... ويقول شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله-: «وأبو بكر بايعه المهاجرون والأنصار،الذين هم بطانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذين بهم صار للإسلام قوة وعز، وبهم قُهِر المشركون، وبهم فتحت جزيرة العرب، فجمهور الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم الذين بايعوا أبا بكر».(3)
... ويقول أيضاً: «فلما اتفقوا على بيعته، ولم يقل أحد إني أحق بهذا الأمر منه، لا قرشي ولا أنصاري، فإن من نازع أولا من الأنصار لم تكن منازعته للصديق، بل طلبوا أن يكون منهم أمير، ومن قريش أمير، وهذه منازعة عامة لقريش، فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة....
... ثم بايعوا أبا بكر من غير طلب منه، ولا رغبة بذلت لهم ولا رهبة، فبايعه الذين بايعوا الرسول تحت الشجرة، والذين بايعوه ليلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أورده السيوطي في تأريخ الخلفاء ص77.
(2) ... المصدر نفسه.
(3) ... منهاج السنة 1/531.
العقبة، والذين بايعوه لما كانوا يهاجرون إليه، والذين بايعوه لما كانوا يسلمون من غير هجرة كالطلقاء، ولم يقل أحد قط إنى أحق بهذا الأمر من أبي بكر، ولا قاله أحد في أحد بعينه: إن فلاناً أحق بهذا الأمر من أبي بكر».(1)
... وقال الحافظ ابن كثير-رحمه الله-: «وقد اتفق الصحابة -- رضي الله عنهم -- على بيعة الصديق في ذلك الوقت، حتى علي بن أبي طالب، والزبير ابن العوام».(2) ثم ساق الروايات الصحيحة الدالة على ذلك.
... فثبت بهذا اتفاق الصحابة -- رضي الله عنهم -- وإجماعهم على بيعة أبي بكر -- رضي الله عنه -- كما دلت على ذلك الروايات الصحيحة عن الصحابة، وعن أئمة السلف من بعدهم، وما قرره العلماء المحققين في هذا.(50/8)
... ولا يقدح في هذا ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن علياً قد تخلف عن بيعة أبي بكر حياة فاطمة -رضي الله عنها- ثم إنه بعد وفاتها التمس مصالحة أبي بكر وبايعه معتذراً له بأنه ما كان ينافس أبا بكر في ما ساقه الله إليه من أمر الخلافة، لكنه كان يرى له حق المشورة لقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 6/454-455.
(2) ... البداية والنهاية 6/306.
(3) ... انظر صحيح البخاري (كتاب المغازي، باب غزوة خيبر) فتح الباري 7/493، ... ح4240-4241.
... فإن العلماء المحققين ذكروا أن هذه بيعة ثانية لإزالة ما كان قد وقع بسبب الميراث من وحشة، مع مبايعة علي لأبي بكر -رضي الله عنهما- في بداية الأمر:
... قال ابن كثير -رحمه الله- بعد أن ساق بعض الروايات الدالة على مبايعة علي لأبي بكر في بداية عهده: «وهذا اللائق بعلي -- رضي الله عنه -- والذي تدل عليه الآثار من شهوده معه الصلوات، وخروجه معه إلى ذي القصة بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما سنورده، وبذله له النصيحة والمشورة بين يديه، وأما ما يأتي من مبايعته إياه بعد موت فاطمة، وقد ماتت بعد أبيها عليه السلام بستة أشهر، فذلك محمول على أنها بيعة ثانية أزالت ما كان قد وقع من وحشة بسبب الكلام في الميراث، ومنعه إياهم ذلك بالنص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..».(1)(50/9)
... وقال ابن حجر في شرح حديث عائشة المشار إليه آنفاً: «وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور. وفي هذا الحديث ما يدفع حجتهم، وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره: (أن علياً بايع أبا بكر في أول الأمر) وأما ما وقع في مسلم عن الزهري أن رجلاً قال له: (لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة؟ قال: لا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية 6/306-307.
ولا أحد من بني هاشم) فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده، وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح، وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى، لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم، وعلى هذا فيحمل قول الزهري (لم يبايعه علي): في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده، وما أشبه ذلك. فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته، فأطلق من أطلق ذلك، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها السلام لإزالة هذه الشبهة».(1)
... قلت: ومما يشهد لصحة مبايعة علي والزبير لأبي بكر في بداية الأمر: ما رواه الحاكم من حديث إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، وفيه أن أبا بكر لما بويع خطب الناس وذكر من عدم حرصه على الخلافة، وعدم رغبته فيها إلى قوله: (فقبل المهاجرون ما قال وما اعتذر به، قال
علي -- رضي الله عنه -- والزبير: ما غضبنا إلا لأنا قد أخرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين وإنا لنعلم بشرفه وكبره، ولقد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة بالناس
وهو حي).(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فتح الباري 7/495.(50/10)
(2) ... رواه الحاكم في المستدرك 3/70، ح4422 وقال صحيح على شرط ... الشيخين ولم يخرجاه،ووافقه الذهبي.
... وبهذا تندحض دعوى الرافضي في زعمه أن الصحابة لم يتفقوا على مبايعة أبي بكر، وإنكاره إجماع الصحابة على بيعته، وتبين أن ما استدل به من بعض الأخبار الواردة في كتب التاريخ بتخلف بعض الأفراد عن بيعة أبي بكر لاتثبت عند التحقيق، ولا تقوى على معارضة الروايات الصحيحة الدالة على إجماع الصحابة على بيعة
أبي بكر التي تناقلها المحدثون في كتبهم، وحكموا عليها بالصحة والثبوت، وما نص عليه المحققون من أهل السنة من القطع بإجماع الصحابة على بيعة الصديق.
... على أن خلافة أبي بكر لو لم ينعقد الإجماع عليها من الصحابة لم يكن ذلك قادحاً في صحتها، إذ أنه ليس من شرط البيعة إجماع الناس عليها ومبايعتهم جميعهم، كما هو مقرر عند العلماء في السياسة الشرعية. (1)
... بل متى ما اتفق أهل الحل والعقد على رجل تمت له البيعة، ولزمت الجميع، وعلى هذا فلا يضر أبا بكر ولا يقدح في خلافته ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... قال ابن جماعه: «ولا يشترط في أهل البيعة عدد مخصوص، بل من تيسر ... حضوره عند عقدها، ولا تتوقف صحتها على مبايعة أهل الأمصار، بل متى ... بلغتهم لزمهم الموافقة إذا كان المعقود له أهلاً لها». تحرير الأحكام في تدبير ... أهل الإسلام ص53.
تأخر بعض الأفراد عن بيعته بعد اتفاق جمهور الصحابة عليها، بل إن
هذا -لو ثبت- لكان قدحاً في حق المتخلفين عن بيعته، لخروجهم عن الجماعة، وما اتفق عليه أهل الرأي فيهم.(50/11)
... ثم إن هذا الرافضي مع ادعائه عدم الإجماع على بيعة أبي بكر، وزعمه تخلف بعض الأفراد عنها لا يستطيع أن ينكر رجوع هؤلاء المتخلفين عن رأيهم، ودخولهم في البيعة بعد ذلك، بل إنه يعترف بهذا، وحينئذ فلاحجة له في قول أو اجتهاد رجع عنه صاحبه إلى ما يرى أنه الحق والصواب، فكيف وقد حصل الإجماع والاتفاق على بيعة الصديق أول الأمر، وأتلفت عليه القلوب والأبدان من أول يوم.(50/12)
إتهام الرافضي أبا بكر بالظلم
بمنعه فاطمة من الميراث
... قال الرافضي ص164 ضمن أسباب استبصاره بزعمه:
... «2- خلاف فاطمة مع أبي بكر:
... وهذا الموضوع أيضاً مجمع على صحته من الفريقين فلا يسع المنصف العاقل إلا أن يحكم بخطأ أبي بكر، إن لم يعترف بظلمه وحيفه على سيدة النساء» الخ كلامه في هذا.
... قلت: تقدم الرد عليه في هذه المسألة من أكثر من سبعة أوجه بينت فيها تفصيل هذه المسألة، وأن أبا بكر كان متمسكاً بالنص في عدم تسليم فاطمة ميراث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، وعلى هذا انعقد إجماع الصحابة بما فيهم أهل البيت، كما ثبت رجوع فاطمة عن قولها ومصالحتها لأبي بكر -رضي الله عنهما- فلتراجع هذه المسألة في موضعها من البحث.(1)
...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر ص 420-436 من هذا الكتاب.
دعوى الرافضي الإجماع على إمامة علي
وفضله وعدم الإجماع على إمامة أبي بكر والرد عليه
... قال الرافضي ص167:
... «3- علي أولى بالاتباع:
... ومن الأسباب التي دعتني للاستبصار وترك سنة الآباء والأجداد، الموازنة العقلية والنقلية بين علي بن أبي طالب وأبي بكر...
... وقد فتشت في كتب الفريقين فلم أجد إجماعاً إلا على علي بن أبي طالب، فقد أجمع على إمامته الشيعة والسنة في ما ورد من نصوص تثبتها مصادر الفريقين، بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين....
... كما أن كثيراً من الفضائل والمناقب التي يذكرها الشيعة في علي بن أبي طالب لها سند ووجود حقيقي ثابت في كتب أهل السنة المعتمدة عندهم، ومن عدة طرق لايتطرق إليها الشك، فقد روى الحديث في فضائل الإمام علي جمع غفير من الصحابة حتى قال أحمد ابن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفضائل كما جاء لعلي بن أبي طالب.(51/1)
... وقال القاضي إسماعيل والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي....
... أما بشأن أبي بكر فقد فتشت في كتب الفريقين فلم أجد له في كتب أهل السنة والجماعة القائلين بتفضيله ما يوازي أو يعادل فضائل الإمام علي.
... على أن فضائل أبي بكر المذكورة في الكتب التاريخية مروية عن ابنته عائشة، وقد عرف موقفها من الإمام علي، فهي تحاول بكل جهدها دعم أبيها ولو بأحاديث موضوعة، أو عن عبدالله بن عمر، وهو أيضاً من البعيدين عن الإمام علي، وقد رفض مبايعته بعدما أجمع الناس على ذلك، وكان يحدث: أن أفضل الناس بعد النبي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم لا تفاضل، والناس بعد ذلك سواسية، يعنى هذا الحديث أن عبدالله بن عمر جعل الإمام علياً من سوقة الناس كأي شخص عادي ليس له فضل ولا فضيلة...»
... والجواب: أن هذا الكلام قد تضمن من الافتراء، والكذب، والظلم، والبغي الشيء العظيم، مما يعلمه من له أدنى اطلاع على سيرة الصحابة ووقف على النصوص، وأقوال أهل العلم في ذلك، ولولا ما أعلم من سخف عقول هؤلاء الرافضة، وخسة طباعهم، وقلة حيائهم، وعظيم جرأتهم على الكذب والبهتان، لتعجبت أن يصدر هذا الكلام من عاقل يزعم أنه يستند في بحثه للنصوص الصحيحة، ويدعى التحقيق العلمى المتجرد، يخاطب الناس بهذا الكلام الذي يعلم الخاص والعام أنه محض كذب وافتراء.
... فقوله فتشت في كتب الفريقين فلم أجد إجماعاً إلا على علي بن أبي طالب، فقد أجمع على إمامته السنة والشيعة، بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين.(51/2)
... فهذا القول مع ما تضمنه من الكذب فهو ليس بحجة على ما ادعى من بطلان خلافة أبي بكر، إذ ليس من شرط صحة خلافة أبي بكر إجماع كافة الفرق عليها، ونظير هذا القول قول اليهود للمسلمين: اتفقنا على صحة نبوة موسى - عليه السلام -، واختلفنا في نبوة
محمد - صلى الله عليه وسلم -، فدل هذا على صحة نبوة ما اتفقنا عليه، وبطلان نبوة ما اختلفنا فيه، وكذلك لو قال النصارى للمسلمين مثل هذا في عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، فمعلوم أن هذا القول فاسد من أصله، فكذلك قول الرافضي هذا فاسد كفساد قول اليهود والنصارى على حد سواء.
... وقد نبه على هذا في الرد على الرافضة الإمام الدهلوي في التحفة الإثني عشرية قال: «ومن مكايدهم أنهم يقولون: إن فضائل أهل البيت وما روي في إمامة الأمير متفق عليه عند الفريقين بخلاف فضائل الخلفاء الثلاثة فهى مختلف فيها، فينبغي للعاقل أن يختار ما اتفق عليه بموجب (دع ما يريبك إلى مالا يريبك). والجواب: أن شبهتهم هذه كشبهة اليهود والنصارى في قولهم: إن نبوة موسى وعيسى متفق عليها عند الفريقين، بخلاف نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، والذي يزيل هذه الشبهة
هو أن الأخذ بالمتفق عليه وترك المختلف فيه إنما يكون بمقتضى العقل لو لم يوجد دليل آخر، فإن وجد فلا التفات للاتفاق والاختلاف».(1)
... قلت: وهذه القاعدة على فسادها فإن مقدمتها التي بنيت عليها غير مسلمة، فليس صحيحاً أن الأمة اتفقت على إمامة علي واختلفت في إمامة أبي بكر، وبيان ذلك من وجهين:(51/3)
... الوجه الأول: أنه بالنظر إلى مواقف عامة المسلمين من السنة والشيعة، ومن عداهم من فرق الأمة، يظهر بطلان هذه الدعوى بل صحة خلافها، وهو أن الأمة قد اتفقت على إمامة أبي بكر أكثر مما اتفقت على إمامة علي، بل لايعرف من خالف في إمامة أبي بكر إلا الرافضة، بينما خالف في إمامة علي كثير من الخلق حتى زعمت بعض الفرق نسبته للكفر والردة كالخوارج، واعتقدت فيه بعض الطوائف الفسق كالنواصب وأضرابهم.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية مقرراً هذا الأمر في معرض رده على الرافضي في دعواه الاتفاق على إمامة علي وأنه نزهه الموافق والمخالف:
... «هذا كذب بين، فإن علياً -- رضي الله عنه -- لم ينزهه المخالفون، بل القادحون في علي طوائف متعددة، وهم أفضل من القادحين في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مختصر التحفة الإثني عشرية ص36.
أبي بكر وعمر وعثمان، والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه، فإن الخوارج متفقون على كفره، وهم عند المسلمين كلهم خير من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيته أو نبوته، بل هم والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين خير عند جماهير المسلمين من الرافضة الإثني عشرية الذين اعتقدوه إماماً معصوماً، وأبو بكر وعمر وعثمان ليس في الأمة من يقدح فيهم إلا الرافضة. والخوارج المكفرون لعلي يوالون أبا بكر وعمر ويترضون عنهما، والمروانية الذين ينسبون علياً إلى الظلم، ويقولون: إنه لم يكن خليفة، يوالون أبا بكر وعمر مع أنهما ليسا من أقاربهم فكيف يقال: إن علياً نزهه المؤالف والمخالف بخلاف الخلفاء الثلاثة.
... ومن المعلوم أن المنزهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل، وأن القادحين في علي حتى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفة، وهم أعلم من الرافضة وأدين، والرافضة عاجزون معهم علماً ويداً، فلا يمكن للرافضة أن تقيم عليهم حجة تقطعهم بها، ولا كانوا في القتال منصورين عليهم».(1)(51/4)
... فظهر بهذا أن الذين يصححون إمامة أبي بكر ويعتقدون عدالته أكثر من القائلين بإمامة علي واعتقاد عدالته، بل إنه لم يقدح في إمامة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 5/7-8.
أبي بكر وعدالته إلا الرافضة دون سائر فرق الأمة، بينما يقدح في إمامة علي وعدالته بل إسلامه بعض الفرق الذين هم أعلم بدين الله وأقوم من الرافضة وإن كانوا ضالين في اعتقادهم في علي -- رضي الله عنه --.
... الوجه الثاني: أنا لا نسلم موافقة أهل السنة للرافضة فيما تعتقده في إمامة علي-رضي الله عنه-.
... فالرافضة تعتقد في علي أنه وصي النبي - صلى الله عليه وسلم - وخليفته على الأمة مباشرة، وأن الخلفاء قبله كانوا مغتصبين لهذا الحق، ظالمين لعلي وأن خلافتهم غير شرعية.
... وأما أهل السنة فيعتقدون في علي أنه الخليفة الرابع بعد الخلفاء الثلاثة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان، ويضللون من اعتقد تقدمه على واحد من هؤلاء فشتان بين العقيدتين.
... وعلى هذا فليس بين أهل السنة والرافضة أي اتفاق في هذه المسألة إلا على عدالة علي وأنه خليفة راشد، وبالتالي فهم لا ينتفعون من تقرير هذه القاعدة إلا على إثبات عدالة علي وخلافته، وتبقى بقية معتقداتهم في علي التي هي محل نزاع بينهم وبين سائر فرق الأمة مفتقرة إلى الدليل خارجة عن هذه القاعدة التي قعدوها.
... وبهذا يظهر لك أيها القارىء بطلان دعوى الرافضي في احتجاجه بمبدأ الاتفاق والاختلاف عند أهل السنة والرافضة، وأن هذه حجة داحضة وشبهة زائفة بما تقدم ذكره. هذا مع كذبه في دعوى اتفاق الأمة على خلافة علي واختلافها في خلافة أبي بكر مما يظهر من خلاله فساد قوله وسقوط حجته جملة وتفصيلاً.
... أما ما ادعاه من أنه فتّش في كتب أهل السنة فلم يجد لأبي بكر من الفضائل ما يوازي فضائل علي.(51/5)
... فجوابه: أنه بقوله هذا يكشف للناس عن جهله الفاضح فيما ادعاه أوكذبه الواضح فيما عزاه،فإن المنازع في هذه المسألةكمن ينازع في طلوع الشمس في رابعة النهار حتى إن سلف هذا الرافضي مع عظيم جهلهم،وكثرة كذبهم، لا أعلم -بحسب ما اطلعت عليه من أقوالهم- أنهم قالوا بقول هذا الرجل، وإنما يزعم عامتهم أن ما اشتهر في كتب السنة من فضائل أبي بكر وعمر وعثمان موضوعة مكذوبة، ولايجترؤن على ما اجترأ عليه من الكذب والبهتان، وما على القارئ الراغب في الوقوف على كذب هذا الرافضي وتزويره، إلا أن يتصفح أقرب ما لديه من كتب أهل السنة في الحديث -وأشهرها الصحيحان والسنن- ويقارن بين ماجاء فيها من الأحاديث في فضائل أبي بكر وفضائل علي ليقف بنفسه على حقيقة الأمر ومبلغ هذا الرافضي من العلم.
... وسأورد فيما يلي أمثلة لبعض هذه الأحاديث الثابتة في فضائل أبي بكر ومناقبه، التي لم يشاركه فيها أحد من الصحابة لا علي ولامن هو أفضل من علي (كعمر وعثمان) ليعلم بهذا بطلان دعوى الرافضي في هذا الأمر:
... فمن ذلك:
... مارواه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري قال: (خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس وقال: إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله، قال: فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عبد خير فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبابكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لايبقين في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر).(1)(51/6)
... وفي الصحيحين أيضاً من حيث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه علي جيش ذات السلاسل، قال: (فأتيته، فقلت: أي الناس أحب إليك، قال: عائشة، فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب فعدّ رجالاً). (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - سدوا ... الأبواب إلا باب أبي بكر) فتح الباري 7/12، ح3654، ومسلم: (كتاب ... فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق -- رضي الله عنه --) 4/1854، ... ح2382.
(2) ... رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت ... متخذاً خليلاً) فتح الباري 7/18، ح3662، ومسلم: (كتاب فضائل ... الصحابة، باب من فضائل أبي بكر)، 4/1856، ح2384.(51/7)
... ومن حديث أبي الدرداء قال: (كنت جالساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما صاحبكم فقد غامر فسلم وقال: يارسول الله إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يارسول الله والله أنا كنت أظلم (مرتين) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي (مرتين) فما أوذي بعدها. (1)
... قال ابن شاهين بعد ماروى الحديث: «تفرد أبو بكر الصديق بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد». (2)
... وفي الصحيحين عن أنس بن مالك عن أبي بكر -- رضي الله عنه -- قال: (قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في كتاب: (فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت ... متخذاً خليلاً)، فتح الباري 7/18، ح3661.
(2) ... كتاب اللطيف لابن شاهين ص157.
فقال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما). (1)
... وفي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لقد هممت -أو أردت- أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون). (2)(51/8)
... ومن حديث أبي موسى الأشعري قال: مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاشتد مرضه فقال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت عائشة: يارسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقم مقامك لا يستطيع أن يصلي بالناس، فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف قال فصلى بهم أبو بكر حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (3)
... وقد شهد له الصحابة بأنه كان أفضلهم ومنهم علي -- رضي الله عنه --
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب المهاجرين ... وفضلهم...) فتح الباري 7/8، ح3653، ومسلم: (كتاب فضائل ... الصحابة، باب من فضائل أبي بكر) 4/1854، ح2381.
(2) ... أخرجه البخاري في: (كتاب المرضى، باب ما رخص للمريض أن يقول: ... إني وجع...)، فتح الباري 10/123، ح5666، ومسلم: (كتاب فضائل ... الصحابة، باب من فضائل أبي بكر) 4/1857، ح2387.
(3) ... أخرجه مسلم: (كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر) ... 1/316، ح420.
على ماروى البخاري من حديث محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: (أي الناس خير بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين). (1)
... وفي خبر البيعة قال عمر لأبي بكر: (... أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)(2)، وكان ذلك بحضور جمع من الصحابة فلم ينكر ذلك أحد فكان إجماعاً.
... وعن ابن عمر قال: (كنا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لانعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نفاضل بينهم). (3)(51/9)
... فهذه نماذج مما ورد في فضل أبي بكر الصديق -- رضي الله عنه -- من المناقب والفضائل العظيمة التي لم يشاركه فيها غيره، مما جاء في الصحيحين أو أحدهما فقط من غير استقصاء لذلك، فكيف مع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت ... متخذاً خليلاً...)، فتح الباري 7/20، ح3671.
(2) ... أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت ... متخذاً خليلاً...)، فتح الباري 7/20، ح3668.
(3) ... أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عثمان بن ... عفان...)، فتح الباري 7/53-54، ح3697.
الاستقصاء!! فكيف بما جاء في غيرهما!! وأما ما جاء في كتب السنة عامة من فضائله الأخرى التي شاركه فيها بعض الصحابة كعمر وبقية الخلفاء فإنها أجل من أن تستوعب في هذا المقام.
... وأشير هنا إلى ما تضمنته الأحاديث المتقدمة من تلك المناقب التي اختص بها دون غيره من عامة الصحابة فمنها:
1- ... قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقه: إنه أمن الناس عليه في صحبته وماله.
2- ... قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقه (لو كنت متخذاً غير ربي خليلاً لا تخذت ... أبا بكر).
3- ... أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تسد الأبواب في المسجد إلا بابه.
4- ... إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أحب الرجال إليه، وابنته أحب النساء إليه.
5- ... غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - له حتى تمعر وجهه، وانتصاره له، واستغفاره ... له ثلاثاً.
6- ... إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صدقه من غير تردد ولا شك، بعد ما كذبه ... قومه.(51/10)
7- ... قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقه: (هل أنتم تاركو لي صاحبي) ولم يقل ... ذلك لأحد غيره، مما يدل على اختصاصه من الصحبة بما لم يبلغه ... غيره.
8- ... أنه صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة وثاني اثنين في الغار، وقول النبي ... - صلى الله عليه وسلم - له: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما).
9- ... إرشاد النبي - صلى الله عليه وسلم - لاستخلافه، وهمّه أن يكتب بذلك كتاباً، ثم ... تركه ذلك ثقة بالله ويقيناً. وأن الله يأبى غير ذلك ويأبى ... المؤمنون غيره، وهذا من أعظم مناقبه، وأنه لا يختلف في فضله ... بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
10-شهادة الصحابة له بما فيهم علي -- رضي الله عنه -- أنه خير الناس بعد ... النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشهادة عمر له بأنه: سيدهم، وخيرهم، وأحبهم إلى ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في جمع كبير من خيار الصحابة، فلم ينكر ذلك ... عليه أحد فدل على إجماعهم على ذلك.
11-تقديم النبي - صلى الله عليه وسلم - له في الصلاة وصلاته بالناس في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
... فهذه المناقب لم يشارك الصديق فيها أحد من الصحابة على الإطلاق، لا علي ولا غيره، فكيف يدعي هذا الرافضي أنه فتش في كتب أهل السنة فلم يجد لأبي بكر من الفضائل ما يثبت لعلي، مع أن هذه الأحاديث قد جاءت في الصحيحين وهي مشهورة، لا تكاد تخفى على أحد من صغار طلاب العلم فكيف بمن يدعي البحث والتحقيق العلمي.
... ومقارنة بما ثبت في حق أبي بكر من الفضائل التي لم يشاركه فيها غيره، فينبغي أن يعلم أن ما ثبت في حق علي -- رضي الله عنه -- من الفضائل ليست هي من خصائصه، بل قد يشاركه فيها غيره من الصحابة، وذلك أن من أجل ما ثبت في حق علي من الفضائل:(51/11)
... حديث سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم أنه قال وقد ذكر عنده علي بن أبي طالب:(أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول له خَلّفَه في بعض مغازيه، فقال له علي: يارسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} (1)، دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي). (2)
... فهذا الحديث مع ما فيه من المناقب العظيمة لعلي بن أبي طالب، إلا أنها ليست مما اختص به علي على غيره من الصحابة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة آل عمران آية 61.
(2) ... أخرجه مسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي ... طالب) 4/1871.(51/12)
... قال بعد أن ذكر الحديث: «فهذا حديث صحيح رواه مسلم في
صحيحه وفيه ثلاث فضائل لعلي لكن ليست من خصائص الأئمة، ولا من خصائص علي، فإن قوله وقد خلفه في بعض مغازية فقال له علي: يارسول الله تخلفني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي ليس من خصائصه، فإنه استخلف على المدينة غير واحد ولم يكن هذا الاستخلاف أكمل من غيره، ولهذا قال علي: اتخلفني مع النساء والصبيان... فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الاستخلاف ليس نقصاً ولا غضاضة فإن موسى استخلف هارون على قومه لأمانته عنده، وكذلك أنت استخلفتك لأمانتك عندي، لكن موسى استخلف نبياً، وأنا لا نبي بعدي، وهذا تشبيه في أصل الاستخلاف فإن موسى استخلف هارون على جميع بني اسرائيل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف علياً على قليل من المسلمين، وجمهورهم استصحبهم في الغزاة، وتشبيهه بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر وعمر، هذا بإبراهيم وعيسى، وهذا بنوح وموسى، فإن هؤلاء الأربعة أفضل من هارون، وكل من أبي بكر وعمر شبه باثنين لا بواحد، فكان هذا التشبيه أعظم من تشبيه علي، مع أن استخلاف علي له فيه أشباه وأمثال من الصحابة، وهذا التشبيه ليس لهذين فيه شبيه، فلم يكن الاستخلاف من الخصائص ولا التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص.
... وكذلك قوله: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا، فقال: ادعو لي علياً، فأتاه وبه رمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله على يديه، وهذا الحديث أصح ماروي(51/13)
لعلي من الفضائل أخرجاه في الصحيحين من غير وجه، وليس هذا الوصف مختصاً بالأئمة ولا بعلي، فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي، وكل مؤمن تقي يحب الله ورسوله، لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين يتبرؤن منه ولا يتولونه، ولايحبونه، بل قد يكفرونه أو يفسقونه، كالخوارج فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - شهد له بأنه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله...
... وكذلك حديث المباهلة شركه فيه فاطمة، وحسن، وحسين، كما شركوه في حديث الكساء، فعلم أن ذلك لا يختص بالرجال، ولابالذكور، ولا بالأئمة، بل يشركه فيه المرأة والصبي». (1)
... وكذلك ما جاء في حق علي -- رضي الله عنه -- من فضائل في أحاديث أخرى لا يعني اختصاصه بها، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقه: (أنت مني وأنا منك)(2)، بل قد تثبت لغيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 5/42-45، وانظر: أيضاً تقرير شيخ الإسلام لهذه المسألة في ... منهاج السنة 5/13-36، 8/419-421.
(2) ... أخرجه البخاري في: (كتاب المغازي، باب عمرة القضاء)، فتح الباري ... 7/499، ح4251.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن قوله لعلي: (أنت مني وأنا منك) ليس من خصائصه، بل قال ذلك للأشعريين، وقاله لجليبيب وإذا لم يكن من خصائصه بل قد شاركه في ذلك غيره، من هو دون الخلفاء الثلاثة في الفضيلة، لم يكن دالاً على الأفضلية ولا على الإمامة». (1)
... ونظير هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له: (إنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)(2) فهو ليس من خصائصه لأنه ثبت أنه قال مثل هذا للأنصار، فعن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول للأنصار: (لايحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله). (3)(51/14)
... قال أبو نعيم بعد ذكر حديث: (لا يحبك إلا مؤمن...) قلنا: «هكذا نقول وهذه من أشهر الفضائل وأبين المناقب لا يبغضه إلا منافق ولا يحبه إلا مؤمن ولو أوجب هذا الخبر خلافة، لوجبت إذاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 5/30، وقد ذكر شيخ الإسلام هذا الكلام مفصلاً مع ذكر ... الأدلة عليه المشار إليها هنا قبل ذلك، انظره: في الكتاب نفسه 5/28-29.
(2) ... أخرجه مسلم من حديث علي -- رضي الله عنه --: (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن ... حب الأنصار وعلي -- رضي الله عنه -- من الإيمان) 1/86، ح78.
(3) ... أخرجه مسلم: (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من ... الإيمان) 1/85، ح75.
الخلافة للأنصار، لأنه قال مثله في الأنصار»(1) ثم ساق الحديث.
... فهذه أعظم فضائل علي -- رضي الله عنه -- ومناقبه الثابتة في الأحاديث الصحيحة قد تبين عدم اختصاصه بها دون غيره، بل قد ثبت مثلها في حق من هو دون أبي بكر في الفضل، في حين أن ما ثبت لأبي بكر من الفضائل لم يشاركه فيها أحد لا علي ولا من هو أفضل منه، على ما تقدم تقريره بالأدلة الصحيحة الصريحة، الدالة على بطلان دعوى الرافضي وظهور كذبه.
... وأما ما نسبه الرافضي لأحمد -رحمه الله- أنه قال: (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفضائل كما جاء لعلي).
... فهذا إن ثبت عن الإمام أحمد فمحمول على مجموع ماروى من الصحيح والضعيف، وهذا لا يخالف ما هو مقرر عندنا، وأما الصحيح فلا يمكن أن يكون كذلك.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقول من قال: صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره كذب، لا يقوله أحمد ولا غيره من أئمة الحديث، لكن قد يقال: روى له مالم يرو لغيره لكن أكثر ذلك من نقل من عُلم كذبه وخطؤه». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(51/15)
(1) ... الرد على الرافضة ص244.
(2) ... منهاج السنة 8/421.
... وكذلك ما نقله الرافضي عن باقي الأئمة كالقاضي إسماعيل والنسائي وأبي علي النيسابوري فهو كما قال شيخ الإسلام فإن كان المقصود بالمنقول الصحيح فلا يمكن أن يثبت ذلك عن الأئمة، لأن الواقع يشهد بخلاف هذا، وإن كان المقصود من ذلك مجموع المنقول من الصحيح وغيره فلذلك وجه.
... والسبب والله أعلم في كثرة ما يروى من فضائل علي، سواء من الصحيح، أو الضعيف، أو الموضوع، يرجع إلى أمرين:
... الأول: انتساب الرافضة لعلي -- رضي الله عنه -- ودعواهم محبته، ووضعهم كثيراً من الروايات الموضوعة في فضائله، على ما هو معلوم من كتبهم، وعلى ما صرح به العلماء المشتغلون بالحديث ونقده.
... يقول ابن الجوزي: «وغلو الرافضة في حب علي -- رضي الله عنه -- حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله أكثرها تشينه وتؤذيه». (1)
... الثاني: ما ذكره ابن حجر -رحمه الله- في الفتح بعد نقله الأثر المتقدم، المنسوب لأحمد ولبعض الأئمة حيث قال: «وكأن السبب في ذلك أنه تأخر ووقع الاختلاف في زمانه، وخروج من خرج عليه، فكان ذلك سبباً لانتشار مناقبه، من كثرة من كان بينها من الصحابة، رداً على من خالفه، فكان الناس طائفتين، لكن المبتدعة قليلة جداً،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تلبيس إبليس ص136.(51/16)
ثم كان من أمر علي ما كان فنجمت طائفة أخرى حاربوه ثم اشتد الخطب فتنقصوه، واتخذوا لعنه على المنابر سنة، ووافقهم الخوارج على بغضه وزادوا حتى كفروه، مضموماً ذلك منهم إلى عثمان، فصار الناس في حق علي ثلاثة: أهل السنة، والمبتدعة من الخوارج، والمحاربين له من بني أمية وأتباعهم، فاحتاج أهل السنة إلى بث فضائله، فكثر الناقل لذلك لكثرة من يخالف في ذلك، وإلا فالذي في نفس الأمر أن لكل من الأربعة من الفضائل إذا حرر بميزان العدل، لا يخرج عن قول أهل السنة والجماعة أصلاً». (1)
... وأما قول الرافضي إن فضائل أبي بكر مروية عن ابنته عائشة وقد عرف موقفها من علي، أو عن ابن عمر وهو من البعيدين عن علي.
... فهذا من أظهر الكذب وأوضحه: فإن فضائل أبي بكر قد نقلها كثير من الصحابة، ليست مقصورة على واحد أو اثنين أو قريباً من ذلك، فضلاً أن يدعى أنها محصورة فيما نقلته عائشة أو ابن عمر، وهذه كتب السنة وفي مقدمتها الصحيحان تشهد بصحة هذا، فما على طالب الحق إلا أن يرجع إليها ليقف على جلية الأمر بنفسه. ويكفي دلالة على هذا أن ما تقدم نقله من النصوص في فضل أبي بكر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فتح الباري 7/71.(51/17)
والتي تضمنت أكثر من عشر مناقب هي من خصائص أبي بكر التي لم يشاركه فيها غيره ليست مقصورة في روايتها على من ذكر، بل لم ترو عائشة منها إلا حديثاً واحداً وهو إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب لأبي بكر كتاباً بالوصية له، والإشارة لاستخلاف أبي بكر ثابتة بأحاديث أخرى من غير طريق عائشة، كحديث جبير بن مطعم في قصة المرأة التي جاءت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن ترجع إليه فقالت: (يارسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك قال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر)، وهذا الحديث في الصحيحين(1) وكحديث حذيفة الذي في السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)(2)، وأما ابن عمر فقد روى حديثاً واحداً أيضاً في تقديم الصحابة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان(3)، وهذا ثابت دون ذكر عثمان، من طريق محمد بن الحنفية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت ... متخذاً خليلاً)، فتح الباري 7/17، ح3659، ومسلم: (كتاب فضائل ... الصحابة، باب من فضائل أبي بكر) 4/1856، ح2386.
(2) ... أخرجه الترمذي في: (كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر) ... 5/609، ح3662، وابن ماجه: (في المقدمة، باب في فضائل أصحاب ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) 1/37، ح97، والحاكم في المستدرك 3/79، وصححه ... ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/233، ... رقم 1233، وفي صحيح ابن ماجه 1/23، ح80.
(3) ... تقدم تخريجه ص 488.
عن أبيه علي بن أبي طالب وأن أفضل الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر ثم عمر. (1)(51/18)
... وأما بقية الأحاديث فقد رواها عدد من الصحابة منهم علي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعمرو بن العاص، وأبو الدرداء، وأنس بن مالك، وأبو موسى الأشعري على ما تقدم نقل أحاديثهم آنفاً، كما روى فضائل أبي بكر من غير هؤلاء جمع كبير من الصحابة، منهم على سبيل المثال لا الحصر: عمر بن الخطاب، والبراء ابن عازب، وابن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعمار بن ياسر، وأبوهريرة، وعبدالله ابن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة، وعمرو بن عنبسة، وأبو أمامة، وجابر بن عبد الله، وسفينة (مولى أم سلمة)، وأبو بكرة، وغيرهم ممن يصعب حصرهم(2) وإنما ذكرت هنا بعض ما يستدل به على كذب الرافضي في دعواه: أنه لم يرو فضائل أبي بكر إلا عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما-.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 488.
(2) ... انظر: الأحاديث في فضائل أبي بكر بالإضافة إلى ما تقدم تخريجه في ... الصحيحين: في سنن أبي داود: (كتاب السنة، باب في التفضيل، وباب ... الخلفاء) 5/24-31، وسنن الترمذي: (كتاب المناقب، باب مناقب
... أبي بكر الصديق، وباب في مناقب أبي بكر وعمر) 5/606-617، ... والمستدرك للحاكم 3/64-86.
... على أنه لو اقتصرت فضائل أبي بكر على روايتهما فليسا متهمين في روايتهما، فكون عائشة ابنة أبي بكر ليس قادحاً في قبول ما تروي من فضائله، لأن عدالة الصحابة أمر مقطوع به، فكيف بأم المؤمنين عائشة على ما هي عليه من وفور العلم والدين، والقرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واتهام هذا الأفاك الأثيم أم المؤمنين بوضع الأحاديث في فضائل أبيها، هذا من أعظم البهتان، الذي نسأل الله تعالى أن يجازيه به جزاء وفاقاً. وأما اتهامه ابن عمر بهذه التهمة أيضاً، مدعياً أنه كان من البعيدين عن علي فهذه فرية أخرى لا تقل عن سابقتها، ودعوى مجردة من أي دليل.(51/19)
... ولو أخذنا بمقياس الرافضي هذا في نقد الروايات، لكان هذا وارداً على ما يروى في فضل علي من الأحاديث التي نقلها أبناؤه وأهل بيته، ومن تدعى الرافضة تشيعهم له من الصحابة، بل ما يروي علي نفسه من فضائله كقوله: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق)(1) فإن كانت عائشة -رضي الله عنها- متهمة في ماروته من فضائل أبيها -رضي الله عنهما- فالتهمة واردة هنا على علي، وأبنائه، وأهل بيته، ومن يُدعى تشيعهم له، فيما ينقلونه من فضائله، بل إن التهمة في الوضع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 494.(51/20)
لعلي أقوى من التهمة في الوضع لأبي بكر، ذلك أن أبا بكر لم تختلف الأمة عليه، ولم تفترق عنه، بل كانت مجتمعة عليه، ولم تشك في فضله، فما كان محتاجاً لهذا أصلا، بخلاف علي فإن الأمة افترقت في عهده، وقاتلته طائفة منها، وتنكرت له طوائف من أهل البدع ففسقه أقوام، وكفره آخرون فكان محتاجاً لما يجمع الناس عليه، وكان الدافع لدى محبيه وشيعته أقوى في الوضع له، من الدافع لأهل بيت أبي بكر في الوضع له بل إن الثاني منعدماً تماماً لعدم الحاجة إليه، ولهذا فإن الموضوع في فضل علي -- رضي الله عنه -- من الأحاديث أكثر بكثير مما وضع في فضل أبي بكر أو غيره من الصحابة، لكن هذا ليس من صنيع أحد من أهل بيته المعروفين بالعلم والعدالة، ناهيك أن ينسب شيء من ذلك له، أو لأحد من أبنائه أو الموالين له من الصحابة، فإنهم أبعد الناس عن ذلك، بل هم الصادقون المصدقون في كل ما ينقلون وما يروون، فمن اعتقد فيهم غير ذلك فقد باء بالخسران وناله ما نال الرافضة من الإثم والبهتان. وأما أهل السنة فهم بحمد الله يعتقدون في الصحابة كلهم العدالة المطلقة، والصدق والأمانة فيما يخبرون به عن أنفسهم أوغيرهم، ولا يتطرق لديهم الشك في ما ينقل عن الصحابة من أخبار في الفضائل وغيرها إذا ما ثبتت النسبة إليهم، وأسندوها إلى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أردت من هذا بيان فساد قول الرافضي، ودحض حجته، وكشف شبهته، والله تعالى من وراء القصد.(51/21)
... وأما قول الرافضي عن ابن عمر أنه رفض مبايعة علي بعدما أجمع الناس على ذلك، فدعوى مجردة عن الدليل، وهو مطالب بصحة النقل لإثبات ذلك، فكيف به ولم يوثق كلامه بنقل، ولم يحل على مصدر، فكان حق مثل هذه الدعوى أن لايُعبأ بها، ولا يتكلف الرد عليها. غير أني أذكر هنا بعض ما يدل على كذبه، ويقطع الشك الذي قد يثيره في النفوس.
... فأقول: إن بيعة علي -- رضي الله عنه -- كانت باتفاق أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف بينهم تنازع في ذلك، كما تقدم تقرير ذلك بنقل الروايات الدالة على اتفاق الصحابة على استخلافه، وأنهم كانوا يرون أنه أولى الناس بذلك(1)، وقد كان ابن عمر من أعيان الصحابة وكبارهم، وممن لا يغفل له رأي لو كان مخالفاً، ولا نتشر ذلك بين الناس، ونقلته المصادر. وإنما الذي حصل: أن بيعة علي -- رضي الله عنه -- كانت في وقت فتنة وتفرق بين الناس، بسبب مقتل عثمان فتريث بعض الصحابة
-ومنهم ابن عمر- في البيعة وقالوا لا نبايع حتى يبايع الناس على ماروى ذلك الطبري في تأريخه من طريق أبي مليح في خبر البيعة لعلي وفيه: «... وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: ص 234 من هذا الكتاب.
وطاق(1)، وعمامة خزّ، ونعلاه في يده، متوكئاً على قوس فبايعه الناس، وجاءوا بسعد فقال علي: بايع، قال لا أبايع حتى يبايع الناس، والله ما عليك مني بأس، قال: خلوا سبيله، وجاءوا بابن عمر فقال: بايع، قال: لا أبايع حتى يبايع الناس، قال: ائتني بحميل(2)، قال: لا أرى حميلاً، قال: الأشتر؛ خلِّ عني أضرب عنقه، قال عليّ: دعوه أنا حميله». (3)(52/1)
... وقد كان هذا التوقف من سعد وابن عمر في البيعة لعلي في بداية الأمر. ثم إنهما بايعا بعد ذلك، بعدما اجتمع الناس على عليّ، فقد كان هذا شرطهما، وهذا من تمام فقههما -رضي الله عنهما- فإنهما لو بايعا علياً وبايع الناس غيره لتبعهما في بيعتهما خلق كثير، ولتفرق الناس افتراقاً عظيماً. ومما يدل على بيعتهما بعد ذلك ما نقله ابن كثير في سياق أحداث البيعة لعلي -- رضي الله عنه -- حيث قال: «فرجعوا إلى علي فألحوا عليه، وأخذ الأشتر بيده فبايعه وبايعه الناس... وذلك يوم الخميس الرابع والعشرون من ذي الحجة، وذلك بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الطاق: قال ابن الأعرابي هو: الطيلسان، وقيل: الطيلسان الأخضر، لسان ... العرب لابن منظور 10/233.
(2) ... الحميل: هو الكفيل ومنه الحديث: (الحميل غارم) أي: الكفيل ضامن، ... لسان العرب 11/180.
(3) ... تأريخ الطبري 4/428.
مراجعة الناس لهم في ذلك وكلهم يقول: لا يصلح لها إلا علي، فلما كان يوم الجمعة وصعد على المنبر بايعه من لم يبايعه بالأمس...». (1)
... فتبين أن بيعة علي كانت في يومين يوم الخميس، ويوم الجمعة، فلعل من نقل تخلف ابن عمر، وسعد، وبعض الصحابة، كان في اليوم الأول من البيعة، ثم إنهم بايعوا في اليوم الثاني، فلم يتخلف منهم أحد، وهذا الذي قرره المؤرخون الذين نقلوا خبر البيعة.
... يقول ابن حبان في كتاب الثقات: إن الناس حين هرعوا إلى علي بعد مقتل عثمان لمبايعته قال: ليس ذلك إليكم، وإنما لأهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو الخليفة، فلم يبق أحد من أولئك إلا أتى إليه، فطلب أن تكون على ملإٍ من الناس، فخرج إلى المسجد فبايعوه. (2)(52/2)
... ويقول ابن عبد ربه: «لما قتل عثمان أقبل الناس يهرعون إلى علي بن أبي طالب، فتراكمت عليه الجماعة في البيعة، فقال: ليس ذلكم إليكم إنما ذلك لأهل بدر ليبايعوا فقال: أين طلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص؟ فأقبلوا فبايعوا ثم بايعه المهاجرون والأنصار، وذلك يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية 7/238.
(2) ... انظر الثقات لابن حبان 2/267-268.
سنة خمس وثلاثين هجرية». (1)
... ثم إن الروايات الصحيحة جاءت مؤكدة دخول ابن عمر في البيعة.(2)
... فقد روى الذهبي من طريق سفيان بن عيينة، عن عمر بن نافع، عن أبيه عن ابن عمر قال: (بعث إليّ علي فقال: يا أبا عبد الرحمن إنك رجل مطاع في أهل الشام، فسر فقد أمرتك عليهم، فقلت: أذكرك الله وقرابتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبتي إياه، إلا ما أعفيتني فأبى عليّ، فاستعنت عليه بحفصة فأبى، فخرجت ليلاً إلى مكة...). (3) وهذا دليل قاطع على مبايعة ابن عمر، ودخوله في الطاعة، إذ كيف يوليه عليّ وهو لم يبايع.
... وفي الاستيعاب لابن عبد البر: من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن ابن عمر أنه قال حين احتضر: (ما آسى على شيء إلا تركي قتال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... العقد الفريد 4/310.
(2) ... قد عنيت بعض الدراسات الحديثة بجمع هذه الروايات، انظر: على سبيل ... المثال، ... كتاب تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور محمد أمحزون ... 2/59-75.
(3) ... سير أعلام النبلاء 3/224، وقال محققو الكتاب: «رجاله ثقات».
الفئة الباغية مع علي -- رضي الله عنه --). (1)(52/3)
... وهذا مما يدل أيضاً على مبايعته لعلي، وأنه إنما ندم على عدم خروجه مع علي للقتال فإنه كان ممن اعتزل الفتنة، فلم يقاتل مع أحد، ولو كان قد ترك البيعة لكان ندمه على ذلك أكبر وأعظم ولصرح به. فإن لزوم البيعة والدخول فيما دخل الناس فيه واجب، والتخلف عنه متوعد عليه برواية ابن عمر نفسه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية). (2)
... وهذا بخلاف الخروج للقتال مع علي، فإنه مختلف فيه بين الصحابة وقد اعتزله عامة الصحابة، فكيف يتصور أن يندم ابن عمر على ترك هذا القتال، ولا يندم على ترك البيعة لو كان تاركاً لها، مع ما فيه من الوعيد الشديد.
... وبهذا كله يظهر كذب الرافضي فيما ادعاه، من ترك ابن عمر البيعة لعلي -رضي الله عنهما- حيث ثبت أنه كان من المبايعين له بل
المقربين منه، الذين كان يحرص على توليتهم، والاستعانة بهم، لما رأى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الاستيعاب لابن عبد البر المطبوع بحاشية كتاب الإصابة لابن حجر ... 6/326.
(2) ... أخرجه مسلم: (كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين..) ... 3/1478، ح1851.
فيه من صدق الولاء والنصح له، فرضي الله عنهما وسائر الصحابة والقرابة، وقاتل الله المفرقين بينهم الطاعنين عليهم بما ليس فيهم من المارقين والملحدين.
... وأما قول الرافضي ضمن طعنه في ابن عمر: «وكان يحدث أن أفضل الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم لا تفاضل والناس بعد ذلك سواسية»، ثم قال: «ويعني هذا أن ابن عمر جعل الإمام علياً من سوقة الناس، كأي شخص ليس له فضل».(52/4)
... فجوابه: أن هذا الأثر صحيح مشهور عن ابن عمر، وقد تقدم ذكره عند ذكر فضائل أبي بكر، لكن الرافضي زاد فيه ماليس منه، وهو قوله: «والناس بعد ذلك سواسية» ثم طعن بذلك على ابن عمر
-رضي الله عنهما- وزعم أنه يرى مساواة علي وعامة الناس في الفضل، وهذه الزيادة لم يقلها ابن عمر، ولم تثبت عنه في شيء من طرق هذا الأثر.
... فإن هذا الأثر رواه البخاري عن ابن عمر من طريقين:
... الأولى: من طريق يحيى بن سعيد عن نافع عنه أنه قال: (كنا نخير بين الناس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنخير أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان بن عفان -- رضي الله عنهم --». (1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبي ... - صلى الله عليه وسلم -)، فتح الباري 7/16، ح3655.
... والثانية: من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عنه أنه قال: (كنا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نفاضل بينهم)(1)، وقد أخرجه من هذه الطريق أبو داود في سننه. (2)
... كما أخرج أبو داود هذا الأثر من طريق ثالثة عن سالم
ابن عبدالله عن ابن عمر قال: (كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -
حي أفضل أمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم
عثمان -- رضي الله عنهم --). (3)
... فهذه طرق الأثر الصحيحة المشهورة، لم ترد فيها تلك الزيادة التي زعم الرافضي، وحيث إنه لم يعز هذه الزيادة لمصدر، فلا عبرة لها ولا بما علقه عليها من مطاعن لا أصل لها.(52/5)
... وأما إن زعم الرافضي أن ماذكره هو مفهوم ما جاء في الأثر: (ثم نترك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نفاضل بينهم) رُدّ بأن هذا الفهم غير مسلم، فترك المفاضلة شيء، واعتقاد المساواة شيء آخر، والثابت عن ابن عمر هو ترك المفاضلة بين الصحابة بعد أولئك الثلاثة، لا أنه كان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 488.
(2) ... سنن أبي داود: (كتاب السنة، باب في التفضيل) 5/24-25، ح4627.
(3) ... سنن أبي داود: (كتاب السنة، باب في التفضيل) 5/26، ح4628.
يعتقد تساوي الباقين في الفضل، فإن هذا لم يقله ولا يحتمله لفظه بوجه، ناهيك عن دعوى الرافضي أنه يعتقد تساوي علي في الفضل مع أي شخص عامي، لا فضل له ولا صحبة، فإن هذا من أبطل الباطل الذي لا يقول به أقل الناس علماً وفهماً، فكيف بالصحابي الجليل ابن عمر الذي كان يعرف لعلي فضله وقدره بين أصحاب
النبي - صلى الله عليه وسلم -.
... وقد نص على هذا العلماء في شرح الحديث: قطعاً لهذه الشبهة.
... قال الخطابي: «وجه ذلك والله أعلم أنه أراد الشيوخ وذوي الأسنان منهم، الذين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر شاورهم فيه، وكان علي رضوان الله عليه في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث السن، ولم يرد ابن عمر الإزراء بعلي كرم الله وجهه، ولا تأخيره ودفعه عن الفضيلة بعد عثمان، وفضله مشهور، لا ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة». (1)
... ونقل ابن حجر: عن بعض العلماء أن قول ابن عمر هذا كان قبل أن ينعقد الإجماع على أفضلية علي بعد الخلفاء الثلاثة. (2)
... قلت: وعلى كل حال فابن عمر إنما يحكي ما كان سائداً بين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... معالم السنن 4/279.
(2) ... انظر: فتح الباري 7/16.(52/6)
الصحابة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من المفاضلة بين الصحابة على نحو ما ذكر، وما كان يعبر عن رأيه الخاص، وهو صادق في خبره، والطعن في صحة هذا القول لا يرد عليه وحده، وإنما يرد على عامة الصحابة. وعندئذ يظهر لك أيها القارئ مقدار ضلال الطاعن في هذا الأثر، ومدى بعده عن الحق. وأما بعد هذا العهد الذي يصفه ابن عمر فإن الذي استقر عليه أمر أهل السنة هو تفضيل علي بعد الخلفاء الثلاثة، وعلى ذلك نص العلماء المحققون من أهل السنة.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد اتفق أهل السنة من العلماء، والعباد، والأمراء، والأجناد على أن يقولوا: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي -- رضي الله عنهم --». (1)
... ويقول أيضاً: «ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب -- رضي الله عنه -- من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم
عمر، ويثلثون بعثمان، ويربعون بعلي -- رضي الله عنهم -- كما دلت عليه
الآثار». (2)
... ويقول ابن أبي العز: «وترتيب الخلفاء الراشدين -- رضي الله عنهم --
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجموع الفتاوى 3/406.
(2) ... مجموع الفتاوى 3/153.
أجمعين في الفضل كترتيبهم في الخلافة». (1)
... وبهذا يظهر الحق في هذه المسألة وبراءة ابن عمر -رضي الله عنهما- من مطاعن هذا الرافضي وكشف كذبه وتزويره في كلام هذا الصحابي الجليل لمّا لم يجد في كلامه ما يطعن به عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... شرح الطحاوية ص727.
استدلال الرافضي بحديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها»
ودعواه أنه من أسباب استبصاره والرد عليه
... قال الرافضي ص172 ضمن ذكره لأسباب استبصاره المزعومة:
... «4- ... الأحاديث الواردة التي توجب اتباعه [أي علي]:(52/7)
... من الأحاديث التي أخذت بها فدفعتني للاقتداء بالإمام علي تلك التي أخرجتها صحاح أهل السنة والجماعة، وأكدت صحتها، والشيعة عندهم أضعافها ولكن -وكالعادة- سوف لا أستدل ولا أعتمد إلا الأحاديث المتفق عليها من الفريقين، ومن هذه الأحاديث:
أ- ... حديث (أنا مدينة العلم وعلى بابها):
... وهذا الحديث وحده كاف لتشخيص القدوة التي ينبغي اتباعه بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأن العالم أولى بالاتباع، أي أولى أن يقتدى به من الجاهل...
... إلى أن قال: وفي هذا الصدد سجل لنا التاريخ أن الإمام علياً هو أعلم الصحابة على الإطلاق، وكانوا يرجعون إليه في أمهات المسائل ولم نعلم أنه رجع إلى واحد منهم قط.
... فهذا أبو بكر يقول: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.
... وهذا عمر يقول: لولا علي لهلك عمر.
... وهذا ابن عباس يقول: ما علمي وعلم أصحاب محمد في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر.
... وهذا الإمام علي نفسه يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، والله لا تسألونني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم به، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل.
... بينما يقول أبو بكر عندما سئل عن معنى (الأبّ) في قوله تعالى: {وفاكهة وأبّا}(1) قال أبو بكر: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن أقول في كتاب الله بما لا أعلم».
... والجواب عن هذا: أن كلامه هذا قد اشتمل من الكذب، والظلم، والبغي، وقلب الحقائق، ولبس الحق بالباطل، ما يعلمه من له أدنى اطلاع على كتب أهل السنة، وكان من أهل العدل والإنصاف، وبيان ذلك على وجه الاختصار:
... أن هذا الحديث الذي ذكره وزعم أنه أخرجته صححاح أهل السنة وأكدت صحته: كذب موضوع، كما حكم بذلك أهل العلم من أهل السنة. وإليك أيها القارئ أقوالهم في الحديث وحكمهم عليه لتعلم مدى كذب هذا الرجل.(52/8)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة عبس آيه 31.
... قال يحي بن معين: هذا الحديث كذب ليس له أصل.
... وقال ابن عدى: هذا الحديث موضوع يعرف بأبي الصلت.
... وقال أبو حاتم بن حبان: هذا خبر لا أصل له عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
... وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: قبح الله
أبا الصلت.
... وقال البخاري: ليس له وجه صحيح.
... وقال الدارقطني: مضطرب غير ثابت.
... وقال الترمذي: إنه منكر.(1)
... وقال ابن الجوزي: لا أصل له وعده في الموضوعات.(2)
... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها أضعف وأوهى(3)، ولهذا إنما يعد في الموضوعات، وإن رواه الترمذي. وذكره ابن الجوزي، وبين أن سائر طرقه موضوعة، والكذب يعرف من نفس متنه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان مدينة العلم، ولم يكن لها باب إلا باب واحد، ولم يبلغ عنه العلم إلا واحدٌ فَسَدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر أقوالهم في كتاب الموضوعات لابن الجوزي 1/265، والمقاصد الحسنة ... للسخاوي ص170، وكشف الخفاء للعجلوني 1/205.
(2) ... الموضوعات 1/265.
(3) ... من حديث تكلم عليه قبله وهو (أقضاكم علي). انظر: منهاج السنة ... 7/512.
أمر الإسلام....
... [إلى أن قال]: وهذا الحديث إنما افتراه زنديق أو جاهل ظنه مدحاً، وهو مطرق الزنادقة إلى القدح في دين الإسلام، إذا لم يبلغه إلا واحد من الصحابة».(1)
... وقال الذهبي في التلخيص معلقاً على الحديث: «موضوع قال الحاكم: وأبو الصلت: ثقة مأمون، قال الذهبي: لا والله لاثقة ولا مأمون».(2)
... وقال العجلوني: «وهذا حديث مضطرب غير ثابت، كما قاله الدارقطني في العلل».(3)
... وقال الألباني: إنه موضوع.(4)
... فظهر بهذا بطلان الحديث وسقوط احتجاج الرافضي به.(52/9)
... وأما قول الرافضي وقد سجل لنا التاريخ أن الإمام علياً هو أعلم الصحابة على الإطلاق، وأنهم كانوا يرجعون إليه في أمهات المسائل، ولم نعلم أنه رجع إلى واحد منهم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 7/515-516، ومجموع الفتاوى 4/410.
(2) ... التخليص مع المستدرك 3/137.
(3) ... كشف الخفاء 1/203.
(4) ... ضعيف الجامع الصغير 2/13.
... فهذا كذب صريح وفرية قديمة يرددها الرافضة في كتبهم، وليس عليها دليل صحيح، وإنما هي مجرد دعوى باطلة لا أساس لها من الصحة، ولا ثبات لها أمام النقد والتحقيق، بل الأدلة وأقوال علماء الأمة تدل على خلاف ذلك، وأن أعلم الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، وقد تقدم نقل بعض النصوص في ذلك.
... كقول أبي سعيد الخدري في حديث تخيير النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وكان أبوبكر أعلمنا).(1)
... وكذلك قول عمر يوم السقيفة لأبي بكر: (أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)(2)، وهذا يتضمن تقدمه عليهم في العلم، كما لايخفى، وقد كان بحضور كبار الصحابه وأهل الرأي فيهم، فلم ينكر ذلك على عمر أحد، فكان إجماعاً منهم على قوله.
... ولذا رد العلماء المحققون قول الرافضة في دعواهم أن علياً كان أعلم الصحابة، وعدوه من الكذب الصريح.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على الرافضي في قوله إن علياً كان أعلم الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والجواب أن أهل السنة يمنعون ذلك، ويقولون ما اتفق عليه علماؤهم، إن أعلم الناس بعد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 485.
(2) ... تقدم تخريجه ص 488.(52/10)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، ثم عمر، وقد ذكر غير واحد الإجماع على
أن أبا بكر أعلم الصحابة كلهم، ودلائل ذلك مبسوطة في موضعها، فإنه لم يكن أحد يقضي ويخطب ويفتي بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أبو بكر -- رضي الله عنه --، ولم يشتبه على الناس شيء من أمر دينهم إلا فصّله أبو بكر، فإنهم شكوا في موت النبي - صلى الله عليه وسلم - فبينه أبو بكر، ثم شكوا في مدفنه فبينه، ثم شكوا في قتال مانعى الزكاة فبينه أبو بكر، وبين لهم النص في قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين}(1)، وبين لهم أن عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة، ونحو ذلك، وفسر الكلالة فلم يختلفوا عليه....
... ولم يحفظ لأبي بكر فتيا تخالف نصاً، وقد وجد لعمر وعلي وغيرهما فتاوى كثيره تخالف النصوص، حتى جمع الشافعي مجلداً في خلاف علي وابن مسعود،وجمع محمد بن نصر المروزي كتاباًكبيراً في ذلك...
... وقد نقل غير واحد الإجماع على أن أبا بكر أعلم من علي منهم الإمام منصور بن عبدالجبار السمعاني المروزي، أحد أئمة الشافعية، وذكر في كتابه تقويم الأدلة: الإجماع من علماء السنة أن أبا بكر أعلم
من علي، كيف وأبو بكر كان بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتي ويأمر وينهي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الفتح آية 27
ويخطب كما كان يفعل ذلك إذا خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وإياه يدعو الناس إلى الإسلام، ولما هاجرا، ويوم حنين، وغير ذلك من المشاهد وهو ساكت يقره، ولم تكن هذه المرتبة لغيره.
... وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في مشاورته لأهل الفقه والرأي يقدم في الشورى أبابكر وعمر، فهما اللذان يتكلمان في العلم، ويتقدمان بحضرته على سائر الصحابة».(1) ثم ساق الروايات في ذلك(52/11)
... يقول الفيروزآبادي في صدد الرد على الرافضة في هذه المسألة: «هذه الدعوى كذب صراح وافتراء، لأن علم الصحابي -- رضي الله عنه -- إنما يعرف بأحد وجهين: أحدهما: كثرة روايته وفتواه، والثاني: كثرة استعمال النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه، فمن المحال أن يستعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - من لا علم له، وهذا من أكبر الشهادات وأبينها على العلم وسعته، فوجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ولي أبا بكر للصلاة بحضرته طول علته، وجميع أكابر الصحابة حضور كعلي، وعمر، وعثمان، وابن مسعود، وأبيّ وغيرهم، فآثره عليهم جميعاً، وهذا بخلاف استخلافه - صلى الله عليه وسلم - علياً في الغزو، لأنه ما استخلفه إلا على النساء والصبيان وذوي الأعذار، فوجب ضرورة أن يعلم أن أبا بكر أعلم الناس بالصلاة وشرائعها، وأعلم من المذكورين بها، وهي عمود الدين».(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 7/500-503.
(2) ... الرد على الرافضة لأبي حامد المقدسي ص251-252.
... ثم ذكر أمثلة أخرى تدل على فضل أبي بكر في العلم على غيره من الصحابة بما فيهم علي رضي الله عنهم جميعاً.
... وبهذا يظهر كذب دعوى الرافضي في أن علياً كان أعلم الصحابة، وبطلان قوله وفساده.(52/12)
... وأما قول الرافضي: إن الصحابة كانوا يرجعون إليه في أمهات المسائل ولا يرجع إلى واحد منهم، فقد رد شيخ الإسلام -رحمه الله- على هذه الدعوى حيث قال: «ما كان الصحابة يرجعون إليه، ولا إلى غيره وحده في شيء من دينه، لا واضحة ولا مشكله، بل كان إذا نزلت النازلة يشاورهم عمر -- رضي الله عنه --، فيشاور عثمان، وعلياً، وعبدالرحمن بن عوف، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبا موسى الأشعري، حتى يشاور ابن عباس، وكان أصغرهم سناً، وكان السائل يسأل علياً تارة، وأبي ابن كعب تارة، وعمر تارة،وقد سئل ابن عباس أكثر مما سئل علي، وأجاب عن المشكلات أكثر من علي، وما ذاك لأنه أعلم منه، بل علي أعلم منه لكن احتاج إليه من لم يدرك علياً.
... فأما أبو بكر -- رضي الله عنه -- فما ينقل عنه أحد أنه استفاد من علي شيئاً من العلم، والمنقول أن علياً هو الذي استفاد منه كحديث صلاة التوبة وغيره».(1)
... قلت: ولو ثبت أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يشاورن علياً،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 8/60-61.(52/13)
فهذا ليس دليلاً على أنه أفضل منهم أو أعلم منهم، وهذا ظاهر فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستشير أصحابه: كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وأهل الرأي منهم، استجابة لأمر ربه {وشاورهم في الأمر}(1) ومعلوم أن هؤلاء الصحابة لا يقاسون قطعاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفضل والعلم، وكذلك كان أبو بكر يشاور عمر وبعض الصحابة، وهو أفضل منهم وأعلم، بل كان علي يشاور من هو دونه في الفضل كابنه الحسن، وابن عباس وغيرهم، وهو أفضل وأعلم بالدين منهم.
... وقول الرافضي إن علياً ما كان يرجع إلى أحد منهم فإن كان يقصد أبا بكر وعمر وعثمان، فما كان علي مدة حياتهم من أهل الولاية حتى يحتاج إلى مشورتهم، بل كانوا هم الخلفاء الذين ينظرون في أمر الأمة، فهم الذين يستشيرون الناس ولا يستشارون.
... وأما إن كان يقصد: أن علياً ما كان يستشير أحداً من الصحابة مطلقاً، ولا يرجع إليهم، فهذا من أكبر الكذب عليه، فمشاورته بعض الصحابة في فترة خلافته مشهورة معروفة في كتب التأريخ، لا يمكن أن تنكر كمشاورته ابن عباس -رضي الله عنهما- في إقرار عمال الأمصار الذين كانوا قبله أو عزلهم، فأشار عليه ابن عباس أن يقرهم، وأشار عليه أبو بكرة أن يولي ابن عباس البصرة ففعل، واستشار الناس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة آل عمران من الآية 159.
بعد موقعة الجمل هل يدخل الشام بمن معه من الجند؟ أم يبعث جنداً ولا يخرج بنفسه؟ فأشار عليه قوم بهذا، وآخرون بهذا، فخرج بنفسه في الجند(1)، وأمثله ذلك من سيرته كثيرة يصعب حصرها، وهي تدل على رجوع علي إلى من كان معه من الصحابة وغيرهم من أهل الرأي في المشورة.(52/14)
... مما يدل على كذب الرافضي فيما ادعاه. على أنه لو ثبت عدم مشاورته لأصحابه لماكان ذلك مدحاً في حقه، بل يعد عيباً ونقصاً، وذلك أن الرجوع لأهل الرأي ومشورتهم من الخصال الفاضلة الممدوح بها في الدين والعقل، وقد امتدح الله تعالى المؤمنين في قوله: {وأمرهم شورى بينهم}(2) واستشار النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر وعثمان، وهم أفضل من علي، فتبين أن هذا الرافضي يصف علياً -- رضي الله عنه -- بما يعيبه ويشينه ويقدح فيه من حيث يظن أنه يمدحه، وهذا من أكبر الأدلة على سخف عقول هؤلاء الرافضة وبلادة أفهامهم.
... أما ما نسبه الرافضي لأبي بكر من أنه قال: (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن) فلا يعرف في شئ من كتب الحديث وإنما أحاله على الاستيعاب والرياض النضرة ومناقب الخوارزمي ولم أجده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: البداية والنهاية لابن كثير 7/239-256-265.
(2) ... سورة الشورى آيه 38.
في المصدرين الأولين مع أن وجوده في هذه الكتب لايدل على ثبوته لكون أصحابها لم يلتزموا الصحة في كل ما يوردون فيها، بل قد يأتي في هذه الكتب كثير من الأحاديث الضعيفة، والروايات المنكرة الشاذة على ما هو معلوم عند كل مطلع عليها من أهل العلم مما يقطع بعدم صحة كل ما فيها من أخبار، لكن هذا الكلام جاء في الاستيعاب وفي الرياض النضرة منسوباً لعمر-- رضي الله عنه -- من طريق سعيد بن المسيب أنه قال: (كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن) (1) ولم يذكر المصدران لهذا الأثر سنداً يعرف به مدى صحة نسبته لعمر.(52/15)
... ومن تأمل سيرة الشيخين عرف مخالفة هذا الكلام للواقع وبعده عن الحقيقة، وذلك أنه ثبت للأمة بالنصوص الصحيحة والأخبار
المتواترة فضل الشيخين على علي وغيره من الصحابة، وقيامهما بأمر الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقدرتهما على حل المعضلات سواء ما يتعلق منها بالعلم أو بما تعرضت له الأمة من الأحوال العصيبة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يحتاجا لعلي -- رضي الله عنه -- في ذلك، أكثر من احتياجهما لأقرانه من كبار الصحابة، ولهذا اجتمعت عليهما الأمة ما لم تجتمع على عليّ -- رضي الله عنه -- وحصل في عهدهما من نشر العلم، وعز الإسلام، وجهاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الاستيعاب لابن عبدالبر المطبوع مع الإصابة 8/157، والرياض النضرة ... للمحب الطبري 2/161.
الكفار، والأخذ على أيدي المبتدعة والفسقة، مالم يحصل مثله لعلي، وواجه أبو بكر من المعضلات العظيمة كالفتنة بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - وارتداد كثير من قبائل العرب، والاختلاف في أمر الخلافة، وغيرها من المعضلات التي كان حلها على يد أبي بكر بالعلم والقوة في الحق، مالم يواجه عليا -- رضي الله عنه -- مثلها، فكيف يتصور بعد هذا أن يدعو أبو بكر أوعمر بهذا الدعاء والحال من أمرهما وأمره ما ذكر.
... وأما قول الرافضي: إن عمر قال: (لولا علي لهلك عمر).
... فهذا القول: إنما نقله عن عمر -- رضي الله عنه -- بعض المؤرخين في قصة المرأة المجنونة التي زنت فأراد عمر رجمها فقال له علي: أما علمت أن القلم رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل. فترك عمر رجمها. وجاء في بعض كتب التأريخ: فكان عمر يقول: (لولا عليّ لهلك عمر). (1)(52/16)
... وهذه الزيادة وهي قوله: (لولا علي لهلك عمر) ليست معروفة في الحديث، ولم يذكرها المحدثون الذي رووا هذا الحديث، فإن هذا الحديث أخرجه جمع من المحدثين من عدة طرق
عن علي -- رضي الله عنه -- كأبي داود، والترمذي، وابن ماجه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الاستيعاب لابن عبد البر المطبوع مع الإصابة 8/157.
والإمام أحمد(1) ولم ترد هذه الزيادة في شيء من طرق الحديث، هذا وقد جمع ابن حجر طرق الحديث (2)، وكذا الشيخ الألباني(3) فذكرا طرقاً أخرى منقولة عن بعض كتب السنة الأخرى، فلم أعثر فيها لهذه الزيادة على ذكر.
... وقد نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في رده على ابن المطهر الرافضي عند ذكره لهذا الأثر المنسوب لعمر فقال: «إن هذه الزيادة ليست معروفة في هذا الحديث». (4)
... ومما يشهد لضعف هذه الزيادة أن عمر -- رضي الله عنه -- عندما أراد رجم تلك المرأة كان مجتهداً، فلو أخطأ لم يكن آثاماً فكيف يكون هالكاً.
... بل قد نبه شيخ الإسلام -رحمه الله- أن الخطأ في مثل هذه المسألة لا يقدح في علم عمر، ولا دينه، قال بعد كلامه السابق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: سنن أبي داود: (كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق...) ... 4/558-560، وسنن الترمذي، (كتاب الحدود، باب من لا يجب عليه ... الحد) 4/32، وسنن ابن ماجه: (كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه ... والصغير والنائم) 1/658-659، والمسند للإمام أحمد 1/116،118، ... 140،155،158.
(2) ... انظر: فتح الباري 12/121.
(3) ... انظر: إرواء الغليل 2/4-7، ح297.
(4) ... منهاج السنة 6/45، وانظر الكتاب نفسه: 8/62.(52/17)
«ورجم المجنونة لا يخلو إما أن يكون لم يعلم بجنونها فلا يقدح ذلك في علمه بالأحكام، أو كان ذاهلاً عن ذلك فذُكّر، أو يظن الظان أن العقوبات لدفع الضرر في الدنيا، والمجنون قد يعاقب لدفع عدوانه على غيره من العقلاء والمجانين، والزنا هو من العدوان فيعاقب على ذلك حتى يتبين له أن هذا من باب حدود الله تعالى، التي لا تقام إلا على المكلف...
... ففي الجملة قتل غير المكلف: كالصبي، والمجنون، والبهيمة، لدفع عدوانهم جائز بالنص، والإتفاق، إلا في بعض المواضع كقتلهم في الإغارة، والبيات، وبالمنجنيق، وقتلهم لدفع صيالهم، وحديث (رفع القلم عن ثلاثة) إنما يدل على رفع الإثم، لايدل على منع الحد إلا بمقدمة أخرى، وهو أن يقال: من لا قلم عليه لا حد عليه، وهذه المقدمة فيها خفاء، فإن من لا قلم عليه قد يعاقب أحياناً، ولا يعاقب أحياناً والفصل بينهما يحتاج إلى علم خفي». (1)
... وأما نسبة المؤلف لابن عباس أنه قال: (ما علمي وعلم أصحاب محمد في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر: فلم يعزه لمصدر وإنما قال في الحاشية: «لقد أجمعت صحاح أهل السنة وكتبهم عل أفضلية علي وتقدمه في العلم على كل الصحابة، راجع على سبيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 6/45-46.(52/18)
المثال ماجاء في الاستيعاب من أقول الصحابة أنفسهم فيه وتقديمهم له». (1)
... وهذا من أكبر التلبيس ليوهم القارئ أن هذا الأثر الذي نسبه لابن عباس في كتاب الاستيعاب، مع أنه لا يوجد فيه، ولعله أخذه من كتب الرافضة فأراد أن يدعمه بما ادعى من إجماع صحاح أهل السنة على أن علياً كان أفضل الصحابة وأعلمهم، وهذا لوثبت لما كان فيه أي دلالة على صحة نسبة هذا الأثر لابن عباس، فنسبة الأثر
لابن عباس شيء، وما ادعى من أن علياً كان أعلم الصحابة شيء آخر.
... والناظر في معنى هذا الأثر يعلم فساده وبطلان نسبته لابن عباس دون النظر في سنده، فإن معناه باطل قطعاً، وفيه من الغلو ما يخرج علياً -- رضي الله عنه -- عن طبيعته البشرية إلى مضاهاة الخالق في علمه، بل لو قيل هذا الأثر في نبي من الأنبياء لكان هذا غلواً ظاهراً فكيف بعلي!! فإن هذا التفاوت العظيم في نسبة العلم لا يكون بين المخلوقين، وهذا شبيه جداً بما ثبت في قصة الخضر مع موسى في الصحيحين وفيها: (فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر في البحر نقرة أو نقرتين، قال له الخضر: ياموسى ما نقص علمي وعلمك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص173.(53/1)
من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر)(1)، والرافضة كثيراً ما يعمدون لصفات الله تعالى ويثبتونها لعلي، كما هو معلوم من كتبهم، وكما في هذا الأثر المنسوب لابن عباس -رضي الله عنهما- زوراً وبهتاناً والذي يأباه الدين والعقل، وتظهر عليه آثار الوضع، وأما ما ادعاه من إجماع صحاح أهل السنة على أن علياً كان أفضل الصحابة وأعلمهم، فكذب صريح وافتراء عظيم على أهل السنة، فإن أهل السنة متفقون على أن أبا بكر الصديق كان أعلم الصحابة وأفضلهم، ثم من بعده عمر وقد تقدم تقرير ذلك بنقل الآثار في ذلك عن الصحابة، وأقوال أهل العلم من بعدهم، مما يغني عن إعادته هنا وليراجع في موضعه. (2)
... وأما ماذكره الرافضي من قول علي: (سلوني قبل أن تفقدوني) فلم يقل ذلك للصحابة الذين هم أقرانه في العلم، وإنما قاله في آخر عهده، لما انتقل إلى العراق، فدخل في الدين من لم يتفقه فيه، فاحتاج الناس إلى علمه، فكان يحثهم على السؤال والتفقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع ... موسى -- عليه السلام --) فتح الباري 6/431-432، ح3401، ومسلم: (كتاب ... الفضائل، باب من فضائل الخضر -- عليه السلام --) 4/1847، ح2380.
(2) ... انظر ص 516-519 من هذا الكتاب.(53/2)
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على الرافضة في استدلالهم بهذا الأثر: «لا ريب أن علياً لم يكن يقول هذا بالمدينة، بين المهاجرين والأنصار، الذين تعلموا كما تعلم، وعرفوا كما عرف، وإنما قال هذا لما صار إلى العراق، وقد دخل في دين الإسلام خلق كثير لا يعرفون كثيراً من الدين، وهو الإمام الذي يجب عليه أن يفتيهم ويعلمهم فكان يقول لهم ذلك ليعلمهم ويفتيهم، كما أن الذين تأخرت حياتهم من الصحابة واحتاج الناس إلى علمهم نقلوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة لم ينقلها الخلفاء الأربعة، ولا أكابر الصحابة، لأن أولئك كانوا مستغنين عن نقلها، لأن الذين عندهم قد علموها كما علموها.
... ولهذا يروى لابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وأنس، وجابر، وأبي سعيد، ونحوهم من الصحابة من الحديث ما لايروى لعلي،
ولا لعمر. وعمر، وعلي، أعلم من هؤلاء كلهم، لكن هؤلاء احتاج الناس إليهم لكونهم تأخرت وفاتهم، وأدركهم من لم يدرك أولئك السابقين فاحتاجوا أن يسألوهم، واحتاج أولئك أن يعلموهم ويحدثوهم.
... فقول علي لمن عنده بالكوفة (سلوني) هو من هذا الباب، لم يقل هذا لابن مسعود، ومعاذ، وأبيّ بن كعب، وأبي الدرداء، وسلمان، وأمثالهم، فضلاً عن أن يقول ذلك لعمر، وعثمان، ولهذا لم يكن هؤلاء ممن يسأله، فلم يسأله قط لا معاذ ولا أبيّ،
ولا ابن مسعود، ولا من هو دونهم من الصحابة، وإنما كان يستفتيه المستفتي كما يستفتي أمثاله من الصحابة». (1)
... وأما قول أبي بكر: (أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم)، فتلك منقبة عظيمة لأبي بكر الصديق
-- رضي الله عنه -- تدل على عظيم ورعه، وكمال احتياطه لدينه، ولهذا ذكر العلماء المحققون أنه لا يعرف لأبي بكر مسألة واحدة أخطأ فيها، بخلاف غيره من الصحابة فإنهم يجتهدون فيصيبون تارة ويخطئون تارة.(53/3)
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وفي الجملة لا يعرف لأبي بكر مسألة من الشريعة غلط فيها، وقد عرف لغيره مسائل كثيرة». (2)
... ويستطرد مبيناً فضله في العلم على غيره من الصحابة، وما رفع الله على يديه من الاختلاف بين الصحابة: «وقد تنازعت الصحابة بعده في مسائل،مثل:الجد،والإخوة،ومثل العمرتين، ومثل العول، وغير ذلك من مسائل الفرائض،وتنازعوا في مسائل الحرام،والطلاق الثلاث،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 8/57-58.
(2) ... منهاج السنة 5/497.
بكلمة، والخليّة والبريّة(1) والبتّه(2) وغير ذلك من مسائل الطلاق.
... وكذلك تنازعوا في مسائل صارت مسائل نزاع بين الأمة إلى اليوم، وكان تنازعهم في خلافة عمر، نزاع في اجتهاد محض كل منهم يقر صاحبه على اجتهاده، كتنازع الفقهاء أهل العلم والدين، وأما في خلافة عثمان فقوي النزاع في بعض الأمور، حتى صار يحصل كلام غليظ من بعضهم لبعض، ولكن لم يقاتل بعضهم بعضاً باليد ولابسيف ولا غيره.
... وأما في خلافة علي فتغلظ النزاع، حتى تقاتلوا بالسيوف.
... وأما في خلافة أبي بكر فلم يعلم أنه استقر بينهم نزاع في مسألة واحدة من مسائل الدين، وذلك لكمال علم الصديق وعدله، ومعرفته بالأدلة التي تزيل النزاع، فلم يكن يقع بينهم نزاع إلا أظهر الصديق من الحجة التي تفصل النزاع ما يزول معها النزاع، وكان عامة الحجج الفاصلة للنزاع يأتي بها الصديق ابتداء، وقليل من ذلك يقوله عمر أو غيره فيقره أبو بكر الصديق». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... من كنايات الطلاق جاء في اللسان: «الخليّة: كلمة تطلَّق بها المرأة يقال لها: ... أنت بَريَّة، وخليّة. كناية عن الطلاق» لسان العرب لابن منظور 14/241.
(2) ... هو طلاق المرأة ثلاثاً، انظر: مختار الصحاح للرازي ص16.(53/4)
(3) ... منهاج السنة 5/497-499.
... فتبين من هذا أن توقف أبي بكر عند حد علمه من مناقبه العظيمة،فإن هذاطريق كل راسخ في العلم،ومنهج كل عالم كامل،فإن العالم إذا كمل فقهه وترسّخ علمه منعه من أن يقول على الله بلاعلم.
... ولذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أعلم الخلق بربه، يقف عند مالم ينزل عليه فيه وحي، حتى يأتيه الوحي من الله، وقد ترجم البخاري في كتاب الاعتصام (باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول: لا أدري، أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى: {بما أراك الله}، وقال ابن مسعود: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الروح فسكت حتى نزلت الآية). (1)
... وأورد تحته حديث جابر أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عاده في مرضه كيف أصنع في مالي؟ قال: (فما أجابني بشيء حتى نزلت آية المواريث). (2)
... وروى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله من طريق ابن وهب قال حدثني مالك قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمام المسلمين وسيد العالمين يسئل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... صحيح البخاري مع فتح الباري 13/290.
(2) ... صحيح البخاري مع فتح الباري 3/290.
(3) ... جامع بيان العلم وفضله ص356.
... وكذلك كبار الصحابة كانوا محققين لهذا الأمر متأسين فيه بنبيهم - صلى الله عليه وسلم - موجهين الأمة إليه:
... فعن علي -- رضي الله عنه -- أنه قال: (إذا سئلتم عما لاتعلمون فاهربوا قالوا: وكيف الهرب يا أمير المؤمنين؟ قال: تقولون: الله أعلم). (1)
... وعنه -- رضي الله عنه -- أنه قال: (وأبردها على الكبد، إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم). (2)(53/5)
... وعن ابن عمر أن رجلاً سأله عن مسألة فقال: (لا علم لي بها، فلما أدبر الرجل، قال ابن عمر: نِعْمَ ما قال ابن عمر، سئل عما لا يعلم فقال: لا علم لي به). (3)
... وقال أبو الدرداء: (قول الرجل فيما لا يعلم: لا أعلم نصف العلم). (4)
... وقال ابن عباس: (إذا ترك العالم لا أعلم فقد أصيبت مقاتله). (5)
... فتبين بهذا أن التورع من القول على الله بلا علم، والتوقف عند ذلك دليل فضل وخير، ولا يطعن على العلماء بذلك إلا جاهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه الدارمي في سننه 1/74.
(2) ... المصدر السابق 1/74
(3) ... المصدر السابق 1/74، وأورده ابن عبدالبر في جامع بيان العلم ص354.
(4) ... أورده ابن عبد البر في جامع بيان العلم ص357.
(5) ... المصدر السابق ص356.
متطاول، وكيف يطعن على أحد بهذا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا الأمر، ومن بعده خيار أصحابه وفقهاؤهم، بما فيهم علي -- رضي الله عنه -- الذي تدعي فيه الرافضة ماتدعي من الغلو المفرط يقول: (وأبردها على الكبد أن أقول لما لا أعلم الله أعلم) بل ثبت عنه أنه قال مثل قول أبي بكر على ماروى ابن عبدالبر بسنده من طريق أبي البختري عن علي-- رضي الله عنه -- قال: (أي أرض تقلني أوسماء تظلني إذا قلت في كتاب الله مالا أعلم). (1)
... فإن لم يكن هذا موجباً للطعن في علي، فكيف يطعن به على أبي بكر، فالقول واحد سواء بسواء، بل ثبت في هذا الباب من الآثار عن علي مالم يثبت عن أبي بكر كما تقدم نقل ذلك.
... وبهذا يلزم الرافضي، ويظهر تناقضه وظلمه وبغيه، حيث يطعن في أبي بكر بما هو موجود في علي، مما يدل على اتباعه الهوى في أحكامه ومجانبته العدل في أقواله، مع ما يدعيه من التجرد والإنصاف في البحث، فلعنة الله على الكاذبين الظالمين!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(53/6)
(1) ... جامع بيان العلم ص353.
استدلال الرافضي بحديث: (أنت مني بمنزلة
هارون من موسى) والرد عليه
... قال المؤلف ص174 في معرض ذكره الأحاديث التي ذكر أنها توجب اتباع علي:
«ب-حديث: (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
... وهذا الحديث كما لا يخفى على أهل العقول فيه ما فيه من اختصاص أمير المؤمنين علي بالوزارة، والوصاية، والخلافة... وفيه أيضاً أن الإمام علياً هو أفضل الصحابة، والحديث كما هو معلوم مجمع عليه بين المسلمين».
... قلت: أما الحديث فصحيح، وقد أخرجه الشيخان وغيرهما(1) وهو من فضائل علي -- رضي الله عنه -- ولهذا ذكره العلماء في مناقبه.
... وأما ما ادعاه الرافضي من الدلالة على اختصاص علي بالوزارة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... صحيح البخاري: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي ... طالب...)، فتح الباري 7/71، ح3706، وصحيح مسلم: (كتاب فضائل ... الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب...) 4/1870، ح2404، ... والمسند للإمام أحمد 6/438، 6/369.
والوصاية والخلافة فغير صحيح، فليس في الحديث أي دلالة على ما ذكر، وذلك أن هذا الحديث قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي عندما أراد الخروج إلى غزوة تبوك، وكان قد استخلفه على المدينة بعد أن استنفر الناس للخروج معه، فلم يبق بالمدينة إلا النساء والصبيان وأصحاب الأعذار، فشق ذلك على علي، فجاء للنبي وقال له: أتخلفني في النساء والصبيان. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى.(1)(53/7)
... وقيل: إن بعض المنافقين قال: إنما خلفه لأنه يبغضه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك(2)، ومعلوم من السيرة أن هذا الاستخلاف لم يكن خاصاً بعلي، فقد استخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة غيره عندما كان يخرج غازياً أو حاجاً أو معتمراً، فقد استخلف في غزوة بدر: عبد الله ابن
أم مكتوم، واستخلف في غزوة بني سليم: سباع بن عُرفطة الغفاري، أو ابن أم مكتوم على اختلاف في ذلك، واستخلف في غزوة السويق: بشير بن عبد المنذر، واستعمل على المدينة في غزوة بني المصطلق:
أبا ذر الغفاري، وفي غزوة الحديبية: نُمَيْلَةَ بن عبد الله الليثي كما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... جاء توضيح ذلك في بعض روايات الحديث، انظر: صحيح البخاري: ... (كتاب المغازي، باب غزوة تبوك)، فتح الباري 8/ 122، ح4416، ... وصحيح مسلم بحسب ما جاء في الإحالة السابقة.
(2) ... انظر: تاريخ الطبري 3/103-104، والبداية والنهاية لابن كثير 5/7.
استعمله أيضاً في غزوة خيبر، وفي عمرة القضاء استعمل: عويف بن الأضبط الديلي، وفي فتح مكة: كلثوم بن حصين بن عتبة الغفاري، وفي حجة الوداع: أبا دجانة الساعدي ذكر هذا ابن هشام في مواطن متفرقه من السيرة(1) وهذا مما يدل على عدم اختصاص علي بالاستخلاف، وأنه قد شاركه في ذلك جمع من الصحابة، وبالتالي تبطل مزاعم الرافضة التي يعلقونها على هذا الحديث، كدعوى الوصية لعلي وأنه أفضل الصحابة.
... وقد نبه العلماء قديماً على هذا، وردوا على الرافضة في احتجاجهم بهذا الحديث، وأن غاية ماتضمنه هو تشبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلافه لعلي، باستخلاف موسى لهارون في حال غيبته، تطييباً لنفس علي، وإظهاراً لكرامته عنده، دون ما بنته الرافضة على الحديث من أوهام باطلة، لا يحتملها لفظ الحديث ولا مناسبته.(53/8)
... يقول الإمام أبو نعيم: «فإن قال: [أي: الرافضي] قد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) قيل له: كذلك نقول في استخلافه على المدينة في حياته بمنزلة هارون من موسى، وإنما خرج هذا القول له من النبي - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك إذ خلفه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر السيرة النبوية لابن هشام 2/650،804،806، ... 3/1113،1133،1154،1197، 4/1241،1457.
بالمدينة، فذكر المنافقون أنه ملّه وكره صحبته، فلحق بالرسول - صلى الله عليه وسلم -
فذكر له قولهم فقال: (بل خلفتك كما خلف موسى هارون)، فإن قال الطاعن: لم يرد استخلافه على المدينة قيل له: هل شاركه في النبوة كما شارك هارون موسى، فإن قال: نعم كفر، وإن قال: لا، قيل له فهل كان أخاه في النسب فإن قال: نعم كذب، فإذا بطلت أخوة النسب ومشاركة النبوة فقد صح وجه الاستخلاف، وإن جعل استخلافه في حياته على المدينة أصلاً، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يستخلف في كل غزاة غزاها غيره من أصحابه، كابن أم مكتوم، وخفاف بن إيماء بن رخصة وغيرهما من خلفائه». (1)
... وقال النووي: «وهذا الحديث لا حجة فيه لأحد منهم، بل فيه إثبات فضيلة لعلي ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى، بل توفي في حياة موسى، وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص، قالوا وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الإمامة والرد على الرافضة ص221-222.
(2) ... شرح صحيح مسلم 13/174.(53/9)
... وقال ابن حزم بعد أن ذكر احتجاج الرافضة بالحديث: «وهذا
لا يوجب له فضلاً على من سواه، ولا استحقاق الإمامة بعده
-- عليه السلام -- لأن هارون لم يل أمر بني إسرائيل بعد موسى عليهما السلام، وإنما ولي الأمر بعد موسى -- عليه السلام -- يوشع بن نون فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر عليهما السلام، كما ولي الأمر بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة، وإذا لم يكن على نبياً كما كان هارون نبياً، ولا كان هارون خليفة بعد موت موسى على بني إسرائيل فصح أن كونه -- رضي الله عنه -- من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة فقط، وأيضا فإنما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا القول إذ استخلفه على المدينة في غزوة تبوك... ثم قد استخلف -- عليه السلام -- قبل تبوك، وبعد تبوك في أسفاره رجالاً سوى علي -- رضي الله عنه --، فصح أن هذا الاستخلاف لايوجب لعلي فضلاً على غيره، ولا ولاية الأمر بعده، كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين». (1)
... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في سياق رده على الرافضة في استدلالهم بهذا الحديث: «وقول القائل هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا، هو كتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الفصل 4/159-160.
السياق، لا يقتضي المساواة في كل شيء... وكذلك هنا هو بمنزلة هارون، فيما دل عليه السياق، وهو استخلافه في مغيبه كما استخلف
موسى هارون، وهذا الاستخلاف ليس من خصائص علي، بل ولا هو مثل استخلافاته، فضلاً أن يكون أفضل منها، وقد استخلف مَنْ علي أفضل منه في كثير من الغزوات، ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المُسْتخلَف على عليّ إذا قعد معه، فكيف يكون موجباً لتفضيله على عليّ ؟(53/10)
... بل قد استخلف على المدينة غير واحد، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف عليّ، بل كان ذلك الاستخلاف يكون على أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك وكانت الحاجة إلى الاستخلاف أكثر، فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة، فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز، وفتحت مكة وظهر الإسلام وعزّ، ولهذا أمر الله نبيه أن يغزو أهل الكتاب بالشام، ولم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو، ولهذا لم يدع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند عليّ أحداً من المقاتلة، كما كان يدع بها في سائر الغزوات بل أخذ المقاتلة كلهم معه». (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 7/330-332، وانظر: أيضاً 5/34 من الكتاب نفسه، ... ومجموع الفتاوى 4/416.
... وقال ابن حجر في شرح الحديث: «واستدل بحديث الباب على استحقاق علي للخلافة دون غيره من الصحابة، فإن هارون
كان خليفة موسى وأجيب بأن هارون لم يكن خليفة موسى إلا في حياته لا بعد موته لأنه مات قبل موسى باتفاق أشار إلى ذلك الخطابي.
... وقال الطيبي: معنى الحديث أنه متصل بي نازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه مبهم بينه بقوله: (إلا أنه لا نبي بعدي) فعرف أن الاتصال المذكور بينهما، ليس من جهة النبوة، بل من جهة ما دونها، وهو الخلافة، لما كان هارون المشبه به، إنما كان خليفة في حياة موسى، دل ذلك على تخصيص خلافة علي للنبي - صلى الله عليه وسلم - بحياته والله أعلم». (1)(53/11)
... فهذه أقوال العلماء المحققين كلها دائرة على معنى واحد
وهو عدم اختصاص علي -- رضي الله عنه -- بهذا الاستخلاف ولا بشيء مما تدعيه الرافضة فيه من الوصية أو الأفضلية على غيره، وأن تشبيه
النبي - صلى الله عليه وسلم - له بهارون ليس من كل وجه، فقد دل النص على نفي
النبوة، ودل الواقع على نفي الاستخلاف بعد الممات؛ كما هو معلوم من حال المشبه به وهو هارون لموته في حياة موسى، فلم يبق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فتح الباري 7/74.
إلا الاستخلاف في الحياة في حال الغيبة، وهذا أمر لانزاع فيه لكنه ليس من خصائص علي، فالرافضة لا تنتفع منه بشيء في تقرير عقيدتها إلا وهو ثابت في حق غير علي من المستخلفين الذين تقدم ذكرهم.
استدلال الرافضي بحديث: (من كنت
مولاه فعلي مولاه) والرد عليه
... قال الرافضي ص174: «ت- حديث: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار).
... وهذا الحديث وحده كاف لرد مزاعم تقديم أبي بكر وعمر وعثمان على من نصبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولياً للمؤمنين بعده، ولا عبرة بمن أول الحديث بمعنى المحبّ والنصير، لصرفه عن معناه الأصلي الذي قصده الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وذلك حفاظاً على كرامة الصحابة، لأن
الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما قام خطيباً في ذلك الحر الشديد (قال: ألستم تشهدون بأني أولى بالمؤمنين من أنفسهم) قالوا: بلى يارسول الله. فقال عندئذ (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه) وهذا نص صريح في استخلافه على أمته...».
... قلت: تقدم الرد عليه في استدلاله بهذا الحديث، ونقل كلام أهل العلم في معنى الحديث، وأنه لاحجة فيه للرافضة على تفضيل عليّ على غيره من الصحابة، ولا استخلافه. وأن الولاية المذكورة في(53/12)
الحديث إنما هي موالاة الإسلام التي هي ضد العداوة(1) وهذه
الولاية ثابتة للمؤمنين فيما بينهم قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (2) والله - عز وجل - وليهم جميعاً، وكذلك رسوله
ولي المؤمنين كما قال تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}. (3)
... على أنه تقدم اختلاف العلماء في صحة الحديث وهو قوله: (من كنت مولاة فعلى مولاه)(4) وأما الزيادة التي ذكرها المؤلف هنا فباطلة، وقد أنكرها العلماء وذكروا أنها مزيدة في الحديث.
... قال شيخ الإسلام: « وأما الزيادة وهي قوله: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) الخ. فلا ريب أنه كذب، ونقل الأثرم في سننه، عن أحمد أن العباس سأله عن حسين الأشقر وأنه حدث بحديثين: أحدهما: قوله لعلي: إنك ستعرض على البراءة مني فلا تبرأ. والآخر: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فأنكره أبو عبد الله جداً لم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: ص 464-468 من هذا الكتاب.
(2) ... سورة التوبة آية 71.
(3) ... سورة المائدة آية 55.
(4) ... انظر: ص 463،464 من هذا الكتاب.
يشك أن هذين كذب». (1)
... وقال -رحمه الله- في بعض فتاويه: (وأما قوله من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من ولاه...الخ) فهذا ليس في شيء من الأمهات إلا في الترمذي، وليس فيه إلا (من كنت مولاه فعلي مولاه) وأما الزيادة فليست في الحديث، وسئل عنها الإمام أحمد فقال: زيادة كوفية.
... ولا ريب أنها كذب لوجوه:(53/13)
... أحدها: أن الحق لا يدور مع معين إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه لو كان كذلك لوجب اتباعه في كل ما قال، ومعلوم أن علياً ينازعه الصحابة في مسائل وجد فيها النص يوافق من نازعه، كالمتوفى عنها زوجها وهي حامل، وقوله: (اللهم انصر من نصره...الخ) خلاف الواقع، قاتل معه أقوام يوم صفين فما انتصروا، وأقوام لم يقاتلوا فما خذلوا: كسعد الذي فتح العراق لم يقاتل معه، وكذلك أصحاب معاوية وبني أمية الذين قاتلوه فتحوا كثيراً من بلاد الكفار ونصرهم الله.
... وكذلك قوله: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) مخالف لأصل الإسلام فإن القرآن قد بين أن المؤمنين إخوة مع قتالهم وبغي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 7/319.
بعضهم على بعض».(1)
فتبين أن الثابت من الحديث لا حجة للرافضة فيه، وأما الزيادة وهي قوله: اللهم وال من والاه... وما بعدها. فلا عبرة لها لأنها كذب كما قرر ذلك شيخ الإسلام بيَّن بطلانها رواية ودراية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجموع الفتاوى 4/417.(53/14)
استدلال الرافضي بحديث: «علي مني وأنا من علي
ولا يؤدي عني إلا علي» والرد عليه
... قال الرافضي ص175 «ث- حديث (علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي).
... وهذا الحديث الشريف هو الآخر صريح في أن الإمام علياً هو الشخص الوحيد الذي أهله صاحب الرسالة ليؤدي عنه، وقد قاله عندما بعثه بسورة براءة يوم الحج الأكبر عوضاً عن أبي بكر، ورجع أبو بكر يبكي ويقول: يارسول الله أنزل فيّ شيء فقال: إن الله أمرني أن لا يؤدي عني إلا أنا أو علي...».
... وجوابه: أن هذا الحديث بهذا اللفظ لا يثبت.
... قال فيه ابن كثير: «ضعيف الإسناد ومتنه فيه نكاره». (1)
... قلت: صدْر الحديث ثابت من وجه آخر وهو حديث البراء بن عازب -- رضي الله عنه -- في قصة تنازع علي وزيد وجعفر على كفالة ابنة حمزة وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: «أنت مني وأنا منك» والحديث في الصحيحين(2) لكن ليس هذا من خصائص علي بل قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تفسير ابن كثير 2/333، والبداية والنهاية 5/34.
(2) ... تقدم تخريجه ص 493.
ذلك لغيره كما تقدم بيانه. (1)
... وأما قوله: (لا يؤدي عني إلا علي) فمع عدم ثبوت سنده -كما تقدم- فهو معارض لأصل عظيم من أصول الدين وهو وجوب نشر العلم، والتبليغ عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حق كل من سمع منه شيئاً من العلم أو بلغه عنه، من غير حصر في أحد كما دل على هذا حديث جبير بن مطعم المشهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام بالخيف من منى فقال: (نَضَّرَ الله امْرأً سمع مقالتي فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه).(2)(54/1)
... وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة -- رضي الله عنه -- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبهم يوم النحر، ثم قال بعد أن ذكر تعظيم حرمة الدماء والأموال والأعراض (ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه)(3)، فرغّب النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا المشهد العظيم أمته أن تبلغ عنه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: ص 494 من هذا الكتاب.
(2) ... أخرجه الترمذي في: (كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ ... السماع) 5/33-34، وابن ماجه في: (المقدمة، باب من بلّغ علما) ... 1/85، وقد صححه الألباني في صحيح ابن ماجه 1/45.
(3) ... أخرجه البخاري في: (كتاب العلم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبلغ الشاهد ... الغائب)، فتح الباري 1/157،158، ح67، ومسلم: (كتاب القسامة، ... باب تغليظ تحريم الدماء) 3/1306، ح1679.
وتؤدي ما سمعت منه، وبين أن البلاغ عنه ليس من شرطه الفقه، بل متى ما حصل الضبط والحفظ جاز للسامع البلاغ، فكيف بكبار الصحابة الذين هم أهل العلم والفقه، وقدوة الناس في الدين، فهم أولى الناس بالبلاغ عنه، ولهذا بلغ أصحابه عنه الأحاديث، ونقلوا سنته للأمة في حياته،وبعدمماته،ولم يكن ذلك محصوراً في عدد معروف منهم، وإنما كان يبلغ عنه كل من سمع منه، ممن لا يحصي عددهم إلا الله، فكيف يتصور بعد هذا أن يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - البلاغ عنه محصوراً في علي دون غيره من الصحابة!! إن هذا مما يأباه الدين ويرده الواقع.(54/2)
... وما ذكره المؤلف من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث علياً يبلغ عنه سورة براءة عوضاً عن أبي بكر، ورجوع أبي بكر يبكي، ثم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له لا يؤدي عني إلا علي فكذب مردود بالروايات الصحيحة، والثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث علياً مؤيداً لأبي بكر، وقد كان تحت إمرة أبي بكر في الحج، فأمر أبو بكر من ينادي في الناس أيام الحج بما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من بينهم علي -- رضي الله عنه -- وكان الجميع تحت إمرة أبي بكر.
... على ماروى البخاري من حديث أبي هريرة -- رضي الله عنه -- قال: (بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر، نؤذن بمنى ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد بن عبدالرحمن: ثم أردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً فأمره أن يؤذن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر لا يحج بعد العام مشرك،
ولا يطوف بالبيت عريان). (1)
... فدل الحديث على بطلان دعوى الرافضي، وأن بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - علياً إنما كان تأييداً لأبي بكر لابديلاً عنه، ولا أميراً عليه، بل كان أبوبكر هو أمير الحج، وعلي داخل تحت إمرته كغيره ممن حج مع
أبي بكر من الصحابة.
... كما قرر هذا الأمر شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في معرض رده على الرافضي في زعمه رد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وبعث علي مكانه.(54/3)
... «والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا كذب باتفاق أهل العلم وبالتواتر العام، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل أبا بكر على الحج سنة تسع، لم يرده ولا رجع، بل هو الذي أقام للناس الحج ذلك العام، وعلي من جملة رعيته يصلي خلفه ويدفع بدفعه، ويأتمر بأمره كسائر من معه، وهذا من العلم المتواتر عند أهل العلم، لم يختلف فيه اثنان، في أن أبابكر هو الذي أقام الحج ذلك العام بأمرالنبي - صلى الله عليه وسلم -فكيف يقال: إنه أمره برده؟!
... ولكن أردفه بعلي لينبذ إلى المشركين عهدهم،لأن عادتهم كانت جارية أن لا يعقد العقود ولا يحلها الا المطاع أو رجل من أهل بيته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب الصلاة، باب ما يستر العورة)، فتح الباري ... 1/477، ح369.
فلم يكونوا يقبلون ذلك من كل أحد». (1)
... وبهذا يظهر لك أيها القارئ فساد حجة الرافضي في استدلاله بالحديث المذكور على خلافة، علي وأنه حديث ضعيف لا تقوم الحجة به وهو مع هذا منكر المتن معارض للأصول، كما أن المناسبة التي زعم أنها سببه، وعلق الحديث بها تشهد ببطلان دعواه إذ لم يرجع أبو بكر بعد تأمير النبي - صلى الله عليه وسلم - له على الحج، ولم يرده هو، بل حج بالناس، وبلغ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعث من كان ينادي في الناس بذلك، وكان من بين هؤلاء المنادين علي -- رضي الله عنه -- الذي كان يأتمر بأمر أبي بكر في تنفيذ عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 8/296، وانظر: أيضاً 6/493 من الكتاب نفسه.
استدلال الرافضي بحديث: (إن هذا أخي
ووصيي وخليفتي) والرد عليه(54/4)
... قال الرافضي ص176 «ج- حديث الدار يوم الإنذار قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشيراً إلي علي: (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا) وهذا الحديث هو أيضاً من الأحاديث الصحيحه التي نقلها المؤرخون، لبداية البعثة النبوية، وعدوها من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - ...الخ كلامه.
... وجوابه: أن هذا الحديث كذب موضوع، لم يرد في شيء من كتب الحديث لا الصحاح، ولا السنن، ولا المسانيد، كما قرر ذلك العلماء المحققون في الحديث. وإليك أيها القارئ بعض أقوالهم في الحديث.
... قال ابن الجوزي: «هذا حديث موضوع». (1)
... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وقد تقدم كلام ابن حزم أن سائر هذه الأحاديث موضوعة، يعلم ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها وقد صدق في ذلك، فإن من له أدنى معرفة بصحيح الحديث وضعيفه ليعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الموضوعات 1/259.
أن هذا الحديث ومثله ضعيف، بل كذب موضوع، ولهذا لم يخرجه أحد من أهل الحديث في الكتب التي يحتج بما فيها، وإنما يرويه من يرويه في الكتب التي يجمع فيها بين الغث والسمين...» . (1)
... وقال في موطن آخر: «إن هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل، لا في الصحاح، ولا في المسانيد والسنن والمغازي والتفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي
يحتج به...
... [إلى أن قال]: إن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث، فما من عالم إلا وهو يعلم أنه كذب موضوع». (2)
... وذكر الذهبي في ترجمة مطر بن ميمون الأسكاف أنه موضوع قال: «والمتهم بهذا وما قبله مطر، فإن عبيد الله ثقة شيعي، ولكنه آثم برواية هذا الإفك». (3)
... وقال السيوطي: «موضوع آفته مطر». (4)
... وكذاعدّه الشوكاني من الموضوعات في كتابه (الفوائد المجموعة)(54/5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 7/354.
(2) ... منهاج السنة 7/299-302.
(3) ... ميزان الاعتدال 4/128.
(4) ... اللألئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1/326.
ونقل كلام أهل العلم فيه». (1)
... فتبين أن هذا الحديث كذب موضوع لا أصل له، كما اتفقت على ذلك أقوال أهل العلم المحققين في الأحاديث، المعنيين بدراسة أسانيدها، وتمييز صحيحها من سقيمها. والعجب من هذا الرافضي وعظيم جرأته على الكذب، حيث ينقل هذه الموضوعات المشتهر
في الأمة وضعها، وبطلانها، ويزعم اتفاق صحاح أهل السنة
عليها.
... حيث يقول واصفاً منهجه في كتابه: «وأخذت على نفسي عهداً، وأنا أدخل هذا البحث الطويل العسير أن أعتمد الأحاديث الصحيحة التي اتفق عليها السنة والشيعة». (2)
... ويقول: «من الأحاديث التي اخذت بها فدفعتني للاقتداء بالإمام علي تلك التي أخرجتها صحاح أهل السنة والجماعة وأكدت صحتها، والشيعة عندهم أضعافها ولكن -وكالعادة- سوف لا أستدل ولاأعتمد إلا الأحاديث المتفق عليها من الفريقين». (3)
... فانظر أيها القارئ إلى شدة افترائه وعظيم كذبه في ادعائه ألاّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص346.
(2) ... ثم اهتديت ص88.
(3) ... ثم اهتديت ص172.
يذكر في بحثه من الأحاديث إلا ما صح عند أهل السنة، ثم إيراده تلك الموضوعات المنكرات، التي يأباها الدين، وينكرها أهل العلم، ويستهجنها ذوو العقول والفطر السليمة من غير خوف من الله يردعه، ولا استحياء من الناس يمنعه، فما أصدق قول النبي- صلى الله عليه وسلم - عليه: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت). (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(54/6)
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب أحاديث الأنبياء، باب 54)، فتح الباري ... 6/515، ح3484.
استدلال الرافضي بحديث: (الثقلين)
والرد عليه في ذلك
... قال الرافضي ص179 تحت عنوان: (الأحاديث الصحيحة التي توجب اتباع أهل البيت).
«1- ... حديث الثقلين: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ياأيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي).
... وقال أيضاً: (يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور، وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي).
... وإذا أمعنا النظر في هذا الحديث الشريف الذي أخرجه صحاح أهل السنة والجماعة، وجدنا الشيعة وحدهم هم الذين اتبعوا الثقلين: كتاب الله والعترة النبوية الطاهرة. بينما اتبع أهل السنة والجماعة قول عمر: حسبنا كتاب الله».
... ثم ذكر كلاماً طويلاً تحته ملخصه:
... أن أهل السنة اتبعوا الصحابة وقد رووا (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين...) وزعم أن من عرف أحوال الصحابة وما فعلوه وما استنبطوه بآرائهم مقابل النصوص الصريحة لا يمكن أن يركن لمثلهم.
... قال: والسنة التي يتبعونها سنة الخلفاء الراشدين، أو هي مروية عن هؤلاء، وزعم أن سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تدون على ما روى أهل السنة في صحاحهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منعهم من كتابة سنته، وكذلك فعل أبو بكر وعمر إبان خلافتهم.
... قال: فلا يبقى بعد ذلك حجة في قولنا: (تركت فيكم سنتي).(54/7)
... وجواب هذا: أن الحديث الأول وهو (تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي)(1) لم يصح وقد ضعفه أهل العلم كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: «وأما قوله (وعترتي أهل بيتي) وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعفه، وضعفه غير واحد من أهل العلم، وقالوا: لا يصح، وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة، قالوا: ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلي وغيره.
... لكن أهل البيت لم يتفقوا -ولله الحمد- على شئ من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرؤون المنزهون عن التدنس بشيء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه الترمذي في: (كتاب المناقب، باب في مناقب أهل البيت» 5/662، ... ح3786، وأحمد في المسند 1/14،17،26،59.
منه». (1)
... كما جمع طرق هذا الحديث وحكم بضعفها مؤيداً كلامه بالنقول عن أهل العلم: الدكتور علي السالوس في كتابه: (حديث الثقلين وفقهه). (2)
... وأما الحديث الثاني وهو: (يوشك أن يأتي رسول ربي، وإني تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)، فحديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه(3) لكن ليس فيه حجة للرافضة، فإن الذي تضمنه الحديث وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتاب الله والعمل به، وأن فيه النور والهدى، ثم وصيتة - صلى الله عليه وسلم - بأهل بيته بإعطائهم حقوقهم، والتحذير من ظلمهم، وليس فيه أي ذكر للأمر باتباعهم كما زعم الرافضي.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والحديث الذي في مسلم إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قاله، فليس فيه إلا الوصية باتباع كتاب الله، وهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 7/394-395.(54/8)
(2) ... انظر: الكتاب المذكور ص15-28.
(3) ... صحيح مسلم: (كتاب فضائل الصحابه، باب من فضائل علي بن
... أبي طالب -- رضي الله عنه --) 4/1873، ح2408.
أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك، وهو لم يأمر باتباع العترة ولكن قال: (أذكر الله في أهل بيتي) وتذكير الأمة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك: من إعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم، وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غديرخم».(1)
... فثبت بهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر باتباع أهل بيته بنص صحيح صريح وغاية ما يعتمد عليه الرافضة في هذا إما أحاديث ضعيفة لاتثبت بها حجة، وإما أحاديث صحيحه لكنها ليست صريحة في دعواهم، كما هو الشأن في الحديثين السابقين.
... ثم إنه على فرض ثبوت ذلك فليس فيه حجة للرافضة على تقرير معتقدهم لعدة أمور:
... الأول: أن الأمر باتباع أهل البيت -إن ثبت- يكون فيما اتفقوا عليه، وانعقد عليه إجماعهم، وأئمة أهل البيت وسادتهم متفقون على البراءة من الرافضة ومن عقيدتهم، وعلى رأس هؤلاء: علي وأبناؤه الذين تدين الرافضة بإمامتهم، وتدعي متابعتهم، كما تقدم نقل أقوالهم في ذلك مفصلة(2) وكما نقل شيخ الإسلام اتفاق سائر أهل البيت وأئمة العترة على تقديم الشيخين، واعتقاد إمامتهما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 7/318.
(2) ... انظر: ص 112-119 من هذا الكتاب.
حيث يقول: «أئمة العترة كابن عباس وغيره يقدمون أبا بكر وعمر في الإمامة والأفضلية، وكذلك سائر بني هاشم من العباسيين والجعفريين وأكثر العلويين، وهم مقرون بإمامة أبي بكر، وعمر، وفيهم من أصحاب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وغيرهم، أضعاف من فيهم من الإمامية.(54/9)
... والنقل الثابت عن جميع علماء أهل البيت من بني هاشم من التابعين وتابعيهم، من ولد الحسين بن علي، وولد الحسن وغيرهما: أنهم كانوا يتولون أبا بكر، وعمر، وكانوا يفضلونهما على عليّ، والنقول عنهم ثابتة متواترة...». (1)
... فظهر بهذا أنه لو كان اتفاق أهل البيت حجة، وإجماعهم دليلا لكان أسعد الناس بذلك هم أهل السنة والجماعة، دون الرافضة الذين هم أبعد الناس عن عقيدتهم، وقد تواترت عنهم النصوص بذمهم والبراءة منهم.
... الثاني: أن الأمر باتباع أهل البيت لو ثبت لكان مُعَارَضاً بما هو أقوى منه، وهو أن إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة، والعترة بعض الأمة، فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 7/396.
(2) ... انظر: منهاج السنة 7/397.
... الثالث: أنه معارض أو مخصص بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)(1) وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ...)(2) فهذان النصان صريحا الدلالة فيمن يجب على الأمة متابعته بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - ولو ثبت الأمر بمتابعة أهل البيت لما قوي على معارضة هذين النصين الصحيحين الصريحين المشهورين بين العلماء.
... قال الدهلوي عن الحديث الأول: إنه بلغ درجة الشهرة والتواتر المعنوي(3) وكذلك الحديث الثاني (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) مشهور في الأمة وقد تلقاه العلماء بالقبول والتسليم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(54/10)
(1) ... أخرجه أحمد 5/399، والترمذي 5/610، والحاكم 3/79، وصححه ... ووافقه الذهبي، انظر: التلخيص مع المستدرك، وصححه الألباني في سلسة ... الأحاديث الصحيحة 3/233، رقم 1233.
(2) ... أخرجه أحمد 4/126، وأبو داود 5/13، والترمذي، وقال: هذا حديث ... حسن صحيح 5/44، وابن ماجه 1/15، والدارمي 1/57، والحاكم ... وصححه ووافقه الذهبي. المستدرك مع التلخيص 1/95-96، وصححه ... الألباني ونقل تصحيحه عن الضياء المقدسي، حاشية مشكاة المصابيح
... 1/58.
(3) ... انظر مختصر التحفة الإثني عشرية ص174.
ويحفظه الكبير والصغير، وأما ما ذكره من النصوص في دعوى متابعة أهل البيت فالصحيح منها ليس بصريح، والصريح ليس بصحيح كما تقدم بيان ذلك، وغاية ما يمكن أن يقال فيها على فرض الصحة أن تكون مخصصة بالحديثين المتقدمين، اللذين هما أصح وأصرح في أحقية المتابعة.
... فتبين بهذا عدم انتفاع الرافضة في تقرير معتقدهم بالأمر بمتابعة أهل البيت لو ثبت، فكيف به مع عدم الصحة والثبوت!!
... وأما قول المؤلف: إن أهل السنة اتبعوا سنة عمر في قوله: (حسبنا كتاب الله).
... وقوله أيضاً: إنهم اتبعوا سنة الخلفاء الراشدين... الخ
كلامه.
... فهذا مما يمدح به أهل السنة بل إنه من أعظم مناقبهم. حيث اتبعوا سنة الخلفاء الراشدين الذين أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمة بالتمسك بسنتهم والعض عليها بالنواجذ، فهم في الحقيقة متبعون لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أوصاهم بذلك. وعمر -- رضي الله عنه -- ثاني الخلفاء الراشدين، وكان ملهماً مسدداً مُحدَّثَاً قد ثبتت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمدحه، والثناء عليه في مناسبات كثيرة.
... ففي الصحيحين: من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال له: (يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً
فجاً إلا سلك فجاً غير فجك).(1)(54/11)
... وفي الصحيحين أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (قد كان يكون في الأمم قبلكم محدَّثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم)(2) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة في فضله -- رضي الله عنه -- والتي لا يتسع المقام لذكرها، وهذا يدل دلالة واضحة أنه -- رضي الله عنه -- كان على الحق والهدى، وأن من تابعه في هديه كان على سبيل الرشاد والفلاح كما أن أهل السنة كذلك لما اتبعوا سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عصمهم الله بذلك من الزيغ والانحراف الذي وقع فيه من تنكب طريقهم، وسلك غير مسلكم من أهل البدع الزائغين عن الحق وعلى رأسهم هؤلاء الرافضة المخذولون.
وأبعد من هذا زيغاً وضلالاًمن يذم الأمة ويقدح فيها بمتابعتها لسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين المهديين كما فعل هذا الرافضي الحاقد.
... وأما غمزه لعمر في قوله: (حسبنا كتاب) فقد تقدم الرد عليه في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن ... الخطاب)، فتح الباري 7/41، ح3683، ومسلم: (كتاب فضائل ... الصحابة، باب من فضائل عمر -- رضي الله عنه --) 4/1863، ح2396.
(2) ... أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن ... الخطاب...)، فتح الباري 7/42، ح3689، ومسلم: (كتاب فضائل ... الصحابة، باب من فضائل عمر -- رضي الله عنه --) 4/1864، ح2398.
ذلك، عند ذكر حادثه الكتاب الذي أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابته في مرض موته، وبيان الوجهة الصحيحة لقول عمر هذا، وأنه لا مطعن فيه عليه بحمد الله فليراجع في موضعه من البحث. (1)(54/12)
... وأما قوله: إن السنة لم تدون، وقد روى أهل السنة في صحاحهم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - منع من كتابة السنة لئلا تختلط بالقرآن، وكذلك فعل أبو بكر، وعمر إبان خلافتيهما فلا يبقى بعد هذا حجة في قولنا: (تركت فيكم سنتي).
... فجوابه: أن يقال له إن هذا القول كفر صريح، وطعن قبيح في صاحب الرسالة، ورد عليه في قوله: (تركت فيكم سنتي) كما أنه تكذيب ظاهر لقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(1) فإن الذكر هنا يشمل الوحيين الكتاب والسنة، كما هو مقرر عند أهل العلم، فالسنة محفوظة بحفظ الله، كما أن القرآن محفوظ أيضاً.
... وما ذكره المؤلف من النهي عن كتابه السنة في بداية العهد وصدر الإسلام لا يستلزم فقدها وذهابها، بل كانوا يحفظونها في الصدور، وذلك لكمال عنايتهم بها وحرصهم عليها، وقد عُلِّلَ النهي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: ص 290-293.
(2) ... سورة الحجر آية 9.
عن الكتابة في بداية الأمر بخوف الاتكال على الكتابة وترك الحفظ، أو قلة العناية به، قال الخطيب البغدادي: «وأُمر الناس بحفظ السنن إذ الإسناد قريب، والعهد غير بعيد، ونهي عن الاتكال على الكتاب، لأن ذلك يؤدي إلى اضطراب الحفظ حتى يكاد يبطل، وإذا عدم الكتاب قوي لذلك الحفظ الذي يصحب الإنسان في كل مكان، ولذا قال سفيان الثوري... بئس مستودع العلم القراطيس، قال: وكان سفيان يكتب، أفلا ترى أن سفيان ذم الاتكال على الكتاب وأمر بالحفظ، وكان مع ذلك يكتب احتياطاً واستيثاقاً، وكان غير واحد من السلف يستعين على حفظ الحديث بأن يكتبه ويدرسه من كتابه، فإذا أتقنه محا الكتاب خوفاً من أن يتكل القلب عليه فيؤدي ذلك إلى نقصان الحفظ وترك العناية بالمحفوظ». (1)
... ثم إنه ينبغي أن يعلم أن النهي عن كتابة السنة في بداية الأمر ليس على إطلاقه حيث رُخِّص لبعض من ساء حفظه بالكتابة.(54/13)
... روى ابن عبدالبر بسنده عن عبدالرحمن بن حرملة قال: (كنت سيء الحفظ، فرخص لي سعيد بن المسيب في الكتاب).(2)
... وعن أبي قلابة قال: (الكتاب أحب إلينا من النسيان).(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقييد العلم للخطيب البغدادي ص58.
(2) ... جامع بيان العلم وفضله ص122.
(3) ... المصدر نفسه ص121.
... وهذا يدل على أن النهي عن الكتابة إنما يكون عند القدرة على الحفظ، لئلا يستغنى بها عن الحفظ، الذي هو أنفع. أما عند العجز عن الحفظ فلا يمنع من الكتابة، بل قد جاء الأمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكتابة عاماً، مما يدل على جواز الكتابة عند زوال المحظور، وتحقق المصلحة.
... ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب خطبة فجاء رجل من أهل اليمن فقال: (اكتب لي يارسول الله . فقال: اكتبوا لأبي فلان...).(1)
... وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (قيدوا العلم بالكتاب).(2)
... وكذلك ثبتت الآثار عن بعض الخلفاء الراشدين بإباحة كتابة العلم والترخيص فيه، بل وأمرهم بالكتابة ومباشرتهم لها بأنفسهم .
... فمما روى في ذلك عن أبي بكر: أن أنس بن مالك كان
يحدث (أن أبا بكر كتب له فرايض الصدقة التي سنها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في (كتاب العلم، باب كتابة العلم) فتح الباري 1/205، ... ح112.
(2) ... رواه الخطيب في تقييد العلم ص70، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم ... وفضله 120، قال الألباني بعد دراسة طرقه: «ولا شك عندي أن الحديث ... صحيح بمجموع هذه الطرق» سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/44، ... ح2026، وانظر: صحيح الجامع 2/816، ح4434.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (1)(54/14)
... ومما جاء عن عمر أن عمرو بن أبي سفيان قال: (سمعت عمر ابن الخطاب يقول: قيدوا العلم بالكتاب). (2)
... وعن علي أن أبا جحيفة سأله: (هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله، أوفهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة، قال قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر).(3)
... والآثار في ذلك كثيرة عن الخلفاء الراشدين، وعن غيرهم من الصحابة، وهي دالة على كتابتهم للسنة وتدوينها، وقد ذكر كثيراً منها الخطيب البغدادي في كتاب (تقييد العلم).
... وفي هذا دحض لشبهة الرافضي وإبطال لدعواه في أن السنة لم تدون، وبالتالي فلا يعتمد عليها ولا يوثق بها، على أنه لو لم تتدون السنة بالكتابة فهي محفوظة في صدور أهلها من الصحابة والتابعين الذين عنوا بها عناية كبيرة تفوق كل وصف، فبلّغوها الأمة غضّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه الخطيب في تقييد العلم ص87.
(2) ... المصدر نفسه ص88.
(3) ... أخرجه البخاري في (كتاب العلم، باب كتابة العلم) فتح الباري 1/204، ... ح111.
طريّة حتى لكأن السامع لهم وهم يحدثون بها يسمعها من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لكمال ضبطهم لها. ثم تلقاها من بعدهم جهابذة أهل العلم ورجال الحديث، الذين سخرهم الله لحفظ السنة وهيأهم لذلك، بما رزقهم من قوة في الحفظ، وفطنة في الفهم، فدونوا الكثير منها في المصنفات ورووها للناس، مع تمام الضبط، ودقة الوصف، وشدة الحرص على نقلها كما جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبقيت محفوظة من جيل إلى جيل في الصدور والسطور، إلى هذه العصور، حتى علمها الكبير والصغير، والذكر والأنثى، وهذا من عظيم منة الله على هذه الأمة، التي لا يعلم قدرها ولا يستشعرها أهل البلادة والغباء، والزيغ والضلال، من أمثال هذا الرافضي الجاهل المارق.(54/15)
دعوى الرافضي أن أبا بكر وعمر وعثمان
خالفوا سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وطعنه في أبي بكر
بحرب المرتدين والرد عليه
... قال الرافضي ص181 «إن من سنة أبي بكر وعمر وعثمان ما يناقض سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويبطلها كما لا يخفى.
... وإذا كانت أول حادثة وقعت بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة وسجلها أهل السنة والجماعة والمؤرخون هي مخاصمة فاطمة الزهراء لأبي بكر الذي احتج بحديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)، هذا الحديث الذي كذبته فاطمة وأبطلته بكتاب الله...
... والحادثة الثانية: التي وقعت لأبي بكر في أيام خلافته، وسجلها المؤرخون من أهل السنة والجماعة اختلف فيها مع أقرب الناس إليه وهو عمر بن الخطاب، تلك الحادثة التي تتلخص في قراره بمحاربة مانعي الزكاة... على أن هؤلاء الذين منعوا إعطاء أبي بكر زكاتهم لم ينكروا وجوبها، ولكنهم تأخروا ليتبينوا الأمر، ويقول الشيعة: إن هؤلاء فوجئوا بخلافة أبي بكر، وفيهم من حضر مع رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] حجة الوداع، وسمع منه النص على علي بن أبي طالب فتريثوا حتى يفهموا الحقيقة».
... قلت: قوله: إن أبا بكر، وعمر، وعثمان، خالفوا سنة
النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوى باطلة لايعبأبها، ولا وزن لها في ميزان الحق مالم يؤيدها بالحجة والبرهان، قال تعالى: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}. (1)(55/1)
... وقد علمت الأمة بالنقل المتواتر، الذي لا يمكن أن يندفع أو يتطرق إليه شك: أنه ليس أحد من الخلق أقرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقوم بدينه، وأعلم به وأكثر مناصرة له، وأعظم مجاهدة وبلاءً فيه، من أبي بكر، وعمر، ثم من بعدهما عثمان، وعلي -- رضي الله عنهم --، فإن هؤلاء هم خلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصهاره الذين أخبر أنهم على الهدى، وأوصى بالتمسك بسنتهم، وخص أبابكر، وعمر منهم بالاقتداء بهما(2)، فلا يطعن فيهم بعد هذا إلا ناقص في العقل لا يدري ما يقول، أو ضال مضلّ حائد عن السبيل، ولهذا لا يعرف في الأمة أحد تنقص الشيخين، أو تعرض لهما بقدح لا من أهل السنة، ولا من أهل البدعة المنتسبين لهذه الملة، غير هؤلاء الرافضة المخذولين. وما طعن هذا الرافضي هنا في الخلفاء الثلاثة واتهامهم بمخالفة السنة إلا امتداد اً لمطاعن سلفه من الرافضة الذين هم أسخف الناس عقولاً، وأضعفهم حجة ودليلاً. وطعنه هذا من حيث الجملة هو أضعف من أن يتكلف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة البقرة آية 111.
(2) ... تقدم ذكر الحديث وتخريجه ص 560.
في رده ونقضه لمخالفته لما هو معلوم للأمة بالضرورة من قيام هؤلاء الخلفاء بأمر الدين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسن بلائهم فيه، وانما أقتصر هنا على ما ذكره من أمثلة لما ادعاه من مخالفة هؤلاء الخلفاء للسنة، مع بيان بطلان ما ادعاه وكذبه في ذلك.
... أما الحادثة الأولى: وهي قوله مخاصمة فاطمة لأبي بكر في الميراث فقد تقدم الرد عليه فيها، وبيان كذبه وتلبيسه بما لامزيد
عليه هنا.(1)
... وأما ما ذكر في الحادثة الثانية: وهي طعنه في أبي بكر بقتال المرتدين، الذين منعوا الزكاة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وارتدوا عن الإسلام.(55/2)
... فهذا مما أظهر الله به أمره، وكشف ستره، وما هو عليه من زندقة وإلحاد. فتأمل أيها القارئ طعن هذا المنافق في أبي بكر وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودفاعه عن المرتدين الذين ارتدوا عن الدين بعد موت الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واعتذاره لهم وتخطئة الصحابة في قتالهم، لتعلم موقعه من الدين.
... على أن المؤلف بطعنه هذا ما هو إلا مقلد لإخوانه من الرافضة الذين سبقوه لهذا فرد العلماء عليهم في ذلك، حتى ظهر للناس زيف دعواهم وشدة افترائهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر ص 420-436 من هذا الكتاب.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في رده على ابن المطهر بعد نقله كلامه في المسألة: «والجواب بعد أن يقال: الحمد لله الذي أظهر من أمر هؤلاء إخوان المرتدين، ما تحقق به عند الخاص والعام أنهم إخوان المرتدين حقاً، وكشف أسرارهم، وهتك أستارهم بألسنتهم، فإن الله لا يزال يطلع على خائنة منهم تبين عدوانهم لله ورسوله، ولخيار عباد الله وأوليائه المتقين، {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً}(1)، فنقول من كان له علم بالسيرة، وسمع مثل هذا الكلام جزم بأحد أمرين:
... إما بأن قائله من أجهل الناس بأخبار الصحابة، وإما أنه من أجرأ الناس على الكذب، فظني أن هذا المصنف وأمثاله من شيوخ الرافضة ينقلون ما في كتب سلفهم، من غير اعتبار منهم لذلك، ولا نظر في أخبار الإسلام، وفي الكتب المصنفة في ذلك حتى يعرف أحوال الإسلام، فيبقى هذا وأمثاله في ظلمة الجهل بالمنقول والمعقول...(55/3)
... إلى أن قال: ومن أعظم فضائل أبي بكر عند الأمة -أولهم وآخرهم- أنه قاتل المرتدين، وأعظم الناس ردة كان بنو حنيفة، ولم يكن قتاله لهم على منع الزكاة، بل قاتلهم على أنهم آمنوا بمسيلمة الكذاب، وكانوا فيما يقال نحو مائة ألف، والحنفية أم محمد بن الحنفية سَرّية علي كانت من بني حنيفة، وبهذا احتج من جوز سبي المرتدات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة المائدة، آية (41).
إذا كان المرتدون محاربين، فإذا كانوا مسلمين معصومين فكيف استجاز علي أن يسبي نساءهم ويطأمن ذلك السبي.
... وأما الذين قاتلهم على منع الزكاة فأولئك ناس آخرون، ولم
يكونوا يؤدونها، وقالوا: لا نؤديها إليك، بل امتنعوا من أدائها بالكلية، فقاتلهم على هذا، لم يقاتلهم ليؤدّوها إليه، وأتباع الصديق كأحمد بن حنبل وأبي حنيفة، وغيرهما يقولون: إذا قالوا: نحن نؤديها ولا ندفعها إلى الإمام، لم يجز قتالهم لعلمهم بأن الصديق إنما قاتل من امتنع عن أدائها جملة، لامن قال: أنا أؤدّيها بنفسي. ولو عدّ هذا المفتري الرافضي من المتخلفين عن بيعة أبي بكر المجوس، واليهود، والنصارى، لكان ذلك من جنس عده لبني حنيفة، بل كفر بني حنيفة من بعض الوجوه كان أعظم من كفر اليهود، والنصارى، والمجوس، فإن أولئك كفار ملِّيُّون وهؤلاء مرتدون، وأولئك يقرون بالجزية، وهؤلاء لا يقرون بالجزية، وأولئك لهم كتاب أو شبه كتاب، وهؤلاء اتبعوا مفترياً كذاباً، لكن كان مؤذنه يقول: أشهد أن محمداً ومسيلمة رسولا الله، وكانوا يجعلون محمداً ومسيلمة سواء». (1)
... فتبين بهذا أن الذين قاتلهم أبو بكر كانوا قسمين:
... قسم منهم: قد ارتدوا بالكلية واتبعوا مسيلمة الكذاب، وهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 8/318-319-324.
بنو حنيفة، وهؤلاء لا يشك مسلم في كفرهم ووجوب قتالهم.(55/4)
... وقسم آخر: امتنعوا من تأدية الزكاة مطلقاً فلم يؤدوها بأنفسهم ولا دفعوها إلى الخليفة، فكان قتالهم واجباً مأموراً به من الله ورسوله
قال تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}(1) فعلق تخلية السبيل على الإيمان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله). (2)
... فجعل شهادة ألاّ إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، شرطاً لعصمة الدماء والأموال. وأولئك الممتنعون عن تأدية الزكاة لم يتحقق فيهم الشرط، فقاتلهم أبو بكر -- رضي الله عنه -- وكان معه وعلى رأيه سائر الصحابة الذين باشروا قتالهم بأنفسهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة التوبة آية 5.
(2) ... أخرجه البخاري في: (كتاب الإيمان، باب {فإن تابوا وأقاموا الصلاة ... وآتوا ... الزكاة فخلوا سبيلهم}، فتح الباري 1/75، ح25، ومسلم: (كتاب الإيمان، ... باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله)، 1/53، ... ح22.
... وأما دعوى الرافضي: أن عمر خالف في ذلك أبا بكر فكذب صريح على عمر -- رضي الله عنه -- أما قوم مسيلمة فلم يخالف في قتالهم أحد من
الصحابة، لا عمر ولا غيره، ولم يشكوا في كفرهم وردتهم، وأما مانعوا الزكاة: فقد رأى عمر في بداية الأمر عدم قتالهم، لكنه ما لبث أن رجع عن رأيه إلى قول أبي بكر بعد أن تبين له الحق
في ذلك.(55/5)
... ورجوع عمر عن رأيه وموافقة أبي بكر، أمر مشهور في كتب
السنة والتاريخ لا يخفى على أحد من أهل العلم، ولم ينكره أحد منهم، وهو ثابت في الصحيحين:
... فعن أبي هريرة -- رضي الله عنه --: (أن عمر قال لأبي بكر -رضي الله عنهما- كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولون لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله؟ قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة، حق المال، والله لو منعوني عناقاً، كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق). (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري: (كتاب استتابة المرتدين، باب قتل من أبى قبول ... الفرائض...) فتح الباري 12/275، ومسلم: (كتاب الإيمان، باب الأمر ... بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)، 1/51، ح20.
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وأما قول الرافضي إن عمر أنكر قتال أهل الردة، فمن أعظم الكذب والافتراء على عمر
بل الصحابة كانوا متفقين على قتال مسيلمة وأصحابه، ولكن كانت طائفة أخرى مقرين بالإسلام وامتنعوا عن أداء الزكاة، فهؤلاء حصل لعمر أولاً شبهة في قتالهم، حتى ناظره الصديق وبين له وجوب قتالهم فرجع إليه والقصة في ذلك مشهورة». (1)
... وبهذا يظهر بطلان دعوى الرافضي، وشدة ضلاله في ذمه لأبي بكر على قتال المرتدين الذي يُعد من أعظم مناقبه، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا مما يؤكد فرط جهل المؤلف بالتاريخ وإغراقه في الزيغ والضلال.
... فنسأل الله العافية والسلامة من حاله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(55/6)
(1) ... منهاج السنة 8/327.
طعن المؤلف في خالد بن الوليد بقتله مالك بن نويرة
وطعنه في أبي بكر لعدم الاقتصاص
من خالد والرد عليه في ذلك
... قال المؤلف ص183 «وأما الحالة الثالثة التي وقعت لأبي بكر في أول خلافته، وخالفه فيها عمر بن الخطاب، وقد تأول فيها النصوص القرآنية والنبوية، فهي قصة خالد بن الوليد، الذي قتل مالك ابن نويرة صبراً، ونزا على زوجته فدخل بها في نفس الليلة.
... وكان عمر يقول لخالد: يا عدو الله قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بالحجار.
... ولكن أبا بكر دافع عنه وقال: (هبه ياعمر، تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد) وهذا فضيحة أخرى سجلها التاريخ لصحابي من الأكابر!! إذا ذكرناه ذكرناه بكل احترام وقداسة، بل ولقبناه: (سيف الله المسلول).
... وخالد بن الوليد له في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - قصة مشهورة، إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلىبني جذيمة ليدعوهم إلى الإسلام، ولم يأمره بقتالهم، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل، ويأسربهم، ودفع الأسرى إلى أصحابه وأمرهم بقتلهم، وامتنع البعض من قتلهم، لما تبين لهم أنهم أسلموا، ولما رجعوا وذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -: قال:
اللهم إني أبرأ اليك مما صنع خالد بن الوليد قالها مرتين...
... إلى أن قال: فهل لنا أن نسأل أين هي عدالة الصحابة المزعومة التي يدعونها؟ وإذا كان خالد بن الوليد وهو من عظمائنا، حتى لقبناه (بسيف الله) أفكان ربنا يسل سيفه ويسلطه على المسلمين والأبرياء وعلى المحارم فيهتكها...(55/7)
... فهذه من الأسباب القوية التي جعلتني أنفر من أمثال هؤلاء الصحابة، ومن تابعيهم الذين يتأولون النصوص، ويختلقون الروايات الخيالية، لتبرير أعمال أبي بكر وعمر وخالد بن الوليد، ومعاوية، وعمرو بن العاص وإخوانهم، اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك، اللهم إني أبرأ إليك من أفعال هؤلاء وأقوالهم التي خالفت أحكامك، واستباحت حرماتك، وتعدت حدودك، واغفر لي ما سبق من موالاتهم إذ كنت من الجاهلين».
... قلت: ونحن نسأل الله أن يوليك ماتوليت، وأن يجزيك بما قلت، وأن ينتقم لأوليائه منك، وأن يري المسلمين فيك، وفي أمثالك آية تكون عبرة للمعتبرين، في الدنيا، وأن يلحقك يوم القيامة بإخوانك المنافقين الطاعنين في أولياء الله، المؤذين لهم بغير ما اكتسبوا إنه
سميع مجيب.
... وأما طعنه في خالد بن الوليد، بقتله مالك بن نويرة ودخوله بزوجته مع أنه كان مسلماً.
... فجوابه: أن مالك بن نويرة قد اختلف في أمره فقيل: إنه كان ممن منع الزكاة، وقيل: إنه صانع سجاح حين قدمت أرض الجزيرة، وقيل: إنه لما أُسر وأُتي به لخالد -- رضي الله عنه -- فأنبه على ماصدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال: ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟ فقال مالك: إن صاحبكم كان يزعم ذلك، فقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ فأمر بضرب عنقه، فضربت عنقه، وإن ثبت عنه هذا فهذا يدل على ردته. وقيل: إن خالداً لما أسره ومن كان معه -وكان ذلك في ليلة شديدة البرد- فنادى مناديه، أن ادفئوا أسراكم فظن القوم أنه أراد القتل فقتلوهم، وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة، فلما سمع الداعية خرج وقد فرغوا منهم، فقال: إذا أراد الله أمراً أصابه. (1)(55/8)
... وعلى كل حال فقتل خالد لمالك بن نويرة: إما أن يكون لواحد من هذه الأسباب المذكورة، وإما أن يكون لسبب آخر لم نعلمه، وإما أن خالداً لم يرد قتله أصلاً، وإنما قتل خطأً، فإن كل ذلك محتمل. وحينئذ فخالد معذور على كل حال، سواء أكان قتله بحق لسبب يوجب قتله، أو بخطأ ناشئ عن تأويل يعذر به، أو بغير قصد لالوم عليه فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: تاريخ الطبري 3/278، وما بعدها. والبداية والنهاية لابن كثير ... 6/326.
... وأما غضب عمر على خالد وقوله له ما قال، فهذا إن ثبت فلكونه يرى أن خالداً كان مخطئاً في قتل مالك، ومع هذا فما كان يتهمه في دينه، بل كان يقول: إن في سيفه رهقاً.
... وقد تقدم أن أمر مالك بن نويرة كان مشتبهاً، ولهذا اختلف الصحابة في قتلة، فمنهم من كان على رأي خالد، ومنهم من كان على رأي عمر في تخطئه خالد بقتله، وقد كان الصديق يرى أن خالداً في ذلك كان مجتهداً معذوراً ولذا قال لعمر: (هبه ياعمر تأول فأخطأ). (1)
... والمقصود أن كل واحد من الصحابة كان مجتهداً في إحقاق الحق، وأمرهم دائر بين الأجر والأجرين، فمجتهد مصيب له أجران، ومجتهد مخطئ له أجر واحد وخطؤه مغفور، ولا ينتقصهم في شيء من هذا إلا جاهل بأصول الشرع، أو زائغ عن الحق، كهذا الرافضي الذي امتلأ قلبه حقداً وضغينة على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسخر نفسه للطعن فيهم، والنيل منهم، مع ماهم عليه من المقامات الشريفة العالية في الدين، والسبق إلى سائر خصال البر والتقوى، وتعديل الله لهم في كتابه والرسول - صلى الله عليه وسلم - في سنته، وما جعل الله لهم في قلوب المؤمنين من الحب والولاء، وما نشر لهم بينهم من الذكر الحسن وجميل الثناء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أورده الطبري في تاريخه 3/378.(55/9)
... وأما طعنه في خالد بقتله بني جذيمة وبراءة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من فعله.
... فجوابه: أن خالداً قتلهم متأولاً وذلك أنه لما دعاهم إلى الإسلام قالوا: صبأنا صبأنا، ومعنى: صبأنا: أي انتقلنا من دين إلى دين، وقد كانت قريش تطلق على من أسلم أنه صابئ على سبيل الذم(1)، فلم يقبل خالد منهم ذلك حيث لم يصرحوا بالإسلام، في حين أن بعض من كان معه من الصحابة كابن عمر وغيره أنكروا عليه، لأنهم عرفوا أنهم أرادوا الإسلام، ولذا قال ابن عمر راوي الحديث (فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا)(2) وقد كان خالد متأولاً في قلتهم، غير مذموم بفعله، وإن كان مخطئاً فيه.
... قال الخطابي: «يحتمل أن يكون خالد نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام، لأنه فهم عنهم أن ذلك وقع على سبيل الأنفة، ولم ينقادوا إلى الدين فقتلهم متأولاً». (3)
... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض حديثه عن هذه الحادثة: «فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صبأنا صبأنا، فلم يقبل ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: فتح الباري 8/57.
(2) ... أخرجه البخاري في: (كتاب المغازي، باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد ... إلى جذيمة)، فتح الباري 8/56-57، ح4339.
(3) ... فتح الباري لابن حجر 8/57.
منهم، وقال: إن هذا ليس بإسلام، فقتلهم، فأنكر ذلك عليه من معه من أعيان الصحابة: كسالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمر، وغيرهما، ولما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه إلى السماء وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) لأنه خاف أن يطالبه الله بما جرى عليهم من العدوان...(55/10)
... ومع هذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعزل خالداً عن الإمارة، بل مازال يؤمرُه ويقدمه، لأن الأمير إذا جرى منه خطأ أو ذنب أمر بالرجوع عن ذلك، وأُقرّ على ولايته، ولم يكن خالد معانداً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كان مطيعاً له، ولكن لم يكن في الفقه والدين بمنزلة غيره، فخفي عليه حكم هذه القضية». (1)
... وقال ابن حجر في شرح الحديث: «وأما خالد فحمل هذه اللفظة على ظاهرها، لأن قولهم صبأنا أي: خرجنا من دين إلى دين، ولم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا بالإسلام». (2)
... فهذه أقوال أهل العلم، تدل على أن خالداً إنما قتل بني جذيمة لظنه أنهم ما أرادوا الإسلام بقولهم (صبأنا) ولم يكن بفعله هذا عاصياً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما كان مجتهداً متأولاً، لأن اللفظ مشتبه والاحتمال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 4/486.
(2) ... فتح الباري 8/57.
الذي ذهب إليه وارد.
... وأما براءة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من فعله فلخشية المؤاخذة به من الله، وهذا لا يوجب الطعن في خالد، فالبراءة من الفعل الخاطئ شيء، وتأثيم صاحبه وذمه شئ آخر، وذلك أن العبد لا يؤاخذ بشيء من الأخطاء سواء في باب الاعتقاد، أو في باب الفروع إلا بعد أن تقام عليه الحجة وتنتفي عنه الموانع التي يعذر بها عند الخطأ، على ماهو مقرر في أصول الاعتقاد عند أهل السنة.
... أما قول الرافضي: فهل لنا أن نتساءل أين هي عدالة الصحابة المزعومة التي يدعونها... الخ كلامه.(55/11)
... فيقال له: إن عدالة الصحابة ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، ولا يتَوَصل أحد إلى القدح فيها إلا بعد إنكار النصوص القاطعة بعدالتهم من الكتاب والسنة، المتضمنة أحسن الثناء عليهم وأبلغه من الله ورسوله، ولذا كان القدح في الصحابة علامة الزنادقة والملاحدة، وقد تقدم فيما مضى من البحث عرض النصوص وأقوال أهل العلم في القطع بعدالة الصحابة، مما يغني عن إعادتها، وإنما أكتفي هنا بما ذكره الإمامان الجليلان أبو زرعة وأحمد -رحمهما الله تعالى- في حكم من طعن في الصحابة وقدح فيهم.
... قال أبو زرعة: (إذا رأيت الرجل يتنقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة). (1)
... وقال الإمام أحمد: (إذا رأيت الرجل يذكر أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوء، فاتهمه على الإسلام). (2)
... وهذا الرافضي لم يقتصر على الطعن فقط، بل تعدى إلى ماهو أعظم منه وذلك باتهامه الصحابة بالردة كلهم، إلا القليل منهم.
... يقول: «فالمتمعن في هذه الأحاديث العديدة التي أخرجها علماء أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم، لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا، وغيروا، بل ارتدوا على أدبارهم بعده - صلى الله عليه وسلم - إلا القليل، الذي عبر عنه بهَمَل النعم». (3)
... ويقول: «وقرأت الكثير حتى اقتنعت بأن الشيعة الإمامية على حق، فتشيعت وركبت على بركة الله سفينة أهل البيت، وتمسكت بحبل ولائهم، لأني وجدت بحمد الله البديل عن بعض الصحابة الذين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه الخطيب في الكفاية ص49.(55/12)
(2) ... ذكره ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص209، وشيخ الإسلام
... ابن تيمية في الصارم المسلول ص568.
(3) ... ثم اهتديت ص119-120.
ثبت عندي، أنهم ارتدوا على أعقابهم، ولم ينج منهم إلا القليل». (1)
... فهل يبقى مجال للشك بعد هذا في كفر هذا الرجل وزندقته، وبراءته من الإسلام، وأنه ما أراد بكتبه هذه التي تقوم على الزندقة والإلحاد، إلا هدم أصول هذا الدين، وتقويض دعائمه بالطعن في رواته وحملته للأمة. مظهراً الرفض ومبطناً الكفر المحض، كما هو طريق كل زنديق وملحد في الكيد للإسلام وأهله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص156.
احتجاج الرافضي بحديث: (مثل أهل بيتي
فيكم مثل سفينة نوح...)
... قال الرافضي ص189 ضمن ذكره الأحاديث التي زعم أنها توجب اتباع أهل البيت:
«2- ... حديث السفينة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما مثل أهل بيتي فيكم، مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق).
... (إنما مثل أهل بيتي فيكم، مثل باب حطّة في بني إسرائيل، من دخله غفر له).
... وقد أورد ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة هذا الحديث ثم قال: ووجه تشبيههم بالسفينة: أن من أحبهم وعظمهم، شكراً لنعمة مُشَرّفهم وأخذاً بهدي علمائهم، نجا من ظلمات المخالفات، ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم،وهلك في مفاوز الطغيان...».
... قلت: هذان الحديثان لا يصحان، وادعاء المؤلف صحتهما عند أهل السنة كذب عليهم، كما هي طريقته، وطريقة سلفه من الرافضة، في إيرادهم المنكرات المتفق على وضعها أو ضعفها بين العلماء وادعاء صحتها، عند أهل السنة فلعنة الله على الظالمين الكاذبين.(55/13)
... قال شيخ الإسلام عن الحديث الأول، في رده على الرافضي في منهاج السنة: «وأما قوله: (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح): فهذا لا يعرف له إسناد صحيح، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها، فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطاب الليل، الذين يروون الموضوعات فهذا يزيده وهناً». (1)
... قال الذهبي: في ترجمة مفضل بن صالح (رواي هذا الحديث): «قال ابن عدي: أنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي، وسائره أرجوأن يكون مستقيماً. قلت: وحديث سفينة نوح أنكر وأنكر». (2)
... وقال ابن كثير بعد إيراده للحديث: «هذا بهذا الإسناد ضعيف».(3)
... كما حكم بضعفه العلامة محمد ناصر الدين الألباني في ضعيف الجامع.(4)
... وكذا الشيخ مقبل الوادعي في رياض الجنة حيث قال: «فيه سويد بن سعيد، وهو ضعيف، وحنش وهو ابن المعتمر وهو أضعف منه، ومفضل بن صالح وهو منكر الحديث». (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة /395.
(2) ... ميزان الاعتدال 4/167، وانظر: تضعيف الذهبي له أيضاً في التلخيص مع ... المستدرك 3/163.
(3) ... تفسير ابن كثير 4/114.
(4) ... انظر ضعيف الجامع الصغير رقم 1974.
(5) ... رياض الجنة في الرد على أعداء السنة ص213.
... وأما الحديث الثاني: فقد حكم العلماء بضعفه لجهالة رواته، قال عنه الهيثمي: «رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه جماعة لم أعرفهم». (1)
... ومع هذا فلو ثبت الحديثان لما كان للرافضة حجة فيهما، فإن أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبعد الناس عن عقيدتهم. وأقوالهم في ذمهم والبراءة منهم ومن عقيدتهم مشهورة، وقد تقدم نقل طرف منها فيما مضى من البحث. (2)(55/14)
... وأما كلام ابن حجر الهيتمي فهو توجيه لمعنى الحديث لو ثبت، فإذا تقرر عدم ثبوت الحديث، فلا حجة فيه وحكمه حكم كلام غيره من العلماء معروض على النصوص، فما وافقها فهو حق مقبول، وما خالفهما فهو خطأ مردود. على أن ابن حجر من أشد الناس على الرافضة، وكتابه الصواعق المحرقة -الذي جاء هذا النص فيه- هو في الرد عليهم وعلى غيرهم من الزنادقة، وهذا يدل أنه مع تقريره وجوب المتابعة لأهل البيت، لم يقصد تصحيح معتقد الرافضة، بل كان يعلم براءة أهل البيت منه، وإنما هو في الحقيقة انتصار لعقيدة أهل السنة، الذين هم على عقيدتهم ولا يتميزون عنهم بشيء في دينهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجمع الزوائد 9/168.
(2) ... انظر: ص 112-119.
احتجاج الرافضي بحديث: (من سره
أن يحيا حياتي...) والرد عليه
... قال الرافضي ص191 «3- حديث من سره أن يحيا حياتي.
... قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي).(55/15)
... وهذا الحديث هو كما نرى من الأحاديث الصحيحة، التي لا تقبل التأويل، ولا تترك للمسلم أي اختيار، بل تقطع عليه كل حجة، وإذا لم يوال علياً، ويقتد بأهل البيت عترة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو محروم من شفاعة جدهم رسول الله، وتجدر الإشارة هنا: بأنه خلال البحث الذي قمت به شككت في البدء في صحة هذا الحديث، واستعظمته لما فيه من تهديد ووعيد لمن كان على خلاف مع علي وأهل البيت، وخصوصاً أن هذا الحديث لا يقبل التأويل، وخفت الوطأة عندما قرأت في كتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني بعدما أخرج الحديث قوله: «قلت في إسناده يحيى بن يعلي المحاربي وهوواه» وأزال
ابن حجر بهذا القول بعض الإشكال الذي علق بذهني إذ تصورت أن
يحيى بن يعلي المحاربي هو واضع الحديث، وهو ليس بثقة، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يوقفني على الحقيقة بكاملها، وقرأت يوماً كتاب: (مناقشات عقائدية في مقالات إبراهيم الجبهان).
... وأوقفني هذا الكتاب على جلية الحال إذ تبين أن يحيى بن يعلي المحاربي هو من الثقات الذين اعتمدهم الشيخان مسلم والبخاري، وتتبعت بنفسي فوجدت البخاري يخرج له أحاديث في باب غزوة الحديبية من جزئه الثالث في صفحة عدد 31، كما أخرج له مسلم في صحيحه في باب الحدود من جزئه الخامس في صفحة عدد 119...
... وعرفت بعد ذلك أن بعض علمائنا يحاولون جهدهم تغطية الحقيقة، لئلا ينكشف أمر الصحابة والخلفاء الذين كانوا أمراءهم وقدوتهم».
... وجوابه: أن ما ادعاه من صحة الحديث فكذب، والمرجع في الحكم على الأحاديث بالصحة أو الضعف هم جهابذة هذا العلم من أهل السنة والجماعة، أهل الصدق والورع، لا هذا الرافضي الجاهل الأفاك وهذا الحديث قد حكم العلماء بضعفه بل بوضعه.
... قال ابن منده: «لا يصح». (1)
... وقال الذهبي في التلخيص معلقاً على كلام الحاكم في حكمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(55/16)
(1) ... نقله عن ابن منده الحافظ ابن حجر في الإصابة 4/35.
بصحة الحديث: «أنى له الصحة، والقاسم بن أبي شيبة متروك وشيخه ضعيف، واللفظ ركيك، فهو إلى الوضع أقرب». (1)
... كما حكم العلامة محمد ناصر الدين الألباني على الحديث بالوضع في سلسلة الأحاديث الضعيفة(2)، وبهذا يظهر كذب المؤلف في ادعائه صحة الحديث عند أهل السنة.
... وأما ادعاء الرافضي بأن يحيى بن يعلي المحاربي قد روى هذا الحديث، وأن ابن حجر ضعفه ليرد الحديث، ويخفي الحقيقة، مع أن يحيى بن يعلي المحاربي هو من رجال الشيخين، وأخرجا له عدة أحاديث في الصحيحين.
... فهذا من أعظم الكذب والتلبيس، فإن هذا الحديث لم يرد في سنده: يحيى بن يعلي المحاربي، وإنما روي من طريق: يحيى بن يعلي الأسلمي كما أخرجه الحاكم، وكذا رواه أبو نعيم في الحلية، والهيثمي في مجمع الزوائد من طريقه(3)، ويحيى الأسلمي: ضعيف كما صرح بذلك النقاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... التلخيص مع المستدرك 3/139.
(2) ... 2/294-299.
(3) ... انظر: المستدرك للحاكم 3/139، ح4642، وحلية الأولياء لأبي نعيم ... 4/349، ومجمع الزوائد 9/108.
... قال يحيى بن معين: «ابن يعلي الأسلمي ليس بشيء».(1)
... قال البخاري: «مضطرب الحديث».(2)
... وهذا بخلاف يحيى بن يعلي المحاربي فهو ثقة.(3)
... فظهر بهذا ضعف الحديث، وافتراء المؤلف في رميه لابن حجر بالتزوير وقلب الحقائق، وهو بريء من كل ذلك -رحمه الله رحمة واسعة- ومثله منزه عن هذه التهم، وإنما الذي حصل أنه قال في كتاب الاصابة بعد أن ذكر الحديث بسنده: «قلت في اسناده يحيى بن يعلي المحاربي وهو واه»(4)، فلفظة: (المحاربي) وهم من ابن حجر، أوتصحيف من النساخ، والمقصود قطعاً هو (الأسلمي) وذلك
لعدة أمور:
... الأول: أن المحاربي لم يرد أصلاً في سند الحديث.(55/17)
... الثاني: أن ابن حجر قال: قلت: في سنده فلان فتبين أنه أراد راوي الحديث وهو الأسلمي لا المحاربي.
... الثالث: التشابه الكبير بين الرجلين في الإسم حيث إن كلاً ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الكامل في الضعفاء لابن عدي 7/2688.
(2) ... المصدر نفسه
(3) ... انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 4/415.
(4) ... الإصابة 4/35.
منهما: يحيى بن يعلي وهذا سبب قوي في حصول مثل هذا الخطأ.
... الرابع: أن الحكم الذي ذكره ابن حجر في نقد الراوي مناسب لما ذكره العلماء في يحيى الأسلمي على ما تقدم نقل كلامهم فيه، مما
يدل على أنه هو المراد في كلام ابن حجر.
... الخامس: أن ابن حجر نفسه صرح بتوثيق المحاربي، وتضعيف الأسلمي في التقريب(1) مما يقطع بأن ماوقع في الإصابة وهم أو خطأ من النساخ.
... وهذا كله مما يدل على براءة ابن حجر -رحمه الله- مما رماه به هذا الرافضي، ومثل هذا الخطأ يحصل كثيراً في كلام أهل العلم، إما بسبب وهم للعالم، أو بسبب خطأ من النساخ، ولا يضر العالم في شيء. لكن هذا الرافضي يحمله الهوى والكذب، على اتهام هذا الإمام بما قال، وهذه طريقة الرافضة في الانتصار لمعتقدهم الفاسد، أنهم لا يتورعون عن الكذب والتزوير، ورمي الناس بالظلم في سبيل تقرير ما يريدون، وأشد من هذا تطاولهم على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالتحريف والتغيير، والإنكار الصريح لمدلولات نصوصهما فأي خير يرجى منهم بعد هذا، وأي ثقة تبقى في نقلهم وأخبارهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: تقريب التهذيب ص598.(55/18)
دعوى الرافضي أن الصحابة كانوا يجتهدون
مقابل النصوص وأن أول من فتح هذا
الباب عمر والرد عليه في ذلك
... قال الرافضي ص197 تحت عنوان مصيبتنا في الاجتهاد مقابل النص: «استنتجت من خلال البحث، أن مصيبة الأمة الإسلامية انجرت عليها من الاجتهاد الذي دأب عليه الصحابة مقابل النصوص الصريحة، فاخترقت بذلك حدود الله، ومحقت السنة النبوية، وأصبح العلماء والأئمة بعد الصحابة يقيسون على اجتهادات الصحابة، ويرفضون بعض الأحيان النص النبوي، إذا تعارض مع ما فعله الصحابة...
... ومن أول الصحابة الذين فتحوا هذا الباب على مصراعيه هو: الخليفة الثاني، الذي استعمل رأيه مقابل النصوص القرآنية بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فعطل سهم المؤلفة قلوبهم، الذين فرض الله لهم سهماً من الزكاة، وقال: لا حاجة لنا فيكم».
... قلت: لا يخفى ما في كلام هذا الرجل من الكذب والتلبيس، وقلب الحقائق، وعظيم الجرأة على إنكار ما هو معلوم بالضرورة من الدين والتأريخ والواقع، وذلك في رميه للصحابة برفض النصوص، وترك السنة، ومعارضتها بأقوالهم وآرائهم. مع أن المعلوم من حال الصحابة المقطوع به في المسلمين، أنه ما عرفت الأمة مثلهم في شدة الحرص على النصوص، وحسن المتابعة لها، وقوة العزيمة في الأخذ بها، والقيام بها أيّما قيام، وتطبيقها في كافة الظروف والأحوال، حتى أصبحو بذلك مضرب الأمثال، وقدوة الأجيال، على مر السنين والقرون، في القوامة بأمر الدين. حتى إن عوام المسلمين إذا ما رأوا من رجل صدق التدين، وحسن الاستقامة، قالوا في وصفه على سبيل التمدح: (كأنه تربّى على الصحابة، أو كأنه يعيش بين الصحابة) وما ذلك إلا لما اشتهر في الأمة واستفاض من عدالة هؤلاء الصحابة، ورسوخ قدمهم في الدين، وقوة تمسكهم به.(56/1)
... ومرجع هذا كله إلى ما تضافرت عليه نصوص الشرع، مما يطرق أسماع المسلمين في كل وقت وحين، من وصف الله ورسوله للصحابة بأحسن الصفات، والثناء عليهم بأجمل الثناء، والشهادة لهم بالإيمان والتقوى، وأن الله قد رضي عنهم ورضوا عنه، وأعدلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وأن رسوله قد مات وهو راض عنهم، مبشرهم بالخير من ربهم.
... ولذا فإن طعن هذا الرافضي في الصحابة بما يقدح في دينهم، وعدم تمسكهم بالشرع، لا أرى أنه يحتاج إلى تكلف رد، لرسوخ الاعتقاد في الأمة بعدالتهم، واستفاضة النصوص بعلو شأنهم في الدين ومكانتهم.
... وإنما أشير هنا على وجه الخصوص، إلى كذب ما ادعاه الرافضي من توسع عمر -- رضي الله عنه -- في الاجتهاد والعمل برأيه مقابل النصوص، لخشية التلبيس في هذا الأمر على من لا علم عنده من العامة وأهل الجهل.
... وبيان كذبه وفساد ما ادعاه في ذلك يكون من عدة وجوه.
... الوجه الأول: أن هذه دعوى مجردة عن الحجة والدليل، لا قيمة لها عند أهل النظر والتحقيق، إذ المؤلف لم يقدم عليها دليلاً واحداً، يدل على ثبوت ما ادعاه.
... الوجه الثاني: أن الطعن في عمر بهذا قدح في النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أوصى الأمة باتباع سنته، وسنة الخلفاء الراشدين، وقد كان عمر منهم، وذلك في قوله كما في حديث العرباض بن سارية (... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ). (1)
... وكذلك أمره بالاقتداء بأبي بكر وعمر كما في حديث حذيفة
-- رضي الله عنه -- أنه قال: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر). (2)
... فاذا كان عمر على ما يدعي الرافضي من العمل بالرأي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص560.
(2) ... تقدم تخريجه ص 560.(56/2)
واطراح السنة، وأنه أول من غير وبدل، لزم من هذا أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - غاشاً لأمته غير ناصح لها بأمره باتباع سنة عمر والاقتداء به،
ولا يمكن للخصم أن يدعي أن ذلك التغيير من عمر حصل بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن معلوماً له عند النطق بتلك الأحاديث وذلك لسببين.
... الأول: أن الرافضي ذكر في كلامه أن معارضة عمر للسنة كانت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزعم أنه عارض النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من مناسبة.
... الثاني: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يشرع من عند نفسه، وإنما هو مبلغ عن ربه {وما ينطق عن الهوى - إن هو إلا وحي يوحى}(1)، فلو كان حال عمر خفي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، أفكان يخفى على رب العالمين!! فلما جاء الأمر بالاقتداء بعمر ممن لا ينطق عن الهوى، علمنا أن عمر كان على الحق والهدى، على رغم أنف هذا الرافضي الحاقد.
... الوجه الثالث: أن عمر -- رضي الله عنه -- شهد له الصحابة الذين لا يخافون في الله لومة لائم، أنه كان يعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه أبو بكر في خلافته، فقد روى ابن أبي شيبة في خبر مقتل عمر وفيه أن الصحابة اجتمعوا إلى عمر بعد طعنه فقالوا له:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة النجم 3-4.
(جزاك الله خيراً قد كنت تعمل فينا بكتاب الله، وتتبع سنة صاحبيك لا تعدل عنها إلى غيرها، جزاك الله أحسن الجزاء...). (1)(56/3)
... ولهذا كان علي بن أبي طالب يغبطه على ما كان عليه من الخير
وتمنى لو لقي الله بمثل عمله كما ثبت في الصحيحين من حديث
ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (وضع عمر على سريره فتكنّفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يَرُعْني إلا رجل آخذ منكبي، فإذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحب إليّ أن ألقي الله بمثل عمله منك، وأيم الله إنْ كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كثيراً أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر). (2)
... وقد كان ابن عباس -رضي الله عنهما- إن لم يجد للمسألة حكماً في الكتاب أو السنة أفتى بقول أبي بكر وعمر، على ما روى الدارمي بسنده عن عبد الله بن أبي زيد قال: (كان ابن عباس إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المصنف لابن أبي شيبة 7/440.
(2) ... أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن ... الخطاب)، فتح الباري 7/41، ح3685، ومسلم: (كتاب فضائل ... الصحابة، باب من فضائل عمر) 4/1859، ح2389.
