه الله.(66/194)
الرابعة.. قولها: ( وتزوجني بكرا لم يشركه فيّ أحد من الناس )، أخرج البخاري (7/6) عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إذا نزلت واديا فيه شجرة قد أُكل منها، ووجدت شجرة لم يأكل منها في أيهما كنت ترتع بعيرك؟ قال: ( في التي لم يأكل منها )، تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها.
الخامسة.. قولها: ( وأتاه الوحي وأنا وإياه في لحاف واحد ). هذا ما تقدم ذكره في الرد على المراجعة (72) مما أخرجه الإمام أحمد (6/293)، والبخاري (5/37)، والترمذي (4/362-363)، والنسائي (7/68-69) من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ( يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها)
السادسة.. قولها: ( وكنت من أحب النساء إليه ). وهذا ما ثبت فيما أخرجه الإمام أحمد (4/203)، والبخاري (5/6، 209-210)، ومسلم (4/1856) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: (عائشة )، قلت: من الرجال؟ قال: (أبوها)، قلت ثم من؟ قال: (عمر).
السابعة.. قولها: ( ونزل فيّ آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيهن ). وهذا من المشهور في نزول الآيات من سورة النور في تبرئتها رضي الله عنها، رواه صحاب الصحاح والسنن والمسانيد والسير والأخبار، انظر مثلا صحيح البخاري (6/128-131)، وصحيح مسلم (4/2129-2136).
الثامنة.. قولها: ( ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري ). أخرج الإمام أحمد (6/280) بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الأحزاب دخل المغتسل ليغتسل، وجاء جبريل فرأيته من خلل البيت قد عصّب رأسه الغبار، فقال: يا محمد أوضعتم أسلحتكم؟ ما وضعنا أسلحتنا بعد، إنهد إلى بني قريظة ).
فهذا فيه قولها: ( فرأيته من خلل البيت... ).(66/195)
التاسعة.. قولها: ( وقبض في بيتي لم يله أحد غيري أنا والملك ). هذا هو موضع الشاهد للكلام في هذه المراجعة، وهو ثابت صحيح مقرر – كما بيناه في آخر الرد على المراجعة الماضية (76) – في الصحيح والمسند والسير والتاريخ والطبقات، وهو المقرر عند أهل السنة لا يزعزعه مشاغبة عبد الحسين هذا وأشباهه فلم يُدلِ هو بأي حجة ولا برهان في نقضه.
وقوله في الهامش (17/267): ( وقع الاتفاق على أنه صلى الله عليه وسلم مات وعلي حاضر لموته، وهو الذي كان يقلبه ويمرضه ) دعوى لا دليل عليها سوى المكذوبات والواهيات من التي مر معنا الكلام عليها مفصلا خلال الرد على الفقرة الثالثة من المراجعة (76) (ص169-176) وتتمة كلامه في ذاك الهامش: (وكيف يصح أنه قبض ولم يله أحد غيرها وغير الملك، فأين كان علي والعباس؟ وأين كانت فاطمة وصفية؟ وأين كان أزواج النبي وبنو هاشم كافة؟ وكيف يتركونه كلهم لعائشة وحدها ) قلنا: تركوه كلهم لها وحدها رضي الله عنها لعلمهم بأنه صلى الله عليه وسلم يحب أن يموت في حجرها، وهذا من الأدلة الدامغة عليكم يا رافضة. ولكن الأمر ليس كما عرضه هذا الدجال عبد الحسين، بل يمكن أن يكون كثير من هؤلاء حاضرين ساعة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته – مثل نسائه وبناته – لكن من كان أقربهم إليه وقتئذ ليس إلا عائشة رضي الله عنها كما تقدم. ونحن نسأل هذا الأحمق وزمرته: كيف تركه كل هؤلاء يمرّض في بيت عائشة أياما عديدة؟ وهو ما لا يمكنهم إنكاره البتة، فالجواب إذن عليه هو الجواب على ما اخترعه عبد الحسين هذا من هذه الأسئلة السقيمة.(66/196)
وبعدما أنهى عبد الحسين هذا ما حاوله من المقارنة بين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، قال يمدح أم سلمة معرّضا بعائشة، (أما أم سلمة فحسبها الموالاة لوليها ووصي نبيها ) وهذا من الكذب عليها والبهتان، وليس الكذب عليها بأعظم من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء الشيعة الرافضة حين تجرأوا فكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هان عندهم بعد ذلك الكذب على من سواه، كما كذب عبد الحسين هنا بدعواه هذه التي لا دليل له عليها من كتاب ولا سنة ولا أي نقل صحيح ولا إجماع.
ثم قال مادحا أم سلمة رضي الله عنها: ( وكانت موصوفة بالرأي الصائب والعقل البالغ والدين المتين، وإشارتها على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها وسمّو مقامها، رحمة الله وبركاته عليها ). ونحن نوافقه على هذا المدح لأم سلمة رضي الله عنها قطعا –في الجملة – لكنا نقول إن نصيب عائشة رضي الله عنها من هذه الصفات أكبر وأوضح فهي خير من أم سلمة رضي الله عنها كما تقدم تفصيله ونقل إجماع أهل السنة على ذلك في بداية الكلام على المراجعة (72). والحمد لله رب العالمين..
المراجعة (79): س:
-شيخ الأزهر يقرر أن إجماع الأمة على خلافة الصدّيق رضي الله عنه كفيل بإثباتها.
المراجعة (80): ش:
-حاول في هذه المراجعة نقض الإجماع على خلافة الصدّيق رضي الله عنه بما زعمه من أدلة، وأدّعى تخلف البعض عنها.
الرد على المراجعة (80):
1- التقديم بأربعة وجوه في ثبوت خلافة الصدّيق رضي الله عنه وانعقاد الإجماع عليها وعدم تخلف أحد عنها غير سعد بن عبادة وبيان سببه في ذلك.
2- الابتداء في استعراض كلامه وأدلته المزعومة هنا ونقضها مع كشف ما في كلامه من الغش والتمويه.(66/197)
تكلم في هذه المراجعة عن خلافة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه محاولا القدح فيها أو في انعقاد الإجماع عليها بكلام كله أباطيل كما سنبينه إن شاء الله، لكن قبل استعراض كلامه نقدم مقدمة ثبوت انعقاد الإجماع على خلافة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وهي من وجوه:
الوجه الأول: قد ثبت اتفاق الصحابة جميعا على بيعة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه لم يتخلف عنها إلا سعد بن عبادة رضي الله عنه، وسيأتي بيان موقفه وسببه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (المنهاج) (4/230): ( وقد عُلِم بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة، وأما علي وبنو هاشم فكلهم بايعه بإتفاق الناس لم يمت أحد منهم إلا وهو مبايع له، لكن قيل علي تأخرت بيعته ستة أشهر وقيل بل بايعه ثاني يوم، وبكل حال فقد بايعوه من غير إكراه ). وقال أيضا (4/231): (ولا ريب أن الإجماع المعتبر في الإمامة لا يضر فيه تخلف الواحد والاثنين والطائفة القليلة فإنه لو أُعتِبر ذلك لم يكد ينعقد إجماع على إمامة ). وقال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية ) (5/250) بعد ذكر بيعة أبي بكر رضي الله عنه ما نصه: ( ومن تأمل ما ذكرناه ظهر له إجماع الصحابة المهاجرين منهم والأنصار على تقديم أبي بكر، وظهر برهان قوله عليه السلام: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " ). قلت: وهذا هو المتقرر من أن بيعة أبي بكر رضي الله عنه لم يتخلف عنها إلا سعد بن عبادة رضي الله عنه، وكل ما سوى ذلك فغير ثابت ولا صحيح وغالبه مكذوب مفترى. وأما بيعة علي رضي الله عنه لأبي بكر في اليوم الثاني من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا ما أخرجه البيهقي، ونقله عنه بإسناد الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية ) (5/248-249) من حديث أبي سعيد الخدري بسياق طويل وفيه التصريح بأن الزبير وعليا قد بايعا أبا بكر في اليوم الثاني، وقال عقبة ابن كثير: ( وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة(66/198)
عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان المنذري، وفيه فائدة جليلة وهي مبايعة عليّ بن أبي طالب إما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة. وهذا حق فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصدّيقفي وقت من الأوقات ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه كما سنذكره وخرج معه إلى ذي القصة لما خرج الصديق شاهرا سيفه يريد قتال أهل الردة كما سنبينه قريبا، ولكن لما حصل من فاطمة رضي الله عنها عتب على الصديق بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعلم بما أخبرها به الصديق رضي الله عنه... )
إلى أن قال: (... فحصل لها وهي امرأة من البشر ليست براجية العصمة عتب وتغضب ولم تكلم الصديق حتى ماتت، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إ.ه.(66/199)
وعلى كل حال فإن حاول الشيعة الطعن في هذا لخبر وإنكار البيعة في ثاني يوم أو ادّعوا أنها كانت بإكراه لما يزعمون فيها من الشبهة، فإن بيعة علي لأبي بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها تردّ كل مزاعمهم هذه، وذلك فيما أخرجه البخاري (4240، 4241)، ومسلم (1759/52، 53) وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها من حديث طويل فيه ذكر مطالبة فاطمة رضي الله عنها لإرثها من أبي بكر وامتناع أبي بكر من ذلك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت فاطمة في نفسها على أبي بكر حتى ماتت، فلما توفيت أرسل علي إلى أبي بكر فجاءه فدخل عليهم: ( فتشهد علي فقال: إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا، حتى فاضت عينا أبي بكر، فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليّ أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آل فيه عن الخير ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته، فقال عليّ لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة. فلمّا صلى أبو بكر رقى المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر، وتشهد علي فعظّم حق أبي بكر وحدّث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسةً على أبي بكر ولا إنكارا للذي فضّله الله به، ولكنا كنا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا فاستُبِد علينا، فوجدنا في أنفسنا، فسرّ بذلك المسلمون وقالوا: أصبت وكان المسلمون إلى عليّ قريبا حين راجع الأمر بالمعروف ). وفي رواية لمسلم (1759/53) جاء: ( ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه ). قلت: وهذه البيعة الثانية –كما قلنا- مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم، وعلى هذا فيحمل قول من قال لم يبايعه عليّ في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده وما أشبه ذلك(66/200)
فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر إنهبسبب عدم الرضى بخلافته فأطلق من أطلق ذلك، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها السلام لإزالة الشبهة، هذا ما قاله الحافظ ابن حجر في (الفتح) (7/631).
وهذا صريح كل الصراحة في مبايعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما بمحض اختياره ومن غير إكراه إذ في الرواية أنه هو الذي أرسل إلى أبي بكر لإظهار مبايعته، فمن أنكر بيعة علي لأبي بكر فهو أضل من حمار أهله، ومن إدّعى أنها كانت بالإكراه فهو أحمق ومخادع وهذه الرواية الصحيحة تردّ كل تلك المزاعم كما قلنا. وقبل المضي في ذكر الوجه الثاني لا بد من بيان معنى عبارة في هذه الرواية كان هذا الموسوي الدجال قد تعلق بها كما سيأتي، فلا بد من نقض تعلقه هو وكل من يتابعه في ذلك، والعبارة هي قول عليّ رضي الله عنه: ( ولكنك استبددت علينا بالأمر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا ) وكذا قوله فيما بعد: ( ولكنا كنا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا فاستبد علينا ) هذا النصيب الذي عناه علي رضي الله عنه ليس هو الخلافة أبدا لأسباب: الأول: أنه لو عنى الخلافة لما جاز له التخلي عن هذا النصيب بدعوى عدم قبوله إذ أن سعد بن عبادة مع كونه لا نصيب له بل كل ما عنده اجتهاد، لكن مع هذا لم يتخل عنه، فعليّ لو كان عنده نصيب معلوم لصرّح به ولما تنازل عنه الى حد أنه هو الذي يرسل الى أبي بكر ليبايعه. الثاني: ما أخرجه البخاري (7/136-137) وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن عليا والعباس لمّا خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجلٌ كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عليّ: أصبح بحمد الله بارئا، فقال العباس: إنك والله عبد العصا بعد ثلاث، إني لأعرف في وجوه بني هاشم الموت وإني لأرى في وجه رسول الله الموت فاذهب بنا إليه فنسأله فيمن هذا الأمر؟ فإن كان فينا عرفناه وإن كان في غيرنا(66/201)
أمرناه فوصاه بنا، فقال عليّ: إني لا أسأله ذلك، والله إن منعناه لا يعطيناها الناس بعده أبد ).
فهذا صريح كل الصراحة إن عليا ليس عنده من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عهد بشأن الخلافة، بل أن ذلك لم يكن يرد في أذهان أحد من أهل بيته، فكيف بمن عداهم؟ وصريح في أن عليا رضي الله عنه كان يعرف إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يوليه بعده لكنه خشي إن صرح بذلك أن يكون سببا لأن يمنعه الناس منها أبدا، وفيه أيضا إن عليا يعلم إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا حريصين كل الحرص على تنفيذ أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتناب منهياته لا يراعون في ذلك جانب أحد.
ولولا إننا قائمون بالقسط موالون لجميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته لقلنا إن امتناع علي من السؤال فيه بكل وضوح حرصه على الإمارة وتخوفه من سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يعلم إنه يمنعه إياها فيمنعه الناس بعده منها، ولكن نعوذ بالله من مثل هذه الأقوال المنتقصة للصحابة التي لو ظفر بأقل منها هؤلاء الرافضة لطاروا به كل مطار. السبب الثالث: إن هذا النصيب الذي عناه علي رضي الله عنه بقوله قد جاء مصرحا بذكره بأنه المشاورة في بيعة أبي بكر مع إقراره بأحقية أبي بكر لها، وذلك فيما أخرجه موسى بن عقبة في مغازيه – ونقل إسناده الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية ) (5/250) – بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: ( خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس، وقال: ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة، ولا سألتها في سر ولا علانية، فقبل المهاجرون مقالته، وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة وإنّا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار وإنّا لنعرف شرفه وخبره، ولقد أمره رسوله الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس وهو حيّ )(66/202)
وقال الحافظ ابن كثير: ( إسناد جيد ). فهذه رواية متصلة مفسرة للرواية المبهمة تلك، على فرض كون الأولى مبهمة غير واضحة.
وعلى ما تقدم يتضح إجماع الأمة على بيعة أبي بكر، لأن من ترك البيعة أول الأمر عاد وبايع ولم يتخلف عن البيعة إلا سعد بن عبادة، وقد علم سبب تخلفه وإنه كان يطلب الإمارة لنفسه وأن يقسم صف المسلمين إلى قسمين مهاجرين وأنصار وأن يكون لكلٍ أمير، ومعلوم أن هذا مطلب غير شرعي لمعارضته الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ) وقوله تعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) وإذا كان إمامان فقد حصل التفرق المحرم فوجد التنازع وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ) أخرجه مسلم (1853) وأما إن كان مقصود سعد ابن عبادة ومن وافقه من الأنصار أول الأمر: أن يلي والٍ من المهاجرين فإذا مات ولي من الأنصار آخر وهكذا، فهذا مردود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأئمة من قريش ) وهو ما احتج به عليهم أبو بكر رضي الله عنه فأذعنوا له، وهو حديث متواتر كما قال ابن حزم في (الفصل ) (4/89). وقد جمع له ابن حجر أربعين صحابيا من رواته كما قال في (الفتح) (7/39). ولهذا لما ذكّرهم أبو بكر رضي الله عنه به سارعوا إلى بيعته، بل إنا نجد أن الأنصار لشدة مسارعتهم في بيعة أبي بكر رضي الله عنه قد سبق بعضهم حتى عمر في بيعته، وهو بشير بن سعد والد النعمان بن بشير كما جاء مصرحا به في رواية محمد بن سعد ونقلها الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية ) (5/247).(66/203)
هذا فضلا عمن كان من الأنصار منحازا لأبي بكر ابتداء مثل أسيد بن حضير ومعه بني عبد الأشهل ؛ فيما ذكره ابن إسحاق – انظر ( سيرة ابن هشام ) (4/307) -. وهذا شيء، والشيء الآخر إن تخلف سعد بن عبادة رضي الله عنه لا حجة فيه للشيعة أبدا، بل أن تخلفه ينغّص عليهم كذلك، إذ أنه طلب –كما تقدم- أن يلي من الأنصار أمير أيضا فلو قُدر أن سعدا عاش إلى خلافة عليّ رضي الله عنه لما بايعه ولتخلف عن بيعته كذلك وحينها هل يصح للشيعة التمسك بموقفه؟؟ ولذا ترى أئمة الرافضة هؤلاء كعبد الحسين هذا ومن قبله ابن المطهر وغيرهما حين يذكرون تخلف سعد عن بيعة أبي بكر لا يذكرون السبب أبدا لعلمهم أن السبب ينغّص عليهم كذلك خلافة علي، فيحاولون إظهار الأمر بأنه اعتراض سعد على أبي بكر نفسه وأنّى لهم ذلك بعد كشف النصوص الصحيحة الصريحة في ذلك.. هذا كله الوجه الأول.
الوجه الثاني: أنه لو فرض أن غير سعد قد تخلف عن البيعة أيضا وأن الذين قد زعم عبد الحسين في هذه المراجعة تخلفهم عن البيعة فد كانوا كذلك أو أكثر منهم بمرتين لم يقدح في ثبوت خلافة الصديق رضي الله عنه، فإنه لا يشترط في الخلافة إلا اتفاق أهل الشوكة والجمهور الذين يقام بهم الأمر بحيث يمكن أن يقام بهم مقاصد الإمامة، كما قال شيخ الإسلام في (المنهاج) (4/232)، وقال أيضا: ( ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، وقال: أن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وقال: إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم والذئب إنما يأخذ القاصية، وقال: عليكم بالسوداء الأعظم ومن شذّ شذّ في النار )أ.ه.(66/204)
قلت: الحديث الأول: ( عليكم بالجماعة...) صحيح أخرجه الطبراني في (الكبير) (13623، 13624) والحديث الثاني: ( إن الشيطان مع الواحد.. ) صحيح أيضا أخرجه الإمام أحمد (1/18)، والترمذي (3/207)، والحاكم (1/114، 115)، وابن أبي عاصم في (السنة) (88). والحديث الثالث: ( إن الشيطان ذئب الإنسان.....) ضعيف أخرجه الإمام أحمد (5/232-243، 233)، والطبراني في ( الكبير)
(344، 345) في سنده انقطاع. والحديث الرابع: (عليكم بالسوداء الأعظم. ) صحيح أخرجه الحاكم (1/115)، وابن أبي عاصم (السنة) (80)..
الوجه الثالث: وهو ما بينه شيخ الإسلام أيضا من أن إجماع الأمة على خلافة أبي بكر كان أعظم من اجتماعهم على مبايعة علي. فإن ثلث الأمة تقريبا لم يبايعوا عليا بل قاتلوه، والثلث الآخر اعتزلوه وفيهم من لم يبايعه أيضا، فإن جاز القدح في إمامة أبي بكر بدعوى تخلف البعض عن البيعة كان القدح في إمامة علي أولى بكثير، وإن قيل: إن أهل الشوكة والجمهور قد بايعوا عليا وهم المقصودون بالبيعة قيل: هذا حق وهو في بيعة أبي بكر أحق وأوضح كما لا يخفى. وإذا زعمت الرافضة بأن إمامة علي قد ثبتت بالنص فلا يحتاج إلى الإجماع في البيعة، قلنا: إن النصوص الكثيرة إنما دلت على خلافة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم لا علي كما قدمنا شيئا منها في آخر ردنا على المراجعة (52) فليراجع.
ومما يدل على اجتماع الأمة على بيعة أبي بكر رضي الله عنه ما صرح به علي رضي الله عنه نفسه وذلك فيما أخرجه الحافظ البيهقي – وساقه بسنده الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) (5/250-251) – عن علي رضي الله عنه أنه قيل له: ألا تستخلف علينا؟ فقال: ( ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم ) قال ابن كثير ( إسناد جيد ولم يخرجوه ).(66/205)
فهذا فيه التصريح من علي رضي الله عنه بإجتماع الأمة على أبي بكر وأنه خيرهم، وهو ثابت عنه لا شك فيه.
الوجه الرابع: وهو ما يبين ما سبق من أن أية طريق يثبت فيها خلافة علي رضي الله عنه وصحتها – يعني بعد الثلاثة قبله – فهي تثبت خلافة أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وأحقيته لذلك بشكل أوضح وأصرح، فمن ادعى الإجماع على خلافة علي، فالإجماع على خلافة أبي بكر أكثر وواضح وأثبت، ومن ادعى نصوص خلافة علي، فنصوص خلافة أبي بكر أكثر وواضح مع أن تلك لا تثبت ولا تصح. وهذا من فضل الله الذي اختص به أهل الإسلام من بين سائر أهل الأديان كاليهود والنصارى فما من طريق يثبت فيها هؤلاء نبوة موسى وعيسى عليهما السلام إلا وهي تثبت بشكل أكبر وأوضح نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم يتكابرون فينكرون ذلك، وكذلك الحال بين أهل السنة وبين من سواهم من الطوائف الملحدة، والله الهادي إلى سواء السبيل.
وهذا أوان الشروع في استعراض كلام عبد الحسين هذا في هذه المراجعة: أول ذلك قوله: (وبيعة السقيفة لم تكن عن مشورة وإنما قام بها الخليفة الثاني وأبو عبيدة ونفر معهما، ثم فاجأوا بها أهل الحل والعقد وساعدتهم تلك الظروف على ما أرادوا).
قلت: قوله أنها لم تكن عن مشورة سيأتي الكلام عليه، مع ما تقدم في الأوجه الأربعة الماضية، أما كونها مفاجأة لأهل الحل والعقد واستغلالا للظروف فكذب وبهتان، وفيما مضى في الوجه الأول وغيره كذلك نقض مزاعمه هذه.
ثم ما نسبه إلى أبي بكر رضي الله عنه من خطبته لا يصح ولا يثبت، وليس لهذا الدجال المدعو عبد الحسين سوى عزوه لها في الهامش (1/268) لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري نقلا من شرح نهج البلاغة، ومعلوم أنها سيقت هناك من دون إسناد ولا بيان مخرجها ولا صحتها فلا حجة لهم فيها علينا أبدا. وانظر ما سيأتي في آخر الردّ على المراجعة (82) من بيان حال أبي بكر الجوهري هذا.(66/206)
ثم ذكر خطبة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في أواخر خلافته التي بين فيها أمورا مهمة وأصولا عامة في بيعة أبي بكر رضي الله عنه، وقد أخرجها البخاري في (صحيحه ) (6830) وفي مواضع أخرى وقد حذف منها هذا الموسوي – كعادته في تشويه ما ينقله – ما فيه فضل أبي بكر رضي الله عنه واستحقاقه للخلافة حتى من دون مشورة وهو قوله: ( وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ) وسيأتي مزيد إيضاح له، وها نحن نسوق موضع الشاهد منه جاعلين ما حذفه هذا الموسوي بين معكوفتين، قال: ( ثم أنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وأنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها [و ليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ] من بايع رجلا من غير مشورة [من المسلمين] فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا وأنه قد كان من خبرنا حين توفي الله نبيه صلى الله عليه وسلم إن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ) ثم ذكر اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة وذهابهما إليهم مع أبي عبيدة، وما حصل هناك من مناظرتهم للأنصار حتى قال قائل من الأنصار، وهو الحبّاب بن المنذر: ( منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ) ثم كثر نقاشهم حتى خشي من الاختلاف، ثم قال عمر: [فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعه وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار، ثم نزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة، قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فأما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فسادا]..(66/207)
وفي تتمة هذا النص الذي اقتطعه عبد الحسين هذا ما يبين جملة أمور مهمة لا بد من ذكرها حاول هذا الرافضي إخفاءها وإظهار خلافها، وهي:
الأمر الأول: إن اختلاف الآراء – الذي يحاول الرافضة توسيعه- كان منحصرا بين المهاجرين من جهة وبين الأنصار من جهة أخرى وأن سببه ما ظنه بعض الأنصار – وعلى رأسهم سعد بن عبادة رضي الله عنه – أنه يمكن أن يكون لهم نصيب في الخلافة حتى بين لهم الصديق رضي الله عنه حقيقة الأمر فرجعوا وبايعوا الصديق رضي الله عنه غير سعد بن عبادة فقد شذ عنهم في ذلك. وهذا يعني أن المهاجرين إبتداءً كانوا كلهم مؤيدين لأبي بكر رضي الله عنه، ويدل عليه قوله في الحديث السابق: ( واجتمع المهجرون إلى أبي بكر ). ويدل على رجوع الأنصار عن قولهم ومبايعتهم للصديق ما جاء في ذلك الحديث أيضا: ( فبايعته وبايعه المهجرون ثم بايعته الأنصار ) هذا فضلا عمن كان من الأنصار منحازا لأبي بكر رضي الله عنه ابتداءً كما تقدم خلال الوجه الأول.
الأمر الثاني: أن اختلاف الآراء ذلك لا ذكر فيه لعلي رضي الله عنه أبدا، بمعنى أنه لم يكن مرشحا للخلافة عند أحد من المسلمين قاطبة، وها نحن نقولها بأعلى أصواتنا ونتحدى الشيعة أن يثبتوا خلافه بسند صحيح عندنا: لم يكن علي رضي الله عنه واردا في الترشيح للخلافة لا عند نفسه لا عند غيره من المهجرين والأنصار على السواء بل إن الأمر كله يخلص لأبي بكر رضي الله عنه بعد استبعاد الشبهة التي عرضت للأنصار، وهو الأمر الذي تحقق فعلا كما قدمنا.
الأمر الثالث: ما جاء في ذلك النص مما فيه التصريح بارتياحهم جميعا لبيعة أبي بكر رضي الله عنه وأنه من أقوى الأمور عندهم، وذلك من قوله: ( وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر ) وهو ما تعمد في إخفائه هذا المدعو عبد الحسين.(66/208)
الأمر الرابع: ما جاء صريحا في تلك الرواية بأن الأنصار هم أول من اجتمع في السقيفة للبيعة وأن ذهاب الصديق والفاروق وأبي عبيدة إليهم كان لتلافي الفتنة والشر الذي كان يمكن أن يحصل لو لم يحل النزاع بينهم بوجود هؤلاء الثلاثة الأخيار، وذلك ما عناه عمر رضي الله عنه بقوله: ( خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما نرضى وإما نخالفهم فيكون فسادا ) وهذا نقوله لدفع طعن الشيعة الذين يدّعون أن البيعة إنما كانت بتدبير من الصديق والفاروق استغلا فيه ظروف وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قدمنا أن الأمر ابتداءه كان من الأنصار وأن تدخل الصديق والفاروق وأبي عبيدة لدفع الشر والفساد.
الأمر الخامس: وهو أهم هذه الأمور الذي به ننقض شبهة هذا الموسوي بأن بيعة أبي بكر لك تكن عن مشورة ولا عن روية، وقد استدل هو على ذلك – وهو استدلال الشيعة كلها – بقول عمر رضي الله عنه: ( إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ) والجواب: أن معناه أن بيعة أبي بكر بودر إليها وعوجل بها من غير تريث ولا انتظار لكونه كان متعينا لهذا الأمر وهو ما عناه عمر بقوله: ( وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ) فكان ظهور فضيلة أبي بكر رضي الله عنه على من سواه وتقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم له على سائر أصحابه أمرا ظاهرا معلوما فكانت دلالة النصوص على تعيينه – ومنها تلك التي قدمنا في آخر الرد على المراجعة (52)- تغني عن المشاورة والانتظار والتريث، وذلك الأمر اللازم لكل بيعة باستثناء بيعة أبي بكر رضي الله عنه لما قدمنا.(66/209)
ويضاف إلى هذا ما تقدم تقريره في الوجه الأول من انعقاد الإجماع الفعلي على بيعة أبي بكر رضي الله عنه، فكان قول عمر هذا دليلا آخر يبين اجتماع الناس على أبي بكر وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه للخلافة حتى أنهم لم يحتاجوا في أمره إلى نظر ولا إلى مشاورة، ولا ينقض هذا ما كان عليه موقف بعض الأنصار فإنه سرعان ما زالت عنهم الشبهة وسارعوا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه باستثناء سعد بن عبادة كما قدمنا في آخر الوجه الأول.
وهذا الذي قلناه في تفسير قول عمر هو الذي قاله غير واحد من أئمة المسلمين، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر من موضع من كتابه (المنهاج) – انظر (3/118)(66/210)
(4/216-217) – ومثل الحافظ ابن حجر في (الفتح) (12/182-183) وهناك نقله عن آخرين مثل الخطابي وغيره.و قد عقب هذا المدعو عبد الحسين على قول عمر رضي الله عنه: (من بايع رجلا من غير مشورة فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يُقتلا ) في الهامش (4/269) بكلام غمز فيه عمر رضي الله عنه فقال: ( قلت: كان من مقتضيات العدل الذي وُصف به عمر أن يحكم بهذا الحكم على نفسه وعلى صاحبه كما حكم به على الغير ) إ.ه. قلت: وهذا من حماقات الرافضة لعدم فهمهم حقيقة الحال، أو أنهم فهموا لكنهم يتحامقون كما هو صنيع هذا المدعو عبد الحسين هنا , إذ إن عمر رضي الله عنه بيّن أن حال أبي بكر خاص به لا يشاركه فيه أحد، وذلك حين قال: ( وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ) فهو يحذرهم من المسارعة في البيعة من غير مشورة وأن من فعل ذلك جزاءه القتل، لكن لا يقال ذلك عن بيعة أبي بكر ولا يحق لأحد أن يحتج بما كان لأبي بكر من البيعة، إذ ليس هناك مثله في الفضل لما اجتمع فيه من الصفات المحمودة من قيامه في أمر الله ولين جانبه للمسلمين وحسن خلقه ومعرفته بالسياسة وورعه التام فمن لا يوجد فيه مثل صفاته لا يؤمن من مبايعته عن غير مشورة الاختلاف الذي ينشأ عنه الشر – كما قال الحافظ في (الفتح ) (12/182-183) – وهذا ما يبين حقيقة الفرق بين موقف عمر في بيعته لأبي بكر رضي الله عنهما وبين الموقف في أية بيعة أخرى.
ثم قال عبد الحسين هذا: ( ومن المعلوم بحكم الضرورة من أخبارهم أن أهل بيت النبوة وموضع الرسالة لم يحضر البيعة أحد منهم قط، وقد تخلفوا عنها في بيت عليّ ومعهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار والزبير وخزيمة بن ثابت وأبيّ بن كعب وفروة بن عمرو بن ودقة الأنصاري والبراء بن عازب وخالد بن سعيد بن العاص الأموي وغير واحد من أمثالهم فكيف يتم الإجماع مع تخلّف هؤلاء كلهم؟ ).(66/211)
قلت: كل من قرأ كلامه هذا وكان عنده أدنى علم بالسيرة جزم بأحد أمرين: إما بأنه من أجهل الناس بأخبار الصحابة، أو أنه من أجرأ الناس على الكذب، وهذا الرافضي عبد الحسين وأمثاله من شيوخ الرافضة ينقلون ما في كتب أسلافهم من غير تثبت وتحرِّ للحق، بل ما وجدوه يوافق أهواءهم صدّقوه وأخذوا به، وما خالف أهواءهم كذبوه وطرحوه، ولهم نصيب وافر من قوله تعالى: ( فمن أظلم ممن كذّب على الله وكذّب بالصدق إذ جاءه ).
وكل هؤلاء الذين عدهم هذا الرافضي أنهم تخلفوا عن بيعة الصديق فذلك كذب عليهم، ولو كان صادقاً لصرّح بحجته في ذلك لكنه لم يستطع حتى في كتب الواهيات، وغالب الظن أنه إنما نقله من سلفه ابن المطهر الحلّي الذي كان قد زعم مثل كذبته هذه في تخلف هؤلاء عن بيعة الصديق فردّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبين كذبه وذلك في (المنهاج) (4/227-230).
وكذلك قد كذب بإدعائه أن أحدا من أهل البيت لم يبايع أبا بكر رضي الله عنه، وقد قدمنا في بداية ردنا هنا في الوجه الأول ما علم بالتواتر من أن بيعة أبي بكر لم يتخلف عنها إلا سعد بن عبادة وشرحنا هناك موقفه فليراجع.
وعلى سبيل التنازل ومن أجل قطع كل حجج الرافضة هؤلاء فقد قلنا في الوجه الثاني أيضا أنه حتى لو صح ما تدّعيه الرافضة من تخلف هؤلاء المذكورين عن بيعة الصدّيق لم يقدح ذلك في خلافته أيضا لما شرحناه هناك. وأيضا بفرض صحة تخلف هؤلاء فإن من تخلف عن بيعة علي رضي الله عنه أكثر من ذلك بما لا يقاربه هؤلاء المزعوم تخلفهم عن بيعة الصديق، وهو ما قدمناه في الوجه الثالث.(66/212)
ثم أشار هذا الموسوي إلى ما في الصحيحين من بيعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما بعد ستة أشهر من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلاف الصدّيق على الأمة، زاعما أنه لم يبايع قبلها، وقد قدمنا في الوجه الأول ما أخرجه البيهقي بسند صحيح مما فيه بيعة علي لأبي بكر في اليوم الأول أو الثاني مع تعقيب الحافظ ابن كثير عليه فراجعه لتعلم مدى جرأة هذا المدعو عبد الحسين على الكذب وادعائه أن عليا لم يبايع حتى وفاة فاطمة عليها السلام، وأجرأ من ذلك ادّعاؤه أنه لم يبايع حتى اضطرته المصلحة الإسلامية العامة في تلك الظروف الحرجة، وهو ادّعاء لا يعجز عن مثله أي كاذب أو دجال لكن أمره يفتضح حين لا يذكر مستنده في ذلك فيضرب بقوله هذا عرض الحائط. وأفضع منه قوله: (وأن عليا لما صالحهم نسب إليهم الاستبداد بنصيبه من الخلافة ) وهذا وإن كان لم يرد في الرواية مثل هذا التصريح فلسنا محتاجين في ردّه إلى أكثر من تكذيبه به، لكن هناك في الرواية ما يمكن أن يتعلق به هو وأتباعه، وهو قول علي رضي الله عنه: ( ولكنا كنا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا فاستبد علينا ) وهو ما ذكرناه خلال الوجه الأول في بداية ردنا على هذه المراجعة وبينا هناك –لثلاثة أسباب _ أن هذا النصيب ليس هو في الخلافة بل في المشورة، وهو نص عليّ والزبير بألسنتهما فيما أخرجه موسى بن عقبة في مغازيه ونقله ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/250) بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، فليراجع مع بقية الأسباب والشرح.(66/213)
ومع فضاعة كذباته تلك فهي أهون من كذبته الأخيرة في قوله: (وليس في ذلك الحديث تصريح بمبايعته إياهم حين الصلح )و كل من راجع نص الحديث في (صحيح مسلم) (1759/53) وجد فيه صريحا ما نصه: ( ثم مضى إلى أبى بكر فبايعه ) وهو ما نقلناه سابقاً , بل ان نص الحديث المشترك لفظه بين البخاري ومسلم فيه أيضا قول علي لأبي بكر ما نصه: (موعدك العشية للبيعة ). هذا مع أن بيعة علي لأبي بكر هذه معلومة بالتواتر لم ينكرها حتى الرافضة فكيف يسوغ لهذا الرافضي المدعو عبد الحسين إنكار حصولها؟ ورغم تكلفه في الاستشهاد فيما سبق وتكذيبه بكثير من الحق الواقع – مثل بيعة أبي بكر – لم يكتف بهذا فعاد إلى الاستشهاد بما لا قيمة له عند أهل السنة وهو كتاب (نهج البلاغة ) مع شرحه لابن أبي الحديد المعتزلي الرافضي، ذلك أنه لم يجد في أصول أهل السنة المعتمدة ما يشفي غليله ويحقق له هواه مع أنه قد حرّف في معاني كثير من النصوص التي نقلها منهم. ولو كان محقا في الاستشهاد بهذين البيتين مع الشرح المزعوم حصوله في الهامش (7/270) لساق لنا إسناده وبينه فكيف وهي قد سيقت في النهج وشرحه من دون إسناد ولا تصحيح؟ وهذا لأن حال الرافضة ومنهم عبد الحسين هذا هو كما قدمنا من تصديقهم بكل ما يوافق هواهم وقبوله دون بحثهم عن صحة نسبته أو ثبوته، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم كيف يتوقع عبد الحسين هذا أن يقيم الحجة على أهل السنة بما في (نهج البلاغة ) أو شرحه وهو عندهم فوق أنه لم تثبت صحته، معارض لما ثبت عندهم من بيعة علي لأبي بكر كما قدمناها في الوجه الأول، وأن أبا بكر لم يحتج على الأنصار من أجل بيعته لنفسه كما زعمه ابن أبي الحديد في كلامه المنقول في الهامش (7/270) بل احتج عليهم بأن الأئمة من قريش فحسب كما تقدم هناك أيضا وهو نص البخاري في (صحيحه ) (6830)؟(66/214)
ومثل ما تقدم أيضا في استشهاده ما نقله عن ابن قتيبة من كتابه (الإمامة والسياسة) من احتجاج العباس المزعوم على أبي بكر، وقد تقدم الصحيح الثابت من موقف العباس رضي الله عنه الذي يبين فيه أن ليس عند العباس – ومثله سائر أهل البيت – أي عهد بالخلافة أو أي احتمال لها زائدٍ على ما عند غيرهم، وذلك فيما أخرجه البخاري (7/136-137) من قول العباس لعلي: (... وإني لأرى في وجه رسول الله الموت فاذهب بنا إليه فنسأله فيمن هذا الأمر؟ فإن كان فينا عرفناه وإن كان في غيرنا أمرناه فوصاه بنا ).
ولو صح احتجاج العباس على أبي بكر هذا بأنه أقرب منه إلى رسول الله صلى الله عليه سلم لكان العباس بهذه الحجة التي يستدل بها الرافضة لضعف عقولهم أولى بالخلافة من علي نفسه، إذ من المعلوم أن عم الرجل الذي هو صنو أبيه –كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – أقرب إلى الرجل من ابن عمه، فما أفسد استلال الرافضة بمثل هذه الحجة رغم كذبها، إذ أن هذه المحاججة المزعومة لا تصح ولا تثبت، بل نفس كتاب (الإمامة والسياسة ) لا تصح نسبته إلى ابن قتيبة، و هناك أدلة على بطلان نسبته إلى ابن قتيبة ذكرها الأستاذ ثروت عكاشة في تحقيقه لكتاب (المعارف) لابن قتيبة في (مقدمة التحقيق) بعد ذكره لكثير من مؤلفاته ابن قتيبة قال (ص56): (بقي بعد هذا كتاب شاعت نسبته إلى ابن قتيبة وليس له وهو كتاب "الإمامة والسياسة" والأدلة على بطلان نسبته هذا الكتاب إلى ابن قتيبة كثيرة منها:
1-إن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكروا هذا الكتاب بين ما ذكروه له، اللهم إ القاضي أبا عبد الله التوزي المعروف بابن الشباط، فقد نقل عنه في الفصل الثاني من الباب الرابع والثلاثين من كتابه "صلة السمط".
2-إن الكتاب يذكر أن مؤلفه كان بدمشق وابن قتيبة لم يخرج من بغداد إلا إلى الدينور.(66/215)
3-إن الكتاب يروي عن أبي ليلى، وأبو ليلى كان قاضيا بالكوفة سنة (148ه) أي قبل مولد ابن قتيبة بخمس وستين سنة.
4-إن المؤلف نقل خبر فتح الأندلس عن امرأة شهدته، وفتح الأندلس كن قبل مولد ابن قتيبة بنحو مائة وعشرين سنة.
5- إن مؤلف الكتاب يذكر فتح موسى بن نصير لمراكش مع أن هذه المدينة شيدها يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين سنة 455 ه، وابن قتيبة توفي سنة (276ه ) إ.ه. فبطل بكل ما تقدم الاحتجاج بقول العباس المزعوم هذا، والحمد لله رب العالمين.
المراجعة (81): س:
- زعمه إقرار شيخ الأزهر بأن بيعة الصديق لم تكن عن مشورة، وتخلف كثيرين عنها لكنه اعتذر بانعقاد الإجماع بعد تلاشي النزاع.
المراجعة (82): ش:
1- تفريقه –بما لا دليل عليه- بين مؤازرة الخليفة وبين صحة عقد الخلافة له.
2-زعمه إختصاص أئمته بمذهب متفرد في مؤازرة أهل السلطة الإسلامية.
3- ذكره لبعض الأسباب في مؤازرة علي لأبي بكر رغم إستحقاقه للخلافة – على حد زعمهم -.
4- إعتماده على حال المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كقرينة توجب سكوت علي عن حقه المزعوم.
5- إعتماده على موقف سعد بن عبادة وأنه دليل على عدم إنعقاد الإجماع وعدم تلاشي النزاع.
6- إدعاؤه مبايعة كثير من الصحابة لأبي بكر لا إقتناعا بحقه بل خوفا مما هُدِّدوا به.
الرد على المراجعة (82):
1- كشف ما في كلامه من التضليل فيما ادّعاه من التفريق بين مؤازرة الخليفة وبين صحة عقد الخلافة له، وبيان ما هما غير متلازمين حقا.
2- بيان مذهب أهل السنة والجماعة في مؤازرة أهل السلطة الإسلامية بما يردّ دعوى هذا الرافضي.
3- نقض كل ما ذكره من الأسباب المزعومة في سكوت علي عن حقه المُفترى، وذلك من عدة أوجه.
4- ما ذكره من حال المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه سلم قرينة لصحة خلافة أبي بكر ثم من بعده عمر ثم من بعده عثمان رضي الله عنهم.(66/216)
5- الإشارة إلى ما تقدم من تفصيل موقف سعد بن عبادة، مع نقض دعواه حصول الإكراه والتهديد في بيعة أبي بكر.
إبتدأ مراجعته هذه بتمويه جديد فقال: (اصفاقهم على مؤازرة الصديق والنصح له في السر والعلانية شيء، وصحة عقد الخلافة له بالإجماع شيء آخر، وهما غير متلازمين عقلا وشرعا ).