سئل عن الأمر فكان في القرآن أخبر به، وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر به، فإن لم يكن فعن أبي بكر وعمر، فإن لم يكن قال فيه برأيه). (1)(56/4)
... ففي هذه النقول عن الصحابة المتضمنة حسن الثناء على عمر، ورسوخ قدمه في الدين، وعظم شأنه في العلم والعمل بالسنة، أكبر دليل على دحض دعوى الرافضي الجائرة، كما أن في موقف علي من عمر على وجه الخصوص إلزاماً لهذا الرافضي بقول من يعتقد إمامته ويدعي عصمته. فإذا كان عمر على ما يعتقد فيه هذا الرافضي من القول بالرأي، وترك السنة، فلِمَ يتمنى علي -- رضي الله عنه -- أن يلقى الله بمثل عمله ولِمَ يفتى ابن عباس وهو الإمام الجليل من أئمة أهل البيت بقوله أم أن علياً وابن عباس كانا ضالين في هذا !!
... الوجه الرابع: أن الثابت من سيرة عمر -- رضي الله عنه -- وأقواله المأثورة عنه، يدل على بطلان دعوى الرافضي، فقد كان -- رضي الله عنه -- من أشد الناس تمسكاً بالنصوص، والوقوف عندها، وأقواله في ذلك مشهورة:
... فمن ذلك ما أخرجه الدارمي والآجري وغيرهما بسند صحيح عنه أنه قال: (سيأتي أناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فجادلوهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سنن الدارمي 1/71.
بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله). (1)
... وقد أورد الإمام ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين فصلاً خاصاً في المنقول عن عمر -- رضي الله عنه -- في التحذير من الرأي.
... ومما جاء فيه عن عمر أنه قال: (أصبح أهل الرأي أعداء السنن، أعيتهم أن يعوها، وتفلتت منهم أن يرووها، فاستبقوها بالرأي).
... وعنه أنه قال: (اتقوا الرأي في دينكم).
... وقال أيضاً: (السنة ما سنه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة). (2)
... قال ابن القيم: «وأسانيد هذه الآثار عن عمر، في غاية الصحة». (3)
... فكيف يظن بمن هذا قوله، أن يعارض النصوص برأيه واجتهاده، فإن هذا من أبعد المحال عند التأمل والاعتبار.(56/5)
... الوجه الخامس: إن قول الرافضي: إن عمر عطل سهم المؤلفة قلوبهم جهل بالشرع ومقاصده، وتطاول على عمر -- رضي الله عنه -- بما لا علم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه الدارمي 1/62، والآجرى في الشريعة ص52، وابن بطة في الإبانة ... الكبرى 1/250، وذكر المحقق أن إسناده صحيح، وأخرجه اللالكائي في ... شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/123.
(2) ... أعلام الموقعين 1/54-55.
(3) ... المصدر نفسه 1/55.
لهذا الرافضي به، وذلك أن سهم المؤلفة قلوبهم فرض في الشرع تألفاً لبعض الناس من سادات الناس وكبرائهم على الإسلام وللحاجة إليهم، فلما قوي الإسلام وكثر أتباعه اجتمع رأي الصحابة -- رضي الله عنهم -- على عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم شيئاً، لعدم الحاجة إليهم، ولزوال السبب الذي كانوا يعطون من أجله.
... قال القرطبي: «قال بعض علماء الحنفية: لما أعز الله الإسلام وأهله، وقطع دابر الكافرين -لعنهم الله-، اجتمعت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في خلافة أبي بكر -- رضي الله عنهم -- على سقوط سهمهم». (1)
... وقال ابن قدامة «لم ينقل عن عمر، ولا عثمان، ولا علي، أنهم أعطوهم شيئاً». (2)
... وهذا يدل على اتفاق الصحابة على عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم في ذلك العهد، وأن هذا هو الذي عليه الخلفاء الثلاثة عمر، وعثمان، وعلي -- رضي الله عنهم -- لكن القطع بسقوط سهم المؤلفة قلوبهم ونسبته للصحابة -كما نص على ذلك بعض علماء الحنفية ونقلوا إجماعهم عليه- محل نظر. فالمشهور عن الصحابة هو عدم إعطاء أهل التأليف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تفسير القرطبي 8/168.
(2) ... المغني 9/316.(56/6)
شيئاً، كما نقل ذلك عنهم ابن قدامة، وهذا لا يلزم منه أنهم كانوا يرون سقوط سهم المؤلفة قلوبهم بالكلية، بل يحتمل أنهم رأوا منع أولئك المعاصرين لهم، لعز الإسلام، وعدم الحاجة إليهم من غير قطع بسقوط سهمهم في كل عصر عند الحاجة إليهم.
... يشهد لهذا أن العلماء من بعد الصحابة اختلفوا في سقوط سهم المؤلفة قلوبهم على قولين: فمنهم من يرى سقوط سهمهم، ومنهم من يرى أن سهمهم باق، وأن عطاءهم بحسب الحاجة إليهم، فإن احتيج إليهم أُعطوا، وإلا لم يعطوا، وهذا بناءً على ما فهموه من فعل الصحابة، الذي كان محتملاً لكل واحد من هذين القولين.
... يقول القرطبي ناقلاً الخلاف بين العلماء في المسألة: «واختلف العلماء في بقائهم (أي: المؤلفة قلوبهم) قال عمر، والحسن، والشعبي وغيرهم: انقطع هذا الصنف بعز الإسلام وظهوره، وهذا مشهور من مذهب مالك وأصحاب الرأي...
... وقال جماعة من العلماء: هم باقون لأن الإمام ربما احتاج أن يستأنف على الإسلام، وإنما قطعهم عمر لما رأي من إعزاز الدين.
... قال يونس: سألت الزهري عنهم فقال: لا أعلم نسخاً في ذلك.
... قال أبو جعفر النحاس: فعلى هذا الحكم فيهم ثابت، فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه، ويخاف أن تلحق المسلمين منه آفة، أو يرجى أن يحسن إسلامه بعد، دُفِعَ إليه.
... قال القاضي عبد الوهاب: إن احتيج إليهم في بعض الأوقات أُعطوا من الصدقة.
... وقال القاضي ابن العربي: الذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم فإنّ في الصحيح (بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ)(1)». (2)
... ومن خلال هذا العرض لأقوال الصحابة والعلماء في المسألة يتبين لنا أمران:(56/7)
... الأول: أن القول بمنع المؤلفة قلوبهم عطاياهم لما قوي الإسلام لم يكن قول عمر وحده، وإنما هو قول عامة الصحابة، وهو الذي درج عليه عمل الخليفتين الراشدين من بعد عمر: عثمان وعلي، كما نقل ذلك العلماء عنهم، فلِمَ التشنيع على عمر في قول شاركه فيه عامة الصحابة، وكان على العمل به الخليفتان الراشدان من بعده (عثمان وعلي) -رضي الله عنهما-!! وإذا كانت الرافضة تعتقد في علي -- رضي الله عنه -- أنه الإمام المعصوم من الخطأ، المنزه عن السهو، والغفلة، والزلل،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه مسلم: (كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود ... غريباً...) 1/130، ح145.
(2) ... تفسير القرطبي 8/168.
فما بال هذا الرافضي يطعن في عمر في أمر قد حكم به الإمام المعصوم عنده، طيلة مدة خلافته، وسنه للأمة من بعده؟!
... الثاني: أن منع المؤلفة قلوبهم من عطاياهم، في حال عز الإسلام وعدم الحاجة إليهم لا يقتضي سقوط سهمهم بالكلية عند المانع لهم في تلك الحال، وبالتالي فنسبة القول بسقوط سهم المؤلفة قلوبهم بالكلية لعمر ولغيره من الصحابة بمنعهم أهل التأليف عطاياهم في ذلك العهد، تبقى محل نظر، حتى يرد النص الصحيح منهم بالتصريح بالحكم المذكور. وهذا مما تندفع به مطاعن الرافضي على عمر، في دعواه أنه عطل سهم المؤلفة قلوبهم، مع ثبوته في كتابه الله تعالى.
... الوجه السادس: أن ما يثبت عن عمر -- رضي الله عنه -- من القول بالرأي، ثبت عن علي مثله، أو أكثر منه في مسائل هي أعظم من المسائل التي تكلم فيها عمر، فالقدح في عمر بهذا، قدح في علي من باب أولى.(56/8)
... يقول شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله- في رده على الرافضي في طعنه على عمر بالقول بالرأي: «والجواب أن القول بالرأي، لم يختص به عمر -- رضي الله عنه -- بل علي كان من أقولهم بالرأي، وكذلك أبوبكر، وعثمان، وزيد، وابن مسعود، وغيرهم من الصحابة -- رضي الله عنهم -- كانوا يقولون بالرأي، وكان رأي علي في دماء أهل القبلة ونحوه من الأمور العظائم.
... كما في سنن أبي داود وغيره عن الحسن عن قيس بن عباد قال:
قلت لعلي: (أخبرنا عن مسيرك هذا أعهد عهده إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم رأي رأيته؟ قال: ما عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إليّ شيئاً ولكنه رأي رأيته)(1)
وهذا أمر ثابت، ولهذا لم يرو علي -- رضي الله عنه -- في قتال الجمل وصفين شيئاً، كما رواه في قتال الخوارج، بل روى الأحاديث الصحيحة هو وغيره من الصحابة في قتال الخوارج المارقين، وأما قتال الجمل وصفين فلم يرو أحد منهم فيه نصاً، إلا القاعدون فإنهم رووا الأحاديث في ترك القتال في الفتنة.
... ومعلوم أن الرأي إن لم يكن مذموماً، فلا لوم على من قال
به، وإن كان مذموماً فلا رأي أعظم ذماً من رأي أريق به دم
ألوف مؤلفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصحلة للمسلمين، لا في دينهم، ولا في دنياهم، بل نقص الخير عما كان، وزاد الشر على ما كان.
... فإذا كان مثل هذا الرأي لا يعاب به، فرأي عمر وغيره في مسائل الفرائض والطلاق أولى أن لا يعاب، مع أن علياً شركهم في هذا الرأي وامتاز برأيه في الدماء...
... وقد جمع الشافعي ومحمد بن نصر المروزي المسائل التي تركت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه ابو داود في: (كتاب السنة، باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة) ... 5/50.(56/9)
من قول علي وابن مسعود فبلغت شيئاً كثيراً، وكثير منها قد جاءت السنة بخلافه كالمتوفى عنها الحامل، فإن مذهب علي -- رضي الله عنه -- أنها تعتد أبعد الأجلين، وبذلك أفتى أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جاءته سبيعة الأسلمية وذكرت ذلك له قال: (كذب أبوالسنابل بل حللت فانكحي من شئت)(1) وكا زوجها قد توفي عنها بمكة في حجة الوادع.
... فإن كان القول بالرأي ذنباً فذنب غير عمر -كعلي وغيره- أعظم، فإن ذنب من استحل دماء المسلمين برأي، هو ذنب أعظم من ذنب من حكم في قضية جزئية برأيه، وإن كان منه ما هو صواب، ومنه ما هو خطأ فعمر -- رضي الله عنه -- أسعد بالصواب من غيره، فإن الصواب في رأيه أكثر منه في رأي غيره، والخطأ في رأي غيره أكثر منه في رأيه، وإن كان الرأي كله صواباً فالصواب الذي مصلحته أعظم، هو خير وأفضل من الصواب الذي مصلحته دون ذلك، وآراء عمر -- رضي الله عنه -- كانت مصالحها أعظم للمسلمين.
... فعلى كل تقدير: عمر فوق القائلين بالرأي من الصحابة فيما يحمد، وهو أخف منهم فيما يذم، ومما يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري بغير هذا اللفظ في: (كتاب المغازي، باب 10)، فتح ... الباري 7/310، ح3991، ومسلم: (كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة ... المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل) 2/1122، ح1484.
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (قد كان في الأمم قبلكم محدَّثُون، فإن يكن في أمتي
أحد فعمر)(1)».(2)
... فثبت بهذه الأوجه بطلان دعوى الرافضي، وبراءة الفاروق -- رضي الله عنه --مما رماه به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 562.
(2) ... منهاج السنة 6/111-114.
دعوى الرافضي أن الصحابة ردوا نص:(الغدير)(56/10)
وأبعدوا علياً عن الخلافة
والرد عليه في ذلك
... قال الرافضي ص198 «من فكرة الاجتهاد واستعمال الرأي مقابل النصوص نشأت و تكونت مجموعة من الصحابة، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب، وقد رأيناهم يوم الرزية كيف ساندوا وعضدوا رأي عمر مقابل النص الصريح.
... ومن ذلك أيضاً نستنتج أن هؤلاء لم يقبلوا يوماً نصوص الغدير، التي نصب بها النبي - صلى الله عليه وسلم - علياً خليفة له على المسلمين...
... ولما ولي الإمام علي أمور المسلمين وجد صعوبة كبيرة، في إرجاع الناس إلى السنة النبوية الشريفة وحظيرة القرآن، وحاول جهده أن يزيل البدع التي أُدخلت في الدين، ولكن بعضهم صاح واسنة عمراه...».
... قلت: تقدم الرد عليه مفصلاً في مسألتي: (كتابة الكتاب) و(دعوى النص على خلافة علي يوم الغدير) بما اظهر الله به زيغه وضلاله.(1) وإنما أشير هنا لتناقضه في مسألة النص على الخلافة فهاهنا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر ص 276 ومابعدها و ص 463 ومابعدها.
أن عمر لم يقبل النص على الوصية -المزعومة لعلي- يوم الغدير، ورفض ذلك النص ورده، بينما نجده في موضع آخر من هذا الكتاب يقول ما نصه: «والباحث في هذا الموضوع إذا تجرد للحقيقة، فإنه سيجد النص على علي بن أبي طالب واضحاً جلياً كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) قال ذلك بعدما انصرف من حجة الوداع، فعقد لعلي موكب للتهنئة، حتى إن أبا بكر نفسه وعمر، كانا من جماعة المهنئين للإمام يقولون: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة». (1)
... قلت: ما أقصر حبال الكذب!! وقديماً قالوا: (ومن آفة الكذاب نسيان كذبه).
... وقال أبو حاتم: (إن من آفة الكذب أن يكون صاحبه نسياً، فإذا كان كذلك كان كالمنادي على نفسه بالخزي في كل لحظة
وطرفة).(56/11)
... وقال نصر بن علي الجهضمي: (إن الله أعاننا على الكذابين بالنسيان). (2)
... وهذا الرافضي لما اتخذ الكذب مطية له في تقرير معتقده الفاسد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص161.
(2) ... أورد هذه الأقوال ابن حبان في روضة العقلاء ص52-53.
وقع في هذا، وأظهر الله أمره، وكشف ستره، فبينما هو يقرر في
سياق حديثه عن النص على الوصية المزعومة لعلي: إن الصحابة عقدوا لعلي يوم الغدير موكباً مشهوداً للتهنئة بالوصية، وكان في مقدمة المهنئين المبارِكِين: أبو بكر وعمر، اللذان كانا يرددان عبارة (بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة) نجده بعد هذا بصفحات ينسى هذا كله، فيقرر أن هؤلاء الصحابة لم يقبلوا يوم الغدير، ولا في يوم من الأيام النص على علي بالخلافة، بل وقفوا من ذلك موقف المعارض المعاند، وفي مقدمة هؤلاء عمر بن الخطاب، فلعنة الله على الكذابين الظالمين.
... وأما قوله: إن علياً وجد صعوبة كبيرة في إرجاع الناس إلى السنة... الخ كلامه.(56/12)
... فكلام باطل من أصله: فإن البدع لم تظهر في عهد الشيخين، بل كان الناس طيلة عهدهما على السنة، لم يعرفوا البدع، ولم تعرف البدع إليهم طريقاً، وكان أمر الدين فيهم ظاهراً وقوياً، والسنة عزيزة مشهورة. وكذلك عهد عثمان -- رضي الله عنه -- فإنه وإن بدأت بوادر البدع تظهر في آخره، إلا أنه لم يعرف في الناس بدعة ظاهرة، بل كانت السنة هي السائدة، والخير هو المنتشر، وأهل الإسلام في عز واجتماع، وأهل الشر في ذل وصغار، وأما عهد علي -- رضي الله عنه -- فقد كثرت فيه الفتن، وظهرت فيه البدع، حيث خرج الخوارج، وفشى التشيع، وافترقت الأمة، وسفكت فيه الدماء المسلمة المؤمنة، فضعف بذلك أهل الخير، وقوي أهل الشر وتسلطوا على الناس، حتى إن علياً
-- رضي الله عنه -- كان يقول في قتلة عثمان: (القوم يملكوننا ولا نملكهم)(1) وهذا أمر يعلمه كل من له أدنى اطلاع على التأريخ ولا ينكره أحد من المسلمين، لا من أهل السنة، ولا من أهل البدع، لكن مع التجرد والإنصاف.
... وأما عند غلبة الهوى، وتمكن الجهل، فتختلف المقاييس، وتنعكس المفاهيم، وتتغير الحقائق، كما هو حال هذا الرجل، فإنه يتخبط في الأمر تخبطاً عجيباً، فنراه أحياناً يقرر أن علياً -- رضي الله عنه -- عندما تولى أمر الأمة قد طبق السنة، ونبذ البدع، يقول في كتابه الشيعة هم أهل السنة: «أضف إلى ذلك أن الإمام علياً عندما تولى الخلافة بادر بإرجاع الناس إلى السنة النبوية، وأول شيء فعله هو توزيع بيت المال». (2)
... ويقول مؤكداً هذا في موضع آخر من الكتاب نفسه: «ومع ذلك فإن أمير المؤمنين علياً لم يجبر الناس على البيعة بالقوة والإكراه، كما فعل الخلفاء من قبله، ولكن تقيد -سلام الله عليه- بأحكام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقد تخريجه ص 241.
(2) ... الشيعة هم أهل السنة ص189.
القرآن والسنة، ولم يغير ولم يبدل أبداً....(56/13)
... إلى قوله: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، يامن أحييت القرآن والسنة، بعدما أماتها غيرك». (1)
... فهذا ما قرره المؤلف هنا لكنه في موضع آخر ينقض كلامه هذا رأساً على عقب.
... فيقول في الكتاب نفسه: «وإذا كان علي بن أبي طالب
-- عليه السلام -- هو المعارض الوحيد، الذي حاول بكل جهوده في أيام خلافته إرجاع الناس للسنة النبوية: بأقواله، وأفعاله، وقضائه، ولكن بدون جدوى لأنهم شغلوه بالحروب الطاحنة». (2)
... ويقول أيضاً في معرض حديثه عن علي -- رضي الله عنه -- في كتابه: (لأكون مع الصادقين): «وقضى خلافته في حروب دامية، فُرِضت عليه فرضاً من الناكثين، والفاسقين، والمارقين، ولم يخرج منها إلا باستشهاده سلام الله عليه وهو يتحسر على أمة محمد». (3)
... ونحن لا نعلم أي القولين نصدّق؟! القول بأن علياً -- رضي الله عنه -- أعاد الناس للسنة، وأنفذ أحكام القرآن في رعيته، فنهنئه بذلك كما فعل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشيعة هم أهل السنة ص198.
(2) ... المرجع نفسه ص260.
(3) ... لأكون مع الصدقين ص81.
المؤلف في أحد قوليه، أم أنه بحسب قوله الآخر: لم يستطع أن يعيد
الناس للسنة، بسبب الحروب الطاحنة، التي لم يخرج منها إلا باستشهاده فنتحسر عليه، كما تحسر هو على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -؟!
... وهذا السؤال في هذا مطروح على (السماوي) لعله أن يمدّ الأمة بإجابة عاجلة وسريعة تحدد موقفها من هذه المسألة الحساسة، وتخرجها من هذا الاضطراب الذي أوقعها فيه، ولا بأس أن يستعين في هذا بمن شاء من تلاميذ أهل السنة في المراحل الأولى من التعليم ليطلعوه على مادرسوه من سيرة الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، فيحل هذا الإشكال، ويستفيد منهم في هذا المجال، كما استفاد من قبل من صبيان الحوزة العلمية في (النجف الأشرف) كما صرح بذلك في بداية كتابه. (1)(56/14)
... وبهذا ختام الرد على الرافضي في كتابه الأول: (ثم اهتديت) أسأل الله الكريم أن يجعله خالصاً لوجهه، وقربة إلى مرضاته، وأن يغفر لي ما حصل فيه من خطأ أو زلل، وأن ينفع به المسلمين، ويدحض به شبه المحرفين المبدلين.
... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: كتاب ثم اهتديت ص53-54.(56/15)
فهرس المصادر والمراجع
فهرس المصادر والمراجع
أولاً: المصادر والمراجع السنية
( ... القرآن الكريم
1- ... الإبانة الصغرى (الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة):
... للإمام عبيدالله بن محمد بن بطة العكبري، تحقيق: رضا بن نعسان ... معطي، نشر المكتبة الفيصلية 1404هـ.
2- ... الإبانة الكبرى (الإبانة عن شريعة الفرق الناجية ومجانبة الفرق ... المذمومة):
... للإمام عبيدالله بن محمد بن بطة العكبري، تحقيق: رضا بن نعسان ... معطي، دار الراية، الطبعة الأولى 1409هـ.
3- ... أحكام القرآن:
... لأبي بكر محمد بن عبدالله ابن العربي، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، ... دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى.
4- ... الأدب المفرد مع شرحه فضل الله الصمد:
... لأبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، خرج أحاديثه: محب الدين ... الخطيب، المكتبة السلفية، الطبعة الثالثة، 1407هـ.
5- ... إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: ...
... لمحمد ناصرالدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1405هـ.
6- ... الاستيعاب في معرفة الأصحاب المطبوع بذيل الإصابة لابن ... حجر: ...
... لأبي عمر يوسف بن عبدالله بن عبدالبر، تحقيق: طه محمد الزيني، ... مكتبة ابن تيمية، القاهرة 1414هـ.
7- ... أسد الغابة في معرفة الصحابة:
... لعزالدين علي بن محمد بن الأثير، تحقيق: الشيخ علي محمد عوض، ... والشيخ عادل أحمد عبدالموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
8- ... الإصابة في تمييز الصحابة:
... للإمام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: طه محمد ... الزيني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة 1414هـ.
9- ... أصول السنة:
... لأبي بكر عبدالله بن الزبير الحميدي (ت219هـ) تحقيق: د.عبدالله ... ابن سليمان الغفيلي، نشر وتوزيع دار البخاري، المدينة المنورة، ط ... الأولى 1416هـ.
10-الاعتقاد:(57/1)
... لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، ... عالم الكتب، ط الأولى 1403هـ.
11-اعتقادات فرق المسلمين والمشركين:
... لفخرالدين الرازي، بمراجعة على سامي النشار، دار الكتب العلمية، ... بيروت، لبنان 1402هـ.
12- ... أعلام الموقعين عن رب العالمين:
... لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تعليق: طه ... عبدالرؤوف سعد، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية 1388هـ.
13- ... إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان:
... لأبي عبدالله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، المتوفى سنة 751هـ، ... تحقيق: محمد سيد كيلاني، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ... وأولاده، مصر 1381هـ.
14- ... الإمامة والرد على الرافضة:
... للحافظ أبي نعيم الأصبهاني، المتوفى (430هـ) تحقيق الدكتور علي بن ... محمد ناصر الفقيهي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى ... 1407هـ.
15- ... الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء:
... للإمام أبي عمر يوسف بن عبدالبر، المتوفى سنة (463هـ) دار الكتب ... العلمية.
16- ... الأنساب:
... للإمام أبي سعد عبدالكريم بن محمد بن منصور السمعاني، المتوفى سنة ... (562هـ) تحقيق: عبدالله عمر البارودي، مؤسسة الكتب الثقافية، ... الطبعة الأولى 1408هـ.
17- ... الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث:
... لإسماعيل بن عمر بن كثير (ت774هـ) تحقيق: أحمد شاكر، مكتبة دار ... التراث، الطبعة الثالثة 1399هـ.
18- ... البداية والنهاية:
... للحافظ ابن كثير، تحقيق: د. أحمد أبو ملحم، د. علي نجيب عطوي، ... دار الريان للتراث، الطبعة الأولى 1408هـ.
19- ... بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود:
... تأليف عبدالله الجميلي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، الطبعة ... الثانية 1414هـ.
20- ... بطلان عقائد الشيعة:(57/2)
... محمد عبدالستار التونسوي، دار النشر الإسلامية العالمية، فيصل أباد، ... باكستان.
21- ... تاريخ الخلفاء:
... للإمام جلال الدين السيوطي (ت911هـ) تحقيق: الشيخ قاسم الرفاعي، ... الشيخ محمد العثماني، دار القلم، بيروت، لبنان، ط الأولى
... 1406هـ.
22- ... تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك):
... لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) تحقيق: محمد أبو الفضل ... إبراهيم.
23- ... تاريخ مدينة دمشق:
... لأبي القاسم علي بن الحسين بن هبةالله بن عساكر، مخطوط الظاهرية.
24- ... تأويل مختلف الحديث:
... للإمام أبي محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة (ت276هـ) تحقيق: محمد ... محي الدين الأصفر، المكتب الإسلامي، ط الأولى 1409هـ.
25-التبصير في الدين:
... لأبي المظفر الإسفرائيني، تحقيق: كمال يوسف الحوت، ط الأولى، ... عالم ... الكتب.
26-تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري والمحدثين:
... د. محمد أمحزون، مكتبة الكوثر، الرياض، ط الأولى
... 1415هـ.
27-التذكرة في الأحاديث المشتهرة:
... لبدر الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالله الزركشي (ت794هـ) ... تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ... ط الأولى 1406هـ.
28-ترتيب الموضوعات:
... للإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) علق عليه: ... كمال ابن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط ... الأولى 1415هـ.
29-التعريفات:
... لأبي الحسن الجرجاني، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ... وأولاده بمصر.
30-تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم):
... للحافظ عمادالدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير (ت774هـ) ط دار ... إحياء التراث العربي، بيروت 1388هـ.
31- ... تفسير البغوي (معالم التنزيل):(57/3)
... للإمام أبي الحسين محمد بن الحسين البغوي (ت516هـ) تحقيق: خالد ... ابن عبدالرحمن العك، مروان سوار، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط ... الأولى 1406هـ.
32- ... تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن):
... لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) دار الكتب العلمية، ... بيروت، لبنان، ط الأولى 1412هـ.
33- ... تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن):
... لأبي عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تعليق: محمد إبراهيم ... الحفناوي، خرج أحاديثه: د. محمود حامد عثمان، دار الحديث، ... القاهرة، ط الأولى 1414هـ.
34- ... تقريب التهذيب:
... للإمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر (ت852هـ) تقديم ... ومقابلة: محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، حلب، ط الأولى 1406هـ.
35- ... التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير مع شرحه تدريب ... الراوي:
... للإمام زكريا يحيى بن شرف النووي (ت676هـ) ط الثانية
... 1385هـ.
36- ... تقييد العلم:
... للحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت463هـ) ... تحقيق: يوسف العش، دار إحياء السنة النبوية، ط الثانية 1974م.
37- ... تلبيس إبليس:
... للحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي البغدادي (ت597هـ) دار ... المدني للطباعة والنشر.
38- ... التلخيص:
... للإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المطبوع بحاشية المستدرك ... للحاكم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط الأولى 1411هـ.
39- ... التمهيد والرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة:
... لأبي بكر الباقلاني (ت403هـ) تحقيق: محمود محمد الخضيري،
... محمد عبدالهادي أبو ريده، بيروت، لبنان، دار الفكر العربي
... 1366هـ.
40- ... التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع:(57/4)
... لمحمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطي (ت377هـ) تعليق: محمد زاهد ... الكوثري، مكتبة المثنى بغداد، مكتبة المعارف، بيروت 1388هـ.
41- ... الثقات:
... للإمام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي ... (ت354هـ) مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، ... الهند 1395هـ.
42- ... جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله:
... للإمام أبي عمر يوسف بن عبدالبر النمري القرطبي (ت463هـ) تقديم ... عبدالكريم الخطيب، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، ط الثانية ... 1402هـ.
43- ... الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة:
... للحافظ قوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني ... بتحقيق: د. محمد بن ربيع مدخلي (الجزء الأول) والشيخ محمد بن ... محمود أبو رحيم (الجزء الثاني) دار الراية للنشر، ط الأولى 1411هـ.
44- ... حلية الأولياء وطبقات الأصفياء:
... للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني (ت430هـ) الناشر ... مكتبة الخانجي بمصر.
45- ... خلق أفعال العباد:
... للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) المطبوع ضمن عقائد ... السلف، جمع: علي سامي النشار، عمار جمعي الطالبي، الناشر منشأة ... المعارف بالأسكندرية.
46- ... الرد على الدكتور علي عبدالواحد في كتابه بين الشيعة وأهل السنة:
... لإحسان إلهي ظهير، ادارة ترجمان السنة، لاهور، باكستان، ط الأولى ... 1405هـ.
47- ... رسالة في الرد على الرافضة:
... لأبي حامد محمد المقدسي (ت888هـ) تحقيق: عبدالوهاب خليل ... الرحمن، الدار السلفية، الهند، ط الأولى 1403هـ.
48-رسالة في الرد على الرافضة:
... للشيخ محمد بن عبدالوهاب، تحقيق: ناصر بن سعد الرشيد، ط ... الثانية 1400هـ.
49- ... الرقة والبكاء:(57/5)
... لموفق الدين عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت620هـ) تحقيق: ... محمد خير رمضان يوسف، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ... ط الأولى 1415هـ.
50- ... روضة العقلاء ونزهة الفضلاء:
... للإمام الحافظ أبي حاتم محمد بن حبان البستي (ت354هـ) تحقيق: ... محمد عبدالرزاق حمزة، محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية ... 1397هـ.
51- ... رياض الجنة في الرد على أعداء السنة:
... للشيخ مقبل بن هادي الوادعي، دار الأرقم، ط الثانية 1405هـ.
52- ... الرياض النضرة في مناقب العشرة:
... لأبي جعفر أحمد الشهير بالمحب الطبري، جشتي كتب خانة فيصل آباد.
53- ... سلسلة الأحاديث الصحيحة وشئ من فقهها وفوائدها:
... للشيخ محمد ناصرالدين الألباني:
... 1- طبعة المكتب الإسلامي. ... 2- طبعة مكتبة المعارف بالرياض.
54- ... السنة:
... لأبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني (ت287هـ) المكتب ... الإسلامي، تحقيق: الشيخ محمد ناصرالدين الألباني، ط الثانية 1405هـ.
55- ... السنة:
... لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال (ت311هـ) تحقيق: د.عطية ... الزهراني، دار الراية للنشر والتوزيع، ط الأولى 1410هـ.
56- ... السنة:
... لأبي عبدالرحمن عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل (ت290هـ) تحقيق: ... د.محمد سعيد القحطاني، دار ابن القيم، ط الأولى 1406هـ.
57- ... سنن ابن ماجه:
... للإمام الحافظ أبي عبدالله بن يزيد القزويني (ت275هـ) تحقيق: محمد ... فؤاد عبدالباقي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية.
58- ... سنن أبي داود:
... للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ) ... تعليق: عزت عبيد الدعاس، عادل السيد، دار الحديث، حمص،
... سورية.
59- ... سنن الترمذي (الجامع الصحيح):(57/6)
... لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت297هـ) تحقيق: ... إبراهيم عطوه عوض، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ... وأولاده بمصر.
60- ... سنن الدارمي:
... للإمام الحافظ عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي (255هـ) تحقيق:
... فؤاد أحمد زمزلي، خالد السبع العلمي، دار الريان، ط الأولى
... 1407هـ.
61- ... السنن الكبرى:
... للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت458هـ) دار ... الفكر.
62-سنن النسائي (المجتبى):
... للإمام الحافظ أبي عبدالرحمن بن شعيب النسائي (ت303هـ) ... شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي بمصر، ط 1383هـ.
63-سير أعلام النبلاء:
... للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ... تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط التاسعة
... 1413هـ.
64-السيرة النبوية:
... لأبي محمد عبدالملك بن هشام، دار الفكر، القاهرة.
65-شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:
... لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي ... (ت418هـ) تحقيق: د. أحمد بن سعد حمدان الغامدي، دار طيبة ... للنشر، الرياض.
66-شرح السنة:
... للإمام أبي محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري (ت329هـ) ... تحقيق: د. محمد سعيد القحطاني، دار ابن القيم، ط الأولى ... 1408هـ.
67-شرح صحيح مسلم:
... للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المطبعة المصرية، بالأزهر،
... ط الأولى 1347هـ.
68-شرح العقيدة الطحاوية:
... للإمام القاضي علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي ... (ت792هـ) تحقيق: د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، شعيب ... الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط الثانية 1413هـ.
69-الشريعة:
... للإمام أبي بكر محمد بن الحسن الآجري (ت360هـ) تحقيق:
... محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى ... 1403هـ.
70-شذرات الذهب:(57/7)
... للإمام أبي الفرج عبدالحي بن العماد الحنبلي (ت1089هـ) دار ... المسيرة، بيروت، ط الثانية 1399هـ.
71-الشفا بتعريف حقوق المصطفى- صلى الله عليه وسلم - :
... للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي الأندلسي، تحقيق: ... علي محمد البجاوي، الناشر، دار الكتاب، بيروت.
72-الشيعة وأهل البيت:
... للشيخ إحسان إلهي ظهير، نشر ادارة ترجمان السنة، لاهور، ... باكستان، ط السابعة 1404هـ.
73-الشيعة والتشيع:
... للشيخ إحسان إلهي ظهير، نشر ادارة ترجمان السنة، لاهور، ... باكستان، ط الثانية 1404هـ.
74- ... الشيعة وتحريف القرآن:
... للشيخ إحسان إلهي ظهير، نشر ادارة ترجمان السنة، لاهور، باكستان، ... ط الرابعة 1404هـ.
75- ... الصارم الحديد في عنق صاحب سلاسل الحديد:
... للعلامة أبي الفوز محمد أمين بن علي السويدي (ت1246هـ) تحقيق: ... د. سعد الشهري، د. فهد السحيمي، د. جازي الجهني، رسائل علمية ... مطبوعة على الآلة الكاتبة.
76- ... الصارم المسلول على شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
... لشيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية (ت728هـ) ... تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، من توزيع إدارات البحوث العلمية، ... دار الكتب العلمية 1398هـ.
77- ... الصحاح في اللغة والعلوم:
... للعلامة أبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، دار الحضارة العربية، ... بيروت.
78- ... صحيح البخاري:
... للإمام الحافظ أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ... المطبوع مع فتح الباري لابن حجر، ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، ... تصحيح: محب الدين الخطيب، الناشر دار المعرفة، بيروت.
79- ... صحيح الجامع الصغير:
... للشيخ محمد ناصرالدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط الثالثة ... 1408هـ.
80- ... صحيح سنن ابن ماجه:(57/8)
... للشيخ محمد ناصرالدين الألباني، الناشر: مكتب التربية العربي، لدول ... الخليج، ط الأولى 1407هـ.
81- ... صحيح مسلم:
... للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (261هـ) ... تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، المكتبة الإسلامية، استانبول، تركيا.
82- ... الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة:
... للإمام أحمد بن حجر الهيتمي المكي (ت974هـ) خرج أحاديثه وعلق ... عليه: عبدالوهاب عبداللطيف، الناشر مكتبة القاهرة، ط الثانية ... 1385هـ.
83- ... ضعيف الجامع الصغير:
... للشيخ محمد ناصرالدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط الثالثة ... 1410هـ.
84- ... طبقات الحنابلة:
... للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلي، الناشر دار المعرفة للطباعة ... والنشر، بيروت، لبنان.
85- ... الطبقات الكبرى:
... لأبي عبدالله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي، دار صادر، بيروت.
86- ... ظلال الجنة في تخريج السنة:
... للشيخ محمد بن ناصرالدين الألباني، المطبوع مع كتاب السنة لابن أبي ... عاصم، ط الثانية 1405هـ.
87- ... عبدالله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام:
... للشيخ سليمان بن حمد العودة، الناشر دار طيبة للنشر والتوزيع، ... ط الأولى 1405هـ.
88- ... العقد الفريد:
... لأبي عمر أحمد بن محمد بن عبدربه الأندلسي، مكتبة النهضة المصرية، ... القاهرة، ط الثانية 1381هـ.
89- ... عقيدة ابن قتيبة:
... للدكتور علي بن نفيع العلياني، مكتبة الصديق، ط الأولى 1412هـ.
90- ... العقيدة الطحاوية:
... للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (ت322هـ) المطبوعة مع ... شرحها لابن أبي العز الحنفي، بتحقيق: د. عبدالله بن عبدالمحسن ... التركي، وشعيب الأرنؤوط، ط الثانية 1413هـ.
91-العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم -:(57/9)
... للإمام القاضي أبي بكر محمد بن عبدالله ابن العربي (ت543هـ) ... تحقيق: محب الدين الخطيب، دار الكتب السلفية، ط الأولى 1405هـ.
92- ... فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
... جمع الشيخ أحمد بن عبدالرزاق الدويش، طبع ونشر مكتبة العبيكان، ... ط الثانية 1412هـ.
93- ... فتح الباري بشرح صحيح البخاري:
... للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) مطبعة ... المعرفة، بيروت.
94- ... فتح القدير بين فني الرواية والدراية من علم التفسير:
... لمحمد بن علي الشوكاني (ت1250هـ) دار الفكر للطباعة والنشر.
95-الفرق بين الفرق:
... لعبدالقاهر بن ظاهر بن محمد البغدادي (ت429هـ) تحقيق: محمد ... محيى الدين عبدالحميد، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
96- ... الفصل في الملل والأهواء والنحل:
... للإمام أبي محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم الأندلسي، تحقيق: ... د.محمد إبراهيم نصر، د.عبدالرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، ... 1405هـ.
97- ... فضائل الصحابة:
... للإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل (ت241هـ) تحقيق: وصي الله بن ... محمد عباس، ط جامعة أم القرى، ط الأولى 1403هـ.
98- ... الفوائد المجموعة:
... لمحمد بن علي الشوكاني (ت1250هـ) تحقيق: عبدالرحمن بن يحيى ... المعلمي عبدالوهاب عبداللطيف، مطبعة السنة المحمدية.
99- ... القاموس المحيط:
... للعلامة محمد بن يعقوب الفيروز أبادي، ط عالم الكتب، بيروت،
... لبنان.
100-قطر الولي على حديث الولي:
... لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: د. إبراهيم هلال، دار إحياء التراث ... العربي، بيروت، لبنان.
101- الكامل في التاريخ:
... للعلامة عزالدين أبي الحسن على بن أبي الكرم محمد بن محمد بن ... عبدالكريم المعروف بابن الأثير، دار صادر بيروت، لبنان 1385هـ.
102-الكامل في ضعفاء الرجال:(57/10)
... للإمام الحافظ أبي أحمد عبدالله بن عدي الجرجاني، دار الفكر، ط ... الأولى 1404هـ.
103-الكتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين ... والتمسك بالسنن:
... لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين (ت385هـ) تحقيق: د.عبدالله بن ... محمد البصيري، مكتبة الغرباء الأثرية، ط الأولى 1416هـ.
104-كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة وكيفية مذهبهم وبيان ... اعتقادهم:
... لمحمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي (ت470هـ) تحقيق: محمد ... عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا.
105-كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة ... الناس:
... للشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني (ت1162هـ) دار إحياء التراث ... العربي، بيروت.
106-الكفاية في علم الرواية: ...
... للإمام أبي بكر أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي (ت463هـ) ... منشورات المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
107-اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة:
... للإمام جلال الدين عبدالرحمن السيوطي، دار المعرفة، بيروت، لبنان ... 1403هـ.
108-لسان العرب:
... للإمام أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي ... المصري، دار صادر، بيروت، ط الثالثة 1414هـ.
109-لمع الأدلة في عقائد أهل السنة:
... لعبدالملك بن عبدالله بن يوسف الجويني المعروف بإمام الحرمين ... (ت478هـ) تحقيق: فوقيه حسين محمود، القاهرة، الدار المصرية ... للتأليف 1385هـ.
110-لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد:
... للإمام موفق الدين أبي محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن
... قدامة المقدسي (ت620هـ) تحقيق: بدر البدر، ط الأولى ... 1406هـ.
111-مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:
... للحافظ نورالدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) الناشر دار ... الكتب، بيروت، لبنان، ط الثانية 1967م.
112-مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:(57/11)
... جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد، تصوير ... الطبعة الأولى 1398هـ.
113-مختار الصحاح:
... للشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، مكتبة لبنان، ... بيروت، 1986م.
114-مختصر التحفة الإثني عشرية:
... تأليف شاه عبدالعزيز غلام حكيم الدّهلوي، اختصره وهذبه السيد ... محمود شكري الألوسي، تحقيق: محبّ الدين الخطيب، المطبعة ... السلفية، القاهرة، 1373هـ.
115-المستدرك على الصحيحين:
... للإمام أبي عبدالله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبدالقادر ... عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط الأولى 1411هـ.
116-مسند الإمام أحمد:
... للإمام أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل (ت241هـ) ملتزم النشر ... والطبع، دار الفكر العربي.
117-المسودة في أصول الفقه:
... للأئمة من آل تيمية: مجدالدين عبدالسلام بن عبدالله، وشهاب الدين ... عبدالحليم بن عبدالسلام، وشيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم، مطبعة ... المدني، مصر.
118-مشكاة المصابيح:
... لمحمد بن عبدالله الخطيب التبريزي، تحقيق: محمد ناصرالدين الألباني، ... المكتب الإسلامي، ط الثالثة 1405هـ.
119-المصنف في الأحاديث والآثار:
... للإمام أبي بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة (ت235هـ) تحقيق: محمد ... عبدالسلام شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط الأولى ... 1416هـ.
120-معالم السنن شرح سنن أبي داود:
... للإمام أبي سليمان بن حمد الخطابي البستي (ت388هـ) ترقيم: ... عبدالسلام عبدالشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط الأولى ... 1411هـ.
121-معجم البلدان:
... للإمام أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي، دار إحياء التراث ... العربي، بيروت 1399هـ.
122-المغازي:
... للإمام محمد بن مسلم بن عبيدالله بن شهاب الزهري (ت124هـ) ... تحقيق: د. سهيل زكار، دار الفكر، ط الأولى 1400هـ.
123-المغازي:(57/12)
... لمحمد بن عمر الواقدي، تحقيق: ماردسن جونس، بيروت، عالم
... الكتب.
124-المغني:
... لموفق الدين أبي محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ... (ت620هـ) تحقيق: د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، د. عبدالفتاح ... محمد الحلو، هجر للطباعة، القاهرة، ط الأولى 1406هـ.
125-مفردات ألفاظ القرآن:
... للعلامة الراغب الأصفاني، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، ... الدار الشامية، ط الأولى 1412هـ.
126-المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم:
... للإمام الحافظ أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي (ت656هـ)
... تحقيق: محيى الدين ديب مستو، يوسف على بديوي... دار ابن كثير، ... بيروت، دمشق، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت، ط الأولى ... 1417هـ.
127-المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة:
... للعلامة الشيخ محمد عبدالرحمن السخاوي (ت902هـ) تحقيق:
... محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، ط الأولى
... 1405هـ.
128-مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين:
... لأبي الحسن الأشعري (ت330هـ) تحقيق: محمد محيى الدين عبدالحميد، ... ط الثانية 1389هـ، مكتبة النهضة المصرية.
129-مقاييس اللغة:
... لأبي الحسين أحمد بن فارس، تحقيق: عبدالسلام هارون، دار الجيل، ... بيروت، ط الأولى 1411هـ.
130-مقدمة في أصول التفسير:
... لشيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، تحقيق: محب الدين ... الخطيب، المكتبة السلفية، القاهرة، ط الخامسة.
131-المقنع في علوم الحديث:
... للإمام الحافظ سراج الدين عمر بن علي المشهور بابن الملقن، تحقيق: ... عبدالله يوسف الجديع، دار فواز للنشر، الإحساء، ط الأولى 1413هـ.
132-الملل والنحل:
... للإمام أبي الفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني (ت548هـ) تحقيق: ... الأستاذ أحمد فهمي محمد، دار الكتب العلمية، ط الثانية 1413هـ.
133-المنار المنيف في الصحيح والضعيف:(57/13)
... للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية:
... 1- تحقيق عبدالفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، الطبعة ... الأولى.
... 2- تحقيق: أحمد عبدالشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408هـ.
134-مناقب الإمام أحمد:
... للحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي، تحقيق: د. عبدالله بن ... عبدالمحسن التركي، ط الأولى 1399هـ.
135-منهاج السنة:
... لشيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ... طبع ادارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ... ط الأولى، 1406هـ.
136-الموافقات في أصول الشريعة:
... لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت790هـ) ترقيم: عبدالله ... دراز، المكتبة التجارية بمصر.
137-الموضوعات:
... لأبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي (ت597هـ) تحقيق: توفيق ... حمدان، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط الأولى 1415هـ.
138-ميزان الاعتدال في نقد الرجال:
... لأبي عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: علي محمد ... البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر.
139-النهاية في غريب الحديث:
... للإمام أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت606هـ).
140-النهاية في الفتن والملاحم:
... لأبي الفداء إسماعيل بن كثير (ت774هـ) تحقيق: محمد أحمد عبدالعزيز، ... المكتب الثقافي للنشر والتوزيع، القاهرة.
141-النهي عن سب الأصحاب:
... للإمام أبي عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي (ت643هـ) تحقيق: ... محيى الدين نجيب، دار العروبة، الكويت، دار ابن العماد، بيروت، ... ط الأولى 1413هـ.
142-نونية القحطاني:
... لأبي محمد عبدالله بن محمد الأندلسي القحطاني، تصحيح وتعليق: ... محمد أحمد سيد أحمد، مكتبة وادي التوزيع، ط الأولى 1409هـ.
143-وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان:(57/14)
... لأبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (ت861هـ) تحقيق: ... محمد محي الدين عبدالحميد، ط الأولى 1948م.
ثانياً: مصادر ومراجع الرافضة
1- ... الاحتجاج:
... لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، منشورات الأعلمي ... للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط الثانية 1403هـ-1983م.
2- ... الاختصاص:
... محمد بن محمد بن النعمان الملقب (بالمفيد) تصحيح وتعليق: علي أكبر ... الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم، إيران.
3- ... أصل الشيعة وأصولها:
... محمد الحسين آل كاشف الغطاء، ط الرابعة 1402هـ، منشورات ... مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.
4- ... أعيان الشيعة:
... تأليف محسن الأمين العاملي، طبعة دار التعارف، بيروت.
5- ... أمالي الطوسي:
... تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ط الثانية ... 1401هـ.
6- ... أمل الآمل:
... محمد بن الحسن (الحر العاملي) تحقيق: أحمد الحسيني، نشر دار ... الكتاب الإسلامي، قم، إيران.
7- ... الأنوار النعمانية:
... تأليف نعمة الله الموسوي الجزائري، مطبعة شركة جاب تبريز، إيران.
8- ... الأنوار الوضية في العقائد الرضوية:
... حسين بن الشيخ محمد العصفور البحراني، تحقيق: أبو أحمد أحمد ... ابن خلف بن أحمد العصفور البحراني.
9- ... أوائل المقالات في المذاهب المختارات:
... تأليف الشيخ المفيد بن محمد بن محمد النعمان، نشر دار الكتاب ... الإسلامي، بيروت، لبنان 1403هـ-1983م.
10-الإيضاح: ...
... لأبي محمد الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري، الطبعة الأولى ... 1402هـ-1982م، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ... لبنان.
11-الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة:
... تأليف محمد بن الحسن الحر العاملي، المطبعة العلمية، قم، إيران.
12-بحار الأنوار الجامعة لدور أخيار الأئمة الأطهار:(57/15)
... تأليف محمد باقر المجلسي، ط الثانية 1403هـ، مؤسسة
... الوفاء.
13-البرهان في تفسير القرآن:
... لهاشم بن سليمان الحسيني البحراني، المطبعة العلمية، قم، إيران، ... ط 1393هـ.
14-بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد - صلى الله عليه وسلم - :
... لأبي جعفر بن محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار) منشورات الأعلمي، ... طهران، تاريخ الطبعة 1362هـ.
15-تحفة عوام مقبول:
... (مجهول المؤلف) مطبعة حيدر بريس، لاهور.
16-تفسير العياشي:
... لمحمد بن مسعود بن عياشي المعروف (بالعياشي) نشر المكتبة العلمية ... الإسلامية، طهران.
17-تفسير القمي:
... لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي، ط الثانية 1387هـ، مطبعة ... النجف.
18- ... تنقيح المقال في علم الرجال:
... عبدالله المامقاني، طبع في المطبعة المرتضوية في النجف سنة
... 1352هـ.
19-ثم اهتديث:
... د. محمد التيجاني السماوي، مؤسسة الفجر، لندن.
20-ثواب الأعمال وعقاب الأعمال:
... لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي، تعليق: علي أكبر ... الغفاري، الناشر قم كتبي نجفي، مكتبة الصدوق، طهران.
21-حق اليقين (فارسي):
... تأليف محمد باقر المجلسي، مدير انتشارات علمية إسلامية بازار ... شيرازي.
22-حق اليقين في معرفة أصول الدين:
... عبدالله شبر، دار الكتاب الإسلامي.
23-الحكومة الإسلامية:
... آية الله الخميني، من منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى.
24-الخصال:
... لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق) ... تصحيح: علي أكبر الغفاري، نشر مكتبة الصدوق، دار التعارف.
25-الذريعة إلى تصانيف الشيعة:
... لأغا بزرك الطهراني، دار الأضواء، بيروت، لبنان، ط 1403هـ.
26-رجال الطوسي:
... لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المطبعة الحيدرية في النجف، ... 1380هـ.
27-رجال العلامة الحلي:(57/16)
... الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المعروف (بالعلامة) الطبعة ... الثانية 1381هـ-1961م منشورات المطبعة الحيدرية بالنجف.
28-رجال الكشي (معرفة أخبار الرجال):
... تأليف محمد بن عمر بن عبدالعزيز الكشي، المطبعة الصفوية ببلدة ... بمبئ باي دهوني.
29-الرجعة:
... أحمد بن زين الدين الأحسائي، الطبعة الثانية منشورات مكتبة العلامة ... الحائري العامة، كربلاء.
30-الشيعة هم أهل السنة:
... للدكتور محمد التيجاني السماوي، مؤسسة الفجر، لندن.
31-الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم:
... لزين الدين محمد علي بن يونس العاملي النباطي، عنيت بنشره: المكتبة ... المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، مطبعة الحيدري.
32-عقائد الإمامية:
... محمد رضا المظفر، ط الثالثة 1391هـ، مطبوعات النجاح، القاهرة.
33-عقائد الإمامية الإثني عشرية:
... تأليف الموسوي الزنجاني النجفي، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان.
34-علل الشرائع:
... لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، ... منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف 1385هـ-1966م.
35-علم اليقين في أصول الدين:
... تأليف محمد بن المرتضى المدعو: بالمولى محسن الكاشاني (لايوجد مكان ... الطبع وتاريخه).
36-الغيبة:
... لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ط الثانية، طبع في مطابع
... النعمان.
37-فرق الشيعة:
... للحسن بن موسى النوبختي، ط الثانية 1404هـ-1984م، منشورات ... دار الأضواء، بيروت، لبنان.
38-فسألوا أهل الذكر:
... للدكتور محمد التيجاني السماوي، مؤسسة الفجر، لندن.
39-فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الأرباب:
... حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي، طبعة حجرية.
40-الفهرست:
... لأبي جعفر الطوسي، ط الثالثة 1403هـ-1983م، مؤسسة ... بيروت، لبنان.
41-الكافي:(57/17)
... لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر ... الغفاري، الناشر دار الكتب الإسلامية، طهران.
42-كتاب سليم بن قيس الكوفي:
... منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت، لبنان.
43-كشف الأسرار:
... روح الله الخميني، ترجمه عن الفارسية: د. محمد البنداري وعلق ... عليه: سليم الهلالي، ط الأولى 1408هـ-1987م، دار عمار للنشر ... والتوزيع، عمان.
44-كشف الغمة في معرفة الأئمة:
... لأبي الحسن علي بن عيسى الأربلي، الناشر مكتبة بني هاشمي، ... تبريز، المطبعة العلمية، قم، تاريخ الطبع 1381هـ.
45-الكشكول:
... ليوسف البحراني، إصدار مكتبة نينوي الحديثة،
... طهران.
46-كمال الدين وتمام النعمة:
... لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) ط الثانية، نشر دار ... الكتب الإسلامية، طهران.
47-لأكون مع الصادقين:
... للدكتور محمد التيجاني السماوي، مؤسسة الفجر، لندن.
48-لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث:
... ليوسف بن أحمد البحراني، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، دار ... الأضواء، بيروت، لبنان، ط الثانية 1406هـ-1986م.
49-مجمع البحرين:
... لفخر الدين الطريحي، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الناشر مرتضوي، ... تاريخ الطبع 1362هـ.
50-المحاسن:
... تأليف أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ط الثانية، الناشر دار الكتب ... الإسلامية، قم، إيران.
51- ... المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية:
... تأليف حسين بن الشيخ محمد آل عصفور الدرازي البحراني، ط الأولى ... 1399هـ-1979م، منشورات دار المشرق العربي الكبير، بيروت، ... البحرين.
52-مرآة العقول في شرح أخبار الرسول:
... محمد باقر المجلسي، ط الثانية 1404هـ، دار الكتب الإسلامية،
... طهران.
53-مفتاح الجنان:
... (مجهول المؤلف) نشر مكتبة الماحوزي، البحرين.
54-المقالات والفرق:(57/18)
... سعد عبدالله الأشعري، نشر مؤسسة مطبوعاتي عطاني، طهران ... 1963م.
55-من لايحضره الفقيه:
... لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، منشورات مؤسسة ... الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.
56-نقباء البشر في القرن الرابع عشر:
... لأغا بزرك الطهراني، مطبعة سعيد مشهد، نشر دار المرتضى للنشر، ... مشهد إيران، ط الثانية 1404هـ.(57/19)
فهرس الموضوعات
فهرس المو ... ضوعات
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
المقدمة............................................ ... 5
كيد أعداء الإسلام للإسلام وأهله منذ الصدر الأول...... ... ... 5 ...
مكيدة عبدالله بن سبأ ونشأة الرافضة.................... ... 6
الأثر اليهودي في عقيدة الرافضة......................... ... 8
أقوال السلف في التحذير من الرافضة وذمهم............. ... 9
خطر الرافضة على الأمة وبيان أوجه ذلك................ ... 11
أساليب الرافضة في التضليل والتلبيس.................... ... 12
كتب السماوي في الانتصار لعقيدة الرافضة............... ... 16
تقييم هذه الكتب ومؤلفها.............................. ... 16
الأسباب التي دفعتني للرد على المؤلف.................... ... 19
المنهج الذي سرت عليه في الرد على المؤلف.............. ... 20
مدخل اشتمل على سته مباحث مهمة................... ... 23
المبحث الأول: تعريف الرافضة......................... ... 25
... تعريف الرافضة في اللغة والاصطلاح................ ... 25
... سبب تسميتهم................................... ... 27
... تسميتهم اليوم بالشيعة ووجه خطئه ............... ... 28
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
المبحث الثاني: نشأة الرافضة وبيان دور اليهود في نشأتهم ... 33
... اظهار ابن سبأ الطعن في الصحابة في عهد عثمان.... ... 34
... انكار ... علي- رضي الله عنه - على ابن سبأ وذمه له................ ... 35
... الخلاف في تحريق علي لابن سبأ وأتباعه............. ... 36
... ترجيح القول بتحريقه لهم......................... ... 37
... مراحل نشأة الرافضة.............................. ... 40(58/1)
... المرحلة الأولى: دعوة ابن سبأ لعقيدة الرفض......... ... 40
... المرحلة الثانية: اظهار المعتقد والتصريح به........... ... 42
... المرحلة الثالثة: اشتداد أمرهم وقوتهم ............... ... 43
... المرحلة الرابعة: انشقاق الرافضة عن الزيدية.......... ... 47
المبحث الثالث: تعريف موجز بأهم عقائد الرافضة....... ... 49
... عقيدة البداء...................................... ... 50
... عقيدة تحريف القرآن.............................. ... 56
... عقيدة الإمامة والأئمة............................. ... 66
... عقيدتهم في الصحابة.............................. ... 75
... عقيدة الرجعة.................................... ... 86
... عقيدة التقية...................................... ... 93
المبحث الرابع: مطاعن الرافضة على أئمة أهل السنة.... ... 100
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
... طعنهم في كبار أئمة أهل السنة من التابعين وتابعيهم. ... 101
... طعنهم في الإمام أبي حنيفة رحمه الله............... ... 106
... طعنهم في الإمام مالك رحمه الله.................... ... 107
... طعنهم في الإمام الشافعي رحمه الله................. ... 108
... طعنهم في الإمام أحمد رحمه الله.................... ... 108
... طعنهم في الإمامين البخاري ومسلم................ ... 109
المبحث الخامس: موقف أهل السنة من الرافضة ومن
... عقيدتهم......................................... ... 112
... أولاً: موقف أهل البيت من الرافضة وأقوالهم في ذمهم ... 112
... قول علي -- رضي الله عنه -- في ذمهم......................... ... 112
... قول الحسن بن علي رضي الله عنهما .............. ... 114
... قول الحسين بن علي رضي الله عنهما ............. ... 115(58/2)
... قول محمد بن علي (الباقر)......................... ... 116
... قول زيد بن علي................................. ... 117
... قول جعفر بن محمد (الصادق)..................... ... 118
... ثانياً: أقوال المنسوبين للتشيع من الأئمة المتقدمين.. ... 120
... ... مانقل عن المسيب بن نجبة وأصحابه........... ... 120
... ... قول شريك بن عبدالله ... ...................... ... 121
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
... ... قول عبدالرزاق الصنعاني..................... ... 123
... ثالثاً: أقوال أئمة السلف وأهل العلم من بعدهم.... ... 124
... قول علقمة النخعي............................... ... 125
... قول عامر الشعبي................................. ... 125
... قول طلحة بن مصرف............................ ... 126
... قول الإمام أبي حنيفة............................. ... 127
... قول مسعر بن كدام.............................. ... 127
... قول سفيان الثوري............................... ... 127
... قول الإمام مالك بن أنس.......................... ... 128
... قول القاضي أبي يوسف.......................... ... 129
... قول عبدالرحمن بن مهدي......................... ... 129
... قول الإمام الشافعي............................... ... 129
... قول يزيد بن هارون.............................. ... 130
... قول محمد بن يوسف الفريابي..................... ... 130
... قول أبي بكر عبدالله بن الزبير الحميدي............ ... 130
... قول القاسم بن سلام............................. ... 131
... قول أحمد بن يونس............................... ... 131
... قول الإمام أحمد بن حنبل......................... ... 131(58/3)
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
... قول الإمام البخاري............................... ... 132
... قول أبي زرعة الرازي............................. ... 133
... قول عبدالله بن قتيبة.............................. ... 133
... قول الإمام الطحاوي.............................. ... 134
... قول الحسن البربهاري............................. ... 134
... قول عمر بن شاهين............................... ... 135
... قول ابن بطة..................................... ... 135
... قول الإمام القحطاني............................. ... 136
... قول قوام السنة الأصبهاني......................... ... 136
... قول أبي بكر ابن العربي.......................... ... 136
... قول القاضي عياض............................... ... 137
... قول ابن الجوزي.................................. ... 137
... أقوال شيخ الإسلام ابن تيميه...................... ... 137
... قول الذهبي...................................... ... 145
... قول ابن القيم.................................... ... 146
... قول ابن كثير..................................... ... 147
... قول أبي حامد المقدسي........................... ... 147
... قول شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب............. ... 148
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
... قول الإمام الشوكاني............................. ... 149
... قول عبدالعزيز الدهلوي........................... ... 150
... أقوال بعض هيئة كبار العلماء في المملكة العربية
... السعودية......................................... ... 151
المبحث السادس: نقد عام للمؤلف ومنهجه في كتبه..... ... 154(58/4)
... أولاً: جهله....................................... ... 154
... ثانياً: غروره...................................... ... 159
... ثالثاً: كذبه وتدليسه.............................. ... 162
... رابعاً: تناقضه في كلامه........................... ... 167
... خامساً: اتباعه الهوى والظن في أحكامه............. ... 174
... سادساً: مخالفته لأصول التأليف التي درج عليها أهله ... 182
... سابعاً: مخالفته للمنهج الذي ألزم به نفسه........... ... 191
الرد على المؤلف في كتابه
(ثم اهتديت)
مسمى الكتاب وبيان مخالفته للحق والصواب........... ... 203
اتفاق المحققين في الفرق على أن الرافضة أضل الفرق...... ... ... 204
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
طعن المؤلف في القرآن وزعمه أنه لا يكفي لهداية الخلق.... ... 206
طعن المؤلف في السنة وزعمه أنها ليست الحل لمشكلاتنا... ... 208
تكفيره للصحابة إلا القليل منهم......................... ... 209
براءة المؤلف من السنة وسؤاله الله أن يميته على عقيدة
... الرفض........................................... ... 211
قول المؤلف إن البحث عن أحوال الصحابة من أهم
... البحوث التي تقود للحقيقة....................... ... 213
الرد عليه في ذلك وبيان أن البحث في عدالة الصحابة ذريعة
... للقدح فيهم...................................... ... 214
ثناء الله تعالى في كتابه على الصحابة وتعديلهم........... ... 215
ثناء الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الصحابة........................... ... 216
اتفاق أئمة الإسلام على عدالة الصحابة.................. ... 217
الطعن في الصحابة علامة الزندقة وأقوال العلماء في ذلك... ... 219
بيان وجه كون الطعن في الصحابة علامة الزندقة.......... ... 220(58/5)
اعتراف الرافضي بحيرته وشكه........................... ... 221
دعوى الرافضي أن العلماء ألفوا كتباً في نقد الصحابة...... ... 221
الرد عليه في ذلك وبيان جهلة من عدة وجوه............. ... 222
زعم الرافضي أن اختلاف الصحابة حرم الأمة من العصمة ... 226
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
قوله هم الذين اختلفوا في أن يكتب لهم الرسول- صلى الله عليه وسلم - الكتاب ... 226
بيان أنه قوله هذا يعني أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ترك تبليغ ما أمر به.. ... 227
ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتابه الكتاب دليل أنه ليس من الدين.... ... 230
قول الرافضي وهم الذين اختلفوا في الخلافة وتسببوا في
... انقسام الأمة...................................... ... 232
الرد عليه في ذلك وبيان أن اختلاف الصحابة في عهد
... علي لم يكن في الخلافة............................ ... 232
ثلاث مسائل يندفع بها ما يثيره المغرضون حول الفتنة..... ... 233
المسألة الأولى أن اختلاف الصحابة لم يكن في الخلافة..... ... 234
... اجتماع الصحابة على بيعة علي.................... ... 234
... دحض فرية أن طلحة والزبير بايعا مكرهين.......... ... 236
... معاوية لم ينازع علياً في الخلافة.................... ... 238
... الروايات الصحيحة في ذلك....................... ... 238
... أقوال العلماء في ذلك............................. ... 239
المسألة الثانية: أن الخلاف بينهم كان في تعجيل قتل قتلة عثمان ... 240
... الروايات الصحيحة المقررة لذلك................... ... 241
المسألة الثالثة: أن الصحابة الذين اختلفوا لم يتهم بعضهم
... بعضاً في الدين.................................... ... 243
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة(58/6)
... ثناء علي- رضي الله عنه - على مخالفيه من أهل الجمل............. ... 243
... شهادة علي- رضي الله عنه - لأصحاب معاوية بالإيمان ... ........... ... 247
... اعتراف معاوية بفضل علي وأحقيته بالخلافة......... ... 247
دعوى الرافضي أن الفرق والمذاهب نشأت بسبب
... اختلاف الصحابة................................ ... 249
الرد عليه وبيان أن اختلاف الصحابة عامته اختلاف تنوع ... ... 250
لم يكن هذا الاختلاف سبباً في تفرق الأمة............... ... 252
ما استفادته الأمة من اختلاف الصحابة في الاجتهاد....... ... 254
خيار السلف لم يكرهوا اختلاف الصحابة بل فرحوا به.... ... 254
أقوالهم في ذلك........................................ ... 255
لا توجد فرقه من فرق أهل البدع ترجع في نشأتها لأحد
... من الصحابة...................................... ... 256
بيان أن نشأة الفرق المبتدعة يعود إما إلى الكفار أو المنافقين ... 257
دعوى الرافضي أن الصحابة لم يمتثلوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في
... صلح الحديبية.................................... ... 262
الجواب على هذا....................................... ... 263
توجيه مراجعة عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبيان الحق في ذلك.......... ... 264
توقف الصحابة عن النحر في البداية وبيان توجيه ذلك..... ... 266
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
الرد على الرافضي في هذه المسألة وإلزامه من عدة أوجه... ... 269
الوجه الأول.......................................... ... 269
الوجه الثاني........................................... ... 269
الوجه الثالث.......................................... ... 270
الوجه الرابع.......................................... ... 272(58/7)
الوجه الخامس......................................... ... 273
دعوى الرافضي أن الصحابة لم يمتثلوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابة
... الكتاب في مرض موته............................ ... 275
الرد عليه في ذلك مجملاً................................ ... 276
الرد عليه في دعواه أنهم عصوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -............ ... 278
بيان أن اختلافهم كان في فهم مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -........ ... 278
استدلال الرافضي بقول ابن عباس (إن الرزية كل الرزية).. ... 280
الرد عليه في ذلك وبيان توجيه قول ابن عباس............ ... 280
دعوى الرافضي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن ينص على خلافة علي ... 281
الرد عليه في ذلك وبيان مناقضة كلامه لعقيدة الرافضة..... ... 282
اختلاف العلماء في مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك الكتاب........ ... 284
الذي عليه المحققون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يوصي لأبي بكر... ... 285
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
طعن الرافضي على عمر وأنه اتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهجر... ... 286
الرد عليه وبيان أن لفظه (أهجر؟) لا تثبت عن عمر....... ... 286
ليس في هذه اللفظة اتهام لرسول الله- صلى الله عليه وسلم -وبيان ذلك من وجوه ... 288
الوجه الأول.......................................... ... 288
الوجه الثاني........................................... ... 289
الوجه الثالث.......................................... ... 290
الوجه الرابع.......................................... ... 290
طعن الرافضي على عمر بقوله (عندكم كتاب الله)....... ... 290
الرد عليه من وجوه.................................... ... 291
الوجه الأول.......................................... ... 291(58/8)
الوجه الثاني........................................... ... 291
الوجه الثالث.......................................... ... 292
الوجه الرابع.......................................... ... 293
دعوى الرافضي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ترك كتابة الكتاب لعلمه
... بأنهم لن يمتثلوه.................................. ... 294
الرد عليه وبيان أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يترك التبليغ
... لعدم استجابة الناس............................... ... 294
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
طعن الرافضي على الصحابة بدعوى تركهم إنفاذ جيش
... أسامة والرد عليه................................ ... 296
دعوى الرافضي اعتراض الصحابة على تأمير أسامة والرد عليه ... 297
دعوى الرافضي أن الصحابة تباطأوا في الخروج مع الجيش
... حتى مات الرسول - صلى الله عليه وسلم -............................ ... 298
الرد عليه وبيان السبب الحقيقي لتأخر الجيش في الخروج... ... 299
زعم الرافضي أن أبا بكر وعمر كانا في جيش أسامة...... ... 302
الجواب عن هذا....................................... ... 302
لم يكن أبو بكر في جيش أسامة أصلاً.................... ... 304
دعوى الرافضي أن عمر طلب من أبي بكر أن يعزل أسامة ... ... 307
الرد عليه في ذلك بالروايات الصحيحة................... ... 308
تقسيم الرافضي الصحابة إلى ثلاثة أقسام وأن منهم من
... نزل القرآن بذمهم............................... ... 313
بيان أن هذا التقسيم يرجع إلى عقيدة الرافضة وبراءة أهل
... السنة منه......................................... ... 314
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى:{محمد رسول
الله والذين معه أشداء على الكفار...}................ ... 316(58/9)
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
الرد عليه في ذلك وبيان تضمن الآية أبلغ الثناء على
... الصحابة......................................... ... 316
بيان أن (من) في الآية لبيان الجنس لا التبعيض............ ... 317
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى {وما محمد إلا
رسول}.............................................. ... 320
الرد عليه في ذلك وبيان أن هذه الآية نزلت في المنافقين
... يوم أُحد......................................... ... 321
ثناء علي وأئمة السلف على أبي بكر بقتاله المرتدين....... ... 322
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى {... مالكم إذا
... قيل لكم انفروا اثاقلتم}......................... ... 325
الرد عليه في ذلك...................................... ... 325
لم يتخلف عن النبي- صلى الله عليه وسلم - يوم تبوك من الصحابة إلا ثلاثة نفر ... ... 327
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى {ألم يأن للذين
آمنوا أن تخشع قلوبهم} .............................. ... 331
الرد عليه في ذلك وبيان اختلاف العلماء في سبب نزول
... الآية............................................. ... 332
الخشوع ثابت للصحابة قبل نزول الآية بالنقول
... الصحيحة................................... ... ... 335
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
بعض الأوجه العامة للرد على الرافضة في استدلالهم ببعض
... الآيات في ذم الصحابة.............................. ... 341
الوجه الأول.......................................... ... 341
الوجه الثاني........................................... ... 345
الوجه الثالث.......................................... ... 345
الوجه الرابع.......................................... ... 347(58/10)
الوجه الخامس......................................... ... 348
طعن الرافضي على الصحابة بحديث الحوض............ ... 349
بيان الوجهة الصحيحة للحديث وأنه لا مطعن فيه على
... الصحابة......................................... ... 350
اختلاف العلماء في المذادين عن الحوض من هم؟.......... ... 352
بيان أن الذود عن الحوض يكون لكل من أحدث في الدين ... 353
أقوال أهل العلم في ذلك................................ ... 355
الصحابة كانوا من أشد الناس على المرتدين والمحدثين...... ... 356
بيان أن المرتدين لايدخلون عند أهل السنة في الصحابة.... ... 358
توجيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل
... النعم»........................................... ... 358
رمي الرافضي الصحابة بتغيير سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -............... ... 362
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
استدلاله بأثر أبي سعيد في إنكاره على مروان ........... ... 362
بيان أنه ليس فيه مايدل على زعمه بوجه................. ... 363
دعوى المؤلف أن معاوية كان يحمل الناس على لعن
... علي - رضي الله عنه -......................................... ... 365
بيان براءة معاوية من هذه التهمة بما ثبت من فضله ....... ... 366
ثناء الصحابة والتابعين على معاوية أبلغ الثناء............. ... 367
ثناء العلماء والمحققين في الفرق على معاوية............... ... 369
توجيه قول معاوية لسعد مامنعك أن تسب أبا تراب...... ... 372
سب معاوية لعلي بعيد جداً وذلك من عدة أوجه......... ... 374
الوجه الأول.......................................... ... 374
الوجه الثاني........................................... ... 375
الوجه الثالث.......................................... ... 375(58/11)
الوجه الرابع.......................................... ... 376
الوجه الخامس......................................... ... 376
زعم الرافضي أن الصحابة غيروا حتى في الصلاة........ ... 378
استدلاله بقول أنس (لا أعرف شيئاً مما أدركت).......... ... 378
مناسبة قول أنس لهذا الأثر.............................. ... 379
قول أنس كان وصفاً للزمان الذي أدركه في آخر حياته... ... 380
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
دعوى الرافضي أن أول من غير السنة عثمان بإتمامه
... الصلاة في منى وعائشة في السفر................... ... 382
توجيه اجتهاد كل منهما................................ ... 382
أقوال العلماء في ذلك وتحقيق المسألة..................... ... 383
براءة عثمان وعائشة من طعن الرافضي من عدة أوجه..... ... 387
الوجه الأول.......................................... ... 387
الوجه الثاني........................................... ... 388
الوجه الثالث.......................................... ... 389
الوجه الرابع.......................................... ... 389
الوجه الخامس......................................... ... 390
طعن الرافضي في عمر بما ادعاه من أنه يجتهد في مقابل
... النصوص........................................ ... 393
طعنه في عمر بتحريمه المتعتين والرد عليه في ذلك.......... ... 393
عمر- رضي الله عنه - لم يحرم متعة الحج.............................. ... 394
بيان أن النبي- صلى الله عليه وسلم - هو الذي حرم متعة النساء................ ... 395
إنكار علي على ابن عباس في إباحة متعة النساء ورجوع
... ابن عباس عن قوله................................ ... 397
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة(58/12)
طعن الرافضي على الصحابة بقول أنس: «فلم نصبر»... ... 401
الرد عليه وبيان أن كلامه يتضمن تكذيب القرآن......... ... 402 ...
توجيه قول أنس وبيان مقصوده منه...................... ... 403
قول أنس دليل على فضله وكمال إيمانه.................. ... 407
الآثار عن الصحابة المعظمين عند الرافضة في ذم النفس.... ... 408
طعن الرافضي على الشيخين بشدة خوفهما من الله..... ... 411
الرد عليه في ذلك من عدة وجوه........................ ... 412
الوجه الأول.......................................... ... 412
الوجه الثاني........................................... ... 413
الوجه الثالث.......................................... ... 415
الوجه الرابع.......................................... ... 416
الوجه الخامس......................................... ... 418
طعن الرافضي في أبي بكر - رضي الله عنه - بخلافه مع فاطمة في الميراث ... 420
الرد عليه من وجوه.................................... ... 420
الوجه الأول.......................................... ... 421
الوجه الثاني........................................... ... 422
الوجه الثالث.......................................... ... 423
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
الوجه الرابع.......................................... ... 426
الوجه الخامس......................................... ... 428
الوجه السادس........................................ ... 431
الوجه السابع......................................... ... 432
طعن الرافضي في عائشة رضي الله عنها بمشاركتها في
... حرب الجمل..................................... ... 437
الرد عليه في ذلك...................................... ... 438(58/13)
قوله: إنها أشعلت حرب الجمل وبيان كذبه في ذلك...... ... 438
أقوال العلماء في أن الحرب لم تقع بتدبير الصحابة......... ... 438
قوله: خرجت من بيتها وقد أمرت بالاستقرار فيه والرد عليه ... 441
خروج عائشة كان للصلح بعد أن تعلق الناس بها......... ... 442
بيان أن سفرها كان في طاعة الله لاينافي ماأمرت به....... ... 444
قوله: استباحت قتال الخليفة والرد عليه................... ... 445
ندم علي وعائشة رضي الله عنهما على الحرب........... ... 446
ندم علي على الحرب دليل أنها حرب فتنة................ ... 447
طعن الرافضي في عائشة رضي الله عنها بقول عمار:
... (ولكن الله ابتلاكم بها).......................... ... 448
توجيه قول عمار وبيان الحق في ذلك.................... ... 448
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
قول عمار حجة على الرافضة من وجوه كثيرة............ ... 450
دعوى الرافضي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى مسكن عائشة
... وقال ههنا الفتنة.................................. ... 451
الرد عليه وبيان كذبه وتلبيسه في ذلك................... ... 452
تصريح الروايات الصحيحة أن الإشارة كانت إلى المشرق.. ... 452
قول الرافضي: كيف استحقت عائشة ذلك التقدير عند
... أهل السنة........................................ ... 455
الأدلة على فضل عائشة رضي الله عنها من الكتاب والسنة ... 456
اختلاف العلماء في المفاضلة بين خديجة وعائشة وفاطمة... ... 459
دعوى الرافضي النص على خلافة علي بحديث: (من
... كنت مولاه...).................................. ... 462
اختلاف العلماء في تصحيح الحديث..................... ... 463
على فرض صحة الحديث لا حجة فيه على ما زعم....... ... 464
بيان أن الموالاة المذكورة ليست هي الخلافه............... ... 464(58/14)
الموالاة في الدين ليست خاصة بعلي...................... ... 465
دعوى الرافضي عدم الإجماع على خلافة أبي بكر........ ... 468
الروايات الصحيحةفي اتفاق الصحابةعلىاستخلاف الصديق ... 469
من نقل الإجماع على ذلك من الأئمة.................... ... 470
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
لم يتخلف علي عن بيعة أبي بكر بل بايعه أول الأمر...... ... 473
اتهام الرافضي أبابكر بالظلم بمنعه فاطمة الميراث وبيان
... تقدم هذه المسألة والرد عليه فيها................. ... 477
دعوى الرافضي إجماع الأمة على إمامة علي وفضله
... وعدم اجماعها على أبي بكر....................... ... 478
بيان أن الأمة لم تجمع على خلافة علي وذلك من وجهين.. ... 481
الوجه الأول.......................................... ... 481
الوجه الثاني........................................... ... 483
بعض الأحاديث في مناقب أبي بكر التي لم يشاركه فيها
... غيره.......................................... ... 485
تضمن هذه الأحاديث لأكثر من عشر مناقب لأبي بكر... ... 489
ما ثبت في حق علي من الفضائل ليست من خصائصه..... ... 491
استدلال الرافضي بما نسب لأحمد: «ما جاء لأحد من
... الصحابة من الفضائل كماجاء لعلي» وبيان أنه
... لا يثبت.......................................... ... 495
سبب كثرة ما يروى في فضائل علي من الصحيح والضعيف ... 496
دعوى الرافضي أن فضائل أبي بكر محصورة في رواية عائشة
... وابن عمر........................................ ... 497
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
بيان كذبه في ذلك وذكر بعض من نقل فضائل أبي بكر
... من غيرهما....................................... ... 497
لواقتصرت فضائل أبي بكر على روايتهما فليسا بمتهمين.. ... ... 500(58/15)
لو صح ماادعاه الرافضي لكانت التهمة في الوضع لعلي
... أقوى من الوضع لأبي بكر.. سبب ذلك ؟ ......... ... 501
دعوى الرافضي رفض ابن عمر مبايعة علي............... ... 502
بيان بطلان ذلك....................................... ... 502
تريث ابن عمر وبعض الصحابة في البيعة من تمام فقههم... ... 503
طعن الرافضي في ابن عمر بقوله: «كنا نفاضل في زمن
... النبي - صلى الله عليه وسلم -...»..................................... ... 507
بيان ان هذا الأثر لا مطعن فيه على علي بوجه........... ... 508
ذكر الرافضي لبعض الأحاديث التي زعم أنه اهتدى بسببها ... 512
حديث: (أنا مدينة العلم وعلي بابها)................... ... 512
أقوال أهل العلم في الحكم على الحديث بالوضع.......... ... 514
قول الرافضي إن علياً كان أعلم الصحابة وبيان بطلانه.... ... 515
الروايات الصحيحة الدالة على أن أعلم الصحابة أبوبكر... ... 516
من نقل الإجماع من أهل العلم على أن أبابكر أعلم
... الصحابة......................................... ... 517
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
زعم الرافضي أن الصحابة كانوا يرجعون لعلي في أمهات
... المسائل وبيان كذبه............................... ... 519
لو ثبتت مشاورتهم له فهذا لا يعني تفضيله عليهم......... ... 520
زعم الرافضي أن أبا بكر قال: (لا أبقاني الله لمعضلة ليس
... لها أبو الحسن).................................... ... 521
بيان عدم ثبوته ومخالفته لما هو معلوم من سيرة الشيخين.... ... 522
احتجاج الرافضي بما نسب لعمر أنه قال: (لولا علي لهلك
... عمر)............................................ ... 523
بيان ضعف هذه المقالة وعدم ثبوتها عن عمر............. ... 524
زعم الرافضي أن ابن عباس قال: (ما علمي وعلم أصحاب(58/16)
... محمد في علم علي إلا كقطرة في بحر)............... ... 525
بيان عدم ثبوته وفساده................................. ... 526
استدلال الرافضي بقول علي: (سلوني قبل أن تفقدوني).. ... 527
علي لم يخاطب بهذا الأثر الصحابة وإنما قاله لأهل العراق.. ... 528
استدلال الرافضي بقول أبي بكر: (أي سماء تظلني وأي
... أرض تقلني...)................................... ... 529
الرد عليه وبيان أن هذا القول دليل على كمال علم أبي بكر
... وفضله........................................... ... 529
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
نقل مهم عن شيخ الإسلام في هذه المسألة................ ... 529
توقف الرسول- صلى الله عليه وسلم - والصحابة عند حد علمهم بما فيهم علي ... ... 531
استدلال الرافضي بحديث (أنت منى بمنزلة هارون من
... موسى).......................................... ... 534
بيان مناسبة الحديث ومعناه والرد على الرافضي في فهمه... ... 535
أقوال أهل العلم في أن الحديث لايدل على تفضيل علي ولا
... الوصية له........................................ ... 536
الاستخلاف في حال الغيبة لم يكن خاصاً بعلي ... ........... ... 539
استدلال الرافضي بحديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) ... ... 542
الرد عليه في ذلك وبيان اختلاف العلماء في صحة الحديث ... ... 543
زيادة الرافضة في الحديث (اللهم وال من والاه)........... ... 543
استدلال الرافضي بحديث (علي مني وأنا من علي...)... ... 546
الرد عليه في ذلك وتضعيف العلماء للحديث متناً وسنداً... ... 546
بيان معارضة عبارة (لا يودي عني إلا علي) لأصل الإسلام ... ... 547
استدلال الرافضي بحديث (إن هذا أخي ووصيي..)..... ... 551
بيان أن الحديث موضوع وأقوال أهل العلم في ذلك....... ... 551(58/17)
استدلال الرافضي بحديث الثقلين........................ ... 555
بيان ضعف حديث «وعترتي».......................... ... 556
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
ليس في روايات الحديث الصحيحة إلا الوصية بالإحسان
... لأهل البيت دون الأمر بمتابعتهم ................... ... 557
بيان أنه ليس في الحديث حجة للرافضة من عدة وجوه.... ... 558
قول الرافضي إن أهل السنة اتبعوا سنة عمر وبيان أنه من
... مفاخرهم........................................ ... 561
طعن الرافضي في حديث (تركت فيكم سنتي) بدعوى أن
... السنة لم تدون فلا حجة في هذا الحديث............ ... 563
كانت السنة محفوظة في الصدور من غير حاجة للتدوين.... ... 563
المنع من كتابة السنة في بداية الأمر ليس على إطلاقه....... ... 564
ترخيص الرسول- صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين لبعض الناس بالكتابة ... 565
دعوى الرافضي أن أبا بكر وعمر وعثمان خالفوا السنة. ... 568
بيان براءة هؤلاء الخلفاء من هذه الفرية بما هو متواتر في
... الأمة من فضلهم.................................. ... 569
طعن الرافضي في أبي بكر بقتال المرتدين................. ... 570
الرد عليه في ذلك وبيان زندقته وإلحاده................... ... 570
نقل مهم لشيخ الإسلام في هذه المسألة................... ... 571
بيان أقسام المرتدين وحكم الصحابة في كل قسم.......... ... 572
طعن الرافضي في خالد بن الوليد بقتله مالك بن نويره..... ... 576
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
اختلاف أهل العلم في سبب قتل خالد لمالك بن نويره..... ... 578
طعن الرافضي في خالد بقتله بني جذيمة................... ... 580
براءة خالد من طعنه وبيان أنه كان متأولاً................ ... 580
أقوال أهل العلم في ذلك................................ ... 581(58/18)
قدح المؤلف في عدالة الصحابة والرد عليه في ذلك........ ... 582
نصوص العلماء في أن الطعن في الصحابة علامة الزندقة.... ... 583
تصريح المؤلف برده الصحابة والبراءة منهم............... ... 583
احتجاج الرافضي بحديث (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة
نوح) وحديث (...مثل باب حطة...) ................. ... 585 ...
بيان أن الحديثين لا يصحان وأقوال أهل العلم في ذلك..... ... 585
احتجاج الرافضي بحديث (من سره أن يحيا حياتي...)... ... 588
بيان ضعف الحديث وكلام أهل العلم فيه................ ... 589
اتهام الرافضي لابن حجر بتضعيف الحديث مع صحته
... وبراءته من ذلك.................................. ... 590
دعوى الرافضي أن الصحابة كانوا يجتهدون في مقابل
النصوص وبيان كذبه في ذلك.......................... ... 593
تعظيم الصحابة للنصوص وتقديمها على الرأي وتواتر ذلك
... في الأمة.......................................... ... 593
... ... ... الموضوع ... ... ... ... ... ... الصفحة
بيان بطلان دعواه من عدة وجوه............................ ... 595 ...
الوجه الأول............................................... ... 595
الوجه الثاني................................................ ... 595
الوجه الثالث............................................... ... 596
الوجه الرابع............................................... ... 598
الوجه الخامس.............................................. ... 599
الوجه السادس............................................. ... 603
زعم الرافضي أن الصحابة ردوا نص الغدير............... ... 607
معارضة ذلك لما سبق أن قرره من أن الصحابة قد هنأوا علياً
... يوم الغدير وبيان تناقضه............................. ... 609(58/19)
قوله إن علياً وجد صعوبة في إرجاع الناس للسنة في عهده.... ... 609
بيان أن البدع لم تظهر في عهد الشيخين.................... ... 609
مناقضة الرافضي لنفسه بدعواه أن علياً لم يستطع أن يقيم السنة ... 611
فهرس المصادر والمراجع................................... ... 613
فهرس الموضوعات........................................ ... 647(58/20)
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1418هـ-1997م(59/1)
البُرهان
في تبرئة أبي هريرة من البُهتان
بقلم
عبد الله بن عبد العزيز بن علي الناصر
المقدّمة
الحمد لله حمداً كثيراً يوافي نعمه ، ويكافىء مزيده ، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه لا أحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله خير من اصطفى من خلقه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد .
فقد لهجت أعداء السنة و أعداء الإسلام ،في عصرنا، وشغفوا بالطعن في أبي هريرة- رضي الله عنه - ،وتشكيك الناس في صدقة و في صحة روايته، بغية أن يصلوا - زعموا إلى تشكيك الناس في الإسلام تبعاً لساداتهم، وإن تظاهروا بالقصد إلى الاقتصار على الأخذ بالقرآن، أو الأخذ بما صحّ من الحديث في رأيهم ، وما يصحّ من الحديث في رأيهم إلا ما وافق أهواءهيم ؛ وما هؤلاء بأول من حارب السنة في هذا الباب، بل ولهم في ذلك سلف من أهل الأهواء قديماً، ولكن يسير في طريقه قدماً ، ويظهره الله رغم صراخهم وعويلهم ومكرهم وكيدهم . ومن العجب أن تجد ما يقوله هؤلاء المعاصرون ، يكاد يرجع في أصوله ومعناه إلى ما قال أولئك الأقدمون، كما تجد فرقاً واضحاً بين الفريقين: فبينما تجد أولئك الأقدمين، زائغين كانوا أم ملحدين، فقد كانوا على علم ودراية واطلاع! وأما هؤلاء المعاصرون،فلا تجد فيهم إلا الجهل والجرأة وامتضاغ ألفاظ لا يحسنونها يقلدون، ثم يتعالون على كل من حاول وضعهم على الطريق القويم ، وقد اتخذوا للوصول إلى هذه الغاية أساليب متعددة من أبرزها :
أ- إتهام كبار نقله الدين والسنه وحفاظها بأنهم كفّارا ! فيزعمون ان هذا ما خرجته مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا معتقد صّرحت به رواياتهم المعتبرة .
قال علامتهم التستري في كتابه المزعوم " إحقاق الحق !! ما نصه :"
-1-(60/1)
كما جاء موسى للهداية وهدى خلقاً كثيراً من بني اسرائيل وغيرهم فارتدوا في أيام حياته ولم يبقي فيهم أحد على إيمانه سوى هارون ، كذلك جاء محمد وهدى خلقاً كثيراً ، ولكنهم بعد وفاته ارتدوا على أعقابهم .... انتهى كلامه.
وأقول: لله در القائل :
... لا تركن إلى الروافض أنهم ... شتموا الصحابة دون ما برهان
... لعنوا كما بغضوا صحابة أحمد ... وودادهم فرض على الانسان
... حب الصحابة والقرابة سنة ألقى بها ربي اذا أحياني
... إحذر عقاب الله وارج ثوابه حتى تكون كمن له قلبان
وهذا هو ما يريدون، فإذا فرغوا من أبي هريرة- رضي الله عنه - تحولوا إلى غيره من صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ونقلة سنته إلى الأمة الإسلامية . وهذا هو هدفهم الحقيقي .
فقد إتهموا كبار نقلتها، وأئمة حفّاظها بأنهم كفّار !! هذا ما خرّجته مدرسة محمد- صلى الله عليه وسلم - حسب عقيدتهم ، وهذا معتقد صرّحت به رواياتهم المعتبرة .
ومن أساليبهم المتعددة :(60/2)
ب- قولهم أنه لا يجوز أخذ حديث رسول الله إلا عن طريق أهل البيت ،ويقصدون بأهل البيت أئمتهم الإثنى عشر (1)
__________
(1) وهذا الذي ذهبوا إليه باطل لأن في القرآن شواهد كثيرة على أن " أهل البيت"هم الأزواج! فقد وردت لفظة " أهل البيت" مرتين في القرآن وذلك في سورتي هود والأحزاب ، ووردت مرة واحدة بلفظة " أهل بيت" أي نكره مجردة عن أل التعريف ووردت عدة مرات بلفظة (أهل ) ..وما تهمنا هنا اللفظة الأولى فقد قال تعالى في قصة خليل الله إبراهيم - عليه السلام - لما جاءت رسل الله إبراهيم بالبشرى قال تعالى: { قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِاللهِ رحمة الله وَ بَرَكَتُهُ عَلَْيكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنُّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } [هود /69-73] ، فاستعمل هنا { عَلَْيكُمْ } لاقترانه بلفظ "أهل" والمخاطب بهذه الآية بالإجماع هي سارة زوجة إبراهيم ، وهذا دليل على أن زوجة الرجل من أهل البيت ، والشواهد على ذلك كثيرة ، وكلها تقتضي دخول زوجات الرجل في آله لا
2
العكس كما يذهب إليه القوم يإخراجهم الزوجة من أن تكون من " أهل البيت " ، ولكن القوم
لكي يثبتوا صدق دعواهم ، ادعوا أن في الآية تحريفاً !!كما هو قول جمهورهم في القرآن الكريم، قال فخرهم المجلسي:( لعل آية التطهير وضعوها في موضع زعموا إنها تناسبه، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية ، وقد ظهر من الأخبار!! عدم ارتباطها بقصتهن، فالاعتماد في هذا الباب على النظم والترتيب ظاهر البطلان، ولو سلم عدم التغيير في الترتيب فنقول: سيأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط من القرآن آيات كثيرة فلعلة سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبت لم يفد الربط الظاهري بينها. انظر البحار، 35/234،محجة العلماء، 163، فصل الخطاب320 ، الحدائق الناضرة، 2/290 . وقال الطباطبائي في " تفسير الميزان "ما نصه:( فالآية لم تكن بحسب النزول جزء من آيات نساء النبي ولا متصلة بها وإنما وضعت بينها أما بأمر من النبي أو عند التأليف بعد الرحلة ) انظر تفسير الميزان 16/ 312 .(60/3)
.
قال شيخهم كاشف الغطا في كتابه ( أصل الشيعة ) ( ص79 ) : ( إن الإمامية لا يعتبرون من السنة إلا ما صحّ لهم من طرق أهل البيت عن جدهم يعني ما رواه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن أبيه أمير المؤمنين عن رسول الله ، أمّا ما يرويه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب و مروان ابن الحكم وعمران بن حطان الخارجي وعمرو بن العاص ونظائرهم فليس عند الإمامية من الإعتبار مقدار بعوضة ) .
لذلك ألف أحدهم، وتطلق طائفته عليه " آية الله العظمى !!" عبد الحسين شرف الدين الموسوي الذي امتلأ قلبه بالحقد الأسود، ألف كتاباً في الطعن في أبي هريرة- رضي الله عنه - (1)، أتى بأكاذيب و أباطيل وأراجيف، ومطاعن لتشويه سمعة هذا الصحابي الجليل- رضي الله عنه -، استسقى كتابين " أبو هريرة شيخ المضيرة للمدعو "محمد أبو رية" فسار على نهجه بل فاق استاذه وأكثر في مجانبة الصواب، ثم ما لبث أن طبع كتابه مرة أخرى ، لأن اليهود والشيعة اشتروا نسخه الأولى ووزعوها (2)، وهذا بعض التعويض لصاحبه .
وأما المؤلف الآخر فيدعى"محمد السماوي التيجاني" أحد رموز الباطنية والصوفية، فلو علم القاري الكريم كل ما سطرته أنامل هؤلاء ضد الأمة لذهبت نفسه حسرات من أجل ما نزل بساحة الأمة المحمدية مما تنفثه أقلام علماء السوء من المسموم والنفاق، هؤلاء هم دعاة الفرقة والانقسام الذين فرقوا صفوف الأمة وقصموا عرى اعتصامها ووحدتها واتحادها حتى أصبحت فرقاً وشيعا وأمست طعمة لكل طامع ومستعمر .
__________
(1) ثم هذا الرجل ما لبث أن قام بتأليف كتاب آخر في الطعن والحط علىالخلفاء الثلاثة واسمه " النص والاجتهاد " .
3
(2) انظر ما حدث للعلامة السباعي مع عبد الحسين وما قاله عن كتاب أبي رية من أنه لم يحصل على نسخة منه .
4(60/4)
لذلك رأيت من واجبي أن أرد تلك الشبهات التي أثاروها هؤلاء ، وما أتوا من أباطيل وتلفيقات، وأتناول خلال ذلك بعض النقاط التي اشترك فيها هؤلاء جميعاً ، مبيناً وجه الحق بالأدلة والبراهين ، معتمدًا على الله طالباً منه التوفيق والسداد .سوسو
والخلاصة: أن الغرض كما قلت ليس الطعن في أبي هريرة - رضي الله عنه -، بل أن هذا مقدمة وتوطئة لهدم الإسلام ، فإن هؤلاء المخذولون لما أرادوا رد هذه الشريعة المطهرة ومخالفتها ، طعنوا في أعراض الحاملين لها ، الذين لا طريق لنا إليها إلا من طريقهم ،
واستخفوا باهل الركيكة بهذه الذريعة الملعونة والوسيلة الشيطانية ، فهم يظهرون السب واللعن لخير الخليقة ، ويضمرون العناد للشريعة ، وليس في الكبائر ولا في معاصي العباد أشنع ولا أخنع ولا أبشع من هذه الوسيلة !لم يقفوا من أبي هرير- رضي الله عنه - وحده ذلك الموقف بل وقفوا من صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - جميعاً إلا نفراً قليلا كما سبق
وسيأتي - موقف العداء والبغض والذم حتى وصل الأمر بهم إلى تكفير جمهور الصحابة- رضي الله عنهم - وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -. إن من حق أبي هريرة - رضي الله عنه - عنه في أعناق المسلمين ، أن ينهض فيهم من يرد هذا الكيد عنه ويدفع هذا الافتراء والبهتان عن سيرته ، لأن في هذا الدفع وذلك الرد دفاعاً عن سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وحماية لها من طعون المبطلين والمفسدين .(60/5)
وإني لأرجو أن يكون في هذه الصفحات التي كتبتها في رد هذه الشبهات عن هذا الصحابي الجليل - رضي الله عنه - ما يساعد على محق باطل أعداء أبي هريرة - رضي الله عنه - وكشف عوراتهم وسوآتهم وكذبهم ، { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ ، وَ يَحْيَ مَنْ حَيَّ عَن بَيّنَةٍ } [الأنفال 42]، ولاسيما أن أهل الأهواء والبدع لم يأتوا بشيء جديد سوى إنهم نفخوا في هذه الطعون وزادوا فيها مازينه لهم هواهم أن يزيدوا .
لذلك اقدمت على كتابة هذا البحث المتواضع نصحاً لله ولرسوله ولدينه ولأئمه المسلمين وعامتهم وذبا عن الحق وكشفا الأفتراءات المبطلين وإنتحالات المنتحلين ودفاعاً عن الذين أمنوا وقد جعلته في بابين :
الباب الأول : وفيه فصلان :
الفصل الأول: تناولت فيه حياة أبي هريرة - رضي الله عنه - في مختلف مظاهرها، الخاصة والعامة.
الفصل الثاني :حياة أبي هريرة- رضي الله عنه - العلمية ، بينت فيه نشاط أبي هريرة- رضي الله عنه - العلمي ، وطرق تحمله الحديث ونشر السنة ، ومنزلته العلمية وثناء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -والصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - عليه .
الباب الثاني: وفيه ثلاثة فصول .
الفصل الأول : عرضت ما أثاره عبد الحسين شرف الدين الموسوي من طعون في شخصية أبي هريرة وشبهات حول أحاديثه ، وناقشتها وبينت وجه الحق فيها .
الفصل الثاني : عرضت ما أثارها أبو رية من طعون وشبهات في أبي هريرة .
الفصل الثالث : عرضت ما أثارها التيجاني من شبهات حول السنة النبوية .
5
واسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد وأن يوفقنا لما يحبه ويرضى، وأشكر كل
من قام بمساعدتي في تخريج ومراجعة كتابي هذا، و آخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين وصلّى الله على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه الميامين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
... ... ... ... ... ... ... ...
...(60/6)
... ... ... ... ... ... ... ... المؤلف
- - - - - -
6
الباب الأول
الفصل الأول
اسمه وكنيته :
أبوهريرة هو عبد الرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم ابن دوس اليماني ، فهو دوسي نسبة إلى دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران ابن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر وهو سنوءة ابن الأزد ، والأزد من أعظم قبائل العرب وأشهرها ، تنسب إلى الأزد ابن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان من العرب القحطانية (1).الراجح عند العلماء أن اسمه في الجاهلية : عبد شمس .
__________
(1) انظر جمهرة أنساب العرب ص358و360و361 والاستيعاب 4/1768 وتاريخ ابن خلدون 2/253 ونهاية الإرب ص91و253 ومعجم قبائل العرب القديمة والحديثة 1/394 .(60/7)
فلما أسلم سماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - " عبد الرحمن " ، لأنه لايجوز تسمية إنسان بأنه عبد فلان أو عبد شيء من الأشياء ، وإنما هو عبد الله فقط ، فيسمى باسم عبد الله أو عبد الرحمن وهكذا ، وعبد الرحمن هو الذي يسكن إليه القلب (1)
__________
(1) المستدرك 3/507 ، ومن المفارقات العجيبة أن الذي رد على أبي هريرة تسمى باسم لا يجوز لسببين: أولاً: شرعاً لا يجوز تسمية إنسان بأنه عبد فلان ، وإنما هو عبد الله فقط ، فيسمى باسم عبد الله أو عبد الرحمن ، وهذا مما نص عليه أئمة القوم ، فقد جاء في أصح كتاب من كتبهم المقطوع بصحتها وهو الكافي وهو أقدمها و أعظمها و أحسنها و اتقنها كما يقول عبد الحسين جاء ت عدّة روايات في أن أفضل الأسماء ما سمي بالعبودية : روى الكليني إسناده عن فلان بن حميد أنه سأل أبا عبدالله(ع) شاوره في اسم ولده ، فقال: سمه بأسماء من العبودية ، فقال: أي الأسماء هو ؟ فقال: عبد الرحمن. وروى الكليني ، عن أبي جعفر(ع) قال: أصدق الأسماء ما سمّي بالعبودية وأفضلها أسماء الأنبياء . قال المجلسي في تعليقه على هذه الرواية ما نصه:( قوله (ع) "بالعبودية " أي بالعبودية لله ، لا كعبد النبي وعبد العلي وأشباهها. وروي مثله من طريق المخالفين " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أحب أسمائكم إلى الله عبدالله وعبدالرحمن واعلم أن أصحابنا اختلفوا
7
في أن أسماء العبودية أفضل من أسماء الأنبياء والأئمة أو بالعكس ؟ فذهب المحقق في الشرايع إلى الأول ، حيث قال : " ثم يسميه أحد الأسماء المستحسنة ، وأفضلها ما يتضمن العبودية لله تعالى ويليها أسماء الأنبياء والأئمة (ع) " و تبعه العلامة في كتبه ، ولم نقف على مستندهما ، ولادلالة في هذا الخبرعليه ، لأن الاسم أصدق من غيره لا يقتضي كونه أفضل منه ، خصوصا مع التصريح بكون أسماء الأنبياء أفضل من متن هذا الخبر فانه يدل على الصدق غير الفضيلة ، وبمضمون الخبر عبّر الشهيد في اللمعة ، وذهب ابن ادريس إلى أن الأفضل أسماء الأنبياء والأئمة (ع) وأفضلها اسم نبينا وبعد ذلك العبودية لله تعالى ، وتبعه الشهيد الثاني وهو الأظهر ) . انظر مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 21/31 .
ثانياً : مخالفة هذه الأسماء المبتدعة لأئمة أهل البيت ، فأهل البيت كانوا يسمون أولادهم بأسماء الخلفاء الثلاثة ، فقد سمى علي أبناءه أحد ابنائه بأبي بكر، وآخر بعمر ، وثالث بعثمان وسمّى أحد أولاده أيضاً بعبد الرحمن ، وكذلك كان شأن ابنه الحسن ، حيث سمى أحد ابنائه بأبي بكر واثنين آخرين بعمر، وكذلك الحسين ، سمى أحد أبنائه بأبي بكر ،وآخر بعمر ،وكذلك كان موقف ابنه زين العابدين ، حيث سمى احد أولاده باسم عمر وآخر بعثمان ، أما هو فقد أحب أن يكني بأبي بكر ، وكذا حال الكاظم فسمى أحد أبنائه بأبي بكر، وآخر بعمر ، وكان ابنه الرضا يكنى بأبي بكر ، فهذه أسماء أولاد أئمة أهل البيت ، لا يوجد فيهم عبد علي ولا عبد الحسن أو عبد الحسين !!! ، فكيف يجوز أن يتسمى المسلم بأسماء الجاهلية !! ، والنبي- صلى الله عليه وسلم - كان يغّير أسماء الجاهلية كعبد شمس ، بل القرآن لم يذكر اسم عم النبي بل ذكر كنيته فقال تعالى:
{ تَبَّتْ يَدَآ أَبىِ لَهَبْ } لأن اسمه كان عبد العزى !!(60/8)
.
اشتهر أبوهريرة بكنيته ، وبها عرف حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى .
أخرج الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال : إنما كنّوني بأبي هريرة لأني كنت أرعى غنما لأهلي ، فوجدت أولاد هرة وحشية ، فجعلتها في كمي ، فلما رجعت إليهم سمعوا أصوات الهر من حجري ، فقالوا: ما هذا يا عبد شمس ؟ فقلت : أولاد هرة وجدتها ، قالوا : فأنت أبوهريرة ، فلزمني بعد (1).
وأخرج الترمذي عنه قال: كنت أرعى غنم أهلي، فكانت لي هريرة صغيرة ، فكنت أضعها بالليل في الشجرة ، فإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها فكنوني بأبي هريرة(2)
لكن يقول أبو هريرة- رضي الله عنه - :" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوني : أبا هرٍ ، ويدعوني الناس: أبا هريرة " (3) .
ولذلك يقول: " لأن تكنونني بالذكر أحب إلي من أن تكنونني بالأنثى" (4) .
اسلامه وصحبته:
المشهور أنه أسلم سنة سبع من الهجرة بين الحديبية وخيبر وكان عمره حينذاك نحواً من ثلاثين سنة ، ثم قدم المدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، حين رجوعه من خيبر وسكن ( الصّفة) ولازم الرسول ملازمة تامة ، يدور معه حيثما دار ، ويأكل عنده في غالب الأحيان إلى أن توفي عليه الصلاة والسلام (5) .
حفظه وقوة ذاكرته :
__________
(1) المستدرك 3/506 بسند صحيح أقره الذهبي في مختصر المستدرك .
8
(2) الترمذي وقال بأنه حسن .
(3) المستدرك 3/506 بسند صحيح أقره الذهبي .
(4) المستدرك 3 / 507 .
(5) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي لمصطفى السباعي .
9(60/9)
كان من أثر ملازمة أبي هريرة- رضي الله عنه - للرسول - صلى الله عليه وسلم - ملازمة تامة ، أن اطلع على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله ، ولقد كان سيء الحفظ حين أسلم ، فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له : افتح كساءك فبسطه، ثم قال له : ضمه إلى صدرك فضمه ، فما نسي حديثاً بعده قط .هذه القصة - قصة بسط الثوب - أخرجها أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد ، والنسائي ، وأبي يعلى،وأبي نعيم .
الفصل الثاني
ثناء الله تعالى والرسول- صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين- رضي الله عنهم - وأهل العلم عليه :
أكرم الله تعالى الصحابة - رضي الله عنهم - بآيات كثيرة تثبت لهم الفضل والعدالة ، منها ما نزل في صحابي واحد أو في أصحاب مشهد معين مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،كرضوانه عن الذين بايعوا تحت الشجرة في الحديبية ، ومنها ما نزل فيهم عامة ودخل تحت ظلها كل صحابي ، وكذلك أكرم الرسول- صلى الله عليه وسلم - أصحابه - رضي الله عنهم - بمثل ذلك من الاستغفار وإعلان الفضل والعدالة لبعضهم أو لطبقة منهم أو لهم عامة .
فمن الآيات العامة الشاملة قوله - عز وجل - :{ مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح /29] ، ومن آخر الآيات نزولاً قوله { لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهٌ فِىِ سَاعَةِ العُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُو بِهَمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة/117] .(60/10)
فأبو هريرة واحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ينال أجر الصحبة المطلقة ، ويكسب العدالة التي لحقت بهم جميعاً وأثبتتها آيات القرآن الكريم السابقة . وهو ينال شرف دعوة النبي- صلى الله عليه وسلم - وينال أجر الهجرة إلى الله ورسوله ، إذ كانت هجرته قبل الفتح وشرف دعوة النبي- صلى الله عليه وسلم - له، وأجر الجهاد تحت راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وأجر حفظ حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وتبليغه .
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - :والذي نفس محمد بيده ، لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي ، لما رأيت من حرصك على العلم (1) .
وفي رواية قال : لقد ظننت لايسألني عن هذا الحديث أحد أول منك ،لما رأيت من حرصك على الحديث (2) .
وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أبوهريرة وعاء من العلم(3)
قال زيد بن ثابت : فقلنا : يارسول الله، ونحن نسأل الله علما لاينسى فقال: سبقكم بها الغلام الدوسي (4).
جاء رجل إلى ابن عباس- رضي الله عنه - في مسألة ، فقال ابن عباس لأبي هريرة - رضي الله عنه -: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة (5) .
قال الشافعي : أبو هريرة - رضي الله عنه - أحفظ من روى الحديث في دهره (6).
وقال البخاري : روى عنه نحو ثمانمائة من أهل العلم ، وكان أحفظ من روى الحديث في عصره (7).
__________
(1) مسند أحمد 15/208 .
10
(2) فتح الباري 1/203 ، وسير أعلام النبلاء 2/430 .
(3) سير أعلام النبلاء 2/ 430 .
(4) فتح الباري 1/226 ، وسير اعلام النبلاء 2/432 وحلية الأولياء 1/381 .
(5) سير أعلام النبلاء 2/437 .
(6) الرسالة ص281 ، سير أعلام النبلاء 2/432 .
(7) تهذيب التهذيب 12/265 ، البداية والنهاية 8/103 .(60/11)
وقال الذهبي : الإمام الفقيه المجتهد الحافظ ، صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، أبو هريرة- رضي الله عنه - الدوسي اليماني ، سيد الحفاظ الأثبات (1).
وقال في موضع آخر : أبو هريرة - رضي الله عنه - إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول- صلى الله عليه وسلم - وأدائه بحروفه (2) .
وقال أيضاً: كان أبو هريرة - رضي الله عنه - وثيق الحفظ ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث (3).
وقال أيضاً : هو رأس في القرآن ، وفي السنة ، وفي الفقه (4).
وقال : أين مثل أبي هريرة - رضي الله عنه - في حفظه وسعة علمه (5).
الصحابة الذين روى عنه :
روى عن كثير من الصحابة منهم : أبو بكر ، وعمر ، والفضل بن العباس ، وأبي ابن كعب ، وأسامة بن زيد ، وعائشة - رضي الله عنهم - .
وأما الصحابة الذين رووا عنه : منهم ابن عباس ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ، وجابر بن عبدالله الأنصاري وأبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنهم -.
التابعون الذين رووا عنه :
ومن التابعين سعيد بن المسيب وكان زوج ابنته، وعبدالله بن ثعلبة ، وعروة ابن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وسلمان الأغر، وسليمان بن يسار، وعراك بن مالك ، وسالم بن عبدالله بن عمر، وأبو سلمة وحميد ابنا عبدالرحمن بن عوف، ومحمد بن سيرين ، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار- رضي الله عنهم - وكثيرون جداً بلغوا كما قال البخاري : ثمانمائة من أهل العلم والفقه .
عدة ما روي عنه من الحديث :
أخرج أحاديثه جمع من الحفاظ من أصحاب المسانيد ، والصحاح ، والسنن ، والمعاجم ، والمصنفات ، وما من كتاب معتمد في الحديث ، إلا فيه أحاديث عن الصحابي الجليل أبى هريرة - رضي الله عنه - .
__________
(1) سير أعلام النبلاء2/417 .
(2) سير أعلام النبلاء 2/445 .
11
(3) المصدر السابق ص446 .
(4) المصدر السابق ص449 .
(5) المصدر السابق ص438 .
12(60/12)
وتتناول أحاديثه معظم أبواب الفقه: في العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والجهاد ، والسير، والمناقب، والتفسير، والطلاق، والنكاح، والأدب، والدعوات ، والرقاق ، والذكر والتسبيح .. وغير ذلك .
روى له الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ( 3848 ) حديثاً وفيها مكرّر كثير باللفظ والمعنى ، ويصفو له بعد حذف المكرّر خير كثير .
وروى له الإمام بقى بن مخلد ( 201 - 276 هـ ) في مسنده ( 5374 ) خمسة آلاف حديث ، وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً .
وروى له أصحاب الكتب الستة والإمام مالك في موطئه( 2218 ) ألفي حديث، ومائتين وثمانية عشر حديثاً مما اتفقوا عليه وانفردوا به (3) ، له في الصحيحين منها (609) ستمائة وتسعة أحاديث ، اتفق الشيخان : الإمام البخاري ، والإمام مسلم عن (326) ثلاثمائة وستة وعشرين حديثاً منها، وانفرد الإمام البخاري بـ( 93) بثلاثة وتسعين حديثاً، ومسلم بـ(190) بتسعين ومائة حديث (1) .
أصح الطرق عن أبي هريرة :
أصح أسانيد أبي هريرة في رأي البخاري ماروي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة (2).
وأصح حديث ابي هريرة في رأي الإمام أحمد مارواه محمد بن سيرين ثم مارواه سعيد بن المسيب .
أما عند الإمام علي بن المديني فهم ستة : ابن المسيب ، وأبوسلمة ، والأعرج، وأبو صالح ، وابن سيرين ، وطاوس (3).
وهم ستة أيضاً عند ابن معين: قال أبوداود : سألت ابن معين: من كان الثبت في أبي هريرة ؟ فقال: ابن المسيب وأبوصالح ، وابن سيرين ، والمقبري ، والأعرج ، وأبو رافع (4) ، وأربعة منهم وافق ابن المديني عليهم ، واستثنى أبا سلمة وطاوس ، وأبدلهما بالمقبري وابي رافع .
__________
(1) انظر الرياض المستطابة ص 70 ، وشذرات الذهب 1/63 .
(2) التهذيب 5/204 ، ميزان الاعتدال 2/36 .
13
(3) التهذيب 9/215 .
(4) التهذيب 3/220 .(60/13)
وقد أحصى أحمد محمد شاكر ، وذكر أصح أسانيد أبي هريرة ومجموع من ذكرهم ستة : مالك وابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عنه ، ومالك عن أبي الزناد عن الأعرج عنه، وحماد بن زيد عن ايوب عن محمد بن سيرين عنه، ومعمر عن همام بن منبه عنه ، ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه واسماعيل ابن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عنه (1).
كثرة حديثه وأسبابها :
كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يبين أسباب كثرة حديثه فيقول : إنكم لتقولون أكثر أبوهريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم -، والله الموعد ، ويقولون : ما للمهاجرين لا يحدثون عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - هذه الأحاديث ، وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها ، وإني كنت امرءاً مسكيناً :" ألزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على ملء بطني " وكنت أكثر مجالسة رسول الله، أحضر إذا غابوا ، وأحفظ إذا نسوا ، وإن النبي- صلى الله عليه وسلم - حدثنا يوماً فقال: " من يبسط ثوبه حتى أفرغ فيه من حديثي ، ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئاً سمعه مني أبداً " فبسطت ثوبي - أو قال نمرتي - فحدثني ثم قبضته إلىّ ، فوالله ما كنت نسيت شيئاً سمعته منه .
وكان يقول: وأيم الله.. لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبداً، ثم يتلوا: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّهُ لِلنَّاسِ فىِ الْكِتَبِ أُوْلئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّعِنُونَ }. وكان يدعو الناس إلى نشر العلم، وعدم الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، من ذلك ما يرويه عن النبي- صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة " وعنه أيضاً : " ومن كذب علىّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" متفق عليه .
__________
(1) انظر مسند أحمد 1/149-150 .
14(60/14)
وقد شهد له إخوانه أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بكثرة سماعه وأخذه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، وهذه الشهادات تدفع كل ريب أو ظن حول كثرة حديثه ، حتى إن بعض الصحابة y رووا عنه لأنه سمع من النبي الكريم ولم يسمعوا ، ومن هذا أن رجلا جاء إلى طلحة ابن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد، أرأيت هذا اليماني- يعني أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - منكم ؟ نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم ، أم هو يقول عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل ؟ قال : أما أن يكون سمع ما لم نسمع ، فلا أشك ، سأحدثك عن ذلك : إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل ، كنا نأتي رسول الله- صلى الله عليه وسلم - طرفى النهار ، وكان مسكيناً ضيفاً على باب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يده مع يده ، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع ، ولا تجد أحداً فيه خير يقول عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ما لم يقل وقال في رواية : " قد سمعنا كما سمع ، ولكنه حفظ ونسينا " .
وروى أشعث بن سليم عن أبيه قال : سمعت أبا أيوب " الأنصاري " يحدّث عن أبي هريرة فقيل له : أنت صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -وتحدّث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ؟ فقال: إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع ، وإني أن أحدث عنه أحبّ إليّ من أن أحدث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -- يعني ما لم أسمعه منه .
ثم إن جرأة أبى هريرة - رضي الله عنه - في سؤال الرسول- صلى الله عليه وسلم - أتاحت له أن يعرف كثيراً مما لم يعرفه أصحابه ، فكان لا يتأخر عن أن يسأله عن كل ما يعرض له، حيث كان غيره
15
لا يفعل ذلك ، قال أٌبي بن كعب : كان أبو هريرة - رضي الله عنه - جريئاً على النبي- صلى الله عليه وسلم - يسأله عن أشياء لا نسأله عنها .(60/15)
كما كان يسأل الصحابة الذين سبقوه إلى الإسلام ، فكان لا يتأخر عن طلب العلم ، بل كان يسعى إليه في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم -، وبعد وفاته .
وهو الذي يروى عنه : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" .
وقد رأينا أبا هريرة - رضي الله عنه - يحب الخير ويعمل من أجله ، فما أظنه يتأخر عن خير من هذا النوع، وهو الذي صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لكلمة يعلمه إياها، ولحكمة يعظه بها (1)
مرضه ووفاته :
لما حضرته المنية- رضي الله عنه - قال: لاتضربوا علي فسطاطاً ، ولاتتبعوني بنار وأسرعوا بي إسراعاً ، فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا وضع الرجل الصالح - أو المؤمن - على سريره قال: قدموني، وإذا وضع الرجل الكافر - أو الفاجر - على سريره ، قال ياويلي أين تذهبون بي ؟ وكانت وفاته في السنة التي توفيت فيها عائشة أم المؤمنين عام (58 هـ) .
- - - - - -
الرد على الشبهات التي أثارها أهل البدع والمخالفين حول أبي هريرة ورواياته:
ذلكم أبو هريرة - رضي الله عنه - الذي عرفناه قبل إسلامه وبعد إسلامه ، عرفناه في هجرته وصحبته للرسول الكريم ، فكان الصاحب الأمين والطالب المجد ، يدور مع الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في حلّه وترحاله ، ويشاركه أفراحه وأحزانه،وعرفنا التزامه للسنة المطهرة، وتقواه وورعه ، في شبابه وهرمه ...وعرفنا مكانته العلمية ، وكثرة حديثه ، وقوة حافظته ، ورأينا منزلته بين أصحابه ، وثناء العلماء عليه .
__________
(1) أبوهريرة راوية الاسلام للعجاج ص117-121 .
16(60/16)
ذلكم أبو هريرة- رضي الله عنه - الذي صوّره لنا التاريخ من خلال البحث الدقيق ، إلا أن بعض الحاقدين الموتورين لم يسرهم أن يروا أبا هريرة - رضي الله عنه -في هذه المكانة السامية ، والمنزلة الرفيعة ، فدفعتهم ميولهم وأهواؤهم إلى أن يصوّروه صورة تخالف الحقيقة التي عرفناها ، فرأوا في صحبته للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، غايات خاصة ليشبع بطنه ويروي نهمه ، وصوروا أمانته خيانة ، وكرمه رياء ، وحفظه تدجيل ،وحديثه الطيب الكثير كذباً على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وبهتاناً ، ورأوا في فقره مطعناً وعاراً ، وفي تواضعه ذلاً ، وفي مرحه هذراً ، وصوروا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لونًا من المؤامرات لخداع العامة، ورأوا في اعتزاله الفتن تحزباً ، وفي قوله الحق انحيازاً ، فهو صنيعة الأمويين و أداتهم الداعية لمآربهم السياسية ، فكان لذلك من الكاذابين الواضاعين للأحاديث على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - افتراء وزورا !! .
وفيما يلي ذكر الأباطيل والافتراءات والشبهات التي أوردُوها ، ولنبدأ بالشبهات التي أثارها "عبد الحسين" في كتابه ( أبو هريرة ) مع أجوبتها .
17
الفصل الأوّل
"مع عبد الحسين شرف الدين الموسوي "
قال في مقدمة كتابه " أبو هريرة " (ص5) ما نصه:( هذه دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله فأكثر حتى أفرط و روت عنه صحاح الجمهور و سائر مسانيدهم فأكثرت حتى أفرطت أيضاً ، ولا يسعنا إزاء هذه الكثرة المزدوجة إلا أن نبحث عن مصدرها لإتصالها بحياتنا الدينية والعقلية اتصالا مباشرًا ولولا ذلك لتجاوزناها و تجاوزنا مصدرها إلى ما يغنينا عن تجشم النظر فيها وفيه .(60/17)
ولكن اسلات هذه الكثرة قد استفاضت في فروع الدين وأصوله فاحتج بها فقهاء الجمهور ومتكلموهم في كثير من أحكام الله عز وجل وشرائعه ملقين إليها سلاح النظر والتفكير ولا عجب منهم في ذلك بعد بنائهم على إصالة العدالة في الصحابة أجمعين ، وحيث لا دليل على هذا الأصل كما هو مبين في محله بإيضاح لم يكن لنا بد من البحث عن هذا المكثر نفسه وعن حديثه كما وكيفا لنكون على بصيرة فيما يتعلق من حديثه بأحكام الله فروعاً وأصولاً وهذا ما اضطرنا الى هذه الدراسة الممعنة في حياة هذا الصحابي ( وهو أبو هريرة ) وفي نواحي حديثه وقد بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب حتى أسفر وجه الحق في كتابي هذا وظهر فيه صبح اليقين .
أما أبو هريرة نفسه فنحيلك الآن في تاريخ حياته وتحليل نفسيته على ما ستقف عليه في الكتاب، إذ مثلناه بكنهه وحقيقته من جميع نواحيه تمثيلا تاما تدركه بحواسك كلها .
وأما حديثه فقد أمعنا النظر فيه كما وكيفا فلم يسعنا -شهد الله - إلا الانكار عليه في كل منها. وأي ذي روية متجرد متحرر يطمئن إلى هذه الكثرة لا يعد لها المجموع من كل ما حدث به الخلفاء الأربعة وأمهات المؤمنين التسع والهاشميون والهاشميات كافة . وكيف تسنى لأمي ( تأخر اسلامه فقلت صحبته أن يعي عن رسول الله(ص) ما لم يعه السابقون الأولون من الخاصة وأولي القربى . ونحن حين نحكم الذوق
18
الفني والمقياس العلمي نجدهما لا يقران كثيراً مما رواه هذا المفرط في اكثاره وعجائبه
فالسنة أرفع من أن تحتضن أعشاباً شائكة وخز بها أبو هريرة ضمائر الأذواق الفنية، وأدمى بها تفكير المقاييس العلمية ان يشوه بها السنة المنزهة ويسيء الى النبي وأمته (ص).... .(60/18)
والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة ، لكنها غير عاصمة ، والصحابة فيهم العدول وفيهم الأولياء والأصفياء والصديقون وهم علماؤهم وعظماؤهم وفيهم مجهول الحال، وفيهم المنافقون من أهل الجرائم والعظائم، والكتاب الحكيم يذكر ذلك بصراحة ومن أهل المدينة (1) مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم .
فعدولهم حجة ومجهول الحال نتبين أمره ، وأهل الجرائم لا وزن لهم ولا لحديثهم هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم والكتاب والسنة بنيا على هذا الرأي فالوضّاعون لا نعفيهم من الجرح وإن اطلق عليهم لفظ الصحابة ، لأن في اعفائهم خيانة لله عز وجل ولرسوله ولعباده ، ونحن في غنى بالعلماء والعظماء ، والصديقين ، والصالحين ، من أصحابه (ص) ومن عترته التي أنزلها منزلة الكتاب وجعلها قدوة لأولي الألباب .
وعلى هذا فقد اتفقنا في النتيجة وإن قضى الالتواء في المقدمات شيئاً من الخلاف، فإن الجمهور إنما يعفون أبا هريرة،وسمرة بن جندب،والمغيرة ، ومعاوية ، وابن العاص، ومروان، وأمثالهم تقديساً لرسول الله لكونهم في زمرة من صحبه(ص) ونحن إنما ننتقدهم تقديساً لرسول الله ولسنته (ص)شأن الأحرار في عقولهم ممن فهم الحقيقة من التقديس والتعظيم .
وبديهي - بعد - أن تكذيب كل من يروي عن رسول الله(ص) شيئاً خارجاً عن طاقة التصديق أولى بتعظيم النبي وتنزيهه وأجرى مع المنطق العلمي الذي يريده (ص) لرواد الشريعة ورواد العلم من أمته ، وقد أنذر (ص) بكثرة الكذابة عليه وتوعدهم بتبوء مقاعدهم من النار فأطلق القول بالوعيد .
__________
(1) فقول الله {ومن أهل المدينة } لا يعني أنهم من الصحابه فالمنافقون منهم من أهل المدينة ومنهم غيرهم ولكن الصحبه والنفاق لا يلتقيان وأما المكان كالمدينة والنفاق فلا مانع بل قد يكون من أهل المدينه ومكة مرده الكفر والطواغيت ، والنصوص في عدالة الصحابة كثيرة في الكتاب والسنة .
19(60/19)
وإني أنشر هذه الدراسة في كتابي هذا - أبو هريرة - مخلصاً للحق في تمحيص السنة وتنزيهها في ذاتها المقدسة وفي نسبتها لقدسي النبي الحكيم العظيم ( وما ينطق عن الهوى).
قلت: قوله بأن أبا هريرة أفرط ، فهذا كذب ، فأي إفراط كان من أبي هريرة وهو الحافظ الذي عرفناه ، والمفتي الذي احتاجت إليه الأمة بعد وفاة رؤوس الصحابة، وبقى أبو هريرة مع من بقى في المدينة مرجعاً للمسلمين في دينهم وشريعتهم ، بعد أن انطلق الصحابة إلى الأقطار الإسلامية يعلمون أهلها ويفقهونهم ، وسنتعرض للرد التفصيلي على دعواه هذه فيما بعد ، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن أبا هريرة لم يكن مفرطاً ، بل كان كغيره من علماء الصحابة ، يستفتى فيفتى ، ويسأل فيجيب ، فلم يكن مفرطاً ، في عهد الخلفاء الراشدين ولا بعدهم ، إنما وثق به القوم، وعرفوا مكانته ، فوضعوه حيث يستحق ، فكم من راحل يقطع المسافات ليرى أبا هريرة ، وكم من مقيم يترك كبار الصحابة ويأتيه في مسألة أو حديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .
فأبو هريرة لم يكثر من عنده ، إنما وثق الناس بحفظه فحرصوا على أن ينهلوا منه، فما جريرته في ذلك ، وقد شهد بعلمه وحفظه ابن عمر وطلحة بن عبيد الله والزبير وغيرهم ، حتى إنه قال - عندما استكثروا حديثه - : ما ذنبي إذا حفظت ونسوا .
جاء في مصادر القوم ( البحار 18/13) " باب معجزات النبي في استجابة دعائه" نقلا عن الخرائج : أن أبا هريرة قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - إني أسمع منك الحديث الكثير أنساه ، قال : أبسط رداك قال : فبسطته فوضع يده فيه ثم قال : ضمّه فضممته، فما نسيت كثيرا بعده .(60/20)
فما ذنب أبي هريرة - رضي الله عنه - إذا دعا له رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه الله الحفظ ؟!، بل هذا أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ، يزعم أولياء " المؤلف" أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - دعا له أن يعطيه فهماً وحفظاً ، فما نسى آية من كتاب الله !! .
ففي " البحار" (40/139 ) "باب 93 أن النبي- صلى الله عليه وسلم - علّمه ألف باب" !! عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (ع) قال : كنت إذا سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أجابني ، وإن فنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض ولا دنيا ولا آخرة ولا جنة ولا نار ولا سهل ولا جبل ولا ضياء ولا ظلمة إلا أقرأنيها وأملاها عليّ ، وكتبت بيدي وعلّمني تأويلها وتفسيرها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها ، وكيف نزلت وأين نزلت وفيمن أنزلت إلى يوم القيامة ، دعا الله لي أن يعطيني فهماّ وحفظاّ ، فما نسيت آية من كتاب الله ، ولا على من أنزلت أملاه عليّ .
فما ذنب علي - رضي الله عنه - إذا دعا له رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه الله الحفظ ؟! بل ، ما ذنبه إذا علمه رسول الله- صلى الله عليه وسلم -- حسب ادعاء القوم - ألف باب أو كلمة ؟!
وعن الثمالي عن أبي جعفر قال: قال علي (ع): لقد علّمني رسول الله ألف باب كل باب يفتح ألف باب!! . وفي وراية " علّم رسول الله علياً ألف كلمة كل كلمة تفتح ألف كلمة " (1) .
ونقل محمد مهدي في كتابه " الجامع لرواة وأصحاب الإمام الرضا" (1/244):
" لقول أمير المؤمنين(ع) : اقتربوا اقتربوا وسلوا وسلوا فإن العلم يفيض فيضاً، وجعل يمسح بطنه!! ويقول: ما ملئ طعام ولكن ملأه علم!! ..." .
__________
(1) البحار 40/131 وص133 .
21(60/21)
ونقل النجاشي في رجاله (2/399-400) تحت ترجمة هشام بن محمد بن السائب....، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختص بمذهبنا وله الحديث المشهور، قال: اعتللت علّة عظيمة، نسيت علمي، فجلست إلى جعفر بن محمد(ع)، فسقاني العلم في كأس، فعاد إليّ علمي ..
أليس غريباً بعد ذلك أن يستنكر المؤلف كثرة أحاديث أبي هريرة وعلمه؟!!
ثم من العجيب أن يثير هذا في القرن العشرين !! ، فهل يعجب من قوة ذاكرة الإنسان ولاسيما العرب ؟، فقد كان العرب يحفظون أضعاف أضعاف ما حفظه أبو هريرة ؟!!
لقد حفظوا القرآن الكريم والحديث والأشعار ، فماذا يقول المؤلف" الأمين" في هؤلاء ؟ ماذا يقول في حفظ أبي بكر أنساب العرب؟ وعائشة رضي الله عنها شعرهم؟
وماذا يقول هذا الجاهل في حماد الراوية الذي كان أعلم الناس بأيام العرب وأشعارا وأخبارها وأنسابها ولغاتها ؟ وماذا يقول فيه إذا علم أنه روى على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات ، من شعر الجاهلية دون الإسلام؟
ماذا يقول في حفظ الإمام البخاري في الحديث، فقد كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح ، وقد صنّف كتابه في ستمائة ألف حديث .
وماذا يقول في حفظ ابن عقدة ، فقد كان يحفظ مائة وعشرين ألف حديث!!
نقل آية الله الكلبايكاني في كتابه ( أنوار الولاية ص 415) " في تحقيق سند الحديث الشريف ":( قال الشيخ الطوسي: سمعت جماعة يحكون عنه أنه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديثا بأسانيدها !! ، وأذاكر بثلاثة مائة ألف حديث )!! (1) .
إن مشكلة عبد الحسين أنه يدلس في كل صفحة من صفحات كتابه ، فهو يزعم أن أبا هريرة أفرط ، وينسى أو بالأحرى يتناسى أن أئمته الذين يزعمون فيهم العصمة ! ورواتهم ، قد رووا أضعاف ما رواه أبو هريرة ، حتى أفرطوا وأفرطت كتبهم الأربعة أو أصولهم الأربعمائة ! .
__________
(1) وانظر ترجمته في رجال النجاشي 1/240 رقم 231.
22(60/22)
فعلاوة على الباب السابق الذي عقده المجلسي من بحاره والتي استغرق عرض الأحاديث فيه من (ص127 -200) ، علاوة على ذلك ، فقد زعموا لأئمتهم مثل ذلك !
قلت: استمع واقرأ واعجب من مرويات ثقاته وعددها !! .
رواة الشيعة يفرطون :
فهذا عالم الشيعة في الجرح و التعديل أبو العباس النجاشي يروي في رجاله المعروف برجال النجاشي أن الراوي أبان بن تغلب روى عن الإمام جعفر الصادق (30) ألف حديث!! (1)، بل أن هذا المؤلف بنفسه نقل هذا الكلام في كتابه الموضوع على شيخ الأزهر المسمى" بالمراجعات " (2).
قال المؤلف في مراجعاته ما نصه :( فمنهم أبو سعيد أبان بن تغلب رباح الجريري القارىء الفقيه المحدث المفسر الأصولي اللغوي المشهور،كان من أوثق الناس ، لقى الأئمة الثلاثة فروى عنهم علوماً جمة و أحاديث كثيرة ، وحسبك أنه روى عن الصادق خاصة ثلاثين ألف حديث!! كما أخرجه الميرزا محمد في ترجمة أبان من كتاب منتهى المقال بالإسناد إلى أبان بن عثمان عن الصادق(ع)...) (3).
وقال عبد الحسين: ( قال الصادق لأبان بن عثمان: إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث!! فاروها عني ) (4).
بل أكثر رواتهم الموثقين يروون أضعاف أضعاف هذا العدد .
محمد بن مسلم بن رباح:
فهذا عمدتهم في الرجال يذكر أحد رواتهم ويُدعى محمد بن مسلم بن رباح فيقول أنه : سأل الباقر عن ثلاثين ألف حديث!! و سأل الصادق عن ستة عشر ألف حديث!! (5) .
جابر بن يزيد الجعفي:
__________
(1) رجال النجاشي 1/78-79 ، وخاتمة وسائل الشيعة 20/116 .
(2) سيأتي ذكر هذا الكتاب وأنه ملفق بأدلة دامغة .
(3) المراجعات لعبد الحسين مراجعة رقم 110ص722 تحقيق حسين الراضي .
23
(4) المراجعات ص723 ، وانظر رجال النجاشي ص9 .
(5) رجال الكشي ص163 ، خاتمة الوسائل 20/ 343 .(60/23)
ومن المكثرين المفرطين جابر بن يزيد الجعفي ،كان يجيش في صدره كثرة أحاديث المعصومين حتى يأخذه الجنون، فكان يذهب إلى المقبرة ويدفن أحاديثهم !!
روى الكشي عن جابر الجعفي قال حدثني أبو جعفر (ع) بسبعين ألف حديث!! لم أحدث بها أحداً قط ولا أحدث بها أحد أبدا ، قال جابر فقلت لأبي جعفر (ع) جعلت فداك أنك قد حملتني وقراً عظيماً بما حدثتني به من سرّكم!! الذي لا أحدث به أحداً!! ، فربما جاش في صدري حتى يأخذني منه الجنون !! قال يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبانة فاحفر حفيرة ودل رأسك ثم قل حدثني محمد بن علي بكذا وكذا (1).
وأخرج الكشي بإسناده عن جابر الجعفي قال : رويت خمسين ألف حديث ما سمعه أحد مني (2).
قال الحر العاملي في خاتمة الوسائل ما نصه : " أنه روى سبعين ألف حديث!! عن الباقر وروى مائة وأربعين ألف حديث!! ، والظاهر أنه ما روى أحد بطريق المشافهة عن الأئمة أكثر مما روى جابر (3).
وهؤلاء المكثرون المفرطون من الحديث ذكرهم عبد الحسين بنفسه في كتابه الذي لفقه وسماه " المراجعات " و دافع عنهم و اثنى عليهم . فيا عقلاء من الذي أكثر و أفرط ؟! إي إفراط كان من أبي هريرة - رضي الله عنه - ؟
وأما أن الصحاح وسائر مسانيد الجمهور قد أفرطت فيما روته عنه ، فهذا ظلم وجور ، لا نوافقه عليه ، ولا يقبله إنسان منصف ، ولا يقره عليه عقل راجح ، بل هذا الادعاء كذب مكشوف ، لأن صحاحهم هي التي أفرطت بإعترافه ! .
__________
(1) رجال الكشي ص194 .
(2) الكشي ص194 .
24
(3) خاتمة الوسائل 20/151 .(60/24)
قال في كتابه الذي لفقه " المراجعات " ما نصه (...وأحسن ما جمع منها الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أصولهم و فروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان، وهي : الكافي، و التهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها، والكافي أقدمها و أعظمها وأحسنها و أتقنها ، وفيه ستة عشر ألف و مئة وتسعة وتسعون حديثا، وهي أكثر مما اشتملت عليه الصحاح الستة بأجمعها، كما صرح به الشهيد في الذكرى وغير واحد من الأعلام ) (1).
فأنظروا إلى قوله :( وهي أكثر مما اشتملت عليه الصحاح الستة بأجمعها ) !
فيا عقلاء، كتب من التي أكثرت و أفرطت ؟! كتب الحديث عن أهل السنة لم تضم بين دفاتها أي حديث إلا بعد تنقيب وتمحيص .
__________
(1) المراجعات رقم 110 ص729 .
25(60/25)
إن كتب السنة لم تضم بين دفاتها أي حديث إلا بعد بحث وتنقيب وتمحيص ، ومقارنة وتحقيق ، يتناول حياة الراوي وسلوكه وحفظه ، ولا يؤخذ عن إنسان إلا بعد التحقق من عدالته ، فكان النقد يتناول الرجال والمتن ، ولم يكن النقد خارجياً فقط ، بل كانوا يعرضون الرواية على القرآن والسنة ، حتى يتأكدوا من صحة الخبر ، وكان منهم من يجمع الأخبار المتعارضة فيسلك طريق الدراسة والموازنة والتوفيق والترجيح حتى يتبين له وجه الحق والصواب ، فلم تكتب الصحاح إلا على أسس علمية دقيقة ، تتناول السند والمتن على السواء ، وهذا بخلاف كتب القوم ، يقول الاستاذ عبد الله فياض في كتابه الإجازات العلمية عند المسلمين : ( ويبدو أن عملية انتحال الأحاديث من قبل غلاة الشيعة القدامى ودسّها في كتب الشيعة المعتدلين لم تنته بمقتل المغيرة بن سعيد(1) (سنة 119هـ)... بل نجد إشارة للعملية نفسها تعود إلى مطلع القرن الثالث الهجري ولعل ذلك ما يدل على عمق حركة الغلو من جهة واستمراريتها من جهة أخرى ...) .
ويقول الأستاذ عبد الله فياض ما لفظه: ( ومن الجدير بالذكر أنه لم تجر عملية تهذيب وتشذيب شاملة لكتب الحديث عند الشيعة الإمامية على غرار العملية التي أجراها المحدثون عند أهل السنة والتي تمخض عنها ظهور الصحاح الستة المعروفة ونتج عن فقدان عملية التهذيب لكتب الحديث عند الشيعة الأمامية مهمتان هما :
أولاً: بقاء الأحاديث الضعيفة بجانب الأحاديث المعتبرة في بعض المجموعات الحديثية عندهم .
__________
(1) نقل المامقاني في مقدمة كتابه تنقيح المقال أن المغيرة بن سعيد قال " دسست في أخباركم أخبار كثيرة تقرب من مائة ألف حديث .(60/26)
ثانياً : تسرب أحاديث غلاة الشيعة إلى بعض كتب الحديث عند الشيعة وقد تنبه أئمة الشيعة الإمامية وعلمائهم إلى الأخطار المذكورة وحاولوا خنقها في مهدها ولكن نجاحهم لم يكن كاملا نتيجة لعدم قيام تهذيب شاملة لكتب الحديث) (1).
وهذا بخلاف كتب الحديث عند أهل السنه كما أشار إلى ذلك الأستاذ فياض ، فأنهم هذّبوا كتبهم من الروايات الموضوعة حتى ألفوا مجموعة كبيرة من المؤلفات في الأحاديث الموضوعة فألف الحافظ الجوزجاني المتوفي سنة (543هـ) أول كتاب في الموضوعات أسمه كتاب: الأباطيل ثم الحافظ ابن الجوزي المتوفى سنة (597 هـ) ألف كتاب سماه الموضوعات ثم الصاغاني اللغوي المتوفى سنة (650 هـ) له رسالتان في ذلك ثم السيوطي المتوفى سنة (910هـ) وله كتب في التعقيب على ابن الجوزي وهى : النكت البديعات والوجيز واللاّلي المصنوعة والتعقبات .
ثم محمد بن يوسف بن علي الشامي صاحب السيرة المتوفي سنة (942هـ) له كتاب " الفوائد المجموعة في بيان الأحاديث الموضوعة " ثم علي بن محمد بن عراق المتوفي سنة (963) له كتاب: تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " ثم محمد بن طاهر الهندي المتوفى سنة (986 هـ) له كتاب " تذكرة الموضوعات " ثم الملا علي قاري المتوفي سنة (1014هـ) له كتاب تذكرة الموضوعات " ثم الشيخ السفاريني الحنبلي المتوفي سنة (1188هـ) له كتاب " الدررالمصنوعات في الأحاديث الموضوعات" في مجلد ضخم ..ثم القاضي الشوكاني المتوفى سنة (1250هـ) ألف كتاباً "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة "ولأبي المحاسن محمد بن خليل المتوفى سنة (1305) ألف كتابا " اللؤلؤ الموضوع " فيما قيل : لاأصل له أو بأصله موضوع، ولمحمد البشير ظافر الأزهري المتوفى سنة (1325هـ) كتاب سماه " تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين " .
__________
(1) الإجازات العلمية عند المسلمين ص98 .(60/27)
كما أن هناك كتب اشتملت على الموضوع والواهي من الأحاديث مثل "التذكرة" للمقدسي و"المغني" عن الحفظ والكتاب " لعمر بن بدر الموصلي المتوفى سنة (543 هـ) وله أيضا كتاب " العقيدة الصحيحة في الموضوعات الصريحة " ومنها كتب يكثر فيها بيان الموضوع منه : تخريج أحاديث الأحياء للعراقي ومختصره لصاحب القاموس والمقاصد الحسنة في الأحاديث الدائرة على الألسنة للسخاوي وللحافظ ابن القيم رسالة باسم " المنار " فيها مباحث في شأن الحديث الموضوع ونحوه... وأخيرا ألف العلامة المعاصر الشيخ الألباني كتاباً ضخم للاحاديث الموضوعة سماه "سلسلة الأحاديث الموضوعة " و"سلسلة الأحاديث الصحيحة " .
طبعاً هذا بخلاف كتب الحديث عند الشيعة حيث لم تتعرض لمثل هذا وتجد الأحاديث الموضوعة بجانب الأحاديث الصحيحة بل لم يؤلف الشيعة إلي يومنا هذا كتاباً مفصلاً في معرفة الأحاديث الموضوعة رغم دس المغيرة وأبي الخطاب أحاديث كثيرة في أحاديثهم التي يزعمون أنهم أخذوها من أهل البيت ... بل نظرة واحدة على كتاب الكافي تكفي مؤونة التفصيل .. كتلك الأحاديث الزاعمة على أهل البيت أن القراّن محرف أو إن الأئمة يعلمون علم الغيب أو إن الأئمة يوحى إليهم أو أن الأئمة يعلمون متى يموتون ... إلى آخر هذه الأحاديث الموضوعة ، ثم ألا يعد الكليني صاحب الكافي من الغلاة الحاقدين، ألم يقل بأن الصادق يقول بتحريف القراّن حتى عقد باباً في كتاب الحجة من كافيه وأورد عشرات الأحاديث على لسان الصادق بتحريف القراّن أن الآية لم تنزل هكذا بل هكذا نزلت حسب زعمه الفاسد .
ولهذه الأسباب لم يؤلف الشيعة كتاباً واحداً في الأحاديث الموضوعة لأنهم أن فعلوا ذلك لانهار " مذهب عبد الحسين " من أساسه لأنه قائم على الأحاديث الموضوعة !!(60/28)
يقول شيخهم هاشم معروف في كتابه "الموضوعات في الآثار والأخبار" (ص253): ما نصه:( وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجاميع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما نجد الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا باباً من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة و الاساءة إلى سمعتهم وبالتالي رجعوا إلى القراّن الكريم لينفثوا سمومهم ودسائسهم لأنه الكلام الوحيد الذي يتحمل مالا يتحمله غيره ففسروا مئات الآيات بما يريدون وألصقوها بأئمة الهداة زورا وبهتاناً وتضليلا وألف علي بن حسان، وعمه عبدالرحمن بن كثير وعلي بن أبي حمزة البطائني كتبا في التفسير كلّها تخريف وتحريف وتضليل لا تنسجم مع اسلوب القرآن وبلاغته وأهدافه ) .
28
لذلك نقول " لعبد الحسين" أنك أخطأت طريقك ، وتنكبت جادة الصواب ، واتهمت المسلمين جميعاً بأنهم لم يعرفوا قيمة "الصحاح " ، في حين إنك لم تعرف حقاً قيمة صحاحك! ، ولكن " المؤلف " لا يذكر هذا ، ليعمى على المسلمين طريقهم ويشككهم في كتبهم المعتمدة ، يريد منّا أن نسلّم له بما يقول ويرى ، فنحن القُرّاء لا نعرف شيئاً عن مذهبه ، لا يمكننا أن نحكم عليه ما لم ندرس "مذهبه " دراسة نزيهه محررة ، نحكم عليه من خلالها ، أما أن نكون فريسة خياله وأهوائه فهذا خلاف البحث العلمي ، وما عهدنا بحثاً توضع نتائجه قبل منا قشته ومحاكمته ، فهذا خلاف المنهج العلمي ، لذلك كان الأولى لهذا المؤلف أن يقوم "بعملية تهذيب وتشذيب شاملة لكتبهم الحديثية ولا سيما " الكافي " من الكفريات كأحاديث تحريف القرآن وكفر الصحابة ولعنهم والقدح في أعراض أمهات المؤمنين رضي الله عنهن والغلو في الأئمة إلى درجة التأليه ... بدلا من قوله: ( الواجب تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لا يحتمله العقل من حديث أبي هريرة ) .(60/29)
كان الأولى به أن يقوم بهذا التطهير، بدلا من أن يشاقق الله ورسوله، ويحكم على " الكافي" ( بأنه أقدم و أعظم و أحسن و اتقن الكتب الأربعة )، لأن أهل السنة قاموا بذلك التطهير وقد تمخض عنه ظهور الكتب الستة المعروفة .
وكان الأولى به أن يقوم بذلك ، بدلا من تأليفه كتب مسمومة تفرق الأمة وتشتت شملها (1)، ككتابه " الفصول المهمة في تأليف الأمة " وهو في الحقيقة أولى
__________
(1) أكثر الكتب التي ألفها عبد الحسين ككتابه هذا الذي نحن بصدده والرد عليه ( أبو هريرة ) الذي يتاجر بالعصبية المذهبية ، كتب طائفية ، و"كالمراجعات " الذي لفقه على شيخ الأزهر، وكتاب " النص والاجتهاد " وفوق أنه ظلمات فوق ظلمات، ففيه الحط على الخلفاء الثلاثة والصحابة وأمهات المؤمنين ، وسوف أعرض لتلك النماذج فيما بعد ، وإليك بعض كتبه الطائفية الأخرى : منها " فلسفة الميثاق والولاية " و " المجالس الفاخرة في تفضيل الزهراء " و " حول الرؤية " و " النصوص الجليلة في الامامة " و " تنزيل الآيات الباهرة في الامامة " و " سبيل المؤمنين في الامامة " و" الأساليب البديعة في رجحان مآتم الشيعة " و " المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة " .(60/30)
أن يسمى " بالفصول المهمة في تشتيت الأمة (1) " . وبدلا من اهدار الوقت في الفحص والتنقيب عن صحابي أجمعت الأمة على توثيقه بتعديل الله تعالى ورسوله- صلى الله عليه وسلم - له.... وكان الأولى له أن يبحث في حياة شيخه " النوري الطبرسي" ، الذي ألف كتاباً في إثبات تحريف القرآن المجيد سماه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب"(2) ، أورد فيه حوالي (1800) رواية من رواياتهم التي تزعم تحريف القرآن الكريم . كان الأولى على أقل تقدير أن يرد على شيخه(3)
__________
(1) يدعو في هذا الكتاب إلى تأليف الأمة ، ولكن على أي أساس ؟ أنه يريد من أهل السنة أن يؤمنوا بأن الصحابة يدينون بمبدأ فصل الدين عن الدولة -كما يفتري - إنما كانوا يتعبدون بالنصوص إذا كانت متمحضة للدين مختصة بالشئون الأخروية ..أما ما كان منها متعلقا ...فإنهم لم يكونوا يرون التعبد بها ..ولذلك عدل هؤلاء - يعني جمهور الصحابة - في الخلافة عن وليها المنصوص عليه من نبيها ، فيعقد عدة فصول يضمنها أحاديث من طرق أهل السنة تفيد الحكم، ثم يورد من طريق الشيعة ثلاثة أحاديث لم يتم واحدا منها تفيد هذا الحكم ،ثم يكشف نفسه وحقيقة مذهبه في الفصل الخامس بعد تدرج بالقاريء وخداع له طيلة الفصول التي قبله فيقول : " بأن تلك الأخبار بإيمان مطلق الموحدين مخصوصة عندهم بالإيمان بالولاية للاثنى عشر لأنهم في زعمه باب حطة لا يغفر إلا لمن دخلها ، والإيمان بهم من أصول الدين .. فمفهوم التأليف عند " عبد الحسين " أن يؤمن المسلمون بأئمته الاثنى عشر و أن يدينوا بالطعن في الصحابة والقدح فيهم، لذلك قام بعد ذلك بتأليف كتاب مستقل في هذا الافتراء سماه " النص والاجتهاد " ، وقد ذكرت نماذج من تلك الطعون ، عند مبحث زعمه أن رأيهم في الصحابة هو أوسط الآراء ، وفندتها في عجالة ، فراجعها إن شئت .
(2) المستدرك ج1/50 .
(3) " النوري الطبرسي وهو" شيخ" عبد الحسين الموسوي، كما يقول عبد الحسين بنفسه في كتابه (النص والاجتهاد) عند ذكر شيخه" النوري ( ص124) تحت المورد [11] وقال في الحاشية ما نصه : ( هو شيخ المحدثين في عصره وصدوق !!! حملة الآثار شيخنا ومولانا الأورع! الميرزا حسين النوري صاحب المستدركات على الوسائل ". ، وقد تناسى عبد الحسين أن يقول: وهو صاحب كتاب فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الارباب ؟ !!
30
31(60/31)
ويكفره لتكفير الله له بدلا من أن يكفر أبا هريرة برواية مكذوبة مفتراة وأنه من أهل النار ، وبدلا أن يمجد مولاه بأنه: " شيخ المحدثين في عصره وصدوق حملة الآثار .
رواة الشيعة في الميزان :
إن مصيبة جعفر الصادق -كما نصّت كتب القوم -أن قوماً جهّالاً يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون حدثنا جعفر بن محمد ويحدثون بأحاديث كلّها منكرات كذب موضوعة على جعفر ليتلأكلوا الناس بذلك ويأخذوا منهم الدراهم !
ومن هنا ندرك كبير الخطر حينما قالوا بأنه رَوي عن الإمام الصادق أربعة آلاف راوِ وذهب بعض علمائهم إلى القول بتوثيق الأربعة آلاف راوِ بدون استثناء و قبول روايات الكذابين على الأئمة وتوثيق هؤلاء الذين اكتنفوا جعفر مع إن أبا عبد الله شكى من كثرة الكذابين عليه، بل ويذكر أنه لا يوجد من هؤلاء الذين يدعون التشيع ولا سبعة عشر رجلاً من شيعته !.
عوف العقيلي :
ومن رواتهم ممن كان يتعاطون المسكرات كعوف العقيلي ! فقد روى الكشي في رجاله (ص 90) عن الفرات بن أحنف قال : العقيلي كان من أصحاب أمير المؤمنين وكان خماراً ولكنه يؤدي الحديث كما سمع !! .
ولا أدري كيفية تأديته للحديث هل في حالة السكر أم بعد أن يفيق !! .
محمد بن أبي عبّاد :
ومن رواتهم أيضاً الذين كانوا يتعاطون المسكرات والمعاصي ، فقد ذكر محمد مهدي في كتابه " الجامع لرواة وأصحاب الإمام الرضا" (2/31 رقم500): وكان مشتهراً بالسماع وبشرب النبيذ !!
حفص بن البختري :
ومن رواتهم حفص بن البختري فقد ذكر النجاشي في رجاله (1/324 رقم 342): أصله كوفي ثقة !! روى عن أبي عبد الله(ع) وأبي الحسن(ع) ... فغمزوا عليه بلعب الشطرنج !! .
حمّاد بن عيسى :(60/32)
ومن رواتهم حمّاد بن عيسى الذي بلغ من العمر ستين سنة ! ولا يجيد الصلاة ! ولا شيئ من أحكامها ، وقد نقل رياض محمد في كتابه" الواقفة دراسة تحليليّة"(1/311-317): ورد في أصحاب الإمام الصادق(ع) حماد بن عيسى الجهني البصري أصله كوفي ...له كتب ثقة !! ... وفي (ص 317) قال: وجاء في كتاب الوسائل الصحيحة المشهورة في باب الصلاة قال: قال لي أبو عبد الله(ع) يوماً: يا حمّاد: أتحسن أن تصلّي قال: فقلت يا سيدي أنا احفظ كتاب حريز في الصلاة قال: لا عليك! قم صل فقمت بين يديه متوجهاً إلى القبلة فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت فقال: يا حمّاد: لا تحسن أن تصلي ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة يحدودها تامة قال حمّاد: فأصابني في نفسي الذل فقلت: جعلت فداك فعلّمني الصلاة فقام أبو عبد الله(ع) مستقبل القبلة ... فصل ركعتين على هذا ثم قال: يا حماد هكذا صل .
أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار:
ومن رواتهم أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار وكان خماراً !
روى الكشي بسند الأول عن محمد بن الحسن بن أبي الخطاب قال:كنت أنا وعامر بن عبد الله بن جذاعه الأزدي وحجر بن زائدة جلوساً على باب الفيل إذ دخل علينا أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار فقال لعامر بن عبد الله: يا عامر أنت حرشت عليّ أبا عبد الله فقلت أبو حمزة يشرب النبيذة !!! فقال له عامر: ما حرشت عليك أبا
32
عبد الله ولكن سألت أبا عبد الله عن المسكر فقال: كل مسكر حرام فقال: لكن أبا حمزة يشرب قال: فقال أبوحمزة :أستغفر الله منه الآن وأتوب إليه! وقال علي بن الحسن بن فضال: وكان أبوحمزة يشرب النبيذ ومتهم به (1) .
علي بن أبي حمزة البطائني:
__________
(1) الكشي في رجاله ص 76 وأخرجها المامقاني في تنقيح المقال 1/ 191 .
33(60/33)
ومن رواتهم أبو حمزة وكان يسرق أموال المعصوم وخمس الشيعة .وهذا ما نصت عليه كتب الرجال عندهم. فهذا رياض محمد ( الشيعي) يذكر في كتابه "الواقفية دراسة تحليلية " (1/418-428) ترجمة علي بن أبي حمزة أنه من الواقفة الملعونين الكذّابين ... إلى غير ذلك .
ففي (ص420): وقال الصدوق ... عن الحسن بن علي الخزاز قال: خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن أبي حمزة ومعه مال!! ومتاع فقلنا: ما هذا ؟ قال: هذا للعبد الصالح (ع) - أي الامام - أمرني أن أحمله إلى علي ابنه(ع) وقد أوصى إليه .
قال الصدوق: إن علي بن أبي حمزة أنكر ذلك بعد وفاة موسى بن جعفر(ع) وحبس المال عن الرضا(ع) !!
وليس أبو البطائني الوحيد الذي كان يسرق خمس الشيعة وأموال المعصوم!! بل شاركه كثير من رواتهم الذين يدّعون التشيع للأئمة ومولاتهم !(60/34)
ففي (ص422): وقال الشيخ في كتاب الغيبة: روى الثقات: أن أول من ظهر الوقف علي بن أبي حمزة وزياد بن مروان القندي عثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها،و استمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوا من الأموال نحو حمزة بن يزيع وابن المكاري وكرام الخثعمي وأمثالهم !! (1) .
وأما ما ورد في ذمّه بأنه ملعون وكذّاب وأنه رجل سوء وأنه من أهل النار .
__________
(1) للمزيد انظر "الواقفية " (1/470-471 ) في ترجمة عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ،وص 476 في ترجمة حمزة بن يزيع ، وص479 وص 520-523 في ترجمة منصور بن يونس القرشي ،وص= =563و567 في ترجمة أحمد بن أبي بشر السراج، وص 589 و592-593و595-596 في ترجمة حيّان السّراج ، وفي ص 609و612و416و617 في ترجمة زياد بن مروان القندي وللاختصار سوف أحيلك أيها القارئ الرجوع إلى تلك الأبواب التي بوّبها صاحب الكتاب المذكور ،ففي ص 81 باب السبب الأول:- الطمع وحب المال والدنيا ، = = وص 134" الإمام الكاظم ومحنة بين طواغيت عصره وأصحابه" ،وص 164 "في النهي عن مجالسة الواقفة"، وص 168 "المحاربة الاقتصادية لرجال الواقفة"، وص 176" العمل بأخبار أصحاب المذاهب الفاسدة "!!، وص 179" الاعتماد على رواية الواقفة دون سواهم"، وص 190 "الوكلاء من الواقفة الذين ورد الذم بهم" ، وص 192" نوع التصرف بالمال من قبل الوكلاء " ، وص 201 "نظرة الإمام في اختيار الوكلاء والشبهات الحائمة حولها" ، وص 317 " أصحاب الاجماع وحالة الوقف "، وص 336 " أثر المعجزة في رجوع رفاعة " .
34(60/35)
ففي (ص 423وص424وص429): روى الكشي في ذمّه روايات كثيرة منها: عن حمدوه عن الحسن بن موسى عن داود بن محمد عن أحمد بن محمد قال: وقف على أبي الحسن وهو رافع صوته: يا أحمد، قلت لبيك، قال: أنه لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جهد الناس في اطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين . فلما توفى أبو الحسن(ع) جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه في اطفاء نور الله فأبى إلا أن يتم نوره.
وما في الكشي قال: قال ابن مسعود: حدّثني أبو الحسن علي بن الحسن بن فضال قال: علي بن أبي حمزة كذّاب متهم .
وقال في موضع آخر قال: ابن مسعود: سمعت علي بن الحسين يقول: ابن أبي حمزة كذاب معلون ....إلآ إنّي لا استحل أن أروي عنه حديثاً واحداً .
وفي(ص423): الحسن بن علي بن أبي حمزة رجل سوء .
وأما دِينه فإنه فاسد المذهب والعقيدة ، ففي (ص427): قال الوحيد في تعليقته في البطائني: قال جدي ( رحمه الله) مطعون باعتبار مذهبه الفاسد، ولذا روى عنه مشايخنا الثقات !!
أقول: وفساد مذهبه وعقيدته لأنه من الواقفة ، والواقفة كفّار(1) عند أصحاب الإمامية ، لأنهم لا يُقرّون بالأئمة الاثنى عشر (2) .
وفي (ص423): وفي معالم العلماء ترجمة لأبيه: علي بن أبي حمزة البطائني ، قائد أبي بصير، واقفي .
وأما توثيقهم لهذا الراوي فلا بد منه ،لأن سقوط هذا الراوي معناه سقوط مذهب الإمامية !! لأن الواقفة وغيرهم ، هم الذين رووا الروايات في النص على الأئمة !!
__________
(1) قال المجلسي في بحاره 37/34:( أقول: كتب أخبارنا مشحونه بالأخبار الدالة علىكفر الزيدية وأمثالهم من الفطحية والواقفة وغيرهم من الفرق المضلّة المبتدعة ...) .
(2) للمزيد انظر كتاب "عقائد الشيعة في الاسلام و المسلمين" مخطوط .(60/36)
ولو تأمل أخي القارئ كتب الرجال عندهم لوجد أن الذي وضع أساس الإمامة أمثال هؤلاء الرواة الذين ينتمون إلى أمثال هذه المذاهب الفاسدة (1) كما مرّ عليك وهم من الفطحية والواقفة والناووسية والاسماعيلية ... إلى غير ذلك من الفرق والتي تجاوزت أكثر من مائة فرقة كما نصوا على ذلك ..(2) .
عبد الله بن أبي يعفور:
ومن رواتهم عبد الله بن أبي يعفور وكان يتعاطى المسكر!! ويتمادى في شربه كسلفه الصالح !! .
روى عمدتهم في الجرح والتعديل الكشي عن ابن مسكان عن ابن أبي يعفور قال : كان إذا أصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدت به شرب الحسو من النبيذ فسكن عنه فدخل على أبي عبد الله فأخبره بوجعه وانه إذا شرب الحسو من النبيذ سكنه فقال له: لا تشرب ، فلما أن رجع إلي الكوفة هاج به وجعه فأقبل أهله فلم يزالوا به حتى شرب فساعة شرب منه سكن عنه فعاد إلى أبي عبد الله فأخبره بوجعه وشربه فقال له: يا أبن أبي يعفور لا تشرب فأنه حرام إنما هو الشيطان موكل بك ولو قد يئس منك ذهب .
أبو هريرة البزاز :
ومنهم أبي هريرة البزاز قال العقيقي ترحم عليه أبوعبدالله(ع) وقيل له إنه كان يشرب النبيذ فقال أيعز على الله أن يغفر لمحب علي على شرب النبيذ والخمر!! (3).
السيد الحميري :
__________
(1) انظر "الو اقفية " 1/16و17و176و181 و404و405و426-و428و448و465و514و515و
526و536و551و559و560و 563 و607 ، و انظر "حاوي الأقوال" 3/162 الفصل الثالث ، الفهرست ص28-29 .
(2) أصل الشيعة وأصولها لكاشف الغطاء ص 60 الطببعة الرابعة تقديم مرتضى العسكري .
35
(3) جامع الرواة للأردبيلي 2/423 ، المستدرك 10/391ح5" أبواب المزار وما يناسبه " .
36(60/37)
ومن الموثقين عندهم شاعرهم الذي يلقبونه " بشاعر أهل البيت" السيد الحميري وكان لا يبالي من شرب الخمر !!! فعن محمد بن النعمان أنه قال: دخلت عليه في مرضه بالكوفة فرأيته وقد أسودّ وجهه وازرقّ عيناه وعطش كبده فدخلت على الصادق (ع) وهو يومئذ بالكوفة راجعا من عند الخليفة ، فقلت له : جعلت فداك إني فارقت السيدبن محمد الحميري وهو - لما به - على أسوء حال من كذا وكذا. فأمر بالاسراج وركب ومضينا معه حتى دخلنا عليه ،وعنده جماعة محدقون
به فقعد الصادق(ع) عند رأسه فقال: يا سيد! ففتح ينظر إليه ولا يطيق الكلام فحرّك الصادق(ع) شفتيه ، ثم قال له : يا سيد! . قل الحق ، يكشف الله ما بك ويرحمك ويدخلك جنته التي وعد أوليائه (1) .
وعن الصادق (ع) أيضاً أنه ذكر عنده السيد بعد وفاته ، فترحم عليه ، فقيل : إنه كان يشرب النبيذ ! فقال (ع) ثانياً : رحمه الله ! ثم قيل له : إني رأيته يشرب نبيذ الرستاق ! قال: تعنى الخمر ؟ قلت: نعم ! قال (ع) رحمه الله، وما ذلك على الله أن يغفر لمحبّ علي (ع) شرب النبيذ... (2) .
أقول : هذا الخمّار السكّير مات على ذلك الحال، ورغم ذلك فإنه من أهل الجنة ،ولا يبالي ولا خوف عليه ، لأن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا ! وصدق أحمد أمين ، وإليك بعضاً من أبيات هذا السكّير :
... ... كذب الزاعمون أن علياً
... لا ينجي محبّه من هنات
... ... قد وربي دخلت جنة عدن
... ... ... وعفالي الإله عن سيئاتي
... ... فابشروا اليوم أولياء علي
و تولّوا علي حتى الممات
... ثم من بعده تولاّ بينه
__________
(1) الروضات 1/ 104، رجال الكشي ص 242 - 245 ، اللئالي 4/216 .
(2) الروضات 1/10 و111 ترجمة اسماعيل بن محمد الحميري ، الرسائل 1/247، اللئالي 4/216.
37(60/38)
واحدا بعد واحد بالصفات .
وأورد الخاجوئي أيضاً بعضاً من أبيات هذا السكّير من شعراء أهل البيت! منها :
أحب إلي من مات من أهل وده تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك
ومن مات يهوي غيره من عدّوه فليس له إلاّ إلى النار مسلك (1)
فهؤلاء كلهم ثقات في نظر القوم لأنهم يؤمنون بالولاية المزعومة لعلي- رضي الله عنه - (2)، بينما الصحابة كفّار لأنهم لم يؤمنوا بهذه الولاية ، فهل رأيتم مثل هذا الدين ، مثل هذا المنهج ! مثل هذا المذهب !! .
ولنختم هذا الباب بالقول أن الوضاعين هم الذين رووا عن الباقر والصادق والرضا وغيرهم من الأئمة .
أخرج الكشي( ص195): عند ترجمة المغيرة بن سعيد بسنده عن يونس قال: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ووجدت أصحاب أبي عبد الله متوافرين فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله وقال لي : أن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله فلا تقبلوا علينا خلاف القراّن .
وأخرج الكشي(ص196): بسنده عن هشام إنه سمع أبا عبدالله يقول : " كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدس الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يثبتوها في الشيعة فكل ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم" .
و نقل عالمهم في الرجال المامقاني في مقدمة كتابه "تنقيح المقال"(1/174):" أن المغيرة بن سعيد قال:" دسست في أخباركم أخباراً كثيرة تقرب من مائة ألف حديث"!
__________
(1) الرسائل 1/247 .
(2) للزيد انظر كتاب " عقائد الشيعة في ولاية علي بن أبي طالب والأئمة " مخطوط .
38(60/39)
هذا هو مذهب أهل البيت يدس المغيرة بن سعيد أحاديث الكفر والزندقة -كتلك المروية في الكافي وتفسير القمي والعياشي وبحار الأنوار- فيأتي عبد الحسين الموسوي فيقول إنها روايات أخرجها أصحاب الأئمة الثقات !!!
ولابأس أن نمر مُرورًا سريعاً على بعض الرواه الذين أثنى عليهم عبد الحسين في "مراجعاته" الذي لفقه ، وتذكر يا أخي القارئ قول جعفر الصادق- رضي الله عنه - : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس.
زرارة بن أعين :
أجمعت الشيعة على توثيق هذا الرجل وتصحيح ما يصح عنه رغم أنه من الملعونين على لسان أهل البيت ! كما قال الطوسي في فهرسته (1) . ومع هذا فقد اثنى عليه عبد الحسين في "مراجعاته" الموضوعة على الشيخ البشري فقال ما نصه : ( وهناك أبطال لم يدركوا الإمام زين العابدين وإنما فازوا بخدمة الباقرين الصادقين (ع) فمنهم أبو
القاسم بريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث بن مراد البختري المرادي وأبو الحسن زرارة بن أعين وأبو جعفر محمد بن مسلم ...أما هؤلاء الأربعة فقد نالوا الزلفى وفازوا بالقدح المعلى والمقام الأسمى حتى قال فيهم الصادق وقد ذكرهم : " هؤلاء أمناء الله على حلاله وحرامه " وقال " ما أجد أحداً أحيا ذكرنا إلا زرارة وأبو بصير ليث ومحمد بن مسلم وبريد " ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ثم قال : " هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة "وقال " بشر المخبتين بالجنة .
__________
(1) الفهرست للطوسي ص104 .
39(60/40)
ثم ذكر الأربعة وقال فيه :( كان أبي ائتمنهم على حلاله وحرامه وكانوا عيبة علمه وكذلك اليوم هم عندي مستودع سري وأصحاب أبي حقاً وهم نجوم شيعتي أحياءاً وأمواتاً بهم يكشف الله كل بدعة ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين، إلى غير ذلك من كلماته الشريفة التي أثبتت لهم الفضل والشرف والكرامة والولاية ما لا تسع بيانه عبارة ، ومع ذلك فقد رماهم أعداء أهل البيت !! بكل أفك مبين .. وليس ذلك بقادح في سمو مقامهم وعظيم خطرهم عند الله ورسوله ! والمؤمنين ! كما أن حسدة الأنبياء ما زادوا أنبياء الله إلا رفعة ولا أثروا في شرائعهم إلا انتشاراً عند أهل الحق وقبولاً في نفوس أولى الألباب ) (1) .
وقال هذا المؤلف: ( إنالم نجد أثراً لشيء مما نسبوه إلى كل من زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ومؤمن الطاق وأمثالهم مع إنا قد استفرغنا الوسع والطاقة في البحث عن ذلك وما هو إلا البغي والعدوان والأفك والبهتان ) (2).
وقال محشي خاتمة "الوسائل"(20/ 196 ( الحاشية ) ما نصه :
( والروايات التي ذكرها الكشي في شأن زرارة تنقسم إلى قسمين ، فبعض منها فيه المدح والثناء له والإشارة بمكانته السامية ومنزلته العظيمة عند الإمام الصادق وأبيه وتقدمه على أصحابه في العلم والمعرفة وحفظ أحاديث أهل البيت عن الضياع والتلف، وبعض منها يدل على عكس ذلك وأن الرجل كان كذاباً وضاعاً مرائياً داساً في الأحاديث ).
قلت: والحقيقة إنّا إذا حققنا هذه الأحاديث المادحة والقادحة ، لخرجنا بنتيجة أن الرجل كان كذاباً وضاعاً مرائياً ،وأنه كان يكذب على الأئمة ويكذّبهم وأنه كان سيء الأدب معهم ولاسيما مع جعفر الصادق حتى أنه روي أنه ضرط في لحية الصادق كما سيأتي .
__________
(1) لمراجعات ص727 مراجعة رقم 110 .
(2) المراجعات ص731 .
40(60/41)
وأما الأحاديث المادحة فلا تفيد في شيء وإنها ضعيفة ، ولو فرض جدلا إنها صحيحة ، لا تدل على فضله أو مدحه ، لأنه إذا اجتمع الجرح والتعديل يقدم الجرح المفصل على التعديل ، وفوق ذلك فربما استعمل الإمام معه التقية !حسب عقيدتهم في التقية!
وقد رأيت المتأخرين منهم كصاحب "معجم رجال الحديث" -للخوئي- (7/ 230وص234 وص 238) ، يحاول عبثاً أن يوّثق هذا الراوي الملعون على لسان الأئمة وذلك بقوله:( إن الروايات الذامة على ثلاث طوائف .
الطائفة الأولى : ما دلت على أن زرارة كان شاكاً في إمامة الكاظم فإنه لما توفى الصادق بعث ابنه عبيداً إلى المدينة ليختبر أمر الإمامة .
الطائفة الثانية : روايات دالة على إن زرارة قد صدر منه ما ينافي إيمانه !! .
الطائفة الثالثة : ما ورد فيها قدح زرارة من الإمام ) .
وإليك هذه الروايات المستفيضة في ذم زرارة التي رواها الكشي في رجاله .
جعفر الصادق يخرج مخازي زرارة :
حدثنا محمد بن مسعود قال:حدثنا جبرئيل بن أحمد الفاريابي قال:حدثني العبيدي محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن ابن مسكان قال : سمعت زرارة يقول: رحم الله أبا جعفر وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة فقلت له: وما حمل زرارة على هذا ؟ قال : حمله على هذا أن أبا عبد الله أخرج مخازيه (1) .
زرارة يفتي برأيه في الحلال والحرام :
ففي" الكشي "( ص156 ح257 ): حدثني محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال حدثني العبيدي عن يونس عن ابن مسكان قال تذاكرنا عند زرارة في شيء من أمور الحلال والحرام فقال قولاً برأيه فقلت أبرأيك هذا أم برواية ! فقال إني أعرف أو ليس رب رأي خير من أثر .
زرارة يفترى على الصادق :
__________
(1) رجال الكشي ص145 ح228 .
41(60/42)
وفي (ص 157ح258): حدثني أبو صالح خلف بن حماد بن الضحاك قال حدثني أبو سعيد الآدمي قال حدثني ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال قال لي زرارة بن أعين لا ترى على أعوادها غير جعفر ، قال فلما توفى أبو عبد الله أتيته فقلت له تذكر الحديث الذي حدثتني به ؟ وذكرته له وكنت أخاف أن يجحدنيه فقال إني والله ما كنت قلت ذلك إلا برأي .
زرارة يتوقف في أمر الإمامة :
وفي (ص 157ح260): محمد بن مسعود قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي قال : حدثني الحسن بن علي الوشاء عن محمد بن حمران قال : حدثني زرارة قال : قال لي أبو جعفر: حدث عن بني إسرائيل ولا حرج قال : قلت:جعلت فداك والله إن في أحاديث الشيعة ما هو أعجب من أحاديثهم قال : وأي شيء هو يا زرارة ؟ قال : فاختلس من قلبي فمكث ساعة لا أذكر شيئاً مما أريد قال : لعلك تريد الغيبة ؟ قلت : نعم قال : فصدق بها فإنها حق .
والحديث يدل على وهن في زرارة لأنه ما سكت ولا سلّم لما قاله الإمام إلا تقية يدل على ذلك جملة من الروايات وإنه توقف في أمر الإمامة حتى مات وانطبق عليه الحديث الشيعي المشهور " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ".
42
زرارة يشك في علم الصادق :(60/43)
ففي " الكشي" ( ص 158 ح261): حدثني محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال : حدثني محمد بن عيسى عن يونس عن ابن مسكان قال سمعت زرارة يقول : كنت أرى جعفراً أعلم ممن هو وذاك يزعم إنه سأل أبا عبد الله عن رجل من أصحابنا مختفٍ من غرامه فقال : أصلحك الله أن رجلاً من أصحابنا كان مختفياً من غرامه فإن كان هذا الأمر قريباً صبر حتى يخرج مع القائم وإن كان فيه تأخير صالح غرامه فقال أبو عبد الله يكون إن شاء الله تعالى فقال زرارة : يكون إلى سنة ؟ فقال أبو عبد الله: يكون إن شاء الله فقال زرارة : فيكون إلى سنتين ؟ فقال: أبو عبد الله: يكون إن شاء الله، فخرج زرارة فوطن نفسه على أن يكون إلى سنتين فلم يكن فقال: ما كنت أرى جعفراً إلا أعلم مما هو .
زرارة يُكذِّب الصّادق :
وفي (ص 158ح 262):محمد بن مسعود قال : كتب إليه الفضل بن شاذان يذكر عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة الشحام ويعقوب الأحمر قالوا : كنا جلوساً عند أبي عبد الله (ع) فدخل عليه زرارة فقال : إن الحكم بن عيينة حدث عن أبيك إنه قال : " صل المغرب دون المزدلفة فقال له أبو عبد الله أنا تأملته: ما قال أبي هذا قط كذب الحكم على أبي قال : فخرج زرارة وهو يقول: ما أرى الحكم كذب على أبيه .
أقول: صدق جعفر الصادق- رضي الله عنه - حينما قال : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس منهم هذا الراوي .
43
زرارة يخالف الصّادق في الاستطاعة :(60/44)
روى الكشي(ص145 ): عن هشام ابن إبراهيم الختلي - وهو المشرقي - قال : قال لي أبو الحسن الخراساني: كيف تقولون في الاستطاعة بعد يونس فذهب فيها مذهب زرارة ومذهب زرارة هو الخطاء ؟ فقلت لا، ولكنه بأبي أنت وأمي ما يقول زرارة في الاستطاعة وقول زرارة فيمن قّدر ونحن منه براء وليس من دين آبائك قال فبأي شيء تقولون ؟ قلت بقول أبي عبد الله وسأل عن قول الله - عز وجل -:{ وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} ما استطاعته ؟ قال ، فقال أبو عبد الله: صحته وماله فنحن بقول أبي عبد الله نأخذ قال صدق أبو عبد الله هذا هو الحق .
قلت: وهو الذي أشار إليه النجاشي في رجاله والطوسي أيضا بأن له كتاب في الاستطاعة والجبر(1) .
وصدق جعفر الصادق- رضي الله عنه - عندما قال : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس .
الصّادق يلعن زرارة ثلاث مرات :
ففي " الكشي" (ص 147): حدثني أبو جعفر محمد بن قولويه قال : حدثني محمد بن أبي القاسم أبو عبد الله المعروف بماجيلويه عن زياد بن أبي الحلال قال قلت لأبي عبد الله إن زرارة روى عنك في الاستطاعة فقبلنا منه وصدقناه وقد أحببت أن أعرضه عليك ! فقال هاته ! قلت فزعم إنه سألك عن قول الله - عز وجل - : { وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} فقلت: من ملك زاداً وراحلة فقال: كل من ملك زاداً وراحلة فهو مستطيع للحج وإن لم يحج ؟ فقلت: نعم فقال: ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت: كذب علّي والله كذب عليّ والله، لعن الله زرارة لعن الله زرارة لعن الله زرارة إنما قال لي من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج ؟ قلت وقد وجب
__________
(1) رجال النجاشي 1/ 397 .
44(60/45)
عليه ، قال فمستطيع هو ؟ فقلت لا حتى يؤذن له قلت فأخبر زرارة بذلك قال نعم قال زياد فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبو عبد الله وسكت عن لعنه فقال أما إنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم وصاحبكم هذا ليس له بصيرة بكلام الرجال .
فبدلاً من أن يعتذر زرارة يصر على أن الإمام لا يعلم , وليس للإمام بصر أو بصيرة بكلام الرجال على حد زعمه .... ولكن يأبى أولياء زرارة إلا رفع منزلة زرارة وضرب أقوال إمامهم - الذي هو معصوم وحجة عندهم - عرض الجدار وتكذيبه ، فهم يصدقون زرارة بينما يكذّبون الإمام المعصوم! مع أنهم رووا عن المعصوم في حديث صحيح عن يحيى الخثعمي قال : سأل حفص الكناسي أبا عبد الله وأنا عنده عن قول الله - عز وجل -: { وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} ما يعني بذلك ؟ قال : من كان صحيحاً في بدنه مخلي سر به له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال : ممن كان له مال فقال له : حفص الكناسي فإذا كان صحيحاً في بدنه مخلي في سربه له زاد وراحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج ؟ قال : نعم (1).
وفي" رجال الكشي "(2/ 148 ح236): حدثنا محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال حدثني محمد بن عيسى بن عبيد قال: حدثني يونس بن عبد الرحمن عن عمر ابن أبان عن عبد الرحيم القصير قال قال لي أبو عبد الله أئت زرارة وبريدا فقل لهما ما هذه البدعة التي ابتدعتماها ؟ أما علمتا إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال كل بدعة ضلالة ؟ فقلت له إني أخاف منهما فأرسل معي ليثا المرادي ! فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله فقال والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر فأما بريداً فقال لا والله لا أرجع عنها أبداً .
__________
(1) الوسائل 8/ 22ح4 باب اشتراط وجوب الحج بوجود الاستطاعة من الزاد والراحلة مع الحاجة اليها.
45(60/46)
وفي (ص 150ح243): عن محمد بن مسعود قال حدثني محمد بن عيسى عن حريز قال خرجت إلى فارس وخرج معنا محمد الحلبي إلى مكة فإتفق قدومنا جمعاً إلى
حين فسألت الحلبي فقلت له إطرفنا بشيء قال : نعم جئتك بما تكره قلت لأبي عبد الله ما تقول في الاستطاعة ؟ فقال ليس من ديني ولا دين آبائي ، فقلت الآن ثلج عن صدري والله لا أعود لهم مريضاً ولا أشيع لهم جنازة ولا أعطيهم شيئاً من زكاة مالي قال فاستوى أبو عبد الله جالساً وقال لي: كيف قلت: ؟ فأعدت عليه الكلام فقال أبو عبد الله: كان أبي يقول: أولئك قوم حّرم الله وجوههم على النار فقلت جعلت فداك: فكيف قلت لي ليس من ديني ولا دين آبائي ؟ قال: إنما أعني بذلك قول زرارة وأشباهه .
وفي( ص146ح231) : حدثني محمد بن نصير قال حدثني محمد بن عيسى عن حفص مؤذن علي بن يقطين يكنى أبا محمد عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله { الَّذَينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبَسُوا إِيمَنَهُمـ بِظُلْمٍ } قال: أعاذنا الله وإياك يا أبا بصير من ذلك الظلم ذلك ما ذهب فيه زرارة وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه .
.زرارة يموت تائهاً :
ففي " معجم الرجال"( 7/241): محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد عن العبيدي عن يونس عن هارون بن خارجة قال سمعت أبا عبد الله(ع) يقول لا يموت زرارة إلا تائهاً .
زرارة لايثق بالصّادق :
ففي" رجال الكشي"( ص152ح247): حدثني حمدويه قال حدثني محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن محمد بن حمران عن الوليد بن صبيح قال : دخلت على أبي عبد الله فاستقبلني زرارة خارجاً من عنده فقال لي أبو عبد الله يا وليد أما تعجب من زرارة يسألني عن أعمال هؤلاء أي شيء كان يريد ؟ أيريد أن أقول له لا !! فيروي عني ؟ ثم قال يا وليد متى كانت الشيعة تقول من أكل طعامهم وأكل شرابهم واستظل بظلهم متى كانت الشيعة تسأل عن مثل هذا .
46
زرارة يتجسس على الصّادق :(60/47)
وفي(ص 140 ): حمدويه بن نصير قال : حدثنا محمد بن عيسى عن الوشا عن هشام بن سالم عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عن جوائز العمال ؟ فقال : لا بأس به قال ثم قال : إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً إني أحرم أعمال السلطان .
الصّادق يذم زرارة وآل أعين :
وفي (ص 149 ح 238 ): حدثني محمد بن مسعود قال : حدثني جبرئيل بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس عن إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله قال : ذكر عنده بنو أعين فقال: الله ما يريد بنو أعين إلا أن يكونوا على غلب .
وفي (ص 153ح250 ): حدثني حمدوية قال : حدثني أيوب عن حنان بن سدير قال: كتب معي رجل أسأل أبا عبد الله عما قالت اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا هو ممن يشاء أن يقولوا قال قال لي: أن ذا من مسائل آل أعين ليس من ديني ولا دين آبائي قال قلت ما معي مسألة غير هذه .
قلت: الأخبار قد مرّت في الاستطاعة وإنها ليس من دين الصادق ولا من دين آبائه الكرام وقد أنكر الصادق على زرارة هذا المذهب ولكن زرارة حرّف الكلام فما كان من الصادق إلا أن أخرج أكاذيبه ومخازيه ولعنه ثلاثاً .
زرارة يقول بتحريف القرآن :
وفي (ص 155ح254 ): حدثني محمد بن قولويه قال حدثني سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن عبد الله المسمعي عن علي بن أسباط عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن أبيه قال : بعث زرارة عبيد ابنه يسأل عن خبر أبي الحسن فجاءه الموت قبل رجوع عبيد إليه ، فأخذ المصحف فأعلاه فوق رأسه وقال : إن الإمام بعد جعفر بن محمد من اسمه بين الدفتين في جملة القرآن منصوص عليه من الذين أوجب الله طاعتهم على خلقه انا مؤمن به قال: فأخبر بذلك أبو الحسن الأول فقال : والله كان زرارة مهاجراً إلى الله تعالى .
47(60/48)
وفي كمال الدين (ص80 ): روى ابن بابويه القمي بإسناده عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن أبيه قال : لما بعث زرارة عبيداً ابنه إلى المدينة يسأل عن الخبر بعد مضي أبي عبد الله فلما أشتد به الأمر أخذ المصحف ! وقال: من أثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي .
بريد بن معاوية العجلي :
قال العاملي في وسائله (20/145-146 ): وجه من وجوه أصحابنا ، ثقة فقيه، له محل عند الأئمة قاله العلامة ونحوه النجاشي وعده الكشي من أصحاب الاجماع كما مر، وروى له مدحا جليلا ، وفيه بعض الذم يأتي الوجه في مثله في زرارة .
قلت: يبالغون في مدح الرجل مع أنه ملعون على لسان المعصومين ! .
روى الكشي (ص148ح237): بإسناده عن مسمع كردين أبي سيار قال سمعت أبا عبد الله يقول لعن الله بريدا ولعن الله زرارة .
ليث البختري المرادي " أبو بصير " :
ومن رواتهم أبو بصير وكان يتعاطى المسكر!! ويتمادى في شربه كسلفه الصالح!
فعن كليب بن معاوية قال: كان أبو بصير وأصحابه يشربون النبيذ يكسرونه بالماء فحدّثت بذلك أبا عبدالله(ع) فقال لي: وكيف صار الماء يحلّل المسكر ، مرهم لا يشربوا منه قليلا ولا كثيرا، قلت: إنهم يذكرون أن الرضا من آل محمد يحلّه لهم ، فقال: وكيف كان آل محمد يحلّون المسكر وهم لا يشربون قليلا ولا كثيرا فامسكوا عن شربه فاجتمعنا عند أبي عبدالله(ع) فقال له أبو بصير: إن جائنا بكذا وبكذا وكذا فقال(ع): صدق يا أبا محمد إن الماء لا يحلّل المسكر فلا تشربوا منه قليلا ولا كثيراً (1) .
__________
(1) فروع الكافي 6/411 - 412 كتاب الاشربة .
48(60/49)
أقول: أجمعت الشيعة على توثيق هذا الرجل رغم أن حاله حال زرارة مطعون فيه كما يأتي... قال الأردبيلي : قال الغضائري : كان أبو عبدالله(ع) يتضجر به ويتبرم وأصحابه يختلفون في شأنه قال وعندي أن الطعن وقع على دينه !! لا على حديثه وهو عندي ثقة !! والذي اعتمد عليه قبول روايته وأنه من أصحابنا الامامية للحديث الصحيح الذي ذكرناه أولاً وقول ابن الغضائري لا يوجب الطعن !! (1).
هذا وقد دافعوا عنه رغم هذه الطعون الشديدة من قبل المعصوم حتى التمسوا له الأعذار الواهية فقالوا : " وقد ذكرنا شطراً مما صدر من ساحتهم في حقه وأمثاله في ترجمة بريد معاوية العجلي.. " فراجع (2).
وقال شيخهم جعفر السبحاني:( وقع في إسناد كثير من الروايات تبلغ ألفين ومائتين وخمسة وسبعين موردا عنوان " أبي بصير " فاختلف في تعيين المراد منه كما اختلف في تحقيق عدد من يطلق عليه هذه الكنية ، فذهب بعضهم إلى إطلاقها على أثنين وبعض آخر على ثلاثة وجمع كثير على أربعة وربما يظهر من بعضهم أكثر من هذا العدد أيضاً ) (3).
لكن المشهور كما ذكرنا اشتراكها بين أربعة رجال كما ذهب إليه ابن داود والتفرشي والعلامة المامقاني قال الأول : أبو بصير مشترك بين أربعة :
1- ليث بن البختري 2- يوسف بن الحارث البتري 3- يحيى بن أبي القاسم
4- عبد الله بن محمد الأسدي (4) .
وهؤلاء الأربعة ليسوا كلهم ثقات كما جاء في معجم رجال الحديث وقد ذكر بعضهم أن أبا بصير مشترك بين الثقة وغيره ، ولأجل ذلك تسقط هذه الروايات الكثيرة عن الحجية (5).
__________
(1) رجال الكشي ص159 (265) .
(2) هامش رجال النجاشي 2/163 .
(3) كليات في علم !! الرجال لجعفر السبحاني ص .
(4) رجال ابن داود القسم الأول باب الكنى ص214 .
49
(5) معجم رجال الحديث 21/ 47 .(60/50)
قال النجاشي في ترجمة أبي بصير البختري المرادي : ليث البختري المرادي " أبو محمد " وقيل " أبو بصير الأصغر ". فإذن النجاشي لم يوثقه في رجاله وأهمله .
كما أن الطوسي لم يوثقه وأهمله ...لذلك قال التستري : والشيخ والنجاشي أهملاه (1) !
وأما ابن الغضائري فقال: ليث بن البختري المرادي أبو بصير يكنى أبا محمد، كان أبو عبد الله يتضجر به، ويتبرم وأصحابه مختلفون في شأنه وعندي أن الطعن إنما وقع على دينه لا على حديثه وهو عندي ثقة (2).
روى الكشي عن حماد الناب ، قال جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله ليطلب الإذن ، فلم يؤذن له ، فقال لو كان معنا طبق لأذن قال ، فجاء كلب فشغر في وجه أبي بصير ، قال أف أف ما هذا ؟ قال جليسه : هذا كلب شغر في وجهك(3) .
وفي رواية أخرى عن حماد ابن عثمان ، قال خرجت أنا وابن أبي يعفور وآخر إلى الحيرة أو إلى بعض المواضع فتذاكرنا الدنيا فقال أبو بصير المرادي : أما أن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها ، فأغفى فجاء كلب يريد أن يشغر عليه فذهبت لأطرده ، فقال لي ابن أبي يعفور دعه قال ، فجاء حتى شغر في أذنه (4) .
فبم يفسر لنا عبد الحسين قول أبي بصير: " لو كان معنا طبق لأذن " .
فهل يا عبد حسين هذه هي الخدمة التي فاز بها أبو بصير عند الصادق ؟ .
وروى "الكشي"( ص169ح285): عن ابن أبي يعفور قال خرجت إلى السواد نطلب دراهم !!لنحج ونحن جماعة وفينا أبو بصير المرادي قال ، قلت له يا أبا بصير اتق الله وحج بمالك فإنك ذو مال كثير ! فقال اسكت فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك لاشتمل عليها بكسائه .
__________
(1) كليات في علم الرجال ص 467، قاموس الرجال 11/119.
(2) معجم رجال الحديث ص141 ترجمة ليث بن البختري .
(3) رجال الكشي ص172 ، تنقيح المقال 2/ 45 (1998) ، معجم الرجال 14/148 ، مجمع الرجال للقهبائي 5/85 .
(4) المصدر السابق .
50(60/51)
ومن المعلوم أن "صاحبك " يعني به الإمام المعصوم ، كما فسّرها محشي الكشي وهاشم معروف (1).
فبالرغم من تهجمه على الصادق من دون سبب، فأنه يريد أن يحج بمال غيره ، رغم أنه يملك مالاً كثيراً ، ولكن الحسد أعمى قلبه ، فظن أن الصادق على شاكلته أن لو الدنيا وقعت له لاشتمل عليها بكسائه ، ولكن هل ارتدع أبو بصير عن غيه ؟ كلا بل زاد طعناً وشتماً وسخرية للصادق ، فأخذ يصف الصادق بقلة العلم وبالجهل في المسائل الشرعية .
روى الكشي (ص 171-172ح292) عن شعيب العقرقوفي ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عن امرأة تزوجت ولها زوج فظهر عليها ؟ قال : ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط لأنه لم يسأل ، قال شعيب : فدخلت على أبي الحسن فقلت له امرأة تزوجت ولها زوج ؟ قال ترجم المرأة ولاشيء على الرجل ، فلقيت أبا بصير فقلت له إني سألت أبا الحسن عن المرأة التي تزوجت ولها زوج قال ترجم المرأة ولاشيء على الرجل، قال فمسح على صدره وقال ما أظن صاحبنا تناهى حلمه بعد!
قال محشي الكشي في الهامش : حكمه - وتناهى أي بلغ نهايته وتكامل .
وقال معلق مجمع الرجال في الهامش ما نصه :( نعوذ بالله من هذين الحديثين)!!
وأخرج هذه الرواية أيضا الطوسي في التهذيبين (2) أي التهذيب والاستبصار .
قال صاحب معجم الرجال :روى الشيخ هذه الرواية بسند معتبر مع اختلاف يسير في المتن .
__________
(1) دراسات في الآثار والأخبار ص233 .
51
(2) الاستبصار 3/190ح687 باب"في الرجل يتزوج بامرأة ثم علم بعد ما دخل بها أن لها زوجا "، والتهذيب 7 /487ح1957 باب " في الزيادات في فقه النكاح " .(60/52)
وروى هذا المضمون أيضا بإسناده عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن شعيب قال سألت أبا الحسن عن رجل تزوج امرأة لها زوج قال : يفرق بينهما ، قلت فعليه ضرب ؟ قال: لا ما له يضرب ! فخرجت من عنده وأبو بصير بحيال الميزاب فأخبرته بالمسألة والجواب ، فقال لي: أين أنا ؟ فقلت بحيال الميزاب ، قال فرفع يده : ورب هذا البيت أو رب هذه الكعبة لسمعت جعفرا يقول : أن علياً قضى في الرجل تزوج امرأة لها زوج فرجم المرأة وضرب الرجل الحد ، ثم قال: لو علمت إنك علمت لفضخت رأسك بالحجارة ، ثم قال ما أخوفني إلا يكون أوتي علمه (1) ! .
وقد طعنوا في إمامهم المعصوم !! ودافعوا عن أبي بصير!! بأن وضعوا عدة مبررات ، منها بأن قالوا أن الرواية لا تدل على ذمه ، غاية الأمر إنه كان قاصراً في معرفته بعلم الإمام في ذلك الزمان لشبهة حصلت له وهي تخيله أن حكمه كان مخالفاً ما وصل إليه من آبائه وهذا مع أنه لا دليل على بقائه واستمراره لا يضر بوثاقته !!! ومنها أن الرواية صدرت تقية !
ومن العجب أن يزعموا أن أبا بصير كان قاصراً في علم الإمام ، رغم أنه حلف برب هذا البيت أو رب هذه الكعبة أنه سمع جعفرا يقول : أن علياً قضى في الرجل تزوج امرأة لها زوج فرجم المرأة وضرب الرجل الحد ، ثم قال : لو علمت أنك علمت لفضخت رأسك بالحجارة ، ثم قال ما أخوفني إلا يكون أوتي علمه !! ولا أدرى كيف يزعمون صدور هذه الروايات تقية !! .
فأبو بصير يصر أن المعصوم ! كان قاصرًا في علمه وهو الذي يهاجم الإمام ، وليس الإمام لكي يدعى زوراً أن الإمام استعمل التقية ، فهذا الجواب في غاية السخف .
ومن هذه الرواية يتضح لك تكذيب أبي بصير لأبي الحسن أو أنه كذب على الصّادق فضرب إماميه المعصومين ، فمن الكاذب إذاً أحد الإمامين أم أبو بصير ؟ !!
نترك لهذا المؤلف ليفسر لنا بعد ذلك قول أبي بصير " أظن صاحبنا ما تكامل علمه !! .
__________
(1) التهذيب 10 /25ح76 باب "في حدود الزنا " .(60/53)
ففي" وسائل الشيعة"( 16/287): عن شعيب العقرقوفي قال:كنت عند أبي عبد الله ومعنا أبو بصير وأناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب فقال لهم أبو عبد الله قد سمعتم ما قال الله تعالى في كتابه إشارة إلى قوله تعالى:{وَلاَ تَأكُلُو مِمَّا لَمْـ يُذْكَرِ اسْمُـ اللهِ عَلَيْهِ } فقالوا له نحب أن تخبرنا فقال لهم لا تأكلوها فلما خرجنا قال أبو بصير : كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته وسمعت أباه جميعاً يأمران بأكلها فرجعنا إليه فقال لي أبو بصير: سله فقلت له: جعلت فداك : ما تقول في ذبائح أهل الكتاب ؟ فقال : أليس شهدتنا بالغداة وسمعت ؟ قلت : بلى : فقال : لا تأكلها .
والرواية أخرجها الطوسي في تهذيبه وتمامه فقال أبو بصير :كلها ثم قال لي: سله ثانية فقال لي مثل مقالته الأولى وعاد لي أبو بصير فقال لي قوله الأول : في عنقي كلها ثم قال لي : سله فقلت : لا اسأله بعد مرتين .
أقول : أبو بصير يُصر على وجوب تنازل الإمام عن فتواه ولكن رغم إصراره وسؤاله للصّادق عدة مرّات وجواب الصّادق في كل مرّة بعدم الجواز مع عدم وجود غيرهما في حضرته عند كل جواب رغم ذلك حاولوا بلا فائدة الدفاع عنه وأنه هو المصيب ، فهم يخّطئون إمامهم الذي اعتقدوا فيه العصمة المطلقة ! بينما يدافعون بكل ما أوتوا من قوة عن هذا الراوي المطعون فيه حتى قال قائلهم : رواية أبي بصير محمولة على التقية (1).
قلت: أي أن أبا بصير هو الصّادق والإمام الصّادق هو الكاذب!! عند هؤلاء القوم . وأبو بصير كان يدخل على الأئمة المعصومين وهو جنب قال السيد أحمد في التحرير : " ومن ذلك أنه دخل عليه وهو جنب فنهاه عن ذلك !
__________
(1) المصدر السابق .
53(60/54)
فعن بكير قال لقيت أبا بصير المرادي قلت : أين تريد ؟ قال : أريد مولاك ؟ قلت أنا أتبعك فمضى معي فدخلنا عليه وأحدّ النظر إليه وقال هكذا تدخل بيوت الأنبياء ! وأنت جنب! قال : أعوذ بالله من غضب الله وغضبك فقال : أستغفر الله ولا عود(1)
لقد صدق الدهلوي عندما ذكر أن من رواة الشيعة من طرده جعفر الصادق من مجلسه ومع هذا تعتمد الشيعة على رواياتهم كما مرّ.
هشام بن الحكم :
هذا الرجل هو الذي فتق نظرية الإمامة والوصاية والعصمة عند الشيعة ووضع لها أصولاً وضوابط .
قال العاملي في وسائله:( ممن فتق الكلام في الإمامة وهذّب المذهب بالنظر)(2)
__________
(1) الكشي ص171ح288 ، التنقيح 2/ 45 ، معجم رجال 14/148 ، مجمع الرجال 5/83 .
(2) الوسائل 20/360،جامع الرواة 2/313 ، فهشام بن الحكم هو أول من هذب وطور عقيدة الإمامة عند الشيعة وهو شارك شيطان الطاق في ادعاء هذا. وقد روى الكشي في رجاله ما يفيد أن مؤامرة هشام بن حكم في مسألة الإمامة وصل خبرها إلى هارون الرشيد حيث قال له يحيى البرمكي : يا أمير المؤمنين أني قد استنبطت أمر هشام فإذا هو يزعم أن لله في أرضه إماما غيرك مفروض الطاعة , قال سبحان الله ! قال:نعم، ويزعم أنه لو أمره بالخروج لخرج !، فيظهر أن هارون - كما يدل عليه هذا النص - فوجىء بهذه المقالة.. فهشام بن الحكم وشيطان الطاق كما يأتي وأتباعهما هم الذين أحيوا نظرية ابن سبأ في أمير المؤمنين علي ثم عمموها على آخرين من سلالة أهل البيت ، واستغلوا بعض ما جرى على أهل البيت كمقتل علي والحسين في إثارة مشاعر الناس وعواطفهم.... فسرت هذه العقيدة و سار عليها بعد ذلك مشايخ الشيعة و ألفوا في =
54
= ذلك كتبهم في العقائد ..وروى الكشي عن يونس قال : كنت مع هشام بن الحكم في مسجده بالعشي حيث أتاه سالم ... فقال له أن يحيى بن خالد يقول : قد أفسدت على الرافضة دينهم لأنهم يزعمون أن الدين لا يقوم إلا بإمام حي وهم لا يدرون أن إمامهم اليوم حي أو ميت! فقال هشام عند ذلك : إنما علينا أن ندين بحيوة الإمام أنه حي حاضر كان عندنا متواريا عنا حتى تأتينا موته ، فما لم يأتناموته فنحن مقيمون على حياته .. انظر رجال الكشي ص258 (477) ، ص266-267(480) .(60/55)
.
وقد دافعوا عن هذا المجسم حتى قال عبد الحسين في "مراجعاته" الملفقة ما نصه: (ورماه بالتجسيم وغيره من الطامات مريدو إطفاء نور الله من مشكاته حسداً لأهل البيت وعدواناً ونحن أعرف الناس بمذهبه وفي أيدينا أحواله وأقواله وله في نصرة مذهبنا من المصنفات ما أشرنا إليه فلا يجوز أن يخفى علينا من أقواله وهو من سلفنا وفرطنا ما ظهر لغيرنا مع بعدهم عنه في المذهب والمشرب ) (1).
وقال أيضاً:( لم يعثر أحد من سلفنا على شيء مما نسبه الخصم إليه كما أنا لم نجد أثراً لشيء مما نسبوه إلى كل من زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ومؤمن ! الطاق وأمثالهم مع أنا قد استفرغنا الوسع والطاقة في البحث عن ذلك وما هو إلا البغي والعدوان والأفك والبهتان .. وهل يليق بمثل هشام على غزارة فضله أن تنسب إليه الخرافات ؟ كلا لكن القوم أبوا إلا الإرجاف حسداً وظلماً لأهل البيت ومن يرى رأيهم... ) (2) .
قلت: في الرد على هؤلاء ولا سيما هذا المؤلف الذي يزعم أنه استفرغ الوسع والطاقة في البحث!! . جاء في " الكافي " الذي قلت عنه في مراجعاتك (ص390): (وأحسن ما جمع منها - أي من الأصول الأربعمائة - الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أصولهم وفروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان وهي : الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها ...) .
فلنورد أحاديث الكافي المقطوع بصحة مضامينه حسب زعمه ليكون ذلك حجة عليه و أضرابه ممن يزعمون انهم استفرغوا الوسع ....وليكون حجة كذلك على أولئك الذين يزعمون : أن الأصحاب اتفقوا على توثيقه ورفعة منزلة هذا المجسم عند الأئمة لكن طعن فيه أهل السنة وورد في الأخبار ذم له من جهة القول بالتجسيم !
__________
(1) المراجعات للموسوي مراجعة رقم (110) ص390 .
(2) المصدر السابق ص391 -392 .
55(60/56)
أخرج الكليني الملقب عندهم " بثقة الإسلام " !! في كافيه بسنده عن علي بن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أن الله جسم ، صمدي نوري ، معرفته ضرورة يمن بها على من يشاء من خلقه فقال: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا يحسد ولا يحس
ولا يجس ولا تدركه الأبصار ولا الحواس ولا يحيط به شيء ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد (1).
وقد أشار أصحاب المقالات والفرق إلى ما ذهب إليه هذا المجسم فقال البغدادي في الفرق :( زعم هشام بن الحكم أن معبوده جسم ذو حدٍ ونهاية وأنه طويل، عريض، عميق وأن طوله مثل عرضه ) (2).
وقال البغدادي والأشعري في مقالاتهما :( وذكر أبو الهذيل في بعض كتبه أن هشام بن الحكم قال له : أن ربه جسم ذاهب جاءٍ فيتحرك تارة ويسكن أخرى ويقعد مرة ويقوم أخرى ..
قال: فقلت له : فأيهما أعظم إلهك أو هذا الجبل ؟ وأومأت إلى أبي قبيس قال: فقال : هذا الجبل يوفى عليه أي هو أعظم منه ) (3).
وقال الشهرستاني والأشعري : ( حكى ابن الراوندي عن هشام أنه قال : أن بين معبوده وبين الأجسام تشابها ما بوجه من الوجوه ولولا ذلك لما دلت عليه) (4).
وأما قول هشام فيما يرويه عن أبي عبد الله الصادق أن الله جسم صمدي نوري فقد أشار إلى ذلك أصحاب المقالات منهم الأشعري والاسفرايني والبغدادي قالوا :( وزعم أنه نور ساطع له قدر من الأقدار في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤ المستديرة من جميع جوانبها ) (5).
__________
(1) أصول الكافي 1/104 باب النهي عن الجسم والصورة ح1 ، التوحيد لابن بابويه القمي ص98 .
(2) الفرق بين الفرق للبغدادي ص65 .
56
(3) مقالات الاسلاميين 1/107 .
(4) الملل ولنحل لسهرستاني 1/184 ، ومقالات الاسلاميين 1/107 .
(5) مقالات الاسلاميين 1/106 ، الفرق بين الفرق ص65 ، التبصير في الدين ص37 .(60/57)
أخرج الكليني في كافيه وابن بابويه القمي الملقب عندهم "الصدوق " عن محمد بن حكيم قال : وصفت لأبي إبراهيم قول هشام الجواليقي وحكيت له قول هشام بن الحكم : إنه جسم فقال : أن الله لا يشبهه شيء أي فحش أو خناء أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد أو أعضاء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (1).
وأخرج الكليني الملقب عندهم " بثقة الإسلام " والقمي الملقب عندهم " بالصدوق " عن الحسن موسى بن جعفر: أن هشام بن الحكم زعم أن الله جسم ليس كمثله شيء ، عالم ، سميع بصير ، قادر ، متكلم ناطق والكلام والقدرة والعلم يجرى مجرى واحد ليس شيء منها مخلوقا فقال : قاتله الله، أما علم أن الجسم محدود والكلام غير المتكلم معاذ الله و أبرأ إلى الله من هذا القول لا جسم ولا صورة ولا تحديد وكل سواه مخلوق إنما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلام ولا تردد في نفس ولا نطق بلسان (2).
وقد أشار إلى هذه المقالة الشنيعة أصحاب الفرق والمقالات فقال الشهرستاني: ( ومذهب هشام أنه قال: لم يزل الباري تعالى عالما بنفسه ويعلم الأشياء بعد كونها بعلم لا يقال فيه انه محدث أو قديم لأنه صفة والصفة لا توصف ....وليس قوله في القدرة والحياة كقوله في العلم إلا انه لا يقول بحدوثهما قال : ويريد الأشياء و إرادته حركة ليس هي عين الله ولا هي غيره) (3).
وقال البغدادي : وقد روي أن هشاماً مع ضلالته في التوحيد ضل في صفات الله أيضاً ...قال في قدرة الله وسمعه وبصره وحياته و إرادته " إنها لا قديمة ولا محدثة لأن الصفة لا توصف " قال : " لو كان عالما بما يفعله عباده قبل وقوع الأفعال منهم لم يصح اختيار العباد وتكليفهم (4).
__________
(1) أصول الكافي 1/ 105ح4 ، والتوحيد للقمي ص99ح6 .
57
(2) أصول الكافي 1/106ح7 ، والتوحيد ص100ح8 .
(3) الفرق بين الفرق ص66، الشهرستاني 1/ 185 .
(4) المصدر السابق .(60/58)
وأخرج الكليني والقمي بإسنادهما عن محمد بن حكيم قال : وصفت لأبي الحسن قول هشام الجواليقي وما يقول في الشاب الموفق ، وصفت له قول هشام بن الحكم فقال : أن الله عز و جل لا يشبهه شيء (1).
وأخرج الكليني عن محمد بن الفرج ووصله القمي عنه قال : كتب إلى أبي الحسن أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة ، فكتب: دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان (2).
وأخرج الصدوق بإسناده عن الصقر بن أبي دلف قال : سألت أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (ع) عن التوحيد وقلت له : إني أقول بقول هشام ابن الحكم ، فغضب (ع) ثم قال : مالكم ولقول هشام ، إنه ليس منّا من زعم أن الله - عز وجل -جسم ونحن منه برآء في الدنيا والآخرة ، يا ابن أبي دلف إن الجسم محدث ، والله محدثه ومجسمه ( (3).
فأنظروا إلى جرأة كذبه بقوله : ( هل يليق بمثل هشام على غزارة فضله أن تنسب إليه الخرافات ؟ كلا لكن القوم أبوا إلا الأرجاف حسداً وظلماً لأهل البيت ومن يرى رأيهم ) !
ويذكر أن أكثر رواة الشيعة كانوا من القائلين بالتجسيم أمثال هشام بن الحكم وهشام بن سالم ويونس بن عبد الرحمن وشيطان الطاق الملقب عندهم بمؤمن الطاق وغيرهم ، حتى أن أحد الشيعة سأل شيخهم المفيد فقال :( إني لا أزال أسمع المعتزلة يدّعون على أسلافنا أنهم كانوا كلهم مشبهة(4)
__________
(1) الكافي 1/106ح8 ، التوحيد ص98ح1 .
58
(2) الكافي 1/105ح5 ، التوحيد ص98ح2 .
(3) التوحيد باب أنه - عز وجل - ليس بجسم ولا صورة ص104ح20 .
(4) هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب أحد رواة الشيعة جاء ترجمته في حاوي الأقوال 3/232 رقم1186 يكنى أبا القاسم ثقة ! وجه، وكان له مذهب في الجبر والتشبيه، لقى أبا محمد وأبا الحسن(ع) ، وفي الفهرست:( له روايات عن رجال الصادق(ع) .
ومن رواتهم محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي ذكر النجاشي في رجاله 2/284 رقم 1021، كان ثقة!! صحيح الحديث!، إلا أنه كان يقول بالجبر والتشبيه !!
ومن رواتهم يونس بن عبد الرحمن القمي انظر كتاب " الواقفة" 2/203 .(60/59)
، وأرى جماعة من أصحاب الحديث من الإمامية يطابقونهم على هذه الحكاية ، ويقولون أن نفي التشبيه إنما أخذناه من المعتزلة ) (1) .
لذلك تجدهم كثيراً كانوا يسألون المعصومين عن التوحيد الصحيح ، والروايات في هذا الباب كثيرة أخرجها القمي في كتابه " التوحيد " فراجعها (2).
فهذه هي روايات الكافي الذي قالوا عنه " بأن مضامينها مقطوع بصحتها " والذي قال العاملي في وسائله في الفائدة الرابعة : في ذكر الكتب المعتمدة التي نقل منها أحاديث هذا الكتاب - أي الوسائل - وشهد بصحتها مؤلفوها وغيرهم ومنها الكافي(3).
قال الاسفراييني في التبصير ( (4) ) :( وأما الهشامية فانهم أفصحوا عن التشبيه بما هو كفر محض باتفاق جميع المسلمين ، وهم الأصل في التشبيه و إنما أخذوا تشبيههم من اليهود حين نسبوا إليه الولد وقالوا { عُزَيرٌ ابنُ اللهِ } وأثبتوا له المكان والحد والنهاية والمجيء تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ....) .
وقد أراد بعضهم الدفاع عن هذا المجسم بأي طريقة وأسهلها هي حمل هذه الأحاديث المقطوع بصحتها حسب زعمهم بأنها " موضوعة " وبذلك ينتهي كل حديث يفضح هذا المجسم !
والعجب أن الذي يقول هذا الكلام المضحك صاحب كتاب في علم الرجال!! وهو معجم رجال الحديث ( الخوئي) .
يقول صاحب هذا الكتاب : ( و إني لأظن الروايات الدالة على أن هشاما يقول بالجسمية كلها موضوعة وقد نشأت هذه النسبة عن الحسد كما دل على ذلك رواية الكشي المتقدمة بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري قال:سألت أبا الحسن الرضا(ع) عن هشام بن الحكم قال : فقال رحمه الله كان عبدا أوذي من قبل أصحابه حسداً منهم له ) (5).
__________
(1) انظر كتاب الحكايات للشيخ المفيد ص77 .
(2) نظر هذه الروايات في التوحيد وهي ثمان روايات من ص100-103 .
(3) الوسائل 20/ 36 .
(4) التبصير في الدين ص 38 .
60
(5) معجم رجال الحديث / 294 .(60/60)
قلت: سبحان الله إن كان أصح كتبكم والذي تزعمون بأن مضامينها مقطوع بصحتها أحاديثه موضوعة ، فماذا بقى لكم من الكتب التي تعتمدون عليها ؟! على كل حال يعترف فطاحلتهم بأن هذا الزنديق من أصحاب التجسيم !
يقول شيخهم المفيد في كتابه " الحكايات " بعد أن سأله أحد الشيعة وهذا نصه: ( وإنما خالف هشام وأصحابه ،جماعة أبي عبد الله بقوله في الجسم ، فزعم أن الله تعالى " جسم لا كالأجسام ) (1) .
وروى الكشي عن أبي راشد عن أبي جعفر الثاني قال : قلت جعلت فداك قد اختلف أصحابنا فأصلّي خلف هشام بن الحكم فقال : يا أبا علي عليك بعلي بن حديد قلت : فآخذ بقوله ؟ فقال : نعم فلقيت علي بن حديد فقلت له : نصلّي خلف أصحاب هشام بن الحكم ؟ قال : لا (2).
وروى الكشي عن عبد الرحمن بن الحجاج قال أبو الحسن أئت هشام بن الحكم فقل له : يقول لك أبو الحسن أيسرك أن تشرك في دم امرىء مسلم فإذا قال لا فقل له ما بالك شركت في دمي (3).
وروى الكشي عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سمعته يؤدي إلى هشام بن الحكم رسالة أبي الحسن قال : فما بال هشام يتكلم وأنا لا أتكلم قال : أمرني أن آمرك أن لا تتكلم وأنا رسوله إليك قال أبو يحيى : أمسك هشام بن الحكم عن الكلام شهراً لم يتكلم ثم تكلم فأتاه عبد الرحمن بن الحجاج فقال له : سبحان الله يا أبا محمد تكلمت وقد نهيت عن الكلام قال: مثلي لا ينهى عن الكلام قال أبو يحيى: فلما كان من قابل أتاه عبد الرحمن بن الحجاج فقال له : يا هشام قال أيسرك أن تشرك في دم امرىء مسلم ؟ قال لا قال : وكيف تشرك في دمي فإن سكت وإلا فهو الذبح فما سكت حتى كان من أمره ما كان (4) .
__________
(1) الحكايات ص78-81 .
(2) رجال الكشي ص279 رقم 499 .
(3) رجال الكشي ص278-279 رقم 498 .
61
(4) رجال الكشي ص270-271رقم 488 .
62(60/61)
وروى الكشي عن جعفر بن محمد بن حكيم الخثعمي قال : اجتمع هشام بن سالم ، وهشام بن الحكم ، وجميل بن دراج ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، ومحمد بن حمران ، وسعيد بن غزوان ، ونحو من خمسة عشر رجلاً من أصحابنا ، فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما اختلفوا فيه من التوحيد وصفة الله - عز وجل -، وعن غير ذلك لينظروا أيهم أقوى حجة ، فرضي هشام بن سالم أن يتكلم عند محمد بن أبي عمير ، ورضي هشام بن الحكم أن يتكلم عند محمد بن هشام فتكلما وساق ما جرى بينهما وقال : قال عبد الرحمن بن الحجاج لهشام بن الحكم : كفرت والله وبالله العظيم وألحدت فيه ، ويحك ما قدرت أن تشبه بكلام ربك إلا العود تضرب به ، قال جعفر بن محمد بن حكيم : فكتب إلى أبي الحسن موسى يحكى لهم مخاطبتهم وكلامهم ويسأله أن يعلمه ما القول الذي ينبغي أن يدين الله به من صفة الجبار ، فأجابه في عرض كتابه : فهمت رحمك الله واعلم رحمك الله أن الله أجل وأعلى وأعظم من أن يبلغ كنه صفته ، فصفوه بما وصف به نفسه ، وكفوا عما سوى ذلك .
ثم أن هذا الزنديق من تلاميذ أبي شاكر الزنديق وزندقته ظاهرة بما مر وبما رواه كل من أصحاب الفرق ..
فقد روى "الكشي"(ص278 رقم 497): عن أبي محمد الحجال عن بعض أصحابنا عن الرضا قال : ذكر الرضا العباسي فقال هو من غلمان أبي الحارث - يعني يونس بن عبد الرحمن - وأبو الحارث من غلمان هشام وهشام من غلمان أبي شاكر ، وأبو شاكر زنديق .
وقد غمزه البرقي في رجاله :أن هشام من غلمان أبي شاكر الزنديق وهو جسمي رديء وسيأتي في الضعفاء (1).
ونقل البغدادي في الفرق قول هشام بن الحكم أن معبوده " سبعة أشبار بشبر نفسه " كأنه قاسه على الإنسان قبحه الله تعالى .
__________
(1) تنقيح المقال 1/295 .(60/62)
قال ابن قتيبة في مختلف الحديث : ثم نصير إلى هشام بن الحكم فنجده رافضياً غالياً ويقول في الله - عز وجل - بالأقطار والحدود والأشبار وأشياء يتحرج من حكايتها وذكرها (1).
وقد ترجم له ابن حجر في لسان الميزان فقال : هشام بن الحكم ..كان من كبار الرافضة ومشاهيرهم وكان مجسماً يزعم أن ربه طوله سبعة أشبار بشبر نفسه (2) .
قلت: من كل هذا ، يتبين أن الرجل غارق في التجسيم والزندقة حتى شحمتي أذنيه ، وقد اعترف بذلك شيخهم المفيد في كتابه " الحكايات " كما مر حيث قال وهذا نصه :" وإنما خالف هشام وأصحابه ، جماعة أبي عبد الله(ع) بقوله في الجسم ، فزعم أن الله تعالى " جسم لا كالأجسام " ، وقد روي أنه رجع عن هذا القول بعد ذلك وقد اختلفت الحكايات عنه ولم يصح منها إلا ما ذكرت، وأما الرد على هشام، والقول بنفي التشبيه ، فهو أكثر من أن يحصى من الرواية عن آل محمد .
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب ....عن محمد بن زياد قال : سمعت يونس يونس بن ظبيان يقول : دخلت على أبي عبد الله فقلت
له : أن هشام بن الحكم يقول في الله - عز وجل - قولا عظيماً ، إلا أني أختصر منه أحرفا : يزعم : أن الله سبحانه " جسم لا كالأجسام " لأن الأشياء شيئان : جسم وفعل الجسم ، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ، ويجب أن يكون بمعنى الفاعل، فقال أبو عبد الله: يا ويحة ! أما علم أن الجسم محدود ، متناه ، محتمل للزيادة والنقصان ، وما احتمل ذلك كان مخلوقا ؟ فلو كان الله جسماً لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق.
فهذا قول أبي عبد الله، وحجته على هشام فيما اعتل به هشام من المقال (3) .
وقد وقع بعنوان هشام بن الحكم -كما يقول صاحب معجم الرجال - في إسناد كثير من الروايات ،تبلغ مائة وستين موردا .
هشام بن سالم الجواليقي :
__________
(1) تأليف مختلف الحديث لإبن قتيبة ص35 .
(2) لسان الميزان 6/194 .
63
(3) الحكايات ص78-81 .(60/63)
قال العاملي في"خاتمة الوسائل "(20/ 362): ثقة ثقة ، قاله النجاشي والعلامة ، وروى الكشي له مدحاً .
قلت: يبالغون في توثيق الرجل مع أنه مطعون فيه عندهم ، وصاحب عقيدة فاسدة !!
قال البغدادي في الفرق والاسفرايني في التبصير : الهشامية منهم وهم فريقان أصحاب هشام بن الحكم الرافضي وأصحاب هشام بن سالم الجواليقي ، والفريقان جميعا يدينون بالتشبيه والتجسيم ، واثبات الحد والنهاية حتى قال هشام بن الحكم : أنه نور يتلألأ كقطعة من السبيكة الصافية أو كلؤلؤ بيضاء ، والجواليقي يقول بالصورة واثبات اللحم والدم واليد والرجل والأنف والأذن والعين واثبات القلب والعاقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في الاسلام (1).
ولابأس أن نستشهد بما جاء في الكافي الذي قال عبد الحسين عنه في مراجعاته: (بأن مضامينها مقطوع بصحتها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها ).
فلنورد أحاديث الكافي المقطوع بصحة مضامينها حسب زعمه ليكون ذلك حجة عليه و أضرابه ممن يزعمون انهم استفرغوا الوسع !
أخرج الكليني"الكافي"( 1/106)-باب النهي عن الجسم والصور- والقمي الملقب عندهم بالصدوق بإسنادهما عن محمد بن حكيم قال : وصفت لأبي الحسن قول هشام الجواليقي وما يقول في الشاب الموفق ، وصفت له قول هشام بن الحكم فقال : أن الله عز و جل لا يشبهه شيء .
وأخرج أيضاً(1/-105)-باب النهي عن الجسم والصورة من كتاب التوحيد - عن محمد بن الفرج ووصله القمي عنه قال : كتب إلى أبي الحسن أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة ، فكتب : دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان .
__________
(1) الفرق بين الفرق ص64-65، التبصير في الدين ص38 .
64(60/64)
وروى "الكشي"(ص284-285رقم 503): عن عبد الملك بن هشام قال : قلت لأبي الحسن الرضا أسألك جعلني الله فداك ؟ قال سل يا جبلى عماذا تسألني فقلت جعلت فداك زعم هشام بن سالم أن الله - عز وجل - صورة وأن آدم خلق على مثال الرب ويصف هذا ويصف هذا و أوميت إلى جانبي وشعر رأسي ، وزعم يونس مولى آل يقطين وهشام بن الحكم : أن الله شيء لا كالأشياء بائنة منه وهو بائن من الأشياء وزعما أن إثبات الشيء أن يقال جسم فهو جسم لا كالأجسام شيء لا كالأشياء ثابت موجود غير مفقود ولا معدوم خارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه فبأي القولين أقول قال ، فقال: أراد هذا الإثبات وهذا شبه ربه تعالى بمخلوق ، تعالى الله الذي ليس له شبيه ولا عدل ولا مثل ولا نظير ولا هو في صفة المخلوقين ، لا يقل بمثل ما قال هشام بن سالم وقل بما قال مولى آل يقطين وصاحبه قال قلت فنعطي الزكاة من خالف هشاما في التوحيد فقال برأسه لا .
65
شيطان الطاق:
قال العاملي في"خاتمة الوسائل"(20/ 337):محمد بن علي بن النعمان الأحول مؤمن الطاق ثقة، كثير العلم، حسن الخاطر، قاله العلامة، ووثقه الشيخ ، وأثنى عليه النجاشي .
قلت : يبالغون في توثيق الرجل مع أنه مطعون فيه عندهم ومن القائلين بالتجسيم وهو الذي هذب المذهب ووضع الأصول والضوابط النظرية الإمامة المزعومة(1)
__________
(1) يذكر أن هذا الراوي أي شيطان الطاق والذي تلقبه الشيعة بمؤمن الطاق هو الذي كان يشيع القول بأن الإمامة محصورة بأناس مخصوصين من آل البيت .
وأنه حينما علم بذلك زيد بن علي بعث إليه ليقف على حقيقة الإشاعة .
فقد ذكر الكشي ص186 أن مؤمن الطاق قال كنت عند أبي عبد الله فدخل زيد بن علي فقال له زيد : " بلغني إنك تزعم أن في آل محمد إماما مفترض الطاعة ؟ قال شيطان الطاق : نعم وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم فقال : وكيف وقد كان يؤتى بلقمة وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها افترى أنه كان يشفق علي من حر اللقمة , ولا يشفق عليّ من حر النار ؟ قال -شيطان الطاق - قلت له : كره أن يخبرك فتكفر فلا يكون له فيك الشفاعة لا والله فيك المشية..
وفي رواية للكليني وتنقيح المقال قال زيد بن علي لأبي جعفر :يا أبا جعفر كنت اجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة ...- إلى أن قال - إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به ؟ فأجابه شيطان الطاق: جعلت فداك من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار وأخبرني أنا فأن قبلت نجوت وأن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار..
66(60/65)
.
ولابأس أن نستشهد بما جاء في الكافي إذ هو حجة عليه كما ذهب إليه المؤلف في مراجعاته !
الكليني في كافيه عن إبراهيم بن محمد الخزاز ومحمد بن الحسين قالا : دخلنا على أبي الحسن الرضا فحكينا له أن محمد رأى ربه في صورة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة وقلنا : أن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون : إنه أجوف إلى السرة والبقية صمد ، فخر ساجدا لله ثم قال : سبحانك ما عرفوك و لا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك ، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك ، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن يشبهوك بغيرك اللهم لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك ولا أشبهك بخلقك أنت أهل لكل خير ، فلا تجعلني من القوم الظالمين !! ، ثم التفت إلينا فقال : ما توهمتم من شيء فتوهموا الله غيره ثم قال : نحن آل محمد النمط الأوسط الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي ، يا محمد أن رسول الله حين نظر إلى
عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة يا محمد عظم ربي عز و جل أن يكون في صفة المخلوقين (1) .
وقد أشار أصحاب الفرق والمقالات إلى هذه الفرقة والتي تنتسب إلى هذا الشيطان فقال الاسفرايني والبغدادي وغيرهما : هؤلاء أتباع محمد بن النعمان الرافضي الذي كان يلقب بشيطان الطاق، وكان في زمان جعفر الصادق ، وعاش بعده مدة وساق الإمامة إلى ابنه موسى، وقطع بموت موسى، فكان في الإمامة على مذهب القطعية وكان يقول أن الله تعالى لا يعلم الشر قبل أن يكون كما كان يقوله هشام بن الحكم وقد كان يوافق هشام الجواليقي في كثير من بدعه ، أن أفعال العباد أجسام وان العبد يصح أن يفعل الجسم (2).
__________
(1) أصول الكافي كتاب التوحيد 1/ 100 باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى .
(2) الفرق بين الفرق ص70، والتبصير في الدين ص37 .
67(60/66)
وروى عمدتهم في الجرح والتعديل الكشي تحت عنوان ما روى فيه - أي في شيطان الطاق من الذم ما يلي : عن المفضل بن عمر قال ، قال لي أبو عبدالله ائت الأحول فمره لا يتكلم ! فأتيته في منزله فاشرف علىّ فقلت له يقول لك أبو عبدالله لا تكلم قال أخاف إلا أصبر (1).
وروى الكشي عن فضيل بن عثمان قال دخلت على أبي عبد الله في جماعة من أصحابنا فلما أجلسني قال ما فعل صاحب الطاق ؟ قلت صالح قال أما أنه بلغني إنه جدل وإنه يتكلم في تيم قذر ؟ قلت أجل هو جدل قال أما أنه لو شاء طريف من مخاصميه أن يخصمه فعل ؟ قلت كيف ذاك ؟ فقال يقول أخبرني عن كلامك هذا من كلام أمامك ؟ فإن قال نعم : كذب علينا وإن قال لا : قال له كيف تتكلم بكلام لم يتكلم به إمامك ثم قال أنهم يتكلمون بكلام إن أنا أقررت به ورضيت به أقمت على الضلالة وأن برئت منهم شق عليّ نحن قليل وعدوّنا كثير قلت جعلت فداك فابلغه عنك ذلك ؟ قال أما أنهم قد دخلوا في أمر ما يمنعهم عن الرجوع عنه إلا الحمية قال فأبلغت أبا جعفر الأحول ذاك فقال صدق بأبي وأمي ما يمنعني من الرجوع عنه إلا الحمية (2).
هذا وقد ألف هشام بن الحكم كتاباً في الرد على هذا الشيطان باسم " الرد على شيطان الطاق"، ذكر ذلك شيخ طائفتهم الطوسي في فهرسته،والنجاشي في رجاله(3) .
قلت: فإن كان هؤلاء هم الأبطال الذين فازوا بخدمة الباقر والصادق ، فعلى الإسلام السلام !
طعن عبد الحسين في عدالة الصحابة :
وأما قوله بعدم وجود دليل على عدالة الصحابة كما في قوله:( هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم ، والكتاب والسنة بينا على هذا الرأي " وأن : الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابياً حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين ) .
__________
(1) رجال الكشي ص191 .
(2) رجال الكشي ص191 .
(3) الفهرست ص355، النجاشي ص305وانظر الذريعة 10/ 203 .
68(60/67)
قلت : إن بحثه عن أبي هريرة سيبين مقدار محافظته ودفاعه عن السنة ، فالدفاع عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وتقديس رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لايكون في سب أصحابه وتكذيبهم، والافتراء عليهم ، والاستهزاء بهم وهو القائل : " لاتسبوا أصحابي " و" احفظوني في أصحابي " .
لذلك سوف أتعرض لمسألة "عدالة الصحابة" من وجه نظر ثلاث فرق ،وهم أهل السنة والشيعة الامامية - أي مذهب المؤلف الذي يزعم أنه يتبع أهل البيت - والمعتزلة ، وقبل بيان ذلك ، لابد من تعريف " الصحابي " ومنزلته في الإسلام .
تعريف بالصحابي ومنزلته في الإسلام :
عرف العلماء وأئمة الحديث الصحابي بأنه من لقى النبي- صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ومات على ذلك ، فمن ارتد ومات على ردته بطلت صحبته ، و من تاب وعاد إلى الإسلام عادت إليه الصحبة على الأرجح ، وكذلك من أظهر الإسلام وأبطن الكفر من أهل النفاق بمعزل عن شرف الصحبة، وقد تكفل الله ورسوله بالكشف عن نفاق هؤلاء، والجمهور من العلماء على أن الصحبة لا يشترط فيها طول الوقت ، ولا الجهاد والإنفاق في سبيل الإسلام ، وبعض العلماء اشترط في الصحبة طول الملازمة والمعاشرة، وأن يكون غزا مع النبي غزوة أو غزوتين ، ومع أن الجمهور من العلماء على عدم اشتراط طول الصحبة أو الغزو أو الإنفاق إلا أنهم يرون أن من طالت صحبته بالنبي- صلى الله عليه وسلم - أو سمع منه أو غزا معه أو بذل نفسه وماله في سبيل نصرته أحق بالفضل وأولى بالتقديم
69
ممن ليس كذلك ، قال الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر : " لا خفاء برجحان رتبة من لازمه وقاتل معه أو قتل تحت رايته على من لم يلازم أو يحضر معه مشهداً ، وعلى من كلمه يسيراً أو ما شاه قليلا أو رآه على بعد أو في حال الطفولة ، وإن كان شرف الصحبة حاصلا للجميع ، ومن ليس له منهم سماع منه فحديثه مرسل من حيث الرواية ، وهم مع ذلك معدودون في الصحابة لما نالوه من شرف الصحبة .(60/68)
ويشير إلى هذا المعنى قول الله تعالى: { لا يَسْتَوَى مِنكُمْـ مَّنْ أَنَفَقَ مِن قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَتَلَ أُوْلَئكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنْفَقُواْ مِنم بَعْدُ وَقَتَلُواْ وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الحْسُنَى واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [ الحديد/10] .
أولا : موقف الجمهور من الصحابة :
الصحابة كلهم عدول عند جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين ، ومعنى عدالتهم : أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لما اتصفوا به من قوة الإيمان والتزام التقوى والمروءة وسمو الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي أو السهو أو الغلط ، فإن ذلك لم يقل به أحد من
أهل العلم، ولم يخالف في عدالتهم إلا شذاذ من المبتدعة وأهل الأهواء ، لا يعتد بأقوالهم لعدم استنادها إلى برهان إلا وجه الشيطان كما نبينه إن شاء الله تعالى.
وعدالة الصحابة - رضي الله عنهم - ثابتة معلومة بتعديل الله تعالى، والآيات في الثناء عليهم والشهادة لهم بالإيمان وكل خير معروفة .
فمن إخباره سبحانه تعالى عن طهارتهم وأنهم خير الأمم وأوسطها وأزكاها واتقاها قوله تعالى: { وَكَذّلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [ البقرة /143]، والوسط هم الخيار العدول، إذ الوسط من كل شيء خياره وأعدله .
وقال تعالى:{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ } [عمران/110] .
70(60/69)
وليس من شك في أن الخطاب في الآيتين يدخل فيه الصحابة دخولا أولياً ، وقال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَجِرِينَ وَالأنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوُهُم بِإحْسَنٍ رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } [التوبة /100] ، وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِىَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } [ الفتح /18] ، وقال تعالى: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح /29] .
ومن آخر الآيات نزولا قوله تعالى: { لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبيِّ وَالْمُهَجِرِينَ وَالأنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فيِ سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن م بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْـ ثُمَّـ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌـ وَ عَلَى الثَّلثَةِ الَّذِينَ خُلّفُوا}[التوبة / 118] .
وساعة العسرة : غزوة تبوك ، وكلمة " المهاجرين " هنا تشمل السابقين واللاحقين ومن كان معهم من غير الأنصار، ولا نعلمه تخلف ممن كان بالمدينة من هؤلاء أحد إلا عاجز أو مأمور بالتخلف مع شدة حرصه على الخروج .
وفي الصحيح قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من تبوك : إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم ....حبسهم العذر " .
وفي الفتح أن المهلب استشهد لهذا الحديث بقول الله تعالى:{ لا يَسْتَوِى الْقَعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلىِ الضَّرَرِ والْمُجَهِدُونَ } [ النساء / 95] ، وهو استشهاد متين، والمأمور بالتخلف أولى بالفضل . وفي هذا وآيات أخرى ثناء يعم المهاجرين ومن لحق بهم لا نعلم ثم ما يخصصه . فأما الأنصار فقد عمت الآية من خرج منهم إلى تبوك والثلاثة الذين خلفوا والعاجزين ،ولم يبق إلا نفر كانوا منافقين.(60/70)
وفي الصحيح في حديث كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا:" فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصاً عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء " .
وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك ، ثم تأكد ذلك بتخلفهم لغير عذر وعدم توبتهم ، ثم نزلت سورة براءة فقضحتهم ، بهذا يتضح أنهم قد كانوا مشاراً إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم - ، فأما قول الله - عز وجل -:{ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } [ التوبة /101] .
فالمراد والله أعلم بالعلم ظاهره أي اليقين ، وذلك لا ينفي كونهم مغموصين أي متهمين ، غاية الأمر أنه يحتمل أن يكون في المتهمين من لم يكن منافقا في نفس الأمر، وقد قال- عز وجل - :{ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فيِ لَحْنِ الْقَوْلِ } [محمد /30 ] .
ونص في سورة براءة وغيرها على جماعة منهم بأوصافهم ، وعين النبي- صلى الله عليه وسلم - جماعة منهم ، فمن المحتمل أن الله- عز وجل - بعد أن قال تعالى:{ لاَ تَعْلَمُهُمْ } أعلمه به كلهم .
وعلى كل حال فلم يمت النبي- صلى الله عليه وسلم - إلا وقد عرف أصحابه المنافقين يقيناً أوظناً أو تهمة ،ولم يبق أحد من المنافقين غير متهم بالنفاق، ومما يدل على ذلك، وعلى قلتهم وذلتهم وانقماعهم ونفرة الناس عنهم ، أنه لم يحس لهم عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حراك ، ولما كانوا بهذه المثابة لم يكن لأحد منهم مجال في أن يحدث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - لأنه يعلم أن ذلك يعرضه لزيادة التهمة ويجر اليه ما يكره ، وقد سمى أهل السير والتاريخ جماعة من المنافقين لا يعرف عن أحد منهم أنه حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجميع الذين حدثوا كانوا معروفين بين الصحابة بأنهم من خيارهم .(60/71)
وأما الأعراب فان الله - عز وجل - كشف أمرهم بموت رسوله- صلى الله عليه وسلم - ، فارتد المنافقون منهم، فيتبين أنه لم يحصل لهم بالاجتماع بالنبي- صلى الله عليه وسلم - ما يستقر لهم به اسم الصحبة الشرعية، فمن أسلم بعد ذلك منهم فحكمه حكم التابعين .
وأما مُسلمة الفتح فان الناس يغلطون فيهم يقولون : كيف يعقل أن ينقلبوا كلهم مؤمنين بين عشية وضحاها ، مع أنهم إنما أسلموا حين قهروا وغلبوا ورأوا أن بقاءهم على الشرك يضر بدنياهم ، والصواب أن الاسلام لم يزل يعمل في النفوس منذ نشأته ، ويدلك على قوة تأثيره أمور :
الأول: ما قصه الله - عز وجل - من قولهم { لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [ فصلت/26 ] .
وقولهم { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [ الفرقان / 42] .
72
الثاني : ما ورد من صدهم للناس أن يسمعوا القرآن حتى كان لا يرد مكة وارد إلا حذروه أن يستمع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - ، ومن اشتراطهم على الذي أجار أبا بكر- رضي الله عنه - أن يمنعه من قراءة القرآن بحيث يسمعه الناس .
الثالث : وهو أوضحها إسلام جماعة من أبناء كبار رؤسائهم ومفارقتهم آباءهم قديما ، فمنهم عمرو وخالد ابنا أبي أحيحة سعيد بن العاص ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وهشام بن العاص بن وائل وعبد الله وأبو جندل ابنا سهيل بن عمرو وغيرهم . وآباء هؤلاء هم أكابر رؤساء قريش وأعزهم وأغناهم ، فارقوا آباءهم وأسلموا .
فتدبر هذا ، فقد جرت عادة الكتاب إذا ذكروا السابقين إلى الاسلام ذكروا الضعفاء فيتوهم القارىء أنهم أسلموا لضعفهم وسخطهم على الأقوياء وحبهم للانتقام منهم على الأقل لأنه لم يكن لهم من الرياسة والعز والغنى ما يصدهم عن قبول الحق وتحمل المشاق في سبيله .(60/72)
والحقيقة أعظم من ذلك كما رأيت ، إلا أن الرؤساء عاندوا واستكبروا ، وتابعهم أكثر قومهم مع شدة تأثرهم بالاسلام ، فكان في الشبان من كان قوي العزيمة فأسلموا
وضحوا برياستهم وعزهم وغناهم ، متقبلين ما يستقبلهم من مصاعب ومتاعب ، وبقي الاسلام يعمل عمله في نفوس الباقين ، فلم يزل الاسلام يفشو فيهم حتى بعد هجرة المصطفى ، ثم لما كان صلح الحديبية وتمكن المسلمون بعده من الاختلاط بالمشركين ودعوة كل واحد قريبه وصديقه فشا الاسلام بسرعة وأسلم في هذه المدة من الرؤساء خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة وغيرهم ، والاسلام يعمل عمله في نفوس الباقين .
ونستطيع أن نجزم أن الاسلام كان قد طرد الشرك وخرافاته من نفوس عقلاء قريش كلهم قبل فتح مكة،ولم يبق إلا العناد المحض يلفظ آخر أنفاسه ، فلما فتحت
73
مكة مات العناد ودخلوا في الاسلام الذي كان قد تربع في نفوسهم من قبل ، عند توزيع غنائم حنين، ولم يزل يتحراهم بحسن المعاملة حتى اقتلع البقية الباقية من أثر العناد.
ثم كان من معارضة الأنصار بعد النبي- صلى الله عليه وسلم - لقريش في الخلافة واستقرار الخلافة لقريش غير خاصة ببيت من بيوتها ، وخضوع العرب لها ثم العجم ، ما أكد حب الاسلام في صدر كل قرشي ، وكيف لا وقد جمع لهم إلى كل شبر كانوا يعتزون به من بطحاء مكة آلاف الأميال ، وجعلهم ملوك الدنيا والآخرة ، ومما يوضح لك ذلك أن الذين عاندوا إلى يوم الفتح كانوا بعد ذلك من أصدق الناس في الجهاد ، كسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث ويزيد بن أبي سفيان .(60/73)
فأما ما يذكره كثير من الكتاب من العصبية بين بني هاشم وبني أمية فدونك الحقيقة : شمل الاسلام الفريقين ظاهراً وباطناً ، وكما أسلم قديماً جماعة من بني هاشم فكذلك من بني أمية كابني سعيد بن العاص وعثمان بن عفان وأبي حذيفة بن عتبة ، وكما تأخر إسلام جماعة من بني أمية فكذلك من بني هاشم ، وكما عاداه بعض بني أمية فكذلك بعض بني هاشم كأبي لهب بن عبدالمطلب وأبي سفيان بن الحارث بن المطلب ، ونزل القرآن بذم أبي لهب ولا نعلمه نزل في ذم أموي معين ، وتزوج النبي بنت أبي سفيان بن حرب الأموي ولم يتزوج هاشمية ، وزوج إحدى بناته في بني هاشم وزوج ثلاثا في بني أمية ، فلم يبق الاسلام في أحد الجانبين حتى يستمر هدفاً لكراهية الجانب الآخر ، بل ألف الله بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا وأصبح الاسلام يلفهم جميعا: يحبونه جميعا ويعظمونه جميعا ويعتزون به جميعا ويحاول كل منهم أن يكون حظه منه أوفر ، ولم تكن بين فتح مكة وبين ولاية عثمان الخلافة نفرة ما بين العشيرتين ، فلما كانت الشورى وانحصر الأمر في علي وعثمان فاختير عثمان وجدت الأوهام منفذا إلى الخواطر ، ثم لما صار في أواخر خلافة عثمان جماعة من عشيرته بني أمية أمراء وعمالا وصار بعض الناس يشكوهم أشيعت عن علي كلمات يندد بهم ويتوعدهم بأنه إذا ولي الخلافة عزلهم وأخذ أموالهم وفعل وفعل ، ثم كانت الفتنة
74
وكان لبعض من يعد من أصحاب علي إصبع فيها ، حتى قتل عثمان وقام قتلته بالسعي لمبايعة علي فبويع له وبقي جماعة منهم في عسكره فمن تدبر هذا وجد هذه الأسباب العارضة كافية لتعليل ما حدث بعد ذلك ، إذن فلا وجه لاقحام ثارات بدر وأحد التي أماتها الاسلام ، وما حكي مما يشعر بذلك لا صحة له البتة ، إلا نزغة شاعر فاجر في زمن بني العباس يصح أن تعد من آثار الاسراف في النزاع لا من مؤثراته، وجرى من طلحة والزبير ما جرى ، فأي ثار لهما كان عند بني هاشم ؟ .(60/74)
وبهذا يتضح جلياً أن لا مساغ البتة لأن يعلل خلاف معاوية بطلبه بثأر من قتل من آله ببدر، ثم يتذرع بذلك إلى الطعن في إسلامه ، ثم في إسلام نظرائه !
فإن قيل : مهما يكن من حال الصحابة فإنهم لم يكونوا معصومين فغاية الأمر أن يحملوا على العدالة ما لم يتبين خلافها ، فلماذا يعدل المحدثون من تبين ما يوجب جرحه منهم ؟
قلت الجواب من أوجه :
الأول : أنهم تدبروا ما نقل من ذلك فوجدوه ما بين غير ثابت نقلا أو حكماً أو زلة تيب منها أو كان لصاحبها تأويل .
الثاني : أن القرآن جعل الكذب على الله كفرا ، قال تعالى: { وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَىَ اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقّ لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فيِ جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَفِرِينَ} [العنكبوت/68 ] ، والكذب على النبي- صلى الله عليه وسلم - في أمر الدين والغيب كذب على الله، ولهذا صرح بعض أهل العلم بأنه كفر، واقتصر بعضهم على أنه من أكبر الكبائر . وفرق شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بين من يخبر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - بلا واسطة كالصحابي إذ قال : قال النبي- صلى الله عليه وسلم -كذا ، وبين غيره ، فمال إلى أن تعمد الأول للكذب كفر وتردد في الثاني ، ووقوع الزلة أو الهفوة من الصحابي لا يسوغ احتمال وقوع الكفر منه ، هب أن بعضهم لم يكن يرى الكذب على النبي- صلى الله عليه وسلم -كفراً ، فإنه - على كل حال - يراه أغلظ جدا من الزلات والهفوات المنقولة .
75(60/75)
الثالث : أن أئمة الحديث اعتمدوا فيمن يمكن التشكك في عدالته من الصحابة اعتبار ما ثبت أنهم حدثوا به عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي آخر عنه ، وعرضوها على الكتاب والسنة وعلى رواية غيرهم مع ملاحظة أحوالهم وأهوائهم ، فلم يجدوا من ذلك ما يوجب التهمة ، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من الصحابة ممن لا تتجه اليه تهمة ، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو ما يشهد له ، وهذا الوليد بن عقبة بن أبي معيط يقول المشنعون : ليس من المهاجرين ولا الأنصار ، إنما هو من الطلقاء. ويقولون: إن النبي- صلى الله عليه وسلم - لما أمر بقتل أبيه عقب بدر قال يا محمد فمن للصبية ؟ يعني بنيه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم - : لهم النار. ويقولون إنه هو الذي أنزل الله تعالى فيه { يَأَ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ } [ الحجرات/6 ]، فنص القرآن أنه فاسق يجب التبين في خبره . ويقولون إنه في زمن عثمان كان أميراً على الكوفة فشهدوا عليه أنه شرب الخمر وكلم علي عثمان في ذلك فأمره أن يجلده فأمر على عبدالله بن جعفر فجلده ، ومنهم من يزيد أنه صلّى بهم الصبح سكرانا فصلّى أربعاً ثم التفت فقال : أزيدكم ؟ وكان الوليد أخا عثمان لأمه ، فلما قتل عثمان صار الوليد ينشيء الأشعار يتهم علياً بالممالأة على قتل عثمان ويحرض معاوية على قتل علي .
هذا جميع ما وجدناه عن الوليد عن النبي- صلى الله عليه وسلم - . وأنت إذا تفقدت السند وجدته غير صحيح لجهالة الهمداني ، وإذا تأملت المتن لم تجده منكرا ولا فيه ما يمكن أن يتهم فيه الوليد ، بل الأمر بالعكس فإنه لم يذكر أن النبي- صلى الله عليه وسلم - دعا له، وذكر أنه لم يمسح رأسه، ولذلك قال بعضهم: قد علم الله تعالى حاله فحرمه بركة يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعائه .(60/76)
أفلا ترى معي في هذا دلالة واضحة على أنه كان بين القوم وبين الكذب على النبي- صلى الله عليه وسلم - حجر محجور (1).
أنه لبلاء عظيم أن نسقط عدالة جمهور الصحابة - رضي الله عنهم - الذين اشتركوا في النزاع مع علي أو معاوية - رضي الله عنهم -، أو نسقط أحاديثهم ونحكم بكفرهم أو فسقهم ؟! . ما دخل ذلك بآرائهم السياسية وأخطائهم ؟! أليس ذلك كمن يسقط زعيماً وطنياً أبلى في القضية الوطنية أحسن البلاء وناضل الاستعمار بقلمه وماله ونفسه ، من عداد الزعماء ويجرده من صفة الوطنية ، وينكر فضائله كلها ، ويرد أخباره كلها لأنه كان زعيم حزب تولى الحكم فأخطأ ، أو لأنه حارب زعيما وطنيا آخر وناصبه العداء ، إذا كان هذا لا يجوز في حكم التاريخ والإنصاف والحق ، فأولى ألا يجوز حكم الشيعة والخوارج على الصحابة الذين لم يوافقوا علياً t في بعض المواقف السياسية ، بإسقاط عدالتهم ، وتجريحهم في مروياتهم ، ووصمهم بأوصاف لا تليق بعامة الناس - بل بتكفيرهم كل الصحابة- رضي الله عنهم - ماعدا ثلاثة أو خمسة كما في روايات الكشي- فكيف بأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الذين كان لهم في خدمة الإسلام والرسول قدم صدق، لولاها لكنا نتيه في الظلمات ولا نعرف كيف نهتدي سبيلا (2) .
__________
(1) الأنوار الكاشفة ص259-264 .
76
(2) السنة ومكانتها في التشريع الاسلامي لمصطفى السباعي ص133 .
77(60/77)
وفيما قدمته في عدالة الصحابة- رضي الله عنهم - ما بين الحق من الباطل في هذا ، وقد بينت غير مرة أن المنافقين الذين كشف الله ورسوله سترهم ، وقف المسلمون على حقيقة أمرهم ،والمرتدين الذين ارتدوا في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته، ولم يتوبوا ويرجعوا إلى الإسلام وماتوا على ردتهم هم بمعزل من شرف هذه الصحبة وبالتالي بمعزل عن أن يكونوا من المرادين بقول جمهور العلماء والأئمة إنهم عدول ، وفي تعريف العلماء للصحبة ما ينفي عنها هؤلاء وأولئك وكذلك بينت غير مرة أن العدالة شئ ،والعصمة شئ آخر والذين قالوا إن الصحابة عدول لم يقولوا قط أنهم معصومون من المعاصي ولا من الخطأ والسهو والنسيان ، وإنما أرادوا أنهم لا يتعمدون كذباً على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حتى الذين حدّوا في حدّ أو اقترفوا إثما تابوا أو لابسوا الفتن والحروب ما
كانوا ليعتمدوا الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ومما ينبغي أن يعلم أن الذين اقترفوا أثما ثم حدوا هم قلة نادرة جدا لا ينبغي أن يغلب شأنهم وحالهم على حال الألوف المؤلفة من الصحابة الذين ثبتوا على الجادة والصراط المستقيم ، وجانبوا المآثم والمعاصي ما كبر منها وما صغر، وما ظهر وما بطن ،والتاريخ الصادق أكبر شاهد على هذا .
وهؤلاء الذين اتخذهم الطاعنون في عدالة الصحابة ذريعة لطعنهم منهم من لا تعرف له رواية ومنهم لم يعرف له إلاّ الحديث والحديثان والثلاثة ،ومروياتهم معروفة وثابته من رواية غيرهم ، فلا يتوقف على روايتهم شئ من أصول الدين وفروعه ، مما يجعل الباحث المتثبت مطمئنا إلى ما ذهب إليه جمهور العلماء في عدالة الصحابة ، وليس أدل على هذا من أن بسر بن أرطاه وهو مختلف في صحبته ليس له إلاّ حديث في سنن أبي داود في عدم قطع الأيدي في السفر، وحديث آخر في الدعاء .(60/78)
ففي صحيح ابن حبان أنه سمع النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول :" اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ".
ونحن الذي نقول بعدالته إنما أردنا في الرواية ، وأما ملابسته للحروب والفتن،وانحيازه لمعاوية فهو أمور اجتهادية -وهذا كله قد حصل من في زمن الفتنة التي صيرت الحليم حيرانا -، وهي لا تخل بهذه العدالة ،والله يغفر لنا ولهم، ويرحم الله القائل" ان هذه دماء طهر الله منها سيوفنا، فلنطهر منها ألسنتنا (1) .
ثانياً : موقف الشيعة من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - :
يزعم عبد الحسين أن رأيهم في الصحابة- رضي الله عنهم - هو أوسط الآراء ، قال في (ص200) ما نصه : ( ونحن الإمامية لنا في الصحابة رأي هو أوسط الآراء عقدنا لبيانه في أجوبة موسى جار الله فصلا مخصوصا وعقدنا لتأييده فصلا آخر فليراجعها من أراد التحقيق من أولي الألباب والحمد لله على الهداية للصواب ).
__________
(1) دفاع عن السنة لأبي شهبة ص 247 .
78(60/79)
كما أنكر المؤلف تقية بأنهم لا يسبون الشيخين وغيرهما من الصحابة ، قال: (أن البحث يقع هنا في كل من صغرى هذا الوجه وكبراه وبعبارة أخرى هي أوضح يقع البحث في مقامين : المقام الأول: في أنهم هل يسبون ؟ أو لا يسبون ؟ والثاني: في أنه هل يكفر الساب ( والعياذ بالله )!! أو لا يكفر ، وقد رأيت البحث في المقام عبثاً صرفاً ولغوا محضاً ، إذ لا يمكن اذعان الخصم ببراءة الشيعة من هذا الأمر ، ولو حلفنا له برب الكعبة (1)، بل لا يلتفت إلى نفيه عنهم ولو جئناه بكل آية ، والإمامية طالما أذنت فلم يسمع آذانها !! وشد ما أعانت فلم يصغ لاعلانها ، فسد هذا الباب أقرب إلى الصواب وأولى بأولي الألباب (2) ولا حول ولا قوة إلا بالله ) (3).
قلت: لنستمع أولاً إلى أقوالهم في الخلفاء بشكل خاص ، ثم إلى رأي أئمتهم المعصومين حسب رواياتهم المنسوبة إلى أهل البيت ، ثم لنستمع إلى رأي هذا المؤلف بنفسه في الخلفاء بشكل خاص . لنرى هل فعلا رأيهم أوسط الآراء كما يتخرص ، أم رأيهم هو أسخف وألعن الآراء ، وأن الرجل غارق في الكذب و التقية والدجل ، يكذب حتى نخاعه !
أقوال علماء الشيعة في الخلفاء والصحابة - رضي الله عنهم - :
__________
(1) إن كنت تحلف بالله تقية وكذبا فهذا مقام آخر ، وإن كنت تريد إثبات نقيض هذا أي بأنكم لاتسبون ولا تلعنون الخلفاء والصحابة وأمهات المؤمنين ، فما عليك إلا بحرق كتبكم التي قالت ذلك ، وهذا معناه إنهيار مذهبك من أساسه ، فهل من مجيب ؟!
(2) يعلم هذا " المؤلف" أن مذهبه يكفر الصحابة والخلفاء بشكل خاص وعندهم روايات وأقوال علمائهم في هذا الصدد ، لذلك خلص إلى حيلة سد الباب في هذا الموضوع مع أنه هو الذي فتحه! فإن كنت يا هذا تعجز عن إثبات عدم السب واللعن بالأدلة وليس بكلام كله كذب ، فلم هذه التقية يا تقي ؟!
(3) الفصول المهمة لعبد الحسين ص157.
79(60/80)
قال رئيس علماء الشيعة نعمة الله الجزائري في أنواره (2/244 - 245 ) في معرض تعريفه لفرقته ما نصه: ( الإمامية قالوا بالنص الجلي على إمامة علي وكفّروا الصحابة ووقعوا فيهم وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق وبعده إلى أولاده المعصومين ومؤلف هذا الكتاب من هذه الفرقة الناجية !! إن شاء الله، وقد تتبعنا كتب الفرق الإسلامية ورأينا إن الحق مع الإمامية بالبراهين العقلية والنقلية ).
فقد اعترف الجزائري أن فرقته التي كفّرت الصحابة ووقعت فيهم هي الفرقة الناجية بعد تتبع الفرق، وأن الحق مع رأيهم بالبراهين النقلية والعقلية !! .
فهل هذا الرأي الذي أورده نعمة الله الجزائري في الصحابة هو أوسط الآراء؟!
نسأل الله السلامة في الدين والعقل والبعد عن الكذب والدجل ؟ على أي حال سوف نورد براهينهم النقلية و العقلية على ارتداد صحابة النبي- صلى الله عليه وسلم - .
فعن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر(ع) قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي ! إلا ثلاثة فقلت: ومن الثلاثة ؟ فقال : المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي ... ( (1) .
وعن حمران قال : قلت لأبي جعفر(ع): ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ قال: فقال ألا أخبرك بأعجب من ذلك قال : فقلت بلى قال : المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا وأشار بيده - ثلاثة ( (2).
ثم ذكر النوري هذه الروايات (3) المزعومة ثم قال ما نصه : ( وتحصل من تلك الأخبار وغيرها مما لم نذكرها أصل أصيل وهو الحكم بارتداد جميع من بقى بعد النبي
__________
(1) رجال الكشي ص6ح12وص8ح17 ، نفس الرحمن ص23 .
(2) الكشي ص7ح15و ص7ح14 وص8ح18وص11-12ح24، الاختصاص ص5-6، الروضة من الكافي 356 .
(3) نفس الرحمن ص 575-583 و583 الباب الخامس عشر .
80(60/81)
ممن صحبه في حيوته إلا ثلثة منهم أو أربعة ، والوجه في ذلك مضافا إلى تلك الأخبار هو إنكارهم ما سمعوه منه من النص على خلافة أمير المؤمنين(ع) مما هو مذكور مفصلا في كتب الإمامية ، وليس بغريب منهم ، فإن أكثر الخلائق ضلّوا عن الأنبياء الماضين وعبدوا غير رب العالمين ، بل لو لم تضل أكثر هذه الأمة كان ذلك ناقضا للعادات وخلاف ما تقتضيه طبايع البشر واختلافهم في الاعتقادات ، بل الذين كابروا واشتبه عليهم الحال بين علي(ع) وبين من تقدمه من الخلفاء أولى بالضلالة من الذين إشتبه عليهم الحال بين الله - عز وجل - وبين خشبة عبدوها من دونه ، فانهم ما كان يحصل لهم من الأصنام ذهب ولا فضة ولا ولاية ولا إنعام ، وقد حصل لهؤلاء ما كانوا يرجون من الأموال و الآمال ) .
فهذا شيخك " يحكم على صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كلهم بالارتداد ما عدا ثلاثة أو أربعة ، فأين دجلك وتقيتك بقولك الكذب : ( ونحن الإمامية لنا في الصحابة رأي هو أوسط الآراء عقدنا لبيانه في أجوبة موسى جار الله ) .(60/82)
إن الجريمة المزعومة التي اقترفها الصحابة - رضي الله عنهم - عند القوم هي انحرافهم عن الولاية المزعومة لعلي الذي نادى بها ابن سبأ وعدم التسليم له بالخلافة بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم - فتصرفهم هذا أسقط عدالتهم كما يزعمون ، بينما يقرون بأن أجلة علمائهم وفقهائهم وثقاتهم من الفطحية الذين اعتقدوا بإمامة عبد الله بن جعفر الأفطح بعد أبيه جعفر الصادق وبعضهم واقفة أنكروا إمامة الرضا والأئمة من بعده ، فالسبب الذي من أجله أسقطوا عدالة الصحابة هو موجود في رواتهم فما كان منهم إلا أن أعرضوا وأغمضوا أعينهم عنهم، فالسبب موجود في كلا الطرفين لو نظرنا بمستوى عقليتهم ، ولكن وثقوا هؤلاء الرواة الذين لم يمدحهم الله ولارسوله وكفّروا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ مع أنهم رووا عمن يعتقدون أنهم معصومون أن الفطحية كفّار ! والواقفة كفّار زنادقة !
81
براهين الشيعة النقلية في لعن الصحابة - رضي الله عنهم - و زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - :
قال الجزائري في كتابه " قصص الأنبياء "(ص292): ( قال (ع): إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة لسبعة نفر : أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود الذي حاج ابراهيم في ربه ، واثنان من بني اسرائيل هودا قومهم ونصراهم ، وفرعون الذي قال: { أنا ربكم الأعلى } ، واثنان من هذه الأمة .
وروى الكليني في كافيه عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السراج قالا: سمعنا أبوعبدالله(ع) وهو يلعن في دبركل مكتوبة أربعة من الرجال وأربعة من النساء فلان وفلان وفلان ويسميهم ومعاوية وفلانة وفلانة وهند وأم الحكم أخت معاوية (1).
__________
(1) الوسائل 4/1037- باب استحباب لعن اعداء الدين عقيب الصلاة بأسمائهم ، عين الحياة ص599 باب " در تعقيبات نماز " .(60/83)
وعلق شيخهم المجلسي في كتابه"مرآة العقول"( 15/174): ما نصه:( والكنايات الأول عبارة عن الثلاثة بترتيبهم والكنايات الأخيرتان عن عائشة وحفصة ) .
وروى شيخهم العياشي في تفسيره (1/200 ح152 ): عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله قال: تدرون مات النبي أو قتل إن الله يقول:{ أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } فسّم قبل الموت أنهما سقتاه قبل الموت فقلنا إنهما وأبوهما شر من خلق الله.
ووصف المجلسي هذه الخزعبلة -أقصد الرواية- بأنها معتبرة، وعلق عليها بقوله: (إن العياشي روى بسند معتبر عن الصادق(ع) أن عائشة وحفصة لعنة الله عليهما وعلى أبويهما قتلتا رسول الله ! بالسم دبرتاه) (1).
وقال شيخهم الكاشاني في تفسيره:( يعني المرأتين لعنهما الله وأبويهما (2).
وقال عبد الحسين في كتابه " النص والاجتهاد " (ص292) تحت [المورد 79] ما نصه: لمثل العظيم في آخر سورة التحريم : ألا وهو قوله تعالى: { وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَلِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْـ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} التحريم/10 ] {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبّ ابْنِ لىِ عِندَكَ بَيْتًا فىِ الْجَنَّةِ } [ التحريم/11 ] .
هذا ما ضربه الله لهما لينذرهما به ، ولتعلما ان الزوجية بمجردها لأي كان لا تنفع ولا تضر والنافع للمرء إنما هو علمه ) .
__________
(1) حياة القلوب للمجلسي 2/700 باب " در بيان رحلت آنحضرت " .
82
(2) تفسيره الصافي 1/305 : يعني المرأتين لعنهما الله وأبويهما، البحار 6/504 ، حياة القلوب 2/700 و البرهان 1/320 ، و القمي 2/375 .(60/84)
وقال الملقب عندهم عمدة العلماء والمحققين محمد التوسيركاني مانصه:( تنبيه إعلم إن أشرف الأمكنة والأوقات والحالات وأشبها للعن عليهم - عليهم اللعنة - إذا كنت في المبال فقل عند كل واحد من التخلية والاستبراء والتطهير مراراً بفراغ من البال : اللهم العن عمر ثم أبابكر وعمرثم عثمان وعمرثم معاوية وعمر ثم يزيد وعمر ثم ابن زياد وعمرثم ابن سعد وعمرثم شمراُ وعمر ثم عسكرهم وعمر، اللهم العن عائشة وحفصة وهند وأم الحكم والعن من رضي بأفعالهم إلى يوم القيامة ) (1) .
وقال المحقق العارف محمد رضا المازندراني في تعليقه على رواية من رواياتهم ما نصه: ( والمراد بوجوب البراءة منهم وبغضهم، لعنهم والإكثار من سبهم وشتمهم والقول فيهم والوقيعة ، واعتقاد أنهم مبعدون عن رحمة الله، ومطرودون عن ساحة عز الحضور . وفائدته أن يحذرهم الناس ولا يتعلموا من بدعهم ، فأقول : اللهم العن الذين هدموا بيت النبوة والبرهان وسلبوا أهل العزة والسلطان ، وأطفئوا مصابيح النور
العرفان ، وعصوا في صفوة الملك الديّان وخاصه أبا ركب وزفر فإنهم أول من أحيوا بدع الشيطان، وأماتوا سنة الرحمن ) (2) .
دعاء في لعن الصديق والفاروق - رضي الله عنهم -:
هذا الدعاء يسمونه " بدعاء صنمي قريش " ومرادهم " بصنمي قريش " أبو بكر وعمر رضي الله عنها وأرضاهما واللعنة على كل من يبغضهما .
كما صرحوا بذلك في العديد من مصنفاتهم ، منهم الكفعمي في شرحه لهذه الخزعبلة ، والكركي في نفحاته ، والمجلسي في مرآته والحسيني في شرعته ،والتستري في إحقاقه ، والحائري في إلزامه، والنوري في فصل خطابه .
نص هذا الدعاء الملفق:
__________
(1) لئالى الأخبار لمحمد التوسيركاني 4/92 الأدعية الواردة في التعقيب .
83
(2) الرسائل 1/174،439،440،484 .(60/85)
" اللهم صل على محمد وآل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما و افكيهما وابنتيهما الذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك وجحدا أنعامك وعصيا رسولك وقلّبا دينك وحرفا كتابك وأحبا أعداءك وجحد الآئك وعطلا أحكامك وابطلا فرائضك والحدا في آياتك وعاديا أوليائك وواليا أعداءك وخربا بلادك وأفسد عبادك اللهم العنهما واتباعهما وأولياءهما وأشياعهما ومحبيهما ...".
وقد اهتم القوم بهذا الدعاء اهتماماً كبيراً واعتبروه من الأدعية المشروعة (1) فذكروه في مصنفاتهم أذكره على سبيل المثال لا الحصر : الكفعمي (2) والكاشاني (3) .
والنوري الطبرسي(4) ،وأسد الله الحائري(5)، ومرتضى حسين(6) ، ومنظور حسين(7)، والكركي(8) والداماد الحسيني( (9) ، والمجلسي(10) ،والتستري(11)، وأبو الحسن العاملي(12)، وعبد الله شبر (13)، والحائري(14) وميرزا حبيب الله (15) وغيرهم .
ولأن هذا الدعاء مهم ، فقد عمدوا إلى شرحه ، فبلغت شروحه أكثر من عشر شروح .
فهل رأيتم أكاذيبه ودجله عندما قال تقية :( والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة ، لكنها غير عاصمة ، والصحابة فيهم العدول وفيهم ...هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم والكتاب والسنة ) !!
__________
(1) الذريعة للطهراني 8/192 .
(2) البلد الأمين ص511-514 ، وفي المصباح ص548-557 .
(3) علم اليقين 2/701-703 ، وقرة العيون ص426 .
84
(4) فصل الخطاب ص221-222 .
(5) مفتاح الجنان ص113-114 .
(6) صحيفة علوية ص200-202 .
(7) تحفة العوام مقبول ص213-214 .
(8) نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت ق/أ ، 74/ ب .
(9) شرعة التسمية في زمن الغيبة ق26/أ .
(10) مرآة العقول 4/356 .
(11) في إحقاق الحق ص58و133-134 .
(12) تفسير مرآة الانوار ص113و174و226و250و290و294و313و339 .
(13) حق اليقين 1/219 .
(14) إلزام الناصب 2/95 .
(15) منهاج البراعة 14/396 الطبعة الثانية .
85(60/86)
فأنظروا إلى هؤلاء القوم كيف يلعنون حتى جد إمامهم المعصوم جعفر بن محمد- رضي الله عنه - -بهذه الروايات الباطلة- وقد قال : أولدني الصديق مرتين - كما يأتي بيانه - في حين لا يرضون بهذا السب واللعن لجد من أجدادهم ؟
من هو جد جعفر الصادق - رضي الله عنه -:
قال الاردببلي( الشيعي) في كشف الغمة في نسب جعفر الصادق : " قال محمد بن طلحة: أما نسبه أبا وأما فأبوه أبو جعفر محمد الباقر، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر. وقال الحافظ عبدالعزيز: أمه(ع) أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر (1).
فأم جعفر إذاً هي فاطمة بنت القاسم بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم -، وأم فاطمة هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، فالقاسم هو جد جعفر من قبل أمه ، فهو حفيد القاسم بن أبي بكر الصديق ،والصديق هو الجد الأكبر لجعفر الصادق، - رضي الله عنهم - وهذا معنى قول الصادق : " أولدني الصديق مرتين " ، وفي ذلك يقول الشريف الرضي :
وحزناً عتيقاً وهو غاية فخركم بمولد بنت القاسم بن محمد
فكيف يلعن الصادق- رضي الله عنه - جده - رضي الله عنه -، بل ويأمر أتباعه بذلك في دبر كل صلاة ؟!
فهل يعقل أن يفتخر بجده من جهة ، ويطعن فيه من جهة أخرى ؟ إن مثل هذا الكلام قد لا يصدر من السوقي الجاهل !! .
فهل يجوز تجريح الخلفاء بالكلام البذيء الذي نجده في أكثر كتبهم ، الكلام الذي يغاير كل الموازين الاسلامية والاخلاقية ويناقض حتى كلام الإمام علي ومدحه وتمجيده في حقهم .
فما رأي أتباعه المزعومين ؟! أم أن التقية دينه ودين آبائه !! .
إذن أتباعه المزعومون هم الذين ساهموا مساهمة فعالة في الإساءة إليه وإلى أئمتهم الآخرين الذين يدعون أنهم من أنصارهم .
__________
(1) البحار 47/5 - 6 و 42/162 - 163 و 36/194 ، لولا السنتان للحكيمي ص23 .
86(60/87)
وأما قوله:( بأن الجمهور إنما يعفون أبا هريرة ....تقديسا لرسول الله(ص) لكونه في زمرة من صحبه ونحن إنما ننتقدهم تقديسا لرسول الله(ص) ....) .
قلت : يا ترى من أنت لكي تتكلم عن الشيعة وتجعل نفسك من سدنة هذا المذهب(1). فمتى انتقدت الشيعة أبا هريرة ؟ وفي أي كتاب ؟! .
أن أبا هريرة ثقة عند كل الفرق ما عدا عند الحاقدين وأهل الأهواء والبدع الذين لا يعتد بآرائهم كالنظام والاسكافي وابن أبي الحديد وغيرهم ! .
فهذا كتب الرجال عند الشيعة وهي : الفهرست ، ورجال الطوسي وكلاهما للطوسي ، ورجال النجاشي للشيخ النجاشي ، ورجال الكشي للكشي والذي هذبه الطوسي وسماه " اختيار معرفة الرجال " ، ورجال الغضائري ،وتلحق بهذه الكتب كتب أخرى لا تقل أهمية عنها وهي: رجال العلامة الحلي ، ورجال ابن داود الحلي المولود سنة (647هـ) ، وقد رأيت ابن داود الحلي ، يذكر أبا هريرة ضمن القسم الأول من كتابه المخصص لذكر الممدوحين ، ويقول:" عبد الله أبو هريرة،معروف ، من أصحاب الرسول(2) ، فقد مدحه صراحة،كما أن الشيخ الطوسي ذكره في كتابه رجال الطوسي (3)، فهذه الكتب قد قلبت جميع صفحاتها فلم أعثر على ترجمة لأبي هريرة ولا تكذيب له أثناء ترجمة أخرى .
فأنظروا إلى افتراء ه حتى على علماء الجرح عندهم بقوله : (ونحن إنما ننتقدهم تقديسا لرسول الله ) ، فقد أتى بضمير الجمع " نحن " ، مع أن الثابت عكس هذا الادعاء .
__________
(1) قال عن نفسه أنه سدنة المذهب الامامي في فصوله ص203 .
(2) رجال ابن داود الحلي القسم الأول ص 116 ترجمة رقم 833 .
(3) رجال الطوسي أصحاب رسول الله ص 23 ، وانظر جامع الرواة للأردبيلي 1/ 466 .
87(60/88)
فيا هذا من أنت لكي تنتقد أبا هريرة بعد هذه القرون ؟! ومن أنت لكي تحكم بهواك على صحابي مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وهو عنه راض ؟ . والله إن بدعة النيل من أبي هريرة t وتكذيبه ما كانت قبل زمن ابن داود الحلي كما رأيت أيها القارئ ، ومما يدل على ذلك ويؤكده ، أن ابن خزيمة المتوفي سنة (311هـ)، عندما دافع عن أبي هريرةt قال: "وإنما يتكلم في أمر أبي هريرة :إما معطل "جهمي" وإما "خارجي" أو " قدري" ، أو "جاهل يتعاطى الفقه "، ولم يقل وإما " شيعي"!
فإذاً ابن أبي الحديد هو الذي اخترع ذلك وأقحم الشيعة من بعده في هذا المعترك الصعب ، لذلك سوف أثبت في الفصول القادمة أن الشيعة الأوائل كانوا يروون بأسانيدهم عن أبي هريرة t ويعملون بفقه وأخباره ، تماما كما كان أهل البيت- رضي الله عنهم - يعتدون برواية أبي هريرة t وروايتهم عنه ، ورواية عدد كبير من جماهير الشيعة الكوفيين وشيعة علي t .
وأما قوله:( بأنه لم يكن لنا بد من البحث عن هذا المكثر نفسه ، وعن حديثه كماً وكيفاً لنكون على بصيرة فيما يتعلق من حديثه بأحكام الله فروعاً وأصولاً ...) .
قلت : لقد تصور لنفسه أن أحاديث أبى هريرة موضوعة ومكذوبة ، وقد تغلغل هذا الوضع في أصول الدين وفروعه ، وغفل عنه المسلمون !! لذلك كان من واجبه الدفاع عن الشريعة الغرّاء ، وحمايتها من الأكاذيب والأوهام ، فكان لا بد له من دراسة أبىهريرة ، تلك الدراسة التي كشفت عن وجه الحق - كما يدعى - إلا أنها دراسة كشفت عن نوايا خبيئة في نفوس أعداء السنة وخصوم الصحابة y، دراسة بينت حقدهم على الصحابة- رضي الله عنهم - ، وعلى أبى هريرة t بوجه خاص ، ومن يطلع على كتابه هذا ، لا يشك في أنه حلقة في سلسلة الأبحاث التي يقوم بها المستشرقون المتطرفون ، وأتباعهم المنتسبين إلى الإسلام المغرضين، متخذى خدمة لأعداء الإسلام، ووسيلة لتصديع جمع المسلمين .
88(60/89)
ويرى المؤلف عبد الحسين أنه حلل نفسية أبى هريرة تحليلاً علمياً حتى فهم كنهه وحقيقته من جميع نواحيه لندركه بحواسنا كلها . كما يرى أنه أمعن النظر في حديثه كماً وكيفاً فيقول: ( فلم يسعنا - شهد الله - إلا الإنكار عليه في كل منهما ).
ويكثر الطعن في أبى هريرة وحفظه وكثرة حديثه ويعيب عليه أميته ، ثم يقول: (ونحن حين نحكم الذوق الفني والمقياس العلمي نجدهما لا يقران كثيراً مما رواه هذا المفرط في اكثاره وعجائبه )! .
ويتابع المؤلف الحط من قدر أبى هريرة t وأقل ما قاله في الصفحة : (فالسنة أرفع من أن تحتضن أعشاباً شائكة ، وخّز بها أبو هريرة ضمائر الأذواق الفنية ، وأدمى بها تفكير المقاييس العلمية ، ...) .
و المؤلف (ينادى بالذوق الفني، والتفكيرالعلمي )، فأي ذوق يريد وأي تفكير يقصد ؟ بعد أن أجمعت الأمة من لدن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا ، على دقة الذوق الفني عند المحدثين في علمهم ومنهجهم ، حتى أصبح تثبتهم في العلم مضرب الأمثال، لم يتركوا كبيرة أو صغيرة إلا بينوها ، فعرفوا الصحيح والضعيف والسليم والمعلول ، لم تأخذهم في ذلك عاطفة أو هوى ، فطبقوا مقاييسهم الدقيقة على الجميع ، فكانوا قدوة حسنة في إخلاصهم وأمانتهم ، حتى إن الرجل يأبى أن يحدث عن أبيه أو أخيه بالرغم من ورعه وصلاحه ، ويبين أمره للناس، من ذلك قول علي بن المدينى في أبيه حين سألوه عنه قال :"سلوا عنه غيري ، فأعادوا المسألة ، فأطرق ثم رفع رأسه فقال: هو الدين إنه ضعيف .(60/90)
كما كانوا يأبون أن يحدثوا من يرتابون في أمره ، وإن كان صالحاً أو ذا منزلة ومكانة ، من هذا ، ما رواه أحمد بن أبى الحواري قال: " جاء رجل من بني هاشم ليسمع من ابن المبارك فامتنع ، فقال الهاشمي لغلامه : قم بنا ، فلما أراد الركوب ، جاء ابن المبارك ، ليمسك بركابه ، فقال : يا أبا عبدالرحمن لا ترى أن تحدثني وتمسك بركابي .. !! ؟ قال : رأيت أن أذل لك بذلي ولا أذل لك الحديث !!
89
هؤلاء جهابذة العلم ، ورجال الفن ، الذين نقبل حكمهم في أبى هريرة t، فلو عرفوا عنه شيئاً ما سكتوا عنه وإن كان صحابياً ، لأن السنة والشريعة لا تحابى أحداً .
ولكنهم لم يجدوا ما يأخذونه عليه ، بل كان عندهم الثقة الأمين .. على ضوء المقاييس العلمية والأذواق الفنية المجردة ) (1).
أجل لقد وخز أبو هريرة بقول الحق ضمائر من يريدون الباطل ، وروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا يتفق مع أهل الأهواء وعقائدهم ، فناصبوه لذلك العداء ! وإلا فأي وخز للضمائر وقد روى هذه الأحاديث التي أنكرها هذا المؤلف أئمته المعصومون في نظرهم كما يأتي تفصيل ذلك في محله إن شاء الله تعالى .
وأما قول هذا المؤلف :( ونحن حين نحكم الذوق الفني والمقياس العلمي نجدهما لا يقران كثيراً مما رواه هذا المفرط في اكثاره وعجائبه) !
قلت: يقول المثل :" رمتني بدائها وانسلت " ، فهم يكثرون أضعاف ما رواه أبو هريرة t، ويأتون بعجائب سخيفة لم يخطر على قلب بشر ، في حين يشنعون في مسائل بسيطة على أبي هريرة tهم اشتركوا في روايته إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولعل يقصد عبد الحسين ما أنكر على تلك الأحاديث التي أوردها أبو هريرة t .
__________
(1) أبو هريرة راوية الاسلام ص163-164 للعجاج .
90(60/91)
وأما قوله أنه:( لا يصح في منطق أن نسكت عن هذا الدخل الشائن لجوهر الإسلام، وروحه الرفيعة المنادية بالتحرر والانعتاق من كبول العقائد السخيفة والخرافات التي يسبق إلى الذهن استنارها .....) .
قلت: نعم صدقت لا يصح في منطق أن نسكت عن هذا الدخل الشائن لجوهر الإسلام ، وروحه الرفيعة المنادية بالتحرر والانعتاق من كبول العقائد السخيفة والخرافات، ولكن ماذا نفعل وهذه العقائد السخيفة والخرافات هي روايات
المعصومين عندكم والذي قلت عنها ما لفظه : ( وأحسن ما جمع منها الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أصولهم و فروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان ، وهي : الكافي ، و التهذيب ، والاستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه ، وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها ، والكافي أقدمها و أعظمها و أحسنها و اتقنها )!! ، أما أحاديث أبو هريرة فأي دخل شائن لجوهر الإسلام وروحه ؟ ) .
نحن على استعداد ، بل المسلمون جميعاً مستعدون ، للدفاع عن الإسلام وتخليصه من الشوائب إن كانت هناك خرافات أو حتى شوائب ، ولكن أي خرافات وسخافات في حديث أبى هريرة ؟
وقد شعر المؤلف الموتور بخطر بحثه فقال : ( .. أقول هذا وأنا أرى وجوهاً تنقبض دوني ، ونفوساً تنقبض مزورة عني ، وقد يكون لها بسبب الوراثة والتربية والبيئة أن تنبقض وتتقبض أمام حقيقة وضعها البحث على غير ما ألفت من احترام الصحابة واعتقاد عدالتهم أجمعين أكتعين أبصعين ، من غير أن تزن أعمالهم وأقوالهم بالموازين التي أخذ النبي بها أمته لأن الصحبة عندهم بمجردها حرم لا تنال من اعتصم به معرة ولا يمس بجرح ، وإن فعل ما فعل ، وهذا شطط على المنطق وتمرد على الأدلة)
قلت: كيف لا تتقبض النفوس الصافية عن الباطل ؟ وكيف لا يثور المرء المعتدل للحق إذا رأى هذه الخرافات والخزعبلات الموضوعة على أهل البيت- رضي الله عنهم - !!!(60/92)
هل يريد منا أن نكون في برد وسلام !! ، وكيف لا تتقبض النفوس الصافية عن الباطل ؟ وكيف لا يثور المرء المعتدل للحق إذا عندما يفترى على الصحابة نقلة الشريعة وحفاظها ، ويريد منا أن نكون في برد وسلام !! ثم من هم الصحابة الذين فعلوا ما فعلوا وجعلهم الجمهور معصومين ؟ .
لقد بينت فيما سبق أن من اختلف في عدالتهم من الصحابة لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة .. ومع هذا فقد انتصر لهم ابن العربي وبيّن الحق وأبطل ما ادعاه الخصم.
91
نعود لبحثنا فنقول : هل الحرية في التفكير أن يقول من شاء ما شاء ومتى شاء وكيف شاء ؟! .
أم أن الحرية والذوق الفني والكرامة العقلية خاصة بفئة معينة ، وخاضعة لمقاييس شخصية تتبدل حسب الميول والأهواء ؟ أم أن الكرامة العقلية والتفكير العلمي مجرد الدفاع عن مبدأ مهما كان نصيبه من الصواب والخطأ ؟ .
لا أظن أحداً يوافق على مثل هذا ، فالتفكير العلمي والذوق الفني يكونان على أسس ثابتة لا تتأثر بنزعة أو هوى ، وأسس عامة شاملة لا تنظر النظرة الخاصة الضيقة، أسس مبنية على منهج علمي سليم .
لذلك فقد كشفت هذه الدراسة التي قام بها هذا المؤلف "الموتور" عن نوايا خبيثة في نفوس أعداء السنة و خصوم الصحابة y، هذه الدراسة بينت حقدهم على الصحابةy ، وعلى أبي هريرة بوجه خاص ، ومن يطلع على كتاب هذا المؤلف، لا
يشك في أنه حلقة في سلسلة الأبحاث التي يقوم بها أذناب الاستعمار في العالم الإسلامي .
وفي(ص10-14) أورد عبدالحسين أحاديث أبي هريرة زاعماً إنها تمس عقله وعقيدته ونواميسه، وسوف نتعرض لهذه الأحاديث عند الرد على كيفية حديثه إن شاء الله تعالى .
وفي (ص19) تحت عنوان:" اسمه و نسبه" قال:( كان أبو هريرة غامض الحسب، مغمور النسب ، فاختلف الناس في اسمه واسم أبيه إختلافاً كثيراً ، لا يحاط به ولا يضبط في الجاهلية والاسلام وإنما يعرف بكنيته ، وينسب الى دوس .....) .(60/93)
قلت : لقد أراد المؤلف أن يغض من قدر أبي هريرة t، ويغمز نسبه لأنه لم يكن معروفاً في الجاهلية ،ولاختلاف الناس في اسمه، ومتى كان الاختلاف في اسم إنسان يشينه أو يسقط عدالته ؟ ويكفى أن نعرفه بكنيته كما عرفنا أبا بكر وأبا عبيدة
92
وأبا دجانة الأنصارى وأبا الدرداء ، الذين اشتهروا بكناهم وغابت أسماؤهم عن كثير من الناس .. ولم نسمع في يوم من الأيام أن الحسب والنسب يقدم صاحبه في المفاضلة العلمية أو يؤخره ثم إنه اشتهر بكنيته من صغره وعرفه الناس جميعاً بذلك ، فما يضيره أن يعرف بكنيته ويختلف اسمه ؟ والاختلاف في الاسم طبيعي وبدهى لا في أبي هريرة وحده بل في كل إنسان عرف بكنيته منذ نعومة أظفاره ، ولم هذه الحملة وإيهام القارىء بأن اسمه لا يحاط به ولا يضبط ؟ ومرد الخلاف فيه إلى ثلاثة أسماء ( عمير وعبدالله وعبد الرحمن ) كما قال ابن حجر ، وقد اختلف في اسم غيره على أكثر من ذلك ولم ير فيهم عيباً أو مطعناً بسبب ذلك (1) .
فلماذا هذا الجهل ؟!! ما كنا نظن إنساناً يحترم نفسه ويدعي العلم والمعرفة ويلقبه قومه " بأية الله" أن يهوي إلى مثل هذا القرار في تجريح صحابي مشهور - لم تخف شهرته على معاصريه ولا على الأجيال المتعاقبة من بعده - وبمثل هذا الكلام الذي نقلناه .
ولكن ماذا يقول هذا المؤلف في جهلهم لإسم أم مهديهم المنتظر، فقد اختلفوا في اسمها ، فمرة نرجس ومرة سوسن ومرة صقيل .
ففي " البحار"(51/15و360):عن غياث بن أسد قال: ولد الخلف المهدي(ع) يوم الجمعة وأمه ريحانة ويقال لها نرجس ويقال صقيل ويقال سوسن !!
وماذا يقول عن رواته الذين لم تكن لهم شهرة كزارة بن أعين ، فقد كان جده راهباً ولم يسلم ، ولا نعلم عنه شيئاً !
__________
(1) أبو هريرة راوية الاسلام للدكتور محمد عجاج الخطيب ص168 - 169 .
93(60/94)
قال الطوسي في فهرسته : زرارة بن أعين واسمه عبد ربه ، يكنى أبا الحسن وزرارة لقب له وكان أعين بن سنسن عبداً رومياً لرجل من بني شيبان تعلم القرآن ثم
أعتقه فعرض عليه أن يدخل في نسبه فأبى أعين يفعله وقال له أقرني على ولائي ، وكان سنسن راهباً في بلد الروم ... (1).
وفي (ص21) قال عبد الحسين تحت عنوان "نشأته و إسلامه و صحبته "قال ما نصه : (نشأ في مسقط رأسه (اليمن ) وشب ثمة حتى أناف على الثلاثين جاهلياً لا يستضيء بنور بصيرة ، ولا يقدح بزناد فهم ، صعلوكاً قد أخمله الدهر ويتيماً أزرى به الفقر ، يخدم هذا وذاك ، وتي وتلك مؤجراً نفسه بطعام بطنه حافياً عارياً ، راضياً بهذا الهوان لكن لما أظهر الله أمر نبيه في المدينة الطيبة بعد بدر وأحد والأحزاب وبعد اللتيا والتي، لم يكن لهذا البائس المسكين حينئذ مذهب عن باب رسول الله فهاجر اليه بعد فتح خيبر فبايعه على الاسلام وكان ذلك سنة سبع للهجرة باتفاق أهل الأخبار . أما صحبته فقد صرح أبو هريرة في حديث أخرجه بأنها إنما كانت ثلاث سنين ) .
قلت : نترك القارىء الأمين يحكم على هذا النص ويستنتج منه روح ونفسية هذا المؤلف الذي وضع نفسه قاضياً أو حكماً لينصف الإسلام في شخصية أبى هريرةt، ويضع أبا هريرة حيث يليق به .
أيها الجاهل .. هل من إنسان متجرد للحق وحده يقبل أن يقال في أبى هريرة هذا .. بعد أن رأى الصورة الصادقة التي لم يخالطها هوى ، أو تعتريها رغبات نفس حقودة ، أو طائفية موروثة !! ؟؟ .
نحن نقبل الذوق الفني والمقياس العلمي الذي ادعاه هذا المؤلف في مقدمة كتابه فنقول : متى كان الجهل يسقط العدالة ؟ وهل كان جميع الناس في الجاهلية متعلمين أو علماء ؟
__________
(1) الفهرست للطوسي ص104 ، وانظر الفهرست لابن النديم ص 308 .
94(60/95)
ألم يكن كثير من الصحابةy أميين جاهلين قبل الإسلام فشرح الله صدورهم للإيمان ، وثبته في قلوبهم ، فغدوا سادات زمانهم ، وعلماء عصرهم ، وأساتذة أمتهم.
وغريب كيف استنتج المؤلف عدم فهم أبى هريرة ؟ هل استعمل معه مقاييس الحفظ والذكاء ؟ أم أن هذا قدح ضمير وتحليق خبير ؟ أم أنه ابداع بلا تفكير !!؟ وما يضير أبا هريرة إذا لم ينتشر صيته في الآفاق ، وهل كان وحده كذلك أم أن أبا بكر وعمر وعثمان وسعداً وعبد الرحمن بن عوف وأكثر الصحابة y كانوا غير معروفين قبل الإسلام ؟ .
وهل يجرؤ امرؤ أن يسلب عدالة هؤلاء وغيرهم لأن شهرتهم لم تطر في مشارق الأرض ومغاربها قبل أن يكونوا مسلمين ؟ .
أما أنه يرمى أبا هريرةt بالتصعلك فهذا لا نرضاه من صعلوك مثله ، فإن كان يريد بها ما يفهمه عوام عصرنا ، من الدناءة والخسة وانحطاط القدر والتطفل، فيكون قد حكم عليه من غير دليل ولا حجة ، وإن كان يريد بها الفقر والفاقة وهو المعنى اللغوى فلا داعي لتكرار كلمة ( الفقر ) ثانية في جملة واحدة ، وهذا لا يليق بمن يتصدر للكتابة والحكم ، لأن في الإطالة ما يصد النفس ، ويسىء إلى الذوق ، والكاتب لا يحب أن يجرح أذواق قرائه ، لأنه يحب الذوق الفني السليم ، فتعين أن مراده المعنى الأول ، وهو أمر وأدهى .
أجل ...لم يكن أبو هريرة غنياً ولا أرستقراطياً إنه أحد ملايين الفقراء الذين عاشوا كراماً رغم الفاقة والحرمان ومتى كان الفقر رذيلة أو عاراً ؟ .
إننا لم نسمع في عصر من العصور بسقوط عدالة إنسان أو إحتقاره بسبب فقره ، وأن مثل هذا الحكم لا يصدر إلا في بيئة مادية يعيش أبناؤها مترفين مبذرين... أو في مجتمع تحكمت به عادات الأرستقراطية وحفنة أعرافها وتقاليدها .(60/96)
وما كنا نظن أن يحكم هذا المؤلف على أبى هريرة بالمهانة والازدراء لكونه فقيراً ، لأننا على علم يقين بأنه ليس واحداً ممن ذكرنا، وهو الذي قال في مقدمة كتابه : إنما يحكم بما أمر الله ورسوله، ويتبع في بحثه الحق ، فعلى أي أساس بنى حكمه هذا !
95
هل في القرآن أو السنة ما يجعل الفقرعيباً أو عاراً ؟ ..كلا .. فها هو بجانب المنهج العلمي الذي وضعه لنفسه .
ثم هل في عمل أبى هريرة وسعيه - كى لا يكون عالة على قومه - عيب ؟ وهل كان العمل في يوم من الأيام عاراً ؟ .
إن علماء الشيعة وباسم النيابة عن الإمام الغائب !! امتصوا عرق الكادحين وجهد العاملين من أبناء الشيعة فيما يسمى " بخمس أهل البيت " ، والذي يأخذونه بدعوى النيابة عن الإمام المنتظر !! وقد وضع هؤلاء الآيات - كهذا المؤلف - أنفسهم في حصانة ومكانة تذكرنا بوضع الباباوات والقسيس في النظام الكنسي، مع أن الثابت عن أئمتهم الذين اعتقدوا فيهم العصمة أنهم كانوا يحثون شيعتهم على العمل .
فهذا جعفر بن محمد يذكر لأتباعه ليعلمهم أن الفخر للعاملين الكادحين لا للمترفين العاطلين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل من دون كدح أو عمل باسم الدين !!
روى الكليني في" الكافي"(5/74):- في باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة في تعرض للرزق- بإسناده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : استقبلت أبا عبدالله في بعض طرق المدينة في يوم صايف شديد الحر فقلت : جعلت فداك حالك عند الله- عز وجل - وقرابتك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت تجهد لنفسك في مثل هذا اليوم ؟ فقال : يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق لاستغني عن مثلك.
وروى أيضاً: باسناده عن أيوب أخي أديم قال: كنا جلوساً عند أبي عبدالله(ع) إذ أقبل العلاء بن كامل فجلس قدّام أبي عبدالله فقال : أدعوا الله أن يرزقني في دعة فقال : لا أدعو لك أطلب كما أمرك الله - عز وجل - .(60/97)
فهذا المؤلف يجلس في بيته دون أن يعمل وتأتيه أموال الشيعة ، فيتحكم فيها كيف ما شاء ، ثم تراه يزدري بأبي هريرة لفقره ! أليس هذا أضحوكة ؟!!
96
روى أيضاً:(5/75): عن أبي حمزة قال : رأيت أبا الحسن يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق فقلت له : جعلت فداك أين الرجال ؟ فقال : يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي فقلت له: ومن هو ؟ فقال: رسول الله وأمير المؤمنين وآبائي(ع) كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين .
فبأي كتاب أو بأي دين يستولي مراجعهم وكل من هب ودب أمثال هذا صاحب "الخمس" على أموال الشيعة المغلوبين على أمرهم ؟ وأغرب من هذا أنه يأخذ على أبى هريرة (حفاه) ويدعى(عريه) راضياً بهذا الهوان .
أقول: هل كان جميع الناس ينتعلون الأحذية والنعال ؟ ومتى كان مقياس العدالة الانتعال أو عدمه ؟ ونحن في القرن العشرين ما سمعنا في يوم من الأيام بسقوط عدالة حاف ، أو ثبوت عدالة منتعل !! والحفاة كثيرون ، فالناس سواء حفاتهم ومنتعلوهم، وإنما المفاضلة في التقوى وحسن الخلق،كما قال - عز وجل -:{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْـ عِندَ اللهِ أَتْقَكُمْ } [ الحجرات /13] .
وإني لأعجب من ادعائه ( عرى ) أبى هريرة ، وأتساءل كيف استنتج هذا ؟ ومن نقل إليه ذلك ؟ ثم هل في كل ما سبق هوان وذل لأبى هريرة t ؟
لقد سبق أن بينت أن الفقر والمسكنة لا يحطان من قدر المرء ومكانته إلا عند من أعمت المادة قلوبهم ، ولم يكن دخول الجنة مشروطاً باللبس والبذخ: " فرب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره " الحديث .
ولعل المؤلف يرد هذا الحديث لأن راويه أبو هريرة (1)، ونسى أو تناسى أن شيوخه ، وهم شيوخ المذهب كالشيخ الصدوق روى هذا الحديث بسنده إلى أبي هريرة t.
__________
(1) العجاج ص169-171 .
97(60/98)
ففي أمالي الصدوق عن الحسن بن عبدالله بن سعيد عن عبدالله بن محمد بن عبدالكريم عن محمد بن عبدالرحمن عن عمرو بن أبي بسلمة عن أبي عمر الصنعاني عن العلا بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: رب أشعث أغبر ذي طمرين مدقع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره (1) .
فما هو رأي هذا المؤلف ؟! لقد كنا نفهم من رجل غني صاحب جاه و نفوذ أن يحتقر الفقراء ويزدريهم ، وكنا نفهم من أعداء الأنبياء ومحاربي دعواتهم أن يقولوا لهم ما قال قوم نوح لنوح - عليه السلام -{ وَمَا نَرَئك اتَّبَعَكَ إلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُناَ بَادِ الرأىَ} [هود /27] .
وكنا نفهم أن تكون البيئات الأرستقراطية الرأسمالية هي التي تستعلى على الفقراء وتزدريهم وتمتهن أقدارهم . لقد كنا نفهم كل هذا إلا من مثل هذا "المؤلف" فبأية عقلية يتكلم عن فقر أبي هريرة وعدم وجاهته !! أبعقلية الذين يكذبون رسل الله- صلى الله عليه وسلم - وأنبياءه ؟
فإن كان هو ممن يؤمن بالله ورسله وبما جاء في كتابه ، فإن الله حكى عن نوح - عليه السلام - أنه قال للذين ازدروا أتباعه المؤمنين الفقراء { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينِ ءامَنُوا إِنَّهُم مُّلَقُوا رَبّهِمْ وَلَكِنّى أَرَئكُمْـ قَوْمًا تَجْهَلُونْ } [هود /29] ، ثم قال لهم :
{ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا ، اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنفُسِهِمْ إِنّى إِذًا لَّمِنَ الظَّلِمِينَ } [هود/ 31] .
وإن كان يتكلم بعقلية الأغنياء في وسط إسلامي ، فإنه يعلم أن الإسلام أهدر جميع القيم المادية في التفاضل بين الناس ، ولم يعترف إلا بقيمة واحدة هي قيمة التقوى حين قال:{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْـ عِندَ اللهِ أَتْقَكُمْ } [الحجرات /13] .
__________
(1) البحار 72/36 و 75/143 .
98(60/99)
إنني لم أجد مسوغاً لهذا المؤلف أو لتلميذه " أبي رية " في تلك النظرة الوقحة المخزية التي جاهرا بها في نظرتهما إلى فقر أبي هريرة وجوعه وقلة ذات يده .
لقد كان بلال مؤذن الرسول- صلى الله عليه وسلم - وهو الذي صعد على ظهر الكعبة يوم فتح مكة فوق رؤوس سادة قريش وكبرائها ليعلن كلمة الإسلام ، وكان عمر يقدم صهيباً وبلالاً وأمثالهما من الضعفاء على كبراء القوم حين يستأذنون في الدخول عليه
ومن المعلوم أن الذين آمنوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم -، في أول الأمر واستمر ذلك سنوات كان أكثرهم من الضعفاء والفقراء والأرقاء ، فهل كان ذلك يضيرهم شيئاً عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ؟ أم كان ذلك يضيرهم شيئاً في تاريخ الدعوة الإسلامية وكفاحهم في سبيل الله ؟ أو لم يسجل تاريخ الإسلام لهؤلاء الضعفاء الفقراء الأرقام المهينين في نظر كفار قريش وأمثال - "عبد الحسين " - و " أبي رية " أروع صفحات الخلود والمجد والإخلاص للحق والتفاني في سبيل الله ونشر دينه ؟
فأين يبلغ من مكانتهم أو قريباً من مكانتهم من كان يسميهم كفار قريش وأمثال " أبي رية " بالأغنياء والشرفاء والوجهاء (1).
وأما أن صحبته ثلاث سنوات كما قال أبو هريرة نفسه ، فهذا من باب التقريب لا من باب الحصر ، فأبو هريرة لم يعلم أنه سيأتي في آخر الزمان " موتور حاقد " يحصى عليه أيام صحبته ، ويتتبع مناقصه ويزدريه لفقره ، ويرى في هذا لوناً من ألوان الهوان والذل .
وإذا عرفنا أن غزوة خيبر كانت في (محرم ) من السنة السابعة ، أي في أول تلك السنة واستمرت الغزوة نحو ثلاثين يوماً، وأن أبا هريرة قدم المدينة على أشهر الروايات أيام فتح خيبر ، ورأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عقبها أي في العشر الأول من صفر، وأن وفاة الرسول كانت يوم الأثنين(13ربيع الأول سنة 11 للهجرة الموافق يونيو سنة 633م ).
__________
(1) السنة للسباعي ص324-325 .
99(60/100)
إذا عرفنا ذلك تبين أن أبا هريرة t قد تشرف بصحبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أربع سنوات وثلاثة وثلاثين يوماً . وإذا أراد أبو هريرة من تصريحه بالسنوات الثلاث الحصر، يكون قد رفع من صحبته وملازمته للرسول- صلى الله عليه وسلم - ما قضاه في البحرين مع العلاء الحضرمي سنة ثمان للهجرة (1).
قدمنا أن أبا هريرة t أسلم سنة سبع من الهجرة في غزوة خيبر ونزيد الآن أننا نرجح أنه أسلم قبل هذا التاريخ بزمن طويل ، ولكن هجرته إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إنما كانت في تلك السنة ، وإنما رجحنا ذلك لدليلين :
الأول - ما ذكره ابن حجر في الإصابة من ترجمة الطفيل بن عمرو الدوسي أنه أسلم قبل الهجرة ولما عاد بعد إسلامه إلى قومه - رهط أبي هريرة - دعاهم إلى الإسلام فلم يجبه إلا أبوه ، وأبو هريرة . وهذا صريح في أن إسلام أبي tهريرة قد تم قبل قدومه إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم - في غزوة خيبر بسنوات .
الثاني - ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أمر المشادة التي جرت بين أبي هريرة t وبين أبان بن سعيد بن العاص حين قسمة الغنائم بعد فتح خيبر ، فقد طلب أبان من الرسول- صلى الله عليه وسلم - أن يقسم له الغنائم ، فقال أبو هريرة : لا تقسم له يا رسول الله فإنه قاتل ابن قوقل - وهو النعمان بن مالك بن ثعلبة ولقبه قوقل بن أصرم - وذلك في معركة " أحد " إذ كان أبان لا يزال مشركاً فقتل ابن قوقل .
ومن هذه القصة ندرك أن أبا هريرة حين قدم خيبر مهاجراً إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لم يكن حديث عهد بالإسلام ، بل كان متتبعاً لمعاركه وأحداثه بحيث يعلم أن أبان بن سعيد بن العاص هو الذي قتل ( بن قوقل ) يوم أحد ، وإلى هذا ذهب الحافظ ابن حجر .
لقد كان إسلام أبي هريرة إسلاماً خالصاً لوجه الله كإسلام الصحابة جميعاً y، سمع بالإسلام لأول مرة عن طريق الطفيل بن عمرو فما لبث أن دان به وقام
__________
(1) العجاج ص172 .
100(60/101)
بشعائره، ثم ما زال متشوقاً للهجرة للرسول- صلى الله عليه وسلم - حتى قدم عليه ، وقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في غزوة خيبر . وأكثر الروايات على أن قدومه وافق الانتهاء من الغزوة، ولكنه حضر قسمة الغنائم ، وبعض الروايات - وهي الأوثق والأصح - تثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر المسلمين بأن يفرضوا له منها نصيباً . ثم لازم النبي- صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك على أن لا يلتفت إلى شيء من الدنيا إلا أن يستمع إلى الرسول ويحمل للمسلمين من بعده هدايته وينقل إليهم حديثه ، وكان طبيعياً أن يكون مكان أبي هريرة في " الصفة " وهو مكان في المسجد كان يأوي إليه المنقطعون للعلم والجهاد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم -والذين ليس لهم مال ولا أهل في المدينة ، وقد كان في الصفة كرام الصحابةy، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يكرمهم ويحث على إكرامهم .
واستمر شأن أبي هريرةt كذلك يلازم الرسول- صلى الله عليه وسلم - أينما ذهب حتى اختار الله رسوله لجواره ، وبهذه الملازمة المستمرة من سنة سبع إلى عشر والحرص الشديد على تتبع حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من أفواه الذين سبقوا ابا هريرة t إلى الإسلام ، ومن أفواه زوجاته تجمع لأبي هريرة من الحديث ما لم يتجمع لغيره من الصحابة y الذين لم يتفرغوا تفرغه لسماع الحديث ولم يلتزموا ما التزمه أبو هريرة من ملازمة الرسول أينما سار .
تلك هي قصة إسلامه ، و قد روى لنا البخاري وغيره كالدولابي في "الكنى" حديث هجرته من دوس إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم - في المدينة ثم خيبر ، وكيف كان يتغنى في طريقه بقوله :
فياليلة من طولها وعنائها على أنها من دارة الكفر نجت(60/102)
وفي الطريق أبق غلام لأبي هريرة ، فلما قدم على النبي- صلى الله عليه وسلم - وبايعه ظهر الغلام فقال له الرسول : يا أبا هريرة ! هذا غلامك ، فقال أبو هريرة t: هو لوجه الله ، أعتقه فرحاً بلقائه رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ومبايعته على الإسلام !
101
ومن هذا نرى أن في قصة إسلام أبي هريرة t مثلاً من أمثلة الصدق في محبة الرسول واعتناق الإسلام ، وفي الشكر علىنعمة الله بلقاء رسوله ومبايعته بإعتاق عبده الذي ليس له غيره .
ولعمري إنه مَثل يجد فيه المؤمنون الصادقون ما تفيض به النفس ثقة ورضى واطمئناناً .
ولكن "الحاقدين" وقد امتلأت نفوسهم ضغناً على أبي هريرة t، لم يرو في قصة إسلامه إلا قصة من قصص التشرد التي تحمل الجائع على التنقل من بلد إلى بلد ليملأبطنه !
ولم يرو في صحبته لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلا ذلك الرجل المتسول الذي همه في الحياة أن يسد جوعته ويشبع نهمته ! فيا عجباً ! هل يرضون هذه الصورة لأنفسهم ؟
أم هل يرضوها لأولادهم ؟ أم هل يرضوها لأحد من أصدقائهم ؟
فكيف ارتضوها لصحابي من صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، مهما كان رأي الحاقدين فيه، فلا شك أن جمهور علماء الإسلام منذ عصر التابعين حتى اليوم يرونه المثل الكريم لحامل أمانة العلم عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - (1).
- - - - - -
وفي ( ص22 -27) قال عبد الحسين تحت عنوان "على عهد النبي": وصف " هذا المؤلف" أبا هريرة t بالفقر وأنه من أهل الصفة الذين لا مأوى لهم ولا معين .
__________
(1) السنة للسباعي ص325-328 .
102(60/103)
قلت : يصف عبد الحسين أبا هريرة بالفقر وأنه من أهل الصفة الذين لا مأوى لهم ولا معين ، فهل ونسى أو تناسى أن يبين أن أهل الصفة كانوا أضياف الإسلام ، وقفوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله وطلب العلم ، وكانوا صلة بين الرسول- صلى الله عليه وسلم - وأصحابهy و عامة المسلمين ، فإذا ما أراد أن يبلغ تنزيلا أو يجمع المسلمين دعا بعض أهل الصفة لينادوا في المسلمين ويجمعوهم ، وكان أكثرهم من المهاجرين وفيهم كرام الصحابة y، وكان يحبهم رسول الله ويكرمهم ، وكثيراً ما كان يأكل معهم (1).
ثم عرض المؤلف جوع أبي هريرة وفقره ، وملازمته رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بشبع بطنه، ونسى أو تناسى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ما كان يجد من الدقل ما يملأ به بطنه .
فعن النعمان بن بشي :" لقد رأيت نبيكم وما يجد من الدقل ما يملأ به (2).
وعن عائشة أنها قالت ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله (3).
وهل نسى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - انتقل إلى جوار ربه ودرعه مرهونة عند أحد اليهود كما في بعض الروايات .
إن كان هذا" آية الله " قد نسى ، فسوف أذكره حتى لا ينسى مرة أخرى ، وإن كان هذا "الآية " يعلم ويستعمل " التقية " فالمصيبة أعظم .
فقد أخرج ثقتهم الكليني في كافيه عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (ع) قال : ما كان شيء أحب إلى رسول الله من أن يظل جائعاً خائفاً في الله (4).
__________
(1) العجاج ص173 .
(2) أخرجه مسلم في الزهد والرقائق .
(3) البخاري ومسلم .
(4) الوسائل 16/ 408 باب كراهة الشبع والأكل على الشبع .(60/104)
لقد أورد التويسيركاني( الشيعي) في كتابه (1)روايات كثيرة في فضائل الجوع ، أذكر بعض منها: قال مانصه:( أقول: يستفاد من هذا الحديث وأضرابه أن فساد ملاء البطن من المأكول والمشروب لدين الرجل أكثر من فساد وعاء مملوّ من الشراب ، مال الحرام ونحوهما من المحرّمات كما أنه يستفاد من قوله السابق مامن شيئ أضرّ لقلب المؤمن من كثيرة الأكل أن فساد ذلك له أكثير من فسادها له ومشتملة على أنه قال: قال لي جبرئيل : إن ربي يقول لك : بك يا محمد ما أبغضت وعاء قط إلاّ بطنا ملآن ، وعلى أن أبعد الخلق من الله إذا امتلأ بطنه وعلى أن أبعد ما يكون العبد من الله إذا كان همه بطنه وفرجه ) (2).
أن موسى - عليه السلام - قال: يارب إني جائع قال الله تعالى: إني أعلم بجوعك، قال: بارب قال اطعمني قال: إلى أين تريد وقال رجل: لابن سيرين. علمني العبادة فقال له: كيف تأكل ؟ فقال: أكل حتى أشبع قال: هذا عاده الدواب يجب عليك أن تتعلم آداب الأكل ثم العبادة .
وقال : إن أقرب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا فهم الأتقياء الأخفياء الذين إذا شهدوا لم يعرفوا ، وإذا غابوا لم يفقدوا الحديث .
وقال الصادق: ما أكل رسول الله خبز بر قط ولا شبع من خبر الشعير قط(3).
__________
(1) الئالي الأخبار1/144 - باب " في مدح ترك الشبع " وفي ص 145 باب " في أن الشبع لدين المرء أضر من جميع المضرات " وفي ص 147 باب " في ذم الشبع وكثرة الأكل " وفي ص 149 باب " في قصة يحيى مع ابليس في ذم الشبع وأثره " وفي ص 151 باب " في ثمرات الجوع وفوائده النفسية " وفي ص 152 باب " الأخبار الواردة في فضل الجوع" وفي ص 154 باب " في وصف أكل المؤمن وكلمات الأكابر في المقام " وفي ص 155 باب " في وجوع النبي ورياضته به " وفي ص 156 باب " قصة أبي جحيفة في الجوع " .
(2) اللئالي 1/145 - 146 وص152-153 .
(3) اللئالي 1/155 و 2/360 .(60/105)
وفي حديث آخر: إنه قال لفاطمة :فوالله ما ذاقت طعاماً ثلاث وكان يضع الحجر على بطنه من شدّة الجوع ،وقد يشدّ عليه فيضطجع على فقاه ، ولم يتمكن من القيام للصلاة (1).
وفي رواية أن واحداً من الصحابةy دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو شادّ حجراً على بطنه من الجوع وهو مستلقي على قفاه لا يقدر على الجلوس ، وهو يقول: اللهم إني أعوذ بك من نوم يضجع على الفراش ويشغلني عن طاعتك (2).
قلت: فالجوع ليس مختص بأبي هريرة ، فالنبي- صلى الله عليه وسلم - كان يشكو من الجوع ، كما أن علياً كان يشكو من الجوع حتى إنه استفرض ديناراً من أجل سد الجوع ، بل أن أبناءه كالحسن والحسين وزوجته فاطمة y كانوا يشكون من الجوع ، وغيرهم من الصحابةy كانوا يشكون من الجوع. فطعن هذا المفتري واستهزائه ليس موجه لأبي هريرة فقط ، بل للنبي- صلى الله عليه وسلم - وسائر أهل البيت !!
و عن ابن عباس t قال: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعاً من شعير، أخذها رزقا لعياله (3).
وما دمنا بصدد هذا الموضوع، نضيف هنا أن الزهراء (ع) ما كانت تشكو حالها إلى أبيها ، وإليك بعض هذه الروايات .
وفي رواية: قالت فاطمة (ع) : إنك زوجتني فقيراً لا مال له ...(4) .
وفي رواية: قالت فاطمة (ع) : إنك زوجتني فقيراً لا مال له ... (5) ).
__________
(1) اللئالي 1/155 .
(2) اللئالي 1/155 - 156 .
(3) مكارم الاخلاق ص 25، الاحتجاج ص 120 ، قرب الاسناد ص 44 ،البحار 16/239 و 17/297 و 103/144 .
(4) أمالي الصدوق ص 326 ، البحار 40/6 .
(5) الارشادص16 ، انظر البحار 40/17و18و85و178و18/398و37/91 و 38/5 و 43/139، كشف اليقين ص 158 ، امالي الصدوق ص 356 ، تاويل الآيات 1/272 ، المحتضرص 143 ، المناقب1/180، اعلام الوري ص 164 .(60/106)
وفي أخرى: قال : ما يبكيك يا بنتي؟ قالت: قلة الطعام وكثرة الهم وشدة السقم، قال لها: أما والله ما عند الله خيراً لك مما ترغبين إليه، يا فاطمة أما ترضين أن زوجتك خير أمتي و أقدمهم سلما وأكثرهم علما و أفضلهم حلما (1).
ونكتفي بهذه الرواية المفجعة إذ تصوّر لنا جوع فاطمة الحسن والحسينy .
يروي شيخهم القمي في كتابه " آمالي الصدوق" (ص215) خلاصتها :" ... وعمدوا إلى ما كان الخوان فاتوه وباتوا جياعاً وأصبحوا مفطرين عندهم شيئ، قال شعيب في حديثه وأقبل علي بالحسن والحسين (ع) نحو رسول الله وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصربهم النبي- صلى الله عليه وسلم - قال يا أبا الحسن شد ما يسوءني ما أرى بكم ، انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليهما وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع .."
وفي هذا كله براءة أبي هريرة t وصفاء نفسه وحسن سريرته ، ولكن لأن الحقد قد ملأ قلب عبد الحسين، بل جهله حتى بمرويات أهل البيت. فحاول أن يعرضه على القارئ عرض الفقير البائس ، المنقطع المتشرد الذي يستجدى الصحابة ويلازم الرسول فقط ليشبعه ، ولم ير في ذلك حرصه على العلم وعدم طمعه فيما في يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وصوره الجائع المتماوت من جوعه ، يريد فتات الموائد ، ويطلب الحياة الدنيا ، وأغمض " المؤلف " عينيه عن الروايات الثانية التي تبين حقيقة ملازمته للرسول - صلى الله عليه وسلم - وزهده في الدنيا وانقطاعه لخدمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - طلباً للعلم ، وقد سأله رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك" ؟ فقال أبو هريرة t: أسألك أن تعلمني مما علمك الله.
__________
(1) كشف الغمة 1/84 ، البحار 38/19 .(60/107)
ثم ذكر عبد الحسين ثناء أبي هريرة على جعفر بن أبي طالب لأنه كان للمساكين عوناً يكرمهم ويواسيهم ، ولكن المؤلف يرى أن أبا هريرة فضل جعفرا على الناس كافة بعد النبي- صلى الله عليه وسلم - بسبب اطعامه لأبي هريرة ، وفي هذا عديد من الافتراء والكذب والتضليل ...فمدحه لجعفر بن أبي طالب ، أنه إذا سأله القرى أو القراءة لا يجيبه حتى يذهب به إلى بيته ، يقول أبو هريرة : كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة ( ظرف السمن ) التي ليس فيها شيء فنشقها ونلعق ما فيها (رواه البخاري ) ومن أجل ذلك يقول عنه أبو هريرة : إنه كان خير الناس للمساكين، وهذا حق ، فإن كرم جعفر وسخاءه وحبه للمساكين كان مشهوراً معلوماً للنبي- صلى الله عليه وسلم - وصحابته y حتى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكنيه بأبي المساكين .
فهل يلام أبو هريرة على مدحه لجعفر بعد أن كناه النبي- صلى الله عليه وسلم - بأبي المساكين؟
وعلى هذا المعنى يحمل ما روي عن أبي هريرة : ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا وطىء التراب بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أفضل من جعفر بن أبي طالب . فإنه في صدد الذين يحبون الفقراء ويعطفون على المساكين ، لا في صدد التفضيل بين صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق حتى يدعي هذا المؤلف وأمثاله كتلميذه " أبي رية " أن أبا هريرة جعله أفضل من أبي بكر وعمر وسائر الصحابة y ؟ ومتى كانت " لهؤلاء الحاقدين " هذه الغيرة على صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ؟! .
ويؤيد ما قلناه من أن أبا هريرة t لا يريد الإطلاق ما قاله الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر قول أبي هريرة في جعفرt : إنه كان خير الناس للمساكين . وهذا التقييد (للمساكين) يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة عن أبي هريرة وقال : ما احتذى النعال إلخ .... .(60/108)
وفي (ص 28) قال عبد الحسين تحت عنوان" على عهد الخليفتين" قال المؤلف: ( ألممنا بأخبار الخليفتين ، واستقرأنا ما كان على عهدهما ، فلم نجد لأبي هريرة ثمة أثراً يذكر ، سوى أن عمر بعثه والياً على البحرين سنة إحدى وعشرين ، فلما كانت سنة ثلاث وعشرين عزله وولى عثمان ابن أبي العاص الثقفي ، ولم يكتف بعزله حتى استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم انه سرقها من مال الله في قضية مستفيضة ، وحسبك منها ما ذكره ابن عبد ربه المالكي ( فيما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم من أوائل الجزء الأول من عقده الفريد اذ قال -وقد ذكر عمر -: ثم دعا أبا هريرة فقال له : علمت إني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ثم بلغني إنك ابتعت أفراساً بألف دينار وستماية دينار قال كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت ، قال : حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأده قال : ليس لك ذلك قال : بلى والله وأوجع ظهرك ثم قام اليه بالدرة فضربه حتى أدماه ثم قال : ائت بها قال : احتسبها عند الله، قال : ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا ، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله ولا للمسلمين ؟ ما رجعت(1) بك أميمة إلا لرعية الحمر ) .
__________
(1) قال " الحاقد "في هامش الصفحة ما نصه :( الرجع والرجيع العذرة والروث سميا رجيعا لأنهما رجعا من حالتهما الأولى بعد أن كانا طعاما وعلفا ، وأميمة أم أبي هريرة ، وكلمة الخليفة هذه من أفظع كلمات الشتم ). أقول : إن سوء فهم " الحاقد " للنص وهواه !! جعلاه يفسر هذه الكلمة بما فسر ، بينما الحقيقة ما رجعت أي ما عادت . والنص لا يحتمل أكثر من هذا التفسير , فلم هذا التحامل ؟ وهل هذا سبيل الباحث النزيه ؟!!( العجاج ص176 .(60/109)
قال ابن عبد ربه : وفي حديث أبي هريرة t: لما عزلني عمر عن البحرين قال لي: يا عدو الله كتابه سرقت مال الله ؟ قال فقلت : ما انا عدو الله وعدو كتابه ولكني عدو من عاداك وما سرقت مال الله ، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف ؟ قال فقلت: خيل تناتجت . وعطايا تلاحقت ، وسهام تتابعت قال : فقبضها مني فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين الحديث . وقد أورده ابن أبي الحديد إذ ألم بشيء من سيرة عمر في المجلد الثالث من شرح النهج وأخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرةt من طبقاته الكبرى من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة t قال : قال لي عمر : يا عدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله إلى آخر الحديث .
وأورده ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي هريرة من أصابته فحوّره عطفاً على أبي هريرة t تحويراً خالف فيه الحقيقة الثابتة باتفاق أهل العلم ، وذهل عما يستلزمه ذلك التحوير من الطعن بمن ضرب ظهره فأدماه وأخذ ماله وعزله .
قلت: أما أنه ألم بأخبار الخلفيتين ، واستقرأ ما كان على عهدهما ، فلم يجد لأبي هريرة أثراً يذكر ، فهذا مجرد زعم وادعاء ، فإن أبا هريرة أشرك في حروب الردة في عهد أبي بكر t، فقد روي الإمام أحمد ما دار بين أبي بكر وعمر عن أبي هريرة y وفيه ( فلما كانت الردة قال عمر لأبي بكر تقاتلهم وقد سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول كذا وكذا ؟ قال فقال أبوبكرt: والله لا أفرق بين الصلاة والزكاة ، ولأقاتلن من فرق بينهما ، قال - أبو هريرة t - فقاتلنا معه فرأينا ذلك رشداً (1).
__________
(1) مسند الإمام أحمد 1/181 بإسناد صحيح .(60/110)
وكان يعتز بموقف أبي بكر t وثنى عليه ، فقد أخرج البيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة t قال: والذي لا إله إلاّ هو ... لولا أن أبابكر استخلف ما عبدالله تعالى ، ثم قال الثانية ، ثم قال الثالثة ، فقيل له : مه يا أباهريرة ! فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام ، فلما تزل بذي خشب قبض النبي- صلى الله عليه وسلم - ، وارتدت العرب حول المدينة، واجتمع إليه أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقالوا : ردّ هؤلاء ، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟ فقال: والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأوجل أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم - ما رددت جيشا وجهه رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولا حللت لواء عقده ، فوجه أسامة ، فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن هؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم ، فلقوهم فهزموهم وقتلوهم ، ورجعوا سالمين فثبتوا على الاسلام ( (1) ).
وفي عهد عمر t اشتغل في طلب العلم والتعليم ورافق أميرالمؤمنين في حجة ، وحدثه حديث الريح عندما اشتدت بهم حين لم يذكر أحد من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - آنذاك شيئاً فيها (2).
__________
(1) البداية والنهاية 6/305 ، والخلفاء للسيوطي ص 74 ، والكامل 2/62 .
(2) مسند الإمام أحمد 4/521 بإسناد صحيح .(60/111)
كما اشترك في وقعة اليرموك كما أسلفنا ، فلم يخمل ذكر أبي هريرة في عهد الخليفتين الراشدين إلا أن هذا المؤلف لم يلم بأخبارهما كما ادعى ، وأما ولايته على البحرين والرواية التي ذكرها ابن عبد ربه من غير سند، ويستشهد بها ، رأى هذه الرواية توافقه فاستشهد بها ولم يذكر الرواية التي بعدها مباشرة ، فليس في تلك ضرب عمر لأبي هريرة ، بل فيها ردّ أبي هريرة على عمر حين قال له: ياعدو الله سرقت مال الله ، قال أبوهريرة : ما أنا عدو الله وعدو كتابه ، ولكني عدو ما عاداهما ...
إن ما استشتهد به المؤلف مجرد عن السند ، فلوكان لروايته في الأصل سند أمكننا أن نتعرض من خلاله مقدار صحتها ، بينما وردت الرواية الثانية التي لم تنص على ضرب عمر لأبي هريرة في مراجع كثيرة جداً بأسانيد صحيحة ، في حلية الأولياء وطبقات ابن سعد وتاريخ الإسلام والإصابة وفي عيون الأخبار ، وقد ذكرت هذا في ترجمته ، فهذه الرواية التي استشهد بها " هذا المؤلف" ترد لأنها تخالف روايات أصح منها . ولو فرضنا صحتها ، فإن الرواية الثانية التي تليها وليس بها ضرب عمر لأبي هريرة، بل فيها مناقشة أبي هريرة عمر، وبيان طريق أمواله التي جمعها ، ورده أتهامه الذي وجهه إليه .
أقول: إن هذه الرواية تصحح ما قبلها ، وتلقي ضوءاً عليها إذ فيها " فقبضها- الدراهم - مني فلما صليت الصبح استغفرت لأميرالمؤمنين " .
إن أبا هريرة يستغفر لأمير المؤمنين الذي شاطره ما له. وهو يعلم أن ما أخذه الأمير منه إنما هو عطاياه وأسهمه ، ومع هذا لم يحقد على عمر t بل شعره في نفسه أنه مظلوم ، فراح يستغفر لأميره ...
هذا إذا اعتبرنا صحة الرواية ، علماً بأن الروايات الآخرى تقول: " قال: فمن أين هي لك ؟ قلت: خيل نتجت، وغلة رقيق ل ، وأعطية تتابعت عليّ، فنظروا ، فوجدوه كما قال " (1).
__________
(1) تاريخ الإسلام 2/338 ، وحلية الأولياء 1/380 ، والبداية والنهاية 8/111 .(60/112)
وفي بعضها أنه أخذ منه اثنى عشر ألفاً (1) وأرجح أن عمر t شاطره ماله ، كما شاطر غيره من الأمراء إلا أنه لم يضربه ، وفي الحقيقة إن ابن عبد ربه يقول: " ولما عزل عمر أبا موسى الأشعري عن البصرة وشاطره ماله ، وعزل أباهريرة عن البحرين وشاطره ماله ، وعزل الحارث بن كعب بن وهب وشاطره ماله .. ودعا أبو موسى .. ثم دعا أبا هريرة .." (2) وقاسم عمر سعد بن أبي وقاص ماله حين عزله عن العراق(3)، فعمرt لم يتهم أبا هريرةt ولم يشاطره ماله وحده بل تلك كانت سياسته مع ولأته ، كي لا يطمع امرؤ في مال الله، ويحذر الشبهات، وكان يعزل ولاته لا عن شبهة، بل من باب الاجتهاد وحسن رعاية أمور المسلمين، فلما عزل " المغيرة بن شعبة عن كتابة أبي موسى ، قال له : أعن عجز أم خيانة يا أمير المؤمنين ؟ قال: لا عن واحدة منهما ، ولكني أكره أن أحمل عقلك على العامة (4).
وكتاب عمر t إلى العلاء بن الحضرمي يؤكد سياسته مع جميع ولاته وعماله فقد جاء في كتابه: " سر إلى عتبة بن غزوان - كان والياً على البصرة - فقد وليتك علمه ، وأعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأولين الذي سبقت لهم من الله الحسنى لم أعزله الا يكون عفيفاً صليباً شديد البأس ، ولكن ظننت أنك أعنى عن المسلمين في تلك الناحية منه ، فاعرف له حقه ، وقد وليت قبلك رجلا فمات قبل أن يصل، فإن يرد الله أن تلى وليت ، وإن يرد الله أن يلى عتبة فالخلق والأمر لله رب العالمين ." (5)
__________
(1) طبقات ابن سعد 4/59 .
(2) العقد الفريد 1/33 .
(3) طبقات ابن سعد3/105 .
(4) العقد الفريد 1/60 .
(5) طبقات ابن سعد 4/78 .(60/113)
وأما زعمه أن عمر ضربه بالدرة ، فنحن نتحداه ونتحدى كل من يتجرأ على أبي هريرة أن يثبت لنا نصا تاريخيا موثوقا بصحة هذا الخبر من كتاب علمي محترم إلا أن يكون من تلك الكتب الأدبية التي تروي التالف والساقط من الأخبار ، أو تلك الكتب الشيعية التي عرفت ببغض أبي هريرة والافتراء عليه ، وليس لهذه الكتب قيمة علمية عند من يشم رائحة العلم ! حتما ستنقطع أعناق هؤلاء الحاقدين دون العثور على نص من هذا القبيل ويأبى الله لهم ذلك ، أما إن كانت النصوص من كتاب كعيون الأخبار ، وبدائع الزهور ، والعقد الفريد ، ورواة كابن أبي الحديد والاسكافي، ومتهمين كالنظام وأمثاله ...فهيهات أن يكون ميدان هذه الكتب وهؤلاء الرواة وهؤلاء الطاعنين هو ميدان العلم والعلماء !! .(60/114)
فأبن أبي حديد من دعاة الاعتزال والرفض والكيد للإسلام ، وحاله معروفة ، والإسكافي من دعاة المعتزلة والرفض أيضا في القرن الثالث ولا يعرف له سند ، ومثل هذه الحكايات الطائشة توجد بكثرة عند الرافضة الناصبة (1) وغيرهم بما فيه انتقاص لأبي بكر وعمر وعلي وعائشة وغيرهم ، وإنما يتشبث بها من لا يعقل . وقد ذكر ابن أبي الحديد أشياء عن الاسكافي من الطعن في أبي هريرة وغيرهم من الصحابة وذكر من ذلك شيئا من مزاح أبي هريرة فقال ابن أبي الحديد : " قلت قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة وقوله فيه حجة لأنه غير متهم عليه " ، وفي هذا إشارة إلى أن الاسكافي متهم ، ونحن كما لا نتهم ابن قتيبة قد لا نتهم الاسكافي باختلاق الكذب ، ولكن نتهمه بتلقف الأكاذيب من أفاكي أصحابه الرافضة والمعتزلة. وأهل العلم لا يقبلون الأخبار المنقطعة ولو ذكرها كبار أئمة السنة ، فما بالك بما يحكيه ابن أبي الحديد عن الاسكافي عمن تقدم بزمان (2)وهو غير ثقة (3). فضرب عمر لأبي هريرة غير معقول لأن عمر t يعرف مكانته ومنزلته، وأما أنه أهانه وقال له:" استعملتك على البحرين بلا نعلين " ، فالواقع يكذب هذا لأن جميع المسلمين تحسنت أحوالهم أيام عمر،وكثر عطاؤهم عندما فتحت البلاد المجاورة فأغدقت عليهم الغنائم والأموال الكثيرة ، وإلى جانب هذا لم يرد في الروايات الصحيحة المعتمدة شئ من ذلك .وهناك ما يدل على عدم اتهام عمر لأبي هريرة ، ويدل على استقامته وأمانته ،وهو أن أمير المؤمنين عاد إلى
__________
(1) الرافضة الناصبة هم الذين رفضوا خلافة الشيخين وطعنوا فيهما وسبوهما ولعنوهما ، وفي نفس الوقت طعنوا في أهل بيت النبي كعائشة وحفصة ورموهما بالزنا ونصبوا لهم العداء ، ولعنوهما ، وقد اجتمع هاتان الصفتان في " هذا الحاقد " وأوليائه أمثال القمي والمجلسي والبياضي والجزائري والبحراني ..فتدبر !
(2) الأنوار الكاشفة ص152-153 .
(3) العجاج ص213 .(60/115)
أبي هريرة ، وطلب أن يستعمله ثانية على البحرين فأبى، وأن هذه الرواية تتمة ما نقله " هذا المؤلف " إلا أنه حذفها كي لا يظهر بطلان ما يدعيه ، وليتمم طعنه في أبي هريرة وفيها " فقال لي بعد ذلك : ألا تعمل ؟ قلت: لا . قال: قد عمل من هو خير منك يوسف صلوات الله عليه . قلت: يوسف نبي وأنا ابن أميمة ، أخشى أن يشتم عرضي ، وويضرب ظهري وينزع مالي" (1). هذا النص تتمة الخبر الذي رواه " هذا المؤلف الأمين " وأبى أن يثبته للحقد الذي في نفسه على راوية الإسلام ، وهذا النص يؤكد عدم ضرب عمر لأبي هريرة إذ لو صح أنه ضربه لقال أبو هريرة : لن أعود بعد أن شتم عرضي وضرب ظهري. وهكذا ثبتت براءة أبي هريرة مما تجناه عليه المؤلف(2).
__________
(1) العقد الفريد 1/34 - 35 و 60 .
(2) أبو هريرة رواية الإسلام للعجاج ص 175 - 178 .(60/116)
وفي (ص30) قال عبد الحسين تحت عنوان "على عهد عثمان" قال المؤلف ما نصه :) أخلص أبو هريرة لآل أبي العاص وسائر بني أمية على عهد عثمان واتصل بمروان وتزلف إلى أبي معيط ، فكان له بسبب ذلك شأن ، ولاسيما بعد يوم الدار إذ حوصر عثمان فكان أبو هريرة معه ، وبهذا نال نضارة بعد الذبول ونباهة بعد الخمول. سنحت له تلك الفرصة الانضواء إلى الدار فأسدى بها إلى آل أبي العاص وغيرهم من الأمويين يدا كان لها أثرها عندهم وعند أعوانهم ومقوية سلطانهم . فنضوا عن دثار الخمول ، وأشادوا بذكره ، على أنه لم يخف عليهم كونه ما استسلم إلى الحصار ولا دخل الدار إلا بعد أن كف الخليفة أيدي أوليائه عن القتال وأمرهم بالسكينة ....وإنما فعل ذلك احتياطا على نفسه واحتفاظا بأصحابه ، وكان أبو هريرة على علم بأن الثائرين لا يطلبون إلا عثمان ومروان .وهذا ما شجعه على أن يكون في المحصورين . ومهما يكن فقد اختلس الرجل هذه الفرصة فربحت صفقته وراجت سلعته وأكب بعدها بنو أمية واولياؤهم على السماع منه ، فلم يألوا جهدا في نشر حديثه والاحتجاج به ، وكان ينزل فيه على ما يرغبون . وكان مما حدثهم به عن رسول الله(ص) إن لكل نبي خليلا من أمته وان خليلي عثمان ) .