ونحن نقول: كلامه هذا فيه تضليل مقصود، فإن غير المتلازمين عقلا وشرعا هما مؤازرة الخليفة – أيا كان – والنصح له مع استحقاقه للخلافة، فإنه من المعلوم أنه يمكن أن يلي أمور المسلمين أناس غير مستحقين لها لكنهم يقهرون الأمة على ذلك كما كان عليه حال يزيد ابن معاوية إذ قد أكره الناس على بيعته وهو غير مستحق لها ففي المسلمين قطعا من هو أفضل منه، لكنه بعد أن أكرههم بايعوه وصحّ عقد الخلافة له، ذلك لأنها لم تصله من تسلط محض عليهم بل لعهد أبيه معاوية إليه الخلافة،
وهذا الوجه هو أحد الأنواع التي يصح بها عقد الإمامة، بل هو أوضحها وأفضلها كما بينّه الإمام ابن حزم في (الفصل) (4/169). ولو لم يصح عقد الخلافة هذا لما جاز لأحد الخضوع له ولا الجهاد معه ولا دفع الأموال المستحقة إلى نوابه، فإن عقد الإمامة إذا لم يصح فهو إذا ليس خليفة شرعيا فكيف تبرؤ الذمة بأداء تلك الأمور إليه؟ وهو ما تناقض فيه هذا الموسوي فأقر بصحته بقوله: ( بل يجب على الأمة أن تعامله – وإن كان عبدا مجدع الأطراف – معاملة الخلفاء بالحق، فتعطيه خراج الأرض ومقاسمتها وزكاة الأنعام وغيرها، ولها أن تأخذ منه ذلك بالبيع والشراء... بل لا إشكال في براءة ذمة المتقبل منه بدفع القبالة إليه ) فهذا الذي أقرّ به دليل عليه من صحة عقد الخلافة بهذا الشكل وإن كان صاحبها غير مستحق لها أو كان في الأمة من هو أفضل منه وهو ما ينفرد به أهل السنة والجماعة من قولهم بصحة خلافة المفضول مع وجود الفاضل.(66/217)
ومما يدل على ما قلناه من صحة بيعة يزيد مع عدم استحقاقه لها ما أخرجه مسلم في (صحيحه ) (1851) أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جاء إلى عبد الله بن مطيع – وهو داعية ابن الزبير وكان قد خلع يزيد وخرج عليه – فقال: -يعني ابن مطيع – اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم لآتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميته جاهلية )، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – (المنتقى) (ص30-31)-: ( هذا حديث حدّث به ابن عمر لما خلعوا أمير وقتهم يزيد مع ما كان عليه من الظلم، فدلّ الحديث على أن من لم يكن مطيعا لولاة الأمر أو خرج عليهم بالسيف مات ميته جاهلية، وهذا ضد حال الرافضة فإنهم أبعد الناس عن طاعة الأمراء إلا كرها ) إ.ه. قلت: وسيأتي قريبا بيان حال الرافضة مع الأمراء، وأيضا لو لم تصح خلافة الصدّيق رضي الله عنه لزم منه بطلان أحكامه وعهوده، وكذا من بعده عمر وعثمان، لأنهم كلهم غاصبون حق عليّ – بزعم أهل الجهل هؤلاء – لكنا نجد عليا رضي الله عنه حين ولي الأمر بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ما غيّر حكما من أحكام أبي بكر وعمر وعثمان ولا أبطل عهدا من عهودهم، ولو كان ذلك عنده باطلا لما كان في سعة من أن يمضي الباطل وينفذه وقد ارتفعت عنه التقية.
وإذا تبين هذا وأن صحة عقد الخلافة ملازم لمؤازرة الخليفة ومناصرته فإن غير الملازم هو استحقاقه للخلافة وأولويته لها من غيره، هذا وجه.(66/218)
والوجه الثاني: أن الأمر هذا حتى بهذا الشكل لم يكن في حق الصدّيق رضي الله عنه بل كان مستحقا لها رضي الله عنه بدلالة نصوص كثيرة – كما قدمنا في آخر الرد على المراجعة (52) – وبدلالة الإجماع الحاصل كما تقدم أيضا في المراجعة الماضية، وهذان الوجهان هما اللذان أشار إليهما شيخ الإسلام ابن تيمية في ردّه على ابن المطهر فقال:
(4/232): ( "الرابع" أن يقال الكلام في إمامة الصدّيق إما أن يكون في وجودها وإما أن يكون في إستحقاقه لها، أما الأول فهو معلوم بالتواتر واتفاق الناس بأنه تولى الأمر وقام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
وخلفه في أمته وأقام الحدود واستوفى الحقوق وقاتل الكفار والمرتدين وولي الأعمال وقسم الأموال وفعل جميع ما فعل الإمام بل هو أول من باشر الإمامة في الأمة، وأما أن أريد بإمامته كونه مستحقا لذلك فهذا عليه أدلة كثيرة غير الإجماع) قلت: وهو يعني أن صحة عقد الخلافة هي تحصيل حاصل من إقرار أفعاله والاعتداد بها، لكن ذلك لا يلزم منه استحقاقه لها إلا في حق الصديق رضي الله عنه لما قدمنا من استحقاقه لها _ فضلا عن وقوعهاله _ من أدلة النصوص والإجماع ونحن بهذا نقضنا كلا مقدمتيه من إنكاره استحقاق الصديق للخلافة، ومن صحة عقد الخلافة له حتى لو لم يستحقها بناء على أصوله التي تظاهر بها هنا وإن كان واقع حالهم خلافها كما سنبينه.
ثم قوله: ( فإن لعلي والأئمة المعصومين من بنيه مذهبا في مؤازرة أهل السلطة الاسلامية معروفا، وهو الذي ندين الله به، وأنا أذكره لك جوابا عما قلت، وحاصله.. )، فهذا نرد عليه من وجوه:(66/219)
أحدها: قوله عن علي وبنيه بأنهم ( أئمة معصومون ) من الضلال الذي لم تقله إلا الرافضة _ قبحهم الله _ فكيف يمكن أن يخاطب به أهل السنة، بل هم عند أهل السنة كغيرهم سواء، أو أن في غيرهم من هم أفضل منهم منزلة عند الله وأعلم منهم بأمور الشرع حتى قال شيخ الاسلام _ ( المنتقى )( ص191) _: ( ولولا أن الناس وجدوا عند مالك والشافعي وأحمد أكثر مما وجدوه عند موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي لما عدلوا عن هؤلاء إلى هؤلاء ).
الوجه الثاني: نسبته هذا القول في مؤازرة السلطة الاسلامية إلى أئمته ومذهبه بما يشعر اختصاصهم به دون غيرهم باطل قطعا بل هو قول أهل السنة والجماعة، قال شيخ الاسلام في ( العقيدة الواسطية ) وهي لبيان مذهب أهل السنة والجماعة _ ( مجموعة الرسائل الكبرى ) (1/410) _: ( ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا ويحافظون على الجماعات ) ويدل على ذلك أيضا إخراجهم الأحاديث الكثيرة في ذلك ومنها تلك التي ذكرها هذا الموسوي في مراجعته هذه _ أحاديث ابن مسعود وأبي ذر وسلمة الجعفي وحذيفة بن اليمان وأم سلمة رضي الله عنهم أجمعين _ بل هذه التي ذكرها مما تبين تناقضه القبيح فإنه رغم أنه مذهب اختص به أئمته ثم عزاه في التخريج في الهوامش لكتب أهل السنة، أليس هذا تناقضاً واضحا فاضحا من قبل هذا المدعو عبد الحسين؟ وفوق ذلك لا نشك في كذبه في ادعائه أن هذا مذهب أئمته من الرافضة إذ لو كان صادقا لعزا قوله وتقريره هذا لموضع واحد من كتب أئمته، لكنه يعلم ببطلان هذا وما هي إلا تقية يستعملها في وجه أهل السنة الذين يعلمون أن أبعد الناس عن طاعة الأمراء ومؤازرتهم هم الرافضة هؤلاء، وهو ما يتبين بالوجه الآتي:(66/220)
الوجه الثالث: وهو ما سبق بيانه خلال الرد على المراجعة ( 64 ) من نظرة الرافضة إلى الحكومات الاسلامية جميعا من عهد الصديق رضي الله عنه إلى عصرنا الحاضر _ عدا مدة خلافة علي رضي الله عنه _ بأنها باطلة لأنها اغتصبت الأمر وحالت دون تولي الأئمة المعصومين ونوابهم زمام الحكم _ بزعمهم _، وهو ما صرح به إمامهم الذي يسمونه ( آية الله الخميني ) في كتابه ( الحكومة الاسلامية ) ( ص33)، حتى إن الكليني الذي يمجده هذا الموسوي كثيرا في مراجعاته هذه وقال عن كتابه بأنه من الكتب المقدسة ومستودع علوم آل محمد صلى الله عليه وسلم _ كما في المراجعة (14) _ روى في ( الأصول من الكافي ) ( باب اختلاف الحديث ) ( 1/67 ): ( عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ فقال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقا ثابتا له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ).
ولهذا ترتب عند الشيعة وجوب مقاطعة كل تلك الحكومات على جميع المستويات، وهاهم في زماننا هذا في أبسط المسائل مثل عقود النكاح لا يصححون فعل كل القضاة والحكام الذين تنيبهم الدولة _ مهما كانت _ على ذلك بل لابد من أن يقيم لهم أحد أئمتهم، وهذا أمر معلوم من حالهم بالضرورة الذي حاول إخفاءه وإظهار خلافه هذا المدعو عبد الحسين في هذه المراجعة، ونحن لا نشك أبدا أن هذا القول منه ليس إلا تقية فمثله لا يجهل هذا الأمر من مذهبه مع امتلاكه القدرة على مثل هذا التمويه العجيب.(66/221)
ولولا أننا لا نحكم بالظن لقلنا أن مذهب هؤلاء الرافضة _ ومنهم عبد الحسين هذا _ في تبرير موقف علي رضي الله عنه وباقي ذريته _ سوى الحسين رضي الله عنه _ أن ذلك كان منهم رغبة في تقويض كل تلك الدول وتخريبها من داخلها بالتظاهر بالموافقة لهم والدخول معهم، ومع أننا نقطع ببراءة علي وذريته من هذا النفاق إلا أننا نظن إن هذا جواب هؤلاء الرافضة فيما لو سئلوا عن موقف أئمتهم هؤلاء من حكوماتهم، لكننا كما قلنا لا نحكم بالظن حتى نتيقن، ولا سبيل إلى تيقننا إلا بكلفة نحن الآن في غنى عن بذلها.
وسبب ظننا هذا ما تأكدنا منه من مذهب الرافضة بأنهم لا يجيزون الدخول في أي عمل لكل تلك الحكومات ولكنهم مع ذلك يستثنون من ذلك إذا كان الدخول معهم من أجل تخريب دولهم وتقويضها، بل وإعانة أهل الكفر والضلال عليهم كما قدمناه في الرد على المراجعة (64) من موقف كل من نصير الدين الطوسي وابن العلقمي وإعانتهما للمغول الكفرة على أهل الاسلام. وقد جاء مذهبهم هذا صريحا فيما قرره إمامهم المقبور الخميني في كتابه ( المكاسب المحرمة ) (2/123): ( عن أبي الحسين علي بن محمد عليه السلام إن محمد بن عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس _ فكان مما قاله: إن مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل في إدخال المكروه على عدوه وانبساط اليد في التشفي منهم بشيء أتقرب به إليهم، فأجاب: من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل أجرا وثوابا ).
ثم قال هذا الموسوي: ( وإن تعذر ذلك فاستولى على سلطان المسلمين غيره، وجبت على الأمة مؤازرته في كل أمر يتوقف عليه عز الاسلام ومنعته.. ) وادعى إنهم يفعلون ذلك من باب تقديم الأهم الذي هو وحدة دولة الإسلام على المهم الذي هو الخلافة، وقد صرح بذلك بعد أسطر فقال: ( وقياما بالواجب شرعا وعقلا من تقديم الأهم _ في مقام التعارض _ على المهم في المشورة )(66/222)
ثم ادعى بعد ذلك سكوت علي رضي الله عنه عن حقه في الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم _ فيما زعم _ وتنازله عنه تقديما لمصلحة قمع الفتن الحاصلة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم على استحقاقه _ المزعوم _ للخلافة حتى قال: ( فكان من الطبيعي له أن يقدم حقه قربانا لحياة الإسلام وإيثارا للصالح العام) في كلام يتبين إن شاء الله خلال ردنا عليه في الوجوه الآتية:
الوجه الأول: لو كان ما ادعاه صحيحا من سكوت علي رضي الله عنه عن حقه في الخلافة لأبي بكر، رغبة منه في الحفاظ على وحدة الأمة رغم استيلاء أبي بكر عليها فلم لم يفعل ذلك أيضا مع معاوية؟ مع إن افتراق الأمة في خلافة علي كان أعظم افتراق إذ صاروا ثلاثة أحزاب حزب مع علي وحزب مع معاوية وحزب اعتزلهما.
وهذا ما يبين بطلان قول الموسوي من أن مذهب أئمته تقديم الأهم الذي هو وحدة دولة الاسلام على المهم الذي هو الخلافة. فهل تنازل علي رضي الله عنه عن هذا الأصل ولم يعد يراعي تقديم الأهم على المهم؟ وهل تنازل عنه ابنه الحسين رضي الله عنه حين خرج على يزيد؟ أم هل غفلوا عنه وتنبه له هذا الدجال عبد الحسين؟
ونحن إذ نقول هذا لا نخطئ عليا ولا الحسين رضي الله عنهما في موقفهما ذاك بل هما عندنا مصيبان، ومعارضهما مخطئ، لكننا نقوله حتى نبرهن أن لم يكن عند علي ولا عند الحسين مثل هذا الموقف في التنازل عن حقهما في الخلافة حفاظا على وحدة الصف بل كانا يريدان _ مثل كثير غيرهما _ .
إن الخلافة حين تكون حقا لهما فلهما أن يقاتلا من أجلها، بخلاف الحسن رضي الله عنه فإنه فقط الذي يقال عنه أنه تنازل عن حقه، وهو الذي اختصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدح بين سائر أهل البيت فقال عن موقفه النبيل في التنازل لمعاوية _ ( البخاري ) (2704) _ ( إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به فئتين عظيمتين من المسلمين ).(66/223)
ولا يمكن أن يكون دليل عبد الحسين هذا فيما زعمه من مذهبهم السابق هو موقف الحسن هذا من معاوية، فإنه إنما يتكلم عن علي لا عن الحسن، فعلي لم يكن عنده مثل هذا الموقف، إذ لو صح لكان أدعى أن يلتزم به مع معاوية ولا يكون تمسكه بحقه سببا في فرقة الأمة، فلما لم يكن ذلك علم أنه لم يكن ليتنازل عما رآه حقا فلو كان يرى خلافته للنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يتنازل عنها إذن، فإذ قد علم هذا علمنا ببطلانه من أساسه. فإن قال أحد: إن معاوية يفرق كثيرا عن أبي بكر، وإن مثل معاوية لا يحق لأحد أن يتنازل له، كما هو المنتظر من هؤلاء الروافض، عارضناهم بموقف الحسن مع معاوية وتنازله له، فإن صححوا موقفه لزمهم ما سبق من موقف علي مع معاوية، وإن أبطلوه فقد نقضوا أصلا عظيما من أصولهم الفاسدة ألا وهو عصمة الأئمة _ بزعمهم _.(66/224)
الوجه الثاني: لو صحت دعوى هذا الموسوي من مراعاة علي لظروف وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وما أتبع ذلك من الفتن الطاغية _ على حد تعبيره _ وارتداد بعض العرب وترصد الكفار بالاسلام وأهله لكان الواجب إذن أن يصرح علي رضي الله عنه بحقه في الخلافة فور انتفاء تلك الأسباب المزعوم تسببها في سكوته وذلك في آخر خلافة أبي بكر رضي الله عنه، أو بعد وفاته ولا يدع الأمر يصير إلى عمر، إذ من المعلوم بالضرورة أنه لم يكن هناك _ حين توفي أبو بكر _ فتن طاغية _ كما سماها عبد الحسين هذا _ تنذر بانتفاض الجزيرة وانقلاب العرب واجتياح الإسلام، ولم يكن هناك مسيلمة ولا طليحة ولا سجاح ولا أي من أصحابهم إذ قد أبادهم الله تعالى على أيدي جنود أبي بكر رضي الله عنه، ولم يكن هناك أحد من الكفار _ الروم أو الفرس _ يترصد بالإسلام سوءا بل كانوا هم المترصد بهم. وهذه كلها هي الأحوال التي جعلها هذا الموسوي متكئا لما زعمه من سبب سكوت علي رضي الله عنه عن حقه، فحتى لو جاريناه فيها فإنها قد انتفت تماما قبل وفاة الصديق رضي الله عنه فما الذي منع عليا رضي الله عنه من تصريحه بحقه حين ولي الأمر عمر لولا علمه وتيقنه بعدم استحقاقه لها مع وجود مثل هذين العلمين الشامخين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما.(66/225)
بل أكثر من ذلك وأوضح حين طعن عمر رضي الله عنه وجعل الأمر شورى بين ستة نفر كان علي ضمنهم، فلو كانوا _ وحاشاهم من ذلك _ يريدون غضبه حقه لما أدخله عمر معهم، بل لأخرجه، كما أخرج سعيد بن زيد ولما اعترض عليه أحد في ذلك بكلمة، هذا أولا. وثانيا: فقد كانت لعلي رضي الله عنه فرصة تامة وكاملة في الوصول إلى الخلافة لو إن كانت له مزية على غيره من هؤلاء الستة فضلا عمن سبقه _ الصديق والفاروق _ إذ لم يكن في تلك الأيام الثلاثة سلطان يخاف ولا رئيس يتوقى ولا مخافة من أحد ولا جند معد للتغلب، أفترى لو كان لعلي رضي الله عنه حق ظاهر يختص به من نص عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من فضل بائن على من معه ينفرد به عنهم اما كان من الواجب عليه أن يقول: أيها الناس كم هذا الظلم لي وكم هذا الكتمان بحقي وكم هذا الجحد لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم هذا الاعراض عن فضلي البائن على هؤلاء المقرونين لي؟ فإذ لم يفعل علم أنه باطل وزور وبهتان. ولا ينقض قولنا هذا ما جاء في بعض الأخبار المكذوبة الساقطة من مخاطبة علي لباقي الستة معه في الشورى، مثل الحديث الذي ذكره هذا الموسوي في الهامش (35) صفحة ( 67-68 ) إذ قد تقدم جوابنا عليه خلال الرد على المراجعة (12) في موضعه ذاك وبينا سقوطه عن الاحتجاج، فليراجع..(66/226)
ومن المعلوم بالضرورة أن أمر الستة هؤلاء قد خلص إلى عثمان وعلي وكان الحكم بينهما الصحابي الجليل الأمين عبد الرحمن بن عوف وقد رضيا به، أنظر تفصيل ذلك في ( البداية والنهاية ) ( 7/145-147 ) وكان مما جاء فيه قول عبد الرحمن لعلي وعثمان: ( أيكما يبرأ من هذا الأمر فنفوض هذا الأمر إليه والله عليه والاسلام ليولين أفضل الرجلين الباقيين، فأسكت الشيخان علي وعثمان، فقال عبد الرحمن: إني أترك حقي من ذلك والله علي والاسلام أن أجتهد فأولي أولاكما بالحق، فقالا: نعم، ثم خاطب كل واحد منهما بما فيه من الفضل، وأخذ عليه العهد والميثاق لئن ولاه ليعدلن ولئن ولي عليه ليسمعن وليطيعن، فقال كل منهما: نعم: ثم تفرقوا )
وهذا صريح كل الصراحة في رضا علي عن جعل عبد الرحمن حكما بينه وبين عثمان، فلو كان عنده نص في الخلافة _ كما يزعمه هؤلاء الكذبة _ لما سكت حينها فضلا عن تفريطه في السكوت قبل هذا الموضع. ثم قال الحافظ ابن كثير أيضا: ( ثم نهض عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستشير الناس فيهما ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس وأقيادهم جميعا وأشتاتا، مثنى وفرادى ومجتمعين، سرا وجهرا، حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن وحتى سأل الولدان في المكاتب وحتى سأل من يرد من الركبان والأعراب إلى المدينة في مدة ثلاثة أيام بلياليها فلم يجد اثنين يختلفان في تقدم عثمان بن عفان إلا ما ينقل عن عمار والمقداد أنهما أشارا بعلي بن أبي طالب ) وهذا يبين أن دعوى نص النبي صلى الله عليه وسلم على علي خرافة لا أساس لها من الصحة وهي من نسج الرافضة هؤلاء، إذ كيف يعقل تواطؤ مثل هذا العدد الهائل من المسلمين داخل المدينة وخارجها، رجالا ونساءا، كبارا وصغارا، مجتمعين ومنفردين كل على حدة، يتواطؤن على نسيان حق علي ثم تقديم غيره عليه، أو أنهم فعلوا ذلك عمدا، وهو ما يتضح الجواب عليه في الوجه الآتي.(66/227)
الوجه الثالث: وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وجمهور أصحابه متوافرون فما منهم أحد أشار إلى علي رضي الله عنه بكلمة يذكر فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص عليه ولا ادعاه له أحد في ذلك الوقت ولا بعده، ومن المحال الممتنع الذي لا يمكن ولا يجوز البتة اتفاق أكثر من عشرين ألف إنسان على كتمان عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي، رغم أن عليا قد بايع أبا بكر طائعا غير مكره _ كما قدمنا _ وهو عندهم إنما بايع رجلا كافرا أو فاسقا جاحدا لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعانه على أمره وجالسه إلى أن مات ثم بايع بعده عمر بن الخطاب مبادرا غير متردد ساعة فما فوقها وصحبه وأعانه على أمره وأنكحه من ابنته، ثم قبل إدخاله في الشورى أحد ستة رجال، فكيف حل لعلي عند هؤلاء الجهال أن يشارك بنفسه في شورى ضالة وكفر ويغر الأمة هذا الغرور، وهذا الأمر بهذه القباحة المزعومة أدى بقوم إلى تكفير علي رضي الله عنه لأنه بزعمهم أعان الكفار على كفرهم وأيدهم على كتمان النص، منهم أبو كامل وأصحابه كما نقله عنهم الإمام ابن حزم في ( الفصل ) ( 4/183 ). والمقصود هنا بيان استحالة اتفاق هذا العدد الهائل من البشر على كتمان نص النبي صلى الله عليه وسلم على إمامة علي، أما كان في هؤلاء من يتقي الله ولا تأخذه في الحق لومة لائم؟ أما كان في بني هاشم أحد له دين يصرح بذلك؟ خصوصا وفيهم العباس الذي اتفق الجميع على توقيره وتعظيمه حتى إن عمر توسل به إلى الله تعالى في الاستسقاء، وكذلك بنو العباس عبد الله وعبيد الله وقثم، وكذلك عقيل أخو علي، وكذلك بنو أخيه جعفر وغيرهم. فإذا لم يكن في بني هاشم أحد، أما كان في جميع أهل الاسلام من المهاجرين والأنصار وغيرهم واحد يصرح بذلك؟ فهذا من المحال الذي لا يماري فيه عاقل إلا أن يدعي هؤلاء الروافض أنهم كلهم قد اتفق لهم نسيان ذلك العهد، وهذا _ كما قال ابن حزم ( 4/98 ) _ أعجوبة من المحال(66/228)
غير ممكنة ولو أمكنت لجاز لكل أحد أن يدعي أي أمر يريده من المحالات أنه قد كان وأن الناس كلهم قد نسوه، وفي هذا إبطال للحقائق كلها.
ثم إن كان جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا على جحد ذلك النص فمن أين علم به هؤلاء الرافضة الضلال؟ ومن بلغه إليهم؟ ثم إن كانوا كذلك قد كتموه _ وحاشاهم _ فما الذي حملهم على المسارعة في بيعة علي رضي الله عنه لما دعا إلى نفسه بعد مقتل عثمان رضي الله عنه؟ أما كان لهم مندوحة في كتم النص في ثلاثة أحوال مضت عن كتمه في هذا الموضع أيضا؟ وهل ذكر أحد من الناس أن أحدا من هؤلاء الذين بايعوه بعد مقتل عثمان قد اعتذر إليه مما سلف من بيعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان؟ أو هل تاب أحد منهم من جحده النص على إمامته وخلافته للنبي صلى الله عليه وسلم؟ أو هل قال أحد منهم: قد ذكرت هذا النص الذي كنت نسيته في أمر علي؟ إن عقولا خفي عليها هذا الظاهر اللائح لعقول مخذولة لم يرد الله أن يهديها. وهذا الوجه الذي قلناه هو مما استفدناه من كلام الامام ابن حزم في ( الفصل ) ( 4/96، 98، 100-101 ).
ثم ما أشار إليه هذا الموسوي خلال كلامه ذاك من الفتن المنذرة بانقلاب العرب واجتياح الاسلام، وقوله بعد ذلك: ( وقد قويت بفقده صلى الله عليه وآله وسلم شوكتهم إذ صار المسلمون بعده كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية بين ذئاب عادية ووحوش ضارية، ومسيلمة الكذاب وطليحة بن خويلد وسجاح بنت الحرث الدجالة، وأصحابهم قائمون _ في محق الاسلام وسحق المسلمين _ على ساق، والرومان والأكاسرة وغيرهما كانوا بالمرصاد )(66/229)
كل كلامه هذا فيه من الأدلة على صحة تقدم أبي بكر وعمر وعثمان على علي رضي الله عنهم جميعا في الخلافة، إذ كل هذه الفتن التي ذكرها محيطة بالإسلام وأهله كمسيلمة وطليحة وسجاح وأصحابهم المرتدين ومن سواهم من أهل الكفر كالروم والفرس لم يتصد لهم ويدرأ شرها عن الإسلام ويكسر شوكتهم ويعز الإسلام والمسلمين عليهم غير أبي بكر الصديق ومن بعده عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين رضي الله عنهم أجمعين.
ونحن نسأل هذا الموسوي وأشياعه: من قمع هذه الفتن الطاغية المنذرة بانتفاض الجزيرة وانقلاب العرب واجتياح الاسلام غير أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن تصدى لشر هؤلاء المنافقين من الأعراب وغيرهم وكسر شوكتهم غير أبي بكر؟ ومن ثبت الأمة وعزز لها دينها حين أرادت أن تنقلب بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر؟ وهو مصداق قوله تعالى: ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) فكان أبو بكر رضي الله عنه هو سيد الشاكرين بمقتضى هذه الآية، الذي عصم الله به الأمة من الانقلاب على أعقابهم. ونسأل أيضا: من فتح البلاد وكسر شوكة الروم والفرس وغيرهما غير أبي بكر ومن بعده عمر ثم عثمان؟ من فتح العراق والشام ومصر وعبر البحر نشرا لدين الله غير هؤلاء الأئمة المهديين؟ وكل هذا وأمثاله قد كان من غير خلافة علي رضي الله عنه وكثير منه من غير حتى مشاركته كما قدمنا ذلك في آخر الرد على المراجعة (74)، وكذلك في المراجعة (12) عند الكلام على ما أسماه بآية الولاية( ج1/142-143) من أحقية خلافة الصديق بدلالة واقع الحال بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(66/230)
ثم إنا والله لنتعجب من جرأة هذا الموسوي بذكره مثل هذه الفتن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرض تبريره سكوت علي عن حقه في الخلافة، بينما هي عند كل عاقل منصف من أدل الأمور على صحة خلافة الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم.
ومع فضل علي رضي الله عنه العظيم الذي ثبت بالأدلة الصحيحة فإنه في هذه الأحوال التي ذكرها هذا الموسوي لا فضل له يتميز به البتة على غيره، بل الفضل المميز فيها للصديق رضي الله عنه، رغم أن عليا رضي الله عنه كان أبعد الخلفاء الراشدين الأربعة عن مقاتلة المرتدين ومناجزة الكافرين من الروم والفرس وغيرهم، ونحن أهل السنة نعذره في ذلك ولا نطعن فيه من أجله لكن هذا لو ظفر بأقل منه هؤلاء الروافض في أحد ممن يبغضونهم لطاروا به كل مطار ولطبلوا له وزمروا، فمن أين للشيعة الاحتجاج على فضل علي رضي الله عنه بمثل ما ذكره هذا الموسوي؟ ثم قال عبد الحسين بعد ذلك: ( لكن سيد الأنصار سعد بن عبادة لم يسالم الخليفتين أبدا ولم تجمعه معهما جماعة في عيد أو جمعة وكان لا يفيض بإفاضتهم ولا يرى أثرا لشيء من أوامرهم ونواهيهم حتى قتل غيلة بحوران على عهد الخليفة الثاني، فقالوا: قتله الجن، وله كلام يوم السقيفة وبعده لا حاجة بنا إلى ذكره ).(66/231)
قلت: قد تقدم تفصيل موقف سعد بن عبادة رضي الله عنه في تخلفه عن بيعة الصديق رضي الله عنه، وذلك خلال ردنا على المراجعة الماضية، وبينا هناك أن سببه أنه كان يطلب الأمر لنفسه وأن يقسم صف المسلمين إلى قسمين مهاجرين وأنصار، وهذا مطلب غير شرعي أبدا، فلذا لا يلتفت أحد إلى تخلفه أو يحتج به إلا من في قلبه مرض مثل هؤلاء الرافضة، وقد قدمنا هناك أيضا أن تخلف سعد عن البيعة هذا لا حجة فيه للشيعة أبدا، بل هو مما ينغص عليهم كذلك، فراجعه. وقلنا هناك أيضا إن هذا هو السبب في عدم ذكر أئمة الرافضة هؤلاء لسبب تخلف سعد عن البيعة لعلمهم أنه دليل عليهم كذلك، وقد أعاننا الله أيضا على إثبات هذا بصنيع هذا المدعو عبد الحسين هنا إذ تراه قد أشار إلى تخلفه عن البيعة ولم يذكر سببه بالنص رغم أنه من المفترض أنه يؤيد قوله، ولكنه لا يستطيع ذلك ولا يبيحه له أشياعه لأنه ينغص عليهم كما قلنا، فالحمد لله على توفيقه في كشف مواقفهم هذه.(66/232)
ولا يفوتني أن أنبه إلى ما في كلامه من الكذب الذي لا يخفى على من له علم بالسيرة، وذلك في قوله ( لم يسالم الخليفتين أبدا ولم تجمعه مهما جماعة في عيد أو جمعة.. ) فهذا مما لا دليل عليه يثبته، وتخلفه عن البيعة لا يفيده كما لا يخفى، بل إن هناك ما يعارضه وهو ما أخرجه الإمام أحمد ( 1/5 ) بإسناد صحيح إلى حميد بن عبد الرحمن _ الحميري _ وهو ثقة من الطبقة الثالثة _ في قصة سقيفة بني ساعدة، وفيها أن أبا بكر قال لسعد بن عبادة: ( ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم. فقال سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء ) ولولا أنه مرسل لاحتججنا به، ولكن نحن في غنى عنه إذ لم يثبت ما قاله هذا الموسوي. وكذلك وصفه سعدا بسيد الأنصار مبالغة مقصودة إن لم يكن كذبا متعمدا فسعد رضي الله عنه ليس سيدا للأنصار جميعهم بل هو سيد الخزرج كما هو معلوم لكل من راجع ترجمته في مظانها، وحتى ذلك لم يكن موقفه مؤثرا في الخزرج بعد أن ألغى الله هذه الفوارق بينهم فأصبحوا كلهم أنصار الله وأنصار رسوله، لكن هذا الموسوي يريد بذلك الوصف الإيهام بأن موقعه قد أثر على سائر الأنصار في التخلف عن بيعة الصديق، وقد دحضنا ذلك بحمد الله بحجج واضحة بينة في المراجعة الماضية فليراجع.
وأما ما ذكره من صفة موت سعد بن عبادة رضي الله عنه فلا يصح ولا يثبت، وهو عند ابن سعد ( 3/617 )، والطبراني في ( الكبير ) ( 359، 5360 )، والحاكم ( 3/253 ) بأسانيد مرسلة لم تثبت.
ثم أشار هذا الموسوي إلى كلام سعد يوم السقيفة وبعدها، أما يوم السقيفة فقد تقدم ذلك في المراجعة الماضية وإنه لا حجة فيه للشيعة أبدا لذا تراهم لا يذكرونه نصا كما قدمنا.(66/233)
وأما كلامه بعد يوم السقيفة فهو ما أخرجه ابن سعد في ( الطبقات ) ( 3/616 ) من طريق محمد بن عمر _ الواقدي _ حدثني محمد بن صالح عن الزبير بن المنذر بن أبي أسيد الساعدي، وهذا إسناد ساقط بمرة، الواقدي متروك، والزبير بن المنذر هذا مجهول، وقال عنه الذهبي: ( لا يكاد يعرف ). فهذه بضاعة الرافضة، الاحتجاج بالمتروكين والمجهولين إن لم يكونوا كذابين.
ثم أشار عبد الحسين هذا إلى أن بيعة سائر الأنصار مثل حباب بن المنذر إنما كانت بالقوة فقال: ( وأما أصحابه كحباب بن المنذر وغيره من الأنصار فإنما خضعوا عنوة واستسلموا للقوة ) وهذا كذب وبهتان وزور، والرافضة أهل لكل هذا. إذ من المعلوم بالضرورة التي لا يمكن إنكارها أنه لم يكن هنالك قتال ولا تضارب على بيعة أبي بكر _ كما هو الحال في بيعة علي _ ولم يكن هناك تهديد ولا وقت طويل ينفسح للوعيد، ومن المحال أن يكون أكثر من ألفي فارس أنجاد أبطال كلهم من عشيرة واحدة _ وقد ظهر من شجاعتهم ما لا شيء بعدها وهو أنهم بقوا ثمانية أعوام متصلة محاربين لجميع العرب حين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم _ ليرهبوا أبا بكر ورجلين أتيا معه فقط _ عمر وأبا عبيدة _ لا يرجع إلى عشيرة كثيرة ولا إلى عصبة ولا مال ثم يبايعوه وهو عندهم مبطل، ومن المحال أيضا أن يرجعوا عن قولهم وما كانوا قد رأوه من أن الحق حقهم ويتنازلوا إلى رجل لا عشيرة له ولا منعة ولا حاجب ولا حرس على بابه ولا له قصر يمتنع فيه ولا موالي له ولا أموال يمتاز بها عليهم. خصوصا وأن أحد رؤوسهم وهو سعد بن عبادة لم يتنازل ولم يرجع، فما الذي جعله أشجع من جميعهم حتى جبنوا كلهم وتشجع هو بمفرده؟ بل قد كان لهم في موقفه أسوة في عدم التنازل والاصرار لو كانوا قد رأوا أنفسهم محقين، لكنهم قد علموا والله أن أبا بكر على الحق وهو المستحق الوحيد لخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن من خالفه على الباطل، وقد تقدم خلال الرد على(66/234)
المراجعة الماضية تفصيل الكلام عن بيعة الأنصار للصديق رضي الله عنه وأن منهم من كان منحازا إلى أبي بكر ابتداء مثل أسيد بن حضير ومعه بني عبد الأشهل كما في ( سيرة ابن هشام ) ( 4/307 )، أو أن بعضهم كان قد أسرع في بيعة الصديق من غير تردد مثل بشير بن سعد، وغير ذلك فراجعه، وقدمنا هناك أيضا أن الحباب بن المنذر كان أول أمره يدعو بدعوة سعد بتنصيب أمير من المهاجرين وأمير من الأنصار لكنه رجع مع من رجع من الأنصار بعد تذكير أبي بكر رضي الله عنه لهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ( الأئمة من قريش ).
وكل هذا يبين كذبه بادعائه مبايعة الأنصار خوفا مما هددهم به أبو بكر، فضلا عن أن تخلف من تخلف منهم لا حجة فيه للشيعة أبدا كما قدمنا.
ومرة أخرى يعود هذا الموسوي إلى الإشارة إلى كلام الحباب بن المنذر يوم السقيفة ولا يذكره نصا لعلمه أنه حجة عليه أيضا، كما فعل ذلك في الهامش ( 7/275 )، وقد قدمنا في الرد على المراجعة الماضية نص الحديث عند البخاري ( 6830 ) وفيه قول الحباب: ( منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ) فهو نفسه قول سعد بن عبادة ولا شيء غيره كما حاول الإيهام به هذا المفتري عبد الحسين في ذلك الهامش.
ثم قوله في آخر مراجعته: ( فهل يكون العمل بمقتضيات الخوف من السيف أو التحريق بالنار إيمانا بعقد البيعة؟ ) إشارة منه إلى أن بيعة من بايع أبا بكر رضي الله عنه ومنهم علي إنما كانت خوفا بعد أن هددوا بالسيف أو الحرق، وقد قدمنا استحالة أن تكون بيعة الأنصار للصديق رضي الله عنه خوفا منه أو إجبارا وإكراها فضلا عن أن ذلك لم يرد حتى ولا في خبر مكذوب، لكن عبد الحسين هذا قد فاق حتى الوضاعين والكذابين في الأخبار فافترى مالم يخطر على بالهم.
أما ادعاؤه تهديدهم عليا بالقتل أو الحرق وهو ما صرح به في الهامش ( 8/275 ) فكذب سمج أبين من سابقه، وذلك يتضح من وجوه:(66/235)
الوجه الأول: إن هذا معارض لما قاله سلفا من أن عليا هو الذي شق بنفسه طريق الموادعة وآثر مسالمة القائمين بالأمر، وأن ذلك مبني على ما قدم به مراجعته من مذهبهم _ فيما زعم _ في مؤازرة أهل السلطة الاسلامية حفاظا على وحدة الإسلام والمسلمين، وهذا يعني عند كل عاقل أنه بايع بمحض إرادته، فكيف يزعم بعد هذا في آخر المراجعة أنه إنما بايع خوفا من القتل أو الحرق؟ وكأن هذا الأحمق يظن أن من انتهى إلى آخر مراجعته قد نسي أولها!!
الوجه الثاني: وهو ما أقره هذا الموسوي بنفسه في المراجعة الماضية من تخلف علي رضي الله عنه عن البيعة ستة أشهر، ونحن وإن كنا أثبتنا أنه بايع ثاني يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنا قلنا أنه انقطع تواجده معهم إلا في النادر مداراة لفاطمة رضي الله عنها فاحتاج بعد وفاتها أن يجدد البيعة وهو الذي كان بعد ستة أشهر والمهم أن اقرار الموسوى بتخلفه عن البيعة ستة أشهر ثم مبايعته بعد ذلك بمحض إرادته _ كما هو نص الحديث في الصحيحين الذي قدمناه في بداية الرد على المراجعة ( 80 ) _ يدحض أيضا إكراههم عليا على البيعة وتهديدهم له إذا لم يفعل، وإلا فلم أمهلوه ستة أشهر؟ ولو كانوا يريدون إكراهه بالتهديد بالحرق لما حسن بهم تأخير ذلك , ثم بعد هذه الأشهر الستة جاءهم هو بنفسه طائعا غير مكره بل مقرا بفضل أبي بكر رضي الله عنه واستحقاقه للخلافة، كما هو واضح من نص الحديث الذي أشرنا إليه وقد تقدم. فلا سبب يعقل لإظهار بيعته للصديق رضي الله عنه بعد ستة أشهر إلا أنه رأى الحق فيها واستدرك أمره فبايع طالبا حظ نفسه في دينه راجعا إلى الحق لما بايع، وإلا لو كان رجوعه إلى بيعة أبي بكر رجوعا إلى الباطل _ كما تقوله الروافض عن بيعة أبي بكر بأنها أمر باطل _ لكان ذلك قدحا في علي قبل أبي بكر، فضلا عن أن هذا هو الباطل بعينه.(66/236)
الوجه الثالث: أن ذلك يتضمن قدحا في علي رضي الله عنه بما يلزمه من وصفه بالخوف والجبن وهو الأسد شجاعة، فإنا وإياهم متفقون على شجاعته رضي الله عنه التي قل نظيرها قبل هذه الحادثة وبعدها، إذ قد عرض نفسه إلى الموت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات، وكذا بعد ذلك يوم الجمل وصفين فما الذي جبنه وأخافه من الموت بين هاتين الحالتين؟
ثم إن عليا عندهم أشجع من عثمان، والكل يعلم كيف كانت شجاعة عثمان رضي الله عنه حين واجه الموت لوحده وأبى أن يرضخ للمعتدين رغم تمكنه من الدفاع عن نفسه بجيوش عظيمة لو كان أراد ذلك، لكنه لعظم شجاعته واجه الموت بكل ارتياح ولم يتنازل عن حقه في الخلافة، فعلي لو كان عنده نص من النبي صلى الله عليه وسلم كان أدعى أن لا يتنازل ولا يجبن لو أنه هدد بالقتل أو الحرق، وإلا لو أصر الروافض على قولهم ذاك بأنه قد هدد بالحرق _ كما فعل هذا الموسوي _ فإنهم إذن يقررون فضل شجاعة عثمان على علي رضي الله عنهما وهو ما الموت أهون عندهم من سماعه.
وكذا ابنه الحسين رضي الله عنه كان مثال الشجاعة حين لم يرض بالتنازل عن حق رآه لنفسه ليس من نص شرعي بل من مبايعة أناس في قلوبهم مرض، فعلي رضي الله عنه لو كان عنده نص من النبي صلى الله عليه وسلم لكان أولى بمثل هذه الشجاعة من ابنه الحسين وغيره.
ثم ما بال سعد بن عبادة وهو دون علي في الشجاعة والإقدام والفضل، لا يرهبه تهديد المبايعين للصديق فيأبى مبايعته ويصر على ذلك طيلة خلافة أبي بكر وكذا في خلافة عمر حتى يموت على ذلك وهو لا يملك من الفضل ما يميزه عن غيره فضلا عن تقدم غيره عليه، وفضلا عن عدم امتلاكه لنص من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؟(66/237)
فإن قالوا إن عليا يفرق بين هؤلاء وغيرهم بأنه قد راعى وحدة الأمة واتحاد الصف، فقد عاد الكلام إلى ما سبق نقله وتفصيل الرد عليه من ثلاثة أوجه فليراجع، لكن المقصود هنا الرد على زعمه بأن عليا بايع خوفا من القتل أو التحريق بالنار، وقد قدمنا ثلاثة أوجه من الرد، وها نحن نمضي في ذلك.