وعلق عبد الحسين في الهامش بقوله : ( أهل العلم كافة متصافقون على بطلان هذا الحديث ، لكن أولياء أبي هريرة يحيلون الآفة به على اسحاق بن نجيع الملطي أحد رجال سنده إلى أبي هريرة ، وقد أورده الذهبي في ترجمة اسحاق من ميزان الاعتدال جازما ببطلانه ) . وقال : سمعت رسول الله (ص) يقول : عثمان حيي تستحي منه الملائكة .
ورووا عنه مرفوعاً : لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان ) .(60/117)
( وعلق المؤلف في الهامش بقوله : ( هذا الحديث باطل بالاجماع ، وأولياء أبي هريرة يحيلون الآفة فيه على عثمان بن خالد ابن عمر بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان أحد سلسلة سنده المتصلة بأبي هريرة ، وقد أورده الذهبي في ترجمة عثمان بن خالد المذكور من ميزان الاعتدال وعده من منكراته ) .
ورووا عنه مرفوعا أيضاً : أتاني جبريل فقال لي : إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية الحديث ) .
( وعلق المؤلف في الهامش بقوله :( أخرجه ابن منده وقال : غريب تفرد به محمد بن عثمان بن خالد العثماني. قلت : وقد نقل هذا الحديث ابن حجر العسقلاني في آخر ترجمة السيدة أم كلثوم (ع) من الجزء الرابع من الاصابة ، وذكر أنه غريب ، وأنه تفرد به محمد بن عثمان بن خالد العثماني فراجع ).(60/118)
قلت : إن أهل البدع جريا مع عادتهم التي انفضحت في فصول هذا الكتاب قد لجأوا إلى استلال أحاديث موضوعة ضعيفة نسبت زورا وبهتانا إلى أبي هريرة في تسويغ الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فيما يوافق الحق ، ودللوا بها على كذب أبي هريرة وعمله بتلك الأحاديث ، مع أنهم ما نقلوها إلا من كتب ذكرتها للرد عليها وبيان ضعفها ، فنقلوا الأحاديث وألقوا في روع القارىء أنها صحيحة النسبة إلى أبي هريرة وتجاهلوا الرد المذكور عليها بعقبها ، لكن الغريب والجديد في أمر " هذا الآية " وفعلا هو آية لكن في الكذب ، أنه يصر على نسبة الأحاديث الموضوعة على أبي هريرة إليه . فهل رأيت مثل هذا الاصرار العجيب ؟ ضعفاء من الكذابين فضحهم أئمة النقد وجهابذة الجرح والتعديل يأبى عدو أبي هريرة إلا ان يجعلهم ثقات فيما يروونه عن أبي هريرة ويأبى إلا أن يكون أبو هريرة هو الكذاب لا هؤلاء . والله ما سمعنا بهذا من قبل عند اليهود من المستشرقين ، وغاية ما فعله مستشرقو اليهود أن اعتمدوا أحاديث موضوعة أوهموا الناس أنها صحيحة ، فتأمل الحقد !! ولكن لم نر بعد من يورد هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، ويبين ضعفها ، ورغم ذلك يصر على حماقته ويتهم أبا هريرة بالكذب وأنه هو الذي كذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -،بل يتناقض بشكل سافر لم يعهد له مثيل من قبل ، فيورد أحاديث موضوعة ومفتراة على علي t بنفس الكيفية التي أوردها من كتب أهل السنة في عثمان من طريق أبي هريرة ، فيحكم بصحة هذه الأحاديث في فضائل علي t رغم أنها موضوعة ، ويتهم أبا هريرة بالكذب لأن هذه الأحاديث في فضائل عثمان t ، رغم أن علماء الجرح والتعديل قد حكموا عليها بالوضع ، فهل رأيتم " آية الزمان " كهذا ، حقا أنه آية ، ولكن في الدجل والكذب !! .(60/119)
فأنظروا إلى هذا المؤلف يورد هذه الأحاديث ، ويعلق في حاشية الصفحة بأن علماء الجرح والتعديل حكموا عليها بالوضع ،ولكن رغم ذلك يتهم أبا هريرة بالكذب . فلنورد مثالا على ذلك .
قال المؤلف:( أكب بنو أمية وأولياؤهم على السماع منه ، فلم يألوا جهدا في نشر حديثه والاحتجاج به ، وكان ينزل فيه على ما يرغبون ، وكان مما حدثهم به عن رسول الله(ص) ...وكان مما حدثهم به عن رسول الله(ص) إن لكل نبي خليلا من أمته وان خليلي عثمان ).
قال المؤلف في حاشية كتابه عن هذا الحديث ما نصه :( أهل العلم كافة متصافقون على بطلان هذا الحديث ، لكن أولياء أبي هريرة يحيلون الآفة به على اسحاق بن نجيع الملطي أحد رجال سنده إلى أبي هريرة ، وقد أورده الذهبي في ترجمة اسحاق من ميزان الاعتدال جازما ببطلانه ) .
فهل رأيتم مثل " هذا العلامة النحرير" !.
وفوق هذا الاتهام ، فقد ابتكر هذا "النحرير" طريقة جديدة في الحكم على الأحاديث النبوية بقوله :( أهل العلم كافة متصافقون على بطلان هذا الحديث ) ، ولا ندري من يقصد " بأهل العلم " ، لعلهم على شاكلته كابن أبي الحديد والاسكافي والنظام وأضرابهم! وإلا فإن أهل العلم فميزانهم يقول كما قال الذهبي رحمه الله في ميزانه في المقدمة : " أما الصحابة فلا أذكرهم لجلالتهم في هذا المصنف فإن الضعف جاء من جهة الرواة عنهم (1).
فهذا هو الميزان يا حضرة العلامة ! ، ولكن ماذا نفعل مع المؤلف وميزانه إذ لم نعهد مثل هذه الطرق والأساليب في معرفة الصحيح والضعيف ، ولم أعلم أحد اتبع هذا المنهج ، لا من السنة ولا من الشيعة ، إلا الذين يملكون "مجاهر" خاصة في معاملهم ومختبراتهم ، ولعل المؤلف يملك واحداً منها في مكتبته يستطيع به أن يحكم على أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهواه المجهري ! .
__________
(1) ميزان الاعتدال ص2 .(60/120)
على كل حال يعترف المؤلف بأن هذا الحديث لا يصح عن أبي هريرة إذ أورده الحافظ الذهبي من ترجمة اسحاق ، لكن رغم ذلك يتهم أبا هريرة بوضع الحديث ، وهذه حماقة حمقاء ، لأنه إن كان هناك من الرواة من يضع الحديث عليه كذبا وزورا فما ذنبه وما هو جريرته ، ولاسيما أن الحافظ بين في مقدمة ميزانه أن الصحابة لا يذكرهم بجرح لأن الضعف جاء من جهة الرواة عنهم .فهل يجوز أن نقول عن الأحاديث الموضوعة التي أوردها في حاشية كتابه (ص 32) في علي ، أن علي كرم الله وجهه كذاب ؟! أو هل يجوز أن نورد أحاديث الشيعة عن علي ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وغيرهم ، سواء في اثبات تحريف القرآن -كما فعل شيخه النوري إذ أورد (1800) رواية من طرق الأئمة في اثبات التحريف - أو في اثبات ارتداد الصحابة إلا ثلاثة- كما فعل عمدة رجالهم الكشي والكليني - أو غير ذلك من هذه الأحاديث المزعومة الموضوعة على هؤلاء الأئمة الأطهار ، هل يجوز أن نورد هذه الأحاديث ثم نقول بنفس هذا المنطق الأرعن أن "علي كذاب ، أوالباقر كذاب أوالصادق كذاب ! .
لم يفعل أهل السنة هذا ، ولم يكن هذا منهجهم أصلا ! وهكذا فعلنا مع الأحاديث التي رواها الشيعة وانفردوا بها عن الأمة كقولهم بالنص والبداء والرجعة والمتعة وغيرها ، فلم نتهم الباقر ولا الصادق ولا الرضا ولا غيرهم بالكذب والافتراء، ولكنا اتهمنا الذين رووا عنهم كزرارة وأبي بصير وهشام وشيطان الطاق وغيرهم من الوضاعين والكذابين ، واتهمنا القمي صاحب التفسير أنه كذاب ويفتري على الأئمة بأن القرآن حرّف وبدّل ، وكذا فعلنا مع تلميذه الكليني الذي يرى صحة ما يرويه في كافيه ، فاتهمناه بالكذب والافتراء على الصادق والباقر .
118(60/121)
فقد أخرج الكشي عند ترجمة المغيرة بن سعيد بسنده عن يونس قال :وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر (ع) ووجدت أصحاب أبي عبدالله(ع) متوافرين فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا(ع) فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله(ع) وقال لي: أن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله(ع) لعن الله أبي الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله(ع) فلا تقبلوا علينا خلاف القراّن .." (1).
وهكذا كان أبو هريرة فيما تبديه هذه النقول ، فإذا جاء بعده من الضعفاء المجروحين وأهل الكذب والاختلاق والتحريف من يضع الأحاديث الكاذبة وينسبها إليه ، أو ينقل مما في كتب أهل الكتاب ثم ينسب إلى أبي هريرة روايتها عنهم ، فما ذنب أبي هريرة ؟ وهل هو إلا كرسول الله- صلى الله عليه وسلم - حين ابتلى بمسيلمة الكذاب أو كعليt حين ابتلى بالحارث الأعور الكذاب ( (2) أو عبد الله بن سبأ أو كعلي بن الحسين حين ابتلى بالمختار الكذاب أو كمحمد الباقر حين ابتلى بالمغيرة بن سعيد أو كجعفر الصادق حين ابتلى بأبي الخطاب...
روى الكشي عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله اناّ أهل بيت صديقون لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ، كان رسول الله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها ،وكان مسيلمة يُكذّب عليه، وكان أمير المؤمنين (ع) أصدق من برا الله بعد رسول الله وكان الذي يُكذّب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ (3) .
__________
(1) رجال الكشي ص224ح401 ترجمة المغيرة بن سعيد .
(2) المصدر السابق ص441 .
(3) رجال الكشي ص108ح174 .(60/122)
وروى الكشي عن حبيب الخثعمي عن أبي عبد الله قال كان للحسن كذّاب يكذّب عليه ولم يسمه ، وكان للحسين كذّاب يكذّب عليه ولم يسمه ، وكان المختار يكذّب على علي بن الحسين وكان المغيرة بن سعيد يكذّب على أبي (1).
ويبدو أن الكذب على أبي هريرة كان قديماً ، فقد أخرج ابن عدي أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وأبا صالح قالا : ليس أحد يحدث عن أبي هريرة إلا علمنا أصادق هو أم كاذب(2).
أي إنهم لاحاطتهم بأحاديث أبي هريرةy وشدة حفظهم لها يعرفون ما لم يروه أبو هريرة ، فلم يكن الكذب عليه قد حصل في زمانهم ، وهم تلامذة أبي هريرة ، لما قالوا قولهم هذا ، إذ ليس كل أصحاب أبي هريرة ثقات ، وإنما نجد فيهم - وإن كان ذلك نادرا - من هو ضعيف أو وضاع ، مثل ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف ، روى عن عثمان وعلي وأبي هريرةy وغيرهم وكان يكذب كما يقول أبو حاتم (3). ومثله يزيد بن سفيان أبو المهزم ، صاحب أبي هريرة ، ضعفوه ، عداده في أهل البصرة ، وهو بكنيته أشهر ، ويقال : اسمه : عبد الرحمن بن سفيان . روى عنه شعبة ثم تركه ، وروى عنه حسين المعلم وعبد الوارث وجماعة . ضعفه ابن معين ، وقال النسائي : متروك . قال مسلم بن ابراهيم : سمعت شعبة يقول : كان أبو المهزم مطروحا في مسجد ثابت ، لو أعطاه انسان فلسا لحدثه سبعين حديثا . وقال مسلم : سمعت شعبة يقول : رأيت أبا المهزم ولو يعطي درهما لوضع حديثا " ثم قال : عامة ما يرويه عنه غير محفوظ ، وأورد نموذجا من موضوعاته على أبي هريرة . فهذا في التابعين ، لا في الطبقات المتأخرة فحسب فتأمل (4).
__________
(1) رجال الكشي ص226ح 404ترجمة المغيرة بن سعيد .
(2) الكامل لابن عدي 1/14 ، التهذيب 6/291 .
(3) الجرح والتعديل 395/ج4/ق1 .
(4) دفاع عن أبي هريرة ص442 .(60/123)
والمطالع " لميزان الاعتدال في نقد الرجال" للحافظ الذهبي يرى اسماء كثيرة لكذابين وضعوا الحديث ونسبوه إلى أبي هريرة، ويرى نماذج لموضوعاتهم ،ويرى من لم يصرحوا بأنه كاذب لكنهم أجمعوا على ضعفه وله مناكير عن أبي هريرة t.
يقول عبد المنعم صالح في كتابه " دفاع عن أبي هريرة ": ولما كنت قد سقت في الفصل السابق جملة من الأسانيد الموثوقة إلى أبي هريرة يمكنك أن تعلم بواسطتها كثيرا من الحديث الصحيح المروي عن أبي هريرة : أحببت أن أدون هنا جملة من أسماء الضعفاء من الكذابين أو المجمع على ضعفهم تعينك على معرفة ضعف ما يروى لك عن أبي هريرة وفي سند الحديث الذي يروى اسم أحد هؤلاء ، وتستطيع أيضا بنظرة سريعة أن تعلم ذلك ، لأني رتبتها لك على ترتيب الذهبي نفسه وفق حروف المعجم ، إضافة إلى ما تعلمه من نماذج الموضوعات على أبي هريرة y أو المنكرات إذا راجعت الصفحات المشار إليها في الميزان إزاء أسمائهم .أما من لم يجمع النقاد على ضعفه وعنده مناكير عن أبي هريرة ، أو من حديثه ظاهر النكارة لكن لم يصرح أحد بكذبه ، أو من فيه غفلة فانطلت عليه رواية الوضاعين ، فكثيرون أيضا ذكرهم الذهبي في الميزان ولا أرى المكان يتسع هنا لذكرهم ، كذلك ذكر الذهبي من كان يضع آلاف الأحاديث ولم يذكر في نماذجه ما هو عن أبي هريرة ، لم أذكرهم مع احتمال وجود الكثير مما وضعه على أبي هريرة t.
وهكذا تكون قد علمت أهم الأسانيد الموثوقة وأهم الأسانيد الضعيفة لما يروى عن أبي هريرة y، وهي إعانة جيدة للقارىء على تمييز ما يرد في كتب الخصوم (1)
ثم أورد الاستاذ عبد المنعم أسماء هؤلاء الكذابين في حوالي أربع صفحات وهم (155) رجلا من أهم الضعفاء الذين نسبوا لأبي هريرة أحاديث ضعيفة (2).
__________
(1) دفاع عن أبي هريرة ص443 .
(2) دفاع عن أبي هريرة لعبد المنعم العلي ص447 .(60/124)
فلنختتم هذا الفصل بما توهمه " هذا المؤلف النحرير " : أن الحديث إذا كان موضوعاً فواضعه هو من روى عنه ، وهذا جهل جهلاء ، فالآفة ممن جاء بعده من الرواة كما بينت ، ولو أن الأمر كما توهم لعاد ذلك بالتجريح على أكثر الصحابة وليس فقط أبي هريرة بمن فيهم الامام علي والحسن والحسين وهم أوصيائه ! فلنختتم هذا الفصل بمثال من كتب الرجال عند الشيعة ، ثم اعتراف هذا المؤلف بنفسه بهذا المنهج .
قال علامتهم الحلي وهو من علماء الجرح والتعديل عندهم في ترجمة : الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع): أبو محمد المعروف بابن أخ طاهر ، روى عن جده يحيى بن الحسن وغيره، وروى عن المجاهيل أحاديث منكرة .
وقال النجاشي : رأيت أصحابنا يضعفونه .
وقال ابن الغضايري : إنه كان كذاباً يضع الحديث مجاهرة ويدعي رجالا غربا لا يعرفون ، ويعتمد مجاهيل لا يذكرون ، وما تطيب الأنفس من روايته ...والأقوى عندي التوقف في روايته مطلقا .." (1).
فإذا كان هذا يكذب وهو ابن الأطهار ، فما ظنك بمن كذب على أبي هريرةy من الأشرار(2).
وهل الذي يكذب على أبي هريرةy إلا كذاك الواحد من ذرية الحسين حين أخذ يضع الحديث على أجداده الأخيار الابرار الأطهار ؟! .
بل أن عبد الحسين بنفسه صرح بهذا المنهج في كتابه " الفصول " عند دفاعه عن المجسمة أمثال هشام بن الحكم والجواليقي وشيطان الطاق ، وهذا نصه ( وقد أعرضنا عن بعض أولاد أئمتنا مع شدة اخلاصنا لهذا البيت الطاهر، وكفرنا جماعة ممن صحبهم وفسقنا آخرين وضعفنا قوما وأمسكنا عن قوم آخرين كما يشهد به الخبير بطريقتنا ) (3).
فلماذا هذه المكابرة ، لماذا هذا العناد والجهل والتناقض ؟!! ، فتواروا يا أهل البدع تواروا تواروا !! .
__________
(1) رجال العلامة ص214 .
(2) دفاع عن أبي هريرة ص482 .
(3) الفصول المهمة لعبد الحسين الموسوي ص170 .(60/125)
وأما قول هذا المؤلف:( وإنما فعل أبو هريرة ذلك احتياطا على نفسه ....وكان أبو هريرة على علم بأن الثائرين لا يطلبون إلا عثمان ومروان .وهذا ما شجعه على أن يكون في المحصورين ) .
قلت: إن هذا المؤلف لا ينشد الحق في بحثه ، لقد اتضح هذا في عرضه للفتنة التي استشهد فيها خليفة المسلمين ذو النورين ، فعندما حوصر الخليفة كان أبو هريرة أمام خيارين : إما أن يخرج ، وإما أن يهرب إذ فضل الموت مع الخليفة وحث الناس على الدفاع عنه ، فما كان من هذا المؤلف الحاقد إلا أن قال : (وإنما فعل ذلك احتياطاً على نفسه واحتفاظاً بأصحابه ، وكان أبو هريرة على علم بأن الثائرين لا يطلبون إلا عثمان ومروان .وهذا ما شجعه على أن يكون في المحصورين ).
لا أدري كيف قرأ سريرة أبي هريرة واطلع عليها،وليس لنا إلا الظاهر، فقد كان محصوراً في الدار مع عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسن والحسينy، فكل افتراض يفترضه بالنسبة لأبي هريرة يفترض بالنسبة لمن كان معه ، فهل يقبل هذا المؤلف هذا لسيدي شباب أهل الجنة ؟!!
أن هذا الحكم والله لحماقة حمقاء أن يصدر ممن يلقبونه " بأية الله " !! .
وأما قول المؤلف : ( ومهما يكن فقد اختلس الرجل هذه الفرصة فربحت صفقته وراجت سلعته وأكب بعدها بنو أمية واولياؤهم على السماع منه ، فلم يألوا جهدا في نشر حديثه والاحتجاج به ، وكان ينزل فيه على ما يرغبون . وكان مما حدثهم ...).(60/126)
قلت: إن إيمان المسلم لايستقيم أبداً مع ميل القلب عن علي وكراهيته، لكن المفترين أمثال هذا المؤلف يفتري على أبي هريرة ، فيصوره عدواً لعليy وأبنائه ، كارهاً لهم ، عاملاضدهم ،مع أن الثابت أن أبا هريرة كان محباً لهم ، لأنه هو الذي روى فضائل أهل البيت (1)،كما يأتي في مبحث الرد عليه " على عهد معاوية " .
فهل يجوز بعد رواية أبي هريرة لأحاديث " فضائل أهل البيت " أن نقول كما يفتري ، لكن كما يقول المثل "رمتني بدائها وانسلت" فهذا المؤلف يطعن في أبي هريرة لأنه روى أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مناقب عثمان t ويدعي أنه بهذا الصنيع يدافع عن آل البيت في حين أنهم هم الذين طعنوا في آل البيت وافتروا عليهم المفتريات والأباطيل .
وفي (ص34) قال عبد الحسين تحت عنوان" على عهد علي" قال هذا المؤلف: ( خفت صوت أبي هريرة على عهد أمير المؤمنين واحتبى برد الخمول وكاد أن يرجج إلى سيرته الأولى حيث كان هيان بن بيان وصلعمة بن قلعمة قعد عن نصرة أمير المؤمنين فلم ينضو إلى لوائه ، بل كان وجهه ونصيحته إلى أعدائه .
وقد أرسله معاوية مع النعمان بن بشير - وكانا عنده في الشام - إلى علي (ع) يسألانه أن يدفع قتلة عثمان إلى معاوية ليقيدهم بعثمان ، وقد أراد معاوية بهذا أن يرجعا من عند علي إلى الشام وهما لمعاوية عاذران و لعلي لائمان ... و أقام النعمان بعده عند علي ثم خرج فارا إلى الشام فأخبر أهلها بما لقي إلى آخر ما كان من هذه الواقعة ) .
__________
(1) للمزيد انظر كتاب احقاق الحق!!! لآية الله المرعشي والذي يبلغ عدد أجزاء هذا الكتاب 24 مجلد وقد أثبت فيه فضائل أهل البيت من طريق أبي هريرة رضي الله عنه . وما بعد الحق إلا الضلال .(60/127)
قلت : قال العجاج: بينت فيما سبق اعتزال أبي هريرة جميع ما جرى من حوادث بعد استشهاد عثمان t، إلاّ أن المؤلف يأبى ألا أن يعتمد على روايات ضعيفة ليشرك أبا هريرة في بعض هذه الحوادث، وليته يكتفى بذلك ، بل يعرض ما يريد مستهزئاً . فيقول: ( خفت صوت أبي هريرة على عهد أمير المؤمنين، واحتبى برد الخمول،كاد أن يرجع إلى سيرته الأولى، حيث كان هيان بن بيان، وصلعمة بن قلعمة قعدا عن نصرة أمير المؤمنين فلم ينضو إلى لوائه ، بل كان وجهه ونصيحته إلى أعدائه).
ثم ساق رواية واهية مفادها أن معاوية أرسل أبا هريرة والنعمان بن بشير ليفاوضاً علياً ويأخذا قتلة عثمان إلى معاوية ، ولتجتمع كلمة المسلمين بعدها: وأقام النعمان بن تشير عند علي وعاد أبو هريرة إلى معاوية وأخبره بما حدث في محاولتهما.
قال المؤلف:( فأمره معاوية أن يعلم الناس ففعل ذلك وعمل أعمالا ترضى معاوية) وهذه الرواية لم ترو بسند صحيح قط ولم أجدها إلاّ في نهج البلاغة .
ثم إن صحت الرواية فهل يعاب على أبي هريرةt أن يكون وسيط خير وداعياً إلى جمع كلمة المسلمين !! ؟ وأما ما ذكره ابن قتيبة من قدوم أبي هريرة وأبي الدرداء على معاوية وعلى t ومناصحتهما معاوية t لحقن دماء المسلمين ثم اتصالهما بعلي t من أجل قتلة عثمان t، وفإنها تدل على اعتزال أبي هريرة الفتنة ومحاولة جمع كلمة المسلمين ، بالرغم من ضعف هذه الرواية .
ثم يقول المؤلف: ( وحين حمى وطيس الحرب ورد على أبي هريرة من الهول ما هزم فؤاده وزلزل أقدامه ، وكان في أول تلك الفتنة لا يشك في أن العاقبة ستكون لعلي، فضرب الأرض بذقعنه قابعاً في زوايا المخمول يثبط الناس عن نصرة أميرالمؤمنين بما يحدثهم به سراً ، وكان مما قاله يومئذ : سمعت رسول الله يقول: "ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ) .(60/128)
هل بعد هذا النص شك في أن الكاتب متحامل على أبي هريرة ؟ إنه يدعى البحث العلمي والذوق الفني ، ثم يسيره هواه أنى يشاء ضارباً بما ادعى عرض الحائط! ويأبى أن يقبل ما دل من النصوص على اعتزال أبي هريرة جميع الحوادث،
التي دارت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما .
ويحاول الكاتب أن يستنتج من عزوة بسر بن أبي أرطأة الحجاز واليمن قبول أبي هريرة ولاية المدينة ، فيقول(وفي ختام هذه الفظائع أخذ ( بسر) البيعة لمعاوية من أهل الحجاز واليمن عامة ، فعندها باح أبو هريرة بما في صدره واستراح إلى بسر من أرطأة بمكنون سره ، فوجد بسر منه إخلاصاً لمعاوية ونصحاً في أخذ البيعة له من الناس فولاه على المدينة حين انصرف عنها وأمر أهلها بطاعته ) . وهذا لم يثبت قط وقد بينت الصواب فيما سبق من حياة أبي هريرة (1).
وفي (ص38) قال عبد الحسين تحت عنوان " على عهد معاوية" .
وفي (ص42) تحت عنوان "أيادي بني أمية عليه " .
وفي (ص45) تحت عنوان " تطوره في شكر أياديهم" .
أتى عبد الحسين بأكاذيب وبواطيل كثيرة لا تحصى ولا تعد وإليك بعضها ، وقد كشفها الاستاذ محمد العجاج رحمه الله تعالى في كتابه القيم فراجعه .
قال عبد الحسين: ( نزل أبو هريرة أيام معاوية إلى جناب مريع وأنزل آماله منه منزل صدق ، لذلك نزل في كثير من الحديث على رغائبه فحدث الناس في فضل معاوية وغيره أحاديث عجيبة ) .
__________
(1) أبو هريرة راوية الاسلام للعجاج 179-181 .(60/129)
ثم تكلم عن وضع الحديث في عهد الأمويين وكثرة الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -. وادعى أن أبا هريرة كان في الرعيل الأول من هؤلاء فحدث بأحاديث منكرة ذكرها ابن عساكر وغيره ، وساق أحاديث موضوعة لا يقبلها عقل ولا يرضاها ضمير ، وضعها أتباع الأمويين بعد عهد معاوية ، نكاية بأتباع أمير المؤمنين علي t، وجميع ما ادعاه يعرف أهل السنة مفتريه ووضاعه ....غير أنهم لم يجعلوا الآفة فيها من أبي هريرة نفسه وإنما جعلوها ممن نقلها عنه .. وكذلك فعلوا في سائر ما صنعته يدا أبي هريرة مما ضاق ذرعهم .. وله في صحيحي البخاري ومسلم أحاديث أفرغها على هذا القالب وحاكها على هذا المنوال .
قلت: إن الكاتب يتهم أبا هريرةt اتهامين خطيرين : الأول أنه تشيع لبني أمية، الثاني أن حبه لبني أمية حمله على وضع الحديث لهم ( أي الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.ولهذا يعقد فصلين من كتابه ليبن ( أيادي بني أمية عليه ) ثم ( تطوره في شكر أياديهم ) ، وسنرد هذين الاتهامين بالحجج ، وبيان وجه الحق في ذلك فنبدأ برد الشبة الأولى .(60/130)
أولاً - هل تشيع أبو هريرة للأمويين : إن أهل العلم جميعاً يعلمون أن أبا هريرةt كان محباً لأهل البيتy ، ولم يناصبهم العداء قط، ومشهور عنه أنه تمسك بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، فكان يحب من أحبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأبو هريرة هو الذي كشف عن بطن الحسن بن علي t وقال: أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقبّل ، وقبّل سرته .ومن العجيب أن يدعي إنسان نهل عن العلم بعضه أن أبا هريرة يكره علياً وأهلهy ، وبعد أن يسمع ما دار بين مروان بن الحكم وأبي هريرة، حين أراد المسلمون دفن الحسن مع النبي- صلى الله عليه وسلم -.كان مما قاله: " والله ما أنت بوال ، وإن الوالي لغيرك فدعه ، ولكنك تدخل فيما لا يعنيك ، إنما تريد بهذا إرضاه من هو غائب عنك . يعني معاوية .. " !! ولكن الكاتب المتحامل على أبي هريرة والذي امتلأ قلبه ضغناً وحقداً عليه يرى هذا مجرد رياء ومؤامرة مدبرة بينهما ! .
ونرى أبا هريرة ينكر على مروان بن الحكم في مواضع عدة ، فهل هذا الإنكار أيضاً من باب المؤامرات التي يدبرها مروان وأبو هريرة لمخادعة العامة - كما زعم المؤلف ؟ .
لقد أنكر عليه عندما رأى في داره تصاوير فقال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: يقول الله - عز وجل -: " ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرة " وأبطأ مروان بن الحكم يوماً بالجمعة فقام إليه أبو هريرة فقال:له : " أتظل عند ابنه فلان تروّحك بالمرواح وتسقيك الماء البارد ، وأبناء المهاجرين والأنصار يصهرون من الحر ؟ لقد هممت أن أفعل وأفعل ، ثم قال: اسمعوا من أميركم " .(60/131)
فهل هذا موقف المتشيع لبني أمية ، النازل على رغباتهم في الحديث ، الداعي لهم! أم أن هذا موقف ملتزم الحق ؟ إنه أنكر على الأمير تأخره ، وحفظ له حقه فأمر المسلمين بالسماع إليه. وهذا دليل آخر على مكانة أبي هريرة بين المسلمين . فلو كان حقيراً مهيناً ما سمع منه المسلمون وما تحمله مروان . مع هذا فإن المؤلف قد يرى في هذه القصة لوناً جديداً من المؤمرات لتثبيت ملك الأمويين كما يتخيل المؤلف أبا هريرة في تفكيره وعلمه وذوقه الفني ، واستنتاجه واستقرائه .. !! .
وكان يجدر بالمؤلف أن يتهم أبا هريرة بالتشيع لأهل البيت ، لما روى عنه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في مناقبهم ومدحهم مما ورد في صحاح السنة المطهرة (1)، وهذا أولى له من أن يتتبع الأحاديث الضعيفة ، والموضوعة على أبي هريرة في مدح الأمويين ، وليتهمه بموالاتهم وتأييدهم ، وبالرغم من وضوح وضع تلك الأحاديث ،ومعرفة الكذبة والواضعين لها . وجلاء أمرها .. وإليك هذه الفضائل :
أبوهريرة يروي فضائل أهل البيت النبوي :
أولا : فضائل علي t : إن فضائل علي كثيرة ومشهورة وقد روى أبو هريرةt في فضائله أحاديث كثيرة مما يبعد غاية البعد مناصرته لمعاوية ومعاداته لعلي، ويلقم هذا المؤلف حجراً .
وفي الصحيحين وغيرهما من ذلك كثير ، وفضائل سيدنا علي t أكثر من أن تحصى ، وقد ألفت في ذلك كتب مستقلة ككتاب الخصائص للإمام النسائي ، ولم يثبت في حق صحابي من الأحاديث الصحاح والحسان مثل ما ثبت في حقه ، وهذا مما ندين الله تعالى عليه إرضاء لديننا وضمائرنا ، واتباعاً لما التزمناه من قواعد البحث الحر النزيه (2).
كما أن أبو هريرة t هو الذي روى فضائل الحسنين رضي الله عنهما .
وإليك بعض منها بإختصار .
__________
(1) ستأتي هذه الأحاديث .
(2) دفاع عن السنة لأبي شهبة ص160 .(60/132)
فعن سعيد بن أبي سعيد قال : كنا مع أبي هريرة جلوساً ، فجاء حسن بن علي بن أبي طالبt ، فسلّم علينا ، فرددنا عليه وأبو هريرة لا يعلم فمضى . فقلنا : يا أبا هريرة ، هذا حسن ابن علي قد سلّم علينا . فقام فلحقه فقال : يا سيدي . فقلنا له : تقول ياسيدي ؟ قال : إني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول : " إنه لسيد " (1).
وعن محمد بن زياد عن أبي هريرةt قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - حامل الحسن بن عليt على عاتقه، ولعابه يسيل عليه (2).
وعن عمير بن إسحاق قال : رأيت أبا هريرةt لقى الحسن بن عليt فقال : اكشف لي عن بطنك حيث رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقبل منه قال : فكشف له عن بطنه فقّبله(3) .
وعن أبي مزرد قال : سمعت أبا هريرةt يقول : سمع أذناي هاتان ،وبصر عيناي هاتان ، رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أخذ بيديه جميعا بكفي الحسن والحسين y وقدميه على قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله يقول : ارقه قال : فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : افتح فاك ثم قبّله ثم قال : اللهم أحبه فإني أحبه (4).
وعن أبي حازم عن أبي هريرةt قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن ابغضهما فقد أبغضني (5).
وعن أبي حازم عن أبي هريرةt قال : نظر النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى علي و الحسن والحسين وفاطمة y فقال : أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لمن سالمكم (6).
__________
(1) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة 250 .
(2) أخرجه أحمد 2/447وابن ماجة 658 .
(3) أخرجه أحمد 2/255و493 .
(4) أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص249، 270وأيضاً 3/87 و في الأدب المفرد ص1183 وأحمد 2/532 ، ومسلم 7/129وغيرهم .
(5) اخرجه أحمد 2/288وص و440وص446، وابن ماجه 143 والنسائي في فضائل الصحابة 65 .
(6) أخرجه أحمد 2/442 .(60/133)
وعن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نزل ملك من السماء فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (1) .
وعنه قال : كنا نصلّي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - العشاء فكان يصلّي ، فإذا سجد وثب الحسن والحسين y على ظهره ، وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعاً رفيقاً، فإذا عاد عادا ، فلما صلّى جعل واحداً ها هنا وواحداً ها هنا فجئته فقلت : يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما ؟ قال:لا، فبرقت برقة فقال: إلحقا بأمكما، فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا (2).
كما أن أبا هريرة هو الذي روى مناقب جعفرt .
فعن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرةt قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: رأيت جعفراًt يطير في الجنة مع الملائكة (3).
وعن عكرمة عن أبي هريرة قال : ما احتذى النعال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا ركب الكور بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أفضل من جعفر بن أبي طالبt (4)
__________
(1) أخرجه النسائي في الكبرى تحفة الأشراف 10/13430 انظر هذه الروايات من المسند الجامع مسند أبي هريرة 18/191- 196 .
(2) مستدرك الحاكم 3/167، دلائل النبوة ص494 .
(3) أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث غريب من حديث أبي هريرة ، لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن جعفر ، وقد ضعفه يحيى بن معين وغيره ، وعبد الله ابن جعفر هو والد علي بن المديني .
(4) أخرجه أحمد 2/413 والترمذي والنسائي في فضائل الصحابة .(60/134)
عن سعيد المقبري عن أبي هريرة t قال : إن كنت لأسأل الرجل من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - عن الآيات من القرآن أنا أعلم بها منه ، ما أسأله إلا ليطعمني شيئا ، فكنت إذا سألت جعفر ابن أبي طالبt لم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله فيقول لامرأته : أسماء ، أطعمينا شيئا ، فإذا أطعمتنا أجابني . وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه ، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يكنيه بأبي المساكين (1).
فلو كان أبو هريرة t متشيعاً للأمويين لأبى أن يروي فضائل أهل البيت ، وبوجه خاص في فضائل أمير المؤمنين علي t، ولكن شيئاً من هذا لم يقع ، وكان أبو هريرة أسمى وأعلى من أن يكتم حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، لميل أو هوى ،وأرفع من أن يكذب على حبيبه الصادق المصدوق محمد- صلى الله عليه وسلم - .
إننا نرى المنصفين من أهل العلم لم يتهموا أبا هريرة - لروايته هذا الحديث - بالتشيع لعلي t، وبالعداء لأمير المؤمنين عمر ابن خطابy ، فأبو هريرة لا يتحزب لأحد ولا يمالئ أحداً ،ولا يسير وراء هوى متبع أو شهوة جامحة ، إنما هو ذلك الصحابي العظيم الذي عرفنا استقامته وعدالته ، وتقواه وورعه وأمانته .
__________
(1) أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال الترمذي : هذا حديث غريب . وأبو اسحاق المخزومي هو إبراهيم بن الفضل المديني . وقد تكلم فيه بعض اهل الحديث من قبل حفظه ، وله غرائب .(60/135)
ولكن بعض أهل البدع ممن أعمى الله قلوبهم كهذا المؤلف وأمثاله تصور أن جميع ما بين يدي أبي هريرةt من نعمة وخير هي أفضال الأمويين عليه ، وإكرام منهم له، لما بذله في سبيل تدعيم ملكهم !! ونسى أو تناسى أن أبا هريرة كان يحب العمل إلى جانب حبه العلم ، ونسى ما كان له من أعطيات وتجارة ، كما نسى أنه ولي البحرين للخلفية عمر ابن الخطاب t، وبين له مورد ماله الذي جاء به ، بل رأى أن جميع ما بين يديه من منح بني أمية له ، فهم الذين كسوه الخز ، وألبسوه الكتان ، وبنوا له في العقيق قصراً ، وهم الذين زوجوه بسرة بنت غزوان أخت الأمير عتبة بن غزوان ، ويستشهد لذلك بما روراه مضارب بن حزن حين سمع أبا هريرة يكبر في الليل ، قال مضارب:" بينما أنا أسير تحت الليل ، إذا رجل يكبر ، فألحقه بعيري ، فقلت من هذا ؟ قال أبو هريرة . قلت: ما هذا التكبير ؟ قال: شكر . قلت: على مه ؟ قال: كنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بعقبة رجلي ، وطعام بطني ، وكانوا إذا ركبوا سقت بهم ، وإذا تزلوا خدمتهم ، فزوجنيها الله !! فهي امرأتي" (1).
فأبو هريرة يشكر الله - عز وجل -على نعمه وتوفيقه لزواجه من بسرة ، وأي شيء في هذا ؟ أي شيء أكثر من طيب نفس أبي هريرة وصفائها ، ورضائها بما قسم الله له واحترامه لأنعم الله تعالى، وتواضعه وتذكره ما كان عليه وإقراره بفضل الله - عز وجل - عليه.
ولكن المؤلف استغل طيب نفس أبي هريرة للتشهير به ، ورأى في كل ذلك مادة غزيرة يشوهها كما يحب ويرضى .
وفي هذا كله يرى أن الأمويين استعبدوه ببرهم " فملكوا قياده ، واحتلوا سمعه وبصره وفؤاده ، فإذا هو لسان دعايتهم في سياستهم ، يتطور فيها على ما تقتضيه أهواؤهم ..".
__________
(1) سير أعلام النبلاء 2/440 .(60/136)
هكذا أراد عبد الحسين من وحي شياطينه وتقولات أولياؤه والقصاصين أن يصوّر أبا هريرة ، الذي عرفنا اعتزاله الفتن ، وسيره مع الحق ، ومناصحته للمسلمين ، وحبه لأهل البيت . وهكذا يأبى الله إلا أن يقوّض ما حاكه أعداء أبي هريرة من شبهات ضده ، ويكشف النقاب عن وجه الحق ، ليزهق الباطل ، وصدق الله العظيم إذ يقول: { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَطِلِ فَيَدْمَغُهو } [الأنبياء/18] .
ثانياً: هل وضع أبو هريرة الأحاديث كذباً على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟ لقد افترى المؤلف " المدلس" على أبي هريرة افتراءات لا يتصورها إنسان من مستشرق متجاهل أو من عدو متحامل ، قال: ( فتارة يفتئث الأحاديث في فضائلهم ، ... وتارة يلفق أحاديث في فضائل الخلفيتي، نزولا على رغائب معاوية وفئته الباغية، إذ كانت لهم مقاصد سياسية ضد الوصي وآل النبي(ص).. وحسبك حديثه في تأمير أبي بكر على الحج سنة براءة - وهي سنة تسع للهجرة - وحديثه في أن عمر كان محدثاً تكلمه الملائكة (1) .
وقد اقتضت سياسية الأمويين في نكاية الهاشميين تثبيت هذين الحديثين وإذاعهما بكل ما لمعاوية وأعوانه ... من وسيلة أو حيلة ... حتى أخرجتهما الصحاح ... وتارة يقتضب أحاديث ضد أمير المؤمنين جرياً على مقتضى تلك السياسة كقوله : سمعت رسول الله(ص) يقول: " لم تحبس الشمس أو ترد لأحد إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس ) .
__________
(1) يشير إلى حديث أبي هريرة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : " لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر " فتح الباري 8/49 . محدث بفتح الدال : أي ملهم وصادق الظن ، يجري الصواب على لسانه ، والتاريخ يشهد لعمر بهذا في أمور مشهور ة ، راجع الرد عليه في مبحث أن الملائكة تكلم عمر .(60/137)
لقد سيطر على المؤلف هواه ، حتى أصبح لا يرى في أبي هريرة إلا الكذوب الوضّاع ، فتنكب سبيل الحق ، وقذف الصحابة بالكذب ، وتجاهل ما أجمع عليه المؤرخون الثقات ، واعتمد على روايات الضعفاء ، فكان كلام الطبرسي عنده كالتنزيل الحكيم ، وضرب بصحاح الكتب عرض الحائط ، فيحاول طمس الحق ، وتحريف الصواب ، وأنني أتساءل كيف حبست الشمس أو ردت لأمير المؤمنين علي t ؟ وهل أمسكت الشمس على الغروب ليتمكن t من أداء صلاة العصر في وقتها؟ إن هذه معجزات لا تكون في كل وقت ، ولا يمن الله بها إلاعلى رسله !! ثم لم ترد الشمس له أو تمسك ويمكنه أن يقضي الصلاة !! والصحاح لم تذكر شيئاً عن هذا الخبر، فأترك للمؤلف أن يبين لنا كيف حبست الشمس ومتى كان ذلك علنا نفيد منه ؟ لقد ادعى هذا قبله ابن مطهر الحلي ، ورد عليه ابن تيمية رداً قوياً ، وبين كذب هذا الإدعاء . وسوف أجيب عن زعمه أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - عزل أبا بكر عن ولاية الحج في مبحث كمية حديثه .
هكذا أراد المؤلف أن يصوّر الحادثة ، وهذا ما استنتجه منها، وقد ظهر زيف ما ادعى وبطلان ما زعم .
تخيل المؤلف أن أبا هريرة كان يسير بتوجيه الأمويين ، وينزل على ما يحبون ويضع لهم الحديث ، وأدلى بحجته على ذلك فساق أخباراً لا ترقى إلى الصحة والحقيقة فقال:( قال الإمام أبو جعفر الإسكافي : إن معاوية حمل قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ، فاختلقوا له ما أرضاه ، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة ابن الزبير إلى آخر كلامه)(60/138)
وقال: ( لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ، ثم ضرب صلعته مراراً !! وقال: يا أهل العراق .. أتزعمون أني أكذب على الله ورسوله وأحرق نفسي بالنار ؟ والله لقد سمعت رسول الله(ص) يقول: " إن لكل نبي حرماً ، وإن المدينة حرمي ، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجميعن قال: " وأشهد بالله أن علياً أحدث فيها !! فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه ، وولاه إمارة المدينة ) .
وروى في الهامش ( عن سفيان الثوري عن عبدالرحمن بن قاسم عن عمر بن عبدالغفار: أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ، ويجلس الناس إليه فجاءه شاب من الكوفة - لعله الأصبغ بن نباته - فجلس إليه فقال: يا أبا هريرة . . أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول لعلي بن أبي طالب : " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " ؟ قال : االلهم نعم . قال : فأشهد بالله لقد واليت عدوه عاديت وليه ثم قام عنه وانصرف ).
هذه أخبار مختلفة استشهد بها المؤلف ليدعم زعمه أن أبا هريرة كان عميلا للأمويين ، وضاعاً للحديث . إلا أن هذه الأخبار مردودة سنداً ومتناً .
أولا: أما من حيث السند. فإن ابن أبي الحديد صاحب شرح نهج البلاغة نقل هذه الأخبار عن شيخه محمد بن عبدالله أبو جعفر الإسكافي (240هـ ) وهو من أئمة المعتزلة المتشيعيين . والعداء مستحكم بين المعتزلة وأهل الحديث من أواخر القرن الأول الهجري وأصبح متوارثاً . وأترك التعريف بأبي جعفر وتزكيته لتلميذه ابن أبي الحديد فيقول : ذكر شيخنا أبو حعفر الإسكافي رحمه الله تعالى وكان من المتحققين بموالاة علي (ع) والمبالغين في تفضيله وإن كان يقول بالتفضيل عاماً شائعاً في البغداديين من أصحابنا كافة إلا أن أبا جعفر أشدهم في ذلك قولا ، أخلصهم فيه اعتقاداً (1) .
__________
(1) شرح نهج البلاغة 1/467 .(60/139)
هذه شهادة تلميذ لأستاذه لا يرقى إليه الشك ، ولا يعتريها الظن والتأويل ، والأستاذ من أهل الأهواء ، الداعي إلى هواه ، بل من المتعصبين في ذلك، بشهاد أقرب الناس إليه وأعرفهم به . فإذا سبق لأمثاله أن كذّبوا الصحابة في الحديث بل في نقل القرآن فليس بعيداً أن يكذبوا على أبي هريرة ويفتروا عليه وعلى بعض الصحابة والتابعين . فروايته مردودة لسببين :
الأول : ضعف الإسكافي لعاملين : الأول لأنه معتزلي يناصب العداء لأهل الحديث . والثاني ، أنه شيعي محترق . فقد اجتمع هذان العاملان فيه ، ويكفي أحدهما لرد روايته . وبعد هذا لا يعقل أن تقبل الجرح والتعديل أو الزواية من رجل مطعون في عدالته ، مشكوك في روايته يعادي أهل السنة ، فمن البداهة رفض روايته.
الثاني : لم تذكر هذه الروايات في مصدر موثوق بسند صحيح .
علماً بأن الإسكافي لم يذكر لها سنداً لهذه الروايات في أحسن أحوالها ضعيفة لا يحتج بها إن لم تكن موضوعة مكذوبة لا يحتج بها .
ثالثاً: وأما من حيث المتن - فلم يثبت أن معاوية حمل أحداً على الطعن في أمير المؤمنين علي t، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه تطوع في ذلك ، أو أخذ أجراً مقابل وضع الحديث، والصحابة جميعاً أسمى وأرفع من أن ينحطوا إلى هذا الحضيض، ومعاذ الله أن يفعل هذا إنسان صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وسمع حديثه وزجره عن الكذب ،وإن جميع ما جاءنا من هذه الأخبار الباطلة ، إنما كان عن طريق أهل الأهواء الداعين إلى أهوائهم المتعصبين لمبادئهم ، فتجرأوا على الحق ، ولم يقيموا للصحبة حرمتها ، فتكلموا في خيار الصحابة واتهموا بعضهم بالضلال والفسق ، وقذفوا بعضهم بالكفر ، وافتروا على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم .(60/140)
وقد كشف أهل الحديث عن هؤلاء الكذبة ، لذلك ناصبت أكثر الفرق العداء أصحاب الحديث ، فاخترعوا الأباطيل وأرادوا أن تفقد الأمة الثقة بهم ، وتتبعوا أحوالهم ، ومن ذلك ما فعله المعتزلة والروافض وبعض فرق الشيعة ، ومن أراد الاطلاع على بعض هذا فليراجع كتاب قبول الأخبار للبلخي .ولكن الله أبى إلاّ أن يكشف أمر هذه الفرق ، ويميط اللثام عن وجوه المتسترين وراءها ، فكان أصحاب الحديث هم جنود الله - عز وجل -، بينوا حقيقة هؤلاء ، وأظهروا نواياهم وميولهم ، فما من حديث ، أو خبر يطعن في صحابي ، أو يشكك في عقيدة ، أو يخالف مبادئ الدين الحنيف إلا بين جهابذة هذا الفن يد صانعه، وكشفوا عن علته.
فادعاء المؤلف مردود حتى يثبت زعمه يحجة صحيحة مقبولة . وكيف نتصور معاوية يحرض الصحابة على وضع الحديث كذباً وبهتاناً وزوراً ، ليطعنوا في أمير المؤمنين علي، وقد شهد ابن عباس لمعاوية y بالفضل والعقل والفقه وقد ذكر ذلك البخاري في صحيحه . فهل لعبد الحسين أن يتهم حبر الأمة وعالمها بالكذب(1) ، أو بالتشيع لمعاوية ، هذا لا يمكن وشهادة ترجمان القرآن صحيحة ، وبذلك ننفي تهمة المؤلف الأمين !! .
فالتهمة التي لفقها " المفتري" باطلة قطعاً ، فأبو هريرة والمغيرة وعمرو ومعاوية صحابيون y وكلّهم عند أهل السنة عدول ، ثم كانت الدولة لبني أمية فلو كان هؤلاء يستحلون الكذب على النبي- صلى الله عليه وسلم - في عيب عليّ لأمتلأ الصحيحان فضلا عن غيرهما بعيبه وذمه وشتمه ، فما بالنا لا نجد عن هؤلاء حديثاً صحيحاً ظاهراً في عيب علي ولا في فضل معاوية (2) ؟ .
__________
(1) راجع رواياتهم والذي رواه عمدتهم الكشي في ذم ابن عباس من هذا المبحث .
(2) الأنوار لليماني ص206-207 .(60/141)
وقد افترى الإسكافي على الصحابةy الذين ذكرهم ، وبين ابن العربي في " العواصم والقواصم " جانباً من أمرهم ومكانتهم وورعهم ، كما بينت كتب التراجم سيرتهم . ثم إن روايات أهل الأهواء تسربت إلى التاريخ الإسلامي ، وخاصة ما يتعلق بأخبار الأمويين لأن كتب التاريخ كتبت بعد بني أمية فشوهت سيرتهم ومع هذا لم يعدم التاريخ الرجال الأمناء المخلصين ، الذين دوّنوا حوادثه بأسانيدها حتى يتبين المطلع الصحيح من الباطل ، فليس كل خبر في كتاب يقبل ويؤخذ به ، فلا بد من دراسته دراسة علمية حسب منهج المحدثين الدقيق - سنداً ومتناً .ثم إنا نستبعد صحة هذا الخبر(1)، فإن عروة ولد سنة (22 هـ) فكان عمره في فتنة عثمان t (13 سنة )، وعندما استشهد أميرالمؤمنين علي t ( 18 سنة) ، فمن يتصور خليفة كمعاوية t يحمل عروة ابن الزبيرt ليضع أحاديث تطعن في علي t ؟ ثم إن عروة نفسه كان يافعاً على عتبة العلم لم يشتهر بعد ،فكان أحرى بمعاوية -لو صح الخبر - أن يغرى من هو أشهر منه وأعلم من كبار الصحابة والتابعين . وإن قال قائل إنما استعان به أيام خلافته بعد استشهاد الخلفية الراشد الرابعt ، فالجواب بديهي في أن عروة كان حين وفاة معاوية ابن (38) ثمان وثلاثين سنة ، فلم يستفيد منه ؟ وفي الأمة كبار الصحابة والتابعين . أيفيد منه ليضع له الحديث كما زعم الكاتب ؟ إن كلمة المسلمين اجتمعت سنة (40) عام الجماعة حين بايع الحسن معاوية بالخلافة وثبتت دعائم الحكم ، فلم تبق أية ضرورة للدعاية الأمويين وهم الحكام وبيدهم الزمام ، ولو سلمنا جدلاً أن عروة قد قام بما ادعاه المؤلف !! فهل يسكت عنه علماء الأمة أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ؟ وبينهم الأبطال الشجعان وفيهم الأقوياء الأفذاذ ؟ .
__________
(1) وأما الأكاذيب الموضوعات فلا دخل لها في الحساب ، على أنك تجدها تنسب إلى هؤلاء وغيرهم في إطراء عليّ أكثر منها في الغض منه .(60/142)
لقد كانت الأمة الإسلامية واعية في ذلك العصر ، عرف أبناءها الحوادث جميعها وعاصروها واختبروها فلم تعد تخفى دقائقها على أحد ، وعرف المسلمون قادتهم من صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، فلم يكن من السهل أن يغير وجه الحق بعض الصحابة والتابعين - كما زعم المؤلف - لإرضاء الخليفة وإشباع ميوله ورغباته . وإن من يحاول إثبات صحة هذا الخبر ليتجنى على الأمة جميعها ، ويجعل من عاصر تلك الحوادث بلهاً مغفلي، يعمى عليهم الحق بالدعايات الكاذبة والأخبار الموضوعة، والواقع يثبت خلاف ذلك ، ويثبت وضع الخبر وعدم صحته .
أما الخبر الثاني وهو قدوم أبي هريرةt العراق ، فإنه من رواية الإسكافي وقد عرفناه منزلة وأخباره ، فلا نعلمه ولا نكاد نصدقه ، وكيف يصح هذا في العقول وعليt كان بالعراق ومعاوية t كان بالشام وأبو هريرة كان بالحجاز ، إذ الثابت أنه بعد أن تولى إمارة البحرين في عهد عمرt لم يفارق الحجاز ، قال ابن عبد البر : أنه لما عاد من البحرين في عهد عمر t ورغب إليه عمر أن يعود والياً عليها مرة أخرى فأبى، لم يزل بالمدينة حتى مات " (1)، وهذا هو الحق (2).
اللهم إلا إذا كان هذا المؤلف يرى أن أبا هريرة أعطى بساط سليمان أو كانت تطوى له الأرض طياً !! .
ولو سلّمنا - جدلاً - بصحة هذه الرواية ، فإن أبا هريرة يدفع عن نفسه ما أشاعه بعض خصوم الأمويين . ثم إن الحديث الذي روى عن أبي هريرة ينفي نفياً قاطعاً صحة هذه الرواية ويبين زيفها .
فقد روى مسلم عن أبي هريرة t عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: " المدينةحرم ، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجميعين لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف " (3).
__________
(1) الاستيعاب 4/209 هامش الاصابة .
(2) دفاع عن السنة لمحمد أبي شهبة ، ص99و ص160.
(3) صحيح مسلم 2/999 .(60/143)
فليس فيها تلك الزيادة التي اختلقتها أيدي الواضعين في ذم الإمام علي لينال أبو هريرة أجره من معاوية y جميعاً .
والمؤلف الأمين!! يحذف من الرواية بعضها وهو " إن لكل نبي حرماً وإن حرمي بالمدينة ما بين عير وثور " لأن هذا القسم سينقض روايته وادعاءه لأن الثابت عن أبي هريرة t أنه لم يذكر هذا بل ذكره أمير المؤمنين علي t في كلمة مشهورة له كما في صحيح مسلم(1) إلا أن الإسكافي ذكرها عن أبي هريرة (2)وهذا دليل آخر على سوء نياتهم وموقفهم من أبي هريرة t خاصة وبعض الصحابة y عامة .
ثم إن المؤلف نفسه يناقض برواياته ما يزعمه ويدعيه. فقد زعم قبل قليل في (ص25) من كتابه أن بسر بن أبي أرطأة ولى أبا هريرة المدينة حين قدم إليها .
وفي (ص39) يقول:) فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاة إمارة المدينة )!!
فأي الخبرين يحب المؤلف أن نعتمد عليه ونأخذ به ؟ أم أن المؤلف يرى في الخبر الثاني توكيداً لإمارته على المدينة ؟ إن له ما أراد وما أختار من الروايات المتعارضة!!
وأما ما ذكره في الهامش من صفحة رواية عن الثوري فقد نقلها إلينا أبو جعفر الإسكافي وجربنا عليه الكذب والطعن في الصحابة فروايته هذه غير مقبولة من طريقه، وهناك رواية عن أبي هريرة ليست فيه الزيادة ورد الشاب عليه " فأشهد بالله لقد واليت .. " التي ذكرها الإسكافي ، فالرواية عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه قال: دخل أبو هريرة المسجد فاجتمع إليه الناس فقام إليه شاب فقال: أنشدك بالله سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " رواه أبو يعلى والبزاز بنحوه (3) .
__________
(1) انظر صحيح مسلم 2/995 وما بعدها 2/1147 .
(2) شرح نهج البلاغة 1/467 .
(3) مجمع الزوائد 9/105 .(60/144)
إن هذه الرواية تثبت مكانة أبي هريرة عند أهل العراق ، إذ يستشهدونه عن سماعه لحديث في مكانة علي t، بخلاف ما ذهب إليه الكاتب ، وليس فيها تلك الزيادة التي ألحقت لحاجة في نفس من صنعها ، وحاول أن يدلس على الناس حقيقة الحديث . . وهكذا ينكشف أمر هؤلاء الذين خاضوا في الصحابة وأعراضهم وعدالتهم ودينهم y.. . ولم تكن هذه الحادثة صفعة أليمة من ذلك الشاب لأبي هريرة ، بل كانت صفعة قاضية من الحق لأعدائه !! . (1).
ويتابع المؤلف افتراءه على أبي هريرة ويتهمه بالولاء للأمويين حتى زعم أن أبا هريرة كان يرتجل الأحاديث يدافع بها عن منافقي بني أمية الذين لعنهم رسول اللهy . ولهذا عرف الأمويون فضله عندهم فعمل " مروان وبنوه في تعداد أسانيده وتكثير طرقه أعمالاً جبّارة، لم يألفوا فيها جهداً ، ولم يدّخروا وسعاً . حتى أخرجه أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد . ولمروان وبنيه في رفع مستوى أبي هريرة وتفضيله على من سواء في الحفظ والضبط والاتقان والورع أعمال كان لها أثرها إلى يومنا هذا ..".
ثم يسوق قصة كاتب مروان وأبي هريرة يوم وفاة الحسن والخلاف في مواراته في حجرة الرسول. ويروي أن هذه مؤامرة للإشادة بحفظ أبي هريرة ، وأفضليته في ذلك على كثير من الصحابة ، ويرى أن هذه المؤامرة الممثلة انتهت بتسليم مروان وخنوعه واعترافه بفضل أبي هريرة ومكانته وفي هذا يروّج - كما يزعم المؤلف - بضاعة أبي هريرة ( التي كان مروان ومعاوية وبنوهما يحاربون بها الحسن والحسين y وأباهما وبنيهما وكانت من أنجع الدعايات في تلك السياسات..) .
لقد سبق أن بينت وجه الحق في هذه الحقائق التاريخية ، وإنما نظر المؤلف إليها بمنظاره الأسود ، من خلال نفسه وآرائه ، فكانت صورة ناطقة عما يدور في ضميره وتنطوي عليه سريرته (2).
__________
(1) أخرجه أحمد 2/447وابن ماجة 658 .
(2) انظر أبو هريرة راوية الاسلام للعجاج ص181-201 .(60/145)
و في (ص50) قال عبد الحسين تحت عنوان "كمية حديثه" قارن المؤلف الخلفاء الراشدون وأبو هريرةy في مجال الحفظ وكثرة الرواية ، فقال: ( وقد نظرنا في مجموع ما روي من الحديث عن الخلفاء الأربعة فوجدناه بالنسبة إلى حديث أبي هريرة وحده أقل من السبعة والعشرين في المائة ..فلينظر ناظر بعقله في أبي هريرة وتأخره في إسلامه وخموله في حسبه وأميته وما إلى ذلك مما يوجب إقلاله ، ثم لينظر إلى الخلفاء الأربعة ! وسبقهم واختصاصهم وحضورهم تشريع الأحكام ....فكيف يمكن والحال هذه أن يكون المأثور عن أبي هريرة وحده أضعاف المأثور عنهم جميعا أفتونا يا اولي الألباب ؟! وليس أبو هريرة كعائشة وان أكثرت أيضا ! ، فقد تزوجها رسول الله قبل اسلام أبي هريرة بعشر سنين ) .
قلت : سوف نفتيك يا أيها العبقري بما تجهله ولا أدري كيف أصبح آية ربما في الجهل ! فهذا الذي زعمته باطل وخطأ فاحش لأسباب أهمها :
1- صحيح أن الصديق والفاروق وذا النورين وأبا الحسن رضي y سبقوا أبا هريرة في صحبتهم وإسلامهم ، ولم يرو عنهم مثل ما روى عنه إلا أن هؤلاء اهتموا بأمور الدولة وسياسة الحكم وأنفذوا العلماء والقراء والقضاء إلى البلدان ، فأدوا الأمانة التي حملوها كما أدّى هؤلاء الأمانة في توجيه شئون الأمة فكما لا نلوم خالد بن الوليد على قلة حديثه عن الرسول لانشغاله بالفتوحات لا نلوم أبا هريرة على كثرة حديثه لانشغاله بالعلم وهل لأحد أن يلوم عثمان أو عبدالله بن عباس- رضي الله عنهم - لأنهما لم يحملها لواء الفتوحات ؟ فكل امرئ ميسر ما خلق له .
2- انصراف أبي هريرة إلى العلم والتعليم واعتزاله السياسية واحتياج الناس إليه لامتداد عمره يجعل الموازنة بينه وبين غيره من الصحابة السابقين أو الخلفاء الراشدينy غير صحيحة بل ذات خطأ كبير. ثم إن عبد الحسين يطعن عليه في هذا المجال في حسبه ونسبه وأميته فهل لهذه النواحي أثر في كثرة الرواية وقلتها ؟ لم يقل بهذا أحد .(60/146)
وما رددنا به عليه بالنسبة لمقارنته بالخلفاء الراشدين- رضي الله عنهم - يرد بالنسبة لمقارنته بالسيدة عائشة رضي الله عنها ونضيف أن السيدة عائشة كانت تفتي للناس في دارها، وأما أبو هريرة فقد اتخذ حلقة له في المسجد النبوي كما كان أكثر احتكاكاً بالناس من السيدة أم المؤمنين رضي الله عنها بصفته رجلا كثير الغدو والرواح ، وأضيف إلى هذا أن السيدة الجليلة كان جل همّها موجها نحو نساء المؤمنين وكان يتعذر دخول كل إنسان عليها ومع هذا فإن المؤلف النزيه لم يكف لسانه عنها بل رأى أنها أكثرت أيضا !! ؟ وهو في هذا يناقض نفسه .
أما أنه يرى حديث أبي هريرة أكثر من حديث السيدة عائشة وأم سلمة وحديث بقية أمهات المؤمنين والحسنين وأمهما- رضي الله عنهم - مع حديث الخلفاء الأربعة- رضي الله عنهم - فقد سبق أن أجبت على ذلك وأضيف أن أم سلمة لم تكن مرجعاً للناس كالسيدة عائشة رضي الله تعالى عنهما وأما الحسنان رضي الله عنهما فهما من صغار الصحابة y وقد اشتغلا في الأمور السياسية فبديهي أن تكون مروياتهما قليلة ومثل هذا يقال في سيدة نساء العالمين أمهما رضي الله عنها التي توفيت بعد وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بستة شهور .فالأمر ليس مهولا يحتاج إلى تفكير أرباب العقول كما ادعى ؟؟ وهل يقصد بأرباب العقول النظام والجاحظ!؟
إن نظرة مجردة عن الهوى تدرك ما وري عن أبي هريرة من الأحاديث لا يثير العجب والدهشة ولا يحتاج إلى هذا الشغب الذي اصطنعه أهل الأهواء وأعداء السنن وان ما وراه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سواء سمعه منه أو من الصحابة لا يشك فيه لقصر صحبته بل إن صحبته تحتمل أكثر من هذا لأنها كانت في أعظم سنوات دولة الاسلام دعوة ونشاطاً وتعليماً وتوجيها في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .(60/147)
فماذا يقول المؤلف الفطن في أحاديث أئمته وثقاته ؟! ، فهذا أحد المعصومين! يسأله رجل عن ستة عشر ألف حديث ؟!، فقد روى الكشي عن رجل قال سألت أبا عبدالله الصادق(ع) عن ستة عشر ألف حديث فأجاب (1). بل أن معصوماً ! كان يجيب عن ثلاثين ألف مسألة وهو طفل لم يبلغ بعد !!! .
ففي الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه قال استأذن على أبي جعفر(ع) قوم من أهل النواحي من الشيعة فأذن لهم فدخلوا فسألوا في مجلس واحد ثلاثين ألف مسألة فأجاب (ع) وله عشر سنين (2) ) !!
وهذا أحد ثقاتك يدخل على المعصوم فيسأله عن أحاديث جابر الجعفي وغرائبه وبلاياه !
فعن زياد بن الخلال قال: اختلف في جابر ين يزيد وعجايبه وأحاديثه فدخلت على أبي عبدالله وأنا أريد أن أسأله عنه فابتدأني من غير أن أسأله فقال: رحم الله جابر بن يزيد الجعفي فإنه كان يصدق علينا (3) .
وانه روى عن الباقر(ع) سبعين ألف حديث!! كان مأمورا بإظهارها وسبعين ألف حديث كان مأمورا بكتمانها ) !! (4).
وفي رواية تسعين ألف حديث.....(5).
قال الطوسي ما نصه: ( وذكر علماء الرجال أن أبان بن تغلب روى عن الباقر(ع) ثلاثين ألف حديث!! (6). وأن محمد بن مسلم روى عنه أيضاً ثلاثين ألف حديث!! وعن الصادق(ع) ستة عشر ألف حديث!! (7).
فلماذا هذا الجهل أو التدليس ؟! .
__________
(1) القطرة 1/ 208 .
(2) القطرة 1/ 248 .
(3) دلائل الامامة ص 131 .
(4) الفوائدص 262 ، الكشي ص 194 .
(5) روضة الكافي ص 138 - 139 ، اللئالي 2/20 ، مدينة المعاجز 5/44 باب الثالث والثلاثون شبه الجنون الذي إعتى جابر من حمله سبعين ألف حديث له - (ع) ، الأنوار 3/275 ، القطرة 1/ 201 ، حلية الأبرار 1/13، وانظر ما قاله صاحب الزام الناصب 2/265 .
(6) الفوائد ص 262 ، النجاشي ص 535 .
(7) الفوائد ص 262 ، الكشي ص 163 - 167 .(60/148)
أما طعن عبد الحسين في حديث الوعائين وتهكمه على أبي هريرة t واستهزاؤه مما بما في وعائه من العلم الذي لم ينشره وتساؤله عن ذلك العلم ..
فضائل أبو هريرة t :
أقول: مهما كان أبو هريرةt من العبقرية فإنه لا يستطيع أن يروي (5374) حديثاً في أربع سنين وأن ينقلها كما سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن الحتم أن هناك سراً لهذا الأمر العجيب !! ما هو هذا السر ؟! اسمع يا " عبد الحسين " واعجب ! .
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لثلاثة من أصحابه بالفقه والعلم وعدم النسيان وهم أبا هريرة وعلي وابن عباس y. فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة حينما اشتكى أبا هريرة من نسيان ما يحفظ من أحاديثه- صلى الله عليه وسلم - ، قلت : يا رسول الله ..أسمع منك أشياء فلا أحفظها ؟ قال: ابسط رداءك ...فبسطت ...فحدّث حديثاً كثيراً فما نسيت شيئاً حدثني به .
ودعا لعلي t حينما أرسله إلى اليمن ليقضي بينهم ، فشكى للنبي - صلى الله عليه وسلم - من النسيان فدعا له - صلى الله عليه وسلم - . وأيضا دعا - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس t بالحفظ والعلم والفقة .
وهكذا تحققت معجزة النبي- صلى الله عليه وسلم - في استجابة دعائه لهؤلاء الثلاثة . ها هنا السّر يا "عبد الحسين" ! .
إنها معجزة ..ليست معجزة جاء بها أبو هريرة ...فليس لأبي هريرة معجزات!! وإنما معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تلك اللحظة الفاصلة المباركة ..ما نسى أبو هريرة حديثاً سمعه من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .
وهذا مما ذكرها أولياؤك في مؤلفاتهم في معجزات النبي- صلى الله عليه وسلم - و استجابة دعائه، فمن ذلك ما أوردها الراوندي في خرائجه وشهراشوب في مناقبه و المجلسي في بحاره.(60/149)
ففي المناقب في استجابة دعواته- صلى الله عليه وسلم - : قال أمير المؤمنين(ع): بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فقلت: يا رسول الله بعثتني وأنا حدث السن ولا علم لي بالقضاء ، قال رسول الله: فانطلق فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك ، قال علي (ع): فما شككت في قضاء بين اثنين (1) .
وفي كمال الدين عن أبي طفيل ، عن أبي جعفر(ع) قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لأميرالمؤمنين(ع): أكتب ما أملي عليك، قال: يا نبي الله أتخاف عليّ النسيان ؟ فقال: لست أخاف عليك النسيان ،وقد دعوت الله لك أن يحفظ ولا ينسيك ..(2) .
وفي الخرائج في معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والبحار في باب معجزاته - صلى الله عليه وسلم - و استجابة دعائه: " أنه قال لابن عباس وهو غلام : " اللهم فقهه في الدين ،وعلمه التأويل فكان فقيهاً ، عالماً بالتأويل (3).
فخرج بحرا في العلم وحبرا للأمة .
وفي الخرائج "في معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -" : أن أبا هريرة قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - : إني أسمع منك الحديث الكثير أنساه . قال : أبسط رداك كلّه وقال: فبسطته، فوضع يده فيه ، ثم قال: ضمّه . فضممته ، فما نسيت حديثا بعده (4).
__________
(1) المناقب 1/74 شهر أشوب في استجابة دعواته - صلى الله عليه وسلم - .
(2) كمال الدين 1/199 .
(3) الخرائج 1/75 - 85 في معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، البحار 18/18 باب معجزاته - صلى الله عليه وسلم - في استجابة دعائه ، المحجة البيضاء 2/253 و8/86 و1/93 و 5/43 ، المناقب 1/74 شهر أشوب في استجابة دعواته - صلى الله عليه وسلم - .
(4) الخرائج 1/75 في معجزات نينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، البحار 18/13 في باب معجزاته - صلى الله عليه وسلم - في استجابة دعائه.(60/150)
وفي المناقب في استجابة دعواته - صلى الله عليه وسلم - : أبو هريرة : أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم - بتميرات فقلت: أدع لي بالبركة فيهن ، فدعا ثم قال: جعلهن في المزود ، قال: فلقد حملت منها كذا وكذا وسقا (1) .
وفي البحار عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: أصابنا عطش في الحديبية ، فجهشنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فبسط يديه بالدعاء فتألق السحاب،وجاء الغيث فروينا منه (2)
وفي المناقب: " وروى أبو هريرة في أصحاب الصفة وقد وضعت بين أيديهم صحفة فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده فيها فأكلوا ويقيت ملأى فيها أثر الأصابع (3).
وفي المناقب والخرائج في معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - : "قال أبو هريرة : أتيت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - بتميرات فقلت له ادع الله لي بالبركة يا رسول الله قال فوضعهن في يده ثم دعا بالبركة قال فجعلتها في جراب فلم نزل نأكل منه ونطعم وكان لا يفارقني(4) .
فكل هذه المناقب قد ذكرها العلماء وليس أدعياء العلماء من قبل ، فلماذا هذا الجهل ؟! إن هذه القصة تؤكد أن هناك تدبيراً إلهياً ليحول بين أبي هريرة وبين التشاغل بالدنيا ليتخصص ويتفرغ تفرغاً تاماً لأمر الذي أريد أن يتفرغ له ...
أبو هريرة يأتي بتمرات ..تمرات معدودة ويقول : يا رسول الله ادع الله فيهن بالبركة !! .
__________
(1) المناقب 1/74 شهر أشوب في استجابة دعواته - صلى الله عليه وسلم - .
(2) البحار18/5 .
(3) المناقب 1/90 لشهر آشوب في تكثير الطعام والشراب .
(4) المناقب 1/90 لشهر آشوب ،الخرائج 1/55 " في معجزات نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم - "(60/151)
لاحظ هنا مطلب أبي هريرة ..وأن المخاطب هو أعلى الأنبياء وسيد الرسل . فلو كان الخير في توجيه أبي هريرة إلى الكدح في سبيل لقمة العيش لوجهه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك ولكن استجاب له رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا إشارة إلى أن الخير بالنسبة إلى أبي هريرة أن يعفى من كدح القوت ليتفرغ لكدح أعلى ..الكدح في سبيل العلم ونشر العلم ، وإن كدح القوت أهون وأيسر كثيراً من كدح العلم فليس أثقل على النفس من طلب العلم ولولا ذلك لكان جميع " الصعاليك" آيات وعلماء! بل أن العلماء ، وليس " أدعياء العلماء " بينوا أن ما عند أبي هريرة مما لم ينشر لا يتعلق بالأحكام أو الآداب وليس مما يقوم عليه أصل من أصول الدين بل بعض أشراط الساعة أو بعض ما يقع للأمة من الفتن (1) ، ويدل على ذلك حديثه الذي ذكر بعضه لمؤلف الأمين!! ولم يذكر تعليق راوية الذي يبين قصد أبي هريرة قال أبوهريرة: " لو حدثتكم بكل ما في جوفي لرميتموني بالبعر. قال الحسن - راوي الحديث عن أبي هريرة -: صدق ، والله لو أخبرنا أن بيت الله يهدم أو يحرق ما صدقه الناس !!؟ ، وأبو هريرة ليس بدعاً في قوله فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يختص بعض أصحابه بأشياء دون الآخرين من هذا حديثه لمعاذ بن جبل t :" ما أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار". قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال: " إذا يتكلوا " (2)، وأخبر به معاذ عند موته تأثما خوفا من أن يكون قد كتم العلم ولم يكن معاذ ولي عهده ولا خليفته من بعده فالأمر لا يحتاج إلى ولاية عهد ولا إلى وصاية فلم ينكر " الكاتب " مثل هذا على أبي هريرة t ولا ينكره على غيره ؟ ثم ليعرف المؤلف الذي أساء كثيراً إلى أبي هريرة وشتمه وكال له السباب كيلا - أن كتمان أبي هريرة لهذا الوعاء لم
__________
(1) راجع فتح الباري1/227 .
(2) فتح الباري 1/236 .(60/152)
يكن لخوفه إلا يسمع الناس له لمهانته وضعفه فيرموه بالبعر والمزابل بل لأنه أراد أن يحدث الناس على قدر عقولهم وأن يخاطبهم بما يفهمونه ويعرفون وبذلك أوصى أمير الؤمنين عليt (1).
أما قول أبي هريرة t: أن أبا هريرة لا يكتم ولا يكتب فلا يتعارض مع حديث الوعاءين لأن أبا هريرة لا يكتم العلم النافع الضروري وما كتمه أبو هريرة لم يكن من هذا ، بل كان بعض أخبار الفتن والملاحم وما سيقع للناس مما لا يتوقف عليه شيئ من أصول الدين أو فروعه .
و أما استهزاءه بقول أبي هريرة t: ( لو حدثتكم بكل ما في جوفي لرميتموني بالبعر أو الأحجار ..) .
قلت: إذا كان كذلك فاستمع في حفظ وعلوم أهل البيت !!
ونقل علامتهم آية الله ملا زين الكلبايكاني في (كتابه أنوار الولاية ص372) : وعن أمير المؤمنين (ع) مشيراً إلى صدره: أن هاهنا لعلوماً جمة لو وجدت لها حملة . وقال (ع) أيضاً ما معناه: إنّ في صدري علماً لو أبرزته لكم لاضطربتم كاضطراب الحبل الطويل في بئر الماء العميق . وعنه (ع) أيضاً: لو فسّرت لكم قوله تعالى{ اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } (2) لرجمتموني.
وقال سيد الساجدين (ع) :
إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى الحق ذو جهل فيقتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين و أوصى قبله الحسنا
يارب جوهر علم أو أبوح به لقيل فيّ أنت ممن يعبد الوثنا
ولا استحلّ رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا .
فيمكن أن نجيبه بنفس العقلية فهذا أحد رواتك الذي أثنيت عليه في مراجعاتك الملفقة يحلف دون حياء أنه لو حدث بكلّما سمعه من جعفر الصادق لانتفخت ذكور!! الرجال على الخشب ! .
__________
(1) فتح الباري 1/235 .
(2) الطلاق الآية 12 .(60/153)
فقد روى الكشي في رجاله بإسناده عن محمد بن زياد أبي عمير عن علي بن عطية عن زرارة قال : والله لو حدثت بكلّما سمعته من أبي عبد الله(ع) لأنتفخت ذكور الرجال على الخشب (1) ).
و أما استشهاده بقول أبي هريرة t: " ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبدالله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" ، وبمرويات ابن عمرو التي لا تتجاوز سبعمائة حديث - على أن ابن عمرو أكثر من أبي هريرة حديثاً وأن أباهريرة بذلك يقر ويعترف بتقوله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل - فهو استشهاد في غير موضعه ، بنى على تصور خاطىء وفهم للحديث على خلاف الواقع .
إن الحديث يدل على أن عبد الله بن عمرو كان أكثر أخذاً للحديث من أبي هريرة ، لأنه كان يكتب وأبو هريرة لا يكتب . ويحتمل أن يكون قول أبي هريرة هذا في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم - قبل أن يدعو له بالحفظ وكان يعيده في كل مناسبة تقع له وإذا استبعدنا هذا الفرض فكل ما في الأمر أن عبدالله بن عمرو حمل من الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أكثر من أبي هريرة إلا إنه لم يتيسر له نشره لأسباب نبينها بعد قليل.
ولابن حجر رأى أبينه فيما يلي : قال:" قوله : فإنه كان يكتب ولا أكتب " هذا استدلال من أبي هريرة على ما ذكره من أكثرية ما عند عبدالله ابن عمرو بن العاص على ما عنده ويستفاد من ذلك أن أبا هريرة كان جازما بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثاً عن النبي- صلى الله عليه وسلم - منه إلا عبدالله مع أن الموجود المروي عن عبدالله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة فإن قلنا : الاستثناء منقطع فلا اشكال إذ التقدير: لكن الذي كان من عبدالله - وهو الكتابة - لم يكن منى سواء لزم منه كونه أكثر حديثا لما تقتضيه العادة أم لا وإن قلنا الاستثناء متصل فالسبب فيه من جهات :
__________
(1) رجال الكشي ص134 ترجمة زرارة بن أعين .(60/154)
أحدها: أن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فقلت الرواية عنه.
ثانيها : إن أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار كان بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة اليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة وكان أبوهريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة فقد ذكر البخاري انه روي عنه ثمانمائة نفس من التابعين ولم يقع هذا لغيره .
ثالثها: ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بان لا ينسى ما يحدثه به .
رابعها: أن عبدالله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الاخذ عنه لذلك كثير من ائمة التابعين (1).
أضيف إلى هذا أن عبدالله بن عمرو كان يتنقل بين مصر والشام والطائف وكثيرا ما كان يتردد على الطائف ليشرف على الوهط ( الكرم) الذي كان لأبيه وقد ساومه معاوية بن أبي سفيان من اجله على مال كثير فأبى أن يبيعه بشئ وقد عزا بعضهم التنافر الذي كان بينهما الى هذه الحادثة .
__________
(1) فتح الباري 1/217 .(60/155)
ولابد هنا من أن أبين أن عبدالله بن عمرو لم يفسح له مجال التحديث في عهد معاوية وابنه يزيد لانه لم يكن على وفاق دائم مع معاوية وربما منعه معاوية وابنه من ذلك ، ما رواه الإمام أحمد من طريق شهر قال: إن عبدالله بن عمرو علىنوف البكالي وهو يحدّث فقال حدث فأنا قد نهينا عن الحديث قال : ما كنت لأحدث وعندي رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم من قريش. وقول عبد الله بن عمرو " أنا قد نهينا عن الحديث" لا يريد به نهى ما يظنه أعداء السنة أن هذا النهي من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إنما يريد به نهي معاوية وابنه يزيد كما بينته رواية ثانية فيها:" فجاءه رسول يزيد بن معاوية أن أجب فقال: هذا ينهاني ( أن ) احدثكم كما كان أبوه ينهاني فربما فعل ذلك يزيد أيضا مخافة أن يؤلب عبدالله الناس على بني امية . تلك اسباب هامة في قلة روى (هكذا) عن عبدالله بن عمرو بن العاص بالنسبة لما تحمله عن الرسول تنفي ما زعم عبد الحسين من : ( أن أباهريرة إنما اعترف لعبدالله في أوائل أمره بعد رسول الله(ص) حين لم يكن مفرطاً هذا الافراط الفاحش فانه إنما تفاقم افراطه وطغى على عهد معاوية ).
قلت: وإن قلّة مرويات عبدالله بن عمرو لم تعد تثير أي شك أو تدخل أية شبه علىمرويات أبي هريرة الكثيرة بالرغم من تصريحه عن كثرة حديث ابن عمرو بعد أن عرفنا تلك الاسباب التي كان لها اثر بعيد في قلة مروياته ..." (1).
أما إنكار عبد الحسين بعض الأحاديث الصحيحة التي رواها أبو هريرة بقوله : (ألم يحدث بنوم النبي ! عن صلاة الصبح ؟ وعروض الشيطان له وهو في الصلاة ليقطعها عليه ؟ ألم يرو انه سهى فصلّى الرباعية ثنائية ...ألم يتسور على آدم ونوح وابراهيم وعيسى بما يجب تنزيههم عنه ؟ ).
__________
(1) انظر أبو هريرة راوية الاسلام ص205-210 .(60/156)
قلت : يبدو أن المؤلف الفطن لم يجد ثغرة ينفذ منها ، أو ثلماً يدس فيه هواه، بعد أن رددنا مزاعمه السابقة بالحجج الدامغة ، فانهار ما ادعاه أمام الصرح الشامخ الذي يحمي عدالة أبي هريرة ، وتحطمت سهامه الواهية على الحصن المنيع الذي بناه أبو هريرة بصدقه وأمانته واستقامته، فراح يشكك الناس في مرويات أبي هريرة ، ويستشهد ببعض الأحاديث التي وردت في الصحيحين عنه ، متخذاً طعنه في أبي هريرة وتجريحه إياه ، مطية وذريعة للتشكيك في ما ورد في الصحيحين عامة ، يريد من قرائه بل من الناس جميعاً أن لا يثقوا بالكتب التي أجمعت الأمة على صحتها ، وتلقتها بالقبول ، ولكن هل نسيت أيها المؤلف العبقري إن هذه الأحاديث أيضاً قد روواها أئمتك المعصومين في كتبك التي أثنيت عليها في مراجعاتك الملفقة أم تناسيت؟!!، ألم يحدثوا أئمتك بنوم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الصبح ؟ وعروض الشيطان له وهو في الصلاة ليقطعها عليه ؟ ألم يروو أنه سهى- صلى الله عليه وسلم - فصلّى الرباعية ثنائية ...ألم يتسوروا على آدم ونوح وابراهيم وعيسى وموسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بما يجب تنزيههم عنه ؟ كخرافات إنكار الأنبياء عليهم السلام ولاية علي المزعومة وإخراجهم من الجنة وحبسهم وتعذيبهم وتحميل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذنوب الشيعة ....و...و ...و إلى آخر هذه الأحاديث المزعومة التي مرّت وسيأتي بيان بعضها إن شاء الله تعالى .
وفي (ص59) قال عبد الحسين تحت عنوان " كيفية حديثه " أورد هذا "المؤلف" أربعين حديثاً من الأحاديث زعم أن أبا هريرة t إنفرد بها واستنكرها ، فقال ما نصه: ( الأذواق الفنية لا تسيغ كثيرا من أساليب أبي هريرة في حديثه والمقاييس العلمية عقلية ونقلية لا تقرها . وحسبك عنوانا لهذه الحقيقة أربعون حديثا صحت عنه، اتلوها الآن عليك فيها وفيما علقناه عليها متحررا متجردا، ولك بعد ذلك رأيك).(60/157)
قلت : لم يجد المؤلف" العبقري" إلى ذلك سبيلا، إلا أن يذكر بعض الأحاديث التي تتعلق بالأمور الغيبية ، ويحاول أن يحكم العقل البشري فيها ، يوازن بينها وبين الواقع ، من ذلك حديث خلق آدم فيحمل ألفاظه ما لا تحتمل ، ويفسره تفسيراً لا يقبله العقل والذوق السليم ، ويسوق غيره من الأحاديث التي تتناول بعض أحوال يوم القيامة ، كرؤية الله تعالى، وتكلم النار والجنة وينكرما جاء في حديث استجابة الله تعالى الدعاء في الثلث الأخير من كل ليلة ويحمل ألفاظه ما لا تحتمل .
لقد دأب المؤلف على تلقف المشاكل والطعون والعمل جاداً على النفخ فيها حتى يصير من الحبة قبة ولكنها لا تلبث أمام البحث العلمي الأصيل أو تزول كما تزول الفقاقيع من على وجه الماء ، ولم يخطر بباله أن يشذ ولو مرة واحدة فيذكر بعض المحاسن - وما أكثرها- في أحاديث أبي هريرة ، ولكنه لم يفعل وذلك لحاجة في نفسه!! ، و من عجيب أمره أنه يتلقف الإشكالات ويزيدها استشكالا ، ويأبى عليه سوء مقصده أن يذكر ولو بعض ما ذكره العلماء الأثبات في رد هذه الاستشكالات ولاسيما ما يتعلق منها بالأحاديث الصحيحة المروية في الصحيحين أو أحدهما ، بل ويأبى عليه سوء مقصده أن يذكر هذه الأحاديث من طرق من يعتقد أنهم أئمة معصومين !(60/158)
فهل تناسى هذا المؤلف أن نفس هذه الأحاديث التي استنكرها على أبي هريرةy قد رواها ثقاته من طرق من يعتقدون فيهم العصمة المطلقة ، فأمره لا يخلو من أمرين أحلاهُما مُرْ ، لأنه إما أن يكون لم يطلع على كتب الحديث عنده " كالكتب الأربعة " و ما كتبه الأئمة الشراح للأحاديث في هذا وهو تقصير وجهل أو أنه يريد الدليس! ، وإما أن يكون اطلع عليها ورأى أنها لا تسعفه بل وترد عليه فيما يهدف إليه فآثر طيها، وهذا خيانة وتقية وتلبيس إبليس !! لذلك سوف أقوم بتخريج هذه الأحاديث التي رواها أبو هريرة والتي استنكرها هذا المؤلف الفطن المتلبس بلبوس التقية والتدليس من غير طريق أبي هريرة ، أي من طرق من يعتقد أنهم أئمة معصومين لأنهم يزعمون كما يقول عالمهم كاشف الغطاء في " أصل الشيعة(ص79):( أنهم لا يعتبرون من السنة إلا ما صح لهم من طرق أهل البيت عن جدهم يعني ما رواه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن أبيه أمير المؤمنين عن رسول الله سلام الله عليهم جميعاً، أما ما يرويه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب و مروان ابن الحكم وعمران بن حطان الخارجي وعمرو بن العاص ونظائرهم فليس عند الإمامية من الإعتبار مقدار بعوضة ).
لكي يتبين للشيعي قبل السني مدى دجل وكذب هذا المؤلف التقي الذي يزعم أنه بالغ في التفتيش والبحث!! .
عرض الأحاديث التي استشكلها عبد الحسين والجواب عنها :
ونختصر في هذا المقام أيها القارئ على بعض هذه الأحاديث مع تخريجها من طرق الفريقين وثم أقوال شراح أهل الحديث من الفريقين بإختصار .
استنكار عبد الحسين حديث "خلق الله آدم على صورته "(60/159)
أولاً : ففي(ص59) أورد عبد الحسين حديث "خلق الله آدم على صورته": أخرج الشيخان البخاري ومسلم من طريق عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ بن منبه قال: هذا ما حدّثنا به أَبو هُرَيْرَةَ عَنِ رسول الله(ص) قَال:َ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وزاد أحمد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً : في سبعة أذرع عرضاً قال: فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وطوله ستون ذراعاً ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ (1) ... .
__________
(1) أخرجه البخاري في الاستئذان وأحاديث الأنبياء ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها .(60/160)
وأخذ المؤلف يصول ويجول ويشكك في هذا الحديث النبوي الشريف قائلا:(وهذا مما لا يجوز على رسول الله(ص) ولا على غيره من الأنبياء ولا على أوصيائهم(1) (ع). ولعل أبا هريرة إنما أخذه عن اليهود(2) بواسطة صديقه كعب الأحبار أو غيره ، فإن مضمون هذا الحديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الاصحاح الأول من اصحاحات التكوين من كتاب اليهود - العهد القديم - وإليك نصها بعين لفظه قال: فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم .
تقدس الله عن الصورة والكيفية والشبيه ، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ... ومرة رواه بلفظ : إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته ) (3).
قلت : ونختصر لرد على مفتريات وأباطيل عبد الحسين، إن هذا الحديث رواه قومك بطرقهم الخاصة عن من يعتقدون فيهم العصمة المطلقة، ونحن لا يسعنا إلا كشف تدليسه..يزعم أنه بالغ في الفحص وأغرق في التنقيب عن أحاديث أبي هريرة حتى أسفر وجه الحق وظهر صبح اليقين ، فلم يجد إلا الأنكار عليه ، سبحان الله ما أتقاه ! .
__________
(1) لا يوجد في الدين الاسلامي شيء اسمه "الوصاية " فالوصاية أو " الوصي " هو من مخترعات ابن سبأ، فهو أول بدأ يشيع القول بأن الإمامة هي وصاية من النبي ومحصورة بالوصي وإذا تولاها غير الوصي يجب البراءة منه وتكفيره " ، فلسنا بحاجة إلى هذه العقيدة اليهودية !
(2) قال " الحاقد " في هامش الصفحة ما نصه :( وكان في كثير من حديثه عيالا على اليهود ، ألا تراه يرسل قوله: إن سيحان وجيحان والفرات ونيل مصر كلها من الجنة ...وهذا مأخوذ عن العهد القديم ) .
(3) قال " الحاقد " اخرجه البخاري في الأدب المفرد ورواه أحمد بالطرق الصحيحة عن أبي هريرة ص434 من الجزء الثاني من مسنده .(60/161)
لقد أثبت صحة هذا الحديث الخميني في كتابه "زبدة الأربعين حديثاً" (ص264) الحديث الثامن والثلاثون بعنوان " أن الله خلق آدم على صورته" والذي أورد من طريق أهل البيت حجج الله على خلقه حسب اعتقادهم، وإليك نص الحديث:
فعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(ع) عما يروون أن الله- عز وجل -خلق آدم على صورته فقال: هي صورة محدثة مخلوقة ، اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه فقال تعالى: { بيتي } وقال: { ونفخت فيه من روحي}، ثم قال الخميني: ( وهذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين السنة والشيعة، ويستشهد به دائماً، وقد أيّد الإمام الباقر(ع) صدروه وتولّى بيان المقصود منه ) (1) .
__________
(1) وللمزيد انظركتاب التوحيد للصدوق ص 103ح18، مصابيح الأنوار 1/206-207،علم اليقين 1/46، العوالي 1/53، تفسير القرآن 1/107وص187وص191وص235و3/503وص524 و 4/173وص383و6/47،المحجة 7/43وص 47و8/26 ، تفسير الكنز 5/244، الكافي 1/134ح4 " باب الروح" تفسير الميزان 12/174 .(60/162)
وقد علق شيخهم محمد الكراجكي في "كنز الفوائد تحت عنوان " تأويل الخبر" ما نصه: ( إن سأل سائل ، فقال: ما معنى الخبر المروي عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الله تعالى خلق آدم على صورته ، أوليس ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه له تعالى بخلقه ، فإن لم يكن على ظاهره ، فما تأويله ؟ : الجواب: قلنا : أحد الأجوبة عن هذا أن تكون الهاء عائدة إلى الله تعالى ، والمعنى أنه خلق على الصورة التي أختارها ، وقد يضاف الشيئ إلى مختاره . ومنها أن تكون الهاء عائدة إلى آدم ، ويكون المراد أن الله تعالى خلقه على صورته التي شوهد عليها ، لم ينتقل إليها عن غيرها كتنقل أولاده الذي يكون أحدهم نطفة ثم علقة مضغة ،ويخلق خلقا من بعد خلق ، ويولد طفلا صغيرا ثم يصير غلاما ثم شابا كهلا ، ولم يكن آدم (ع) كذلك ، بل خلق على صورته التي مات عليها .
و منها ما رواه الزهري عن الحسن قال مرّ النبي برجل من الأنصار وهو يضرب وجه الغلام له ويقول : قبح الله وجهك ووجه من تشبهه ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : بئسما قلت ، إن الله خلق آدم على صورته ، يعني صورة المضروب . وهذه أجوبة صحيحة والحمد لله) (1).
فهل " عبد الحسين " أعلم من الخميني ؟! أم من الشيخ الكراجكي ؟! أم يريد أن يعلم الخميني و الشيخ الكراجكي وأمثاله علم الحديث ؟!! .
__________
(1) كنز الفوائد للكراجكي 2 /167 - 168 .(60/163)
وقال شيخهم المحقق السيد هاشم الحسيني معلق كتاب التوحيد عند شرحه لهذا الحديث ما نصه:( هذا الكلام وجوه محتملة : فان الضمير إما يرجع إلى الله تعالى فالمعنى ما ذكره الإمام (ع) هنا على أن يكون الاضافة تشريفية كما في نظائرها أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صفته في مرتبة الامكان وجملة قابلا للتخلق باخلاقه ومكرما بالخلافة الاليهة ، وإما يرجع إلى آدم (ع) فالمعنى أنه تعالى خلق جوهر ذات آدم على صورته من دون دخل الملك المصور للأجنة في الأرحام كما لا دخل لغيره في تجهيز ذاته و ذات غيره أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته هذه من ابتداء أمره ولم يكن لجوهر جسمه انتقال من صورة إلى صورة كالصورة المنوية إلى العلقة إلى غيرهما ، أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته التي قبض عليها ولم يتغير وجهه وجسمه من بدئه إلى آخر عمره ، وإما يرجع إلى رجل يسبه رجل آخر كما فسر به في الحديث العاشر والحادي عشر من الباب الثاني عشر فراجع ) (1) .
و أخرج الصدوق بإسناده عن أبي الورد بن ثمامة عن علي (ع) قال: سمع النبي- صلى الله عليه وسلم - رجلا يقول لرجل : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال: مه، لا تقل هذا ، فإن الله خلق آدم على صورته (2).
قال الصدوق في شرح الحديث ما نصه: ( تركت المشبهة من هذا الحديث أوّله و قالوا: إن الله خلق آدم على صورته ، فضلوا في معناه وأضلوا ) .
مسكين( عبد الحسين ) كم مرة يستعمل التقية والكذب والدجل فلا يفلح أبداً! يقول تقية أن :( أبا هريرة إنما أخذه عن اليهود بواسطة صديقه كعب الأحبار أو غيره ، فإن مضمون هذا الحديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الاصحاح الأول من اصحاحات التكوين من كتاب اليهود ) .
فهل الخميني والأئمة من أهل البيت أخذوا عن اليهود بواسطة كعب الأحبار؟!!
أو غيره ؟! نعوذ بالله من هذا الاثم والبهتان .
__________
(1) التوحيد ص103 .
(2) التوحيد ص 152 ح 10 .(60/164)
أربعة فطاحل يروون الحديث ويأبى " عبد الحسين " إلا أن يتحامل على أبي هريرة- رضي الله عنه - دحضاً للحق ونصرة للباطل!ولكن هل يستحي" آية الكذب والدجل " ؟! بالطبع لا ، فيقول دجلا : ( على أن أبا هريرة قد تطور في هذا الحديث كما هي عادته فتارة رواه كما سمعت ، وتارة رواه بلفظ : إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته،ومرة رواه بلفظ: إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته ) .
فاستمع إلى هذه الرواية الذي أخرج الصدوق بإسناده عن الحسين بن خالد ، قال: قلت للرضا(ع): يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله قال: إن الله خلق آدم على صورته ، فقال: قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ، إن رسول الله مرّ برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه ، قبح الله وجههك ووجه من يشبهك ، فقال: يا عبدالله لا تقل هذا لأخيك ، فإن الله- عز وجل - خلق آدم على صورته(1).
فلماذا يا عبد الحسين لم تنكر على أئمتك في روايتهم لهذا الحديث بعينه؟!!
ولماذا لم تنكر على رواتك كمحمد بن مسلم والحسين بن خالد، وأبي الورد بن ثمامة وغيرهم ، تزعم أنك بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب عن أحاديث أبي هريرة حتى أسفر وجه الحق وظهر صبح اليقين ، فلم تجد إلا الإنكار عليه !! ، أليس هذا من الكذب والدليس على المسلمين ؟! .
__________
(1) التوحيد ص 152 - 153 ح 11 ، عيون أخبار الرضا 1/ 120 ، الأنوار النعمانية 1/234، الاحتجاج 2/192 .(60/165)
ومن هنا تدرك أيها القاري مدى تدليسه وكذبه، وما لفقه من تهم باطلة ، فهو يعلم موضع هذه الأحاديث وأقوال علماء الحديث عنده ، لأنه يعتبر من كبار مجتهدي الشيعة، ومن وصل إلى درجة الاجتهاد عندهم لابد وأن قرأ كل الكتب،ككتب علم الكلام والحديث والتفسير والرجال والنحو ، و...، وإلا لما لقب " بآية الله " عندهم ، ولكن هذا" الآية " يريد فقط أن ينتقم من أبي هريرة ويشفي غليله وحقده الأسود ، ولو أدى ذلك إلى الطعن في أئمته المعصومين، وعلمائه ، فهو يظن أن كل الناس مغفلين ! مثله ، لا يقرأون ولا يريدون أن يجهدوا أنفسهم عناء البحث والتنقيب .
وأما قوله تحت عنوان تنبيهان :( أنه إذا كان طول آدم ستين ذراعاً يجب مع تناسب أعضائه أن يكون عرضه سبعة عشر ذراعاً وسبع الذراع ، وإذا كان عرضه سبعة أذرع يجب أن يكون طوله أربعة وعشرين ذراعاً ونصف الذراع لأن عرض الانسان مع استواء خلقه بقدر سبعي طوله فما بال أبي هريرة يقول طوله ستون ذراعاً في سبعة أذرع عرضاً ؟ فهل كان آدم غير متناسب في خلقته مشوهاً في تركيبه ؟ كلا!
بل قال الله تعالى وهو أصدق القائلين { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَنَ فىِ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } .
قلت: إن هذا الحديث قد رواه ثقتك الكليني في كافيه الذي تقول أنه أفضل وأتقن الكتب الأربعة عن أئمتك الذي تعتقد فيهم العصمة وبأنهم أفضل من الأنبياء!!(60/166)
ففي روضة الكافي(ص 195 ح 308) بإسناده عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب ، عن مقاتل بن سليمان قال سألت أبا عبدالله (ع) كم كان طول آدم - عليه السلام -حين هبط به إلى الأرض وكم كان طول حواء ؟ قال وجدنا في كتاب علي بن أبي طالب (ع) إن الله - عز وجل - لما أهبط آدم وزجته حواء عليها السلام إلى الأرض كانت رجلاه بثنية الصفا ورأسه دون أفق وإنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس فأوحى الله - عز وجل - إلى جبريل - عليه السلام - إن آدم قد شكا ما يصيبه من حر الشمس فأغمزه وصير طوله سبعين ذراعاً بذراعه وأغمز حواء غمزة فيصير طولها خمسة وثلاثين ذراعاً بذراعها .
فهذا إمامك المعصوم يقول :" إن رجلي آدم كانت بثنية الصفا ورأسه دون الأفق ! بل يقول: إنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس .. فأغمزه وصير طوله سبعين ذراعاً ! ، فهل كان آدم غير متناسب في خلقته مشوهاً في تركيبه ؟
إن علماءك عدّوا هذا الحديث من مشكلات الأخبار !! .
قال نعمة الله الجزائري في قصص الأنبياء (ص35) ما نصه: ( أقول هذا الحديث عده المتأخرون من مشكلات الأخبار من وجهين .... ) .
ثم بين الجزائري هذين الوجهين، فراجعهما .
كما أن السيد عبدالله شبر قد شرح هذا الحديث الشريف في كتابه " مصابيح الأنوار(1/405) في حل مشكلات الأخبار" من عشرة وجوه ، فراجعها إن شئت .
159
كما أن المجلسي في مرآته (26/171- 177 ) شرح هذا الحديث من عدة وجوه، قال:( إعلم إن هذا الخبر من المعضلات التي حيرت أفهام الناظرين والعويصات التي رجعت عنها بالخيبة أحلام الكاملين والقاصرين ) .
استنكار عبد الحسين " رؤية الله يوم القيامة "(60/167)
ثانياً: وفي (ص64) أورد عبد الحسين حديث رقم (2) " رؤية الله يوم القيامة بالعين الباصرة في صور مختفلة" أخرج الشيخان الإسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ أُنَاس:ٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا:لا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ. يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَبِهِ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ(60/168)
بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ فَلا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ فَيَقُولُ لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا رَبِّ قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَلا يَزَالُ يَدْعُو فَيَقُولُ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ثُمَّ يَقُولُ أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ فلا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ (الله)!؟ فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا(60/169)
قِيلَ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى ثُمَّ يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الْأَمَانِيُّ فَيَقُولُ لَهُ هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ (1) .
ثم أخذ المؤلف يصول ويجول مفنداً هذا الحديث النبوي الشريف قائلا: ( وهذا حديث مهول الفت إليه أرباب العقول فهل يجوز عندهم أن تكون لله صورة مختلفة ينكرون بعضها ويعرفون البعض الآخر ؟ وهل يرون ان لله ساقا تكون آية له وعلامة عليه ؟ وبأي شيء كانت ساقه علامة دون غيرها من الأعضاء ؟ وهل تجوز عليه الحركة والانتقال فيأتيهم أولا وثانيا وهل يجوز عليه الضحك؟ وأي وزن لهذا الكلام)؟
قلت: إن المؤلف مقصده الرد على أهل السنة الإنكار عليهم في معتقدهم رؤية الله يوم القيامة ، وليس مقصده كما يتخرص في مقدمة كتابه " تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لايحتمله العقل من حديث أبي هريرة " لذلك ألف كتاباً مستقلا في الرد عليهم سماه " كلمة حول الرؤية " ، فغرض المؤلف الرد على أهل السنة إذ أنه يعلم أن حديث رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين رواه أكثر من عشرين صحابياً عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولكنه اتخذ أبا هريرة دهليزاً له !! وهذا هو غرضه كما بينت في مقدمة الكتاب ، على كل حال نرد في عجالة على شبهات المؤلف فقوله :( هل يجوز عندهم أن تكون لله صورة مختلفة ينكرون بعضها ويعرفون البعض الآخر )؟
__________
(1) أخرجه البخاري من كتاب الرقاق ومسلم من كتاب الايمان .(60/170)
قلت : قال ابن الجوزي : اعلم أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الصورة التي هي هيئة وتأليف. وقال ابن حجر نقلا عن ابن بطال: تمسك به - أي بهذا الحديث - المجسمة فأثبتوا لله صورة ، ولا حجة لهم فيه لاحتمال أن يكون بمعنى العلامة وضعها الله لهم دليلا على معرفته كما يسمى الدليل والعلامة صورة وكما تقول صورة حديثك كذا وصورة الأمر كذا والحديث والأمر لا صورة لهما حقيقة ، وأجاز غيره أن المراد بالصورة الصفة ...
ونقل ابن التين : أن معناه صورة الاعتقاد ، وأجاز الخطابي أن يكون الكلام خرج على وجه المشاكلة لما تقدم من ذكر الشمس والقمر والطواغيت .. (1).
و قال غيره من العلماء : يأتيهم بأهوال القيامة ، وصورة الملائكة ، مما لم يعهدوا مثله في الدنيا ، فيستعيذون من تلك الحال ، ويقولون : إذا جاء ربنا عرفناه،
أي أتى بما يعرفونه من لطفه ، وهي الصورة التي يعرفون فيكشف عن ساق : أي عن شدة كأنه يرفع تلك الاشدائد المهولة ، فيسجدون شكرا ، وقال بعضهم : صورة يمتحن إيمانهم بها ، كما يبعث الدجال فيقولون : نعوذ بالله منك (2) .
وأما قوله:( وهل يرون ان لله ساقاً تكون آية له وعلامة عليه ؟ وبأي شيء كانت ساقه علامة دون غيرها من الأعضاء وهل تجوز عليه الحركة والانتقال فيأتيهم أولا وثانيا وهل يجوز عليه الضحك ؟ وأي وزن لهذا الكلام) ؟ .
__________
(1) فتح الباري 13/437 .
(2) دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه لابن الجوزي ص159 .(60/171)
قلت: إن كلامه هذا يدل على جهل قبيح ليس له مثيل ، ولا أعلم أن أحداً من قبل سبقه ، ألا يقرأ هذا الذي لقبوه " بالعلامة " القرآن الكريم ! ، ألا يقرأ قوله تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فىِ ظُلَلِ مّنَ الْغَمَامِـ وَالْمَلئكَةُ وَقُضِىَ الأَمْرُ } [ البقرة / 210] ، و قوله تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُـ الْمَلئكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَتِ رَبّكَ } [ الأنعام /158 ] .
وقوله تعالى:{ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } [ الفجر 21-22 ] .
وأما إنكاره لرؤية الله بقوله : ( وهذا محال لا يعقل، ولا يمكن أن يتصور متصور إلا إذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر لا تكون فيه خواص الأبصار المعهودة في الحياة الدنيا .. ) .
قلت: أولا: إن المخالفين لكم ، المثبتين للرؤية وهم الصحابة والتابعون والأئمة المهتدون من أهل الفقه والحديث ممن لهم قدم صدق في العالمين، هؤلاء أكثر العقلاء، وأوفر عدداً منكم .(60/172)
قال النووي : اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه وأن رؤيته مستحيلة عقلا ، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح وقد تظافرت أدلة الكتاب والسنة واجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين ورواها نحو عشرين صحابياً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآيات القرآن فيها مشهورة واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة وكذلك باقي شبههم وهي مستقاة في كتب الكلام.(1).
وقال ابن حجر في الفتح نقلا عن ابن بطال : ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثا وحالا في مكان ، وأولوا قوله :{ نَاظِرَة } بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بإلى ، ثم ذكر نحو ما تقدم ثم قال وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود ، والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه فكذلك المرئى .
قال وتعلقوا بقوله - عز وجل -:{ لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَرُ } [ الأنعام /103] .
وقوله- عز وجل - لموسى:{ لَن تَرَنىِ} [ الأعراف /143 ] .
والجواب عن الأول : أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعا بين دليلي الآيتين ، وبأن نفي الادراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشىء من غير إحاطة بحقيقته(2).
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي المجلد الأول باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى.
(2) الفتح 13/436 .(60/173)
على أن العقل الصحيح لا يخالف القرآن والسنة الثابتة الصحيحة ،ولا يتعارضان أبداً، وما ظهر من تعارض في الظاهر ، فإنه لعدم صحة في النقل ، أو عدم كمال في العقل ، على أن العقل إذا ترك ونفسه ، لم يحكم باستحالة رؤيته إلا إذا صرفه برهان.
وقد أسفّ هذا االمؤلف بفلسفته هذه كل إسفاف واعتسف فيها أي اعتساف في لتكون هذه الأحاديث حجة عليك يوم القيامة حين ألزمت نفسك العمل بها ودعوت الناس إليها ! والحديث الأول يقرب إلى ذهنك معنى " الإدراك " وهو قول الامام المعصوم للراوي " أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك " .
فقد روى الكليني عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر(ع): لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ؟ فقال:يا أبا هاشم أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون (1).
وروى الكليني والصدوق بإسنادهما عن يعقوب بن اسحاق قال: كتبت إلى أبي محمد أسأله كيف يعبد العبد ربّه وهو لا يراه ؟ فوقع (ع) يا أبا يوسف جلّ سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يرى ، قال: و سألته هل رأى رسول الله ربّه؟ فوقع (ع) إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبّ ( (2) .
__________
(1) اصول الكافي 1/99 كتاب التوحيد باب في إبطال الرؤية ، التوحيد ص 113 ح 12 .
(2) اصول الكافي 1/95 كتاب التوحيد، التوحيد ص 108 للصدوق ح 2 .(60/174)
وروى الكليني والصدوق عن عبدالله بن سنان ، عن أبيه قال: حضرت أبا جعفر(ع) فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له : يا أبا جعفر أي شيئ تعبد ؟ قال: الله تعالى ، قال : رأيته ؟ قال: بال لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يعرف بالقياس ولا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس ، موصوف بالآبات ، معروف بالعلامات لا يجوز في حكمه ذلك الله ، لا إله إلا هو، قال: فخرج الرجل وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته ( (1).
وروى الكليني والصدوق عن أبي الحسن الموصلي ، عن أبي عبدالله قال: جاء حبر إلى أميرالمؤمنين (ع) فقال: يا أميرالمؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته ؟ فقال: ويلك ما كنت أعبد رباً لم أره ، قال: وكيف رأيته ؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقايق الإيمان ( (2).
وروى الصدوق في " التوحيد" (ص 112 ح 11) عن أبي هاشم الجعفر، عن أبي الحسن الرضا(ع) قال: سالته عن الله - عز وجل - هل يوصف ؟ فقال: أما تقرء القرآن ؟ ! قلت: بلى ، قال: أما تقرء قوله - عز وجل -: { لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَرَ } قلت: بلى ، قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى ، قال: وما هي ؟ قلت: أبصار العيون فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام .
فقولك هذا رد على أئمتك المعصومين، لإنك لا تفهم أحاديثهم .
جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة من طريق آل البيت :
وإليك بعض هذه الأحاديث بإختصار.
__________
(1) اصول الكافي 1/97 ح5 ، التوحيدص 108 ح 5 .
(2) أسول الكافي 1/97- 98 ح 6 ، التوحيد ص 109 ح 6 .(60/175)
فقد جاء في "لئالى الأخبار" (4/410-411 ) لعمدة العلماء والمحققين محمد التوسيركاني في " باب في أن أهل الجنة يسمعون صوته " هذا الحديث - وهو حديث طويل - ونصه : ( في أن أهل الجنة يسمعون صوته تعالى ويخاطبهم وينظرون إليه وهما ألذ الأشياء عندهم قال (ع) في حديث يذكر فيه إشتغال المؤمنين بنعم الجنة : فبينما هم كذلك إذ يسمعون صوتاًمن تحت العرش : يا أهل الجنة كيف ترون منقلبكم ؟ فيقولون : خير المنقلب منقلبنا وخير الثواب ثوابنا ، قد سمعنا الصوت واشتهينا النظر وهو أعظم ثوابنا وقد وعدته ولا تخلف الميعاد فيأمر الله الحجاب فيقوم سبعون ألف حاجب فيركبون على النوق والبرازين وعليهم الحلى والحلل فيسبرون في ظل العرش حتى ينتهوا إلى دار السلام وهي دار الله دار البهاء والنور والسرور والكرامة فيسمعون الصوت فيقولون : يا سيدنا سمعنا لذاذة منطقك وأرنا وجهك فيتجلى لهم سبحانه وتعالى ، حتى ينظرون إلى وجهه تبارك وتعالى المكنون من كل عين ناظر فلا يتمالكون حتى يخروا على وجوههم سجدا فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك يا عظيم قال فيقول : يا عبادي إرفعوا رؤسكم ليس هذا بدار عمل .... فإذا رفعوا رفعوها وقد أشرقت وجوههم من نور وجهه سبعين ضعفا ثم يقول : يا ملائكتي أطعموهم واسقوهم ..يا ملائكتي طيبوهم فيأتيهم ريح من تحت العرش يمسك أشد بياضا من الثلج ويعبر وجوههم وجباههم وجنوبهم تسمى المثيرة فيستمكنون من النظر إلى وجهه فيقولون يا سيدنا حسبنا لذاذة منطقك والنظر إلى وجهك لا نريد به بدلا ولا نبتغي به حولا فيقول الرب إني أعلم أنكم إلى أزواجكم مشتاقون وان أزواجكم إليكم مشتاقات ارجعوا إلى أزواجكم قال : فيقولون : يا سيدنا اجعل لنا شرطاً قال فإن لكم كل جمعة زورة ما بين الجمعة سبعة آلاف سنة مما تعدّون قال فينصرفون فيعطى كل رجل منهم رمانة خضر في كل رمانة سبعون حلة .... حتى يبشروا أزواجهم وهن قيام على أبواب الجنان قال: فلما(60/176)
دنى منها نظرت إلى وجهه فأنكرته من غير سوء ، وقالت: حبيبي لقد خرجت من عندي وما أنت هكذا قال: فيقول: حبيبتي تلومني أن أكون هكذا وقد نظرت إلى وجه ربي تبارك وتعالى فأشرق وجهي من نور وجهه ، ثم يعرض عنها فينظر إليها نظرة فيقول: حبيبتي لقد خرجت من عندك و ماكنت هكذا فنقول : حبيبي تلومني أن أكون هكذا، وقد نظرت إلى وجه الناظر إلى وجهه ربي فأشرق وجهي من وجه الناظر إلى وجه ربي سبعين ضعفا ، فنعانقه من باب الخيمة والرب يضحك إليهم ).
وفي " البحار" (8/126ح27 باب الجنة و نعيمها ) عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (ع) قال: (مامن عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل ، فإن الله لم يبين ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال:{ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا} إلى قوله :{ يعملون } ثم قال: إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة ، فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمن ملكا معه حلة فينتهي إلى باب الجنة فيقول: اسأذنوا لي على فلان فيقال له: هذا رسول ربك على الباب، فيقول: لأزواجه أي شيئ ترين عليّ أحسن ؟ فيقلن : يا سيدنا والذي أباحك الجنة ما رأينا عليك شيئا أحسن من هذا بعث إليك ربك ، فيتزر بواحدة ويتعطف بالأخرى فلا يمرّ بشيئ إلا أضاء له حتى ينتهي إلى الموعد ، فإذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى ، فإذا نظروا إليه خرّوا سجدا فيقول: عبادي ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا يوم عبادة قد رفعت عنكم المؤونة، فيقولون : يارب وأي شيئ أفضل مما أعطيتنا ، أعطيتنا الجنة، فيقول: لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا ، فيرجع المؤمن في كل جمعة بسبعين ضعفا مثل ما في يديه وهو قوله:{ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } وهو يوم الجمعة ) .(60/177)
وإذا لم تستطع فهم هذه الرواية ، نورد لك كلام إمامك ووصيك الرابع فقد أثبت رؤية الله تعالى في الآخرة كما جاء في الصحيفة السجادية ، في حين عكست الآية كما سيأتي توضيحه (1).
قال الامام السجاد رحمه الله تعالى ما نصه : ( واقدر أعيينا يوم لقائك برؤيتك"
بل لا يحتاج تخصيص المؤمنين في الآخرة ببصر غير أبصارهم في الدنيا ،كما يتدعي المؤلف، لأن إمامه المعصوم يقول أنهم رأوه قبل يوم القيامة ، حين قال الله لهم : { أَلَسْتُ بِرَبّكُمْ قَالُوا بَلَى } .
فقد أخرج الصدوق في " التوحيد" (ص117ح20 ) بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: أخبرني عن الله- عز وجل - هل يراه المؤمنون يوم القيامة ؟ قال: نعم ، وقد رأوه قبل يوم القيامة ، فقلت: متى ؟ قال: حين قال لهم : { أَلَسْتُ بِرَبّكُمْ قَالُوا بَلَى } ثم سكت ساعة ، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا ؟ قال أبو بصير : فقلت : له جعلت فداك فأحدث بهذا عنك ؟ فقال لا ، فإنك إذا حدثت به أنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين ، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون .
__________
(1) انظر كتابه " كلمة حول الرؤية " ص 38-39 لعبد الحسين شرف الدين .(60/178)
وجاء اثبات الرؤية من كلام الامام السجاد رحمه الله تعالى الذي أعرض " المؤلف الأمين " عن ذكره هنا واقتصر على بعض الأذكار بقوله " وإليك ما يحضرني من نصوصها في الموضوع " ، فحاول طمسها في مهدها ، ولو كانت هذه النصوص في صالحه لما طمسها ومرّ عليها هكذا مرور الكرام ، وهكذا يفعلون ، ولكن شاء الله أن يفضح أمر " آية الكذب والتدليس " ، وإليك هذه الأدعية . قال في دعاء المتوسلين : ( وأقررت أعينهم بالنظر إليك يوم لقائك ) . وقال في دعاء آخر وهو دعاء المحبين :( ولا تصرف عني وجهك ) . وفي دعاء آخر وهو : ( وشوقته إلى لقائك وضيته بقضائك ومنحته بالنظر إلى وجهك ). وفي دعاء آخر وهو مناجاة الزاهدين : )ولا تحجب مشتاقيك عن النظر إلى جميل رؤيتك ) . وفي دعاء آخر وهو مناجاة المفتقرين : ( واقدر أعيينا يوم لقائك برؤيتك ) . وفي دعاء آخروهو في استكشاف الهموم ( رغبتي شوقاً إلى لقائك ..) (1) .
أما ما لفقه عبد الحسين في كتابه " كلمة حول الرؤية " (ص39) ، واستشهاده ببعض أدعية السجاد على نفي الرؤية ، فإن هذا جهل بكلام العرب ، وغريب أمر هذا المؤلف إذ كيف تستعجم عليه اللغة وقد وصل إلى درجة العلاّمة . فمثلا استشهاده بقول السجاد : ( إلهي قصرت الألسن عن بلوغ ثنائك كما يليق بجلالك، وعجزت العقول عن إدراك كنه جمالك ، وانحصرت الأبصار دون النظر إلى سبحات وجهك ، ولم تجعل للخلق طريقا إلى معرفتك إلا بالعجز عن معرفتك
الحمد لله الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ...).
__________
(1) الصحيفة السجادية الكاملة ص 317 .(60/179)
فأين نفيه رحمه الله رؤية الله ؟ ، بل لم يستطع المؤلف أن يورد دعاء واحد يدل على نفي الرؤية وهذا عجيب ، مما يدل أنه وأتباعه ليسوا شيعة أهل البيت ، بل شيعة الطوسي والمجلسي والمفيد وأضرابهم ! ، بل وهذا من عقائد المعتزلة وغيرهم الذين نفوا رؤية الباري تعالى يوم القيامة، وأما مذهب أهل البيت هم على مذهب أهل السنة من السلف القائلين برؤية الله تعالى يوم القيامة .
وأما انكار المؤلف ضحك الله بقوله :( وهل يجوز عليه الضحك ؟ وأي وزن لهذا الكلام ) ؟
قلت: فقد روى ذلك أيضاً إمامك المعصوم فيما أخرجه المجلسي وغيره !
استنكار عبد الحسين حديث "لا تملأ النار حتى يضع الله رجله فيها "
ثالثاً: وفي (ص67-69) أورد المؤلف حديث "لا تملأ النار حتى يضع الله رجله فيها" : أخرج الشيخان من طريق عَبْدُالرَّزَّاقِ عن مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ(ص) تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَتِ الْجَنَّةُ مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي مِنْهُمَا مِلْؤُهَا فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ . الحديث (1) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ومسلم من كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها .(60/180)
ثم أخذ هذا المؤلف يصول ويجول مفندا هذا الحديث النبوي الشريف قائلا:( إن هذا الحديث محال ممتنع بحكم العقل والشرع، وهل يؤمن مسلم ينزه الله تعالى بأن لله رجلا ؟ وهل يصدق عاقل بأنه يضعها في جهنم لتمتلىء بها ؟ وما الحكمة من ذلك؟ وأي وزن لهذا الكلام البارد - إلى أن قال- وبأي لسان تتجاج النار والجنة؟! وبأي حواسهما أدركتا ما أدركتاه وعرفتا من دخلها وأي فضل للمتجرين والمتكبرين لتفخر بهم النار وهم يومئذ في اسفل سافلين ؟ وكيف تظن الجنة أن الفائزين بها من سقطة الناس وهم من الذين انعم الله عليهم بين نبي وصديق وشهيد وصالح ما أظن الجنة والنار قد بلغ بها الجهل والحمق والخرف إلى هذه الغاية ؟ ) .(60/181)
قلت: إن حمل الألفاظ هذا الحديث على حقيقته تعنت ومكابرة بلا دليل ، والأصل أنه إذا امتنع حمل الألفاظ اللغة على الحقيقة صرفت إلى المجاز ، وهذا كثير في اللغة ، فكما تقول : خرجت المدينة تستقبل الحجاج ، وتقصد بذلك أكثر أهل المدينة، كذلك يجب أن تقول في مثل هذا الحديث وفي الآيات التي استدل بها (الشبهة) على رأيهم كآية ( الاستواء ) وغيرها . ويلزم من إنكار هذه الأحاديث لما فيها من التجسيم والتشبيه - على رأي المؤلف - إنكار جميع الآيات التي بهذا المعنى، ولا يقول بهذا مسلم ، فكما صرفت ألفاظ تلك الآيات إلى المجاز تصرف ألفاظ بعض الأحاديث أيضاً إلى ذلك ، لأن بعض الأحاديث جاءت على سنن ونهج القرآن الكريم . وإذا أبى أن تصرف هذه الأفاظ إلى المجاز قلنا له : يلزم من هذا أن تسير المدينة - في مثالنا- بأبنيتها ومساجدها وبيوتها وأشجارها ، وهذا لا يعقل ولا يتصور ، وهو خلاف العادة والعرف ، لذلك وجب صرفه إلى المجاز ، من غير أن نرد ذلك الأصل اللغوي ، الذي عليه العرب ، أدباؤهم وفصحاؤهم وعامتهم منذ عرفهم التاريخ ، وعلى هذا الأصل نحمل بعض آيات القرآن الكريم وبعض أحاديث الرسول الأمين- صلى الله عليه وسلم - (1).
__________
(1) العجاج ص238-239 .(60/182)
فيا ترى : ما الذي يدعو إلى المحالة والاستغراب والامتناع ؟ ، إن كان وجه الإنكار هو أن الله يضع رجله، ففي القرآن جاء اثبات اليد ، والوجه، والعين، والمجيء ، وغير ذلك لله قال تعالى: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلَلِ الإِكْرَامِـ } . [الرحمن / 27 ] وقال تعالى: { كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ } [ القصص/ 88 ] قال تعالى: { وَقالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيِهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } [ المائدة /64 ] وقال تعالى:{ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لمِاَ خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } [ص/ 75 ] وقال تعالى:{ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنى وَلِتُصْتَعَ عَلَى عَيْنِى } [طه/39] .
وبالجملة ، فإن تحكيم العقل في مسألة الألوهية ، وصفاتها من سخافة العقل نفسه ، ولا تؤدي عند هؤلاء المغترين بعقولهم ، إلا إلى الإلحاد غالباً ، فخير للعقل ، "وهذا العقل المريض" أن يفكر فيما يستطيع التفكير به ، وإن كان عقله عاجزاً عن معرفة سر الحياة في الانسان نفسه، وعن الاحاطة بجزء كحبة الرمل من صحراء هذا الكون العجيب ، فكيف يستطيع أن يعلم حقيقة خالق هذا الكون كله ؟ ، لنفرض أن تحكيم العقل في الأحاديث هو الصواب ، فنحن نسأل : أي عقل هذا الذي تريد أن تحكمه ؟! ، أعقل الفلاسفة ؟ إنهم مختلفون ، وما من متأخر منهم إلا وهو ينقض قول من سبقه . أعقل الأدباء ؟ إنه ليس من شأنهم ، فإن عنايتهم بالنوادر والحكايات . أعقل علماء الطب ، أم الهندسة ، أم الرياضيات ؟ ما لهم ولهذا ؟ ، أعقل المحدثين ؟ إنه لم يعجبكم ، بل إنكم تتهمونهم بالغباوة والبساطة ؟ ، أعقل الفقهاء ؟ إنهم مذاهب متعددة ، وعقليتهم في رأيكم كعقلية المحدثين . أعقل الملحدين ؟ إنهم يريدون أن إيمانكم بوجود الله ،جهل منكم وخرافة . أعقل المؤمنين بوجود الله ؟ تعالوا نرى طوائفهم :(60/183)
إن منهم : من يرى أن الله يحل في إنسان فيصبح إلها ؟
ومنهم : من يرى أن روح الله تتقمص في جسد ، فيكون إلها !
ومنهم :من يرى أن الله ومخلوقاته في وحدة متكاملة !
ومنهم : من يرى أن الله ذو ثلاثة أقانيم في ذات واحدة !
ومنهم : من يرى البقر والفأر والقرد يجب أن يتوجه إليها بالعبادة !
ستقولون : إننا نريد تحكيم عقل المؤمنين بإله واحد في دين الإسلام .
فنحن نسألكم : عقل أي مذهب من مذاهبهم ترضون ؟
أعقل أهل السنة والجماعة ؟ هذا لا يرضى الشيعة ، ولا المعتزلة .
أم عقل الشيعة ؟ هذا لا يرضى أهل السنة ، ولا الخوارج .
أم عقل المعتزلة ؟
إنه لا يرضى جمهور طوائف المسلمين ! فأي عقل ترتضون (1).
إن حكاية عرض الحديث على " العقل " حكاية قديمة نادى بها بعض المعتزلة، ونادى المستشرقون حديثاً ، وتابعهم فيها أحمد أمين ، وضرب لذلك أمثلة من الأحاديث الصحيحة وهي في رأيه غير مقبولة للعقل . لئن كان يريد من العقل الصريح ما يقبله العقل من بدهيات الأمور ، فهذا أمر واقع في تاريخ السنة النبوية ، فقد وضع أئمة النقد من علماء الحديث علامات لمعرفة الحديث الموضوع منها : أن يكون متنه مخالفا لبدائة العقول وللمقطوع به من الدين أو التاريخ أو الطب أو غير ذلك ، وعلى هذا نفوا آلافا من الأحاديث وحكموا عليها بالوضع .
__________
(1) السنة للسباعي ص39 .(60/184)
ولئن كان يريد غير هذا مما يستغربه " العقل " فإن " استغراب " العقل شيئاً أمر نسبي يتبع الثقافة والبيئة وغير ذلك مما لا يضبطه ولا يحدده مقياس . وكثيراً ما يكون الشيء مستغربا عند إنسان ، طبيعيا عند إنسان آخر ولا يزال الذين سمعوا بالسيارة في بلادنا ، أو استغربوها قبل أن يروها ، لأنها تسير من غير خيول تقودها ، في حين كانت عند الغربيين أمرا مألوفا عادياً . والبدوي في الصحراء كان " يستغرب " ما يقولونه عن المذياع " الراديو " في المدن ، ويعدّه كذبة من أكاذيب الحضريين . فلما سمع الراديو لأول مرّة ظن أن " الشيطان " هو الذي يتكلم فيه ، كما يظن الطفل أن الذي يتكلم إنسان ثاو فيه .
على أي حال لا حاجة لنا لعقل " عبد الحسين " ، ولا لعقل "أبي رية" ، ولا لعقل " أحمد أمين" ، فإن مذاهب العلماء معروفة في مثل هذه الألفاظ ، فالسلف يقولون بها من غير تأويل ، مع تنزيه الله عن مشابهته للبشر... ( (1) .
هذا هو الذي يُسلم به الخلف فقط ، أما السلف فكلهم مجمعون على اثبات صفات الله تعالى على الحقيقة، ولكنه ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير .
ولكن يبدو أن عقل عبد الحسين شرف الدين كلما ازداد مثاله زاده الله رعالة ، وإلا فإن هذا الحديث احتج به مشايخ الشيعة عند تفسيرهم لقوله تعالى: { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق /30 ] من دون إنكار أو تكذيب لراوي هذا الحديث سواء كان راويه أبو هريرة ، كما ذكره بنفسه ، أم كان راوية أنس، كما أخرجه السيوطي في الدر المنثور ، أم راويه أبو سعيد الخدري كما أخرجه الامام أحمد في مسنده .
__________
(1) دفاع عن أبي هريرة لعبد المنعم العلي ص260 .(60/185)
قال الطباطبائي( الشيعي) في تفسيره " الميزان " ( 18/362) بعد أن أورد حديث أنس الذي أخرجه السيوطي في الدرر عن أنس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - :" لا تزال جنهم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وكرمك ولا يزال في الجنة حتى ينشئ الله لها خلقاً آخر فيسكنهم في قصور الجنة .
قال ما نصه :( أقول: وضع القدم على النار وقولها : قط قط مروي في روايات كثيرة من طرق أهل السنة ) .
كما احتج بهذا الحديث " فيلسوف الشيعة الملقب" بصدر المتألهين " محمد بن ابراهيم صدر الدين الشيرازي في تفسيره " القرآن الكريم" ( 1/58وص 156 ) فقال ما نصه : ( ألا ترى صدق ما قلناه النار لا تزال متألّمة لما فيها من النقيص وعدم الإمتلاء حتى يضع الجبّار قدمه فيها كما ورد في الحديث وهي إحدى تينك القدمين المذكورتين في الكرسي ) .
كما احتج بهذا الحديث السيد محمدي الري شهري ( الشيعي ) في موسعته الكبيرة " ميزان الحكمة " (2/178-179) في باب " هل من مزيد " .
وهذا هو الميزان حقاً الذي يوزن به أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إمرار هذه الأحاديث من دون التعرض لها واسناد علمها إلى الله تعالى .
وأما قول عبد الحسين: ( بأي لسان تتحاج النار والجنة ؟ وبأي حواسهما أدركتا ما أدركتاه وعرفتاه من دخلهما ) .(60/186)
قلت : إن هذا استفهام يدل على جهل " عبد الحسين " التام للقرآن الكريم، فإن كان وجه الإنكار أو الاستغراب لتكلم الجنة والنار ، فقد جاء في القرآن أن الله تعالى خاطب و قال للسموات والأرض { ائْتِياَ طَوْعًا أَوْ كُرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَآيعِيِنَ } وقال الله تعالى:{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق/30]، فقد نطقت جهنم بكلمة { هَلْ مِن مَّزِيدٍ} . فألا يقرأ عبد الحسين آية من آيات الله في القرآن ؟!!، فهلا يستحي هذا" العلامة " بقوله :( ما الحكمة من ذلك؟ وأي وزن لهذا الكلام البارد ) .
سبحان الله كلام الله تعالى يصبح عند "هذا العلامة " كلام بارد لا وزن له!!
فهل رأيتم مثل المؤلف علاّمة!! الذي لا يفقه القرآن ولا السنة النبوية المطهرة ، ولا يفقه حتى شيئاً من أحاديث أهل البيت !! ولكن لا أظن أنه يصل إلى هذه الدرجة العظيمة من الجهل ، لا أظنه لم يطلع على كتب الحديث والفقه والتفسير والرجال وغيرها، وهو الملقب"بآية الله"، لا يمكن هذا إلا القول بأن المؤلف لا يسعى إلا إلى إشفاء غليله من أبي هريرة بأية طريقة ولو وصلت به الأمور إلى جهل آيات القرآن والسنة النبوية المطهرة في اثبات العين والوجه واليد ... ومما يؤكد ذلك ويدل عليه ، أن هذه مثل هذه الأحاديث التي رواها أبو هريرة واستنكر عليه موجودة عندهم ، روتها الشيعة من طرق من يعتقدون فيهم العصمة في اثبات تكلم النار والجنة والريح وغيرها .(60/187)
ففي "البحار" ( 8/285) باب الجنة ونعيمها، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي (ع) عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: تكلم النار يوم القيامة ثلاثة: أميراً وقارئاً، وذا ثروة من المال فتقول للأمير: يامن وهب الله له سلطاناً فلم يعدل فتزدرده كما يزدرد الطير حب السمسم وتقول للقارئ : يا من تزين للناس وبازر الله بالمعاصي فتزدرده ، وتقول للغني يا من وهب الله له دنيا كثيرة واسعة فيضا وسأله الحقير اليسير قرضا فأبى إلا بخلا فتزدرده .
وأيضاً في "البحار" (8/ 198) باب الجنة ونعيمها ، عن أبي بصير عن أبي جعفرقال: إذا كان يوم القيامة نادت الجنة ربها فقالت : يارب أنت العدل قد ملأت النار من أهلها كما وعدتها ولم تملأني كما وعدتني ، قال: فيخلق الله خلقاً لم يروا الدنيا فيملأ بهم الجنة طوبى لهم .
والقمي في تفسيره { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} قال: هو استفهام لأنه وعد الله النار أن يملأها فتمتلئ النار ، ثم يقول لها : هل امتلأت ؟ وتقول هل من مزيد ؟ على حد الاستفهام ، أي ليس فيّ مزيد ، قال : فتقول الجنة : يا رب وعدت النار أن تملأها ، ووعدتني أن تملأني فلم لا تملأني وقد ملأت النار ؟ قال: فيخلق الله يومئذ خلقا يملأ بهم الجنة ، فقال أبوعبدالله (ع): طوبى لهم إنهم لم يروا غموم الدنيا وهمومها (1).
__________
(1) تفسير القمي 2/326 ، البحار 8/133 و 292 - 293 ، البرهان 4/228 .(60/188)
وعن محمد بن مسلم قال قال لي أبو جعفر (ع) كان كل شيئ ماء وكان عرشه على الماء فأمر الله الماء فاضطر نارا فأمرالله النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان فخلق الله السموات من ذلك الدخان وخلق الله الأرض من الماء ثم أختصم الماء والنار والريح ، فقال الماء جند الله الأكبر وقالت النار أنا جند الله الأكبر وقالت الريح أنا جند الله الأكبر ، فأوحى الله الى الريح أنت جند الله الأكبر(1).
وفي" البحار" ( 8/155-156 ) باب الجنة ونعيمها، عن داود العجلي مولى أبي المعزا قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ثلاث أعطين سمع الخلائق : الجنة ، والنار ، والحور العين ، فإذا صلّى العبد وقال اللهم أعتقني من النار وأدخلني الجنة وزوجني من الحور العين قالت النار : يا رب إن عبدك قد سألك أن تعتقه مني فأعتقه وقالت الجنة : يارب إن عبدك قد سألك إياي فأسكنه ، وقالت الحور العين : يا رب إن عبدك قد خطبنا إليك فزوجه منّا ، فإن هو انصرف من صلاته ولم يسأل من الله شيئا من هذا قلن الحور العين : إن هذا العبد فينا لزاهد وقالت الجنة : إن هذا العبد فيّ لزاهد ، وقالت النار : إن هذا العبد فيّ لجاهل .
والعجيب من هذا المؤلف التقي أنه ينكر حديث أبو هريرة في تحاج الجنة والنار ولايتعجب من حديثهم الذي ورد من طرق أئمته أن الشمس تكلم علياً !! فكيف تكلم الشمس علياً وبأي لغة ؟! .
ففي " البحار" ( 41/ 169) تاريخ أمير المؤمنين (ع) باب رد الشمس له وتكلم الشمس معه ، عن محمد بن علي بن موسى بن جعفر عن آبائه (ع) عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي بن أبي طالب(ع): يا أبا الحسن كلّم الشمس فإنها تكلمك ، قال علي (ع): السلام عليك أيها العبد المطيع لله ، فقالت الشمس : وعليك السلام يا أمير المؤمنين وإمام المتقين !!!." .
__________
(1) تفسير البرهان 2 / 207 وانظر الجواهر السنية ص 252 .(60/189)
فهل رأيتم مدى حقده " على الاسلام وعلى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و على أبي هريرةt بالأخص فهو يسعى كما قلت إلى إشفاء غليله منه بأية طريقة ! وتناسى أن في دينه من أمثال هذه الأحاديث ، بل أكثر وأشنع ! فإن كان عبدالحسين حقاً يجهل هذه الآيات وأحاديث من يعتقد فيهم العصمة المطلقة ! وهذا هو الاحتمال الأول- بقوله : بأي لسان تتحاج النار والجنة ؟ ،وإن كان يجهل بأي لسان تتحاج النار والجنة ؟ فإن هذا جهل قبيح !
استنكار عبد الحسين حديث نزول الربّ كل ليلة إلى سماء الدنيا :
رابعاً: وفي (ص69 ) أورد عبد الحسين حديث " نزول ربه كل ليلة إلى سماء الدنيا تعالى الله " أخرج الشيخان من طريق ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي عَبْدِاللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأخير يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لهُ ... الحديث (1) .
وأخذ المؤلف يصول ويجول كعادته يدلس ويشكك قائلاً:( تعالى الله عن النزول والصعود والمجيئ والذهاب والحركة والانتقال وسائر العوارض والحوادث ،ثم قال: إن هذا الحديث والثلاثة التي قبله كان مصدرا للتجسيم في الإسلام ، كما ظهر في عصر التعقيد الفكري وكان من الحنابلة بسببها أنواع من البدع والاضاليل ولاسيما ابن تيمية الذي قام على منبر الجامع الأموي في دمشق يوم الجمعة خطيباً ، فقال أثناء أضاليله : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من درج المنبر يريهم نزول الله تعالى نزولا حقيقيا ...) .
__________
(1) أخرجه البخاري في الجمعة والدعوات وفي التوحيد ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها .(60/190)
قلت: أن حديث النزول متفق عليه بين الفريقين، وسوف أثبت من كتاب الكافي الذي نص عليه عبد الحسين بفنسه في مراجعاته بأنه( أقدم و أعظم و أحسن و اتقن الكتب الأربعة ) ، وغيره من كتبهم المعتمدة ، من كان مصدر التجسيم في الإسلام ؟ وذلك بعد إيراد هذا الحديث الذي أنكره على أبي هريرة- رضي الله عنه - من طرق من يعتقد فيهم العصمة!! فقد رواه جمع من محدثي الشيعة وثقاتهم حديث النزول منهم الصدوق والكليني وغيرهم .
اثبات حديث النزول من طريق أهل البيت :
أخرج الصدوق في توحيده في حديث احتجاج الصادق على الثنوية والزناقة بإسناده عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبدالله (ع) - قال : سأله عن قوله: { الرحمن على العرش استوى } قال أبو عبدالله (ع): بذلك وصف نفسه ، وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له ، و لا أن يكون العرش حاوياً له ، ولا أن العرش محتاز له ، ولكنّا نقول: هوحامل العرش ، وممسك العرش ، ونقول من ذلك ما قال: { وسع كرسيه السموات والأرض } فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته ، ونفينا أن يكون العرش أو الكرسي حاوياً له وأن يكون - عز وجل -إلى مكان أو إلى شيئ مما خلق بل خلقه محتاجون إليه .(60/191)
قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض ؟ قال أبو عبدالله (ع): ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنه - عز وجل - أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله - عز وجل - وهذا يجمع عليه فرق الأمة كله . قال السائل : فتقول: أنه ينزل إلى السماء الدنيا؟ قال أبوعبدالله (ع): نقول : ذلك لأن الرويات قد صحت به والأخبار ، قال السائل : فاذا نزل أليس قد حال عن العرش وحووله عن العرش صفة حدثت، قال أبوعبدالله (ع) ليس ذلك منه ما على يوجد من االمخلوقين الذي تنتقل باختلاف الحال عليه والملالة والسأمة وناقلة ينقله ويحوله من حال الى حال بل هو تبارك وتعالى لا يحدث عليه الحال ولا يجري عليه الحدوث فلا يكون نزوله كنزول المخلوق الذي متى تنحى عن مكان الى مكان خلا منه المكان الأول ، ولكنه ينزل إلى السماء الدنيا بغير معاناة وحركة فيكون كما هو في السماء السابعة على العرش كذلك هو في السماء الدنيا ، إنما يكشف عن عظمته ويرى أولياءه نفسه حيث شاء ويكشف ماشاء من قدرته،ومنظره في القرب والبعد سواء(1) .
__________
(1) التوحيد للصدوق ص 248 وفي النسخة المتداولة لا توجد العبارة الأخيرة وهي قول السائل " ينزل الى السماء الدنيا ؟ قال أبوعبدالله (ع) : نقول : ذلك لأن الرويات قد صحت به والأخبار .." ، و أثبتها المجلسي في بحاره 3/331 من كتاب التوحيد باب 14 وانظر علي في القرآن والسنة2/687 .(60/192)
و أخرج الكليني في كافيه من كتاب التوحيد بإسناده عن محمد بن عيسى قال: كتبت الى أبي الحسن على بن محمد (ع): ياسيدي قد روي لنا أن الله في موضع دون موضع على العرش استوى ، وأنه ينزل كل ليلة في النصف الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ، وروي أنه ينزل عشية عرفة ثم يرجع إلى موضعه ، فقال بعض مواليك في ذلك: إذا كان في موضع دون موضع ، فقد يلاقيه الهواء ،ويتكيف عليه والهواء جسم رقيق يتكيف على كل شيئ بقدره ، فكيف يتكيف عليه جل ثناؤه على هذا المثال ؟ فوقع (ع): علم ذلك عنده وهو المقدر له بما هو أحسن تقديرا وأعلم أنه إذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو على العرش الأشياء كلها له سواء علما وقدرة وملكا وإحاطه (1).
قال مصحح ومعلق الكافي السيد علي أكبر الغفاري في تعليقه على هذا الحديث ما نصه : ( قوله (ع): علم ذلك عنده أي علم كيفية نزوله عنده سبحانه وليس عليكم معرفة ذلك ) (2) .
وهذا جيد يدل أن مذهب الإمام هو عدم التأويل وهو مذهب السلف رحمهم الله تعالى . نعم هذا هو مذهب أهل البيت في صفات الله إثبات دون تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولاتعطيل ، قال أبوعبدالله (ض): نقول : ذلك لأن الرويات قد صحت به والأخبار كما سبق ذكره .
نعود يا أخي القارئ في ذكر الروايات من طريق أهل البيت- رضي الله عنهم - الموافقة لحديث أبي هريرة t .
فعن جابر الجعفي قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن الله تبارك وتعالى ينزل في الثلث الباقي من الليل إلى السماء الدنيا ، فينادي هل من تائب يتوب عليه ؟ وهل من مستغفر يستغفر فأغفر له ؟ وهل من داع يدعوني فأفك عنه ؟ وهل من مقتور يدعوني فأبسط له ؟ وهل من مظلوم ينصرني فأنصره (3).
__________
(1) الأصول 1/ 126 كتاب التوحيد باب الحركة والانتقال ح 4 ، المحاسن 1/140 .
(2) حاشية الأصول من الكافي 1/126 .
(3) البحار 87/168 " باب دعوة المنادي في السحر " .(60/193)
وأثبت حديث النزول المتواتر شيخهم المحقق المتتبّع محمد بن علي الاحسائي المعروف بابن أبي جمهور في كتابه "عوالي اللئالي" الفصل السابع (1/119 رواية 44): حديث:" إن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، وينزل عشية عرفة إلى أهل عرفة، و ينزل ليلة النصف من شعبان " .
وقال محدثهم محسن الكاشاني ما نصه:( الأول: أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة ،وشهر رمضان من الشهور، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل ، قال الله تعالى: { وبالأسحار هم يستغفرون } ولقوله:( ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) (1) .
وقال أيضاً في موضع آخر:( وسئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - " أي الليل أفضل ؟ فقال: نصف الليل الغابر" يعني الباقي ، ومن آخر الليل وردت الأخبار بإهتزاز العرش وانتشار الرّياح من جنات عدن ونزول الجبّار إلى السماء الدنيا وغيرها من الأخبار) (2).
ذكرأيضاً في حديث آخر بقوله :( ينزل الله تعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: هل من داع فأستجيب له ) (3).
وإليك هذه الرواية من طرق الشيعة أن الله تعالى ينزل إلى الأرض على جمل ..
__________
(1) المحجة البيضاء 2/285- كتاب الأذكار والدعوات باب " آداب الدعاء وهي عشر " .
(2) المحجة البيضاء 2/373 .
(3) المحجة البيضاء 5/15 .(60/194)
ومارواه زيد النرسي في كتابه، عن عبدالله بن سنان قال: سمعت أباعبدالله(ع) يقول : إن الله ينزل في يوم عرفه في أول الزوال إلى الأرض على جمل أفرق يصال بفخذيه أهل عرفات يميناً وشمالا ، فلا يزال كذلك حتى إذا كان عند المغرب ويقر الناس وكل الله ملكين بحيال المازمين يناديان عند المضيق الذي رأيت : يارب سلّم سلّم ، والرّب يصعد إلى السماء ويقول جل جلاله : آمين آمين رب العالمين ، فلذلك لا تكاد ترى صريعاً ولا كبيراً (1).
وعن سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله قال سمعته يقول : إن الأعمال تعرض كل خميس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فإذا كان يوم عرفة هبط الرب تبارك وتعالى (2).
عن عطاء عن أبي جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي(ع) عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل قال فيه: قال: ثم أن الله أوحى إلى جبرئيل بعد ذلك أن أهبط إلى آدم وحواء فنحهما عن مواضع قواعد بيتي لأني أريد أن أهبط في ظلال من ملائكتي إلى أرضي فارفع أركان بيتي لملائكتي ولخلقي من ولد آدم ... قال ثم أن جبرئيل أتاهما فأنزلهما من المروة وأخبرهما أن الجبار تبارك وتعالى قد هبط إلى الأرض فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصفا وحجر من المروة وحجر من طور سينا وحجر من جبل السلام .. (3) .
__________
(1) رياض العلماء 2/404 - الميرزا عبدالله أفندي الاصبهاني من إعلام القرن الثاني عشر .
(2) بصائر الدرجات للصفار ص 426رواية 15، البرهان 2 / 158 ، اليحار 23/345ح37.
(3) تفسير العياشي 1/37ح21، البحار5/49 -50 ، البرهان 1/84-85 .(60/195)
عن جابر قال قال أبوجعفر(ع) في قوله تعالى: { فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ والْمَلَيكَةُ وَقُضِيَ الأمْرُ} قال: ينزل في سبع قباب من نور ولايعلم في أيها هو حين ينزل في ظهر الكوفة فهذا حين ينزل (1).
وعن جابرين يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر(ع) يا جابر كان الله ولا شيئ غيره ولا معلوم ولا مجهول فأول ما ابتدء من خلق خلقه أن خلق محمداً وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته - إلى أن قال - ثم أن الله هبط إلى الأرض في ظلل من الغمام و الملائكة وهبط أنوارنا أهل البيت معه وأوقفنا نوراً صفوفاً بين يديه نسبحه في أرضه كما سبحنا في سمائه " (2).
وتفسير " البرهان" ( 3 / 146 ) عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبدالله (ع)، قال إذا كان ليلة الجمعة هبط الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فإذا طلع الفجر كان على العرش فوق البيت المعمور .
وعن سليمان بن خالد ،عن أبي عبدالله (ع) قال سمعته يقول: أن الأعمال تعرض كل خميس على رسول الله فاذا كان يوم عرفة هبط الرب تبارك وتعالى وهو قول الله تبارك وتعالى: { وَقدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمِلٍ فَجَلْنَهُ هَبَآءً مّنْثُورًا } (3) .
و عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر(ع) قال : أن الله تبارك وتعالى هبط إلى الأرض في ظل من الملائكة على آدم بوادي يقال له الروحاء وهو واد بين الطائف ومكة (4) .
__________
(1) انظر تفسير البرهان 1/209ح2وح5 وح6وح7، العياشي 1/103ح 301و303 ، تفسير الصافي 1/183 ، اللئالي 5/83 ، علي في القرآن والسنة 1/85 ، البحار25/19،الجديد في القرآن 1/247 راجع ، تفسير القرآن الكريم 5/392 ، حلية الأبرار 1/16، مدينة المعاجز2/41 ، الصحفية 1/161، العياشي 1/37 وص103ح301وح303 .
(2) صحفية الأبرار لميرزا محمد تقي 1/160- 161.
(3) تفسير البرهان 3 / 159 - البحار23/354 ، البصائر ص 426 .
(4) البرهان 2 / 300 ، الصحيفة 1/160 - 161 .(60/196)
وعن أبان عن أبي عبدالله(ع) قال: إن للجمعة حقاً وحرمة فإياك أن تضيع أو تقصر شيئ من عبادة الله والتقرب إليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلها فإن الله يضاعف فيه الحسنات ،ويمحو فيه السيئات ويرفع فيها الدرجات قال: وذكر أن يومه مثل ليلته فإن استطعت أن تحييها بالصلاة والدعاء فافعل فإن ربك ينزل من أول ليلة الجمعة إلى سماء الدنيا فيضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات فإن الله واسع كريم(1) .
قال محقق الكتاب الحجة السيد حسن الخرسان ما نصه:( قوله فإن ربك ينزل من أول ليلة الجمعة . يحتمل أن يكون من باب التعليل يكون المراد نزول ملائكة الرحمة ، أو المراد بنزوله تعالى : نزول للملائكة ورحتمه مجازا ويمكن أن يكون المراد نزوله من عرش العظمة إلى مقام العطف على العباد ) .
وفي تفسير "البرهان" أيضاً عن عبدالكريم بن عمرو الخثمعي , قال سمعت أباعبدالله (ع) يقول : إن ابليس قال أنظرني إلى يوم يبعثون فأبى الله ذلك عليه ، فقال يوم الوقت المعلوم وهو آخر كرة يكرها أمير المؤمنين (ع) - إلى أن قال - فكأني أنظر إلى أصحاب أمير المؤمنين(ع) قد رجعوا إلى خلفهم القهقري مائة قدم ، وكأني أنظر اليهم قد وقعت بعض أرجلهم في الفرات فعند ذلك يهبط الجبار - عز وجل - في ظل من الغمام والملائكة وقضي الأمر ورسول الله أمامه بيده حربة من نور ... (2) .
وعن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال علي بن الحسين(ع): أما علمت أنه إذا كان عشيّة عرفة بزر الله في ملائكته إلى سماء الدنيا، ثم يقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً أرسلت إليهم رسولاً من وراء وراء فسألوني ودعوني(3) .
__________
(1) فروع الكافي 3/414 ح6 باب فضل يوم الجمعة وليلته ، التهذيب3/3 باب العمل في ليلة الجمعة ويومها - اللئالي 3/40 .
(2) تفسير البرهان 2 /343 - 1 /209، الشموس الطالعة ص410 .
(3) المستدرك 10/47ح1 " أبواب الوقوف بالمشعر" ، راجع المحاسن ص 65 .(60/197)
نزول الربّ وزيارته تعالى لقبور الأئمة !! وغير ذلك :
ثم لا أدري كيف ينكر "عبد الحسين" حديث النزول المتفق عليه، فهل خفى على هذا العلامة الكبير رواياته التي هي أعظم وأقبح وأشنع من رواية أبي هريرة t السالفة كما في اعتقاد "عبد الحسين" ؟ . فلنُخرج له بعض رواياته التي وردت من طريق أهل العصمة عندهم أن الله تعالى يزور الأئمة في قبورهم مع الملائكة والأنبياء!
فعن أبي وهب القصري قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبدالله(ع) فقلت له : جعلت فداك أتيتك ولم أزر قبر أميرالمؤمنين (ع) فقال: بئس ما صنعت لو لا إنك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور من يزوره الله تعالى مع الملائكة ويزوره الأنبياء - عليه السلام - ويزوره المؤمنون !!، قلت : جعلت فداك ما علمت ذلك .. (1) .
و عن منيع بن الحجاج عن صفوان الجمال قال: قال لي أبو عبدالله (ع) لمّا أتى الحيرة قال: هل لك في قبر الحسين ؟ قلت : أتزوره جعلت فداك ؟ قال: وكيف لا أزوره والله يزوره في كل ليلة جمعة يهبط مع الملائكة إليه والأنبياء والأصياء ومحمد أفضل الأنبياء ونحن أفضل الأوصياء فقال صفوان :جعلت فداك أفزوره في كل جمعة حتى أدرك زيارة الرب؟ قال: نعم يا صفوان الزم زيارة قبر الحسين وتكسب وذلك الفضيل، هي، (2) .
__________
(1) التهذيب 6/20 باب فضل زيارته (ع) ،كتاب المزار للمفيد ص 30 ح2 باب زيارة أميرالؤمنين (ع) ، البحار25/361 100/ 257-258"باب فضل زيارته (ع)" ، فروع الكافي 4/579-580 " باب = الزيارات وثوابها"، الوسائل 10/ 293-294" باب استحباب زيارة أمير المؤمنين (ع)" ، الملاذ9/51 " باب فضل زيارته (ع)" ، الصحيفة 1/341حديث 80 .
(2) الصحيفة 1/341 البحار 101/60 ح 32، كامل الزبارات ص222-223ح326 باب39 .(60/198)
أنكر عبد الحسين على أبي هريرة حديث النزول! ولكن لم ينكر تلك الروايات التي ذكرناها في زيارة الرب تعالى لقبور الأئمة !! وتأمل أخي المنصف ما أوردوا بأن الله تعالى ينزل ويزور قبور الأئمة ويصافحهم ويجلس معهم على سرير !!
فقد روى شيخهم العالم العلاّم ميرزا محمد تقي الملّقب بحجة الاسلام هذه الرواية نقلا من مدينة المعاجز عن دلائل الطبري : قال أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون عن أبيه عن أبي علي محمد بن همام عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم عن أبيه عن الحسين بن علي عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبدالله (ع) لما منع الحسين(ع) وأصحابه الماء نادى فيهم من كان ظمآن فليجئ فأتاه رجل رجل فيجعل أبهامه في راحة واحدهم فلم يزل يشرب الرجل حتى ارتووا فقال بعضهم والله لقد شربت شرابا ما شربه أحد من العالمين في دار الدنيا فلما قاتلوا الحسين(ع) فكان في اليوم الثالث عند المغرب أعقد الحسين رجلا رجلا منهم يسميهم بأسماء آبائهم فيجيبه الرجل بعد الرجل فيقعد من حوله ثم يدعو بالمائدة فيطعمهم ويأكل معهم من طعام الجنة ويسقيهم من شرابها ثم قال أبو عبدالله (ع) والله لقد رآهم عدة من الكوفيين ولقد كرّر عليهم لو عقلوا قال ثم خرجوا لرسلهم فعاد كل واحد منهم إلى بلادهم ثم أتى لجبال رضوي فلا يبقى أحد من المؤمنين إلاّ أتاه وهو على سرير من نور قد حفّ به ابراهيم وموسى وعيسى ! وجميع الانبياء ! ومن ورائهم المؤمنون ومن ورائهم الملائكة ينظرون ما يقول الحسين(ع) قل فهم بهذه الحال إلى أن يقوم القائم و إذا قام القائم(ع) وافو فيها بينهم الحسين(ع) حتى يأتي كربلاء فلا يبقى أحد سماوي ولا أرضي من المؤمنين إلاّ حفّوا بالحسين(ع) حتى أن الله تعالى يزور!! الحسين(ع) ويصافحه !! ويقعد معه !! على سرير!! يا مفضل هذه والله الرفعة التي ليس فوقها شيئ لا لورائها مطلب (1)
__________
(1) صحيفة الابرار 2/140، وفي دلائل الإمامة ص 78 ولكن الحديث بهذا النص قد بتر وحرّف، انظر مدينة المعاجز 3/464رواية980 الباب الخامس والعشرون سقيه (ع) أصحابه من إبهامه واطعامهم من طعام الجنة وسقيهم من شرابها .(60/199)
.
ثم قال في تعليقه على الرواية ما نصه: ( يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب هذا الحديث من الأحاديث المستصعبة!! التي لا يحتملها إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان )!!! (1).
قال هذا الحجة في موضع آخر:( وأمّا المعصوم (ع) فهذا المقام حاصل له مساوقا لبدء خلقه فليس بين الله وبين حجته حجاب في حال من الأحوال كما مرّ صريح الحديث في ذلك في القسم الأول من الكتاب نعم أنهم (ع) يلبسوا بعض العوارض بالعرض في هذه الدار الفانية ليطيق الخلق رؤيتهم فيتمكنوا من تكميلهم و هو أحد الأسرار!! في بكائهم واستغفارهم إلى الله تعالى من غير ذنب لحق ذواتهم فافهم فإذا خلعوا هذا اللباس العرضي وانتقلوا إلى الدار الباقية خلص لهم ذلك المقام يزورهم الرب تعالى !! ويصافحهم!! ويقعدون معه!! على سرير واحد !! لاتحاد حكم العبودية مع حكم الربوبية ) (2) .
فهل يحكم عبد الحسين على أئمته كما حكم على أبي هريرة t ؟
فما رأي عبدالحسين وشيعته في أمثال هذه الأحاديث المصرحة ؟! ، فهل أئمتكم من أهل التجسيم ؟!وهل بسبب أئمتك ظهرت أنواع البدع والأضاليل؟! أم الأضاليل ظهرت بسبب رواتك الذي أثنيت عليهم في مراجعاتك الملفقة ؟!! ، إذ اشتهرت ضلالة التجسيم بين اليهود ، ولكن أول من ابتدع ذلك بين المسلمين هم الروافض ، ولهذا قال الرازي : ( اليهود أكثرهم مشبهة ، وكان بدء ظهور التشبيه في الاسلام من الروافض مثل هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم الجواليقي ، ويونس بن عبد الرحمن القمي وأبي جعفر الأحول ) (3).
وأما قول عبد الحسين في الحاشية :( بأن الشيخ ابن تيمية مثّل لنزول الله إلى سماء الدنيا بنزوله درجة من درج المنبر الذي كان يخطب عليه يوم الجمعة، وأن هذه الواقعة حضرها ابن بطوطة بنفسه ورآها وسجلها ..).
__________
(1) صحيفة الابرار 2/140 .
(2) الصحيفة 2/141 .
(3) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص97 .(60/200)
قلت : إن هذا كذب ، وللرد على هذه الفرية انظر ما كتبه العلامة بهجة البيطار في حياة ابن تيمية رداً على ابن بطوطة (1). فابن تيمية لم يمثّل لنزول الله إلى سماء الدنيا بنزوله درجة من درج المنبر ،ولكن إمامك المعصوم هو الذي مثّل كيفية جلوس الرب!
فعن أبي حمزة الثمالي قال: رأيت علي بن الحسين قاعداً واضعاً إحدى رجليه على فخذه فقلت : إن الناس يكرهون هذه الجلسة ويقولون : إنها جلسة الرب ، فقال: إني إنما جلست هذه الجلسة للملالة، والرب لا يمل ولا تأخذه سنة ولا نوم (2)
فمن الذي شبه الله تعالى كما تزعم ابن تيمية رحمه الله أم إمامك المعصوم؟!
__________
(1) الخلافات بين السنة والشيعة كما يراها محمد رشيد رضا والشيخ تقي الدين الهلالي ص102 .
(2) انظر الأصول 2 /661 باب الجلوس ، مرآة العقول 12/563-564ح2 وقد حسن المجلسي هذا الحديث ! ، حلية الأبرار 2/74 الباب الحادي والعشرون في المفردات وص 187 الباب الثامن عشر في آداب المائدة من ذكر الله تعالى وغيره .(60/201)
استنكار واستغراب عبد الحسين حديث طواف نبي سليمان بمائة امرأة في ليلة :
5- وفي(ص74) أورد عبد الحسين حديث "طواف سليمان بمائة امرأة في ليلة": أخرج الشيخان بالاسناد إلى أبي هريرة مرفوعاً قال : قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ ! تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلامًا ؟ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ! فَقَالَ لَهُ الْمَلَك: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ ( )! ! فَأَطَافَ بِهِنَّ ! وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلا امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ! (قَالَ أبو هريرة ):قال النَّبِيُّ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِه ( ) .
ثم أخذ المؤلف يصول ويجول ويشكك كعادته في الحديث قائلا:( وفي هذا أيضاً نظر من وجوه : أحدها: أن القوة البشرية لتضعف عن الطواف بهن في ليلة واحدة مهما كان الإنسان قوياً ، فما ذكره أبو هريرة من طواف سليمان (ع) بهن مخالف لنواميس الطبيعة لا يمكن عادة وقوعه أبدا .
ثانيها: أنه لا يجوز على نبي الله تعالى سليمان (ع) أن يترك التعليق على المشيئة، ولا سيما بعد تنبيه الملك إياه إلى ذلك، وما يمنعه من قول إن شاء الله ؟ وهو من الدعاء الى الله والأدلاء عليه ، وإنما يتركها الغافلون عن الله - عز وجل -، الجاهلون بأن الأمور كلها بيده . فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن ، وحاشا أنبياء الله عن غفلة الجاهلين أنهم (ع) لفوق ما يظن المخرفون .
ثالثها:أن أبا هريرة قد اضطرب في عدة نساء سليمان، فتارة روى إنهن مائة كما سمعت، وتارة روى إنهن تسعون، وتارة روى إنهن سبعون وتارة روى إنهن ستون ...).
قلت: إن أمثال هذه الأحاديث قد رواها أئمتك، ونقلها علماؤك في تفاسيرهم وشروحهم .
فهذا الطبرسي في تفسيره مجمع البيان (8/475) أثبت هذا الحديث من طريق أبي هريرة- رضي الله عنه - الذي أنكرته أيها الأمين !!(61/1)
وأما من طريق أهل البيت - رضي الله عنهم - ففي تفسير " البرهان " (4/ 43) عن هشام ،عن الصادق(ع) قال: إن داود لمّا جعله الله خليفة في الأرض أنزل عليه الزبور- إلى أن قال- ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية .
وعن الحسن بن جهم قال: رأيت أبا الحسن (ع) اختضب فقلت: جعلت فداك اختضبت فقال: نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء - إلى أن قال:- كان لسليمان بن داود ألف امرأة في قصر واحد ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سريّة وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - له بضع أربعين رجلا وكان عنده تسع نسوة وكان يطوف عليهن في كل يوم وليلة( ) .
ونقل نعمة الله الجزائري في كتابه "قصص الأنبياء" (ص407): عن أبي الحسن(ع) قال: كان لسليمان بن داود ألف امرأة في قصر واحد، وثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرّية، ويطيف بهن في كل يوم وليلة .
وعلق الجزائري على الرواية ما نصه :( أقول: يحمتل طواف الزيارة ، الأظهر أنه طواف الجماع ) ( ).
وفي المصدر نفسه (ص 408): عن أبي جعفر(ع) قال: كان لسليمان حصن بناه الشياطين له ، فيه ألف بيت في كل بيت منكوحة ، منهن سبعمائة أمة قطبية وثلاثمائة حرة مهيرة ، فاعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا في مباضعة النساء ، وكان يطوف بهن جميعا ويسعفهن .
وقال محمد نبي التوسيركاني في كتابه " اللئالي (1/100 في سلوك سليمان- عليه السلام - ) ما نصه : ( وفي بعض الكتب المعتبرة !كان معسكره مأة فرسخ مفروشة بلبنة الذهب يقوم عليها عسكره خمسة وعشرون إنس ، .... وكانت له ألف امرأة في ألف بيت من القوارير موضوعة على الخشب ،وعن أبي الحسن : كان لسليمان - عليه السلام - لف امرأة في قصر واحد ) .
وفي " الأنوار النعمانية"(3/182 باب نور الحب ودرجاته) :( أن سليمان - عليه السلام - كان يسحب معه على البساط ألف امرأة منكوحة وسبعمأة من الإماء وثلثمأة من الحرائر، وقيل: إنه كان يوقف عليهن في ليلته ...) .(61/2)
وقال: (أقول: ما نسبه إلى القليل نقله في المكارم من الكتاب من لايحضر من مزيد قال بعض نقل العدد المزبور:" وكان يطوف بهن في كل يوم وليلة ) .