الوجه الرابع: إن بطلان سكوت علي خوفا منهم يتضح حتى بدون ذكر شجاعته رضي الله عنه إذ قد كانت له من الأسباب المادية ما تؤهله للإنكار والاعتراض عليهم فيما لو أراد ذلك حتى دون الحاجة إلى نص من النبي صلى الله عليه وسلم _ لكن الله أعاذهمن مثل هذا الباطل _ مثل كونه ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته وأشرفهم نسبا، بل قد كانت لتؤيده بنو هاشم كلها وهم من هم في العرب، وكذا بنو أعمامهم بنو عبد شمس، فهذان هما أعظم أحياء قريش في حين كانت بنو تميم من أضعف قريش عزة ومنعة، فلو كان علي رضي الله عنه له أدنى حق في الخلافة لاستطاع أن يملأها عليهم خيلا ورجالا، بل قد عرض ذلك عليه صراحة أبو سفيان، وهو من أبناء عمومته بني عبد شمس _ وذلك فيما أخرجه الطبري في ( تاريخه)( 3/209) عن ابن الحر قال: (قال أبو سفيان لعلي: ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش، والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا، قال: فقال علي: يا أبا سفيان، طالما عاديت الاسلام وأهله فلم تضره بذاك شيئا إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا ) قلت: واسناده صحيح إلى ابن الحر، ولم أعرفه وأظنه حصين بن مالك بن أبي الحر، وهو ثقة من كبار التابعين، فإن يكن هو فالقصة ثابتة.
فإذا كانت كذلك ففيها فوائد عزيزة _ قد أثبتناها فيما سبق _ أولاها: نقض خرافة تهديدهم عليا واجباره على البيعة، الثانية: تصريحه بأحقية أبي بكر للخلافة ورضائه بذلك، الثالثة: بيان موقف أبي سفيان من علي وميله إليه، رغم أن ذلك لم يكن تدينا بل عصبية وهوى لكنه يفيد في قطع ألسنة هؤلاء الروافض عن أبي سفيان رضي الله عنه.(66/238)
ومما يؤكد هذا الوجه الرابع الذي نحن فيه ما ثبت عن علي رضي الله عنه من عدة طرق من إنكاره أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد اختصه بشيء دون غيره من الصحابة، من ذلك ما أخرجه الإمام أحمد (1/79 ) والبخاري ( 1/36 ) ( 4/30 ) (8/45، 47) , والترمذي ( 2/311 )، والنسائي ( 8/23 ) , عن أبي جحيفة قال: سألت عليا رضي الله عنه: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ _ وفي رواية: ما ليس عند الناس _ فقال: ( والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهما يعطى رجل في كتابه، وما في الصحيفة ) قلت: وما في الصحيفة؟ قال: ( العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر ). وله ألفاظ وطرق أخرى، انظر ( مسند الإمام أحمد ) ( 1/118، 119، 151، 152 )، ( صحيح مسلم )( 3/1567 )، (سنن النسائي)( 8/24).(66/239)
الوجه الخامس: تكذيبه فيما ادعاه في الهامش ( 8/275 ) من أن تهديدهم عليا بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي، ونحن والله لنتعجب من جرأة الرافضة هؤلاء عموما، وعبد الحسين هذا خصوصا إذ لم يكتف بادعائه الثبوت بل زاد عليه بالتواتر القطعي، ونحن نعفيه ونعفي أتباعه من إثبات التواتر القطعي فإنه لا سبيل إليه حتى وإن اجتمع إنسيهم وجنيهم عليه ولكن نتحداهم بسوق سند واحد له فيه أدنى درجات الصحة، وقد عزاه في الهامش إلى ابن قتيبة في( الإمامة والسياسة ) والطبري في ( تاريخه ) وابن عبد ربه المالكي في ( العقد الفريد ) وابن بكر الجوهري في السقيفة نقلا من ( شرح نهج البلاغة ) والمسعودي في ( مروج الذهب ) والشهرستاني في ( الملل والنحل ) وأبي مخنف في تصنيفه لأخبار السقيفة. وكل هؤلاء _ باستثناء الطبري _ لا تقوم بهم حجة ولا تثبت بهم صحة ولا قريبا منها، فكلهم _ بإستثناء الطبري _ لا يذكر إسنادا لما يسوقه، الأمر الذي يمنع العاقل من تقرير صحته فضلا عن تواتره، هذا شيء، والشيء الآخر ما عند كل واحد من هؤلاء المذكورين _ باستثناء الطبري _ أو كتبهم مما يسقط الاحتجاج بهم أو بكتبهم، فأبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري صاحب كتاب السقيفة لا قيمة له عند أهل السنة، بل هو شيعي ذكره شيخهم الطوسي في ( الفهرست ) ( 110 ) وعنه نقله الخوئي في ( معجم رجال الحديث ) ( 621 ) وقال عنه أيضا ( فالرجل لم تثبت وثاقته ) فهو إذن لا يحتج به حتى عند الشيعة أنفسهم، هذا فضلا عن فقدان كتابه ولا سبيل لهم إلا عن طريق ابن أبي الحديد في شرحه للنهج، الذي هو الآخر لا قيمة له عند أهل السنة إطلاقا. أما المسعودي صاحب كتاب ( مروج الذهب ) فهو شيعي أيضا ومعتزلي كما نص عليه الحافظ في ( لسان الميزان ) ( 4/224_225 ) فقال: ( وكتبه طافحة بأنه كان شيعيا ومعتزليا ) أمثل هذا يكون حجة على أهل السنة؟ فحاله يشبه حال ابن أبي الحديد. ومثل المسعودي بل أوهى منه أبو مخنف(66/240)
الذي قال عنه هذا الموسوي بأنه أفرد كتابا لأخبار السقيفة على فرض صدقه، وأبو مخنف هذا اسمه لوط بن يحيى، ذكره الذهبي في ( الميزان ) ( 3/419- 420 ) وقال: ( إخباري تالف لا يوثق به، تركه أبو حاتم وغيره، وقال الدار قطني: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيء، وقال ابن عدي: شيعي محترق صاحب أخبارهم ) قلت: وهذا الخبر الذي ذكره من تأليفهم وافترائهم.
أما ( العقد الفريد ) لابن عبد ربه المالكي فلا يمكن الاعتماد عليه في مثل هذه الأخبار فهو فضلا عن عدم سوقه للأسانيد فهو كتاب أدب لا حجة فيه لإثبات الأخبار ولا يعرج على مثله إلا المخذولون.
أما كتاب ( الإمامة والسياسة ) فقد قدمنا في آخر المراجعة (80 ) عدم صحة نسبته إلى ابن قتيبة، ومن ثم خلو الكتاب من أية قيمة علمية كما لا يخفى.
وآخر المذكورين هنا هو الشهرستاني في ( الملل والنحل ) وقد ذكر ذلك فعلا (1/73) _ هامش الفصل _ نقلا عن ابراهيم بن سيار النظام في المسألة الحادية عشرة من المسائل التي انفرد بها عن المعتزلة وهي ميله إلى الرفض ووقيعته في كبار الصحابة، ثم ساق له الشهرستاني بعضا من أباطيله وافتراءاته تلك ومنها افتراؤه على عمر بأنه هددهم بإحراق بيت علي، ثم قال الشهرستاني (1/74): ( إلى غير ذلك من الوقيعة الفاحشة في الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ) فهذا يوضح لكل ذي عقل أن الشهرستاني لم يقر بتلك الحادثة الباطلة بل نقل افتراءات النظام ذاك ومنها هذا ثم استنكرها كلها، فمن أراد الإيهام بأن الشهرستاني أقر بتلك الحادثة المفتراة هل يشك أحد في كذبه ودجله، مثل هذا الذي رضي لنفسه _ ورضي له أتباعه _أن يتعبد لغير الله تعالى فتسمى بعبد الحسين، ذلك الاسم الذي سيدعى به يوم القيامة إمعانا في خزيه وزيادة لما أعد له من العذاب.(66/241)
وبعد إسقاط الحجة بكل هذه الكتب في مثل ما نحن بصدده نعود إلى ( تاريخ الطبري ) الذي هو وحده الذي يستحق النظر فيه فنقول: قد أخرج الطبري (3/202) بإسناده عن زيادة بن كليب قال: ( أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة..) قلت: وهذا باطل لا يثبت من جهة إسناده ومتنه، أما إسناده فهو من رواية زياد بن كليب أبي معشر الكوفي من قوله، وهو معضل إذ بين زياد هذا وبين من يمكن أن يشهد تلك الحادثة راويين على الأقل، فزياد من الطبقة السادسة مات سنة مائة وعشرين، ومنه يعلم الانقطاع الفاحش في إسناده الذي يوجب ضعفه. أما متنه ففيه نكارة لمخالفته ما ثبت من الأحاديث الصحيحة المصرحة ببيعة الزبير وجميع المهاجرين ابتداء لأبي بكر وأنهم كانوا منحازين إلى أبي بكر منذ البداية، فضلا عن مخالفته ما ثبت من الأحاديث في بيعة علي رضي الله عنه بالاختيار دون الكره، انظر لكل تلك الأحاديث التي أشرنا إليها ما قدمناه في الرد على المراجعة الماضية.. والحمد لله على توفيقه..
المراجعة الماضية (83): س:
استفسار شيخ الأزهر عن امكانية الجمع بين ثبوت النص وحمل الصحابة على الصحة
المراجعة (84): س:
ادعاؤه عدم تعبد الصحابة بالنصوص إذا كانت متعلقة بأمور السياسة وتدبير الدولة، مع ذكره لبعض الدوافع _ المزعومة _ لهم على ذلك.
ذكره لآخر ما عنده من الأسباب _ المفتراة _ التي أوجبت قعود علي عن حقه المزعوم في الخلافة.
الرد على المراجعة (84):
1_ نقض دعواه في اتهامه الصحابة عدم التعبد ببعض النصوص مع التقديم لبيان فضل الصحابة رضوان الله عليهم.
2- رد الأسباب المزعومة التي دفعت الصحابة لذلك.
3- الإتيان على كل الاحتمالات التي تتحجج بها الشيعة في تفسير مبايعة علي لأبي بكر ومناقشتها.(66/242)
أبى الشيطان إلا أن يوسع كيده ومكره على يدي هذا الدجال عبد الحسين وأتباعه، بما ينفخه فيهم من الخبث والغرور فيتعاظمون حتى يظنون أن عندهم قوة وحجة، لكن الله تبارك وتعالى قد طمأننا فقال: ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الاستعانة بالله عليهم والاستعاذة به من شرهم تصغرهم وتحقرهم وتذلهم، فنستعين بالله على الروافض هؤلاء ونستعيذ به من شرهم.
وهاهم الضلال إخوان الشياطين وقد انتدبوا أشقاءهم فعاد في هذه المراجعة إلى الطعن بخيار العالمين بعد الأنبياء والمرسلين وهم صحابة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم أجمعين، وحقا أنه لم يسلم أحد من الكلام عليه وإلقاء التهمة بين يديه، والله در من قال ممن وقف على حقيقة الحال:
قيل إن الإله ذو ولد قيل إن الرسول قد كهنا ما نجا الله والرسول معا من لسان الورى فكيف أنا
ومع هذا لا يخفى على ذوي الألباب أن مطاعن هؤلاء الفرق الضالة أشبه شيء بنبح الكلاب بل لعمري إنه لصرير باب، أو طنين ذباب:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل(66/243)
وتالله إنها لنفثات أعداء الاسلام في هذه الفرق الضالة، نقموا من هذه الأمة أعظم ما نقموه أن يكون لنبيها مثل هؤلاء الأصحاب الذي بذلوا كل ما بوسعهم من النفس والمال في ساعة العسرة وفترات الشدة أيام كان الاسلام غريبا محاصرا من كل جانب مطاردا من كل عدو قليل الأنصار والأعوان، وكان هذا البذل خالصا لا تشوبه شائبة من طمع ولا رياء. ولم يكن هذا لوحده هو الذي أغاظ أعداء الاسلام من اليهودية والنصرانية على الخصوص فإنه قد كان لهم عزاء في أصحاب أنبيائهم وتضحياتهم ومواقفهم المشرفة، ولكن أكثر ما غاظهم أن لا يساوي أعظم موقف من مواقف أصحاب أي نبي من أنبيائهم أدنى موقف من مواقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فها هو موسى عليه السلام قد قص الله علينا في عشرات الآيات كيف كان موقف أصحابه، بل الخلص منهم طيلة حياته حتى انتهى إلى أن قال: ( رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي )، ثم ها هو عيسى عليه السلام يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن خاصة أصحابه وهم الحواريون أنهم كانوا محتاجين في تقريرهم لصدقه إلى أية معجزة تدلهم عليه، فضلا عن استفسارهم عن مدى استطاعة الله وقدرته فقالوا: ( هل يستطيع ربك أن ينزل مائدة من السماء ) وبرروا ذلك بقولهم: ( نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ).(66/244)
وإن العاقل ليستحي لو طلب المقارنة بين كل هؤلاء وغيرهم وبين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه في أشد الأيام محنة وأحلك الليالي ظلمة لم يطلبوا منه يوما من الدهر آية يستعينون بها على حالهم فضلا عن زيادة إيمانهم ويقينهم، بل كانوا مثال الاستسلام لأمر الله والصبر لقدر الله وما يصيبهم جراء نصرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إن ذلك كان مما يزيدهم إيمانا وتسليما كما أخبر عن واقع حالهم علام الغيوب فقال: ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما )، وكما قال عنهم أيضا بعد آخر جهاد لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) يعني غزوة تبوك، وكل هذا وأمثاله كثير يريد أن يصادر عليه أعداء الاسلام من اليهودية خصوصا والنصرانية وغيرهم عموما بما بغوه من الطعن بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنهم لم يستطيعوا ذلك علنا، فوجدوا لهم أعظم عون في هذه الفرق الضالة، الرافضة هؤلاء بما افتروه على ذلك الجيل الفريد الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوجيه رب العالمين حتى بلغ مقاما لولا أنه كان بالفعل لحسبه الناس من الأحلام الطائرة والرؤى المجنحة التي صاغها خيال محلق.
ومن طالع كلام هذا الدجال عبد الحسين في هذه المراجعة، واللتين قبلها (80، 82 )، واللتين بعدها ( 86، 88 ) وكلام غيره من الرافضة يتيقن أنهم يعنون صراحة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا إخوانا في الله، ولم يكونوا رحماء بينهم، وإنما كانوا أعداء يلعن بعضهم بعضا ويمكر بعضهم ببعض وينافق بعضهم لبعض ويتآمر بعضهم على بعض بغيا وعدوانا.(66/245)
لقد كذبوا والله، بل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أسمى من ذلك وأنبل، وكانت بنو هاشم وبنو أمية أوفى من ذلك لإسلامها وقرابتها، وأوثق صلة وأعظم تعاونا على الحق والخير.
ومن أحط أكاذيب الرافضة زعمهم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضمر العداوة بعضهم لبعض _ كما هو مقتضى كلام عبد الحسين في تلك المواضع المشار إليها _ بل هم كانوا كما قال الله عنهم: ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ) فذاك موقفهم من الكفار مع أن فيهم آباؤهم وإخوانهم وذوي قرابتهم، ولكنهم قطعوا هذه الوشائج جميعا، وهذا موقفهم مع المؤمنين أيضا مع أن ما يجمعهم فقط أخوة الدين، فتلك الشدة لله وهذه الرحمة لله، وتلك الحمية لدين الله، وهذه السماحة لدين الله أيضا، فليس لهم في أنفسهم شيء ولا لأنفسهم فيهم شيء، وهم يقيمون عواطفهم ومشاعرهم كما يقيمون سلوكهم وروابطهم على أساس رضا الله ومحبته فقط. وفوق هذا هم كما وصفهم الله: ( يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) فهذا دأبهم وديدنهم، كل ما يشغل بالهم وكل ما تتطلع إليه أشواقهم هو فضل الله ورضوانه ولا شيء وراءه.
فهل يكون مثل هؤلاء المتراحمين بينهم، الأشداء على الكفار _ بنص الله رب العالمين _ كاتمين لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم _ المزعوم _ في علي؟؟.
وهل يجوز أن يكون هؤلاء الأشداء على الكفار بنص التنزيل شديدين على علي ومهددين له؟ إلا أن يكون علي.. وحاشاه.
وهل يجوز أن يكون هؤلاء الذين دأبهم نيل فضل الله ورضاه _ كما قرره الله عنهم _ غير ملتزمين ببعض أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى تعلقها بالمصالح الدنيوية كما زعم هذا الكذوب؟.(66/246)
ثم ما زعمه من التفريق بين أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم المختصة بالشؤون الأخروية، وبين ما سواها مما كان متعلقا بالسياسة لا دليل عليه بل هو تفريق باطل يعلمه كل مسلم صحيح الإسلام فضلا عن أن يكون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا أول من تلقى قوله تعالى: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) وهم أعرف الناس بمعناها ومرادها بما شهدوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته وبما علموه من لغتهم التي خوطبوا بها، فإن قوله ( أمرا ) نكرة في سياق الشرط وهي تفيد العموم عند كل من فهم كلام العرب، فهي تفيد لزوم تنفيذ أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم في أي شأن كان صغيرا أم حقيرا، دنيويا أم أخرويا، وأن من نكص على ذلك فقد ضل، ليس ضلالا هينا بل ضلالا مبينا. وإذ وضح هذا فإنا وجدنا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امتدحهم الله تعالى في غير آية بما ينافي ذلك أتم المنافاة، فكيف يكون هؤلاء الذين يبتغون رضوان الله قد أسقطوا بعض أوامر رسوله، الأمر الذي يقتضي أنهم قد ضلوا ضلالا مبينا؟ فهذا لا يستقيم إلا في عقول هؤلاء المجانين.
ثم إن الله تعالى قد وصفهم أيضا بأنهم راشدون فقال ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ) والرشد لا يجتمع مع الضلال إلا عند هؤلاء المجانين.(66/247)
ثم إن قوله تعالى ( وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ) لازمه تبرأتهم من عصيان أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شؤونه، إذ أن عصيانه صلى الله عليه وسلم إما أن يكون كفرا أو أدنى منه وهو الفسوق أو أقل أحواله أن يوصف صاحبه بأنه عاص، وهذا كله منتف عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنص الآية، فمن جوز أن يكون أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ملتزم ببعض أوامره مهما كانت فليراجع عقله أو إيمانه، فإنه إن أنكر معنى الآية كما بيناه فقد قدح ذلك في عقله، وإن أقر به لكن أنكر تحققها فقد قدح ذلك في إيمانه.
ثم كيف يستجيز عاقل أن يخفى بطلان هذا التفريق بين الأوامر على مسلم فضلا عن أن يكون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أيضا أول من تلقى قوله تعالى:( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )؟ وهذا أيضا عام في كل الأمور والشؤون، بل جعل الله ذلك علامة الإيمان.
وإذ بطل التفريق المزعوم بين الأوامر المتعلقة بالشؤون الأخروية وبين ما كان متعلقا بأمور السياسة وتدبير قواعد الدولة، فلم يبق إلا التسوية بين نوعي الأوامر وأن من أنكر أيا منها كان عاصيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما يريد التوصل إليه هذا الموسوي وشيعته في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن حرصوا به يلزمهم تكذيب نصوص القرآن التي مر بعضها إذ هي مخالفة لها.(66/248)
وهو أيضا مخالف لقوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وهو ما لا يبقى للإسلام من يكذب به، وحقا هو ما فعلته الرافضة بتحريفها لنص الآية هذا حين رأوها لا تستقيم مع ما يريدونه من الباطل في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ثابت عندهم في ( تفسير القمي ) لعلي بن ابراهيم القمي الذي استشهد به هذا الموسوي في مراجعاته هذه _ انظر صفحة (65) هامش (22)، وصفحة (70) هامش (44) _ قال هذا القمي في مقدمة كتابه (1/10): ( وأما ما كان على خلاف ما أنزل الله فهو قوله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } فقال أبو عبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية: خير أمة تقتلون أمير المؤمنين والحسين بن علي؟ فقيل له: كيف نزلت يا ابن رسول الله؟ فقال: نزلت أنتم خير أئمة أخرجت للناس ) أ. ه.
ثم كيف يكون هؤلاء الصحابة عاصين لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعضها مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وصفهم بقوله: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم.. الحديث ) ( البخاري ) ( 2652 ) ( مسلم ) ( 2533 )..؟.
فكيف يكونون خير الناس وهم عند الرافضة أقل الناس علما وأتبعهم للهوى؟ وهذا الحديث بمعنى الآية السابقة تماما، فإن شغبوا بعدم صحته عندهم فالآية تكفي لقطع ألسنتهم. وكيف يكون هؤلاء الصحابة عاصين لبعض أوامره صلى الله عليه وسلم وقد نص الله تعالى على رضائه عنهم فقال ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) وقال عنهم قبل ذلك أيضا ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم ) ونحن نتصور وقع هذه الآيات البينات على الرافضة هؤلاء كالصواعق يكاد برقها لشدة ضوئه ولمعانه يخطف أبصارهم، ويكاد رعدها لقوته يصم آذانهم.(66/249)
فكيف يرضى الله عن قوم لا يخضعون لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يلتزمون بها في جميع الأحوال؟ وكيف يرضى عنهم وهم يرون نفعهم ورفعتهم في خلاف أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم؟ هل يخفى هذا على علام الغيوب فيكشفه أصحاب النقائض والعيوب؟ فإن قالوا إن حال الصحابة هذا كان في ذلك الوقت فقط ثم تغيروا وارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أكذبناهم بما صرح الله به فقال ( فعلم ما في قلوبهم ) فهل لأحد من العالمين غير النبيين والمرسلين مثلها؟ علم الله كل ما في قلوبهم في تلك الحال وبعدها مما استوجب رضا الله الأبدي عنهم. وإنه والله لأمر عظيم أن يختص الله به عباده فيخاطبهم مصرحا لهم بأنه علم ما في قلوبهم ولأجله رضي عنهم..
ونظيره ما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ) _ ( مسلم ) ( 2496 )وغيره _ وكان هؤلاء ألفا وأربعمائة، وهم أعيان من بايع أبا بكر _ كما قال شيخ الاسلام ( المنتقى ) (ص70) _ فكيف يمكن أن يكون هؤلاء الذين علم الله ما في قلوبهم فرضي عنهم لذلك، وأخبر رسوله أنه لا يدخل أحد منهم النار، كيف يمكن أن يكونوا كاتمين لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي؟ أو عاصين له بدعوى أنه من الأمور السياسية؟ كما زعمه هذا الموسوي في هذه المراجعة، الذي يكفي لإسقاطه ورده انعدام الدليل عليه فضلا عن ما تقدم من حال الصحابة وفضلهم مما يستحيل معه أن يكونوا كذلك.
وما زعمه من الأدلة على ذلك فيما يأتي من المراجعات كله هذيان وبطلان واختلاق كما سنفصل كل ذلك في موضعه إن شاء الله.(66/250)
وما بالنا نتكلم عن أفاضل الصحابة وخاصتهم، مع أننا يكفينا لقمع فتن هؤلاء أن ننظر في أقل الصحابة منزلة، ذلك الذي فعله الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله في الفصل الختامي الذي عقده لكتاب ( المنتتقى من منهاج الاعتدال ) فقال ( ص600-602 ): ( بل إن الطبقة الدنيا في هذا الجيل _ وأحوالها معروفة في كل جيل وقبيل _ وهم ممن يستطيع الشيطان في العادة أن يغلبهم على إرادتهم في بعض الأحيان فيقعون في زلة يستوجبون عليها الحد الشرعي، فإن من أعجب ما وقع من تاريخ البشر أن يأتي من يقع في شيء من الزلة من أهل تلك الصبقة الدنيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعترف له بزلته، ويلح بلجاجة وإصرار على طلب إقامة الحد عليه _ وفي ذلك حتفه _ ليتطهر مما دنسه به الشيطان.
وكان نبي الرحمة إذا رأى هذا الإيمان العجيب في هذه الطبقة من أصحابه الطيبين يحاول جهده أن يدرأ الحد عنهم بكل ما يجيزه الشرع، فيأبون إلا أن يتعجلوا عقوبة الدنيا ليتقوا بها عقوبة الآخرة.(66/251)
وهذه الملاحظة _ عن هذه الطبقة بالذات _ قد سبق التنويه بها والتحدث عنها إمام كبير من أئمة أهل البيت من زيدية اليمن، وهو الامام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة ( المتوفى ببلدة كوكبان باليمن سنة 614 ) نقل ذلك عنه عالم الزيدية في القرن التاسع السيد محمد بن ابراهيم علي المرتضي الوزير ( 557-840 ) في كتابه ( الروض الباسم ) ( 1/55-56 ) فذكر تلك الطبقة وقال: ( إن أكثركم تساهلا في أمور الدين ممن يتجاسر على الاقدام على الكبائر، لا سيما معصية الزنا.. وذلك دليل خفة الأمانة ونقصان الديانة، لكنا نظرنا في حالهم فوجدناهم فعلوا ما لا يفعله من المتأخرين إلا أهل الورع الشحيح والخوف العظيم ومن يضرب بصلاحه المثل ويتقرب بحبه إلى الله عز وجل. وذلك أنهم بذلوا أرواحهم في مرضاة رب العالمين، وليس يفعل ذلك إلا من يحق له منصب الامامة في أهل التقوى واليقين ). أي أن طبقة الدهماء في ذلك الجيل المثالي _ ممن قد يقعون في الكبائر _ كان لهم من صدق الإيمان والاستقامة على الحق ما يرفعهم إلى مرتبة من يحق له منصب الإمامة في أمة من أهل التقوى والدين، فكيف بخاصة الصحابة الذين نزههم الله عز وجل عن أصغر الهفوات ورفعهم إلى أعلى الدرجات.. وقد علق على كلام المنصور بالله علامة الزيدية السيد محمد بن ابراهيم الوزير (1/ 56-57 الروض الباسم) قائلا يخاطب قارئ كتابه:( فأخبرني على الإنصاف: في زماننا _ وقبل زماننا _ من مِن أهل الديانة سار إلى الموت نشيطا، وأتى إلى ولاة الأمر مقرا بذنبه مشتاقا إلى لقاء ربه، باذلا في رضا الله لروحه، ممكنا للولاة أو القضاة من الحكم بقتله؟ وهذه الأشياء تنبه الغافل وتقوي بصيرة العاقل، وإلا ففي قول الله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) كفاية وغنية، مع ما عضدهم من شهادة المصطفى عليه السلام بأنهم خير القرون وبأن غيرهم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، إلى أمثال ذلك من(66/252)
مناقبهم الشريفة ومراتبهم المنيفة ) انتهى..
وآخر ما نكتفي به في ردنا هنا ما يرسم صورة صادقة مشرقة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعهم واقتفى آثارهم، تلك الآيات العظيمة الخالدة من سورة الحشر ( 8-10 ): ( للفقراء المهاجيرن الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) فقل لي بربك من هؤلاء المعنيون غير أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد وأبي عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد وغيرهم إضافة لعلي رضي الله عنهم أجمعين؟ فإن كانوا هم فكيف يصفهم الله بأنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم كرها لا ذنب لهم إلا أن يقولوا ربنا الله، وقد خرجوا تاركين كل ذلك ابتغاء فضل الله ورضوانه لا ملجأ لهم سواه ولا جناب لهم إلا حماه، وهم مع أنهم مطاردون قليلون فهم ينصرون الله ورسوله بقلوبهم وسيفوفهم في أحرج الساعات وأضيق الأوقات ثم هم عصوا النبي في استخلاف علي؟
وإن كانوا هم فكيف يخبر عنهم من يعلم السر وأخفى بأنهم هم الصادقون. فكيف يكون هؤلاء صادقين وهم بزعم هذا الدجال عبد الحسين وأشياعه قد كتموا أو تجاهلوا نص النبي صلى الله عليه وسلم في علي؟
ثم وصف إخوانهم من الأنصار فقال { والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حرجا مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } وهذا أصدق وصف للأنصار من أصدق قائل سبحانه وتعالى، فإن كانوا هم منبع الإيثار وأهله فكيف يخطر ببال عاقل أنهم كتموا نص النبي صلى الله عليه وسلم في علي وأخفوه؟ وإن كانوا هم من فعل ذلك فكيف يصفهم الله بأنهم هم المفلحون؟.(66/253)
ثم بين تعالى أبرز سمات من يأتي بعدهم إلى قيام الساعة فقال: ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) فأبرز سمات خلفهم أنهم يتوجهون إلى ربهم في طلب المغفرة لا لذواتهم فحسب بل ولكن لسلفهم الذين سبقوهم بالإيمان كذلك، والذين هم من أوصل الدين إليهم.
وتتجلى من وراء تلك النصوص طبيعة هذه الأمة المسلمة وتتجلى الآصرة القوية الوثيقة التي تربط أول هذه الأمة بآخرها وآخرها بأولها في تضامن وتكافل وتواد وتعاطف وشعور بوشيجة القربى العميقة التي تتخطى الزمان والمكان والجنس والنسب.
وهذه الصورة تبدو وضاءتها على أتمها حين تقرن إلى صورة الحقد الذميم والهدم اللئيم التي تمثلها وتدعو لها الرافضة، صورة الحقد الذي ينغل في الصدور وينخر في الضمير.
صورتان لا التقاء بينهما في لمحة ولا سمة ولا لمسة ولا ظل، صورة تمثل الأجيال من وراء الزمان والمكان والجنس والوطن والعشيرة والنسب متضامنة مترابطة متكافلة متوادة متعارفة بريئة الصدور من الغل، طاهرة القلوب من الحقد، وصورة تمثل الأجيال أعداء متناحرين يلقى بعضهم بعضا بالحقد والغش، والخداع والإلتواء، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم حاول عبد الحسين في الفقرة الأولى من هذه المراجعة إيجاد أسباب لما ادعاه من عدم التزام الصحابة بنص النبي صلى الله عليه وسلم _ المزعوم _ على علي، يمكن أن نجملها في أربعة أسباب:
الأول: ظنهم أن العرب لا تخضع لعلي إلا بالقوة وقد عصبوا به كل دم أريق في الاسلام لكونه أفضل بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنه كان بالنسبة لهم مثئور منه.
الثاني: ما نقموه من علي من شدة وطأته على أعداء الله، وشدته في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
الثالث: حسدهم لعلي رضي الله عنه على ما آتاه الله من فضله في العلم والعمل حتى اجتمعوا على نقض العهد إليه وكتمانه وتناسيه.(66/254)
الرابع: تشوق قريش وسائر العرب إلى تداول الخلافة في قبائلهم فجعلوها بالإنتخاب والاختيار ليكون لكل حي من أحيائهم أمل في الوصول إليها ولو بعد حين.
هذه أربعة أسباب جعلها هذا المخادع متكئا له في فريته السابقة من كتمان الصحابة للنص على علي، ونحن نبين نقض كل هذه الأسباب فنقول:
أما الأول فيكفي لإبطاله، إن لازمه وصف علي رضي الله عنه بالعجز، والعاجز لا يصلح أن يكون إماما، فإن قوله بأنهم لا يخضعون للنص عليه إلا بالقوة، يقتضي أن عليا لم تكن عنده من القوة ما عند أبي بكر وعمر، بل لم تكن عنده قوة أصلا، إذ قد قدمنا في الرد على آخر ما جاء في مراجعته الماضية ما اجتمع عند علي رضي الله عنه من الأسباب المادية ما تجعله قادرا على نيل الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لو كان يريدها أو كان له فيها حق، بل قد عرض ذلك عليه صريحا أبو سفيان بن حرب كما مر، وإذن دعوى أنهم لم يكونوا يخضعون لعلي إلا بالقوة التي لم تتوفر عند علي معناها وصفه بالعجز والجبن وحاشاه من ذلك، وإن قيل أن تلك القوة قد توفرت عنده _ وهو ما نقول به _ فإعراضه عن استعمالها دليل على علمه بعدم أحقيته للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما أثبتناه سالفا.
ثم زعمه أنهم قد عصبوا به كل دم أريق في الاسلام وأنهم كانوا يطلبون الثأر منه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من سخافات الشيعة وجهالاتهم أيضا، إذ قد علم القاصي والداني أن قريشا لم تكن تنقم نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم أبدا، بل كانوا ينقمون ذلك من أصحابه وأتباعه صلى الله عليه وسلم، هذا فضلا عن أن في بني هاشم من هم من أعدائه صلى الله عليه وسلم، لا نريد المغالاة بنفي تأييد أحد من بني هاشم له بل نقول إن حالهم كان كحال غيرهم من أصحابه سواء مع أن في أصحابه من هو أشد نصرة له منهم كما سيأتي،(66/255)
والحق أن الله تعالى قد أيد رسوله بجميع المؤمنين لا بواحد منهم فقال { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين } لكن بعض المؤمنين كان أشد تأييدا له من غيرهم وأشدهم في ذلك الصديق أبو بكر رضي الله عنه ثم من بعده الفاروق عمر رضي الله عنه. ففي سفر الهجرة لم يصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر، ويوم بدر لم يبق معه في العريش غيره، حتى قال صلى الله عليه وسلم مبينا شدة تأييد أبي بكر له أكثر من غيره: ( إن أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ) وهذا من الأحاديث المستفيضة في الصحاح من وجوه كثيرة، وقد قدمنا تخريجه في بداية الرد على المراجعة (20).
وحتى الكفار والمشركون كانوا يعلمون أن رؤوس المسلمين هم محمد صلى الله عليه وسلم ووزيراه أبو بكر وعمر، وذلك واضح جلي في سؤال أبي سفيان يوم أحد لما أصيب المسلمون فقال: ( أفي القوم محمد _ ثلاثا _ ثم قال: أفي القوم ابن قحافة _ ثلاثا _ ثم قال لأصحابه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم ) أخرجه الامام أحمد ( 4/293 ) والبخاري ( 4/27 ) ( 5/30 ) عن البراء بن عازب رضي الله عنه.
فقبح الله طائفة يخفى عليها من أمور دينها ما يعلمه حتى أعداؤها، أو أنهم يتكابرون ويتحامقون فينكرون حتى هذا!!(66/256)
وأما إن كان قصده بقوله: ( إن العرب لا تخضع لعلي ولا تتعبد بالنص عليه إذ وترها في سبيل الله وسفك دماءها بسيفه في إعلاء كلمة الله.. ) أنه قد كان لعلي بسبب ذلك حقد في قلوب كثير من العرب ولذلك انحرفوا عنه، فهذا تمويه ضعيف كاذب كما قال الامام ابن حزم، إذ قد رد على شبهة الرافضة هذه في ( الفصل ) ( 4/99-100 ) بكلام تفصيلي لا يبقي لهم حجة، نجتزئ منه ما يبين المقصود، قال رحمه الله: ( إن ساغ لكم ذلك في بني عبد شمس وبني مخزوم وبني عبد الدار وبني عامر لأنه قتل من كل قبيلة من هذه القبائل رجلا أو رجالا.. فقد علم كل من له أقل علم بالأخبار أنه لم يكن لهذه القبائل ولا لأحد منها يوم السقيفة حل ولا عقد ولا رأي ولا أمر.. فعرفونا من قتل علي من بني تيم بن مرة أو من بني عدي بن كعب حتى يظن أهل القحة أنهما حقدا عليه؟ ثم أخبرونا من قتل من الأنصار أو من جرح منهم أو من آذى منهم؟ ألم يكونوا معه في تلك المشاهد كلها بعضهم متقدم وبعضهم مساو له وبعضهم متأخر عنه فأي حقد كان له في قلوب الأنصار حتى يتفقوا كلهم على جحد النص عليه؟.. ثم أخبرونا من قتل علي من أقارب أولاد المهاجرين من العرب من مضر وربيعة واليمن وقضاعة حتى يصفقوا كلهم على كراهية ولايته ويتفقوا كلهم على جحد النص عليه؟ إن هذه لعجائب لا يمكن اتفاق مثلها في العالم أصلا، ولقد كان لطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص من القتل في المشركين كالذي كان لعلي فما الذي خصه باعتقاد الأحقاد له دونهم لو كان للروافض حياء أو عقل.(66/257)
ولقد كان لأبي بكر رحمه الله ورضي عنه في مضادة قريش في الدعاء إلى الإسلام ما لم يكن لعلي فما منعهم ذلك من بيعته وهو أسوأ الناس أثرا عند كفارهم، ولقد كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في مغالبة كفار قريش وإعلانه الاسلام على زعمهم ما لم يكن لعلي رضي الله عنه فليت شعري ما الذي أوجب أن ينسى آثار هؤلاء كلهم ويعادوا عليا من بينهم كلهم.. وهذا زيد بن حارثة قتل يوم بدر حنظلة بن أبي سفيان وهذا الزبير بن العوام قتل يوم بدر أيضا عبيدة بن سعيد بن العاص وهذا عمر بن الخطاب قتل يومئذ العاص بن هشام بن المغيرة فهلا عاداهم أهل هؤلاء المقتولين ) أ. ه.(66/258)
وأما السبب الثاني وهو ما نقموه من علي من شدة وطأته على أعداء الله، أو من يهتك حرمات الله ومساواته بين الناس حتى لم يكن لأحد فيه مطمع، فإنا لا ننكر ذلك فيه رضي الله عنه إذ هو أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم، لكنا نعلم وكل الناس يعلمون حتى اليهود والنصارى أن المقدم في ذلك والبارز فيه والذي لا يلحقه بعده أحد فيه هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي بلغ من شهرته في ذلك أن لقب بالعادل فلا يذكر العدل إلا ويتبادر إلى الذهن عمر رضي الله عنه، وهو أمر لشهرته وتواتره يستغنى عن ذكر الأدلة عليه، بل ذكر الأدلة يقيده ويضيقه بعد إطلاقه وسعته. فعمر رضي الله عنه هو الذي كانوا ينقمون منه شدة وطأته على أعداء الله ومن يتعدى حدود الله، وهو الذي لم يكن لأحد فيه مطمع ولا عنده لأحد فيه هوادة، حتى أتعب من بعده في عدله، وهذا كله تحقيقا لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث _ الصحيح من طرقه وشواهده _ أنه قال: ( اللهم أعز الاسلام بعمر بن الخطاب ) _ أخرجه الامام أحمد ( 2/95 ) والترمذي ( 3681، 3683) وابن ماجه ( 105 ) والحاكم ( 3/83 ) وابن حبان ( 2179، 2180 ) والبيهقي ( 6/370 ) والطبراني في ( الكبير ) (1428، 11657، 10314) من أحاديث كل من ابن عمر وابن عباس وابن مسعود وعائشة وثوبان _ وكما ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( وما زلنا أعزة منذ أسلم طعمر ) _ أخرجه البخاري ( 3684 ) وغيره _ وهذا كله لما كان فيه من الجلد والقوة في أمر الله كما قال الحافظ في ( الفتح ) ( 7/59).(66/259)
ثم إن أبا بكر رضي الله عنه خير من عمر وأفضل وقد ثبت عنه _ بإسناد جيد _ أنه قال في أول خطبة له غداة بيعته في السقيفة: ( والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ) أخرجه ابن اسحاق _ ( سيرة ابن هشام ) ( 4/311 ) _ وقال ابن كثير في ( البداية والنهاية ) ( 6/301 ): إسناده صحيح.
لكن هذا الموسوي لقلة حيائه عزا هذا القول لعلي دون أبي بكر، والكل يعلم أنه قول أبي بكر ثابت عنه، ولا ننكر أن عليا رضي الله عنه كان كذلك أيضا لكن أبا بكر كان أسبق منه في ذلك وأحق بوصفه منه، فما أقل حياء هؤلاء الرافضة!
وأما ما افتراه في السبب الثالث من حسدهم له لما اختصه الله به من العلم والعمل فعمدوه إلى نقض عهده وتناسي النص عليه وكتمانه فمن أقبح أكاذيب الرافضة وأحطها كما قدمناه في بداية الرد على هذه المراجعة وقلنا إن لازمه أنهم لم يكونوا كما وصفهم الله ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وأنهم ( يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) وأنهم (خير أمة أخرجت للناس )، بل لازمه أنهم كانوا متناحرين فيما بينهم متعادين متباغضين يلعن بعضهم بعضا ويضمر بعضهم لبعض العداوة، وهذا من أبطل الباطل ومن أبين الكذب لاقتضائه تكذيب كلام الله تعالى فإن زعموا أنهم يعنون بقولهم ذلك المنافقين الذين كان لهم مثل ذلك الموقف من علي، قلنا: وهذا أبطل من سابقه إذ معناه أن الكلمة والشوكة والقوة كانت للمنافقين ولم تكن للمؤمنين وأنهم بذلك لم يعد قرنهم خير القرون كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بل شرها وأقبحها لتضمنه علو كلمة المنافقين والمارقين، وسفل كلمة المؤمنين، ومن ثم كلمة الله، وهذا إن تفوهوا به فقد كفونا مؤونة ردهم.(66/260)
ومثل ما سبق أيضا ينطبق على السبب الرابع المفترى من كونهم تشوقوا إلى تداول الخلافة في قبائلهم فعزموا على نكث العهد ونقض العقد وتناسي النص على علي، فهذا يلزمه مثل ما قدمنا من حالهم ووصفهم بما يخالف نص القرآن، هذا فضلا عن أن نصوص الآيات تدل على ما قلناه من خيرية القرن الأول ذاك وأن الظهور والغلبة لأهل الإيمان الذين أيدهم الله تعالى، وأن كلمة الله تعالى فيهم هي العليا وكلمة الكافرين هي السفلى، وأن الذين ظهروا وانتصروا هم أحباب الله وأولياؤه، ومن تلك الآيات قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) التي قدمنا الكلام عليها الرد على المراجعة (12) عند استشهاد هذا الموسوي بقوله تعالى: ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا.. ) الآية وقلنا أنها أقوى الدلائل على صحة خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنه هو الذي حارب المرتدين، إذ لا يمكن أن يكون المعني بها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يتفق له محاربة المرتدين بل الكافرين، وكذا لا يمكن أن يكون المقصود عليا لأنه لم يحارب مرتدين بل متأولين كما تقدم في الكلام على الحديث (39) من أحاديث المراجعة (48). فإن زعموا أن مخاصمة علي في الإمامة هي الردة المقصودة قلنا هذا باطل من وجهين.. الأول: أن اسم المرتد لا يتناولهم _ كما قدمناه _ وعلي نفسه لم يسمهم مرتدين كما جاء النص عليه في ( نهج البلاغة ) (ص323).(66/261)
الثاني: لو كان كل من نازعه في الإمامة مرتدا لزم ذلك أيضا في أبي بكر وأصحابه، ولو كان كذلك لجاء الله بقوم يحاربونهم ويقهرونهم كما وعد به ووعده الحق فقال { فسوف يأت الله بقوم } خصوصا وأن وعد الله عام في كل مرتد بدليل قوله تعالى ( من يرتد منكم عن دينه.. ) و( من ) هذه في معرض الشرط فهي تفيد العموم كما لا يخفى، ولما لم يكن الأمر كذلك أي أن الله تعالى لم يأت بقوم يقهرون أبا بكر ومن بايعه بل كان الأمر بالضد وهو أن الروافض كانوا دوما هم المغلوبين كما يقرون هم بذلك، علم بطلان قولهم وعلم أنها دليل على ظهور أهل الإيمان الذين يحبهم الله تعالى ووصفهم بهذه الصفات في هذه الآية وعلم أن المقصود بهم هم أبو بكر وعمر ومن تابعهما، وانظر ما تقدم من الكلام (ج1/142-143 ).(66/262)
والآية الثانية: قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) وهذا نص في أن الله تعالى وعد المؤمنين الحاضرين وقت النزول بالاستخلاف والتمكين في الأرض وإزالة الخوف من الأعداء وأن يجعلهم في غاية الأمن حتى يخشاهم الكفار، وهذا الوعد كله بهذا المجموع لم يقع إلا في زمن الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، بينما كان علي رضي الله عنه بزعم الرافضة في زمن هؤلاء الثلاثة غير متمكن في الأرض وغير آمن بل كان خافيا لدينه خائفا منهم فضلا عن أنه غير مستخلف، فإما أن يقال أن وعد الله غير متحقق وهذا من أبطل المحال، أو أن يقال أنه تحقق بالنسبة للخلفاء الثلاثة قبله ولم يشمله هو، وهذا نقض لأصل الرافضة فضلا عن أنه ما تريده الخوارج والنواصب، وهو باطل أيضا، فلم يبق إلا أن يقال أنه قد كان له رضي الله عنه نصيب في هذه الآية كنصيب غيره من الخلفاء الثلاثة فالآية تعمهم جميعا من أبي بكر حتى علي، وهو الحق. وإن قالوا إن هذه الآية لم تتحقق إلا في زمن علي وخلافته فقد عاد الأمر إلى ما سبق من استلزامه إخلاف الوعد قبل ذلك وهو محال. وانظر ( مختصر التحفة الإثني عشرية ) لمحمود شكري الألوسي رحمه الله (ص126-128).(66/263)
والآية الثالثة: قوله تعالى { قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما } وفي هذه الآية دليل على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وعلى وجوب الطاعة لهم كما قال ابن حزم في ( الفصل ) (4/109). ذلك أن هذه الآية نزلت بعد الحديبية، وبالإجماع لم تحصل دعوة للمخلفين هؤلاء إلى الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال أحد إلا في غزوة تبوك، وما قبلها مثل خيبر لم تكن فيها دعوة لهؤلاء المخلفين فلا يمكن أن تكون مقصودة بالآية، وتبوك أيضا غير مقصودة إذ لم يحصل فيها القتال ولا الاسلام كما هو نص وعد الله تعالى بقوله ( تقاتلونهم أو يسلمون ) فلا تكون مقصودة أيضا، ثم ما بعد تبوك لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء العرب لقتال، ولم يخرجوا معه أبدا بدليل نص الآية ( فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ) وهذه الآية نزلت بعد تبوك بلا خلاف، فتعين أن المقصود بالآية غير النبي صلى الله عليه وسلم وأنه هو الذي سيدعوهم، وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون إلا أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فإن أبا بكر دعاهم إلى قتال مرتدي العرب بني حنيفة وأصحاب الأسود وسجاح وطليحة والروم والفرس وغيرهم، ودعاهم عمر إلى قتال الروم والفرس أيضا، ودعاهم عثمان إلى قتال الروم والفرس والترك، فوجبت طاعتهم بنص القرآن لأنه قال ( فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما ) وإذ وجبت طاعتهم فقد صحت إمامتهم وخلافتهم.(66/264)
وهذه الآية ليس لعلي رضي الله عنه نصيب فيها، إذ لم يدع من معه للقتال على الاسلام فإن من خالفه لم يكونوا كفارا، لكنه رضي الله عنه دعاهم للقتال معه لأجل طاعته وخلافته، وهو إن كان محقا فيه لكن المقصود أن الآية لا تخصه بل تخص الثلاثة قبله رضي الله عنهم أجمعين.
فهذه ثلاثة من الآيات التي تدل على ما قلناه من ظهور كلمة الله وإعلائها في الصدر الأول منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على عكس ما تزعمه الرافضة.
وقوله في آخر الفقرة الأولى هنا: ( فإن من ألم بتاريخ قريش.. يعلم أنهم لم يخضعوا للنبوة الهاشمية إلا بعد أن تهشموا ) فيه رائحة للعصبية المذمومة، فإن بني هاشم وإن كان يلحقهم فضل لكون النبوة فيهم إلا أن ذلك لا يعطيهم حق الخلافة لوحدهم، بل قد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم عامة في كل قريش كما في الحديث المتواتر ( الأئمة من قريش ) وقد قدمنا في بداية الرد على المراجعة (80). ثم إن كانوا قد خضعوا للنبوة بالقوة فقط كما زعم فما المانع من أن يخضعوا لخلافة علي بالقوة أيضا لو كان له أدنى حق فيها؟ لما اجتمع فيه من الشجاعة والأسباب المادية التي أسلفناها ما يجعله قادرا على ذلك لو أراد.
ثم إن زعمه بأنهم خضعوا للنبوة بالقوة فقط لا يشمل أبدا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين علم الناس كلهم أنهم لم يتابعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لخوفهم منه بل كانوا بمتابعتهم له معرضين أنفسهم لشتى صنوف الخلاف والهلاك، فإن كان من العرب أحد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا، فخوفهم من هؤلاء السابقين من المهاجرين والأنصار إذ هم المعقول أن يرهبوا الناس حتى يدخلوا في دين محمد صلى الله عليه وسلم، لا أنهم مع كونهم سابقين كانوا قد أجبروا على الدخول في الاسلام كما يزعم من لا عقل له.(66/265)
وإذا كان كذلك فهؤلاء السابقون هم أعيان من بايع أبا بكر، فإن كان لعلي حق في الخلافة لبايعوه ولأجبروا الناس على ذلك، وهو ما لم يكن لكذب النص المزعوم وبطلانه.
ثم ما ذكره في آخر الفقرة في قول عمر لابن العباس ( إن قريشا كرهت أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة فتجحفون على الناس ) وعزاه في الهامش (1/278) لابن أبي الحديد في شرح النهج لا حجة فيه على أهل السنة كما لا يخفى، فضلا عن أنه من دون إسناد ولا عزو ولا تصحيح فكيف يمكن الاحتجاج به؟ ومثله في هذا أيضا ابن الأثير في ( الكامل ) المذكور في الهامش أيضا فقد ساقه من دون إسناد ولا تصحيح فهو شبه الريح. لكن هذه الحادثة المزعومة قد أخرجها الطبري في ( تاريخه ) (4/222، 223) من طريقين واهين جدا في كل منهما رجل مبهم لم يسم مع آخرين من المجاهيل أو الضعفاء فلا تصح ولا تثبت.(66/266)
أما الفقرة الثانية من هذه المراجعة فقد تكلم فيها عن وجه قعود علي رضي الله عنه _ المزعوم _ عن حقه، وادعى هذا الموسوي أن سبب ذلك القعود تقديم مصلحة قمع الفتن الحاصلة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيثارا للصالح العام ودفعا للخطر عن الأمة. وهي نفس الحجة التي تحجج بها في المراجعة الماضية، وقد رددنا عليه بحمد الله بحجج دامغة من ثلاثة أوجه مع ما قلناه عن دلالة واقع الحال ذاك على صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فانظر صفحة (243-244) فلا حاجة بنا إلى إعادة الكلام هنا، لكن هذا الموسوي قد كذب وافترى حين قال عن علي رضي الله عنه: ( غير أنه قعد في بيته _ ولم يبايع حتى أخرجوه كرها _ احتفاظا بحقه، واحتجاجا على من عدل عنه، ولو أسرع إلى البيعة ما تمت له حجة ولا سطع له برهان ) قلت: وقد قدمنا في بداية الرد على المراجعة (80) ما ثبت بالإسناد الصحيح من حصول بيعة علي لأبي بكر الصديق في اليوم الثاني من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تحجج أحد بأن بعض العلماء قالوا إن البيعة حصلت بعد ستة أشهر لعدم علمهم بهذا الحديث، فهو كاف أيضا كما قدمناه هناك لإثبات بيعة أبي بكر حتى على فرض كونها بعد ستة أشهر فإن النص الذي سقناه هناك صريح كل الصراحة في مبايعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما بمحض اختياره ومن غير إكراه إذ في الرواية أنه هو الذي أرسل إلى أبي بكر لإظهار مبايعته، فمن أنكر بيعة علي لأبي بكر فهو أضل من حمار أهله، ومن ادعى أنها كانت بالإكراه فهو أحمق أو مخادع، وتلك الرواية الصحيحة ترد كل هذه المزاعم كما قلنا فليراجع تفصيل ذلك فيما أشرنا إليه.
وإذ ثبت مسارعة علي لمبايعة أبي بكر من غير إكراه كما قلنا فنحن نلزم كل الشيعة بما قرره إمامهم عبد الحسين هذا هنا حين قال: ( ولو أسرع إلى البيعة ما تمت له حجة ولا سطع له برهان ) فالحمد لله الذي أخذ بناصيته فأنطقه بما هو حجة عليه.(66/267)
ثم زعمه بأنهم أكرهوه على البيعة وأخرجوه إخراجا معارض لما قاله هو نفسه في المراجعة الماضية من أن عليا هو الذي شق بنفسه طريق الموادعة وآثر المسالمة، فكيف يلتئم أنه فعل ذلك بنفسه مع ادعاء أنهم أكرهوه!! فهذا مما يضحك الصبيان عليه قبل الكبار لوضوح تناقضه، وهذا اضطرار منه إلى ذلك لقوله بما هو أبطل الباطل فوقع في مثل هذا التناقض الواضح الفاضح. وقد تقدم التنويه على مثل هذا التناقض في آخر الرد على المراجعة الماضية حين نقضنا زعم الشيعة إكراه الصحابة لعلي على بيعة أبي بكر، وذلك من خمسة أوجه، وهو حري بأن يراجع.
وما قاله في آخر مراجعته هذه من تأويل الصحابة للنص على علي ومن ثم تناسيهم له، هو عين كلامه الذي صدر به مراجعته هذه ورددنا عليه فلا حاجة للإعادة.
لكن قبل إنهاء كلامنا على هذه المراجعة والانتقال إلى ما بعدها أرى من المناسب هنا أن نقف وقفة لنبين بطلان كل الاحتمالات التي يمكن أن يتحجج بها الشيعة في تفسير مبايعة علي لأبي بكر وسكت عن حقه لكنهم خاضوا في بولهم وروثهم حين أرادوا تبرير سكوته هذا كما فعل هذا الموسوي هنا فعنون فقرته الثانية من هذه المراجعة بالوجه في قعود الإمام عن حقه، ونحن بإذن الله نفصل كل الأوجه المحتملة مع بيان ما ينقضها ويردها فنقول مستعينين بالله العظيم:
على افتراض وجود النص على علي رضي الله عنه فإما أن يكون قد علم به هو نفسه أو لم يعلم به، فإن لم يعلم به فيلزمه وصفه بالجهل ومثله لا يصلح أن يكون إماما، ثم إن مثل هذا النص الذي يخصه والذي تدعي الشيعة اشتهاره يبعد مع هذا جهله به، فإذا بطل هذا لم يبق إلا القول بوجوب علمه به.
ثم بعد علمه به إما أن يكون قد طالب الأمة بتطبيقه أو لم يطالبهم، فلما لم يدع أحد أنه طالبهم ولم يأت بذلك نص بإسناد صحيح أو ضعيف فلم يبق إلا أنه لم يطالبهم به.(66/268)
ولا يجوز أن يكون تركه لمطالبتهم به من غير سبب أصلا فإن هذا قادح في عدالته ولابد، ومن ثم وصفه بما يتنافى مع الإمامة من تركه لواجب من أهم الواجبات الشرعية ومتحتم عليه.
فخلص من كل ما تقدم على افتراض وجود النص المزعوم بأن عليا رضي الله عنه قد علم به ولم يطالب بحقه فيه لسبب معين، وهذا ما تقر به الشيعة بمعظمهم ومنهم هذا الموسوي لكنهم بعد ذلك تخبطوا في تعيين ذلك السبب.
ومهما يمكن أن يفرضه الذهن من أسباب فهي لا تخرج عن أحد ثلاثة أسباب لا يجوز غيرها: إما أن يكون تركه للمطالبة بحقه خوفا منهم ومن تهديدهم له فجبن عن المطالبة ولم يكن عنده من الشجاعة ما يعينه عليها، أو أنه كان شجاعا كعادته بما يكفي لذلك ولم يجبن لكنه رأى المصلحة العامة توجب عليه السكوت خوفا من تفاقم الفتن الحاصلة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فآثر تقديم الأهم على المهم على حد زعمهم، أو أن يقال أنه كان شجاعا بما يكفي لذلك ولم ير المصلحة في السكوت بل رأى المطالبة واجبا عليه لكنه لم يجد له أنصارا أو أعوانا بل اتفق الكل على معاداته بسبب ما سلف منه من قتله لأقربائهم وذويهم وامتيازه بذلك أو حسدهم له وتشوقهم إلى نيل الخلافة.(66/269)
فإما إن قيل أنه كان يمتلك الشجاعة الكافية ولم ير السكوت أفضل بل التصريح هو الحق، وكان له أنصار وأعوان في طلبه فهذا يستلزم حتما حصول المطالبة وعدم الرضا بدون نيل حقه، فلا نجد فيما يفرضه الذهن غير هذه الأسباب الثلاثة إلا أن يكون من قبيل ما لا يجوز وقوعه مثل افتراض من يفترض أنه مع وجود النص عليه وعلمه به لكنه رضي الله عنه كان عنده نص آخر من النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بالسكوت عن حقه، فإن هذا حقا هو الباطل بعينه إذ كيف يستقر في ذهن سليم أن عليا عنده من النبي صلى الله عليه وسلم نص في الخلافة، وهو أيضا عنده نص يأمره بالسكوت والتنازل عنها؟ فلازمه أن أحدهما يلغي الآخر، ثم إن كان نص خلافته حقا وما سواه باطل فلازمه أن النص الآخر يأمره بالباطل، وهذا كما قلنا هو الباطل بعينه. فلذا لا يمكن عده من الأسباب الواردة المحتملة.
وإذا تقرر هذا من حصر الأسباب المفترضة بتلك الثلاثة فهي كلها باطلة، وهي محض تخرصات وظنون بل وافتراءات لا دليل عليها البتة، وقد تقدم _ بحمد الله_ الجواب عن كل واحد منها من عدة أوجه بما ينقض كل متعلق الشيعة بأي منها، أما الأول فراجعه في الصفحات (248-256) وأما الثاني فراجعه في الصفحات (236-248) لتتيقن من بطلان حجتهم هذه، مع ما في واقع الحال ذاك بسبب تلك الفتن المشار إليها من الدلالة على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله
عنهم.(66/270)
وأما السبب الثالث فراجع الكلام عليه في (ص240 –241، 251-252، 270-275) بما يبين أنه قد توفرت لعلي رضي الله عنه من الأسباب المادية والشجاعة ومن تأييد الأنصار والأعوان ما يجعله أقدر الناس على نيل الخلافة فيما لو أرادوها، بل قد جاء ذلك صريحا في قول أبي سفيان له الذي قدمناه في الصفحة (252)، وراجع في تلك الصفحات أيضا بطلان معاداتهم لعلي بسبب امتيازه بالقتل في صدر الاسلام، أو بسبب حسدهم له فقد نقضنا كل ذلك هناك مع ما قدمانه في بداية الرد على هذه المراجعة من فضل الصحابة وخيريتهم على كل من جاء بعدهم بما ينسف حجة الشيعة هذه هنا ولله الحمد.
وإذ قد بطلت كل هذه الاحتمالات ولم يبق لأي منها صحة ولا قبول فيلزم من ذلك أن أصل الافتراض الذي بدأنا به هو الباطل لاستلزامه إلى الباطل، وهو افتراض وجود النص على علي رضي الله عنه بحجج عقلية واضحة، ولله الحمد والمنة..
المراجعة (85): س:
إلتماس شيخ الأزهر الموارد التي لم يتعبد فيها الصحابة بالنص.
المراجعة (86): ش:
ذكره لما أسماه برزية يوم الخميس.
توجيهه سبب عدول النبي صلى الله عليه وسلم عما أمرهم به يومئذ.
الرد على المراجعة (86):
1_ مناقشة نصوص تلك الحادثة، بعد بيان
طبيعة احتجاج الشيعة بمثل هذه النصوص
2_ جواب أهل السنة عن احتجاج الشيعة هذا من أربعة أوجه.
3_ مناقشة مواضع استدلال هذا الموسوي وقرائنه التي اعتمد عليها.
4_ نقض ما زعمه من السبب في عدول النبي صلى الله عليه وسلم عما أمرهم به يومئذ.(66/271)
ألقى في مراجعته هذه شبهة من أكبر شبههم اعتمادا على تفسير النصوص بما يهوون ويشتهون وهي وإن كانت قد تنطلي على عوام الناس لكن الله تعالى قد قيض لها من أهل العلم والإيمان من أصحاب الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من بين زيف ادعائهم في هذه الشبهة وكشف عوار استدلالهم بها، فليست هذه الشبهة إلا اتباعا للمتشابه وتركا للمحكم، وهم بهذا مقتدون بأسلافهم من النصارى الذين كانوا أول من واجه أمة محمد صلى الله عليه وسلم بمنهجهم هذا فحذرنا الله منهم ومن أتباعهم في هذا المنهج من أهل البدع والأهواء وأخصهم في ذلك الرافضة هؤلاء فقال عز وجل: ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) فأثبت سبحانه أن في النصوص الشرعية ما هو محكم لا يقبل إلا وجها واحدا، ومنها ما هو محتمل لأكثر من وجه، فهذا هو عمدة أهل الزيغ والضلال يستغلون احتماله لوجوه كثيرة فيحملونه على ما يريدون ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ) وفي مقابلهم صورة أخرى هي المرضية، وليست هي دليلا على العلم فحسب بل على الرسوخ في العلم كما قال عز وجل ( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) فهم يؤمنون بالمحكم والمتشابه ويحملون المتشابه على المحكم حتى لا يتعارض ولا يتناقض، وهم مع هذا لا يضيقون ذرعا بهذا المتشابه ولا يتمنون أنه لو لم يرد بسبب ما يبذلون من جهد للجمع بينه وبين المحكم، وذلك لأنهم يعلمون أن هذا هو محل الابتلاء والامتحان والتمحيص حتى يتميز أصحاب الأهواء عن الذين لا هوى لهم فيما يقررون بل هم تبع لورود النصوص.(66/272)
ولا نبغي بهذا الكلام الإطالة والتشعب، بل لما نراه من أهميته لتقرير هذا الأصل الشرعي الذي يعلم منه أن أهل السنة بجوابهم عن شبه الشيعة هذه ليسوا بمبتدعين ولا متكلفين بل هو أمر لازم لطبيعة اللغة التي ترد بها النصوص، ولهم في ذلك أعظم حسنة بأخذهم بجميع هذه النصوص محكمها ومتشابهها والجمع والتوفيق بينها جميعا، أما من سواهم من أهل الأهواء وبالأخص الشيعة فهم مضطرون لرد بعض النصوص والتكذيب بها بدعوى أنها لم تثبت عندهم، مع أن الأخرى مثلها في الورود والثبوت.(66/273)
وهذا أوان استعراض كلامه والرد عليه، وأول ذلك قوله: ( الموارد التي لم يتعبدوا فيها بالنص أكثر من أن تحصى ) قلت: كذبت والله يا عدو الله بل إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مثال الامتثال لأوامر الله ورسوله كما قدمنا في بداية الرد على المراجعة الماضية، ولا يحفظ لهم مخالفة إلا في القليل النادر _ فنحن لا ندعي لهم العصمة كما تزعمه الشيعة بالغلو لأئمتها _ وهذا القليل النادر هم فيه متأولون غير عامدين، ومع هذا فلا يخص هذا السابقين الأولين مثل أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم فإن المتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد هؤلاء أول الثابتين معه حين ينكص عنه غيرهم، بل لا يحفظ لأبي بكر الصديق رضي الله عنه موقف واحد خالف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قال الامام ابن حزم في ( الفصل ) (4/139-140): ( والبهتان على ذلك أنه لم يسوء قط أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمة ولا خالف إرادته عليه السلام في شيء قط ولا تأخر عن تصديقه ولا تردد عن الائتمار له يوم الحديبية إذ تردد من تردد وقد تظلم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر إذ أراد علي نكاح ابنة أبي جهل بما قد عرف، وما وجدنا قط لأبي بكر توقفا عن شيء أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة عذره فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجاز له فعله وهي إذ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قباء فوجده يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر تأخر فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن أقم مكانك فحمد الله تعالى أبو بكر على ذلك ثم تأخر فصار في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فلما سلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك أن تثبت حين أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فهذا غاية التعظيم والطاعة والخضوع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنكر عليه السلام(66/274)
ذلك عليه ) أ. ه.
فهذا حال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أئمة أهل السنة، أما الشيعة هؤلاء وأئمتهم _ يعني غير أهل البيت _ فهم أكثر الطوائف مخالفة للنصوص الشرعية وليس هذا موضع ذكرها، فمن أراد الوقوف عليها فليراجع الرسالة المسماة ( النكت الشنيعة في ما جاء من الخلاف بين الله تعالى والشيعة ) لابراهيم بن فصيح الحيدري وهي من مخطوطات مكتبة المدرسة القادرية ببغداد، قام بعض الأخوة بتحقيقها مؤخرا وقد قدمت للطبع، نسأل الله تعالى أن يعين على نشرها.
ثم ذكر هذا الموسوي ما أسماه برزية يوم الخميس وقال: ( أخرجها أصحاب الصحاح وسائر أهل السنن ونقلها أهل السير والأخبار كافة ) قلت: وفي كلامه هذا حق وباطل وصدق وكذب، فعزوها لأصحاب الصحاح حق وصدق وهو الذي سنتكلم عليه إن شاء الله، أما قوله: ونقلها أصحاب السير والأخبار كافة فباطل وكذب وإلا فليذكر لنا من أخرجها _هو أو من يدافع عنه_ غير المعزو إليهم هنا.
وموقف أهل السنة من هذا الحديث أنهم يقرون به أولا باللفظ الذي ثبت عندهم، الذي ذكره هذا الموسوي في بداية مراجعته هذه، وهو ما أخرجه البخاري (4432، 114, 7366,5669) ومسلم (1637/22)، وأحمد ( 1/324-325) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ) فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( قوموا ) فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم ).(66/275)
وفي رواية أخرى ثابتة أيضا عند البخاري (3168، 4431)، ومسلم (1637/20)، وأحمد (1/222) عن ابن عباس أيضا ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ) قال: فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر! استفهموه ).
وقول هذا الموسوي في تخريجه للنص بأنه أخرجه أصحاب السنن والأخبار فيه كذب، إذ أن اصطلاح أصحاب السنن يراد به السنن الأربعة ( أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ) وهو ليس عندهم، لكن هذا الموسوي كما عرفناه في مراجعاته هذه لا يتورع عن مثل هذه الأكاذيب.
أما جواب أهل السنة عن ذلك النص فيمكن أن نجمله في أربعة أوجه استفدناها من كلام شيخ الاسلام في رده على ابن المطهر _ انظر ( المنتقى ) (ص361-363)_، وكلام الحافظ الذهبي في ( تاريخ الاسلام )( السيرة النبوية )(ص552)، وكلام الحافظ ابن حجر في ( الفتح )(1/278) (8/168)، والحافظ البيهقي في( دلائل النبوة )(7/184)، وغيرهم يرد ذكرهم:
الوجه الأول: أن يقال إن الرواية التي فيها قولهم: ( أهجر ) ليس فيها التصريح بأنه قول عمر، بل قول عمر الثابت عنه هو الصريح الوارد في الرواية الأولى ( إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع )، وإذا كان كذلك فقول من قال ( أهجر ) يكون بسبب ما قد اشتبه عليه هل كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة المرض أو كان من أقواله المعروفة؟ والمرض جائز على الأنبياء، ولهذا قال: ما شأنه أهجر؟ فشك في ذلك هذا القائل وما جزم _ كما هو الراجح من روايات الحديث بإثبات همزة الاستفهام كما حققه الحافظ في ( الفتح )(8/168) _ والشك يجوز على مثل ذلك القائل إذ لا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.(66/276)
أو يقال أن هذا القائل إنما أراد بقوله ( أهجر ) الانكار على من توقف في امتثال أمره بإحضار الكتاب، فكأنه قال: كيف تتوقف؟ أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه؟ امتثل أمره وأحضر ما طلبه فإنه لا يقول إلا الحق، وهذا هو الذي رجحه القرطبي _ فيما نقله عنه الحافظ _ وقال: هذا أحسن الأجوبة. قلت: وعلى هذا يكون هو نظير قوله تعالى: ( أم لهم سلم يستمعون فيه ) وقوله ( أم لكم كتاب فيه تدرسون ) ونظائرها كثيرة، والمراد بهذا الاستفهام أبلغ درجات الانكار. وهو ما صرح به أيضا القاضي عياض فيما نقله عنه النووي في ( شرح مسلم ) (11/92-93).
أو يقال إن الذي قال ذلك صدر منه عن دهش وحيرة كما أصاب كثيرا منهم عند موته صلى الله عليه وسلم، وهذا ما رجحه الحافظ ابن حجر. هذا الوجه الأول وهو كله لبيان معنى القائل ( أهجر ).
الوجه الثاني: أن نقول أن ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم كتابته في الكتاب لو كان مما يجب بيانه وكتابته بسبب توقف هداية الأمة وعصمتها من الضلال عليه ولا بديل له لكان النبي صلى الله عليه وسلم بينه ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد أو إنكار منكر، فإنه أطوع الخلق لذلك وأحرصهم على هداية الأمة وعصمتها من الضلال، فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجبا ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته ولا كان فيه ما تتوقف عصمة الأمة من الضلال عليه بحيث لا بديل له، إذ لو كان في الكتاب ذلك أو كانت كتابته واجبة لفعله خصوصا وأنه عاش بعد هذا اليوم أربعة أيام إذ قد توفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين كما هو معلوم من السيرة، ومن جوز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن أن يترك بيان أمر أمره الله به وكان فيه ما تتوقف عصمة الأمة من الضلال عليه لأجل شك السامعين له أو عدم رضائهم به لكان قادحا في رسالته صلى الله عليه وسلم أعظم القدح وقادحا في بيانه الهادي كذلك.(66/277)
الوجه الثالث: أن من توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال وقوله مردود وفق أصول علماء السنة والشيعة على السواء، أما أهل السنة فإنهم متفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن عليا كان هو المستحق للإمامة فيقولون أنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصا جليا ظاهرا معروفا _ كما يزعمون _ وهو في يوم الغدير بعد حجة الوداع، كما صرح بذلك هذا الموسوي نفسه في غير موضع من كتابه مثل المراجعتين (54، 56) وغيرهما، وحينئذ وعلى حد قولهم لم يكن يحتاج هذا الأمر إلى كتاب، فإن قيل إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور رغم القوة التي جاء بها كما يزعمون، فهم على كتمان كتاب حضره طائفة قليلة أقدر وأقوى فلا يكون ذلك تحرزا من النبي صلى الله عليه وسلم لكتمانهم ذلك النص، فلا يفعل مثل هذا التحرز والتأكيد إلا ضعيفو العقل، وهو ما ينزه عنه سيد المرسلين وحبيب رب العالمين.(66/278)
الوجه الرابع: أن نقول لهؤلاء الشيعة: ما أدراكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب في ذلك الكتاب الخلافة لعلي؟ وليس عندكم تصريح منه صلى الله عليه وسلم بذلك، بل نحن أهل السنة نقول بخلاف قولكم ونثبته، وهو أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب في الكتاب الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه، ونحن لا ندعي ذلك جزافا كما تفعلون بل عندنا من الثابت الصحيح ما فيه التصريح به، وهو ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ( إدعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ) _ ( البخاري ) (7217، 5666)، ( مسلم ) (2387)، ( أحمد ) (6/144، 106، 47) _ فهذا يثبت أنه قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الكتاب هو هذا بعينه وأنه كان قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة فلما رأى أن الشك قد وقع علم أن الكتاب لا يرفع الشك فلم يبق فيه فائدة، هذا أولا. وثانيا: علم أن الله يجمعهم على ما أراد كما قال ( يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ) وهذا الذي عنيناه بالبديل عن الكتاب الذي فيه العصمة من الاختلاف، فالعصمة من الاختلاف قد تحققت لا بذلك الكتاب بل ببديله الذي هو الإجماع التام المتحقق على خلافة الصديق رضي الله عنه الذي تقدم منا إثباته بالأدلة والبراهين في الرد على المراجعة (80) فراجعه.(66/279)
وقد صرح بذلك سفيان بن عيينة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب الاستخلاف لأبي بكر، وذلك فيما رواه عنه البيهقي في ( الدلائل ) (7/184)، وقال البيهقي أيضا (7/184): ( وإنما أراد ما حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أن يكتب استخلاف أبي بكر ثم ترك كتبه اعتمادا على ما علم من تقدير الله تعالى ذلك كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: وارأساه ثم بدا له أن لا يكتب، وقال: يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر، ثم نبه أمته على خلافته باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها ) إ. ه.
فإن شاغب أحد من الشيعة بأن حديث عائشة لم يثبت عندهم فجوابنا من وجهين الأول: أن الحديث الأول، حديث ابن عباس كذلك فلم يثبت هو إلا من طريق أهل السنة فما الذي جعل الأول يصح عندهم والثاني لا، إلا العصبية المحضة واتباع الهوى. والوجه الثاني: أن نقول إن من حقنا نحن أهل السنة ونحن رواة الخبر الأول أن نبين معناه عندنا وفق ما صح عندنا أيضا من الأحاديث الأخرى مثل حديث عائشة الآخر هذا، فلا يمكن إذن أن تجعله الشيعة حجة علينا، إذ معناه عندنا مبين في الحديث الآخر، فما لم يستطيعوا نقض معنى الحديث الآخر فلا حجة لهم علينا أبدا في الحديث الأول، ولله الحمد. وهذا الذي قلناه من الجمع بين الحديثين هو الذي نبهنا عليه في بداية ردنا على هذه المراجعة من ضم المتشابه إلى المحكم لفهم معناه.(66/280)
قال الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) (5/228): ( وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الأغبياء من أهل البدع من الشيعة وغيرهم كل مدع أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرومون إليه من مقالاتهم، وهذا هو التمسك بالمتشابه وترك المحكم، وأهل السنة يأخذون بالمحكم ويردون ما تشابه إليه، وهذه طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عز وجل في كتابه، وهذا الموضع مما زل فيه أقدام كثير من أهل الضلالات، وأما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون كيفما دار، وهذا الذي كان يريد عليه الصلاة والسلام أن يكتبه قد جاء في الأحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه ). ثم ذكر حديث عائشة المتقدم بطرقه المختلفة.
ثم قال هذا الموسوي: ( وقد تصرفوا فيه إذ نقلوه بالمعنى لأن لفظه الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم يهجر، لكنهم ذكروا أنه قال: أن النبي قد غلب عليه الوجع تهذيبا للعبارة، وتقليلا لمن يستهجن منها ).
قلت: وهذا قول بلا دليل، ولو كان صادقا لأتى ببرهان عليه، مع أنه يتضمن طعنا بأئمة الحديث بأنهم يتصرفون باللفظ كما يحلو لهم، فهل يمكن أن يصدر هذا إلا عن حاقد مغرض صاحب هوى.
فهذا شأن كل أصحاب الأهواء مهما اختلفوا فيما بينهم لكنهم يجمعهم كلهم البغض لأهل الحديث والأثر، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وما زعمه دليلا على دعواه بقوله: ( ويدل على ذلك ما أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة بالإسناد إلى ابن عباس قال: لما حضرت رسول الله الوفاة.. فقال عمر كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال عمر بالمعنى لا بعين لفظه ويدلك على هذا أيضا أن المحدثين حيث لم يصرحوا باسم المعارض يومئذ نقلوا المعارضة بعين لفظها ).(66/281)
قلت: وهذا كذب أيضا ولو كان صادقا لساق إسناد حديثه المزعوم هذا، وهو لا دليل له على وجوده إلا ذكر ذلك الرافضي المعتزلي الخبيث ابن أبي الحديد كما صرح به في الهامش (6/282) من دون إسناد ولا تصحيح فكيف يحتج به فضلا عن إقامة الحجة به على أهل السنة؟ ولو فرضنا أن ابن أبي الحديد كان صادقا في نقله فمن هو أحمد بن عبد العزيز الجوهري هذا؟ إذ هو غير معروف في الحفاظ ولا الأئمة ولا العلماء ولا حتى المؤلفين _ انظر المعاجم الخاصة بكل ذلك فلا تجد له ذكرا فيها _ وقد قدمنا في آخر المراجعة (82) أن الجوهري هذا لا قيمة له عند أهل السنة بل هو من شيوخ الشيعة ذكره الطوسي في ( الفهرست ) (110) فكيف يحتج الشيعة برجالهم علينا؟ وهذا والله هو الغاية في الحماقة. فضلا عن أن الجوهري هذا لم تثبت وثاقته حتى عند الشيعة أنفسهم كما صرح به الخوئي في ( معجم رجال الحديث ) (621) فكيف يستقيم هنا!!
وهذا شأن من يبني أصول دينه على المجاهيل والغائبين، فإنهم حين احتملت عقولهم لشدة ضعفها أن إمامهم الذي يسمونه صاحب الزمان يمكن أن يختفي ويغيب بمثل خرافاتهم تلك، كان أهون عندها احتمال الاحتجاج بأخبار المجاهيل هؤلاء. أما نحن أهل السنة فإن الله تعالى قد علمنا فقال: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) ولا يمكن أن نتبين إلا بمعرفة الراوي والسند وتقرير صحته، هذه الأمور المعدومة كلها هنا..(66/282)
وإذا سقطت روايته التي اعتمد عليها اتضح كذبه بقوله ( وتراه صريحا بأنهم إنما نقلوا معارضة عمر بالمعنى لا بعين لفظه ) بل ما قدمناه من رواية الصحيحين وغيرهما فيه التصريح بأن قول عمر هو ذلك اللفظ الذي لم يجد فيه الشيعة أي منفذ للطعن فادعوا ما ادعى دجالهم عبد الحسين هذا هنا، وأكذب من هذا قوله بعد ذلك ( ويدلك على هذا أيضا أن المحدثين حيث لم يصرحوا باسم المعارض يومئذ نقلوا المعارضة بعين لفظها ) وقد قدمنا رواية الصحيحين التي تكذبه ففيها التصريح باسم عمر وفيها التصريح بقوله أيضا ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع )، لكن حقيقة الأمر أن المحدثين حفظوا قول عمر فحيث ذكر اسمه في الرواية ذكروا نص قوله هذا، وحيث ذكر قول آخر غير قول عمر ( ما شأنه أهجر! ) لم يصرحوا باسم القائل لعدم معرفة عينه.
ونحن بهذا لا نريد تبرئة عمر وإلقاء التهمة في ذلك القول على غيره من الصحابة، بل قدمنا في الوجه الأول معنى قول هذا القائل بما يرفع التهمة عن ذلك الصحابي صاحب ذلك القول، لكن المقصود هنا أن نبين أن عدم تعيين الصحابي صاحب ذلك القول لا يبقي للشيعة أي منفذ للطعن وإلقاء التهمة إذ يحتمل أن يكون القائل هو ممن تحبه الشيعة وتتولاه
ثم ساق هذا الدجال عبد الحسين إحدى روايات تلك الحادثة وهي ما أخرجه البخاري (3053)، ومسلم (1637/21)، وأحمد (1/355)وفيها أنهم قالوا (هجر رسول الله ) أو ( أن رسول الله يهجر ) أي بدون همزة الاستفهام، ونحن لا ننكر صحة هذه الرواية من جهة السند لكن تلك التي قدمناها التي فيها الاستفهام هي الأصح وهي الثابتة كما حققه الحافظ في ( الفتح ) (8/168) وهو ما قرره غير واحد من الأئمة الأعلام مثل شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ الذهبي وابن كثير والقرطبي والقاضي عياض وغيرهم، ومما يؤيد الاستفهام _ كما قال الحافظ _ أن جاء في تلك الرواية التي قدمناها قولهم ( استفهموه ) بصيغة الأمر بالاستفهام.(66/283)
وأيضا فإن رواية الاستفهام فيها زيادة وهي صحيحة فتعين الأخذ بها. ثم إن البخاري قد روى هذا الحديث في سبعة مواضع من صحيحه، أربعة منها فيها قول عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع ) واثنان منها فيها الاستفهام، ولم ترد بدون الاستفهام إلا في موضع واحد، وكذلك عند مسلم وأحمد، مما يدلل أن رواية الاستفهام أصح وأكثر طرقا.
وإذا ثبت الاستفهام فمعناه هو ما قدمناه في الوجه الأول، الذي به تنقطع كل حجج الشيعة ولله الحمد.
وقد جاء في نص الحديث ذاك الذي ذكره قوله: ( وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، ونسيت الثالثة ) وقد علق على ذلك هذا الموسوي في الهامش (8/282) بقوله: ( ليست الثالثة إلا الأمر الذي أراد النبي أن يكتبه حفظا لهم من الضلال، لكن السياسة اضطرت المحدثين إلى نسيانه، كما نبه إليه مفتي الحنفية في صور الحاج داود الدادا ).
قلت: مع أن قوله هذا لا دليل عليه فهو لا يضيرنا أبدا، إذ لو صح أن الثالثة هي ما أراد صلى الله عليه وسلم كتابته فقد قدمنا في الوجه الرابع بالدليل الثابت الصحيح والصريح بأن ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم كتابته هو الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه، وهو قول غير واحد من العلماء الأعلام كما تقدم، وبه يعلم سخف قوله بأن السياسة اضطرت المحدثين إلى نسيانه، مع تضمنه للقدح في أهل الحديث وهو شأن كل أهل الأهواء كما قلنا. وهذا الذي عزا قوله إليه الحاج داود الدادا مفتي الحنفية لا يدرى من هو على فرض صدق هذا الموسوي بما نسبه إليه، فمثله لا يكون حجة على أهل السنة، والحق أن هذه الثالثة لا دليل أبدا يثبت كونها ما أراد كتابته في الكتاب، لذا اختلف في تعيينها، فمن قائل أنها تجهيز جيش أسامة، ومن قائل أنها قوله ( لا تتخذوا قبري وثنا )، ومن قائل أنها قوله ( الصلاة وما ملكت أيمانكم ).(66/284)
انظر لهذه الأقوال وحججها ( فتح الباري ) (8/170)، ( شرح صحيح مسلم ) (11/94)..
لكن المهم الذي نقطع به والذي لا يجوز خلافه أن ما نسي في هذه الرواية لا بد وأن يكون قد جاءنا في غيرها، إذ افتراض نسيانه وذهابه بالكلية قدح في كمال الشرع وحفظه وصيانته، ومرة أخرى نجد مثالا على ما تقيم الشيعة به دينها من الاحتجاج بالمجهولات والمبهمات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم قوله: ( ومن ألم بما حول الرزية من الصحاح يعلم أن أول من قال يومئذ: هجر رسول الله إنما هو عمر، ثم نسج على منواله من الحاضرين.. ) كذب وبهتان بين، وقد قدمنا بما فيه الكفاية ما يثبت أن قول عمر غير هذا رغم أن ليس فيه ما يضير.(66/285)
لكن الذي يجب أن لا يفوتنا هنا التحريف لنص الحديث الذي أقدم عليه هذا الدجال حين قال: ( منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر _ أي يقول: هجر رسول الله _ ) وهذا والله هو الغاية في الغش والتدليس، فكل من راجع روايات تلك الحادثة _ وقد قدمناها _ علم أن هذا النص الذي فيه ( ومنهم من يقول ما قال عمر ) لم يأت إلا حين ذكروا قول عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع ) فكيف يجرؤ هذا المخادع على مثل هذا التحريف لولا قلة حيائه وعواره، وكل من رضي به إماما من الشيعة فإنما يؤكد قلة حيائه أيضا، وليعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الحياء شعبة من الإيمان ) وقال ( والحياء شعبة من شعب الإيمان ) _ البخاري (24، 9) ومسلم (57، 59) _ فما أشد فرحنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ونحن نواجه أئمة الشيعة هؤلاء، ويزداد فرحنا بتحقق هذا الحديث على أكمل وجه فيمن نحبه ونتولاه من الصحابة الذين تبغضهم الشيعة، ونعني به ذا النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أصدق أمته حياء كما في الحديث الصحيح عند الامام أحمد (3/281، 184)، والترمذي (4/344)، وابن ماجه (154).(66/286)
ثم استشهد هذا الموسوي برواية الطبراني في الأوسط، ولفظها: ( لما مرض النبي قال: ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: فقلت أنكن صويحبات يوسف إذا مرض رسول الله عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه، قال: فقال رسول الله: دعوهن فإنهن خير منكم ). قلت: وهو في ( الكنز ) (18771) معزوا لابن سعد أيضا ولا تصح روايته ولا رواية الطبراني، أما ابن سعد فقد أخرجه في ( الطبقات ) (2/243-244) من طريق محمد بن عمر الواقدي وهو متروك كما في ( التقريب ) وقد كذبه بعضهم. وأما رواية الطبراني فقد ذكرها الهيثمي في ( المجمع ) (9/34) وقال: (رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن جعفر بن ابراهيم الجعفري قال العقيلي: في حديثه نظر، وبقية رجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف )أ.ه. قلت: ومحمد بن جعفر لم أجد له ترجمة، ولا أظنه إلا من المجهولين، وإلا فقول العقيلي فيه كاف لرد حديثه كما لا يخفى.(66/287)
ثم فيما تبقى من فقرته الأولى هنا سطر كلاما لا طائل تحته أراد به الطعن بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يمتثلوا لأمره لإحضار الكتاب وأنهم اتهموه بالهجر والهذيان وأنهم خالفوا نصوص الآيات القاضية بوجوب طاعته وتنزيه قوله عن السوء وغير ذلك من القدح بسادات العالمين، وما علم هذا الأحمق أنه بقوله هذا إنما طعن أولا برسول الله صلى الله عليه وسلم لإقراره وسكوته عن مثل ذلك الهراء والسخف الذي ادعاه هذا الدجال عبد الحسين، وما علم أيضا أن قوله هذا لا يبعد أن ينطبق على علي رضي الله عنه نفسه إذ لا نص يخرجه من احتمال صدور ذلك القول منه، كما قدمنا أن لا نص أبدا يعين القائل فلزم أنه ينتظم كل الصحابة الذين يمكن أن يحضروا، لكننا أهل السنة لا نفرق بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ندافع عنهم كلهم كما بينا معنى هذا القول في الوجه الأول بما يبرؤ كل الصحابة عن السوء الذي يريده بهم أعداء الدين من الرافضة هؤلاء.(66/288)
ثم ما بال هذا الأحمق يستنكر أمرا لم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بل قد أخبرنا وهو الصادق المصدوق بأنه لا بد متحقق، لذا قد عدل صلى الله عليه وسلم عن الإلحاح في طلبه والإجبار عليه. ثم إن كل من نظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قد جبله على ما هو من لوازم نبوته وهدايته للناس وبيان الحق لهم بحيث لا يمكن أن يقر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو باطل أبدا مهما كان صغيرا أو حقيرا، بل إن تجويز ذلك قدح في شخصه صلى الله عليه وسلم، فلم يكن هو مؤديا لما أمره الله به من قبيل التبليغ وإعذار نفسه عند الله فقط حتى يصح القول بأنه يأمر بما يجب عليه فإن لم يمتثل لا يلزم من ذلك تكريره للأمر كما ادعاه هذا الدجال في المراجعة القادمة، بل كان صلى الله عليه وسلم كما وصفه ربه تبارك وتعالى ( عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) لا كما يفهم من قول هذا الجويهل في المراجعة القادمة (87) حين قرر: ( على أنه يمكن أن يكون واجبا عليه أيضا، ثم سقط الوجوب عنه بعدم امتثالهم ).(66/289)
والله لكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليحب هداية الناس ولم يكن ليحرص عليها، بل كان يريد أعذار نفسه عند الله وتبليغ ما أمر به فقط حتى لو لم يهتد أحد، فهذا والله هو القدح بعينه لشخص المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم هو تكذيب لنص رب العالمين الذي أسلفناه، أو الآخر: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ) فإن كان يأمره بالعفو عمن معه من الصحابة والاستغفار لهم ومشاورتهم في الأمر فهل يلتئم هذا مع دعوى هذا الجاهل بأنهم عصوا أمره واقترفوا أشنع ما يقترفه أحد ثم هو يسكت عن فعلهم ذاك ويقرهم عليه مع أنهم به مستوجبون لغضب الله بزعم هؤلاء الضلال؟ أما كان الواجب عليه صلى الله عليه وسلم لو كانوا كما ادعى أفراخ اليهود هؤلاء أن يعفو عنهم ويستغفر لهم الذي يستلزم بيان الحق والهدى لهم؟.