وقال الكاشاني في كتابه "المحجة البيضاء " ( 6/282 باب " بيان أقسام ما به العجب وتفصيل علاجه ) ما نصه:( كما روي عن سليمان - عليه السلام - أنه قال: لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة غلاماً الحديث ولم يقل إن شاء الله فحرم ما أراد من الولد ..) .
ولعل عبد الحسين اقتنع بروايات أهل البيت ، وشرّاح من علمائه .
ثم لماذا الإنكار على نبي الله سليمان - عليه السلام -، وقد رويتم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قد أعطي هذه القوة !
وفي "الوسائل" (14/180 كتاب النكاح ) عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله(ع).... قال: لما كان في السحر هبط جبرئيل بصحفة من الجنة كان فيها هريسة ، فقال: يا محمد هذه عملها لك الحور العين فلكها أنت وعلي وذريتكما فإنه لا يصلح أن يأكلها غيركم فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وعلي فاطمة والحسن والحسين (ع) فأكلوا منها فاعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في المباضعة من تلك الأكلة قوة أربعين رجلاً، فكان إذا شاء غشى نساءه كلهن في ليلة واحدة .
185
بل أن هذه القوة قد أعطيت لإمامك المهدي أيضاً ! . ففي الخصال باسناده عن الحسن بن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن علي بن الحسين(ع) قال: إذا قام قائمنا أذهب الله - عز وجل - عن شيعتنا العاهة وجعل قلوبهم كزبر الحديد وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا ( ) .
فماذا يقول عبد الحسين في روايات أهل البيت التي أثبتناها ؟ هل يطعن فيهم ؟!
قلت :ثم النسيان يجوز على الأنبياء ، وقد أثبت القرآن الكريم ذلك في آيات متعددة نذكر منها على سبيل المثال ، كما أثبت أيضاً مشائخ عبد الحسين في مصادرهم لعله يعقل ويقوق من جهله .(61/3)
أن القرآن دلّ على نسيان الأنبياء في مواضع كثيرة . ففي سورة الأعلى يقول الله لنبيه الكريم { سَنُقْرِئُكَ فَلا نَنسَى} [ الأعلى /6]، وقال - عز وجل -: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُضُونَ في ءَايَتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُضُوا فِى حَدِيثٍ غِيْرِهِ وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطنُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَومِ الظَّلِمِينَ } ،[ الأنعام 68 ] وقال - عز وجل - :
{ وَلاَتَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنّىِ فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلاَّ أَن يَشَآءَ اللهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِينِ رَبّيِ لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} [الكهف /23و24 ] . وقال - عز وجل -: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَهُ لآ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فيِ الْبَحْرِ سَرَبًا فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَهُ ءَاتِنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَنِيهُ إِلاّ الشَّيْطَنُ أَنْ أَذْكُرْهُ } [الكهف /60-63] ، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم .
وإليك روايات أهل البيت المؤيدة في ذلك ، فعن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر(ع) - إلى أن قال - وقد قال الله- عز وجل - لنبيه في الكتاب:{ وَلاَتَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنّىِ فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلاَّ أَن يَشَآءَ اللهُ} أن لا أفعله فتسبق مشيئة الله في أن لا أفعله فلا أقدر على أن أفعله، قال: فلذلك قال - عز وجل -:{وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ }، أي استثن مشيئة الله في فعلك ( ).(61/4)
وفي حديث طويل - قال القمي فحدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبدالله(ع) قال: (كان سبب نزولها يعني سورة الكهف أن قريشاً بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران النضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط والعاص بن وائل السهمي لتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - إلى أن قال - فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب (ع) فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل فإن أجابنا عنها فعلمنا أنه صادق وإن لم يجيبنا علمنا أنه كاذب، فقال أبو طالب: سلوه عما بدا لكم فسألوه عن الثلاث مسائل ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : غداً أخبرك ولم يستثن فاحتبس الوحي عليه أربعين يوماً حتى اغتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ( ) .
فهل يرضى عبد الحسين أن يتهم أئمة أهل البيت ويدلس عليهم كما فعل في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -؟!
استنكار عبد الحسين حديث لطم نبي الله موسى عين ملك الموت :
6- وفي (ص76) أورد عبد الحسين حديث:" لطم موسى عين ملك الموت": أخرج الشيخان في صحيحيهما بالاسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جاء مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى(ع) فقال له: أجب ربك . قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ، قال: فرجع الملك إلى الله تعالى فقال: إنك أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لا يُرِيدُ الْمَوْتَ ففقأ عيني قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فَضَعُ يَدَك على مَتْنِ ثَوْرٍ فما توارت بيدك من شَعْرَةٍ فإنك تعيش بها سَنَةٌ الحديث ( ).(61/5)
ثم أخذ يصول ويجول كعادته في القاء الشبة على هذا الحديث وبشكك فيه، نذكر ما قاله بإختصار قائلا :( وأنت ترى ما فيه مما لا يجوز على الله تعالى ولا على أنبيائه ولا على ملائكته ، أيليق بالحق تبارك وتعالى أن يصطفي من عباده من يبطش عند الغضب بطش الجبارين ؟؟.... .ويكره الموت كراهة الجاهلين ...) ؟
قلت: إن هذا الحديث قد أجاب عنه أهل العلم من قبل ، فالمؤلف الفطن !! لم يأت بشيء جديد .قال ابن حجر :( أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ ،وإنما بعثه إليه اختيارا وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدمياً دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت ، ....وقد جاءت الملائكة إلى ابراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء ، ولو عرفهم ابراهيم لما قدم لهم المأكول ولوعرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه. ( ) .
و قال بعض أهل العلم : ثبت بالكتاب والسنة أن الملائكة يتمثلون في صور الرجال ، وقد يراهم كذلك بعض الأنبياء فيظنهم من بني آدم كما في قصتهم مع إبراهيم ومع لوط - عليه السلام - ، اقرأ من سورة هود الآيات 69-80 ، وقال - عز وجل - في مريم عليها السلام { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فََتمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا } [مريم /17] .
وفي السنة أشياء من ذلك وأشهرها ما في حديث السؤال عن الإيمان والإسلام والإحسان ، فمن كان جاحداً لهذا كله أو مرتاباً فيه فليس كلامنا معه ، ومن كان مصدقاً علم أنه لا مانع أن يتمثل ملك الموت رجلا ويأتي إلى موسى فلا يعرفه موسى( ).
وإليك بعض روايات أهل البيت التي تدل بأن ملك الموت ، بل سائر الملائكة كانوا يأتون الأنبياء على صورة بشر، وليست على صورة الحقيقية ، لأن البشر بما فيهم الأنبياء لا يطيقون رؤية الملائكة على الصورة الحقيقية .(61/6)
ففي " اللئالي" ( 1/91 في سلوك موسى): عن الصادق (ع)، قال: إن ملك الموت أتى موسى بن عمران ، فسلّم عليه، فقال: من أنت ؟ قال: أنا ملك الموت، قال: ما حاجتك ؟ قال له: جئت أقبض روحك من لسانك، قال كيف وقد تكلمت به ربي ؟ قال فمن يدك فقال له موسى: كيف وقد حملت بهما التورية ؟ فقال: من رجليك، فقال له وكيف وقد وطأت بهما طور سيناء ! قال: وعدّ أشياء غير هذا ، قال: فقال له ملك الموت : فإني أمرت أن أتركك حتى تكون أنت الذي تريد ذلك، فمكث موسى ما شاء الله، ثم مرّ برجل وهو يحفر قبراً فقال له موسى: ألا أعينك على حفر هذا القبر؟ فقال له الرجل: بلى. قال: فأعانه حتى حفر القبر ولحد اللحد وأراد الرجل أن يضطجع في اللحد لينظر كيف هو؟ فقال موسى عليه السلام: أنا اضطجع فيه، فاضطجع موسىفرأى مكانه من الجنة، فقال: يا رب اقبضني إليك فقبض ملك الموت روحه ودفته في القبر واستوى عليه التراب قال: وكان الذي يحفر القبر ملك بصورة آدمي ، فلذلك لا يعرف قبر موسى .
وفي "لئالى " ( 1/96 باب في سلوك إبراهيم - عليه السلام - ):( وقد روى أنه سئل الله أن لا يميته إلاّ إذا سأل فلما استكمل أيامه التي قدرت له خرج فرأى ملكاً على صورة شيخ فان كبير قد أعجزه الضعف، وظهر عليه الخوف لعابه يجري على لحيته، وطعامه وشرابه يجران من سبيله على غير اختياره ، فقال له يا شيخ كم عمرك؟ فأخبره بعمر يزيد على عمر ابراهيم - عليه السلام - بسنة فاسترجع فقال: أنا أصير بعد سنة إلى هذا الحال، فسئل الموت) .
وعن الرضا(ع) عن أبيه إن سليمان بن داود (ع) قال ذات يوم لأصحابه: إن الله تعالى وهب ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي سخر لي الريح والانس والجن والطير والوحوش وعلمني منطق الطير، .. إذا نظر إلى الشاب حسن والوجه واللباس قدخرج
189
عليه من بعض زوايا قصره ، فلما بصر به سليمان قال له : من أدخل إلى هذا القصر ؟(61/7)
وقد أردت أن أخلو فيه اليوم فباذن من دخلت ؟ قال الشاب أدخلني هذا القصر ربه وباذنه دخلت فقال: ربه أحق به مني فمن أنت ؟ قال: أنا ملك الموت قال: وفيما جئت ؟ قال: جئت لأقبض روحك قال: امض لما أمرت به فهذا يوم سروري" ( ).
وعن الصادق(ع) أن الخاتم الذي تصدق به أميرالمؤمنين(ع) وزن حلقته أربعة مثاقيل فضة ووزن فصه خمسة مثاقيل وهي ياقوته حمراء قيمته خراج الشام ستمأة حمل فضة وأربعة أحمال من الذهب وهو لطوق بن حبران قتله أميرالمؤمنين (ع) وأخذ الخاتم من اصبعه وأتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من جملة الغنائم فاعطاه النبي فجعله في اصبعه .
وفي " اللئالي " أيضاً (3/26): وروى في بعض الأخبار أن ذلك السائل كان ملكا أرسله الله في صورة رجل سائل إلى مسجد النبي- صلى الله عليه وسلم - ....
وعن ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -سئل جبرئيل أن يترأى له في صورته، فقال جبريل إنك لم تطق ذلك ، قال: إني أحب أن تفعل ، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم - المصلّى في ليلة مقمرة فأتاه جبرئيل في صورته ، فغشى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -حين رآه ثم أفاق وجبرائيل سنده واضع احدى يديه على صدره والأخرى بين كتفيه فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ما كنت أرى شيئاً ممن خلق الله هكذا فقال جبرئيل: لو رأيت اسرافيل الحديث وقال بعض ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير محمد مرة في السماء ومرة في الأرض ( ) .
و بإسناده عن زيد الشحام عن أبي عبدالله (ع) قال: إن ابراهيم - عليه السلام -كان أبا أضياف فكان إذا لم يكونوا عنده خرج يطلبهم وأغلق بابه وأخذ المفاتيح يطلب الأضياف وإنه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدار فقال: يا عبدالله بإذن من دخلت هذه الدار؟ قال: دخلتها بإذن ربها - يردد ذلك ثلاث مرات - فعرف ابراهيم - عليه السلام - إنه جبريل فحمد الله ثم قال: أرسلني ربك .. الحديث ( ) .(61/8)
ومن ذلك ما أورده ومحدثهم محسن الكاشاني في كتابه " المحجة" (7/305) هذه الرواية : ".. ورآى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - صورة جبريل بالأبطح فصعق " .
وفي كتاب " نفس الرحمن" للنوري (454) :" أن ملكاً من الملائكة كان على صورة ثعبان" .
حديث لطم نبي الله موسى- عليه السلام - لملك الموت في كتب الشيعة :
ثم إن حديث لطم موسى- عليه السلام - لملك الموت ، قد رواه علاّمتكم في مصادرهم ، فهذا نعمة الله الجزائري أثبت في كتابه، ومحمد نبي التويسيركاني أثبته في كتابه باب " في سلوك موسى- عليه السلام - قال ما نصه: (في سلوك موسى - عليه السلام - في دار الدنيا وزهدها فيها، وفي قصة لطمه ملك الموت حين أراد قبض روحه، واحتياله له في قبضها ....
وقد كان موسى - عليه السلام - أشدّ الأنبياء كراهة للموت ، قد روى إنه لم جاء ملك الموت، ليقبض روحه، فلطمه فأعور، فقال يارب إنك أرسلتني إلى عبد لا يحب الموت، فأوحى الله إليه أن ضع يدك على متن ثور ولك بكل شعرة دارتها يدك سنة ، فقال: ثم ماذا ؟ فقال الموت، فقال الموتة ، فقال أنته إلى أمر ربك ( ) .
وقال محدثهم الكبير محسن الكاشاني نقلا من كلام علي بن عيسى الأربلي ما نصه: ( أن الطباع البشرية مجبولة على كراهة الموت مطبوعة عن النفور منه، محبة للحياة ومائلة إليها حتّى أن الأنبياء عليهم السلام على شرف مقاديرهم وعظم أخطارهم ومكانتهم من الله ومنازلهم من محال قدسه وعلمهم بما تؤول إليه أحوالهم وتنتهي إليه أمورهم أحبّوا الحياة وما لوا إليها وكرهوا الموت ونفروا منه ،وقصة آدم - عليه السلام -مع طول عمره وامداد أيام حياته مع داود مشهورة ، وكذلك حكاية موسى - عليه السلام - مع ملك الموت!! وكذلك ابراهيم - عليه السلام - ( ) .(61/9)
فأين أنت يا أشباه العلماء من هؤلاء العلماء ؟! ، بل قد جاء في خبر مشهور على ما رواه المجلسي في بحاره عن محمد بن سنان عن مفضل بن عمر عن جعفر الصادق في خبر طويل قال المجلسي في شرحه : ( أقول لعله أشارة إلى ما ذكره جماعة من المؤرخين أن ملكاً من الملائكة بخت نصر لطمة ومسخه وصار في الوحش في صورة أسد وهو مع ذلك يعقل ما يفعله الانسان ثم رده الله تعالى صورة الانس ... ( ) .
لطم جبريل البراق !!
وقبل أن أختتم هذا الفصل لسائل أن يسأل قد علمنا ما في قصة لطمه ملك الموت حين أراد قبض روحه، واحتياله له في قبضها وقد كان موسى- عليه السلام - أشدّ الأنبياء كراهة للموت ، ولكن لم نفهم حكمة ضرب البراق ، وإليك روايات القوم !! .
فعن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (ع): قال جاء جيريل وميكائيل واسرافيل بالبراق إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فأخذ واحد بالجام وواحد بالركاب وسوي الآخر عليه ثيابه فتضعضعت البراق فلطمها قال لها اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله ولا يركبك بعده
مثله قال فرقت به ورفعته ارتفاعاً ليس الكثير ومعه جبريل يريه الآيات .. ( ).
وعن عبدالرحمن بن غنم ، قال جاء جبريل الى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بدابة دون البغل وفوق الحمار رجلاها أطول من يديها خطوها مد البصر فلما أراد أن يركب أمتنعت ، فقال جبريل انه محمد فتواضعت حتى لصقت بالارض قال فركب ... ( ) .
ثم لا أدري كم مرّة سقط النبي - صلى الله عليه وسلم - من البراق، نسأل الله السلامة في العقل والبعد عن التهور والجهل !! . لعل عبد الحسين اقتنع ما رواه أئمة أهل البيت ، إن كان لا يعجبه ما رواه أبا هريرة - رضي الله عنه - .
استنكار عبد الحسين حديث فرار الحجر بثياب موسى - عليه السلام - :(61/10)
7- وفي (ص 79) أورد عبد الحسين حديث "فرار الحجر بثياب موسى وعدو موسى خلفه ونظر بني اسرائيل إليه مكشوفاً " . أخرج الشيخان في صحيحيهما بالإسناد إلى أبي هريرة قال: كَانَو بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سوأة بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى(ع) يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلا أَنَّهُ آدَرُ(أي ذو فتق) قال: فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ! فَجَمعَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُول:ُ ثَوْبِي حَجَرُ! ثَوْبِي حَجَرُ!حَتَّى نَظَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى سوأة مُوسَى فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ فقام الحجر بعد حتىنظرإليه فأخذ مُوسَى فطفق ثَوْبَهُ بِالْحَجَرِضرباً؟ فوالله إِنَّ بِالْحَجَرَِنَدَباً سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ( ) .
ثم أخذ كعادته يصول ويجول ويشكك في هذا الحديث بقوله(... وأنت ترى ما في الحديث من المحال الممتنع عقلاً فإنه لا يجوز تشهير كليم الله(ع) بابداء سوأته على رؤوس الأشهاد من قومه لأن ذلك ينقصه ويسقط من مقامه، ولا سيما إذا رأوه يتشد عارياً ينادي الحجر وهو لا يسمع ولا يبصر: ثوبي حجر.. ثم يقف عليه وهو عار أمام الناس فيضربه والناس تنظر إليه مكشوف العورة كالمجنون ....!
على أن القول بأن بني اسرائيل كانوا يظنون أن موسى أدرة لم ينقل إلا عن أبي هريرة ...) الخ .
قلت : يظهر أن هذا المؤلف إما أن الله أعمى بصيرته ! وإما أنه يتعمد الكذب والدجل! ، فهذا الحديث الذي أنكره على أبي هريرة- رضي الله عنه - وادعى إنه لم ينقل إلا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قد رواه إمامه ووصيه السادس ، وقد أخرج مفسرو الشيعة ذلك في تفاسيرهم .(61/11)
ففي تفسير القمي عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(ع) أن بني اسرئيل كانوا يقولون ليس لموسى ما للرجال وكان موسى إذا أراد الإغتسال ذهب إلى موضع لايراه فيه أحد من الناس فكان يوماً يغتسل على شط نهر وقد وضع ثيابه على صخرة فأمرالله الصخرة فتباعدت عنه حتى نظر بنو اسرائيل إليه فعلموا أنه ليس كما قالوا أنزل الله { يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَاللهِ وَجِيهًا } [ الأحزاب/69 ] ( ).
ثم أن مفسرهم الطبرسي في مجمع البيان أثبت عن أبي هريرة- رضي الله عنه - هذا الحديث الذي أنكره عبد الحسين :" أن موس- عليه السلام - كان حيياً ستيراً يغتسل وحده فقال ما يتستر منّا إلا لعيب بجلده أما برص وأما أدرة فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه علىحجر فمر
الحجر بثوبه فطلبه موسى - عليه السلام - فرآه بنو اسرئيل عرياناً كأحسن الرجال خلقا فبرأه الله مما قالوا " ( ) .
قال رئيس علمائهم نعمة الله الجزائري في قصصه(ص 250) :( قال جماعة من أهل الحديث لا استبعاد فيه بعد ورود الخبر الصحيح وإن رؤيتهم له على ذلك الوضع لم يتعمده موسى - عليه السلام - ولم يعلم إن أحد ينظر إليه أم لا وأن مشيه عرياناً لتحصيل ثيابه مضافاً إلى تبعيده عما نسبوه إليه ، ليس من المنفرات ) .
فما هو رأي عبد الحسين الأمين ؟! ،فهل يرضى عبد الحسين أن يتهم أئمة أهل البيت - رضي الله عنهم - الذين رووا هذا الحديث كما اتهم أبو هريرة - رضي الله عنه -؟ !
استنكار عبد الحسين حديث" طلب الشفاعة من الأنبياء يوم القيامة "(61/12)
8- وفي (ص81) أورد عبد الحسين حديث " فزع الناس يوم القيامة إلى آدم فنوح فابراهيم فموسى فعيسى رجاء شفاعتهم فإذا هم في أمرهم ملبسون" : أخرج الشيخان بالإسناد إلى أبي هريرة حديثاً من أحاديث الطويلة) مرفوعاً جاء فيه ما هذا نصه: يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأوَّلِينَ منهم وَالآخِرِينَ يوم القيامة فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ ولا يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاس:ُ أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ ألا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُم؟ْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ (ع) فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ! وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّي - عز وجل - قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ(61/13)
وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نوح(ع) قال: فيأتون نوحاً (ع) فيقولون يا نوح إنك أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سمّاك الله عبداً شكوراً اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله! وأنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي ! نفسي نفسي نفسي! إذهبوا إلى غيري إذهبوا إلى قال: فيأتون إِبْرَاهِيمَ (ع) فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى(ع) فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ(61/14)
عِيسَى إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، قال فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الأنْبِيَاءِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ قال أبو هريرة قال رسول الله(ص) فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي - عز وجل - ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا
حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأبْوَابِ الحديث ( ) .(61/15)
ثم أخذ المؤلف البارع الفطن يصول ويجول كعادته في تفنيد هذا الحديث فتارة يقول: ( وفيه من التسور على مقام أولى العزم من أنبياء الله وأصفيائه ما تبرأ منه السنن وتتنزه عن خطله فإن للسنن المقدسة سنة نبينا في تعظيم الأنبياء غاية تملأ الصدور هيبة وإجلالا...- إلى أن قال- فحديث أبي هريرة هذا بهرائه وهذره أجنبي عن كلام رسول الله (ص) مباين لسننه كل المباينة . ومعاذ الله أن ينسب إلى أنبياء الله ما اشتمل عليه هذا الحديث الغث التفه وحاشا آدم من المعصية بارتكاب المحرم الذي يوجب غضب الله، وإنما كان منهياً عن الشجرة نهي تنزيه وإرشاد ، وتقدس نوح من الدعاء إلا على أعداء الله.. لنا أن نسأل أبا هريرة عن هؤلاء المساكين أمن أمة محمد هم ؟ أم من أمة غيره؟ فمن الطبيعي له أن لا يحبط مساعيهم، ولا يخيب آمالهم فكيف اختص أمته بالشفاعة دونهم؟ من ما فطر عليه من الرحمة الواسعة ومع ما آتاه الله يومئذ من الشفاعة والوسيلة معاذ الله أن يخيبهم وهو أمل الراغب الراجي وأمن الخائف اللاجي.... إلخ ) .
قلت: إن هذا الحديث الذي أنكره عبد الحسين، قد رواه أنس بن مالك وأبو سعيد وأبو بكر وابن عباس- رضي الله عنهم - ( ).
ثم إن هذا الحديث الذي أنكره دجلا وتقية والذي وصفه (بالهراء والهذر والتفاهة...) هو بعينه رواه أئمة أهل البيت- رضي الله عنهم -، وإليك بعض هذه الأحاديث من طرقهم بإختصار .(61/16)
عن خثيمة الجعفي قال: كنت عند جعفر بن محمد (ع) أنا ومفضل ابن عمر ليلا ليس عنده أحد غيرنا ، فقال له مفضل الجعفي : جعلت فداك حدثنا حديثا نسر به ، قال نعم إذا كان يوم القيامة حشر الله الخلائق في صعيد واحد -إلى أن قال - فيقفون حتى يلجمهم العرق فيقولون : ليت الله يحكم بيننا ولو إلى النار- إلى أن قال- ثم يأتون آدم فيقولون : أنت أبونا وأنت نبي فاسأل ربك يحكم بيننا ولو إلى النار، فيقول آدم : لست بصاحبكم . خلقني ربي بيده وحملني على عرشه ، اسجد لي ملائكته . ثم أمرني فعصيته ، ولكني أدلكم على ابني الصديق الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم ، كلما كذبوا اشتد تصديقه نوح قال فيأتون نوحاً فيقولون : سل ربك يحكم بيننا ولو إلى النار، قال: فيقول : لست بصاحبكم ، إني قلت : إن ابني من أهلي ، ولكني أدلكم على من اتخذه الله خليلا في دار الدنيا ، أيتوا ابراهيم ، قال: فيأتون ابراهيم فيقول : لست بصاحبكم، إني قلت: إني سقيم ولكني أدلكم على من كلم الله تكليما موسى قال : فيأتون موسى فيقولون له، فيقول : لست بصاحبكم إني قتلت نفسا ولكني أدلكم على من كان يخلق بأذن الله ويبرئ الأكمة والأبرص بأذن الله عيسى فيأتون فيقول: لست بصاحبكم، ولكني أدلكم على من بشرتكم به في دار الدنيا أحمد ثم قال أبوعبدالله (ع): - إلى أن قال - فيأتونه، ثم قال: فيقولون يا محمد سل ربك يحكم بيننا ولو إلى النار، قال: فيقول : نعم أنا صاحبكم- إلى أن قال- فاذا نظرت إلى ربي مجدته تمجيدا .....ثم أخر ساجدا فيقول : يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعط ( ) .
فهل أئمتك أيضاً يهذرون ؟ ، نسأل الله السلامة في العقل والدين !
استنكار عبد الحسين حديث" تساقط جراد الذهب على نبي الله أيوب "(61/17)
8- وفي (ص90) أورد عبد الحسين حديث " جراد الذهب المتساقط على أيوب وهو يغتسل ومعاتبة الله إياه على ما حشاه منه في ثوبه ": أخرج الشيخان بطرق متعددة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً قَالَ: بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ وَلَكِنْ لا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ ( ) .
ثم أخذ المؤلف يصول ويشكك في الحديث قائلا :( لا يركن إلى هذا الحديث إلاّ أعشى البصيرة، مظلم الحس فإن خلق الجراد من ذهب آية من الآيات ، وخوارق العادات وسنة الله- عز وجل - في خلقه أن لا يخلق مثلها إلاّ عند الضرورة كما لو توقف ثبوت النبوة عليها فتأتي حينئذ برهان على النبوة ودليلا على الرسالة....) .
قلت: لو أردنا بيان منزلة أئمتك الذين ادعيتم فيهم العصمة وأنهم أفضل من الأنبياء والمرسلين وبيان ما ادعيتم فيهم من معجزات ( ) واهية لا أصل لها لاحتجنا إلى مجلدات ضخمة ، ويكفي الرجوع إلى عناوين الأبواب في أمهات كتبك .
ففي"المحجة البيضاء"(4/265): رواية طويلة عن الصادق(ع) قال فيها :" نحن ورثة الأنبياء ليس فينا ساحر ولا كاهن ، ندعو الله فيجيب وإن أحببت أن أدعو الله فيمسخك كلباً تهتدي إلى منزلك فتدخل عليهم وتبصبص لأهلك فعلت ، فقال: الأعرابي بجهله : نعم، فدعا الله فصار كلباً في الوقت ومضى على وجهه ، فقال لي الصادق(ع) اتبعه ، فأتبعته حتى صار إلى حيّه فدخل إلى منزله وجعل يبصبص لأهله وولده فأخذوا له العصا حتى أخرجوه فانصرفت إلى الصادق فأخبرته بما كان فبينا نحن في هذا الحديث إذ أقبل حتى وقف بين يدي الصادق وجعلت دموعه تسيل وأقبل يمترّغ في التراب ويعوي، فرحمه فدعا له فعاد أعرابياً فقال له الصادق(ع): هل آمنت يا أعرابي ؟ قال: نعم ألفاً وألفاً .(61/18)
وفي "القطرة"(1/ 252) : " قال عسكر مولى أبي جعفر(ع) :دخلت عليه فقلت في نفسي يا سبحان الله ما أشد سمرة مولاي وأضوى جسده قال فوالله ما استتمت الكلام في نفسي حتى تطاول وعرض جسده !! وامتلأ به الأيوان إلى سقفه مع جوانب حيطانه ثم رأيت لونه وقد أظلم حتى صار كالليل المظلم !! ثم أبيض حتى كأبيض ما يكون من الثلج !! ثم أحمر حتى صار كالعلق المحمر !! ثم أخضر حتى صار كأخضر ما يكون!! من الأغصان المورقة الخضرة !! ثم تناقص جسمه حتى صار في صورته الأولى!! وعاد لونه الأول وسقطت لوجهي مما رأيت .
فهذا أئمتك لهم خوارق العادات ما لم تتحقق لأنبياء الله ، فلماذا هذا الإنكار على نبي الله أيوب - عليه السلام - يا علاّمة ؟
ثم إن هذا الحديث قد رواه أئمة أهل البيت الذي تعتقد فيه العصمة وأنه أفضل من نبي الله أيوب - عليه السلام - .
فعن عن أبي بصير عن أبي عبدالله(ع) { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنَّا وَذِكْرَى لأُوْلىِ الأَلْبَبٍ } قال: فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلية ورد عليه أهله الذين ماتوا بعدما أصابهم البلاء كلهم أحياهم الله تعالى له فعاشوا معه . وسئل أيوب بعدما عافاه الله : أي شيئ كان أشد عليك مما مر عليك ؟ قال: شماتة الأعداء قال فامطر الله عليه في داره فراش ( ) من الذهب وكان يجمعه فاذا ذهب الريح منه بشيئ عدا خلفه فرده ، فقال له جبرئيل: ما تشبع يا أيوب ؟ قال: ومن يشبع من رزق ربه( )
وعن هشام بن سالم عن أبي عبدالله(ع) قال : أمطر الله على أيوب من السماء فراشاً من ذهب، فجعل أيوب يأخذ ما كان خارجا من داره فيدخله داره، فقال جبرئيل(ع): أما تشبع يا أيوب - عليه السلام - ؟ قال: ومن يشبع من فضل ربه ( ).(61/19)
وعن مفضل بن عمر عن الصادق(ع) في علائم ظهور الحجة خبراً طويلا وفيه : قال الصادق(ع) ثم يعود المهدي إلى الكوفة وتمطر السماء بها جراداً من ذهب كما أمطره الله في بني اسرائيل على أيوب .." ( ) .
نترك الحكم في هذه الرواية لعبد الحسين ليبين لنا هل هي من خوارق العادات وسنة الله - عز وجل - في خلقه و تتوقف ثبوت النبوة !! عليها فتأتي حينئذ برهان على النبوة ودليلا على الرسالة ..." ؟! نسأل الله السلامة في العقل والبعد عن التعصب الأعمى !
استنكار عبد الحسين حديث التنديد بموسى إذ قرصته نملة فأحرق قريتها :
10- وفي (ص91) أورد عبد الحسين حديث" التنديد بموسى إذ قرصته نملة فأحرق قريتها :" أخرج الشيخان بالإسناد إلى أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً قَال:َ قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ- وهو موسى بن عمران فيما نص عليه الترمذي - فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَالأمم تُسَبِّحُ الله ( ).
ثم أخذ يصول ويجول مستنكراً هذا الحديث قائلا :( إن أبا هريرة مولع بالأنبياء عليهم السلام هائم بكل مصيبة غريبة تقذى بها الأبصار وتصتك منها المسامع وأن أنبياء الله لأعظم صبرا وأوسع صدرا وأعلى قدرا، مما يحدث عنهم المخرفون - إلى أن قال-
وما أدري والله ماذا يقول مصححو هذا الحديث فيما فعله هذا النبي من تعذيب النمل بالنار ؟ من قول رسول الله: لا يعذب بالنار إلا الله وقد أجمعوا على أنه لا يجوز الاحراق بالنار للحيوان مطلقاً إلا إذا أحرق انسان انسانا فمات بالإحراق فلوليه الاقتصاص باحراق الجاني وسواء في منع الاحراق بالنار النمل وغيره من سائر الحيوانات للحديث المشهورلا يعذب بالنار إلا الله ) .(61/20)
قلت: لقد عقد فخرك المجلسي( ) في بحاره (64/242 )" كتاب السماء والعالم" "باب النحل والنمل وسائر ما نهي عن قتله" وأود هذا الحديث الذي أنكرته من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - يا علامة الشيعة .
وروى الصدوق عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: قال عزير: يارب إني نظرت في جميع أمورك وإحكامها فعرفت عدلك بعقلي ، وبقي باب لم أعرفه: إنك تسخط على أهل البلية فتعمهم بعذابك وفيهم الأطفال فأمره الله تعالى أن يخرج إلى البرية وكان الحر شديداً ، فرأى شجرة فاستظل بها ونام ، فجاءت نملة فقرصته فدلك الأرض برجله فقتل من النمل كثيراً، فعرف أنه مثل ضرب ، فقيل له : يا عزير إن القوم إذا استحقوا عذابي قدرت نزوله عند انقضاء آجال الاطفال فماتوا أولئك بآجالهم وهلك هؤلاء بعذابي ( ) .
وفي "لئالى الأخبار"(5/326 باب " في أوصاف النمل " ) قال ما نصه : ( قال النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلذعته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها وأمر بها فأحرقت بالنار فأوحى الله تعالى إليه هلا نملة واحدة .
فلم هذا الإنكار على أبي هريرة ؟
وعن علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال: سألته عن قتل النملة قال:لا تقتلها إلا أن تؤذيك!! ( ) .
و عن مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفر بن محمد(ع) يقول: وسئل عن قتل الحيات والنمل في الدور إذا آذين ، قال: لا بأس بقتلهن وإحراقهن إذا آذين !!( ) .
وعن ابن سنان قال: قال أبوعبدالله:لا بأس بقتل النمل آذتك أولم تؤذك !! ( ) .
قلت: إن كان لا يجوز الإحراق بالنار وسائر الحيوانات للحديث المشهور ، فلماذا هم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بإحراق قوم كانوا يصلّون في بيوتهم وذلك حسب ما رواه أئمة من أهل البيت ؟!(61/21)
فعن ابن سنان عن أبي عبدالله(ع) قال سمعته يقول: إن أناس كانوا على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ابطئوا عن الصلاة في المسجد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليه نارا فتحرق عليهم بيوتهم ( ) .
وفي" التهذيب"(3/266): عن أبي يعفور عن أبي عبدالله(ع) قال: هم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون الجماعة ... ..
وقال المجلسي في"بحاره"(19/352) من كتاب تاريخ نبينا باب غزوة بدر الكبرى قال البلاذري: روي أن هبار بن الأسود كان ممن عرض لزينب بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حين حملت من مكة إلىالمدينة، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يأمر سراياه إن ظفروا به أن يحرقوه بالنار، ثم قال: "لا يعذب بالنار إلا رب النار " وأمرهم إن ظفروا به أن يقطعوا يديه ورجليه ويقتلوه .. .
و أيضاً أحرق علياً قوماً من السبئية ؟ وقال :
لما رأيت الأمر أمر منكرا أوقدة نارى ودعوت قنبرا ( ) .
فما رأي العلامة عبدالحسين الذي بالغ في البحث والتنقيب ؟ !!
استنكار عبد الحسين حديث" سهو النبي - صلى الله عليه وسلم - "(61/22)
10- (ص 92) أورد عبد الحسين حديث :"سهو النبي عن ركعتين" : أخرج الشيخان فيما جاء في السهو من صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ صَلَّى النَّبِيُّ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ؟ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ! قَال:َ بَلَى قَدْ نَسِيتَ! فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ! ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّر!َ فَسَجَدَ الحديث ( ) .
ثم أخذ المؤلف يصول ويجول ويشكك في الحديث قائلاً ( أحدها أن مثل هذا السهو الفاحش لا يكون ممن فرّغ للصلاة شيئاً من قلبه أو أقبل عليها بشيئ من لبه، وإنما يكون من الساهين عن صلاتهم، اللاّهين عن مناجاتهم، وحاشا أنبياء الله من أحوال الغافلين ، وتقدّسوا عن أقوال الجاهلين، فإن أنبياء الله - عز وجل - ولا سيما سيدهم وخاتمهم أفضل مما يظنون على أنه لم يبلغنا مثل هذا السهو عن أحد ولا أظن وقوعه إلا ممن بمثل حال القائل :
أصلّي فما أدري إذا ما ذكرتها أئثنتين صليت الضحى أم ثمانياّ ؟
وأما وسيد النبيين وتقلبه في الساجدين ، إن مثل هذا السهو لو صدر منّي لأستولى عليّ الحياة وأخذني الخجل واستخف المؤتمون بي وبعبادتي ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء الله أبداً ...) الخ .(61/23)
قلت: أولاً: أن القرآن دلّ على نسيان الأنبياء في مواضع كثيرة في القرآن الكريم. يقول الله تعالىلنبيه الكريم { سَنُقْرِئُكَ فَلا نَنسَى} [ الأعلى /6]، وقال - عز وجل -: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُضُونَ فىِ ءَايَتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُضُوا فىِ حَدِيثٍ غِيْرِهِ وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطنُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَومِ الظَّلِمِينَ } ،[ الأنعام 68 ] وقال - عز وجل - : { وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِينِ رَبّيِ لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} [الكهف /24 ] . وقال - عز وجل -: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَهُ لآ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فيِ الْبَحْرِ سَرَبًا فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَهُ ءَاتِنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَنِيهُ إِلاّ الشَّيْطَنُ أَنْ أَذْكُرْهُ } [الكهف /60-63] ، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم .
ثانياً : أن الحديث رواه غير أبي هريرة كابن مسعود وعمران - رضي الله عنهم - ( ).
وأما إنكار عبد الحسين سهو النبي- صلى الله عليه وسلم - فهذا من مذهب الغلاة الذين ينفون السهو.
وسوف أثبت لهذا المؤلف وغيره أن إنكار السهو من إمامه الذي يعتقد أنهم لا يخطئون ولا ينسون وأنهم حجج الله على خلقه .
وعن أبي صلت الهروي قال: قلت للرضا (ع) إن في سواد الكوفة قوما يزعمون أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لم يقع عليه السهو في صلاته ، فقال: كذبوا لعنهم الله إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلاهو( ) .(61/24)
وقال شيخهم الصدوق : ( ليس سهو النبي - صلى الله عليه وسلم - كسهونا لأن سهوه من الله - عز وجل - اسهاه ليعلم أنه بشر فلا يتخذ معبوداً دونه وسهونا من الشيطان ...) ( ) .
والحقيقة أن الشيعة اختلفت عقائدها في " مسألة سهو النبي- صلى الله عليه وسلم -" ، فكانت عقيدتهم في أول الأمر في عصر القمي الملقب عندهم بالصدوق - كما مرّ قوله - وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد كان عقيدتهما وعقيدة جمهور الشيعة أن أول درجة في الغلو هو نفي السهو عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ، فكانوا يعدون من ينفي السهو عن النبي- صلى الله عليه وسلم - من الشيعة الغلاة !!وأظن أن عبد الحسين وشيعته من الغلاة كما هو واضح .
بل اعتبر القمي أن الذين ينفون السهو عن الأئمة من المفوضة لعنهم الله على حد تعبيره ، وأنهم ليسوا من الشيعة في نظرهم ( ) .
يقول شيخهم ابن بابويه الملقب بالصدوق في "من لا يحضرة الفقيه"(1/234): (أن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي- صلى الله عليه وسلم - ) .
وذكر أن شيخه بن الوليد يقول:( أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعني لجاز أن نرد جميع الأخبار و في ردها إبطال الدين و الشريعة، وأنا احتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي- صلى الله عليه وسلم - والرد على منكريه ) .
قلت: ولكن تبدّلت الحال بعد ذلك وأصبح نفي السهو عن الأئمة وليس عن النبي- صلى الله عليه وسلم - من ضرورات مذهب التشيع !!!
يقول شيخهم المامقاني وهو في كتابه" تنقيح المقال" ( 3/ 240):( أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي ) ( ).(61/25)
ونقول: مع أنهم نقلوا بأنفسهم في دواوينهم الحديثية أخباراً عن أئمتهم تنفي عن أئمتهم السهو والنسيان .ومن يتتبع أخبارهم وأحاديثهم يجد مجموعة كبيرة منها تناقض دعواهم في عدم سهو أئمتهم وقد احتار فخرهم المجلسي بوجود كثير من الأخبار في كتبهم تناقض دعوى نفي السهو عن الأئمة، ولذا اعترف المجلسي فقال في "البحار" (25/351) ما نصه: ( المسألة في غاية الإشكال لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو عنهم وإطباق الأصحاب إلا من شذ منهم على عدم الجواز ) .
ثالثاً: حديث السهو لم ينفرد به أبا هريرة- رضي الله عنه - ، بل وافقه وشاركه عظماء وسادات من علماء أهل البيت - رضي الله عنهم -، وأثبته علماء القوم في مصادرهم .
ففي" البحار"( 17/101): عن علي(ع) قال: صلّى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الظهر خمس ركعات، ثم انفتل، فقال له بعض القوم: يا رسول الله هل زيد في الصلاة شيء؟ فقال: وما ذاك ؟ قال: صلّيت بنا خمس ركعات، قال: فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس، ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثم سلّم، وكان يقول: هما المرغمتان .
وعن الباقر(ع) قال:صلّى النبي- صلى الله عليه وسلم - صلاة وجهر فيها بالقراءة فلما انصرف قال لأصحابه : هل أسقطت شيئاً في القرآن ؟ قال: فسكت القوم، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: أفيكم أبي بن كعب ؟ فقالوا: نعم، فقال: هل أسقطت فيها شيء ؟ قال: نعم يا رسول الله أنه كان كذا وكذا00الحديث ( ) .
وفي " الوسائل"( 5/307): عن الحارث بن المغيرة النضري قال : قلت لأبي عبدالله(ع): إنما صلّينا المغرب فسها الإمام فسلّم في الركعتين فأعدنا الصلاة ، فقال : ولم أعدتم ، أليس قد انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في ركعتين فأتم بركعتين ؟ ألا أتممتم .(61/26)
فأين قول عبد الحسين عندما قال:(... إن مثل هذا السهو لو صدر منّي لأستولى عليّ الحياة وأخذني الخجل واستخف المؤتمون بي وبعبادتي ومثل هذا لا يجوز على أنبياء الله أبداً ... .
أصلّي فما أدري إذا ما ذكرتها أئثنتين صليت الضحى أم ثمانياّ ) ؟
فما رأي عبد الحسين فيما رواه أئمته- رضي الله عنهم - في اثبات سهو النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟!! و هل يتهم أئمته كما اتهم أبو هريرة - رضي الله عنه - ؟!!
- - - - - -
استنكار عبد الحسين حديث" أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان يجلد ويغضب ..."
11- وفي (ص 97) أورد عبد الحسين حديث :"كان النبي يؤذي ويجلد ويسب ويلعن من لا يستحق" :أخرج الشيخان عن أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ ( ) أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ الحديث( ).
ثم أخذ يصول ويجول مفنداً الحديث بقوله :( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسائر الأنبياء لا يجوز عليهم أن يؤذوا أو يجلدوا أو يسبوا أو يلعنوا من لا يستحق ، سواء أكان ذلك في حال الرضا أم في حال الغضب ، بلى لا يمكن أن يغضبوا بغير حق ...) .
قلت : إن هذا الحديث قد رواه غير أبو هريرة ..فقد رواه جابر بن عبد الله وعائشة وأنس ومن أهل البيت - رضي الله عنهم - .
وفسوف نورد أحاديث أصحاب الحجج و العصمة من أهل البيت كما يعتقد .(61/27)
فعن علا عن محمد عن أبي جعفر(ع) قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إنما أنا بشر أغضب وأرضى، وأيّما مؤمن حرمته وأقصيته او دعوت عليه فاجعله كفّارة وطهوراً ، وأيما كافر قربته أو حبوته أو أعطيته أو دعوت له ولا يكون لها أهلا فاجعل ذلك عليه عذاباً ووبالا ( ) .
قلت: وإذا كان سائر الأنبياء لا يجوز عليهم أن يؤذوا أو يجلدوا أو يسبوا أو يلعنوا من لا يستحق ، سواء أكان ذلك في حال الرضا أم في حال الغضب ، فكيف يروي إمامك المعصوم ذلك !
فقد روى الكليني عن أبي عبدالله(ع) قال: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وفد من اليمن وفيهم رجل كان أعظمهم كلاما وأشدهم استقصاء في محاجة النبي فغضب النبي حتى التوى عرق الغضب بين عينيه وتربد وجهه وأطرق إلى الأرض فأتاه جبريل (ع) فقال: ربك يقرئك السلام ويقول لك: هذا رجل سخي يطعم الطعام فسكن عن النبي- صلى الله عليه وسلم - الغضب ورفع رأسه وقال له: لولا أن جبريل أخبرني عن الله- عز وجل - إنك سخي تطعم الطعام لشردت بك وجعلت حديثا لمن خلفك فقال له الرجل : وإن ربك يحب السخاء ؟ فقال: نعم فقال: إني اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله والذي بعثك بالحق لارددت من مالي أحدا ( ) .
استنكار عبد الحسين حديث" عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة "
12- وفي (ص104) أورد عبد الحسين حديث :"عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة:" أخرج الشيخان بالإسناد إلى أبي هُرَيْرَةَ قَالَ:صلّى رَسُولُ اللَّهِ صلاة فقال(ص): إِنَّ الشيطان ( ) عرض لي فشدّ عَلَيَّ ِيَقْطَعَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ فأمْكَنَنِي الله مِنْهُ فَذَعَتُّهُ - أي فخنقته - ولَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَوثقه إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا فتَنْظُرُوا إِلَيْهِ فذَكَرْتُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِى لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي }( ).(61/28)
ثم أخذ يصول ويجول ويشكك في هذا الحديث بقوله :( وفيه أن أنبياء الله وخيرته من خلقه يجب أن يكونوا في نجوة من هذا وفي منتزح فإنه ينافي عصمتهم ويضع من قدرهم ومعاذ الله أن يشد الشيطان عليهم أو يعرض لهم أو تسوّل له نفسه الطمع فيهم... ــ إلى أن قال في (ص113)ــ فليسمح لي الشيخان وغيرهما ممن يعتبرون حديث ابي هريرة لأسألهم هل للشيطان جسم يشد وثاقه ويربط بالسارية حتى يصبح وتراه الناس بأعينها أسيراً مكبلا ...؟ الخ ) .
قلت : لقد عقد فخرك المجلسي في بحاره (63/297 ) في كتاب السماء والعالم باباً سماه " ذكر إبليس وقصصه" وأود هذا الحديث الذي أنكرته من طريق أبي هريرة .
كما عقد فخرك أيضاً في بحاره في كتاب النبوة باباً سماه " في معنى قوله: {وَهَبْ ليِ مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابْ }" وأورد فيه هذا الحديث من رواية الشيخين والذي أنكرته من الصحيحين ( ) أيها العلامة !
فانظروا إلى مدى جهل " عبد الحسين " يثبت فخره حديث أبي هريرة في حين ينكره على رواية الإسلام أبي هريرة - رضي الله عنه - ، فما هذا الحقد والتضليل ؟ !!
كما وأن فخره أيضاً عقد في بحاره (18/82 )كتاب في كتاب تاريخ النبي- صلى الله عليه وسلم - باباً سماه " معجزاته في استيلائه على الجن والشياطين " وأورد فيه هذا الحديث وهو من طريق ابن مسعود قال المجلسي: " وقال القاضي في الشفا: رأى عبدالله بن مسعود الجن ليلة الجن وسمع لامهم وشبههم برجال الزطّ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :إن شيطاناً تفلت البارحة ليقطع عليّ صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد .. .(61/29)
وأما من طريق إمامك المعصوم ، فقد روى الحميري في قرب الاسناد عن أبي جميلة عن أبي عبدالله(ع) في قول سليمان: { وَهَبْ ليِ مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابْ } قلت : فاعطيه الذي دعا به ؟ قال: نعم ، ولم يعط بعده إنسان
ما اعطي نبي الله - عليه السلام - من غلبة الشيطان فخنقه إلى اسطوانة حتى أصاب بلسانه يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - :" لولا ما دعا به سليمان - عليه السلام - لأريتكموه " ( ) .
فدل هذا الحديث الذي رواه جعفر الصادق على مدى جهلك بأحاديث أهل البيت - رضي الله عنهم -.
وأما قوله :( فليسمح لي الشيخان وغيرهما ممن يعتبرون حديث أبي هريرة لأسألهم هل للشيطان جسم يشد وثاقه ويربط بالسارية حتى يصبح وتراه الناس بأعينها أسيراً مكبلا ؟ ) .
أقول: عبد الحسين ينكر ويتعجب من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمسك الشيطان وربطه ..، ولكن لا يتعجب إن إمامه المعصوم ! أمسك بإبليس وحاول أن يقتله ، ولكن حينما اعترف ابليس إنه محب يؤمن بالولاية !! تركه وخلى سبيله !
ففي الأنوار النعمانية (2/168 ): روى عن الصدوق بإسناده إلى علي(ع) قال: قد كنت جالساً عند الكعبة فإذا شيخ محدودب، فقال يا رسول الله أدع لي بالمغفرة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - خاب سعيك يا شيخ وضل عملك، فلما ولّى الشيخ سألته عنه ، فقال ذلك اللعين ابليس قال علي عدوت خلفه حتى لحقته وصرعته إلى الأرض وجلست على صدره !! ووضعت يدي على حلقه لأخنقه !! ، فقال لا تفعل يا أبا الحسن فإني من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ، والله يا علي أني لأحبك جداً وما أبغضك !! أحد إلاّ شركت أباه في أمه فصار ولد زنا فضحكت !! وخلّيت سبيله .
علي - رضي الله عنه - يقتل ثمانين ألف من الجن !!(61/30)
عبد الحسين يستنكر ويتعجب من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وكذلك من معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت عند الفريقين .
ولكن هل تعجب من معجزة ومن حديث إمامه المعصوم؟!! وهل استنكر ذلك المعجزة الصادرة من إمامه المعصوم حسب اعتقاده؟! إليك الرواية بإختصار .
أورد هاشم البحراني في كتابه " مدينة معاجز" باب معاجز الإمام أمير المؤمنين(ع) (1/147-151 حديث 88) باب " التاسع والعشرون خبر عطرفة الجنّي " .(61/31)
السيد المرتضى " في عيون المعجزات" قال: ومن دلائل أمير المؤمنين ومعجزاته وخبره مع عطرفة الجنّي وهو خبر معروف عند علماء الشيعة، وقد وجدت هنا الخبر في كتاب الأنوار، وفي حديث طويل عن زاذان ، عن سلمان، قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم - ذات يومٍ جالساً بالأبطح وعنده جماعة من أصحابه وهو مقبل علينا بالحديث، إذ نظرنا إلى زوبعة قد ارتفعت، فأثارت الغبار، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أن وقفت بحذاء النبي- صلى الله عليه وسلم - ثم برز منها شخص كان فيها، ثم قال: يا رسول الله إني وافد قومي، وقد استجرنا بك فاجرنا، وابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا ، فإن بعضهم قد بغى علينا، ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله وكتابه وخذ عليّ العهود والمواثيق ....فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم - من أنت ومن قومك ؟ قال: أنا عطرفة ابن شمراخ، أحد بن نجاح وأنا وجماعة من أهلي كنّا نسترق السمع، فلما منعنا من ذلك آمنّا، ولما بعثك الله نبياً آمنّا بك .... وقد خالفنا بعض القوم ...فوقع بيننا وبينهم الخلاف، وهم أكثر منّا عدداً وقوة ... فابعث معي من يحكم بيننا وبينهم بالحق .... ثم استدعى - أي النبي- صلى الله عليه وسلم - - بعلي (ع) وقال له : يا علي سِر مع أخينا عطرفة ، وتشرف على قومه، وتنظر إلى ما هم عليه ، وتحكم بينهم بالحق - فقام أمير المؤمنين(ع) مع عطرفة وقد تقلّد سيفه ، قال سلمان- رضي الله عنه - فتبعتهما إلى أن صار إلى الوادي فوقفت أنظر إليهما، فانشقّت الأرض ودخلا فيها!! - إلى أن قال - وقد انشق الصفا!! وطلع أمير المؤمنين(ع) وسيفه يقطر دماً !!! ومعه عطرفة .... قال له - أي النبي- صلى الله عليه وسلم - - ما الذي حبسك عنّي
212
إلى هذا الوقت؟ فقال (ع): صِرتُ إلى جنٍ كثيرٍ قد بغوا علىعطرفة وقومه من المنافقين فدعوتهم إلى ثلاث خصال فأبوا عليّ ... فوضعت سيفي فيهم وقتلت منهم زهاء ثمانين ألفاً !!! ... الخ ( ).(61/32)
وفي (2/284 رواية 553) " الذي تخبّطه الشيطان لمّا ادّعى ما قاله (ع) " .
فعن أبي يحيى قال: شهدت علياً (ع) يقول على منبر الكوفة: أنا عبد الله وأخو رسول الله (ص) - إلى أن قال- فلم يبرح مكانه حتى تخبّطه الشيطان، فجرّ برجله إلى باب المسجد .
ففي (ص309 رواية 573) " أنّه (ع) هرب عنه إبليس يوم بدر " .
وخلاصة الحديث: قال ابن مسعود: والله ما هرب إبليس إلا حين رأى أمير المؤمنين(ع) فخاف أن يأخذه ويستأسره ويعرفه الناس فهرب .
وسوف أحيلك أيها القارئ إلى أبواب وعنواين معاجز أئمتهم بإختصار .
ففي (ص21 رواية 365) " أنّه (ع) كان معه جبرائيل وميكائيل(ع) حين تعرض له إبليس، وأنّه (ع) قتل ياغوث " .
وفي(ص446 رواية 672) " أنّه (ع) ولّى أربعين ألف ملك وقتل أربعين ألف عفريت " .
وفي (ص 445 رواية 671) " مخافة الجنّي منه (ع) " .
فليسمح لي القمي والمجلسي وغيرهما ممن يعتبرون حديث أهل البيت كما يزعمون لأسألهما هل للشيطان والجن جسم لكي يصرعه و يجلس على صدره ويضع يديه في حلقه ليخنقه أو يقتلهم؟!، والعجيب أن هذا المؤلف أنكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المعجزة ، ولم ينكر على إمامه فاعتبروا يا أولي الألباب !! ...
استنكار عبد الحسين حديث" نوم النبي- صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الصبح "
13- وفي (ص 114) أورد كعادته حديث :"نوم النبي عن صلاة الصبح": أخرج الشيخان بالإسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ واللفظ لمسلم قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ(ص) لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَره الشَّيْطَانُ، قَالَ: أَبو هُرَيْرَةَ: فَفَعَلْنَا ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ ( ) .(61/33)
ثم أخذ عبد الحسين يدلس ويصول ويجول كعادته مفنداً هذا الحديث وملخصه: ( وهذا مما يبرأ منه هدى رسول الله(ص) ...أتراه(ص) يحض الناس على الصلاة هذا الحض ، ويهتم بصلاة الفجر هذا الاهتمام ويهدد بالتحريق !! على من لا يخرج إليها ثم ينام عنها ؟ حاشا لله ومعاذ الله أن يكون كذلك .....وأن النبي(ص) كان يومئذ في جيش مؤلف من ألف وستمائة رجل ..فالعادة تأبى أن يناموا بأجمعهم ..ولعل هذا من خوارق أبي هريرة !.... كلمة تقضّ مضاجع المؤمنين وتقلقهم فلا ينامون بعدها عن نافلة الليل لو أنصفوا أنفسهم .... وما كان وهو سيد الحكماء ليندد بمن نام عن صلاة الليل هذا التنديد ثم ينام هو بمنظر من أصحابه عن صلاة الصبح، سبحانك هذا بهتان عظيم...وقد عقد البخاري في صحيحه باباً لتهجده في الليل وباباً لطول سجوده في صلاة الليل.... هذا دأبه في قيام الليل، فما ظنك به في أقامة الفرائض الخمس وهي أحد الأركان التي بني الإسلام عليها أيجوز عليه أن ينام عليها ؟! معاذ الله وحاشا لله...).
وقال في حاشيته (ص119)مانصه:( وهذا الحديث ممّا انفرد به أبو هريرة فلم يثبت عن غيره،ولكن الجمهور أخذوا به اعتمادا على أبي هريرة كما هي طريقتهم ....)
قلت: سبحان الله كيف بلغه الجهل، أليس تزعم أن الأئمة حجج الله على خلقه، فلماذا لا تسألهم هذا السؤال ؟! ونحن لا نسعنا إلا أن نورد أجوبة هؤلاء الذين اعتقد فيهم العصمة لكي يتبين مدى جهله وتدلسيه وتشكيكه وطعنه حول راوية الإسلام - رضي الله عنه - ومرويًاته .
وإليك روايات أهل البيت حجج الله على خلقه كما يزعمون . ويكون ذلك حسرة على عبد الحسين، وتكون عبرة لأتباعه، إلى يوم القيامة، وأن لا يطاولوا على أبي هريرة - رضي الله عنه - بالتكذيب والتشكيك والطعن فيه- رضي الله عنه - .(61/34)
فعن سماعة ابن مهران قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الصبح حتى طلعت الشمس، قال:يصليها حين يذكرها ، فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - رقد عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم صلاها حين استيقظ ولكنه تنحى عن مكانه ذلك ثم صلّى ( ) .
و عن حمزة بن الطيار، عن أبي عبدالله (ع) قال : إن الله أمر بالصلاة والصوم فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فقال أنا أنيمك وأنا أوقظك فإذا قمت فصل ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ليس كما يقولون : إذا نام عنها هلك... ( ) .
وفي الفقيه عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: إن الله تبارك وتعالى أنام رسول الله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، ثم قام فبدأ فصلّى الركعتين اللتين قبل الفجر، ثم صلّى الفجر وأسهاه في صلاته ، فسلّم في الركعتين ، ثم وصف ما قاله ذو الشمالين ، وإنما فعل ذلك به رحمة لهذه الأمة لئلا يعير الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها فيها فقال: قد أصاب ذلك رسول الله ( ).
فلماذا لا تكذّب ولا تستغرب ما يروي الكليني والقمي والطوسي وغيرهم وأثبت لهم نوم النبي- صلى الله عليه وسلم - من طريق الأئمة(ع) ؟،لم تجاهلت هذه الروايات أيها المدلس؟!لم أعرضت عنها في بحثك العلمي! وذوقك الفني ! أنسيت أنك تقول:( بأنك بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب ) فبالله عليك متى كان التضليل بحثاً علمياً ؟ ومتى كان الاعراض عن الحق ذوقاً فنياً ؟!، ومن هنا ترى أيها القارئ الكريم الفرق بين العلماء و أصحاب الأهواء والبدع !!(61/35)
وفي الكافي عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: نام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن الصبح والله - عز وجل - أنامه حتى طلعت الشمس عليه، وكان ذلك رحمة من ربك للناس ، ألا ترى لو أن رجلا نام حتى طلعت الشمس لعيره الناس وقالوا: لا تتورع لصلاتك ، فصارت أسوة وسنة فإن قال رجل لرجل : نمت عن الصلاة ، قال: قد نام رسول فصارت أسوة ورحمة ، رحم الله سبحانه بها هذه الأمة ( ) .
فهل علمت " يا عبدالحسين " لماذا نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة ؟! ومن الحكمة من ذلك ، أم مازلت في جهلك ؟! فإن لم تعلم فسيأتي شرح ذلك من كلام الشهيد أيضاً .
وهذا فخرك المجلسي يثب هذه الرواية في بحاره عن الكازروني في حوادث سنة سبع: وفيها نام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس بالإسناد عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حتى قفل من غزوة خيبر صار حتى إذا أدركه الكرى عرس وقال لبلال: أكلأ لنا الليل ، فصلّى بلال ما قدر له ونام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فلما تقارب لفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالا عينه وهو مستند إلى راحتله ، فلم يستقيظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ولا بلال ولا أحد من الصحابة حتى ضربتهم الشمس وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أولهم استيقاظا ففزع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال: أي بلال ، فقال: بلال : أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، بأبي أنت يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: اقتادوا ، فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأمر بلالا فأقام الصلاة وصلّى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال : {أقم الصلاة لذكرى }.
ثم قال المجلسي: أقول: قد مضى الكلام فيه في باب سهوه ( ).(61/36)
و نقل المجلسي عن الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح !! عن زرارة عن أبي جعفر(ع) قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (ع) فحدثني أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عرس في بعض أسفاره فقال: من يكلؤنا ؟ فقال بلال: أنا، فنام بلال وناموا حتى طلعب الشمس فقال: يا بلال ما أرقدك ؟ فقال : يا رسول الله أخذ بنفس الذي أخذ بأنفاسكم فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أذن فأذن فصلّى النبي- صلى الله عليه وسلم - ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلّى بهم الصبح ثم قال: من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها ، فإن الله - عز وجل - يقول : { وأقم الصلاة لذكرى } قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقال: نقضت حديثك الأول . فقدمت على أبي جعفر(ع) فأخبرته بما قال القوم ، فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعاً ، وأن ذلك كان قضاء من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ( ).
قال المجلسي في تعليقه على هذا الخبر :( قال الشهيد في هذا الخبر فوائد : منها استحباب أن يكون للقوم حافظ إذا ناموا ..) .
ومنها أن الله تعالى أنام نبيه لتعليم أمته، ولئلا يعّير بعض الأمة بذلك، ولم أقف على راد لهذا الخبر ، لتوهم القدح في العصمة ( ) .
وذكر المجلسي عن أبي جحيفة قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في سفره الذي ناموا فيه حتى طلعت الشمس ، ثم قال: إنكم كنتم أمواتا فرد الله إليكم أرواحكم ( ) .
فلماذا لا تسأل أئمتك هذه الأسئلة: هل نام الحرس أيضا كما نام المؤذنون ؟(61/37)
ولماذا لا تسألهم : أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان يومئذ في جيش مؤلف من ألف وستمائة رجل ..فالعادة تأبى أن يناموا بأجمعهم . ولماذا لا تسألهم هذه الأسئلة السخيفة ! ، فهل هذا الحديث من خوارق إمامك المعصوم أيضاً ؟ !
والعجب أن أولياء عبد الحسين يقولون أن الشمس ردت لكي يصلّي أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - صلاة العصر التي فاتته عندما كان النبي- صلى الله عليه وسلم - نائماً في حجر علي - رضي الله عنه - !!
نسأل الله السلامة في العقل والبعد عن التعصب والضلال!
استنكار واستغراب عبد الحسين "أن بقرة وذئباً يتكلمان بلسان عربي مبين "
14- وفي (ص120) عبد الحسين حديث :"بقرة وذئب يتكلمان بلسان عربي مبين": أخرج الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ(ص) صَلاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْث! فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تتَكَلَّمُ ، قَالَ(ص) فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ! قَالَ(ص) فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ ( ).(61/38)
ثم أخذ يصول ويجول بقوله :( أن أبا هريرة نزوع إلى الغرائب تواق إلى العجائب قد استخفته الى خوارق العادات نزية من الشوق والهيام فتراه طروبا إلى التحدث بما هو فوق النواميس الطبيعية ، كفرار الحجر بثياب موسى ، وكضرب موسى ملك الموت حتى فقأ عينه ، ونزول جراد الذهب على أيوب وأمثال ذلك من المستحيلات عادة .
وها هو الآن يحدث بأن بقرة وذئبا يتكلمان بلسان عربي مبين فيفصحان عن عقل وعلم وحكمة الأمر الذي لم يقع أصلا ولا هو واقع قطعا ولن يقع أبدا وسنة الله في خلقه تحيل وقوعه إلا في مقام التحدي والتعجيز حيث يكون آية للنبوة وبرهانا على الاتصال بالله عز سلطانه ومقام الرجل حيث ساق بقرته إلى الحقل وركبها في الطريق لم يكن مقام تحدي واعجاز لتصدر فيه الآيات وخوارق العادات وكذلك مقام راعي الغنم حين عدا الذئب عليه فلا سبيل إلى القول بامكان صحة هذا الحديث عقلا فإن المعجزات وخوارق العادات لا تقع عبثا بإجماع العقلاء ).
.
قلت: لقد عقد فخرك المجلسي في بحاره (65/79 )كتاب السماء والعالم باباً سماه "باب الثعلب والأرنب والذئب والأسد " أثبت هذا الحديث الذي أنكرته من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - من الصحيحين.
فانظروا إلى مدى تدليس هذا العالم الكبير يثبت فخره هذا الحديث في حين ينكره على أبي هريرة ؟ وما بعد الحق إلا الضلال .
كما عقد أيضاً في(19/129 ) كتاب تاريخ نبينا في باب " نزوله المدينة وبناؤه المسجد والبيوت " وأورد فيه حديث أبي هريرة .
قال المجلسي :( وفي هذه السنة تكلم الذئب خارج المدينة ينذر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما روي عن أبي هريرة ) .
نقل أيضاً في(17/394 ) كتاب تاريخ نبينا باب" ما ظهر من إعجازه في الحيوانات" عن فخرك " المفيد " في أماليه بإسناده عن شهر ين حوشب عن أبي سعيد الخدري .(61/39)
وقال المجلسي في البحار( 65/78) نقلا عن ابن عبد البر وغيره : كلّم الذئب من الصحابة ثلاثة : رافع بن عميرة ، وسلمة بن الأكوع ، واهبان بن أوس الأسلمي ، قال : ولذلك تقول العرب : هو كذئب اهبان ، يتعجبون منه ....".
219
فهذا الحديث ليس من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه -، فماذا تقول "يا أيها المؤلف الأمين"؟
فانظروا إلى مدى جهله بأحاديث أهل البيت- رضي الله عنهم - !!
ثم أن أبا هريرة لم يرو من الأحاديث مثل ما رواه أئمتك من الغرائب والعجائب التي تقشعر لها الأبدان ، فإن كنت تريد الإنكار فأولى أن تنكر على معصومينك لأنهم هم الذين يحبون التحدث مع أصحابهم بما فوق النواميس الطبيعية ، ويكفي في إثبات ذلك الرجوع إلى عناوين الأبواب .
ففي (مدينة معاجز ) (1/151-159 رواية 98)" حديث الجام " .
و(ص255 رواية 161) " إحياء الإسرائيلين الحوتين " .
و(ص266 رواية 169) " كلام الذئب " "كلام الذئبين وسلامهما عليه (ع) .
و(ص 273 رواية 170) " كلام الجمال والثياب " .
و(ص 275 رواية 171) " تسليم الأسد عليه (ع) " .
و(ص 281 رواية 177) " كلام البقرة بإسمه (ع) " .
و(ص282 رواية 178) " كلام الفيلة " .
و(ص 284 رواية 179) " كلام الوزّ " .
و(ص285 رواية 180 ) " كلام الدّراج " .
و(ص 288 رواية 182) " كلام الفرس " .
و(ص297 رواية 184) " إنطاق الجبال والأحجار والأشجار بإسمه (ع) " .
و(ص299 رواية 185) " كلام الحية " .
و(ص398 رواية 262) " كلام النخيل بإسم النبي والوصي " .
و(ص 409 رواية 272) " إنطاق الأسد بالنبي وأمير المؤمنين (ع) " .
و(ص 412 رواية 273) " كلام الجمل بالثناء عليه (ع) " .
و(ص415 رواية 275) " كلام البساط، وكلام السوط، وكلام الحمار" .
و(ص418 رواية 278) " شهادة الباذنجان له (ع) بالولاية " .
و(ص419 رواية 279) " إقرار الأرز له (ع) بالوصية " .
220
و(ص 442 رواية 297 ) " إنطاق الثياب والخفاف " .(61/40)
وفي (2/20 رواية 20363)" إنطاق الناقة بأنّه (ع) أمير المؤمنين " .
و(ص 28 رواية 371) " إنطاق حوت يونس بولايته و ولاية أهل البيت (ع) "
وفي (5/505 رواية 1021) " كلامه (ع) مع فرسه " .
و(ص528 رواية 1037) " كلام الظبية بفضله (ع) " .
فأين قول عبد الحسين عندما قال: (الأمر الذي لم يقع أصلا ولا هو واقع قطعاً ولن يقع أبداً وسنة الله في خلقه تحيل وقوعه ...) .
فانظر أيها القارئ مدى كذب وتدليس عبد الحسين فيما قاله!!
أقول: إن كنت تجهل بأن بقرة وذئباً يتكلمان بلسان عربي مبين ، وتنكر أن مثل هذا الأمر بأنه "( الأمر الذي لم يقع أصلا ولا هو واقع قطعاً ولن يقع أبداً وسنة الله في خلقه تحيل وقوعه ...) كما تزعم ، فما عليك إلا الاصغاء إلى هذه الأحاديث الملتوية من طرق أهل البيت- رضي الله عنهم - لكي يتبين للقاريء مدى تدلسيه وتقيته وجهله أمثال هذه الأحاديث في الكتب الأربعة وغيرها.
فعن علي (ع) قال:" كلّم الذئب أبا الاشعث ابن قيس الخزاعي ، فأتاه فطرده مرّة بعد أخرى، ثم قال له في المرّة الرابعة: ما رأيت ذئبا أصفق وجها منك . فقال له الذئب: بل أصفق وجها مني من تولى عن رجل ليس على وجه الأرض أفضل منه، ولا أنور نوراً، ولا أتم بصيرة ولا أتم أمراً ، يملك شرقها وغربها ، يقول: لا إله إلاّ الله، فيتركونه ، ومن أصفق وجها: أنا أم أنت الذي تتولى عن هذا الرجل الكريم ، رسول رب العالمين " ( ).(61/41)
وفي والخرائج : قال أبو عبدالله (ع): إن ثلاثة من البهائم أنطقها الله على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم - : الجمل وكلامه شكوى أربابه وغير ذلك . والذئب فقد جاء إلى النبي فشكا إليه الجوع ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرباب الغنم ، فقال : افرضوا للذئب شيئا فشحوا . فذهب .... وأما البقرة فإنها أذنت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ودلت عليه وكانت في نخل لبني سالم من الأنصار، وقالت: يا ذريح أعمل نجيح صائح يصيح بلسان عربي فصيح ،بأن لا إله إلاّ الله رب العالمين ،ومحمد رسول الله سيد النبيين ، وعلي وصيه سيد الوصيين .!! ( ) .
استنكار عبد الحسين حديث" تركة النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقة "
15- وفي( 143) أورد عبد الحسين حديث :" تركة النبي صدقة": أخرج الشيخان بالإسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَال:َ لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا ولاَ دِرْهَمًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ ( ) .
ثم أخذ يفند هذا الحديث بقوله : ( هذا مضمون الحديث الذي انفرد أبو بكر بروايته عن رسول الله محتجا به على عدم توريث الزهراء ....وقد انفرد الخليفة به ولم يروه على عهده احد سواه ، وربما قيل بأنه قد رواه معه مالك بن أوس الحدثان ).
قلت: تصحيحاً لمعلومات لهذا المؤلف، فإن هذا الحديث لم ينفرد به أبو بكر، بل رواه كل من عمر وعلي وسعد بن أبي وقاص والعباس وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وأبي هريرة وعائشة وطلحة وحذيفة وابن عباس- رضي الله عنهم - .
فهل هذا الحديث انفرد به أبو بكر- رضي الله عنه - ؟!! أم انفرد به أبو هريرة- رضي الله عنه - ؟! ، ألا تخجل من اتباع هذا الأسلوب الملتوي ..وبدون خجل أو وجل تحاول أن تقنعنا بصحة ما تدلس !! أين الأمانة العلمية ؟ أين الذوق الفني الذي ادعيته !
ثم إن هذا الحديث رواه ثقتك من طرق أهل البيت !!(61/42)
فقد روى الكليني في "الكافي"(1/34)- باب ثواب العالم والمتعلم- عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبد الله(ع) قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة... وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يرثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر.
استنكار عبد الحسين: كون أبي طالب مات مشركاً :
16- وفي (ص150) أورد عبد الحسين حديث:" أبي طالب أبى الشهادتين" قال أَبو هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) لِعَمِّهِ قُلْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَال:َ لَولا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لأ قْرَرْتُ بِهَا عَيْنَيكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } ( ).
ثم أخذ يفند هذا الحديث بعصبيته المذهبية المقيتة :( أين كان أبو هريرة عن النبي وعمه (ع)؟!! وهما يتبادلان الكلام الذي أرسله عنهما كأنه رآهما بعينيه وسمع كلامهما بأذنيه ؟ ....أن هذا الحديث مما ارتجله المبطلون تزلفا لأعداء آل أبي طالب ، وعملت لدولة الأموية في نشره أعمالها ، وقد كفانا السلف الصالح !! من أعلامنا مؤنة الاهتمام بتزييفه ....) .(61/43)
قلت: إن هذا الطعن مردود إذ مبني على التعصب والهوى المذهبي ، وعلى عدم الأمانة العلمية وإذا اجتمع التعصب وعدم الأمانة في النقد أصبح البحث أو النقد مردودا لا قيمة له ، وأنت أيها القاريء عرفت الآن موقف "المؤلف " من أبي هريرة- رضي الله عنه - فهو لا ينشد سوى اشفاء غليله من هذا الصحابي الجليل .وإلا فإن موت أبي طالب مشركاً ورفضه بنطق الشهادتين لم يكن من رواية أبي هريرة وحده ، فقد رواه غيره من الصحابة كالعباس وأبي سعيد الخدري وجابر- رضي الله عنهم - .
وإن هذا الحديث قد رواه قومك .
ففي تفسير القمي : علي بن ابراهيم في تفسيره قوله تعالى: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [ القصص/56 ] ، قال: نزلت في أبي طالب فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ياعم قل لا إله إلا الله أنفعك بها يوم القيامة ، فيقول يابن أخي أنا أعلم بنفسي فلما مات شهد العباس بن عبد المطلب عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه تكلم بها عند الموت ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : أما أنا فلم أسمعها منه وأرجوا انفعه يوم القيامة ( ).
وقال فضل الله الراوندي (الشيعي) في كتابه "نوادر الراوندي" (ص10):( قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أهون أهل النار عذاباً عمي أخرجه من أصل الجحيم حتى أبلغ به الضحضاح عليه نعلان من نار يغلى منهما دماغه .(61/44)
وقال المجلسي نقلاً عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: اختلف الناس في اسلام أبي طالب فقال الإمامية والزيدية: ما مات إلا مسلماً وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك منهم : الشيخ أبو القاسم البلخي وأبو جعفر الإسكافي وغيرهما، وقال أكثر الناس من أهل الحديث والعامة ومن شيوخنا البصريين وغيرهم: مات على دين قومه ويرون في ذلك حديثاً مشهوراً : إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال عند موته: قل ياعم كلمة أشهد لك بها غداً عند الله تعالى، فقال: لولا أن تقول العرب أن أباطالب جزع عند الموت لأقررت بها عينك، وروي إنه قال: أنا على دين الأشياخ ! وقيل: إنه قال: أنا على دين عبدالمطلب وقيل غير ذلك .
وروى كثير من المحدثين أن قوله تعالى:{ مَاكَانَ لِلنَّبِىّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلىِ قُرْبَى مِنمبَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَبُ الْجَحِيمِ وَ مَاكَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبِيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لّلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [ التوبة/113-114]، أنزلت في أبي طالب لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - استغفرله بعد موته .
ورووا أن قوله تعالى:{ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} نزلت في أبي طالب .
ورووا أن علياً(ع) جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -! بعد موت أبي طالب فقال له: إن عمك الضال قد قضى فما الذي تأمرني فيه ؟ واحتجوا به لم ينقل أحد عنه أنه رآه يصلي، والصلاة هي المفرقة بين المسلم والكافر، وأن علياً وجعفرا لم يأخذا من تركته شيئا .(61/45)
ورروا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الله قد وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقي وإنه في ضحضاح من نار . ورووا عنه أيضاً إنه قيل له: لو استغفرت لأبيك وأمك فقال: لو استغفرت لهما لاستغفرت لأبي طالب فإنه صنع إليّ مالم يصنعا ،و أن عبدالله وآمنة وأبا طالب في حجرة من حجرات جهنم . ( انظر البحار35/155 ) .
قلت: والأدهى والأمر إنهم لم يفعلوا ذلك في آباء الأنبياء كآزر الذي ذكره القرآن بأنه كافر، بينما عقيدة القوم زعمت بأنه ليس كافر وأن الآية نزلت في عمه !!
استنكار عبد الحسين حديث" أمة مسخت فأراً "
17- وفي (ص157) أورد عبد الحسين حديث:" أمة مسخت فأراً" أخرج الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً قال: فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تدْرَى مَا فَعَلَتْ وَإِنِّي لا أرَاهَا إِلا الْفَارَ إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ إلاِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ ( ).
ثم أخذ يجول معربداً :( هذا من السخافة بمثابة تربأ عنها الأمة الوكعاء إلا أن تكون مدخولة العقل، ولكن الشيخين بمثابة يلبسان هذا المخرّف على غيثة- أي فساد عقله- ويحتجان به على سخافته ولو أن هذا لا يعود على الإسلام بوصمة لقلدناه حبله لكنها السنة المعصومة يجب الذود عن حياضها بكل ما أوتي المسلم من قوة .....فإن هذه الخرافات من أعظم ما مني به الاسلام من الآفات ) .
قلت: ِلنُخرج لهذا الؤلف بعض سخافاته إن كان يعتبر هذا الحديث من السخافات .(61/46)
ففي "مدينة معاجز" ( 2/42 رواية 387): عن زيد الشحّام، عن الأصبغ بن نباته أن أمير المؤمنين(ع) جاءه نفر من المنافقين ، فقالوا: أنت الذي تقول أن هذا الجريّ: مسخ حرام ؟ فقال: نعم، فقالوا: أرنا برهانه، فجاء بهم إلى الفرات، ونادى هناس هناس ، فاجابه الجريّ لبيك . فقال له أمير المؤمنين: من أنت ؟ فقال: ممّن عرضت ولايتك! عليه فأبى فمسخ!، وإنّ في من معك من يمسخ كما مسخنا!!، ويصير كما صرنا، فقال أمير المؤمنين: بيّن قصّتك ليسمع من حضر فيعلم، فقال: نعم كنّا أربع وعشرين قبيلة!! من بني اسرائيل!!، وكنّا قد تمّردنا وعصينا!، وعرضت علينا ولايتك! فأبينا!!، وفارقنا البلاد واستعملنا الفساد، فجاءنا آتٍ أنت أعلم به والله منّا فصرخ فينا صرخة فجمعنا جمعاً واحداً ... ثم صاح صيحة أخرى وقال: كونوا مسوخاً بقدرة الله تعالى، فمسخنا أجناساً مختلفة ... وصرنا مسوخاً كما ترى
قلت: فهذا من السخافة بمثابة تربأ عنها الأمة ...لكنها السنة المعصومة يجب الذود عن حياضها بكل ما أوتي المسلم من قوة..فإن هذه الخرافات من أعظم ما مني به الاسلام من الآفات ! فأين أنت يا هذا من هذا التخريف في أصل الدعوى وفي دليلها ؟!
و عن الكاظم(ع) أنه قال عن المسوخ : بأنها اثنا عشر صنفاً ولها علل ، فأما الفيل فانه مسخ كان ملكاً زناء لوطياً ، ومسخ الدب لأنه كان أعرابياً ديوثاً ، ومسخت الأرنب لأنها كانت أمرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيض ولا جنابة ، ومسخ الوطواط لأنه كان يسرق تمور الناس ، ومسخ سهيل لأنه كان عشارا باليمن ، ومسخت الزهرة لأنها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت، وأما القردة والخنازير فانهم قوم من بني اسرائيل اعتدوا في السبت ، وأما الجري والضب ففرقة من بني اسرئيل حين نزلت المائدة على عيسى - عليه السلام - لم يؤمنوا به فتاهوا فوقعت فرقة في البحر
226(61/47)
وفرقة في البر، وأما العقرب فانه كان رجلا نماما ، وأما الزنبور فكان لحاما يسرق في الميزان ( ).
وإختصاراً للرويات سوف أحيلك أيها القارئ إلى تلك العناوين والأبواب، التي بوّبها هاشم البحراني في كتابه (مدينة معاجز ) والتي اعتبرها ذلك من معجزات! الأئمة !
ففي (1/308 رواية 193) " الرّجل الذي مسخ كلباً بدعائه (ع) "
و(1/310 رواية 194) " رجل مسخ كلباً "
و(1/311 رواية 195) " رجل مسخ رأسه رأس خنزير " و" الرجل الذي صار رأسه رأس خنزير ووجهه وجه خنزير "
و (1/313 رواية 197 ) " الرجل الذي صار غراباً بدعائه (ع) "
و(1/313 رواية 197 ) " الرجل الذي صار غُراباً بدعائه (ع) "
وفي (2/66) باب السابع والسبعون ومائتان "مسخ رجل سلحفاة "
و(2/288 رواية 558 ) " مسخ الرجل الذي يشتمه (ع) كلباً "
و(2/297 رواية560)" الرجل الذي قال له (ع) اخسأ فصار رأسه رأس كلب"
وفي(3/260 رواية 880) " انقلاب الرّجل أنثى وبالعكس وردّهما إلى حالهما"
أقول: وهذه الخرافات من أعظم ما مني به الاسلام من الآفات !
نسأل الله العفو والعافية والسلامة في العقل والدين ، والبعد عن الهوى والضلال .
- - - - - - -
استنكار عبد الحسين حديث" من أدركه الفجر جنباً فلا يصُم "(61/48)
18- وفي(ص 157) أورد عبد الحسين حديث:" المكروه عليه فاعتذر بسماعه من الفضل" أخرج المسلم من طريق عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَال:َ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُصُّ من قَصَصِهِ ( ) : مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فلا يَصُمْ قال: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ لأبِيهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ(ص) يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ قَالَ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ وهو والي المدينة من قبل معاوية فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ مَرْوَانُ عَزَمْتُ عَلَيْكَ إلا مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ قَالَ فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ له ذلك فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَهُمَا قَالَتَاهُ لَك؟َ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ ،ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاس:ِ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ(ص) قَال:َ فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ الحديث ( ).
ثم أخذ يصول قائلا :( لو كان الفضل حياً ما اجترأ عليه ) .
وقال في الهامش(ص158) :( أن رسول الله(ص) أجل وأفضل وأكمل مما يظنون وحاشاه أن يصبح جنباً ولاسيما في أيام الصوم والأنبياء لا يجوز عليهم الاحتلام لأنه من تلاعب الشيطان وهم منزهون عنه ) .(61/49)
قلت: العجيب أن عبد الحسين الذي ينكر على أبي هريرة - رضي الله عنه -هذا يفعل ما يقتضيه حديث أبي هريرة ، إذ هو شيعي إمامي ، والفقه الشيعي يقول بافطار الذي يصبح جنباً ، أفليس هذا من العجب العجاب ؟ وإليك أقوال أئمته أهل البيت الذي يعتقد فيهم العصمة ! وهو مذهبه وسوف أذكر بعض رواياته وفقهه !
ثم إن هذا الحديث رواه إمامك المعصوم الموافق لأبي هريرة - رضي الله عنه - .
فعن حبيب الخثعمي في الصحيح عن الصادق(ع) قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يصلّي الليل في شهر رمضان ثم يجنب !! ثم يؤخر الغسل !! متعمداً !! حتى يطلع الفجر( ) .
وفي " التهذيب" (6/15 ) :عن محمد بن حمران عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن الجنب يجلس في المسجد؟ قال: لا، ولكن يمر فيه الاّ المسجد الحرام ومسجد المدينة قال: وروى أصحابنا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: لا ينام في مسجدي أحد ولا يجنب فيه أحد ولا يجنب فيه أحد وقال: إن الله أوحى إليّ أن اتخذ مسجداً طهورا لا يحل لأحد أن يجنب فيه إلاّ أنا وعلي الحسن والحسين .
وعن محمد بن عيسى قال: حدثني سليمان بن جعفر المروزي عن الفقيه(ع) قال: إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع الصوم ذلك اليوم ولايدرك فضل يومه ( ).
و عن أبي بصير عن أبي عبدالله(ع) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمداً حتى أصبح قال: يعتق رقبة أويصوم شهرين متتابعين أويطعم ستين مسكينا قال: وقال إنه لخليق ألا أراه يدركه أبداً ( ).
وفي" مسند الرضا"(2/194 باب من أصبح جنبا ( :عن أحمد بن محمد عن أبي الحسن (ع) قال: سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابه ، ثم ينام حتى يصبح متعمداً قال: يتم ذلك اليوم عليه قضاؤه .(61/50)
وفي" مرآة العقول " (16/278 ح 1 باب فيمن أجنب بالليل في شهر رمضان ): عن الحلبي ، عن أبي عبدالله(ع) أنه قال: في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهل ثم نام متعمداً في شهر رمضان حتى أصبح ،قال: يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه .
قال المحقق الحلي في " شرائع الإسلام" (1/192 ):( من أجنب ونام ناوياً للغسل، ثم انتبه ثم نام كذلك ، ثم انتبه ونام ثالثه ناوياً حتى طلع الفجر، لزمته الكفّارة على قول مشهور وفيه تردد).
وقال المجلسي في "مرآة العقول" (16/278): ( المشهور بين الاصحاب بل ادعى عليه الاجماع انه يحرم البقاء على الجنابة متعمداً حتى يطلع الفجر ويجب به القضاء والكفّارة . ونسب إلى الصدوق: القول بعدم التحريم . وذهب ابن أبي عقيل والسيد إلى وجوب القضاء خاصة، وكذا المشهور وجوب القضاء لو نام غير ناوٍ للغسل أو كان ناوياً وكان غير معتاد ..) .
أقول: فلم تنكر على أبي هريرة - رضي الله عنه - ما هو أصل مذهبك و عليه الفتيا من أئمتك وعلماء مذهبك المعتبرين .
فأين علم عبد الحسين من روايات أهل البيت- رضي الله عنهم - ، فبهذا الأسلوب التي اتخذه عبد الحسين في طعن روايات أبا هريرة - رضي الله عنه - يعود الطعن على أئمتة المعصومين من أهل البيت !!
ومن المعلوم أن حكم الجنابة لا ينافي الصوم بدلالة أن الرجل قد يحتلم نهاراً ويؤخر الغسل ولا يفسد بذلك صومه .
وقد اعترف شيخهم المرتضى بذلك وسلّمْ ، قال في "الانتصار"( ص64) ما نصه: ( إنا لا نوجب على المتعمد البقاء على الجنابة إلى الصباح الغسل لا لأجل المنافاة بين الجنابة والصوم ، بل لأنه اعتمد لأن يكون جنباً في نهار الصوم ) .
230
استنكار عبد الحسين حديث" لا عدوى ولا صفر ولا هامة "(61/51)
19- وفي(ص 159) قال عبد الحسين تحت عنوان:" حديثان متناقضان": أخرج البخاري من طريق أبي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً لا عَدْوَى وَلا صَفَرَ وَلا هَامَةَ قال فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(ص) فَمَنْ أَعْدَى الأوَّلَ .
ثم أخذ كعادته يشكك ويدلس في الحديث قائلاً:( أورد البخاري هذا الحديث ثم روى بعده بلا فصل وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ أنه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ فيما بَعْدُ يحدث فيَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ(ص): لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ فقال أبو سلمة يا أبا هُرَيْرَةَ أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لا عَدْوَى قال فأنكر حديثه الأول وَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ
( قلت: هذا شأن من لا تتساير خيلاه وكفى بهذا بلاغا ) ( ).
أقول: أن هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة وعن ابن عمر وعن أنس بن مالك- رضي الله عنهم - ، وثبت أيضاً عن عائشةرضي الله عنها عند الطبري وعن سعد بن أبي وقاص ورواه مسلم عن أبي هريرة وعن السائب بن يزيد وعن جابر وعن أنس وعن ابن عمر- رضي الله عنهم - ، فالحديث لم ينفرد به أبو هريرة ، بل وافقه عليه بضعة من الصحابة- رضي الله عنهم - .
إن هذا الحديث قد أثبته شيخك النوري في مستدركه(8/278-279): فقد عقد باباً سماه "كراهة الحذر من العدوى وكراهة الصفر للدابة وغيرها" من طريق أبي هريرة- رضي الله عنه - الذي أنكرته أيها الفطن .
وإن كان عبد الحسين يعتقد أن الحديث الذي رواه أبا هريرة - رضي الله عنه - (حديثان متناقضان ) كما يدّعي ويزعم ذلك كذباً وبهتاناً !! فإليك تناقضات أهل البيت- رضي الله عنهم - الذين رووا هذا الحديث أيضاً يا صاحب ( التقية ) .(61/52)
فعن النظر بن قرواش الجمال ، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن الجمال يكون بها الجرب أعزلها من ابلي مخافة أن يعديها جربها ، والدابة ربما صفرت لها حتى تشرب الماء ، فقال أبوعبدالله (ع): إن أعرابياً أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال: يارسول الله أني أصيب الشاة والبقرة بالثمن اليسير وبها جرب ، فأكره شرائها مخافة أن يعدي ذلك الجرب ابلي وغنمي فقال: رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : يا أعرابي فمن أعدى الأول ؟ ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: لا عدوى ولا طيرة ولا شوم ولاصفر ولارضاع بعد فصال ( ).
وفي "الفقيه"( 4/258)عن الصادق(ع) قال : فر من المجذوم فرارك من الاسد .
وقال الجزائري في "الأنوار النعمانية" (2/145 ):" وروى عنه إنه قال: " لا يورد ممرض على مصح وقال فر من المجذوم فرارك من الأسد" .
فلماذا هذا الحقد والهجوم والطعون في أبي هريرة- رضي الله عنه - راوية الإسلام ؟ وكل الطعون في أبي هريرة يكون قد طعنت في أئمتك من أهل البيت رضي الله عنهم .
استنكار واستغراب عبد الحسين حديث" مولودان يتكلّمان بالغيبيّات "(61/53)
20- وفي(ص 159) أورد عبد الحسين حديث:" مولودان يتكلمان بالمغيبات": أخرجه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً من حديث قال فيه: وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي فجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ فَقَالَتِ أمه اللَّهُمَّ لا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ قال وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلامًا فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلامَ فَقَالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلامُ؟ فقَالَ الْغُلام إن أبي لهو الرَّاعِي! قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لا إلا مِنْ طِينٍ (قال أبو هريرة )وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فَقَالَتِ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَال:َ اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ ( قال أبو هريرة ) كأني أنظر إلى النبي (ص) يمص إِصْبَعَهُ! ثُمَّ مُرَّت أَمَ الْغُلام فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ فَتَرَكَ الْغُلامَ ثَدْيَ أمه فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا! فَقَالَتْ لِمَ ذَاكَ ؟ فَقَالَ لها الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَهَذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْت وَلَمْ تَفْعَلْ ! ( ) .(61/54)
ثم أخذ يفند هذا الحديث طبقاً لهواه :( قلت: لم يكن جريج من الأنبياء وكذلك هذان الطفلان ، فلا يمكن أن تصدر على أيديهم خوارق العادات ، فإن الخوارق إنما تكون من النبيين في مقام تعجيز البشر اثباتا لنبوتهم كما هو مقرر في محله وكلام هذين المولودين وأخبارهما بالمغيبات مما تأباه فطرة الله التي فطر الناس عليها ...) .
قلت: وقد ادعيتم مثل ذلك بل أكثر في أئمتكم، وادعيتم بأنها من معجزات الأئمة ، بأنهم كانوا يتكلّمون بالغيبيات وهم في المهد!، بل كانوا يقرأون القرآن وجميع صحف الأنبياء ، وقد جمع أمثال تلك المعجزات علاّمتكم هاشم البحراني في كتابه "مدينة المعاجز" !!
ولو أردنا بيان منزلة هؤلاء الأئمة ومعجزاتهم لاحتاج الأمر إلى مجلدات ضخمة .
واختصاراً للروايات ما عليك إلا الرجوع إلى هذه الأبواب في كتاب: "مدينة معاجز" !!
ففي (1/45-48 رواية1): الباب الأوّل في معاجز الإمام أمير المؤمنين(ع) الأّوّل " معاجز ميلاده (ع) " .
و(1/414 رواية 274) " كلام الطفل بإمرة المؤمنين له (ع) وهو ابن ستة أشهر!!، وكلام الطفل آخر!! " .
وفي (3/135 رواية 794) " إنطاق الصبي بأنّه (ع) ولي الله " .
و(3/500 رواية 1015) معاجز الإمام الحسين(ع) " كلام الغلام الرّضيع " .
وفي (6/224 رواية 1965 ) معاجز الإمام الكاظم " مسارّه أباه (ع) في المهد".
أولاد الأئمة يتكلّمون في المهد وفي بطون أمهاتهم ويقرأون الصحف ...!!
وإليك روايات أهل البيت أن الأئمة عند ولادتهم يتكلّمون بلسان فصيح! وكانوا يقرأون صحف الأنبياء !!... وغير ذلك .
واختصر الروايات لطولها .
نقل شيخهم الملقب أيضاً " بآية الله"الحسين الشيرازي في كتابه "الفقه" :
(99/13) عن حالات مواليد أئمة حيث قال:( وكذلك دلّ العقل على ذلك ، إذا ما لاحظ حالاتهم من أول الولادة ، بل قبل الولادة ، فقد كانت فاطمة (ع) تكلم أمها وهي في الرحم ) .(61/55)
وفي المحجة عن أحمد بن اسحاق بن سعد الأشعري قال : في حديث طويل وفيه - دخلت على أبي محمد الحسن العسكري(ع) فقلت له: يا مولاي فهل من علامة - أي المهدي - يطمئن إليها قلبي ؟ فنطق الغلام !!بلسان عربي فصيح!! فقال: أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه!! ... ( ) .
وعن يعفوب بن السراج قال دخلت على أبي عبدالله(ع) وهو واقف على رأس موسى (ع) وهو في المهد فجعل يساره طويلا فجلست حتى فرغ فقمت إليه فقال لي أُدن من مولاك فسلّم فدنوت فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام بلسان فصيح... !! ( ).
فهؤلاء أئمتكم تصدر على أيديهم خوارق لم تصدر حتى من الأنبياء ، وهي دعاوى فارغة . فكيف تزعم إن الخوارق إنما تكون من النبيين( ) ؟ !!
وفي " المحجة "(4/278) : عن زكريا بن آدم قال: سمعت الرضا يقول: كان أبي (ع) ممّن تكلّم في المهد .
وأورد القزويني في كتابه "علي(ع) من المهد إلى اللحد" (ص 23) باب "علي (ع) يقرأن القرآن قبل نزوله " !! وإليك هذه الرواية بإختصار .
وخلاصة القصة هي:( استقبل سيدنا أبو طالب السيدة فاطمة بنت أسد مهنئاً وأخذ أبو طالب وليده الحبيب وضمّه إلى صدره ثم ردّه إلى أمه، وأقبل رسول الله وذلك قبل أن يبعث فلمّا رآه علي جعل يهش ويضحك كأنه ابن سنة!!، ... فأخذه النبي(ص) وقبّله حمد الله على ظهور هذا المولود الذي كان يعلم أنه سيكون له أحسن وزير وخير أخ وأول مؤمن به، ... فسلّم علي على رسول الله ثم قرأ هذه الآيات :
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِـ - قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فىِ صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ }[ المؤمنون /1-2] .
والحديث الذي أراد عبد الحسين إنكاره قد رواه الأئمة أيضاً !!(61/56)
ففي قصص الراوندي بإسناده إلى أبي جعفر (ع) قال: كان في بني اسرائيل عابد يقال له جريج وكان يتعبد في صومعته ، فجائته أمه وهو يصلّي فدعته فلم يجيبها فانصرفت ، ثم أتته ودعته فلم يجيبها ولم يكلمها ، فانصرفت وهي تقول اسأل له بني اسرئيل أن يخذلك ، فلما كان من الغد جاءت فاجرة وقعدت عند صومعته فأخذها الطلق فاعدت أن الولد من جريح ففشا في بني اسرئيل ان من كان يلوم الناس على الزنا ، فقد زنا ، وأمر الملك بصلبه ، فأقبلت أمه اليه تلطم وجهها ، فقال لها : اسكني ،إنما هذا لدعوتك ، فقال الناس لما سمعوا بذلك منه : وكيف لنا بذلك ؟ قال: هاتوا الصبي فجاؤا به فأخذه ، فقال من أبوك ؟ فقال فلان الراعي لبين فلان ( ).
استغراب عبد الحسين حديث" توكيل أبي هريرة بحفظ زكاة الفطرة ومجيء الشيطان ليسرق منها "(61/57)
21- وفي(ص 161) أورد عبد الحسين حديث:" توكيله بحفظ زكاة الفطرة ومجئ الشيطان في ثلاث ليال ليسرق منها" : أخرج البخاري بسنده إلى أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ قَال:َ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ (ص) :يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ فقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَال(ص): أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ قال فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ لا أَعُودُ فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البارحة قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ! فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ! قَالَ (ص):أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ، قال: فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ:لأرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قالَ دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ! فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَلما أَصْبَحْتُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ فحكيت له القصة قال أتَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ منذ(61/58)
ثلاثة أيام يا أبا هريرة ؟ قلت لا قَالَ(ص): ذَاكَ شَيْطَانٌ . [ أخرجه البخاري في الوكالة ].
ثم أخذ ينكر متعجباً من هذا الحديث قائلا:( هذه خرافة لا يصغي إلا من رك عقله، وطفئت شعلة دهنه ...-إلى أن قال - وما أغرب ما يحدثنا به أبو هريرة عن شياطينه وكل ما انفرد به أبو هريرة غريب تارة يزعم انهم يسرقون الطعام لعيالهم وأخرى أن لهم ضراطاً ذا سمعوا الأذان ...الى غير ذلك من القصص التي يربأ أولو العقول الوافرة والأذهان النيرة عن سماعها،نعوذ بالله من سبات العقل وضعف التمييز).
قلت: إذا كان كذلك كما تزعم وتدّعي ذلك زوراً وبهتاناً فإليك مارووا أئمتك وعلمائك عن شياطينهم !!
فقد عقد فخرك المجلسي في "البحار " (63/297 )في كتاب السماء والعالم باب "ذكر إبليس وقصصه" وأود هذا الحديث الذي أنكرته أيها الحاقد من طريق أبي هريرة من صحيح البخاري .
فانظروا إلى مدى جهل عبد الحسين، بل وحقده على هذا الصحابي الجليل- رضي الله عنه - يثبت فخره هذا الحديث في حين ينكره على أبي هريرة، فما هذا التقية والتضليل ؟!!
سوف أختصر الرواية لطولها التي أثبتها المجلسي .
كما أورد المجلسي في " البحار" ( 63/316 -317 باب ذكر ابليس وقصصه) و (63/112- 113كتاب السماء و باب حقيقة الجن وأحوالهم ) ، عدة روايات في هذا الباب .
237
فعن أيوب الانصاري أنه قال: كانت لي سهوة فيها تمر فكانت تجيئ الغول كهيئة النور فتأخذ منه ، فشكونا ذلك إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - فقال: اذهب فإذا رأيتها فقل: بسم الله أجيبي رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ؟ فأخذتها فحلفت أن لاتعود، فأرسلها ثم جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فقالت : إني ذاكرة لك شيئا : آية الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره ، فجاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال:ما فعل أسيرك ؟ فأخبره بما قال، قال: صدقك وهو كذوب .(61/59)
وأما قوله :( وما أغرب ما يحدثنا به أبو هريرة عن شياطينه وكل ما انفرد به أبو هريرة غريب تارة يزعم أنهم يسرقون الطعام لعيالهم وأخرى أن لهم ضراطاً ذا سمعوا الأذان...) .
قلت: هذا الحديث لا إشكال فيه عند من يؤمن بالقرآن والسنة، وقد أورد هذا الحديث الذي أنكرته حسب هواك ومزاجك فخرك المجلسي فعقد في"بحاره" (63/315 ) في كتاب السماء والعالم باباً سماه " باب ذكر ابليس وقصصه "
قال المجلسي : روى مسلم عن سهل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثه ومعي غلام لنا، أوصاحب لنا ، فناداه مناد من حائط باسمه فأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئاً فذكرت ذلك لأبي فقال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتاً فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الشيطان إذا نودي بالصلاة أدبر .
وفي رواية :عن أبي هريرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: إذا تغوّلت لكم الغيلان فنادوا بالأذان فإن الشيطان إذا سمع النداء أدبر وله حصاص أي ضراط .
كما أخرجه أيضاً المحقق الاحسائي في كتابه العوالي (1/409) قال: روي في الخبر عنه أنه:" إذا أذن المؤذن ، أدبر الشيطان وله ضراط" .
وأورد النوري في كتابه" المستدرك"( 4/73) في أبواب الأذان والإقامة " .
وهل لنا أن نقول: وما أجهل عبد الحسين بمذهبه ؟
328
استنكار عبد الحسين اسلام أم أبي هريرة بدعاء النبي، ودعاؤه بأن يحببهما إلى المؤمنين ويجبب المؤمنين إليهما:(61/60)
22- وفي (ص162) أورد "عبد الحسين" حديث:" اسلام أمه بدعاء النبي، ودعاؤه بأن يحببهما إلى المؤمنين ويجبب المؤمنين إليهما":أخرج مسلم بسنده إلى أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإسْلامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ (ص) مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَسْمَعَتْنِي أمي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَها فَقَالَ (ص): اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا فَلَمَّا بلغت الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي وطء قَدَمَيَّ فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ فقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ فهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي ( ).(61/61)
ثم أخذ يصول ويجول قائلا :( في هذا الحديث نظر من وجوه : أنه لم يروه عن رسول الله سوى أبي هريرة فهو إذن معطوف على سائر ما انفرد به ...- إلى أن قال- خامسها: و لو صح ما زعمه أبو هريرة من دعاء النبي له ولأمه بأن يحببهما إلى المؤمنين ويحبب المؤمنين إليهما لأحبه أهل بيت النبوة وموضع الرسالة فإنهم سادة المؤمنين وقادة أهل الملة والدين فما بال أئمتهم الاثني عشر وسائر علمائهم برذلّونه ويسقطون حديثه ؟ ولا يأبهون بشئ مما انفرد به حتى قال أمير المؤمنين(ع):ألا إن أكذب الناس أو قال: أكذب الأحياء على رسول الله(ص) لأبو هريرة الدوسي ) .
وقال في حاشية الصفحة:( في هذا المعنى أخبار متواترة عن أئمة العترة الطاهرة وقد أرسل هذه الكلمة عن أميرالمؤمنين(ع) بالخصوص إمام المعتزلة أبو جعفر الاسكافي كما في (ص360) من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي .
ولو كان أبو هريرة في حب الؤمنين إياه وحبه إياهم كما زعم لما قال له عمر حين عزله عن البحرين : يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله ألخ . فيكف يكون عدو الله وعدو كتابه محباً للمؤمنين كافة ومحبوبا منهم جميعا ؟ وقد ضربه عمر على عهد رسول الله ..) .
قلت: لو أردنا أن ننظر إلى أحاديث الفضائل بنفس عقليتك لخرجنا بنتيجة أن فضائل رواتك ممن مدحتهم في مراجعاتك كزرارة لم يروه عن إمامه سواه، فهو إذن معطوف على سائر ما انفرد به .
فمثلا روى الكشي في " الرجال”( 2/133 رقم 208): بإسناده عن ابن بكير عن زرارة ، قال: قال أبو عبد الله (ع): يا زرارة إن اسمك في أسامي أهل الجنة بغير ألف ، قلت نعم جعلت فداك اسمي عبد ربه ولكنى لقبت بزرارة .
فهذا الحديث لم يروه سوى زرارة ! .
وروى أيضاً: بإسناده إلى زرارة قال : اسمع والله بالحرف من جعفر بن محمد من الفتيا فازداد به إيماناً .
فهذا الحديث لم يروه سوى زرارة فهو معطوف على سائر ما انفرد به .(61/62)
وروى أيضاً:( 2/141رقم222 ): عن الحسين بن زرارة قال : قلت لأبي عبدالله إن أبي يقرأ عليك السلام ويقول لك جعلني الله فداك أنه لا يزال الرجل والرجلان يقدمان فيذكران إنك ذكرتني وقلت فيّ فقال أقرأ أباك السلام وقل له أنا والله أحب لك الخير في الدنيا وأحب لك الخير في الآخرة وأنا والله عنك راض فما تبالي ما قال الناس بعد ذلك .
هذا الحديث لم يروه إلا ابن زرارة ! ، كما أن والده لم يعرف عنه شئ البتة وأما جده فكان راهبا ولم يسلم كما ذكر ذلك الطوسي .
240
فماذا يقول أولياء زرارة في الجواب عن هذا ؟ وليخبروني هل لديهم عن زرارة شىء يسند إلى غير زرارة من إسلامه وعن إسلام أبيه أو جده؟ ، فقد كان انتشار الإسلام عظيماً في ذلك الحين فلم يكونوا في زمن الجاهلية فليس لهم عذر ....فإن كان أولياء زرارة عندهم شىء من ذلك فليرشدونا إليه وإني ، وأُشهد الله إني لم أجد رغم والتحري فيمن كانت له صحبة أحداً ذكر والد زرارة أو والدته بشئ ....
وأما قوله :( ولو كان أبو هريرة في حب الؤمنين إياه وحبه إياهم كما زعم لما قال له عمر حين عزله عن البحرين : يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله... ) .
وأما قوله:( فما بال أئمتهم الاثني عشر وسائر علمائهم يرذلونه ويسقطون حديثه..)
أقول: قد فصل الأستاذ عبد المنعم صالح في كتابه " دفاع عن أبي هريرة " رواية أبناء علي وفرسانه وأصحابه ومواليه وجماهير الشيعة الأوائل الذين رووا عن أبي هريرة فقال : كذب النّظام وأبو جعفر الاسكافي ، المعتزليان ، على الإمام علي - رضي الله عنه - ورويا دون سند تكذيباً لأبي هريرة زعما أن الإمام علي تفوه به ، فأوهما متأخري الشيعة ، وحملاهم على الاعتقاد بأن أبا هريرة كذّاب .(61/63)
إن هذه الكلمة المزعومة لا تقبل، ولا يمكن لأحد الاعتداد بها ، لورودها بلا سند، والعلماء النقاد رفضوا كل الأخبار العارية عن الأسانيد . لكننا مع ذلك، سنثبت في هذا الفصل بالدلائل القطعية الكافية اعتداد أبناء علي - رضي الله عنهم - بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وروايتهم عنه ، ورواية كبار فرسان علي- رضي الله عنه - وأمراء جنده، الذين قاتلوا معه في معارك الجمل وصفين والنهروان ، عن أبي هريرة ، ورواية جمهرة من التابعين- رضي الله عنهم - ممن لاقوا علياً - رضي الله عنه - ورووا عنه ، إضافة إلى رواية بعض موالي أبناء علي - رضي الله عنهم -، ورواية عدد كبير آخر من جماهير الشيعة والكوفيين ومحبي ذرية علي- رضي الله عنهم - من طبقة أتباع التابعين والطبقة التي تليهم لحديث أبي هريرة ،واستعمالهم له ، واستدلالهم به ، وتدوينه في كتبهم .
241
إن اجتماع هذه الروايات ، وإثباتنا تداول كل هؤلاء لحديث أبي هريرة، ليعطينا الدليل الواضح على أن هذا التكذيب المنسوب للإمام علي - رضي الله عنه -، لم يعلم به أبناؤه ولا مواليهم ولا جنوده ولا سامعو الرواة عنه ، ولا الصدر الأول من الشيعة ، ولا أهل
الكوفة ، عاصمة الإمام وقلعة التشيع ، ولو كانت هذه المقالة المفتراه صحيحة غير موضوعة لاشتهرت عند هؤلاء ، ولتركوا أبا هريرة ، ولما رووا عنه ، ولا حرصوا على تدوين حديثه وجمعه ممن سمعوه .
ومن هنا فإن هذا الفصل هو من أهم فصول في كتابي هذا، إذ لم يسبق أن كتب فيه أحد .
وفي الفصل الذي بعده سنثبت سكوت جموع الهاشميين الأفاضل عن نقل هذه الكلمة :
وكم من رواة عن علي بكوفة تروي بفخر عنه أيضاً وتحمل
روى جعفر الصدق الهمام حديثه على نحو ما ألفى أباه يسجّل
كذلك زين العابدين وصحبهم فيا عجباً من آخر لا يعوّل(61/64)
أبا جعفر مبسط اللثام ولم يعد بخاف عواج في قصود تزمل
فإن كنت تروي عن علي مقالة توهمت أنّا عن فراها نغفّل
وإن كنت عمداً قد وضعت لها فقد فضحت ونكثنا الذي كنت تغزل
لماذا إذن صدر التشيع ساكت وأبناؤه طرا لها لم يدولوا ؟
فهم أطبقوا سكتا ،وعف لسانهم وسكت جموع الهاشميين يكمل
وسأعتمد في التعريف بهؤلاء أولاّ على مصادرنا الحديثية غير الشيعية، كطبقات ابن سعد والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، والثقات لابن حبان، وتهذيب التهذيب لابن حجر ، وميزان الاعتدال للذهبي، ثم أثبت صحة كونهم من الشيعة من المصادرالشيعية المهمة نفسها،وقد اعتمدت على جملة كتب عليها التعويل عن الشيعة( )
قلت:وسوف أثبت بعض النماذج من مرويات أبي هريرة- رضي الله عنه - بأسانيد الشيعة في كتبهم، بأن الشيعة الأوائل كانوا يروون عن أبي هريرة- رضي الله عنه - ويحتجون بأحاديثه ، حتى أن شيخك النوري لم يجد في الأبواب التي عقدها في مستدركه باباً يعقد به إلا وفيه حديث من أحاديث أبي هريرة ، مثال باب " كراهة استعمال الأجير قبل تعيين أجرته، وعدم جواز منع الأجير من الجمعة ، واستحباب إحكام الأعمال واتقانها "، وباب " استحباب دفع الأجرة إلى الأجير بعد الفراغ من العمل من غير تأخير قبل أن يجف عرقه ، وجواز اشتراط التقديم والتأخير ، وكذا كل ما يشترط في الاجارة " ( ) .
بل نقل هاشم البحراني أن علي بن الحسين- رضي الله عنه - اعتق أحد غلمانه لما سمع حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .(61/65)
ففي "حلية الأبرار"(2/23-24 ) قال : وقال سعيد بن مرجانة يوماً عند علي بن الحسين سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من اعتق رقبة مؤمنة اعتق الله بكل ارب منها أرباً منه من النار حتى أنه ليعتق باليد اليد، وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج فقال علي(ع) سمعت هذا من أبي هريرة ؟ فقال سعيد: نعم فقال: لغلام له افره غلمانه وكان عبد الله بن جعفر قد اعطاه بهذا الغلام ألف درهم فلم يبتعه أنت حر لوجه الله
فانظركيف صدّق علي بن الحسين- رضي الله عنه - بحديث أبي هريرة- رضي الله عنه - وعمل بحديثه بدون تكذيب أو تردد .
فكيف يرذلونه أئمتكم وعلمائكم ويسقطون حديثه أيها المفتري !!
سوف أذكر بعض النماذج من مرويات أبي هريرة- رضي الله عنه - بأسانيد مشايخ الشيعة .
روايات أبي هريرة - رضي الله عنه - من طرق الشيعة :
فمن هؤلاء : شيخهم المفيد المتوفي سنة (413 هـ ) .
محمد بن- علي بن الحسين بن بابوبه القمي الملقب بالصدوق المتوفى سنة(381هـ) .
محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة المتوفى سنة (460 هـ ) .
محمد بن علي بن عثمان الكراجكي المتوفى سنة(449 هـ ) .
قطب الدين الرواندي المتوفى سنة (573 هـ ) .
محمد بن محمد بن الأشعث في الجعفريات ( ).
جعفر بن أحمد القمي .
الشريف الزاهد محمد بن علي الحسيني .
محي الدين أبي حامد بن علي بن زهرة الحسيني وغيرهم .
وإليك بعض هذه الروايات التي رووها بأسانيدهم الخاصة :
أولاً : أسانيد الشيخ المفيد :
1- المفيد ففي " أمالي" (ص111) : عن الحسين بن محمد التمار، عن محمد بن القاسم، عن موسى بن محمد الخياط، عن إسحاق بن إبراهيم الخراساني، عن شريك عن عبد الله بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:...الحديث( والبحار 18/ 5 ).(61/66)
2- المفيد في" أمالي"(ص 317) :حدثنا أبوبكر محمد بن عمر الجعابي قال:حدثنا أبوجعفر محمد بن صالح القاضي قال:حدثنا مسروق ابن المرزبان قال: حدثنا حفص عن عاصم بن أبي بعثمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -... الحديث .
3- المفيد في " أمالي"(ص 111-112) : حدثنا أبوبكر محمد بن عمر الجعابي قال:حدثنا محمد ين يحيى بن سليمان بن زياد المروزي قال: حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ... الحديث .
ثانياً : أسانيد الشيخ الصدوق :
1 - الصدوق :عن عبد الله بن حامد ، عن الحسن بن محمد بن إسحاق عن الحسين بن إسحاق الدقاق عن عمر بن خالد عن عمر بن راشد عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال .....الحديث.[البحار 18/106-107]
2 - الصدوق في " معاني الأخبار"( ص 80و 98) : القاسم بن محمد بن أحمد الهمداني عن أحمد بن حسين عن إبراهيم ابن أحمد البغدادي عن أبيه عن عبد السلام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال .... الحديث ( بحار الأنوار 22/238) .
3- الصدوق في " اكمال الدين"( ص136): محمد بن عمر البغدادي عن محمد بن الحسن بن حفص عن محمد بن عبيد عن صالح بن موسى عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال... الحديث . (و البحار 23/132 ) .
4- الصدوق : إبراهيم بن هارون عن أبي بكر احمد بن محمد عن محمد بن يزيد القاضي عن قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد وإسماعيل بن جعفر عن أبيه عن أبي هريرة قال ... الحديث ( البحار 27/5 ) .
5- الصدوق في الخصال: الخليل بن أحمد عن ابن منيع عن مصعب عن مالك عن أبي عبدالرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة قال. ( )(61/67)
6 الصدوق في الخصال : الخليل عن أبي العباس السراج عن قتيبة عن رشيد بن سعد البصري عن شراحيل بن يزيد عن عبدالله بن عمر وأبي هريرة ... الحديث ( ).
7- الصدوق في الخصال : الخليل بن احمد عن معاذ عن الحسين المروزي عن محمد بن عبيد عن داود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - .... الحديث ( ).
8 الصدوق في الخصال : عن الخليل عن ابن صاعد عن اسحاق بن شاهين عن خالد ابن عبدالله عن يوسف بن موسى عن حريز بن سهيل عن صفوان عن أبي يزيد عن القعقاع بن اللجلاج عن أبي هريرة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .... الحديث ( ).
9 - الصدوق في الخصال : عن الخليل بن أحمد عن أبي العباس السراج عن قتيبة عن بكر بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة .... الحديث ( ).
10 - الصدوق في الخصال: ابن بندار عن جعفر بن محمد بن نوح عن عبدالله بن أحمد بن حماد عن الحسن بن علي الحلواني عن بشير بن عمر عن مالك بن أنس عن سعيد بن أبي المقبري عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 76/68 ) .
11- الصدوق في الخصال : عن الخليل عن محمد بن معاذ عن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس عن أبي معمر عن سعيد الغنوي عن أبي هريرة... الحديث ( ).
12- الصدوق في الخصال : عن محمد بن عبدالله الشافعي عن محمد بن جعفر بن الأشعث عن محمد بن ادريس عن محمد بن عبدالله الانصاري عن محمد بن عمربن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 76/98 ).
13- الصدوق في الخصال : الخليل عن ابن معاذ عن الحسين المروزي عن عبدالله عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال.... الحديث( ) .
14 - الصدوق في الخصال: الخليل عن ابن منيع عن أبي بكر بن أبي شيبة عن معوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال . ...الحديث ( ).(61/68)
15- الصدوق في الخصال : الخليل عن ابن صاعد عن حمزة بن العباس عن يحيى بن نصر عن ورقاء بن عمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة... الحديث ( ).
16- الصدوق في الخصال: محمد بن أبي عبدالله الفرغاني عن محمد بن جعفر بن الأشعث عن عن أبي حاتم عن محمدبن عبدالله عن ابن جريج عن أبي الزبير عن عمر بن تيهان عن أبي هريرة ..... الحديث ( البحار 104/102 ) .
17- الصدوق في الخصال: القاسم بن محمد بن أحمد عن الحسن بن علي بن نصر عن محمد ابن عثمان عن عبيدالله بن موسى عن شبيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال... الحديث ( البحار 104/253 ) .
18- الصدوق في ثواب الأعمال : ابن المتوكل عن محمد بن جعفر عن موسى بن عمران عن عمه الحسين بن يزيد عن حماد بن عمرو النصيبي عن أبي الحسن الخراساني عن ميسرة بن عبدالله عن أبي عائشة السعدي عن يزيد بن عمر بن عبدالعزيز عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة وعبدالله بن عباس قال.... الحديث ( ) .
19- الصدوق في ثواب الأعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن جعفر عن موسى بن عمران بإسناده عن أبي هريرة وابن عباس قالا... الحديث ( ).
20- الصدوق في ثواب الأعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن جعفر عن موسى بن عمران عن الحسين بن يزيد عن حماد عن عمرو عن أبي الحسن الخراساني عن ميسر عن عبدالله عن أبي عائشة السعدي عن يزيد عن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة عن عبدالرحمن عن أبي هريرة وعبدالله بن عباس... الحديث( ).
21- الصدوق في ثواب الأعمال: ابن الوليد عن الصفار عن البرقي عن أبي الجوزاء عن ابن علوان عن عمرو بن خالد عن أبي هاشم عن أبي جبير عن أبي هريرة... الحديث ( البحار 96/253) .(61/69)
22 - الصدوق في اماليه : عن الحسن بن عبدالله بن سعيد عن عبدالله بن محمد بن عبدالكريم عن محمد بن عبدالرحمن عن عمرو بن أبي بسلمة عن أبي عمر الصنعاني عن العلا بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ...( البحار 72/36 و 75/143) .
23 - الصدوق في العلل: عن أبي الهيثم عبدالله بن محمد عن محمد بن علي الصائغ عن سعيد بن منصور عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 83/15 ) .
24- الصدوق في العلل: ابن ادريس عن أبيه عن الأشعري عن الجاموراني عن الحسن بن علي عن أبي عثمان عن حفص بن غياث عن ليث عن سعد عن عمر بن أبي سلمة عن أبي هريرة... الحديث ( البحار 103/142 ) .
25- الصدوق في "التوحيد"(التوحيد ص26 ح 25 ) : حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمدبن أحمد بن غالب الأنماطي قال: أخبرنا أبوعمرو أحمد بن الحسن بن غزوان ، قال: حدثنا ابراهيم بن أحمد قال: حدثنا دواد بن عمرو، قال: حدثنا عبدالله بن جعفر، عن زيد بن أسلم ، عن عطار بن يسار عن أبي هريرة قال.... الحديث .
ثالثاً: أسانيد الكراجكي في كنز الفوائد :
1- ففي :( 1/148 ): حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان عن محمد بن أحمد الشاشي عن أحمد بن زياد القطان عن يحيى بن أبي طالب عن عمرو بن عبدالغفار عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال.. الحديث ( ).
2- وفي (1/207):حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد الأزدي قال: حدثنا أبو زيد عمرو بن أحمد العسكري بالبصرة قال: حدثنا أبو أيوب قال : حدثنا أحمد بن الحجاج قال: حدثنا ثوبان ابن ابراهيم عن مالك بن مسلم عن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة..... الحديث .
رابعاً: أسانيد الشيخ الطوسي :
1- الطوسي في أماليه: أبو عمرو ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يحيى ، عن عبدالرحمن عن أبيه ، عن أبي معشر، عن سعيد ، عن أبي هريرة... الحديث( ).(61/70)
2- الطوسي : المفيد ، عن محمد بن الحسن المقري ، عن محمد بن سهل العطار ، عن أحمد بن عمر الدهقان ، عن محمد بن كثير ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 41/34 ) .
3- الطوسي في اماليه : أباعمرو، عن ابن عقدة، عن يحيى بن زكريا بن شيبان ، عن أرطأة بن حيدر، عن أبوب بن واقد، عن يونس بن حباب، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 43/264) .
4 - الطوسي في أماليه: جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن جرير الطبري،
عن عمرو بن علي عن عمرو بن خليفة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة : قال. ( ).
5 - الطوسي في أماليه: ابن مخلد عن محمد بن عمرو بن البختري عن محمد بن أحمد بن أبي العوام عن عبدالوهاب بن عطا عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة... الحديث ( البحار 71/389-390 ) .
6- الطوسي في أماليه: المفيد عن محمد بن المظفر عن محمد بن عبد ربه عن عصام بن يوسف عن أبي بكر بن عياش عن عبدالله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال... الحديث ( البحار72/64 ) .
7 - الطوسي في اماليه: جماعة عن أبي المفضل عن الحسين بن موسى عن عبدالرحمن ابن خالد عن زيد بن حباب عن حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار74/368 )
8- الطوسي في أماليه: المفيد عن الجعابي عن محمد بن صالح القاضي عن مسروق ابن المرزبان عن حفص عن عاصم بن أبي عثمان عن أبي هريرة قال... الحديث ( ).
9- الطوسي في أماليه: ابن الشيخ عن أبيه عن محمد بن محمد بن مخلد عن عبدالواحد بن محمد بن عبدالله بن مهدي عن يحيى بن أبي طالب عن عبدالرحمن ابن علقمة عن عبدالله بن المبارك عن سفيان عن اسماعيل بن أبي خالد عن زياد عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار 80/267 ) .(61/71)
10- الطوسي في أماليه: ابن الشيخ عن أبيه عن محمد بن محمد بن مخلد عن عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك عن أحمد بن علي بن الخزاز عن يحيى بن عمران عن سليمان بن أرقم عن الحسن عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار 81/313 ) .
11 - الطوسي في اماليه: المفيد عن التمار عن علي بن ماهان عن الحارث بن محمد بن داهر عن داود بن المخبر عن عباد بن كثير عن سهيل بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 75/100 ) .
12 - الطوسي في أماليه: المفيد عن محمد بن الحسين البزوفري عن أبيه عن الحسين بن ابراهيم عن علي بن داود عن آدم العقلاني عن أبي عمر الصنعاني عن العلا بن عبدالرحمن عن أبي هريرة ...الحديث ( البحار 75/100 ) .
13- الطوسي في أماليه: ابن مخلد عن الرزاز عن العباس بن حاتم عن يعلي بن عبيد عن يحيى بن عبيدالله عن أبيه عن أبي هريرة قال....الحديث(البحار 75/189) .
14- الطوسي في أماليه: محمد بن عبد الغني بن سعيد بن عثمان بن محمد السمرقندي عن محمد بن حماد الطهراني عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة .... الحديث ( البحار 75/310 ) .
15- الطوسي في أماليه: عن المفيد عن الحسين بن علي التمار عن أحمد بن محمد عن لعنزي عن علي بن الصباح عن أبي المنذر عن أبي صالح عن أبي هريرة ....( ).
16 - الطوسي في أماليه: عن المفيد عن ا لحسين بن علي التمار عن محمد بن يحيى بن سليمان عن داود عن جعفر بن اسماعيل عن عمرو بن أبي عمرو عن المقيري عن أبي هريرة قال... الحديث ( البحار 87/207 ) .
17 - الطوسي في أماليه: عن محمد بن محمد بن مخلد عن عثمان بن أحمد الدقاق عن عبيد بن عبد الواحد عن ابن أبي مريم عن نافع بن يزيد عن يحيى ابن أبي سليمان المدني عن يريد بن أبي القتاة وابن المقبري عن أبي هريرة قال....الحديث( ).(61/72)
18- الطوسي في أماليه: بالإسناد إلى الرقاشي عن أبيه عن محمد بن مروان عن المعارك أن عباد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة.... الحديث( ).
19- الطوسي في أماليه: ابن بشران عن اسماعيل بن محمد الصفار عن الحسن بن عرفة عن حريز بن عبد الحميد عن عمارة ابن القعاقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال ... الحديث ( البحار 96/178 ) .
20 - الطوسي في أماليه: المفيد عن الجعابي عن محمد ين يحيى بن سليمان المروزي عن عبيد الله بن محمد العبسي عن حماد بن سلمة عن أبوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 96/366 و 97/17 ) .
21 - الطوسي في أماليه: بالإاسناد المتقدم إلى حماد بن سلمة عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 96/366 ) .
22- الطوسي في أماليه: الحفار عن أبي القاسم الدعبلي عن محمد بن غالب عن أبي عمير الحوصي عن الحسن بن أبي جعفر عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 104/253- 254) .
23- الطوسي في أماليه : عن محمد بن محمد بن مخلد عن محمد بن يونس القرشي عن سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال...الحديث ( البحار 66/231 ، المستدرك 16/421 - 424 ) .
خامساً : أسانيد الشيخ ابن الراوندي :
1- ابن الرواندي في كتاب النوادر : عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي بكر محمد عن محمد بن عمرو بن مذعورة عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار96/346، المستدرك 7/481-482 ) .
2- ابن الراوندي في كتاب النوادر : عن عبد الجبار بن أحمد عن الحاكم أبي الفضل الترمذي عن عبدالله بن صالح عن محمد بن أحمد عن اسماعيل بن اسحاق عن ابراهيم بن حمزة عن عبدالعزيز بن محمد عن سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال..الحديث ( البحار 96/348 ، المستدرك 7/426 ) .(61/73)
3- ابن الراوندي في كتاب النوادر : عن الوراق عن أبي محمد عن عماد بن أحمد عن الحسين ابن علي عن محمد بن العلا عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة..... الحديث ( البحار 96/350 ، المستدرك7/429 ) .
4- ابن الراوندي في كتاب النوادر: عن أحمد بن عمران بن موسى عن أحمد بن هشام عن أحمد بن عبدالله بن أبي نصر عن يزيد بن هارون عن هشام بن أبي هشام عن محمد بن محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال....الحديث( المستدرك 7/428 ).
سادساً : أسانيد اسماعيل بن موسى :
1- اسماعيل بن موسى بن جعفر في الجعفريات : أخبرنا الشريف أبو الحسن علي بن عبد الصمد الهاشمي صاحب الصلاة بواسط حدثنا الأبهري حدثنا عبدالله بن محمد الحافظ قال: حدثنا محمد بن آدم المصيصي قال: حدثنا عبدالواحد بن سلمان قال: حدثنا عبدالله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة... الحديث ( ).
2- الجعفريات: عن محمد بن بريد المقرئ حدثنا أيوب بن النجار حدثنا الطيب بن محمد عن عطا عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 8/210 ) .
3 - الجعفريات: قال محمد بن الأشعث أخبرنا الشريف أبو الحسن علي بن عبدالصمد الهاشمي صاحب الصلاة بواسط قال : أخبرنا أبوبكر محمدبن عبدالله الأبهري الفقيه المالكي حدثنا أبو عبدالله بكر بن محمد بن ابراهيم الضرير بن المصيص الزاهد، وكان ثقة، قال: حدثنا ابراهيم بن ربيعة عن أبي هريرة.... الحديث( ).
4 - الجعفريات: أخبرنا عبدالله أخبرنا محمد بن الأشعث قال: وحدثني الزبير محمد بن خلف بن عمر بن عبدالله بن الوليد بن عثمان بن عفان قال: حدثني علي بن عبدالله بن الجبار قال: حدثني محمد بن عبدالرحمن المزني عن محمد بن عجلان عن عجلان عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 12/339 - 340 ) .(61/74)
5- الجعفريات: أخبرنا عبدالله أخبرنا محمد بن الأشعث حدثنا محمد بن بريد المقرئ حدثنا أيوب بن النجار حدثنا الطيب بن محمد عن عطا عن أبي هريرة...( ).
6- الجعفريات: عن الشريف أبي الحسن علي بن عبدالصمد بن عبيدالله الهاشمي عن أبي بكر محمد بن عبدالله بن محمد بن صالح الأبهري الفقيه المالكي عن أحمد بن عميرعن ادريس عن أسباط عن العلاء بن هارون ع موسى بن اسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 13/281 - 282) .
7 - الجعفريات: أخبرنا عبدالله أخبرنا محمد بن الأشعث حدثنا محمد بن بريد المقرئ حدثنا أيوب بن النجار حدثنا الطيب بن محمد عن عطا عن أبي هريرة ...( ).
8 - الجعفريات: عن الشريف أبي الحسن علي بن عبدالصمد بن عبيدالله الهاشمي عن أبي بكر محمد بن عبدالله بن محمد بن صالح الأبهري عن عبدالله بن محمد بن وهب الدينوري الحافظ قال: حدثنا محمد بن آدم بن سليمان المصيصي قال: حدثنا عبدالواحد بن سلمان العبدي قال: حدثنا عبدالله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال.. الحديث ( المستدرك 16/ 237 ) .
سابعاً : أسانيد جعفر بن أحمد القمي :
1- جعفر بن أحمد القمي في الأخبار المسلسلات :حدثنا محمد بن علي الحسين وشبك بيدي قال:شبك بيدي عتاب بن محمد بن عتاب أبوالقاسم قال: شبك بيبدي أحمد بن محمد بن عمار ببغداد وقال لنا: شبك بيدي محمد بن همام العراقي قال: شبك بيدي اسماعيل بن ابراهيم قال:شبك بيدي عبدالكريم بن هشام قال شبك بيدي ابراهيم بن أبي يحيى قال: شبك بيبدي صفوان بن سليمان قال: شبك بيدي أبوب بن خالد قال: شبك بيدي عبيد الله بن رافع قال: شبك بيدي أبو هريرة قال: شبك بيدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وقال: .... الحديث ( البحار 57/ 104 ) .
ثامناً :أسانيد الشيخ محمد بن علي الحسيني:(61/75)
1 - الشيخ محمد بن علي الحسيني في كتاب التعازي بإسناده : عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 2/246) .
تاسعاً: أسانيد الشيخ محي الدين ابن أخي ابن أبي زهرة :
1 - ابن زهرة في أربعينه : عن أبي المحاسن يوسف بن رافع ، عن القاشي أبي الرضا سعيد بن عبدالله الشهرزوري ، عن أبي الفتح محمد بن عبد الرحمن الخطيب ، عن أبي القاسم هبة الله بن عبدالوارث ، عن أبي زرعة أحمد بن يحيى ، عن أبي محمد الحسن بن ابراهيم ، عن جعفر بن درستويه ، عن محمد بن عبدالله بن عمار عن المعافي عن محمد بن أبي حميد الأنصاري ، عن موسى بن وردان ، عن أبي هريرة ....( ).
2 - ابن زهرة في أربعينه : أخبرنا القاضي الإمام شيخ الإسلام أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم، بقراءتي عليه في الرابع عشر من جمادي الآخرة من سنة ثماني عشرة وستمائة ، قال: أخبرنا القاضي الإمام فخر الدين أبو الرضا سعيد بن عبدالله بن القاسم الشهرزوري ، سماعا عليه في جمادي الآخرة سنة أربع وسبعين وخمسمائة ، قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو الفتح محمد بن عبدالرحمن الخطيب الكشمهيني ، بقراءتي عليه يوم السبت سابع عشر شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ، قال: أخبرنا الشيخ
أبوالقاسم هبة الله بن عبد الوراث بن علي بن أحمد الشيرازي، كتبه لي بخطه في شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وأربعمائة ، قال: أخبرنا أبو القاسم الحسين بن أحمد بن
الحسين التميمي قال: أخبرنا أبوبكر أحمد بن يعقوب الطابشي قال: حدثنا : أبو محمد المنتصر بن نصر بن المنتصر بن تميم قال: حدثنا أبوحفص عمر بن مدرك القاضي قال: حدثنا أبو عبدالرحمن العيشي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي سنان ، عن عثمان بن أبي سودة، عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 10/375 ) .(61/76)
3- ابن زهرة في أربعينه : أخبرني القاضي الإمام بهاء الدين شيخ الإسلام أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم - بقرائتي عليه - قال: أخبرنا الإمام أبوالفضل عبدالله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي الخطيب قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو القاسم عبدالله بن الحسين بن محمد الأسدي قال: أخبرنا الشيخ الإمام الأديب الثقة أبو محمد كامكار بن عبدالرزاق قال: أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو صالح أحمد بن عبدالملك بن علي المؤذن قال: أخبرنا الشيخ أبو زكريا يحيى بن ابراهيم بن محمد المزكي قال: حدثنا أبو بكر عبدالله بن يحيى الطلحي قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن سليمان الحضرمي قال: حدثنا محمد بن الحسن الحضرمي قال: حدثنا اسحاق بن نجيح ، عن أبي جريح ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 17/290) .
وإلى غير ذلك من الأسانيد التي رووها، وقد إختصرنا كثيراً أمثال هذه الأسانيد، بل وهناك أسانيد كثيرة رواها الحر العاملي في كتابه " وسائل الشيعة" ولكن خوفاً من الإطالة لم نذكرها حتى لا يطيل المقام .
و أمثال هذه الأسانيد و الأحاديث التي رواها الشيعة في كتبهم الحديثية وغيرها، بل ولا يخلو كتاب من كتبهم إلا استشهدوا واستدلّوا من روايات أبى هريرة - رضي الله عنه -، وقد شملت مروياته معظم أبواب الفقه : في العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والجهاد ، والسير ، والمناقب ، والتفسير ، والطلاق ، والنكاح ، والأدب ، والدعوات ، والرقاق، والذكر والتسبيح .. وغير ذلك .(61/77)
فإذا عرفنا هذا وأضفنا إلى الصحابة و التابعين- رضي الله عنهم - الذين رووا عنه وقد بلغوا كما قال البخاري : ثمانمائة من أهل العلم والفقه .فما معنى هذا ؟ معناه أن الحضارة الإسلامية بعلمائها وفقهائها ودعاتها وأئمتها أخذوا عن أبي هريرة- رضي الله عنه - كثيراً مما أسسوا علمهم وفقههم ودعوتهم ! وهذه الأحاديث أساس في كل علم وفقه ومن حيث أن هذه الأمة غنية بعلمائها وفقهائها وأن هؤلاء جميعا أخذوا من الأحاديث التي رويت عن أبي هريرة واجتهدوا على أساسها...يعتمدون في كل ذلك على ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -..أينما ذهبت من التوحيد أو المعاملات أو الأخلاق أو الفضائل أو الغيبيات أو غير ذلك من أمور هذا الدين وجدت شيئاً من أحاديث رواها أبو هريرة - رضي الله عنه -.
هذا من الناحية العلمية النظرية ، فماذا من الناحية التطبيقية السلوكية ؟! ، اعجب واعجب " يا عبد الحسين " !! ما من مسلم ..ما من مسلمة منذ أن لحق رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى إلى يومنا هذا إلى أن تقوم الساعة ..ما من مسلم أو مسلمة عبدالله أو تخلق بخلق يحبه الله أو اعتقد عقيدة دعا إليها الإسلام إلا تجد عبادة هذا العابد وخلق هذا الفاضل وعقيدة هذا المعتقد تقوم على شيء مما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه - عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .
257(61/78)
فأبو هريرة أعظم القنوات الموصلة لأحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى المسلمين والمسلمات ، فهو أعظم الرواة أثراً في سلوك الناس إلى يوم القيامة ليس ذاك لشيء ذاتي فيه كلا وإنما لأن الله شرفه بشرف عظيم شرف تبليغ حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى الناس ...وإنما دعا له النبي- صلى الله عليه وسلم - بذلك لما في ذلك الحب من قوة دافعة تدفع المؤمنين إلى استيعاب أحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - التي رواها أبو هريرة- رضي الله عنه -، لأن السامع أنصت ما يكون إلى المتحدث إذا كانت هناك عاطفة حب بين المتحدث والمستمع فإنك إذا كرهت خطيبا كرهت أن تسمع إليه ولو كان يتحدث في خير وإذا أحببته أحببت أن تستمع إليه بكل حواسك ويكفي أن علماء الشيعة رووا روايات كثيرة عن أبي هريرة- رضي الله عنه - .
مرويّات أبي هريرة في كتب الشيعة:
وإليك أيها القارئ نماذج بعض كتب الشيعة التي استدل واستشهدوا بها القوم في مصاردهم ولا يخلو كتاب من كتبهم إلا وذكروا مروياته أبي هريرة - رضي الله عنه - واستشهدوا بها سواءاً كانت تلك الأحاديث صحيحة أو ضعيفة أو موضوعة ... عليه- رضي الله عنه - .
وسوف أذكر بعض من تلك المصادر التي استدلوا بها، سواءاً كانت تلك الكتب فقية أو حديثية أو تفاسير أو تاريخ أو موعظة أو فضائل إلى آخر.
وسوف أختصر على بعض مصادرهم على سبيل مثال ومنها :(61/79)
(( فروع الكافي، موسوعة بحار الأنوار، ، مستدرك الوسائل، وسائل الشيعة، ملاذ الإخيار، كنز الدقائق، الأنوار النعمانية، اثبات الهدى، ميزان الحكمة، دار السلام، مدينة معاجز، حياة القلوب، الخرائج والجرائح، كشف الغمة، أمالي الطوسي، أمالي الشيخ المفيد، حلية الأبرار، كتاب السرائر، كتاب الخلاف، . عوالي اللئالي، منافب آل أبي طالب، ميكال المكارم ، سلوني قبل أن تفقدوني، الروضة البهية ، معالي السبطين، صحيفة الأبرار، علم اليقين في أصول الدين، الفرحة الأنسية ، قلائد الدرر، احقاق الحق، تفسير البرهان، وتفسير التبيان، تفسير المجمع، تفسير الكنز، تأويل
258
الآيات، تفسير الميزان ، تفسير الميزان، تفسير نور الثقلين، تفسير مرآة الأنوار ، جامع الأخبار، الامام المهدي ، ثواب الأعمال، التوحيد، مشارق أنوار اليقين، كمال الدين ، الفصول المهمة، مصباح الهداية ، الثاقب في المناقب ، الجواهر السنية ، أمالي الصدوق ، قرب الاسناد، الايقاظ من الهجعة ، معاني الأخبار ، اعلام الوري ، سعد السعود ، كتاب الخصال ، اعلام الوري ، أمالي للطوسي، عصر الظهور ، علي في القرآن ، اللوامع النورانية، بغية الطالب ، نوادر المعجزات، روضة الواعظين، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ، تأويل الآيات الطاهرة ، شواهد التنزيل، سيد المرسلين، تفسير نور الثقلين، القطرة من بحار مناقب النبي والعترة، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، المبسوط في فقه الإمامية ، الغدير في الكتاب والسنة، الحدائق الناضرة، المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، علي في القرآن والسنة، جواهر الكلام، مرآة العقول ، حياة الإمام العسكري )) .(61/80)
تلك كانت قلّة قليلة من المراجع التي كانت بين أيدينا، وعند اطلاعي على مصادرهم المختلفة و أصولهم الأربعة عندهم كالكافي، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، وتهذيب الأحكام ، رأيت العجب إذ أن كُلّ رواية أوردوها على لسان إمامهم جعفر الصادق- رضي الله عنه - حسب زعمهم هي بعينها التي رواها أبو هريرة- رضي الله عنه - .
استنكار عبد الحسين حديث" امرأة دخلت النار في هرّة "
23- وفي (ص171) أورد عبدالحسين تحت عنوان": خيالية رابعة ترمى إلى سوء عاقبة الظلم": أخرج الشيخان بسندههما إلى أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً : قَالَ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فلا هِيَ تَطْعَمْهَا ولم تدعها تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ حتى ماتت هزلا ( ) .
ثم أخذ يصول ويجول قائلا:( وهذا من رواياته الخيالية يرمي فيه إلى سوء عواقب الظلم والعدوان ) .
قلت: إن هذا الحديث رواه غير أبو هريرة من الصحابة كابن عمر- رضي الله عنهم - ( ).
ثم أن هذا الحديث رواه أئمة أهل البيت- رضي الله عنهم - .
فعن حفص بن البختري عن أبي عبدالله (ع) قال : إن امرأة عذبت في هرة ربطتها حتى ماتت عطشاً ( ).
ونقل المجلسي عن نوادر الراوندي عن موسى بن جعفر عن آبائه قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: رأيت في النار صاحب العباء التي قد غلها ، ورأيت في النار صاحب المحجن الذي كان يسرق الحاج بمحجنه ، ورأيت في النار صاحبة الهرة نتهشها مقبلة ومدبرة كانت أوثقها لم تكن تطعمها ولم ترسلها تأكل من حشائش الأرض ( ).
فهل روابة موسى بن جعفر من رواياته الخيالية يرمي فيه إلى سوء عواقب الظلم والعدوان ؟ !! نسأل الله السلامة في العقل والبعد عن الهوى والضلال !
استنكار عبد الحسين حديث" غفرت لامرأة سقت لكلب"(61/81)
14- وفي (ص172) أورد عبد الحسين حديثين:" خيالية خامسة ترمى إلى حسن عواقب الرحمة ": أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ برفعه قَال:َ غُفِرَ لامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ ( ).
واستنكاره حديث" سقى رجل الماء لكلب فغفر له "
15- وفي (172) أورد عبد الحسين تحت عنوان :"رواية خيالية هدفها هدف سابقتها": وأخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يرفعه قَال: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في ِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَش!ِ قَالَ فَنَزَلَ الرَّجُلُ البئرفَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ بذلك( ).
ثم أخذ يصول ويجول قائلا:( وقد تعلم أن هذا الحديث والذي قبله إنما هما من مخلية أبي هريرة يمثل بهما حسن عواقب العطف والحنان ويحظ بهما على البر والاحسان ) .
قلت: عبد الحسين يستغرب من أحاديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ولا يستغرب ما رواه أئمته أمثال هذه الروايات . فاستمع أخي القارئ إلى هذه الروايات .
فقد أورد علامتهم آية الله ملا زين العابدين الكلبايكاني في كتابه "أنوار الولاية" (ص 338) هذا الحديث:(وفي الآثار: أن امراة زانية من جيران أهل المعصية وتعزية الحسين(ع) ذهبت تقتبس ناراً من مجلس العزاء فوجدتها قد خمدت فاشتعلتها وقدتها فدمعت عيناها من الدخان فغفر الله!! لها وتابت .(61/82)
وعن أبي الاحوص عن أبيه عن عمار الساباطي قال : قدم أميرالمؤمنين (ع) المداين فنزل أيوان كسرى ! وكان معه دلف بن بحير كسرى فلما صلّى قام وقال لدلف قم معي وكان معه جماعة من أهل ساباط فما زال يطوف منازل كسرى ويقول لدلف كان لكسرى في هذا المكان كذاوكذا ويقول دلف والله ذلك فما زال كذلك حتى طاف الموضع بجميع من كان عنده ودلف يقول: يا سيدي ومولاي كأنك وضعت هذه الأشياء في هذه الأمكنة ثم نظر(ع) جمجمة نخرة ! فقال لبعض أصحابه: خذ هذه الجمجمة ثم جاء (ع) إلى الأيوان وجلس فيه ودعا بطست فيه ماء فقال للرجل : دع هذه الجمجمة في الطست ثم قال أقسمت عليك لتخبرني من أنا ومن أنت ؟ فقال الجمجمة بلسان فصيح !: أما أنت فأمير المؤمنين !! ،وسيد الوصيين وإمام المتقين !! ، وأما أنا فعبدك وابن أمتك !! كسرى أوشيروان فقال أميرالمؤمنين (ع) كيف حالك فقال يا أمير المؤمنين إني كنت ملكاً عادلا شفيقاً على الرعايا رحيماً لا أرضى بظلم ولكن كنت على دين المجوس !! وقد ولد محمد في زمان ملكي وسقط من شرفات قصري ثلثة وعشرون شرفة في ليلة ولد فهممت أن أومن به من كثرة ما سمعت من الزيادة من أنواع شرفة وفضله ومرتبته عزه في السموات والارض ومن شرف أهل بيته ولكني تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك، فيها لها من نعمة ومنزلة ذهبت منت حيث لم أومن به !! فأنا محروم بعدم إيماني به !! ولكني مع هذا الكفر!!! خلصني الله تعالى من عذاب النار!! ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية فأنا في النار والنار محرمة عليّ!!! فواحسرتاه لو أمنت به لكنت معكم يا سيد أهل بيت محمد ويا أميرالمؤمنين!!! ( ).
قال التوسيركاني في كتابه" اللئالي"( 4/ 217 - 218 و304 ) ما نصه : (وتأتي في لؤلؤ ولنذكر لك قصصاً ليطمئن قلبك!! بما مرّ قصة شريفة من رجل كان يلوط بالصبيان !!! وكان يحبه !!! ) .(61/83)
هل قرأ عبد الحسين أمثال هذه الزندقة في كتب أبناء جلدته ؟ فأين روايات أبو هريرة- رضي الله عنه - من أمثال رواياتكم و أقوال علمائكم الذين ذكرنا منها أمثال هذه الطامات ؟!! فاعتبروا يا ألوا الألباب .
أقول: لِنُخرج لهذا المؤلف وأمثاله بعض الروايات التي وردت من طريق أهل البيت- رضي الله عنهم - الموافقة لروايات أبو هريرة - رضي الله عنه - .
فعن موسى ابن اسماعيل بن موسى عن أبيه عن جدّه موسى بن جعفرعن آبائه(ع) قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:رأيت في النار صاحب العباء التي قد غلّها ...
ورأيت في النار صاحبة الهرة تنهشها مقبلة ومدبرة، وكانت أوثقتها لم تكن تطعمها ولم ترسلها تأكل من حشائش الأرض ودخلت الجنة فرأيت صاحب الكلب الذي أرواه من الماء ( ) .
فهل هذا الحديث من مخيلة إمامك المعصوم و يمثل به حسن عواقب العطف والحنان ويحظ بهما على البر والاحسان ؟ !!.
كما نقل نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية (4/66) قال:( من الأخبار المروّحة للبال ما ورى من أنه كان رجل في بني اسرائيل منهمكاً في المعاصي فأتى في بعض اسفاره على بئر فإذا كلب قد لهت من العطش فرقّ له فأخذ عمامته وشدّ بخفّه واستقى الماء وأروى الكلب فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان أن قد شكرت له سيعه وغفرت له ذنبه لشفقته على خلق من خلقي ، فسمع ذلك فتاب من المعاصي وصار ذلك سببا لتوبته وخلاصه من العقاب) ( ) .
فهل هذا الحديث أيضاً من مخيلة إمامك المعصوم و يمثل به حسن عواقب العطف والحنان ويحظ بهما على البر والاحسان ؟!.
استنكار عبد الحسين حديث" مسرف كافر غُفِر له "(61/84)
16- وفي(ص173) أورد عبد الحسين حديث:" مسرف كافر غفر له": أخرج مسلم عن مَعْمَرٌ قَالَ: قَالَ لِيَ الزُّهْرِيُّ: ألا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ(ص) قَالَ: أَسْرَفَ رَجُلٌ ( )
عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَال:َ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدً فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ فَقَالَ الله للأرْضِ أَدِّي مَا أَخَذْتِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ أَوْ قَالَ مَخَافَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ ( ).
ذكرنا فيما سبق كيف أن الزانية( الشيعية) قد غفر ذنبها بمجرد أن أوقدت نارأً تحت جدر الحسين !!! ، وذلك الكافر( الكسرى المجوسي) الكافر بالله تعالى وبرسوله، وإنه قد نجا من النار بسبب تمسكه بالولاية !الباطلة . وذلك الشيعي الذي كان يلوط بالصبيان فقد نجا من النار أيضاً بسبب تمسكه بالولاية ! كل ذلك عند عبد الحسين مقبول غير مرفوض، ولكن إذا صدر رواية من أبي هريرة- رضي الله عنه - أنكر وأخذ يشكك في رواياته .
وإليك هذه الرواية الذي روى إمامك المعصوم قريب مثل هذا الحديث أيضاً .(61/85)
ففي "الأنوار النعمانية" لنعمة الله الجزائري(4/276 ) قال :" روى الصدوق بإسناده إلى مولانا الامام زين العابدين علي بن الحسين(ع) قال كان في بني اسرائيل رجل ينبش القبور فاعتل جار له فخاف الموت فبعث إلى النباش فقال كيف جواري لك ؟ قال أحسن جوار قال فإن لي إليك جاجة . قال قضيت حاجتك، قا ل فاخرج إليه كفنين فقال أحبّ أن تأخذ أحبهما إليك وإذا دفنت فلا تنبشني ، فامتنع النباش من ذلك وأبى أن يأخذه فقال له الرجل أحب أن تأخذه فلم يزل به حتى أخذ أحبهما إليه ومات الرجل فلما دفن قال النباش هذا قد دفن فما علمه بأني تركت كفنه أو أخذته لأخذنه، فأتى قبره فنبشه فسمع صايحاً يقول ويصيح به لاتفعل ففزع النباش من ذلك فتركه وترك ما كان عليه ، وقال لولده أي أب كنت لكم ؟ قالوا نعم الأب كنت لنا ، قال فإن لي إليكم حاجة قالوا قل ماشئت فانا سنصير إليه ان شاء الله تعالى ، قال فأحب إذا أنا مت أن تأخذوني فتحرقوني بالنار فإذا صرت رمادا فدقوني ثم تعمدوا بي ريحاً عاصفاً فذروا نصفي في البر ونصفي في البحر ، قالوا فلما ما ت فعل به ولده ما أوصاهم به فلما ذرّوه قال الله جل جلاله للبر اجمع ما فيك وقال للبحر اجمع ما فيك فإذا الرجل قائم بين يدي الله تعالى فقال له عز وجل: ما حملك على ما أوصيت به ولدك أن بفعلوه بك ؟ قال حملني على ذلك وعزتك خوفك ، فقال الله جل جلاله فأني سأرضى خصومك وقد أمنت خوفك وغفرت لك .
استنكار عبد الحسين حديث" بأن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان جنباً "
17- وفي (ص175-176) أورد عبد الحسين أحاديث أخرى مستنكراً على أبي هريرة- رضي الله عنه - على حد زعمه قال: ( ومن سخافات هذا الرجل قوله :" أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (ص) فَلَمَّا قَامَ فِي مُصلاّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ( ) .(61/86)
ثم أخذ يصول ويجول يشكك في الحديث قائلاً:( نبرأ إلى الله منه وممن يجيز على رسول الله(ص) الذي كان في جميع أوقاته على طهور وكان الوضوء على الوضوء عنده نوراً على نور وأنبياء الله كافة منزهون عن مضمونه معصومون عما هو دون مما لا يليق بالصديقين وصالحي المؤمنين ) .
قلت: أولاّ : في الحديث فوائد منها:جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة لأجل التشريع ( ).
ثانياً : قد روى إمامك الذي تعتقد فيه العصمة ! أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وعلي والحسن والحسين - رضي الله عنهم - لهم أن يجنبوا في المسجد !
ففي التهذيب عن محمد بن حمران عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن الجنب يجلس في المسجد ؟ قال: لا، ولكن يمر فيه إلا المسجد الحرام ومسجد المدينة قال: وروى أصحابنا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: لا ينام في مسجدي أحد ولا يجنب فيه أحد وقال: إن الله أوحى إليّ أن اتخذ مسجداً طهوراً لا يحل لأحد أن يجنب فيه إلاّ أنا وعلي الحسن والحسين ( ) .
بل ذكروا أن علياً - رضي الله عنه - صلّى بالناس وهو على جنابة !!
فعن عبدالرحمن بن العرزمي عن أبيه عن أبي عبدالله(ع) قال صلّى علي(ع) بالناس علىغير طهر وكانت الظهر ثم دخل فخرج مناديه أن أميرالمؤمنين (ع) صلّى بالناس على غير طهر فأعيدوا وليبلغ الشاهد الغائب ( ).
فلماذا أيها الجاهل لا تنكر على رواتك الذين يزعمون مثل هذه الخرافات والسخافات ! وهل تتبرا إلى الله منهم ؟
استنكار عبد الحسين حديث" تفضيل النبي- صلى الله عليه وسلم - على نبي الله موسى - عليه السلام - "
18- وفي(ص 176) أورد عبد الحسين حديث: ومنها في النهي عَنِ تفضيل النبي - صلى الله عليه وسلم - على موسى وحديثه في أن مَنْ قَال:أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ ( )(61/87)
ثم أخذ يصول ويجول كعادته قائلا:( قد أجمعت الأمة على تفضيله ، وثبت ذلك بالنصوص الصريحة الصحيحة وقامت عليه الضرورة من دين الاسلام ) .
قلت : تناسى أن هذا الحديث الذي أنكره قد رواه إمامه المعصوم أيضاً ! فما بعد الحق إلا الضلال .
ففي "قصص الأنبياء" (ص 495) : عن أبي عبدالله(ع) أن النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول:ما ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى .
قال الجزائري في شرحه لهذا الحديث :( أقول لعل المعنى على تقدير صحة الخبر : أنه لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس ، من حيث المعراج ، بأن يظن إني صرت من حيث العروج إلى السماء أقرب إلى الله تعالى منه ، فإن نسبته تعالى إلى السماء والأرض والبحار نسبة واحدة ، وإنما أراني الله تعالى عجائب صنعه في السماوات ، وأرى يونس عجائب خلقه في البحار ، وإني عبدت الله في السماء ويونس عبده في بطن الحوت ، ولكن التفضيل من جهات آخر لا تحصى ) .
استنكار عبد الحسين حديث" لن يدخل أحداً عمله الجنة إلا برحمته الله"
19- وفي(ص (176) وحديثه: لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَال:َلا ولا أَنَا ( ) ( ).
ثم أخذ يصول ويجول كعادته قائلا :( يضرب بهذا الحديث عرض الحائط لمخالفته كتاب الله - عز وجل - في كثير من آياته ، وحسبك منها: { إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا } .
قلت : قد أثبت جمع من مفسرين الشيعة ومنهم شيخك الطبرسي في تفسيره، والفيض الكاشاني في تفسيره ،وعبد علي الحويزي في تفسيره ، والميرزا محمد المشهدي في تفسيره، وعبد الله شبر في تفسيره وغيرهم نقلاً عن مجمع البيان: في قوله الله تعالى:
{ مَن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [ الأنعام /16 ] .(61/88)
قال المجلسي في شرح تفسير هذه الآية ما نصه:( ويحتمل أن يكون معنى الآية أنه لا يصرف العذاب عند أحد إلابرحمة الله كما روي أن النبي- صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده ما من الناس أحد يدخل الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته منه وفضل ...) ( ).
فما رأيك أيها المؤلف بالذين أثبتوا هذا الحديث وهم علمائك ؟!
استنكار واستغراب عبد الحسين حديث" أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان راعي الغنم "
30-وفي(ص176) قال عبد الحسين وحديثه:في أنه مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّ إِلا رَعَى الْغَنَمَ ( ) .
ثم أخذ يصول ويجول كعادته قائلا :( وهذا في البعد إلى حد السقوط ) .
قلت: إن كان هذا الحديث في البعد إلى حد السقوط كما تتدعي ، فمعنى هذا " أيها الجاهل " إنك تتهم إمامك المعصوم وثقة إسلامك بذلك !
ففي " البحار"( 6/226 رواية28)نقلاً عن الكافي: باسناده عن جابر: قال أبو جعفر(ع): قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: إني كنت انظر إلى الإبل والغنم وأنا أرعاها وليس من نبي إلا وقد رعى الغنم ... الحديث .
وقال الباقر(ع) :قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: إني كنت أنظر إلى الإبل والغنم وأنا أرعها وليس من نبي إلاّ وقد رعى الغنم وكنت أنظر إليها قبل النبوة... ( ).
فلم كل هذا الهجوم والطعن في أحاديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقد رواه أهل البيت ؟!
استنكار عبد الحسين حديث" ختن نبي إبراهيم - عليه السلام - بالقدوم بعد الثمانين "
31- وفي(ص 177) قال عبد الحسين: ومثله حديثه: في أن إِبْرَاهِيمُ (ع) قد وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً من عمره ( ).
قلت: الجواب من وجهين:
أولاً: قال الملهب: ليس اختنان إبراهيم - عليه السلام - بعد ثمانين مما يوجب عليها مثل فعله، إذ عامة من يموت من الناس لا يبلغ الثمانين، وإنما اختتن وقت أوحى الله إليه بذلك وأمره به ( ) .(61/89)
والثاني: و هذا الحديث رواه إمامك المعصوم .
ففي "قصص الأنبياء " لنعمة الله الجزائري (ص 113 ): باسناد عن الكاظم (ع) قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أول من قاتل في سبيل الله ابراهيم الخليل (ع) حيث أسرت الروم ولوطا (ع) فنفر ابراهيم (ع) واستنقذه من أيدهم ، وأول من اختتن ابراهيم بالقدوم على رأس ثمانين سنة .
فلماذا هذا الإنكار على أبي هريرة - رضي الله عنه - ؟!
استنكارعبد الحسين حديث" عُمْر آدم - عليه السلام - "
32- وفي(ص 177 قال عبد الحسين وحديثه: إذ خلق الله آدم فمسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها الى يوم القيامة أمثال الذر ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً - أي بريقاً - من نور ثم عرضهم على آدم فقال آدم فقال آدم من هؤلاء يا رب؟ قال: ذريتك فرأى آدم رجلا أعجبه وبيص ما بي عينيه فقال يارب؟ من هذا؟ قال هذا ابنك داود،قال آدم: كم جعلت له من العمر ؟ قال: ستين سنة ، قال: يا رب زده من عمري أربعين سنة حتى يكون عمره مائة سنة ، فقال الله- عز وجل -: إذن يكتب ويختم فلا يبدل فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت لقبض روحه قال آدم : أو لم يبق من عمري أربعون سنة قال له ملك الموت أولم تجعلها لابنك داود ؟ قال فجحد فجحدت ذريته! -الحديث- ( ).
قلت: هذا الحديث قد رواه إمامك المعصوم الذي وافق أبو هريرة - رضي الله عنه - أيضاً.(61/90)
ففي تفسير العياشي في حديث طويل - عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر(ع) قال إن الله تبارك وتعالى: فمسح على ظهر آدم ثم صرخ بذريته وهم ذر قال فخرجوا كما يخرج النحل من كورها فاجتمعوا فقال يا آدم هؤلاء ذريتك أخرجتهم من ظهرك لآخذ عليهم الميثاق -إلى أن قال - قال أبو جعفر (ع) ثم عرض الله على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم . قال فمر آدم باسم داود النبي (ع) فاذا عمره أربعون سنة فقال يا رب ما أقل عمر داود وأكثر عمري ؟! يارب إن أنا زدت داود من عمري ثلاثين سنة فانفذ ذلك له وأثبتها له عندك وأطرحها من عمري ، قال ثبت الله لداود من عمره ثلاثين سنة ولم يكن له عند الله مثبتا ومحى من عمر آدم ثلاثين سنة وكانت له عندالله مثبتا فقال أبوجعفر (ع) فذلك قولى: { يَمْحُو اللهُ مَا يَشَآءُ يُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَبِ} قال: يمحو الله ماكان عنده مثبتا لآدم وأثبته لداود ما لم يكن عنده مثبتا قال فلما دنى عمر آدم هبط عليه ملك الموت ليقبض روحه ، فقال له آدم يا ملك الموت قد بقى من عمري ثلاثون سنة ، وقال له ملك الموت ألم تجعلها لابنك داود النبي واطرحتها من عمرك حيث عرض الله عليك أسماء الأنبياء من ذريتك وعرض عليك أعمارهم وأنت يومئذ بوادي الروحاء ؟ فقال آدم يا ملك الموت ما أذكر هذا ، فقال له ملك الموت يا آدم لا تجهل ألم تسأل الله أن أثبتها لداود ويمحوها من عمرك فاثبتها لداود في الزبور ومحاها من عمرك من الذكر ؟ قال فقال آدم فاحذر الكتاب حتى أعلم ذلك قال أبوجعفر (ع) وكان آدم صادقاً لم يذكر ولم يجهل جود الألفاظ قال أبوجعفر (ع) فمن ذلك اليوم أمر الله العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلىأجل مسمى لنسيان آدم وجحود ما جعل على نفسه ( ).(61/91)
قال المجلسي في "البحار"(14/10):( أقول قد مضت الأخبار في ذلك في أبواب قصص آدم - عليه السلام - وفي بعضها أنه زاد في عمر داود عليه ستين سنة تمام المائة ، وهو أوفق بسائر الأخبار، والله أعلم ) .
استنكار واستغراب عبد الحسين حديث" احتجاج آدم و موسى "
33- وفي(ص177) قال: ومثله حديثه:" عن آدم وموسى مثلهما يتحاجان".
ثم كعادته أخذ يشكك في الحديث النبوي قائلاً:( على كيفية تدل أنهما كانا من القدرية، وقدى ظهرفيها آدم على موسى فحجه إلى كثير مما لا يليق بالأنبياء ،و يجب تنزيههم عنه ) .
وإليك أيها القارئ تمام هذا الحديث الذي أخرجه البخاري عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه - قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاتِهِ وَبِكَلامِهِ ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ ( ).
قلت: روى هذا الحديث أئمة أهل البيت - رضي الله عنهم -.
ففي تفسير القمي بإسناده عن ابن عمير عن ابن مسكان عن أبي عبدالله(ع) قال: أن موسى (ع) سأل ربه أن يجمع بينه وبين آدم (ع) فجمع ، فقال له موسى : يا أبت ألم يخلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ،وأمرك أن لا تأكل من الشجرة ؟ فلم عصيته ؟ قال : يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة ؟ قال : بثلاثين سنة ، قال : فهو ذلك ، قال الامام الصادق(ع) فحج آدم موسى (ع) ( ).(61/92)
وقال المجلسي في بيان الحديث ما لفظه:( وجدان الخطيئة قبل الخلق إما في عالم الأرواح بأن يكون روح موسى (ع) اطلع على ذلك في اللوح ، أو أنه وجد في التوراة أن تقدير خطيئة آدم (ع) كان قبل خلقه بثلاثين سنة ، ويدل على الأخير ما سيأتي في خبر مسعدة ، وقوله (ع):( فحجّ) أي غلب عليه في الحجة وهذا يرجع الى القضاء القدر ) .
وقال عبد الصاحب في كتابه الأنبياء (ص 28-29) في تعليقه على هذه الرواية ما نصه: ( والذي يفهم من جواب موسى لآدم (ع) من أن الخطيئة كائنة ومقدرة من قبل خلق آدم ومن عالم الذر ، قلت خلق الأرواح قبل وجوده بألفي عام وهي المسئلة التي هي معركة الآراء وقد هلك فيها ناس كثير لسوء فهمهم وتأملهم وعدم تعقلهم( ) الحقيقة فيها ،وهي مسألة قضاء الله وقدره لمخلوقه قبل وجوده ).
فماذا يقول عبد الحسين ما رواه إمامه وما أثبته مشائخه في شرح الحديث؟ !!
استغراب عبد الحسين حديث"مشي العلاء الحضرمي على البحر مع جنوده "
34- وفي (ص 178) قال عبد الحسين:( وما أكثر حديثه في خوارق النواميس الطبيعية، وحسبك منها( مضافاً إلى ما سمعته آنفاً) حديثان نجعلها خاتمة هذا الفصل).
أحدهما: حديثه إذ كان - فيما زعم- مع العلا بن الحضرمي لما بعث في أربعة آلاف إلى البحرين فانطلقوا حتى أتوا على خليج من البحر ما خاضه قبلهم أحد ولا يخوضه بعدهم أحد !) .
قال أبو هريرة: أخد العلا بعنان فرسه فسار على وجه الماء وسار الجيش وراءه قال: فوالله ما ابتل لنا قدم ولا خف ولا حافر ؟؟ الحديث ) .
قلت: وهذا الحديث موضوع باتفاق أهل العلم، ولا يحتج به عند المحدّثين .
بل أراد عبد الحسين أن يشفي غليله من أحاديث أبي هريرة - رضي الله عنه -سواءاً كانت أحاديث صحيحة أو ضعفية أو موضوعة ...