ونعود الآن إلى ما قلناه من أن هديه صلى الله عليه وسلم يبين أنه لم يكن ليقر على الباطل أو على أي خطأ سواء كان حقيرا ودقيقا أم لا، وسواء استوجب مشقة على الفاعل أم لا. أما الثاني من استلزامه للمشقة فأوضح ما يحضرنا حديث المسيء صلاته _ وهو عند البخاري (1/192، 184)، ومسلم (1/298) _ الذي أرجعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات لإعادة الصلاة ولم تحمله المشقة التي سببها له على السكوت على بطلان صلاته. وأما الأول من صغر شأن الأمر الوارد فيحضرنا فيه ما أخرجه مسلم في (صحيحه ) (2021) عن سلمة بن الأكوع أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: ( كل بيمينك )، قال: لا أستطيع، قال: ( لا استطعت ) ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه.(66/290)
فلا أدل على حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيان الهدى والحق مهما يكن متعلقهما من هذا الحديث، فمثل هذا النبي الكريم الحريص هل يجوز أن يسكت على باطل يعم بلاؤه أمته جميعا؟ ومثل هذا النبي العظيم الذي لا يجوز الاعتراض عليه في مسألة هي من الآداب العامة التي لا تعلق لها بمصير الأمة كيف يرضى بمخالفته في أمر يخص أمته جميعا لولا أنه لم يكن واجبا عليهم؟ ومثل هذا النبي الأمين الذي تكون مخالفة أمره في مسألة صغيرة الشأن توجب العقوبة الآنية مثل ذاك الذي شلت يده، كيف يفتح الله على من خالفه في أمر يعم الناس كلهم، بل ويمكنهم في الأرض ويدين البلاد والعباد لهم؟ هذا والله مستوجب للقدح في ذات الرب الأعلى لولا أنه باطل ومنكر من القول وزور.
وأعظم ما يكون من الباطل قول هذا الموسوي: ( لكنهم علموا أنه صلى الله عليه وسلم إنما أراد توثيق العهد بالخلافة وتأكيد النص بها على علي خاصة وعلى الأئمة من عترته عامة فصدوه عن ذلك كما اعترف به الخليفة الثاني في كلام دار بينه وبين ابن عباس).
ولا يخفى على العقلاء انتفاء كل دليل مهما كانت درجة ثبوته على مدعاه، وكل من فقد حجته وبرهانه فيما يدعيه فهو كاذب بنص العليم الخبير سبحانه وتعالى إذ قال ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) فعلق الصدق على الإتيان بالبرهان، الذي عدمه بالكلية هؤلاء الروافض هنا.(66/291)
مع أنا قد قدمنا في الوجه الرابع ما فيه الدلالة والحجة والبرهان على قولنا من أنه صلى الله عليه وسلم أراد كتابة الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه، مما يعد خطوة متقدمة زائدة في رد دعواه هذه، وهو قول غير واحد من أهل العلم كما قدمناه. وكلامه هذا لا يرضى به _ والله _ إلا أعداء الاسلام من الكفار والملحدين أو من نسج على منوالهم في بغضه للصحابة حتى امتلأ قلبه غيظا لهؤلاء السادة الأخيار فصرح بهذا الطعن والتجريح الصريح بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الله تعالى أخبرنا سلفا عن أمثال هؤلاء ووضع لنا علامة عليهم فقال بعد وصفه لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليغيظ بهم الكفار ) فالحمد لله على هذه الآيات البينات الباهرات.
وما أشار إليه من الكلام بين عمر وابن عباس نقله من شرح نهج البلاغة كما في هامشه، ولا يخفى أن لا حجة فيه على أهل السنة أبدا.(66/292)
ثم قال عبد الحسين: ( وأنت إذا تأملت في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، وقوله في حديث الثقلين: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، تعلم أن المرمى في الحديثين واحد وأنه صلى الله عليه وسلم أراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين ). قلت: وهذا لا يتم له بحمد الله لضعف حديث الثقلين بهذا اللفظ أولا، كما قدمنا في بداية الرد على المراجعة (8)، وثانيا لو صح الحديث بهذا اللفظ فهو نظير غيره من الأحاديث التي هي أصح منه قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وقوله:(اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) وقد قدمنها هناك أيضا، وثالثا ما قلناه في الوجه الرابع من هذه المراجعة من النص الصحيح الذي فيه التصريح بما أراد النبي صلى الله عليه وسلم كتابته، وهو استخلاف أبي بكر رضي الله عنه، فنحن إذا أولى أن نقول: وأنت إذا تأملت في قوله صلى الله عليه وسلم ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، وقوله في حديث عائشة: إدعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ) تعلم أن المرمى في الحديثين واحد وأنه صلى الله عليه وسلم أراد في مرضه توثيق العهد لأبي بكر لكن الله أعلمه أنه كائن لا محالة فعدل عن الكتاب.
ثم انظر إلى جهل الموسوي حين ادعى أنه صلى الله عليه وسلم أراد في مرض موته أن يكتب لهم ما أوجبه عليهم قبل ذلك، فهل هذا موضع لذاك التفصيل المزعوم؟ ثم كيف يؤخر النبي صلى الله عليه وسلم ذاك البيان والتفصيل حتى مرض موته؟ وأكثر من ذلك أعرض بعد عن هذا التفصيل المزعوم مع شدة حاجتهم إليه!! فانظر وتعجب!.(66/293)
ثم ادعى في الفقرة الثانية من مراجعته هذه أن عدول النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة بعدئذ إنما كان خوفا من الفتنة والاختلاف، وأنه لو أصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم هجر، ثم لأوغلوا هم وأشياعهم _ على حد تعبيره _ في إثبات هجره.
وهذا والله من القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، وصاحبه أحق الناس بقوله صلى الله عليه وسلم ( من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ) _ البخاري (109) _ وإلا فأين إثباته ونقله؟ وإنما هو محض تخرصات وظنون بل وافتراء. وقد قدمنا في الوجه الثاني من هذه المراجعة عدم استقامة مثل هذا القول فإنه صلى الله عليه وسلم كان أحرص الناس على بيان الحق والهدى مهما أدى إليه ذلك البيان، فقد جاء صلى الله عليه وسلم وقريش والعرب كلهم مجتمعون على الشرك بالله فلم يمنعه ذلك من إنكار حالهم ولم تحمله خشية اختلافهم وافترائهم على السكوت عن ما أمر الله به، وهكذا كانت سيرته صلى الله عليه وسلم في كل ما أمره الله بتبليغه. ولا يقال أن أمر الخلافة بعده لا يستحق ما استحقه صدعه بالتوحيد ونبذ الشرك فإنا والرافضة هؤلاء متفقون على أنه لو لم يحصل مراده صلى الله عليه وسلم من الاستخلاف لكانت الأمة بعده ضائعة تائهة ممزقة مشتتة، كما صرح به هذا الموسوي في المراجعة (82)، وهذه الوحدة من أكثر الأمور اقتضاء لبيان النبي صلى الله عليه وسلم من الاستخلاف لا يلتفت إلى ما يمكن أن يحدث من أمور الاختلاف والفتنة المزعومة، كما لم يلتفت إلى ذلك في دعوته إلى ما بعثه الله به. لكننا أهل السنة قد أنعم الله علينا بعقول سليمة فضلا عن ما امتازنا به من اعتمادنا على أخبار صحيحة ثابتة، فدلنا كل ذلك على أن هذه الفرقة والاختلاف ما دامت لم تحصل وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب في كتابه ذاك شيئا، فأيقنا أن ما وقع من استخلاف أبي بكر رضي الله عنه إنما كان كما أراده صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، بل كما(66/294)
أراده ربنا تبارك وتعالى، فلله الحمد على نعمه هذه.
ولم يبق بعد ذلك للشيعة إلا أن يقولوا أن مضرة الخلاف والفتنة _ المزعومة _ التي خشيها صلى الله عليه وسلم أعظم من منفعة التصريح باستخلاف علي من بعده فلذا تركه صلى الله عليه وسلم عملا بقاعدة تقديم الأهم على المهم، فإن قالوا ذلك قلنا هذا لا يستقيم لكم أبدا، وبيانه من وجهين..
الأول: أن ذلك يعني أن استخلاف علي وإمامته للأمة وكذا إمامة بنيه من بعده _ وهو ما تقيم الشيعة عليه كل دينها _ ليس بالأهمية إلى الحد الذي يجب الحرص عليه حتى أنه يسقط التصريح به بل ويحرم حين يسبب فرقة في الأمة واختلافا وفتنة، وما دام الأمر كذلك فبطلت بذلك أحقيتها مطلقا فإنه ما من وقت من الأوقات ولا عصر من عصور هذه الأمة إلا وهي مختلفة بشأن إمامة علي وبنيه وعصمتهم المزعومة، فنحن نسأل هؤلاء الشيعة إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك التوصية بذلك وكتابته خوفا من الاختلاف والفتنة وحرصا على الائتلاف والاجتماع فلماذا تصرون أنتم عليه وتوردون الأمة موارد الاختلاف والفتن هذه؟ وإذا كان علي رضي الله عنه قد ترك المطالبة بحقه المزعوم هذا _ كما نص عليه هذا الموسوزي في المراجعة (84) _ رغبة في توحد الأمة واستقرارها وتفرغها لأعدائها الخارجيين فما بالكم تشقون عصا الأمة ووحدتها وتفرقون جمعها فتعينون عليها أعداءها أعظم العون؟.(66/295)
الثاني: إن هذا التقرير والادعاء بأن ترك النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان خشية من مفسدة أكبر وأعظم أو فعله لأمر رغبة في تجنب شرك أكبر لا يمكن القول به وإثباته بدليل شرعي صحيح يدل عليه ويقرره، وإلا بخلاف ذلك يكون دعوى بلا بينة ولا برهان وتقولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق تنبيهنا عليه ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما ترك قتل من يستحق القتل من المنافقين خشية تحدث الناس به، صرح بالمانع من ذلك القتل وأنه لمفسدة أعظم فقال لمن أراد قتلهم: ( دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ) _ البخاري (4905)، ومسلم (2584/63) _ وكذا قوله صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب عائشة رضي الله عنها: ( لولا أن قومك حديثو عهدهم بالجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه..الحديث )_البخاري(1586)، ومسلم (1333) _ وغير ذلك مما جاء التصريح به، وبخلاف التصريح لا يمكن لأحد ادعاؤه، فإنه لو أمكن لردت بذلك أمور شرعية كثيرة ولأثبت خلافها كثير بدعوى خشية الفتنة والاختلاف كما فعل هذا الموسوي في مراجعته هذه، وفيما تقدم كفاية لرده إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.
المراجعة (87): س:
ذكر شيخ الأزهر لبعض الأسباب في توقف الصحابة ذاك وتفنيده هو لها -فيما نسب إليه-.
المراجعة (88): ش:
إضافته لأسباب أخرى ومحاولته ردها والانتهاء إلى ما فيه طعن بالصحابة بسبب موقفهم هذا.
الرد على المراجعتين (87) و(88):
1_ كشف خداع هذا الموسوي حين افترى على
لسان شيخ الأزهر أسبابا واهية ضعيفة محاولا
المصادرة بها على أجوبة أهل السنة المقررة عندهم
وهي التي قدمناها في الرد على المراجعة الماضية.
2_ بيان استقامة ما كنا أجبنا به في الرد الماضي
وبقائه حجة على الشيعة.
3_ كشف ما في كلامه من التناقض والضعف.(66/296)
هاتان المراجعتان وإن كان الزعم أن الأولى لشيخ الأزهر والثانية للموسوي هذا، لكن الناظر فيهما يعلم أنهما قد صدرتا من شخص واحد حاقد على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير غيظ القلب منهم، وهو مثال من كثير من الأمثلة السابقة في هذا الكتاب التي تدل على كذب هذه المراجعات من أساسها أو على الأقل تدل على كثرة التحريف والتغيير الذي طرأ عليها من قبل هذا الموسوي حين أراد طبعها بعد موت شيخ الأزهر سليم البشري رحمه الله بعدة سنوات.(66/297)
وقد اضطررنا مرة ثانية إلى التطرق ثم الرد على بعض محتوى المراجعات المنسوبة إلى شيخ الأزهر بعد أن مر بنا ذلك في المرة الأولى عند المراجعة (49). وهاتان المراجعتان (87، 88) ناقش فيهما هذا الموسوي ما ادعاه وانتقاه من جواب أهل السنة على هذا الحديث، وكل من نظر في أجوبته مع علمه بما هو ثابت ومتقرر عند أهل السنة علم أن فيما قاله هو من تلفيقه، متعمدا إظهاره بأضعف الأجوبة وأوهاها، مع بعض الأجوبة التي هي في الحقيقة وإن وردت في كتبهم لكنها غير محققة وهم غير متعمدين عليها في بيان معنى حديث الرزية هذا لذا فلا يعد ما تظاهر بالقيام به هذا الموسوي من ذكره لأجوبة أهل السنة ثم رده عليها حجة ملزمة لهم مع ما في نفس رده ذاك من الضعف البين. ويكفي أن نقول أن أقوال أئمة أهل السنة في هذا الحديث الثابتة والمحققة عندهم هي ما قدمناه في الرد على المراجعة الماضية من أربعة أوجه وهي محصلة من كلام كثير من أئمتهم مثل ابن تيمية والذهبي وابن حجر والبيهقي وابن كثير والقرطبي وغيرهم وهي لا نجد لها ذكرا فيما ساقه هذا الموسوي في هاتين المراجعتين مع أنا نقطع باطلاعه عليها لكنه لم يذكر أيا منها لعلمه أن لا طاقة له ولا لأشياعه بردها فحاول المصادرة عليها وإخفاءها بذكر غيرها والتوسع فيه رغبة في التعمية على الأجوبة الحقة الثابتة التي قدمناها وقد كتمها كلها، اللهم إلا ما ذكرناه في الوجه الثاني من أن ذلك الكتاب لو كان واجبا لما تركه صلى الله عليه وسلم لمعارضة من عارضه، وحتى جوابه عن هذا بأنه يدل على أن الكتابة لم تكن واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم لا أنها لم تكن واجبة عليهم، والوجوب عليهم هو محل الكلام لا الوجوب عليه، فحتى جوابه هذا غير مستقيم ولا ثابت لما يعنيه من القدح في حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية أمته وعصمتهم من الضلال، وغير ذلك من لوازمه الباطلة التي قدمناها ورددنا بها على افتراء هذا الموسوي الذي ساقه على(66/298)
لسان شيخ الأزهر رحمه الله، فراجعه في المراجعة الماضية.
وما سوى ذلك من الأجوبة المساقة على لسان شيخ الأزهر لاحظ فيها من علم، وقد تعمد هذا الموسوي حتى يظهر أهل السنة بمظهر ضعيف الحجة كما قدمنا، والعجب كل العجب كيف يتصور مثل شيخ الأزهر لا علم له بقول أهل السنة عن هذا الحديث سوى مثل هذه الترهات والسذاجات؟ كيف يمكن أن يغفل مثله عن ما قاله غير واحد من أئمة العلم بأن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بذاك الكتاب هو استخلاف أبي بكر رضي الله عنه، كما قدمناه في الوجه الرابع؟ لكن هذا العجب من شيخ الأزهر يزول حين نعلم بما لا شك فيه بأن عبد الحسين هذا قد افترى عليه حصر الجواب بمثل ما قاله فبدا في غاية الجهل، فرحم الله شيخ الأزهر وغفر لنا وله، ولعنة الله على الكاذبين والمفترين.
ولا أرى حاجة بعد ذلك إلى استعراض سائر ما نسب إلى شيخ الأزهر إذ ليس هو جوابنا في الحقيقة فلا يلزمنا رده له خلال كلامه في المراجعة (87).
ومثله أيضا في مراجعته الآخرى (88) فمعظم أجوبته من اختراعه أو هي غير محققة عند أهل السنة، والمهم أنا لم نجب بها أبدا ولله الحمد فكلامه في مراجعتيه لا ينقض شيئا مما قلناه في الأوجه الأربعة فتبقى هي حجة لنا عليهم أبدا بفضل الله تعالى.
وحين ننظر في كلامه المسطر في هذه المراجعة لا نجد فيه ما يستحق الرد، فكله كما قلنا ترهات وسذاجات لا تلزمنا بشيء فلا حاجة إلى استعراضها سوى ثلاثة مواضع من كلامه هنا ننقلها مع الرد عليها ثم نعقب ذلك إن شاء الله ببيان أمرين خطرين يُستنتجان من كلامه في هذه المراجعة وهما من لوازم مذهبهم
الفاسد.(66/299)
أما المواضع المشار إليها فأولها قوله: ( وقالوا: بأنه أراد التخفيف عن النبي صلى الله عليه وسلم إشفاقا عليه من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض ) ثم حاول رد مثل هذا الاحتمال، وما علم هذا الجاهل بأن هذا هو نص رواية البخاري في أربعة مواضع من صحيحه وكذا هو عند مسلم وغيره، وهو قول عمر رصي الله عنه: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع ) وقد قدمناه في المراجعة الماضية وهو ما ينقض قول الموسوي هذا، بعد مجيء التصريح به في تلك الرواية.
والموضع الثاني قوله: ( وقالوا: لعل عمر خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب لكونه في حال المرض فيصير سببا في الفتنة ) ثم استبعد ذلك فقال: ( هذا محال مع وجود قوله صلى الله عليه وسلم: لا تضلوا، لأنه نص بأن ذلك الكتاب سبب للأمن عليهم من الضلال، فكيف يمكن أن يكون سببا للفتنة بقدح المنافقين؟ ) ونحن نقول: أخبرونا أنتم أيها الحمقى الضلال: كيف يكون هذا الكتاب الذي فيه العصمة من الضلال لو أصر النبي صلى الله عليه وسلم وكتبه لم يبق له أثر سوى الفتنة والاختلاف؟ وما كان قد صرح به هذا الجاهل عبد الحسين في الفقرة الثانية من المراجعة (86) فقال: ( إذا لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف ) ثم تناسى ذلك هنا فقال ( فكيف يمكن أن يكون سببا للفتنة ) وهذا والله مما يضحك عليه الصبيان قبل الكبار لشدة تناقضه مع قرب الموضعين، فإما أن يكون هذا المقبور كان شديد الحماقة، وإما أن يكون شديد الكذب والتدليس لكن مع ذلك فضحه الله تعالى.(66/300)
وأكثر من ذلك قال في آخر المراجعة (86): ( لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك الكتاب صفحا لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم بابا إلى الطعن في النبوة ) هذا قوله هناك الذي يقتضي أن تكون المفسدة الحاصلة بكتابه ذلك الكتاب أعظم من المصلحة المرجوة منه، لكنه هنا في هذه المراجعة استبعد مثل هذا فقرر أن المصلحة في كتابته تبقى هي الأرجح مهما يمكن أن يقع من المفاسد بسبب كتابته حتى لو كانت تلك المفسدة هي قدح المنافقين في صحة ذلك الكتاب لكونه في حال المرض، فكيف يستقيم ذلك القول مع هذا؟؟ وقد كفانا بحمد الله مؤونة رده وقوعه في هذا التناقض الفاضح المخزي فإنه إن صح ما قدمه بطل قوله هنا، وإن صح قوله هنا بطل ما سبق تقديمه، فما أضعف عقول هؤلاء الروافض وما أحمقهم!!
والموضع الثالث قوله: ( ولو كانت معارضة عمر عن اشتباه منه في فهم الحديث كما زعموا لأزال النبي شبهته وأبان له مراده منه ) وهذا من تناقضاته أيضا فإنه لو صح هذا فغيره مما قدمناه منه أولى، وهو قولنا: لو كانت معارضة من عارض _ وهم يدعون أنه عمر، وكذبوا _ عن قصد منهم في كتم النص على علي وإخفاء العهد له فصدوه عن ذلك _ كما صرح به هذا الموسوي في المراجعة (86) _ لأحبط النبي صلى الله عليه وسلم محاولتهم هذه، وهو المؤيد بالله الموحى إليه من عند الله فكيف لا يستطيع إحباط كيدهم؟ وهو الذي أرسله الله تعالى وأخبره أنه لن يميته حتى يظهره على الدين كله وحتى تكون كلمة الله هي العليا، وتمام إيضاح هذا فيما يأتي.(66/301)
وأما الأمران الخطيران المستنتجان من كلامه هنا فأولهما فيه إيضاح ما سبق، وذلك أن من طالع كلامه في هذه المراجعة والتي قبلها مما عقب على حديث الرزية ذاك لم يفهم منه إلا أن إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده إرادة الله تعالى في حفظ الأمة من الضلال والاختلاف والفرقة لم تتحقق بل قد غلبت بإرادة من زعم الروافض أنهم أرادوا كتمان نص الوصية على علي ونقض العهد له، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولما يبين للأمة ما يعصمها من الضلال والاختلاف، وإن هؤلاء الذين عارضوه _ كما يزعم الروافض _ هم الذين كانت كلمتهم هي الماضية القاصية حتى كأن النبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يملك من أمته أحدا سوى علي وبنيه.
ويا فرحة اليهود بمثل مزاعم الشيعة هذه، ذلك أن من أعظم حجج المسلمين عليهم أن موسى عليه السلام حين توفاه الله كان يقول ( رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي ) بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى قال الله تعالى له ولأمته ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) حتى إن اليهود قد حسدونا على هذه الآية وهذه النعمة العظيمة فتمنوا لو عليهم أنزلت هذه الآية فيتخذوا يومها عيدا كما ثبت ذلك في ( صحيح البخاري ) (45) وغيره.
بينما يأتي مثل هؤلاء الروافض المهازيل فيسلبونا هذه النعمة وهذا الامتياز من الله، فهل يشك أحد بعد هذا بأصلهم اليهودي؟(66/302)
وأما الأمر الثاني الذي نستنتجه من كلامه هنا: إن إصرار هذا الموسوي على أن عدم كتابة ذلك الكتاب كانت سببا في اختلاف الأمة ووقوع بعضها في الضلال، وأن المقصود بذلك الكتاب هو استخلاف علي، معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقدم لهم شيئا من النصوص التي تثبت ذلك وتبينه، فإنه لو كان قد قدم لهم من ذلك شيئا لكان كافيا في حصول التبليغ والأمن من الضلال، وإن قيل أنه لم يقدم لهم من ذلك ما يكفي كان نقضا لما تقوله كل الشيعة والرافضة ومنهم عبد الحسين هذا من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان منذ بداية نبوته يومئ إلى خلافة علي له، أو يذكر ذلك صريحا، وإن قالوا أنهم قد كتموا كل ما سبق، فقولهم هذا أعجوبة من المحال، مع أن فيه أنهم على كتمان هذا الكتاب فيما لو خلوا بينه وبين كتابته أقدر وأقوى، وقد قدمنا تفصيل ذلك في الوجه الثالث من الرد على المراجعة (86).
فكيف يلتئم قول الموسوي هذا بأن عدم كتابة الكتاب كانت سببا للفرقة والاختلاف والوقوع في الضلال مع ما تقدم من أقواله السابقة مثل ما زعمه في المراجعة (68) من تواتر نصوص الوصية أو ما قاله في المراجعة (56) وقبلها من تواتر نص الغدير أو ما زعمه قبل ذلك من النصوص التي ادعى أنها تنص على خلافة علي للنبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يحصل الأمن من الضلال والعصمة من الاختلاف بكل تلك النصوص وهي بالعشرات بل بالمئات حتى تحتاج إلى نص واحد لا يمكن الاستدلال على ما فيه مما يزعمون إلا بمكابرة العقل والحس والإعراض عما علم بالإضطرار؟؟ أخبرونا كيف احتملت عقولكم هذا، فوالله إن عقولا قام فيها مثل هذا التناقض الواضح الفاضح لهي من أحط العقول وأشبهها بالأنعام، وصدق الله العظيم إذ يقول ( لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ).. والحمد لله رب العالمين.
المراجعة (89): س:(66/303)
1_ زعمه إقرار شيخ الأزهر بتزييفه لتلك الأعذار.
2_ إلتماسه بقية الموارد التي تأولوا فيها النصوص.
المراجعة (90): ش:
_ تكلم عن سرية أسامة وادعى تسمية أبي بكر فيها وطعن خلال
كلامه بالصحابة واتهمهم بأنهم تثاقلوا عنها لمصالح دنيوية.
الرد على المراجعة (90):
_ ذكر الصحيح الثابت فيما يتعلق بتلك السرية، وتكذيبه وجود أبي
بكر من جيشها، والرد على المطاعن الموجهة للصحابة بخصوص
تأخير خروج تلك السرية، وكشف ما في كلامه من الكذب.
لا تختلف هذه المراجعة عن سابقاتها من كثرة احتوائها على الكذب والغش والخداع، وإني والله أشك أن أمل من كثرة التنبيه على هذا، وما أظن أن في كتب الدنيا كلها كتابا حوى مثل هذه الأكاذيب التي في ( المراجعات ). بمثل نسبتها إلى حجمه هذا، اللهم إلا كتب الكفرة والملاحدة أو كتب إخوانه من أصحاب الأهواء الذين تخلوا عن أدنى درجات الصدق والإخلاص والأمانة في النقل والإنصاف في العرض والبحث، فقط مثل هؤلاء هم الذين يساوون عبد الحسين هذا أو يفوقونه كذبا وافتراء ودجلا.
وها هو في هذه المراجعة يتكلم عن سرية أسامة بن زيد رضي الله عنهما، لكنه استعان بالكذب الصريح أو التدليس والخداع الخفي محاولا الوصول إلى هواه وباطله. وأول ذلك ادعاؤه خروج أبي بكر وعمر مع أسامة في الجيش، وقوله في الهامش (1/292): ( أجمع أهل السير والأخبار على أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا في الجيش وأرسلوا ذلك في كتبهم إرسال المسلمات وهذا مما لم يختلفوا فيه ).(66/304)
قلت: كذبت والله يا عدو الله، وقد ادعى مثل هذه الدعوى الباطلة ابن المطهر فرد عليه شيخ الاسلام وبين كذبه فقال ( المنهاج ) (3/121): ( هذا من الكذب المتفق على أنه كذب عند كل من يعرف السير ولم ينقل أحد من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر أو عثمان في جيش أسامة وإنما روي ذلك في عمر، وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة وقد استخلفه يصلي بالمسلمين مدة مرضه ) أ.ه.
قلت: واستخلاف أبي بكر إماما للناس بالصلاة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم مشهور معروف متفق عليه بين أهل السير والأخبار لا ينكره إلا العميان والجهال، وهو في الصحيحين وغيرهما وعن عدد من الصحابة لم تنفرد به عائشة رضي الله عنها كما يزعمه الرافضة هؤلاء بل قد رواه أيضا أبو موسى الأشعري وابن عمر والعباس بن عبد المطلب وعبد الله بن زمعة وليس هذا موضع الاستقصاء، وإذا ثبت هذا بلا أدنى ريب فكيف يتصور أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج في الغزوة مع أسامة وهو قد أمره بالصلاة بالناس؟ فإن هذا الثاني هو المتفق عليه المشهور بين أهل السير والأخبار لا الأول، فإن الأول لم يصح ولم يثبت، ودعوى إجماع أهل السير عليها أو اتفاقهم كذب بلا ريب كما تقدم فهذه ( السيرة النبوية ) لابن هشام، و( البداية والنهاية ) لابن كثير وحتى ( تاريخ الطبري ) كلها لم تذكر أن أبا بكر كان ضمن جيش أسامة وغيرها من الكتب أيضا مما يؤكد صحة قول شيخ الاسلام المتقدم، لكن هذا الموسوي المفتري قد ادعى في هامشه ذاك إخراج الطبري لدعواه هذه في ( تاريخه ) وهذا هو ما عنيناه بالكذب الصريح فهذا هو الجزء الثالث من ( تاريخ الطبري ) الذي فيه حوادث السنة الحادية عشرة (ص184_342) وقد ذكر فيه سرية أسامة في غير موضع لكن لم يذكر مرة واحدة أن أبا بكر كان ضمن جيش أسامة أبدا، فقد ذكر في الصفحة (226) رواية الحسن البصري بأن عمر بن الخطاب كان في جيش أسامة وهو ما لا اعتراض لنا عليه وما لا(66/305)
يفيد هذا الموسوي لوحده، إذ قد قدمنا خلال الرد على المراجعة (36) ( الحديث 3 ) الأسباب التي كان يراعيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمراء الجيوش والسرايا، وإن ذلك لا يستلزم أفضليته على غيره كما فصلناه بالأدلة فليراجع.
والمهم هنا بيان كذب هذا الموسوي بقوله إجماع أهل السير والأخبار على ما ادعاه أولا، وبيان كذبه ثانيا في عزوه ما ادعاه في الهامش لتاريخ الطبري فإن ذلك غير موجود فيه أصلا، أما سائر من احتج بهم في الهامش مثل ( تاريخ ابن الأثير ) و( السيرة الحلبية ) و( السيرة الدحلانية ) فهذه كلها تروي بلا إسناد ولا عزو ولا تصحيح، ولم يدع أصحابها صحة جميع ما ذكروه فيها ولا ثبوته فلا يمكن اعتمادها خصوصا مع معارضتها وانفرادها بما ذكرته عن باقي كتب السير والمغازي التي تروي موثقة بالإسناد كما في ( السيرة النبوية) لابن هشام أو ( تاريخ الطبري ) أو ( البداية النهاية ) وغيرها.
فقط مما يستحق النظر فيه من المذكورين في ذلك الهامش هو (طبقات ابن سعد) وقد ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته في موضعين الأول (2/189-190) ولم يسق له سندا واكتفى بقوله: ( قالوا:.. ) وذكره وهو شبه الريح، والأشبه أنه نقله من شيخه الواقدي، إذا هو موجود بنفس اللفظ في ( مغازي الواقدي ) (3/117-119) فإن يكن هو فالواقدي متروك، وقد اتهمه بعضهم بالكذب فسقطت الرواية، وإن يكن من غير الواقدي فليس له إسناد ينظر فيه ويصح به.
والموضع الثاني (2/249) من رواية عبد الوهاب بن عطاء العجلي عن العمري عن نافع عن ابن عمر، وهذا إسناد ضعيف من أجل العمري هذا فهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ضعيف كما في ( التقريب )، وليس العمري هو أخاه عبيد الله بن عمر فإن عبيد الله ليست لعبد الوهاب بن عطاء رواية عنه كما قال الحافظ في ( التهذيب ) (6/452).(66/306)
هذا هو مستند من ادعى وجود أبي بكر ضمن جيش أسامة، وقد بينا ضعفه وسقوطه عن الاحتجاج من جهة سنده، وأما من جهة لفظه ومعناه فهو معارض كما تقدم من استفاضة تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر للصلاة بالناس في مرض موته، فحتى لو سكتنا عن دعوى وجود أبي بكر ضمن جيش أسامة وأقررنا عليها _ بحجة وجودها في بعض الكتب والروايات وإن كانت لم تصح ولم تثبت _ فإن إتفاق أهل السير والأخبار على تقديم أبي بكر للصلاة بالناس دليل على استثناء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر من الخروج في الجيش بعد تسميته ضمنه كما في هذا الزعم المفترض، وهذا ما ذهب إليه حتى من قرر وجود أبي بكر ضمن جيش أسامة _ من دون مستند صحيح طبعا _ من الذين احتج بهم هذا الموسوي نفسه في هامشه ذلك (1/292) لكنه قد حاول الخداع والغش بكتمان قولهم ذاك، فقد قال الحلبي في ( سيرته ) (3/208): ( واستثنى صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره بالصلاة بالناس، أي فلا منافاة بين القول بأن أبا بكر رضي الله عنه كان من جملة الجيش وبين القول بأنه تخلف عنه لأنه كان من جملة الجيش أولا وتخلف لما أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وبهذا يرد قول الرافضة طعنا في أبي بكر رضي الله عنه أنه تخلف عن جيش أسامة رضي الله عنه لما علمت أن تخلفه عنه كان بأمر منه صلى الله عليه وسلم لأجل صلاته بالناس ) أ. ه.
ومثل قول الحلبي هذا تماما ما قاله أحمد بن زيني دحلان في ( سيرته ) (2/363) وكلاهما قد احتج به هذا الموسوي في الهامش لكنه كتم قولهما هذا فله من الله ما يستحق.(66/307)
ثم وجدت الحافظ ابن كثير قد قرر عين ما قلناه من خطأ تسمية أبي بكر ضمن جيش أسامة، وذلك في ( البداية والنهاية ) (5/222-223) فقال: ( ومن قال أن أبا بكر كان فيهم فقد غلظ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد به المرض وجيش أسامة مخيم بالجرف، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس كما سيأتي فكيف يكون في الجيش وهو إمام المسلمين بإذن الرسول من رب العالمين، ولو فرض أنه كان قد انتدب معهم فقد استثناه الشارع من بينهم بالنص عليه للإمامة في الصلاة التي هي أكبر أركان الاسلام ) أ. ه. فهذا يبين أن ما قررناه فوق كونه مقتضى دراسة إسناده ومتنه فهو لم ينفرد به شيخ الاسلام ابن تيمية بل تابعه عليها غيره مثل الحافظ ابن كثير هنا، وإن كنا لسنا محتاجين لهذا، ولله الحمد.
وأما بالنسبة لعمر رضي الله عنه فإن أبا بكر إستأذن أسامة بالسماح لعمر بالبقاء معه لاحتياجه إليه، كما هو صريح الرواية عند الطبري (3/226) أن أبا بكر قال لأسامة: ( إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل، فأذن له ) وهو ما قرره ابن سعد أيضا في ( طبقاته ) (2/191)، وابن كثير في ( البداية والنهاية ) (6/305) والحلبي في ( سيرته ) (3/209) فلا يعد هذا متخلفا.
ثم حاول هذا الرافضي ثانيا اتهام الصحابة بأنهم كانوا متثاقلين عن الخروج فقال: ( ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا مع ما وعوه ورأوه من النصوص الصريحة في وجوب إسراعهم كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أغز صباحا على أهل أبنى، وقوله: وأسرع السير لتسبق الأخبار، إلى كثير من أمثال هذه الأوامر التي لم يعلموا بها في تلك السرية ).(66/308)
قلت: وهذا افتراء بين على الصحابة رضوان الله عليهم، فكل الروايات التي أشار إليها وغيرها تبين أنهم لم يتثاقلوا أبدا ولم يتعمدوا التأخير، بل التأخير كان من اجتهاد أسامة رضي الله عنه أمير الجيش انتظارا لما يؤول إليه حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صريح رواية ابن اسحاق _ انظر ( سيرة ابن هشام ) (4/300) _ إذ قال: ( فأقام أسامة والناس لينظروا ما الله قاض في رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ومثله عند ابن سعد أيضا (2/249) وبين ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية فقال في ( المنهاج ) (3/122): ( فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فقال: أغد على بركة الله والنصر والعافية ثم أغر حيث أمرتك أن تغير، قال أسامة: يا رسول الله قد أصبحت ضعيفا وأرجو أن يكون الله قد عافاك فإذن لي فأمكث حتى يشفيك الله فإني إن خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي نفسي منك قرحة وأكره أن أسأل عنك الناس، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأيام ) أ. ه.
وحتى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حاول أسامة نفسه أن يرجع بمن معه اجتهادا منه لظنه احتياج المسلمين في المدينة له ولجيشه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك صريح رواية الطبري (3/226) وفيها: ( فوقف أسامة بالناس، ثم قال لعمر: إرجع إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه، يأذن لي أن أرجع بالناس فإن معي وجوه الناس وحدهم ولا آمن على خليفة رسول الله.. ) ونظير هذا موجود تماما في ( السيرة الحلبية ) (3/208) وهو ما اطلع عليه هذا الموسوي لكنه كتمه ونقل غيره انتقاء لما يوافق هواه.(66/309)
وكل هذه النصوص تبين أن أحدا من الصحابة لم يكن متثاقلا عن الخروج البتة، بل إن أمير الجيش نفسه ومن معه اجتهدوا في تأخير الخروج انتظارا لما يؤول إليه حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا مغمز ولا مطعن لأحد في موقفهم هذا، وحتى إن حاول أحد من الذين في قلوبهم مرض الطعن في صحة هذه الروايات فلا ينقض ذلك ما قلناه إذ ما في رواية أبدا أن أحدا منهم كان متثاقلا ملوما عليه، وذلك واضح من أسلوب هذا المخادع عبد الحسين إذ أنه يسوق نص الرواية لكنه يحشر خلالها كلامه ورأيه في أنهم كانوا متثاقلين، كما في (ص293) حين ساق لفظ الرواية حتى انتهى إلى قوله ( فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف ) وهذا هو نص الرواية من المصادر التي عزا إليها في الهامش (1/292) لكنه قال بعده: ( ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا مع ما وعوه من النصوص الصريحة)
وهذا من كلامه الذي حاول تفسير موقفهم بلا حجة ولا برهان، فأين ذلك في المصادر التي أحال إليها؟ بل وأين ذلك في غيرها أيضا؟ وهو نفسه ينقل أن أسامة كان يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الأيام مرات عديدة فلم لم ينهه أو من معه عن التثاقل؟.(66/310)
والموضع الثالث الذي فيه خداع وغش في هذه المراجعة قوله: ( وطعن قوم منهم في تأمير أسامة كما طعنوا من قبل في تأمير أبيه.. ) وهو يريد هنا نظير ما أراده في سابق كلامه اتهام الصحابة رضوان الله عليهم أنهم هم الطاعنون بتأمير أسامة، والعجب من هؤلاء الرافضة فإن كلامهم هذا بشمول تهمة الطعن لجميع الصحابة، وكذا في التثاقل المذكور آنفا هو يشمل أيضا عليا رضي الله عنه إذ لا مخصص له من بينهم لا في هذه الروايات ولا في غيرها من روايات الكتب كلها، وهذا نقوله لثقتنا بالحق الذي عندنا أن لا رواية أبدا تخرج عليا رضي الله عنه من هذه التهم التي ألقاها هذا الرافضي عبد الحسين على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فكل جواب يجيبون به عن قولنا هذا يصلح تماما بلا شك أن نجيبهم به عن قول هذا الموسوي ولا فرق، هذا أولا.
وثانيا: أن أصحاب الطعن هؤلاء من الذين خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرد قولهم قد جاء ذكرهم وتمييزهم في روايتين عند الطبري (3/184) و(3/186) الأولى عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر تأمير أسامة وقال: ( فقال المنافقون في ذلك، ورد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.. )، والثانية عن ابن عباس قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب بعث أسامة فلم يستتب لوجع رسول الله ولخلع مسيلمة والأسود وقد أكثر المنافقون في تأمير أسامة حتى بلغه فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عاصبا رأسه من الصداع لذلك الشأن وانتشاره.. ) فهذا يبين تبرئة الصحابة رضوان الله عليهم مما اتهمهم به من سيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القيامة لطعنه في أخص أصحابه، وأن الطعن كان قد صدر من المنافقين لا غيرهم.(66/311)
وأكثر من ذلك نقل الحافظ في ( الفتح ) (8/192) أن عمر رضي الله عنه كان قد رد على من طعن في تأمير أسامة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فخطبهم بما في الحديث، فهذا يخرس هؤلاء الروافض ومتكلمهم هذا الموسوي في محاولته إلقاء التهمة على عمر، أما أبو بكر فلا تطوله أبدا حتى على قول الروافض لإقرارهم أنه هو الذي أنفذ الجيش ولم يقبل عزل أسامة لما طلب منه ذلك، كما سيأتي إن شاء الله.