وإن كنت تريد خوارق النواميس الطبيعية وما أكثر ما ادعيتم لأئمتكم،وأنهم أفضل من الأنبياء والملائكة !!(61/93)
وإليك ما رواه علمائك في ذلك، لقد ألف أحدهم ويُدعى "هاشم البحراني" كتاباً مستقلاً في معاجز الأئمة الاثنى عشر ! وسمّاه " مدينة معاجز"!!
وذكر هاشم البحراني في كتابه المذكور(1/430 رواية 290): الباب السبعون ومائة " اليهودي الذي عبر الماء على مرطة باسم أمير المؤمنين(ع) ونظر(ع) إلى الماء فجمد !!
البرسي: قال: روى صاحب عيون أخبار الرضا(ع) قال: إن أمير المؤمنين(ع) مرّ في طريق فسايره خيبريُّ فمرّ بوادٍ قد سال، فركب الخيبري مربطة، وعبر على الماء!!، ثم نادى أمير المؤمنين(ع): يا هذا لو عرفت ما عرفت لجزت كما جزت، فقال له أمير المؤمنين (ع) مكانك، ثم أومأ بيده إلى الماء فجمد!! ومرّ عليه فلما رأي الخيبري ذلك
273
أكب على قدميه وقال له: يا فتى ما قلت حتى حوّلت الماء حجراً ؟!! فقال له أمير المؤمنين (ع) : فما قلت أنت حتى عبرت على الماء ؟!! فقال الخيبري: أنا دعوت الله باسم العظيم .... .
وفي (2/11 رواية 356): " ارتفاعه (ع)- أي الإمام - في الهواء " !!
البرسي: قال: روى صاحب المنتخب أن علياً(ع) مرّ إلى حصن ذات السلاسل، فدعا بسيفه ودرقته، وترك الترس تحت قدميه والسيف تحت ركبته، ثم ارتفع في الهواء! ثم نزل على الحائط وضرب السلاسل ضربة .... .
وفي (ص 11-12 رواية 357) " اتباعه (ع) الطير الذي أخذ خفّه " !!
فعن أبي جميلة، عن أبي عبد الله(ع) قال: نزع علي(ع) خفّه بليلٍ ليتوضأ، فبعث الله طائراً فأخذ أحد الخفّين فجعل علي (ع) يتبع الطير وهو يطير!! حتى أضاء له الصبح ثم ألقى الخفّ ...
وفي (5/10 رواية 1422): " صنع فيلاً من طين فركبه(ع) فطار به إلى مكّة ".(61/94)
قال: حدثنا شاذان بن عمر قال: حدثنا مرة بن قبيصة بن عبد الحميد قال: قال لي جابر بن يزيد الجعفي: رأيت مولاي الباقر(ع) وقد صنع فيلاً من طين فركبه وطار في الهواء حتى ذهب إلى مكة ورجع عليه، فلم أصدق ذلك منه حتى رأيت الباقر(ع) فقلت له : أخبرني جابر عنك بكذا وكذا ؟ فصنع فركب وحملني معه إلى مكة وردّني.
وفي(6/158 رواية 1916):" إخراج الفارسين من حافّة بحرٍ من تحت الأرض"
فعن أبي بصير، قالك كنت عند أبي عبد الله(ع) وعنده رجل من أهل خراسان، وهو يكلّمه بكلام لم أفهمه، ثم رجعا إلى شيئ فهمته، فسمعت أبا عبد الله(ع) يقول، وركض أبو عبد الله(ع) رجله الأرض، فإذا بحر تحت الأرض، على حافته فارسان قد وضعا أذقانها على قرابيس سروجها . فقال أبو عبد الله(ع) هؤلاء من أنصار القائم .
274
و(ص 159-160 رواية 1917 ) " خبر انفلاق البحر " .
فعن داود الرقّي، قال: جاء إلى أبي عبد الله(ع) فقال له: ما بلغ من علمكم؟ قال: ما بلغ من سؤالكم - إلى أن قال- فأخذ بيد الرجل ، ثم انطلق حتى أتى شاطئ البحر، فقال: أيها العبد المطيع لربّه أظهر ما فيك فانفلق البحرعن آخر ما فيه وظهر ماء أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل،وأطيب رائحة من المسك ...قال: ثم رفع رأسه فرأى في الهواء خيلاً مسرّجة ملجمة ولها أجنحة، فقلت: يا با عبد الله، ما هذه الخيل ؟ فقال: هذه خيل القائم !!
و(ص201 رواية 1945):" صعوده (ع) إلى السماء، و نزوله بالحربة "
فعن إبراهيم بن الأسود، قال: رأيت موسى بن جعفر(ع) صعد إلى السماء ونزل ومعه حربة من نور ...
وفي (3/232 رواية 851) " علوّه (ع) في الهواء وغيبوبته في السماء "
وعن جابر قال: رأيت الحسن بن علي وقد علا في الهواء وغاب في السماء فأقام بها ثلاثاً ثم نزل بعد الثلاث وعليه السكينة والوقار ...
وفي(5/513 رواية 1029):" أنه (ع) اُعطي ما اُعطي النبيّون من إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص والمشي على الماء " !!!(61/95)
" ارتفع الإمام إلى السماء حتى سدّ الإفق "
وفي كتاب" حياة الإمام العسكري" (ص361): - قال الراوي- حدّث نفسه أن يرى برهاناً من الإمام العسكري، فإذا الإمام إرتفع نحو السماء حتى سدّ الأفق!!
ونكتفي أمثال هذه المعاجز المزعومة التي لا معنى لها .
وما أكثر حديث الأئمة!! في (خوارق النواميس الطبيعية ) ؟!! فلماذا لم ينكر المؤلف هذه الأحاديث المزعومة كما أنكر على أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه ؟
275
استنكار عبد الحسين حديث" النهي عن المشي بالخف الواحد"
35- وفي (ص197) قال عبد الحسين: ومنها: أنه روى حديثاً في النهي عن المشي بالمخف الواحد فبلغ عائشة ذلك فمشت بخف واحد وقالت لأخالفنّ أبا هريرة.
قلت: فإن هذا الحديث أيضاً احتج به النظام ليطعن في أبي هريرة ، وردّ ابن قتيبة عليه افتراءه . وقد ذكر أبو القاسم البلخي هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها : أنها دخلت في خفها حسكة فمشت في خف واحدة وقالت : لأحنّثن أبا هريرة . . إنه يقول لا يمشي في نعل واحدة ولا خف واحدة ( ).
ثم إن أبا هريرة لم ينفرد بالحديث . فقد روى هذا الحديث أئمة أهل البيت - رضي الله عنهم -.
ففي" البحار" ( 76/328 - 329 باب جوامع مناهي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومتفرقاتها): بإسناده عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أميرالمؤمنين(ع) نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن الأكل عن الجنابة - إلى أن قال - ونهى أن يمشي الرجل في فرد نعل أو يتنعّل وهو قائم ..
وفي(80/191 كتاب الطهارة باب آداب الخلاء) عن أبي بصير عن الباقر(ع) قال: لا تشرب وأنت قائم .... ولا تمش في نعل واحدة فإن الشيطان أسرع ما يكون إلى الإنسان إلى بعض هذه الأحوال ..."
فما رأي عبد الحسين في هذه الروايات التي وردت من طريق أهل البيت- رضي الله عنهم - ؟!
استغراب واستنكار عبد الحسين حديث إنما الطيرة في المرأة والدابّة :(61/96)
36- وفي (ص 197) قال عبد الحسين : ومنها: أن رجلين دخلا على عائشة فقالا: أن أبا هريرة يحدث عن رسول الله(ص) أنه قال: إنما الطيرة في المرأة والدابة فطارت عائشة شغفاً ثم قال:كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله(ص) ؟ الحديث ( ).
قلت: لماذا يستغرب عبد الحسين ما يرويه أبو هريرة - رضي الله عنه -؟! ولا يستغرب ولا يتعجب ما يرويه الأئمة تلك الأحاديث الموافقة والمتفقة لأحاديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ؟ !!
ولماذا هذا الإنكار من عبد الحسين لأبي هريرة - رضي الله عنه - ولا ينكر على أئمته ؟ !!
فعن خالد بن نجيح عن أبي عبدالله(ع) قال: تذاكروا الشؤم عنده، فقال: الشؤم في ثلاثة : في المرأة والدابة الدار ، فأما شؤم المرأة فكثرة مهرها وعقوق زوجها ، أما الدابة فسوء خلقها ومنعها ظهرها ، وأما الدار فضيق ساحتها وشر جيرانها وكثرة عيوبها ( ).
استنكار عبد الحسين على أبي هريرة بأنه جلس إلى جنب حجرة عائشة وهو يحدّث:
37- وفي (ص 197) قال عبد الحسين ومنها:" أنه جلس مرّة إلىجنب حجرة عائشة يحدث عن النبي(ص) وهي مشغولة في سبحتها فقالت بعد فراغها : ألا يعجبك أبو هريرة يجلس إلىجنب حجرتي يحدّث عن النبي(ص) يسمعني ذلك ؟ وكنت اسبح فقام قبل أن اقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه الحديث " ( ).
قلت: اقرأ معي هذه الروايات وانظر ما صدر من الإمام المعصوم عندك ؟
ففي" البحار"( 7/339 رواية 32):عن إسحاق بن الحارث عن أبيه عن أمير المؤمنين (ع) قال: أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو بكر وعمر فجلست! بينه وبين عائشة! فقالت لي عائشة ما وجدت إلا فخذي! أو فخذ! رسول الله - صلى الله عليه وسلم -... ( ).(61/97)
وفي(22/244 رواية 11): عن جندب بن عبد الله البجلي، عن علي(ع) قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قبل أن يضرب الحجاب وهو في منزل عائشة فجلست بينه وبينها!، فقالت: يا ابن أبي طالب ما وجدت مكاناً لإستك غير فخذي ؟!! ...( )
وفي(27/155 رواية27)في رواية:" فجلس بين النبي- صلى الله عليه وسلم - وبين عائشة فقالت: يابن أبي طالب ما وجدت مقعداً غير فخذي ؟!! ...( ) .
و في (38/297 رواية 3): "وروي أنه سافر ومعه علي (ع) وعائشة ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينام بينهما في لحاف!!! ( ) .
فانظر يا عبد الحسين هذه الشناعات والتشويهات التي لا يرضاها من هو أدنى منهم .
استنكار عبد الحسين حديث:" إذا استيقظ أحداً من النوم فليغسل يده ..."
38- وفي (ص 197) قال عبد الحسين : ومنها: أنه روى عن النبي(ص) أنه قال: متى استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الإناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ؟ فانكرت عائشة عليه فلم تأخذ به وقالت: كيف نصنع بالمهراس .
قلت : وهذا الحديث رواه قومك ، فقد أخرج فخرك المجلسي في "بحاره" (80/333 ): فقد عقد في كتاب الطهارة باباً سماه " سنن الوضوء وآدابه " أثبت فيه هذا الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه - الذي أنكرته يا مفتري !!
وأيضاً لم ينفرد أبا هريرة بهذا الحديث ، بل رواه ووافقه أئمة أهل البيت- رضي الله عنهم - !
وفي " البحار"( 80/333- كتاب الطهارة باب سنن الوضوء وآدابه):
عن أبي بصير عن عبد الكريم بن عتبة قال: سألته عن رجل يستيقظ من نومه ولم يبل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها قال: لا ، لأنه لا يدري أين باتت يده فيغسلها.
استنكار عبد الحسين حديث" من صاحب الكلب انتقص أجره كل يوم قيراط"(61/98)
39- وفي (ص 198): قال عبد الحسين: ومنها: "ومثله ما في صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً : من اتخذكلباً الا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط ، فذكر لابن عمر قول أبي هريرة هذا فقال: يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع - يتهمه يزيادة كلب الزرع ايثاراً لمصلحته - وقد اتهمه بهذا أيضاً سالم بن عبدالله بن عمر في حديث اخرجه مسلم أيضاً ".
قلت : ويكفي أن نختصر على أباطيل عبد الحسين وتدليساته حول روايات أبو هريرة - رضي الله عنه - ، نذكر روايات أهل البيت الصادقين الذي يثق فيهم ولا يشك في كذبهم!!
ففي " الكافي"( 6/552- باب الكلاب): فعن زرارة عن أبي عبد الله(ع) قال: ما من أحد يتخذ كلباً إلا نقص في كل يوم من عمل صاحبه قيراط ( ).
وفي "عوالي اللئالي"(1/ 143- 144 ): قال : من اقتنى كلباً إلاضارباً، أوكلب زرع نقص من أجره كل يوم قيراطان .
فما رأي عبد الحسين في أحاديث أئمته ولعله اقتنع ؟!!
استنكار عبد الحسين حديث" من اتبع جنازة فله من الأجر قيراط "
40-وفي (ص 199) قال عبد الحسين: ومنها: أن ابن عمر سمعه يحدث:" بأن من اتبع جنازة فله قيراط من الأجر" فقال أكثر علينا أبو هريرة ولم يصدقه حتى بعث إلى عائشة يسألها عن ذلك فروت له فصدّق حينئذ والحديث في هذا ثابت .
قلت: لا أدري هل عبد الحسين بالفعل يجهل أحاديث أهل البيت ؟! أم يريد الطعن والتشكيك في راوية الاسلام أبو هريرة - رضي الله عنه - ، ويزرع الحقد والبغض في قلوب المؤمنين ؟ لماذا الإنكار على أبي هريرة وأئمة أهل البيت قد رووا هذا الحديث ؟!!
ففي " فروع الكافي" (3/173 ): عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: من مشى مع جنازة حتى يصلّى عليها ثم رجع كان له قيراط من الأجر، فإذا مشى معها حتى تدفن كان له قيراطان ،والقيراط مثل جبل أحد ( ) .(61/99)
وفي(3/173 ) عن الاصبغ بن نباته قال: قال أميرالمؤمنين (ع) :من تبع جنازة كتب الله من الأجر له أربع قراريط: قيراط باتباعه ،وقيراط للصلاة عليها ، وقيرطا بالانتظار حتى يفرغ من دفنها ،وقيراط للتعزية ( ) .
استنكار عبد الحسين حديث" من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه"
41- وفي (ص 199) قال عبد الحسين كعادته ما نصه: " وكذلك فعل عامر بن شريح بن هاني إذ سمع أبا هريرة يحدث: بأن من أحب القاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " فلم يصدق أبا هريرة بذلك حتى سأل عائشة فرته له وفاهمته المرادى منه والحديث في ذلك ثابت أيضاً .
قال عبد الحسين في تعليقه ما نصه:( ولو أردنا استقصاء الموارد التي ردّ فيها السلف حديث أبي هريرة وأنكروا فيها عليه لطال بنا الكلام، وهذا القدر كاف لما أردناه والحمد لله ) .
قلت: الحمد الله الذي وفقني لتخريج كتابي هذا المتواضع والذي كتبته بعجالة شديدة ، رغم إني حذفت كثيراً من الشروح( ) وغير ذلك عندما رأيت أن الكتاب أخذ يزداد و يطول ، فاضطررت إلى إختصاره ، وعلى كل حال فقد فصّلنا وبيّنا بالأدلة والبراهين من أقوال الصادقين أهل البيت- رضي الله عنهم - حسب زعمهم ، فكان هدفي هو الاستدلال من رواياتهم .
وأما قول عبد الحسين:( ولو أردنا استقصاء الموارد التي ردّ فيها السلف حديث أبي هريرة وأنكروا فيها عليه لطال بنا الكلام ... ) .
أقول: هذه الاتهامات الصادرة من عبد الحسين لأبي هريرة - رضي الله عنه -كلّها باطلة لا أساس لها من الصحة من أولها إلى آخرها ، لأن الروايات التي اسردناها كلّها موافقة لروايات أهل البيت- رضي الله عنهم - ، وكما أن علمائكم استشهدوا واستدلوا بها وأثبتوها في مصادرهم .(61/100)
أقول: وقد ورد هذا الحديث في أصح وأحسن كتاب وهو " الكافي " كما ادعيت في مراجعاتك (ص390): ( وأحسن ما جمع منها - أي من الأصول الأربعمائة - الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أصولهم وفروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان وهي : الكافي .... وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها ...) .
فعن عبد الصمد بن بشير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(ع) قال: قلت: أصلحك الله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه؟ قال: نعم. قلت: فوالله إنا لنكره الموت، فقال: ليس ذلك حيث تذهب إنما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحب فليس شيئ أحب إليه من أن يتقدم والله تعالى يحب لقاءه وهو يحب لقاء الله حينئذ وإذا رأى ما يكره فليس شيئ أبغض إليه من لقاء الله والله يبغض لقاءه ( ) .
وكذلك روي عن الإمام السجاد رحمه الله تعالى هذا الحديث: "هذا ما ورد من قوله - عليه السلام - من أحب لقاء الله أحب الله لقائه، ومن كره لقاء الله كره الله لقائه ، لأن هذا كما جاء في الروايات إنما هو حال الموت ...) .
وما بعد الحق إلا الضلال .
وفي (ص221) قال عبد الحسين تحت عنوان " خاتمة الكتاب " :( ولنختم إملاءنا هذا بكلمتين لرسول الله(ص) تتعلقان بأبي هريرة ضربهما النبي(ص) على غرار فذ أغرته الحكيمة في التدليل على زيغ الزائغين والتحذير منهم . الكلمة الأولى يشترك فيها أبو هريرة والرحال بن عنفوة والفرات بن حبان وذلك أنهم خرجوا ذات يوم من مجلسه الشريف فقال مشيراً إليهم " لضرس أحدكم في النار أعظم من أحد، وأن معه لقفا غادر).(61/101)
قلت : نقل " عبدالحسين" هذه الرواية عن الاستيعاب والإصابة وبدورهما عن سيف بن عمر التميمي في كتابه الفتوح والردة . وسيف بن عمر هذا قال فيه ابن معين : ضعيف الحديث وقال مرة ، فلس خير منه وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي وقال أبو داود: ليس بشئ وقال النسائي والدارقطني : ضعيف وقال ابن عدي بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الاثبات قال: وقالوا: إنه كان يضع الحديث واتهم بالزندقة وقال البرقاني عن الدارقطني : متروك وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط ( ) .
فهذه الرواية ساقطة تضرب بها عرض الحائط، مع العلم أنه كان من المفروض على عبدالحسين أن يبيّن للقرّاء حال سيف بن عمر الذي نقلت عنه الرواية أو يأتي بطريق آخر للرواية لتقوم حجته ، لكنه لم يفعل هذا ولا ذاك إذ أن هدفه التضليل !!
وعلى فرض صحة هذه الرواية فالمقصود بها الرحال بن عنفوة الذي ارتد وقتل مع جيش مسليمة الكذاب فهي لا تمس أبا هريرة .
والغريب من الشيعة أنهم هاجموا سيف بن عمر التميمي وكذّبوه عندما روى أن عبدالله بن سبأ هو الذي نشر مبدأ " لكل نبي وصي " .
قال العالم الشيعي المعاصر محمد جواد :( وسيف هذا كان من الوضّاعين للروايات ،وقد نقل الناقد السيد مرتضى العسكري في كتابه عبدالله بن سبأ آراء عدد من علماء الحديث في شأن سيف قال ابن معين المتوفى (332 هـ) " فيه سيف بن عمر ضعيف الحديث .. ) ( ) .
فانظر أيها القارئ الكريم كيف كذبه القوم عندما روى أن عبدالله بن سبأ هو صاحب مبدأ أن لكل نبي وصي وصدقوه عندما روى " لضرس أحدكم في النار " فهو صادق في موضع وكاذب في موضع آخر !(61/102)
وصدق الله تعالى في أمثال هؤلاء ومن كان على شاكلته { أَفَتُؤْمِنُونً بِبَعْضِ الْكِتَبِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضِ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىُُ فىِ الْحَيَوةِ الْدُنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَمَةِ يُرِدُّونَ إِلَى أَشَدّ الْعَذَابِ } [البقرة /85 ] .
قال عبد الحسين في "مراجعاته"(ص385) لسلفه:( وأما مؤلفو سلفنا من أهل الطبقة الثانية (طبقة التابعين ) فإن مراجعاتنا هذه لتضيق عن بيانهم . والمرجع في معرفتهم ومعرفة مصنفاتهم وأسانيدها إليهم على التفصيل إنما هو فهارس علمائنا ومؤلفاتهم في تراجم الرجال ..).
وفي (ص 392) قال:( .... ولا يمكن في هذا الاملاء احصاء ما ألفه تلامذة الأئمة الستة من أبناء الصادق(ع) بيد إني أحيلك على كتب التراجم والفهارس فراجع منها أحوال محمد بن سنان وعلي بن مهزيار والحسن بن محبوب والحسن بن محمد بن سماعة وصفوان بن يحيى وعلي بن يقطين وعلي بن فضال عبد الرحمن بن نجران والفضل بن شاذان ( فإن له مئتي كتاب) و محمد ابن مسعود العياشي( فإن كتبه تربو على المئتين ) ومحمد بن عمير،وأحمد بن محمد عيسى فإنه روى عن مئة رجل من أصحاب الصادق(ع) و محمد بن علي بن محبوب وطلحة بن طلحة بن زيد وعمار بن موسى الساباطي وعلي بن النعمان والحسين ابن عبد الله وأحمد بن عبد الله بن مهران المعروف بابن خانة وصدقة بن المنذر القمي وعبيد الله بن علي الحلبي الذي عرض كتابه على الصادق(ع) فصححه واستحسنه وقال أترى لهؤلاء مثل هذا الكتاب وأبي عمرو الطيب وعبد الله بن سعيد الذي عرض كتابه على أبي الحسن(ع)- ويونس بن عبد الرحمن الذي عرض كتابه على الإمام أبي محمد الزكي العسكري (ع) ...) .
وفي (ص 388) قال عبد الحسين مادحاً لسلفه الصالح:( وهناك أبطال لم يدركوا الإمام زين العابدين، وإنما فازوا بخدمة الباقرين الصادقين ( عليهما السلام ) .(61/103)
وفي (ص392) وقال عن سلفه:( قال المحقق في المعتبر أعلا الله مقامه وكان من تلامذة الجواد(ع) فضلاً، كالحسين بن سعيد وأخيه الحسن وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي وأحمد ابن محمد بن خالد البرقي وشاذان وأبي الفضل العمى أيوب بن نوح وأحمد بن محمد ابن عيسى وغيرهم ممن يطول تعدادهم ... وكتبهم إلى الآن منقوله بين الأصحاب دالة على العلم والغزير ) .
وفي (ص387) بالغ في مدح سلفه الصالح مانصه:( ومنهم أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينا كان من ثقاة !!سلفنا الصالح !واعلامهم! أخذ العلم عن الأئمة الثلاثة( الصادق والباقر وزين العابدين (ع) وكان منقطعاً إليهم مقرباً عندهم . أثنى عليه الصادق، فقال(ع): أبو حمزة في زمانه مثل سليمان الفارسي في زمانه ..) .
وفي (ص388): قال مادحاً لسلفه:( ومنهم أبو القاسم بريد بن معاوية العجلي،وأبو بصير الأصغر ليث بن مراد البختري المرادي، وأبوالحسن زرارة بن أعين، وأبوجعفر محمد بن مسلم بن رباح الكوفي الطائفي الثقفي،وجماعة من اعلام الهدى، ومصابيح الدجى، لا يسع المقام استقصاءهم ) . سمير راجع تعليقاتي
قلت: اتهم عبد الحسين أبو هريرة - رضي الله عنه - بأنه في النار ، بل ادعيتهم مثل ذلك في كثير من الصحابة - رضي الله عنهم - بأنهم كفّار وأنهم في النار ، وليس ادعائك لأبو هريرة - رضي الله عنه - وحده .
وإليك أيها القارئ أحوال سلفه !! الذي أثنى عليه في مراجعاته!! بأنه من أصحاب الأئمة وحفّاظهم وثقاتهم !! وسوف يتضح لك مدى كذبه(تقيته) و تدليسه،
وأن كل ما قاله خلاف ذلك، فسوف ترى العجب أيها القارئ من عبد الحسين كيف أنه طعن في خير الناس وخير أمة وخير جيل وخير القرون أخرجت للناس بشهادة الله تعالى لهم بالوفاء والعدل والصدق والأمانة ، وهؤلاء كلهم عند عبد الحسين وأشياعه من الكفّار وأنهم مرتدٌّون واعياذ بالله تعالى ، وأن سلفه مؤمنون عدون صادقون ثقاة حفّاظ ...!!!
أولاً: محمد بن سنان :(61/104)
قال النجاشي في "رجاله " (2/208 رقم 889): أنه روى عن الرضا(ع)،(قال): وله مسائل عنه معروفة !! . وهو رجل ضعيف جداً لايعول عليه، ولا يلتفت إلى ما تفرد به .
وفي (ص209): قال أبو محمد الفضل بن شاذان، لا أحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان !! وقال في حاشيته:( من أدلة القائلين بضعفه رميه بالغلو ..) .
وجاء ترجمة محمد بن سنان في كتاب" أحسن التراجم"(2/87-88): وفيه من الغلاة .
علي بن مهزيار
والحسن بن محبوب
والحسن بن محمد بن سماعة
وصفوان بن يحيى
وعلي بن يقطين
وعلي بن فضال عبد الرحمن بن نجران
والفضل بن شاذان (
و محمد ابن مسعود العياشي( فإن كتبه تربو على المئتين )
ومحمد بن عمير،
وأحمد بن محمد عيسى
محمد بن علي بن محبوب
وطلحة بن طلحة بن زيد
وعمار بن موسى الساباطي
وعلي بن النعمان
والحسين ابن عبد الله
وأحمد بن عبد الله بن مهران المعروف بابن خانة
وصدقة بن المنذر القمي
وعبيد الله بن علي الحلبي
وأبي عمرو الطيب
وعبد الله بن سعيد
ويونس بن عبد الرحمن
ففي (ص421): قال ابن مسعود: قال أبو الحسن عبي بن الحسن بن فضال: علي بن أبي حمزة: أنه أقعد في قبره فسئل عن الأئمة، فأخبرنا بأسمائهم حتى انتهى إليّ فسئل فوقف فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره ناراً . - رضي الله عنهم - - رضي الله عنه -
ومن رواتهم حفص بن البختري فقد ذكر النجاشي في رجاله (1/324 رقم 342): أصله كوفي ثقة !! روى عن أبي عبد الله(ع) وأبي الحسن(ع) ... فغمزوا عليه بلعب الشطرنج !! .
منهم أبو القاسم بريد بن معاوية العجلي
وأبو بصير الأصغر ليث بن مراد البختري المرادي،
وأبوالحسن زرارة بن أعين،
وأبوجعفر محمد بن مسلم بن رباح الكوفي الطائفي الثقفي
- هذا الكتاب -(61/105)
أبو هريرة- رضي الله عنه - الصحابي الجليل راوية الإسلام حافظ السنة النبوية، وهو أكثر أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حديثاً وحفظاً، لقد استغل الحاقدون الذين تشبهوا بأفكار المستشرقين فأخذوا يشككون ويطعنون في مرويّات أبي هريرة - رضي الله عنه -وفي شخصيته المرموقة عند الأجيال إلى قيام الساعة الذين عرفوا منزلة الصحابة- رضي الله عنهم - في القرآن والسنة من إخلاصهم وإيمانهم وجهادهم وصدقهم ...
وعندما أراد هؤلاء الحاقدون وغيرهم الطعن في السنة والنبوية الشريفة فقد استغلوا طعنهم في هذا الصحابي الجليل- رضي الله عنه - لأنه هو أكثر راو عن رسول- صلى الله عليه وسلم - .
لقد ألف أحدهم ويُدعى "عبد الحسين شرف الدين" وكتابه ( أبو هريرة) ، والثاني ويُدعى "محمود أبو رية" وكتابه ( شيخ المضيرة أبو هريرة ) وغيرهما كما في هذا الكتاب .
لقد قمت بفضل الله ومنّه في الرد على تلك الشبهات حول مروياته ، ودحض كل ما نبسوا إليه وما رموه به من الإفتراءات والأكاذيب وغير ذلك كما هو مفصّل في هذا الكتاب .
ومن ثم يتبين للقارئ مدى براءة أبي هريرة- رضي الله عنه - مما نُسبه إليه أهل البدع والأهواء من تلك الإتهامات الباطلة الواهية .
ولقد استشهدت في هذا الكتاب للرد على هؤلاء من رواياتهم وأمهات مصادرهم من طرق أهل البيت- رضي الله عنهم - الذين يعتقدون فيهم العصمة المطلقة وأنهم الحجة فيما يروون، وهو الذي يتميز به هذا الكتاب عن بقية الردود وكشف الشبهات .
أسأله الله تعالى أن يُلهِم المسلمين رشدهم فَيكُفُّوا عن هجر القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .. وينتبهوا للمخاطر المحيطة بهم ، ويأخذوا حذرهم... كي يحفظوا أجيالهم بإسلام .
والله ولي ذلك والقادر عليه وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم .
- - - - -(61/106)
الفصل الرابع
"مع التيجاني" (1) )
... ... ... ... ... ... ... ...
__________
(1) التيجاني) نبسة إلى التيجانية وهي من فرق الصوفية، للمزيد انظر كتاب " التيجانية" دراسة لأهم عقائد التيجانية على ضوء الكتاب والسنة" تأليف: علي بن محمد الدخيل الله والعجيب في هذا الرجل أنه ما زال يفتخر بهذا اللقب بصوفيته الضالة المضلة، وقد كذب عندما قال إنه كان من أهل السنة، ومتى كانت الصوفية من أهل السنة ، ويظن أن أهل السنة جهال حتى يضحك عليهم ، كما ضحك على أبناء الشيعة، بل صوفي باطني منحرف تظاهر بالتشيع لأهل البيت، وكما لا يخفى علينا أن التصوف والتشيع منبعهما واحد، وكا قيل:هما وجهان لعملة واحدة . وهداية هذا الرجل لمذهب أهل البيت ليس إلا طمعه للمال كما اعترف وصرّح به في كتابه الطريق الهدى (ص175) ما نصه:( كما أعطاني السيد الخوئي الذي كنا نقلده وكالة للتصرف في الخمس والزكاة )!!!
وقال في (ص46 ):( وسألني صديقي وهو يمد إليّ قطعة من الطين اليابس هل أريد أن أصلي وأجبته في حدة! : نحن لانصلي حول القبور ! قال : إذاً إنتظرني قليلاً حتى أصلي ركعتين ! وفي إنتظاره كنت أقرأ اللوحة المعلقة على الضريح وأنظر إلى داخله من خلال القضبان الذهبية المنقوشة وإذا به مليء بالأوراق النقدية من كل الألوان من الدرهم و الريالات الى الدينار والليرة وكلها يلقيها الزوار تبركاً ! للمساهمة في المشاريع الخيرية ! التابعة للمقام! وظننت لكثرتها ! أن لها شهوراً ولكن صديقي أعلمني فيما بعد أن المسؤولين ! عن تنظيف المقام يأخذون كل ذلك في كل ليلة بعد صلاة العشاء!! خرجت وراءه مدهوشاً!! وكأني تمنيت!! أن يعطوني منها نصيباً!! أو يوزعوها على الفقراء و المساكين وما أكثرهم هناك ) و للمزيد انظر لكشف أباطيله وأكاذيبه كتاب"كشف الجاني محمد التيجاني" و" بل ضللتَ" و" الانتصار" .
331(62/1)
لم يكن التيجاني بأحسن حالا من سابقة فهو الآخر سارق بارع يسطو على أفكار الناس وآرائهم ويتبجح بها وينسبها لنفسه ،قال معترفاً في كتابه المضحك " اتقوا الله" (ص 55) بعد أن أورد أكاذيبهما ما نصه :( راجع كتابي محمود أبو رية
المصري، والسيد !شرف الدين في أبي هريرة ) .
ومعنى هذا أنه أخذ أفكار اساتذته ومشائخه في هذا المنهج في طعن أبي هريرة- رضي الله عنه - سواءاً كان طعنه في شخصه أو في رواياته ، والغريب من هذا الدكتور!! السارق البارع أخذ يقلّدهم في كل صغيرة وكبيرة من تلك الكتاب - أي من كتاب أبي رية والثاني لأستاذه عبد الحسين ووضع في كتابه ، وظنّ شيعته أنه علاّمة في الروايات والأقوال ... لا يعرفون أنه سارق الأقوال و الروايات .
و يمكنني تلخيص ملاحظاتي على كتبه بمايلي :
إنه يسيئ فهم النصوص عمداً ، ويتحكم في فهمها تحكماً يمليه الهوى لا البحث العلمي ، وسوف أذكر بعض الأمثلة على ذلك : قال في كتابه " اتقوا الله" (ص54-55) :( إن أبا هريرة كان كذوباً غير معتمد عليه، إن كذب أبي هريرة في أحاديثه ملأ الخافقين ، وقد دلت أحاديث أهل السنة على التهمة له بالكذب كانت معلومة بين الصحابة حتى أن عمر ضربه بالدرة المعهودة ....وأن رسول الله (ص) أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر : أن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال ابن عمر أن لإبي هريرة زرعا .وفي مسند أبي هريرة يروي عن النبي: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر فقال ابن عمر لقد أكثر علينا أبو هريرة .
وهناك الكثير أمثال تلك المفتريات والأباطيل قد أجبنا عليها بالتفصيل في الفصل الأول مع عبد الحسين بتوفيق من الله تعالى، فلا داعي لتكرار مرة ثانية .(62/2)
و أما لكشف أباطيل هذا الدكتورالمهتدي!! فلا يسعنا إلا أن نورد بعض تدليساته لكي يتبين للقارئ مدى حقده وبغضه لراوية الإسلام أبو هريرة- رضي الله عنه - وغيره من الصحابة- رضي الله عنهم - وطعنه في السنة النبوية وطعنه في الصحيحين البخاري ومسلم، وكذلك طعنه في أحاديث النبي- صلى الله عليه وسلم - وأهل البيت- رضي الله عنهم - كما سيأتي في إنكاره بعض الأحاديث الصحيحة .
332
قال في كتابه فسئلوا أهل الذكر (ص272)تحت عنوان” النبي ! يتنازل في أحكام الله حسبما يريد” قال : عن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النبي- صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال: ما لك قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال- صلى الله عليه وسلم - :هل تجد رقبة تعتقها قال: لا قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال: لا فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً قال: لا قال فمكث النبي - صلى الله عليه وسلم - فبينا نحن على ذلك أتي النبي- صلى الله عليه وسلم - بعرق فيها تمر والعرق المكتل قال أين السائل فقال: أنا قال خذها فتصدق به فقال: الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي حتى بدت أنيابه ثم قال أطعمه أهلك(1) ) .
__________
(1) البخاري كتاب الصوم وكتاب الهبة وكتاب النفقات وكتاب الأدب وكتاب كفارات الأيمان وأخرجه مسلم في كتاب الصيام .
333(62/3)
ثم علق التجاني قائلاً: ( أنظر كيف تصبح أحكام الله وحدود الله التي رسمها لعباده من تحرير رقبة على الموسرين والذين لا يقدرون على تحرير رقبة فما عليهم إلا اطعام ستين مسكيناً وإذا تعذر وكان فقيراً فما عليه إلا بالصوم وهو كفّارة الفقراء الذين لا يجدون أموالا كافية لتحرير أو لإطعام المساكين ولكن هذه الرواية تتعدى حدود الله التي رسمها لعباده ويكفي أن يقول هذا الجاني كلمة يضحك لها الرسول حتى تبدو أنيابه فيتساهل في حكم الله ويبيح له أن يأخذ الصدقة لأهل بيته، وهل هناك أكبر من هذه الفرية على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيصبح الجاني مجازا على ذنبه الذي تعمده بدلا من العقوبة وهل هناك تشجيعاً أكبر من هذا لأهل المعاصي والفسقة الذين سيتشبثون بمثل هذه الروايات المكذوبة ويرقصون لها، وبمثل هذه الرويات أصبح دين الله وأحكامه لعباً وهزؤا وأصبح الزاني يفتخر بارتكابه الفاحشة ويتغنى باسم الزاني في الأعراس والمحافل كما أصبح المفطر في شهر الصيام يتحدى الصائمين ).
قلت :لا أدري كيف اهتدى هذا الدكتور إلى مذهب جديد وهو الشيعة !! ولا يعلم أن هذا الحديث يرويه أئمته الذين يعتقد فيهم العصمة ؟
فسوف أخرج لك تلك الروايات الثابتة من طرق علي والباقر والصادق من بطون كتب الحديث و مذهبك الجديد .(62/4)
ففي" البحار"( 96/282رواية 13 -كتاب الصوم باب ما يوجب الكفارة وأحكامها -): روينا عن علي (ع) أنه قال : أتى رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان فقال: يا رسول الله إني قد هلكت، قال: وما ذاك؟ قال: باشرت أهلي فغلبتني شهوتي حتى وصلت قال: هل تجد عتقاً ؟ قال: لا والله، وما ملكت مملوكا قط قال: فصم شهرين قال: والله ما أطيق عليّ الصوم قال: فانطلق فاطعم ستين مسكينا قال: والله ما أقوى عليه قال: فأمر له رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بخمسة عشر صاعاً وقال: اذهب فاطعم ستين مسكيناً لكل مسكين مدّ، قال: يا رسول الله والذي بعثك ما بين لابتيها من بيت أحوج منّا، قال: فانطلق فكله أنت وأهلك .
وفي (ص96/279رواية 2): عن عبد المؤمن الأنصاري عن أبي جعفر(ع) قال: إن رجلا أتى النبي- صلى الله عليه وسلم - فقال: هلكت هلكت، فقال: وما أهلكك؟ قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم - أعتق رقبة فقال: لا أجد قال: فصم شهرين متتابعين فقال: لا أطيق فقال: تصدق على ستين مسكيناً قال: لا أجد قال: فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم - بعرق أو مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: خذها وتصدق بها فقال: والذي بعثك بالحق بينا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فقال: خذه وكله أنت وأهلك فإنه كفّارة لك .
وفي(ص281 رواية 9):عن جميل بن دراج عن أبي عبدالله (ع) أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمداً فقال : إن رجلا أتى النبي- صلى الله عليه وسلم - فقال : هلكت يا رسول الله ! فقال : ومالك ؟ فقال : النار يا رسول الله فقال: وما لك؟ فقال: إني وقعت بأهلي في رمضان قال: تصدق واستغفر الله فقال الرجل: فوالذي عظم حقك .
وقال ابن أبي عمير: فوالذي بعثك بالحق - ما تركت في البيت شيئاً قليلا ولا كثيراً
334(62/5)
قال: فدخل رجل من الناس بمكتل تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا هذا هنا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - خذ هذا التمر فتصدق فقال: يا رسول الله على من أتصدق به وقد أخبرتك أنه ليس في بيتي قليل ولا كثير فقال: خذه واطعمه عيالك واستغفر الله .
فلماذا لا تنكر على المعصومين ! وتسألهم: “كيف تصبح أحكام الله وحدود الله التي رسمها لعباده من تحرير رقبة على الموسرين والذين لا يقدرون على تحرير رقبة فما عليهم إلا اطعام ستين مسكيناً ...” ، أيها المدلس المفترى .
ولماذا لا تنكر عليهم حينما يفترون على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كما يفتري أبو هريرة حسب ادعائك يا دكتور ؟!
هكذا اتضح للقارئ مدى جهل و مفتريات التيجاني بمذهبه الجديد!!
وقد يئس هذا ( المهتدي)!! أن يأتي بشيئ جديد، وقد حاول هو الآخر أن يشكك ويطعن في صحيح البخاري ومسلم في بعض أحاديث ، سواءاً كان الرواي أبو هريرة - رضي الله عنه - أو غيره من الصحابة - رضي الله عنهم - . ويريدون أن يقولون لأهل السنة بأن مذهبكم باطل ومذهب أهل البيت هو الحق، هذا هو مرادهم وقصدهم . ولكن تبين أن ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - هو ما رواه أهل البيت !! فتبين أنكم على خلاف ذلك .
استنكار التيجاني حديث:" تخفيف خمسين صلاة إلى خمس صلوات":
ومن مفتريات هذا الدكتور المفتري!! أنه أخذ يشكك وينكر ويطعن في أصح حديث والمتفق عليه بين الفريقين ، وهو حديث تخفيف خمسين صلاة إلى خمس صلوات .
و إليك أيها القارئ ما قاله هذا الدكتور المهتدي!!! عن هذا الحديث ما نصه:(62/6)
( وأخرج البخاري في صحيحه قصة عجيبة وغريبة تحكي معراج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولقاءه مع ربه ، وفيها يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ثم فرضت عليّ خمسون صلاة فأقبلت حتى جئت موسى ، فقال: ما صنعت؟ قلت: فرضت عليّ خمسون صلاة . قال: أنا أعلم بالناس منك عالجت بني اسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا تطيق، فارجع إلى ربك فسله،
335
فرجعت فسألته فجعلها أربعين ، ثم مثله، ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين، ثم مثله فجعل عشراً، فأتيت موسى فقال: مثله فجعلها خمساً، فأتيت موسى فقال: ما صنعت؟ قلت جعلها خمساً فقال مثله، قلت فسلمت فنودي إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي الحسنة عشراً .
وفي رواية أخرى نقلها البخاري أيضاً، وبعد مراجعة محمد ربه عديد المرات وبعد فرض الخمس صلوات، طلب موسى من محمد أن يراجع ربه للتخفيف لأن أمته لا تطيق حتى الخمس صلوات ، ولكن محمد أجابه: قد استحييت من ربي .
نعم اقرأ وأعجب من هذه العقائد التي يقول بها علماء السنة والجماعة، ومع ذلك فهم يشنعون على الشيعة أتباع أئمة أهل البيت في القول بالبداء .
وهم في هذه القصة يعتقدون بأن الله سبحانه فرض على محمد - صلى الله عليه وسلم -وأمته خمسين صلاة، ثم بدا له بعد مراجعة محمد إياه أن يجعلها أربعين،ثم بدا له بعد مراجعة ثانية أن جعلها ثلاثين، ثم بدا له بعد مراجعة ثالثة أن جعلها عشرين ثم بدا له بعد مراجعة رابعة أن جعلها عشراً، ثم بدا له بعد مراجعة خامسة أن جعلها خمساً.(62/7)
ومن يدري لولا استحياء محمد من ربه لجعلها واحدة، أو لأسقطها تماماً (1) ) .
استغفر الله العلي العظيم من هذا القول الشنيع! ولست أشنع عليهم من أجل القول بالبداء ...) (2) ) .
و يواصل التيجاني قائلاً:( ولكن تشنيعي أنا لهذه القصة بالذات وهي - مساومة محمد- صلى الله عليه وسلم - ربه في فرض الصلوات - لما فيها من نسبة الجهل إلى الله- عز وجل -ومن انتقاص لشخصية أعظم إنسان عرفه تاريخ البشرية، وهو نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم - إذ تقول الرواية بأن موسى قال لمحمد: أنا أعلم بالناس منك. وتجعل هذا الرواية الفضل والمزية لموسى الذي لولاه لما خفف الله عن أمة محمد .
__________
(1) ولعل التيجاني اهتدى إلى مذهب أهل البيت لأنهم اسقطوا الصلاة ...،بل الأركان بأكملها وقالوا ، أن "الولاية " أفضل من الصلاة " !! أورد الكليني في كافيه 2/18و21:عن أبي جعفر(ع) إنه قال: بني الاسلام على خمس : على الصلاة ، والزكاة، والصوم ،والحج ، الولاية ، ولم ينادي بشيئ كما نودي بالولاية . وفي رواية أنه قال: بني الاسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة،والحج، والصوم،والولاية قال زرارة : فقلت : وأي شيئ من ذلك أفضل؟ فقال الولاية أفضل!! الكافي 2/18.
(2) لأكون مع الصادقين150-151.وأولى أن يسمي كتابه" لأكون مع الكاذبين" . لأنه ضل الشيعة بأكاذيبه التي لا تحصى .
336(62/8)
ولست أدري كيف يعلم موسى(1) ) بأن أمة محمد لا تطيق حتى خمس صلوات(2) ) في حين أن الله لا يعلم ذلك ويكلف عباده بما لا يطيقون فيفرض عليهم خمسين صلاة؟!
وهل تتصوّر معي أخي القارئ كيف تكون خمسين صلاة في اليوم الواحد فلا شغل ولا عمل ، ولا دراسة ولا طلب الرزق ولا سعي ولا مسئوولية، فيصبح الإنسان كالملائكة مكلف بالصلاة والعبادة، وما عليك إلا بعملية حسابية بسيطة لتعرف عدم
صحة هذه الرواية (3) ) ، فإذا ضربت عشر دقائق - وهو الوقت المعقول لإداء فريضة
__________
(1) إن كنت لا تدري فتلك مصيبة .. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم . ألا تزعمون أن ائمتكم يعلمون علم الغيب ؟!!. فقد بوّب الكليني باباً "أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشئ "،وإليك رواية من رواياتهم التي تزعم أن جعفر أعلم من نبي الله موسى والخضر! فعن سيف التمّار قال: كنّا مع أبي عبد الله جماعة من الشيعة في الحجر فقال: علينا عين؟ فالتفتنا يمنه ويسره فلم نر أحداً فقلنا: ليس علينا عين فقال: ورب الكعبة ورب البينة ثلاث مرّات لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما...
انظر الكافي(1/260-261 ح 1) وانظر البصائر(ص230ح3). وبوّب في بصائره "في أئمة(ع) أفضل من موسى والخضر" باب 6 (ص229) ،وتفسير البرهان 2/488ح36، تفسير الصافي3/252 ، نور الثقلين 3/275 .
(2) نعم صدق موسى - عليه السلام -، كان يعلم بأن أمة محمد- صلى الله عليه وسلم - لا تطيق حتى خمس صلوات، والدليل أنك بعد أن كنت تصلي خمس صلوات في اليوم، أصبحت لا تصلي إلا ثلاث صلوات في اليوم . حتى أن العاملي بوب في وسائله(3/160) باباً سماه " باب جواز الجمع بين الصلاتين لغير عذر"
337
(3) هكذا يصنع الجهل والضلال بصاحبه، فإن هذا (المهتدي!!) هدم مرويات أهل البيت!! وعلى
هذا قد اسقط مذهب أهل البيت ورواياتهم الصحيحة !! يا أولي الألباب .(62/9)
واحدة للصلاة الجماعة- في الخمسين فسيكون الوقت المفروض بمقدار عشر ساعات، وما عليك إلا بالصبر، أو أنك ترفض هذا الدين الذي يكلف أتباعه فوق ما يتحملون ويفرض عليهم ما لا يطيقون، ولعل أهل الكتاب من يهود ونصارى عذرهم مقبول في التمرد على موسى وعيسى ولكن أي عذر يبقى لهم في اتباع محمد الذي وضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، فإذا كان أهل السنة والجماعة يشنعون على الشيعة قولهم بالبداء، وأن الله سبحانه يبدو له فيغير ويبدل كيف يشاء فلماذا لا يشنعون على أنفسهم في قولهم بأن الله سبحانه يبدو له فيغير ويبدل الحكم خمس مرّات في فريضة واحدة وفي ليلة واحدة وهي ليلة المعراج ...) (1) ) .
قلت: سبحان الله ما مدى جهل هذا الدكتور!! يحتج على فرض خمسين صلاة في اليوم والليلة، ولا يحتج على أئمته أنهم كانوا يصلّون في اليوم والليلة ألف صلاة !!
فهذا الحر العاملي بوّب في كتابه "الوسائل"(3/71) كتاب الصلاة " باب استحباب صلاة ألف ركعة في كل يوم وليلة بل كل يوم وكل ليلة إن أمكن" وفيه تسعة أحاديث عن أئمة أهل البيت فراجع .
وأيضاً (5/176)" باب استحباب صلاة ألف ركعة في كل يوم وليلة بل في كل يوم وفي كل ليلة من شهر رمضان وغيره مع القدرة " وفيه حديث .
وإليك أيها القارئ حديث من هذه الأحاديث :
ففي "البحار"( 82/310ح16 ): عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: والله إن كان علي (ع) ليأكل أكلة العبد -إلى أن قال- وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة .
وفي (41/15ح6 و82/309 ح10 ): وعنه أنه قال: كان علي بن الحسين يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين ..
فانظر إلى جهل هذا الدكتور( المهتدي)!!
ثم أن الزمان لا يتسع لألف ركعة لمن ولى أمر المسلمين مع سياسة الناس وأهله، إلا أن تكون صلاته نقراً كنقر الغراب ، وهي صلاة المنافقين التي نزّه الله عنها علياً- رضي الله عنه -
__________
(1) لأكون مع الصادقين !!! ص 152 .
338(62/10)
ثم لماذا هذا الاستنكار أيها الجاهل من خمسين صلاة ، مع أن هذا من صفات الشيعة !!
فقد روى صدوقهم عن أبي بصير قال: قال الصادق(ع): شيعتنا أهل الورع - إلى أن قال - وأهل الزهد والعبادة أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة!!! (1) .
بل أن مجموع النوافل مع الفرائض عند الشيعة هو 51 ركعة !!
قال ميرزا حسن الحائري في كتابه" أحكام الشيعة" (1/172) في باب" النوافل اليومية": ( وأما النوافل اليومية فمجموعها ضعف مجموعة فرائضها، فهي 34 ركعة .
وهل التيجاني اطلع على علم الغيب حتى يحكم في كيفية فرض خمسين صلاة؟!!
وإليك أيها القارئ عملية حسابية في ألف ركعة، وعلى سبيل المثال، فلو ضربنا دقيقتين لركعة واحدة يكون ألفين دقيقة، وألفين دقيقة تقسيم ستون دقيقة يساوي ثلاثة وثلاثون ساعة، ما يقارب يومين ونصف يوم !! فمتى كان للإمام وقت لكي يصلّي الفرائض الخمس في أوقاتها ؟!! ومتى يشتغل ؟!! ومتى يعلّم ؟!! ....الخ .
وصدق الله العظيم في حق هؤلاء { خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَىسَمْعِهِمْ وَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَوَةٌ } [ البقرة/7 ] .
وأما قوله :( إن أهل السنة في هذه القصة يعتقدون بأن الله سبحانه فرض على محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته خمسين صلاة، ثم بدا له بعد مراجعة......) .
قلت: لقد مَلئت مصادر الشيعة الفقهية والحديثية والتفاسير أمثال هذه الروايات .
وعدّ علماء الشيعة هذا معجزة من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وإليك أيها القارئ المتأمل روايات من يعتقد فيهم العصمة من الخطأ والنسيان!!
__________
(1) انظر البحار68/166ح33 "باب صفات الشيعة"، وميزان الحكمة 5/231ح9931"باب صفات الشيعة" ، تفسير الكنز 8/472 .
339(62/11)
فقد أخرج هذا الحديث ابن بابويه القمي( الصدوق) في كتابه” العلل” (ص132ح1) " باب112- العلة التي من أجلها لم يسأل النبي- صلى الله عليه وسلم - ربه - عز وجل - التخفيف عن أمته من خمسين صلاة حتى سأله موسى والعلة التي من أجلها لم يسأل التخفيف عنهم من خمس صلوات "
عن الحسين بن علوان بن عمرو بن خالد عن زيد بن علي(ع) قال: سألت أبي سيد العابدين(ع) فقلت له يا أبة أخبرني عن جدّنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لما عرج به إلى السماء أمره ربه - عز وجل - بخمسين صلاة كيف لم يساله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فقال يا بني أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان لا يقترح على ربه - عز وجل - ولا يراجعه في شيئ يأمره به فلما سأله موسى (ع) ذلك فكان شفيعاً لأمته إليه لم يجز له رد شفاعة أخيه موسى فرجع إلى ربه فسأله التخفيف إلى أن ردّها إلى خمس صلوات قال: قلت له يا أبه فلم لا يرجع إلى ربه - عز وجل - ويسأله التخفيف عن خمس صلوات وقد سأله موسى(ع) أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف؟ فقال له : يا بني أراد - صلى الله عليه وسلم - أن يحصل لأمته التخفيف مع أجر خمسين صلاة يقول الله - عز وجل -{ من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها } ... (1) )
فهذا إقرار من الإمام بأن هذا التخفيف رحمة من الله تعالى ولطفه بعبادة المؤمنين.
فلماذا هذا الجهل أيها الجاهل ؟
__________
(1) انظر البحار3/320- 321 و 10/42- 43 و82/257و ص258و ص 297و18/408و330، الوسائل 3/7و10-12، اثبات الهدي 1/ 257 ، المصابيح 2/226 ح 101 ، البرهان 2/393وص 395و397-398 ، تفسير الكنز 9/651، من لا يحضره الفقيه 1/125-126وص 198ح603، نور الثقلين 3/111-112و5/114ح39 ، تفسير القمي 2/12، والميزان 13/6 ، الأنوارالنعمانية 1/220، روضة الواعظين 1/85 ، الجواهر السنية ص 117.
340
341(62/12)
قال التويسركاني في تعليقه على الرواية في كتابه " اللئالي"( 4/22 -23 باب في سبب صيرورة الصلاة خمساً والخمس تكتب خمسين) ما نصه: ( أقول: والوجه أن من جاء من هذه الأمة المرحومة بالحسنة فله عشر أمثالها وقد مرّ حديث مبسوط ... وما يدل على سهولة أمر التوبة لهذه الأمة وصعوبتها على الأمم الماضية مضافاً إلى ما مرّ فيه ... ومما يشعر بفضل التوبة أن الله جعل صاحب اليمين أميراً على صاحب الشمال مما دلّ أن مطلق الحسنة من هذه الأمة يكتب لعامله عشراً ) .
ونكتفي بعد بهذه الفتوى لسماحة فقيههم آية الله العظمى الميرزا الشيخ جواد التبريزي في كتاب" صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات"(3/423 سؤال 1233): (قال السائل: ما رأيكم في الرواية التي يذكرها القمي في تفسيره، عن أبيه،عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (ع) التي يذكر أن النبي- صلى الله عليه وسلم - في انحداره ليلة المعراج مرّ على الكليم - عليه السلام - فسأله عما فرض الله تعالى على أمته، فأجابه خمسون صلاة فقال: إن أمتك لا تقدر عليها فأرجع إلى ربك ... فرجع إلى ربه حتى بلغ سدرة المنتهى .... الرواية . هل هي معتبرة من جهة الدلالة أم لا ؟
قال سماحتهم التبريزي:( الرواية بحسب السند لا بأس بها، فقد رواها الصدوق في "الفقيه" أيضاً وقد رود في بعض الروايات، أن النبي- صلى الله عليه وسلم - طلب من ربّه تخفيف الصلاة عن الأمة، فخففها الله سبحانه إلى عشر ركعات، ثم أضاف إليها النبي- صلى الله عليه وسلم - سبع ركعات، وطلبه هذا الأمر من ربّه فهو لإشفاقه على الأمة، وأجاب ربّه إليه - صلى الله عليه وسلم - فهو كرامة له..)
فماذا رأي الدكتور! في هذه الروايات وهذه الفتوى ؟! وهل يستطيع أن يطعن ويتهم حديث أئمة أهل البيت كما اتهم وطعن في صحيح البخاري وفي هذا الحديث الصحيح ؟!!(62/13)
وهكذا يتبين لنا أن التيجاني قليل العلم بالحديث ورجاله ، وبضاعته فيه بضاعة مزجاة ، فلا تعجب أيها القاريء منه بعد هذه الضلالة أقصد تلك الهداية المزعومة !
خاتمة الكتاب
لقد نجا أبو هريرة - رضي الله عنه - من تلك الأعاصير المصطنعة التي عصفت حوله ، ومن تلك الأمواج الغدارة التي تلاطمت على قدميه ، فبقى صامدا أبد الدهر يحترمه الجمهور ، ويعرفون مكانته ومنزلته ، وارتدت تلك الهجمات الضالة على أعقابها خامدة مكتومة الأنفاس ، تجر وراءها ذيول الخزي والانكسار .
هذا ما وفقني الله لتحريره وأسأله أن يكون عملا نافعا والحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على خير الأنام وعلى آله الطيبين الأطهار وصحابته الأبرار الكرام .
وفيما يلي هذه القصيدة في مناقب أبي هريرة - رضي الله عنه - .
سيدي أبا هريرة : للشاعر وليد الأعظمي :
حبّاك النبي بألطفه وعشت سعيداً بقرب النبي
هداك إلى صالحات الأمور وروّاك من فيضه الأعذاب
وكنت أثيراً لدى المصطفى ويحنو عليك حنو الأب
وأنت الوفي لهدى النبي فلم تتأول ولم تكذب
وعيت ( الحديث) وأدّيته (صحيح ) العبارة والمطلب
حفظت لنا سنة المصطفى وحدثت بالكلِم الطيب
يسير على هديك المؤمنون من المشرقين إلى المغرب
ويقبس من نورك السالكون إلى المنهج الأصدق الأصوب
يحيّون فيك ثبات الرجال وصدق المقال بعزم أبي
فالله صدرك من حافظ فلم يتردد ولم يرتب
وخازن علم كمثل السحاب يسح على الخلق بالصيب
فماذا يضيرك من حاسد خبيث اللسان حقود غبي
342(62/14)
تستر من ظاهر ( بالبحوث ) و (باطنه) أسود عقربي
كغدر (اليهود ) وخبث (المجوس) ولؤم (صليبية) الأجنبي
يردد ما قاله ( أسياده ) ... من (الخيبيريين) في (مأرب)
خفافيش ليست تطيق الضياء فتهرب منه إلى الغيهب
تعاف الضفادع صفو الغدير فتمضي ( تنقنق) في الطحلب (1).
إلى صحابي : للشاعر محمود دللي آل جعفر الحديثي:
من أجل بعث الهدى الإسلام معتكف ومن عذوبه ذاك النبع مغترف
قلب عظيم وحسٌ ثاقب يقظٌ وهمه بجلال الوحي تتّصفُ
يمضي وروعة هذا الدين تغمره تعلوه تملكهُ ، تحييه تكتنفُ
( أبو هريرة ) هذا من عرف به جب الشريعة في أسرارها كّلِفُ
تتّبع الهدى في شوقٍ وفي لهفٍ وراح من نبعه الروحيّ يرتشف
والقلب يلزم من يهوي فيتبعه وذاك سرّ به الأرواح تأتلف
ومن سعى خلف ( طه ) في مسيرته فسعيه دون ريب كلّه شرف
رعى الرسالة في صبر وفي جلد وقد يضيق بذاك الفضل من يصف
وسار يزهد في الدنيا وبهجتها ما غرَّه طمع فيها ولا ترف
من النجوم التي شعّت منوّرة ركب الحياة، وما في الركب مختلف
أعماله لأولى الألباب بينة ولن ترى (حاقدا) للفضل يعترف
إني لأعجب من (قوم ) به طعنوا ومنه نالوا ثمار العلم واقتطفوا
ما نال منه سوى المأجور تدفعه روح الرياء وفي الأهواء منجرف
يكفي (الصحابي ) هذا ما رماه به أخو (يهود ) ومن للذنب مقترف
__________
(1) دفاع عن أبي هريرة ص 461 -462
343(62/15)
وفي ( يهودا ) نوايا السوء باقية ... وعنه جاءت الأخبار والصحف ...
تستروا بخبيث الفكر من قدم وذاك في طبعهم أصل به عرفوا
جاءوا يعدون للإسلام عدتهم وسر ( دعوتهم ) للناس منكشف
والهادمون ستفنيهم مسيرتنا وينتهي (حاقد ) بالمكر ملتحف
شر السياسة أفكار تحركها كف ( الأجير ) فما ينجو بها السلف
واضيعة المجد ما زلنا بمعولنا نهده ، وعدانا خلفنا تقف (1).
أبو هريرة تاريخ ومفخرة : للأستاذ عبد الجليل راشد :
أشدو بذكرك شدو الطير في السحر وأقبس الهدى من تاريخك العطر
وأذكر الصفحات الغرّ .... أنشرها معاً لماً في طريق الوعي والفكر
فتردهي صور راقت ملامحها فكم تملّيت منها روعة الصور
حدثت نفسي عنها-وهي معجبة- فقلت يا تفس هذا موطن العبر
وعن جهاد علت رايات موكبه تطوي الفجاج وتعلو ذروة الظفر
وعن بلاء الألى ضحّوا وما بخلوا وعن صحائف فيها أروع السير
أفدي بنفسي تاريخاً لهم عبقا بالمكرمات فلا تذكر شذى الزهر
وأنت- يا سيدي- قد ظَلْتَ معتكفاً تصغي وتحفظ في وعي وفي حذر
هذه الأحاديث ترويها وتجمعها فنعم ما حزته من رائع الأثر
حرست كنز الهدى من كل غائلة ترمي حماه بكيد الباطل الأشر
فكنت أحرص من أم على ولد وأحفظ القوم من بدو ومن حضر
لازمت بيت رسول الله ترقبه وكنت تتبعه في الحل والسفر
وعيت كل دقيق من محادثة له، وكل فعال منه مبتدر
__________
(1) دفاع عن أبي هريرة ص463-464 .
344(62/16)
دعا لك الله لا تنسى له خيراً فكيف تنسى وأنت الثبت في الخبر
ريشت سهام تنال حاقدة وقد وقفت ترد السهم في النحر
وقفت طودا منيعا في وجوههم تحمي حمى سنة المختار من ضرر
فاستفرغوا الجهد أحقاداً وموجدة فكان سعيهم دوما إلى خسر
قد غاظهم أن يروا رايات سنّتنا تعلو ، وراياتهم مطموسة الأثر
* * *
أبو هريرة فذ في مكارمه وفي سجاياه دوماً ساطع الغرر
فذى هريراته في العطف شاهدة وحسبه خصلة عطف على الهرر
فمن يكن في الورى في العطف مشتهراً فليس يُعرف عنه الإفك في الخبر
ومن يكن في الورى في الزهد مشهراً فهل له في اغتنام المال من وطر
كم لفقوا ثم رد الله بغيهم هل جنوا ما سوى الخذلان من ثمر ؟
عصابة قد بلونا أمرها عُصُراً فلتتق الله في العقبى وتستتر
أبو هريرة تاريخ يضمخه نفح الهداية تيّاه على العصر
فليس ضائره حقد شائنه وليس ضائره إرجاف مستتر
فما دجى الكفر يخفي نور سنّتنا فلبدر أسطع ضوء في الدجى العكر (1)
أنوار صاحب المصطفى : للأستاذ الحاج صالح حياوي :
لو كنت تروي حديثاً فيه أخبار عن يزدجر فأنت اليوم مختار
ما كان ذنبك إذ حدثت سائلهم عن الحقيقة حتى إنهم ثاروا
والناس حبهُم كفرٌ إذا رغبوا وإن أبواً بُغضهُم ضاقت به النار
أبا هريرة للتاريخ ما وضعوا وما انتهى واضع إلا له عار
__________
(1) دفاع عن السنة ص466-467 .
345(62/17)
وفي الحشا لوعة آب الزمان بها أنّات وهنٍ من المصدور تنهار
يا صاحب المصطفى قول وأشعار لا ليس تجدي فانّ الحدّ بتّار
أباهريرة لو عاد الزمان بكم تحدّثون فما في القوم سُمّار
لا يرضون لقولٍ لا يوافقهم ولا يدينون :إلا للذي صاروا
من ذاك ( ريّة ) أشكال منوعة الدس ديدنهم والهمّ دينار
ومثله يدعي علما ومعرفة ضلّ الطريق ولم يُسعفه إنكار
ألقى الضلالة في قول ينمّقّه للغافلين كأن العلم أوزارُ
والهب الحقد ناراً عند حامله ومذهب القد أنّ الناس أحرار
لله درّ أبيكم كيف أرقّهم صدق الحديث ففي الأحشاء أوار
وأولوا ما يشاء الحقد فعلتهم وزاد تأويلَهم في الكفر أشرار
يا صاحب المصطفىحاطتك أنوار تغشى العيون فكلّت عنك أبصار
ما كان قولي فيكم كاشفاً أبداً سراً خفياً وما حاطتك أسرار
لكنها تفئة حرّى أصدرها في كشف زيف بإسم البحث ينهار
فبار ك الله سعياً سوف يذكره لـ(منعم) من كرام الناس أخيار
* * *
قد زين الكذب شيطان كتابته تدس سماً بسمنٍ فهو غدار
لا يرعوي أن يكون الكذب مهنته ما دام للكذب عند البيع أسعار
فلقمة السحت أقوال يؤولها ما شاء طالبها للسحت تجار(62/18)
أهكذا الرزق في الأعراض منشؤه طعن وضرب بأعراض وإنكار (1).
- فهرس المصادر والمراجع -
أبو هريرة: عبد الحسين شرف الدين الموسوي ط الخامسة 1406 هـ 1986م.
أبو هريرة: محمود أبو رية ط الثالثة .
أصول الكافي: محمد يعقوب الكليني ط الرابعة 1401 بيروت
إثبات الهداة: محمد بن الحسن الحر العاملي - المطبعة العلمية - قم0
إعلام الورى: الفضل بن الحسن الطبرسي - دار المعرفة - بيروت0
أمالي الصدوق: اابن بابويه القمي ط الخامسة 1980م - مؤسسة الاعلمي - بيروت0
أمالي الطوسي: الطوسي، شيخ الطائفة ط الأولى 1965م- بيروت0
أمالي المفيد: محمد بن محمد بن النعمان، المفيد -قم0
أحسن التراجم لأصحاب الإمام موسى الكاظم: عبد الحسين الشبستري- قم0
أصل الشيعة وأصولها: محمد حسين آل كاشف الغطاء ط الرابعة 1982م بيروت0
احقاق الحق وازهاق الباطل : نور الدين المرعشي التستري - دار الكتاب بيروت .
أنوار الولاية: ملا زين العابدين الكلبايكاني - قم .
أحكام الشيعة: الحاج ميرزا حسن الحائري : الطبعة الثانية منشورات مكتبة الإمام الصادق.
التوحيد: لابن بابويه القمي - ط بيروت .
الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آقا بزرك الطهراني - مؤسسة اسماعليان - قم0
الفهرست: محمد بن جعفر الطوسي، شيخ الطائفة ط الثالثة1983م - بيروت0
القطرة من بحار مناقب النبي والعترة: أحمد المستنبط ط الثانية - طهران .
الجواهر السنية في أحاديث القدسية: محمد بن الحسن الحر العاملي ط الأولى 1982م
النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين : نعمة الله الجزائري ط الثامنة 1978 م
الزام الناصب في اثبات الحجة الغائب: علي اليزدي الحائري ط الخامسة 1984م .
الخرائج والجرائح: قطب الدين الروندي طبع قم.
__________
(1) انظر دفاع عن أبي هريرة ،عبد المنعم صالح العلي ص468-469. وانظرص470 قصائد الموضحة العزية لمناقب أبي هريرة ومثالب أبي رية وانظر ص474 القصيدة الدوسية.
346(62/19)
الصحيفة العلوية المباركة: لأمير المؤمنين علي (ع) ط الأولى 1986م ــ بيروت.
الغدير: عبدالحسين أحمد الأميني النجفي ط الخامسة1983م - بيروت .
347
الواقفية دراسة تحليلية: رياض محمد الناصري طبع 1409 هـ - قم0
الجامع لرواة وأصحاب الإمام الرضا: محمد مهدي - نجف إيران .
الخرائج والجرائح: قطب الدين الروندي طبع قم.
الصحيفة العلوية المباركة: لأمير المؤمنين علي (ع) ط الأولى 1986م ــ بيروت.
المحجة البيضاء: محسن الكاشاني ط الثانية 1983 م - الأعلمي بيروت .
الاستبصار: محمد بن جعفر الطوسي ط الثالثة-1406 هـ -بيروت - دار الأضواء.
الاحتجاج: أحمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي ط الثانية 1983م - بيروت0
الاختصاص: محمد بن محمد بن النعمان بالمفيد طبع 1982- بيروت0
الارشاد: محمد بن محمد بن النعمان المفيد ط الثالثة 1979م بيروت0
الأنوار النعمانية: نعمة الله الجزائري ط الرابعة 1984هـ - الاعلمي بيروت0
الأنبياء حياتهم - قصصهم: عبد الصاحب الحسني العاملي ط الأولى 1971م بيروت
بحار الأنوار: محمد باقر المجلسي ط الثالثة 1403 هـ دار احياء النراث بيروت .
بصائر الدرجات: محمد بن الحسن الصفار القمي - قم0
تهذيب الاحكام: محمد بن جعفر الطوسي ط الثالثة 1406 هـ دار الاضواء .
تحفة العوام مقبول : ط لاهور .
تفسير الصافي: الفيض الكاشاني - مؤسسة الاعلمي - بيروت0
تفسير العياشي: محمد بن مسعود العياشي - مؤسسة الاعلمي - بيروت0
تفسير القمي: علي بن ابراهيم القمي - مطبعة النجف .
تفسير الميزان: محمد حسين الطباطبائي ط الثاني 1971م- مؤسسة اسماعيليان - قم0
تفسير نور الثقلين: عبد علي بن جمعة العرسي الحويزي -قم0
تفسير البرهان في تفسيرالقرآن: هاشم البحراني ط الثالثة 1983م - بيروت .
تفسير القرآن الكريم: صدر الدين الشيرازي ط الأولى 1364هـ - قم .
تفسير الكاشف: مجمد جواد مغنيه ط لأولى 1968 هـ - دارالعلم بيروت .(62/20)
تفسير بيان السعادة: سلطان محمد الجنابذي ط الثانية 1988هـ - الأعلمي بيروت.
تفسيركنز الدقائق: الميرزا محمد المشهدي ط لأولى 1413هـ - قم .
348
تفسير التبيان في تفسير القرآن: شيخ الطائفة الطوسي - احياء التراث العربي بيروت.
تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن: الفضل بن الحسن الطبرسي طهران0
تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار: أبو الحسن العاملي الأصفهاني - قم .
تفسير خلاصة منهج الصادقين: ملا فتح الله الكاشاني - انتشارات الاسلامية قم.
حاوي الأقوال في معرفة الرجال: عبد النبي الجزائري ط الأولى 1418هـ .
حلية الأبرار: (جزء الأول) : هاشم البحراني ط الأولى 1411هـ قم .
حلية الأبرار: (جزء الثاني) : هاشم البحراني الأعلمي - بيروت .
حلية المتقين في الآداب والسنن: محمد باقر المجلسي ط الأولى 1994م - بيروت .
حياة القلوب: محمد باقر المجلسي ( فارسي ) طبع 1363 انتشارات علمي طهران .
دلائل الامامة: محمد بن جرير بن رستم الطبري - مؤسسة الاعلمي - بيروت0
دعائم الاسلام : للقاضي ابي حنيفة بن محمد التميمي المغربي ـ ط الثانية القاهرة .
رجال النجاشي: احمد بن علي النجاشي - دار الاضواء - بيروت0
رجال العلامة الحلي: ابن علي بن المطهر الحلي ط الثانية 1961م - قم0
رجال الطوسي: محمد بن جعفر الطوسي، شيخ الطائفة - قم0
رجال الكشي: محمد بن عمر الكشي0
روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات : الميرزا محمد الباقر الخوانساري قم.
زبدة الأربعين حديثاً : للخميني اختصره سامي خضرا ط الأولى 1995م دار المرتضى.
سلُوني قبل أن تفقدوني: محمد رضا الحكيمي ط السابعة 1985م ــ الأعلمي بيروت.
صحيفة السجادية الكاملة: للإمام السجاد ط 1984م ــ دار أهل البيت.
صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات: السيد الخوئي ط الأولى 1997م .
صحيفة الأبرار: ميرزي محمد تقي ط الرابعة 1986م ــ دار الجيل.
عين الحياة : محمد باقر المجلسي ( فارسي ) قم .(62/21)
علم اليقين في اوصول الدين: محسن كاشاني ط الأولى 1990 م ــ بيروت.
عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية : محمد بن علي المعروف ابن أبي جمهور
عقائد الامامية: محمد رضا المظفر طبع1973م - بيروت0
349
علي من المهد إلى اللحد : محمد كاظم القزويني ط السابعة .
علل الشرايع : ابن بابويه القمي، الصدوق طبع 1966م - النجف0
فضائل الخمسة من الصحاح الستة : مرتضى الحسيني الآبادي ط الثالثة ــ طهران.
فروع الكافي : محمد بن يعقوب الكليني ط 1405هـ- بيروت - دار الأضواء .
فرق الشيعة : الحسن بن موسى النوبختي - دار الاضواء - بيروت0
كمال الدين ونمام النعمة : ابن بابويه القمي الصدوق ط الأولى 1412هـ - بيروت0
كتاب الخصال : ابن بابويه القمي الصدوق - إيران .
كليات في علم الرجال : جعفر السبحاني بيروت ومنشورات الحوزة العلمية - قم0
كشف الغمة : علي بن عيسى الإربلي - دار الاضواء - بيروت0
كتاب الرجال : تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي طبع 1972م - النجف.
كنز الفوائد : محمد بن علي بن عثمان الكراجكي طبع 1985 - بيروت0
لئالي الأخبار : التويسركاني - قم .
من لا يحضره الفقيه : ابن بابويه القمي الصدوق ط السادسة 1405 هـ دار الاضواء .
مرآة العقول لشرح أخبار آل الرسول : محمد باقر المجلسي ط الأولى طهران .
مستدرك الوسائل : النوري الطبرسي ط الثانية 1408هـ مؤسسة آل البيت بيروت.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة :حبيب الله الخوئي ط الثالثة 1983 م بيروت.
مناقب آل ابي طالب: شهرأشوب المازندراني طبع 1956 م - النجف 0
معاني الأخبار : ابن بابويه القمي الصدوق 1379هـ- مكتبة الصدوق - طهران0
ميزان الحكمة : محمدي ري شهري - الدار الاسلامية بيروت طبع 1985 م
مدينة المعاجز : هاشم البحراني ط الأولى 1413هـ مؤسسة المعارف الاسلامية إيران .
مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار : عبدالله شبر ط الثانية 1978م - بيروت(62/22)
ملاذ الأخبار : محمد باقر المجلسي طبع 1407 هـ: قم.
مفتاح الجنان :في الأدعية والزيارات والأذكار : وباشر تصحيحها جماعة من الأفاضل.
مفاتيح الجنان : عباس القمي تعريب النوري النجفي ، مؤسسة النعمان بيروت .
وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : لحر العاملي ط الخامسة 1403هـ بيروت.
350
- فهرس الموضوعات -
الصفحة
مقدمة الشيخ الدكتور عبد الله بن اسماعيل
مقدمة المؤلف
1
الباب الأول: الفصل الأول:أبو هريرة- رضي الله عنه - اسمه وكنيته
7
اسلامه وصحبته - رضي الله عنه -
9
حفظه وقوة ذاكرته - رضي الله عنه -
9
الفصل الثاني:ثناء الله تعالى رسوله- صلى الله عليه وسلم - والصحابة- رضي الله عنهم - وأهل العلم عليه- رضي الله عنه -
10
الصحابة - رضي الله عنهم - الذينرووا عنه - رضي الله عنه -
12
التابعون - رضي الله عنهم - الذين رووا عنه - رضي الله عنه -
12
عدّة ما روى عنه - رضي الله عنه - من الحديث
12
أصح الطرق عن أبي هريرة - رضي الله عنه -
13
كثرة حديثه وأسبابها
14
مرضه ووفاته - رضي الله عنه -
16
الباب الثاني: الرد على الشبهات التي أثارها أهل البدع و المخالفين حول أبي هريرة - رضي الله عنه - وروايته
17
الفصل الأول: مع عبد الحسين شرف الدين الموسوي
18
رواة الشيعة يفرطون
23
رواة الشيعة في الميزان
31
طعن عبدالحسين في عدالة الصحابة
69
تعريف بالصحابي ومنزلته في الاسلام
69
موقف الشيعة من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -
78
أقوال علماء الشيعة في الخلفاء والصحابة - رضي الله عنهم -
83
351
- فهرس الموضوعات -
الصفحة
أقوال علماء الشيعة في الخلفاء والصحابة - رضي الله عنهم -
80
براهين الشيعة النقلية في لعن الصحابة - رضي الله عنهم - وزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -
82(62/23)
دعاء في لعن الصديق والفاروق رضي الله عنهما
84
من هو جد جعفر الصادق - رضي الله عنه -
86
أبو هريرة- رضي الله عنه - على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -
103
أبو هريرة- رضي الله عنه - على عهد الخليفتين رضي الله عنهما
108
أبو هريرة- رضي الله عنه - على عهد عثمان - رضي الله عنه -
114
أبو هريرة- رضي الله عنه - على عهد علي - رضي الله عنه -
124
أبو هريرة- رضي الله عنه - على عهد معاوية - رضي الله عنه -
126
أيادي بني أمية عليه وتطوره في شكر أياديهم
126
أبي هريرة - رضي الله عنه - يروي فضائل أهل البيت النبوي - رضي الله عنهم -
128
أئمة الشيعة يفرطون في الأحاديث
135
رواة الشيعة يفرطون في الأحاديث
136
فضائل أبي هريرة - رضي الله عنه -
137
كيفية حديثة - رضي الله عنه -
145
عرض الأحاديث التي استشكلها عبدالحسين شرف الدين والجواب عنها
146
استنكار عبدالحسين حديث " خلق الله آدم على صورته "
146
استنكار عبدالحسين حديث " رؤية الله يوم القيامة
153
إثبات روية الله تعالى يوم القيامة من طرق أهل البيت
157
استنكار عبدالحسين حديث" لا تملآ النار حتى يضع الله رجله فيها
165
استنكار عبدالحسين حديث " نزول الرب كل ليلة إلي سماء الدنيا
171
إثبات حديث النزول من طريق أهل البيت - رضي الله عنهم -
172
352
- فهرس الموضوعات -
الصفحة
نزول الرب وزيارته نعالى لقبور الأئمة وغير ذلك عند الشيعة
178
استنكار عبدالحسين حديث طواف نبي سليمان بمائة إمرأة في ليلة واحدة
182
استنكار عبدالحسين حديث لطم نبي الله موسى - عليه السلام - عين ملك الموت
186
حديث لطم موسي - عليه السلام - لملك الموت في كتب الشيعة
190
استنكار عبدالحسين حديث فرار الحجر بثياب موسى - عليه السلام -
192(62/24)
استنكار عبدالحسين حديث طلب الشفاعة من الأنبياء يوم القيامة
194
استنكار عبدالحسين حديث تساقط جراد الذهب علي نبي الله أيوب
197
استنكار عبدالحسين حديث التنديد بموسى إذ قرصته نملة فإحرق قريتها
200
استنكار عبدالحسين حديث سهو النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الركعتين
202
استنكار عبدالحسين حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلد ويغضب....
207
استنكار عبدالحسين حديث عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة
208
استنكار عبدالحسين حديث نوم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الصبح
213
استنكار عبدالحسين حديث أن بقرة وذئباً يتكلمان بلسان عربي مبين
217
استنكار عبدالحسين حديث تركة النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقة
221
استنكار عبدالحسين كون أبي طالب مات مشركاً
222
استنكار عبدالحسين حديث أمة مسخت فأراً
224
استنكار عبدالحسين حديث من أدركة الفجر جنباً فلا يصم
227
استنكار عبدالحسين حديث لا عدوى ولا صفر ولا هامة
230
استنكار عبدالحسين حديث من مولودان يتكلمان بالغيبيات
231
استنكار عبدالحسين توكيل أبي هريرة بحفظ زكاة الفطر
235
استنكار عبدالحسين إسلام أم أبي هريرة بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعاؤه بأن يحببهما إلي المؤمنين ويحبب المؤمنين إليهما
238
353
- فهرس الموضوعات -
الصفحة
روايات أبي هريرة من طرق الشيعة
243
مرويات أبي هريرة في كتب الشيعة
257
استنكار عبد الحسين حديث دخلت امرأة النار في هرة .....
258
استنكار عبدالحسين حديث غفرالله لامرأة سقت كلباً ...
259
استنكار عبدالحسين حديث سقى رجل الماء لكلب فغفر له ...
260
استنكار عبدالحسين حديث مسرف كافر غفر له ...
262
استنكار عبدالحسين حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم -كان جنباً ...
264(62/25)
استنكار عبدالحسين حديث تفضيل النبي- صلى الله عليه وسلم - على نبي موسى علية السلام
265
استنكارعبدالحسين حديث لن يدخل أحدكم الجنة بعمله ....
266
استنكار عبدالحسين حديث أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان راعيا للغنم
267
استنكار عبدالحسين حديث ختن نبي الله إبراهيم بالقدوم بعد الثمانين
268
استنكار عبدالحسين حديث عمر آدم عليه السلام
268
استنكار عبدالحسين حديث احتجاج آدم وموسى عليهما السلام
270
استغراب عبدالحسين حديث مشي العلاء الحضرمي على البحر مع جنوده
272
استنكار عبدالحسين حديث النهي عن المشي بالخف الواحد
275
استنكار عبدالحسين حديث إنما الشؤم في المرأة والدابة....
276
استنكار عبدالحسين حديثاًعلى أبي هريرة بأنه جلس إلي جنب حجرة عائشة وهو يحدّث
276
استنكار عبدالحسين حديث إذا استيقظ أحداً من النوم فليغسل يده ...
277
استنكار عبدالحسين حديث من صاحب كلباً انتقص أجره كل يوم قيراط
278
استنكار عبدالحسين حديث من اتبع جنازة فله من الأجر قيراط
279
استنكار حديث من حب لقاء الله احب الله لقاءه
279
( خاتمة الكتاب ) لعبد الحسين
281
354
- فهرس الموضوعات -
الصفحة
الفصل الثالث " مع أبي رية "
283
عرض الأحاديث التي استشكلها أبو رية والجواب عنها
297
استنكار أبي رية حديث " اين تذهب الشمس بعد الغروب "
297
استنكار أبي رية حديث " مازال العبد يتقرب إليّ بالنوافل..."
299
اتهام أبي رية ( نهم أبي هريرة)
301
استنكار أبي رية صوم رمضان وصوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر
305
استنكار أبي رية الأحاديث الواردة في فضائل يوم الجمعة
306
استنكار أبي رية حديث الشمس والقمر مكوران يوم القيامة
307
استنكار أبي رية حديث إن لله ديكاً عنقه تحت العرش ...
308(62/26)
استنكار أبي رية حديث النيل، والسيحان، والجيحان ... من أنهار الجنة
310
استنكار أبي رية حديث إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها ...
312
استنكار أبي رية حديث لا يدخل الجنة ولد الزنا
315
استنكار أبي رية حديث الروث والعظام طعام الجن
317
استنكار أبي رية حديث العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم
318
استنكار أبي رية حديث والكمأ من المن وماؤها شفاء العين
318
استنكار أبي رية حديث " الذباب "
316
استنكار أبي رية حديث إن في الجنة غناء
321
استنكار أبي رية حديث عقاب مانع الزكاه يوم القيامة ....
323
استنكار أبي رية حديث "صياح الديك ونهيق الحمير "
324
استنكار أبي رية حديث" التثاوب من الشيطان "
325
استنكار أبي رية حديث" الله يحب العطاس ويكره التثاؤب "
325
استنكار أبي رية حديث" الله يقرأ طه ويس " قبل أن يخلق آدم بألفي عام
325
- فهرس الموضوعات -
الصفحة
استنكار أبي رية حديث لم سمي الخضر
328
استنكار أبي رية حديث لا يجتمع شح وإيمان في قلب واحد
329
استنكار أبي رية حديث ليس الغنى ... ولكن الغنى غنى النفس
329
استنكار أبي رية حديث إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل
330
استنكار أبي رية حديث المؤمن مرآة أخيه
330
الفصل الرابع مع التيجاني
331
قول التيجاني ( النبي يتنازل في أحكام الله حسبما يريد )
333
استنكار التيجاني حديث " تخفيف خمسين صلاة إلي خمس صلوات "
335
خاتمة الكتاب
342
أبيات من الشعر لوليد الأعظمي في مدح أبي هريرة - رضي الله عنه -
342
أبيات من الشعر لمحمود دللي آل جعفر في مدح أبي هريرة - رضي الله عنه -
343
أبيات من الشعر لعبد الجليل راشد في مدح أبي هريرة - رضي الله عنه -
344
أبيات من الشعر لصالح حياوي
345
فهرس المصادر والمراجع
347
356(62/27)
الفهارس
فهرس الأحاديث والآثار
- أ -
ائت أبا بكر (1/75) (2/117)
ائتوني أكتب لكم كتابا (2/290)
أبغضت عليا بغضا لم يبغضه أحد قط (1/452)
أبو بكر (جوابا لمن سأل : أي الناس خير…)
أبو بكر وعمر سيدا كهول
أتبغض عليا ؟
أتحب أن أبايعك ؟
أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة
أتعقل؟ والله توفي رسول الله وإنه
أتقتلون رجلا أن يقول
اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم
أتى عبد الله بن سلام ورهطه معه من أهل الكتاب
أثبت أحد فما عليك
أحب أن تدخل في صلح ما دخل فيه المسلمون
أخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
أخرجه علي عليه السلام الى الناس حين فرغ
أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهم يقولون
ادعوا لي أخي
ادعوا لي سيد العرب
ادعي لي أباك وأخاك حتى
ادن مني
(2/394)
(1/280)
(1/454)
(2/402)
(2/194)
(2/172)
(1/196)
(1/39)
(1/127)
(1/196)
(2/402)
(1/146)
(1/10) (2/428)
(1/185)
(1/406)
(1/477)
(2/293,20)
(1/406)
-462-
إذا التقيتم فعلي على الناس
إذا بويع لخليفتين فاقتلوا
إذا جمع الله الأولين والآخرين
إذا رأيتم معاوية على منبري
إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله
إذاً يتّكلوا
إذهب إليه فاقتله
اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء
اذهب فاقتله
أرأيت إذا نزلت واديا فيه شجر
أرأيت لو جاء قوم من بني إسرائيل
ارجع إلى خليفة رسول الله
اسمعوا وأطيعوا وإن أمّر عليكم
أسندت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري
أشبهت خَلقي وخُلُقي
أشهدأن لا إله إلا الله وأني رسول الله،لا يلقى الله بهما
أصبح بحمد الله بارئا
أصبحت وأمسيت مولى كل
أصحاب الأعراف قوم تجاوزت
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
اعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه
أعطوني ردائي فلو كان عدد هذه العضاه
أعطيت في علي خمس خصال
اعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر
.
(1/430)
(2/213)
(1/178)
(1/306,298)
(1/84)
(2/375)
(2/351)-نصه في المراجعات-
(2/373)(63/1)
(2/351)-نصه في المراجعات-
(2/203)
(1/415)
(2/324)
(1/110-111)
(2/170)
(1/383)
(2/371)
(2/211)
(2/63)
(1/176)
(1/132)
(2/424)
(2/370)
(2/100)
(2/428)
-463-
أغضبت عليّ حين آخيت
أفضل الشيخين بتفضيل علي إياها
أفضل نساء أهل الجنة خديجة
أفضل هذه الأمة بعد نبيها
افعلوا
أف وتف،وقعوا في رجل له بضع عشر فضائل
أفي القوم محمد؟
اقتدوا باللذين من بعدي
أقصد
أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه
أكلت مغافير؟ إني أجد منك
ألا أبو أيم، ألا أخو أيم
ألا إن خير هذه الأمة
ألا إن الفتنة هاهنا
ألا إن مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح
ألا إنه يهلك في محب مطرٍ
ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة
ألا ترضى يا علي أن تكون
ألا تستخلف علينا؟
ألا تصليان؟
ألا تهاجر؟ألا تلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم
ألا قلت لهن كيف تكن خيرا مني
ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه
ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية
.
(1/389)
(1/308)
(2/125)
(1/306)
(2/371)
(1/364)-نصه في المراجعات-
(2/271)
(1/45) (2/117,21)
(2/162)
(2/425)
(2/184,158)
(2/90)
(1/299)
(2/131)
(1/55)
(1/534)
(2/369)
(1/380)
(2/216)
(2/260)
(1/208)
(2/122)
(1/410)
(2/27)
-464-
إلا أن تروا كفرا بواحا
الذي جاء بالصدق محمد
الذين آمنوا علي وحمزة وعبيدة
إلزموا مودتنا أهل البيت فإنه من
ألست أولى بكم من أنفسكم
ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم
ألست مولاكم؟ ألست خيركم
ألستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن
ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين
الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم
الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض
اللهم أركسهما في الفتنة ركسا
اللهم أعز الإسلام بعمر
اللهم إن أخي موسى سألك فقال
اللهم إن هؤلاء أهل بيتي
اللهم حبب عبيدك هذا وأمة
اللهم صل على محمد وعلى أزواجه
اللهم غفرا ،هذه الآية نزلت
اللهم من آمن بي وصدقني فليتول
اللهم وال من والاه وعاد
أما إنك ستلقى بعدي جهدا(63/2)
أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك
أما بعد فإن الله أنزل في كتابه
أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب إلا
.
(1/110)
(1/218)
(1/202)
(1/67)
(1/48)-نصه في المراجعات-
(1/456,448)
(1/50)
(2/32)
(2/34)-نصه في المراجعات-
(1/439-440)
(1/189)
(1/345)-نصه في المراجعات-
(2/274)
(1/423)
(1/88)
(2/11-12)
(1/238,86)
( 1/179)-نصه في المراجعات-
(1/64)
(2/37)
(1/539)
(1/44)
(1/201)
(1/418)
-465-
أما ترضين أن الله أطلع إلى أهل الأرض
أمحُه
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب بقتال الناكثين
أمير أم رسول
أمير أو مأمور
إن رأيت أن تعينني بعمر
إن كنت كاذبا فضربك الله ببيضاء
إن لم تجديني فائتِ أبا بكر
أنا أقاتل على تنزيل القرآن
أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن
أنا حرب لمن حاربكم وسلمٌ
أنا دار الحكمة وعلي بابها
أنا صاحب البيت بيدي مفاتيحه
أنا صاحب السقاية والقائم عليها
أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر
أنا قسيم الله بين الجنة والنار
أنا مدينة الحكمة وعلي بابها
أنا مدينة العلم وعلي بابها
أنا المنذر وعلي الهادي
أنا النذير وعلي الهادي
أنا وعلي حجة الله على
أنا وهذا –يعني عليا-حجة
أنت أخونا ومولانا
(1/311)
(2/359)
(1/541)
(1/436)
(1/436)
(2/322)
(2/43)
(2/20)
(1/549)
(1/205)
(2/112)
(1/496)
(1/207-208)
(1/207-208)
(1/411,198-415,412)
(1/443)
(1/482)
(1/479)
(1/524,116)
(1/117)
(1/526)
(1/524)
(1/383)
-466-
أنت أخي في الدنيا
أنت أخي وصاحبي
أنت أخي وصاحبي ورفيقي
أنت أخي ووزيري تقضي
أنت الذي تزعم أنك نبي الله
أنت أول المؤمنين إيمانا
أنت أول من آمن بي وأنت أول
أنت تبين لأمتي ما اختلفوا
أنت سيد في الدنيا سيد
أنت صاحبي على الحوض
أنت مني بمنزلة هارون
أنت مني وأنا منك
أنت ولي كل مؤمن
إنزل عن مجلس أبي
أنزلوا آل محمد بمنزلة الرأس من الجسد
أنشد الله كل امرئ مسلم سمع(63/3)
أنشدك الله هل قلت حين وقفت
أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى
أنفذوا بعث أسامة، لعن الله
إن ابني هذا سيد ، ولعل الله
إن الأشعريين إذا أرملوا
إن آل أبي فلان ليسوا لي
إن إلهي يقول نوري
إن الله أوحى إلى نبيه موسى
.
(1/397)-نصه في المراجعات-
(1/401)
(1/403)
(1/405) (2/103)
(2/163)
(1/384)
(1/197)
(1/497)
(1/309)
(1/326)
(1/369)
(1/383)
(1/425)
(2/400)
(1/66)
(2/41-42)-نصه في المراجعات-
(2/353)-نصه في المراجعات-
(1/413)
(2/347-348)-نصه في المراجعات-
(2/237)
(1/383-384)
(1/220)
(1/189)
(1/421)
-467-
إن الله بعثني إليكم فقلتم
إن الله تعالى عهد الي عهدا في علي
إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه
إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجته
إن الأمة ستغدر بك بعدي
إن أمنّ الناس علي في صحبت
إن أهل الدرجات العلى ليراهم
إن أوليائي يوم القيامة
إن بني إسرائيل افترقت اثنين وسبعين
إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن يُنكحوا
إن بيعتي كانت فلتة
إن جبريل يقرئك السلام
إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم
إن ذلك سيكون
إن رجالا يجدون في أنفسهم شيئا أن أسكت
إن الرزية كل الرزية
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ عهدا
وأنا صابر
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه
إن رسول الله يهجر
إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب
إن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين
إن الصدق القرآن
(1/338)
(1/474)
(2/105)
(1/230)
(1/537)
(1/351,217) (2/26)
(1/211)
(1/220)
(2/353-354)
(2/159)
(2/217)-نصه في المراجعات-
(1/320)
(2/27)
(1/155)
(1/390)-نصه في المراجعات-
(2/290)
(1/229)
(1/539)
(2/290)
(2/298)
(2/215)
(2/215)
(1/219)
-468-
إن عائشة لا تطيب له نفسا بخير
إن عليا قضى عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو
إن قريشا كرهت أن تجتمع
إن قوما من شيعتنا سيحبونا(63/4)
إن لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره
إن لكل نبي حواري وإن حواريّ
إن المدينة لا تصلح إلا
إن مما عهد إلي رسول الله
إن ممن ينتحل هذا الأمر –يعني التشيع- لمن هو
إن منا لمن ينكت في أذنه
إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن
إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده بهارون
إن النبي ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها
إن نساءه من أهل بيته ولكن أهل بيته
إن هذا أخي ووصيّ
إن هذا أول من آمن بي
إن هذا القرآن هو حبل الله المتين
إن هذا لأول قرن يطلع في أمتي
إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز
إن وصيّ وموضع سري
إنّا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا
إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله
إنّا معشر الأنبياء لا نورث
إنك والله عبد العصا بعد ثلاث
(2/141)
(2/104)
(2/280)
(2/412)
(2/99)
(1/326)
(1/373)
(1/538)
(2/411)
(1/444)
(1/540,464)
(1/424)
(2/161)
(1/87)
(1/397)
(1/476)
(1/103)
(2/353-354)
(2/351)-نصه في المراجعات-
(2/86)
(2/440)
(2/209)
(2/150)
(2/211)
-469-
إنكم لتخبروني عن رجل إن في وجهه
إنما خيرني فقال : (أستغفر لهم)
إنما سميتهم بأسماء ولد هارون
إنما كانت بيعة أبي بكر
إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح
إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله
إنه لا يحل المسجد لجنب ولا حائض إلا لمحمد
إنه لا ينبغي أن أذهب
إنه ليس أحد أمنّ علي في نفسه وماله
إنه ليهون علي أني رأيت
إنه مولاي
إنها أمة مرحومة الظالم مغفور له
إنها نزلت في أبي بكر
إنها كانت تكون حائضا لا تصلي وهي
إنهم أبو بكر وأصحابه
إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك
إني تارك فيكم الثقلين
إني تارك فيكم خليفتين
إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به
إني قد تركت فيكم الثقلين
إني لا أدري ما قدر بقائي
إني لم آتك لأجلس ، أتيتك لأحدثك
أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم
أوثق أعمالي حبّي
.
(2/352)-نصه في المراجعات-
(2/368)
(1/395)
(2/218)
(1/55-56)
(2/376)(63/5)
(1/423)
(1/373)
(2/399)
(2/121)
(2/63)-نصه في المراجعات-
(1/244)
(1/130)
(2/191)
(1/461,143)
(1/48)-نصه في المراجعات-
(1/46)
(1/47)
(1/42)-نصه في المراجعات-
(1/42)
(1/45)
(2/230)
(1/149)
(1/308)
-470-
أوحي إلي في علي أنه سيد المسلمين
أوحي إلي في علي ثلاث
أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
أوصى بكتاب الله
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله
أوصى من آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب
أوصيكم بالأنصار فإنهم كَرِشي
أول حجر حجرٌ حمله
أول من يدخل الجنّة أنا وأنت
أول من يدخل من هذا الباب
أول الناس هلاكا قريش وأول قريش
أول الناس هلاكا قومك
أوَ ما ترضين أني زوجتك أقدم
أي استقام على السنة والجماعة
أي بنية ألست تحبين ما أحب
آية الإيمان حبّ الأنصار
آيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب
آيكم يقضي عني ديني
إيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده
أيها الناس أخبروني بأشجع الناس
أيها الناس إليّ
أيها الناس إني وليكم
أيها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره الله
أيها الناس من وليكم؟
.
(1/472)-نصه في المراجعات-
(1/470)-نصه في المراجعات-
(2/99)
(2/115)
(2/98)
(1/64)
(2/26)
(1/327)
(1/329)
(1/474)
(1/58)
(1/58)
(2/91)
(1/146)
(2/120)
(1/514)
(2/197)
(1/225)
(2/172)
(1/196)
(2/54)
(2/34)-نصه في المراجعات-
(1/80)
(2/34)-نصه في المراجعات-
-471-
أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب
أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا
الأئمة من قريش
الأعراف موضع عال من الصراط
الأمانة الدين والفرائض
الأمانة الفرائض عرضها الله
-ب-
بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
على السمع والطاعة
بشارة أتتني من ربي
بينما أنا نائم رأتني على قليب
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي
بفناء الكعبة
بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم
نكتب إذ سئل
بينمانحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقلت
-ت-
تدري لم سمي عثمان ذا النورين؟(63/6)
ترجعين عسى الله عز وجل أن يصلح
تركت فيكم أمرين-و في رواية شيئين- لن تضلوا
تركت فيكم ما لم تضّلوا بعد إن اعتصمتم به
تركتكم على المحجة البيضاء
تشتهين تنظرين؟
.
(2/29)-نصه في المراجعات-
(1/51)
(2/213)
(1/175)-نصه في المراجعات-
(1/152)
(1/151)
(1/110)
(1/398)
(2/21)
.
(1/196)
.
(2/426)
(1/182)
(1/340)
(2/197)
(2/27)
(1/44)
(1/459)
(2/199)
-472-
تفترق في هذه الأمة ثلاث وسبعين
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه
-ث-
ثم لزم الإسلام حتى يموت
-ج-
جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة
جهزّوا جيش أسامة، لعن الله
-ح-
حدثني فصدقني ووعدني
حدثوا الناس بما يعرفون
حسبُكِ؟
حسبكَ من نساء العالمين مريم
حُسنى لهم
الحياء من الإيمان
-خ-
خذوا في أوعيتكم
خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله
خِلالٌ فيّ سبع لم تكن في أحد
خلّفتك أن تكون خليفتي
خير الناس قَرني ثم الذين يلونهم
.
(1/199)
(2/173)
.
(1/146)
.
(2/90)-نصه في المراجعات-
(2/335)
(2/91)
(1/359,332)
(2/199)
(2/125)
(1/239)
(2/300)
.
(2/371)
(2/90)-نصه في المراجعات-
(2/200)
(1/380)
(2/263)
-473-
خير نساء العالمين أربع
خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر
الخير والكرامة الذي أعطاهم
-د-
دخل علَيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عبدٍ
دعني أضرب عنقه فإنه
دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا
دعهما فإنهما أيام
دعوهن فإنهنّ خير منكم
دونكم يا بني أرفدة
-ذ-
ذي الدرجات
-ر-
رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر
رأيت عليا توضأ فغسل
رأيت كأني أتيت بقدح لبن
رأيت كأني وضعت في كفه
رأيت ليلة أسرى بي مثبّتاً
ربح البيع
رحم الله عثمان ولا رحم
الرافضي كافر
.
(2/125)
(2/394)
(1/239)
.
(2/199)
(2/376)
(2/309)
(2/199)
(2/301)
(2/199)
.
(1/165)
(2/22)
(1/323)
(2/171)
(2/22)
(1/527)
(1/214)
(1/330)
(1/308)
-474-
-س-
سألت الله فيك خمسا فأعطاني
سأله بحق محمد وعلي(63/7)
سابقني رسول الله
ستقتلك الفئةُ الباغية وأنت على الحق
سدّوا هذه الأبواب إلا باب
سِر إلى موضع مقتل أبيك
سَل عليا
السابق بالخيرات يدخل
السبقُ ثلاثة فالسابق إلى موسى
-ش-
شري علي نفسه ولبس ثوب
-ص-
صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء
صدقوا إنهم لجيرانك
صيام يوم الغدير يعدل
الصدق القرآن والذي
الصديقون ثلاثة حزقيل مؤمن آل فرعون
الصلاة الصلاة
-ض-
ضرب الله مثلا صراطا مستقيما
(1/444)
(1/170)
(2/199)
(1/547-548)
(1/418)
(1/434) (2/340)
(2/170)
(1/243)
(1/191)
(1/211)
.
(2/246)
(2/355)
(1/161)
(1/219)
(1/193-194)
(2/170)
.
(1/108)
-475-
ضرب الله هذا المثل وهو قوله
-ط-
طوبى شجرة في الجنة أصلها في داري
-ع-
عائشة (جوابا لمن سأله : من أحب الناس إليك؟ )
عجل هذا
عجلت ، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن
من قريش
عزيز علي أبا محمد أن أراك مجدلا
علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف باب
كل باب
على الصراط عقبة لا يجوزها أحد
علي إمام البررة وقاتل الفجرة
علي باب علمني ومبين لأمتي
علي بن أبي طالب باب حطة من دخل
علي بن أبي طالب ينجز عداتي
علي خير البرية
علي خير البشر
علي قائد البررة وقاتل الفجرة
علي مع القرآن والقرآن مع علي
علي من الذين آمنوا
علي منهم
.
(1/190)
.
(1/238-239)
.
(1/435) (2/204,118)
(1/84)
.
(1/95-96)
(2/139)
.
(2/169)
(1/178)
(1/469)
(1/496)
(1/499)
(2/104)
(1/204)
(1/297)
(1/124،129-130)
(2/6)
(1/132)
(1/132)
-476-
علي مني بمنزلة رأسي من بدني
علي مني بمنزلتي من
علي مني وأنا من علي ولا يؤدي
علي مني وأنا من علي ولا يقضي
علي يقضي ديني
عليكم بالأمين وأصحابه
عليكم بالجماعة فإن يد الله
عليكم بسنتي وسنة الخلفاء
عليكم بالسواد الأعظم
عمر معي وأنا مع عمر
عمر مني وأنا من عمر
عندنا القرآن حسبنا كتاب الله
العقل وفكاك الأسير وألا يقتل
-غ-
غبطة لهم
-ف-
فاذهبي(63/8)
فإن كنت برسول الله طلبت
فاطمة وولداها رضي الله عنهم
فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب
فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه
فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى
.
(2/7)
(1/498)
(1/499)
(1/506)
(1/507) (2/104)
(1/540)
(2/215)
(1/45) (2/117)
(2/215)
(1/304)
(1/304)
(2/296)
(2/253)
.
(1/239)
(2/199)
(2/226)-نصه في المراجعات-
(1/96-97)
(1/223)
(2/141)
(2/136)
-477-
فرح وقرة عين
فلا يطمع في الأمر
فلا يغترن أمرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر
فلما نزل القرآن في بشير وعثر عليه
فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام
فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني
فما كان من الناس أحد بعد قول
فهو حبل الله المتين وهو الذكر
فو الله ما انعم الله علي من نعمة قط بعد
في التي لم يؤكل منها
في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي
فينا نزلت (رجال صدقوا ..)
الفتنة من ها هنا
الفتنة ها هنا
-ق-
قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي
قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأسه
قبض النبي صلى عليه وسلم فاستخلف المسلمون
قتل سبعة ثم قتلوه
قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس
قولوا أرشدنا إلى حب محمد
قولوا اللهم صل على محمد
قوموا
.
(1/239)
(2/20)
(2/218)
(1/116)
(1/71-72)
(2/12)
(1/456)
(1/103)
(1/105)
(2/203)
(1/65-66)
(1/179)-نصه في المراجعات-
(2/132)
(2/132)
.
(1/206)-نصه في المراجعات-
(2/172)
(1/298)
(1/383)
(2/245-246)
(1/119-120)
(1/237-238)
(2/290)
-478-
قيدوا العلم بالكتاب
-ك-
كأني دعيت فأجبت ،إني قد تركت فيكم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسهر عند
أبي بكر
كان علي يرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قبل الرسالة
كبرت سني ونسيت
كتاب الله ، طرف بيد الله عز وجلّ
كتاب الله هو حبل الله الممدود
كفي وكف علي في العدل سواء
كل بيمينك
كلُّ بني أم –و في رواية : بني آدم-
كلُّ من أدركت يقولون الإيمان(63/9)
كلّ من أسلم فقد تولى الله
كمل من الرجال كثير ولم يكمل
كنا نعدُّ عليا خيارنا
كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
كنت ألعب بالبنات فربما دخلَ
كنت أنا أغسله
كنت جالسا في المسجد أنا ورجلان
كنت على الباب يوم الشورى
كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
كيف مولاكم وأنتم قومٌ عرب؟
.
(2/426)
.
(1/42)-نصه في المراجعات-
.
(1/351)
.
(2/405)
(2/43)
(1/46)
(1/103)
(1/520)
(2/304)
(2/106)
(1/344)
(1/103)
(2/119)
(1/204)
(1/417)
(2/199)
(2/170)
(1/454)
(1/177)
(1/210)
(2/49)
-479-
كيف تجدينك ؟
كيف ورث علي رسول الله
-ل-
لأنه كان أولنا به لحوقا وأشدنا
لا أسألكم على ما آتيتكم من البينات
لا استطعت
لا بد أن أذهب بها أو تذهب
لا تبشّرهم فيتّكلوا
لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه
لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل
لا تقاتلوا إلا من قاتلكم
لا تقع في علي فإنه مني
لا تقولن هذا لعلي فإنه
لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن
لا ، ها الله إذا يزعم عليٌّ
لا والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة
لا والله لا أمحوك أبدا
لا ولكنه الذي يخصف النعلَ
لا ولكني كنت أشرب عسلا
لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي
لا يؤمّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد
.
(2/91)
(2/81)
.
(2/81)
(1/96)
(2/304)
(1/504-506)-نصه في المراجعات--
(2/375)
(1/71)
(1/71)
(2/137)
(1/431)
(1/445)
(2/422)
(1/308)
(2/117)
(2/359)
(2/356)
(2/184,158)
(1/502)
(2/102)
-480-
لا يبغضنا أحد ولا يحسدنا إلا ذيد
لا يبلّغ عني إلا أنا
لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب
لا يحبّهم إلا مؤمن ولا يبغضهم
لا يدخل النار أحدٌ بايعَ
لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق
لا يفضلني على أبي بكر وعمر ،أو لا أجد أحدا
لا ينبغي لأحد أن يبلّغ هذا
لتُسألن عن هذا يوم القيامة
لتفترقُ هذه الأمة على ثلاث وسبعين
لعن الله من تخلّف عنه
لفظ جبريل ومحمد عليهما السلام(63/10)
لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاثا لأن
لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وإني لمسندته
لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس
لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ
أن أصل
لكل نبي وصي ووارث
للمسافر ثلاثا وللمقيم
لم يشكك
لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة
لما أنزل الله (و أنذر عشيرتك .. )
لما بعث الله محمدا رسولا أنكرت العرب ذلك
.
(1/80)
(1/504)
(1/177-178)
(1/513)
(2/265)
(1/195)
(2/394)
(1/502)
(1/155)
(1/199-200)
(2/335)
(1/308)
(1/416)
(2/93-94)
(2/368)
.
(1/73) (2/209)
(1/298) (2/84)
(1/346)
(1/146)
(1/527)
(1/222)
(1/113)
-481-
لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به
لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت
لما حضرت رسول الله الوفاة
لما عرج بي إلى السماء انتهى بي إلى قصر
لما عرج بي رأيت على ساق العرش
لما كان يوم غدير خم نادى رسول الله
لما مرض النبي قال: ائتوني
لما نزلت هذه الآية (قل لا أسألكم عليه أجرا ..)
لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله
لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث
لن يؤدي عنك إلا أنت أو
لو استخلف فعصيتم نزل
لو رأيتم معاوية
لو سلك الناس واديا وشعبا
لو قام قائمنا
لو كان الناس كلهم لنا
لو كنت متخذا خليلا
لولا الإسناد لقال من شاء
لولا أن قومك حديث عهدهم
لو ميزت شيعتي لم أجدهم
لو يعلم الناس متى سمّي علي
ليحبني قوم حتى يدخلوا النار
.
(2/133-134)
(2/289)
(2/296)
(1/470)
(1/528)
(1/160)
(2/301)
(1/96)
(1/116-117)
(1/462)
(1/504-505)-نصه في المراجعات-
(1/317)
(1/295)
(1/520)
(1/252) (2/411)
(1/256) (2/412)
(1/323,294) (2/399,20)
(1/165)
(2/309)
(1/252) (2/411)
(1/168-169)
(1/535-536)
-482-
ليس منا من حلف
ليس منا من ضرب الخدود وشق
ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن
ليس منا من لم يرحم صغيرنا
ليس مني من حلف
لينهض كل رجل منكم إلى كفئه
-م-
ما أبدلني الله خير منها(63/11)
ما أدري ما تقولان لقد صليت
ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله
ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف
ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم حديث
ما أظنني إلا راجعة
ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي
ما أنا أخرجتكم وأسكنته ولكن الله
ما أنا إلا رجل من المسلمين
ما أنا انتجيته ولكن الله
ما أنا بالذي أمحاه
ما أنزل سبحانه آية
ما أنزل الله( يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي
ما بال قوم ينتقصون عليا ، من
.
(1/547)
(1/547)
(1/547)
(1/547)
(1/547)
(1/328)
.
(2/125)
(1/208)
(1/10) (2/428)
(2/216)
.
(2/122)
(2/197)
(1/419)
(1/417-418)
(2/394)
(2/110)
(2/359)
(1/251-252) (2/411)
(2/2)
(1/440-441)
-483-
ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش
ما بقاء الناس بعدهم ؟
ما تريدون من علي؟ إن عليا
ما تقول؟
ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله
ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر
ما زلنا نشك في عذاب القبر
ما شأنه أهجر !
ما ضر عثمان ما عمل
ما عندنا كتاب نقرأه إلا كتاب الله غير
ما أغضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة
ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة حتى
ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين
ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر
ما كتبت علي الحفظة أني
ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة
ما لأحد عندنا يدا إلا
ما لك يا أبا هريرة؟
ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن
ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
أحد أكثر حديثا
ما نزل في أحد من كتاب الله
ما نفعني مال قط
.
(2/252)
(1/57-58)
(1/428)
(2/355)
(1/353) (2/399)
(2/274)
(1/154)
(2/290)
(1/217)
(2/432)
(2/212)
(2/147)
(2/357)
(2/75)
(1/324)
(2/212)
(1/217)
(2/373)
(2/375)
.
(2/424)
(2/1)
(1/217)
-484-
ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟
ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتك؟
ما هي بأول بركتكم
مثلي مثل الشجرة أنا أصلها
محاش نساء أمتي على رجال(63/12)
مدينة هرقل تفتح أولا
مرحبا بسيد المسلمين
مروا أبا بكر فليصل بالناس
مزمارة الشيطان في بيت رسول الله
معرفة آل محمد براءة من النار
مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله
من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي
من أحب الأنصار أحبه الله
من أحب الأنصار فبحبني أحبهم
من أحب عليا فقد أحبني
من آذى جاره فقد
من آذى العباس فقد
من آذى مسلما فقد
من أراد أن يحيا ويموت
من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه
من أطاعني فقد أطاع الله ومن
من أنكر إمامة علي (ع) بعدي
من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما
.
(2/373)
(2/436)
(2/121)
(1/322)
(2/70)
(2/426)
(1/473)
(2/20)
(2/199)
(1/67)
(1/526,407)
(1/59-60)
(1/512)
(1/512)
(1/511)
(1/439)
(1/439)
(1/439)
(1/59-60)-نصه في المراجعات-
(1/529)
(1/508)
(2/67)
(2/74)
-485-
من حدث عني بحديث يرى
من حفظ على أمتي أربعين
من حلف بالأمانة فليس
من خلع يدا من طاعة لقي الله
من زعم أن القرآن مخلوق
من سب أصحابي فعليه لعنة الله
من سبب أصحابي فقد سبني
من سبب العباس فقد سبني
من سب عليا فقد سبني
من سره أن يحيا حياتي ويموت
من غشنا فليس منا
من قال إن (قل هو الله أحد)
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل
من كنت مولاه فعلي مولاه
من كنت وليه فإن
من مات على حب آل محمد مات شهيدا
من مات ولم يعرف إمام زمانه
من يقتل الرجل ؟
من يقل علي ما لم أقل
منا أمير ومنكم أمير
موعدك العشية للبيعة
المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع
.
(1/476)
(2/65)
(1/547)
(2/230-231)
(1/342)
(1/511)
(1/510)
(1/510)
(1/510)
(1/59)
(1/547)
(1/343)
(2/31)
(2/36)
(1/438)
(1/81)
(1/69)
(2/353)-نصه في المراجعات-
(2/306-307)
(2/248,218)
(2/225,210)
(2/381)
-486-
-ن-
نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء
نزل في علي وحده ثلاثمائة آية
نزلت في عبادة بن صامت
نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده
نزلت هذه الآية فينا (إذ همت طائفتان ..)(63/13)
نزلت هذه الآية يوم غدير خم
نعم ، أعظمها حرمة
نعم، توفي وإنه لمستند إلى
نعم، من أفضلها
نعم ، من لم يقل هذا
نعم ما لهم
نقف يوم القيامة بين الجنة والنار
النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي
-هـ-
ها إن الفتنة ها هنا
ها هنا الفتنة (ثلاثا)
هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة
هاتان نعلا رسول الله
هجر رسول الله
هذا أخي وابن عمي وصهري
هذا ولي ويؤدي عني ديني
(1/39)-نصه في المراجعات-
(1/246) (2/2)
(1/131)
(1/215)
(2/372)
(1/157)-نصه في المراجعات-
(1/161)
(2/172)
(1/184)-نصه في المراجعات-
(1/299)
(1/239)
(1/175-176)-نصه في المراجعات
(1/56)
.
(2/131)
(2/130)
(1/242)
(2/373)
(2/298)
(1/400)
(1/507)
-487-
هذا يومئذ على الحق
هذا يومئذ على الهدى
هذه بيتك
هذه زوجتك في الدنيا والآخرة
هل عندكم شيء مما ليس
هلم أكتب لكم كتابا لن
هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم
هم المؤمنون
هم نحن
هو أن تصل ذا القرابة
هو أنت وشيعتك
هو الذي خلط عملا صالحا
هو النضر بن الحارث
-و-
واجعلوا أهل بيتي فيكم مكان الرأس من الجسد
والحياء شعبة من شعب
والذي أحلف به إن كان علي لأقرب
والذي بعثني بالحق ما أخرجتك إلا
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا
والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن
والذي نفسي بيده إن فيكم رجلا يقاتل
(1/539)
(1/539)
(2/199)
2/202)
(2/253)
(2/290)
(1/243)
(1/130-131)
(1/244)
(1/232)
(1/204)
(1/244)
(1/164)
(1/66)
(2/300)
(2/174)
(1/386-388)-نصه في المراجعات-
(1/513)
(2/253)
(2/333)
(1/548)
والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت
والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة
والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم أحب إلي أن أصل
والذين أدرك ذريتهم الإيمان
والضعيف فيكم قوي عندي
والله إني لأخوه ووليه
والله لأحرقن عليكم ولتخرجن(63/14)
والله لأرضينك، أنت أخي وأبو ولدي
والله لا يؤمن ،والله لا يؤمن ،والله لا يؤمن
والله لو تاب رجل وآمن وعمل صالحا
والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم
والله لو قد مات عمر بايعت
والله ما انشرح صدري قط أن أفضل
والله ما سابقته إلى خير
والله ما كنت أظن أن ينزل الله في شأني
وأما أنت يا علي فأخي
وأنا ابن النبي وأنا ابن الوصي
وأنت غاسلي ودافني
وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام
وإياك وبغضنا أهل البيت فإن رسول الله
وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون
وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي
(1/79)
(2/8)
(1/73) (2/209)
(1/231)
(2/274)
(1/412)
(2/255)
(2/103)
(2/31)
(1/146)-نصه في المراجعات-
(2/139)
(2/218)
(1/308)
(1/193)
(2/122)
(1/404) (2/106)
(2/404)-نصه في المراجعات-
(2/100)
(1/10) (2/430)
(1/80)
(1/353) (2/399)
(1/165)-نصه في المراجعات-
وقلت يا رسول الله إنما نجاني بالصدق
وكان بدء أمرنا أنا التقينا القوم من أهل الشام
ولا يحبنا إلا مؤمن تقي ولا يبغضنا
ولقد علمت يا سعد أن رسول الله
ولو استعمل عليكم عبد يقودكم
وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه
ويحك ما تدري من هذا ؟
ويلك ما هذا؟
-ي-
يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر
يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله
يا أبا بكر كفي وكف علي
يا أبا رافع سيكون بعدي قوم يقاتلون
يا أبا سفيان طالما عاديت
يا أم أيمن ادعي لي أخي
يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة
يا أم سليم إن علياً لحمه من
يا أم المؤمنين لو أقمت كان أجدر
يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا
يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا
(1/105)
(1/142)
(1/83)
(2/245)
(1/111)
(2/218)
(2/63)-نصه في المراجعات-
(1/163)
(2/20)
(1/437)
(1/521)
(1/548-549)
(2/252)
(1/399)
(2/203,120)
(1/382)
(2/194)
(1/39)
.
(1/93)
يا أيها الناس إن الفضل والشرف والمنزلة
يا أيها الناس إنه لم يبعث نبي قط إلا عاش(63/15)
يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به
يا أيها الناس صدقت الله وبرت
يا بني تعتب بعضنا على بعض استبطاءا
يا بني عبد المطلب يا بني
يا جابر لقد سألت عن أمر جسيم
يا رسول الله ائذن لي فأضرب
يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا
يا رسول الله إن فعلت قل الظهر
يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي
يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه
يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك
يا رسول الله رأيت كأن دلوا دلي
يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا
يا سليمان إنكم على دين
يا صباحاه
يا عائشة هؤلاء الخلفاء
يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك
يا عثمان هذا جبريل يخبرني
يا علي أخصمك بالنبوة ولا نبوة
يا علي اذهب فاقتله
يا علي اغسلني إذا مت
(1/65)
(1/54)
(1/41)-نصه في المراجعات-
(2/140)
(2/140)
(1/222)
(2/67-68)
(2/350)
(2/360)
(2/371)
(1/122)
(1/155)
(2/368)
(2/23)
(2/371)
(1/360,251)
(1/222)
(1/328)
(1/538)
(2/90)
(1/550)
(2/351)-نصه في المراجعات-
(2/99)-نصه في المراجعات-
يا علي أنت أخي في الدنيا
يا علي أنت تغسلني
يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد
يا علي أنت قسيم الجنة والنار
يا علي أنت مني بمنزلة
يا علي إن فيك من عيسى مثلا أبغضته
يا علي إنك تملك ما لا أملك
يا علي إنك والأوصياء
يا علي إنه يحل لك في المسجد
يا علي ستقاتلك الفئة الباغية وأنت
يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك
يا علي لا يحل لأحد أن يجنب
يا علي لك سبع خصال لا يحاجك
يا علي من فارقني فقد فارق الله
يا عمّار إن رأيت عليا قد سلك
يا عمر ما حملك على ما فعلت؟
يا عمرو والله لقد آذيتني
يا فاطمة أما ترضين أن الله أطلع
يا محمد إنا جيرانك وحلفائك
يا محمد أوضعتم أسلحتكم؟
يا معشر الأنصار ألا أدلكم
يا معشر قريش انقذوا أنفسكم
يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم
(1/396-397)
(2/100)
(1/514)
(1/177)
(1/383-384)-نصه في المراجعات
(1/534-535)
(1/443)
(1/175-176)-نصه في المراجعات
(1/391)(63/16)
(1/546)
(1/518)
(1/524,420)
(1/550)
(1/509)
(1/543,519)
(2/373)
(1/439)
(1/522)
(2/355)
(2/204)
(1/477-478)
(1/222)
(1/214)
يا معشر قريش والله ليبعثن عليكم
يا معشر المسلمين من يغذرني من رجل
يعني احسبوهم إنهم محاسبون
يعني الإسلام
يعني الطاعة
يعني الموادعة
يعني بالأمانة الطاعة
يعني مؤمني أهل الكتاب فإنهم كانوا
يعني من أسلم فقد تولى الله ورسوله
يُقتل فيها هذا مظلوما
يوم الغدير هو عيد الله الأكبر
(2/355)
(1/440)
(1/166)
(1/153)
(1/153)
(1/153)
(1/151)
(1/153)
(1/131)
(1/539)
(1/161-162)
فهرس المباحث والفوائد
قد وردت خلال ردنا مجموعة من المباحث والفوائد، التي لما لها من أهمية على غيرها أحببنا إفراد فهرستها مع الإشارة الى مواضع وجودها مجتمعة رغبة في تسهيل جمع الكلام عليها ، والله الموفق..
1- مبحث :ذكر بعض الأباطيل في كتب الشيعة المعتمدة ........... (ج1/9-25)
2- فائدة :لا وجوب عند أهل السنة باتباع أحد بعينه إلا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والفرق
بينهم وبين الشيعة من أئمتهم .......................... (ج1/31-32)-
(ج2/416-419)
3- فائدة :كلمة عن كتاب الشيعة المعتمدة (نهج البلاغة) ............ (ج1/34-37)
4- مبحث :تفصيل الكلام عن حديث الغدير بألفاظه وطرقه.......... (ج1/43-50 ،
161-163)-
(ج2/24-35)
5- فائدة :معنى (آل النبي صلى الله عليه وسلم) ..................... (ج1/85-89)
6- فائدة :الكلام على الأصول الأربعة عند الشيعة.................... (ج1/106-108،
254-255)
7- مبحث :تفصيل الكلام على احتجاج الشيعة بآية الولاية
(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا . . . ) ونقض
كل اعتماداتهم عليها ............................................... (ج1/123-145)
8- مبحث : رواية أهل البدع ومدى قبولها ........................ (ج1/248-251)(63/17)
9- فائدة : إبطال دعوى الشيعة اتباعهم لأهل البيت ................. (ج1/251-252) -
(ج2/410-412)
10- فائدة :بعض القواعد المهمة في الجرح والتعديل .................. (ج1/260-262)
11- مبحث : القول بخلق ألفاظ القرآن وعلاقته بالقول
بخلق القرآن ......................................................... (ج1/338-341)
12-فائدة : أصل القول بوصاية النبي صلى الله
عليه وسلم لعلي ..................................................... (ج1/349-350)
13- فائدة : تفصيل الكلام على احتجاج الشيعة بحديث
(أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) ونقض كل
استنتاجاتهم منه ........................................ (ج1/369-371،
378-381،393-394)
14-مبحث : تفصيل معاني (الولي) وبيان الراجح منها
بالقرائن ونقض كل مزاعم الشيعة
فيه من القرائن ........................................ (ج1/449-457)
15-مبحث : تفصيل الكلام لبيان كذب حديث (أنا
مدينة العلم وعلي بابها ) بجمع أكثر من
عشرين طريقا له ...................................... (ج1/479-496)
16- فائدة : أصول الاحتجاج والمناظرة بين الخصمين ................ (ج2/15-17)
17- مبحث : سوق الأحاديث التي فيها القطع بخلافة أبي بكر
للنبي صلى الله عليه وسلم ثم خلافة عمر لأبي بكر ثم
خلافة عثمان لعمر ثم خلافة علي لعثمان ................ (ج2/20-23)
18- مبحث : موقف الشيعة المخزي من الحكومات الإسلامية
ومذهبهم في التعامل معها جميعا بالغش والخداع.......... (ج2/74-78،
233-235)
19- مبحث : إبطال دعوى الشيعة الوصية لعلي ،
من كل الأوجه .................................... (ج2/83-95,88-
146,96-149)
20-مبحث : بيان أفضلية عائشة على سائر نساء النبي صلى الله
عليه وسلم ما خلا خديجة ، وعدم إمكانالقطع
بالأفضلية بينهما .................................... (ج2/119-127)(63/18)
21_ مبحث : تفصيل الكلام عن فتنة الجمل ........................ (ج2/135-140)
22_ مبحث : تفصيل مسألة التحسين والتقبيح
هل هما عقليان أم شرعيان ؟ .......................... (ج2/163-168)
23_ مبحث : أحقية خلافة أبي بكر وثبوت إنعقادها
بالإجماع وبطلان كل الإعتراضات على ذلك ............ (ج2/207-216،
401-402)
24_ فائدة : كلمة عن كتاب ( الإمامة والسياسة )
المنسوب إلى ابن قتيبة ................................... (ج2/226-227)
25_ مبحث : إبطال دعوى الشيعة سكوت علي عن حقه
من جميع الإحتمالات الواردة .......................... (ج2/236-242،
282-285)
26_ مبحث : إبطال دعوى الشيعة وجود الإكراه على بيعة
أبي بكر من أوجه عديدة .............................. (ج2/247-256)
27_ مبحث : تبرئة الصحابة من تهمة ترك النص _ المزعوم _ على
علي ونقض كل حجج الشيعة في ذلك ................. (ج2/257-281)
28_ مبحث : تفصيل القول في حديث رزية يوم الخميس
ونقض كل متمسكات الشيعة فيه ...................... (ج2/286-309،
313-317)
29- مبحث : ضوابط اختلاف الصحابة وأسبابه ، وهو ما
يميزهم عن غيرهم ................................ (ج2/329-332)
30- فائدة : لو ثبت النص المزعوم في خلافة علي لأفاد الوجوب
أولا على علي قبل غيره من الأمة................... (ج2/391-392)
31- فائدة : الكلام عن خرافة الشيعة في المهدي المنتظر .......... (ج2/412-414)
32- مبحث : تفصيل الكلام على مسألة كتابة العلم وتدوينه..... (ج2/421-427)
33- فائدة : تحقيق نسبة القول بالتجسيم إلى هشام بن الحكم
أحد أئمة أسلاف الشيعة........................... (ج2/441-447)
34- فائدة : بيان ما حصل من تغيير في اعتقاد خلف الشيعة عن
سلفهم............................................ (ج2/442)
فهرس الموضوعات للجزء الثاني
الموضوع(63/19)
عنوان المراجعة (49) والرد عليها مع أن ذلك خلاف المنهج المتبع لكن لما حواها
به عبد الحسين هذا من الكذب الافتراء ........................................ 1
عنوان المراجعة (50) والرد عليها ............................................. 3
فضح سوء أدبه مع ربه سبحانه وتعالى ، وأصل قولهم هذا...................... 4
نقض ما احتج به من الأحاديث في هذه المراجعة ................................ 6-9
عناوين المراجعتين (52,51) ................................................ 9-10
الرد على المراجعة (52) وابتداء ذلك بتكذيبه في ادعائه إيمانه بفضائل السابقين
في المهاجرين والأنصار..................................................... 10
بطلان تقريره عدم رضائه بالمعارضة بفضائلهم ، وإن هذا تملص منه
في المناظرة .............................................................. 15-17
تكذيبه في عدم دلالة تلك النصوص على خلافة الثلاثة أولا ، وثانيا تكذيبه
في عدم استناد أحد إليها ................................................ 18
عنوانا المراجعتين (54,53) .............................................. 23
الرد على المراجعة (54) بنقد كل الألفاظ التي ساقها لحديث الغدير نقدا
علميا من جهة السند والمتن بعد التقدم بأربعة أمور لخطبة الغدير .......... 23-35
عناوين المراجعتين (56,55) ............................................ 36
الرد على المراجعة (56) ................................................ 36
تفصيل المراد من حديث الغدير المتواتر مع كشف ما في كلامه من المراوغة
والتدليس بل والكذب أحيانا ............................................. 36-48
عناوين المراجعتين (58,57) .............................................. 50
الرد على المراجعة (58) بفضح أسلوبه في المراوغة والتملص من الأدلة........ 50-51(63/20)
الابتداء بنقض كل ما اعتمد في رد تأويل حديث الغدير...................... 51-60
عنوان المراجعتين (60,59) .............................................. 60
الرد على المراجعة (60) جواب أهل السنة بالإمامة المآلية حتى على فرض
صحة وفيها بيان استقامة ما قاله هذا الموسوي ............................ 60-62
عناوين المراجعتين (62,61) ............................................. 64
الرد على المراجعة (62) بفضح حقيقة حال الشيعة الأربعة الأصول التي
انتقى منها نصوصه الأربعين صاحبي الكتب هذه ........................... 64-70
عناوين المراجعتين (64,63) ............................................. 70
الرد على المراجعة (64) ................................................. 71
افتضاح موقفه وموقف كل الرافضة من سلف هذه الأمة .................. 72-74
موقف الشيعة المخزي من الحكومات الإسلامية وذكر بعض الأمثلة
على نفاقهم ............................................................ 74-78
عناوين المراجعتين (66,65) ............................................ 79
الرد على المراجعة (66) ببيان تقدم تفصيل كذب النصوص المساقة في
هذه المراجعة .......................................................... 80-82
عنوانا المراجعتين (68,67) ............................................. 83
الرد على المراجعة (68) بنقض نصوص الوراثة المزعومة ................... 83-91
عنوان المراجعة (69) .................................................. 92
عنوان المراجعة (70) والرد عليها ...................................... 92-93
الابتداء بسياق معاني النصوص التي أشار إليها مما يبين سقوطها عن إثبات
الوصية المزعومة ........................................................ 97-114(63/21)
الذب عن أئمة المذاهب فيما اتهمهم به هذا الموسوي ..................... 114-117
عنوان المراجعة (71) .................................................. 117
عنوان المراجعة (72) والرد عليها ...................................... 118
تقرير أفضلية عائشة على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما خلا
خديجة ، وعدم إمكان القطع بالأفضلية بينهما.......................... 119-125
ضعف الأحاديث التي استدل بها على أفضلية خديجة أو غيرها على
عائشة رضي الله عنهن جميعا .................................... 122-125,123
عناوين المراجعتين (74,73) .......................................... 127-128
الرد على المراجعة (74) ............................................... 128-129
رد دعواه بتسمية عائشة رضي الله عنها بمصدر الفتنة من باب الرواية
والدراية ............................................................. 130-134
التفصيل في ( فتنة الجمل ) ............................................ 135-140
إسقاط ما احتج به على إثبات أصل للعداء بين عائشة وعلي
رضي الله عنهما .................................................... 140-145
نقض استدلالاته على الوصية المزعومة ................................. 147-151
عنوانا المراجعتين (76,75) .......................................... 154
الرد على المراجعة (76) .............................................. 155
بيان أن الرافضة هم أكثر الناس تقليدا لأئمتهم وجمودا على مذاهبهم ..... 156
الابتداء بسرد مطاعنه على عائشة رضي الله عنها والجواب عنها
بما يبرئها من تهم الرافضة هؤلاء ........................................ 156-163
تناول مسألة التحسين والتقبيح بعد أن افترى على شيخ الأزهر ومن
ورائه كل أهل السنة بقول هم بعيدون عنه ، ثم سرد أقوال الناس(63/22)
في هذه المسألة وحججهم والترجيح في كل ذلك ..................... 163-168
الابتداء بالكلام التفصيلي عن أدلته التي احتج بها على وفاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم في حجر علي .................................... 169-176
رد كل الأوجه التي حاول الاستناد إليها في إثبات دعواه وفاته صلى الله
عليه وسلم في حجر علي............................................. 176-180
إشارته في آخر مراجعته إلى وجوب أسباب عندهم اقتضت منهم عدم
الأخذ بحديث عائشة ، وإرجاء الرد عليه إلى المراجعة القادمة ............ 181
عنوان المراجعة (77) .................................................. 181
عنوان المراجعة (78) والرد عليها ...................................... 182
بيان أن لا مصلحة عند الرافضة هؤلاء في مدح أم سلمة سوى التوصل
من خلال ذلك إلى الطعن بعائشة ....................................... 182-183
الابتداء برد حججه المزعومة هنا بتفصيل الكلام عن سبب نزول سورة
التحريم والآيات التي انتقاها منها ظن فيه طعنا بعائشة ................... 183-190
الكشف عن أن بعض أدلته هنا لا لوم على عائشة فيه .................... 190-192
تكذيبه في ادعائه تأليب عائشة على عثمان .............................. 192-195
العودة إلى الإشارة إلى فتنة الجمل وبيان موقف عائشة الصحيح
والثابت فيها........................................................... 195-198
الكلام عن باقي أدلته هنا وبيان أن لا لوم على عائشة فيها ، وإن
كثيرا منها يعد من فضائلها في حقيقة الأمر.............................. 198-204
عنوانا المراجعتين (80,79) ............................................. 206
الرد على المراجعة (80)................................................. 207
التقديم لمسألة ثبوت انعقاد الإجماع على خلافة أبي بكر من أربعة أوجه(63/23)
بالفهم الصحيح للنصوص الصريحة الثابتة قبل استعراض كلامه هنا ....... 207-216
الابتداء باستعراض كلامه والرد عليه ................................... 217
شرح معنى خطبة عمر رضي الله عنه في أواخر خلافته بما يدحض
حجج هذا الموسوي منها ، مع الإشارة الى تقطيعه لنص الخطبة .......... 217-218
بيان جملة أمور مستخلصة من نص الخطبة الذي اقتطعه .................. 218-221
تكذيبه في ما ادعاه من تخلف البعض عن بيعة الصديق ، ثم نقض كلامه
حتى على فرض ثبوت ذلك التخلف .................................. 222-223
الإشارة إلى ما تقدم من الكلام في ثبوت مبايعة علي لأبي بكر في اليوم
الثاني لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم .................................. 223-224
نقض احتجاجه على أهل السنة بكتاب (نهج البلاغة) أو كتاب
(الإمامة والسياسة) ................................................... 225-226
كلمة عن كتاب (الإمامة والسياسة ) وبيان عدم صحة نسبته إلى
ابن قتيبة لعدة أسباب ................................................. 226-227
عنوانا المراجعتين (82,81) .......................................... 227-228
الرد على المراجعة (82) .............................................. 228-229
بيان التلازم العقلي والشرعي بين مؤازرة الخليفة وبين صحة
عقد الخلافة ، وإن غير المتلازمين هما مؤازرته مع استحقاقه
للخلافة لا صحة عقد الخلافة له كما ادعى هذا الموسوي .............. 229-231
الإشارة إلى ما تقدم من استحقاق الصديق للخلافة فوق صحة
عقدها له........................................................... 231-232
الرد من عدة أوجه على ما ادعاه من اختصاص أئمته بمذهب مؤازرة
أهل السلطة الإسلامية بما يدحض قوله ................................. 232-233
بيان مذهب الرافضة في تعاملهم مع جميع الحكومات الإسلامية(63/24)
بالغش والمخادعة عدا مدة خلافة علي –طبعا- ثم الإشارة إلى
ما تقدم من تفضيل ذلك ............................................. 233-235
الابتداء بنقض دعواه سكوت علي عن حقه في الخلافة من عدة
أوجه وذكر الوجه الأول ........................................... 236
الوجه الثاني في ذلك ................................................. 237
الوجه الثالث في ما تقدم ............................................. 240
بيان أن الفتن الحاصلة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم
لهي من أكبر الدلائل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه ................. 243-244
إعادة الكلام عن موقف سعد بن عبادة ، وكشف ما في كلام
هذا الموسوي من الكذب ............................................. 245
تكذيبه في ما زعمه من مبايعة الأنصار لأبي بكر خضوعا للقوة ........... 247-248
نقض دعواه من كون مبايعة علي وغيره لأبي بكر كانت خوفا
مما هددوا به من القتل والحرق ، وذلك من عدة أوجه والابتداء
بذكر الوجه الأول .................................................. 249
الوجه الثاني لنقض تلك الدعوى ...................................... 249
الوجه الثالث أيضا ................................................... 250
ذكر الوجه الرابع فيما تقدم ........................................... 251
الوجه الخامس الذي به يبين كذب دعواه تلك .......................... 253
عنوان المراجعة (83) ................................................. 256
عنوان المراجعة (84) والرد عليها ..................................... 257
الابتداء ببيان حقيقة قول الرافضة في صحابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصل قولهم هذا ............................................... 257-258
بطلان التفريق المزعوم بين أوامره صلى الله عليه وسلم المختصة(63/25)
بالشؤون الأخروية وبين ما كان متعلقا بالسياسة ........................ 261
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تبرئ الصحابة من تهمة هذا
الموسوي وسائر الروافض ............................................. 261-264
أقل طبقات الصحابة هم من كانت أحوالهم أعلى من درجات
أهل الورع والخوف من المتأخرين ..................................... 265
الأسباب المزعومة لعدم التزام الصحابة بنص النبي صلى الله عليه وسلم
على علي يمكن إجمالها في أربعة ، والابتداء لنقضها بالسبب الأول ........ 269-270
نقض السبب الثاني .................................................... 273
السببان الثالث والرابع ونقضهما ...................................... 274،275
نصوص الآيات تدل على خيرية القرن الأول وأن الظهور
فيها لأهل الإيمان وذكر بعضها ........................................ 275-279
نقض ما يمكن أن تتحجج به الرافضة في وجه قعود علي عن
حقه المزعوم ......................................................... 280
ذكر كل الاحتمالات التي يمكن أن تتمسك بها الشيعة في تفسير
مبايعة علي رضي الله عنه لأبي بكر بما لا يعطي الحق لأبي بكر
وبيان بطلانها كلها .................................................... 282-285
عنوان المراجعة (85) .................................................. 285
الرد على المراجعة (86) ............................................... 286
التقديم ببيان طبيعة استدلال الرافضة وكل أهل البدع ، وإنهم
يقصدون المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ............................. 286
تبرئة الصحابة وبالأخص أبي بكر مما اتهمهم به من عدم التعبّد بتنفيذ
الأوامر النبوية ....................................................... 287-289
الابتداء بالكلام على ما أسماه برزية يوم الخميس وذكر ألفاظه تلك(63/26)
الحادثة ورواياتها ................................................... 289-290
ذكر أربعة أوجه لجواب أهل السنة على احتجاج الشيعة هذا وهو
مستفاد من كلام غير واحد من الأئمة ................................ 291-295
رد ما حاول الطعن به في عمر رضي الله عنه وبيان بطلان الروايات
التي اعتمد عليها .................................................... 296-297
الاستمرار بنقض كل مزاعمه في هذه المراجعة حتى نهايتها مع
كشف ما في كلامه من الغش بل والكذب أحيانا ...................... 299-303
نقض ما زعمه من سبب عدول النبي صلى الله عليه وسلم عن أمره
يومئذ من وجهين ..................................................... 305
عنوانا المراجعتين (88,87) والرد عليهما .............................. 309-310
مثال جديد على كذب هذه المراجعات من أساسها أو التغيير
الكبير بالزيادة والتلفيق الذي لحقها بعد شيخ الأزهر ................... 310
كشف غرضه من نسبة أجوبة ضعيفة تافهة إلى شيخ الأزهر
وذلك للمصادرة على أجوبة أهل السنة الحقيقية على
شبهتهم هذه ........................................................ 311
بيان ضعف كلامه في هذه المراجعة وأنه لا ينقض ما كنا قلناه
من أجوبة علماء أهل السنة فيما سبق .................................. 312
انتقاء ثلاثة مواضع من كرمه تستحق النظر ثم ردها بالتفصيل حتى
نهاية هذه المراجعة .................................................... 313
عنوانا المراجعتين (90,89) .......................................... 317
الرد على المراجعة (90) ............................................... 317
الابتداء بالكلام عن سرية أسامة بكشف ادّعاءاته الباطلة الكاذبة
في هذه المراجعة ...................................................... 318(63/27)
بطلان تسمية أبي بكر ضمن جيش أسامة والأدلة عليه ................... 318
الاتفاق بين أهل السير والأخبار إنما كان على تقديم أبي بكر
للصلاة بالناس بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ........................... 319
تبرئة عمر من التثاقل عن تلك السرية أيضا ، ثم تبرئة جميع
الصحابة من ذلك التثاقل المزعوم ....................................... 322-323
براءة الصحابة من تهمة الطعن بإمارة أسامة ، وإن الطعن إنما كان من
المنافقين لا غيرهم .................................................... 325
إثبات كون حادثة هذه السرية لهي من الدلائل على أفضلية
أبي بكر وأحقّيته بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم ................. 327
بيان عذر الصحابة فيما فيه من شبهة الخطأ والاختلاف من
أفعالهم وذكر أمثلة على ذلك لتوضيحه ................................ 329
عودّ إلى ذكر فضل أبي بكر رضي الله عنه في هذه السرية ................ 333
تبرئة الصحابة جميعا من تهمة التخلف عن تلك السرية ، مع الإشارة
إلى كذب الحديث الذي فيه لعن المتخلف عنها ، وإرجاء تفصيل
الكلام عليه إلى المراجعة القادمة ....................................... 334-335
نقض كل الأوجه التي حاول بها تفسير إرسال الصحابة في تلك
السرية بما يدحض حججه كلها إن شاء الله ............................. 336
عنوانا المراجعتين (92,91) ........................................... 340
الرد على المراجعة (92) .............................................. 341
كشف تدليسه بجعله ما نسبه إلى شيخ الأزهر في المراجعة (91) هو جواب
كل أهل السنة ، وأنهم سلموا –من خلال شيخ الأزهر- بكل التزاماتهم
المذكورة فيما مضى ......................................................... 341
الإشارة إلى ما تقدم من تبرئة الصحابة مما اتهمهم به هنا.......................... 342(63/28)
بيان أن كلامه المساق هنا تقدم الرد عليه فيما مضى من المراجعات
وذكر مواضع كل ذلك .............................................. 343-347
تفصيل الكلام عن حديث لعن المتخلف عن سرية أسامة ، بنقد الإسناد
المزعوم الذي ساقه هنا ............................................... 347
عنوانا المراجعتين (94,93) ........................................... 349
الرد على المراجعة (94) ............................................... 349
مثال جديد من أمثلة طعنه للصحابة .................................... 349
ذكر الخبر الصحيح الثابت لقصه ذلك المارق الذي هو سلف الخوارج...... 350
نقد الأحاديث التي ساقها في هذه المراجعة من طرق عديدة بما يبين
ضعفها ونكارتها وبالتالي عدم إمكان الاحتجاج بها .................... 351-356
إعادة تقرير براءة الصحابة مما اتهمهم به وبالأخص أبو بكر
وعمر وعثمان........................................................ 357
ذكر مثالين ثابتين عن علي رضي الله عنه فيهما شبهة عدم تعبده
بالنصوص النبوية بأقوى مما يرد في حق غيره من الصحابة ............... 359-360
عنوانا المراجعتين (96,95)............................................ 362
الرد على المراجعة (96) .............................................. 362
كشف تدليسه بحصره جواب أهل السنة في وجهين ، هما في الحقيقة
من أضعف الأجوبة محاولا بذلك المصادرة على أجوبة أهل السنة
الصحيحة عندهم .................................................... 363
بيان أن هذين الوجهين حتى لو اكتفينا بهما فهما كافيان في رد شبهتهم
عن الصحابة إذ هي لا تختلف عما يجيبون به موقف علي فيما ذكرناه من
المثالين السابقين ...................................................... 364
عنوانا المراجعتين (98,97) ............................................ 364(63/29)
الرد على المراجعة (98) ............................................... 365
بيان أن ما ينقل عن بعض الصحابة من الأخطاء له نظير فيما عن علي ،
وأن لهم من العذر في ذلك مثل ما له رضي الله عنهم أجمعين ............ 365-366
خلطه فيما ذكره في هذه المراجعة بين ما هو من المسائل الفقهية التي
كان بعضها محل نزاع مستمر بين الأمة ، وبين مسائل لا لوم على
الصحابة فيها أبدا أو فيها ما يدل على فضل بعضهم وغير ذلك ........... 366
الابتداء في تفصيل ذلك بما فيه فضل لأبي بكر أو عمر ..................... 367
ذكر ما كان مختصا بالمنافقين وحديثي الإسلام ........................... 368
المسائل التي لا لوم على الصحابة فيها أبدا ................................ 371
المسائل التي تعود بالفضل والمدح على الصحابة .......................... 377
المسائل الفقهية التي كان بعضها محل نزاع مستمر بين الأمة ................ 379
ذكر بعض الأمثلة من الفتاوى التي عرف خطأ علي رضي الله عنه
فيها ، وعذره فيها عذر غيره من الصحابة .............................. 380
الإشارة إلى بعض ما تنتقمه الخوارج من علي في مقابل ما تنتقمه
الروافض من أبي بكر وعمر وعثمان................................... 381
عنوانا المراجعتين (100,99) ........................................... 383
الرد على المراجعة (100) .............................................. 384
بيان كذبه في ما اتهم به الصحابة من بغضهم لعلي ومعاداته
والإشارة إلى ما تقدم من تفصيله ...................................... 385
الإشارة أيضا إلى ما تقدم من المواضع لبيان حال الأحاديث التي
ساقها هنا من الضعف والبطلان ...................................... 385-386
عنوانا المراجعتين (102,101)........................................ 386(63/30)
الرد على المراجعة (102) ............................................ 387
بيان أن كلامه هنا كله تكرار لا طائلة تحته ............................ 387
الإشارة إلى المواضع المتقدمة مما فيها رد لادعاءاته هنا مع سوق
بعض الأدلة التي تبيّن زيف كلامه ..................................... 387-388
مناقشة كل الاحتمالات التي يمكن أن تدعيها الشيعة لتفسير
مبايعة علي لأبي بكر ، والإشارة إلى المواضع المتقدم مما
فيه تفصيل ذلك ..................................................... 388-389
إعادة تقرير سقوط الحجة على أهل السنة بما في كتاب
(نهج البلاغة ) ....................................................... 389
عنوانا المراجعتين (104,103) ....................................... 390
الرد على المراجعة (104) ............................................ 390-391
كشف مراوغة أئمة الشيعة بعرضهم مسألة خلافة علي للنبي صلى الله
عليه وسلم –بزعمهم- أنها حق لعلي ، له أن يتنازل عنه ، وإبطال قولهم
بتقرير أنها لو ثبتت لكانت حقا عليه قبل أن تكون على الأمة ............ 391
الإشارة إلى المواضع المتقدمة مما فيها إبطال حججه وادّعاءاته هنا......... 392
سوق بعض ما ثبت عن علي مما فيه أفضلية أبي بكر وعمر عليه
ونفيه عهد النبي صلى الله عليه وسلم إليه بشيء دون الناس ............. 393-394
الطعن في صحة ما نسبه إلى فاطمة رضي الله عنها من الخطبتين
المذكورتين وبيان وجه ذلك حتى عند أئمة الشيعة أنفسهم .............. 395
عنوانا المراجعتين (106,105) ....................................... 396
الرد على المراجعة (106) ........................................... 397
تبرئة ابن عباس مما نسبه إليه هذا الموسوي وبيان أنه من أبعد الناس
عن قول هذا الإفك وهو الوصية لعلي ، حتى عند أئمة الشيعة ثم(63/31)
الابتداء بتفصيل بطلان تلك الروايات ............................... 397
سوق بعض النصوص الثابتة عن ابن عباس التي تبين حقيقة تقديمه
لأبي بكر وعمر وعلى غيرهما وأنه لا يعدل بهما أحدا ............... 399
بيان بطلان ما نسبه أيضا إلى الحسن والحسين من ذكر الوصية......... 400
تكذيبه في ادّعائه نسبة القول بالوصية إلى عصر الصحابة ، ونقض
حججه على ذلك .................................................. 401-402
عنوانا المراجعتين (108,107) ..................................... 403
الرد على المراجعة (108) .......................................... 403
كشف ما في هذه المراجعة من الأدلة على أصل الرافضة اليهودي........ 403-404
بيان بطلان كل الأقوال التي تذكر الوصية مما نسبه إلى الحسن
أو جعفر الصادق أو عموم عصر الصحابة ........................... 404-406
بيان وجه ردنا على ما ساقه من الأشعار في هذه المراجعة وأن
لا حجة شرعية فيه ، وأننا يمكننا معارضتها بمثلها أو أكثر منها
لكننا لا نفعل ذلك لما فائدة ترجى منه .............................. 406-407
عنوانا المراجعتين (110,109) ..................................... 408-409
الرد على المراجعة (110) .......................................... 409-410
ادعاء الشيعة موالاة أهل البيت واتباعهم ، ثم تكذيبهم في ذلك
بالنصوص عن أئمة أهل البيت ليس فقط من كتب أهل السنة
بل من كتب الشيعة أنفسهم ....................................... 410-412
الكلام على خرافة الشيعة في المهدي المنتظر ........................... 412-414
نقض ادّعائه أنهم أخذوا مذهبهم بالتواتر عن الأئمة المعصومين ،
وذلك من أوجه عقلية منطقية ....................................... 415
إعادة التطرق إلى موقف أهل السنة من أئمتهم الأربعة وغيرهم بما(63/32)
يبين فرقهم عن غلوّ الشيعة في أئمتها بالباطل وذكر أمثلة عليه......... 416
ذكر فضل الأئمة الأربعة على أقرانهم وحتى على أئمة الشيعة
من أهل البيت ..................................................... 418
الإشارة إلى كثرة ما كُذِب على جعفر الصادق رحمه الله .............. 420
تفصيل الكلام على مسألة كتابة العلم وتدوينه بالأدلة والبراهين
بما يسقط حجة هذا الموسوي هنا ويبين عدم انفراد علي بالكتابة
في العصر الأول ، وسوق الأدلة لكل ذلك .......................... 421
الابتداء بتفصيل رد مزاعمه كتابة علي للمصحف أو غيره من الكتب
وبيان إقرار علي بعظم فضل أبي بكر في كتابة المصحف ............... 427
بيان ما في كلامه من التلميح إلى تحريف القرآن ، وأن أحدا لم
يجمعه كما هو إلا علي ............................................ 428-430
نقض استدلاله تقدم شيعة علي بتدوين العلم ، مع كشف ما
في كلامه من الكذب أو التدليس ................................... 433
تكذيبه في ادعائه انقطاع الناس إلى علي بن الحسين في الفروع
والأصول ، وبيان أن له نظراء في علمه وفقهه وعبادته .............. 434
كشف تعريضه بالإمام البخاري ورد مطاعنه فيه وبيان عذر
البخاري وغيره من أئمة العلم في عدم الرواية عن بعض أهل
البيت ، وإثبات صحة ذلك العذر من كتب الشيعة أنفسهم............. 435-438
الإشارة إلى ما تقدم من تفصيل الكلام على مسألة الاحتجاج برواية
أهل البدع ، وبيان تناقض هذا الموسوي مع ما قاله سلفا................ 438
ذكر رواتهم الأربعة المعتمدين (بريد العجلي ،و أبو بصير، وزرارة
ومحمد بن مسلم) وبيان ورود الطعن فيهم من أئمة أهل البيت في
كتب الشيعة مما يسقط عدالتهم ووثاقتهم ............................. 438-439
الإشارة إلى ما تقدم من الكلام على أصولهم الأربعة (الكافي
والاستبصار ،و تهذيب الأحكام ، ومن لا يحضره الفقيه )(63/33)
مما يسقط صحتها بالكلية ........................................... 440
التفصيل عن أحد أسلافهم المعتمدين وهو هشام بن الحكم ............ 441
إثبات نسبة القول بالتجسيم إلى هشام ، وبيان ما حصل من
تغيير في اعتقاد أسلاف الشيعة ....................................... 442
بيان أن أصول الشيعة المعتمدة نفسها قد أقرت بنسبة قول
التجسيم إلى هشام ................................................ 444
ما فعله هذا الموسوي من التمويه في نقله عن الشهرستاني .............. 445-446
الإشارة إلى أئمة أهل السنة وأنهم هم أهل الهدى والتقى ............. 447
عنوانا المراجعتين (112,111) والرد عليهما ....................... 448
تكذيب هذا الموسوي في ما زعمه من إقرار شيخ الأزهر له
بكل ما قاله ...................................................... 448
الخاتمة ................................................ 449
ملخص لمحتوى كتاب (المراجعات) من الأمور المخزية ................ 453
فهرس الأحاديث والآثار ......................................... 461
فهرس المباحث والفوائد .......................................... 493
فهرس الموضوعات للجزء الثاني .................................... 497(63/34)
الحجج الدامغات لنقض كتاب المراجعات
الجزء الأول
أبو مريم بن محمد الأعظمي
دار الضحى/ تونس
الطبعة الأولى 1417 هجرية
حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلّمون).
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيباً).
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله فقد فاز فوزاً عظيماً).
أمّا بعد. . .
فمنذ بضع سنين قمت بتحقيق مخطوط فيه مجموعة من فتأوي شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله وكان ضمن فتأويه ومسائله تلك مسألة فيها أفضلية أبي بكر وعمر على عليّ رضي الله عنهم أجمعين، وأجاب فيها شيخ الإسلام- كعادته- جواباً شافياً واضحاً بالأدلة الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنّة، ثم يسّر الله سبحانه وتعالى طبع الجزء الأول من الكتاب، وكأنت فيه مسألتان في هذا الموضوع ولم أكن إذ ذاك قد اطلعت كثيراً على كتب الشيعة ولا على مختلف أقوالهم مما خالفوا فيه أهل السّنّة، بل لم يكن يخطر ببالي شيء من ذلك سوى مرة واحدة دار فيها حديث بيني وبين اخوان لي في الله بخصوص ما جاء في بعض كتب الشيعة ككتاب الكافي وبعض كتب الطبرسي، وسجلت منها في ملاحظاتي ما لم أكن أعرفه من ذلك، وأنتهى الأمر عند هذا الحد.(64/1)
ثم وقع كتابنا ذاك في أيدي قرّاء كثيرين من السنّة والشيعة على السواء وبعضهم وصلهم الكتاب إهداءً مني وهم من أقراني في العمل، وطبيعي أن تثير تلك المسألة عند من هم على المذهب الشّيعي إهتمامهم ومحأولتهم للرد على ذلك بشتى السبل، ودارت بيني وبينهم نقاشات ونقاشات، ولم يكن يسعفني في كل ذلك سوى ما تعلمته من كلام شيخ الإسلام وأدلته، وفي كل ذلك لم تكن المناقشات والمناظرات خارجة عن النقاش العلمي غير المتعصّب من كلا الجانبين على السواء، حتى تطور الحال إلى أن بعضاّ منهم أخذ يبحث من ورائي في كتب كثيرة ويجلب لي من يناظرني في تلك المسألة وفي كل ذلك كان جوابي الوحيد الذي هو جواب أهل السّنّة والجماعة والذي التزم به الإمام أحمد في محنته المعروفة أن أقول: إيتوني بدليل صحيح وصريح من الكتاب والسنة على ما تقولون اتّبعكم عليه، وأنتهيت حينها إلى ضرورة التفرغ لمثل هذا الأمر والإلتجاء اليه لما رأيت في إعتقاد كثير من الناس مما هو مخالف للسنة الصحيحة عن المعصوم صَلّى الله عليه وسلّم ممن هم منتسبون إلى السنة أو الشيعة على السواء. وان مسألة بحث التفاضل بين الصحابة هؤلاء رضي الله عنهم لا يعد تفريقاً بينهم، ولا يلزم منه القدح في المفضول، وان ذلك من العدل الذي أمر الله سبحانه وتعالى به من اعطاء كل ذي حق حقه، وهو نظير تفضيل الله سبحانه بنص الكتاب لمن أنفق وقاتل قبل الفتح على من أنفق وقاتل بعده.
وكأنت الإعتراضات التي تثور عليّ إما ممن يدّعي أن ذلك يؤدي إلى التفرقة بين الصحابة، وهذا أمره هين وسهل في إقناعه، أو ممن خالف ذلك الأصل ويقول بأفضلية عليّ على أبي بكر وعمر وسائر الصحابة على الأقل(64/2)
وأقول على الأقل لما هو معروف من أقوال الشيعة أن منهم من يسب ويلعن أبا بكر وعمر وسائر الصحابة، فأقل مراتب التشيّع، وأخف أقوال الشيعة هو قول من يقول بأفضلية عليّ على أبي بكر وعمر، لذا فمن الطبيعي أن تثير تلك المسألة التي تطرق إليها شيخ الإسلام غضب الجميع لإشتراكهم جميعا في ذلك، يضاف إليهم ممن ينتسب إلى أهل السّنّة من يعد الكلام في مثل هذا الأمر من فضول المسائل أو مما يثير الإختلاف والفرقة على حد زعمهم.
لذا كان لزاماّ علي مواجهة كل هؤلاء وإقناع كل منهم بالحق الذي تدل عليه آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم الصحيحة الصريحة في ذلك ولا شك أني كنت أجد فيما بينهم- على قلتهم- من يؤيدني في ذلك، لكنّه تأييد نابع ليس من علم واطلاع ومعرفة بل من عصبية وهوى أو من ثقة بما ليس إلا فهو يغني في ميزان الحق شيئاً.
وتطور الأمر إلى أنّ بعضاً منهم أخذ يأتيني بأدلة مختلفة من الكتاب أو بالسنة يزعم أنها تؤيد مذهبه، ولم أكن أعرف تماماً مصدر هذه الأدلة ومن أرشده إليها خصوصاً وأن بعضاً منهم باعترافه هو لم يكن من أهل العلم المتبحّرين، ولا من حفظة النّصوص، وبعضهم يأتيني بها مكتوبةً مسجلةً، لا يرشدني إلى مصدرها فكنت أكتفي حينها بالردّ عليها فقط وبيان ما فيها من ضعف أو عدم دلالة على ما ادعاه.(64/3)
وسار الأمر على هذا المنوال حتى اضطر أحدهم إلى عرض كتاب (المراجعات) لمؤلفه (عبد الحسين شرف الدين الموسوي) علي طالباً بيان رأيي فيه، ولا أنكر أني كنت قد سمعت عنه وعلمت به فيما قرأت ولكن لم يتح لي الوقوف عليه ولا معرفة محتواه حتى جاءني به أحدهم، وكأنت تلك المرة الأولى فلم أقف عليه طويلاً، غير أني اكتشفت أن معظم النّصوص التي كنت أحاجج بها مستلة منه حتى بنفس التعليق عليه بما في ذلك التعليق من أخطاء كنت قد بينتها لمن عرضها عليّ. ثم تكرر ذكر والإحتجاج به من أناس عديدين بعد ذلك، وحصل مثله لبعض الإخوان فأرسله اليّ طالباً بيان ردّ سريع عليه. أو على الأقل بيان الرأي في صحة ما احتواه من نصوص، أو دلالة على المدعي.
فأيقنت حينها أن هذا من المتحتم على الأقل فيما يخصني لنفسي ولمن طلبه مني، وان هذا لا يغني عنه الرد السريع بل رد مفصّل على كل ما جاء في الكتاب دون ترك شاردة أو واردة فيه قدر الإمكان، مع عدم علمي بمن فعل ذلك(1) فتوكلت على الله وعقدت العزم على التعقيب على الكتاب جملةً جملة؛ بما يستحق ذلك وكذا جميع حواشيه مستعيناً بأقوال أهل العلم في كل ذلك على قدر اطلاعي وعلمي وأردت منه أن يكون رداً- كما قلت- أحتفظ به لنفسي استعمله لكل من احتجّ بذلك الكتاب أمامي ولا أمنع أحداّ طلبه مني.
والذي يهمّ في ذلك الكتاب ويجعل له تلك المكانة من دون الكتب الأخرى عدة أمور: -
__________
(1) ثم حين أوشكت على إنهاء الكتاب علمت بوجود رد على (المراجعات) صدر في عام (1409هـ) في جزأين بعنوان (البينات في الرد على أباطيل المراجعات) للأستاذ محمود الزعبي، لكني وجدته أشبه ما يكون بالرد الإجمالي غير التفصيلي الذي يمكن صاحب الهوى أن يجد فيه ثغرات كثيرة، وقد خلصت إلى أن رده لا يلغي فائدة ردّي بإذن الله، كما أن ردّي لا يلغي فائدة رده كذلك، والله المسؤول أن يثيبنا جميعاً(64/4)
أولها. . إنه ناتج- كما هو مزعوم- من مناظرة بين مؤلفه وبين شيخ الأزهر الذي يمثّل جانب أهل السّنّة جميعاً هنا، فكل إقراراته على كلام الأول تحمل على انها إقرارات من أهل السّنّة جميعاً تلزمهم الحجة، مع ان كل من طالعه ونظر في أدلّته وكان عنده حظّ من علْم عَلِمَ ببطلانها أو عدم دلالتها على المدّعي، والعجَب كيف غفل عن ذلك شيخ الأزهر حتى وافقه عليه، وغالب الظنّ أنها مناظرات مزعومة غير حقيقية وإلاّ فبِمَ يفسّر سكوته عن مثل احتجاجه بالأحاديث الظاهرة البطلان؟ أو عن الكذب حتى في نقل النّصوص؟- كما سنبين إن شاء الله-، ثم رأيت كتاباً للدكتور أحمد محمّد التركماني بعنوان (تعريف بمذهب الشيعة الإمامية) نقل فيه شيئاً بسيطاً من أقوال صاحب المراجعات وردّ عليها وقد أفدت منه، وكان فيما قاله لبيان كذب هذه المناظرات وتزييفها (ص99- 100) ما نصُّه: (و من الأمثلة على كذبهم المفضوح ما أقدم عليه المسمّى عبد الحسين الموسوي إذ نسج من خياله كتاباً سمّاه كتاب المراجعات وأفاد أنه حوار بين شيخ الأزهر سليم البشري وبينه، ويُظهِر المؤلّف أن شيخ الأزهر في ذلك الوقت عبارة عن تلميذ غرّ لا يفهم من الإسلام إلاّ النّزر القليل، وانه يقف موقف المتعلّم من الشيخ المذكور ويسلّم بكل ما يقول. إنّ الكتاب نشره صاحبه بعد موت الشيخ سليم البشري بخمسة وعشرين عاماً، حتى لا يفتضح أمرُه وتُكشف حقيقته. ونتساءل: ما دام الشيخ سليم البشري قد كان يسلّم له بكل ما يقول – كما زعم- فلم لم يصبح الشيخ شيعياً؟ إن المؤلف قد صرّح بأن كثيراّ مما أورده في كتابه لم يكن مما جرى بينه وبين الشيخ من حوار، فقد أضاف وعدل ما يحقق غرضه وهدفه الخبيث.(64/5)
يشير المؤلف أنّ الكتاب رسائل متبادله بينه وبين الشيخ سليم البشري، ولم يقدّم لنا رسالةً واحدة بخط الشيخ يثبت مدعاه) ا.هـ، وهذا الذي قاله من الإضافة والتعديل في الكتاب قد صرّح به هذا الموسوي في (ص34- 35) في مقدمة كتابه.
الأمر الثاني. . إن الكتاب مبنيّ - كما يدّعي مؤلفه- على نصوص من كتب أهل السّنّة وحدهم تلزمهم بالمذهب الذي تقول به الشيعة، مما يجعل عدم الكلام على تلك النّصوص أو ردّها إقراراً لمؤلفه بصحة دعواه.