ثم قوله: ( فجعل يقول جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة، يكرر ذلك وهم متثاقلون ) وهذا قد تقدم الرد عليه ونقضه في تبرئة الصحابة مما اتهمهم به هذا الدجال المدعو عبد الحسين، وبينا أن أحدا منهم لم يكن متثاقلا، وأن ذلك من خبث هذا الموسوي في تفسيره للنصوص بما يهوى.
ثم قال هذا الموسوي: ( ثم عزموا على إلغاء البعث بالمرة، وكلموا أبا بكر في ذلك وأصروا عليه غاية الاصرار ) إلى قوله ( ولولا الخليفة لأجمعوا على رد البعث وحل اللواء، لكنه أبى عليهم ذلك، فلما رأوا منه العزم على إرسال البعث جاءه عمر بن الخطاب حينئذ يلتمس منه بلسان الأنصار أن يعزل أسامة ويولي غيره ).
قلت: وهذا الذي ذكره وأقر به من أدلة أهل السنة على هؤلاء الرافضة الضالين في أفضلية الصديق رضي الله عنه واحتياج الأمة له بعد نبيها صلى الله عليه وسلم بما لم تحتجه إلى غيره، لا علي ولا غيره من أهل البيت.(66/312)
فهذا الذي أنطقه الحق به من تنفيذ بعث أسامة رضي الله عنه هو واحد من المسائل التي اختلف فيها الصحابة رضي الله عنهم وهم بشر يصيبون ويخطئون ويختلفون كغيرهم سواء، ولسنا نقول بعصمتهم كما تدعيه الرافضة بالباطل لأئمتها، لكن الذي يختلف فيه هؤلاء، الصحابة عن غيرهم أنا نقطع بسلامة صدورهم ونياتهم ومقاصدهم بما كشفه لنا ربنا علام الغيوب المطلع على ما في الصدور سبحانه وتعالى في كتابه أو عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم كما فصلنا ذلك خلال الرد على المراجعة (84) فلا حاجة لإعادته.(66/313)
والمقصود هنا بيان أهمية موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه في هذه المسائل الكبار التي تنازعت فيها الأمة، مثل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر كلامهم واختلافهم فلم يعرفوا ما يقولون حتى فصل ذلك الصديق أبو بكر لا غيره بما لم يستطعه علي ومن سواه من أهل البيت، وأيضا مثل اختلافهم في مدفنه صلى الله عليه وسلم وميراثه، وقتال مانعي الزكاة إضافة لتجهيز جيش أسامة، وفي كل تلك المواقف كان علي رضي الله عنه موجودا حاضرا بينهم فلم يتمكن من فصل النزاع رغم أنه لا نص أبدا يخرجه من شبهة قول ما هو خطأ ومرجوح في كل تلك المواقف وبضمنها إرسال جيش أسامة الذي نحن بصدده، فمرة أخرى نقول: من أدرى هؤلاء الرافضة أن عليا رضي الله عنه لم يكن ضمن من طلب إلغاء بعث أسامة؟ فإن قيل إن النصوص لم تذكر اسمه، قلنا فنجيب إذن بأمرين.. الأول: إن تلك النصوص لم تذكر غيره من الصحابة الكثيرين جدا مثل عثمان وسعد وابن عوف والزبير وطلحة، وغيرهم لو لأردنا سرد أسمائهم لقضى ذلك على كلامنا هنا حتى آخره، والثاني: أن النصوص التي ذكرت اختلاف الصحابة في تجهيز جيش أسامة لم تذكرمن المعترضين على إلغائه غير أبي بكر، فالتمسك بدلالته على انفراده بذلك ومن سواه مثل علي وغيره كانوا يطلبون الإلغاء، ليس أقل حظا مما حاوله هذا الرافضي بالتمسك بدلالة الآخر الذي ينص على المعترضين وعدم دخول علي معهم لانتفاء التصريح باسمه.
والمهم هنا تقرير أحقية أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة للنبي صلى الله عليه وسلم بدلالة مواقفه هذه التي انفرد بها عن الأمة جميعا _ فضلا عن دلالة النصوص المصرحة بذلك مما قدمناه في آخر ردنا على المراجعة (52) وغيرها _ مما بين لهم وأزال كل شبهاتهم بما لم يعد لخلافهم أثر بعد كلمته وفصله بينهم رضي الله عنه وعنهم أجمعين.
وهذا ما لم يستطع إنكاره هؤلاء الروافض رغم كونهم أكثر الناس بعد اليهود والنصارى مكابرة للحق ومعاندة للصواب.(66/314)
فأين كان علي رضي الله عنه حين اختلفوا في إرسال بعث أسامة؟ ولِمَ لم يفصل هو بينهم؟ وأين كان أيضا حين اختلفوا في وفاته صلى الله عليه وسلم ومدفنه وميراثه؟ وأين كان حين اختلفوا في قتال مانعي الزكاة؟ وغير تلك المواقف الحاسمة في تاريخ هذه الأمة.
ونحن إذ نقرر اختلاف الصحابة في تلك المواقف ومنها إرسال جيش أسامة، وقد طلب البعض منهم إلغاءه فلا يعني ذلك إقرارنا بما ادعاه هذا الموسوي في هذه المراجعة والتي بعدها من عدم تعبد الصحابة بالنصوص والأوامر النبوية، وهو الغاية التي يريد الوصول إليها هذا الموسوي، ولأننا قد قدمنا غير مرة مذهب أهل السنة والجماعة في ترضيهم عن الصحابة عموما وموالاتهم بلا تفريق بينهم، لكن ذلك لا يعني القطع بعصمتهم وإصابتهم في كل ما فعلوه، بل المهم أن الله تعالى يهيء لهم ما يظهر به الحق والهدى، وأنهم كلهم أطوع الخلق لله ولرسوله وأحرص الخلق على تنفيذ أوامر الله سبحانه وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم لا يقف في وجوههم دون ذلك من أغراضهم ومصالحهم شيء حتى في حالة اختلافهم في أمر من الأمور، لكنهم إنما يختلفون لتفاوتهم في دقة فهمهم للنصوص الشرعية من الكتاب والسنة لا لأن بعضهم يتعبد بالنصوص والآخر لا يتعبد بها أو هو متعبد بها أقل من غيره، وهذا أمر في غاية الأهمية والخطورة يجب إدراكه وفهمه، إن اختلافهم مرده إلى اختلافهم في الفهم، وإلا فالكل منهم كبيرهم وصغيرهم، سابقهم ولاحقهم لا يتفاوتون في شدة الحرص على تطبيق الأوامر والنصوص الشرعية وإنما يتفاوتون _ كما قلنا _ في الفهم والادراك وهو من لوازم الطبائع البشرية.(66/315)
وهذا الذي قلناه هو مقتضى قوله تعالى: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) فإذا كان الله قد نفى الإيمان عمن قصر في تطبيق أي أمر شرعي، مع تقريره استقرار الإيمان في قلوب الصحابة حين قال ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ) علم أن تلك الحال الأولى التي تعني عدم الرضوخ لأمر الله ورسوله في أي شأن من الشؤون منتفية عن الصحابة مطلقا لا يمكن ورودها على فرد واحد منهم بدلالة تلك الآية الثانية وغيرها كثير من النصوص التي أسلفنا بعضا منها خلال الرد على المراجعة (84).
وإذ تقرر هذا أيقنا أن ما صدر عن أي منهم مما فيه مخالفة لنص شرعي أو شبهة في رده لا يكون إلا لأحد أمرين: إما عدم علمه بذلك النص وقد علمه غيره، أو عدم فهمه منه ما فهمه غيره، وهذان الأمران لابد كذلك في كل منهما من اشتراط أن يكون ما غاب عن أحدهم أو لم يفهمه لابد أن يكون غيره قد علمه وحفظه وفهمه كذلك ثم بينه بما يزيل شبهة المتوقف فيه.
وهذا الذي قلناه تدل عليه كل الدلائل والوقائع، وما لم يكن كذلك فلا بد من بطلانه، ألا ترى أن الصحابة حين اختلفوا في بعض المسائل كان هناك دائما من وفقه الله منهم فعلمه بالحق وفهمه إياه فبينه لغيره؟ وهذا لم يحصل لأحد منهم كما حصل للصديق رضي الله عنه كما قدمناه.(66/316)
ولإيضاح هذا الذي قررناه ولأهميته لابد من ذكر أمثلة تثبته وتزيل الشبهة عنه فتقول: أول ذلك ما حصل من اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال لهم بعد انصراف الأحزاب يوم الخندق: ( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ) فأدركهم العصر وهم في الطريق فبعضهم صلى لأنه لم يفهم من قوله إلا إرادة الإسراع في الخروج، والبعض الآخر لم يصل حتى أتى بني قريظة تطبيقا لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم، والحديث في الصحيحين وغيرهما، والمهم أن اختلافهم هذا من نوع اختلافهم في فهم النص، وإلا فالكل قاصد العمل به غير معرض ولا مخالف له.
والمثال الآخر، اختلافهم في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بين لهم الصديق حقيقة الأمر بعد أن قرأ عليهم قوله تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } وهم كانوا يقرؤون الآية لكنها غابت عن أذهانهم حين احتاجوها فذكرهم بها أبو بكر رضي الله عنه، فما كان منهم إلا أن سارعوا إلى الإقرار بقوله، ولم يتوقفوا عن ذلك بعد أن علموه.
ومثال ثالث، هو اختلافهم في مدفنه صلى الله عليه وسلم حتى بين لهم الصديق رضي الله عنه ما كان قد قاله صلى الله عليه وسلم في ذلك _ والحديث في ( مسند الامام أحمد ) وله طرق ذكرها الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية )(5/266) _ وهذا اختلاف منهم لعدم معرفة بعضهم بهذا النص فلما علموه أذعنوا له، وغير ذلك من الأمثلة الكثير.(66/317)
وبعد كل هذا التبيين لضوابط اختلاف الصحابة وأسبابه وحقيقته ندرك مدى كذب هذا الموسوي وافترائه حين قرر فيما سبق من المراجعات أن الصحابة لم يكونوا يتعبدون بالنصوص خصوصا إذا كانت متعلقة بأمور السياسة والمصالح الدنيوية، وقد قدمنا خلال ردنا على المراجعة (84) بطلان مثل هذا التفريق بين هذه النصوص وبين ما كان منها مختصا بالشؤون الأخروية، وأضفنا هنا بيان سبب اختلافهم أو ما نقل عن بعضهم مما هو مخالف لبعض النصوص، وقد حصرنا ذلك إما لعدم بلوغ النص له، أو نسيانه، أو عدم فهمه كما فهمه الآخرون، أما أن يكون نص في مسألة ما دنيوية أو أخروية يعلمون به ويفهمون المراد منه ثم يعرضون عنه فلا ثم لا، كما بينا ذلك مفصلا.
والنص الذي يدندن حوله هذا الموسوي ومن ورائه كل الروافض هو الوصاية والخلافة لعلي رضي الله عنه، وهو يحاول افتعال الأسباب التي أدت بالصحابة إلى كتمانه، لكن ما قدمناه يبطل كل قوله هذا فليس نص الخلافة المزعوم مما يمكن جهله لو صح ما يدعونه فيه، إذ أنهم يكذبون فيقولون أنه بلغه لهم في حجة الوداع وفي غدير خم وغير ذلك، فلو صح لما جاز لأحد جهله، ثم إنه من الدلالة على حد زعم الروافض _ ما لا يبقى فيه شبهة في مراده عنه أحد ومن ثم لا يمكن أيضا غياب فهمه الصحيح _ المزعوم _ عند أحد.(66/318)
فإذا سقط هذان العذران وانضم إليهما عدم ذكر أحد منهم لذاك النص وعدم مخالفة أحد منهم في أمرهم ذاك علم بطلان كل قولهم وحججهم في سكوتهم عن ذلك النص إن لو كان له وجود أصلا، ومن أراد تفصيل هذا الذي نرد به من كل الاحتمالات فليراجع ما قلناه خلال الرد على المراجعة (84) صفحة (269-275) حين تناولنا كل الأوجه المحتملة في سكوت الصحابة عن ذلك النص المفترض وجوده بما لا يصح معها إلا كذبه وعدم وجوده أصلا، وكذلك فليراجع آخر كلامنا على تلك المراجعة صفحة (283-286) حين تناولنا أيضا كل الأوجه المحتملة في سكوت علي رضي الله عنه نفسه عن ذلك النص المزعوم المفترى.
ولنختم كلامنا عن هذه الفقرة بتقرير الفضل العظيم الذي نال الصديق رضي الله عنه بمثل موقفه الحاسم الجاد هذا من تسيير جيش أسامة وعدم الرضوخ لطلب من طلب إلغاءه أو تأجيله، وهو ما أقر به هذا الموسوي.
فمن من الأمة كلها يستطيع اتخاذ مثل هذا الذي اتخذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين قال: ( والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لآنفذت بعث أسامة كما أمربه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولم يبق في القرى غيري لأنفذته؟) _ الطبري (3/225)_وذلك حين ارتدت العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق واشرأبت اليهود والنصارى، والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم وقلتهم وكثرة عدوهم _كما هو نص الرواية نفسها _.
لكن قرار أبي بكر هذا في خروج الجيش كان فيه أعظم مصلحة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم لولا أن الله من عليها بأبي بكر لما نالتها، حتى قال الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) (6/304): ( فكان خروجه في ذلك الوقت من أكبر المصالح والحالة تلك، فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب إلا أرعبوا منهم وقالوا: ما خرج هؤلاء من قوم إلا وبهم منعة شديدة ).(66/319)
ثم قال هذا الموسوي: ( وتخلف عنه جماعة ممن عبأهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جيشه، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم _ فيما أورده الشهرستاني في المقدمة الرابعة من كتاب الملل والنحل _: جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه) أ. ه.
قلت: ولا يحتاج الأمر إلى كبير فطنة حتى يعرف مقصده بالمتخلفين، وإنما عنى بهم بالأخص أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ولسنا بحاجة إلى جهد جديد لرد دعواه ونقضها، فقد قدمنا بطلان تسمية أبي بكر ضمن جيش أسامة إذ لا وجود لإسناد صحيح يثبته مع أنه حتى لو كان ضمنه فلا بد أنه قد استثنى لإمامة الناس بالصلاة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما عمر رضي الله عنه فقد قدمنا أيضا أن أبا بكر قد استأذن أسامة بالسماح لعمر بالبقاء معه لإحتياجه إليه ولأنه ذو رأي ناصح للاسلام والمسلمين، وهو ما قرره غير واحد من أصحاب الأخبار كما تقدم، فلا يعد بعد هذا متخلفا.(66/320)
وأما الحديث الذي ذكره ( لعن الله من تخلف عنه ) وأشار إلى وجوده عند الشهرستاني فهو شبح الريح لا يغني في ميزان الحق شيئا، إذ ذكره الشهرستاني (1/20) _ هامش الفصل _ ولم يسنده لأحد ولم يسق له إسنادا ولم يصححه، بل ساق لفظه فقط، أمثل هذا يعد ثابتا صحيحا يحتج به؟ أهذه هي النصوص الصحيحة التي ادعاها في مقدمته هذا الموسوي المخادع؟ وهذه كل كتب الحديث عند أهل السنة فهيهات هيهات أن يجد أحد من الروافض لهذا الحديث عندهم مخرج وسند، بل هو عندهم من الأحاديث التي لا أصل لها، حتى الأحاديث المكذوبة لها أصل وسند تروى وتنقل به، أما هذا الحديث فقد عدم حتى هذه الخاصية. ومن هنا قال عنه الحلبي في ( سيرته ) التي احتج بها هذا الموسوي قبل قليل وعزا إليها رواياته: ( وقول هذا الرافضي: مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن المتخلف عن جيش أسامة، مردود لأنه لم يرد اللعن في حديث أصلا ) انظر ( السيرة الحلبية ) (3/208). ومثله تماما ما قاله ابن دحلان في ( سيرته ) أيضا (2/362) وهي من أدلة هذا الموسوي أيضا قبل قليل لكنه هنا أعرض عنها وعن السيرة الحلبية لأنه لم يجد فيها متنفسا لهواه وباطله.
أما ما سيذكره هذا الموسوي من الإسناد والمخرج لهذا الحديث في المراجعة القادمة فهو من كتبهم هم الشيعة والروافض لا حجة فيه أبدا على أهل السنة. مع أنه نفسه إسناد ضعيف ساقط كما يأتي تفصيله إن شاء الله خلال الرد على المراجعة القادمة.
ونحن إذ نقرر بطلان هذا الحديث وافتراءه فلا يعني ذلك أن أحدا من الصحابة كان متخلفا فعلا، بل هم أولا ليسوا بمتخلفين أبدا كما سبق، وثانيا لم يرد في لعن المتخلف حديث أصلا كما قلنا هنا، فسقطت بذلك _ ولله الحمد _ كل دعاوي هذا الموسوي المفتري.(66/321)
ثم زعم هذا الموسوي في آخر فقرة من مراجعته هذه أن الصحابة ما تثاقلوا عن السير ولا تخلفوا عن الجيش إلا ليحكموا قواعد سياستهم ولكي يكون لهم في الخلافة نصيب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما عبأهم في الجيش ولا أمرهم بالإسراع في الخروج إلا ليصفوا الأمر من بعده لعلي رضي الله عنه فتخلو المدينة منهم حتى يستتب الأمر له، وأنه صلى الله عليه وسلم أمر عليهم أسامة مع صغر سنه لياً لأعنة البعض منهم، لكنهم كانوا أفطن منه صلى الله عليه وسلم وانتبهوا إلى ما دبره وكاده _ بزعم هذا الأخرق الموسوي _ فعرفوا كيف يحبطون كيده وكيد علي معه. ولا يحتاج الأمر إلى كبير شرح لرد هذه الأقاويل السخيفة الباطلة، وفيما قدمنا كفاية إن شاء الله لمن أصغى بقلبه إلى الحق والهدى، إذ أن زعمه أن الصحابة ما تثاقلوا إلا ليحكموا قواعد سياستهم إن أراد به أبا بكر وعمر فقد قدمنا بطلان وجود أبي بكر ضمن جيش أسامة، وحتى إن كان فقد قرر غير واحد من أهل الأخبار والسير استثناءه للصلاة بالناس إماما، هذا فضلا عن إن التأخير في خروج الجيش لم يأت في الروايات أنه تثاقل ولم يأت إلا أنه من اجتهاد أسامة أمير الجيش نفسه، كما تقدم كل ذلك بما يغني عن إعادته هنا.
وإن أراد بالصحابة المتثاقلين من سوى أبي بكر وعمر فهو لا فائدة له به ولا جدوى من ادعائه إذ أن الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن إلا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فما الذي يحكمه من السياسة غيره؟ فعاد الأمر إلى الاحتمال الأول المنقوض سابقا.(66/322)
ثم زعمه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما عبأهم في الجيش إلا لتخلو المدينة منهم ويستتب الأمر لعلي أوهى من سابقه وأبطل، إذ لازمه عجزه صلى الله عليه وسلم _ وحاشاه مما تصفه به الرافضة هؤلاء _ عن إتمام أمرمن الأمور الشرعية وتغلب المخالفين له عليه، وهذا كما قدمنا في مراجعة ماضية يستلزم القدح في الرب تبارك وتعالى حين يرسل رسولا يكون بهذا المستوى من الضعف وقلة الحيلة وتسلط الأعداء عليه ثم لا ينصره ولا ينتقم من مخالفيه بل يؤيدهم ويفتح لهم ويوطد لهم سلطانهم، وهذا لعمر الله من أعظم حججنا على النصارى في إثبات صدق محمد صلى الله عليه وسلم وأنه مبعوث من قبل الله سبحانه وتعالى، فلئن جاز لهؤلاء الرافضة أن يثبتوا كل ذلك لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من بعده مع أنهم غاصبون للخلافة، لجاز مثله للنصارى في إثباتهم حال محمد بن عبد الله _ صلى الله عليه وسلم _ مع قوله بكذبه وافترائه. وقد كذبوا في ذلك كما كذبت الرافضة فيما قالته في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المقصود هنا بيان توافق قولهم وحججهم وأنها من جنس واحد.
ثم إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بإرسالهم في الجيش إتمام تولية علي رضي الله عنه لكان كل الناس أعجز عن أن يدفعوا أمره صلى الله عليه وسلم، فهو رسول الله المؤيد من قبل رب العرش العظيم فكيف يستجيز عاقل أن حفنة من البشر لا سلطان لهم ولا منعة يغلبون أمره؟ هذا فضلا عن أن عليا رضي الله عنه كانت له من الأسباب المادية ما يؤهله للحصول على الخلافة لو أرادها ولو كانت من حقه، وقد فصلنا ذلك بوضوح تام في أواخر الرد على المراجعة (82) وكذلك تناولنا خلال ردنا على المراجعة (84) كل الأوجه المحتملة والأسباب المفروضة لعدم التزام الصحابة بالنص على علي _ بزعم الروافض _ وعدم مطالبة علي بذلك النص، فراجعه في الصفحات (269-275).(66/323)
وأيضا نقول أنه صلى الله عليه وسلم لو أراد تولية علي وإبعادهم عن المدينة لأمره بالصلاة بالناس إماما دون أبي بكر، فكيف يجوز أنه صلى الله عليه وسلم أراد إبعادهم عن المدينة ليصفو الأمر لعلي ثم هو يأمر أبا بكر بالصلاة بالناس إماما؟ هذا يستلزم بلا أدنى شك أنه هو المقصود بالخلافة والتولي على الناس، وهذا ما أكثرنا من ذكره وتفصيله، هو قول كل من أنصف وترك التعصب، حتى الدحلاني صرح بذلك في ( سيرته ) رغم أن هذا الموسوي قد اعتمد عليه كثيرا في نقله في هذه المراجعة لكنه أغفل من قوله ما لا يعجبه، إذ قد ذكر خلال كلامه عن سرية أسامة (2/362-365) استثناء أبي بكر للصلاة بالناس _ وقد ذكرناه _ وقال عقبة: ( وفيه إشارة إلى أنه الخليفة بعده ).
فما أكثر تلاعب هذا الموسوي بالنصوص المنقولة وما أقبح اقتطاعه منها؟ ثم إن قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد إبعادهم بهذه السرية فيه قدح في شخصه صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى، وهو وصفه بالخداع والمكر والمراوغة، وهو فعل أحرى به الكذابون الدجالون مثل أئمة الروافض هؤلاء، لا الأنبياء المرسلون فإنهم أصدق الناس وأوفاهم وأوضحهم، لكن عبد الحسين هذا ومن قبله أئمة الروافض لاعتيادهم على هذه الصفات القبيحة مثل الغش والخداع والمراوغة وقولهم بالكذب الصريح الذي يسمونه ( تقية ) يحاولون تفسير أقوال كل الناس حتى الأنبياء والمرسلين بما هو عندهم معتاد، فإنا لله وإنا إليه راجعون.(66/324)
وأما توجيهه تولية أسامة عليهم لياً لأعنة البعض منهم، فيكفي لإبطاله أن هذا البعض الذي قصد به أبا بكر منهم _ بلا شك _ قد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينها عليهم في أعظم ركن من أركان الدين الذي بعثه الله به وهو الصلاة، فضلا عن توليته عليهم في غيرها كثير، فلم لم يكبح جماحهم أيضا فيولي عليهم في الصلاة أسامة أو مثله ممن يحقق له غرضه أن لو كان له وجود؟ ولم لم يصرح بذلك صلى الله عليه وسلم؟ أيخشى منهم أم هو المكر والخديعة اللذان لا يتناسبان مع الأنبياء؟.
وقد قدمنا خلال الرد على المراجعة (36) في الحديث الثالث منها الأمور التي كان يراعيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمراء السرايا والبعوث مما يفهم من النظر في سيرته صلى الله عليه وسلم وفيما يصرح به لأولئك الأمراء، وذكرنا هناك تأمير أسامة هذا على الجيش وسببه أن الروم الذين خرج أسامة لقتالهم كانوا قد قتلوا أباه في مؤتة، فكان هذا دافعا إضافيا عند أسامة رضي الله عنه لقتالهم امتاز به عن غيره، حتى قال له صلى الله عليه وسلم: ( سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش ) _ ( مغازي الواقدي )(3/117-119) _ وفعلا قد قتل أسامة قاتل أبيه كما ذكره هذا الموسوي نفسه، وهو نص الروايات كلها. فهذا يبين لنا سبب تأمير أسامة رضي الله عنه وتوليته على ذلك الجيش، وهو صريح النصوص، لا ما شاغب به هذا المفتري الدجال عبد الحسين، فإلى الله المشتكى..
المراجعة (91): س:
1_ اعتذار شيخ الأزهر بعد إقراره المزعوم عن ما نسب إلى
الصحابة في سرية أسامة، بأعذار هي من الضعف والتردي بحيث
لا يصعب نقضها.
2_ إنكاره ورود حديث في لعن المتخلف عن سرية أسامة.
المراجعة (92): ش:
1_ نقضه للأعذار المنسوبة إلى شيخ الأزهر بما يؤدي إلى الطعن
بالصحابة.
2_ زعمه مجيء اللعن في حديث مسند، ثم احتجاجه بما ذكره ابن
أبي الحديد في ( شرح النهج ) على أهل السنة!(66/325)
الرد على المراجعة (92):
1_ كشف خداعه وغشه بذكر أعذار واهية نسبها إلى شيخ الأزهر
ومن ورائه علماء أهل السنة محاولا المصادرة على أجوبتهم
الصحيحة في ذلك.
2_ كشف كذبه في ادعائه تسليم أحد من علماء أهل السنة بما
قاله وافتراه في المراجعة الماضية.
3_ بطلان كل الأوجه التي حاول الطعن بالصحابة من خلالها.
4_ الكلام بالتفصيل عن حديثه المزعوم بما يكشف كذبه.
حاول في هذه المراجعة الجواب على ما نسبه إلى شيخ الأزهر في المراجعة الماضية، مظهرا إياه أنه جواب كل أهل السنة عن شبهتهم هذه في سرية أسامة، وكأن أهل السنة سلموا لهم بكل ما ذكره في المراجعة الماضية فلم يبق لهم مجال إلا الإجابة عليه بمثل ما نسب إلى شيخ الأزهر، وبمثل هذا يعود المدعو عبد الحسين إلى الخداع والغش والكذب الذي أشرنا إلى مواضعه خلال الرد على المراجعة الماضية، وهو الذي يظهره قول هذا الرافضي الماكر في بداية مراجعته هذه: ( سلمتم _ سلمكم الله تعالى _ بتأخرهم في سرية أسامة عن السير، وتثاقلهم في الجرف تلك المدة مع ما قد أمروا به من الإسراع والتعجيل. وسلمتم بطعنهم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره. وسلمتم بطلبهم من أبي بكر عزله بعد غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طعنهم في إمارته، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا، وتنديده بهم في خطبته تلك على المنبر التي قلتم إنها من الوقائع التاريخية، وقد أعلن فيها كون أسامة أهلا لتلك الإمارة. وسلمتم بطلبهم من الخليفة إلغاء البعث الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحل اللواء الذي عقده بيده الشريفة، مع ما رأوه من اهتمامه في إنفاذه وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في وجوب ذلك. وسلمتم بتخلف بعض من عبأهم صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الجيش، وأمرهم بالنفوذ تحت قيادة أسامة ) أ. ه.(66/326)
قلت: ونحن نتحداهم بتسمية واحد من علماء أهل السنة قد سلم للرافضة بكل ما ذكره هذا الدجال هنا، بنقل موثق من كتب أهل السنة، وحتى ما نسبه إلى شيخ الأزهر لا يثبت عنه ولا يصح كما قلنا في بداية ردنا على هذا الكتاب من التشكيك أصلا في صحة وقوع هذه المراجعات من أساسها أو وقوعها بهذا المحتوى.
وقد تقدم خلال الرد على المراجعة الماضية بيان كذب الشيعة وإمامهم عبد الحسين هذا حين اتهم الصحابة بأنهم كانوا متثاقلين عن الخروج في السرية، وبينا هناك _ بالروايات _ أن التأخير كان من اجتهاد أسامة أمير الجيش نفسه، وكذلك بيان كذبه حين اتهم الصحابة أيضا بأنهم هم الذين طعنوا في إمارة أسامة، وقدمنا تصريح الروايات بأن الطعن كان من المنافقين فقط لا غيرهم ورد عليهم الصحابة مثل عمر وغيره طعنهم هذا، كل ذلك قد تقدم خلال ردنا هناك فلا حاجة بنا إلى إعادته، فليراجع.
وأما غمزه الصحابة بعد ذلك بأنهم طلبوا من أبي بكر رضي الله عنه عزل أسامة وتأمير غيره، وأنهم _ قبل ذلك _ طلبوا منه إلغاء البعث بالكلية، وأن ذلك يخالف وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اهتم به، ففيه تضليل عظيم وبهتان مبين قد أوضحناه ورددنا عليه بما يدحض كل حججه _ إن شاء الله _ خلال الرد على المراجعة الماضية أيضا، وبينا هناك مذهبنا نحن أهل السنة والجماعة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم بشر كغيرهم سواء يخطئون ويصيبون، لكن الذي يميزهم عن غيرهم من البشر هو القطع بصحة إيمانهم وسلامة نياتهم وصدق نفوسهم حتى حين يخطئون، والتفصيل فيما أشرنا إليه.
وقدمنا ما في هذه الحوادث المذكورة من بيان الفضل العظيم الذي حصل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بما استبان لكل ذي فهم وعقل أحقيته لخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليراجع كل ذلك وغيره فيما تقدم.(66/327)
ثم غمزه بعض الصحابة بالتخلف عن جيش أسامة، لا شك أنه يقصد أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كما جاء التصريح به في المراجعة المنسوبة إلى شيخ الأزهر، وقد سبق أيضا نقض دعواه هذه ببيان كذب تسمية أبي بكر ضمن الجيش، وعلى افتراضه فوجوب استثنتائه للصلاة بالناس إماما كما سبق، وأما عمر فقد سبق ذكر الروايات المصرحة باستئذان أبي بكر أسامة للسماح لعمر بالبقاء معه لاحتياجه له ولأنه ذو رأي ناصح للاسلام والمسلمين فأذن له أسامة فلا يعد بعد ذلك متخلفا كما تقدم.
ثم عاد هذا الموسوي إلى الكذب الصريح فقال: ( سلمتم بكل هذا كما نص عليه أهل الأخبار، واجتمعت عليه كلمة المحدثين وحفظة الآثار ) وأجدني في سعة من إعادة سرد الأدلة الواضحة الجلية على تكذيب عدو الله هذا في ادعائه تسليم أهل السنة له بما قال، وادعاؤه اجتماع المحدثين وأهل الآثار على نصوصه المفتراة المكذوبة، ففيما مضى في الرد السابق كشفه وفضحه إن شاء الله.(66/328)
ثم ما انتهى إليه هذا الرافضي _ بوحي من إبليس _ من أن عذر الصحابة فيما فعلوه في تلك السرية إنما هو لأنهم آثروا فيها المصلحة التي اقتضتها أنظارهم، هو غايته التي كان قد صرح بها في المراجعة (84) وتقدم ردنا عليه مفصلا بإذن الله، لكنه حاول هنا إظهاره وكأنه من إقرار شيخ الأزهر _ ومن ورائه أهل السنة كلهم _ به، ونحن إذ قدمنا بطلان كل شبه الرافضة في سرية أسامة هذه، وهي موقف محققي أهل السنة فيما سبق نقله في الرد الماضي فلا حجة لهم علينا إذن فيما نسبه هذا الموسوي إلى شيخ الأزهر من الإقرار بخطأ فعل الصحابة في هذه السرية، وانظر ما قلناه خلال المراجعة الماضية عن دعوى هذا الموسوي أيضا عدم تعبد الصحابة بالنصوص وأنه نظير نصوص الخلافة _ المزعومة _ لعلي، والتي أشار إليها هذا الموسوي أيضا في هذه المراجعة بقوله: ( فلم لا تقولون أنهم آثروا في أمر الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصلحة الاسلام بما اقتضه أنظارهم على التعبد بنصوص الغدير وأمثالها). وقد أثبتنا _ بحمد الله _ بطلان زعمه عدم تعبد الصحابة ببعض النصوص ( أولا )، وأن ما حصل من بعضهم من الأخطاء في ذلك له أسباب محددة معروفة يجمعها كلها رغبتهم في إعمال النصوص الشرعية بلا خلاف ( ثانيا )، وأن كل تلك الأسباب لا يمكن وجودها وتحققها فيما تزعمه الشيعة من نصوص الغدير وأمثالها لو كان لها وجود أصلا ( ثالثا )، وذلك خلال الرد على المراجعة الماضية وعلى المراجعة (84) فليراجع، ففيه _ إن شاء الله _ ما يرد مزاعم الرافضة هؤلاء التي صرح بها إمامهم الموسوي هذا.(66/329)
ثم قال هذا الرافضي: ( اعتذرتم عن طعن الطاعنين في تأمير أسامة بأنهم إنما طعنوا بتأميره لحداثته مع كونهم كهول وشيوخ، وقلتم إن نفوس الكهول والشيوخ تأبى بجبلتها وطبعها أن تنقاد إلى الأحداث، فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لم يتعبدوا بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي وهو شاب على كهول الصحابة وشيوخهم.. إلى قوله: _ فإذا أبت نفوسهم بجبلتها أن تنقاد للحدث في سرية واحدة، فهي أولى بأن تأبى أن تنقاد للحدث مدة حياته في جميع الشؤون الدنيوية والأخروية ) إ.ه.
قلت: قد تقدم في المراجعة الماضية إثبات براءة الصحابة رضوان الله عليهم من الطعن بإمارة أسامة رضي الله عنه، وأن الروايات جاءت مصرحة بأن الطعن صدر من المنافقين كما نقلناه هناك من ( تاريخ الطبري )، وبه يعلم سفاهة قول هذا الموسوي هنا، وبطلان نسبة هذا الجواب إلى شيخ الأزهر ومن ورائه أهل السنة، فإن أهل السنة وبالأخص علماءهم يعلمون أن لا دخل للصحابة بالطعن في تأمير أسامة ومن ثم فإن لهم مندوحة عن مثل هذا الجواب التافه الذي نسب _ زورا وبهتانا _ إلى شيخ الأزهر، ومن ثم لا حجة عليهم بقول هذا الموسوي كما لا يخفى.
وإن كان هذا الرافضي يعني بقوله هذا ما كان أشار إليه في المراجعة الماضية من أن تأمير أسامة عليهم وهو حدث إنما كان لياً لأعنة البعض منهم، فقد قدمنا إبطاله ونقضه في آخر الرد على المراجعة الماضية ولله الحمد، ولا ننسى أن ننبه إلى أن نصوص الغدير المقتضية لتأمير علي التي ذكرها عبد الحسين هذا هنا قد سبق منا في كثير من المراجعات نقضها _ بفضل الله _ من جهة ألفاظها وأسانيدها، مع كل الأوجه المحتملة في عدم عمل الصحابة بها أو عدم مطالبة علي بمقتضاها، فانظر ذلك على الأخص في المراجعات (84، 82، 80).(66/330)
ثم قال عبد الحسين هذا: ( على أن ما ذكرتموه من أن نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبعها من الانقياد للأحداث ممنوع إن كان مرادكم الاطلاق في هذا الحكم، لأن نفوس المؤمنين من الشيوخ الكاملين في إيمانهم لا تنفر من طاعة الله ورسوله في الانقياد للأحداث ولا في غيره من سائر الأشياء { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ) أ.ه.
قلت: ولا يخفى من أن مراده بهذا الكلام الطعن في إيمان الصحابة رضوان الله عليهم الذي بناه على ما سبق من الافتراء بنسبة الطعن في إمارة أسامة إليهم، وقد سبق نقضه، وسبق أيضا في الرد على المراجعة الماضية بيان دلالة هذه الآية التي استشهد بها هذا الموسوي هنا: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا.. ) الآية.
على تبرئة الصحابة من تهمة الروافض هؤلاء في عدم الرضوخ إلى بعض أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بجمعها مع دلالة الآية الأخرى التي ذكرناها هناك، وهي قوله تعالى يخاطب الصحابة: { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } مع أدلة أخرى أسلفناها خلال الرد على المراجعة (84)، فراجع كل تلك المواضع ففيها الرد الكافي على طعن هذا الرافضي هنا بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(66/331)
وفي الفقرة الثانية من مراجعته هذه أعاد الكلام عن حديثهم المزعوم الذي فيه التصريح باللعن عمن تخلف عن جيش أسامة، وقد كان ذكره في المراجعة الماضية وبينا خلال ردنا هناك أن لا أصل لهذا الحديث عند أهل السنة أبدا، وقد نص على ذلك من احتج بهم هذا الدجال في تلك المراجعة مثل الحلبي وابن دحلان كما سبق، لكنه هنا زعم أن ما ذكره هناك له أصل، والمفروض أن يكون قصده له أصل عند أهل السنة باعتبار أنه يريد إقامة الحجة عليهم، لكننا نجده _ لخذلان الله سبحانه له _ قد أرجع الأمر والاحتجاج إلى كتبهم هم الرافضة هؤلاء مثل أبي بكر الجوهري، الذي سبق كلامنا عليه خلال الرد على المراجعتين (86، 82)، ومن نقل عنه مثل ابن أبي الحديد الرافضي المعتزلي، وساق سند الجوهري وزعم أنه صحيح ثابت، ونحن والله لنتعجب من حماقة هؤلاء الروافض، فإنا حتى لو تجاوزنا كل ما سبق عن هذا الحديث من عدم وجود أصل له عند أهل السنة وأنه لا يوجد إلا في كتب الشيعة هؤلاء فأردنا أن ننظر في إسناده هذا عندهم لتبين لنا ضعفه وسقوطه عن الاحتجاج عند أول نظرة، فهو من رواية: أحمد بن اسحاق بن صالح بن أحمد بن سيار عن سعيد بن كثير الأنصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن _ انظر ( شرح النهج ) (2/20) _ وهذا لا يصح الاحتجاج به لجهالة رجال سعيد بن كثير الأنصاري فلم يسمون حتى تعرف أعيانهم ومن ثم وثاقتهم، وهذا مستقيم على أصول أهل السنة، بل والشيعة كذلك من عدم صحة أحاديث المجاهيل، فضلا عن ما سبق بيانه في آخر الرد على المراجعة
(82) من عدم ثبوت وثاقة الجوهري الذي أخرج هذا الحديث لا عند أهل السنة ولا حتى عند الشيعة، فسقط هذا الاسناد بالكلية.(66/332)
فضلا عن ما في لفظه المساق من المنكرات، مثل قوله: ( فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله ) فإن هذا لا يستقيم حتى على كلام هذا الموسوي من نسبة التثاقل في الخروج ابتداء إلى أسامة نفسه، في حين حاول هذا الموسوي فيما مضى اتهام الصحابة بهذا التثاقل وقد رددنا عليه بحمد الله وبينا عدم حصول أي تثاقل أصلا.
وكذا قوله فيه: ( حتى إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين ) وهذا باطل قطعا، إذ قد اتفق الكل _ كما سبق _ على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر للصلاة بالناس أيام مرضه حتى توفي بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، وهو ما لم يستطع إنكاره أحد من الشيعة ولا حتى شيطانهم عبد الحسين هذا، فكيف يصح إذن أن يكون أبو بكر ضمن جيش أسامة وهم نازلون بالجرف حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟ فكل هذا وما سبق في الرد الماضي أيضا يبين بطلان هذا الحديث، مع أنا قد قدمنا أن لفظ التخلف لم يقع على أحد من الصحابة أبدا.
المراجعة (93): س:
_ التماس شيخ الأزهر لبقية الموارد التي لم يلتزم فيها الصحابة
بالنصوص الشرعية.
المراجعة (94): ش:
_ ذكره لقصة قتل المارق بألفاظ وروايات مختلفة مع إشارته
إلى حديث قتال علي رضي الله عنه للخوارج.
الرد على المراجعة (94):
1_ الكلام بالتفصيل عن رواياته هذه مع إضافة ما يشبهها إليها،
وذلك بعد التقديم بالأخبار الصحيحة الثابتة في قصة ذلك المارق.