الأمر الثالث. . أن مؤلفه استقصى كل النّصوص التي يظنها تؤيده من كتب أهل السّنّة ناقلاً ذلك إمّا من كتبهم مباشرةً- وهو قليل- أو من كلام بعض أسلافه في استشهاداتهم كابن المطهّر الحلّي الذي ردّ عليه شيخ الإسلام وغيره، فليس هناك آيةٌ أو حديث احتجّ به أحد من الشيعة فيما مضى على دعواه إلاّ وتجدها في هذا الكتاب- على غالب ظني- مضافاً اليها نصوص أخرى أتى بها المؤلف بنفسه.(64/6)
من أجل كل هذه الأمور ولما سبق بيانه أيضاً اهتممت بالتعليق والردّ على هذا الكتاب مع إني لم أجد من سبقني إلى ذلك (1(1)، سوى ما مرَّ ذكره في كتاب الدكتور أحمد محمّد التركماني وهو قليل جداً، وما قرأته في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة) (2/ 297) للشيخ المحدّث محمّد ناصر الدين الألباني بأنه ردّ على أحاديث كتاب (المراجعات) هذا ضمن الأحاديث (4881- 4975) وقد سررت به كثيراً - والله – إذ رأيت من أهل العلم من سهل لي ذلك وكفاني مؤونته غير أني –مع الأسف- لم أجد الجزء العاشر من ذلك الكتاب إذ ينبغي له أن يحوي تلك الأحاديث (4881- 4975) وسألت عنه كثيراً لكن دون جدوى وأظنه لم يطبع إلى الآن (2)، فلم يكن لي بدّ من خوض غمار هذا العمل بنفسي مستعيناً بالله العظيم ومسترشداً بهدي سلفنا الصالح وأقوال أئمة أهل العلم في هذا الشأن وأخصهم في ذلك شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله من كتاب (منهاج السّنة) وغيره. والمنهج الذي أتّبعه- بإذن الله- في هذا الكتاب إني أسوق كلام المؤلف بنصّه فقرةً فقرة بما أرى أنه وحدة واحدة، وإن كان هناك تعليق في الهامش سقته بعده أيضاً، ثم أشرع في الرّد عليه، وإن كان هناك نصّ-آية أو حديث- عقّبت عليه بما يخالف ما أورده منه، وللحديث أبين إسناده أيضاً، مع عزوه لآخرين غير الذين يعزوه اليهم المؤلف إضافة اليهم.
ويمكن حصر التعليق والرّد بالنقاط الآتية:
__________
(1) أنظر ما قلناه في الهامش السابق عن ردّ الأستاذ محمود الزعبي.
(2) وطبع الآن والحمد لله، وسنفرد كلام العلامة الألباني على الأحاديث التي إنتقدها في كتاب المراجعات في رسالة خاصة، البرهان.(64/7)
بيان صحة أو عدم صحة ما ادعى نقله من مختلف النّصوص والتعليق عليها بالرجوع إلى نفس المصادر التي ذكرها وأحيانا أضيف اليها مصادر أخرى، مع ملاحظة انه كثيراً ما يعزو الحديث أو أي قول إلى غير مصادره الأصلية، بل إلى مصادر يمكن تسميتها وسطية، وهذه طريقة قاصرة في التخريج تفوّت فوائد كثيرةً ويمكن باتباعها خلط الصدق بالكذب والصواب بالخطأ.
الكلام على أسانيد الأحاديث والآثار التي يسوقها والتي أذكرها في نفس الباب وفق قواعد هذا المصطلح معزواً إلى أهل هذا العلم.
بيان وجه احتمالية النّصوص التي يسوقها- الآيات أو الأحاديث- لما استدلّ به وردّ احتجاجه ذلك من جهة اللفظ إن أمكن.
بيان بطلان القواعد التي يستنتجها من تلك النّصوص أو من غيرها بياناً مدعما بالأدلة.
ذكر المعاني الصحيحة للآيات التي يسوقها وأسباب نزولها الثابتة بالأسناد الصحيح عن سلف الأمة من الصحابة والتابعين، وكذا لما صح من الأحاديث.
وفي كل ذلك استعنت بما قاله شيخ الإسلام إبن تيمية أو غيره مما يشبهه هنا وإن لم أجد فعلت بنفسي، ولم ألتفت إلى ما زعم أنه جواب شيخ الأزهر في مراجعاته لعدم الإطمئنان لصحته، ولعدم وجود فائدة علمية تنفع، والله أعلم.
هذا واحب أن أشير إلى أنه ربما يذكر قاعدة أو أصلاً أو حتى وصفاً ولا يذكر دليله عليه، فأشير اليه وأذكر مستنده ودليله في ذلك، ثم أتكلّم عليه كما سبق.
ولربّ قائل يقول أن ما اعتمدته في نقد النّصوص التي ساقها وفي النّصوص التي رددت بها عليه انما هو من كتب أهل السّنّة فقط سواء منها كتب الأحاديث والآثار أو كتب الجرح والتعديل-كتب رجال الإسناد- مع العلم ان هناك كتباً عند الشيعة لأئمتهم توازي تلك الكتب عن أهل السّنّة، وبإمكان المؤلف أو من ينوب عنه أن يجعلها عمدته في ذلك أيضاً وينقض كلّ كلامك هنا، فأقول مجيباً على ذلك بأمرين:(64/8)
الأمر الأول: إن المؤلف يزعم –و كذا من اتبعه- انه إنما يريد بتلك النّصوص أن يحج بها أهل السّنّة، وإنما هي نصوص من كتبهم، فلذا كان لزاماً أن تخضع تلك النّصوص لموازينهم هم لا غيرهم، وأن تقيّم بما يُقيِّم به أهل السّنّة نصوصهم لا غيرهم حتى تصبح مقبولة عندهم ومن ثم يمكن للمخالف لهم أن يلزمهم بها. وبخلاف ذلك تكون غير مقبولة عندهم ولا تشكل دليلاً عليهم وهذا ما يضطر إلى فعله المؤلف نفسه في أحيان كثيرة – كما سيأتي إن شاء الله – حين لا يجد دليلاً يساعده عند أهل السّنّة، بل ويصحّح ما يصححه أحياناً استناداً إلى قول أئمة الشيعة لا غيرهم، وهو إخلال بالشرط الذي اشترطه في كتابه.
الأمر الثاني: بيان طبيعة تلك الكتب وبعض ما جاء فيها مما يمنع اعتمادها حتى عند أكثر الشيعة أنفسهم، وإليك التفصيل: -
كتاب (الكافي في الأصول) و(روضة الكافي): -(64/9)
من أعظم كتبهم التي يعتمدونها، وهو لكبير محدثّيهم وإمامهم محمّد بن يعقوب الكليني ويلقّبونه (ثقة الإسلام) ويعدّون كتابه من الأصول الأربعة عندهم، وزعم مؤلفه هذا أنه عرض كتابه على الإمام المهدي – بواسطة سفرائه- وصدقه إمامهم المزعوم الموهوم، وهو عندهم بمنزلة (صحيح البخاري) عند أهل السّنّة، بل أكثر من ذلك فقد صرّح هذا الموسوي في كتابه هذا (ص 76) بأن كتاب الكليني هذا كتاب مقدّس، في كتب أخرى لأئمته، في الوقت الذي ينفي هذا الكليني التقديس عن كتاب الله تعالى بما يقوله في كتابه من التحريف في القرآن. فقد روى الكليني (الكافي في الأصول) (كتاب فضل القرآن) (باب النوادر) (2/ 634) (طهران 1381ه): عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: "إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السّلام إلى محمّد صَلّى الله عليه وآله سبعة عشر- كذا في الرواية(1)- آية"، والمعروف أن آيات القرآن الكريم أكثر من ستة آلاف آية بقليل. ومعنى هذا النص ان القرآن الكريم فقد منه – في اعتقاد أئمة الشيعة هؤلاء- ثلثاه، وقد جاء ذلك مصرّحا به فيما رواه الكليني أيضاً (كتاب الحجة) (باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة) (1/ 239- 241) عن أبي بصير قال: دخلتُ على أبي عبد الله عليه السّلام- فذكره بطوله وفي آخره: قال أبو عبد الله: (و إن عندنا لمصحف فاطمة عليها السّلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد). وأصرح من ذلك في التحريف ما رواه هذا الكليني أيضاً (كتاب الحجّة) (باب انه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة) (1/ 228): عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: (ما ادّعى أحدٌ من الناس انه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذّاب وما جمعَه وحفظه
__________
(1) يعني أن المفروض أن تكون الرواية: سبعة عشر ألف آية، حتى يكون المفقود عندهم بنحو ثلثي القرآن.(64/10)
كما أنزل إلاّ عليٌّ ابن أبي طالب والأئمة بعده)، وروى أيضاً (2/ 633) روايةً مكذوبة عن جعفر الصادق انه أخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السّلام وقال: (أخرجه علي عليه السّلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عزّ وجلّ كما أنزله الله على محمّد صَلى الله عليه وآله قد جمعته من اللوحين، فقالوا هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً إنما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه)إ. ه.
ولا أظن أن أحداً يشك في كذب هذه الرواية، وإلا فلم لم يخرجه عليّ رضي الله عنه ويعمل به حين ولي الخلافة بعد عثمان رضي الله عنه ؟ فهذا مما يبين كذب هذه الرواية.
وهناك أمثلة على التحريف رواها الكليني في كتابه ذاك ولولا خشية التطويل لسقناها بلفظها، لكن أكتفي بذكر مواضعها، فانظر (كتاب الحجّة) (1/ 412، 414، 416، 417، 422، 424، 425) وغيرها كثير.
ومن الأمور المنكرة في كتاب (الكافي) للكليني هذا طعنه بالصحابة وتكفيره لهم في روايات مكذوبة، مثل ما رواه في (كتاب الحجة) (1/ 420) عن أبي عبد الله عليه السّلام في قوله عزّ وجلّ {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (نزلت في فلان وفلان آمنوا بالنبي صَلّى الله عليه وآله في أول الأمر حين عرضت عليه الولاية حين قال النبي صَلّى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السّلام ثم كفروا حين مضى رسول الله صَلّى الله عليه وآله فلم يقرّوا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراُ بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء) إ. ه.(64/11)
وروى في كتاب (روضة الكافي) (ص 202) عن حنان عن أبيه عن أبي جعفر قال: (ارتدّ الناس بعد النبيّ صَلّى الله عليه وآله إلاّ ثلاثة؛ هم المقداد، وسلّمان، وأبو ذرّ). وسيأتي ذكر مثل هذه الرواية في كتاب (رجال الكشي).
وهذا عن الصحابة عموماً، أمّا عن أبي بكر وعمر خاصّة فقد روى (ص20) عن أبي جعفر أنه قال عنهما: (فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). وفي (ص 107) قوله: (تسألني عن أبي بكر وعمر؟ فلعمري لقد نافقا وردّا على الله كلامَه وهزءا برسوله، وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) فلعنة الله على من وضع هذا أو رواه أو قبله. وبعد ذلك يريد منا هؤلاء الحمقى القبول بكتبهم هذه؟!(64/12)
ومن الأمور المنكرة أيضاً عقيدة البداء، وهي إن الله يحصل له البداء اي النسيان والجهل، تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً. فها هو الكليني يعقد باباً مستقلاً في (كتاب التوحيد) من كتابه (الكافي في الأصول) (1/ 148) بعنوان (باب البداء) وروى فيه بإسناده عن الريان بن الصلت قال سمعت الرضا يقول: (ما بعثَ الله نبيّاً قط إلاّ بتحريم الخمر وأن يقرّ لله بالبداء) وحتى لا نكون متجنين عليهم في معنى البداء نورد رواية أخرى تبين المراد منه، وهي ما رواه في (كتاب الحجة) من (الكافي) (1/ 327) عن أبي هاشم الجعفري قال: (كنت عند أبي الحسن عليه السّلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وإني لا أفكر في نفسي أريد أن أقول كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمّد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل بن جعفر بن محمّد، وانّ قصتهما كقصتهما إذ كان أبو محمّد المرجأ بعد أبي جعفر، فأقبل عليّ أبو الحسن عليه السّلام قبل أن أنطلق فقال: نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمّد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضيّ إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدّثتك نفسك وإن كره المبطلون، وأبو محمّد ابني الخلف من بعدي وعند علم ما يحتاج إليه ومعه آله الإمامة) ا. ه.
قلتُ" فأين هذا من قوله تعالى على لسان موسى عليه السّلام: {لا يَضلُّ رَبّي ولا يَنسى} ومن قوله {قد أحاط بكلّ شيئٍ علماً} وقوله {عالم الغيب والشّهادة}.
وليس هذا فحسب بل في كتاب (الكافي) أيضاً ما يمجّد من يعتقد بهذه العقيدة حتى وإن كان من أهل الشرك؛ فقد روى في (كتاب الحجة) (1/ 283) (الهند) عن جعفر أنه قال: (يُبعَثُ عبد المطلب أمّة وحده عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء: وذلك أنه أول من قال بالبداء).(64/13)
ومن المنكرات التي في (الكافي) أيضاً الغلوّ في الأئمة، مثل الباب الذي عقده بعنوان (إن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلاّ باختيار منهم)، وروى في (كتاب الحجّة) (1/ 285) (إيران) عن أبي بصير عن جعفر بن الباقر أنه قال: (أي إمام لا يعلم ما يغيبه وإلى ما يصير فليس ذلك بحجّة الله على خلقه) قلت: ومعنى ما يغيبه أي علم ما يغيب عنه، وهو أدّعاء صريح لعلم الغيب كما هو واضح. وروى في (1/ 196- 197) عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله قال: (كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراُ ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار. . . ولقد أقرّت لي جميع الملائكة والروح والرّسل بمثل ما أقرّوا لمحمّد صَلّى الله عليه وآله . . . ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحدٌ من قبلي؛ علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب؛ فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني) ا. ه.
بل يجعل ذلك عاماً لكل أئمتهم، فيروي الكليني هذا (1/ 223) عن عبد الله بن جندب أنه كتب اليه عليّ بن موسى: (أما بعد: فنحن أمناء الله في أرضه عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم أخذ الله علينا وعليهم الميثاق)، وروى أيضاً في (باب إن الأئمة يعلمون علم ما كان وإنه لا يخفى عليهم شيء) (1/ 261). عن أبي عبد الله أنه قال: (أني لأعلم ما في السمأوات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنة وما في النار، وأعلم ما كان وما يكون).
وروى الكليني أيضاً (1/ 193) عن عبد الرحمن بن كثير عن جعفر بن الباقر أنه قال: (نحن ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وعيبة وحي الله).
وروى أيضاً (1/ 409) تحت باب (إن الأرض كلها للإمام) عن أبي عبد الله أنه قال: (إن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء).(64/14)
هذا هو غلوّ الكليني في الأئمة، وهذه هي بعض الأمور المنكرة في كتابه ذلك، والتي لا يسع مسلّماً إلا إنكارها ولا يسع شيعياً إنكار وجودها هناك. مضافاً إلى أمور أخرى آثرنا عدم نقلها خوفاً من الإطالة وذلك مثل عقيد الرّجعة والغلوّ الفاحش في الإمامة والوصاية وغير ذلك، أبعد هذا يرضى رجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يطمئن للكليني هذا وكتابه ويحتجّ به وفيه مثل هذه الكفريات؟ وإن كان هذا الموسوي أو غيره يدّعي صحّة كتاب الكليني هذا فما عساه يقول عن هذا الكفر الصريح الذي فيه؟!!
كتاب (الخصال): -
لمن يسمّونه بالصدوق. وهو محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القُمّي وقد ذكره هذا الموسوي في (ص74) (الهامش 58)، وفي (ص76)، وقد وافق القُمّي هذا صاحبه الكليني في معظم كفرياته تلك، مثل قوله بتحريف القرآن، فقد روى في كتابه (الخصال) (ص83) (إيران 1302ه) فقال: حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ البغدادي المعروف الجصّاني قال: حدّثنا عبد الله بن بشر قال حدّثنا الحسن بن زبرقان المرادي قال حدثنا أبو بكر بن عيّاش الأجلح عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صَلّى الله عليه وآله يقول: (يجيئُ يوم القيامة ثلاثة يشكون؛ المصحف والمسجد والعترة؛ فيقول المصحف يا ربّ حرقوني ومزّقوني . . .) وذكر روايات في الطعن بسادات الصحابة والكذب عليهم، كما في (ص80، 81، 82) من كتابه ذاك.(64/15)
وفوق ذلك عدّ القُمّي هذا التظاهر بالكذب- وهو ما يسمّونه التقية- من أصول الدين، كما في رسالته (الإعتقادات) (باب التقية)(إيران 1274) إذ قال: (التقية واجبة من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة، - ثم قال- والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية. وخالف الله ورسوله والأئمة، وسئل الصادق عليه السّلام عن قول الله عزّ وجلّ{إن أكرمكم عن الله أتقاكم}، قال أعلمكم بالتقية) إ. ه. فانظر إلى الكذب الصريح يجعل التقية بمنزلة الصلاة بل جعل تركها خروجاً عن الإسلام بالكليّة، أليس هذا من الإعتقادات الفاسدة التي ما سبقهم اليها أحد؟ ألا يعد هذا فتحاً لباب الكذب على مصراعيه؟ ثم انظر إلى التحريف في تفسير الآية بما يوافق هواه، ونحن نجزم أن هذا مكذوب على جعفر الصادق وهو منه برئ.
وكذلك أورد رويات مكذوبة في الطعن بعدد من الصحابة رضي الله عنهم ولعن مبغضهم إلى يوم الدين أنظر (كتاب الخصال) (ص458- 459) (ص 485) وغيرها.
كتاب (الإحتجاج على أهل اللجاج): -(64/16)
لشيخهم أبي منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي المتوفّى سنة 588ه، الذي قال عنه في مقدمته معرفاً للروايات التي سردها فيه: (و لا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده أما لوجود الإجماع عليه أو لموافقته لما دلت العقول عليه، أو لإشتهاره في السّير والكتاب بين المخالف والموالف) ذكر الطبرسي هذا في كتابه ذلك (ص119) (إيران 1302 ه) رواية عن مناظرة أحد الزنادقة لعليّ بن أبي طالب وفيها أن علياً رضي الله عنه صرح بفقدان ثلث القرآن ما بين قوله تعالى {و إن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى} وبين تتمة الآية {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} وذكر في (ص223) رواية فيها ذكر خروج المهدي ومعه مصحف فاطمة. وأوضح من ذلك كله ما رواه في (ص70، 77) عن أبي ذر رضي الله عنه، وفيها أن علياً رضي الله عنه جاء بالمصحف بعد وفاة النبي صَلّى الله عليه وسلّم إلى الصحابة، وإن أبا بكر وعمر وغيرهما ردوه لما رأوا من الفضائح فيه – على حد زعم الرواية- ثم طلب من عليّ في خلافة عمر أن يأتي به فأبى وقال: (هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنّا عن هذا غافلين أو تقوالو ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسّه إلا المطهّرون والأوصياء من ولدي، فقال عمر: فهل وقت إظهاره معلوم؟ فقال عليه السّلام: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه).(64/17)
هذا بالإضافة إلى الطعن والسب بالصحابة رضي الله عنهم، وهو من أكثر الكتب روايةً لتلك الموضوعات المكذوبات، بل بلغ من ذلك أن روى في (ص82) عن الباقر أنه قال: (لمّا كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: والله ما أراني إلا مطلقها فأنشد الله رجلاً سمع من رسول الله يقول: يا عليّ أمر نسائي بيدك من بعدي، ولما قام فشهد فقام ثلاثة عشر رجلاً فيهم بدريان فشهدوا أنهم سمعوا من رسول الله صَلّى الله عليه وآله يقول لعلي بن أبي طالب: يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي، قال فبكت عائشة عند ذاك حتى سمعوا بكاءها). إ. ه. فلعنة الله على واضعه كيف يجرؤ على ذلك؟ فهذا كلام لا يصدر إلا عن الزنادقة وأعداء الإسلام، وقد سألت شيعياً متعصّباً عن رأيه بروايات كتاب الاحتجاج هذا فأقرّ لي بكذبها وأنه يستبعد صحّتها لكنّه صارحني بارتياحه لقراءتها لما يحمله في قلبه من البغض لأولئك السادة العظام ولزوجات النبيّ صَلّى الله عليه وسلّم الطاهرات المطهّرات العفيفات. وهذا ما يُبين أن كتب أئمة الشيعة هؤلاء لكثرة الكذب الواضح فيها لا يقبلها حتى الشيعة أنفسهم لكنّها تلقى رواجاً عندهم لموافقة كذبها هواهم ومذهبهم الفاسد من السبّ والطّعن بالصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
(تفسير القُمّي): -
لأقدم مفسّريهم عليّ بن ابراهيم القُمّي الذي قال عنه متكلّمهم في الرجال النجاشي المشهور في (الفهرست): ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب إ. ه. وقالوا عن تفسيره: إنه في الحقيقة تفسير الصّادقين عليهما السّلام إ. ه. وقد استشهد هذا الموسوي في (المراجعات) بتفسير القُمّي هذا، لكنّه لم يذكره بلقبه بل باسمه الصريح فقط عليّ بن إبراهيم، كما في (ص65) (هامش 22) مقروناً بتفسير الصافي- وسيأتي الكلام عليه- وفي (ص70) (هامش 44) وغيرها.(64/18)
ونريد أن نبين مدى صحة قولهم عن القُمّي هذا: صحيح المذهب: ومدى ثقة كتابه حتى يصحّ الإستشهاد به، كما فعل هذا الموسوي وذلك بنقل بعض ما فيه من المنكرات: فيما يتعلّق بتحريف القرآن الكريم قال هذا القُمّي في مقدمة تفسيره (1/5) (نجف 1386ه): (فالقرآن منه ناسخ ومنسوخ. ومنه محكم ومنه متشابه. . . ومنه على خلاف ما أنزل الله) فهذا هو اعتقاد الرجل في القرآن، أفيكون مثل هذا صحيح المذهب؟ أفيوثق بروايات من هذا اعتقاده؟
ثم قال هذا في مقدمة كتابه أيضاً (1/10): (و أما ما كان على خلاف ما أنزل الله فهو قوله تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} فقال أبو عبد الله عليه السّلام لقارئ هذه الآية: خير أمة تقتلون أمير المؤمنين والحسين بن عليّ؟ فقيل له كيف نزلت يا ابن رسول الله؟ فقال: نزلت أنتم خير أئمة أخرجت للناس) وقال أيضاً: (وأمّا ما هو محذوف عنه فهو قوله: لكن الله يشهد بما أنزل إليك في عليّ، كذا نزلت، وقوله: يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك في عليّ)إ. ه. وصدق الله العظيم إذ يقول: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلاً، فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}.
وقد سرد هذا القُمّي في (تفسيره) عدداً من الآيات زعم أنها محرفة ومبدّلة وذكر الوجه الذي زعم أنها نزلت به، فراجع تفسيره في المواضع الآتية لترى أمثلة لذلك: (1/84، 211، 360، 389) (2/ 117، 125) وأثبت التحريف حتى في آية الكرسي.(64/19)
وأمّا ما طعنه بالصحابة وسبّهم وبالأخص أبي بكر وعمر فممّا ملأ به تفسيره مثل ما رواه كذبا وزوراً وبهتاناً في قوله تعالى: {يوم تبيّض وجوه وتسود وجوه} (1/109) عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم روايةً طويلةً عن ورود أمته عليه يوم القيامة وفيها سمّى رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم أبا بكر (عجل هذه الأمة) وسمّى عمر (فرعون هذه الأمة)، وسمّى عثمان (سامريّ هذه الأمة)، فلعنة الله على الظالمين.
وروى هذا القُمّي في قوله تعالى {و كذلك جعلنا لكل نبيّ عدوّاً شياطين الأنس والجنّ} (1/214) رواية مكذوبة عن أبي عبد الله أنه جعل هذه الآية خاصة بأبي بكر وعمر, وإنهما الشيطانان المقصودان. وأيضاً في تفسير قوله تعالى{و يوم يعضّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرسول سبيلاً. يا ويلتي ليتني لم أتّخذ فلاناً خليلاً} (2/113) روى عن أبي جعفر أنه قال: (الأول يعني به أبا بكر. . . والثاني عمر)، وروى أيضاً في تفسير قوله تعالى {إنّ الذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخِياط} (1/230) أنّ أبا جعفر قال: (نزلت هذه الآية في طلحة والزبير, والجمل جملهم).
ومن الغلوّ والكذب الذي ملأ به تفسيره ما رواه عند قوله تعالى {و إذ أخذَ الله ميثاق النبيّين. . . } (1/106) عن أبي عبد الله قال: (ما بعثَ الله نبيّاً من ولد آدم فهلمّ جرّاً, إلاّ ويرجع إلى الدنيا وينصر المؤمنين، وهو قوله{ لتؤمننّ به} يعني رسول الله {و لتنصرنّه} يعني أمير المؤمنين) إ. ه.
(5) (تفسير الصافي): -(64/20)
لملا محسن الملقّب بالفيض الكاشاني أو الكاشي, وقد استشهد به هذا الموسوي في (ص65) (هامش 22) وغير ذلك, وقد شارك هذا التفسير تلك الكتب السابقة في معظم منكراتها وكفرياتها، مثل القول بتحريف القرآن وتبديله ونقصانه، فقد نقل الكاشاني هذا في المقدّمة السادسة لتفسيره (ص10) (طهران) عن المفسّر الكبير الذي هو من مشايخ المفسّرين عند الشيعة: (إنه ذكر في تفسيره عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص ما خفي على ذي حجى، ولو قد قام قائمنا صدقه القرآن).
وروى في مقدمة كتابه (ص11) عن العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله عليه السّلام: (لو قرئ القرآن كما أنزل ألفينا فيه مسمّين). وقال في تلك المقدمة (ص14): (المستفاد من مجموع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طرق أهل البيت عليهم السّلام إن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمّد صَلّى الله وعليه وآله بل منه ما هو خلاف ما أنزل, ومنه ما هو مغيّر محرّف, وأنه قد حذف عنه أشياء كثيرة، منها اسم عليّ في كثير من المواضع، ومنها لفظه آل محمّد غير مرّة، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك، وانه ليس على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله).
وقال أيضاً (ص14): (أما اعتقاد مشايخنا رحمهم الله في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني طاب ثراه انه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن، لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه (الكافي) ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب انه يثق بما رواه فيه،
وكذلك استاذه علي بن إبراهيم القُمّي فإن تفسيره مملوء منه وله غلوّ فيه، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي قدّس سره أيضاً نسج على منوالهما في كتاب الإحتجاج)إ. ه.
قلت: وقد تقدمت النقولات من كتبهم في ذلك.(64/21)
هذه بعض كتبهم التي يعتمدونها في الحديث والتفسير والعقائد وغير ذلك، وقد اخترتها لمكانة أصحابها عندهم وقبولهم لها، وأيضاً لورود أكثرها في كتاب (المراجعات) هذا، مستشهداً بها أو بأقوال أصحابها، أردت بذلك بيان ما فيها من المنكرات التي يرفضها كلّ مسلّم، والتي تمنعنا من الأخذ والإستشهاد بها.
أمّا كتبهم في الجرح والتعديل أو كتب الرجال عندهم فإليك بعض أمثلتها.
(6) (رجال الكشي):
لكبير علماء التراجم المتقدّمين عندهم، أبي عمرو محمّد بن عبد العزيز الكشي، عاش في القرن الرابع الهجري، قالوا عنه: ثقة عين بصير بالأخبار والرجال كثير العلم حسن الإعتقاد مستقيم المذهب، وقالوا عن كتابه هذا- كما في مقدمة الكتاب-: أهمّ الكتب في الرجال هي أربعة كتب عليها المعوّل، وهي الأصول الأربعة في هذا الباب وأهمهّا وأقدمها هو (معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) المعروف (برجال الكشي).
هذه منزلة الكتاب والمؤلف عندهم مع ما فيه من السب والطعن الفاحش بالصحابة جميعاً وأخصّهم صاحبا رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم، ومع ذلك يريدون منا، الإنصاف بالأخذ منه، فأي إنصاف وهو يروي في (ص 12- 13) عن أبي جعفر أنه قال: (كان الناس أهل ردّة بعد النبيّ إلا ثلاثة، فقلت: من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلّمان الفارسي)، ويروي في (ص13) عن أبي جعفر أيضاً قال: (المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ثلاثة- وأشار بيده-)، ويروي (ص15) عن موسى بن جعفر أنه قال: (إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين حواري محمّد بن عبد الله رسول الله الذي لم ينقضوا عليه، فيقوم سلّمان والمقداد وأبو ذر).
والعجب من هذا، فأين ذهب عليّ وفاطمة وابناهما والعباس وبنوه وباقي أهل البيت وحديفة وعمّار وغير هؤلاء ممن هم مرضيون عند الشيعة؟(64/22)
وروى (ص60-61) عن حمزة بن محمّد الطيّار أنه قال: ذكرنا محمّد بن أبي بكر عند أبي عبد الله (ع) فقال أبو عبد الله (ع): (رحمه الله وصَلّى عليه، قال لأمير المؤمنين عليه السّلام يوماً من الأيام: أبسط يدك أبايعك، فقال: أو ما فعلت؟ قال: بلى! فبسط يده فقال: أشهدك أنك إمام مفترض طاعتك، وأن أبي في النار. . .) وروى (ص 61) عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (ع) أن محمّد بن أبي بكر بايع عليّاً عليه السّلام على البراءة من أبيه.(64/23)
وروى أيضاً (ص61) عن الباقر أيضاً أنه قال: (بايع محمّد بن أبي بكر على البراءة من الثاني). وفي (ص180) في ترجمة الكميت بن زيد الأسدي عن الباقر أنه قال: (يا كميت بن زيد ما أهريق في الإسلام محجم من دم ولا اكتسب مالٌ من غير حله، ولا نكح فرج حرام إلا وذلك في أعناقهما- يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما- إلى يوم يقوم قائمنا، ونحن معشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبّهما والبراءة منهما) إ. ه. وغير ذلك من الطعن بعثمان وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك والبراء بن عازب وعبد الله ابن مسلّمة ونساء النبي صَلّى الله عليه وسلّم وباقي الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ممّا تجده في كتابه ذلك (ص33، 34، 41، 46، 55، 56، 57)، بل قد طعن هذا الكشي وسبّ حتى عمّ النبي صَلّى الله عليه وسلّم العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله، مع انهما من أهل البيت أيضاً، ممّا يدلّ على كذبهم في ادّعاء محبة أهل البيت وموالاتهم وأنهم يتستّرون وراءهما للنيل من الصحابة الكرام، وإلا فلم يطعنون بمثل العباس وولده وهم من أهل البيت؟ وهم يتولّون ابا طالب مع أنه مات على الشرك والكفر لأنه والد عليّ رضي الله عنه، ولا يتولّون العباس مع أنه أسلّم وحسن إسلامه وشهد له النبي صَلّى الله عليه وسلّم بذلك، وإليك ما رواه الكشي من الطعن بالعباس وابنه عبد الله: روى (ص53) عن محمّد الباقر أنه قال: (أتى رجلٌ إلى أبي فقال: إن فلاناً، يعني عبد الله بن عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن، في أي يوم نزلت وفيم نزلت) قال فاسأله فيمن نزلت {و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا} وفيم نزلت { ولا ينفعنكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم} وفيم نزلت { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} فأتاه الرجل وقال: وددت الذي أمرك بهذا واجهني به فأساله، ولكن سله ما العرض، ومتى خلق، وكيف هو؟(64/24)
فانصرف الرجل إلى أبي فقال له ما قال، فقال وهل أجابك في الآيات؟ قال: لا، قال: ولكني اجيبك فيها بنور وعلم غير المدّعي والمنتحل، أما الأوليان فنزلتا في أبيه- يعني العباس- وأما الآخرة فنزلت في أبي وفينا) إ. ه.
هذا ما رواه الكشي في العباس عمّ النبي صَلّى الله عليه وسلّم، أما ابنه عبد الله فقد اتهم الكشي بالخيانة، إذ روى (ص57-58) ان علياً استعمله على البصرة، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وترك عليّاً عليه السّلام فكان مبلغه ألفي ألف درهم، فصعد عليٌّ المنبر حين بلغه فبكى فقال: (هذا ابن عم رسول الله صَلّى الله عليه وآله وإنه في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه ؟ اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول) إ. ه.
وعقد هذا الكشي باباً بعنوان (دعاء علي على عبد الله وعبيد الله إبنا العباس) (ص 52)، وروى عن أبي جعفر عليه السّلام قوله: (قال أمير المؤمنين عليه السّلام: اللهم العن ابني فلان – يعني عبد الله وعبيد الله بني العباس- واعم أبصارهما كما أعميت قلوبهما الأجلين في رتيتي، واجعل عمى أبصارهما دليلاً على قلوبهما) إ. ه.
هذا هو أقدم كتبهم وأهمها في الجرح والتعديل، ومثله:
(7) (تنقيح المقال في أحوال الرجال): -
لشيخهم الذي يعتبرونه العلاّمة الثاني ويسمّونه آية الله المامقاني، وكتابه من أكبر كتبهم في الجرح والتعديل، وقد ملأ كتابه ذاك من السبّ والطعن بالصحابة رضي الله عنهم، ممّا نقله عن الكشي وغيره، وأنظر مثالاً لذلك (2 / 148) .(64/25)
بل أكثر من ذلك بين المامقاني هذا في مقدمة كتابه منهجه ومنهج علماء الشيعة الباقين في الجرح والتعديل، والأساس الذي عليه يعتبر الرجل عندهم ثقة أو غير ثقة، وهو مقدار بغضه وطعنه بأبي بكر وعمر خاصة وباقي الصحابة عامّة، فمن كان مكثراً من سبّهما شديد البغض لهما ويسميهما الجبت والطاغوت، كان ثقةً مقبولاً عند علماء الشيعة هؤلاء، وبعكسه مطعوناً به مردوداً . فقد نقل (1/ 207) (المطبعة المرتضوية بالنجف 1352 ه) عن الشيخ الجليل المحقق – عندهم – محمّد بن إدريس الحلّي في آخر كتاب (السرائر) عن كتاب (مسائل الرجال ومكاتباتهم) إلى مولانا أبي الحسن علي بن محمّد بن علي بن موسى عليه السّلام، في جملة من مسائل محمّد بن علي بن عيسى قال: (كتبتُ اليه أسأله عن الناصب – الذي ينصب العدأوة لآل البيت- هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت- يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما- واعتقاد إمامتهما ؟ فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب) إ. ه.
وقد مرّ بنا أمثلة كثير على توثيقهم للرجل . وثنائهم الحسن عليه وقولهم عنه: صحيح المذهب، في الوقت الذي تجده يسب الصحابة ويلعنهم ويقول ويعتقد بما نقلناه عنهم من المنكرات كالقول بتحريف القرآن والغلوّ والبداء وغير ذلك، كما فعل النجاشي- متكلمهم في الرجال- في ترجمته لعليّ بن إبراهيم القُمّي، وقد تقدم ذكرها عند تنأول تفسير القُمّي . وغير ذلك من ثنائهم على الكليني مع ما فيه كتابه من أباطيل . إذن أساس التوثيق عندهم في المرويات والمنقولات هو الحب والبغض، فالذي يكون أكثر بغضاً لأصحاب رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يكون في مروياته أوثق من الذي يتّهم عندهم بأنه يتهأون في أمر الصحابة، ولا يلعن صاحبي رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وأم المؤمنين عائشة وسائر الصحابة رضي الله عنهم وأئمة التابعين وصفوة المسلّمين .(64/26)
هذا مع أن علياً رضي الله عنه لم يكفّر حتى من حاربَه من أهل الشام وغيرهم، فقد قال صراحة في كتابه إلى أهل الأمصار يقصّ فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين الذي رواه إمام الشيعة محمّد الرضى في (نهج البلاغة) (ص 323): (وكان بدء أمرنا انا التقينا القوم من أهل الشام، والظاهر أنّ ربنا واحد ودعوتنا في الإسلام واحدة ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا في دم عثمان ونحن منه براء) إ. ه. هذا ما روته كتبهم فأين هم من هذا ؟
هذا ما أردتُ بيانه من المنكرات مما في كتبهم تلك التي يريدون منا اعتمادها، مما يمنعنا من الأخذ بهما، مع ما فيها من الطعن بصحابة رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم وأئمة السنّة، في الوقت الذي تخلو فيه كتب أهل السّنّة جميعاً من الطعن بأئمة أهل البيت، بل فيها مدحهم والثناء عليهم وإيجاب محبتهم، وفوق ذلك فيها الإحتجاج بأهل الصِّدق من الشيعة- كما سيأتي عند ذكر الرواة الشيعة الذين إحتجّ بهم أهل السّنّة- الأمر الذي الذي لا تجد نظيره في كتب الشيعة هؤلاء، فمن هو المنصف منهما أليسوا هم أهل السّنّة ؟ ورحم الله الإمام عبد الرحمن بن مهدي حين قال: أهل العلم يكتبون ما لهم وعليهم، وأهل الجهل لا يكتبون إلاّ ما لهم . . !
والحمد لله أولاً وآخراً . وصَلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً كثيراً
3 ربيع الأول 1411 هـ
أبو مريم بن محمّد الأعظمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على المبعوث رحمةً للعالمين، محمّد بن عبد الله سيّد الأولين والآخرين . وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين .
وبعد . .(64/27)
فقد اعتمدت في ردّي على كتاب (المراجعات) هذا على نسختين منه الأولى مطبوعة في (دار النعمان) في النجف وهي الطبعة السادسة من الكتاب سنة (1384 ه)، والثانية مطبوعة في (مؤسسة الأعلمي) في بيروت وهي الطبعة العشرون منه . ولم أتعرف على سنة الطبع.
وقد جعلتُ الأصل الذي أنقل منه وأعزو إليه هو النسخة الأولى لقدمها وإن كان هناك اختلاف بين النسختين في موضع معيّن أشرت اليه فليعلم.
والطريقة التي أتبعها في أخراج الكتاب هي أني لا أسوق كلّ ما قاله وسطّره، فإن في ذلك تطويلاً مملا إذا انضمّ إلى ردّنا وتعليقنا عليه، لذا سأكتفي بنقل ما يستحقّ الردّ من كلامه، وما سوى ذلك سأجعل له مختصرات عن طريق نقل رقم المراجعة ثم بعض النقاط التي تختصر محتواها وتعرف بمضمونها اعتماداً على مختصراته التي وضعها هو أمام رقم كلّ مراجعة، وهذا سار أيضاً على المراجعات المنسوبة إلى شيخ الأزهر، وقد استعملنا حرفي (س) و(ش) للدلالة على اسم سليم البشري (السّنّي) وشرف الدين (الشّيعي)، كما هو مقترح ومتّبع في كتاب المراجعات نفسه . والله الموفّق.
وأبتدأ التعليق والكلام من (حياة المؤلف) التي كتبها المدعو مرتضى آل ياسين، الذي لُقّب بآية الله وعلم الهدى، ومن أول وهلة نُدرك أننا مع قوم يحبون المغالاة في رجالهم وأئمّتهم، ويحبّون إطلاق الألفاظ الرّنانة عليهم .
ولي على (حياة المؤلّف) ملاحظتان . .(64/28)
الملاحظة الأولى: قال في (ص 10): (و لكنّ إحكام الكتاب على هذا النحو من قوة العارضة في الأدب وبُعد النظر في البحث، وسلامة الذّوق في الفنّ وحسن التيسير في إيضاح المشاكل وتحليل المسائل . . .) هذا حكم من لم يدقق النظر في الكتاب أو ليس عنده حظ من علم يتبين به حقيقة ما جاء في هذا الكتاب ففيه من الفجوات والقوادح ما يكفي لنقض القول بإحكام الكتاب وبُعد النظر في البحث، ولكن لا نستعجل الكلام على ذلك إنما أريد أن أشير إلى عدم صحة مثل هذا الوصف . وقد علّقنا على ما جاء في الكتاب تفصيلاً.
الملاحظة الثانية: قال في (ص 24): (ومؤلفاته كلها تمتاز بدقّة الملاحظة وسعة التتّبع وشمول الإستقصاء وصحة الإستنتاج وشدة الصقل وأمانة النقل وترابط الأجزاء، في خصال تتعب الناقد وتُحفِظ الحاقد) .
قلت: وسيتبين- إن شاء الله- ما في كلامه هذا من المبالغة والكذب . فهو نادراً ما يكون أميناً في نقله، إذ قد ينقل حديثاً من كتاب معيّن وقد ضعفه صاحب الكتاب نفسه ولا يبين ذلك، وأحياناً يتجرّأ ويقول هو صحيح، إضافةً إلى طريقته القاصرة في تخريج الأحاديث والآثار، إذ لا ينقلها من مصدرها الأصَلّى وأحياناً لا يذكر الواسطة بينه وبين المصدر الأصَلّى للحديث ويكون ذلك الأصل مخطوطاً غير مطبوع، ثم هو ينقل من الكتب ما يوافق هواه ومذهبه ويَدع ما سوى ذلك، وهذا كله سنبينه إن شاء الله خلال كلامنا على تعليقاته بالتفصيل . .(64/29)
ثم أنتقل إلى (مقدمة الكتاب)، فقد قال في (ص 34): (فأقدّم له الجواب بخطّي على الشروط الصحيحة مؤيّداً بالعقل أو بالنقل الصحيح عند الفريقين)، وقال في (ص 35): (وعنيت بالسنن الصحيحة، والنّصوص الصريحة) . قلتُ: لا أشك أن كلّ من تحقّق من النّصوص التي ساقها في كتابه هذا يحكم ببطلان هذا القول . وأن هذا مغالطة منه في ذلك، بل إني اشكّ في معرفته بالإسناد الصحيح وشروطه، وقد ذكرنا- خلال كلامنا على تعليقاته- من كلام أهل العلم بالحديث والأسانيد ما ينقض قوله ويبين زيفه، والحمد لله رب العالمين.
وقال أيضاً (ص34–35): (وأنا لا أدّعي أن هذه الصحف تقتصر على النّصوص التي تألفت يؤمئذٍ بيننا، ولا أن شيئاً من ألفاظ المراجعات خطّه غيرُ قلمي، فان الحوادث التي أخّرت طبعها فرّقت وضعها أيضاً- كما قلنا- غير ان المحاكمات في المسائل التي جرت بيننا موجودة بين هاتين الدفتين بحذافيرها مع زيادات اقتضتها الحال، وأدى اليها النصح والإرشاد، وربّما جرّ إليها السياق على نحوٍ لا يخلّ بما كان بيننا من الإتفاق) إ. ه.
قلت: وهذا ما يقوّي الظّن بكذب هذه المراجعات والمناظرات من أساسها، كما مرّ نقله من كلام الدكتور أحمد محمّد التركماني في المقدمة، فراجعه .
وهذا أوانُ الشروع في المراجعات، وأبتدئ مستعيناً بالله العظيم . .
المراجعتان (1، 2): (س ش):
1_ تحية المناظر وردّها.
2_ الإستئذان في المناظرة والإذن فيها.
المراجعة (3): س:
سؤال شيخ الأزهر عن سبب عدم أخذ الشيعة بمذاهب الجمهور، ثم بيانه مدى الحاجة إلى الإجتماع ولمّ الشمل.
المراجعة (4): ش:
زعمه بأنّ الأدلة الشرعية تفرض الأخذ بمذهب أهل البيت.
زعمه أن الأخذ بمذاهب الجمهور، لا دليل عليه يوجب ذلك.
زعمه أن أهل القرون الثلاثة الأولى لا يعرفون هذه المذاهب.(64/30)
محأولته إثبات عدم أنسداد باب الإجتهاد إلى يومنا هذا ثم أنتقاصه لأئمة أهل السّنّة. وإنهم لا حقّ لهم في احتكار الدين (في الوقت الذي تحتكره الشيعة لأئمتها ويمنعون من الوصول إليه عن طريق غيرهم حتى كأن الدين الإسلامي بكتابه وسنته وساء بنياته وأدلته من املاكهم الخاصة، وأنهم لم يبيحوا التعرف به من غير رأيهم)
زعمه بأن الإجتماع يحصل باعتبار الشيعة مذهباً خامساً.
الردّ على المراجعة (4):
الأدلة المزعومة هذه هي جميعاً ما بين صحيح غير صريح، أو صريح غير صحيح.
ليس عند أهل السّنّة وجوب إتّباع أحد بعينه إلاّ رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم. لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم. لكن هؤلاء الأئمة الأربعة لهم من ذلك النصيب الأوفر.
الشك في صدق قوله بالاحتكام إلى أهل القرون الثلاثة الأولى.
1_ قوله (ولكن الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا . . .) يريد بالأدلة الشرعية ما سيذكره بعد ذلك، والتي سنردّ عليه فيها إن شاء الله ونبين أنها جميعاً ما بين صحيح غير صريح ولا يفيد ما ذهب إليه، أو هي غير صحيحة كما هو في الغالب عليها.(64/31)
2_ افتراضه بأن أهل السّنّة يقولون بوجوب التّمسّك بمذهب الأئمة الأربعة غير صحيح، ويدلّ على قلّة علمه وفهمه، بل هو شيء لا تفيده حتى عبارة خصمه في الكتاب فليس عند أهل السّنّة وجوب اتّباع أحد إلاّ رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم، ومن قال غير ذلك منهم أو من غيرهم فقد أخطأ وأبعد النجعة، ومن تقوّل ذلك عليهم فمن سوء فهمه أو مقصده أُتي، أو إنه إعتمد على أناسٍ غير محققين منهم فنقل قولهم المرجوح . فخلاف أهل السّنّة مع أهل الرفض والتشيّع، ومع غيرهم من أهل البدع إنما هو في الفهم السليم للدليل الصحيح عن رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم في أي أمر صغير أو كبير، سواء في ذلك الأصول أو الفروع على حدّ تعبيرهم، لذا فلا يرد علينا قوله بعدم وجود دليل صحيح على وجوب اتباع الأئمة الأربعة أو غيرهم من أئمة أهل السّنّة، وما حصل من اتباعنا للأئمة الأربعة أو أحدهم في أي أمر من أمور الشريعة فذلك لصحّة الدليل عندهم في ذلك الأمر لا لذاتهم كما يفعله المقلّدون لهم، وكما تفعله الشيعة بأئمتها سواء . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مختصر منهاج السنة المسمى (المنتقى من منهاج الإعتدال) (ص 189): (والناس لم يأخذوا قول مالك والشافعي وأحمد وغيرهم إلاّ لكونهم يسندون أقوالهم إلى ما جاء به النبي صَلّى الله عليه وسلّم، فإن هؤلاء من أعلم الناس بما جاء به وأتبعهم لذلك وأشدّهم اجتهاداً في معرفة ذلك واتّباعِهِ وإلاّ فايّ غرض للناس في تعظيم هؤلاء ؟ وعامّة الأحاديث التي يرويها هؤلاء يرويها أمثالهم، وكذلك عامة ما يجيبون به من المسائل كقول أمثالهم، ولا يجعل أهل السّنّة قول واحدٍ من هؤلاء معصوماً يجب اتّباعه، بل إذا تنازعوا في شيءٍ ردّوه إلى الله والرسول) إ. ه.
وقال في (ص 191): (ولولا أن الناس وجدوا عند مالك والشافعي وأحمد أكثر ممّا وجدوه عند موسى بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمّد بن عليّ لما عدَلوا عن هؤلاء) إ. ه.(64/32)
3- أشارت عبارته في الفقرة الثالثة هنا إلى تفضيله لأهل القرون الثلاثة على غيرهم ورضائه عنهم، وهو أمرٌ يصطنعه لا حقيقة له عنده ولا عند أصحابه، وكان الأجدر بهم- هو وأصحابه- لو استحضروا هذا الموقف من القرون الثلاثة في باقي المسائل ولم يُعرِضوا عنها إلى أقوال أئمتهم- غير الصحيحة- وأقول: لو كان أحدٌ يبغض مذهب السلف والقرون الثلاثة خصوصاً ويلعنهم فهم الشيعة لا غيرهم، وانظر تفصيل هذه المسألة في ردّنا على (المراجعة 52) (ج2 / ص 10- 13) .
المراجعة (5): س:
اعتراف شيخ الأزهر بصحّة قوله.
إلتماس شيخ الأزهر الدليل على سبيل التفصيل في مسألة وجوب الأخذ بمذهب أهل البيت.
المراجعة (6): ش:
الإشارة الإجمالية إلى أدلّة وجوب الأخذ بمذهب أهل البيت.
احتجاجه بأقوال علي زين العابدين نقلاً من (نهج البلاغة) و(الصواعق المحرقة).
الردّ على المراجعة (6):
هذه الأقوال بحاجة إلى تصحيح نسبتها أولاً. ثم إثبات كونها حجّة ثانياً، مع كلمة عن (نهج البلاغة).
التعريف بكتاب (الصواعق المحرقة) وقيمته العلمية، ثم التعقيب على النّصوص المنقولة منه هنا.
جميع ما ذكره في هذه المراجعة (ص 44- 48) من الأدلة إنما هو منقول من كتابهم (نهج البلاغة) فهو يحتاج أولاً إلى تصحيح نسبة هذا الكلام إلى عليّ رضي الله عنه، بذكر إسناد له ولو واحد وتبيين صحته، هذا أولاً . . وثانياً: يحتاج إلى دليل آخر خارجي يثبت حجّية قول عليّ رضي الله عنه- وكذا قول غيره من الصحابة على السواء- خصوصاً في مثل هذه المسألة المهمة.(64/33)
ولا بد من وقفة نبين فيها حقيقة هذا الكتاب (نهج البلاغة) وصحّة نسبة النّصوص الواردة فيه إلى عليّ رضي الله عنه، وقد قام بذلك خير قيام الدكتور صبري إبراهيم السّيّد في تحقيقه وتوثيقه للنهج ببحث يمتاز بالدقة والصبر والتأنّي- كما وصفه مقدّمه الأستاذ المحقق عبد السّلام محمّد هارون- فبعد أن أثبت نسبة نهج البلاغة إلى الشريف الرضي لا إلىلا أخيه الشريف المرتضى – قال (ص19- 20): (كأنت نسبة ما في " نهج البلاغة" إلى الأمام عليّ مثاراً للشكّ عند العلماء والباحثين، المتقدمين والمتأخرين على مرّ العصور، كما أثار الجدل حول النّصوص ذاتها التي حواها الكتاب، فكثير من علماء القرن السادس الهجري كانوا يزعمون أن معظم ما في نهج البلاغة لا يصحّ إلى عليّ بن أبي طالب وإنما ألّفه قومٌ من فصحاء الشيعة، من بينهم السيد الرضي . ولعل ابن خلّكان أول من أثار الشكوك في قلوب الباحثين بنسبته الكتاب إلى الشريف المرتضى تأليفاً . ثم جاء من بعده الصفدي، وغيرُه من كتّاب التراجم فتابعوه على ذلك، وحينئذٍ قويَ الشك وتمكّن . يقول ابن خلكان: (وقد قيل إنه ليس من كلام عليّ وإنما الذي جمعه ونسَبه اليه هو الذي وضعه) (وفيات الأعيان) (3/ 416). ويقول الذهبي: (ومَن طالع كتاب "نهج البلاغة" جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه) (الميزان) (3/ 124).
وأهم ما نجده من أسباب للشك في نسبة النّصوص الواردة في كتاب نهج البلاغة عن القدماء والمحدثين ما يلي) ثم ساق الدكتور صبري عشرة أسباب لذلك ننقلها من كلامه بشيء من الإختصار والتصرّف:
إن في الكتاب من التعريض بصحابة رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم ما لا يصحّ نسبته إلى عليّ رضي الله عنه.
وهو ما قرّره الحافظ ابن حجر في (اللسان) (4/ 223) بقوله: (ففيه السبّ الصراح والحطّ على السيدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) .(64/34)
إنّ فيه من السجع والتنميق اللفظي وآثار الصنعة ما لم يعهده عهد عليّ ولا عرفَه.
إنّ فيه من دقة الوصف واستفراغ صفات الموصوف كما تراه في الخفاش والطأووس وغير ذلك مما لم تعرفه العرب إلاّ بعد تعريب كتب اليونان والفرس الأدبية والحكمية.
إنّ فيه بعض الألفاظ الإصطلاحية التي لم تعرف إلا من بعد كالأين والكيف وكاصطلاحات المتكلّمين وأصحاب المقولات مثل (المحسوسات) و(الصفات الذاتية والجسمانية) .
إنّ فيه ما يُشَمّ منه ريح ادّعاء صاحبه علم الغيب.
إنّ في خطبه مقاطع طويلة وقصيرة تروى على وجهين مختلفين يتّفقان في المعنى، ولكن يختلفان في اللفظ.
خلوّ الكتب الأدبية والتاريخية التي ظهرت قبل الشريف الرضي من كثير مما في النهج.
طول الكلام غير المعهود في ذلك الوقت كما في عهده إلى الأشتر النخعي، والمعروف عن عليّ رضي الله عنه التوسّط إن لم يكن الإيجاز.
ما في الكتب من الخطب الكثيرة والرسائل المتعددة التي من الواضح انها مختلقة لأغراض مذهبية شيعية.
عدم ذكر المصادر المنقول منها خطب علي رضي الله عنه ولا الشيوخ الذين رووا ذلك.(64/35)
ثم ساق الدكتور صبري جواب أئمة الشيعة وغيرهم ممن يدّعي صحة نسبة ما في الكتاب إلى عليّ رضي الله عنه، عن هذه الشبهات بالتفصيل (ص28- 65) ونقضها وبين استقامة هذه الشبهات وكونها أسباباً حقيقية واقعية تمنع من نسبة معظم ما في الكتاب إلى عليّ رضي الله عنه (ص65- 79) . وكان من كلامه أن قال (ص67): (وإذا كان بعض هؤلاء ممّن ينتسبون إلى مذهب الشيعة قد وصل به الأمر إلى الكذب على الله تعالى والخوض في آياته أفلا نتصوّر بعد هذا أن يكون البعض قد خاض أيضاً في خطب عليّ فضمّ اليها ما ليس له ؟ ولما لا نجد مثل هذه الخطب إلاّ في كتب الشيعة والمتأخرين منهم ولا نجد لها ذكرا في كتب السنّة ؟ ولماذا لم نعثر على كثير من هذه الخطب في بطون الكتب الأدبية المعروفة ؟ وما الذي يضير علياّ ألاّ يكون له مثل هذا الكم الهائل من الخطب غير المعروفة المصدر أو الرواية ؟) ثم بين الدكتور صبر بحجج واضحة أن كثيراً مما أسند إلى علي في (النهج) من خطب ورسائل وحكم تثبت نسبتها لآخرين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، بل تجأوز الأمر هذه العهود إلى عهود متأخرة كالخليفة المأمون، وأكثر من ذلك نسبة أحاديث النبي صَلّى الله عليه وسلّم اليه أو حتى أقوال المسيح عليه السّلام، وكل هذا باقرار المحققين من السّنّة والشّيعة على السواء، بل من أئمة الشيعة الكثيرين أقروا بنسبة كثير منها إلى غير عليّ رضي الله عنه، وهو ما نقله عنهم الدكتور صبري (ص 68- 77).
وأخيراً يخلص الدكتور في نتائج توثيقه (ص 81) إلى أن أكثر من نصف الخطب في (النهج) لم تثبت صحة نسبتها إلى علي رضي الله عنه، وان حوالي ثلث ما فيه من الرسائل كذلك، وأكثر من ثلثي الحكم فيه لم تثبت صحة نسبتها اليه، وكذلك أكثر من نصف الغريب من الكلام فيه .
وبعد . . فهل يُمكن لأحد أن يحتجّ بما في (نهج البلاغة) خصوصاً على أهل السّنّة بعد هذا التحقيق الوافي ؟(64/36)
فنحن نرد عليه وننازعه بعدم صحة هذا القول عن علي، وإلاّ فليظهر لنا إسناداً صحيحاً له، إذ سيقت كلُّ هذه الخطب في ذلك الكتاب بلا إسناد مثلها مثل حاطبٍ بليل، ثم ننازعه في صحّة قوله رضي الله عنه في مثل هذه المسألة المهمّة شأنه في ذلك شأن غيره من الصحابة والتابعين، ونحن نقول: كلّ رجل يؤخذ منه ويُرد عليه إلاّ رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم-كما قال سلفنا الصالح- فما هي الحجّة بقول عليّ ؟
ولا يكفي لإثبات حجّية مثل هذا القول ما أشار اليه من الأدلّة على ذلك إجمالاً ناسباً إياها إلى رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم، وقد تركنا الجواب عليها حتى يذكرها مفصلة بعد ذلك .
2- غير أنه أشار في بعض هوامشه إلى نقله من كتاب (الصواعق المحرقة في الرّدّ على أهل البدع والزّندقة) للحافظ أحمد بن حجر الهيثمي، وسيتكرر نقله منه كثيراً مما يحتم علينا بيان حقيقة الكتاب.
قال ابن حجر في مقدمة كتابه أنه صنّف كتاباً في حقيقة خلافة أبي بكر وإمارة عمر رضي الله عنهما، وإنه بعد مدّة طلب منه قراءته في المسجد الحرام، وذلك سنة خمسين وتسعمائة لكثرة الشيعة والرافضة هناك في ذلك الوقت، ثم سنح له أن يزيد عليه أضعاف ما فيه من فضائل الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وما يتبع ذلك من فضائل الحسن وأهل البيت .(64/37)
والمهم هنا إنه لم يدّع صحّة ما ساقه فيه من الأحاديث والآثار ولم يلتزم ذلك، بل تجده كثيراً ما يورد حديثاً أو أثراً وينبّه إلى ضعفه وسقوطه عن الإحتجاج- كما سننقله عنه إن شاء الله- شأنه في ذلك شأن معظم علماء عصره في تصانيفيهم، يكون همّهم ذكر واستقصاء ما ورد في تلك المسألة تاركين تصحيحها وبيان ثبوتها أما اكتفاء بذكر إسنادها أو اعتماداً على أقوال أصحاب العلم في ذلك في مواضع أخرى، ثم ان هذه الطريقة الوحيدة التي أمكننا بواسطتها معرفة الصحيح والثابت ومعرفة الضعيف والمردود والمكذوب، ولو اقتصر أهل السّنّة على ما صحّ عندهم لما أمكنهم تمييز الحق من الباطل من أقوال أهل البدع.
والذي ينبغي لنا بيانه أن يعلم بأن أهل السّنّة لا يقولون بصحّة أحاديث كتاب سوى الصحيحين البخاري ومسلّم، وما سوى ذلك خاضع للدراسة والتمحيص . ولا يمكن أحداً أ ن يُلزمهم به حتى يصحّ عندهم ويثبت.
وأمّا ما نقله من (الصواعق المحرقة) في هذه المراجعة فأوله قول ابن عباس رضي الله عنهما: (نحن أهل البيت شجرة النبوّة . . .) الذي نقله في الهامش (12/ 46) وقد كفانا ابن حجر مؤونة ردّه إذ قال: (وجاء عن ابن عباس بسند ضعيف انه قال . . .) فتعمّد في إخفائه هذا الموسوي لأنه يسقط حجيّته.
والثاني قول علي رضي الله عنه (15/ 47) وقد كفانا ابن حجر- رحمه الله- مؤونه ردّه إذ قال: (عن عليّ بسند ضعيف) فها هو ابن حجر يضعّفه فأين الحجّة فيه يا موسوي؟(64/38)
والثالث قول الحسن بن علي رضي الله عنهما (16/ 47) وقد اختصر هذا الموسوي عبارة ابن حجر اختصاراً سيئاً، وإليك نصّ كلامِه: (وقد صرح الحسن رضي الله عنه بذلك، فإنّه حين استخلف وثب عليه رجلٌ من بني أسد فطعنه وهو ساجد بخنجر لم يبلغ منه مبلغاً , ولذا عاش بعده عشر سنين فقال: يا أهل العراق اتّقوا الله فينا فإنّا أمراؤكم وضيفانكم . . .) إ. ه. فأولا هذا القول موجّه إلى أهل العراق ليس عامّاً إلى الكلّ وثانياً وهو المهم انه قال ذلك حين استخلف فقوله (إنا امراؤكم) باعتبار أنه أمير عليهم، وهو يصحّ من كل من كان أميراً على قوم، وان لم يبلغ من الصلاح والتقوى والعلم ما يؤهله لذلك، فإنّما هو اخبار عن ولايته علهيم ليس إلاّ، وإنه يجب عليهم باعتبار ذلك طاعته في المعروف.
لكن هذا الموسوي تصرّف في النص بما يوافق هواه موهِماً أنه قال ذلك على وجه العموم، وهذا كله على فرض ثبوت ذلك عن الحسن رضي الله عنه، إذ لم يبينه ابن حجر ولم يذكر إسناده . والرابع قول زين العابدين (17/ 48) وقد ذكره ابن حجر دون بيان صحّته ولا إسناده أيضاً سوى عزوه للثعلبي في تفسيره وهو لا يغني شيئاً فالثعلبي كحاطب بليل- كما قال شيخ الإسلام- وكثيراً ما يروي الموضوعات المكذوبات، كما سنبينه بعد ذلك إن شاء الله . ثم إنه لا حجة علينا بقول زين العابدين.
المراجعة (7): س:
شيخ الأزهر يطلب البينة من كلام الله ورسوله .
تقريره بأن الإحتجاج بكلام أئمة أهل البيت دوري.
المراجعة (8): ش:
زعمه ورود الأدلة من كلام النبي صَلّى الله عليه وسلّم.
ذكره حديث الثقلين بألفاظ مختلفة وادّعاؤه تواتره.
سرد أحاديث أخرى في وجوب الأخذ بمذهب أهل البيت.
استخراجه لبعض الدلائل من تلك النّصوص المزعومة.
الردّ على المراجعة (8):
طريقته القاصرة والخاطئة في تخريج الأحاديث.
طعنه بالصحابة رضوان الله عليهم.
الكلام بالتفصيل عن الأدلة التي ساقها، مع كلمة عن حديث الغدير.(64/39)
كشف بعض الطامات والتناقضات في كلامه هنا.
قبل الكلام على الأدلة التي ذكرها مفصّلة أحب أن أشير إلى أن طريقة تخريجه لهذه الأحاديث طريقة خاطئة وقاصرة وتدل على عدم معرفته بطريقة عزو النّصوص الشرعية إلى أمّهاتها، أو تعمّده في ذلك حتى يضيع على الباحث الموضع الصحيح للحديث رغبه منه في تعمية اسناده، الأمر الذي نبّهنا عليه في بداية الكتاب حين علقنا على ما جاء في (حياة المؤلف)، فالأولى بالباحث المنصف صاحب العلم أن يرجع إلى المصادر الأصلية إلا إذا تعذّر عليه فحين ذلك يصرح به ويذكره.
وقوله في الفقرة الثالثة من هذه المراجعة عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم أنه: (أهاب في الجاهلين وصرخ في الغافلين…) يدلّ على أنتقاصه للصحابة رضوان الله عليهم. ويدل على اعتقادهم، ومذهبهم في الصحابة أنهم جاهلون غافلون إلا عليّاً، وهذا القول منهم في صحابة نبي هذه الأمة لم تقله اليهود ولا النصارى ولم تتجرأ عليه في صحابة أنبيائهم، وهو قول يؤدي في النهاية- سواء قصدوا ذلك أم لا- إلى القدح في النبي صَلّى الله عليه وسلّم، كما قال بعض أئمة السلف: هؤلاء قدحوا في رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم، حتى يُقال رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان له أصحاب صالحون.
وأبتدئ الآن بسرد الأحاديث التي استشهد بها والكلام عليها مشيراً إلى موضعها عن طريق ذكر الصفحة التي هي فيها بعد ذكر رقم الهامش الخاص.
(1/ 49). .
حديث جابر الذي ذكره ليس عند النسائي – كما زعم- بل أخرجه الترمذي (4/ 324)، والطبراني في (الكبير) (2680) من طريق زيد بن الحسن الأنماطي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جابر. وإسناده ضعيف لضعف زيد بن الحسن هذا كما قال الحافظ في (التقريب). وقال أبو حاتم: منكرالحديث، فالحديث باطل لا يثبت.
(2/ 49). .(64/40)
حديث زيد بن أرقم هذا أخرجه الترمذي (4/ 343) من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم. وهذا إسناد لا يصح فيه علتان، الأول: تدليس الأعمش وقد عنعنه، والثانية: حبيب بن أبي ثابت كان كثير الإرسال والتدليس، بل تدليسه أسوأ من تدليس الأعمش! كما بينه الحافظ في (طبقات المدلّسين)، وهو يُرسل أيضاً.
وممّا يؤيد وجود انقطاع في هذا الإسناد أن له إسناداً آخر أصحّ من هذا عن الطبراني في (الكبير) (4969). والحاكم (3/ 109) عن الأعمش ثنا حبيب بن أبي ثابت عن عامر بن وائلة – أبو الطفيل- عن زيد بن أرقم، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. قلت: وهنا صرح الأعمش بالتحديث فأنتفت بذلك شبهة تدليسه، وأما حبيب بن أبي ثابت فقد بين هنا الواسطة بينه وبين زيد بن أرقم وهو عامر بن وائلة مع بقاء علّة تدليسه، وهذا الحديث هو الذي أشار إليه هذا الموسوي في صفحة (50) هامش (6) وجزم بصحته معتمداً على تصحيح الحاكم، لكن لفظه لا يدل على مطلوبه فليس فيه حتى التّمسّك بالعترة، إذ قال صَلّى الله عليه وسلّم: (إني قد تركتُ فيكم الثقلين؛ أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض) فاللفظ الذي يوافق هوى الشيعة – الأول – غير صحيح، واللفظ الصحيح ليس فيه ما يؤيد مذهبهم، ولله الحمد.
ثم إن حديث الترمذي- بالإسناد الأول- لو صح فليس فيه دليل على ما زعم من وجوب إتباع أهل البيت والتمسك بهديهم، فلفظه (ما إن تمسّكتم به . . .) ثم ذكر كتاب الله، والضمير مفرد (به) ولو كان التّمسّك بهدي أهل البيت معطوفاً على الكتاب لكان لفظ الحديث (بهما)، لكن ذكر أهل البيت فيه من أجل توصية الأمة بهم وتوقيرهم واحترامهم كما هو واضح في رواية مسلّم الآتية.(64/41)
وحديث زيد بن أرقم هذا هو ما يعرف بحديث غدير خُم، وله طرق أخرى وألفاظ، وهي جميعاً ما بين صحيح غير صريح- كما في رواية مسلّم- وما بين صريح غير صحيح- كما في الروايات الأخرى-.
وغدير خم مكان بين مكة والمدينة قريب من الجحفة، خطب به النبي صَلّى الله عليه وسلّم مرجعه من حجة الوداع في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة وكان يوم الأحد، وسبب الخطبة كما رواها غيرواحد من أصحاب السير والمغازي كابن اسحق، وانظر (البداية والنهاية) (5/ 208- 209) (إن عليّا رضي الله عنه لما أقبل من اليمن ليلقى رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم بمكة تعجّل إلى رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم واستخلف على من معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كلّ رجل من القوم حُلّةً من البَز الذي كان مع علي، فلما دنا جيشُه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحُل، قال: ويلكَ ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك انزع قبل أن ينتهي به إلى رسول الله صَلى الله عليه وسلّم فأنترع الحُلَل من الناس فردها في البر، وأظهر الجيشُ شكواه لما صنع بهم) إ. ه. قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/ 106): (و المقصود إن عليّاً لما كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه، وعليّ معذور فيما فعل لكن اشتهر الكلام فيه في الحجيج، فلذلك والله أعلم لما رجع رسول الله صَلى الله عليه وسلّم من حجّته وتفرّغ من مناسكه ورجع إلى المدينة فمر بغدير خم قام في الناس خطيباً فبرّأ ساحة عليّ ورفع من قدره ونبّه على فضله ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس) إ. ه.(64/42)
هذا هو سبب خطبة الغدير وسبب توصية النبيّ صَلّى الله عليه وسلّم بعليّ وباقي أهل بيته، وليست التوصية بهم في حجّة الوداع كما يزعمه بعض الجهلة، وسيأتي تفصيله في المراجعة (54) وقد خطب النبي صَلّى الله عليه وسلّم بالناس في عرفات خطبةً عظيمة وأوصى فيها حتى بالنساء وليس فيها الأمر بالتّمسّك بالعترة بل قال فيها: (تركت فيكم ما لن تضلوا بعد أن اعتصمتم به كتاب الله)- أنظر (صحيح مسلّم((2/ 890)، (سنن أبي دأود) (1905)، (سنن إبن ماجة) (3074)- فليس فيها ذكر الإعتصام والتمسك بمذهب العترة كما يزعم هذا الموسوي، ولو كان ذلك أصلاً صحيحاً لبينه رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم في خطبته هذه وهو يبين للأمة ما يعصمهم من الضلال، ولا يمكن أن يكون أغفله، فلما لم يذكره علم أنه غير مشروع أصلاً.
ومن طرق حديث غدير خم ما أخرجه مسلّم (2408)، وأحمد (4/ 366- 367)، والطبراني في (الكبير) (5026، 5027، 5028) عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم: (أمّا بعد . . ألا أيّها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين؛ أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) فحثّ على كتاب ورغّب فيه ثم قال: (و أهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي).(64/43)
فهذه الرواية الصحيحة لحديث غدير خُم عن زيد بن أرقم تبين ما أرادَه النبي صَلّى الله عليه وسلّم بذكر أهل بيته، وذلك ليوصي المسلّمين بهم لا لإيجاب اتّباعهم والتّمسّك بهديهم وحدهم، بل ما صح عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم بالحث على اتّباع هدي أهل البيت- على افتراضه- فهو من قبيل ما صحّ عنه صَلّى الله عليه وسلّم بالأمر بالتّمسّك بسنّته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، إذ قال: (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ) ومن قبيل قوله صَلّى الله عليه وسلّم: (اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر وتمسكوا بعهد عمّار) وفي بعض ألفاظه قال: (أني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر)- أنظر (مسند الإمام أحمد) (5/ 385، 399)- فإن كان هذا الموسوي- صاحبَ المراجعات- يستشهد بحديث صريح غير صحيح في ذلك رددناه إلى ما صحّ من الأحاديث وبينا الفاظها.
ومع أن الأمر بالإقتداء أقوى من الأمر بالتّمسّك بالهدي والسنة، إذ الأمر بالإقتداء يشمل حتى الأفعال بخلاف اتباع الهدي والسنة، فأمرَ صَلّى الله عليه وسلّم بالإقتداء بأبي بكر وعمر وحث على التمسك بهدي غيرهم وسنته من الصحابة وأهل البيت، أقول: مع إن الأمر كذلك فلم يقل أحد من أهل العلم بوجوب إتّباع أبي بكر وعمر والإقتداء بهم وحدهم لذواتهم ولم يجعل ذلك من أصول الإسلام، فكيف يُقال بوجوب التمسك بهدي أهل البيت- لوحدهم ودون الرجوع إلى ما صحّ من سنّة النبي صَلّى الله عليه وسلّم- إستناداً إلى حديث- لو صحّ- فهو دون الأحاديث التي تأمر بالتمسك بهدي أبي بكر وعمر بل والإقتداء بهم.(64/44)
وممّا صح من طرق حديث زيد بن أرقم ما أخرجه الإمام أحمد (4/ 371) والطبراني في (الكبير) (5040) عن عليّ بن ربيعة قال: لقيتُ زيد بن الأرقم داخلاً على المختار أو خارجاً منه فقلت له: حديثاً بلغني عنك سمعت رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يقول: (أني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي)؟ قال: نعم. .
فهذا حديث صحيح يوافق حديث مسلّم السابق. بل هو قطعة منه.
وروي حديث زيد بن أرقم بلفظ آخر أخرجه الطبراني في (الكبير) (2681، 4971) من طريق حكيم بن جبير- وهو ضعيف- عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم، وفيه أن النبي صَلّى الله عليه وسلّم قال: (فانظروا كيف تخلّفوني في الثقلين) فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: (كتاب الله طرفٌ بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلّوا، والآخر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض . . الحديث) وإسناده ضعيف كما قلنا وما يصحّ من بعض ألفاظه لشواهده ليس فيه الأمر بالتمسك بالعترة بل فيه ان الثقلين هما كتاب الله تعالى والعترة. وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليه الحوض صَلّى الله عليه وسلّم.
وهذا معنى صحيح ثبت في حديث آخر صحيح أخرجه الطبراني في (الكبير) (4980، 4981، 4982)، والحاكم (3/ 148) وهو الذي ذكره صاحب المراجعات (ص49- 50) هامش (4)، لكن لفظه- كما قلنا- لا يدل على مطلوبه من وجوب التمسك بهدي العترة لوحدهم.(64/45)
ويبدو ان هذا الموسوي لا يحسن الإستدلال على مطلوبه مع ما عنده من التدليس والكذب، إذ قال في هامش (3) (ص49): (أخرجه الإمام أحمد من حديث زيد بن ثابت بطريقين صحيحين أحدهما في أول صفحة (182) والثاني في آخر صفحة (189) من الجزء الخامس من مسنده) كذا قال والأمر ليس كذلك، فقد أخرجه الإمام أحمد (5/ 181- 182، 189) نعم لكنّه ليس بإسنادين بل هو إسناد واحد أعاده في الموضوعين، ثم هو ليس صحيحاً كما ادعى ففي سنده علّتان؛ أولاهما: شريك القاضي في حفظه سوء يمنع من تصحيح حديثه، والثانية، فيه القاسم بن حسّن قال البخاري: لا يُعرف، وكذا قال ابن القطان.
لكن لحديث زيد بن ثابت هذا شاهداً عند الطبراني (4921، 4922، 4923، 4970) من طريق شريك عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن ثابت.
وهو نفس إسناد حديث زيد بن أرقم السابق عند الطبراني (4969)، والحاكم (3/ 109) بزيادة علة أخرى وهي سوء حفظ شريك وإختلاطه، لكن يمكن تحسين هذا الإسناد بطرقه وشواهده، فأين هذا من قول هذا الموسوي: بطريقين صحيحين؟؟ وإذا كان كذلك فلفظ حديث زيد بن ثابت هذا هو: (أني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض). وأيضاً ليس في لفظه- على فرض صحته- ما يؤيد ما ذهب اليه صاحب كتاب المراجعات، كما هو واضح.
ومن طرق حديث زيد بن أرقم ما أخرجه الطبراني في (الكبير) (4986) بإسناد فيه حبيب بن أبي ثابت. وهو مدلّس وقد عنعنه. وفيه أيضاً كامل أبو العلاء وفي حفظه شيء فلا يصحّ هذا الإسناد، والله أعلم.
ومن شواهد حديث زيد بن أرقم حديث حذيفة بن أسيد الغفاري. أخرجه الطبراني في (الكبير) (2683، 3052) من طرق عن زيد بن الحسن الأنماطي ثنا معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد. وزيد بن الحسن ضعيف منكر الحديث- كما تقدم- فلا يصحّ. .
(5/ 50). .(64/46)
حديث أبي سعيد الذي ذكره أخرجه الإمام أحمد (3/ 14، 17، 26، 59)، والترمذي (4/ 343)، والطبراني في (الكبير) (2678، 2679)، وأبو يعلى (60/ 2) من طرق عن عطية العوفي عن أبي سعيد. وهذا إسناد لا يصحّ أيضاً فعطية سيءُ الحفظ يخطئ كثيراً، ثم إنه مدلّس- كما في (التقريب)- ومن تدليسه أنه كان يأتي الكلبي- وهو محمّد بن السائب الكلبي، متّهم بالكذب- فيأخذ منه الحديث ويكنّيه أبا سعيد فيقول: حدّثنا أبو سيعد ويوهم أنه أبو سعيد الخُدري، أنظر ترجمته في (التهذيب) وغيره، فالحديث باطل.
(6/ 50). .
تقدم الكلام عليه خلال (2/ 49).
(7/ 50). .
حديث عبد الله بن حنطب الذي ذكره لم أجده في معجم الطبراني الكبير، ولا أدري كيف عزاه إليه، فليس لعبد الله بن حنطب هذا أي مسند عند الطبراني، ثم بحثت بين الصحابة عن اسمه فوجدته مختلفاً في صحبته وبعضهم أنكر أن يكون عبد الله بن حنطب هذا صحابيا وعد حديثه عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم من المراسيل، كما فعل الترمذي في (جامعه) (4/ 311)، ومن قال انّ له صحبة- مثل أبي حاتم- لم يذكر له إلا حديثاً- غير صحيح- في فضل أبي بكر وعمر، وآخر أيضاً في فضل قريش ولا يصح- راجع ترجمته من (الإصابة)-.
فعلى زعم هذا الموسوي بوجود مثل هذا الحديث ينبغي له ان يبين إسناده- على الأقل- هذا إذا لم نجزم بعدم وجوده وقد ذكر ابن حجر في (الإصابة) ان أحاديث عبد الله بن حنطب هذا- على فرض صحبته وعلى قلتها- مروية من طريق ابنه المطلب في العموم، والمطلب هذا فيه ضعف يمنع من تصحيح حديثه، وقد استرسلت في هذه الإحتمالات حتى لا تبقى لأحد حجة.(64/47)
ولو كان هذا الموسوي- صاحب المراجعات- له أدنى معرفة بعلوم الشرع وأصول التخريج وطريقة الأستدلال لعزا هذا الحديث- بهذا اللفظ- إلى موضعه الأصلي عند ابن أبي عاصم في (السنة) (رقم 1465)، لكنّه لا يفعل ذلك إما جهلاً منه، أو عمداً لإخفاء موضعه حتى لا يتبين الضعف في إسناده، فقد أخرجه ابن أبي عاصم من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن جبير بن مطعم بنفس اللفظ المذكور، وعمرو والمطلب كلاهما ضعيف في الحفظ، والمطلب مدلّس أيضاً ويُرسل كثيراً، وليس له رواية عن أي من الصحابة- راجع ترجمته في (التهذيب)- فالإسناد ضعيف إذن لانقطاعه وضعف روائه.
ومع ذلك فليس في لفظه ما يدل على مطلوب هذا الموسوي كحال معظم ما استشهد به من الأحاديث، إذ هو مقصور على التوصية بالقرآن والعترة، وأن النبي صَلّى الله عليه وسلّم- كما في الرواية التي ساقها- أو ان الله سبحانه وتعالى – كما في رواية ابن أبي عاصم- سيسألهم عنهما، وإليك لفظ ابن أبي عاصم: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم: (ألستُ مولاكم؟ ألستُ خيركم؟) قالوا: بلى يا رسول الله. قال: (فإني فرط لكم على الحوض يوم القيامة، والله سائلكم عن اثنين، عن القرآن وعن عترتي). .
أما قوله في الهامش بعد التخريج: (و أنت تعلم أن خطبته صَلّى الله عليه وسلّم يومئذٍ لم تكن مقصورة على هذه الكلمة، فإنّه لا يقال عمّن اقتصر عليها انه خطبنا ولكن السياسة كم اعتقلت ألسن المحدثين وحبست أقلام الكاتبين) إ. ه. . فبطلانه أوضح من أن يحتاج إلى بيانه وردّه، إذ لو كان ذلك صحيحاً وممكناً ودليلاً لأمكن أي مبطل- كما فعل هذا الموسوي- أن ينسب إلى النبي صَلّى الله عليه وسلّم أيّ قول يريده ويدخله ضمن خطبته صَلّى الله عليه وسلّم، ويزعم أن السياسة لم تكن تسمح بروايته، ومن ثم ضاع دين الله وكلام رسوله على زعم هذا المفتري.(64/48)
ثم إنه من قال ان من اقتصر على تلك الكلمة لا يقال عنه خطبنا؟ أهذا ما تمليه لغة أئمة الشيعة هؤلاء؟ وعلى فرض أنه صَلّى الله عليه وسلّم قال كلاماً آخر غير هذا في خطبته تلك، فما أدرى هذا الموسوي بذلك الكلام حتى يحتج به؟ أهذه هي النّصوص الصريحة التي زعم أنه يحتجّ بها في مقدمة كتابه؟ نعوذ بالله من الجهل والخذلان!
وقال في الفقرة الرابعة من هذه المراجعة: (و الصحاح الحاكمة بوجوب التّمسّك بالثقلين متواترة . . . إلى آخر كلامه) وزعم أنها قيلت في مواضع شتى. ونحن نقول: مع كثرة طرق حديث غدير خم وشواهده- بعد تمييز صحيحها من سقيمها- فليس في ما صحّ منها الأمر بالتّمسّك بالثقلين- كما زعم- إلاّ في لفظ أو لفظين، والصحيح من الروايات فيه التوصية بأهل البيت لا التمسك بهم، ومع ذلك فقد بينا وجه قوله صَلّى الله عليه وسلّم- إن صحّ- بالتمسك بهم، لكن كثرة الطرق هذه والشواهد لا تدل على تعدد الموضع بل في معظمها التصريح انه كان عند غدير خم والباقي منها ليس فيها أي بيان لموضعه، فيجب حمله على أنه في موضع واحد، أما القول بتعدد الموضع إذا تعددت الطرق والشواهد فهو قول السطحيين غير المحققين، وهو قول من لم يتمكن من الجمع بين الروايات في الموضع الواحد ومن ثمّ هو قول مرجوح، ثم انه ليس في أي من الروايات الصحيحة ما يشير أدنى إشارة إلى أن قول النبي صَلّى الله عليه وسلّمهذا قيل في غير موضع غدير خم لا في حجة الوداع ولا في المدينة ولا في منصرفه من الطائف صَلّى الله عليه وسلّم، وقد اعتمد هذا الموسوي في ما ذهب اليه على قول ابن حجر في (الصواعق المحرق) ذلك القول الذي لم يوفق في لإصابة الحق، فليس في الروايات الصحيحة الثابتة ما يؤيّد ذلك، ولا عبرة بعد ذلك بما جاء في بعض الروايات غير الصحيحة من تعدد موضع تلك التوصية، ونبقى نطالبه بدليل صحيح على ما ادّعاه، وبالتالي ندحض حجّته في تعدد الموضع مع انه ليس في ثبوتها ما يضير.(64/49)
بقي من الأحاديث التي ساقها في هذه الفقرة ما زعمه من قول النبي صَلّى الله عليه وسلّم: (أيها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً. . .) وفيه: (عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض). ولم يذكر من أخرجه ولا صاحب الصواعق المحرقة الذي عنه نقله، وهو قصور فاحش يوجب سقوط الحديث عن الإحتجاج إذ لم يعرف مخرجه ولا سنده ثم رأيت الحديث قد أخرج طرفاً منه الطبراني في (الصغير) (707) وعزاه في (المجمع) (9/ 134) للأوسط أيضاً عن أم سلّمة رضي الله عنها، وإسناده واهٍ بمرة، فيه صالح بن أبي الأسود الكوفي وهو كما قال الذهبي في (الميزان)، وفيه أيضاً أبو سعيد التيمي ولقبه عقيصاً، تركه الدارقطني، وقال الجوزجاني: غير ثقة، ووهّاه غيرُهما. مع ما في الإسناد من المجاهيل أيضاً.
وقوله بعد ذلك (وحسب أئمة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) فيه بيان ما يصبر اليه هذا الموسوي من القول بعصمة أئمته هؤلاء، في الوقت الذي يقرر فيه علماؤهم تحريف القرآن الكريم ونقصانه وان الباطل قد دخل اليه من بين يديه أو من خلفه- كما نقلنا ذلك عنهم مصدقاً بذكر كتبهم وان أنكره بعضهم- فهم حتى لم يسأووهم بالقرآن بل فضّلوهم عليه.
ونحن نسأله أين هي سُنّة محمّد صَلّى الله عليه وسلّم عندكم؟ أهي من فضول الكلام ومن حشو الصحف حتى تقدم عليها فعل أئمة العترة هؤلاء وتدعي أنهم بمنزلة القرآن وانهم لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم؟ فإذا كان رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يخطئ ويسهو ويصحح الله له، كيف تنفي الخطأ عن غيره وتدّعي عصمته؟(64/50)
ولا أشك في أنه- وأصحابه- يريدون بهذا القول التوصل إلى ردّ القرآن كله عن طريق قولهم بتشابه القرآن وانه حمّال أوجه وان معناه لا يُعرف، ويجب ردّعلمه وتفسيره وبيانه إلى هؤلاء العترة. وهذا هو حال الشيعة جميعاً فلا تجد فيهم من يحسن حفظ القرآن ولا فهمه إلا ما استطاعوا تحريفه من تفسير آياته وجعلوها دالّة على مطلوبهم الباطل، ناهيك عن من يطعن بسلامة القرآن الكريم ممن قدمنا قوله في ذلك في مقدمتنا.
وأقول أيضاً أفلا يمكن بالمقابل القول بأن سنة الخلفاء الراشدين هي بمنزلة سنّة محمّد صَلّى الله عليه وسلّم إعتماداً على الحديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) بتطبيق الفهم السقيم القاصر الذي اعتمده هذا الموسوي في الحديث الذي ذكره؟
ثم لفظ الحديث الأول الذي ذكره في الفقرة الخامسة (إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا؛ كتاب الله وعترتي) تقدم بيان ضعفه وردّه وسقوطه عن الإحتجاج عند الكلام على الحديث (ص49) (هامش 1) فهو نفسه، فلا يصح بعد ذلك ما بناه على أساسه هذا الموسوي في هذه الفقرة.
وأما ما أشار اليه من رواية الطبراني (فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا . . .)
فقد ذكرنا موضعها في التعقيب على إحدى روايات حديث زيد بن أرقم عند الطبراني (2681، 4971) وقلنا إن إسنادها ضعيف لا يثبت، فيها حكيم بن جبير وقد ضعفه غير واحد من أهل الحديث، فراجعه ضمن كلامنا على روايات حديث زيد بن أرقم، (ص46).(64/51)
وممّا يدل على عدم اقتران العترة بالكتاب في حكم التمسك بهم، وان المقصود بذلك التمسك والعصمة من الضلال هو القرآن وحده في- هذا الحديث- ما أخرجه الحاكم (3/ 533) عن زيد بن أرقم قال: خرجنا مع رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم حتى أنتهينا إلى غدير خم فأمر بروح فكسح في يوم ما أتى علينا كان أشدّ حرّاً منه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: (يا أيها الناس إنه لم يبعث نبيّ قط إلا عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإني أوشك أن ادعى فأجيب وإني تاركٌ فيكم ما لن تضلوا بعده كتاب الله عز وجل) ثم قام فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: (يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟) قالوا الله ورسوله أعلم، قال: (من كنت مولاه فعليّ مولاه) إ. ه قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي وسيأتي الكلام على معناه- إن شاء الله- عند ذكر هذا الموسوي للفظه هذا (من كنت مولاه . . .) (ص449- 456).
قال في الهامش (10) (ص52): (. . . وكيف اخر في الخلافة العامّة والنيابة عن النبي أخاه ووليه الذي لا يؤدي عنه سواه. ثم قدم فيها أبناء رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم . . .) وهذا القول ينمّ عن حقده وكراهته للصحابة رضي الله عنهم جميعاً وخذل مبغضيهم وأخزاهم في الدنيا والآخرة، ولو كان هناك جماعة تستحق أن توصف بأنها أبناء الوزغ فهم الرافضة الضّلاّل.
ثم ساق في الفقرة السادسة عدداً من الأحاديث، وإليك الكلام عليها:
(ألا إنّ أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق) أخرجه الحاكم (3/ 151) من طريق مفضل بن صالح عن أبي إسحاق عن حنش الكناني قال سمعت أبا ذر يقول . . . وإسناده واهٍ جداً، مفضل بن صالح هذا قال عنه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال الذهبي: واهٍ. وفيه علّةٌ أخرى دون هذه وهي اختلاط أبي اسحاق- وهو السبيعي- وهو أيضاً مدلّس وقد عنعنه.(64/52)
هذا حال الإسناد الذي أشار اليه وأنتهى اليه علمه، ثم وجدت لحديث أبي ذر هذا إسناداً آخر لا يفرح به، عند الطبراني في (الكبير) (2636)، من طريق الحسن بن أبي جعفر ثنا علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن أبي ذر. والحسن هذا متروك، فحديثه لا يصلح حتى لتقوية غيره من الأسانيد، وعليّ بن زيد بن جدعان ضعيف، فالإسناد واهٍ أيضاً. ثم رواه الطبراني في (الكبير) (2638) (12388) من طريق الحسن ابن ابي جعفر- المتروك هذا- عن ابي الصهباء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به. ورواه أيضاً ابو نعيم في (الحلية) (4/ 306)، والبزار (245/ 2- زوائد البزار) وعلته هي هي. . وإخرجه أيضاً الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) (12/ 91) من طريق ابان بن ابي عياش عن أنس به. وابان هذا متروك أيضاً فلا حجة فيه.
(انما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وانما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة بني اسرائيل من دخله غفر له).
هذا هو الحديث الثاني الذي استشهد به في هذه الفقرة وعزاه للطبراني في (الأوسط) عن ابي سعيد معتمدا على ما في الأربعين للنبهاني، وهو تخريج قاصر ينم عن قلة علمه وفتور همته، ثم هو باسناد ليس اسعد حظا من سابقه فلا يفرح به، إذ اخرجه الطبراني في (الأوسط) (351 مجمع البحرين)، و(الصغير) (1/ 139- 140) من طريق عبد الله بن داهر الرازي ثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن ابي اسحاق عن حنش ابن المعتمر عن ابي ذر وهذا إسناد واهٍ جداً، عبد الله بن داهر الرازي متروك، وقال احمد: ما يكتب حديثه أنسان فيه خير- وصدق رحمه الله- وعبد الله بن عبد القدوس ضعيف، ناهيك عن اختلاط ابي اسحاق السبيعي وتدليسه.
واخرجه أيضاً البزار (245/ 1- 2 زوائد البزار) واسناده واه جدا أيضاً فيه الحسن بن ابي جعفر، وهو متروك قد تقدم ذكره.(64/53)
(النجوم امان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي امان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس).
ذكره وعزاه للحاكم (3/ 149) وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وتعمد هذا الموسوي عدم نقل قول الذهبي عن الحديث وتعقبه للحاكم، وكتم بذلك علما فنسأل الله ان يلجمه بلجام من نار يوم القيامة.
وأهل الحديث على معرفة ودراية بحال مستدرك الحاكم وما فيه من الأخطاء قد بين اكثرها الإمام الذهبي جزاه الله خيرا، وهو مما لا يحبه هذا الموسوي وزمرته لكن الله يأبى الا ان يظهر الحق ويزهق الباطل، وما فعله الذهبي لا يُعد من العصبية بحال- كما شاغب عليه هذا الموسوي واشباهه- بل لا يعدو فعله ان بين حال من فيه من رجال السند الذين ذكرهم الحاكم نفسه والذين قد بينت احوالهم وصدقهم وحفظهم في كتب الجرح والتعديل قبل نصنيف الحاكم كتابه المستدرك وقبل تعقيب الذهبي عليه، فكيف يستجيز عاقل ان يعمد الذهبي بتعصب إلى قدح رجال السند عند الحاكم ثم يعمد بعد ذلك إلى تحريف كل ما جاء في تراجمهم في جميع كتب الجرح والتعديل، كيف يستجيز عاقل هذا وكيف يقبله؟؟
اما ما يخص حديثنا هذا فقد بينه الذهبي وعقب على الحاكم بقوله: (قلت بل موضوع). وفي إسناده اسحاق بن سعيد بن اركون وهو ضعيف. قال ابو حاتم: ليس بثقة، وقال الدارقطني: منكر الحديث. وشيخه أيضاً خليد ابن دعلج السدوسي ضعيف وعده الدارقطني في المتروكين.
وكل ما ساقه في الفقرة السابعة، والتي تليها انما بناه على ما ادعاه من الاحاديث السابقة وقد بينا كذبها وسقوطها عن الاحتجاج بما يكفي لنسف كل كلامه هنا. وان نقله من (الصواعق المحرقة).(64/54)
والحديث الذي اشار اليه: (ما بقاء الناس بعدهم؟ قال: بقاء الحمار اذا كسر صلبه) لم يبين اسناده ولا مخرجه، وكذا ابن حجر في (الصواعق) (ص143) سوى عزوه لابن عساكر. وهو لا يغني شيئاً في ثبوته وصحته دون معرفة اسناده ورجاله كما لا يخفى، بل نشك انه عند ابن عساكر فعبارة ابن حجر في (الصواعق) لا تدل عليه إذ ذكر حديثا بلفظ اخر وعزاه لابن عساكر ثم قال: (و في رواية . . .) ولم يبين من اخرجها، واليك نص كلامه:
(اخرج ابن عساكر: أول الناس هلاكاً قريش، وأول قريش هلاكاً أهل بيتي، وفي رواية: فما بقاء الناس بعدهم؟ قال بقاء الحمار اذا كسر صلبه).
ثم استدركت فقلتُ: وجدت الحديث قد أخرجه الطبراني في (الأوائل) (57) من طريق مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم: (أول الناس هلاكاً قومك. قالت: قلت: يا رسول الله كيف؟ قال: يستحليهم الموت ويتنافس فيهم، قلتُ: فما بقاء الناس بعدهم؟ قال بقاء الحمار إذا كُسِر صلبُه). ومع ان لفظه لا يخص أهل البيت كما لا يخفى فإن سنده ضعيف من أجل مجالد وهو ابن سعيد الهمداني، والله الموفق.
المراجعة (9): س:
طلب المزيد من النّصوص في هذه المسألة
المراجعة (10): ش:
سرده مجموعة اخرى من الادلة المزعومة هذه
اشارته إلى الصلاة على النبي وآله في الصلاة المكتوبة واستشهاده بها على الأفضلية
الرد على الماجعة (10):
الكلام تفصيلياً عن أدلته هذه مع كشف ما في كلامه من الغش والتلاعب.
خمس ملاحظات عن استشهاده بالصلاة على آل النبي صَلّى الله عليه وسلّم في الصلاة.
استشهد في هذه المراجعة بجملة من الاحاديث. واليك بيان حالها:
(1) (من سره ان يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليّاُ من بعدي وليوال وليّه وليقتد بأهل بيتي من بعدي فانهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي).(64/55)
اخرجه ابو نعيم في (الحلية) (1/ 86) ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) وعزاه اليه الالباني في (الضعيفة) (2/ 299): وقال ابن عساكر: (هذا حديث منكر، وفيه غير واحد من المجهولين). وهو من طريق محمّد ابن جعفر بن عبد الرحيم كنا احمد بن محمّد بن يزيد بن سليم ثنا عبد الرحمن ابن عمران بن أبي ليلى ثنا يعقوب بن موسى الهاشمي عن ابن ابي رواد عن إسماعيل بن أمية عن عكرمة عن ابن عباس به.
وهو حديث موضوع، فيه اربعة من المجهولين فأحدهم هو الذي اختلق هذا الحديث الظاهر البطلان والتركيب، كما قال الألباني، وقد نقله هذا الموسوي عن (كنز العمال) موهماً أنه في مسند الامام أحمد وليس هو كذلك، وقد تعمد بعده نقل تضعيف صاحب الكنز اياه، وهذا هو دأبه في التدليس والغش وإخفاء الحقائق.
وممن حكم بوضع هذا الحديث ورده- اضافة لمن تقدم- ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/ 387)، وتبعه السيوطي في (اللالئ المصنوعة) (1/ 191، 368، 369).
(2)، (3) (من احب ان يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي وهي جنة الخلد فليتول عليا وذريته من بعده فانهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم باب ضلالة).
هذا الحديث من رواية زياد بن مطرف، والذي بعده من رواية زيد بن ارقم وهما في الحقيقة حديث واحد من طريق واحد، وقد فصلهما هذا الشّيعي ليوهم انهما حديثان متغايران اسناداً، والحقيقة خلاف ذلك فهما من طريق واحد كما سنبينه، غاية ما في الامر ان الرأوي كان يرويه تارة عن زياد بن مطرف عن زيد بن ارقم، وتارة لا يذكر زيد بن ارقم ويوقفه على زياد بن مطرف، وهو مما يؤكد ضعف الحديث لا ضطرابه في اسناده كما سيتبين ان شاء الله.(64/56)
وهو حديث موضوع اخرجه الحاكم (3/ 182)، والطبراني في (الكبير) (5067)، وابو نعيم في (الحلية) (4/349- 350، 350) من طرق عن يحي بن يعلي الأسلّمي قال ثنا عمار بن رزيق عن ابي اسحاق عن زياد بن مطرف عن زيد بن ارقم- قال الطبراني: ورما لم يذكر زيد بن ارقم- وقال ابو نعيم: (غريب من حديث ابي اسحاق تفرد به يحيى) ويحيى هذا قال عنه ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: مضطرب الحديث، وقال ابو حاتم: ليس بالقوي ضعيف الحديث. وقال الهيثمي في (المجمع) (9/ 108): رواه الطبراني وفيه يحيى بن يعلي الأسلّمي وهو ضعيف إ. ه.
وقد نقل هذا الموسوي هذا الحديثمن (كنز العمال) ومن (منتخب الكنز) بتخريجاته تلك لكنّه لم ينقل تعقيبه على الحديث- كما في (المنتخب) (5/ 32)- إذ قال: وهو واهٍ. .
فتعمد هذا الموسوي اخفاء مثل هذا، واعتمد على قول الحاكم: صحيح الاسناد- كما نقله هو في الحديث الذي بعده عن زيد بن ارقم، وهما في الحقيقة حديث واحد كما قلنا- مع ان تصحيح الحاكم لوحده لا يعتمد عليه أهل العلم بالحديث، لذا نرى الذهبي قد قال معقباً على تصحيح الحاكم: (و أنّى له الصحة والقاسم متروك وشيخه- يعني الاسلّمي- ضعيف واللفظ ركيك فهو إلى الوضع اقرب). وهو ما لم ينقله هذا الموسوي عمداً في إخفائه.
ومما يزيد في ضعف الحديث ان ابا اسحاق السبيعي فيه وقد كان اختلط مع تدليسه وهد عنعنه. ثم هو مضطرب في اسناده فتارة يروي من مسند زيد ابن ارقم وتارة من مسند زياد بن مطرف، وقد رواه عنه مطين والبأوردي وابن جرير وابن شاهين في (الصحابة)، كما ذكر الحافظ في (الاصابة) في ترجمة زياد بن مطرف. ونقل قول ابن منده عن الحديث انه: لا يصح.(64/57)
قال في الهامش (2/ 56): (وأورده ابن حجر العسقلاني مختصراً في ترجمة زياد بن مطرف في القسم الأول من اصابته ثم قال: قلت في اسناده يحيى بن يعلي المحاربي وهو واهٍ. اقول هذا غريب من مثل العسقلاني فان يحيى بن يعلى المحاربي ثقة بالاتفاق وقد اخرج له البخاري . . ومسلّم. . .) كذا قال هذا الموسوي في هامشه محأولا تصحيح الحديث بذلك ظناً منه ان خدعته هذه تنطوي على أهل الحديث. لكن بحمد الله قد قيض الله له من يكشف عن تدليسه وغشه هذا فقد قال الالباني في (الضعيفة) (2/ 269- 297) كلاما طويلا في رده ارى من المناسب نقله كله- على طوله- واليك نصه:
(فاقول: أغرب من هذا الغريب ان يدير عبد الحسين كلامه في توهيمه الحافظ في توهينه المحاربي، وهو يعلم ان المقصود بهذا التوهين انما هو الاسلّمي وليس المحاربي، لان هذا مع كونه من رجال الشيخين فقد وثقة الحافظ نفسه في (التقريب) وفي الوقت نفسه ضعف الاسلّمي، فقد قال في ترجمة الأول:
((يحيى بن يعلي بن الحارث المحاربي الكوفي ثقة، من صغار التاسعة مات سنة ست عشرة)) وقال بعده بترجمة: ((يحيى بن يعلي الاسلّمي الكوفي شيعي ضعيف، من التاسعة)) وكيف يعقل ان يقصد الحافظ تضعيف المحاربي المذكور وهو متفق على توثيقه، ومن رجال صحيح البخاري الذي استمر الحافظ في خدمته وشرحه وترجمة رجاله قرابة ربع قرن من الزمان؟ كل ما في الامر ان الحافظ في (الاصابة) اراد ان يقول ((. . . الاسلّمي وهو واه. .)) فقال واهما: ((المحاربي وهو واه)).
فاستغل الشّيعي هذا الوهم أسوأ الإستغلال، فبدل ان ينبّه ان الوهم ليس في التوهين وانما في كتب ((المحاربي)) مكان ((الاسلّمي)) اخذ يوهم القراء عكس ذلك وهو ان رأوي الحديث انما هو المحاربي الثقة وليس هو الاسلّمي الواهي، فهل في صنيعه هذا ما يؤيد من زكاه في ترجمته في أول الكتاب بقوله:(64/58)
((ومؤلفاته كلها تمتاز بدقة الملاحظة . . . وامانة النقل)) اين امانة النقل يا هذا وهو ينقل الحديث من (المستدرك) وهو يرى فيه يحيى بن يعلي موصوفا بانه (الاسلّمي) فيتجاهل ذلك ويستغل خطأ الحافظ ليوهم القراء انه المحاربي الثقة؟ واين امأنته أيضاً وهو لا ينقل نقد الذهبي والهيثمي للحديث بالاسلّمي هذا ؟ فضلا عن ان الذهبي أعله بمن هو اشد ضعفا من هذا كما رأيت.
ولذلك ضعفه السيوطي في (الجامع الكبير) على قلة عنايته فيه بالتضعيف، فقال: ((وهو واهٍ)).
وكذلك وقع في (كنز العمال) رقم (2578)، ومنه نقل الشّيعي الحديث، دون ان ينقل تضعيفه هذا مع الحديث، فأين الأمانة المزعومة أين ؟؟).
ثم نقل الألباني كلام الحافظ في مقدمته للاصابة ثم قال:
(قلت: فلا يستفاد اذن من ايراد الحافظ للصحابي في هذا القسم ان صحبته ثابتة، ما دام انه قد نص على ضعف إسناد الحديث الذي صرح فيه بسماعه من النبي صَلّى الله عليه وسلّم وهو هذا الحديث ثم لم يتبعه بما يدل على ثبوت صحبته من طريق اخرى، وهذا ما أفصح بنفيه الذهبي في (التجريد) بقوله: (1/ 199): ((زياد بن مطرف، ذكره مطين في الصحابة، ولم يصح)).
واذا عرفت هذا فهو بأن يذكر في المجهولين من التابعين، أولى من ان يذكر في الصحابة المكرمين وعليه فهو علّة ثالثة في الحديث.
ومع هذه العلل كلها في الحديث يريدنا الشّيعي ان نؤمن بصحته عن رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم غير عابيء بقوله صَلّى الله عليه وسلّم: (من حدّث عني بحديث وهو يري انه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلّم في مقدمة (صحيحه) فالله المستعان.(64/59)
وكتاب (المراجعات) للشيعي المذكور محشو بالاحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل على رضي الله عنه، مع كثير من الجهل بهذا العلم الشريف والتدليس على القراء والتضليل عن الحق الواقع، بل والكذب الصريح مما لا يكاد القارئ الكريم يخطر في باله أن أحداً من الؤلفين يحترم نفسه يقع في مثله) أنتهى كلام المحدث الشيخ الالباني فجزاه الله خيرا.
(أوصي من آمن بي وصدّقني بولاية علي بن ابي طالب، فمن تولاه فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله، ومن أحبّه فقد أحبني، ومن أحبذني فقد أحبّ الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ).
(اللهم من آمن بي وصدقني فليتولّ عليّ بن ابي طالب، فان ولايته ولايتي، وولايتي ولاية الله تعالى).
كلا الحديثين من رواية عمار بن ياسر رضي الله عنهما، وقد نقله هذا الموسوي من (كنز العمال) حتى الاسناد الذي ذكره في الهامش (5/ 56).
وقد تعجبت أولاً حين رأيت الاسناد في الهامش لكن زال تعجبي هذا حين علمت ان صاحب الكنز هو الذي ذكره ومنه نقله الموسوي، وان جزء (المعجم الكبير) للطبراني الذي فيه مسند عمار بن ياسر لم يطبع، فلا فضل هذا الموسوي بنقله الاسناد إذ ليس له اهتمام بالأسانيد كما قلنا.(64/60)
وقد مكننا الله سبحانه بسبب معونة بعض الأخوة- جزاه الله خيرا- من الكشف عن موضعي الحديثين، إذ قد اخرجهما ابن عدي في (الكامل) (6/ 2126) (5/ 1768) باسنادين واهيين جداً، اما الأول ففيه: عبد الوهاب بن الضحاك الحمصي، كذبه ابو حاتم، وقال النسائي وغيره: متروك، كما في (الميزان)، وفيه أيضاً محمّد بن عبيد الله بن ابي رافع، ضعفه ابو حاتم وغيره، وقال البخاري: منكر الحديث. واما الاسناد الثاني ففيه: جعفر بن احمد بن علي بن بيان شيخ ابن عدي. وقد كذبه ابن عدي نفسه، وقال ابن يونس: كان رفاضيا يضع الحديث، وفيه أيضاً: محمّد بن عبيد الله بن ابي رافع المتقدم في الاسناد الأول. كما ان الحديثين يشتركان في محمّد بن ابي عبيدة بن محمّد بن عمار بن ياسر، وهو مجهول غير معروف، إذ لم يثبت ان لأبي عبيدة بن محمّد بن عمار ولداً اسمه محمّد روى عنه. فسقط بذلك الحديثان ولله الحمد. . .
قوله: وخطب صَلّى الله عليه واله وسلّم مرة فقال: ((يا ايها الناس ان الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذريته، فلا تذهبن بكم الاباطيل)).
وعزاه في الهامش (6/ 57) لابي الشيخ في حديث طويل نقلا من (الصواعق المحرقة) (ص105).
وهذا لا يمكن الاحتجاج به البتة إذ لا يعرف له إسناد صحيح، بل لا يعرف له إسناد اطلاقا، وهو ما لا يمكن هذا الموسوي اثباته هو ولا عشيرته واهله واشباهه من الرافضة، بل وحتى الشيعة كلهم، مع ان لفظه ليس فيه إلا فضل لأهل البيت ذرية النبي صَلّى الله عليه وسلّم فقط وهو لا يشمل عليا ابدا إذ هو ليس من ذريته صَلّى الله عليه وسلّم، فما اشد حماقة هؤلاء الرافضة بمثل هذا الاستدلال.(64/61)
قوله: (و قال صَلّى الله عليه واله وسلّم: ((في كل خلف من امتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وأنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ألا إن أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون)) وعزاه في الهامش (7/ 57) للملا في سيرته نقلا من (الصواعق المحرقة) (ص90).
- وهو مثل سابقه في عدم معرفة إسناد له حتى يمكن النظر فيه ثم ادعاء صحته، فمن اين علم هؤلاء المهازيل اسنادي هذين الحديثين ثم صححوهما حتى احتجوا بهما ؟ ونحن نتحدّاهم في أن يسمّوا لنا رجال إسنادي هذين الحديثين من الثقات المقبولين، والا فحجتهم داحضة والحمد لله.
ثم قال الموسوي: (و قال صَلّى الله عليه واله وسلّم: ((فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلّموهم فانهم أعلم منكم)) قد تقدم ذكر هذا الحديث والإستشهاد به من قبل هذا الموسوي وقد بينا حاله من الضعف فهو احدى روايات الطبراني لحديث زيد بن ارقم لخطبة غدير خم، برقم (2681، 4971) باسناد لا يحتج بمثله أهل العلم، فراجعه في موضعه صفحة (46).
قوله: وقال صَلّى الله عليه واله وسلّم: ((واجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدي الرأس الا بالعينين)).
وعزاه في الهامش (9/ 57) لجماعة من اصحاب السنن، وهو باطل فلم يخرجه أحد من اصحاب السنن، بل رواه الطبراني- (مجمع الزوائد) (9/ 172)- عن سلّمان الفارسي من قوله ولم يرفعه إلى رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم، ولفظه: (انزلوا آل محمّد بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العينين من الرأس، فان الجسد لا يهتدي الا بالرأس وان الرأس لا يهتدي إلا بالعينين) وقال الهيثمي: (و فيه زياد بن المنذر، وهو متروك) قلت: وهو ابو الجارود الذي اليه تنسب الجارودية، وقد كذبه ابن معين وابن حبان وغيرهما. فسقط بذلك الحديث أيضاً ولله الحمد والمنة. .(64/62)
قوله: وقال صَلّى الله عليه واله وسلّم: (إلزموا مودتنا أهل البيت، فإنّه من لقي الله وهو يودّنا، دخل الجنة بشفاعتنا والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله الا بمعرفة حقنا).
وعزاه في الهامش (10/ 57) للطبراني في الأوسط، وهو كذلك، انظر (مجمع الزوائد) (9/ 172) وقال الهيثمي: (و فيه ليث بن ابي سليم وغيره) قلت: وهو حديث باطل، ليث بن ابي سليم ضعيف بالاتفاق بسبب اختلاطه كما بينه ابن حيان في (المجروحين)، وقال الحافظ في (التقريب) صدوق اختلط اخيرا ولم يتميز حديثه فترك إ. ه.
وعبارة الهيثمي تشير إلى وجود ضعيف آخر غير ليث هذا، وان كان الليث يكفي لرد مثل هذا الحديث.
وكل كلامه الذي قاله في الهامش شرحاً لهذا الحديث إنما هي ثرثرة لا دليل عليها.
قوله: وقال صَلّى الله عليه وآله وسلّم: (معرفة ال محمّد براءة من النار، وحب آل محمّد جواز على الصراط والولاية لآل محمّد أمان من العذاب).
وعزاه في الهامش (11/ 58) للقاضي عياض في كتابه (الشفا)، وقد رجعت إلى نفس الطبعة التي اعتمدها هذا الموسوي، طبعة الاستانة سنة 1328ه فرايت القاضي عياض قد قال في القسم الثاني من كتابه (الشفا) (ص40): (فصل ومن توقيره صَلّى الله عليه وسلّم وبره بر آله وذريته وامها المؤمنين ازواجه. . .) ثم ذكر قوله تعالى: {انما يريد الله لِيُذهِبَ عنكُم الرّجسَ أهل البيتِ ويُطَهّركم تطهيراً} ثم قال: (و قال صَلّى الله عليه وسلّم: معرفة آل محمّد صَلّى الله عليه وسلّم براءة من النار. . .) الحديث إ. ه.(64/63)
قلت: فها هنا أمران اثنان: الأول. . ان القاضي عياض ذكر الحديث هذا دون اسناده ودون عزوه إلى احد وبيان مخرجه بل ودون بيان صحته وثبوته وهو تماما كذكر هذا الموسوي للحديث إذ لم يفد عزوه الحديث للقاضي عياض في (الشفا) خصوصا وان القاضي لم يدع ثبوت جميع احاديث كتابه ذاك ولم يلتزم صحتها فلا يفيد ذلك في حجته ونبقى نطالب بالسند الصحيح الثابت لهذا الحديث، ونحن مع قوم- فيما يبدو- لا يفقهون، إذ خلافنا معهم في وجوب الاتيان بالسند الصحيح لكل حديث يدعونه، وثم يأتي هذا الموسوي فينقل حديثا من كتاب لم تميز احاديثه الصحيحة بل ولم يذكر اسنادا لذلك الحديث. فهل هذا منهج أهل العلم؟ ونحن نسأله كيف تسنى لك معرفة صحة هذا الحديث وثبوته حتى تحتج به وهو بدون اسناد؟(64/64)
الامر الثاني. . ان القاضي عياض- وهو الذي نقل لنا هذا الحديث وعرفهذا الموسوي به- أدخل أزواجه صَلّى الله عليه وسلّم أمهات المؤمنين في معنى ما ذكره، فان كان الحامل لهذا الموسوي على قبول هذا الحديث ثقته بالقاضي عياض وقبوله به فلم لم يقبل قوله هذا ويدخل ازواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم في آله؟ وان لم تكن له ثقة بالقاضي عياض فكيف يحتج بحديث اعتماداً على ذكر القاضي عياض له خصوصا وانه دون اسناد؟ فهل بعد هذا يشك أحدٌ ان مقياس ثبوت الحديث عند هذا الموسوي وأشباهه انما هو موافقته لاهوائهم ومذاهبهم الفاسدة؟ وخير دليل على هذا حديثنا الحالي الذي بين يديك. وانظر إلى انعدام الأمانة في هذا الموسوي لعبارة القاضي عياض من كتابه (الشفا) إذ قال: (أورده القاضي عياض في الفصل الذي عقده لبيان أنّ من توقيره وبرهّ صَلّى الله عليه وآله وسلّم بر آله وذريته). إ. ه. مع ان عبارة القاضي عياض لها تتمه لا يصح عند العقلاء اغفالها وهو قوله (. . . أمهات المؤمنين أزواجه) عقب العبارة التي نقلها مباشرة، فتصرف هذا الموسوي كما يحلو له بكلام الرجل، الامر الذي لا يخطر ببال احد ان مؤلفا يحترم نفسه يفعل مثل هذا، امثل هذا يؤتمن بعد ذلك في نقله؟ وهذا عندهم من كبائرهم وائمتهم. وان كان يزعم انه احتج بالقاضي عياض لا لقبوله عنده نفسه بل لقبوله عند أهل السّنّة فنقول ان احداً من أهل السّنّة علماءهم وعوامهم لم يقل ولم يعتقد بصحة كل ما رواه القاضي عياض في كتابه ذاك، فضلاً عن ان القاضي نفسه لم يقل هذا ولم يدّعه كما اشرنا. وليكن معلوما عند من لم يعلم ذلك ان أهل السّنّة عموما لا يقولون بصحة احاديث أي كتاب جملة وكاملاً الا الصحيحين البخاري ومسلّم، وكل ما عداهما عندهم خاضع لدراسة اسناده وتحقق صحته وثبوته فلا يغفلنّ أحدّ عن هذا. .(64/65)
وأما الحديث الذي ذكره في الهامش (11/ 58) زاعما انه يفسر حديثنا هذا ولفظه: (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتةً جاهلية) فليس اسعد حظاً من سابقه ولو كان هذا الموسوي صادقاً في وجود مثل هذا الحديث لذكر إسناده، أو بين موضعه الذي نقله منه الا من كتبهم الباطلة، وغالب الظن انه نقله من كلام سلفة ابن المطهر الحلي كما بيته شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية) ورد هذا الحديث من جهة سنده ومتنه وبين ان في ثبوت مثل هذا الحديث حجة على الشعية نفسها، واليك نص كلامه- (المنتقى) (ص30- 32)-(64/66)
(و اما قولك في الحديث ((من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية)) فنقول: من روى هذا؟ وأين اسناده ؟ بل والله ما قاله الرسول صَلّى الله عليه وسلّم هكذا . وانما المعروف ما روى مسلّم ان ابن عمر جاء إلى عبد الله بن مطيع حين كان من امر الحرة ما كان فقال: اطرحوا لابي عبد الرحمن وساد، فقال: اني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدّثك حديثاً سمعت رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يقول: ((من خلع يداً من طاعةٍ لقيَ الله يوم القيامة ولاحجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)). وهذا حديث حدث به ابن عمر لما خلعوا امير وقتهم يزيد- مع ما كان عليه من الظلم- فدل الحديث على ان من لم يكن مطيعا لولاة الأمر أو خرج عليهم بالسيف مات ميتة جاهلية. وهذا ضدّ حال الرافضة فانهم أبعد الناس عن طاعة الأمراء الا كرهاً وهذا الحديث يتنأول من قاتل في العصبية، والرافضة رؤوس هؤلاء، ولكن لا يُكفّر المسلّم بالاقتتال في العصبية، فان خرج عن الطاعة ثم مات ميتة جاهلية لم يكن كافراً- إلى ان قال شيخ الإسلام- ثم لو صح الحديث الذي أوردته لكان عليكم، فمن منكم يعرف امام زمانه أو رآه أو رأى من رآه أو حفظ عنه مسألة؟ بل تدعون إلى صبي- ابن ثلاث أو خمس سنين- دخل سردابا من اربعمائة وستين عاماً- قلت: هذا في حياة شيخ الإسلام- ولم ير له عين ولا اثر ولا سمع له حس ولا خبر، وانما امرنا بطاعة ائمة موجودين معلومين لهم سلطان وان نطيعهم في المعروف دون المنكر) أنتهى كلام شيخ الإسلام، وفيه الرد الشافي ان شاء الله.
قوله: وقال صَلّى الله عليه وآله وسلّم: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع؛ عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما ابلاه، وعن ماله فيما انفقه ومن اين اكتسبه، وعن محبتنا أهل البيت)) وقال في الهامش (12/ 58): (اخرجه الطبراني عن ابن عباس مرفوعا).(64/67)
قلت: نعم اخرجه الطبراني في (الكبير) (11177) من طريق حسين بن الحسن الاشقر ثنا هشيم بن بشير عن ابي هاشم عن مجاهد عن ابن عباس به. وهو حديث باطل لا يصح، قال الهيثمي في (المجمع) (10/ 346): وفيه حسين بن الحسن الأشقر وهو ضعيف جدا، قلت: قال عنه ابو زرعة: منكر الحديث وفيه أيضاً هشيم بن بشير وهو كثير التدليس والارسال الخفي وقد عنعنه كما ترى، فالحديث لا يصح اطلاقاً.
ومما يؤيد ضعفه وبطلانه انه جاء بلفظ آخر- وهو الصحيح- من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم قال: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم) أخرجه الترمذي، الطبراني في (الكبير) و(الصغير)، وابو يعلى، والخطيب وابن عساكر أنظر (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (946). .
قوله: وقال صَلّى الله عليه وآله وسلّم: (فلو ان رجلا صفن- صف قدميه- بين الركن والمقام فصَلّى وصام وهو مبغض لآل محمّد دخل النار).
هذا هو اللفظ الذي ذكره وواضح ان لم ينقله من مصدره الأصلي- وهو مستدرك الحاكم- لسببين: أولهما: ان هناك اختلافاً يسيراً في اللفظ.
والثاني: لم ينقل تصحيح الحاكم له وهو مما يقوي دليله ويفيده، لذا أقول قد قصر في تخريج الحديث تخريجا قاصراً وغير دقيق على عادته في معظم تخريجاته، وعلى عكس ما وصف به من دقة الملاحظة وسعة التتبع.
وهذا الحديث اخرجه الحاكم (3/148-149) من طريق إسماعيل بن ابي أويس ثنا ابي عن حميد بن قيس المكي عن عطاء بن ابي رباح وغيره من اصحاب ابن عباس عن ابن عباس عن رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم قال: (. . . . فلو ان رجلا صفن بين الركن والمقام فصَلّى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لاهل بيت محمّد دخل النار)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلّم، ووافقه الذهبي.(64/68)
قلت: وقد عزاه في الهامش(13/ 58) للطبراني والحاكم مع عدم بيان اسناده وو سنبينه نحن ان شاء الله فنقول: اما إسناد الحاكم فقد ذكرناه وذكرنا تصحيح الحاكم والذهبي له، وسارجئ الكلام عليه في بيان ذلك التصحيح بعد الكلام على معنى الحديث- واما إسناد الطبراني فقد بينه الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/ 171) وعزاه لابن عباس أيضاً بنفس اللفظ، لكن فيه محمّد بن زكريا الغلابي، شيخ الطبراني وقد ضعفه الهيثمي، وهو كذاب يضع الحديث كما قال الدارقطني وابن معين.
وذكر له الهيثمي (9/ 170) شاهدا من حديث عبد الله بن جعفر، وقال الهيثمي: (رواه الطبراني في (الأوسط)، وفيه اصرم بن حوشب وهو متروك) قلت: وقد اتهم بالكذب ووضع الحديث. فلا يلتفت بعد هذا إلى إسناد الطبراني لهذا الحديث لما رأيت من حاله، ويبقى عندنا إسناد الحاكم وعلى فرض صحته على شرط مسلّم كما قال الحاكم والذهبي فليس في لفظه ولا في ما يدل عليه دليل على ما ادعاه الموسوي من وجوب التمسك بمذهب أهل البيت- رضي الله عنهم- دون ما سواهم والقول بعصمتهم- كما يرمي اليه هذا الموسوي واشباهه- بل ان الحديث يدل على وجوب محبتهم- مع ان لفظه في نفي البغض فقط- ويبدو ان هذا الرجل يظن بأن أهل السّنّة يبغضون عليا وأهل البيت فراح يستدل عليهم بما رووه هم، وانما من سوء فهمه أتي- على فرض سلامة نيته- أو انه يعلم ذلك لكنّه لم يحسن الاستدلال على مطلوبه من وجوب التمسك بمذهب أهل البيت والقول بعصمتهم- على زعمه-، أو لم يجد حديثاً صحيحاً يدل على ذلك- وهو اكيد- فراح يأتي بكل حديث فيه ذكر لأهل البيت موهما انه يؤيد ما ادعاه.
أما أهل السّنّة فمن أصول مذهبهم واعتقادهم محبة الصحابة جميعا وأهل البيت ايضا، ويقدمونهم على انفسهم، كما قال أبو بكر رضي الله عنه: (لقرابة رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم احب إلى ان اصل من قرابتي)- رواه البخاري-.(64/69)
لذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (العقيدة الواسطية) وهي لبيان اعتقاد أهل السّنّة: (و يحبون أهل بيت رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم حيث قال في يوم غدير خم: اذكّركم الله في أهل بيتي اذكركم الله في أهل بيتي) وقال أيضاً في قصيدته اللامية لبيان اعتقاده ومذهبه:
حبّ الصحابة كلهم لي مذهب ... و مودّه القربى بها أتوسّل
اي اتقرب إلى الله تعالى بحبهم. وابن تيمية من اشد الناس الذين تبغضهم الرافضة وتتهمه بعدأوته لأهل البيت- كما فعل الموسوي نفسه- وهو افتراء عليه كما ترى.
والمقصود من أهل البيت هم من كان على سنة المصطفى صَلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون منهم، والا فابو لهب حتما ليس مقصوداً بالمحبة، بل بالغض والعدأوة.
والحديث هذا لا يدل بمنطوقه على وجوب محبة أهل البيت بل بمفهومه. واما منطوقه فيدل على ان من مات وهو يبغض أهل البيت دخل النار، فهو اذن في النهي عن بغضهم فقط وان كأنت محبتهم تأتي بعد ذلك، وفيه ان صاحب ذلك يدخل النار- مع انه كان يصَلّى ويصوم- ولم يقل خالدا في النار باعتبار ذلك من الذنوب التي تمحوها نار جهنم ان لم تمح بالشفاعة والمغفرة وغير ذلك.
هذا هو معنى الحديث وما يدل عليه وما يستلزمه، فاين فيه وجوب التمسك بمذهبهم دون غيرهم؟ واين فيه القول بعصمتهم كما يدعي هذا الموسوي واشباهه؟
ولم يكتف بذلك بل قد قال شارحا للحديث في الهامش (13/ 58): (و لولا ان بغضهم بغض لله ولرسوله ما حبطت اعمال مبغضهم ولو صفن بين الركن والمقام فصَلّى وصام، ولولا نيابتهم عن النبي صَلّى الله عليه وآله وسلّم ما كأنت لهم هذه المنزلة) إ. ه.(64/70)
وتفسيره الحديث بهذا الشكل يدل على احد امرين: اما سوء فهمه وعدم قدرته على استنباط الحكم من النص، أو انه نوع من التدليس والايهام والتحريف لمعنى النّصوص بالشكل الذي يزيد على النص من كلامه الذي يريد تقريره والوصول اليه، ولا اظن عاقلا ينظر إلى نص الحديث ثم يستنبط منه ما ادعاه هذا الموسوي ولا جزء منه ولا قريبا منه.
فاين في الحديث ذكر لحبوط الاعمال؟ فان قيل ان ذلك من لوازم دخول النار، قلنا: فالسارق والزاني وشارب الخمر، بل اصحاب الذنوب دون هذه يدخلون النار ان لم يغفر الله لهم ثم ثبت خروج مثل هؤلاء من النار بالشفاعة وغيرها ثم يدخلون الجنة ولا تحبط اعمالهم، بل كل من مات على التوحيد مع ما عنده من الذنوب وان عظمت فإنّه يدخل النار ان لم يغفر الله له ثم يخرج منها إلى الجنة ولم يحبط توحيده.
ثم اين في الحديث تقرير لنيابتهم عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم؟ بل هذا ما يتراءى لهذا الرجل لسوء نيته ومقصده، وان كان احد من الامة احق بالنيابة عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم فهما ابو بكر وعمر رضي الله عنهما لقول النبي صَلّى الله عليه وسلّم: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر).(64/71)
وابو بكر أولى بذلك، لقوله صَلّى الله عليه وسلّم للمرأة التي جاءت تسأله فقال: ارأيت ان جئت فلم اجدك؟ قال: (إئتِ ابا بكر)، فهذا صريح كل الصراحة في نيابته رضي الله عنه عن المصطفى صَلّى الله عليه وسلّم بعد موته، بل وفي حياته أيضاً اذا ما غاب صَلّى الله عليه وسلّم لامرٍ ما، كما في حديث تقديم ابي بكر للصلاة بالناس اماما في مرض النبي صَلّى الله عليه وسلّم الذي توفي فيه، وكذا لما ذهب صَلّى الله عليه وسلّم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فقدم الصحابة-مثل بلال وغيره- ابا بكر للصلاة بهم نيابة عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم، والحديث في (الصحيح) ومثل تقديمه صَلّى الله عليه وسلّم لابي بكرا أميراً على الحج سنة تسع للهجره- قبل حجة الوداع- نيابة عن النبي صَلّى الله عليه وسلّم وكان فيمن كان مع ابي بكر وتحت امرته علي رضي الله عنه، فكان ابو بكر هو الامير في تلك الحجة- كما في (سيرة ابن هاشم) وغيرها-.
وبعد الكلام على معنى الحديث وما يدل عليه فهذا أو ان الكلام على إسناد الحديث فأقول: ان الذي حملني على دراسة إسناد هذا الحديث والكلام عليه- مع تصحيح الحاكم له على شرط مسلّم وموافقة الذهبي على ذلك- انه من رواية إسماعيل بن ابي أويس عن ابيه- وهو عبد الله بن عبد الله بن أويس- ويعرف بابي أويس واظن- والله اعلم- ان الحاكم والذهبي قد وهما- رحمهما الله تعالى- بتصحيح الحديث على شرط مسلّم لسببين:
الأول: ان ابا أويس هذا لم يخرج له مسلّم محتجا به بل متابعة، انظر في (صحيح مسلّم) المواضع الآتية:
(1/ 134) فقد ذكر له رواية عن الزهري متابعا في ذلك رواية مالك ويونس عن الزهري قبله.
(1/ 297) ذكر له رواية عن العلاء بن عبد الرحمن متابعا في ذلك رواية مالك وابن عيينة وابن جريح عن العلاء قبله.
وقد ذكر ذلك الذهبي نفسه في (الميزان) (2/ 450) إذ رمز له (م تبعا) اي اخرج له في المتابعات.(64/72)
والثاني: ان إسماعيل بن ابي أويس واباه وان كان قد روى لهما مسلّم في صحيحه، الا انه لم يرو لابي أويس من طريق ابنه إسماعيل، فهذا مما يخرج الحديث عن شرط مسلّم، بل مما يوهن الحديث ويقربه إلى الضعف، فان إسماعيل هذا فيه كلام وهو خير من ابيه واليك حالهما تفصيلاً:
إسماعيل بن ابي أويس: قال الذهبي في (الميزان): محدث مثر فيه لين . وقال الحافظ في (التقريب)ك صدوق ربما أخطأ في احاديث من حفظه . وقد ضعفه غير واحد كابن معين ومعاوية بن صالح والنسائي، وهم من المتشددين، لكن ذكر النسائي قصة- راجع (تهذيب التهذيب)- مؤداها انه كان يضع الحديث لاهل المدينة، وعقب عليها الحافظ فقال: (قلت: وهذا هو الذي بان للنسائي منه حتى تجنب حديثه واطلق القول اليه بانه ليس بثقة، ولعل هذا كان من إسماعيل في شبيبته ثم انصلح، واما الشيخان فلا يظن بهما انهما اخرجا عنه الا الصحيح من حديثه الذي شارك فيه الثقات) إ. ه. وقال أيضاً في (هدي الساري مقدمة فتح البخاري) (551): (احتج به الشيخان الا انهما لم يكثرا من تخريج حديثه ولا اخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين، واما مسلّم فاخرج له اقم مما اخرج له البخاري) إ. ه.
قلت: أما اعتماد البخاري على اسماعي لبن ابي أويس في الحديثين اللذين انفرد بهما إسماعيل فله معه قصة تبين سبب ذلك، قال الحافظ في (مقدمة فتح الباري): (وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح ان إسماعيل اخرج له له اصوله واذن له ان ينتقي منها وان يعلم له على ما يحدث به ليحدث به ويعرض عما سواه) إ. ه. ففيه دليل عى ان ما اخرجه البخاري عنه من صحيح حديثه لانه نقله من كتبه وأنتقاه بمعرفته فاندفع بذلك سوء حفظه فيما اخرجه البخاري عنه، لذا عقبه الحافظ بالقاعدة، (وعلى هذا لا يحتج بشي من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره الا ان شاركه فيه غيره فيعتبر به) إ. ه.(64/73)
وأما مسلّم فلم يُخرج لإسماعيل بن أبي أويس هذا حديثاً فرداً مطلقاً من روايته وحده بل كل ما اخرجه له متابعات لإسماعيل في روايته سواء كأنت متابعة تامة أو قاصرة، انظر المواضع الآتية في (صحيح مسلّم): (2/ 875) (2/ 1135) (3/ 1272) (3/ 1526) (3/ 1658) (4/ 1880) سوى موضع واحد في (3/ 1191- 1192) لكن هذا الحديث الذي رواه مسلّم بذلك الاسناد قد اخرجه البخاري نفسه من روايته عن إسماعيل بن أبي أويس، أنظر (صحيح البخاري) (3/ 244) فزال بذلك اللبس ان شاء الله وتحققت تلك القاعدة التي قررها الحافظ ابن حجر رحمه الله .
فإذا استقر الامر على ذلك فحديثنا هذا مما انفرد به إسماعيل بن أبي أويس وليس له متابع ولا شاهد وهو ما يبعد الحديث عن الصحة، فضلا عن ان يكون على شرط مسلّم.
أبو أويس، واسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس: قال الحافظ في (التقريب): صدوق يهم، وقد ضعفه غيره لسوء حفظه حتى قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به وليس بالقوي إ. ه. قلت: يعني لا يحتج بما انفرد به – كما هو الحال هنا- وانما حديثه يصح في الشواهد والمتابعات وعلى هذا الاساس اخرج له مسم في صحيحه إذ لم يتحج به منفرداً بل في المتابعات فلا يصح ما انفرد به خصوصا اذا انضم إلى ذلك ان حديثه من رواية ابنه إسماعيل- وقد تقدم حاله- فيزداد الحديث بذلك وهناً على وهن.
نعم يمكن ان يُقال ان المعنى الأصلي للحديث- وهو النهي عن بغض أهل البيت وان ذلك من الموجبات للعقوبة- صحيح لما له من شواهد صحيحة تدل عليه: وهذا فقط هو المعنى الذي يمكن ان يصح من هذا الحديث والله الموفق للصواب.
وقال في الهامش (13/ 58): واخرج الحاكم وابن حبان في صحيحه- كما في اربعين النبهاني واحياء السيوطي- عن ابي سعيد قال: قال رسول الله: ((والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلاّ دخل النار)).(64/74)
قلت: اخرجه الحاكم في (المستدرك) (3/ 150) من طريق محمّد بن بكير الحضرمي ثنا محمّد بن فضيل الضبي ثنا ابان بن جعفر بن ثعلب عن جعفر بن اياس عن ابي نضرة عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه وقال الحاكم: اياس عن ابي نضرة عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلّم، ولم يتعقبه الذهبي بشيء فقصر- رحمه الله- وكان حقا عليه ان يبين انه ليس على شرط مسلّم، بل ليس بصحيح أصلاً، فمحمّد بن بكير الحضرمي المذكور ليس من رجال مسلّم أصلاً، وقد قيل ان البخاري اخرج عنه ولم يثبت ذلك، وقال عنه الحافظ صدوق يخطئ. وفي اسناده أيضاً ابان ابن جعفر بن ثعلب ولم اجد له ترجمة، وقد يكون هو ابان بن تغلب وتصحف اسمه، لكنّه بعيد لزيادة اسم جعفر بينهما، ثم ان كان هو فبين وفاته ووفاة جعفر بن إياس شيخه في هذا الإسناد (114) سنة، توفي جعفر سنة (126) وتوفي ابان سنة (240)، وعلى اية حال فلا يصح إسناد هذا الحديث، وعلى فرض صحته فليس فيه ما يدل على ما ادعاه هذا الموسوي مما سبق بيانه في الحديث (12)، قصاري ما فيه النهي عن بغض أهل البيت، وان ذلك من الذنوب الموجبة لنار جهنم، والله أعلم.
وقال في الهامش (13/ 58) أيضاً: (واخرج الطبراني- كما في اربعين النبهاني واحياء السيوطي- عن الامام الحسن السبط قال لمعاوية ابن خديج: ((واياك وبغضنا أهل البيت فان رسول الله قال: لا يبغضنا احد ولا يحسدنا احد الا ذيد يوم القيامة عن الحوض بسياط من نار)) إ. ه.
قلت: اخرجه الطبراني في (الأوسط)- (مجمع الزوائد) (9/ 172)- وقال الهيثمي: (وفيه عبد الله بن عمرو الواقفي وهو كذاب) إ. ه. فالحديث موضوع مكذوب مختلق اذن.
وقال في ذلك الهامش أيضاً: وخطب النبي صَلّى الله عليه وسلّم فقال: ((يا أيّها الناس من ابغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً)).(64/75)
قلت: اخرجه الطبراني في (الأوسط)- (مجمع الزوائد) (9/ 172)- عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خطبنا رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم فسمعته وهو يقول: ((أيها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره الهل يوم القيامة يهودياً)) فقلت يا رسول الل هو ان صام وصَلّى، قال: ((وإن صام وصَلّى وزعم أنّه مسلّم احتجز بذلك من سفك دمه وان يؤدي الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، مثل لي امتي في الطين فمر بي أصحاب الرايات، فاستغفرتُ لعليّ وشيعته)) إ. ه.
قلت وهذا باطل واضح من متنه لا يماري في ذلك الا من كان في قلبه مرض، وقد قال الهيثمي عن سنده (و فيه من لم اعرفهم) إ. ه. وهذا في الحقيقة اشد انواع التضعيف إذ هي رواية عن مجهول العين وهو اشد ضعفاً من مجهول الحال بل أشدّ ضعفاً ممّن قيل فيه: ضعيف، كما بينه الحافظ ابن حجر في مقدمة (التقريب) إذ ان مراتب الجرح ستة، والابتداء باقلها يكون مجهول الحال في المرتبة الأولى ويليه في الثانية الضعيف ثم في الثالثة مجهول العين . ويعبر عنه بلفظ (مجهول) فقط, وهو النوع الذي نحن بصدده . فلا يتوهمنّ أحدٌ انه تضعيفٌ بسيط، فربما يكون هذا المجهول من الكذابين، كما هو الراجح في حديثنا هذا. .
قوله: وقال صَلّى الله عليه وآله وسلّم: ((من مات على حب ال محمّد مات شهيداً، الا ومن مات على حب آل محمّد مات مغفوراً له الا ومن مات على حب آل محمّد مات تائباً , الا ومن مات على حب آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الايمان، الا ومن مات على حب آل محمّد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير، الا ومن مات على حب آل محمّد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها , الا ومن مات على حب آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنة، الا ومن مات على حب آل محمّد مات على السنة والجماعة، الا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة الله . . . . . إلى آخر خطبته العصماء)).(64/76)
وعزاه في الهامش (14/ 59) للثعلبي والزمخشري في تفسيريهما . اما الزمخشري فقد زكره في (الكشاف) (2/ 82) من غير إسناد ولا عزو لأحد فلا يصحّ العزو اليه اذن، ولا أظن الزمخشري إلا نقله من الثعلبي، واذا كان كذلك فلا يمكن الاطمئنان إلى الثعلبي- رغم انا لم نتأكد من اخراجه فعلاً- فإنّه كما قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية كان كحاطب بليل وسيأتي الكلام عليه أيضاً في صفحة (102- 103) .
وقد نقل الحديث عن الزمخشري كل من الرازي في تفسيره (27/ 165- 166)، والقرطبي أيضاً (16/ 23) وهما أيضاً لم يذكرا مصدراً له سوى تفسير الزمخشري، هذا فضلاً عن ان تفسير الثعلبي الذي هو المصدر الأصلي لهذا الحديث الموضوع غير مطبوع إلى الان فكيف يمكن العزو اليه . واذا كان العزو عن طريق مصدر آخر وسطي فينبغي لأهل العلم الأمناء التصريح به وعدم التعمية عليه كما فعل هذا الموسوي، وقد اشار إلى هذا الحديث ابن حجر في (الصواعق) (ص 230) وطعن في ثبوته، وهو الامر الذي لم يعجب عبد الحسين هذا فكتمه ولم يصرح به، جزاه الله بما يستحق . والخلاصة انا نبقى نتحدّاهم باسناد صحيح لرجال ثقات مقبولين رووا هذا الحديث، وإلا فحجتهم داحضةٌ كما هو شأنهم دائماً ولله الحمد.
قوله (و مضامين هذه الاحاديث كلهما متواترة ولا سيما من طريق العترة الطاهرة) إ. ه.
قلت: كلامه هذا وحكمه على تلك الاحاديث يدلعلى جهله بحال ما ساقه من تلك الاحاديث والآثار، بل جهله بعلم الحديث والأسانيد عموما وأنه من أبعد الناس عن هذا العلم الشريف وأقلهم حظا فيه، وقد أجلب بخيله ورجله وساق ما استطاع من تلك النّصوص المظلمة، واقرب مثال اجده لها من قوله تعالى: {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب}.
ولا أظن أحداً منصفاً ينظر في حال ما ساقه من الاحاديث والآثار كما بيناها ويشك في حكمنا هذا عليه، ونسأل الله السّلامة والتوفيق.(64/77)
قوله: وقد قال صَلّى الله عليه وآله وسلّم: (ولا يحبنا الا مؤمن تقي ولا يبغضنا الا منافق شقي).
وقال في الهامش (15/ 59): (اخرجه الملا كما في المقصد الثاني من مقاصد الآية 14 من الباب 11 من الصواعق) إ. ه. وهو شبه الريح أيضاً إذ لا يعرف له إسناد حتى ينظر فيه ويتحقق من صحته وثبوته، فمثل هذا لا يحتج به من له ادنى مستوى من علم.
هذا فضلا عن ان معناه صحيح لا ننازع فيه من جهة وجوب محبة النبي صَلّى الله عليه وسلّم وأهل البيت وان محبتهم من لوازم الإيمان، وان بغضهم دلالة على النفاق، لكن المحبة المقصودة لا شك هي المحبة الشرعية التي تعني عدم الغلو بهم ورفعهم إلى ما لا يجوز فان هذا ممتنع ان يقال عن صاحبه مؤمن تقي كما هو واضح.
فما افسد هذا الاستدلال على أفضليتهم ووجوب تقديمهم على من سواهم، وأنظر ما تقدم قبل أربعة احاديث في مذهب أهل السّنّة والجماعة في وجوب محبة أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين.
قوله: ((وحسبنا في إيثارهم على من سواهم إيثار الله عزّ وجلّ إياهم حتى جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة على جميع عباده، فلا تصح بدونها صلاة احد من العالمين صديقا كان أو فاروقا أو ذا نور أو نورين أو أنوار، بل لا بد لكل من عبد الله بفرائضه أن يعبده في اثنائها بالصلاة عليهم كما يبعده بالشهادتين، وهذه منزلة عنت لها وجوه الامة وخشعت أمامها أبصار من ذكرتم من الائمة) إ. ه.
لي على كلامه هذا عدة ملاحظات:
الملاحظة الأولى: قوله (فلا تصح بدونها صلاة احد من العالمين) من أين له هذا الحكم وكيف قطع به؟ وكان الأحرى به- لو كان من أهل العلم- أن يبين على الأقل أنّه مذهبه وان يشير إلى دليله في ذلك فليس ما قاله متفقا عليه، أعني وجوب الصلاة على النبي صَلّى الله عليه وسلّم وآله في الصلاة بعد التشهد بل الجمهور على خلافه منهم مالك وابو حنيفة واصحابه والثوري والأوزاعي وغيرهم .(64/78)
وممن قال بعدم الوجوب الشوكان فراجع كلامه في ذلك في (نيل الأوطار) (2/ 321- 324) فقد رد على جميع ادلة من قال بالوجوب ثم قال في اخرها: (و الحاصل انه لم يثبت عندي من الادلة ما يدل على مطلوب القائلين بالوجوب. وعلى فرض ثبوته فترك تعليم المسيء لصلاة ولاسيما مع قوله صَلّى الله عليه وسلّم ((فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك)) قرينة صالحة لحمله على الندب) ثم قال: (و بعد هذا فنحن لا ننكر ان الصلاة عليه صَلّى الله عليه وسلّم من أجل الطاعات التي يتقرب بها الخلق إلى الخالق وانما نازعنا في اثبات واجب م واجبات الصلاة بغير دليل يقتضيه مخافة من التقول على الله بما لم يقل) أنتهى كلامه.
ثم ان حكمه بعدم صحة صلاة من لم يصل على النبي صَلّى الله عليه وسلّم وآله معارض بحديث فضالة بن عبيد إذ قال: (سمع النبي صَلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صَلّى الله عليه وسلّم فقال النبي صَلّى الله عليه وسلّم: عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: اذا صَلّى احدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صَلّى الله عليه وسلّم ثم ليدع بعد ما شاء)- رواه الترمذي وصححه- وقال مجد الدين ابن تيمية في (المنتقى) (1/452) بعد هذا الحديث: (و فيه حجة لمن لا يرى الصلاة عليه فرضا حيث لم يأمر تاركها بالاعادة) إ. ه. وليس هذا موضع البسط والتحقيق.(64/79)
الملاحظة الثانية: قوله: (صديقاً كان أو فاروقاً أو ذا نور أو نورين أو أنوار) فيه تعريض وتجريح بالصحابة بل أجل الصحابة وأفضلهم وأفضل الامة بعد رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم وهم ابو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم اجمعين، فلا يغفلن احد عن سوء نيته في تعبيره هذا إذ هو لم يرد وصف هؤلاء الصحابة بأوصافهم هذه مقراً بها، بل هذا من قبيل الاستهزاء والتحكّم، عامله الله بما يستحق، وهذا نقوله عنه لعلمنا بمذهبه الباطل في الطعن بهؤلاء الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم مما فصلناه في مقدمة كتابنا هذا، ولسنا متجنّين عليه في ذلك.
الملاحظة الثالثة: قوله: (بل لا بد لكل من عبد الله بفرائضه ان يعبده في اثنائها بالصلاة عليهم كما يعبده بالشهادتين) تقدم الرد عليه في الخلاف بوجوب الصلاة على النبي صَلّى الله عليه وسلّم واله في الصلاة مع ملاحظة انه هنا يريد تعميم هذا الحكم لكل العبادات الاخرى- زاعماً- بل يريد تسوية الصلاة هذه مع الشهادتين، والحمد لله لم يقل ثلاث شهادات وهو ما لا سبيل له ولا لأصحابه من أجل اثباته.
الملاحظة الرابعة: في معنى (آل النبي) صَلّى الله عليه وسلّم ومن هم المقصودون بها ومن الذين يشملهم هذا الاسم، وهذا الكلام ينطبق على كل ما جاء في الاحاديث والآثار التي ساقها هذا الرجل مما جاء فيه ذكر النبي وأهل بيت النبي، والذي يتبين به شمول هذا الاسم لأعم وأوسع من ال علي رضي الله عنهم وذريته كما يريد هذا الموسوي ان يقرره ويوهم به، فنقول:(64/80)
قبل بيان معنى (الآل) فقد جاء في بعض روايات الصلاة على النبي صَلّى الله عليه وسلّم بعد التشهد في الصلاة بغير صيغة (الآل) وبغير ذكر (لآل محمّد صَلّى الله عليه وسلّم) بل بلفظ اخر هو: ((اللهم صل على محمّد وعلى ازواجه وذريته كما صليت على آل ابراهيم، وبارك على محمّد وعلى ازواجه وذريته، كما باركت على آل ابراهيم انك حميد مجيد)) اخرجه البخاري (4/ 178)، ومسلّم (1/ 306) من حديث ابي حميد الساعدي رضي الله عنه . وهذا اللفظ يدفع ما قاله هذا الموسوي وما ادعاه ويهدم كل ما بناه على اساس وجوب الصلاة على ال النبي في الصلاة، فهو من الالفاظ الشرعية الصحيحة الثابتة عندنا في الصلاة وليس فيه ذكر للفظ (اهل البيت) أو (ال البيت) أو (ال محمّد) صَلّى الله عليه وسلّم الذين يريدهم هذا الموسوي بل فيه ذكر لمن يبغضهم وهم ازواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم، وهو اقل ما يجيب به أهل السّنّة عن ادعاء هذا الموسوي. واما معنى (الآل) ومن تشمل فقد ذكر الامام ابن القيم في (جلاء الافهام) (ص119- 126) اربعة اقوال لأهل العلم في معنى الآل: (القول الأول) انهم الذين حرمت عليهم الصدق، (القول الثاني) انهم ذريته وازواجه صَلّى الله عليه وسلّم، (القول الثالث) انهم اتباعه إلى يوم القيامة، (القول الرابع) انهم الاتقياء من امته صَلّى الله عليه وسلّم . . وهذا ما جاء في تفسير (آل النبي صَلّى الله عليه وسلّم) عن أهل العلم، وما ما ذهب اليه هذا الموسوي باختصاص آل النبي بعلي وذريته فهو فضلا عن ان احدا لم يقل به فليس هناك اي دليل عليه ولا اي دليل يومئ اليه ولو عن بعد. وعلى سبيل التنازل فلو فرضنا صحة ما ادعاه , بمعنى (آل النبي صَلّى الله عليه وسلّم) فليس قوله أولى بالقبول من الاقوال الاخرى، ويلزم منه لاصحاب الاقوال الاخرى نظير ما استنتجه هو من وجوب الصلاة عليهم، خصوصا من يرى انهم ازواجه صَلّى الله عليه وسلّم ثم يسترسل بالاستنتاج حتى يصل إلى(64/81)
ما وصل اليه هذا الموسوي من أفضليتهم لكنّه يقول ذلك عن ازواجه صَلّى الله عليه وسلّم، وهذا ما لا يريده وما يرفضه هذا الموسوي نفسه لكنّه هو الذي فتح على نفسه هذا الباب بجهله وعدم دقته في النظر في الادلة.
واما ما يخص (آل النبي صَلّى الله عليه وسلّم) فالاصح من الاقوال هو القول الأول لوجود معنى احاديث تدل عليه، بل هو الذي صرح به الصحابي الجليل زيد بن ارقم رضي الله عنه رأوي حديث غدير خم إذ قال في نفس الحديث حين سأله حصين بن سبرة: ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال: (إنّ نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده) قال: من هم ؟ قال: (هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس) قال: أكل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: (نعم)- راجع (صحيح مسلّم) (4/ 1873)- فهؤلاء كلهم هم ال محمّد صَلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته الذي نصلي عليهم في الصلاة، يضاف اليهم ازواجه صَلّى الله عليه وسلّم، بل هن الوحيدات اللواتي جاء الحديث في بعض الفاظه بذكرهن خاصة دون غيرهن، فهن أولى بالدخول من غيرهن.
فان كان ما وصل اليه هذا الموسوي وما أنتهى اليه صحيحا يلزم منه ان يحكم بكل ذلك على جميع أهل بيت محمّد صَلّى الله عليه وسلّم ازواجه وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل وليس آل علي فقط، وهو ما لا يستطيع هذا الرجل حتى ان يفكر فيه ويأنف منه فها نحن نلزمه الحجة من كلامه لبيان بطلان ما ذهب إليه ولله الحمد.(64/82)
بقي ان نقول- من باب العدل والامانة- لربما يحتج هذا الموسوي وشيعته على مذهبهم من ان آل النبي صَلّى الله عليه وسلّم هم آل علي فقط بحديث الكساء- وهو في صحيح مسلّم- وقوله صَلّى الله عليه وسلّم فيه ((اللهم ان هؤلاء أهل بيتي)) مشيرا اليهم، لكننا نقول انه نظير الحديث الذي قدمناه في لفظ الصلاة على النبي صَلّى الله عليه وسلّم وفيه ذكر ازواجه وذريته فقط دون غيرهم، فإنّه يحتج به من يقول بأنّ آل النبي صَلّى الله عليه وسلّم هم ازواجه وذريته فقط، وهو لا يقل في الدلالة عن الأول لانه ذكرهم تخصيصا بدلا من آله في الالفاظ الاخرى، ومع هذا ليس هو صحيحا بل هو من باب تعيين البعض ومن باب ذكر بعض افراد العام، والأولى الاخذ باللفظ الأعم الأشمل جمعاً بين الاحاديث.
وبمثل هذا الجواب نجيب عن حديث الكساء لمن احتج به على ان ال النبي صَلّى الله عليه وسلّم هم آل علي فقط بل ونعارض بالحديث الذي فيه ذكر الازواج والذرية، فما يقوله عنه نقوله نحن في حديث الكساء فلا اشكال عندنا- والحمد لله- ولا نُرد حديثا صحيحا ثبت عن المعصوم صَلّى الله عليه وسلّم كما يفعل هذا الموسوي وزمرته.(64/83)
وللشوكاني كلام مهم في رد من اجتج بحديث الكساء على معنى الآل، فقال في (نيل الأوطار) (2/ 327- 328): (. . . ولكنّه يقال ان كان هذا التركيب يدل على الحصر باعتبار المقام أو غيره فغاية ما فيه اخراج من عداهم بمفهومه، والاحاديث الدالة على انهم أعمّ منهم كما ورد في بني هاشم وفي الزوجات مخصصة بمنطوقها لعموم هذا المفهوم، واقتصاره صَلّى الله عليه وسلّم على تعيين البعض عند نزول الآية لا ينافي اخباره بعد ذلك بالزيادة لأن الإقتصار ربما كان لمزية البعض أو قبل العلم بان الآل أعمّ من المعينين، ثم يقال اذا كأنت هذه الصيغة تقتضي الحصر فما الدليل على دخول أولاد المجللين بالكساء في الال مع ان مفهوم هذا الحصر يخرجهم، فان كان ادخالهم بمخصص وهو التفسير بالذرية وذريته صَلّى الله عليه وسلّم هم أولاد فاطمة فما الفرق بين مخصص ومخصص) إ. ه.
وراجع أيضاً ما قاله الامام ابن القيم في (جلاء الإفهام في الصلاة والسّلام على خير الأنام) في معنى (الآل) والصحيح من ذلك.(64/84)
الملاحظة الخامسة: ان اختصاصهم بالذكر في الصلاة ليس دليلا على الأفضلية بل دليل على الفضل، وان كان فليس المقصود اعيانهم وأفرادهم بل أهل البيت عموما لما اختصهم الله به من النبوة والرسالة . ثم ان لفظ الصلاة على النبي صَلّى الله عليه وسلّم وآله فيه تشبيه تلك الصلاة بالصلاة على ابراهيم عليه السّلام وآله، أفيقول أحدٌ إنّ إبراهيم وآله أفضل من محمّد صَلّى الله عليه وسلّم وآله اعتمادا ً على أنّ التشبيه يقتضي ان المشبه به أفضل من المشبه؟ هذا ما لا يقوله هذا الموسوي ولا غيره مع انه في الاستدلال نظير ما استدل هو به . وإن كان ما قرره صحيحا من دلالته على الأفضلية فهو لأهل البيت عموما- كما قلنا- وحتى وان كان لأفرادهم فرداً فرداً فيلزم منه ان يدخل معهم جميع أهل البيت الذين ذكرناهم في الملاحظة السابقة وبينا شمول اسم أهل البيت لهم ومنها أزواجه صَلّى الله عليه وسلّم، والحمد لله على توفيقه. .
المراجعة (11): س:
موافقة شيخ الأزهر له فيما تقدم مع اعجابه به (كما زعم) .
طلب شيخ الأزهر الحجج من القرآن الكريم.
المراجعة (12): ش:
سرد عدد من الآيات محتجا بها على أفضلية أهل البيت على غيرهم.
الرد على المراجعة (12):
نقض استدلاله بكل تلك الآيات ثم بيان معاني الآيات الصحيحة في جميع ذلك، مع كشف ما يرد في كلامه من الغش والكذب والمخادعة.
ساق في هذه المراجعة عددا ً من الآيات زاعما ً انها تدل على مطلوبه، واليك تفصيل الرّدّ عليه بعد الاستعانة بالله العظيم:
قوله: (فهل نزل من آياته الباهرة في أحد ما نزل في العترة الطاهرة؟)(64/85)
قلت: رضي الله عن العترة وجزاهم الله خيرا ً فهم وصية رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم . وقد نزل بحقهم آيات من القرآن الكريم، لكن هذا الرجل صاحب المراجعات عنده تزييف للحقائق وتحريف لمعاني كثير من النّصوص القرانية فهو يعمد إلى كل آية فيها مدح وثناء فيجعلها تخصّ أهل البيت- على فضلهم- وسترى بجوابنا على ما ذكر من أسباب نزول الايات ما في كلامه من التدليس والكذب وإخفاء الحقائق، وهذا هو شأن كل مبتدع يعمد إلى ليّ النّصوص ليّا ً حتى توافق هواه، ونسأل الله السّلامة.
قوله: (هل حكمت محكماته بذهاب الرجس عن غيرهم ؟ وهل لأحد من العالمين كآية التطهير) وأشار في الهامشين (6، 7/62) إلى قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ً} وقال: (ليس لأحد ذلك وقد امتازوا بها فلا يلحقهم لاحق ولا يطمع في إدراكهم طامع) إ. ه.(64/86)
قلت: كلامه هذا مقبول لو كان يعني بهم أزواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم مع باقي أهل البيت، فكل من قرأ سورة الأحزاب وبالأخص ما قبل هذه الآية بخمس آيات، يقطع بلا شك بأن المقصود بها أزواج النبي صَلّى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى (الأحزاب / 28- 32): { يا أيّها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا ً جميلا ً. . . إلى قوله تعالى: وقلن قولا معروفا ً } ولا يشك من عنده أدنى مستوى من عقل ان المقصود بذلك كله هم أزواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم، ثم قال بعدها: {و قرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى وأقمن الصّلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله} وأيضاً الخطاب ما زال لأزواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم، ثم قال تكملة الآية- حتى انها ليس في آية أخرى-: {إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} ولم يكتف بهذا فقط بل قال عقبها أيضاً: {و اذكرن ما يُتلى في بيوتكنّ من آيات الله والحكمة إنّ الله كان لطيفا ً خبيرا ً} والخطاب هنا بلا شك أيضاً لأزواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم . فأين في الآيات، بل في السورة كلها ذكر أهل البيت- أعني بهم الذين يريدهم هذاالموسوي وهم آل علي رضي الله عنه-؟(64/87)
واذا كان كذلك فالمقصود الأول بهذه الآية هم أزواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم وان الله قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ً مع شمول اللفظ- بعمومه ومساعدة الضمير الذي فيه- باقي أهل البيت، لكن أولى المقصودين- كما قلنا- هم أزواجه صَلّى الله عليه وسلّم (1(1) وفي مقدمتهم الصّدّيقة بنت الصّدّيق عائشة، بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها، وحفصة بنت عمر رضي الله عنهما، ولعن الله من تعرض لهما بالقدح والتجريح.
ولا يرد حديث الكساء ما قلناه، فان غايته شمول هذا الاسم- أهل البيت- وهذا الحكم- من هذه الآية- لهم ولغيرهم من أهل البيت اضافة إلى ازواجه صَلّى الله عليه وسلّم، ولولا حديث الكساء هذا لبقيت الآية – أعني آية التطهير- خاصة بأزواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم، وقد قدمنا شيئاً من الكلام في معنى حديث الكساء في الملاحظة الرابعة السابقة.
__________
(1) تعدل ومما يؤكد ذلك ان الله تعالى قال عن موسى عليه السلام {سار بأهله} {إذ قال لأهله امكثوا} ولم يكن معه غير زوجته, والقرآن يفسر بعضه بعضا , فبان بهذا أن المقصود الأول للأهل هم الزوجات).(64/88)
وعن دخول ازواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم في هذا الحكم قال الإمام ابن كثير في تفسيره (3/ 483): (وهذا نص في دخول ازواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم في أهل البيت ههنا لانهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولا ً واحدا ً أما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح) إ. ه. ومعنى قوله الأخير ان ازواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم هنّ المقصودات في الآية بلا خلاف أما وحدهنّ على قول أو هنّ والباقون- من أهل البيت- على الصحيح – وهذا الذي قلناه من ان هذه الآية نزلت في نساء النبي صَلّى الله عليه وسلّم هو الذي قال به حبر الامة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، كما رواه عنه ابن أبي حاتم- انظر (تفسير ابن كثير) (3/ 483)- وهو الذي قال به عكرمة، فما عسى هذا الموسوي ان يقول عن ابن عباس؟(64/89)
قال ابن كثير: (فإن كان المراد أنّهم كن سبب النزول دون غيرهم فصحيح، وإن أُريد أنّهم المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر، فإنّه قد وردت أحاديث تدل على أنّ المراد أعمّ من ذلك) إ. ه. ثم ساق أحاديث- في إسناد بعضها مقال- ومنها حديث الكساء وهو صحيح . ثم قال ابن كثير (3/ 486): (ثم الذي لا شك فيه لمن تدبر القرآن أنّ نساء النبي صَلّى الله عليه وسلّم داخلات في قوله تعالى: {إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ً } فان سياق الكلام معهنّ، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: {و اذكرن ما يُتلى في بيوتكنّ من آيات الله والحكمة } أي واعملن بما انزل الله تبارك وتعالى على رسوله صَلّى الله عليه وسلّم في بيوتكن من الكتاب والسنة- قاله قتادة وغيرُ واحد- واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس أنّ الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة الصّدّيقة بنت الصّدّيق رضي الله عنهما أولاهنّ بهذه النعمة وأحظاهنّ بهذه الغنيمة وأخصّهنّ من هذه الرحمة العميمة، لإغنّه لم ينزل على رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم الوحي في فراش إمرأة سواها كما نصّ على ذلك صلوات الله وسلامه عليه) أنتهى.
قلت: فلا تبقى بعد ذلك أي حجة في هذه الآية على ما استدل به هذا الموسوي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. .(64/90)
ثم رأيت كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة) حول معنى هذه الآية وبيان انها لا تدل على مطلوبهم إذ قال- (المنتقى) (ص 446- 447)-: (وليس فيه- يعني حديث الكساء مضافا إلى الآية- دلالة على عصمتهم ولا إمامتهم أصلاً، فهي كقوله تعالى: { ما يُريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم وليتمّ نعمته عليكم} وكقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر} وقوله: {يريد الله ليبين لكم} { والله يريد أن يتوب عليكم} فإرادته في هذه الآيات متضمنة لمحبته لذلك المراد ورضائه به وانه شرعه، ليس في ذلك انه خلق هذا المراد ولا انه قدره وأوجده، والنبي صَلّى الله عليه وسلّم بعد نزول الآية قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس) فطلب من الله ذلك، فلو كأنت الآية تتضمن الوقوع ولا بُدّ لم يحتج إلى الدعاء، وهذا على قول القدرية اظهر فان ارادة الله عندكم لا تتضمن وجود المراد بل قد يريد ما لا يكون ويكون ما لا يريد، أفنسيتَ أصلكَ الفاسد ؟ أما على قولنا فالإرادة نوعان: شرعية تتضمن محبة الله ورضاه كما في الآيات، وإرادة كونية قدرية تتضمن خلقَه وتقديره، كقوله تعالى: {إن كان الله يريد أن يُغويكن} {فمن يُرد الله أنْ يهديَهُ يشرحْ صَدرهُ للإسلام ومن يُرِدْ أنْ يُضله يجعل صدره ضَيّقا ً حَرَجا ً} ثم ان ازواج النبي صَلّى الله عليه وسلّم مذكورات في الآيات فبدأ بهنّ وختم بهنّ وسائر الخطاب لهنّ) إ. ه.(64/91)
وقال في موضع آخر- (المنتقى) (ص179- 180)-: (فقوله تعالى: {يريد الله ليذهب عنكم الرّجس } اذا كان بفعل المأمور وترك المحظور كان ذلك متعلقا بإرادتهم وبأفعالهم، فان فعلوا ما امروا به طهروا . . . . ثم قال: ومما يبين ان الآية متضمّنة للأمر والنهي قوله في سياق الكلام: { يا نساء النبيّ من يأتِ منكنّ بفاحشةٍ مُبينةٍ }- إلى قوله- { ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى . . . . واذكرن ما يُتلى في بيوتكنّ } فهذا السياق يدل على ان ذلك امر ونهي، وان الزوجات من أهل البيت، فان السياق انما هو في مخاطبتهن) أنتهى كلام شيخ الإسلام فجزاه الله خيرا. .
قوله: (هل حكم بافتراض المودة لغيرهم محكم التنزيل) وقال في الهامش (8/ 62): (كلا بل اختصهم الله سبحانه بذلك تفضيلا لهم على من سواهم، فقال: (قل لا اسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ومن يقترف حسنة- وهي هنا مودتهم- نزد له فيها حسنا ان الله غفور- لأهل مودتهم- شكور- لهم على ذلك-)إ. ه.
قلت: قبل الكلام على معنى هذه الآية وما ادّعاه فيها احب أن ألفت النظر إلى محأولته ليّ النص لما يوافق هواه، فقد فسّر الحسنة بالمودة لأهل البيت بينما هي عامة لكل حسنة لانها نكرة في سياق الشرط لا يمكن تخصيصها الا بدليل واضح، ولا دليل له- والحمد لله- على ذلك.(64/92)
واما عن استدلاله بهذه الآية على وجوب مودة أهل البيت فهو ممتنع رواية ودراية، اما رواية فلثبوت تفسيرها بغير ذلك عن حبر الأمة وترجما القرآن ابن عم رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن العباس رضي الله عنهما كما رواه عنه البخاري (6/ 162)، والترمذي (4/ 179)، انه سئل عن قوله تعالى: {إلاّ المودّة في القُربى} فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمّد فقال ابن عباس: (عجلت، إنّ النبي صَلّى الله عليه وسلّم لم يكن بطنٌ من قريش إلاّ كان له فيهم قرابة فقال: الا ان تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة)، وبهذا التفسير أيضاً قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابو مالك وعبد الرحمن بن يزيد بن أسلّم وغيرهم- انظر (ابن كثير) (4/ 112)- وهناك قول ثانٍ في تفسير الآية عن ابن عباس أيضاً أخرجه الإمام أحمد (1/268، والطبراني في (الكبير) (11144) أنّ النبي صَلّى الله عليه وسلّم قال: ((لا اسألكم على ما آتيتكم من البينات والهدى اجراً الاّ ان توادوا الله تعالى وان تقربوا اليه بطاعته)) وفي اسناده قزعة بن سويد الباهلي وهو ضعيف، كما في (التقريب).
فعلى هذا يكون الحق في تفسير الآية هو القول الأول وان الله تعالى اراد بقوله {قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى } اي قل يا محمّد لهؤلاء المشركين من كفار قريش لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم مالاً تعطونيه وانما اطلب منكم ان تكفوا شركم عني وتذروني ابلغ رسالات ربي ان لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة، قاله ابن كثير.
واما ما ذكره هذا الموسوي من تفسيره للآية فيعد قولا اخر وهو الذي ظنه سعيد بن جبير معنى الآية فرده ابن عباس رضي الله عنهما وقال له: عجلت . اي في تفسيرك، وهو أعلم أهل البيت بعد عليّ رضي الله عنه.(64/93)
وهناك أثرٌ عن ابن عباس ربما يحتج به هذا الموسوي لتفسيره، اخرجه ابن ابي حاتم- (تفسير ابن كثير) (4/ 112)- من طريق علي بن الحسين حدثناً رجل سماه حدثنا الحسين الأشقر عن قيس عن الاعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {قل لا اسألكم عليه أجراً الا المودة في القُربى} قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين امر الله بمودتهم ؟ قال: (فاطمة وولداها رضي الله عنهم) إ. ه. واسناده ضعيف- كما قال ابن كثير- فيه رجل لا يُعرف من هو، وفيه أيضاً حسين الأشقر وهو ضعيف متهم بالرفض. كما في (الميزان) وغيره، وقد كذبه بعضهم.
هذا من ناحية اسناده واما متنه ففيه نكارة فان الآية مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالمرة فانها لم تتزوج بعلي رضي الله عنه الا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة، والحسن ولد سنة ثلاث، والحسين سنة اربع، فكيف يفسّر النبي صَلّى الله عليه وسلّم الآية المكّية بوجوب مودّة من لا يعرف؟(64/94)
وأمّا دراية: فقد بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة) فقال- (المنتقى) (ص 451- 452)-: (وأيضاً فإنّه قال: {إلا المودة في القربى} لم يقل: الا المودة للقربى ولا المودة لذي القربى، فلوا اراد ذلك لقال هكذا، كما قال الله تعالى: {و اعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فإنّ لله خُمُسَه وللرسول ولذي القُربى } وقال: { فلله وللرسول ولذي القربى} {فآت ذا القربى حقّه} {و آتى المالَ على حبّه ذوي القربى} فجميع ما أوصى به من حق ذوي قربى النبي أو ذوي قربى الأنسان هكذا، فلما ذكر قوله { إلاّ المودة} بالمصدر دون الاسم دل على انه لم يرد ذوي القربى، ولو اراد لقال: المودة لذوي القربى، ولم يقل (في) فإنّه لا يقال: أسألك المودة في فلان، ولا في قربى فلان بل لفلان، ونقول: الرسول لا يسأل على تبليغ الرسالة أجراً البتة بل أجره على الله كما قال: {قل ما أسألكم عليه من اجر} وقال: { أم تسألهم أجراً فهم من مغرم ٍ مثقلون} وقال: {إن أجريَ إلاّ على الله } ولكن الاستثناء منقطع كقوله: { قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربّهِ سبيلاً } . ولا ريب ان محبة أهل البيت واجبة لكن لم يثبت وجوبها بهذه الآية ولا محبتهم أجر الرسول، بل هو مما أمرنا به فهو من العبادات إلى ان قال: - ولو كأنت مودتنا لهم أجراً له لم نُثَب عليها لأنا أعطينا أجره الذي استحقه بالرسالة، فهل يقول هذا مسلّم)، أنتهى كلام شيخ الإسلام، ونحن إذ ننكر على هذا الموسوي استشهاده بهذه الآية على مطلوبه الفاسد لا ننكر الوصاية بأهل البيت ولا ننكر وجوب محبّتهم- كما قال شيخ الإسلام- بل هو اعتقاد أهل السّنّة كما بيناه سابقاً، وهوالذي كان عليه سلف الامة وبالاخص صحابة رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم كما قال أبو بكر رضيالله عنه: ارقبوا محمّدا ً صَلّى الله عليه وسلّم في أهل بيته. وقال لعليّ: والله لقرابةُ رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم أحب إليّ أن أصلَ من(64/95)
قرابتي. وقال عمر بن الخطاب للعباس رضي الله عنهما: والله لإسلامك يومَ أسلّمتَ كان أحبّ إليّ من إسلام الخطاب لو أسلّم لأن إسلامك كان أحبَ إلى رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم من إسلام الخطاب. . .
قوله: (و هل هبط بآية المباهلة بسواهم جبريل).
قلت: يعني بها قوله تعالى: {فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم نساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم . . . } الآية (ال عمران/ 61). وقد ثبت في صحيح مسلّم أن النبي صَلّى الله عليه وسلّم لما نزلت هذه الآية دعا عليا وفاطمة وابنيهما في المباهلة، ووجه استدلاله بهذه الآية ان الله سبحانه قال: {و انفسنا} ويعني بها رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم وعليا، ولكن لا دلالة في ذلك على الامامة وعلى الأفضلية بل على الفضل فقط، وهذا جهل منه في تفسير الآية أو مغالطة في ذلك، ومن قبله قاله ابن المطهر الحلي والغالب انه انما نقله منه كحال معظم استشهاداته هنا، وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة)- أنظر (المنتقى) (ص457- 358) على ذلك بما ينفي مسأواة علي رضي الله عنه للرسول صَلّى الله عليه وسلّم بدليل هذه الآية لأن احدا لا يساوي الرسول صَلّى الله عليه وسلّم، وهذا اللفظ في اللغة لا يقتضي المسأواة بل يدل على المجأنسة والمشابهة، فالمراد بالانفس الاخوان نسباً أو ديناّ، فقوله تعالى: {ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم} اي رجالنا ورجالكم، اي الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب، والمراد التجأنس في القرابة والايمان، ومما يدل عليه أيضاً قوله تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيراً} ولم يوجب ذلك ان يكون المؤمنون والمؤمنات متسأوين، ومن جنسه أيضاً قوله تعالى {فاقتلوا أنفسكم} اي يقتل بعضكم بعضا ولم يوجب ذلك تسأويهم ولا ان يكون من عبد العجل مسأويا لمن لم يعبده. وكذلك غير متسأوين بل بينهم من التباين ما لا يوصف، ومن جنسه أيضاً {ثم أنتم هؤلاء(64/96)
تقتلون أنفسكم}.
أما ان كان وجه الاستدلال بالآية دعوة النبي صَلّى الله عليه وسلّم لهؤلاء دون غيرهم فلا دلالة في هذه الآية على ما ادعى إذ ان سبب دعوتهم دون غيرهم ان المباهلة انما تحصل بالاقربين اليه والا فلو باهلهم بالابعدين في النسب- وان كانوا أفضل- لم يحصل مقصود المباهلة فان أولئك- اي النصارى- يأتون بمن يعز عليهم طبعا كأقرب الناس اليهم فلو دعا رسول الله صَلّى عليه وسلّم قوما اجانب لأتى أولئك باجانب أيضاً ولم يكن يشتد عليهم نزول المباهلة بأولئك الاجانب كما يشتد عليهم نزولها بالاقربين، فان طبع المرء يخاف على اقربيه ما لا يخاف على الاجانب، والناس عند المهادنة تقول كل طائفة للاخرى: ارهنوا عندنا أبناءكم ونساءكم، فلو رهنت اجانب لم يرض أولئك ولا يلزم أهل الرجل ان يكونوا أفضل عند الله من غيرهم. ولو كان باقي بناته- صَلّى الله عليه وسلّم- في الحياة لباهل بهن ولو كان ابنه ابراهيم يعرف لباهل به ولو كان عمّه الحمزة حياً لباهل به، ونحن نعلم بالاضطرار انه لو دعا أبا بكر وعمر وطائفة من الكبار لكانوا من اعظم شيء استجابة لأمره، لكن ذلك- كما قلنا- لا يحصل به مقصود المباهلة.
وقوله: (هل أتى هل أتى بمدح سواهم ... ... لا ومولى بذكرهم حلاها)
وقال في الهامش (10/ 62): (اشارة إلى نزول سورة الدهر فيهم وفي اعدائهم) إ. ه.
قلت: هذا من التقول بلا علم وإلا فأين اثبات صحة ما ادعاه، ويكفي في ردّه ان نقول ان سورة (الأنسان) أو (الدهر) مكية بالاتفاق وعلي لم يتزوج بفاطمة الا بالمدينة بعد بدر- كما قلنا سابقا- والحسن ولد سنة ثلاث والحسين سنة اربع للهجرة، فقول القائل انها نزلت فيهم من الكذب الذي لا يخفي على من له علم بنزول القرآن واحوال هؤلاء السادة الاخيار، ثم ان عليا رضي الله عنه كان بمكة فقيراً في عيال النبي صَلّى الله عليه وسلّم ضمّه اليه لما اصابت أهل مكة سنة.(64/97)
وانظر إلى ادعائه هنا الخالي من التخريج والعزو إلى اي مصدر.
ثم رأيت الزمخشري قد ذكر في (الكشاف) (4/ 197) حديثا لا يصح ولا يثبت في قصة علي وفاطمة وجاريتهما ولم يذكر اسناده ولم يعزه لأحد، لكن قال الحافظ في (تخريج الكشاف) (ص180): رواه الثعلبي من رواية القاسم بن بهرام عن ليث بن ابي سليم عن مجاهد عن ابن عباس، ومن رواية الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى{ يوفون بالنّذر ويخافون يوما كان شره مستطيراً ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} وزاد في اثنائه شعرا لعلي وفاطمة رضي الله عنهما- ثم قال: - قال الحكيم الترمذي: هذا حديث مزوق مفتعل لا يروج إلا على احمق أو جاهل، رواه ابن الجوزي في (الموضوعات) من طريق ابي عبد الله السمرقندي عن محمّد بن كثير عن الأصبغ بن نباتة . . . فذكره بشعره وزيادة ألفاظ ثم قال وهذا لم نشك في وضعه) إ. ه. وانظر (اللالئ المصنوعة) (1/ 371- 374).
قوله: (اليسوا حبل الله الذي قال: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وعزاه في الهامش (11/ 62) لتفسير الثعلبي عن جعفر الصادق.
وأقول: يحتاج هذا إلى صحة ثبوته عن جعفر بمعرفة اسناده وتحقيق صحته أولا، وثانيا يحتاج إلى اصابة جعفر الحق في تفسيره هذا على فرض ثبوته عنه فليس هو معصوما عند أهل السّنّة حتى يحتج هذا الموسوي بقوله عليهم، ونحن ننازعه في كلا الامرين.(64/98)
أما الأول: فلم يقدم لنا ما يبين اسناده فضلا عن صحته، وان عزاء للثعلبي في تفسيره، وهو قطعا لم ينقله من تفسير الثعلبي، إذ لم يذكر له موضعا فيه، اضافة إلى ان تفسير الثعلبي لم يطبع بعد، ولا اعلم بوجود مخطوطة له تحت الطبع، وقد عثرت على جزء واحد من تفسيره المسمى (الكشف والبيان في تفسير القرآن) لأحمد بن محمّد بن ابراهيم أبي إسحاق الثعلبي، وهو جزء مخطوط من اصل ثمانية اجزاء من تفسيره، وجدته في المكتبة القادرية في بغداد تحت رقم (س372 ف 58) مصور علوم القرآن، وقد تصفحت هذا المخطوط رجاء ان اجد ما ينفعني في تخريجاتي هذه، ولكن للاسف لم يحوِ هذا الجزء الا بعضاً من سور الاجزاء الثلاثة الاخيرة من القرآن فليس فيه المواضع التي ذكرها صاحب المراجعات.
ونحن نسأل: كيف تسنى لهذا الموسوي النقل من تفسير الثعلبي مع انه لم يطبع؟ ولم يبين واسطته في ذلك، اهذا هو صنيع أهل العلم؟ اهذه هي الأمانة في النقل التي وصف بها؟ كيف يمكن لمسلّم بعد هذا ان يأمن إلى تخريجات مثل هذاالموسوي واقواله؟ وان كان قد نقل ذلك من (الصواعق المحرقة) فكان الاجدر به التصريح بذلك لا كما ساقه في هامشه ذاك.(64/99)
وان صح ذلك- وهو الواقع هنا- فهذا تخريج قاصر ينم عن قلة علمه، إذ لا يصح عزو مثل هذا للصواعق، والاستدلال به دون معرفة اسناده وثبوته فلم يبين أياً من ذلك صاحب (الصواعق) حتى يعتمد عليه ولم يلتزم الصحة فيما ساقه هناك كما بيناه مراراً، ثم ان حال (الصواعق المحرقة) في مثل هذا التخريج كحال كتاب (المراجعات) أيضاً فليس اي منها مصدرا اصليا يصح العزو اليه. اما تفسير الثعلبي فلعدم امكان معرفة إسناد خبره هذا لا يمكن الاطمئنان اليه فما اكثر الموضوعات المكذوبة التي فيه وليس تفسيره معدودا في الصحاح وحاله كحال تلميذه الواحدي كانا يرويان عن كل احد دون التمييز بين الصادق والكاذب، وستجد فيما نقلناه من ردود شيخ الإسلام ابن تيمية عما استدل به ابن المطهر الحلي من تفسير الثعلبي ما يبين حال تفسير الثعلبي هذا، وفي فتأوي شيخ الإسلام (13/ 345، 386) حين تكلم عن انواع التفاسير اشار إلى الموضوعات التي يرويها الثعلبي والواحدي.
وكان من قوله أيضاً في رده على خبر ساقه ابن المطهر الحلي ان قال: (المنتقي)(ص436) (. . . . وان الخبر كاذب، وفي تفسير الثعلبي من الموضوعات ما لا يخفى، وكان حاطب ليل، وكذا تلميذه الواحدي) إ. ه. ثم ان الثعلبي وتلميذه الواحدي ليسا من أهل الحديث فكل من ترجم لهما وصفهما بالمفسرين كما في (العبر) و(تذكرة الحفاظ) للذهبي، و(شذرات الذهب) لابن العماد وغيرها ولم يوصفا بانهما محدثان أو صنفا شيئا في الحديث وعلومه، والله أعلم.
وأما الثاني: فان حبل الله المقصود في الآية هو (كتاب الله) كما قال غير واحد من المفسرين، وكما جاء مصرحاً به في احدى روايات حديث غدير خم- عند الترمذي- والتي استشهد بها صاحب المراجعات نفسه هناك وفيها: (كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض) فهذا ما يعارض ما قرره هو أولا.(64/100)
واخرج ابن جرير (4/ 21) من طريق عطية العوفي عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم: (كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الارض).
بل قد روي تفسير ذلك عن علي رضي عنه، كما اخرجه الترمذي (4/ 51- 52) والدارمي (2/ 435) من طريق ابي المختار الطائي عن ابن اخي الحارث الاعور عن الحارث عن علي رضي الله عنه في صفة القرآن:
(. . . فهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم).
واخرج الدارمي (2/ 431)، وابن مردويه- (تفسير ابن كثير) (1/ 389)- من طريق ابراهيم الهجري عن ابي الاحوص عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم: (ان هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين . . .).
وهذه الاحاديث والاثار وان كان فيها ضعف لكن يقوي بعضها بعضا خصوصا الاخير منها فاسناده لا بأس به في الشواهد، وعلى اية حال فحديث زيد بن ثابت في خطبة غديرخم الذي اشرنا اليه والذي فيه (كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض) يكفي لاثبات ذلك، وقد تكلمنا عليه سلفا، مع العلم ان هذه الاحاديث والاثار المساقة هنا هي عموما احسن حالا مما ساقه هذا الموسوي محتجا به على دعواه، فان قاله عن جعفر الصادق عارضناه بما روي عن علي، فان خالف ذلك وردّه فقد نقض اصول مذهبه، والحمد لله رب العالمين.
قوله: (و الصادقين الذين قال: وكونوا مع الصادقين) وقال في الهامش (12/ 62): (و الصادقون هنا: رسول الله والائمة من عترته الطاهرة يحكم صحاحنا المتواترة)إ. ه.(64/101)
قلت: لا ريب ان رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم أول الداخلين في هذه الآية وكذا اصحابه الكرام رضي الله عنهم وائمة أهل البيت، لكن اين دليل نزول هذه الآية في ائمة أهل البيت فقط واخراج من عداهم من الصحابة؟ وان كأنت الآية في الصادقين فهو جمع صادق، والصديق مبالغة في الصادق وابو بكر رضي الله عنه صدّيق بأدلة عدة، فهو أول من تتنأوله الآية بعد رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم، وبعده سائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
لكن سبب نزول الآية أمر آخر، فقد نزلت في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه لما تخلف- فيمن تخلف- عن غزوة تبوك ثم تاب الله عليه ببركة الصدق، وذلك ثابت في الصحاح، فقال الله تعالى: {و على الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنّوا أن لا ملجأ من الله لا إليه ثمّ تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التوّاب الرحيم، يا أيها الذي آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} حتى ان كعب بن مالك قال لرسول الله صَلّى الله عليه وسلّم بعد ما تاب الله عليه- كما في حديثه عند الامام احمد والبخاري ومسلّم وغيرهم-: (و قلت: يا رسول الله انما نجاني الله بالصدق وان من توبتي ان لا احدث إلاّ صدقاً ما بقيت، قال فوالله ما أعلم أحداً من المسلّمين ابلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صَلّى الله عليه وسلّم احسن مما ابلاني الله تعالى) ثم قال أيضاً في نفس حديثه: (فوالله ما انعم الله علي من نعمة قط بعد ان هداني للإسلام اعظم في نفسي من صدقي رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يومئذ ان لا اكون كذبته فاهلك كما هلك الذين كذبوه).(64/102)
ثم ان معنى قوله تعالى {و كونوا مع الصادقين} فاصدقوا كما يصدق الصادقون لا تكونوا مع الكاذبين، كما قال تعالى {و اركعوا مع الراكعين}و لم يرد المعية في كل شيء فلا يجب على الأنسان ان يكون مع الصادقين في المباحات والملبوسات ونحو ذلك، ومثل ذلك: كن مع الابرار، كن مع المجاهدين، اي ادخل معهم في هذا الوصف وجامعهم عليه وقد ورد تفسير الصادقين في الآية بالنبيّ صَلّى الله عليه وسلّم واصحابه، وكذا ورد تفسيرهم بأبي بكر وعمر- انظر (تفسير الطبري) (11/ 40)- وليس المراد انهم سبب نزول الآية بل ان الآية تشملهم وتعمّهم، وهذا صحيح فما هو جواب هذا الموسوي عن تفسير الآية هذا ؟(64/103)
وقوله (بحكم صحاحنا المتواتره) قول من لا يعقل ما يخرج من رأسه، فليس عندهم صحاح وليس عندهم تواتر بل لا يدري هو ولا زمرته ما شرط الصحاح وشرط التواتر، وسأبين ذلك- على وجه الاختصار- في كتبهم الأصول المعتمدة، تلك الكتب الاربعة التي يقولون عنها انها قطعية الصدور وكل ما فيها حجة وصحيح، وقال الحر العاملي في (وسائل الشيعة) (20/ 75): (فمعلوم ان كتب القدماء انما اندرست بعد ذلك لوجود ما يغني عنها بل هو أوثق منها مثل الكتب الأربعة) إ. ه. هذه الكتب الاربعة هي كتاب (الكافي) للكليني، وكتاب (من لا يحضره الفقهية) لابن بابويه القمي، وكتاب (تهذيب الاحكام) وكتاب (الاستبصار) وهما للطوسي، وعليها اجماع علمائهم وائمتهم حتى قال الحر العاملي في (وسائل الشيعة) (20/ 97): (. . . فما الظن برئيس المحدثين وثقة الإسلام ورئيس الطائفة المحقة)إ. ه. ويريد برئيس المحدثين ابن بابويه القمي، وثقة الإسلام هو الكليني، ورئيس الطائفة هو الطوسي، وقد ذكرهم واشار إلى كتبهم هذا الموسوي نفسه في (المراجعة-14-) (ص76) وقال: (يتهم ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني وصدوق المسلّمين محمّد بن علي بن بابويه القُمّي وشيخ الأمة محمّد بن الحسن بن علي الطوسي، ويستخفّ بكتبهم المقدسة وهي مستودع علوم آل محمّد صَلّى الله عليه وآله وسلّم. . .) ولا أريد التطويل هنا في بيان ما فيها مما يمنع القطع بصحتها فضلاً عن تواترها. وقد ذكرت في مقدمة الكتاب بعضاً مما فيها مما يمنع الأخذ بها والوثوق بما فيها عند كل مسلّم يخاف الله واليوم الآخر. وسأكتفي بكلام أحد علمائهم المقبول والمرضي عندهم في تقييمه لكتبهم هذه، الأمر الذي بين به عدم إمكان القطع بتواترها بل ولاحتى صحتها عموماً، الذي ينقض به كلام صاحبه الموسوي هذا حين قال(بحكم صحاحنا المتواترة) قال الخوئي في (معجم رجال الحديث) (الطبعة الثانية) (1/17- 18): (إنّ أصحاب الأئمة عليهم السّلام وإن بذلوا غاية(64/104)
جهدهم واهتمامهم في أمر الحديث وحفظه عن الضياع والإندراس حسب ما أمرهم به الأئمة عليهم السّلام إلاّ انهم عاشوا في دَور التقية ولم يتمكنوا من نشر الأحاديث علَناً فكيف بلغت هذه الأحاديث حدّ التواتر أو قريباً منه؟) وقال أيضاً(1/19- 20): (فالواصل إلى المحمدين الثلاثة- الكليني وابن بابويه والطوسي- إنما وصل إليهم عن طريق الأحاد) إلى أن قال عن الصدوق (1/20) (و أمّا طرقه إلى أرباب الكتب فهي مجهولة عندنا، ولا ندري ان أيّاً منها كان صحيحاً وأياً منها غير صحيح، ومع ذلك كيف يمكن دعوى العلم بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين عليهم السّلام؟)، ثم رد على القول بقطعية صدور روايات الكتب الأربعة قائلاً (1/20): (و على الجملة: إنّ دعوى القطع بصدور جميع روايات الكتب الأربعة من المعصومين عليهم السّلام واضحة البطلان) ثم تطرّق بالتفصيل لروايات كل كتاب من الكتب الأربعة (1/80- 90) وكان مما قاله: (و لو سلم ان محمّد بن يعقوب (الكليني) شهد بصحة جميع روايات الكافي فهذه الشهادة غير مسموعة، فإنّه إن أراد بذلك روايات كتابه في نفسها واحدة لشرائط الحُجّية فهو مقطوع البطلان، لأن فيها مرسلات وفيها روايات في إسنادها مجاهيل ومَن اشتهر بالوضع والكذب) وقال أيضاً: (إنّ أخبار الشيخ الصدوق عن صحة روايته وحجّيتها أخبار عن رأيه ونظره، وهذا لا يكون حجّة في حق غيره).
وعن روايات الطوسي قال أيضاً: (فيجري فيها ما ذكرناه في شهادة الصدوق) ويخلص الخوئي إلى أنه لم تثبت صحة جميع روايات الكتب الأربعة فلا بدّ من النظر في سند كل رواية منها، كما في (المعجم) (1/ 90) ونحن إذ ننقل كلّ هذا الكلام هنا فلا نحتجّ بقول الخوئي إذ هو عندنا لا يفرُق كثيراً عن سائر أئمة الروافض الكذّابين، لكننا نقلنا قوله لبين تناقضهم، ولنضرب قول بعضهم ببعض فتتساقط كل أقوالهم بحمد الله فهل يمكن لأحد بعد كلام الخوئي هذا أن يدّعي أن عندهم صحاحاً متواترة؟؟(64/105)
وقوله: (وصراط الله الذي قال: وأن هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه، وسبيله الذي قال: ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله)إ. ه.
قلت: هذه دعوى كسابقاتها لا دليل عليها حتى وان نسبها في الهامش للباقر والصادق فهو يحتاج إلى إثبات صحة نسبتهما اليهما أولا ثم إلى صحة ما قالاه ثانياً، وهو يزعم انه يستدل على أهل السّنّة بما عندهم، فأين عندهم الإحتجاج بقول الباقر والصادق حتى يورده عنهما؟
أما نحن فنقول قد جاء تفسير الصراط في في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، عند الإمام أحمد (4/182-183)- بإسناد جيّد- قال: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم: (ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعن جنبيّ الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط المستقيم جميعاً ولا تفرّقوا، وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الأنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فانك ان تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام والسوران حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلّم). .(64/106)
قوله (و أولي الأمر الذين قال: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وقال في الهامش (14- 63): (أخرجه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب بسنده الصحيح عن بريدة العجلي قال: سألت أبا جعفر- محمّداً الباقر- عن قوله عزّ وجلّ: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمر منكم} فكان جوابه {ألم ترَ إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً} يقولون لأئمة الضّلال والدعاة إلى النار هؤلاء أهدى من آل محمّد سبيلاً {أولئك الذين يلعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً أم لهم نصيبٌ من الملك} يعني الإمامة والخلافة {فإذا لا يؤتون الناس نقيراً أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} ونحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلقه {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً} يقول: جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرون به في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمّد {فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنم سعيراً} إ. ه.
قلت: وما صنع شيئاً باستدلاله بهذه الآية إذ هي لا تختلف عما سبق من إستدلالاته محتاجة إلى إثبات صحة إسناده أولاً، ثم إلى صحة تفسير الباقر لهذه الآية بما فسّرها به ثانياً. والعجيب منه انه يريد أن يلزم أهل السّنّة بمذهبه الباطل ألا وهو عصمة هؤلاء الأئمة، ومنهم الباقر بتفسيره هذا، ثم ان قوله (بسنده الصحيح) دعوى لا نسلّم له بها خصوصاً بعد ما عرفنا من حال محمّد بن يعقوب هذا- وهو الكليني- وحال كتابه (الكافي) فيما بيناه في مقدمة كلامنا هذا، ولو كان صادقا في دعواه هذه لساق إسناده بالكامل.(64/107)
ثم إن قوله تعالى {و أولي الأمر منكم} عام في كل أولياء الأمور من الأمراء والعلماء على السواء، كما هو قول ابن عباس وغيره فيما ذكره ابن كثير (1/518)، فتخصيصها يحتاج إلى دليل شرعي صحيح، وسياق الآية فيه ما لا يساعده على مطلوبه فقد قال الله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} فانظر كيف كرر عقل الأمر {أطيعوا} حينما أراد ان طاعة الله وطاعة الرسول مطلقة دون أي قيد، لكنّه لما ذكر أولي الأمر عطف ذكرهم على طاعة الرسول ولم يجعلها طاعةً مطلقة بل طاعتهم واجبة فيما وافقوا فيه طاعة الله وطاعة رسوله فقال {و أولي الأمر منكم} ولم يقل (و أطيعوا أولي الأمر منكم}. فإن كان هذا الموسوي يزعم أن طاعة هؤلاء الأئمة مطلقة دون قيد أو شرط فهذا مردود بما بيناه، وإن كان يقول ان طاعتهم تكون في حدود طاعة الله ورسوله فإذا أمروا بخلاف ذلك لم يُطاعوا، فهذا لا اختصاص لهم فيه فهو شأن كل ولي أمر للمسلّمين حتى وإن كان فاجراً، فقد حث النبي صَلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة لولاة الأمور حتى الفجّار منهم ما لم يأمروا بمعصية فإذا أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة، ففي الصحيحين- (البخاري) (7056)، (مسلّم) (1709)- من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعُسرنا ويُسرنا، وأثَرةٍ علينا، وأن لا ننازعَ الأمرَ أهله، قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان). وفي صحيح البخاري (7142) عن أنس أن رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم قال: (إسمعوا وأطيعوا وإن أمّر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة). وفي صحيح مسلّم (1838) عن أم الحصين أنها سمعت رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع يقول: (و لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله إسمعوا له وأطيعوا).(64/108)
ثم ان في تكملة الآية- التي تعمد عدم ذكرها- رداً لكل ما بناه وقرره في مذهبه من الأخذ بأقوال هؤلاء الأئمة، ألا وهو قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} فانظر كيف جعل الرجوع عند التنازع- كما هو حالنا معه الآن- إلى الله والرسل أي إلى كتاب الله وسنة رسوله فقط دون غيرهما حتى ولا أولي الأمر وحتى ولا أي من الأئمة والعلماء، وجعل ذلك علامة على الإيمان بالله واليوم الآخر.
فالواجب إذاً عند وجود التنازع أن يرد كل من الفريقين إلى كتاب الله وسنّة رسوله صَلّى الله عليه وسلّم لا إلى غيرهما من الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء.
ونحن نسأله وشيعته: ألسنا مسلّمين؟ أليس كتاب الله تعالى بيننا وهو يأمرنا عند التنازع أن نرجع إلى آياته وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ ألسنا نتنازع في مسألة الأخذ بأقوال أئمة أهل البيت والقول بعصمتهم؟ فلم تعدلون عن الإستشهاد بآيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم الصحيحة الثابتة إلى الإستشهاد بأقوال من هم موضع النزاع؟ لا شك ان الحامل لهم على ذلك عدم وجود آية في كتاب الله تعالى أو حديث من سنة المصطفى صَلّى الله عليهو سلّم على ما أدعوه وردنا هذا يبين ذلك.
بقي أن أشير إلى نقطتين مهمتين وردتا في كلامه. .(64/109)
النقطة الأولى: قوله (أخرج ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب . . .) وقد حأول التعمية عليه- فيما يبدو- ولم يذكره بلقبه الذي يعرف به إذ لو ذكره لحمل ذلك من يعرفه من أهل السّنّة على تكذيب خبره هذا، وهو محمّد بن يعقوب الكليني الرازي المتوفّى سنة 329ه صاحب كتاب (الكافي) ولا يحتاج عند من يعرفه من أهل السّنّة إلى بيان حاله وحال كتابه، لكن يكفي لمن لا يعرفه أن يراجع ما سقناه في مقدمة كتابنا هذا من المنكرات والأباطيل التي يحويها كتابه، وأبرزها طعنه بالقرآن الكريم ذلك الطعن الذي لم يتجرأ أحد حتى ولا من اليهود ولا النصارى على قوله في القرآن الكريم، ثم يأتي هذا الموسوي فيصف الكليني هذا بأنه (ثقة الإسلام)!! أهذا مبلغ علمك يا موسوي؟
النقطة الثانية: ما نقله عن محمّد الباقر في استشهاده بقوله تعالى: {ألم ترَ إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت . . . الآية} ثم حملها على من خالف آل محمّد صَلّى الله عليه وسلّم في الإمامة هذا يقوي الظن عندي بأنه يفسر (الجبت) و(الطاغوت) في الآية بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهو قول أئمتهم كما نقلناه في مقدمتنا هناك عند تنأولنا لكتابهم (تنقيح المقال) وهو من أكبر كتبهم في الجرح والتعديل لإمامهم المامقاني. وجاء أيضاً ذكر (الجبت) و(الطاغوت) في دعائهم الذي يسمونه (دعاء صنمي قريش) ويعنون بهما وبالجبت والطاغوت أبا بكر وعمر، وهذا الدعاء في كتابهم (مفتاح الجنان) (ص114) (إيران 1327) ونصّه: (اللهم صل على محمّد وعلى أل محمّد، والعن صنمي قريش وجبتهما وطاغوتيهما وابنتيهما . . . الخ) ويريدون بابنتيهما أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة رضي الله عنهما وعن أبويهما، ولعنة الله على الظالمين.
قوله: (و أهل الذكر الذين قال: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).(64/110)
قلت: أفلا سأل نفسه عن معنى الفاء هنا وعن متعلقها؟ ولا يشك من له أدنى معرفة باللغة انها متعلقة بكلام قبلها، بل هي من تمام الآية وهي قوله تعالى: {و ما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر} وإذا كان كذلك فقد فسر لنا هذه الآية حبر الأمة وترجمان القرآن الذي دعا له رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم فقال: (اللهم علمه التأويل) ولم يَدعُ بمثل هذا لأحد من أهل البيت غيره، عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عالم أهل البيت بالتأويل، فقد أخرج الطبري في تفسيره (14/ 68) عن الضحاك عن ابن عباس قال: (لما بعث الله محمّدا رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم فقالوا الله أعظم من أين يكون رسوله بشراً مثل محمّد، قال: فأنزل الله {أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم} وقال: {و ما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزّبر} يعني أهل الكتب الماضية، أبشراً كأنت الرسل التي أتتكم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أتتكم وإن كانوا بشراً فلا تنكروا أن يكون رسولاً). وبمثله قال مجاهد والأعمش.
وعلى هذا فلا يصح أن يكون غير ما قدمنا سبباً لنزول هذه الآية فهو فضلاً عن مجيئه عن ابن عباس- من طريقين- هو مقتضى سياق الآية ومدلولها.(64/111)
لكن كون علماء أهل البيت وكذا سائر الصحابة وعلماء الأمة هم أهل الذكر فهذا صحيح لا ريب فيه. وعلى فرض ثبوت تسمية أهل البيت بأهل الذكر عن علي رضي الله عنه- كما عزاه في الهامش (15/63) من تفسير الثعلبي مع التحفظ في النقل من الثعلبي دون معرفة إسناده وصحته- أو عن أبي جعفر الباقر أو غيره من أئمة أهل البيت فهو محمول على ان الآية تشملهم كما تشمل غيرهم إذ لا دليل على تخصيصها بهم وحدهم، فقد روى ابن جرير أيضاً فيما رواه في تفسير هذه الآية عن عبد الرحمن بن زيد ابن أسلّم قال: الذكر القرآن فأهل الذكر هم أهل القرآن، واستدل على ذلك بقوله تعالى: {إنا نحن نزّلنا الذكرو إنا له لحافظون} فهذا يمكن أيضاً أن يحتج به أحد على أن أهل الذكر هم أهل القرآن ولكنا نقول أن لا تعارض بين ذلك أبداً إذ معنى كل هذا ان الآية تشمله لا انها سبب نزوله ومقصودها في سياق الآيات، وهذا مهم ويتكرر كثيراً في التفريق بين سبب نزول الآية وبين الأمور التي تدخل في لفظها وتشملها، والله الموفق للصواب.
قوله: (و المؤمنون الذين قال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم)
قلت: أفتراهم هم وحدهم المؤمنين دون سواهم؟ أفتراهم وحدهم المتبعون للرسول دون سواهم حتى تقصر لفظ الآية عليهم؟ هذا لعمري من أفسد الإستدلالات، بل يمكن للمنازع له ان يستدل بها أيضاً أو بمثلها، ثم ان قوله تعالى {و يتبع غير سبيل المؤمنين} ملازم للصفة التي قال عنها {و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى} فصارت كلاهما شيئاً واحداً وهو مشاققة الرسول صَلّى الله عليه وسلّم والإبتعاد عن شرعه.(64/112)
وبعد ذلك لا يتم الإستدلال بها وهي بهذا المعنى، فكأنه يريد أن يستدل على أهل السّنّة بقوله تعالى- مثلا- {و من يعصِ الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها} فمن قال ان أهل السّنّة عاصون لله ورسوله؟ وهكذا هنا أيضاً من قال انهم مشاقّون للرسول ومتّبعون غير سبيل المؤمنين؟ وبهذا يتبين وجه فساد احتجاجه بهذه الآية. أما عزوه- في الهامش- لابن مردويه في تفسير الآية ان المراد بمشاقة الرسول هنا إنما هي المشاقة في شأن عليّ وان الهدى في قوله {من بعد ما تبين له الهدى} إنما شأنه عليه السّلام، فهذا مما لا سبيل له إلى إثباته والا فيذكر لنا موضعه وليسق لنا سنده، ويبدو انه لا يستحي من الكذب فتفسير ابن مردويه لم يطبع إطلاقاً ولا يمكن الوصول اليه عن طريق التفاسير الأخرى وحتى هذه لا تغني شيئاً ان لم تورد مع ما تنقله منه الإسناد الذي رواه به ابن مردويه، فإن كان هذا ما فعله الموسوي هنا فلم يبين من أين نقل ما نقله وعزاه لابن مردويه، أيستحي من ذلك فكتمه؟ أم هو التدليس والغش والإيهام كما هو شأنه مطلقاً؟(64/113)
وهذا أيضاً على ما زعم من إخراج العياشي (؟) في تفسيره، مع انه من تفاسير الشيعة لا أهل السّنّة وقد جاء في سبب نزول هذه الآية مع آيات اخر خلاف ذلك، وهو الثابت في تفسيرها، فقد جاء في سبب نزول الآيات (105- 116) من سورة النساء، ومن قوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً} إلى قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشركَ به ويَغفرُ ما دون ذلكَ لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيداً} اي بعد الآية المذكورة بآية، ما أخرجه الترمذي (3/ 93) والحاكم (4/385- 388) وابن جرير (5/ 82- 84) وغيرهم انها نزلت في سارق بني أبيرق واسمه بشير، في سياق طويل فيه أنه سرق واتهم رجلاً بريئاً من المسلّمين بتلك السرقة حتى نزل القرآن بتبرئته وبيان الحق في ذلك، وقال في آخر الحديث: (فلما نزل القرآن في بشير وعثر عليه هرب إلى مكة مرتداً، فنزل على سلافة بنت صعد فجعل يقع في النبي صَلّى الله عليه وسلّم وفي المسلّمين، فنزل فيه: {و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولّى ونصله جهنم وساءَت مصيراً. إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن شاء ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيداً} وهجاه حسّان بن ثابت رضي الله عنه) إ. ه. وقال الحاكم صحيح على شرط مسلّم. والحاكم ممن احتج به هذا الموسوي كما مرّ فيما سلف، فما باله أعرض عنه هنا؟
قوله: (و الهداة الذين قال: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) وقال في الهامش (17 / 63): (أخرج الثعلبي في تفسير هذه الآية من تفسيره الكبير عن ابن عباس قال: (لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يده على صدره وقال: انا المنذر وعلي الهادي، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون. وهذا هو الذي أخرجه غير واحد من المفسرين وأصحاب السنن عن ابن عباس) إ. ه.(64/114)
قلت: هذا فيه كذب على أصحاب السنن فلم يخرجه أحدٌ منهم، وهذا اللفظ عندما يطلق يراد به اصطلاحاً أصحاب السنن الأربعة: أبو دأود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
والحديث الذي ذكره أخرجه الطبري في تفسيره (13/ 63) من طريق الحسن بن الحسين الأنصاري ثنا معاذ بن مسلّم ثنا الهروي عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وأخرجه من حديث ابن عباس أيضاً الديلمي في (مسند الفردوس) (103) بلفظ (أنا النذير وعلي الهادي. . .) لكنّه لم يسق له إسنادا فلا يصح العزو اليه بمفرده.
وقال ابن كثير في التفسير (2/ 502): (و فيه نكارة شديدة) قلت: وذلك في سنده ومتنه.
أما سنده ففيه:
الحسن بن الحسين الأنصاري وهو العرني، قال ابن أبي حاتم: لم يكن بصدوق عندهم كان من رؤساء الشيعة، قلت فلا يحتج به بعد ذلك في مثل هذا الخبرو كما هو معروف عند أهل المصطلح، وقال عنه ابن حبان: يأتي عن الاثبات بالملزقات ويروي المقلوبات.
معاذ بن مسلّم: مجهول كما قال الذهبي في (الميزان) وجهالته هذه هي جهالة عين، وهي أشد ضعفا من جهالة الحال بل ومن مرتبة (الضعيف)، أنظر مقدمة (تقريب التهذيب).
وأشار الذهبي في ترجمته إلى حديثه هذا وقال: خبر باطل.
الهروي: لم يتبين لي من هو ولم أجد من يلقب بذلك سوى أبي زيد الهروي وإسمه سعيد بن الربيع وهو أقدم شيخ للبخاري ولا أظنه هو إذ بين وفاته ووفاة عطاء بن السائب- شيخه في هذا الإسناد- خمس وسبعون سنة. وقد ذكر الذهبي في ترجمة الحسن بن الحسين الآنف الذكر
من الميزان هذا الحديث باسناده لكنّه أسقط الهروي وجعله من رواية معاذ ابن مسلّم عن عطاء بن السائب وأعاده أيضاً في ترجمة معاذ بن مسلّم، فالله أعلم.
عطاء بن السائب: اختلط وساء حفظه بآخره ولم تصح رواية أحد عنه قبل الإختلاط سوى سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وأيوب وزائدة وزهير، وجميعهم ليس لهم ذكر في إسنادنا هذا.(64/115)
هذه أربع علل في إسناد الحديث تكفي كل واحدة منها لإسقاط الإحتجاج بأي حديث وعدم الأخذ به، فكيف اذا انضم بعضها إلى بعض؟ وأشدها جهالة معاذ بن مسلّم، فالحديث بهذه لا شك في بطلانه ونكارته.
وبعد هذا يتبين لك خطأ الحافظ ابن حجر في تحسين هذا الإسناد في (الفتح) (8/479) إذ ذكر هذا الحديث وحسن اسناده، وما فعل شيئاً- رحمه الله- ولا أظنه أنتبه إلى ما في سنده من العلل، وقد خالف في ذلك كلاًّ من شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن كثير، والحافظ الذهبي رحمهم الله جميعاً، وفوق كل ذي علم عليم.
وأما النكارة التي في متنه فقد بينها شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج النسة) في معرض ردّه على ابن المطهر الحلي لما استشهد بهذا الحديث فقال- (المنتقى) (ص461)-: (. . . ولا تحل نسبته إلى الرسول وفان قوله وأنت الهادي وما بعده ظاهره انهم يهتدون بك دوني، وهذا لا يقوله مسلّم، وان قلت معناه يهتدون به كهدايتهم بالرسول اقتضى المشاركة، والله بنص كتابه قد جعل محمّداً هادياً فقال: {و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وقولك (و بك يهتدون المهتدون) ظاهره ان كل مسلّم اهتدى فبعليّ اهتدى. وهذا كذب فان محمّداً صَلّى الله عليه وسلّم قد اهتدى به أمم ودخلوا الجنة ولم يأخذوا عن علي مثله، ثم لما فتحت الأمصار اهتدى الناس بمن سكنها من الصحابة وعلي مقيم بالمدينة لم يروه، فكيف يسوغ أن يقال (بك يهتدي المهتدون)؟ ثم قوله تعالى (و لكل قوم هاد) عام في كل الطوائف، فكيف يجعل عليا هاديا للأولين والآخرين؟ ثم الإهتداء بالشخص قد يكون بغير تأمّره عليهم كما يُهتدى بالعالم، فدعواك دلالة القرآن على عليّ باطل) أنتهى. .
قوله:)أليسوا من الذين أنعم الله عليهم وأشار في السبع المثاني والقرآن العظيم اليهم، فقال: إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) إ. ه.(64/116)
قلت نعم هم من الذين أنعم الله عليهم وأشار اليهم في سورة الفاتحة كما أشار إلى غيرهم من سلف هذه الأمة الصالحين فهمن من المقصودين بهذه الآية لا إنهم وحدهم المعنيون بها، يدلك على ذلك قوله {غير المغضوب عليهم ولا للضالين} وقد فسّرها رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم باليهود والنصارى، فبان بذلك ان الذين أنعم الله عليهم هم من هذه الأمة جميعاً ولا دليل على تخصيصها بهم، وما ذكره في الهامش (18/ 64) معزوا للثعلبي في تفسيره فهو فضلا عن عدم تحقق ثبوته لعدم معرفة إسناده- خصوصاً والثعلبي قد حوى نفسيرهُ كثيراً من الموضوعات كما فصلنا ذلك سلفاً- لا يدل على مطلوبه بتخصيص الآية بأهل البيت ذلك أنها نصوص عامة تفيد شمول الآية لهم لا أنها فيهم وحدهم.(64/117)
وكذا ما ذكره عن ابن عباس- زاعماً انه من تفسير وكيع بن الجراح ولا أدري من أين نقله- في قوله تعالى {إهدنا الصراط المستقيم} قال: قالوا أرشدنا إلى حب محمّد وأهل بيته، فهذا على فرض ثبوته لا يدل على مطلوبه من الإمامة والولاية كما لا يخفى ولا يرد علينا، فنحن نقول بوجوب محبة محمّد صَلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته وان الآية تشملهم لكن ننازعه في قصر الآية عليهم وحدهم. ثم ان هذا التفسير لا يثبت عن ابن عباس، ففي سنده الذي ساقه هو السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن وهو من رجال مسلّم، ولكن في حفظه ضعف ورمي بالتشيّع، ومسلّم لم يحتج به في شيء من فضائل علي وأهل البيت لأجل تشيعه كما هو مقرر عند أهل الحديث، فكما لا يحتج بالناصي- وهو الذي يبغض علياً وأهل البيت- وإن كان ثفة في شيء مما فيه تخطئة لعليّ فكذا لا يحتج بالشّيعين إن كان ثقة في شيء من فضائل علي وأهل البيت، ثم انا حتى لو أعرضنا عن هذه القاعدة الحديثة، فان للسدي هذا شأناً خاصاً في ما رواه من التفسير فقد حكي عن الإمام أحمد انه قال عنه: (و انه يحسن الحديث إلا ان هذا التفسير الذي يجيء به قد جعل له اسنادا واستكلفه). وقيل للشعبي: ان السدي قد أعطي حظا من علم القرآن. فقال: (قد أعطي حظاً من جهل القرآن)- أنظر ترجمته في (التهذيب)- فهذه حال ما ساقه مما ظن انه دليل له، اما معنى الصراط المستقيم فقد مر بنا حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عند تعقيبنا على استشهاده بقوله تعالى {و أنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه . . . } وفيه المثل الذي ضربه رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم للإسلام فقالِ: (ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً . . .).
ثم قد ذكرنا في كلامنا على (حبل الله المتين) ما روي عن عليّ رضي الله عنه نفسه في صفة القرآن: (. . . فهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم . . .) فهذا هو تفسير علي رضي الله عنه للصراط المستقيم، أتراه يردّه؟(64/118)
وقد ذكر الإمام الطبري في تفسير سورة الفاتحة من تفسيره، وكذا الإمام ابن كثير عدة آثار عن الصحابة والتابعين في تفسير الصراط المستقيم بأنه الإسلام، وبعضها عن ابن عباس- بسند صحيح- وأخرى عن طريق السدي الذي المذكور آنفاً أيضاً فليس ما ذكره واستدل به- على فرض ثبوته- بأولى بالقبول مما ذكرناه. بل لا بل فسره أبو العالية والحسن البصري بالنبي صَلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه من بعده- أبي بكر وعمر- ولا منافاه بين هذه الأقوال، كما قال ابن كثير (1/28): (وكل هذه الأقوال صحيحة وثابتة ومتلازمة، فإنّ من اتبع النبيَّ صَلّى الله عليه وسلّم واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر فقد اتبع الحق، ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن وهو كتاب الله وحبله المتين وصراطه المستقيم، فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا) إ. ه.
قلت: وأوضح من ذلك تبيينه سبحانه وتعالى في كتابه للصراط المستقيم فقال: {و إنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم} إذا فالصراط المستقيم المعنيّ في سورة الفاتحة هو طريق النبي صَلّى الله عليه وسلّم وسنته بدليل قوله تعالى هذا، ولم يذكر فيه أحداً لا أهل البيت ولا غيرهم . . .
قوله: (و قال: أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين) وقال في الهامش (19/ 64): (أئمة أهل البيت من سادات الصديقين والشهداء والصالحينت بلا كلام) إ. ه.(64/119)
فقلت: وهذا أيضاً لا ننازع فيه بل في قصر الآية عليهم، مع عدم وجود دليل خاص بهم في هذه الآية. وقد ورد في سبب نزولها ما أخرجه ابن مردويه والحافظ أبو عبد الله المقدسي في (صفة الجنة) والطبراني- كما في (تفسير ابن كثير) (1/ 495) و(أسباب النزول) للسيوطي (2/ 57)- وأخرجه أيضاً الواحدي في (أسباب النزول) (ص123) باسناد لا بأس به- كما قال الحافظ المقدسي- أن رجلا جاء إلى النبي صَلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله إنك لأحب اليّ من نفسي وأحب الي من أهلي وأحب الي من ولدي، واني لأكون في البيت فاذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، واذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك اذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وان دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي صَلّى الله عليه وسلّم حتى نزلت عليه {و من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً} ثم ان الله سبحانه وتعالى قال: {و من يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين . . . } الآية.
فحتى لو كان المقصود بهم أئمة أهل البيت وحدهم فقد اشترط الله سبحانه وتعالى لمرافقتهم في الجنة طاعة الله وطاعة رسوله فقط لا غيرها، ولم يشترط طاعتهم هم، فما أجهله باستدلاله بهذه الآية فهي دليل عليه لا له، فانهم لم ينالوا ما نالوه إلا باتباعهم سنة الرسول صَلّى الله عليه وسلّم فأصبحوا بتلك المنزلة، ثم أرشد الله سبحانه من يريد اللحاق بهم إلى الإقتداء بالنبي صَلّى الله عليه وسلّم حتى يكون معهم.(64/120)
قوله: (ألم يجعل لهم الولاية العامة؟ ألم يقصرها بعد الرسول عليهم؟ فاقرأ: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} وقال في الهامش (20/ 64): (أجمع المفسرون- كما اعترف به القوشجي وهو من أئمة الأشاعرة في مبحث الإمامة من شرح التجريد- على ان هذه الآية إنّما نزلت في عليّ حين تصدق راكعا في الصلاة. وأخرج النسائي في صحيحه نزولها في علي عن عبد الله بن سلام . . . الخ}(64/121)
قلت: وقد أعاد هذا الموسوي الاستدلال بهذه الآية- بالتفصيل- في (المراجعة-40-) من كتابه (ص178- 180) وقال: (و الصحاح- في نزولها بعليّ إذ تصدق بخاتمه وهو راكع في الصلاة- متواترة عن أئمة العترة الطاهرة، وحسبك مما جاء نصا في هذا من طريق غيرهم حديث ابن سلا م مرفوعا إلى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم، فراجعه في صحيح النسائي أو في تفسير سورة المائدة من كتاب الجمع بين الصحاح الستة. ومثله حديث ابن عباس، وحديث علي مرفوعين أيضا. فراجع حديث ابن عباس في تفسير هذه الآية من كتاب أسباب النزول للواحدي، وقد أخرجه الخطيب في المتفق، وراجع حديث عليّ في مسنديّ ابن مردويه وأبي الشيخ، وان شئت فراجعه في كنز العمال. على أن نزولها في علي مما أجمع المفسرون عليه، وقد نقل إجماعهم هذا غير واحد من أعلام السنة كالامام القوشجي في مبحث الامامة من شرح التجريد، وفي الباب (18) من غاية المرام (24) حديثا من طريق الجمهور في نزولها بما قلناه، ولولا مراعاة الاختصار وكون المسألة كالشمس في رائعة النهار لاستوفينا ما جاء فيها من صحيح الأخبار ولكنّها والحمد لله مما لا ريب فيه ومع ذلك فانا لا ندع مراجعتنا خالية مما جاء فيها من حديث الجمهور، مقتصرين على ما في تفسير الامام أبي إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي، فنقول: أخرج عند بلوغه هذه الآية في تفسير الكبير بالإسناد إلى أبي ذر الغفاري قال: سمعت رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم بهاتين والا صمَتا ورأيته بهاتين وإلا عميتا يقول: (علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله)، أما اني صليت مع رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فسأل سائل المسجد . . . الحديث.(64/122)
قلت: ذكره اجماع المفسرين على ذلك من أعظم الدعأوي الكاذبة، بل أجمعوا على أنها لم تنزل في علي بخصوصه وان الخبر كاذب، كما سنبينه. وقبل الكلام عليه لا بد من التنبيه على ما في كلامه من الجهل والتدليس بل والكذب، فبالاضافة إلى ادعائه اجماع المفسرين على ذلك وهذه كتب التفسير جميعا تحكي كذبه في ذلك، ومن ذكرها منهم فإنما ذكرها لتبيين خطئها، أقول بالاضافة إلى ذلك جهله في تسمية كتب الحديث؛ مثل تسميته لسنن النسائي (صحيح النسائي) أو انه قال ذلك عمداً تدليساً منه لتقوية كلامه بالباطل، والا فلا يقول كلامه هذا رجل نظر في كتب الحديث فضلا عن دراستها، ثم ان حديث عبد الله بن سلام الذي ساقه ليس هو عند النسائي في سننه الصغرى المطبوعة والمعروفة بالمجتبى، أما سننه الكبرى فلم تكن مطبوعةً في حينها ولا أظنه إلاّ أراد الأولى بقرينة كتاب (الجمع بين الصحاح الستة)، ثم هذا الكتاب الاخر لم يبين ما هو ولمن هو ويمكننا الاستغناء عنه بكتاب (التاج الجامع للأصول) وهو يجمع أحاديث خمسة كتب، وهي الصحيحين وسنن أبي دأود والترمذي والنسائي. ولم يذكر فيه هذا الحديث أيضاً مما يبين كذبه في نسبته للنسائي والا لو كان صادقاً لذكر لنا اسناده وفي أي موضع هو من (سنن النسائي) أو (صحيح النسائي) كما سمّاه. وهذا الرجل ممن يحكم هواه حتى في حكمه على الأحاديث وعلى كتب الحديث فلو رأى في سنن النسائي حديثا لا يرضاه أو يخالف هواه لسمّاه ربما كتاب الموضوعات للنسائي إمعانا في تشويه الحقائق ثم انظر إلى طريقته القاصرة في تخريج الأحاديث إذ يذكر مخرجها ولا يذكر موضعها من الكتاب ولا يسوق اسنادها ايضا، وهو انما يأتي بها اعتمادا على كتب أخرى ولا يصرح بذلك، بل ربما عزا الحديث إلى مخطوطة لم تطبع ولا يدري ما يصنع، كما فعل في عزوه حديث عليّ إلى سندي ابن مردويه وأبي الشيخ، وإنّما نقل ذلك- في الغالب- من كتاب (الدر المنثور) للسيوطي كما سنبينه في موضعه، ثم(64/123)
ان السيوطي لم يسمّه مسند ابن مردويه ولا يعرف بذلك والله أعلم وانما هو (تفسير ابن مردويه) وغير ذلك من تخريجاته، ذلك انه لا يهتم باسناد ما يسوقه وانما يكتفي عنده في صحته انه يوافق مطلبه، وربما يحذف حتى تضعيف مخرجه له أو صاحب الكتاب الذي ذكره، كما مر بنا سابقاً في نقله من كتاب (كنز العمال) أو (منتخب كنز العمال) وكما سيأتي بإذن الله، وحتى الحديث الذي ساقه بتمامه- حديث أبي ذر- وعزاه للثعلبي في تفسيره انما نقله- بلا شك- عن سلفه ابن المطهر الحلي إذ ذكره بنفس هذا اللفظ وبنفس التخريج القاصر فرد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية فجزاه الله خيراً، وإلا فليذكر لنا موضعه وإسناده ان كان صادقا هو أو من ينتحل نحلته، وقد قدمنا أنّ تفسير الثعلبي لم يُطبع!
ثم دعواه ان هناك (24) حديثاً من طريق الجمهور- كذا قال- في نزولها بذلك لا يختلف عن ما سبق من إدّعاءاته الباطلة التي لا أساس لها من الصحة والا فليذكرها وهو في موضع خصومة ومراجعة وأحوج إلى ذكرها تدعيماً لقوله، فعلم بذلك كدبه وأكثر ما وجد في ذلك مع الآثار المروية فيها لا يبلغ نصف هذا العدد وقد اسقصاها السيوطي في (الدرّ المنثور) وفي (أسباب النزول) أيضاً، وهذا الرجل ممن يعد الحديث الواحد حديثين إذا تكرر ذكره في موضعين بنفس اللفظ وبنفس الإسناد، كما مر بنا في حديث أبي سعيد الخدري في المراجعة (8) صفحة (49) هامش (3)، مما يؤيد انه لا ينظر في إسناد الحديث، وإن نظر فلا يعره اهتمامه، بل همّه ذكر ما يهواه بأي شكل كان، وهذا لعمري هو الجهل بعينه، وهذا أوان الكلام على ما ادعاه في سبب نزول هذه الآية {إنما وليكم الله ورسوله. . . } الآية وما ساقه من الأحاديث وغيرها في ذلك فأقول:(64/124)
أمّا زعمه رواية عبدالله بن سلام في حديثه لهذه القصة فباطل لأن ابن سلام ليس له مثل هذا الحديث لكن جاء ذكره في حديث ابن عباس في هذه القصة وانه السبب في ذلك، وليس هو من روايته بل من رواية ابن عباس فظنه الجاهل انه حديث ينسب إلى ابن سلام، أو انه تعمد ذلك رغبة في تكثير عدد الأحاديث التي يحتج بها، ثم ان عزوه للنسائي باطل أيضا- كما قدمنا- ونحن نطالبه أو من ينوب عنه بموضعه واسناده، وهو حتى لم يذكره سلفه ابن المطهر الحلي وهو أحوج ما يكون اليه وأما حديث ابن عباس هذا- الذي فيه ذكر ابن سلام- فقد أخرجه ابن مردويه- أنظر (تفسير ابن كثير) (2/ 68)، (الدر المنثور) (3/105- 106) (أسباب النزول- للسيوطي) (ص73)- والواحدي في (أسباب النزول) (ص148- 149) من طريق محمّد بن مروان- وهو السدي الصغير- عن محمّد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: (أتى عبد الله بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبيّ الله صَلّى الله عليه وسلّم عند الظهر، فقالوا: يا رسول الله إن بيوتنا قاصرة لا نجد من يجالسنا ويخالطنا دون هذا المسجد، وإنّ قومنا لما رأونا قد صدقنا الله ورسوله وتركنا دينهم أظهروا العدأوة وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يؤاكلونا فشقّ ذلك علينا، فبينا هم يشكُون ذلك إلى رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم إذ نزلت هذه الآية على رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا . . . } ونودي بالصلاة صلاة الظهر وخرج رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فنظر سائلاً فقال: أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم خاتم من ذهب. قال: مَن؟ قال: ذاك الرجل القائم- قال: على أي حال أعطاكه؟ قال: وهو راكع. قال: وذلك عليّ بين أبي طالب، فكبّر النبيّ صَلّى الله عليه وسلّم ثم قرأ: {و من يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون} إ. ه.(64/125)
وهو حديث موضوع مكذوب بلا شك في اسناده كذّابان؛ الأول محمّد بن مروان السدي الصغير وهو متّهم بالكذب، والآخر محمّد بن السائب الكلبي وهو متهم بالكذب أيضاً، راجع (تقريب التهذيب). وأخرجه من حديث ابن عباس أيضاً الخطيب في (المتفق)- (الدر المنثور) (3/ 104) (منتخب كنز العمال) (5/ 38)- وليس هناك ما يدل على إسناده سوى ما ذكره صاحب المنتخب من أن فيه المطلب بن زياد، قال أبو حاتم: لا يُحتج به، وقال ابن سعد: ضعيف، فلا حجة فيه ذلك لعدم معرفة إسناده بالكامل أولا ولتيقن الضعف فيه ثانياً. هذا وقد نقله صاحبنا من (منتخب كنز العمال) ولم يذكر الضعف الذي في اسناده، وهو ما نبهنا عليه من تعمده في إخفاء حال ما يسوقه من الأحاديث.
وأخرج حديث ابن عباس أيضاً ابن مردويه- (ابن كثير) (2/68) (الدر المنثور) (3/105) من طريق الثوري عن أبي سنان عن الضحاك عن ابن عباس به. وقال ابن كثير: (الضحاك لم يلقَ ابن عباس) قلت: وهو الضحاك بن مزاحم وليس له رواية عن أحد من الصحابة فالحديث على هذا منقطع ضعيف لا يدري ممن أخذه الضحاك ونسبه إلى ابن عبّاس، وقد أنكر الضحاك نفسه أنه لقي ابن عباس، كما في (المراسيل) لإبن أبي حاتم (ص63). هذا فيما بدا لنا من إسناده من الثوري فصاعداً، أما فيما بين ابن مردويه إلى الثوري فلا نعلم عنه شيئاً وربما فيه علّة أخرى توجب ضعفه، ولا يغفلنّ أحد عن ان من شروط صحة الحديث اتصال سنده وخلوه من الانقطاع وهو ما لم يتوفر هنا.
وروى حديث ابن عباس أيضاً عبد الرزاق- (ابن كثير) (2/68)، (الدر المنثور) (3/105)، (أسباب النزول- السيوطي) (ص73)- من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن ابيه عن ابن عباس. قال ابن كثير: (عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتج به)، قلت: قال عنه الحافظ في (التقريب): متروك، وكذبه الثوري إ. ه. وقال النسائي ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقال ابن الجوزي: أجمعوا على ترك حديثه. . فهو خبر موضوع إذن. .(64/126)
وبالإضافة إلى ابن عباس فقد روي هذا الحديث من طريق غيره، قال ابن كثير في (التفسير) (2/ 68): (ثم رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه وعمار بن ياسر وأبي رافع، وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها) إ. ه.
قلت: وعزاه السيوطي أيضاً في (الدر المنثور) (3/105) لأبي الشيخ وابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب. وهو الذي نقله هذا الموسوي وأعرض عن ما قاله الحافظ ابن كثير في إسناده. ويكفينا ذلك في رده، وإلا فليأتنا بإسناده وموضعه ان كان صادقا، وأنى له ذلك؟ بل حتى لو لم يقل ذلك عنه ابن كثير فلا يمكن الإحتجاج بمثل دون معرفة إسناده، فلا يكفي في صحة الحديث وجوده في أي كتاب حتى ننظر في إسناده، اللهم إلاّ ما كان من شأن الصحيحين. وبخلاف ما قلناه يكون كمن يحطب بليل يحمل حزمة الحطب ولا يعلم بالأفعى التي فيها.
وأما حديث عمار بن ياسر فقد أخرجه بالإضافة إلى ابن مردويه، الطبراني في (الأوسط)- (الدر المنثور) (3/105)، (أسباب النزول- السيوطي) (2/73)- وقال السيوطي: بسند فيه مجاهيل قلت: وهو يقول ذلك رغم تساهله في التصحيح مما يعرف عنه، ولم يكتف بمجهول واحد بل مجاهيل مما يزيد توهين الحديث.
وأما حديث أبي رافع فبالإضافة إلى ابن مردويه أيضاً أخرجه الطبراني في (الكبير) (955)، وعزاه السيوطي في (الدر المنثور) (3/106) لأبي نعيم. وإسناده ضعيف جداً، بل منكر فيه محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع، قال الحافظ في (التقريب) ضعيف، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث جداّ ذاهب. وقال الدارقطني: متروك. . وفي إسناده أيضاً يحيى ابن الحسن بن فرات ولم أجد له ترجمة. ثم ان عند بعض رجال إسناده تشيع فلا يقبل خبرهم في فضائل علي رضي الله عنه.(64/127)
بقي من الأحاديث التي ساقها حديث أبي ذر عند الثعلبي في (تفسيره) ولم يذكر إسناده عمداً في إخفاء ضعفه ولا يمكننا الإعتماد على وجوده فقط دون النظر في إسناده خصوصاً وقد بينن مما سقناه عن ابن عباس وغيره انه مع وجوده وذكره في الكتب ففي إسناده أناس متهمون بالكذب، وخصوصاً قد قدمنا حال الثعلبي وتفسيره وكثرة روايته الموضوعات.
ثم نحن نرد على حديثه بما رد به شيخ الإسلام إبن تيمية على ابن المطهر الحلي في (منهاج السنّة) وقد ساق نفس الحديث وبدون إسناد أيضاً، فقال شيخ الإسلام- (المنتقى) (ص437)-: (. . . وإن الخبر كاذب، وفي تفسيره الثعلبي من الموضوعات ما لا يخفى، وكان حاطب ليل، وكذا تلميذه الواحدي). قلت: ومصداق ذلك عن الواحدي ما سبق من حديث ابن عباس الذي رواه هو في سبب نزول هذه الآية، وهو مكذوب كما مرّ.
ثم قال شيخ الإسلام في رده (ص437): (ثم هبك اعتضدت بالثعلبي فقد نقل الثعلبي عن ابن عباس قال: إنها نزلت في أبي بكر. ونقل عن عبد الملك قال: سألت أبا جعفر الباقر عن الآية فقال: هم المؤمنون، قلت: فإن أناساً يقولون هو عليّ، فقال علي من الذين آمنوا. وعن الضحاك مثله. وروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية قال: كل من أسلّم فقد تولّى الله ورسوله والذين آمنوا. ثم نعفيك من ادعائك الإجماع ونطالبك بسند واحد صحيح.) إ. ه.
قلت وصدق شيخ الإسلام، وها نحن نقول لكلّ من ينتحل نحلته: نعفيكم من ادعائكم الإجماع ونطالبكم بإسناد واحد صحيح يثبت ذلك.(64/128)
وهناك آثار في ذلك يمكن أن يستدل بها وإن كان لم يذكرها لكننا نشير اليها حتى نبين ما فيها وهي كلها بين ضعيف لا يثبت عن قائله إلى قول ليس بحجة في ذلك عند أحد كقول سلّمة بن كهيل والسدّي، وإلى قول غير صريح في ذلك كقول عتبة بن حكيم- أو ابن أبي حكيم- عن المقصودين في الآية، قال: هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب. وأخرج الطبري في (تفسيره) (6/180) من طريق غالب بن عبيد الله عن مجاهد به. وغالب هذا متروك الحديث كما قال أبو حاتم والنسائي، وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس بثقة. .
وحتى لا يحتج أحد بهذه الآثار على مطلوبه الباطل نقول قد جاءت آثار أخرى في المعنيين بالآية تخالف هذه الآثار وليست هذه بأولى بالقبول من تلك.
فمن ذلك ما أخرجه ابن جرير (6/180)، وابن أبي حاتم- (الدر المنثور) (3/104)- عن عطية بن سعد قال: نزلت في عبادة بن الصامت {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا. . . } الآية.
وأيضاً تلك الآثار التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا كله يبين كذب هذا الموسوي في ادعائه الإجماع على ذلك.
ومنها أيضاً ما أخرجه ابن جرير (6/180)، وابن أبي حاتم- (تفسير ابن كثير) (2/68)، (الدر المنثور) (3/106)- من طريق علي بن أبي طلحة الوالي عن ابن عباس في هذه الآية قال: يعني من أسلّم فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا.(64/129)
وقاصمة الظهر بالنسبة لهذا الموسوي التي يخالف فيها أصله ومذهبه ماروي عن أبي جعفر الباقر فيما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر- (الدر المنثور) (3/106)- أنه سئل عن هذه الآية من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا، قيل له: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب، قال: علي من الذين آمنوا، وأخرجه أيضاً أبو نعيم في (الحلية) (3/185) عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: (سألت أبا جعفر محمّد بن علي عن قوله تعالى {إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا . . . } الآية قال: أصحاب محمّد صَلّى الله عليه وسلّم، قلت: يقولون عليّ؟ قال: عليّ منهم). قلت: وإسناده صحيح إلى أبي جعفر لولا شيخ أبي نعيم وهو أبو حامد بن جبلة فلم أجد له ترجمة.
هذا هو ما جاء في سبب نزول هذه الآية مما يوافق ما قاله، وأنت ترى أن ليس فيها ما يمكن الإعتمادعليه فهي كلها من طريق مكذوب أو منكر أو ضعيف أو منقطع، علأوة على ما جاء في سبب نزولها مما يخالف ما قاله تماماً مع رجحان صحتها عليه. .
وقد سقت جميع الطرق التي ذكرها أو أشار اليها وزدت عليها غيرها، وهي جميعها لا تغني في ميزان الحق شيئاً. لكن أضيف هنا أن حديث عبد الله بن سلام الذي أشار اليه ورددنا عليه في بداية كلامنا هذا رأيت الفخر الرازي قد ذكره في (تفسيره) (12/28) مختصرا ودون الكلام على إسناده طبعاً وحتى دون أن يذكر من أخرجه، ولا أظن ذلك يغير من كلامنا عليه شيئاً من أنه في الحقيقة من حديث ابن عباس لكن جاء فيه ذكر ابن سلام، وإلا ان كان غيره فلا حجة فيه أيضاً لعدم معرفة مخرجه أولا، واسناده ثانيا مع القطع انه ليس عند النسائي كما زعم. .(64/130)
وبعد ان أنتهينا من الكلام على طرق هذه القصة وأسانيدها في سبب نزول هذه الآية وبينا كذبها لا بد من التعريج ولو بشيء بسيط على وجه استدلاله بها وبلفظ الآية وبيان ان ذلك غير ممكن ولا يحتمله لفظ الآية، لكن قبل ذلك نذكر وجه رد هذه القصة من لفظها ومتنها وما فيه من النكارة. وما في لفظ الآية مما يمنع استدلاله بها على مطلوبه. مستفيدين ذلك من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على ابن المطهر احلي في (منهاج السنّة) وراجع أيضاً (المنتقى من منهاج الإعتدال) (ص437- 439) ومن كلام غيره من المفسرين فنقول:
(الوجه الأول): قال شيخ الإسلام (437): (و لو كان المراد بالآية ان يؤتي الزكاة في حالة الركوع لوجب أن يكون ذلك شرطاً في الموالاة ولا يتولى إلا علياً فقط، فلا يتولى الحسن ولا الحسين)، قلت: يعني لأنهما لم يفعلا ذلك من إتيان الزكاة حال الركوع فمن أين يقال ان الآية تشملهم؟(64/131)
(الوجه الثاني): ثم قال شيخ الإسلام (437): (و أيضاً فلا يثنى على المرء الا بمحمود، وفعل ذلك في الصلاة ليس بمستحب ولو كان مستحبا لفعله رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم ولحضّ عليه ولكرر عليّ فعله، وان في الصلاة لشغلا فكيف يقال: لا ولي لكم إلا الذين يتصدقون في حال الركوع؟) وقال ابن كثير في (التفسير) (2/71): (و أما قوله {و هم راكعون} فقد توهم بعض الناس ان هذه الجملة في موضع الحال من قوله {و يؤتون الزكاة} أي في حال ركوعهم، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح وليس الأمر كذلك عن أحد من العلماء ممّن نعلمه من أئمة الفتوى) إ. ه. وقال القرطبي في (تفسيره) (6/144): (و يحتمل أن يكون المدح متوجها على اجتماع حالتين كأنه وصف من يعتقد وجوب الصلاة والزكاة فعبر عن الصلاة بالركوع وعن الإعتقاد للوجوب بالفعل، كما نقول: المسلّمون هم المصلّون، ولا تريد انهم في تلك الحال مصلّون ولا يوجّه المدح حال الصلاة، فانما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده) إ. ه.(64/132)
(الوجه الثالث): قال شيخ الإسلام: (ثم قوله {و يؤتون الزكاة} يدل على وجود زكاة، وعليّ ما وجبت عليه زكاة قط في زمن النبي صَلّى الله عليه وسلّم فإنّه كان فقيراً، وزكاة الفضة انما تجب على من ملك النصاب حولا وعليّ لم يكن من هؤلاء، ثم إعطاء الخاتم في الزكاة لا يجزي عند الأكثر) وقال أيضاً (ص71): (و في حديثهم انه أعطاه سائلاً والمدح في الزكاة أن يخرجها ابتداءً وعلى الفور). قلت: وأما حمل لفظ (الزكاة) على (الصدقة) فبعيد وخلاف الأصل، قال القرطبي (6/144): (و حمل لفظ الزكاة على التصدق بالخاتم فيه بعد لأن الزكاة لا تأتي إلا بلفظها المختص بها وهو الزكاة المفروضة على ما تقدم بيانه في أول سورة البقرة، وأيضاً فان قبله {و يقيمون الصلاة} ومعنى يقيمون الصلاة يأتون بها في أوقاته بجميع حقوقها، والمراد صلاة الفرض، ثم قال {و هم راكعون} أي النفل) إ. ه.(64/133)
وقال الرازي في (تفسيره الكبير) (12/ 32-33): (و أما استدلالهم بان هذه الآية نزلت في حق علي فهو ممنوع، فقد بينا ان أكثر المفسرين زعموا ان في حق الأمة- قلت: وهو يردّ ما زعمه هذا الموسوي من إجماع المفسرين على نزولها في علي- والمراد ان الله تعالى أمر المسلّم أن لا يتخذ الحبيب والناصر إلا من المسلّمين، ومنهم من يقول: إنها نزلت في حق أبي بكر، وأما استدلالهم بأن الآية مختصّة بمن أدى الزكاة في الركوع حال كونه في الركوع، وذلك هو عليّ بن أبي طالب فنقول: هذا أيضاً ضعيف من وجوه. . الأول: إن الزكاة إسم للواجب لا للمندوب بدليل قوله تعالى: {و آتوا الزكاة} فلو أنه أدى الزكاة الواجبة في حال كونه في الركوع لكان قد أخر أداء الزكاة الواجب عن أول أوقات الوجوب، وذلك عند أكثر العلماء معصية وإنه لا يجوز إسناده إلى علي عليه السّلام. وحمل الزكاة على الصدقة النافلة خلاف الأصل لما بينا أن قوله {و آتوا الزكاة} ظاهره يدل على ان كل ما كان زكاةً فهو واجب، الثاني: وهو ان اللائق بعليّ عليه السّلام أن يكون مستغرق القلب بذكر الله حال ما يكون في الصلاة، والظاهر أن من كان كذلك فإنّه لا يتفرغ لاستماع كلام الغير ولفهمه، ولهذا قال تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم ويفكّرون في خلق السّموات والأرض} ومن كان قلبه مستغرقاً في الفكر كيف يتفرغ لاستماع كلام الغير. الثالث: إن دفع الخاتم في الصلاة للفقير عمل كثير واللائق بحال علي عليه السّلام أ، لا يفعل ذلك. والرابع: ان المشهور أنه عليه السّلام كان فقيراً ولم يكن له مال تجب الزكاة فيه. . . إلى آخر كلامه رحمه الله).
(الوجه الرابع): ثم قال شيخ الإسلام (ص437- 438): (ثم إن الآية بمنزلة قوله تعالى {و أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} وكقوله تعالى {أقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين}).(64/134)
وقال الرازي (12/28): (و أما قوله {و هم راكعون} ففيه على هذا القول وجوه. . الأول: قال أبو مسلّم: المراد من الركوع الخضوع يعني انهم يصلون ويزكون وهم منقادون خاضعون لجميع أوامر الله ونواهيه. الثاني: أن يكون المراد: من شأنهم إقامة الصلاة، وخصّ الركوع بالذكر تشريفاً له، كما في قوله {و اركعوا مع الراكعين}. الثالث: قال بعضهم: إن أصحابه كانوا عند نزول هذه الآية مختلفين في الصفات منهم من قد أتمّ الصلاة ومنهم من دفع المال إلى الفقير ومنهم من كان بعدُ في الصلاة وكان راكعاً، فلما كانوا مختلفين في هذه الصفات لا جرم ذكر الله تعالى كل هذه الصفات) إ. ه.
(الوجه الخامس): قال شيخ الإسلام (ص438): (ثم من المعلوم المستفيض عند المفسرين انها نزلت في النهي عن موالاة الكفار ووجوب موالاة المؤمنين، وسياق الكلام يدلّ على ذلك لمن تدبر، فإنّه تعالى قال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنّه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} فهذا نهي عن موالاة اليهود والنصارى ثم قال: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} إلى أن قال: {إنما وليكم الله} فهذا وصف عام للمؤمنين ولا بد، لكن علي وأبو بكر والسابقون أولى الأمة بالدخول فيها، ومن تأمل الحديث ووزنه لاح له كذبه، ولو كان حقا لكان من خذله ومنعه حقه من النصر مخذولين ولم يكن الأمر كذلك بل نصروا وافتتحوا البلاد، فارس والروم والقبط، فالشيعة يدّعون أن الأمة كلها خذلته إلى أن قتل عثمان، ومن المعلوم أن الأمة- إلى أن قتل عثمان- كأنت منصورة نصراً عظيماً لم ينصر بعده مثله أبداً فلما قتل عثمان تفرقت الأمة، فحزب مع علي وحزب عليه وحزب انعزلوا لا له ولا عليه) إ. ه.(64/135)
قلت: يريد في بداية كلامه هذا ان يبين أن هذه الآية متعلقة بسياق الآيات قبلها وبعدها وقد جاء ذلك مصرحا به في سبب نزول الآيات قبلها - ومعها هذه الآية- فيما أخرجه ابن إسحاق في (السيرة)- أنظر (سيرة ابن هشام) (3/51-53)- أنها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه حين تبرأ من حلف اليهود ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين، إذ قال: (يا رسول الله أبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم وأتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم) بينما بقي عبد الله بن أبيّ ابن سلول على حلفهم وولايتهم وكان له من حلفهم مثل الذي لعبادة بن الصامت رضي الله عنه، ففي ذلك نزلت الآيات من سورة المائدة {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنّه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين- إلى قوله ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}.
ومثل هذه القصة ذكرها الطبري في (تفسيره) (6/177- 178) أيضاً فراجعها.
وهذا الرجل إنما يذكر هذه الآية يريد أن يستدل بها على ولاية علي رضي الله عنه فقد قال في (المراجعة 40) (ص179- 180) ما نصّه: (تعلم أن الولي هنا هو الأولى بالتصرف كما في قولنا: فلان وليّ القاصر. وقد صرح اللغويون بأن كل من وليَ أمرَ واحدٍ فهو وليّهُ، فيكون المعنى ان يلي أموركم فيكون أولى بها منكم إنما هو الله عزّ وجلّ ورسوله وعليّ، لأنه هو الذي اجتمعت به هذه الصفات الإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الركوع، ونزلت فيه الآية، وقد أثبت الله فيها الولاية لنفسه تعالى ولنبيّه ولوليّه على نسق واحد. وولاية الله عزّ وجلّ عامة، فولاية النبي والولي مثلها وعلى اسلوبها، ولا يجوز أن يكون هنا بمعنى النصير أو المحب أو غيرهما إذ لا يبقى لهذا الحصر وجه كما لا يخفى) إ. ه.(64/136)
قلت: فقد رتّب استنتاجه على مقدمتين؛ الأولى: ما ذكره من إجتماع هذه الصفات في علي رضي الله عنه وهي الإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حال الركوع ونزول الآية فيه، وفيما تقدم من كلامنا على روايات نزول هذه الآية يتبين لنا بطلان قوله هذا وان قضية إيتاء الزكاة حال الركوع خرافة لا أساس لها من الصحة، وهو فعل أحمق ينزه عنه علي رضي الله عنه، وان رواية سبب نزول الآية في ذلك رواية مكذوبة لا تصحّ، كما تقدّم تفصيل ذلك.(64/137)
المقدمة الثانية: زعمه أن معنى (الولي) هو (الأولى) وقصره معنى الولي بالمتصرف، وهو تضليل منه فإن (الولي) في اللغة يأتي بمعنى النصر والمحب وسنفصل ذلك في الردّ على المراجعة (38) إن شاء الله وقال شيخ الإسلام (439): (و أما الموالاة فقد قال تعالى: {و إن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} فبين الله أن كل صالح من المؤمنين فهو مولى رسول الله، والله مولاه، وجبريل مولاه، وليس في كون الصالح من المؤمنين مولى أن يكون متولياً على رسول الله ولا متصرف فيه، وقال تعالى: {و المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} فكل مؤمن تقي فهو ولي الله والله وليه، قال تعالى {الله ولي الذين آمنوا} وقال: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم}و ما في هذه الآيات ان من كان ولي الآخر كان متوليا عليه دون الناس، والفرق بين الوِلاية- بكسر الوأو- والوَلاية- بفتح الوأو- معروف، فالأمير يسمى ((الوالي)) ولا يسمى ((الوليّ)) واختلف الفقهاء إذا اجتمع في الجنازة الوالي والولي أيهما يقدم؟ فالموالاة ضد المعاداة) إ. ه. وقد ذكر الرازي رحمه الله في (تفسيره الكبير) استشهاد الشيعة بهذه الآية، وبين بطلانه وردّ عليهم في ثمان حجج (12/28- 32) فكان مما قال في معنى (الولي) في الآية: (لم لا يجوز أن يكون المراد من لفظ الولي في هذه الآية الناصر والمحب؟ ونحن نقيم الدلالة على أن حمل لفظ الولي على هذا المعنى أولى من حمله على معنى المتصرف ثم نجيب عمّا قالوه فنقول: الذي يدل على أن حمله على ((الناصر)) أولى وجوه؛ الأول: إن اللائق بما قبل هذه الآية وبعدها ليس إلا هذا المعنى أما ما قبل هذه الآية فإنّه تعالى قال: {يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخِذوا اليهود والنّصارى أولياءَ} وليس المراد لا تتخذوا اليهود أئمةً متصرّفين في أرواحكم وأموالكم لأن بطلان هذا كالمعلوم بالضرورة، بل المراد لا تتخذوا اليهود والنصارى أحباباً وأنصاراً، ولا تخالطوهم ولا(64/138)
تعاضدوهم، ثم لما بالغ في النهي عن ذلك قال: {إنما وليُّكم الله ورسوله والذينَ آمَنوا} الموصفون، والظاهر أن الولاية المأمور بها ههنا هي المنهي عنها فيما قبل، ولما كأنت الولاية المنهي عنها فيما قبل هي الولاية بمعنى النصرة كأنت الولاية المأمور بها هي الولاية بمعنى النصرة. وأما ما بعد هذه الآية فهي قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تتّخِذوا الذينَ اتّخَذُوا دينَكم هُزُواً ولَعِباً مِنَ الذينَ أوتوا الكتاب مِن قبلكم والكفّار أولياءَ واتّقوا الله إن كنتم مؤمنين} فأعاد النهي عن اتخاذ اليهود والنصارى والكفار أولياء، ولا شك ان الولاية المنهي عنها هي الولاية بمعنى النصرة، فكذلك الولاية في قوله {إنما وليّكم الله} يجب أن تكون بمعنى النصرة، وكل من أنصف وترك التعصب وتأمل في مقدمة الآية وفي مؤخرتها قطع بان الولي في قوله {إنما وليكم الله} ليس إلا بمعنى الناصر والمحب، ولا يمكن أن يكون بمعنى الإمام، لأن ذلك يكون القاء كلام أجنبي فيما بين كلامين مسوقين لغرض واحد، وذلك يكون في غاية الركاكة والسقوط ويجب تنزيه الله تعالى عنه.
(الحجة الثانية): انا لو حملنا الولاية على التصرف والامامة لما كان المؤمنون المذكورين في الآية موصوفين بالولاية حال نزول الآية لأن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ما كان نافذ التصرّف حال حياة الرسول، والآية تقتضي كون هؤلاء المؤمنين موصوفين بالولاية في الحال، أما لو حملنا الولاية على المحبة والنصرة كأنت الولاية حاصلة في الحال، فثبت أن حمل الولاية على المحبة أولى من حملها على التصرف، والذي يؤكد ما قلناه انه تعالى منع المؤمنين من اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ثم أمرهم بموالاة هؤلاء المؤمنين، فلا بد وأن تكون موالاة هؤلاة المؤمنين حاصلة في الحال حتى يكون النفي والاثبات متواردين على شيء واحد، ولما كأنت الولاية بمعنى التصرف غير حاصلة في الحال امتنع حمل الآية عليها) إ. ه.(64/139)
قلت: وأما اذا ادعى أحد أن الآية دالّة على إمامة علي لكن ليس في حال حياة الرسول صَلّى الله عليه وسلّم بل فيما بعد ذلك فقد أجاب عنه الرازي وقال: (و متى قالوا ذلك فنحن نقول بموجبه ونحمله على إمامته بعد أبي بكر وعمر وعثمان، إذ ليس في الآية ما يدل على تعيين الوقت) إ. ه.
هذا هو سياق الآية فيما قبلها وبعدها، وقد تقدمت رواية ابن اسحاق في نزولها جميعاً في عبادة بن الصامت. فبعد ذلك تكون دعوى فصل هذه الآية عما قبلها من الآيات من الحماقة والجهل، خصوصا بعد ما ذكرناه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام الإمام الزاري رحمهما الله تعالى في سياق الآيات، فقد ادعى ذلك هذا الموسوي في (المراجعة 44) (ص183) ولم يكتف بذلك بل جعل الآية التي قبلها في علي أيضا، وهي قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين. يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} ونسب قول ذلك إلى عليّ رضي الله عنه نفسه وإلى الباقر والصادق وإلى أخرين غيرهم لكنّه لم يذكر مستنده في ذلك لا موضعه ولا إسناده كعادته في التدليس فيما يسوقه من الأدلة ونحن نطالبه أو من ينوب عنه بذكر إسناد واحد صحيح يؤيد نزول هذه الآية في عليّ، وقد احتج على ذلك بروايته عن أئمة العترة وادعى إجماع الشيعة عليه، ولم يصنع بذلك شيئا فإنّه يستدل بموضع النزاع وهذا ليس من صنيع أهل العلم، فمتى كان قول أئمة العترة المنقول من قبل الشيعة وإجماع الشيعة حجة عندنا حتى يستدل به علينا؟؟(64/140)
وقد سقنا ولله الحمد في كلامنا على الآية الأولى، وهي قوله تعالى: {إنما وليّكم الله. . . } من النّصوص عن أهل البيت ما ينفي نزولها في عليّ خاصة، مثل ما ذكرناه عن ابن عباس وعن أبي جعفر الباقر. أما في هذه الآية فقد قال الرازي في (تفسيره) (12/22) عن المقصودين بهذه الآية: (فقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة والضحاك وابن جريج: هم أبو بكر وأصحابه لأنهم هم الذين قاتلوا أهل الردّة) إ. ه. فهذا ممّا يبين كذبه في ادعائه الإجماع. ثم ان هذه الآية، وهي قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا من يردت منكم عن دينه} من أقوى الدلائل على صحة إمامة أبي بكر رضي الله عنه لأنه هو الذي حارب المرتدين وليس غيره ولا يمكن أن يكون المراد هو الرسول صَلّى الله عليه وسلّم لأنه لم يتفق له محاربة المرتدين، ولا يمكن أيضاً أن يكون المراد هو علي رضي الله عنه لأن عليّا لم يتفق له قتال مع أهل الردة. فان قيل: كل من نازعه الإمامة كان مرتداً- وهو ما يريد قوله هذا الموسوي في كلامه في (المراجعة 44)- قلنا: هذا باطل من وجهين؛ الأول: إن اسم المرتد إنما يتنأول من كان جاحدا للشرائع الإسلامية والقوم الذين نازعوا عليا ما كانوا كذلك- في الظاهر على الأقل- وما كان أحد يقول: إنه إنما حاربهم لأجل انهم مرتدين، وعلي رضي الله عنه نفسه لم يسمّهم مرتدين البتّة، فقد قال صراحة في كتابه إلى أهل الأمصار يقصّ فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين، ، الذي رواه إمام الشيعة محمّد الرضي في (نهج البلاغة) (ص323): (و كان بدء أمرنا انا التقينا القوم من أهل الشام، والظاهر ان ربنا واحد ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا في دم عثمان ونحن منه براء) إ. ه.
وما سوى ذلك مما تقوله الروافض لعنهم الله بهت على جميع المسلّمين وعلى علي أيضا.(64/141)
الثاني: انه لو كان كل من نازعه في الإمامة مرتدا لزم في أبي بكر وفي قومه أن يكونوا مرتدين، لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربونهم ويقهرونهم ويردونهم إلى الدين الحق بدليل قوله {مَن يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم} وكلمة (مَن) في معرض الشرط للعموم- كما قال الرازي- فهي تدل على أن كل مَن صار مرتداً عن دين الإسلام فإن الله يأت بقوم يقهرونهم ويبطلون شوكتهم، فلو كان الذين نصبوا أبا بكر للخلافة كذلك لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يحاربونهم ويظهرون عليهم، ولما لم يكن الأمر كذلك بل الأمر بالضد فإن الروافض هم المقهورون الممنوعون عن إظهار مقالتهم الباطلة أبدا منذ كانوا، علمنا أن هذه الآية من أدل الدلائل على فساد مذهبهم ومقالتهم، وهذا كلام ظاهر لمن أنصف، وثبت بذلك ان منازعة علي في الإمامة لا تكون ردة، واذا لم تكن ردة لم يمكن حملُ الآية على عليّ رضي الله عنه. ثم قد تبين لي أن هذا الموسوي إنما نقل استشهاده بهذه الآية عن سلفه ابن المطهر وعزا نزولها في علي للثعلبي، فرد عليه شيخ الإسلام وبين كذبه فقال (المنتقى) (ص473): (قلنا هذا افتراء على الثعلبي وانما قال الرجل في هذه الآية: فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه. قال علي بن أبي طالب وقتادة والحسن: انهم أبو بكر وأصحابه) إ. ه. فبان بذلك ان الثعلبي نفسه ذكر قول علي رضي الله عنه في نزول هذه الآية في أبي بكر، وثبت بذلك كذب قوله وبطلانه ثم ان هذه الآية يمكن أن يستعملها الخوارج في الطعن بعلي رضي الله عنه، فلهم أن يقولوا ان الله مدح هؤلاء القوم فقال: {أذلّة على المؤمنين أعزة على الكافرين} وأن علياّ لم يكن ذليلاً على المؤمنين بل عزيزاً عليهم فإنّه أول من شهَرَ سيفَه على أهل القبلة وأول من ترك قتال الكفار ولم يحارب أحداً منهم بل حارب المسملين حتى طمع فيهم أعداؤهم من الروم، ولهم أن يقولوا أيضاً ان الله قال: {يجاهدون في سبيل الله } وعليّ إنما(64/142)
كان قتاله من أجل الرئاسة والإمارة وليس في سبيل الله، ولسنا نريد تقرير مذهبهم الباطل بل لبيان ان الخوارج مع انهم مبطلون إلا أن حجتهم في هذه الآية أقوى من الشيعة، وكلاهما قد جانب الصواب، ولا شك أن عليا رضي الله عنه يحب الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله لكن أبا بكر رضي لله عنه مقدم عليه في هذه الآية، مع ان لفظ الآية صيغة جمع يمتنع حملها على واحد فرد، فبطل استدلاله بها من كل الوجوه والحمد لله رب العالمين، كما بطل استدلاله بالآية قبلها لما قررناه من أن معنى الولاية هناك هو النصرة والإعانة للوجوه التي ذكرناه ويضاف اليها أن نقول بأن المؤمنين كانوا قاطعين بأن المتصرف فيهم هو الله ورسوله صَلّى الله عليه وسلّم، فلا فائدة اذاً من ذكره لهم ثانية، وانما ذكر الله تعالى هذا الكلام تطييبا لقلوبهم وتعريفا لهم بأنه لا حاجة بهم إلى اتخاذ الأحباب والأنصار من الكفار واذا كان كذلك كان المراد بقوله {إنما وليّكم الله ورسوله} هو الولاية معنى النصرة والمحبة.
ثم ان عليّاً رضي الله عنه لم يحتج بهذه الآية على إمامته في أي محفل من المحافل مع أنه كان أعرف بمرادها من الروافض فبان بذلك أنه يعلم علما قطعيا أن الآية لا تخصّه بشيء دون أحد، ولا يقال أنه ترك ذلك تقية فإنهم ينقلون عنه أنه تمسّك يوم الشورى- على فرض صحة هذا الخبر- بخبر الغدير وخبر المباهلة وفضائله ومناقبه الأخرى ولم يذكر هذه الآية البتّة، وذلك مما يرد على الشيعة استدلالهم بهذه الآية وقد ذكر نحو هذا الرازي في (تفسيره الكبير).(64/143)
ومما بقي من الوجوه في الآية مما يمنع حملها على علي رضي الله عنه وحده أن نقول أن لفظ {الذين يقيمون} صيغة جمع فلا تصدق على واحد فرد، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، بل جاءت صيغة الجمع في سبعة مواضع، كما قال الرازي، وهي قوله: {و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}، وقال الرازي: (و حمل ألفاظ الجمع وإن جاز على الواحد على سبيل التعظيم لكنّه مجاز لا حقيقة، والأصل حمل الكلام على الحقيقة). قلت: ومثله قاله البيضأوي في (تفسيره) (1/272)، ولا يرد هذا ما ذكره هذا الموسوي في (المراجعة 42) (180-182) من جواز إطلاق لفظ الجمع على الواحد فانا لا نمنعه مطلقا في اللغة بل نقول انه جائز لكنّه على خلاف الظاهر، ومعنى ذلك انه لا يصار اليه إلا لقرينة تدل على ذلك وليس اعتباطاً والا لو كان ذلك ممكنا دون قرينة لتعطلت بذلك نصوص كثيرة، وما ذكره من الآيات في إطلاق لفظ الجمع على الواحد لا يدل على قاعدة في ذلك بل هي نصوص خاصة اقترنت بقرينة جعلت المعنيّ بها فرداً واحداً، وأما في هذه الآية فلا دليل له على إرادة الواحد وحتى ما ذكره في أسباب نزولها فهي مكذوبة كما مر، بل هناك ما يبين انها عامة في جميع المؤمنين، وهو قول أبي جعفر الباقر المتقدم ذكره وغيره، لهذا قال القرطبي في (تفسيره) (6/143): (و الذين عام في جميع المؤمين وقد سئل أبو جعفر الباقر عن هذه الآية: من الذين أمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قيل له بلَغَنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب. قال: علي من الذين آمنوا. وقال النحاس: وهذا قول بين لأن {الذين} لجماعة) إ. ه.
هذا ما يسّره الله تعالى من الرد عليه في احتجاجه بهذه الآية وما جاء ضمن ذلك، وقد أطلت الكلام عليها مجاراة له في تطويل احتجاجه بها ولأنه عوّل عليها كثيراً في مطلبه الفاسد، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. .(64/144)
قول: (ألم يجعل المغفرة لمن تاب وآمن وعمل صالحاً مشروطة بالإهتداء إلى ولايتهم إذ يقول: {و إنّي لغفّار لِمَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالحاً ثمّ اهتدَى}) إ. ه. ثم عزاه في الهامش (21/64) إلى كل من ثابت البناني وأبي جعفر الباقر وعلي رضي الله عنه وجعفر الصادق. وهذا كله ليس بحجة لأنه يحتاج إلى إثبات صحة نسبته اليهم أولاً، وإلى أن قولهم حجة في تفسير هذه الآية ثانياً، وكلاهما لا سبيل له اليه خصوصا وقد رأيت الطبري قد روى قول ثابت البناني هذا في (تفسيره) (16/130) بإسناد ضعيف فيه عمر بن شاكر البصري وهو ضعيف كما في (التقريب). أما إن كان قصده في إيراده لهذه الآثار ذكر تفسير الآية فنحن نعارضها بآثار أخرى أصح منها في تفسير هذه الآية، فمن ذلك ما رواه الطبري (16/129) عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله {و إني لغفار لمن تاب} من الشرك {و آمن} يقول: وحّدَ الله {وعمل صالحاً} يقول: أدى فرائضي. وروى الطبري أيضاً (16/130) عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله {ثم اهتدى } يقول: لم يشكّك. فهذا مروي عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم وقال: (اللهم علّمه التأويل)، ثم إنه من أهل البيت أيضا، فما يمكنه أن يقول فيه؟ وروى الطبري أيضاً (16/130)عن قتادة في قوله {ثم اهتدى} قال: أخذ بسنة نبيّه صَلّى الله عليه وسلّم. وقال سعيد بن جبير: {ثم اهتدى} اي استقام على السنة والجماعة، وروي نحوه عن مجاهد والضحاك وغير واحد من السلَف كما قال ابن كثير (3/161).(64/145)
وهذه الآثار التي ذكرناها لا تعارض بينها فهي كلها ترجع إلى أمر واحد وهو ان الإهتداء هو الاستقامة على هدى. وهو ما قاله قتادة: لزوم الإسلام حتى يموت عليه، ولزومه هذا لا ينفع إن لم يكن على السنة والجماعة كما قال ابن جبير وغيره، ولا معنى للإستقامة عليه إلا وقد جمع الإيمان والعمل الصالح والتوبة، فمن فعل ذلك وثبت عليه فلا شك في اهتدائه. . .
والشيعة تريد أن تجعل كل آية فيها مدح تخص أهل البيت أو من يتبع أهل البيت ويتكلفون لذلك الأخبار المكذوبة وغيرها، ولا شك إن محبة أهل البيت بل ولايتهم واجبة كوجوب ولاية غيرهم من الصحابة والتابعين- كما ذكرناه في عقيدة أهل السّنّة- لكن ليس بالمعنى الذي تريد الشيعة تقريره من وجوب عصمتهم والتبرّؤ ممن سواهم من الصحابة والتابعين والطعن في سلف هذه الأمة وساداتها، والحمد لله على توفيقه.
قوله (الم تكن ولايتهم من الأمانة التي قال الله تعالى: {إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الأنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}) إ. ه.
قلت: استدلاله بهذه الآية مما يبين جهله في فهم نصوص القرآن الكريم، ذلك أنا لو قلنا بموجب قوله وأن الأمانة هنا هي ولاية أهل البيت لزم ذلك إعراض السموات والأرض والجبال عنها وعدم قبولهم بها ولا ارادتهم لها، والمفروض أن تكون ولايتهم من الأمور المحبوبة المرغوبة لما فيها من الفضل، وليست هي مما يصعب من التكاليف ويشق حمله ولا تعلم عاقبته حتى تعرض عنها السموات والأرض والجبال، ثم انه لو كأنت هي الأمانة حقيقة لما وصف الله سبحانه وتعالى الإنسان حين رضي بحملها بالظلم والجهل بل لازمه أن يوصف بالحكمة والعلم والرشد لأنه رضي بها واختارها وضمن لنفسه هذا الفوز العظيم والنجاة من النار مهما كان عمله- على ما يدعيه هذا الموسوي وشيعته مما فصّلناه في مقدمتنا- فما أسهله من حمل وما أكبره من فوز.(64/146)
ثم ان عزوه معنى الآية هذا في الهامش إلى كل من الصافي وتفسير علي بن ابراهيم وغيرهم مما بين انه ينتقي من الكتب والنّصوص ما يوافق هواه وان الضابط له في قبول النص موافقته لمذهبه الفاسد، ذلك أنك تراه ينقل تارة من تفسير الثعلبي- كما يزعم- وتارة من الواحدي وتارة من الحاكم وأخرى من كنز العمّال وغير ذلك وليس تنقّله بين هذه الكتب بسبب بحثهِ عن الدليل الصحيح سنداً، لأنا لا نراه يذكر إسناد أي دليل ينقله بل ربما نقل دليلاً موضوعاً مكذوباً ولا ينبّه عليه، بل تنقّله بينها بحثا عما يوافق هواه ويعينه عليه. ثم ان من الأصول عند أهل العلم أن يرجع في كل فن من الفنون إلى رجاله وأهله- كما قال شيخ الإسلام إبن تيمية- فكما ان المرجع في النحو إلى أربابه، وفي القراءات إلى حذّاقها، وفي اللغة إلى أئمتها وفي الطب إلى علمائه، فكذا المرجع في النقل إلى أمناء حديث رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم وعلماء الحديث أجل وأعظم تحرّياً للصدق من كل أحد، علمَ ذلك من علمّه، فما اتفقوا على صحته فهو الحق، وما أجمعوا على تزييفه وتوهينه فهو ساقط، وما اختلفوا فيه نظر فيه بإنصاف وعدل، فهم العمدة في كل ذلك. وقال شيخ الإسلام في (منهاج السنة)- (المنتقى) (ص441- 442)-: (وفي الجملة ليس في فرق الأمة أجهل بالآثار ورجالها وأقبل للباطل وأدفع للصحيح من الرافضة، ثم أضدادهم من الخوارج أخوانهم من المعتزلة يتحرّون الصدق ولا يحتجون بخبر مكذوب بل ولا بالصحيح بل لهم طرق وقواعد مبتدعة وعقول في الجملة، وهؤلاء الرافضة لا عقل ولا نقل، فالآثار ومعرفتها والأسانيد من خصائص السّنّة والجماعة وعلامة صحة الحديث عند الرافض أن يوافق هواه. قال عبد الرحمن بن مهدي: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم. ثم نقول لهم: ما يرويه مثلُ النقاش والثعلبي وأبي نعيم ونحوهم، أتقبلونه مطلقاً لكم وعليكم أم تردّونه مطلقا؟ أم تأخذون بما وافق(64/147)
أهواءكم وتردّون ما خالف؟ فإن قبلوه مطلقا ففي ذلك من فضائل الشيخين جملة من الصحيح والضعيف وإن ردوه مطلقا بطل اعتماده بما ينقل عنهم، وإن قبلوا ما يوافق مذهبهم أمكن المخالف ردّ ما قبلوه والإحتجاج بما ردوه. والناس قد كذبوا في المناقب والمثالب أكثر من كل شيء) أنتهى كلام شيخ الإسلام. ونحن نقول لهذا الموسوي وأشباهه نحو هذا فيما ينقلونه من هذه الكتب ثم ما وجه الحجة المزعومة على أهل السّنّة في أقوال الباقر والصادق والرضا التي احتج بها في الهامش في تفسيره هذه الآية؟؟ وليس هذا فحسب، بل نقل أقوالهم من كتبهم لا من كتب أهل السّنّة، وقد فصّلنا في مقدّمة كتابنا حقيقة كتبهم هذه وما جاء فيها. وهي (تفسير الصافي) لملا محسن الملقب بالفيض الكاشاني أو الكاشي و(نفسير القُمّي) لأقدم مفسريهم علي بن إبراهيم القُمّي، وكتاب (الخصال) لابن بابويه القّمي، فراجعها حتى تتعرّف على حقيقتها.(64/148)
ووجه آخر في رد احتجاجه بهذه الآية وهو إن الآية عامة وليست مخصوصة بأمة محمّد صَلّى الله عليه وسلّم، أفيمكن لأحد أن يقول إن مما أخذ الله على الأنبياء جميعاً وعلى أممهم موالاة أهل البيت ؟ نعم هذا ما يقوله هذا الموسوي وأشباهه، كما سيأتي احتجاجه على ذلك من فهمه لبعض الآيات والآثار. وهو قول باطل وكذبه أبين من أن يحتاج إلى رده، فكأنهم يقولون إن الله سبحانه وتعالى ما خلق الخلق جميعاً إلا لأجل عليّ وآل البيت، وما كلف خلقه أعظم من موالاتهم، بل قد صرح هذا الموسوي- كما سيأتي بعد قليل- بأن الله ما بعث الأنبياء إلا بولايتهم وانّ العهد الذي أخذه الله من بني آدم إنما هو بولايتهم، وهذا قول من أعرض عن شرع الله وعن توحيده وعبادته وعن اتباع رسله، ألم يقل الله تعالى: {و ما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون}، وهذا الرجل يقول: لا بل ليوالوا أهل البيت، ألم يقل الله تعالى: {و لقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}؟ وهذا الموسوي يقول: بعث الله في كل أمة رسولاً بولاية عليّ وأهل البيت فهو ممن حقّت عليه الضلالةُ كما قال اللع تعالى بعدها: {فمنهم من هدى الله ومنهم من حقّت عليهم الضلالة} وقال {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يُضلّ وما لهم من ناصرين}.
ثم ألم يقل الله تعالى: {و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى} وهذا الموسوي يقول: أخذ الله من بني آدم العهد بولاية علي وأهل البيت- كما سيأتي- وهذا والله هو التحريف بعينه لكتاب الله، وهو ما لم تستطعه في القرآن حتى اليهود والنصارى.(64/149)
وها هو يستبدل كل آية فيها ذكر لتوحيد الله سبحانه وعبادته واتباع رسله، يستبدل كل ذلك بولاية علي وأهل البيت، فهو يتخذهم أربابا من دون الله، ويحكم ببطلان عمل كل من لم يوالهم مهما كأنت صلاته وصيامه وعبادته كما صرح به فيما مضى من كلامه ورددنا عليه، وإنما ذكرت ما ذكرت من أقواله الباطلة المنكرة حتى يتبين لكل مسلّم حقيقة مذهبه واعتقاده. والخلاصة في ذلك إنا نقول: لو أن يهوديا أو نصرانيا سمع كلامهم هذا وتعظيمهم لعليّ وأهل البيت لقال بأن عليا عندهم هو رسول الله وليس محمّداً، أو على الأقل لسألهم لِمَ لم يكن عليّ رسولَ الله؟ ففي كل ما سبق من الآيات لم يذكروا محمّداً صَلّى الله عليه وسلّم، وحتى هذا وإن كان باطلا لكنّهم لم يذكروه بل ذكروا علياً وأهل البيت، وعندهم ولاية علي وأهل البيت أهم من عبادة الله وتوحيده، لذلك أرسل الله بها الرسل وأنزل بها الكتب- كما زعموا- وعنها يُسأل الناس يوم القيامة. وصدق الله العظيم إذ يقول: {أرأيتَ مَن اتّخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً، أم تحسبُ أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضلّ سبيلاً}.(64/150)
وأما معنى (الأمانة) في الآية فقد فسرت بالفرائض، يعني أداء الفرائض كما قال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس: الأمانة الفرائض، عرضها الله على السموات والأرض والجبال ان أدّوها أثابهم وإن ضيّعوها عذّبهم فكرهوا ذلك واشفقوا عليه، من غير معصية ولكن تعظيما لدين الله ان لا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها وهو قوله تعالى {و حملها الأنسان انه كان ظلوما جهولا} أي غراً بامر الله رواه ابن جرير في (تفسيره) (22/54) وذكره ابن كثير ايضا، وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك والحسن البصري وغير واحد ان الامانة في الفرائض، وقال الآخرون هي الطاعة، وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً قال: يعني بالأمانة الطاعة التي عرضها عليهم قبل ان يعرضها على آدم فلم يطقها فهل أنت اخذ بما فيها؟ قال: يا رب وما فيها؟ قال: ان احسنت جزيت وإن أسأت عوقبت، فاخذها آدم فتحمّلها فذلك قوله تعالى {و حملها الأنسان انه كان ظلوما جهولا} وكذا قال مقاتل بن حيان ان الامانة هي الطاعة. وقال قتادة الامانة الدين والفرائض والحدود- راجع هذه الآثار في (تفسير الطبري) و(تفسير ابن كثير)- وقال ابن كثير (3/522): (و كل هذه الأقوال لا تنافي بينها بل هي متفقة وراجعة إلى انها التكليف وقبول الأوامر والنواهي بشرطها، وهو انه إن قام بذلك اثيب وان تركها عوقب، فقبلها الأنسان على ضععفه وجهله وظلمه الا من وفق الله والله المستعان) إ. ه.
قلت: هذا هو معنى الامانة في الاية، فلا تبقى بعد ذلك اية حجة له في استشهاده بها خصوصا بعد ما بينا عدم مساعدة لفظ الآية وموضوعها على ذلك أولاً. ومجيء تفسيرها عن الصحابة والتابعين بخلاف ذلك ثانيا، والحمد لله رب العالمين.(64/151)
قوله: (الم تكن من السلّم الذي امر الله بالدخول فيه فقال: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلّم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان) وعزاه في الهامش (23/65) إلى البحريني في غاية المرام من اثني عشر حديثا من صحاحهم في نزولها بولاية علي والأئمة من بنيه. وهو كذب لا شك فيه ولا يستحي هذا الرجل من مثل هذا الكذب، ثم ان كان في صحاحهم فما وجه الحجة فيه على أهل السّنّة يا هذا؟ والتفسير علم فنقول انما يؤخذ من أربابه، ولو كان صادقا في دعواه لساق طريقاً واحداً صحيحاً في ذلك، ثم كيف يقال: ادخلوا في ولاية علي وأهل البيت؟ ولكان ذلك المراد صحيحاً لقال تمسّكوا بولايتهم أو ما شابه ذلك، اما قوله: ادخلوا في ولايتهم فمعناه صرتم منهم، وهذا خطأ يتنزه عنه كلام الله تعالى، ثم هذه كتب التفسير جميعاً تحكي خلاف ذلك وهي أكثر عدداً وأصحّ طريقا ً، قال العوفي عن ابن عباس في قوله{ ادخلوا في السلّم} يعني الإسلام، وكذا قال مجاهد وطأووس والضحاك وعكرمة وقتادة والسّدي وابن زيد. وروي عن ابن عباس أيضاً من طريق الضحاك في قوله {ادخلوا في السم} يعني الطاعة، وبه قال ابو العالية والربيع بن أنس، وقال قتادة: يعني الموادعة- راجع هذه الآثار في (تفسير الطبري) (2/51-52) (تفسير ابن كثير) (1/248)- عن ابن عباس قال: يعني مؤمني أهل الكتاب فانهم كانوا مع الايمان مستمسكين ببعض أمور التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم فقال الله {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلّم كافةً. . . . } الآية، والصحيح الأول، وهذا وان كان لا يثبت عن ابن عباس الا انه احسن حالا مما زعمه هذا الموسوي وله وجه اقرب في الاية، وهو أيضاً ما رواه ابن جرير عن عكرمة في سبب نزول هذه الآية، انهم مؤمنو أهل الكتاب ومنهم عبد الله ابن سلامو لكنّه غير صحيح، والمقصود انهم كعادتهم يذكرون كل ما جاء في سبب نزول هذه الآيات ما صحّ منها وما لم يصحّ ومع ذلك لم يذكر أحد منهم ما زعمه هذا الموسوي(64/152)
فعلم بذلك كذبه.
قوله: (أليست هي النعيم الذي قال الله تعالى: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) وادعى في الهامش (24/65) وجود عدة طرق في ذلك من صحاحهم- زعم- ومن طريق أهل السّنّة، وهي دعوى كسابقاتها لا تخلو من تدليس وغشّ بل وكذب وافتراء، ثم انظر إلى هذا التناقض في استشهاده فمرّةً يقول إنها الأمانة المذكورة في الآية السابقة، ومرة يقول انها النعيم، فبالله عليك إن كأنت ولايتهم نعيما فلم أعرضت عنها السموات والأرض والجبال وأَبين أن يحملنها وأشفقن منها، مع العلم ان الله سبحانه وتعالى لم يُعب ذلك عليهم ولم يوبخهم عليه، ولو كأنت ولايتهم نعيماً كما زعم لاقتضى ذلك جهلهم وعيب الله لهم بذلك، بل أكثر من هذا وصف الله الأنسان بالجهل والظلم حين رضي بالأمانة، فإن كأنت هي ولايتهم وهي النعيم أفيصحّ أن يصف الله سبحانه الأنسان بالجهل والظلم حين يرضى بالنعيم؟
فبالله ماذا يفعل الجهل بأصحابه، وكيف يفضحهم؟
ثم هذه كتب التفسير عموما وكتب أسباب النزول ككتاب الواحدي وكتاب السيوطي وغير ذلك من الكتب التي تروي الصحيح وغيره، بل بعضها فيها حتى الموضوع، ومع ذلك ليس في أي منها اي ذكر لما ادعاه مما يؤكد بطلانه.(64/153)
بل رووا أنها نزلب في قبيلتين من الأنصار تكاثروا في عددهم من الأحياء ثم ذهبوا إلى المقابر فتكاثروا بها فنزلت {ألهاكم التكاثر. . . } الأيات، رواه ابن أبي حاتم عن بريدة- (ابن كثير) (4/544)، (أسباب النزول- للسيوطي) (ص183)- وقيل نزلت في حيين من قريش- كما عند الواحدي (ص341)- وهذه الآثار وإن كأنت لا تثبت إلا أنها أحسن حالاً مما ادعاه. وروى الترمذي (4/218)، وابن جرير في (تفسيره)، وابن أبي حاتم- (ابن كثير) (4/545)- عن علي رضي الله عنه قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} وقال التزمذي: حديث غريب . . قلت: والسورة مكية وقد نزلت جملةً واحدة ولا يمكن تقطيعها وجعل بعضها خاص في سبب معيّن. والصحيح ان معنى قوله تعالى {ثم لتُسألنّ يؤمئذٍ عن النعيم} أي ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ما اذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته. وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صَلّى الله عليه وسلّم أكل مرة رطباص وشرب ماءا ومعه أصحابه- أبو بكر وعمر- وكان قد أخرجهم الجوع فقال: (لتسألن عن هذا يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا، فهذا من النعيم). أخرجه الإمام أحمد (3/338، 351، 391) ومسلّم (2038) والنسائي (6/246) والطبراني في (الكبير) (567، 568، 569، 570، 571، 572) وابن جرير (30، 285- 287)، وابن أبي حاتم وأبو يعلى- (ابن كثير) (4/545- 546)- عن عدد من الصحابة- ابن عباس وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وعمر بن الخطاب- فهذا تفسير رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم لهذه الآية وبيان المراد منها، قارن معه ما ادعاه هذا الموسوي في هذه الآية.(64/154)
وأصرح من ذلك ما أخرجه الإمام أحمد (1/164) والترمذي (4/218) وابن ماجة (4158) عن عبد الله بن الزبير قال: قال الزبير لما نزلت {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قالوا يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء، قال: (إن ذلك سيكون)، وقال الترمذي: حديث حسن.
قوله: (ألم يؤمر رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم بتبليغها؟ ألم يضيق عليه في ذلك بما يشبه التهديد من الله عزّ وجلّ حيث يقول: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس. ألم يصدع رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم بتبليغها عن الله يوم الغدير حيث هضب خطابه وعب عبابه فأنزل الله يومئذ: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} إ. ه.(64/155)
قلت: استشهاده بهاتين الآيتين نقله من كلام سلفه إبن المطهر الحلّي مع الآيتين الآتيتين، وهما قوله تعالى: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا . . . } الآية وقوله تعالى {سأل سائل بعذاب واقع } وهو يريد بذلك- كما هو صريح كلام ابن المطهر- ان الله أمر رسوله صَلّى الله عليه وسلّم ببيان ولاية عليّ بقوله: {بلّغ ما أنزل إليك من ربك} فلما نزلت هذه الآية خطب رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم بذلك، فحينئذٍ نزلت { اليوم أكملت لكم دينكم . . . } الآية . وهذا من أعظم الكذب والإفتراء على الله ورسوله صَلّى الله عليه وسلّم، وهو ما لم يقل به عالِم، كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة) (4/ 10) وبين كذب هذه الرواية مما جاء في تفسير الثعلبي وكتاب أبي نعيم، وهما اللذان أشار اليهما هذا الموسوي في الهامش (25/ 65) في بيان سبب نزول قوله تعالى {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك } ونحن نجزم أنه نقل ذلك من سلفه ابن المطهر الحلي ولم ينقله مباشرة من تلك الكتب والا فليذكر لنا موضعه إن كان صادقا وكذلك بين شيخ الإسلام كذب هذه الرواية في تفسير النقاش وقال –(4/ 10)-: (وفي كتاب أبي نعيم والثعلبي والنقاش من الكذب ما لا يعدُ) . وقد نقلنا فيما سبق من كلام شيخ الإسلام لهم فيما يرويه أمثال الثعلبي وأبي نعيم والنقاش هل يقبلونه مطلقاً ؟ فان في هذه الكتب من فضائل الشيخين- أبي بكر وعمر- جملة كثيرة من الصحيح وغيره مما ينغّص عليهم أخذهم بها، بل مما يبين أنهم ينتقون من الأخبار ما يوافق هواهم. بقي في الهامش (25/ 65) مما عزا اليه سبب نزول هذه الآية الواحدي، وقد قال: (أخرجه غير واحد من أصحاب السنن كالإمام الواحدي في سورة المائدة من كتاب أسباب النزول عن أبي سعيد الخدري . . . .)(64/156)
وهو ما يبين جهله بكتب الحديث فليس كتاب الواحدي من كتب السنن حتى يجعله مثالا لها، أو أنه فعل ذلك عمداً تدليساً وإخفاءً للحقيقة. وهذا الذي ذكره أخرجه الواحدي (ص 150) من طريق علي بن عابس عن الاعمش وابي حجاب عن عطية عن ابي سعيد. ولا شك في وضعه وهو بهذا الاسناد، فعطية هذا هو ابن سعد العوفي، واضافة إلى ضعفه فإنّه كان يأتي الكلبي- وهو محمّد بن السائب الكلبي وكان كذّاباً يضع الحديث , وقد مر ذكره- ويأخذ عنه الحديث والتفسير ويكنيه ابا سعيد، وقال له مرة: كينتك أبا سعيد، فيذكره ويوهم أنه يريد ابا سعيد الخدري، كما اغتر به هذا الموسوي- انظر ترجمته في (الميزان) و(تهذيب التهذيب) وغير ذلك- أبعد هذا يطمئن منصف لمثل هذا الإسناد ؟ ثم ان علي بن عابس الرواي عن الاعمش ضعيف أيضاً، قال ابن حبان: فحش خطؤه فاستحق الترك إ. ه. وطريق الاعمش عن عطية العوفي هذا هو احد طريقي ابي نعيم- كما ذكره هذا الموسوي في الهامش- فلا يصح الحديث بمثله اذاً.(64/157)
واما عن سبب نزول الآية الاخرى {اليوم أكملت لكم دينكم . . . } الآية وان ذلك كان بعد الغدير فلا يلزمنا ما نقله في الهامش (26/ 66) عن الباقر والصادق فانهما غير معصومين عندنا، وقولهما هذا يحتاج- كما قلنا مرات عديدة- إلى صحة نسبته اليهما أولا ثم إلى اصابتهما الحق في ذلك ثانياً، خصوصاً وانهما لم يشهدا حجة الوداع ولا غيرها ولم يدركا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يمكن الاخذ بقولهما ؟ وهم يعيبون على بعض الصحابة كثرة رواياتهم للاحاديث بدعوى انهم لم يعاصروا رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم الا مدة يسيرة فكيف جاز لهم الوثوق برواية الباقر والصادق وهما ليسا صحابيين بالاجماع؟ اما ان كان الباقر والصادق يذكران ذلك بروايتهما عمن ادرك النبي صلى الله عليه وسلم فينبغي لنا اذا ان ننسبه إلى رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ? لا لهما- وهذا ما لا يحدث هنا- ثم ننظر في اسناده أيضاً، هذا هو صنيع أهل العلم بالاخبار بخلاف غيرهم من أهل الجهل والضلال والاهواء.
وما ذكره في سبب نزول هذه الآية وعزاه لأهل السّنّة لم يذكر من اخرجه صريحاً، ولا اظنه يعني الا ما ذكره سلفه ابن المطهر الحلي من رواية ابي نعيم باسناده إلى عطية العوفي عن ابي سعيد، وقد تقدم حال عطية هذا مع ابي سعيد، وقال شيخ الإسلام ردّاً على ابن المطهر في هذا الحديث: - (المنتقى) (443)- (و هذا من الكذب بإتفاق أهل المعرفة بالموضوعات، وقد ثبت ان الآية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو واقف قبل يوم الغدير بسبعة أيام، ثم ليس فيها دلالة على علي رضي الله عنه ولا على إمامته) إ. ه.(64/158)
قلت: اما نزول الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة فهذا ثابت كما قال شيخ الإسلام رواه الامام احمد (1/ 28) والبخاري (45) ومسلّم (3017) والترمذي (4/ 95- 96) والنسائي (8/ 114) وابن جرير (6/52- 53) وابن مردويه- (تفسير ابن كثير) (2/13)- عن عدد من الصحابة منهم: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان وترجمان القرآن عبد الله بن عباس والصحابي الجليل سمرة بن جندب رضي الله عنهم اجمعين، وارسله أيضاً الشعبي وقتادة بن دعامة وشهر بن حوشب وغير واحد من الأئمة والعلماء- كما قال الحافظ ابن كثير في (تفسيره) (2/14)- ونحن نلزمهم الحجة بمذهبهم بقول علي رضي الله عنه وقول ابن عباس رضي الله عنهما ايضا- الأول رواه ابن مردويه كما في (تفسير ابن كثير) (2/ 13) . والثاني رواه ابن جرير (6/53)- وقال الامام ابن كثير (2/14): (و قد روى ابن مردويه من طريق ابي هارون العبدي عن ابي سعيد الخدري انها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم حين قال لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم رواه عن ابي هريرة وفيه انه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يعني مرجعه عليه السّلام من حجة الوداع ولا يصح لا هذا ولا هذا) إ. ه. والحمد لله الذي ابان الحق وازال الريب.
هذا وقد ذكر في سبب نزول قوله تعالى {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك وإنْ لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس} حوادث أخرى اصح مما زعمه الموسوي ذكرها اصحاب التفاسير واسباب النزول كالواحدي والسيوطي فاعرض عنها الموسوي بحثا عما يوافق هواه. . ثم ان هذه الآية وان كأنت من المائدة إلاّ أنها نزلت متقدمة قبل يوم الغدير بمدة الا ترى ان في سياقها {و الله يعصمك من الناس} وهذا شيء كان في أوائل الإسلام كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- (المنتقى) (ص490)-.(64/159)
قوله: (الم تر كيف فعل ربك يومئذ بمن جحد ولايتهم علانية وصادر بها رسول الله جهرة فقال: اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذاب اليم، فرماه الله بحجر من سجيل كما فعل من قبل بأصحاب الفيل، وانزل في تلك الحال: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع). وقال في الهامش (27/66): (اخرج الامام الثعلبي في تفسيره الكبير هذه القضية مفصلة ونقلها العلامة المصري الشبلنجي في احوال على من كتابه- نور الابصار- فراجع منه ص71، والقضية مستفيضة ذكرها الحلبي في أواخر حجة الوداع من الجزء 3 من سيرته واخرجها الحاكم في تفسير المعارج من المستدرك، فراجع ص 502 من جزئه الثاني) إ. ه.(64/160)
قلت: هذه القضية التي أشار اليها نقلها بإيجاز من سلفه ابن المطهر الذي عزاها لتفسير الثعلبي، ونحن ننقل لك نصّها فيما جاء به ورد شيخ الإسلام ابن تيمية عليها- انظر (المنتقى) (ص439- 440)-، قال ابن المطهر: (و من تفسير الثعلبي قال: لما كان يوم غدير خم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فاجتمعوا فاخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى رسول صلى الله عليه وسلم فأناخ بالأبطح فنزل وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ملأ من اصحابه فقال: يا محمّد أمرتنا بالشهادتين وبالصّلاة والزكاة والصّيام والحج فقبلنا منك، ثم لم ترض حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه فان كان هذا من الله فحدثنا، فقال: اي والله من أمر الله، فولى الحارث وهو يقول: ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله، وانزلت {سأل سائل بعذاب واقع} إ. ه. وهذا اعظم كذبا وفريةً من الأول, وقال شيخ الإسلام- (المنتقى) (442)-: (ثم هذا الحديث كذب باتفاق أهل الحديث، ولهذا لم يُروَ في شيءٍ من كتب الحديث المرجوع اليها، وانما يجوز صدقه من يقول: ان النبي صلى الله عليه وسلم كان على مذهب احد الاربعة وان أبا حنيفة ونحوه كانوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم أو كما تظن طائفة من التركمان ان حمزة له مغازٍ عظيمة وينقلونها بينهم، وحمزة ما شهد الا بدراً واستشهد يوم أحد) إلى آخر كلامه، ثم قال – (ص443)-: (و اتفق الناس على ان ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - بغدير خم كان مرجعه من حجة الوداع، الا ترى ان الشيعة تجعل يوم ثاني عشر ذي الحجة عيداً ؟ فبعد ذلك لم يرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة) إ. ه.(64/161)
قلت: لعلّ شيخ الإسلام يعني يوم ثامن عشر من ذي الحجة وليس ثاني عشر فان خطبة الغدير كان يوم ثامن عشر من ذي الحجة كما بينه الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/208) والحلبي في (سيرته) (3/309) وقال: (وقد اتخذت الروافض هذا اليوم عيداً فكأنت تُضرب فيه الطبول ببغداد في حدود الاربعمائة في دولة بني بويه) إ. ه. وقد جعلوا من يوم الغدير أعظم الايام فهو عيد الله الأكبر- فيما يزعمون- واعظم حرمة واشرف من الاضحى والفطر ووضعوا لذلك الاحاديث على لسان الأئمة، من ذلك أن عبد الله سُئل هل للمسلّمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: نعم أعظمها رحمة، قيل: وأي عيد هو ؟ قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم علياً. وعنه أيضاً: صيام يوم الغدير يعدل صيام عمر الدنيا وصيامه يعدل عند الله عزّ وجلّ في كل عام مائة حجة ومائة عمرة وهو عيد الله الأكبر وما بعث الله نبينا الا وتعيد في هذا اليوم وعرفه حرمته من صَلّى فيه ركعتين عدلت عند الله مائة الف حجة ومائة الف عمرة ومن افطر فيه مؤمنا كان كمن أطعم فياماً وفياماً وفياماً, وعد إلى العشرة (الفيام مائة الف) وكان له ثواب من اطعم بعددها من النبيين والصديقين والشهداء، لعلك ترى الله عزّ وجلّ خلق يوما اعظم حرمة منه، لا والله لا والله- انظر لهذه الاقوال: الحر العاملي (وسائل الشيعة) (5/224) (7/323)- وقد اشار شيخ الإسلام إلى أوجه رد هذه القصة من جهة متنها- (منهاج السنة) (4/13)- بعد أن بين أنّ إسنادها لا يصح وهو مكذوب ونحن نذكرها بتصرف. .(64/162)
الوجه الأول: ما ورد فيه أنّ الحارث جاءه وهو بالابطح، والابطح بمكة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يوجد في الابطح ولا في مكة في ذلك الوقت ولا بعده إلى ان لقي الله تعالى، وغدير خم الذي كأنت عنده الخطبة يقع بين مكة والمدينة قريب من الجحفة، كما في (البداية والنهاية) (5/208) وبين ابن كثير سبب هذه الخطبة فقال: (فبين فيها فضل علي بن ابي طالب وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بارض اليمن بسبب ما كان صدر منه اليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا وتضييقا وبخلا والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرغ عليه السّلام من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بين ذلك في اثناء الطريق فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ وكان يوم الاحد بغدير خم تحت شجرة هناك فبين فيها اشياء وذكر من فضل علي وامأنته وعدله وقربه اليه ما ازاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه) إ. ه. ثم ساق ابن كثير طرق هذا الحديث وتكلم عليها وبين انه لاحظ للشيعة فيه ولا متمسك لهم ولا دليل. وذكر نحو كلام ابن كثير هذا الحلبي في (السيرة الحلبية) (3/308) ثم رد على احتجاج الشيعة به على إمامة عليّ رضي الله عنه من عدة وجوه، وقد أشار هذا الموسوي إلى الحلبي في سيرته في الهامش (27/66) وانه ذكر تلك القصة المكذوبة السابقة الذكر، لكنّه لم ينقل كلامه هذأو رده عليهم، واعظم من ذلك لم ينقل تكذيب الحلبي لتلك القصة متابعا في ذلك للذهبي، إذ قال الحلبي (3/309): (قال الحافظ الذهبي: هذاحديث منكر جدا قال الحلبي: اي بل كذب) إ. ه. وهذا مما يؤكد ما قلناه عنه مرارا انه ينتقي من الكتب ما يوافق هواه دون الاعتماد على اصول علمية صحيحة وهذا هو الفارق بين أهل العلم وأهل الجهل، كما بيناه سابقا.(64/163)
والسبب الذي اشار اليه ابن كثير والحلبي والذي من أجله خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في غدير خم وقال ما قال جاء مصرحا به في رواية ابن اسحاق- (سيرة ابن هشام) (4/250)- ان عليا رضي الله عنه لما قدم من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على جنده الذين معه رجلا من اصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك ما هذا ؟ قالك كسوت القوم ليتجملوا به اذا قدموا في الناس، قال: ويلك انزع قبل ان ينتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأنتزع الحلل من الناس فردها في البز قال واظهر الجيش شكواه لما صنع بهم . وانظر أيضاً (البداية والنهاية) (5/208- 209) . .
ولهذه القصة طرق أخرى , وفي معظم أحاديث خطبة الغدير انها كأنت في الطريق بين مكة والمدينة مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع , وهي وان كأنت وصاية عامة بعلي وأهل البيت رضي الله عنهم أجمعين الا ان لها سبباً وهو ما يمنع احتجاجهم بها على إمامة علي، بالاضافة إلى عدم مساعدة لفظها على ذلك فيما سنبينه ان شاء الله . .
الوجه الثاني: قوله ونزلت {سأل سائل} وهي مكية بالاتفاق، وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى {سأل سائل بعذاب واقع} قال: هو النضر بن الحارث بن كلدة، اخرجه النسائي وابن ابي حاتم- انظر (تفسير ابن كثير) (4/418)، (أسباب النزول) للسيوطي (ص 173- 174)، (أسباب النزول) للواحدي (ص329) - .(64/164)
الوجه الثالث: قوله تعالى {و إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم} اخرج البخاري (4648) عن أنس انها نزلت في قول ابي جهل: اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر. . . .) فنزل قوله تعالى بها ثم قال: {و ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} وان ذلك نزل عقيب بدر، وكما هو سياق آياتها من سورة الانفال، وقيل انها نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة المتقدم ذكره، أخرجه ابن جرير (9/152) وانظر أيضاً (اسباب النزول) ولم يذكر واحد منهم ما ادّعاه هذا الموسوي.
الوجه الرابع: قال شيخ الإسلام- (المنتقى) (ص443)-: (و لو كان هذا المجهول قد نزل عليه حجر فرق هامته وخرج من دبره لكان آيةً من جنس اصحاب الفيل، وذلك مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله) إ. ه. قلت: فلما لم يكن له ذكر الا في هذه الرواية المكذوبة علم بذلك كذبه.
بقي من قوله في الهامش عزو القصة للحاكم في (المستدرك) (2/502) في تفسير سورة المعارج، وهو كذب يعرفه كل من راجع مستدرك الحاكم، ولا يستحي هذا الموسوي من مثل هذا، فليس عند الحاكم هناك سوى ما اخرجه باسناده عن سعيد بن جبير {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج} قال ذي الدرجات، سأل سائل قال: هو النضر بن الحارث بن كلدة قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء إ. ه. فهذا ما اخرجه الحاكم وهو عين ما رواه ابن جرير في سبب نزول الآية مما اشرنا اليه قبلا وليس فيه اي ذكر لعلي رضي الله عنه ولا أهل البيت اصلا ولا اظنه الا من تخيلات هذا الموسوي أو افترائاته.(64/165)
قوله: (و سيسأل الناس عن ولايتهم يوم يُبعثون كما جاء في تفسير قوله تعالى: وقفوهم انهم مسؤولون)إ. ه. هذه الآية مكية بالاتفاق وهي قبل ان تكون لعلي ولاية اصلا حتى على قولهم فانهم يزعمون ان النبي صلى الله عليه وسلم انما نصبه وليا يوم الغدير بعد حجة الوداع فكيف يكون هو المقصود في تلك الآية حتى وفق اصولهم؟ وكل ما نقله في الهامش (28/66) في بيان سبب نزول الآية انما نقله من (الصواعق المحرقة) لابن حجر الهيثمي الذي اكتفى بذكر ذلك ولم يبين شيئا من اسناده ولم يشر اليه حتى، فهذا مما لا تعلم صحته- على فرض وجوده- فلا يحل لاحد ان يحتج بمثل هذا. قال عبد الله بن المبارك: لولا الاسناد لقال من شاء ما شاء . . اضافة إلى ان كتاب الديلمي- وهو مسند الفردوس- محشوّ بالموضوعات المكذوبات كما هو معروف عند أهل العلم، وكتاب الواحدي- أسباب النزول- اكثر احتواءً للموضوعات من سابقه، هذا مع العلم اني لم اجد قول الواحدي هذا في كتابه ولا ادري من اين نقله ابن حجر، لهذا قلت على فرض وجوده، ناهيك عن انه قول الواحدي نفسه ولم يسنده إلى احد فلا يساوي في ميزان الحق شيئاً.(64/166)
ثم انه قد نقل ابن كثير (4/4) تفسير هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يعني احبسوهم انهم محاسبون إ. ه. فبطل بذلك احتجاجه بهذه الآية فليس ما قاله من التفسير بأولى مما نقلناه عن ابن عباس وهو حبر الامة وترجمان القرآن رضي الله عنه وهو من أهل البيت. قال شيخ الإسلام- (المنتقى) (ص461- 462)-: (فانظر إلى سياق الآيات في قريش {و يقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لِشاعر مجنون}- إلى قوله- {احشروا الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الحجيم وقفوهم اهم مسؤولون} فهذا نص في المشركين المكذبين بيوم الدين، فهؤلاء يسألون عن التوحيد والايمان، واي مدخل لحب علي في سؤال هؤلاء ؟ اتراهم لو احبوه مع شركهم لكان ذلك ينفعهم ؟ ومعاذ الله ان يفسر كتاب الله بمثل هذا) إ. ه.
قوله: (و لا غرو فان ولايتهم لمما بعث الله به الأنبياء واقام عليه الحجج والأوصياء، كما جاء في تفسير قوله تعالى: واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا. بل هي مما اخذ الله به العهد من عهد: الست بربكم كما في تفسير قوله تعالى: وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى) إ. ه.(64/167)
قلت: قد تقدمت منا الاشارة إلى كلامه هذا وأنه يريد به ان يبين ان الخلق كلهم ما اخلقوا الا من أجل علي وان الفلك لا يدور الا لأجله وأهل البيت، وهذا القول لا يقوله مسلّم في محمّد صلّى الله عليه وسلّم خير البرية فكيف يقوله هذا الموسوي في علي وأهل البيت ؟ وقد قدمنا ان هذا كلام من اعرض عن توحيد الله سبحانه ومن اتخذ من دون الله اندادا يحبهم كحب الله، وها هو كتاب الله بيننا يبطل قول مثل هذا الرجل: {و ما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون} . { ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} {و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليهِ أنّه لا إله إلاّ أنا فاعبدون} {يُنزّل الروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنّه لا إله إلا أنا فاتقون} . ولا أظن عاقلا يقول ان الامم السابقة وانبياءها كان عندهم علم عن علي وأهل البيت . بل هذا كلام المجانين. . .
وما افسد استدلاله بهذه الآية { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} فهو يقتطع من النّصوص ما يريده ويذر الباقي، ويحرف بذلك كلام الله ومراده، ولا أجد له مثلا الا كالذي يحتج على تركه الصلاة بقوله تعالى {فويل للمصلين} ولا يكمل الآية واليك تمام الآية، قال الله تعالى: {و اسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون} فهذا هو تمام الآية وفيه بيان المراد من السؤال وهو القضية العظمى التي بعث الله من أجلها الرسل وانزل الكتب الا وهي عبادة الله وحده لا شريك له، لكن هذا الرجل يحرفها ويجعلها موالاة على وأهل البيت، فأين هذا من هذا؟(64/168)
وكل ما ذكره في الهامش (29/66) تخريجا لقوله انما هو كذب لا شك في ذلك، لذلك تراه قد ساقه بشكل مبهم جدا ً ولم يذكر اي موضع له، كعزوه لابي نعيم في (الحلية)، وكتاب الحلية في أحد عشر مجلدا ً فضلا عن احتواءه الصحيح والمكذوب، فكيف يصح مثل هذا التخريج ؟ ولا شك في بطلان اي اثر أو حديث في تفسير الآية بما ذكره لما قدمنا من سياق الآية وتمامها. واجعل هذا نموذجا لك لتأخذ فكرة عن طبيعة استدلالاته التي ادعى انها (بدليل لا يترك خليجة وبرهان لا يدع وليجة) كما قال في مقدمة كتابه (ص35) ولم يكتف بذلك بل قال: (وعنيت بالسنن الصحيحة، والنّصوص الصريحة) ولا اظنه يعني الا كتاب اخر غير هذا فلم اجد في كتابه هذا أيّ رائحة لما يقول. .
واما استدلاله بقوله تعالى: { وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى} فابطل من سابقه, الا ترى قوله { ألستُ بربّكم قالوا بلى} فلم يذكر فيه نبياً ولا ولياً ولا اميراً، فهو ميثاق التوحيد خاصة- كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (المنتقى) (ص485)- ويؤيده انه قال بعده: {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذريةً من بعدهم} فهو الميثاق الذي اخذه الله على بني آدم جميعا لتوحيده خاصة، حتى انه لي فيه ميثاق النبوة- كما قلنا- فكيف بما دونها مما يزعمه هذا الموسوي عن ولاية علي وأهل البيت؟(64/169)
وقوله في الهامش (30/ 67): (يدلك على هذا حديثنا عن أهل البيت في تفسير الآية) إ. ه. لا اراه يعني الا ما ذكره سلفه ابن المطهر الحلي وعزاه للفردوس- وهو كتاب الديلمي- عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلّم: (لو يعلم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال الله { وإذ اخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} قالت الملائكة بلى، فقال تعالى: انا ربكم ومحمّد نبيكم وعلي أميركم) إ. ه.
قال شيخ الإسلام- (المنتقى) (ص485)-: (فالجواب منع الصحة، بل هو كذب باتفاق أهل المعرفة والنقد) إ. ه. قلت: والكذب واضح من سياقه ومن تحريف الآية وتحميلها ما ليس فيها. وهذه الآية من الآيات التي يزعم علماء الشيعة انها محرفة وان لفظها: (الست بربكم ومحمّد نبيكم وعلي اميركم) راجع مواضع التحريف التي اشرنا اليها في كتاب (الكافي) و(تفسير القمي) في مقدمة كتابنا. وهو ما يعنيه هذا الموسوي لكنّه لم يستطع التصريح به فاكتفى بالاشارة إلى ما يروونه في ذلك.(64/170)
واضافة إلى الوجه المتقدم في رد احتجاجه بهذه الآية قال شيخ الإسلام: (و أيضاً فان الميثاق اخذ على الذرية كلها، أفيكون علي أميراً على الأنبياء كلهم من نواح إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم ؟ وهذا كلام المجانين، فان أولئك ماتوا قبل ان يخلق الله علياً، فكيف يكون أميراً عليهم؟ وغاية ما يمكن ان يكون أميراً على أهل زمانه، أما الإمارة على من خلق قبله وعلى من خلق بعده فهذا من كذب من لا يعقل وما يقول ولا يستحي مما يقول. ومن العجب ان هذا الحمار الرافضي هو احمر من عقلاء اليهود الذين قال الله فيهم: {مثل الذين حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ً} والعامة معذورون في قولهم: الرافضي حمار اليهودي، والعاقل يعلم ان هذا وامثاله باطل عقلا ً وشرعا ً، وانما هذا نظير قول ابن عربي الطائي وامثاله: ان الانبياء كانوا يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء الذي خلق بعدهم بدهور فغلو هؤلاء في الولاية كغلو أولئك في الامامة)إ. ه.
قوله: (وتلقى آدم من ربه كلمات التوسل بهم فتاب عليه) وقال في الهامش (31/67): (أخرج ابن المغازلي الشافعي عن ابن عباس قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، قال سأله بحق محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين فتاب عليه وغفر له، وهذا هو المأثور عندنا في تفسير الآية) إ. ه.(64/171)
قلت: هذا حديث مكذوب موضوع، ذكره ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/316) من طريق الدارقطني في افراده، قال الدارقطني: (تفرد به حسين الاشقر رأوي الموضوعات عن الاثبات، عن عمرو بن ثابت وليس بثقة ولا مأمون) إ. ه. وعزاه للدارقطني أيضاً الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/413)، والحديث ذكره السيوطي في (الدر المنثور) (1/147) ولم يحكم عليه بشيء لكنّه عاد وحكم بوضعه وكذبه في (اللالئ المصنوعة) (1/404) . وساق له الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/395) اسناداً آخر من طريق محمّد بن علي ابن خلف العطار عن حسين الأشقر، وعزاه لابن النجار، وهو لا يغني شيئا فما زالت آفته في حسن الأشقر، ومحمّد بنعلي بن خلف العطار اتهمه ابن عدي بالوضع وقال: البلاء عندي في هذا الحديث منه لا من حسين كما في (لسان الميزان) . وقال شيخ الإسلام بعد تكذيبه لهذا الحديث- (المنتقى) (ص459)-: (فأمّا الكلمات فقد جاءت في القرآن مفسرةً في قوله تعالى: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين} ومن المعلوم ان من هو دون آدم من الكفار والفساق اذا تاب احدهم إلى الله توبة نصوحاً تاب الله عليه وان لم يقسم عليه بأحد، ونبينا ما أمر أحداً في توبته بمثل هذا الدعاء) إ. ه.
قوله: (و ما كان الله ليعذبهم، وهم امان أهل الارض ووسيلتهم اليهم).(64/172)
قلت: اما قوله (و ما كان الله ليعذبهم) فهو اشارة منه إلى قوله تعالى: {و ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} ولا دلالة في الآية- كما هو واضح- على ما ادعاه، فقد جعل الله سبحانه المانع من التعذيب أولاً هو وجود الرسول صلّى الله عليه وسلّم حيا بين ظهرانيهم وثانياً هو الاستغفار، وليس فيها ذكر لأهل البيت كما هو في نظر العقلاء . وأما قوله (و هم أمان أهل الأرض ووسيلتهم اليهم) وما نقله في الهامش (32/67) عن ابن حجر الهيثمي في (الصواعق المحرقة) فاشارة منه إلى حديث (و أهل بيتي أمان لأمتي. . .) وقد تقدم استشهاد هذا الموسوي به وردنا عليه عند الكلام على الهامش (13) صفحة (53) من المراجعات وبينا هناك كذبه ووضعه، وقد تعمد هنا عدم نقل كلام ابن حجر بنصه بل تصرف فيه بما يهواه، واليك نص كلامه في نفس الموضع الذي ذكره صاحب المراجعات: (و في ذلك احاديث كثيرة يأتي بعضها ومنها النجوم أمان لاهل السماء وأهل بيتي امان لأمتي، اخرجه جماعة كلهم بسند ضعيف وفي رواية ضعيفة ايضاً: أهل بيتي أمان لأهل الأرض. . .) إ. ه.
قوله: (فهم الناس المحسودون الذين قال الله فيهم: ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله. وهم الراسخون في العلم الذين قال: والراسخون في العلم يقولون آمنا) إ. ه.
قلت: انظر إلى تقطيعه الآية واستشهاده ببعضها دون بعض: فتمام الآية الثانية: {يقولون آمنا به كل من عند ربنا} وسياقها معلوم.(64/173)
وما ذكره من استشهاده بهاتين الايتين لا يدل على مطلوبه . فنحن لا ننكر شمولها لاهل البيت- علمائهم- ولكن اين الدليل على تخصيصها بهم دون غيرهم ولفظها عام. والآية الأولى اتبعها الله سبحانه بذكر نعمته على آل ابراهيم فقال: { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنّم سعيراً} فان كان يدعي ان آل ابراهيم هنا هم أهل البيت فقط نغص عليه ذلك قوله تعالى: {فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه} مما يقتضي شمولها لهم جميعاً، ثم ان آل ابراهيم يشمل حتى اليهود، فما يقول في ذلك؟
لكن هذا الموسوي انما يستدل على تفسيره هذا بقول جعفر الصادق الذي اخرجه محمّد بن يعقوب الكليني، وقد تقدم بيان حاله وحال كتابه، هذا على فرض اصابة جعفر الصادق في تفسيره هذه الآية، فهم محتاجون في ذلك إلى أمرين؛ الأول: إثبات صحة ذلك عن جعفر، والثاني: إثبات صحة قول جعفر هذا في نفسه، وأنّى لهم ذلك في كلا الأمرين؟ !
ولا يغرّنّك قوله في الهامش (34/67): (أخرج ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب بسنده الصحيح) فإنّه من الكذب الذي يستحي منه العقلاء وقد قدمنا في تعقيبنا على كلامه في الهامش (14/63) ما في هذا اللفظ من المبالغة والكذب وبينا حال الكليني هناك اضافة إلى التفصيل في ذلك في مقدمة كتابنا فراجع ذلك. ثم ان هذا قول جعفر الصادق فلا يلزمنا الحجة أبداً، وهو استدلال بموضع النزاع فلا يصح.(64/174)
اما قوله في الهامش (33/67): (كما اعترف به ابن حجر حيث عد هذه الآية . .) فهو من المغالطة الشنيعة، إذ كل من قرأ كتاب ابن حجر هذا (الصواعق المحرقة) علم ان منهجه فيه ذكر جميع الاقوال والادلة واستقصاؤها بغض النظر عن صحتها وانطباقها على المطلوب الا تراه يضعف احياناً بعض الادلة التي يذكرها ويردها، مثل تضعيفه لحديث (اهل بيتي امان لامتي. . .) المتقدم ذكره في الفقرة السابقة، ومثل تضعيفه لقول علي رضي الله عنه: (نحن النجباء. . .) الوارد في الهامش (15) صفحة (47) من المراجعات وغيرها كثير، ناهيك عن الادلة التي لا يذكر اسنادها ولا يتكلم بشيء عن صحتها وثبوتها.
وما سوى ذلك من الآثار عن جعفر الصادق أو محمّد الباقر ليس فيه دليل يلزم به أهل السّنّة، على فرض ثبوت صحته عنهم، كما قلنا ولله الحمد.(64/175)
قوله: (و هم رجال الاعراف الذين قال: على الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) قلت: استلاله بهذه الآية من افسد الاستدلالات، ذلك انه يحط من قدر علي رضي الله عنه وأهل البيت حين يقول انهم هم اصحاب الاعراف، فالأعراف جمع عرف وكل مرتفع عن الارض عند العرف يسمى عرفا ً، كما قال ابن جرير (8/127). واصحاب الاعراف اختلفت عبارات المفسرين فيهم ومن هم لكنّها ترجع إلى معنى واحد وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فجعلوا هنالك إلى ان يقضي الله فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة بفضله ورحمته اياهم وقد ورد التصريح بذلك في بعض الاحاديث المرفوعة إلى رسول صلّى الله عليه وسلّم مثل ما اخرجه ابن جرير(8/128) وابو بكر بن مردويه وابن ابي حاتم- (تفسير ابن كثير) (2/216)، (الدر المنثور) (3/463- 465)- والبيهقي في (البعث والنشور) (111)، من طرق وان كان في اسانيدها ما فيها لكنا احسن حالا مما يستشهد به هذا الموسوي. وقد نص علىهذا المعنى في اصحاب الاعراف ابن عباس وحذيفة وابن مسعود وعبد الله بن الحارث بن نوفل ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله أجمعين فيما اخرجه الطبري (8/127- 128) وابن ابي حاتم- (ابن كثير) (2/217)- والبيهقي في (البعث والنشور) (108، 109، 110، 118، 119، 120)، وذكر آثارا ً اخرى السيوطي في (الدر المنثور) (3/ 461- 466) . . وهناك اقوال اخرى لكنّها مرجوحة مثل من قال انهم ملائكة أو انهم انبياء أو انهم علماء صالحون أو اهم من الجن وغير ذلك، لكن الصواب هو القول الأول، وليس هناك ذكر لما زعمه هذا الموسوي أبدا ً.(64/176)
ثم إنّ سياق الآية مما يؤيد القول الأول الذي ذكرناه، قال الله تعالى: { وبينهما حجابٌ وعلى الاعراف رجالٌ يعرفون كلا بسيماهم ونادوا اصحاب الجنة ان سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون واذا صُرفت أبصارهم تلقاءَ اصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} فهم اذاً لم يدخلوا الجنة بعد وهم يطمعون في دخولها ويستعيذون بالله من النار، فقط نجتهم حسناتهم من النار وقصرت بهم عن دخول الجنة. . . وواضح من سياق الآيات تلك إنّ من هم في الجنة في تلك الساعة وهم الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى قبل ثلاث آيات من هذه الآية فقال: {و نزعنا ما في صدورهم من غلٍ تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسلُ ربنا بالحق ونُودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعلمون} هؤلاء خير وأفضل ممن لم يدخل الجنة بعد وان كان سيدخلها بإذن الله، فالسبق إلى الجنة دليل على الأفضلية، الا ترى ان الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو أول من يُفتَح له بابُ الجنة كما ثبت ذلك في أحاديث متواترة وأمته أول الأمم دخولاً؟ فلو صحّ ما ادّعاه من ان علياً وأهل البيت هم اصحاب الأعراف وانهم في تلك الساعة لم يدخلوا الجنة بعد وقد دخلتها امم كثيرة فهو بهذا ينتقص من مرتبتهم ويحطّ من قدرهم، كما أسلفنا وهذا ما يفعله الجهل بأصحابه. .
قال القرطبي (7/136): (وقال ابن عطية: واللازم من الآية ان على الأعراف رجالا ً من أهل الجنة يتأخر دخولهم وتقع لهم ما وصف من الاعتبار في الفريقين) إ. ه.
وبعد أن قررنا من هم أصحاب الأعراففيما بينأ ثبوته عن الصحابة والتابعين، ورددنا ما سوى ذلك فهذا أوان الكلام على ما زعمه هذا الموسوي فيما ساقه في الهامش (35/ 67) فنقول:(64/177)
أما قول ابن عباس الذي زعمه من تفسير الثعلبي فهو شبه الريح لم يبين مخرجه ولا اسناده ولا موضعه، واني له ذلك وهو لم ينقله من نفس التفسير، هذا مع معارضته لما ثبت من قول ابن عباس نفسه فيما اخرجه الطبري والبيهقي وغيرهما مما اشرنا اليه قبل قليل، ونحن نذكر اسنادا لما ننسبه إلى ابن عباس لا كما يفعل هذا الموسوي خصوصا وقد مر بنا التنبيه على تفسير الثعلبي هذا. واما قول علي وقول سلّمان الفارسي رضي الله عنهما اللذان عزاهما للحاكم فتلفيق واضح لكل من راجع (مستدرك الحاكم) عند تفسير هذه الآية، وهو لا يستحي من مثل هذا فليس عند الحاكم أياُ من ذلك ولا شبيهه، لذا تراه لم يذكر موضعا في ذلك. كل ما عند الحاكم ان روى (2/320) باسناده عن حذيفة قال: (اصحاب الاعراف قوم تجأوزت بهم حسناتهم النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة فإذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك قال قوموا ادخلوا الجنة فاني قد غفرت لكم) . قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. فأين هذا مما ادعاه هذا الموسوي؟ اهذه هي امأنته في النقل؟ ابمثل هذا يصبح الرجل إماما ً ؟ فمن فعل مثل هذا- وهو كثير- لا يستبعد منه ان يختلق هذه المراجعات من اساسها، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وها هو الحاكم الذي يعول عليه هذا الموسوي واشباهه كثيرا ً يروي في تفسيره هذه الآية ما يدحض حجتهم ويؤيد ما ذهبنا اليه قبلا ً، ولله الحمد والمنة.(64/178)
ثم باقي ما جاء في هامش هذا الموسوي نقله من (الصواعق المحرقة) فليس له فضل فيه . وقبل الكلام على ما أورده تفصيلاً أحب أن اذكر بمنهج ابن حجر الهيثمي في صواعقه، فلم يلتزم هو الصحة إطلاقا ً ولم يدّع ذلك بل ربما يضعّف هو نفسه ما يورده هناك، فعلى هذا لا يكفي للإحتجاج بما يورده ابن حجر هناك مجرد ذكره بل لا بد من معرفة إسناده ومخرجه ومن ثم ثبوته حتى يصح الإحتجاج به، وهو أمر معدوم هنا بالكلية مع ما تحقق لنا من كذب تلك الأحاديث التي ساقها ابن حجر هناك ونقلها هذا الموسوي في هذا الهامش واليك التفصيل:(64/179)
اما حديث الدارقطني الأول الذي فيه كلام علي رضي الله عنه للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم، وهو حديث طويل فقد امكننا معرفة مخرجه واسناده، إذ ذكره ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة المرفوعة) (1/358- 359) وساق بطوله من حديث أبي الطفيل عامر بن وائلة الكناني قال: (كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الاصوات بينهم فسمعت عليا يقول . . . وذكره) . وعزاه للعقيلي في الضعفاء من طريق زافر بن سليمان عن رجل الحارث بن محمّد، قال: وشيخ زافر لا يُدرى من هو، وكذا الحارث بن محمّد، قال العقيلي: ورو اه محمّد بن حميد الرازي فقال ثنا زافر ثنا الحارث بن محمّد، واسقط الرجل المبهم، وهذا عمل ابن حميد ولا أصل لهذا الحديث عن علي إ. ه. وقال ابن الجوزي: زافر مطعونٌ فيه، ثم انه رواه عن مبهم، ولعله الذي وضعه. ثم الحديث الذي اشار اليه ابن حجر- ونقله الموسوي في هامشه- فقال: معناه ما رواه عنترة عن علي الرضا ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: يا علي أنت قسيم الجنة والنار. . . فلم يبين من أخرجه ولم نجده في أي من الكتب ونحن نسأل هل يمكن ان يصح ويوجد مثل هذا الاسناد: (علي الرضا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم) ؟ فعلي هذا هو ابن موسى بن جعفر بن محمّد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، من كبار الطبقة العاشرة مات سنة ثلاث ومائتين ولم يكمل الخمسين- كما في ترجمته من (التهذيب) و(التقريب)- وعلى هذا يكون قد ولد بعد وفاة النبي صَلّى الله عليه وسلّم بمائة وثلاث واربعين سنة تقريبا، فهل هذه هي أسانيد الشيعة؟ ؟
بقي الحديث الأخير الذي ذكره ابن حجر- ونقله هذا الموسوي أيضاً - ان أبا بكر قال لعلي رضي الله عنهما: سمعت رسول الله يقول: لا يجوز احد الصراط الا من كتب له عليّ الجواز إ. ه.(64/180)
وقد ذكره ابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة) (1/ 366) وعزاه للخطيب البغدادي من طريق عمر بن واصل، ونقل قول الخطيب: هذا من عمل القصّاص وضعه عمر أو وضع عليه إ. ه. وعمر بن واصل هذا ذكره الذهبي في (الميزان) وقال: اتهمه الخطيب بالوضع إ. ه. فالحديث اذا موضوع مكذوب وقد عده من الموضوعات أيضاً كلّ من ابن الجوزي في (الموضوعات) (1/398)، والسيوطي في (اللالئ المصنوعة) (1/197)، والشوكاني في (الفوائد المجموعة) (381) وذكروا له أيضاً ألفاظا ً أخرى في معناه كلها موضوعة مكذوبة مردودة، مثل: (اذا جمع الله الأولين والآخرين ونصب الصراط على جسر جهنم لم يجزه أحدٌ الا من كانه معه براءة بولاية علي) ومثل: (على الصراط عقبة لا يجوزها أحد الا بجواز من علي بن ابي طالب) فقبّح الله من وضعها. . .
قوله: (ورجال الصدق الذين قال: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا)إ. ه.
قلت: لا شك في دخول علي رضي الله عنه وأهل البيت في هذه الآية كدخول غيرهم من الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وآخرين، فلفظها عام لا ينبغي لاحد تخصيصه حتى بسبب نزولها، حسب القاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فحتى وان صح ما ادعاه هذا في سبب نزولها لا يمكنه قصرها عليهم دون غيرهم، اقول هذا وأنا لا اشك في عدم صحة ما ادعاه في سبب نزولها، وهذه كتب اسباب النزول ككتاب الواحدي الذي نقل منه الكثير وكتاب السيوطي تذكر سببا ً غير ما ذكره لهذه الآية، وهو أصح سندا ً واقوى ثبوتا ً وعليه اتفاقهم لكنّه حين رأى فيها ما رأى أعرض عنها إلى قصة لا يعرف سندها ولا صحتها.(64/181)
فقد أخرج الامام احمد (3/201)، والبخاري (4/23)، ومسلّم(3/ 1512)، والترمذي (4/162- 163)، وابن جرير (21/ 144)، وابو نعيم في (الحلية) (1/ 121)، وابن ابي حاتم وابن مردويه- (تفسير ابن كثير) (3/475)، (الدر المنثور) (6/ 586) – والواحدي في (اسباب النزول) (ص 265، 266)- وانظر كذلك (اسباب النزول) للسيوطي (ص 134)- سبب نزول هذه الآية وانها نزلت في أنس بن النضر- عم أنس بن مالك – رضي الله عنه حين استشهد يوم احد. .
وما نقله في الهامش (36/68) عن ابن حجر من (الصواعق المحرقة) من قول علي رضي الله عنه فلا يعتبر دليلا لعدم معرفة مخرجه واسناده ولا صحته فنحن لا نحتج بمثل هذا أبداً، وهو ما نبهنا عليه قريبا من منهج ابن حجر في كتابه ذاك وانه يذكر جميع الاقوال في المسألة، لذا فذكره لها لا يُغني في ميزان الحق شيئا ً دون معرفة إسناده وصحته, وهو أمر لا قِبَلَ لهذا الموسوي به والحمد لله. ثم ان الآية حتى وان ثبت ما قاله فيهما لا دليل فيها اطلاقا على مطلوبه من امامة علي وأهل البيت دون سواهم فليس فيما سوى وصفهم بالصدق فيما عاهدوا الله عليه، اين هذا من الامامة ؟ أيقتضي وصف أنسان بالصدق في عهده ان يكون اماما على غيره؟ هذا قول تعجزه الادلة على مطلوبه الفاسد فيتذرّع لذلك بشتى الذرائع وان كأنت واهية.
بقي من تعليقه في الهامش (36/ 68) عزوه سبب نزولها الذي ادعاه للحاكم من طريق عمرو بن ثابت عن ابي اسحاق عن علي. هذا ما اظهره لنا من اسناده وهو لوحده كاف في رد الحديث وبيان ضعفه, إذ ان فيه ثلاث علل:
الأولى: عمرو بن ثابت هذا هو الكوفي، قال الحافظ في (التقريب): (ضعيف رمي بالرفض)وقال ابن المبارك: لا تحدثوا عنه فإنّه كان يسب السلف. وقال ابن معين: هو غير ثقة. وقال النسائي: متروك الحديث، وقال مرة: ليس بثقة ولا مأمون. . . وهو إلى ذلك متهم بالرفض فلا يحتج به في شيء من فضائل علي، كما هو المقرر في (المصطلح).(64/182)
الثانية: ابو اسحاق المذكور هو السبيعي المعروف وهوثقة لكنّه اختلط بآخره- كما في (التهذيب) وغيره- وعمرو بن ثابت السابق الذكر ممن اخذ عنه في الاختلاط لأنه متأخر عنه جدا ً فبين وفاتيهما ثلاث ٌ واربعون سنة.
الثالثة: تتعلق بأبي إسحاق السبيعي أيضاً فهو إلى حاله السابق مدلّس وقد عنعنه (عن علي) فلا يطمئن لروايته، خصوصا وان لم يثبت له سماع من علي رضي الله عنه- كما في (التهذيب)- وانما رآه فقط، إذ أنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، فذلك يعني أنه حين مات علي رضي الله عنه كان عمره أقل من سبع سنين.
هذه ثلاث علل لما أظهره فقط من إسناد هذا القول، وكل واحدة منها تكفي لردّ حديثٍ لم يعارضه شيء فكيف اذا اجتمعت في إسناد واحدٍ لقولٍ خالفه أصح منه واثبت واكثر طرقاً؟ لا شك في رده وابطاله.
ثم رجعت إلى (مستدرك الحاكم) في تفسير هذه الآية لعلي أجد ما ادعاه هذه الموسوي فلم أجده هناك أبدا ً وليس عند الحاكم في تفسير هذه الآية سوى حديث طلحة رضي الله عنه بأنه ممن قضى نحبه- اي طلحة- وهوالذي رواه غير الحاكم أيضاً كالطبري وابن أبي حاتم وكذا الترمذي. ومما يؤكد عدم وجوده في (المستدرك) أيضاً انه لم ينقله من المستدرك بل من تفسير(مجمع البيان) الذي أشار إلى الحاكم وذكر الإسناد، و(مجمع البيان) ليس من كتب أهل السّنّة حتى يحتج بما فيه الموسوي على أهل السّنّة بل هو من كتبهم هم لإمامهم أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، ولم يتيسر لي الرجوع اليه وان كان هذا لا يعنينا فاللازم ان يحتج هذا الموسوي على أهل السّنّة بما في كتبهم هم كما زعم في مقدمة مراجعاته، وان كان الاحتجاج حاصل برواية الحاكم فنحن نسأل اين روى ذلك الحاكم؟ فليس هو في مستدركه، وعلى كل حال فالإسناد الذي ساقه كافٍ لردّ الحديث- كما بيناه- ان صح زعمه بإخراج الحاكم لذلك، والله ولي التوفيق. .(64/183)
قوله: (ورجال التسبيح الذين قال الله تعالى: يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال لا تلهيهم تجارة ٌو لا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما ً تتقلب فيه القلوب والأبصار، وبيوتهم هي التي ذكرها الله عزّ وجلّ فقال: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) إ. ه.
قلت: استشهاده هذا ينبغي له ان يجعله استشهادا ً واحدا ً لأنها آية واحدة، وهي قوله تعالى: { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدو والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما ً تتقلّب فيه القلوب والأبصار} وفيها أثر واحد وهو ما ذكره في الهامش (38/68) ففي سبب نزول قوله تعالى: {و اذا رأوا تجارة أو لهوا ً انفضّوا إليها وتركوك قائما ً} ولا أدري من أين نقله ولم يُشِر هو حتى إلى مصدره، مما يؤكد الريبة فيه خصوصا وان لا تعلق ابدا بين الحادثة التي جرت يوم الجمعة- كما جاء فيه- وبين قوله تعالى: {يسبّح له فيه بالغدوّ والآصال رجالٌ لا تلهيهم . . } الآية ولا اظنه الا من تصرفه بالنص.
ولا عبرة بعزوه ذلك إلى مجاهد وابن عباس فإنّه لا شك في كذبه، الا تراه قد عمّى على مصدره فلم يذكره، وهذه كتب التفسير واسباب النزول التي تحكي عن ابن عباس ومجاهد خلاف ما قاله، كما سنبينه.(64/184)
والصحيح في سبب نزول قوله تعالى: {و اذا رأوا تجارةً أو لهوا ً انفضّوا إليها وتركوك قائماً}- وهي الآية التي ذكرها الموسوي في الهامش (37/ 68)- ما أخرجه الامام احمد (3/370) والبخاري (2/16)، ومسلّم (2/590)، والترمذي (4/200) وابن جرير (28/67، 68)، والحافظ ابو يعلى- (تفسير ابن كثير) (4/367)-، والواحدي (ص319- 320)، وعزاه السيوطي في (الدر المنثور) (8/165) لسعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد الرحمن وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي، من طرق عن جابر بن عبد الله قال: بينما نحن نصلّي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ اقبلت عيرٌ تحمل طعاما ً، فالتفتوا اليها حتى ما بقى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا اثنا عشر رجلا ً فنزلت هذه الآية: {و اذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائما ً}.
وقد جاء التصريح بتسمية بعض الاثني عشر هؤلاء بأنّ فيهم (ابا بكر وعمر) عند مسلّم والترمذي وأبي يعلى والواحدي والآخرين الذين عزاه السيوطي اليهم، وهذا يبين لك التحريف الذي قام به هذا الموسوي أو من اعتمد عليه، فحذف من الرواية ابا بكر وعمر ووضع بدلاً من ذلك علياً والحسن والحسين وفاطمة.(64/185)