2_ بيان براءة الصحابة جميعا مما اتهمهم به هذا الموسوي من عدم
الإلتزام بأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإشارة إلى ما
ثبت عن علي مما فيه من الشبهة في ذلك وأقوى مما تزعمه
الرافضة في حق غيره من الصحابة.(66/333)
حاول عبد الحسين هذا في هذه المراجعة تأكيد طعنه بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن طريق إظهارهم بمظهر المتثاقل في تنفيذ أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الإعراض عنها بالكلية، وهو إنما يقصد بذلك أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كما هو صريح فعله هنا، فقد اعتمد على أخبار وروايات ضعيفة ساقطة لقصة ذلك المارق الذي اعترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أفعاله فحينها أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسل هذا الرجل وأنه سيخرج منه الخوارج وبين صفاتهم.(66/334)
وخبر الخوارج هؤلاء وسلفهم ذي الخويصرة هذا مشهور معروف عند أهل النقل، وقد صح الحديث فيهم من نحو عشرة طرق، وهو في الصحاح والسنن والمسانيد، وقد ساقها بألفاظها وأسانيدها الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) (7/289-304)، وفي كثير من تلك الطرق التي في الصحيحين التصريح بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمع من هذا الرجل _ وهو المارق _ ما قاله من القول الفاحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( يا رسول الله إئذن لي فأضرب عنقه ) ومثله قال خالد بن الوليد أيضا، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع عمر من قتله، وكذا خالدا تأليفا لهم، أو حتى لا يقال إن محمدا يقتل أصحابه_انظر هذه الروايات عند البخاري (6933، 4351)، ومسلم (1063، 1064) _فهذا يبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليريد قتله، بل كان يمنع من ذلك، وأن عمر كان ممن عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله فكيف يمكن أن ينكص عن قتله إذ أمره بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهذه روايات كما قلنا هي أصح الروايات ثبوتا عند أهل السنة، ولا يضرها أنها ليست كذلك عند الشيعة أتباع هذا الموسوي، فإنه يزعم أنه يقيم الحجة عليهم بما صح عندهم، فنحن نقول هذا الذي صح عندنا فيه حاججونا، أما هذا الذي زعمه هذا الموسوي في هذه المراجعة من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أمر أبا بكر ثم عمر بقتله لكنهما لم ينفذا أمره وقدما عليه ما قام في أذهانهما من المصلحة، فهو باطل لا يصح، والروايات التي ذكرها ضعيفة منكرة كلها كما سنبينها إن شاء الله، فأول ما يبين نكارتها مخالفتها لتلك الروايات التي في الصحيحين فيما قدمناه سلفا. ولا حاجة إلى التكلف بحملها على تعدد الواقعة أو اختلاف الشخص، فإن الروايات المزعومة هذه ضعيفة كما سيأتي فضلا عن عدم إمكان ذلك لاتحاد الكل في الكلام عن أصل الخوارج فلا يمكن أن يكون الرجل إلا واحدا هو سلفهم وأصلهم، وهذا يبين صحة القول(66/335)
بتعارض هذه الروايات المزعومة هنا مع ما ثبت في الصحيحين وغيرهما مما قدمناه، ومن ثم نكارة هذه الروايات، وأما ضعفها فيتبين بالآتي:
أول ذلك مما ذكره هذا الموسوي حديث أبي سعيد رضي الله عنه عند الإمام أحمد (3/15) من طريق أبي روبة شداد بن عمران عنه. وقد ساقه بسنده هذا الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) (7/297-298) وقال: ( تفرد به أحمد ). قلت: وإسناده ضعيف من أجل شداد هذا، فلم يوجد فيه توثيق معتبر، وقد روى عنه اثنان _ كما في ( تعجيل المنفعة ) _ولم يوثق فهو أحق بأن يوصف بالمستور أو مجهول الحال _ كما قرره الحافظ في مقدمة ( التقريب ) _ إذ من الثابت في هذا الباب أن جهالة العين ترفع برواية اثنين فأكثر، لكن جهالة الحال لا ترفع إلا بالتنصيص على عدالته ووثاقته، وهو أمر معدوم بالنسبة لشداد هذا، فقد ذكره ابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) (4/329) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو أحق بالوصف بجهالة الحال كما قلنا، وله ترجمة في ( التعجيل ) لكن الحافظ لم ينقل توثيقه هناك إلا عن ابن حبان، ومن المعلوم أيضا أن ابن حبان لا يعتمد عليه لوحده لما علم من منهجه في توثيق المجاهيل الذي يصرح هو نفسه عن أحدهم أنه لا يدري من هو ولا من أبوه، كما تقدم ذلك في المراجعة (44) عن ابن عبد الهادي في ( الصارم المنكي ) (ص93) أنه نقل ذلك عن ابن حبان، وهو الذي انتهى إليه الشيخ الألباني في ( الضعيفة ) (2/328-329) من أن الجهالة عند ابن حبان ليست جرحا حتى أنه في كتابه ( المجروحين ) لم يقدح بأحد بسبب الجهالة، ومن هنا علم أن توثيق ابن حبان لوحده لا يخرج الراوي عن حد الجهالة عند المحققين وهو الأمر المتحقق هنا تماما بالنسبة لشداد هذا من أنه مجهول الحال كما قدمنا. وإذا تقرر هذا بان بذلك ضعف هذا الحديث مع ما سبق من نكارته لمخالفته الصحيح الثابت في هذا، والله أعلم.(66/336)
ولحديث أبي سعيد هذا شاهد من حديث أنس، وهو مثله في الضعف أو أوهى منه كما سيأتي، فلا يصلح أحدهما لتقوية الآخر من أجل تصحيح هذه القصة، لشدة ضعف كل منهما بما يتقاعس به عن التعاضد والتقوية، وقد ذكر هذا الموسوي رواية واحدة لحديث أنس هذا، وأشار إلى رواية أخرى، ونحن نذكر له رواية ثالثة ونبين ما في كل منها من الضعف، فنقول: أما الرواية التي ذكرها بطولها فقد نقلها من ترجمة ذي الثدية في ( الإصابة ) (2/174) نقلا عن مسند أبي يعلى، وهو في ( المسند )برقم (4143، 90) من طريق موسى بن عبيدة أخبرني هود بن عطاء عن أنس. وهذا إسناد ضعيف جدا، موسى بن عبيدة هذا قال عنه الإمام أحمد: لا تحل الرواية عنه، وقال الحافظ في
( التقريب): ضعيف، وبه أعل الحديث الهيثمي في ( المجمع ) فقال (6/227): ( رواه أبو يعلى، وفيه موسى بن عبيدة، وهو متروك ). قلت: وشيخه هود بن عطاء ساقط أيضا، ذكره الذهبي في ( الميزان ) ونقل قول ابن حبان فيه: ( لا يحتج به، منكر الرواية على قلتها ).
والطريق الثاني عن أنس لهذا الحديث عند أبي يعلى أيضا برقم (4127)، وساق سنده أيضا الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) (7/298)، وساقها بطولها الهيثمي في (المجمع) (6/226) وهي من رواية يزيد الرقاشي عن أنس، وأخرجه من هذا الطريق أيضا أبو نعيم في ( الحلية ) (3/52-53)، وهذا الإسناد ضعيف من أجل يزيد هذا، وبه أعل الحديث الهيثمي فيما تقدم من ( المجمع ).(66/337)
وهذه هي الرواية التي أشار إليها هذا الموسوي بعد ذلك حين قال في آخر كلامه عن حديث أنس هذا: ( وقد جاء في آخر ما حكاه في هذه القضية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن هذا لأول قرن يطلع في أمتي، ولو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان، إن بني إسرائيل افترقت اثنين وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة ) إ.ه. قلت: وكالعادة اقتطع منه هذا الدجال ما لا يعجبه؛ إذ فيه تتمة وهي قوله: ( فقلنا: يا نبي الله من تلك الفرقة؟ قال: الجماعة. قال يزيد الرقاشي: فقلت لأنس: يا أبا حمزة وأين الجماعة؟ قال: مع أمرائكم، مع أمرائكم ). هذه تتمة الحديث الذي اقتطعه هذا الموسوي _ قطع الله ذكره وأصحابه _ وفيه بيان الفرقة الناجية وصفتها بما هو أبعد ما يكون عن الرافضة هؤلاء، فإنهم أبعد الناس عن الجماعة وعن طاعة الأمراء، كما قدمنا، وهذا الحديث وإن كان إسناده ضعيفا كما مسبق لكن هذه اللفظة منه في افتراق أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى ثلاث وسبعين فرقة وكلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، ووصفها أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها ( من كان على ما أنا عليه وأصحابي )، هذا اللفظ من الحديث صحيح وثابت له طرق كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن صحابة عديدين، وقد فصل ذلك الشيخ الألباني في ( الصحيحة ) (رقم 202، 203) فليراجع.
فهذا يبين أن هذا الحديث الذي احتج به هذا الموسوي فيه ما هو دليل عليهم، وهو يصح لماله من طرق وشواهد كثيرة، بخلاف أصل الحديث الذي حاول الاستشهاد به فهو ضعيف ساقط كما تقدم وكما سيأتي أيضا، ولله الحمد والمنة.
والطريق الثالثة لحديث أنس هذا عند أبي يعلى أيضا برقم (3668)، وساقه بلفظه الهيثمي في ( المجمع ) (7/257-258) وإسناده ضعيف أيضا فيه أبو معشر وهو نجيح بن عبد الرحمن السندي، قال الحافظ في (التقريب):(ضعيف، من السادسة، أسن واختلط)(66/338)
فهذه ثلاث طرق لحديث أنس هذا كلها ضعيفة لا تقوم بها حجة كما تقدم.
ثم كذب هذا الموسوي بقوله: ( وأرسله إرسال المسلمات جماعة من الثقات ) واستدل على ذلك بذكر ابن عبد ربه الأندلسي المالكي له في كتابه ( العقد الفريد )، وقد قدمنا في آخر الرد على المراجعة (82) القيمة الحقيقية لهذا الكتاب، فهو كتاب أدب لا حجة فيه لإثبات الأحاديث والأخبار، فضلا عن عدم سوقه للأسانيد فيما يذكره.
ثم لفظ الحديث الذي أشار إليه عند ابن عبد ربه قد تقدم في الطريق الثانية لحديث أنس السابق، وأنه اقتطع منه شيئا مهما فضلا عن كونه حجة على الشيعة كما سبق.
وآخر أحاديثه التي احتج بها في هذه المراجعة حديث علي رضي الله عنه، وقد نقله هذا الموسوي من ( كنز العمال )، ولفظه: ( جاء النبي صلى الله عليه وسلم أناس من قريش فقالوا: يا محمد، إنا جيرانك وحلفاؤك، وأن ناسا من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه، إنما فروا من ضياعنا وأموالنا فأرددهم إلينا، فقال لأبي بكر: ما تقول؟ قال: صدقوا، إنهم لجيرانك وأحلافك، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لعمر: ما تقول؟ قال: صدقوا إنهم لجيرانك وحلفاؤك، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا معشر قريش والله ليبعثن الله عليكم رجلا قد امتحن الله قلبه بالإيمان فيضربكم على الدين أو يضرب بعضكم، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله قال: لا، قال عمر: أنا يا رسول الله؟ قال: لا ولكنه الذي يخصف النعل، وكان أعطى عليا نعلا يخصفها ).(66/339)
وقد عزاه في ( الكنز ) (36402) لأحمد وابن جرير وسعيد بن منصور. قلت: وهو أيضا عند النسائي في ( خصائص علي ) _ ( تهذيب الخصائص ) (28) _ من نفس الطريق لكنه عند أحمد في ( المسند ) (1/155) إلى قوله ( فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم ) أي بدون قوله ( يا معشر.. ) وإسناده هنا ضعيف لا يصح، فإنه من طريق شريك بن عبد الله القاضي وهو سيء الحفظ، قال الحافظ في ( التقريب ): ( صدوق يخطئ كثيرا ) وقد تقدم تفصيل حاله ضمن الرواة المئة في المراجعة (16) برقم (40) وبينا هناك أنه لا يمكن الاحتجاج به منفردا إلا إذا توبع، وقد كان ذلك فعلا كما قدمنا خلال الكلام على الحديث رقم (39) في المراجعة (48) عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: ( إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله ) فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: ( لا، ولكنه خاصف النعل ) _ يعني عليا _.
وبينا هناك صحة هذا الحديث وما فيه من فضل لعلي رضي الله عنه وهو أقل فضلا من قتال أبي بكر رضي الله عنه للمرتدين كما ذكرناه هناك. والمهم أن هذا فقط هو الذي يمكن أن يصح من حديثنا هذا هنا لما له من شواهد، أما أوله: في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ثم عمر وجوابهما بما لا يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الذي لا يثبت ولا يصح، بل هو من منكرات شريك بسبب سوء حفظه كما مر في ترجمته المشار إليها، وبهذا لا يبقى في هذا الحديث _ بحمد الله _ أية حجة لهذا الموسوي في التدليل عليه بما يقدح بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما حاوله في هذه المراجعة.(66/340)
وبكل ما سبق من ضعف أسانيد هذه الأحاديث ونكارتها لمخالفتها ما هو صحيح وثابت في نفس القصة، يتبين كذب هذا الموسوي المفتري بمثاله هذا على عدم التزام أبي بكر وعمر ببعض أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق ما كنا قررناه سلفا من أنه لا يحفظ لأبي بكر على الخصوص موقف واحد خالف فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا موقف واحد وذلك حين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة، فقدم الصحابة أبا بكر إماما بهم، فبينما هم في الصلاة جاء النبي صلى الله عليه وسلم فعلم به أبو بكر فأراد أن يرجع في الصف حتى يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم لكنه أشار إلى أبي بكر أن أمكث مكانك، فحمد الله أبو بكر على ذلك ثم رجع إلى الصف فتقدم بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتم الصلاة، فلما سأله بعد الصلاة عن سبب عدم بقائه قال: ( ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) _ البخاري (684)، ومسلم (421) _. والمهم أن هذا الموقف الوحيد الذي يمكن أن يقال عنه لم ينفذ فيه أمر رسول الله صلى الله عليه، لكنه كله تواضع وأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان الشيعة يريدون مثلا صحيحا ثابتا على عدم تطبيق أبي بكر لبعض أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فليذكروا هذا الحديث حتى يكشفوا به عن ما يسوؤهم من الحق في بيان فضل الصديق رضي الله عنه وأرضاه.(66/341)
وهذا الموسوي كان قد زعم في المراجعة (84) عدم التزام الصحابة ببعض أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، ورددنا عليه في حينها بما يرد قوله ذلك من عدة أوجه، لكنه حاول بعد ذلك في مراجعاته حتى هذه المراجعة ذكر بعض الأمثلة التي زعم دلالتها على ما ادعاه، وهي ثلاثة أمثلة.. الأول: ما أسماه برزية يوم الخميس ( المراجعة 86)، والثاني: سرية أسامة ( المراجعة 90)، والثالث: قتل المارق في هذه المراجعة (94)، وفيما سبق من كلامنا في هذه المراجعة ما يبين بطلان مثاله الثالث هذا فلم يبق إلا المثالان الأولان اللذان تقدم ردنا عليهما ونقضنا لكل ما استنتجه منهما فضلا عن ما قدمناه خلال الرد على المراجعة (90) بشمول كل أوجه الطعن التي تستعملها الرافضة من حادثة سرية أسامة في الصحابة عموما لعلي رضي الله عنه أيضا إذ لا نص يخرجه من ذلك أبدا. وفوق هذا فإنا نعارض مثاليه هذين السابقين بمثالين من النصوص الصحيحة الثابتة التي ينطبق عليها كل كلام هذا الموسوي من عدم التعبد ببعض الأوامر النبوية لكنهما مختصين بعلي رضي الله عنه نفسه، بل هذان النصان في انطباق ما زعمه هذا الموسوي في حججه المذكورة أولى مما استعمله ضد الصحابة وأخصهم أبي بكر وعمر.(66/342)
ونحن لا نعني أننا نتهم عليا رضي الله عنه بما اتهم به هذا الموسوي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذا من قبيل رد الحجة بمثلها، وما سنذكره من هذين النصين فنحن نعلم أن لا مطعن لعلي رضي الله عنه فيهما، أو أن له من العذر ما يسوغ له فعله ذاك، لكنا نريد أن نبين إن ادعاء هذا الذي ادعاه عبد الحسين على أبي بكر وعمر وسائر الصحابة يلزمه مثله في علي، أما نحن أهل السنة فنحب الكل ونترضى عن الكل ولا نتتبع سقطاتهم، لذا قد اكتفينا في أمثلتنا عن علي باثنين فقط، ونحن نعلم أنا لو استقصينا السنة النبوية لجمعنا من ذلك أكثر من هذا العدد، لكننا قد اكتفينا بما قلناه رغبة في عدم الإشعار بالقدح في أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما ما يحقق رد دعوى هؤلاء الرافضة وإمامهم عبد الحسين هذا.
والمثال الأول: هو من حديث قصة الحديبية، ونعني به ما ثبت في الصحيحين _ البخاري (4251، 2699، 2698)، ومسلم (1783/90، 92) _ حين قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تكتب محمد رسول الله، فلو كنت رسول الله لم نقاتلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: ( أمحه ) فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه_ وفي رواية: لا والله لا أمحوك أبدا، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده.
وهذا الحديث لو كان مثله في حق أبي بكر أو عمر لطار به الشيعة فرحا، وأهل السنة لأنهم أهل الحق ولنبلهم لا يستعملونه مثل ما يفعل الرافضة ضد الصحابة الباقين ونحن نعلم أن لعلي رضي الله عنه عذرا فيما فعله، لكننا لأجل رد مزاعم الرافضة في الصحابة نواجههم بهذا الحديث ففيه _ مثل ما زعم عبد الحسين هذا في مراجعاته السابقة _ عدم الالتزام بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الانقياد إليها _ في ظاهره _.(66/343)
وكل ما يمكن أن تعتذر به الشيعة عن فعل علي هذا فإنه يَرِد أقوى منه فيما ذكره عبد الحسين هذا من نصوصه في المراجعات السابقة، ولا يصح الإعتراض بأنه لم يثبت فإن الأمر ما زال ضمن نصوص أهل السنة لإقامة الحجة عليهم بزعم عبد الحسين هذا.
والمثال الثاني: ما ثبت في الصحيحين أيضا _ البخاري (1127)، ومسلم (775) _ من حديث علي رضي الله عنه نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال: ( ألا تصليان؟ ) فقلت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول { وكان الانسان أكثر شيء جدلا }. وهو من رواية علي بن الحسين _ زين العابدين _ عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عن علي، وهم أئمة الشيعة فلا وجه لهم في رد هذا الخبر، وأيضا لو كنا سفهاء مثل هؤلاء الرافضة ولا نراعي لله حرمة لاستعملنا هذا الحديث الصحيح الثابت في الطعن بعلي رضي الله عنه كما يستعمل الرافضة أقل منه في أبي بكر وعمر وسائر الصحابة، فبإمكاننا أن نستدل به على مجادلة علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغير الحق خصوصا وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرن ذلك بالآية المتلوة، وبإمكاننا أن نستدل به على عدم انصياع علي لوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبإمكاننا أيضا أن نلمح فيه ما يشبه قول الجبرية من نسبة كل أمور العبد إلى الله وأن لا دخل لنوايا العبد فيها ذلك الذي يلمح من جواب علي للنبي صلى الله عليه وسلم وهو طبعا ضد مذهب الشيعة عموما الذين وافقوا المعتزلة في القدر فأخرجوا إرادة الله وقدرته عن أفعال العبد كليا، بإمكاننا أن نقول كل هذا من الطعن بعلي وهو أقبل وأوجه مما حاوله هذا الموسوي في مراجعاته السابقة، لكن الله قد أعاذنا من مثل هذا الاعتداء على خير خلق الله بعد الأنبياء وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا(66/344)
ومنهم علي رضي الله عنه، وإنما أردنا كما قلنا دفع الحجة بمثلها.
وإذا انتهى بنا الكلام إلى هنا علمنا وتيقنا أن أبا بكر رضي الله عنه لا تطوله كل ما حاوله هذا الموسوي من المطاعن، بل كل ما يحاوله الرافضة جميعا، فلا يحفظ لأبي بكر كما قلنا موقف واحد خالف فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم وحتى رغبته سوى ما مر في قصة تقدمه بالصلاة حين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف، وبينا أن ذلك كله من أدبه وتوقيره لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد أجبنا عن كل ما حاوله من المطاعن فيه هذا الموسوي خلال الرد على المراجعتين (90، 86)، وحتى على فرض السكوت عن ما قاله هذا الموسوي فيه فيبقى موقف عمر أسلم بكثير من موقف علي رضي الله عنه في عدم الانقياد لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في واحد من المثالين السالفين فضلا عن اجتماعهما.
بقي بالنسبة لعثمان رضي الله عنه، وهو لم يستطع أحد من الشيعة كلهم أن يذكر _ ولو بالكذب _ موقفا واحدا لعثمان فيه أدنى شبهة مما زعموه، حتى قال شيخ الاسلام ابن تيمية في رده عن ابن المطهر الرافضي _ ( المنهاج ) (2/168) _: ( بل لو قال القائل أنه لا يعرف من النبي صلى الله عليه وسلم أنه عتب على عثمان في شيء وقد عتب على علي في غير موضع لما أبعد ).
أما باقي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تطولهم مزاعم هذا الموسوي أبدا، وهو لم يقصدهم أصلا، وبه اتضحت براءتهم جميعا وأخصهم أبو بكر وعمر مما حاول رميهم به هذا الدجال عبد الحسين.
المراجعة (95): س:
_ اعتذار شيخ الأزهر بأن الأمر الوارد في الحديث ليس للوجوب، أو هو
كفائي، وقد سلم بصحة ذلك الحديث المزعوم.
المراجعة (96): ش:
_ رده للأعذار المنسوبة إلى شيخ الأزهر، وذلك لتفاهتها وضعفها، وحاول
إلفات النظر عن عدم ثبوتها بصنيعه هذا.
الرد على المراجعة (96):(66/345)
_ كشف ما في صنيعه هذا من الغش والتلاعب، ثم بيان إن الشيعة
محجوجون أيضا حتى إن صح إدعاء إمامهم هذا وذلك فيما ثبت عن علي
رضي الله عنه مما فيه شبهة عدم تنفيذ الأوامر النبوية، ثم بيان موقف
أهل السنة من كل الصحابة في ذلك.
تكلم في مراجعته هذه عن رد ما نسبه من الجواب إلى شيخ الأزهر، وهو جواب أهل السنة فيما حاول إظهاره به مختارا أوهى الأجوبة وأضعفها ليسهل له رده أولا، وليصادر_كما قلنا غير مرة_ على أجوبة أهل السنة الحقيقية عن شبهتهم هذه السابقة.
لذا تراه قد حصر جواب أهل السنة عن طريق ما نسب إلى شيخ الأزهر بوجهين الأول: عدم إفادة الأمر للوجوب، والثاني: إن الوجوب كان كفائيا. وهذا بلا شك من التفاهة والضعف ما يمكن أي أحد لأن يرده، بينما حجتنا الحقيقية في ردنا ما زعمه في المراجعة (94) هو التفصيل الواضح لبيان ضعف تلك الحادثة من أساسها مع نكارتها لمخالفتها الصحيح الثابت في تلك القصة، وقد قدمنا كل ذلك بحمد الله في الرد الماضي، ومن ثم لا يلزمنا رده هنا ويبقى ما قلناه قائما ملزما بفضل الله وتوفيقه. على أننا أيضا لو تجاوزنا مسألة ثبوت تلك الواقعة فأنا نقول: أن العذر الذي يمكن أن نجيب به عن موقف أبي بكر وعمر المزعوم في تلك الأحاديث هو نفس العذر الذي يفترض بأئمة الشيعة أن يجيبوا به عن موقف علي مثلا حين لم يلتزم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بمحو اسمه من الكتاب يوم الحديبية، كما في الحديث الذي قدمناه، وعن موقفه أيضا حين جادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل حتى استوجب من النبي صلى الله عليه وسلم تطبيق الآية عليه، وهي قوله تعالى: ( وكان الانسان أكثر شيء جدلا ).(66/346)
فكل ما يقال من قبل الشيعة عن موقفي علي هذين يصلح بأقوى منه أن يقال عن موقف أبي بكر وعمر في الحديث الضعيف السابق في قصة قتل المارق، مع الفارق الكبير من ناحية ثبوت موقف علي ذلك بإسناد صحيح بخلاف قصة قتل المارق تلك التي قدمنا ضعفها وسقوطها عن الاحتجاج.
ومثل ما سبق أيضا ينطبق على قول هذا الموسوي في آخر مراجعته هذه: ( فلم يطيبا نفسا بما طابت به نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يرجحا ما أمرهما به من قتله، فالقضية من الشواهد على أنهم كانوا يؤثرون العمل برأيهم على التعبد بنصه كما ترى).
ونحن نقول إن امتناع علي من محو اسم النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب يوم الحديبية يدل أيضا على أنه لم يطب نفسا بما طابت به نفس النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شاهد أيضا على إيثاره العمل برأيه على التعبد بالنص كما هو واضح لا لبس فيه مع ثبوت هذه القصة. وهذا نقرره _ كما قلنا _ لا لأن عليا رضي الله عنه عندنا كذلك، بل هو من أئمة الهدى الأخيار، ولكن إلزاما لهؤلاء الرافضة بحجتهم من أجل دحضها بالكلية، ولله الحمد أولا وآخرا..
المراجعة (97): س:
_ إلتماس شيخ الأزهر لبقية الموارد في ذلك.
المراجعة (98): ش:
_ سرد عدد من الموارد المزعومة في ذلك دون تفصيلها ولا بيان
مصادرها مع إشارته إلى موارد أخرى خاصة بعلي وأهل البيت.
الرد على المراجعة (98):
1_ الرد الواضح الجلي على ما زعمه من تلك الموارد جميعا مع شيء
من التفصيل في الغامض منها، بعد إيضاح أنه قد خلط فيها بين ما لا
لوم على الصحابة فيه، أو هو من المسائل الفقهية التي لا يقدح في
المخالف فيها.
2_ بيان أن ما يصح من تلك المسائل عن بعض الصحابة فإن لعلي رضي
الله عنه من ذلك نصيب وافر في المخالفة في أحكامه لأحكام النبي صلى
الله عليه وسلم.
3_ تكذيبه فيما ادعاه من النصوص الخاصة بعلي وأهل البيت مع الإشارة
إلى ما سيأتي من ذكر مواضع ذلك.(66/347)
هذه المراجعة من آخر مراجعات هذا الرافضي طعنا بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقاصا لها رغبة في إسقاط عدالتهم واتهامهم بكتمانهم نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على علي، وكأن عليا رضي الله عنه لم يقع في الخطأ والزلل بمثل ما وقعوا فيه بل وأكثر من بعضهم! وكأن عليا رضي الله عنه لم يقدح فيه بمثل ما قدح فيهم أو أكثر منهم!، وكأن عليا رضي الله عنه لم يعترض عليه من فضلاء الصحابة بما لم يعترض بمثله على من سبقه ( أبي بكر وعمر وعثمان )! وكأن عليا رضي الله عنه لم يلمه النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يلم بمثله أبدا أبا بكر وعمر وعثمان، بل وغيرهم من الصحابة! وكأن عليا رضي الله عنه لم يفعل ما فيه إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم _ حين أراد الزواج على فاطمة رضي الله عنها _ بما لم يفعله سواه من الصحابة أبدا.
ونحن أهل السنة نعذره في كل ذلك ونعلم صدق إيمانه وحسن مقصده في كل ما أتى به مما أشرنا إليه أو غيره، لكنا أردنا أن نبين أن ما ينقل عن غيره من الصحابة فإن لهم العذر مثل ما له رضي الله عنهم أجمعين، بل إن العذر لعمر وعثمان رضي الله عنهما أقبل وأوجه من عذره هو، أما أبو بكر فلا نحتاج إلى الإعتذار عنه فلم يثبت عنه رضي الله عنه _ كما قلنا _ موقف واحد فيه ما يسوؤه.
وقد أشار هذا الموسوي في مراجعته هذه إلى عدد من الوقائع التي زعم أن فيها مطاعن على الصحابة بما ظنه يثبت قوله من عدم التزامهم ببعض أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنا لا نشك في أنه لم يفصلها ويشرحها إلا لما فيها من الغش والكذب والافتراء المحض الذي يسقط حجته فيها، ونحن سنقابله برد إجمالي غير تفصيلي مكتفين بتفصيل بعض مزاعمه هنا لغموضها وخفاء بطلانها نسبة لغيرها.(66/348)
وقد خلط هذا الموسوي في أمثلته هنا بين ما هو من المسائل الفقهية التي كان بعضها محل نزاع مستمر بين الأمة، وبين مسائل لا لوم على الصحابة فيها أبدا، أو فيها ما يدل على فضل بعضهم مثل أبي بكر وعمر، أو هي لا يلحق الصحابة فيها كلام وإنما هي في المنافقين أو حديثي الاسلام، وغيرها من المسائل، ونحن نبين ذلك إن شاء الله غير ملتزمين بتسلسل ما ذكره من الأمثلة، بل بما يجمع بعضها مع بعض كما أسلفنا، فنقول:
أما ما فيه فضل لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فهو قوله: ( صلح الحديبية.. وأخذ الفداء من أسرى بدر.. ويوم الصلاة على ذلك المنافق ) قلت: وهذا يعني بالإشارة إلى صلح الحديبية ما حصل من الضيق للصحابة عموما حين تكاتب النبي صلى الله عايه وسلم مع سهيل بن عمرو على شروط الصلح التي لم تكن ترضي الصحابة أبدا مما أدى بهم إلى التأخير شيئا ما في تنفيذ بعض أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا لا لوم فيه عليهم أبدا بل قد بين الله تعالى أن هذا قد وقع منهم حمية منهم على دينهم مما استوجب رضا الله عنهم في تلك الواقعة رغم ما فعلوه، وقد قدمنا في الرد على المراجعة (94) ما ثبت عن علي رضي الله عنه أيضا في تلك الواقعة مما فيه شبهة عصيان لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن عذره في ذلك هو عذر غيره من الصحابة كما قلنا، والمهم أن الفضل في واقعة الحديبية هو للصديق أبي بكر رضي الله عنه، فهو الوحيد من الصحابة الذي كان كامل التسليم والانقياد لأقوال رسول اله صلى الله عليه وسلم وأفعاله بما لم يتأخر عن ذلك قيد شعرة، وهو موقف مسجل له رضي الله عنه يتبين لكل من راجع كتب السيرة والتاريخ.(66/349)
أما إشارته إلى قصة أخذ الفداء من أسرى بدر فقد قدمنا خلال الرد على المراجعة (26) حديث قصة أسرى بدر واستشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر في شأنهم _ وهو قد اختصهما في المشورة لفضلهما رضي الله عنهما _ وإن أبا بكر أشار عليه بالعفو عنهم وهو ما كان يريده النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وإن عمر أشار عليه بقتلهم كلهم، ثم نزلت الآيات من سورة الأنفال تؤيد قول عمر وتعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدم الأخذ به وهو قوله تعالى { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } فهذا من فضائل عمر رضي الله عنه بلا خلاف.
ومثله أيضا في فضائله ما أشار إليه من الصلاة على ذلك المنافق وهو عبد الله بن أبي بن سلول حين توفي فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عمر: يا رسول الله عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما خيرني فقال ( إستغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) وسأزيده على السبعين، فقال عمر: إنه منافق، فأنزل الله تعالى ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره). والحديث في الصحيحين وغيرهما، والمهم أن فيه فضلا لعمر رضي الله عنه في موافقته الحكم الشرعي وإصابته له، وهذان المثلان هما مصداق قوله صلى الله عليه وسلم عن عمر: ( لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون _ قلت: أي ملهمون _ فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ) أخرجه البخاري (3689) _ واللفظ له _ ومسلم (2398) وغيرهما.(66/350)
وأما ما كان مختصا بالمنافقين وحديثي الإسلام ومن شابههم، أي لا دخل للصحابة فيه، فهو قوله: ( وغنائم حنين.. ويوم اللمز في الصدقات وسؤالهم بالفحش ) وقد تقدم في المراجعة (94) ذكر الأحاديث الصحيحة في شأن ذي الخويصرة الذي اعترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمته، وقد جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في ( صحيح مسلم ) (1063) التصريح بأن ذلك كان في قسمة غنائم حنين، ومنه يعلم أن لا دخل للصحابة رضوان الله عليهم في ذلك ولا مطعن عليهم فيها، وهذا هو أبرز ما يوجد في قصة قسمة غنائم حنين، لكن هناك مواقف أخرى فيها، يمكن أن يتعلق بها الشيعة من أجل الطعن بالصحابة، ونحن نشير إليها ونبين وجه تبرئة الصحابة من تلك المواقف. فمن ذلك موقف الأنصار رضي الله عنهم وعتبهم على النبي صلى الله عليه وسلم حين أعطى زعماء قريش من تلك الغنائم الكثير وتركهم فوجدوا في أنفسهم من ذلك شيئا، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فخطبهم خطبة عظيمة بين فيها سبب فعله ذلك وأنه قد ادخر للأنصار خيرا من ذلك بكثير، وكان مما قاله لهم فيها: ( ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها.. ) _ البخاري (4330) _ فهذا فيه أعظم فضيلة للأنصار بلا خلاف، فإن قيل قد جاء في حديث ابن مسعود عند البخاري (4335) في تلك الواقعة أن رجلا من الأنصار قال: ( ما أراد بها وجه الله ) قلنا هذا الرجل من الأنصار هو من المنافقين الذي علم نفاقهم ونسبته إلى الأنصار لأنه من بني عمرو بن عوف وهم ضمن دور الأنصار، واسمه معتب بن قشير _ انظر ( فتح الباري ) (8/69) _. وآخر تلك المواقف الواردة هنا ما جاء في بعض الروايات من إلحاح الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقسم بينهم الفيء حتى اضطروه إلى شجرة فانتزعت عنه رداءه، فوقف(66/351)
فقال لهم: ( أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدونني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا ) وأيضا قد جاء التصريح بذكر هؤلاء الناس الذين عاملوه هكذا وذلك في رواية البخاري (3148) بأنهم ( الأعراب ) أي الذين كانوا حديثي عهد بالاسلام، وهذا مما يبرؤ الصحابة تماما من مثل هذا الموقف المشين.
أما إشارته إلى اللمز بالصدقات فهذا بلا خلاف كان من أفعال المنافقين، وهو مما يبرؤ منه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا، وذلك واضح من مراجعة تفسير الآية الخاصة بتلك الواقعة، وهي قوله تعالى { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم ) انظر ( تفسير الطبري ) (10/121-124)، ( تفسير ابن كثير ) ( 2/375-376) وغيرها.
أما إن كان قصده الإشارة إلى الآية التي قبلها { ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون } فهي مثل سابقتها باختصاصها بالمنافقين أو بضعيفي الإيمان أمثال ذي الخويصرة السابق، وذلك واضح جلي لإخفاء فيه عند كل من راجع كتب التفسير أيضا، مثل ( الطبري ) (10/95-96)، ( ابن كثير ) ( 2/363-364). فبكل حال تحققت براءة الصحابة جميعا مما اتهم به هذا الرافضي، ولله الحمد.
وأما المسائل التي لا لوم على الصحابة فيها أبدا، فهي من قوله: ( وأمره صلى الله عليه وآله وسلم بنحر بعض الإبل إذ أصابتهم مجاعة في غزوة تبوك، وبعض شؤونهم يوم أحد وشعبه، ويوم أبي هريرة إذ نادى بالبشارة لكل من لقي الله بالتوحيد و.. كالمعارضة في أمر حاطب بن بلتعة ).(66/352)
قلت: أما قصة نحر الإبل للمجاعة في غزوة تبوك فنحن نسوق لفظها بالكامل حتى تتضح حقيقتها، فقد أخرج مسلم في ( صحيحه ) (27/45) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( افعلوا )، قال: فجاء عمر، فقال: يا رسول الله إن فعلت قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع الله لهم عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نعم )، قال: فدعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوداهم، قال: فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ويجيء الآخر بكف تمر ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة ثم قال: ( خذوا في أوعيتكم ) قال: فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه، قال: فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة )إ.ه. هذا نص الحديث بالكامل، فهل يجد فيه ذو عقل مطعنا على عمر رضي الله عنه حين أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بمشورته تلك التي كانت سببا لما أصابهم من البركة؟ ولو كان في موقف عمر أية شائبة من سوء خلق مع النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره لما كان أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما أشار به عليه، فمن ادعى غير ذلك فهو قادح بشخص النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذي صوب قول عمر ومشورته، وهو ما يقطع لسان كل من ادعى مثل دعوى هذا الموسوي هنا مع أن في الحديث أيضا دليل على ما سبق من الإلهام الذي امتاز به عمر بن الخطاب رضي الله عنه دون غيره من الصحابة.(66/353)
وأما إشارته إلى يوم أحد، فنحن نرد دعواه بكل اختصار بأن نقول: قد ثبت فعلا خطأ بعض الصحابة رضوان الله عليهم يوم أحد وعصيانهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه من الذنوب التي تاب الله عليهم منها وعفا عنهم فلم يعد هناك أي مجال لأي حاقد عليهم لأن يطعن بهم، بل عاد هذا من أدلة فضائلهم، وذلك لقوله تعالى عنهم ( ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم ) فهل بعد هذا التصريح من رب العالمين من منفذ لسهام هؤلاء الرافضة الحاقدين؟ وقال أيضا قبل ذلك عن الطائفتين اللتين همتا أن تفشلا ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما ) فها هو رب العالمين يصرح بأنه ولي لهم إعلانا بفضلهم وسابقتهم، حتى قال جابر رضي الله عنه، نزلت هذه الآية فينا: ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ) بني سلمة وبني حارثة، وما أحب أنها لم تنزل، والله يقول: ( والله وليهما ) _ البخاري (4051)، ومسلم (2505) _.(66/354)
وأما قوله ( ويوم أبي هريرة إذ نادى بالبشارة..) فهو إشارة منه إلى ما أخرجه مسلم (31/52) عن أبي هريرة رضي الله عنه من حديث طويل حكى فيه قصة جلوسهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قيامه صلى الله عليه وسلم وتغيبه عنهم حتى خشوا عليه فقام أبو هريرة يتفقده فأتاه وهو في حائط _ أي بستان _ فقال له: ( إذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة) قال: فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما، من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة، فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي، فقال: إرجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بكاء، وركبني عمر فإذا هو على أثري، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مالك يا أبا هريرة ) قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي، قال: إرجع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ ) قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: ( نعم )، قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فخلهم) إ.ه.
قلت: وها هو مثال آخر يدل على فقه عمر رضي الله عنه الذي تأكدنا من صحته بتصويب النبي صلى الله عليه وسلم له ثم أخذه به، وليس في ذلك ردا لأمره صلى الله عليه وسلم ولا اعتراضا عليه، وانظر ما قاله القاضي عياض وغيره من العلماء فيما نقله النووي في ( شرح مسلم ) (1/238).(66/355)
وأيضا فإنا نجد في آخر الحديث إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لما قاله عمر وأخذا به، فما بال هؤلاء الروافض يعدون ذلك من مساوئه، أليس الأحرى أن يعد ذلك من محاسنه وفضائله في إشارته على النبي صلى الله عليه وسلم بما هو الأحرى والأفضل؟ فهذا أيضا من أدلة الإلهام الذي وصفه به النبي صلى الله عليه وسلم فيما سبق، حتى قال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) (1/302): ( وهذا معدود من موافقات عمر ). ولا يتوهمن ضعاف العقول أنا نعني بذلك أن عمر أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم وأسد منه رأيا، فهذا في غاية الجهل والضلال، وإنما هو من أنواع فضائله مثل موافقته لآيات القرآن الكريم قبل نزولها في نفس الحكم، بل قدمنا أيضا أنه قد حصل مثل ذلك لعلي رضي الله عنه خلال المراجعة (12) في موافقته نص الآيات في تسمية الوليد بن عقبة بن أبي معيط بالفاسق من نزول الآيات بنفس التسمية هذه، وبينا هناك أن هذا أيضا من فضائل علي، لكنه أقل شأنا مما حصل لعمر لموافقة الأخير عددا أكبر من الآيات مع إشارته على النبي صلى الله عليه وسلم بأحكام كانت هي الأفضل والأحرى مما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بها، وهكذا الحال هنا فحين أشار عمر على النبي صلى الله عليه وسلم بأفضلية كتمان هذه البشارة خشية إتكال الناس عليها وتركهم للعمل صوبه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن زعم أن عمر كان معتديا ومعترضا عليه صلى الله عليه وسلم فقد قدح في نفس شخصه صلى الله عليه وسلم. وأكثر من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بعد ذلك أخذ يوصي سائر أصحابه بكتمان مثل هذه البشارة خشية إتكال الناس عليها وذلك مثل وصيته لمعاذ رضي الله عنه فقال له: ( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه حرمه الله على النار ) فقال معاذ: يا رسول الله أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: ( إذا يتكلوا )، وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً _ أي تخلصا من إثم(66/356)
كتمانها _ أخرجه البخاري (128، 129)، ومسلم (32). وفي رواية أخرى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تبشرهم فيتكلوا ) وهي عند البخاري (2856)، ومسلم (30/49)، وهذه صريحة كقول عمر السابق تماما مما يبعد كل تهمة يلحقها الرافضة هؤلاء بعمر رضي الله عنه. وما قلناه من كون وصية النبي صلى الله عليه وسلم هذه لمعاذ كانت بعد حادثة أبي هريرة السابقة هو الذي مال إليه الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) (1/304)، وهو الأنسب بخلاف العكس، وحتى إن فرضنا العكس فإن اللوم لا يلحق عمر أبدا حتى مهما حاوله هؤلاء الروافض، فإن الحال حينئذ يكون أن النبي صلى الله عليه وسلم حين حدث أبا هريرة بهذا الحديث كان قد أوصى معاذا بكتمان مثل هذه البشارة، وهو الأمر الذي تمسك به عمر رضي الله عنه فلا يمكن أن يلام عليه أبدا فضلا عن ما قدمناه من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له بما أشار به. لكن الأرجح _ والله أعلم _ تقدم قصة أبي هريرة على قصة معاذ فيكون ذلك _ كما أسلفنا _ من فضائل عمر وموافقاته بلا خلاف.
بقي من قوله هنا إشارته إلى المعارضة للنبي صلى الله عليه وسلم في أمر حاطب بن بلتعة، وهو بذلك يشير إلى سبب نزول أوائل سورة الممتحنة وذلك حين عمد حاطب رضي الله عنه فكتب كتابا وأرسله مع إمرأة إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم، ليتخذ بذلك عندهم يدا فأطلع الله تعالى نبيه على ذلك فبعث في إثر المرأة فأخذ الكتاب منها، ثم سأل حاطبا عن سبب فعله فبرره وصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن عمر رضي الله عنه رأى هذا الفعل يعد خيانة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق ) فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ).(66/357)
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين والسنن والمسانيد، وهو في كتب السيرة والتفسير أيضا، والذي حاول منه هذا الرافضي أن يغمز عمر رضي الله عنه بأنه طلب _ من دون أمر النبي صلى الله عليه وسلم _ أن يضرب عنقه لفعله هذا، وعد ذلك معارضة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشك عاقل ينظر في تلك القصة بأن لا لوم على عمر في ذلك، ويتضح ذلك جليا بجواب النبي صلى الله عليه وسلم الذي يفهم منه صحة حكم عمر على من فعل هذا الفعل لكن حاطبا بالأخص عنده سبب يقتضي عدم إقامة هذا الحكم عليه وهو كونه من أهل بدر، وهذا الأمر ظاهر لكل من كان عنده أدنى مستوى من علم باللغة وفهم للمعاني، فعاد هذا الحديث من موافقات عمر أيضا في إصابته في حكمه. وأيضا فليس في الحديث اعتراض عمر على قول النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر السبب المتحقق في حق حاطب، بل هناك في الروايات الصحيحة الثابتة ما يبين تسليم عمر رضي الله عنه لحكم النبي صلى الله عليه وسلم الأخير هذا، وذلك ما ثبت من قول عمر بعد أن بين له صلى الله عليه وسلم مزية حاطب وكونه من أهل بدر، قال عمر: ( الله ورسوله أعلم ) _ انظر البخاري (3983) وغيره _ وهو من رواية علي رضي الله عنه فلا حجة للشيعة فيردها، وهذا يثبت أن عمر كان مصيبا أولا فيما قاله من الحكم _ كما أسلفنا _ وإنه ثانيا كان كامل التسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو عكس ما حاول هذا الرافضي إثباته، لكن الله تعالى يظهر الحق ويزهق الباطل.
ولا ننسى أن نشير إلى الفضيلة التي في الحديث لأهل بدر أجمعين وأخصهم أبو بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة الذين تبغضهم الرافضة، فكان حديثهم هذا شوكة في أعينهم، وهذه جملة من الأسباب التي قدمنا قيامها مانعا من ذكرها مفصلة عند هذا الموسوي، فهي بتفصيلها تعود من فضائل هؤلاء السادة الأخيار.(66/358)
وأيضا من المسائل التي ذكرها هذا الموسوي ما يعود بالفضل والمدح على الصحابة، وبالأخص عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قصده بقوله: ( والعهد بالشورى على الكيفية المعلومة، وكالعس ليلا والتجسس نهارا ) قلت: أما العهد بالشورى فهو من فضائل الفاروق رضي الله عنه، ذلك أنه لم يرد أن يفرض على الأمة أحدا ربما يكرهونه بل قد جعل الأمر بين أفضل ستة منهم، وهم باقي العشرة المبشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة من دون باقي الصحابة، فضلا عن أن ما فعله عمر كان فيه أعظم الفرصة _ كما قلنا سابقا _ لعلي رضي الله عنه لنيل الخلافة لو كان له فيها أدنى حق، ولو كان له في الأمة قبول أكبر من عثمان رضي الله عنه، فكانت الشورى التي نهجها عمر من دلائل فقهه في بيان أن من سيتولى الأمر من بعده لهو من أقبل الموجودين عند الناس، حتى قال عبد الرحمن بن عوف إنه لم يجد اثنين يختلفان في تقدم عثمان إلا ما نقل عن عمار والمقداد أنهما أشارا بعلي، وقد فصل ذلك أحسن التفصيل الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) (7/145-147) وبين فيها حسن فعل عمر ذلك وانه كان سببا لاجتماع الأمة كلها على عثمان بما لم تجتمع على من بعده مثله ولا قريبا منه، وقد نقلنا طرفا من ذلك خلال الرد على المراجعة (82) أيضا. وأما العس بالليل فلا خلاف في أنه من أوليات عمر رضي الله عنه التي يستحق عليها المدح والثناء الحسن، فالعس هو المسير ليلا لتفقد أحوال الرعية، فبالله عليكم يا عقلاء أخبرونا هل يكون من يسن ذلك ويفعله مذموما مطعونا به أم ممدوحا محبوبا مقتدى به؟ فيا لقلة حياء الرافضة هؤلاء حين يأتون على ما امتاز به الفاروق رضي الله عنه من أسباب المدح والفضل فيحرفونه ويجعلونه محلا للطعن به، فإنا لله وإنا إليه راجعون، من قلة حيائهم أن أقدم إمامهم هذا الموسوي على إضافة كلمتين من عنده على ما ثبت من فعل عمر، ألا وهو قوله(والتجسس نهارا) فإن ذلك غير معروف(66/359)
في سيرة عمر العادل رضي الله عنه، ولكنه أراد تقبيح فعله الفاضل وتشويه صورته فقرنه بما يساعده على ذلك، لكن الله سيظل يفضح هؤلاء ويخزيهم أبدا _ إن شاء _ إلى يوم القيامة.
وأما ما هو من قبيل المسائل الفقهية التي كان بعضها محل نزاع مستمر بين الأمة، فهو قوله: ( وتأويل آيتي الخمس والزكاة، وآيتي المتعتين، وآية الطلاق الثلاث، وتأويل السنة الواردة في نوافل شهر رمضان كيفية وكمية، والمأثورة في كيفية الأذان، وكمية التكبير في صلاة الجنائز.. وكالحكم على اليمانيين بدية أبي خراش الهذلي، وكنفي نصر بن الحجاج السلمي، وإقامة الحد على جعدة بن سليمم، ووضع الخراج على السواد، وكيفية ترتيب الجزية.. وكالعول في الفرائض ).
قلت: وهو في كل هذه المسائل يعرض بالطعن بعمر الفاروق رضي الله عنه، ولا نريد استعراضها مفصلة لما في ذلك من التطويل فضلا عن عدم ضرورة ذلك إذ هي كما قلنا من الفروع الفقهية التي لم تتجمع الأمة فيها على قول واحد يقتضي الإنكار على مخالفه، هذا على افتراض أن عمر كان مخطئا فيها، كيف والحق يستبين لكل من راجع تلك المسائل أن عمر كان صائبا في أغلبها بلا خلاف وبلا أدنى ريبة، وما سواها فقوله فيها محتمل للحق مثل سواه تماما أو يكون قد فعله باجتهاده الذي يوجب أجره عليه حتى إن أخطأ.
وهذا الذي يدعى أنه أخطأ فيه قد كان مثله أو أكثر منه لعلي رضي الله عنه من الخطأ في مسائل عديدة أو حكمه فيها بخلاف حكم النبي صلى الله عليه وسلم لعدم علمه به طبعا _ وهو عذر كل الصحابة في مثل أخطائهم هذه _ وهذا ما يسقط اللوم عنهم جميعا رضي الله عنهم.(66/360)
ونكتفي بذكر بعض الأمثلة من الفتاوى التي أخطأ فيها علي رضي الله عنه لضرورة إثبات ما قلناه، ولا نبغي تجريحه ولا الطعن به _ كما يفعل هذا الموسوي مع عمر _ وإنما ردا لحجة هؤلاء الرافضة، مقتبسين ذلك من كلام شيخ الاسلام ابن تيمية في رده على ابن المطهر، إذ قال _ ( المنتقى ) (ص363-364) _: ( فقد قضى علي في الحامل المتوفى عنها زوجها أنها تعتد أبعد الأجلين مع صحة خبر سبيعة ولكنه لم يبلغه، وقضى في المفوضة أن مهرها يسقط بالموت مع قضاء الرسول عليه في بروع بأن لها مهر نسائها، وأراد أن ينكح ابنة أبي جهل حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع عن ذلك، وأمثال هذا مما لم يقدح في علي ولا في غيره من أولي العلم إذا اجتهدوا، وقال: إذا اختارت المرأة زوجها فهي طلقة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه ولم يكن ذلك طلاقا، والأمور التي كان ينبغي لعلي أن يرجع عنها أعظم بكثير من الأمور التي كان لعمر أن يرجع عنها، مع أن عمر قد رجع عن عامة تلك الأمور وعلي عرف رجوعه عن بعضها فقط كرجوعه عن خطبة بنت أبي جهل، وأما بعضها _ كفتياه بأن الحامل المتوفى عنها تعتد أبعد الأجلين، وأن المفوضة لا مهر لها إذا مات عنها الزوج، وقوله أن المخيرة إذا اختارت زوجها فهي واحدة _ فهذه لم يعرف إلا بقاؤه عليها حتى مات. وكذلك مسائل كثيرة ذكرها الشافعي في ( كتاب اختلاف علي وعبد الله ) وذكرها محمد بن نصر المروزي في ( كتاب رفع اليدين في الصلاة ) وأكثرها موجودة في الكتب وأكثرها موجودة في الكتب التي تذكر فيها أقوال الصحابة... ) إ.ه.(66/361)
وانظر تفصيل ذلك في ( منهاج السنة ) (3/136-137) , فلم يعد في كل ذلك مطعن على عمر رضي الله عنه. ولو كنا مثل الخوارج أو النواصب الذين يكفرون علياً ويبغضونه لسردنا أقوالهم ومطاعنهم فيه رضي الله عنه , وهم في الحجة المنطقية العقلية أرجح من الروافض هؤلاء – مع أنهم مبطلون ايضاً – مثل قولهم أن علياً كان أول من شهر سيفه على المسلمين وترك قتال الكفار , وأول من كان سبباً في إنقسام الأمة وإختلافها , وأول من ترك الجهاد في سبيل الله مع أن الله تعالى يقول: ( إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ) وهو أول من ترك المدينة وحول دار الخلافة منها مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمتدحها وبين فضائلها العظيمة حتى إنه طعن بمن يتركها فقال: المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها ( – كما في حديث جابر رضي الله عنه , عند البخاري (1883) وغيره – وهذا لو ظفر به الروافض هؤلاء لطاروا به فرحاً , ونحن لا نستعمله في الطعن بعلي رضي الله عنه , بل هو عندنا معذور فيما فعل ونحن نتأول له فعله بما يخرجه عن هذا الحديث , لكنا أردنا كما قلنا إسكات هؤلاء المهازيل في طعنهم بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأظن ذلك حاصلاً إن شاء الله.
ولم يبقى من المسائل المزعومة عند هذا الموسوي في مراجعته هذه سوى اثنتين, وهما: المعارضة لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في مقام إبراهيم , وإضافة دور جماعة من المسلمين إلى المسجد... ولم أتبين وجه ذكره لهما إذ ليس في أي منهما مطعن أو شبهة لأحد من الصحابة , ولا أظن ذكره لهما إلا من تلفيقات أصحاب الأهواء , وإلا فليبين لنا أحد ما فيهما بإسناد صحيح وثابت وبخلافه فهما محض افتراء وبهتان.(66/362)
لكن قد يكون قصد هذا الموسوي بالمعارضة لما فعله النبي في مقام إبراهيم , ما جاء من أن المقام كان ملزقاً بالكعبة حتى أخّره عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ما هو عليه الآن , فعدّ هذا الجاهل فعله هذا مخالفة ومعارضة , فإن كان قصده ذاك فلا خلاف أبداً في صحة فعل عمر وأنه لا يعد معارضة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم , وذلك لازدياد عدد الحجاج في زمنه مما أدي إلى إعاقة المقام لهم بالطواف فاقتضى تأخيره , هذا أولا , وثانياً: لو كان في فعله أية معارضة أو مخالفة لما كان علي رضي الله عنه في سعة من إمضائه وإبقائه في خلافته , فلما لم يغيره علم ان فعل عمر قد حاز على موافقة الصحابة هؤلاء ومنهم علي. وثالثاً: ذكر الحافظ في (الفتح) (1/658) عن الأزرقي إنه روى في (أخبار مكة) بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله حتى وجد بأسفل مكة , فأتى به فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه وبنى حوله فاستقر ثم إلى الآن. وهذا فيه كل الصراحة والوضوح التزام عمر رضي الله عنه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم , مما يقطع به ألسنة هؤلاء الرافضة , والحمد لله.
ثم اشار هذا الموسوي في الفقرة الثانية من مراجعته هذه إلى وجود نصوص أخرى خاصة بعلي وأهل البيت لم يعمل بها الصحابة , وما هي بأول أكاذيبه , وما هي عليه بعسيرة لكنّا بحمد الله قد بينا سقوط دعواه هذه في ما سبق من مراجعاته ,
وهو سيشير إلى هذه النصوص المزعومة في المراجعة القادمة وأنها قد مرت منه سابقاً وسنبين موضع ردّنا السابق عليها بإذن الله في الرد الاتي أيضاً.
المراجعة (99): س:
1- زعمه إقرار شيخ الأزهر بصحة تلك الموارد المساقة
لكنه اعتذر عن الصحابة بإيثارهم المصلحة فيما فعلوه.
2-التماسه بقية الموارد مما هو خاص بعلي وأهل البيت.(66/363)
المراجعة (100 ): ش:
تقريره بأن الاعتذار عن الصحابة بإيثارهم المصلحة هو ما كان قد قاله أولا , وأنه خارج محل البحث.
ذكر عدداً من الأحاديث الخاصة بعلي وأهل البيت مما قدمه في مراجعاته , وزعم دلالتها على ولايتهم وتقديمهم على الأمة , لكنه اتهم الصحابة وطعن فيهم لعدم عملهم بهذه النصوص المزعومة.
الرد على المراجعة (100):
1-كشف كذبه فيما نسبه إلى شيخ الأزهر أو أحد من
علماء أهل السنة من التسليم بما قال.
2-الإشارة إلى المواضع المتقدمة التي فيها بيان كذب
احاديثه المذكورة هنا وبطلانها أو بطلان كل ما
استنتجه منها , مع الاشارة إلى ما في كلامه من
الطعن بالصحابة مما تقدم منا نقضه بفضل الله.
زعم في بداية مراجعته هذه تسليم شيخ الأزهر – ومن ورائه كل أهل السنة – فيما افتراه من المطاعن بالصحابة رضوان الله عليهم , وعلى الأخص أبو بكر وعمر ووذلك فيما أشار إليه من موراد عدم تعبدهم بالأوامر النبوية , ونحن لا يداخلنا شك في كذب هذا التسليم المنسوب إلى شيخ الأزهر فمثله لا يخفى عليه الغش والتدليس , بل والكذب أحياناً الذي زاوله هذا الموسوي في مراجعاته السابقة, مما نبهنا عليه في حينها , وهو الأمر الذي يدحض قوله بتسليم أحد من علماء أهل السنة لما قاله سابقاً , ومن أراد التأكد من ذلك فليراجع التفصيل في الرد على المراجعة السابقة أو قبلها.
ثم حاول في فقرته الثانية هنا الاحتجاج على ما أدعاه من النصوص الخاصة بعلي وأهل البيت بعدد من الأحاديث , لكنه قبل ذلك كذب كذبة فظيعة فقال: ( إنكم لتعلمون أن كثيراً من الصحابة كانوا يبغضون علياً ويعادونه , وقد فارقوه وآذوه(66/364)
وشتموه وظلموه وناصبوه وحاربوه فضربوا وجهه ووجوه أهل بيته وأوليائه بسيوفهم كما هو معلوم بالضرورة من أخبار السلف ) إ.ه. قلت: وهذا محض إفتراء وبهتان , ولو كان صادقاُ لأسند قوله بما يبين صحته وثبوته , ونحن نتحداهم بالإتيان بإسناد واحد صحيح يثبت دعوى شيطانهم عبد الحسين هذا,وأنّى لهم ذلك.
وأن كان يعني بقوله هذا ما كان زعمه في آخر المراجعة (82) , فقد تقدم منا رد ذلك من أوجه عديدة خلال الرد على تلك المراجعة وخصوصاً آخرها , وكذلك خلال الرد على المراجعة (84) , وبينا هناك أن علياً رضي الله عنه كان أكثر الرجال إمكانية لنيل الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان أدعاها لنفسه وكان له أدنى حق فيها وبينا ذلك بأوجه وروايات عديدة بما يدحض حجج هؤلاء الرافضة ويقذف بها وبهم – إن شاء الله – إلى نار جهنم وبئس المصير.
وقد بينا هناك بطلان هذا الزعم من كراهية الصحابة لعلي وضربهم له وتهديدهم له ولأهل البيت بالتحريق وغيره حتى أجبروا على التنازل عن حقهم , وهو ما يتضح في تبرئة الصحابة من تهمة هذا الدجال المخادع عبد الحسين , فلله الحمد على معونته في ذلك.
ثم ذكر عدداً من الأحاديث في المراجعات السابقة وقد رددنا عليها بحمد الله بما يبين كذبها وبطلانها أو بطلان ما استنتجه منها جميع هؤلاء الروافض , أنظر الأحاديث (16-20) في المراجعة (48) , وكذلك ما ساقه من صفات علي رضي الله عنه قد أبطلناها في ردودنا السابقة وبالأخص على المراجعة (70) ,
وأيضاً بعض الأحاديث المتقدمة في المراجعة (8) مما اعاد ذكره هنا. اما بالنسبة لنص الغدير الذي احتج به هنا وزعم دلالته على إمامة علي رضي الله عنه فقد فصلنا حاله وما يمكن أن يصح منه ومن دلالته خلال الكلام على المراجعات ( 58، 56، 54، 38، 8 ) فراجعه ففيه – إن شاء الله – ما ينقض كل حججه.(66/365)
لكن هذا التافه ما فتيء يطعن بالصحابة رضوان الله عليهم ويغتاظ منهم , فقال خلال كلامه هنا: ( لم يعمل كثير من الصحابة بشيء منها , وإنما عملوا بنقيضها تقديماً لأهوائهم وإيثاراً لأغراضهم ) وقال أيضاً: ( لكن الأغراض الشخصية كانت هي المقدمة عندهم على كل دليل ). وهذا ما كان قد قاله في المراجعة (84) واتهم الصحابة به , وقد أعاننا الله سبحانه على تبرئتهم من تهم هؤلاء المهازيل ونقضنا حججهم بفضله ومنّه , فنسأله دوام ذلك.
المراجعة ( 101 ): س:
سؤال شيخ الأزهر عن سبب عدم احتجاج علي يوم السقيفة بشيء من نصوص الخلافة والوصاية هذه.
المراجعة ( 102 ): ش:
سرده لأسباب زعم قيامها مانعاً من احتجاجه يوم السقيفة على مبايعي أبي بكر , وهي لا تعدو إعادة لكلامه في المراجعات السابقة.
الرد على المراجعة ( 102 ):
بيان أن لا جديد في كلامه في هذه المراجعة وأنه محض تكرار لا طائل تحته , والاشارة إلى المواضع المتقدمة مما فيها ردّ على ما زعمه من الأسباب هنا.
لا جديد في كلام هذا الموسوي في هذه المراجعة , إذ كل ما قاله فيها قد سبق في مراجعاته الماضية وتقدم ردنا عليه فيها , وهذه هي المرة الثالثة التي يعيد فيها كلامه عن موانع احتجاج علي رضي الله عنه بالنصوص الدالة على خلافته وقد حصر هذا الموسوي السبب لذلك في خوف علي من الفتنة والاختلاف اللذين كانا يقعان لو طالبهم بحقه لكنه آثر السكوت عنه دفعاً لهذه الفتنة , وهو ما كان ادعاه أولاً في المراجعة ( 82 ) ورددنا عليه هناك بما ينقض قوله من ثلاثة أوجه.(66/366)
لكنه في بداية مراجعته هذه يزعم أن انشغال علي وسائر أهل البيت بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عقدت البيعة لأبي بكر كان سبباً أيضاً في عدم احتجاجه عليهم في السقيفة , ويكفي لإبطال هذا ما كنا نقلناه خلال الرد على المراجعة ( 82 ) من ( تاريخ الطبري ) ( 3/209 ) بالاسناد الصحيح إلى ابن الحر قال: ( قال أبو سفيان لعلي: ما بال هذا الأمر في أقل حيّ من قريش , والله لئن شئت لأملأنّها عليه خيلاً ورجالاً , فقال علي: يا أبا سفيان , طالما عاديت الاسلام وأهله فلم تضره بذلك شيئاً, إنا وجدنا أبا بكر لها أهلاً) وبينا هناك أيضاً أن علياً رضي الله عنه كانت عنده من الأسباب المادية مما تجعله أقدر الناس على نيل الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أرادها أو كان له فيها أدنى حق ,
وهو ما يبطل قول الموسوي هنا: ( وهل يتسنى في عصرنا الحاضر لأحد أن يقابل أهل السلطة بما يرفع سلطتهم ويلغي دولتهم؟ وهل يتركونه وشأنه لو أراد ذلك؟ هيهات هيهات , فقس الماضي على الحاضر فالناس ناس والزمان زمان ) إ.ه. قلت: وفيما تقدمت الاشارة إليه ردّ دعواه هذه , فضلاً عن ما تقدم خلال الرد على المراجعة (80) من بيان ثبوت مبايعة علي لأبي بكر بمحض اختياره, بل ومع إقراره بأحقية أبي بكر لذلك , فراجعه.
وأيضاً قد ناقشنا في آخر الرد على المراجعة ( 84 ) كل الاحتمالات الواردة التي يمكن أن يتعلق بها أحد من الشيعة لتفسير مبايعة علي لأبي بكر سوى استحقاقه أبي بكر للخلافة , أرى من المناسب إعادة بعضه بما ينقض قوله هنا.(66/367)
فبعد أن بينا أنه على فرض وجود ذلك النص المزعوم أو مجموعة النصوص فلا يمكن إلا أن يكون علياً قد علم به لكنه لم يطالب بحقه لسبب معين , وقلنا حينها: ( ومهما يكن أن يفرضه الذهن من أسباب فهي لا تخرج عن احد ثلاثة أسباب لا يجوز غيرها: اما أن يكون تركه للمطالبة بحقه خوفاً منهم ومن تهديدهم له فجبن عن المطالبة ولم تكن عنده من الشجاعة ما يعينه عليها , أو أنه كان شجاعاً كعادته بما يكفي لذلك ولم يجبن لكنه رأى المصلحة العامة توجب عليه السكوت خوفاً من تفاقم الفتن الحاصلة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فآثر تقديم الأهم على المهم على حد زعمهم , أو أن يقال أنه كان شجاعاً بما يكفي لذلك ولم ير المصلحة في السكوت بل رأى المطالبة واجباً عليه لكنه لم يجد له أنصاراً
وأعواناً بل أتفق الكل على معاداته بسبب ما سلف منه من قتله لأقربائهم وذويهم وامتيازه بذلك أو حسدهم له وتشوقهم إلى نيل الخلافة ) ثم بعد ذلك بينا عدم إمكان افتراض سبب آخر له وجه يقام به , وإذا تقرر حصرها في هذه الثلاثة فقد أشرنا هناك إلى مواضع نقض هذه الاحتمالات فراجعه في آخر الرد على المراجعة (84) لتعلم أن كل افتراض يمكن ان تفترضه الشيعة فلا يخرج عن ما قلناه , وراجع أيضاً لتعلم مواضع نقض كل تلك الاحتمالات الذي يعني إن افتراض وجود النص على علي هو الباطل بعينه, وهو ما ينقض كلامه في هذه المراجعة ايضاً.
ثم قوله في هذه المراجعة: ( فقعد في بيته حتى اخرجوه كرهاً بدون قتال ولو أسرع إليهم ما تمت له حجة ولا سطع لشيعته برهان , لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين والإحتفاظ بحقه من خلافة المسلمين )إ.ه. قلت: وهو نفس ما كان قد قاله في المراجعة(84) ورددنا عليه في حينها بما يغني عن إعادته هنا. فكل هذا تكرار لخلو جعبته من الأدلة والبراهين.(66/368)
أما ما احتج به في الهامش من كتاب علي رضي الله عنه إلى أهل مصر مما نقله من ( نهج البلاغة ) فلا داعي إلى كثرة الكلام عليه بل يكفي أن يعلم أن لا حجة في هذا الكتاب (نهج البلاغة ) على أهل السنة , وهو من تناقض هذا الموسوي أن يحتج على أهل السنة بما في كتب الشيعة , وهو لا يفعله من يريد إقامة الحجة على خصمه. فضلاً عن ما قدمناه في الرد على المراجعة (6) من القيمة العلمية لكتاب النهج هذا والتحقيق العلمي الدقيق الذي قام به الدكتور صبري إبراهيم السيد الذي يثبت عدم صحة نسبة محتوى كتاب ( النهج ) لعلي رضي الله عنه , فراجع ما قدمناه هناك:
المراجعة ( 103 ): س:
طلب شيخ الأزهر مواضع احتجاج علي رضي الله عنه وغيره ممن تزعمهم الشيعة بالوصية.
المراجعة ( 104 ): ش:
سرد عدداً من النصوص المزعومة في احتجاج علي بالوصية مما تقدمت في المراجعات أو غيرها , وأردفها ببعض الكلام المنسوب إلى فاطمة رضي الله عنها.
الرد على المراجعة ( 104 ):
1-بيان مراوغة أئمة الشيعة في عرض الوصية
على أنها حق لعلي وليس واجباً عليه مكلفاً
به, وتفصيل ذلك وسرد الأدلة عليه.
2-الاشارة إلى ما تقدم من الرد على النصوص
المساقة في هذه المراجعة.
3-ذكر النصوص الصحيحة الثابتة عن علي
رضي الله عنه مما فيه النفي الجازم لهذه
الوصية المزعومة مع ما فيه من إقرار
بأفضلية أبي بكر وعمر عليه.
4-بيان وجه الطعن والرد على ما نسبه من
الكلام على فاطمة رضي الله عنها.(66/369)
أشار في هذه المراجعة إلى النصوص التي زعم دلالتها على احتجاج علي رضي الله عنه لوصية النبي صلى الله عليه وسلم له , لكن قبل الكلام عليها لا بد من التنبيه على أمر كان هذا الموسوي قد ذكره في بداية مراجعته هذه , وهو قول سائر أئمة الشيعة أيضاً ذلكم هو ما نسب إلى علي رضي الله عنه مما هو في ( نهج البلاغة ) من قوله: ( لا يعاب المرء يتأخير حقه , إنما يعاب من أخذ ما ليس له ) ونحن لا نشك في كذب هذا القول عن علي لما قدمنا من حال ( نهج البلاغة ) هذا وفضلاً عن استغلال أئمة الشيعة لهذا القول في عرض مسألة خلافة علي للنبي صلى الله عليه وسلم أنها مسألة حق وجب على الأمة لعلي , ولم يجب عليه هو تحصيله وليس هو تكليفاً لعلي بأن يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم –بزعمهم- وهذا من المراوغة والتملص مما يكشف بطلان قولهم , ذلك إنا قررنا أن لو كان هناك مثل هذه الوصية المزعومة لكان أول المكلفين بها هو علي نفسه كما لا يخفى , خاصة وإن في بعض النصوص التي يذكرونها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي نفسه لبيان وصايته وخلافته له – كما تدعيها الشيعة – مثل: ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) , ( أنت ولي كل مؤمن بعدي ) , ( أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي ) , ( انت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي ) وغير ذلك الكثير. وكل هذه النصوص ذكرها هذا الموسوي في كتابه هذا فضلاً عن تقريره في بداية المراجعة ( 70 ) بأن هذا كان(66/370)
من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي , نظير عهده إليه – في زعمهم – بأن يغسله ويكفنه وغير ذلك , فإذا اتضح هذا علم أن نصوص الوصية التي تدعيها الشيعة لازمها الإيجاب أولاً على علي نفسه بأن يحصلها قبل وجوبها على الأمة إعطاؤه إياها , ومن ثم لم تعد حقاً خالصاً لعلي له أن يتنازل عنه , بل هو تكليف عليه محاسب ومؤاخذ إذا لم يفعله وقصّر في طلبه ووهذا من حجج أهل السنة على الشيعة بأن علياً ما دام لم يثبت عنه ويصح عنه مطالبته بهذه الوصية علم بطلانها , ولا يصح التحجج بأنه تنازل عن حقه كما إدعاه عبد الحسين وسائر أئمة الشيعة لما قدمنا من توجه التكليف أولاً إليه. وهذا ما دعا بعضاً من الرافضة إلى الطعن بعلي نفسه , بل وتكفيره , كما نقلناه في الرد على المراجعة ( 82 ) عن أبي كامل وأصحابه.
وإذا تقرر هذا بطل إعتذار الشيعة بأنه حق لعلي تنازل عنه بل لازمه كما قلنا تأثمه بذلك قبل أي فرد من الأمة.
ثم ما ذكره من قول علي يوم الرحبة لا حاجة إلى الرد عليه , فقد فعلنا ذلك في المراجعة ( 56 ) وبينا هناك إن هذا الحديث لا يدل على أكثر من وصية النبي صلى الله عليه وسلم بعلي وأهل البيت مع إستحضار السبب لتلك الوصية ومعنى لفظ ( الولي ) فيه الذي قدمناه خلال الرد على المراجعة (38), فليراجع كل ذلك.
ومثله أيضاً ما قاله بعد ذلك عن حديث الغدير في الإعادة والتكرار الذي لا طائل تحته وقد سبق منا التعليق على كل مزاعمه عن حديث الغدير – بضمنها هذه التي هنا- خلال الكلام على المراجعة ( 54 ) , فلا حاجة إلى إعادة ذلك أيضاً.
وسائر أحايثه هنا مكررة كذلك كما أشار هو إلى مواضعها المتقدمة في(المراجعات ) ونحن نحيل الرد إلى تلك المواضع أيضاً.(66/371)
أما قوله: ( ويوم الشورى أعذر وأنذر , ولم يبق من خصائصه ومناقبه شيئاً إلا إحتج به ) فهو يعني ما كان ذكره في المراجعة ( 12 ) , هامش ( 35 ) صفحة ( 67-68 ) وقد سبق بيان كذبه وبطلانه عند ردنا على تلك المراجعة حين استشهد هذا الموسوي بقوله تعالى: ( وعلى الأعراف رجال.... ) الاية.
ثم سائر ما ذكره من أقوال علي رضي الله عنه نقلاً من ( نهج البلاغة ) لا حجة فيه أبداً على أهل السنة فهم لا يقرّون بمثل هذه الافتراءات , وهي والله من الكذب على علي رضي الله عنه والزور والبهتان , فكيف يمكن أن يقر شيخ الأزهر بمثل هذه الافتراءات؟ وكيف يتخيل هذا الرافضي عبد الحسين أن يقيم الحجة على أهل السنة بما في ( نهج البلاغة ) وأنظر ما قلناه عن قيمة الكتاب وإثبات بطلانه في الرد على المراجعة ( 6 ).
ونحن أهل السنة قد ثبت عندنا – بحمد الله- عن علي ما يخالف ذلك تماماً من الثناء الحسن على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالأخص أبي بكر وعمر , وتقرير أفضليتهما عليه وأحقية تقدمهما عليه , وثبت أيضاً تصريحه بأن لا عهد عنده من النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من أمور الخلافة والولاية المزعومة هذه , وكل تلك النصوص الثابتة تكفي لنسف خيالات الشيعة التي جسدها لهم هذا الموسوي في فقرته الأولى من هذه المراجعة فوق ما تقدم من بطلان نسبة كل ما قاله.
ومن تلك النصوص التي عنيناها ما أخرجه البخاري ( 4/195 ) , وأبو داود(66/372)
(4629) وغيرهما عن محمد بن الحنفية – وهو محمد بن علي بن أبي طالب , وينسب إلى أمه وهي من بني حنيفة – قال: ( قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو بكر , قلت: ثم من؟ قال: عمر , وخشيت أن يقول عثمان , قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين ) وأيضاً ما أخرجه الإمام أحمد هو وابنه عبد الله في ( المسند ) ( 1/127، 114، 110، 106) وابن ماجه ( 106 ) , وابن أبي عاصم (1205، 1203، 12022، 1201) من طرق عن علي إنه قال على منبر الكوفة: ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ) وهذا ثابت عن علي رضي الله عنه من طرق كثيرة جداً , حتى قال شيخ الاسلام ابن تيمية في ( مجموع الفتاوي ) (3/405-406) بأنه متواتر عن علي , وقال أيضاً ( المجموع ) (4/407) بأنه جاء عن علي من ثمانين وجهاً أو أكثر.
ومن تلك النصوص أيضاً ما جاء عن علي رضي الله عنه إنه قال: ( لا يفضلني على أبي بكر وعمر , أو لا أجد أحداً يفضلني عن أبي بكر وعمر إلا وجلدته جلد حد المفتري) أخرجه ابن ابي عاصم ( 1219 ) وله طرق وروايات كثيرة ساقها في ( كنز العمال ) (36157، 36145، 36143، 36103، 36102) وعزاه لأبن ابي عاصم وابن شاهين واللالكائي وابن عساكر وابن منده في ( تاريخ أصبهان ) والخطيب في ( تلخيص المتشابه) وغيرهم.
ومنها أيضاً ما ثبت عن علي من عدة طرق إنه سئل: هل عندكم من رسول الله
صلى الله عليه وسلم شيء , فقال: ( لا والذي فلق الحبة وبراً النسمة إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه , ومافي هذه الصحيفة ) وكان في الصحيفة: عقول الديات , وفكاك الأسير , وأن لا يقتل مسلم بكافر , كما ثبت في الصحيحين والمسند والسنن وقد تقدم ذكره وتخريجه في آخر الرد على المراجعة ( 82 ).
فكل هذه النصوص الثابتة عن علي تبين كذب ما نسبته إليه الرافضة مما ساقه هنا إمامهم الموسوي هذا.(66/373)
ومثله في الزور والبهتان ما نسبه في الفقرة الثانية إلى فاطمة رضي الله عنها من الخطبتين المنقولتين من كتب أئمتهم الروافض التي لا تشكل عند أهل السنة أية حجة , مثل كتاب ( الاحتجاج ) للطبرسي الذي قدمنا الكلام عليه في مقدمة كتابنا هذا وأنه من أكثر كتبهم إحتواء للأباطيل , ومثله أيضاً كتاب ( بحار الأنوار ) لمحمد باقر المجلسي فهو من أشنع كتبهم في سب الصحابة وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم , فلعنة الله على كتابه.
ولا يغني لثبوت هذه الخطبة عن فاطمة رضي الله عنها ما ساقه في الهامش ( 25/318 ) من إسنادي أبي بكر الجوهري وأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر فهما أصلاً مطعون فيهما لم تثبت وثاقتهما عند أهل السنة فلا حجة في خبرهما , والجوهري لم تثبت وثاقته عند الشيعة أيضاً كما تقدم في آخر الرد على المراجعة ( 82 ) من كلام حجتهم الخوئي هذا فضلاً عن ما في رجال الأسنادين من المجاهيل الذين لا يعرفون ولا يعرف حالهم أبداً ( محمد بن زكريا, محمد عبد الرحمن المهبلي , عبد الله بن حمادبن سليمان, حماد بن سليمان، هارون بن مسلم بن سعدان , الحسن بن علوان ).(66/374)
وبعد إبطال كل حججه في هذه المراجعة أن تشكل دليلاً على أهل السنة , أحب ان أشير إلى عبارة في كلامه عن خطبة فاطمة رضي الله عنها , فيها من الباطل الكثير , وهي قوله عن الخطبتين: ( كان أهل البيت يلزمون أولادهم بحفظهما كما يلزمونهم بحفظ القرآن) ونحن لا نشك في كذب نسبة هذا إلى أهل البيت , لكنه يكشف عن حقيقة مذهب هؤلاء الرافضة وإمامهم عبد الحسين هذا في أشخاص اهل البيت وأنهم يعاملون أقوالهم معاملة آيات القرآن الكريم , وليس هذا بعجيب بعد أن علمنا حقيقة قولهم في أئمتهم هؤلاء وأنهم يغالون فيهم حتى يرفعونهم فوق الأنبياء, وهو ما نقلناه في مقدمة كتابنا عند الكلام على أحد أصولهم الأربعة وهو كتاب ( الكافي ) الذي فيه من الأبواب في ذلك ( باب إن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم) , ( باب إن الأئمة يعلمون علم ما كان وإنه لا يخفى عليهم شيء ) , ( باب إن الأرض كلها للإمام ) وغير ذلك مما روى فيه من الروايات التي تقرر عقيدتهم هذه , فلعنة الله على من وضع تلك الأكاذيب..
المراجعة ( 105 ): س:
-طلب شيخ الأزهر ذكر إحتجاج غير المذكورين.
المراجعة ( 106 ): ش:
-ذكر أربعاً من الروايات المنسوبة إلى ابن عباس وزعم
دلالتها على الاحتجاج بالوصية , ثم أردفها بنصوص
أخرى عن الحسن والحسين وغيرهما من الصحابة.
الرد على المراجعة ( 106 ):
1-نقض مزاعمه في إحتجاج ابن عباس بالوصية وبيان أنه
من أبعد الناس عن هذا الإفك حتى عند أئمة الرافضة , ثم
بيان بطلان الروايات الأربعة المنسوبة إلى ابن عباس مع
ذكر الروايات الثابتة عنه في فضل أبي بكر وعمر رضي الله
عنهما وتقديمه لهما.
2-تكذيبه فيما زعمه من النصوص الأخرى عن سائر
الصحابة , وبيان بطلان ما ذكره أو أشار إليه من ذلك.(66/375)
لا تختلف مراجعته هذه عن سابقتها في نوعية استدلاله فيها وإنه لاحظ فيه من علم وثبوت وصحة , بل ولا حجة فيه على أهل السنة كما سيتضح إن شاء الله.
وقد حاول في الفقرة الأولى هنا نسبة الاحتجاج بالوصية إلى ابن عباس , ومن المعلوم إن ابن عباس رضي الله عنه كان أبعد الناس عن هذا الافك حتى أئمة الرافضة لما لم يجدوا عنده ما يمكن أن يتعلقوا به طعنوا فيه وأسقطوا عدالته وأمانته مع انه من أهل البيت بلا خلاف , انظر الروايات التي نقلناها في مقدمة كتابنا في الطعن بالعباس وابنه عبد الله وذلك مما رواه الكشي في ( رجاله ) حتى إنه عقد باباً بعنوان ( دعاء علي على عبد الله وعبيد الله ابني العباس ) – راجع مقدمة كتابنا-.
لكن هذا الموسوي عبد الحسين حاول هنا الالتفاف على كل هذا وتغييره فذكر أربعاً من الروايات المنسوبة إلى ابن عباس , أولها ما نقله من ( التاريخ الكامل ) لإبن الأثير ( 3/24 ) و( شرح نهج البلاغة ) لإبن أبي الحديد ( 3/107 ) في
محاورة ابن عباس لعمر من حديث طويل , وهو نفسه الذي أشار إليه في آخر الفقر ة الأولى من المراجعة ( 84 ) ورددنا عليه في حينها بأن هذه المحاورة قد سيقت عند ابن الاثير وابن أبي الحديد من غير إسناد ولا عزو ولا تصحيح فهي شبه الريح لا حجة فيها , لكن قد أخرجها الطبري في ( تاريخه) ( 4/223,222 ) من طريقين واهيين جداً في كل منهما رجل مبهم لم يسم مع آخرين من المجاهيل أو الضعفاء فلا تصح ولا تثبت.(66/376)
والرواية الثانية هي التي عزاها في الهامش ( 5/321 ) لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر نقلاً من ( شرح نهج البلاغة ) ( 3/97 ) , ولا حاجة إلى التذكير بأن لا حجة فيه على أهل السنة فهو مثل سابقه من أخبار المجاهيل غير المعروفين , وهذا شأن الرافضة دوماً لخذلان الله سبحانه لهم يعمدون إلى أخبار لا يعرف رواتها فيحتجون بها , وإن عرفوا فهم من المتروكين أو الكذابين , كما ما مر ذلك في ردنا على كتابه الكثير الكثير.
ومن دلائل كذب روايته هذه إن فيها نسبة النص على الوصية إلى العباس أيضاً, وقد أثبتنا بالرواية الصحيحة التي قدمناها خلال الرد على المراجعة ( 80 ) مما أخرجه البخاري ( 7/136-137 ) وغيره قول العباس لعلي: ( إني لأرى في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت فاذهب بنا إليه فنسأله فيمن هذا الأمر؟ فإن كان فينا عرفناه وإن كان في غيرنا أمرناه فوصاه بنا , فقال علي: إني لا أسأله ذلك , والله إن منعناها لا يعطيناها الناس بعده أبداً ) وراجع تعليقنا عليها في موضعها.
ومثل ما سبق أيضاً ينطبق على روايته الثالثة التي عزاها في الهامش (6/321) لشرح النهج ( 3/105) فلا حجة بها علينا كما لا يخفى.(66/377)
أما روايته الرابعة فهي ما أشار إليه من حديث ابن عباس الطويل في بضع عشرة من خصائص علي , الذي كان قد سرده في المراجعة ( 26 ) , وتقدم كلامنا عليه , وإن ما يصح منه لشواهده فليس فيه سوى تحديث ابن عباس ببعض فضائل علي , وهذا لا علاقة له بالوصية المزعومة أبداً , بل هو نظير تحديثه أيضاً ببعض فضائل أبي بكر وعمر , مثل ما أخرجه البخاري ( 1/120 ) ( 4/191 ) ( 7/7 ) , والإمام أحمد ( 1/270, 395 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه في خرقة , فقعد على المنبر , فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ( إنه ليس احد أمنّ عليّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة , ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً , ولكن خلة الاسلام أفضل , سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر ). وأيضاً مثل ما أخرجه البخاري ( 4/197 ) , ومسلم ( 2389 ) وغيرهما عن ابن عباس قال: ( وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل ان يرفع وأنا فيهم , فلم يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي , فالتفت إليه فإذا هو علي , فترحّم على عمر وقال: ما خلّفت أحداً احبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك. وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبك , وذاك أني كنت كثيراً أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( جئت أنا وأبو بكر وعمر , ودخلت أنا وأبو بكر وعمر , وخرجت انا وأبو بكر وعمر ( فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما.
وغير ذلك الكثير مما هو ثابت عندنا، وبه نقيم الحجة فيما نعتقده، وبمثله ينبغي لهؤلاء الروافض أن يحاججوننا، وأنّى لهم ذلك!(66/378)
وكل هذا يبين بعد ابن عباس رضي الله عنهما عن دعوى الوصية المزعومة عند هؤلاء الروافض، بل كان ابن عباس مقدما للشيخين أبي بكر وعمر وعلي غيرهما مطلقا في كل الأمور، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوي) (4/400): ( وقد ثبت عن ابن عباس أنه كان يفتي من كتاب الله فإن لم يجد فبما سنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يجد أفتى بقول أبي بكر وعمر، ولم يكن يفعل ذلك بعثمان وعلي، وابن عباس حبر الأمة وأعلم الصحابة وأفقههم في زمانه وهو يفتي بقول أبي بكر وعمر مقدما لقولهما على قول غيرهما من الصحابة ) إ.ه.
ثم ما زعمه في الفقرة الثانية من احتجاج رجال بني هاشم كذب لا شك فيه، ولو كان صادقا لساق برهانه عليه، ولا يفيده ما ذكره من قصة الحسن مع أبي بكر وهو على المنبر حين قال له: ( انزل عن مجلس أبي ) أو قول الحسين ذلك لعمر أيضا، فإنا ننازعه في ثبوت ذلك أولا، وقد عزاه في الهامش (7/322) للصواعق المحرقة وهو لا يغني في إثباته، إذ قد ساقه ابن حجر في (الصواعق) (ص105) معزوا للدارقطني فقط من غير بيان إسناده ولا ثبوت ولا صحة فلا يمكن الاعتماد عليه، وما زعمه من وجودها في ترجمة عمر من (طبقات ابن سعد) كذب ظاهر يتبين لكل من راجع تلك الترجمة. وثانيا قد جاء في نص ما ساقه ابن حجر –الذي حذفه هذا الموسوي عمدا – قول علي لأبي بكر حينها: ( أما والله ما كان عن رأيي، فقال له أبو بكر: صدقت والله ما اتهمتك )(66/379)